الكواكب النّيرات
بتخريج وشرح أثر:
((من كان منكم مستناً فليستن بمن مات))
بقلم
خالد بن قاسم الردادي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102] ،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:1] ،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70،71].
أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكُلَّ ضلالةٍ في النَّار.
وَبَعْدُ :
فهذه فوائد قمت برقمها في شرح أثر ومقولة سلفية قد حوت جملة من الدرر الغوالي والفوائد الثمينة،وهذه المقولة هي :
( من كان منكم مستناً فليستن بمن مات ؛فإنَّ الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة ) .
راجياً من الله أن ينفع بها، وهو الموفق والمعين.
تخريج الأثر وبيان ألفاظه
لاريب أنّ هذه المقولة السلفية قد تضمنت عدّة أصول من أصول الدعوة السلفية ،وقبل بيان هذه الأصول ،نذكر تخريج هذا الأثر وبيان ألفاظه ومن ثم نبين معناه
ومحتواه :(1/1)
لقد جاء هذا الأثر عن صحابيين جليلين وهما : عبد الله بن مسعود ،وعبد الله بن عمرـ رضي الله عنهم ـ :
*أما ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فإليك طرقه وألفاظه :
1-أخرجه اللالكائي في"شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(130)،والطبراني في"الكبير"(9/152)، وأبو نعيم في"الحلية"(1/136) من طريق الأعمش ،عن سلمة بن كهيل ،عن أبي الأحوص ،عن عبد الله -رضي الله عنه-قال :
((ألا لا يقلدنّ أحدكم دينه رجلاً ،إن آمن آمن وإن كفر كفر ،فإن كنتم لا بد مقتدين فبالميت ،فإنّ الحيَّ لا يؤمن عليه الفتنة )).
وإسناده صحيح،وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد"(1/188): "ورجاله رجال الصحيح".
2-وأخرجه اللالكائي في"شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(131)من طريق عبيد الله بن موسى ،عن إسرائيل ،عن أبي حصين ،عن يحيى بن وثاب ،عن مسروق ،عن عبد الله -رضي الله عنه-قال:
(( لا تقلدوا دينكم الرجال ،فإن أبيتم فبالأموات لا بالأحياء )).
وإسناده صحيح.
3-وأخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"(10/116): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ،ثنا أبو الحسين محمد بن أحمد القنطري ،ثنا أبو الأحوص القاضي، ثنا محمد بن كثير المصيصي ،ثنا الأوزاعي ،حدثني عبدة بن أبي لبابة، أن بن مسعود -رضي الله عنه- قال :
(( ألا لا يقلدن رجل رجلاً دينه ،فإن آمن آمن وإن كفر كفر ،فإن كان مقلداً لا محالة ،فليقلد الميت ويترك الحي، فإنّ الحي لا تؤمن عليه الفتنة)).
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
4-وأخرجه الخطيب البغدادي في"الفقيه والمتفقه"(757)من طريق أبي جعفر:محمد بن جرير الطبري،حدثني أحمد بن الوليد،نا عبد الله بن داود،قال:ذكر الأعمش ،عن أبي عبد الرحمن قال :قال عبد الله -رضي الله عنه-:
(( لا يقلدنّ رجلٌ دينه [رجلاً]،إن آمنَ آمنَ،وإن كفرَ كفرَ )).
وإسناده صحيح ،وأبو عبد الرحمن هو:عبد الله بن حبيب،أبو عبد الرحمن السلمي ،من كبار التابعين ثقة ثبت.(1/2)
5-وأخرجه ابن حزم في"الإحكام"(6/97)من طريق ابن وهب أخبرني من سمع الأوزاعي يقول:حدثني عبدة بن أبي لبابة أنّ ابن مسعود-رضي الله عنه-قال:
((ألا لا يقلدن رجل رجلاً دينه ،إن آمن آمن وإن كفر كفر ،فإن كان مقلداً لا محالة ،فليقلد الميت ويترك الحي، فإنّ الحي لا يُؤمن عليه الفتنة)).
وقال عقبه:" وهذا باطل ،لأن ابن وهب لم يسم من أخبره ،ولا لقي عبدة بن أبي لبابة بن مسعود".
قلت:وهذه ليست بعلّة ،فقد صحَّ-كما تقدم-عن ابن مسعود-رضي الله عنه- فقد جاء موصولاً عند البيهقي -كما تقدم آنفاً- بسند صحيح ،وتقويه أيضاً طرقه الأخرى،وحينئذ فلا يلتفت لمثل هذا !
وإنما كان إعلال ابن حزم-رحمه الله- للأثر بناءً على مذهبه في تحريم التقليد مطلقاً دونما تفصيل،قال الدارمي -رحمه الله -:
" غير أنا نقول :إن على العالم باختلاف العلماء أن يجتهد ويفحص عن أصل المسألة حتى يعقلها بجهده ما أطاق ،فإذا أعياه أن يعقلها من الكتاب والسنة، فرَأيُ من قبله من علماء السلف خير له من رأي نفسه ،كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-:..." فذكر الأثر(1)-وسيأتي بيانه-.
وقد تكلم ابن حزم عقب ذلك بكلام فاسد بطلانه يغني عن إبطاله !والله المستعان.
6-وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1810)،والهروي في "ذم الكلام"(ص188) من طريق سلام بن مسكين ،عن قتادة قال :قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه-:
((من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ،فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمةِ قلوباً ،وأعمَقَها تكلفاً،وأقوَمها هدياً ،وأحسنَها حالاً ،قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه- صلى الله عليه وسلم- ،فاعرفوا لهم فضلَهم واتبعوهم في آثارهم ،فإنهم كانوا على الهدي المستقيم )).
لابأس به وإسناده منقطع،لكن يشهد له أثر ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـوسيأتي.
__________
(1) "نقض الدارمي"(2/665-666).(1/3)
وأورده البغوي في"تفسيره"(1/284)،وابن القيم في "اعلام الموقعين"(2/202-203)،و"اغاثة اللهفان"(1/159)،و"مدارج السالكين"(3/436) ،والتبريزي في"مشكاة المصابيح"(1/42)عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه-بلفظ:
((من كان منكم مستنا، فليستن بمن قد مات، فإنَّ الحي لا يؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد، أبرُّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقُها علماً، وأقلُها تكلفاً، قوم اختارهم الله لإقامة دينه، وصحبة نبيه، فاعرفوا لهم حقَّهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم)).
*وأما أثر عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ :
فقد أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء"( 1/305) بلفظ:
((من كان مستناً فليستن بمن قد مات ؛أولئك أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم -كانوا خير هذه الأمة ،أبرّها قلوباً، وأعمقها علماً ،وأقلها تكلفاً ،قوم اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم-)).
وإسناده حسن.
هذا بالنسبة لتخريج الأثر وبيان ألفاظه ،وأما ما تضمنه من معاني وأصول جليلة ،
فها نحن نشرع في بيانها- سائلين الله التوفيق والسداد-:
إن هذا الأثر تضمّن على وجه الإجمال الأصول التالية:
1) وجوب لزوم منهج ومسلك السلف .
2) التحذير من المناهج المخالفة والمناوئة لمنهج السلف.
