بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
المصدر
مؤلفات الشيخ أبي إسحاق الحويني
مدح الشيخ الأ لباني لعلم وتحقيقات الشيخ الحويني
التعريف بالشيخ الحويني
الموسوعة ( عدد الأحاديث التي سئل عنها أكثر من 350 حديث وهناك أحاديث أخرى قد يذكرها اثناء جوابه )
أولا: المصدر:
مأخوذ من موقع الشيخ أبي إسحاق الحويني:
http://www.alheweny.com/safa3at1.htm
والموقع أخذ من مجلة التوحيد : باب :( أسئلة القراء عن الأحاديث )
وأما آخر ثلاثة أعداد فقد قمتُ بإضافتها من مجلة التوحيد وهى:
أغسطس 2002 و سبتمبر 2002 و يناير 2003وذلك بعد ان تصفحت كل أعداد المجلة المتاحة بموقعها www.altawhed.com ثم قارنتها بما فى موقع الشيخ الحويني ولم أستطع العثور على أعداد عام 1415 و 1416
ثانيا : مؤلفاته:
ومن مؤلفاته- كما جاء بالموقع-:
منها ما طبع و منها تحت الطبع )
1- تخريج تفسير بن كثير
2- الثمر الداني في الذب عن الألباني .
3- تحقيق الديباج شرح صحيح مسلم للسيوطي .
4- بذل الإحسان بتخريج سنن النسائي أبي عبد الرحمن .
5- تحقيق الناسخ والمنسوخ لابن شاهين .
6- - سد الحاجة إلي تخريج سنن بن ماجة .
7- اتحاف الناقم بوهم الذهبي والحاكم .
8- النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة .
9- تنبيه الهاجد إلي ما وقع من النظر في كتب الأماجد .
10 شرح وتحقيق المغني عن الحفظ و الكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب .
له كثير من الرسائل القصيرة منها :
1- سمط الآلي في الرد علي الغزالي .
2- صحيح القصص النبوي .
3- تحقيق فضائل فاطمة لابن شاهين .
4- كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء.
5- نهي الصحبة عن النزول بالركبة
وغيرها .......................
ثالثا: مدح الشيخ الأ لباني لعلم وتحقيقات الشيخ الحويني:
جاء فى مجلة التوحيد بموقعها العدد
1 6-2002 العدد6:
هذه شهادة الشيخ الألباني رحمه الله لمجلة التوحيد، ولباب الإجابة عن أسئلة القراء عن الأحاديث.(1/1)
قال الشيخ رحمه الله في القسم الثالث من الجزء السابع من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (ص1676- 1677): هذا، ولقد كان من دواعي تخريج حديث الترجمة بهذا التحقيق الذي رأيته: أن أخانا الفاضل (أبا إسحاق الحويني) سُئل في فصله الخاص الذي تنشره له مجلة "التوحيد" الغراء في كل عدد من أعدادها، فسُئل- حفظه الله وزاده علمًا وفضلاً- عن الحديث في العدد (الثالث- ربيع أول- 1419)؟ فضعفه، وبيّن ذلك ملتزمًا علم الحديث وما قاله العلماء في رواة إسناده، فأحسن في ذلك أحسن البيان، جزاه الله خيرًا، لكني كنت أود وأتمنى أن يُتْبِع ذلك ببيان أن الحديث بأطرافه الثلاثة صحيح؛ حتى لا يتوهمن أحد من قراء فصله أن الحديث ضعيف مطلقًا سندًا ومتنًا، كما يُشعر بذلك سكوته عن البيان المشار إليه. أقول هذا؛ مع أنني أعترف له بالفضل في هذا العلم، وبأنه يفعل هذا الذي تمنيته له في كثير من الأحاديث التي يتكلم على أسانيدها، ويبين ضعفها، فيتبع ذلك ببيان الشواهد التي تقوي الحديث، لكن الأمر- كما قيل-: كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه.
والحمد لله رب العالمين.
انتهى
رابعا: التعريف بالشيخ الحويني:
انظر مقدمته لكتابه ( تنبيه الهاجد) ففيها الكفاية ومقدمة الكتاب مع جزء كبير منه مرفق بهذه الموسوعة
الدعاء لأخيكم بظهر الغيب فى سجودكم
أسئلة عام 1413
يسأل القارئ / م أ ع كفر الدوار بحيرة عن صحة حديث : " أحبب حبيك هوناً ما ، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما ، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما " .
· قلت : هذا حديث صحيحٌ موقوفٌ . أخرجه ابن عدى فى " الكامل " ( 2/711-712 ) ، والخطيب فى " تاريخه " ( 11/427 ) وعنه ابن الجوزى فى " الواهيات " ( 2/248 ) من طريق الحسن بن دينار ، عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة مرفوعاً .. فذكره .(1/2)
وهذا سند ضعيف جداً وآفته الحسن بن دينار ، فإنه واه لكنه لم يتفرد به ، فتابعه أيوب السختيانى ، فرواه عن محمد بن سيرين ، عن أبى هريرة – قال : أراه رفعه – ثم ذكر الحديث .
أخرجه الترمذى ( 1997 ) ، والبزار فى " مسنده " ( ج3/ق 267/1 ) ، وابن حبان فى " المجروحين " ( 1/351 ) ، وابن عدىّ فى " الكامل " ( 2/712 ) ، وأبو الشيخ فى " الأمثال " ( رقم 114 ) ، والبيهقى فى " الشعب " ( ج11/رقم 6171 ) من طريق سويد بن عمرو ، عن حماد ابن سلمة ، عن أيوب السختيانى به .
قال الترمذى : " هذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه " . قال المناوى فى " فيض القدير " ( 1/177 ) : " وقد استدرك الحافظ العراقى على الترمذى دعواه غرابته وضعفه فقال : قلت رجاله رجال مسلم لكن الرواى تردد فى رفعه " .