3) ذم التقليد والتحذير منه ،وعدم تقديس الأشخاص والغلو فيهم وخاصة الأحياء منهم مهما أوتوا من العلم وأنهم يوزنون بميزان الحق ومدى لزومهم للسنة.
4) وجوب أخذ العلم من أهله الراسخين فيه.
الفوائد والأصول التي دلّ عليها أثر ابن مسعود-رضي الله عنه-
أما الأصل الأول الذي تضمنه هذا الأثر الجليل ودلّ عليه,فهو:
*وجوب لزوم منهج السلف:
فمما لا يخفى على الجميع مدى أهمية وجوب لزوم منهج السلف وهم الصحابة -رضي الله عنهم- ومن اتبعهم بإحسان ،فهو المنهج الحق والصراط القويم الذي يلزم كل مسلم سلوكه واتباعه :
والأدلة على هذا متضافرة ،وإليكم طرفاً منها :
فمن الأدلة:(1/4)
1) قوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [ البقرة :143].
والوسط:الخيار العدل ،فالصحابة بلا ريب خير الأمة وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإرادتهم ونياتهم،وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة ،والله تعالى يقبل شهادتهم عليهم فهم شهداؤه .
والشاهد المقبول عند الله تعالى هو الذي يشهد بعلم وصدق فيخبر بالحق مستنداً إلى علمه به كما قال تعالى:{َ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف: 86] فمن خالفهم فقد خالف الحق الذي شهدوا به؛لأنه ليس مع الحق خلافَ ماشهد به الصحابة ،هذا لا يكون ،فمن شهدوا له كان معهم وكان هو على الحق بشهادتهم له ،ومن لم يشهدوا له لم يكن معهم ولم يكن هو على الحق (1).
2) ومن الأدلة على هذا الأصل أيضاً :قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة:119].
قال عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ :"مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه "(2).
وقال الضحاك :" مع أبي بكر وعمر وأصحابِهِما " (3).
ولاريب أن هذه المعية المأمور بها أنها :معية ائتمام واقتداء في العلم والفهم والعمل والاعتقاد ،وأن من خالفهم في شئ في ذلك ـ وإن وافقهم في غيره ـ لم يكن معهم فيما خالفهم فيه ،فحينئذ يصدق عليه أنه ليس معهم ،فتنتفي عنه المعية المطلقة لاسيما إذا خالفهم في أمور الاعتقاد(4).
__________
(1) "اعلام الموقعين" (4/133).
(2) "تفسير ابن كثير"(4/170).
(3) "تفسير الطبري"(11/63).
(4) انظر:"اعلام الموقعين" (4/132).(1/5)
ومن الأدلة قوله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100] .
والاتباع للسابقين وهم الصحابة رضوان الله عليهم إذا لم يكن في الدين والعلم والإيمان ففي أي شيء يكون ؟
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية:
" فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛ فياويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم ولاسيما سيد الصحابة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وخيرهم وأفضلهم أعني: الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذا بالله من ذلك وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي الله عنهم.
وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله ويعادون من يعادي الله وهم متبعون لا مبتدعون ،ويقتدون ولا يبتدون؛ ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون " (1).
ماذا نقول نحن اليوم فيمن طعن في الصحابة ورماهم بالعظائم وتهكم بهم وضرب لهم مثل السوء ؟!!
وماذا نقول فيمن يجعل هذا المتهوك والطاعن الخبيث رافعاً لشأنه : إماماً شهيداً وقائداً فذاً مجيداً؟!!
أوليس هذا واتباعه أبعدَ الناس عن منهج ومسلك الصحابة الكرام !
{ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: من الآية46].
__________
(1) "تفسير ابن كثير"(4/142).(1/6)
*وأما عن الأدلة من السنة النبوية على هذا الأصل العظيم فكثيرة ،نذكر منها ما يأتي :
قوله صلى الله عليه وسلم : ((خَيرُ النَّاسِ قرني ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم))(1) .
وهذه الخيرية الواردة في الحديث :خيرية دين وعلم وفضل ،فلا يجوز أن تخلوا هذه العصور الفاضلة من الحق والصواب ،حتى يكون فيمن بعدهم من أهل القرون المفضولة من يعلمه،لأنه يلزم من ذلك أن يكون هذا القرن المتأخر خيراً من القرون الفاضلة ،ولو في هذا الوجه ،وهذا مايدل نص الحديث على بطلانه ؛بل يجب تقديمهم على من بعدهم في كل باب من أبواب الخير(2).
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم- في الفرقة الناجية :((ما أنا عليه اليوم وأصحابي))(3).
فكل من أراد أن يكون من الفرقة الناجية لزمه أن يركب سفينتها،وسفينة النجاة:ما عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-وأصحابه : من العلم والاعتقاد والعمل الصالح،ومن يرغب عنها فقد سفه نفسه ورام غير سبيلهم .
__________
(1) أخرجه البخاري(2615)،ومسلم(2535)من حديث عمران بن الحصين-رضي الله عنه-.
(2) انظر:"أعلام الموقعين"لابن القيم (4/136).
(3) أخرجه الترمذي(2641)،والحاكم(1/128-129)،وابن وضاح القرطبي في"البدع والنهي عنها"(270)،والآجري في"الشريعة"(ص16)،وفي"الأربعين"(13)،واللاكائي في"السنة"(147)،وقوّام السنة الأصبهاني في"الحجة"(1/107)،وابن نصر في"السنة"(62)،وابن بطة في"الإبانة الكبرى"(1/265)،وابن الجوزي في"تلبيس إبليس"(ص7)من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما-،وصححه ابن تيمية كما في"مجموع الفتاوى"(3/345)،والألباني في"صحيح الجامع الصغير"(5343)و"صحيح الترمذي"(2129).(1/7)
فالصحابة أفقه الأمة، وأبرهم قلوباً،وأعمقهم علماً،وأقلّهم تكلفاً،وأصحهم قصوداً،وأكملهم فطرة،وأتمهم إدراكاً،وأصفاهم أذهاناً:شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل،وفهموا مقاصد الرسول،وليس من سمع وعلم ،ورأى حال المتكلم كمن كان غائياً لم ير ولم يسمع، أو سمع وعلم بواسطة،أو وسائط كثيرة.
وعليه فالرجوع إلى ماكان عليه الصحابة من الدين والعلم متعيّن-قطعاً- على من جاء بعدهم ممن لم يشركهم في تلك الفضيلة(فضيلة الصحبة).
وعليه ،فإن أهل السنَّة والحديث المشتغلين بعلم الرسول -صلى الله عليه وسلم-وعلم بطانته من أصحابه وحواريه،هم أعلم الناس بهذا الموروث،فتكون أحوالهم في الديانة علماً وفهماً،وعملاً،واعتقاداً،لها ثقلها،واعتبارها في فهم مراد الله ورسوله،ولهذا كان الأخذ بالفتاوى الصحابية والآثار السلفية أولى من آراء المتأخرين وفتاويهم،وأن أقربها إلى الصواب بحسب قرب أهلها من عصر النبوة،فكلما كان العهد بالرسول -صلى الله عليه وسلم- أقرب كان الصواب فيه أغلب،وهذا الحكم بحسب الجنس لا بحسب كل فرد من أفراد المسائل ،فعصر التابعين وإن كان أفضل من عصر تابعيهم ،فإنما ذلك بحسب الجنس،لا بحسب كل شخص،وهكذا الصواب في أقوالهم وفتاويهم،فالتفاوت بين علوم المتقدمين وعلوم المتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين(1).
و قد حث علماء الأمة وأئمتها على لزوم منهج السلف والسير في ركابهم وترسم خطاهم وأكدوا على هذا الأصل ودندوا به كثيراً؛فإنَّ من شعار أهل السنة السلفيين أهل الحديث والأثر كابراً عن كابر بيان منزلة الصحابة والسلف الصالح عندهم ،حتى صاروا يذكرون ذلك في جملة عقائدهم ،مظهرين مباينتهم للمنتقصين لهم ،والغالين فيهم من فرق وطوائف أهل الأهواء والبدع كالرافضة والخوارج والمعتزلة والجهمية و...
__________
(1) انظر:"اعلام الموقعين"(1/79،80)و(4/147-150)و(4/118)،و"مختصر الصواعق"(2/345،346).(1/8)
قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ :"أصول السنة عندنا التمسك بما عليه أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-ولاقتداء بهم،وترك البدع .."(1).
وقال عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله عنه ـ :
"سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سنناً ،الأخذ بها تصديق لكتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ واستكمال لطاعته ،وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها، ولا تبديلها ،ولا النظر في رأي من خالفها فمن اقتدى بما سنوا اهتدى ،ومن استبصر بها بصر ،ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ـ عزّ و جلّ ـ ما تولاه وأصلاه جهنّم وساءت مصيراً "(2).
قال ابن القيم في ... بعد أن أورد هذا الكلام عن عمر بن عبد العزيز :"كان مالك بن أنس وغيره من الأئمة يستحسنونه ويحدثون به دائماً "(3).
وقال إبراهيم النخعي ـ رحمه الله ـ : " لم يدخر لكم شيء خُبِئ عن القوم لفضل عندكم " (4).
وقال الأوزاعي ـ رحمه الله ـ :" اصبر نفسك على السنة ،وقف حيث وقف القوم ،وقل بما قالوا وكف عمّا كفوا عنه ،واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم ..." إلى آخركلامه -رحمه الله- (5).
__________
(1) "طبقات الحنابلة"(1/241)،"شرح أصول اعتقاد أهل السنة"للالكائي(317).
(2) أخرجه للآلكائي في" السنة"( 134)،والآجري في "الشريعة"(ص48،56)،وابن عبد البر في" الجامع "(2/228).
(3) "اعلام الموقعين "(4/151).
(4) " الموافقات"للشاطبي (4/87).
(5) أخرجه اللآلكائي في "السنة"(315)،وابن الجوزي في"تلبيس إبليس"(1/13و16).(1/9)
وقال-رحمه الله-: "عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإيّاك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول"(1).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- :"ولاتجد إماما ًفي العلم والدين كمالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ومثل الفضيل وأبي سليمان ومعروف الكرخي وأمثالهم ،إلاّ وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ماكانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة ،وأفضل عملهم ماكانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة ،وهم يرون أن الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب ..." (2).
وقال أيضاً ـ رحمه الله ـ :" ... ثم طريقة أهل السنة والجماعة : اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً ،واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ..." (3).
ولذا نرى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله- يربي أتباعه وطلابه على لزوم فهم السلف والتحذير من الخروج عنه ،فيقول مخاطباً تلميذه أبا الحسن الميموني-رحمه الله- بقوله:" إيّاك أنْ تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام"(4).
قال ابن رجب-رحمه الله-:
"أمّا الأئمة وفقهاء أهل الحديث:فإنهم يتَّبِعونَ الحديث الصحيح حيث كان،إذا كان معمولاً به عند الصحابة ومَنْ بعدهم،أو كان عند طائفة منهم.
__________
(1) أخرجه الآجري في"الشريعة"(127)،والبيهقي في"المدخل"(233)،والخطيب البغدادي في"شرف أصحاب الحديث"(ص7)،وابن عبد البر في"جامع بيان العلم"(2077)،والهروي في "ذم الكلام"(ص96)،وابن عساكر في"تاريخ دمشق"(35/200)،وابن حزم في"الإحكام"(6/221)من طرق عن الوليد بن مزيد ،عن الأوزارعي،وسنده صحيح.
(2) " شرح العقيدة الأصفهانية "(ص128).
(3) "مجموع الفتاوى"(3/157).
(4) "مناقب الإمام أحمد"(ص178).(1/10)
فأمّا ما اتُفِق على ترْكِهِ فلا يجوز العمل به؛لأنهم ما تركوه إلاّ على علم أنّه لا يعمل به،قال عمر بن عبد العزيز:خذوا من الرأي ما كان يوافق من كان قبلكم،فإنهم كانوا أعلم منكم ."(1).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
" فقد ثبت وجوب اتباع السلف -رحمة الله عليهم- بالكتاب والسنة والإجماع، والعبرة دلت عليه ،فإنّ السلف لا يخلوا من أن يكونوا مصيبين أو مخطئين ،فإن كانوا مصيبين وجب اتباعهم لأنّ اتباع الصواب واجب وركوب الخطأ في الاعتقاد حرام ،ولأنهم إذا كانوا مصيبين كانوا على الصراط المستقيم ومخالفهم متبع لسبيل الشيطان الهادي إلى صراط الجحيم ،وقد أمر الله تعالى باتباع سبيله وصراطه ونهى عن اتباع ما سواه فقال :{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:153] .وإن زعم زاعم أنهم مخطئون كان قادحاً في حق الإسلام كله ،لأنه إن جاز أن يخطئوا في هذا ،جاز خطؤهم في غيره من الإسلام كله ،وينبغي أن لا تنقل الأخبار التي نقلوها ولا تثبت معجزات النبي التي رووها فتبطل الرواية وتزول الشريعة ،ولا يجوز لمسلم أن يقول هذا ولا يعتقده"(2).
هذا بإيجاز بيان الأصل الأول الذي تضمنته المقولة التي نحن في صدد بيان ماحوته من معان جليلة وأصول عظيمة.
وأما الأصل الثاني الذي تضمنه هذا الأثر الجليل ودلّ عليه,فهو :
*التحذير من المناهج البدعية المخالفة والمناوئة لمنهج السلف:
ولا ريب أنّ هذا من الأصول المقررة عند السلف الصالح ،وقد دل على هذا تلكم الآثار المنتشرة والمتكاثرة في بطون كتب السنة والاعتقاد السلفية ،والتي تضمّنت التحذير الشديد من البدع وأربابها والنهي عن موالاتهم ،وتطبيق هذا النهج على كل من كان معاصراً لهم من أهل الزيغ والضلال .
__________
(1) "فضل علم السلف"(ص9).
(2) "ذم التأويل"(ص35).(1/11)
قال أبو عثمان إسماعيل الصابوني ـ رحمه الله ـ في وصف عقيدة السلف وأصحاب الحديث :
"ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ،ولا يحبونهم ،ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ،ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم ،ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم ،التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت، وجرت إليها الوساوس "(1).
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشهير بابن أبي زمنين -رحمه الله-:
"ولم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا يرون ذلك غيبة لهم، ولا طعناً عليهم. " (2).
وقال أبو المظفر السمعاني ـ رحمه الله ـ في كتابه " الانتصار لأهل الحديث":
" واعلم أنك متى تدبرت سيرة الصحابة، ومن بعدهم من السلف الصالح، وجدتهم ينهون عن جدال أهل البدع بأبلغ النهي، ولا يرون رد كلامهم بدلائل العقل، وإنما كانوا إذا سمعوا بواحد من أهل البدعة أظهروا التّبري منه ونهوا الناس عن مجالسته ومحاورته والكلام معه وربما نهوا عن النظر إليه.."(3).
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ -رحمه الله تعالى- ضمن تحذيره من بعض الضالين من أهل البدع :
"ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - قدس الله روحه - التشديد في هجرهم وإهمالهم، وترك جدالهم واطّراح كلامهم، والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم"(4).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ :
__________
(1) "عقيدة السلف وأصحاب الحديث"(ص114).
(2) "أصول السنة "(ص293).
(3) " صون المنطق والكلام" للسيوطي (ص153).
(4) "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" (3/111).(1/12)
"والمراد بهجران أهل البدع الابتعاد عنهم وترك محبتهم وموالاتهم والسلام عليهم وزيارتهم وعيادتهم ونحو ذلك، وهجران أهل البدع واجب لقوله تعالى :{ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:22] :ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك "(1) .
وأنت ترى اتفاقهم على هذا الأصل حتى غدا شعاراً لهم ،وقد اتخذوا منهجا ًبيّناً في إقامة هذا الأصل فكان تعاملهم مع أهل البدع والزيغ والضلال يشمل عدّة معالم لعل من أهمها :
1) ذمهم للبدع والأهواء المضلة للتنفير والتحذير منها :
قال معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ :
" إنها ستكون فتنة يكثر فيها المال ،ويفتح فيها القرآن حتى يقول َ القائلُ :لقد قرأت القرآن فما أرى الناس يتبعوني ؛فلأقرأنه علانية فيقرأه علانية ،فلا يتبعونه فيقول: ما أُرَاهُم يتبعوني، فيبني مسجداً في داره ثم يبتدع قولاً ليس في كتاب الله عزّ وجل ّ ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإيّاكم وما ابتدع ،فإنّ ما ابتدع ضلالة ،وأنذركم زيغة الحكيم فإنّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم ،وقد يقول المنافق كلمة الحق "(2).
وقال عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ :
" ما فرحت بشيء من الإسلام أشدّ فرحاً بأن قلبي لم يدخله شيء من هذه الأهواء "(3).
2) ومن المعالم نهيهم عن التهاون بأمر البدع مهما بدا أنها صغيرة يسيرة :
قال البربهاري ـ رحمه الله تعالى ـ:
__________
(1) " شرح لمعة الاعتقاد "(ص110).
(2) أخرجه أبو نعيم في"الحلية"(1/233)،والخطيب في"تالي تلخيص المتشابه"( 2/497)،وابن عساكر في"تاريخ دمشق"(65/337،338)،والمزي في"تهذيب الكمال"(32/219).
(3) أخرجه اللالكائي في"شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(227).(1/13)
" و احذر صغار المحدثات من الأمور ،فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً ،وكذلك كل بدعة أُحدثت في هذه الأمة ،كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ،ثم لم يستطع الخروج منها ،فعظمت وصارت ديناً يدان بها ،فخالف الصراط المستقيم ؛فخرج من الإسلام "(1).
3) ومن هذه المعالم -أيضا-ً نهيهم عن اتخاذ أهل البدعة بطانة :
فعن يحى بن سعيد القطان قال:لما قدم سفيان الثوري البصرة وجعل ينظر إلي أمر الربيع -يعني :ا بن صبيح -وقدره عند الناس ،فسأل أيّ شيء مذهبه؟ قالوا: السنة .قال:من بطانته ؟ قالوا : أهل القدر ،قال: هو قدري (2).
قال ابن بطة ـ رحمه الله ـ بعد أن أورد هذا الأثر معلقاً عليه :
"رحمة الله على سفيان الثوري لقد نطق بالحكمة فصدق وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة وما توجبه الحكمة ويدركه العيان ويعرفه أهل البصيرة والبيان ،قال الله عزّ وجلّ :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران: من الآية118]".
وعن عقبة بن علقمة -رحمه الله-قال:
" كنت عند أرطاة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنّة ويخالطهم، فإذا ذكر أهل البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم، قال: يقول أرطأة: هو منهم لا يلبّس عليكم أمره، قال: فأنكرت ذلك من قول أرطاة قال: فقدمت على الأوزاعي، وكان كشّافاً لهذه الأشياء إذا بلغته فقال: صدق أرطأة والقول ما قال، هذا يَنهى عن ذكرهم، ومتى يحذروا إذا لم يشد بذكرهم "(3).
وكان أبو بكر بن أبي عاصم صاحب كتاب" السنة " ـ رحمه الله ـ يقول:
__________
(1) "شرح السنة "(رقم:7-بتحقيقي).
(2) "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية" لابن بطة (421).
(3) "تاريخ دمشق"(8/15).(1/14)
"لا أحب أن يحضر مجلسي مبتدع ،ولا مُدَّع ،ولاطعَّان،ولا لعَّان،ولا فاحش،ولا بذيء،ولا منحرف عن الشافعي وأصحاب الحديث "(1).
وقال أبو داود السجستاني – رحمه الله -:
" قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل البيت مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود: المرء بخدنه" (2).
قال الشيخ حمود التويجري-رحمه الله- عن هذه الرواية وتطبيقها على أهل البدع كجماعة التبليغ:
" وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالماً بأنّ التبليغيين من أهل البدع والضلالات والجهالات، وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم؛ فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به، من البغض والهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً بهم، فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع والضلالات والجهالات، فإن لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم، فإنه يُلحق بهم ويُعامل بما يُعاملون به."(3)
وتقدم الإشارة إلى نهي السلف عن مخالطتهم ومجادلتهم وعدم حضور جنائزهم وعدم مجاورتهم ومناكحتهم .
وكل هذا يتبين من خلاله بجلاء الموقف الحق الذي ينبغي للسني سلوكه تجاه أهل البدع والزيغ .
هذا بإيجاز بيان الأصل الثاني الذي تضمنته المقولة التي نحن في صدد بيان ماحوته من معان جليلة وأصول عظيمة من أصول الدين .
وأما الأصل الثالث والذي جاء ذكره في الأثر:" فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة " وهو:
ذم التقليد والتحذير منه ،وعدم تقديس الأشخاص والغلو فيهم وخاصة الأحياء منهم :
__________
(1) "البداية والنهاية"لابن كثير (11/90).
(2) "طبقات الحنابلة" ( 1/160 ) ، و"مناقب أحمد" لابن الجوزي ( ص : 250 ) .
(3) " القول البليغ "( ص 230-231 ) .(1/15)
لا خلاف بين الناس أنّ التقليد ليس بعلم ،وأنّ المقلد لا يطلق عليه اسم عالم وهذا قول أكثر أهل العلم.
بيد أنّ التقليد ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
إلى ما يحرم القول فيه والإفتاء به ،وإلى ما يجب المصير إليه ،وإلى ما يسوغ من غير إيجاب(1).
فأما النوع الأول فهو ثلاثة أنواع:
أحدها :الإعراض عما أنزل الله، وعدم الإلفتات إليه اكتفاء بتقليد الآباء .
الثاني :تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله .
الثالث : التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلد والفرق بين هذا وبين النوع الأول ،أن الأول قلد قبل تمكنه من العلم والحجة ،وهذا قلد بعد ظهور الحجة له فهو أولى بالذم ومعصية الله ورسوله .
وقد ذم الله سبحانه هذه الأنواع الثلاثة من التقليد في غير موضع من كتابه، كما في قوله تعالى:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}[البقرة:170].
وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[الزخرف:24،25].
وقال تعالى :{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}[المائدة:104].
وهذا في القرآن كثير يذم فيه من أعرض عما أنزله وقنع بتقليد الآباء (2).
__________
(1) وانظر:"الفقيه والمتفقه"للخطيب البغدادي(2/132).
(2) انظر:"اعلام الموقعين"(1/45)و(2/187).(1/16)
وقد نهى الأئمة الأربعة - رحمهم الله- عن تقليدهم وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة، فقال الشافعي-رحمه الله-:" مثل الذي يطلب العلم بلا حجة،كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري "(1).
وقال إسماعيل بن يحيى المزني -رحمه الله- في أول "مختصره" :
"اختصرت هذا من علم الشافعي ،ومن معنى قوله لأقربه على من أراده مع إعلاميه نهيه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه"(2).
وقال أبو داود -رحمه الله- :"قلت لأحمد: الأوزاعي هو أتبع من مالك ؟ قال: لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ،ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فخذ به ،ثم التابعي بعد الرجل فيه مخير"(3).
وقد فرّق أحمد-رحمه الله- بين التقليد والاتباع ،فقال أبو داود:" سمعته يقول :الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير "(4).
وقال أيضا : "لا تقلدني ،ولا تقلد مالكا ،ولا الثوري ،ولا الأوزاعي ،وخذ من حيث أخذوا"(5).
وقال :"من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال"(6).
وقال بشر بن الوليد قال أبو يوسف-رحمه الله- : " لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا "(7).
__________
(1) أخرجه البيهقي في"مناقب الشافعي"(2/143)،وفي"المدخل"(263).
(2) "المختصر"للمزني(1/4- مع الحاوي الكبير).
(3) "مسائل أبي داود"(ص277).
(4) "مسائل أبي داود"(ص276)، "اعلام الموقعين"(2/201).
(5) "اعلام الموقعين"(2/201)،وانظر:"مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول"لأبي شامة المقدسي(ص61).
(6) "اعلام الموقعين"(2/201)،و"ايقاظ همم أولي الأبصار"(ص113).
(7) أخرجه البيهقي في"المدخل"(262).(1/17)
وعن الهيثم بن جميل قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله إن عندنا قوماً وضعوا كتبا يقول أحدهم: ثنا فُلان ،عن فلان ،عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- بكذا وكذا ،وحدثنا فلان عن إبراهيم بكذا ،ويأخذ بقول إبراهيم.
قال مالك: وصحَّ عندهم قول عمر؟ قلت: إنما هي رواية كما صح َّعندهم قول إبراهيم ،فقال مالك :هؤلاء يُستتابون(1).
فقد صرّح مالك -رحمه الله-بأنّ من ترك قول عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- لقول إبراهيم النخعي -رحمه الله- أنه يستتاب.
فكيف بمن ترك قول الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- لقول من هو دون إبراهيم أو مثله ! (2).
والحاصل أنّ المصنفين في السنَّةِ جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبيان زلة العالم؛ ليبينوا بذلك فساد التقليد وأنّ العالم قد يزل ولا بد إذ ليس بمعصوم ،فلا يجوز قبول كل ما يقوله وينزل قوله منزلة قول المعصوم ،فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض وحرموه وذموا أهله ،وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم ،فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه ،وليس لهم تمييز بين ذلك فيأخذون الدين بالخطأ ولا بد فيحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله ويشرعون ما لم يشرع ولا بد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه فالخطأ واقع منه ولا بد(3).
وعن ثوبان-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((
__________
(1) أخرجه ابن حزم في"الإحكام"(6/120-121).
(2) ما تقدم منقول من"اعلام الموقعين"لابن القيم (2/200-201)مع التصرّف اليسير.
(3) "اعلام الموقعين" (2/192)وما بعدها.(1/18)
أخوف ما أخاف على أمتي بعدي الأئمة المضلين))(1).
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -قال:(( يفسد الزمان ثلاثة؛ أئمة مضلون، وجدال المنافق بالقرآن -والقرآن حق-، وزلة العالم))(2).
ومن المعلوم أن المخوف في زلة العالم تقليده فيها إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره ،فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد ،ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه، وكلاهما مفرط فيما أمر به.
وعن يزيد بن عميرة -صاحب معاذ بن جبل- أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-كان يقول كلما جلس مجلساً:
((
__________
(1) أخرجه أحمد(5/27،284) ،وأبو داود(4252)،والترمذي(2229)وقال :"حديث حسن صحيح"،وابن ماجه(3952)،والدارمي(1/61-62)و(2/219)،وابن حبان(6714)و(7238)،والبيهقي في"السنن الكبرى"(9/181)،وفي"دلائل النبوة"(6/526-627)،والقضاعي في"مسند الشهاب"(2/193)، وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة"(4/109).
(2) أخرجه ابن المبارك في"الزهد"(ص520)،والدارمي(1/71)،والبيهقي في"المدخل"(833)،والخطيب في"الفقيه والمتفقه"(1/234)،وابن عبد البر في"جامع بيان العلم"(2/979).(1/19)
اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ ،فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَوْمًا :إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ ،وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ ،حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ، فَيُوشِكُ قَائِلٌ أَنْ يَقُول:َ مَا لِلنَّاسِ لَا يَتَّبِعُونِي وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ ؟مَا هُمْ بِمُتَّبِعِيَّ حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ ،فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ ،فَإِنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ ،وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ ،فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيم،ِ وَقَدْ يَقُولُ الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقّ ،
ِ قَالَ: قُلْتُ لِمُعَاذٍ" مَا يُدْرِينِي -رَحِمَكَ اللَّهُ- أَنَّ الْحَكِيمَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ؟ قَالَ : بَلَى اجْتَنِبْ مِنْ كَلَامِ الْحَكِيمِ الْمُشْتَهِرَاتِ، الَّتِي يُقَالُ لَهَا مَا هَذِهِ وَلَا يُثْنِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ ،فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ، وَتَلَقَّ الْحَقَّ إِذَا سَمِعْتَهُ فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا))(1).
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-قال :
((
__________
(1) أخرجه أبو داود(4611)،ويعقوب بن سفيان الفسوي في"المعرفة والتاريخ"(2/320-322)،وأبونعيم في"الحلية"(1/233)،و(9/332)،والبيهقي في"المدخل"(834)،وفي "شعب الإيمان"(6/484)،والخطيب في"تالي تلخيص المتشابه"(2/497)،وابن عبد البر في"الجامع"(2/981)،وابن عساكر في"تاريخ دمشق"(65/337)،والمزي في"تهذيب الكمال"(32/219)،والذهبي في"السير"(1/456-457)،وهو أثر صحيح.(1/20)
ويل للأتباع من عثرات العالم ، قيل :وكيف ذلك ؟ قال : يقول العالم من قبل رأيه ،ثم يسمع الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم - فيدع ما كان عليه)) .
وفي لفظ :((فيلقى من هو أعلم برسول الله- صلى الله عليه وسلم- منه فيخبره فيرجع ،ويقضي الأتباع بما حكم ))(1).
وعن تميم الداري -رضي الله عنه-قال : ((اتقوا زلة العالم ، فسأله عمر مع ابن عباس: ما زلة العالم ؟ قال: يزل بالناس فيؤخذ به ،فعسى أن يتوب العالم والناس يأخذون بقوله))(2).
وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-قال:
((يا معشر العرب !كيف تصنعون بثلاث :دنيا تقطع أعناقكم ،وزلة عالم ،وجدال منافق بالقرآن؟ فسكتوا، فقال :أما العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، وإن افتتن فلا تقطعوا منه إياسكم ،فإنّ المؤمن يفتتن ثم يتوب ،وأما القرآن فله منار كمنار الطريق فلا يخفى على أحد، فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه ،وما شككتم فكلوه إلى عالمه ،وأما الدنيا فمن جعل الله الغني في قلبه فقد أفلح ،ومن لا فليس بنافعته دنياه))(3).
وقال ابن وهب: سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش ،عن ابن مسعود أنه كان يقول :
((اغد عالماً أو متعلماً،ولا تغد إمعة فيما بين ذلك)).
قال ابن وهب: فسألت سفيان عن الإمعة؟ فحدثني عن أبي الزناد،عن أبي الأحوص ،عن أبي مسعود قال:
((كنا ندعو الإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيأتي معه بغيره ،وهو فيكم المحقب دينه الرجال))(4).
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:
((
__________
(1) أخرجه البيهقي في"المدخل"(835)و(836)،والخطيب البغدادي في"الفقيه والمتفقه"(2/14).
(2) أخرجه البيهقي في"المدخل"(838)،والخطيب في"الجامع لأخلاق الراوي والسامع"(1/145).
(3) أخرجه ابن عبد البر في"جامع بيان العلم"(2/982).
(4) أخرجه ابن عبد البر في "الجامع"(2/983)،و البيهقي في"المدخل"(378)،والطبراني في"الكبير"(9/167).(1/21)
إنَّ حديثَكم شرُّ الحديث،إنّ كلامكم شرّ الكلامِ ،فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل :قال فلان وقال فلان، ويترك كتاب الله ،من كان منكم قائماً فليقم بكتاب الله وإلا فليجلس ))(1).
فهذا قول عمر-رضي الله عنه- لأفضل قرن على وجه الأرض ،فكيف لو أدرك ما أصبحنا فيه من ترك كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة لقول فلان وفلان، فالله المستعان!(2).
ومع قبح التقليد وشدّة خطره ،بيد أنّ على طالب العلم أن يحذر كل الحذر من مسلك الاستقلال وحب التفرّد والمخالفة والشذوذ ،وعدم احترام أئمة الإسلام وتوقيرهم ،فإنه مسلك وخيم ومزلق خطير!
قال ابن رجب-رحمه الله-:
"وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم-يعني الأئمة-فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة،وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم،وهو أشد مخالفة لها-يعني السنة-؛لشذوذه عن الأئمة،وانفراده عنهم:بفهم يفهمه أو بأخذِ مالم يأخذ به الأئمة من قبله "(3).
وقال الذهبي-رحمه الله-في ترجمة ابن حزم الظاهري-رحمه الله-تعليقاً على قوله:(أنا أتبع الحق ،وأجتهد،ولا أتقيَّد بمذهب):
"قلت:نعم ،من بلغ رتبة الاجتهاد،وشهد له بذلك عِدّة من الأئمة:لم يسعْ له أن يُقلِّد،كما أنّ الفقيه المبتديء العاميّ،الذي يحفظ القرآن أو كثيراً منه:لا يسوغ له الاجتهاد أبداً، فكيف يجتهد؟ وما الذي يقول؟ وعلام يبني؟ وكيف يطير ولمَّا يُريِّش؟
__________
(1) أخرجه أبو زرعة الدمشقي في"تاريخه"(1/543)،ومن طريقه ابن حزم في "الإحكام"(6/97-98)بسند صحيح.
(2) ماتقدم من"اعلام الموقعين"(2/194).
(3) "فضل علم السلف"(ص13).(1/22)
والقسم الثالث:الفقيه المُنتهي اليَقِظ الفَهِم المُحَدِّث،الذي قد حفظ مختصراً في الفروع،وكتاباً في قواعد الأصول،وقرأ النحو،وشارك في الفضائل،مع حفظه لكتاب الله وتشاغله بتفسيره وقوة مناظرته،فهذه رتبة من بلغ الاجتهاد المُقيَّد،وتأهل للنظر في دلائل الأئمة،فمتى وضَحَ له الحق في مسألة ،وثبت فيها النص،وعمل بها أحد الأئمة الأعلام؛كأبي حنيفة مثلاً،أو كمالك أو الأوزاعي أو الثوري،أو الشافعي وأبي عبيد وأحمد وإسحاق:فلْيَتَبِع فيها الحق،ولا يسلك الرُّخص،وليتورّع،ولا يسعه فيها -بعد قيام الحجة عليه-تقليد"(1).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-:
"فينبغي للمؤمن أن يجعل همّه ومقصده معرفة أمر الله ورسوله في مسائل الخلاف،والعمل بذلك،ويحترم أهل العلم ويُوَقّرهم ولو أخطأوا،لكن لا يتخذهم أرباباً من دون الله،هذا طريق المنعم عليهم،أمّا اطِّراح كلامهم،وعدم توقيرهم:فهو طريق المغضوب عليهم "(2).
__________
(1) "سير أعلام النبلاء"(18/191).
(2) "مجموعة الرسائل النجدية"(1/11-12).(1/23)
إذا عرفت هذا فإنّ الله تعالى أوجب على العباد أن يتقوه بحسب استطاعتهم وأصل التقوى معرفة ما يتقى ثم العمل به ،فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه مما أمره الله به ونهاه عنه، ثم يلتزم طاعة الله ورسوله، وما خفي عليه فهو فيه أسوة أمثاله ممن عدا الرسول ،فليس أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا وقد خفي عليه بعض أمره ،فإذا أوجب الله سبحانه على كل أحد ما استطاعه وبلغته قواه من معرفة الحق وعذره فيما خفي عليه منه فأخطأ أو قلد فيه غيره ،كان ذلك هو مقتضى حكمته وعدله ورحمته ،بخلاف ما لو فرض على العباد تقليد من شاءوا من العلماء ،وأن يختار كل منهم رجلا ينصبه معيارا على وحيه ،ويعرض عن أخذ الأحكام واقتباسها من مشكاة الوحي، فإن هذا ينافي حكمته ورحمته وإحسانه ،ويؤدي إلى ضياع دينه وهجر كتابه وسنة رسوله ،كما وقع فيه من وقع ،وبالله التوفيق(1).
وأما الأصل الرابع والأخير وهو التأكيد على أهمية :
ممن يؤخذ العلم والدين:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(( البركةُ مع أَكَابِرِكُم ))(2).
قال المناوي -رحمه الله-في شرحه لمعنى الأكابر:
"المجربين للأمور المحافظين على تكثير الأجور فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم ،أو المراد من له منصب العلم وإن صغر سنه فيجب إجلالهم حفظاً لحرمة ما منحهم الحق سبحانه وتعالى.."(3).
__________
(1) انظر:"اعلام الموقعين"(2/264).
(2) أخرجه ابن حبان(559)،والحاكم(1/62)،والبيهقي في"شعب الإيمان"(7/463)،وابن عدي في"الكامل"(2/77)و(5/259)،وأبونعيم في"الحلية"(8/171،172)،والخطيب البغدادي في"تاريخ بغداد"(11/165)،والقضاعي في"مسند الشهاب"(36)،وابن عساكر في"تاريخ دمشق"(46/279)،والرافعي في"التدوين في تاريخ قزوين"(4/108-109) ،وصححه الحاكم وأقره الذهبي،وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة "(4 / 380).
(3) "فيض القدير"(3/220).(1/24)
إن السلفي صاحب سنة وأثر لا يأخذ دينه عمّن هب ودب ،وإنما يأخذ العلم عن أهل السنة وممن عرفوا بالرسوخ فيها والثبات عليها :
فعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يقول : "انظروا عمّن تأخذون هذا العلم ،فإنما هو الدين "(1).
وقد نُقِلَ هذا الأثرُ عن جماعة من السلف منهم ابن سيرين والضحاك بن مزاحم وغيرهما .
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : " دينك دينك إنما هو لحمُكَ ودَمُكَ ،فانظر عمّن تأخذ ؛ خذ عن الذين استقاموا ،ولا تأخذ عن الذين مالوا " (2).
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرِهم ،فإذا أخذوه من أصاغرهم و شرارهم هلكوا "(3).
والأصاغر هنا هم أهل البدع ،فقد سئل عبد الله بن المبارك ـ رحمه الله ـ:من الأصاغر ؟ قال : الذين يقولون برأيهم ،فأما صغير يروي عن كبير فليس بصغير "(4).
وعن ابن المبارك -أيضاً- أنه قال : "الأصاغر من أهل البدع "(5).
قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ معلقاً على كلام ابن المبارك هذا : " وهو موافق ،لأن أهل البدع أصاغر في العلم ،ولأجل ذلك صاروا أهل بدع "(6).
وقال الآجري ـ رحمه الله ـ:
__________
(1) أخرجه الخطيب البغدادي في" الكفاية"(ص121).
(2) أخرجه الخطيب في "الكفاية"(ص121).
(3) أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (815)،وابن عبدالبر في"جامع بيان العلم"(1057).
(4) "الزهد"لابن المبارك(ص21،281)،و"جامع بيان العلم"(1/612،617).
(5) " شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي(102).
(6) "الاعتصام"(1/131).(1/25)
" علامة من أراد الله به خيراً سلوك هذا الطريق ؛ كتاب الله عزّ وجلّ ،وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وسنن أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم ،وماكان عليه أئمة المسلمين في كل بلد إلى آخر ما كان من العلماء مثل الأوزاعي ،وسفيان الثوري ،ومالك بن أنس ، والشافعي ،وأحمد بن حنبل ،والقاسم بن سلام ،ومن كان على مثل طريقهم ،ومجانبة كل مذهب لايذهب إليه هؤلاء العلماء "(1).
وسئل الإمام إسحاق بن راهويه ـ رحمه الله ـ عن المقصود بالسواد الأعظم الذي جاء الأمر بلزومه فقال :
"محمد بن أسلم وأصحابه ومن تبعه" ثم علل لهذا بقوله:
"لو سألت الجهَّال من السواد الأعظم ؟ قالوا: جماعة الناس ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي -صلى الله عليه وسلم- وطريقه فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة ومن خالفه فيه ترك الجماعة"(2).
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ عقب كلام الإمام ابن راهويه :
"وصدق والله ،فإنَّ العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة، وهو الإجماع ،وهو السواد الأعظم، وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاّه الله ما تولّى وأصلاه جهنم ،وساءت مصيراً "(3).
فقد كانوا يعرفون الرجل أنه على الحق مقيماً ماكان على الأثر .
__________
(1) "الشريعة "(1/301).
(2) "حلية الأولياء" لأبي نعيم (9/238).
(3) "إغاثة اللهفان"(1/70).(1/26)
وقد أرشد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعون مِن بعدهم إلى أخذ العلم عن أهل العدل والاستقامة ؛وحذروا تحذيراً بالغاً من أخذه عن أهل الجور والزيغ ،ومن أهل الزيغ أهل البدع فإنهم زاغوا عن الدين وانحرفوا عنه بتلك البدع ،فلا يجوز أخذ العلم عنهم لأن العلم دين إنما يدرس للعمل به ،فإذا أخذه وتلقاه عن مبتدع فالمبتدع لا يؤصل ويقعد ويقرر من المسائل إلا ما يتدين به من البدع فيحصل حينئذ من التأثير في تلامذته علماً وعملاً ،فينشأون على البدع ،ويصعب عليهم الرجوع بعد ذلك عنها لأنها صارت ديناً يدان به ، فالحذر الحذر أيها السلفي من هذا المزلق الخطير والذي نبهنا وأرشدنا إلى الحذر منه سلفنا الأوائل رضي الله عنهم .
فـ"ياطالب العلم كن سلفياً على الجادة ،واحذر المبتدعة أن يفتنوك ؛فإنهم يوظِفون للإقتناص والمخاتلة سبلاً، يفتعلون تعبيدها بالكلام المعسول ،وهوعسل مقلوب ،وهطول الدمعة ،وحسن البزة ،والإغراء بالخيالات ،والإدهاش بالكرامات ،ولحس الأيدي ،وتقبيل الأكتاف ،وما وراء ذلك إلا وحم البدعة ووهج الفتنة ،يغرسها في فؤادك ،ويعتملك في شراكه ،فوالله لا يصلح الأعمى لقيادة العميان وإرشادهم ،أما الأخذ عن علماء السنة فالعق العسل ولا تسل"(1) .
__________
(1) "حلية طالب العلم"لـ بكر أبو زيد(ص30).(1/27)
وفي الأثر الذي نحن في صدد بيانه: تنبيه مهم جداً :وهو أن على السلفي صاحب السنة أن يلزم الكتاب والسنة حسب فهم وتقرير السلف ـ كما تقدم بيانه ـ ويلزم العلماء الراسخين المقتفين لأثر من سبق ،وأن عليه مع هذا عدم الغلو فيهم وأخص المعاصرين منهم الأحياء منهم لأن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ،فكم رأينا من أشخاص عرفوا بالسنة والدعوة إليها مدة من الزمن ؛ بيد أنهم لما عصفت بهم الفتن واستشرفوا لها وخالطوا المبتدعة واتخذوهم بطانة وهونوا من بدعهم ،فأصبحوا وغدوا معولاً لهدم الدعوة السلفية والفت في عَضُِدها من داخلها:من ذبٍ عن أهل البدع ونصرة لهم ،وتقعيد القواعد والتأصيلات الفاسدة فجاءوا بالبواقع والفواقع ،فاغتر بهم خلق من مريديهم وأتباعهم ،ولاريب أن هذا الأمر
لم يأت من فراغ ،وإنما هو ناتج في الأصل عن خلل في التأصيل والتربية،نشير إليهما على وجه الإجمال :
أما التأصيل : فيكمن في قراءة كتب أهل البدع وخاصة الفكرية وإدمان النظر فيها بحجة فهم الواقع ، مما نتج عنه الزهد والعزوف عن مطالعة كتب السنة والتفقه فيها،وكذا مخالطة أهل البدع والركون إليهم .
قال ابن القيم -رحمه الله-:
" وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها ،بل مأذون في محقها وإتلافها ، وما على الأمة اضر منها ،وقد حرّق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لما خافوا على الأمة من الاختلاف، فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفريق بين الأمة "(1).
وقال -رحمه الله-:" والمقصود أن هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها ،وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف وإتلاف آنية الخمر ،فإن ضررها أعظم من ضرر هذه ،ولا ضمان فيها ،كما لا ضمان في كسر أواني الخمر وشق زقازقها "(2).
__________
(1) "الطرق الحكمية"(ص327-328).
(2) السابق ( ص 329 )، (الزق):كل وعاء اتخذ لشراب ونحوه ، وجمعه: ازقاق .(1/28)
وقال الإمام الذهبي-رحمه الله- بعد أن ذكر بعض كتب أهل الضلال :
" فالحذار الحذار من هذه الكتب ، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل وإلا وقعتم في الحيرة ، فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية ، وليدمن الاستغاثة بالله ، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين ، والله الموفق "(1).
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن-رحمه الله- :
" فعليك بكتب أهل السنة، واحذر من كتب المبتدعة فإنهم سودوها بالشبهات والجهالات التي تلقوها عن أسلافهم وشيعهم "(2).
وقال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:
"ومن هجر أهل البدع: ترك النظر في كتبهم خوفاً من الفتنة بها، أو ترويجها بين الناس، فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الدجال: «مَنْ سمعَ به فلينأ عنه، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات »(3) "(4).
وقال -رحمه الله-: "إن مَن أراد الهداية فليطلبها مِن الكتب المنزلة من السماء، لا يطلبها من الأساطير، وقصص الرهبان، وقصص الزهاد، والعباد، وجعجعة المتكلمين، والفلاسفة، وما أشبه ذلك، بل مِن الكتب المنزلة من السماء.
__________
(1) " سير أعلام النبلاء" (19/328،329) .
(2) "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية"(3/83) .
(3) أخرجه أبو داود(4319)،وأحمد(4/431و441) ،وابن أبي شيبة في"مصنفه"(7/488)،والبزار في"مسنده"(9/63-64)،والطبراني في"الكبير"(18/220-221)،والحاكم في"المستدرك"(4/531)،وابن حزم في"المحلى"(1/50)،والمزي في"تهذيب الكمال"(23/569)من حديث عمران بن الحصين-رضي الله عنه-.
فال الحاكم:" هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه"،وسكت عنه الذهبي.وصححه الألباني في"صحيح سنن أبي داود"(4/116).
(4) "مجموع الرسائل والفتاوى"(5/ 89-90).(1/29)
فعلى هذا ما يوجد في كتب الوعظ من القصص عن بعض الزهاد، والعباد، ونحوهم نقول لكاتبيها وقارئيها: خير لكم أن تبدو للناس كتاب الله -عز وجل-، وما صح عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتبسطوا ذلك، وتشرحوه، وتفسروه بما ينبغي أن يفهم حتى يكون ذلك نافعاً للخلق؛ لأنه لا طريق للهداية إلى الله إلا ما جاء من عند الله -عز وجل-"(1).
ومن الخلل في التأصيل الاعتداد بالنفس والرأي والاستقلالية في الفهم مما ولد عدم الرجوع لأهل العلم الكبار والذين لهم قدم صدق وجهاد طويل في مسيرة هذه الدعوة ،فلا يرجع إليهم ويستضاء برأيهم وخاصة في النوازل ،بل يزهد ويزهد فيهم .....
وأما التربية :فمن أعظم نواحي الخلل فيها ما نراه بجلاء من تربية هؤلاء لتلامذتهم على نسق التربية الصوفية والحزبية :فالحق ما قاله هو- وإن كان بيّن البطلان -والباطل مانهى عنه -وإن كان حقاً- ،وهو بعمله هذا يدعوهم ولو بطريق غير مباشر لتقديسه ،فالله المستعان !
وهذا كله بلا ريب ناتج أيضا عن عدم الإخلاص في الدعوة ،وهو أعظم الآفات وأخطر المزالق :
قال تعالى :{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] .
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ : "في الآية أن الدعوة إلى الله طريق من اتبعه صلى الله عليه وسلم ،وفيه التنبيه على الإخلاص لأن كثيراً لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه ..." (2).
وهذا كله يقودنا للحديث عن وسائل الثبات على المنهج السلفي ،ولهذا موطن آخر لعله يتيسر بيانه في موطن آخر إن شاء الله .
وحاصل القول :
__________
(1) "التفسير"(1/184-185).
(2) "كتاب التوحيد بحاشية ابن قاسم" (ص56).(1/30)
إن على طالب العلم السلفي أن يحرص كل الحرص على لزوم السنة واقتفاء أثر من سلف مع إجلاله وتوقيره لأهل العلم الراسخين فيه والأخذ عنهم ،وذم الاعتداد بالرأي واتباع الهوى،ولزوم الإخلاص والتقوى.
قال ابن قدامة-رحمه الله-:
" ومن لم يسعه ما وسع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسلفه وأئمته فلا وسع الله عليه ، ومن لم يكتف بما اكتفوا به ويرضى بما رضوا به ويسلك سبيلهم وكل آخذ منهم فهو من حزب الشيطان و{إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: 6] ، ومن لم يرض الصراط المستقيم سلك إلى صراط الجحيم ،ومن سلك غير طريق سلفه أفضت به إلى تلفه ،ومن مال عن السنة فقد انحرف عن طريق الجنة .
فاتقوا الله تعالى وخافوا على أنفسكم فإنّ الأمر صعب ،وما بعد الجنة إلا النار وما بعد الحق إلا الضلال ولا بعد السنة إلا البدعة "(1).
وبعد:
فهذا ما تيسر جمعه وبيانه من معالم وفوائد تضمنها الأثر المذكور، سائلاً الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى ,وأن يعيننا على طاعته ،ولزوم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
وكتب:
راجي عفو ربه العليّ
خالد بن قاسم الردادي
أبو ياسر
المدينة النبوية
24/10/1424هـ
الفهرس
المقدمة..............................................................2
نخريج أثر ابن مسعود وبيان ألفاظه....................................3
الفوائد والأصول التي دلّ عليها أثر ابن مسعود-رضي الله عنه-.............7
الأصل الأول وجوب لزوم منهج السلف...........................7
الأصل الثاني التحذير من المناهج البدعية المخالفة والمناوئة لمنهج السلف......15
الأصل الثالث ذم التقليد والتحذير منه ،..................................20
الأصل الرابع ممن يؤخذ العلم والدين ................................27
__________
(1) "تحريم النظر في كتب الكلام"(ص70-71).(1/31)