· قُلتُ : استغراب الترمذى إنما هو فى رفعه وقد صحح وقفه على أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه ، ووافقه على هذا الحكم جماعة من الحفاظ منهم ابن حبان ، والدارقطنى فى " العلل " ( ج3/ق 27/2 ) ، والبزار ، وابن عدى ، والبيهقى ، وغيرهم .
واعلم أن للحديث المرفوع شواهد عن بعض الصحابة لكنها شديدة الضعف ، فلا يعول على شىء منها . والله أعلم .
أما أثر علىّ بن أبى طالب الموقوف عليه فأخرجه البخارى فى " الأدب المفرد " ( 1321 ) وابن أبى شيبة فى " المصنف " ( 14/102 ) ، ومسدد فى " مسنده " – كما فى " المطالب العالية " (3/9) للحافظ – والبيهقى فى " الشعب " ( 6168 – 6170 ) بسند حسن .(1/3)
وأخرج عبد الرزاق فى " المصنف " ( ج11/ رقم 20269 ) عن معمر ، والبخار فى " الأدب المفرد " ( 1322) عن محمد بن جعفر كلاهما عن زيد بن أسلم ، عم أبيه ، قال : قال لى عمر بن الخطاب : يا أسلم لا يكن حبك كلفاً ، ولا يكن بغضك تلفاً . قلت : وكيف ذلك ؟ قال : إذا أحببت فلا تكلف كما يكلف الصبى بالشىء يحبه ، وإذا أبغضت فلا تبغض بغضاً تحب أن يتلف صاحبك ويهلك " .
وسنده صحيح ، ورضى الله عن عمر .
· ومن السائل نفسه يسأل عن صحة حديث : " إن الله يبغض كل جعظرى جواظ سخاب فى الأسواق ، جيفةٍ بالليل ، حمار بالنهار ، عالم بأمر الدنيا ، جاهل بأمر الآخرة " .
· قلت : هذا حديثٌ حسنٌ .
أخرجه ابن حبان فى " صحيحه " ( 1975 ) ، وأبو القاسم الأصبهانى فى " الترغيب " ( 1926 ) ، والبيهقى (10/194 ) من طريق عبد الله بن سعيد بن أبى هند ، عن أبيه ، عن أبى هريرة مرفوعاً فذكره . وهذا سند حسن ، وعبد الله بن سعيد صدوق ، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما ، وضعفه أبو حاتم الرازى .
أما معنى الحديث : فالجعظرى هو الشديد الغليظ ، والجواظ هو الأكول ، والسخاب هو الصخاب كثير الصياح عالى الصوت ، ومقصود الحديث ذم أهل الدنيا المتكالبين عليها ، بحيث إنهم يكدحون فيها طوال حياتهم كالأنعام ، ليس لهم هم إلا جمعها والاستكثار منها ، فإذا جن عليهم الليل ناموا كالأموات بلا حراك ولا يذكرون الله تبارك وتعالى . والله أعلم .
---
· تسأل القارئة س أ ا / فوة – كفر الشيخ / عن صحة حديث : " اليمين الكاذبة تذر الديار بلاقع " .(1/4)
· قلت : هذا حديث حسن . أخرجه ابن حبان فى " الثقات " ( 8/400 ) ، والدولابى فى " الكنى " ( 2/165 ) ، والكلاباذى فى " مفتاح المعانى " ( ق 223/1-2 ) ، والخطيب فى " التلخيص " ( 2/702-703 ) من طريق سليمان بن عبد الحميد بن عبد العزيز ، عن أبيه ، عن عمرو بن قيس ، عن واثلة بن الأسقع ، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " اليمين الغموس الكاذبة ، تذر الديار بلاقع " . وهذا لفظ الخطيب . وسنده ضعيف ، وسليمان ابن عبد الحميد ذكره فى " التهذيب " تمييزاً ، ولم يذكره بأكثر من رواية الحسن ابن سليمان الفزارى عنه ، وأبوه ، ذكره ابن حبان فى " الثقات " برواية ابنه فقط ، فهما مجهولان .
ولكن للحديث شاهد عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً بلفظ : " اليمين الفاجرة تذهب المال أو تذهب بالمال " أخرجه البزار ( ج2/رقم 1345 ) من طريق ابن علاثة ، عن هشام بن حسان ، عن يحيى ابن أبى كثير ، عن أبى سلمة عن عبد الرحمن بن عوف .
قال البزار : " لا نعلمه عن عبد الرحمن بن عوف إلا من هذا الوجه ولا أسند هشام عن يحيى غير هذا ، ولا رواه عن هشام إلا ابن علاثة وهو لين الحديث " .
وقال المنذرى فى " الترغيب " ( 3/47 ) : " إسناده صحيح لو صح سماع أبى سلمة من أبيه عبد الرحمن بن عوف " وجزم الهيثمى فى " المجمع " ( 4/179 ) بأنه لم يسمع من أبيه ، ولكنه وهم فقال : " رجاله رجال الصحيح " ، ومحمد بن عبد الله بن علاثة لم يخرج له أحد الشيخين شيئاً ، وهو صدوق ، فى حفظه مقال يسير أفرط الأزدى وابن حبان فيه ، وإنما وقعت المناكير فى روايته من قبل عمرو بن الحصين كما قال الخطيب وعمرو بن الحصين تالف البتة .(1/5)
وخولف هشام بن حسان فيه ، خالفه أبو حنيفة ، فرواه عن يحيى بن أبى كثير ، عن مجاهد وعكرمة عن أبى هريرة مرفوعاً فساق حديثاً فى آخره : " واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع " أخرجه البيهقى ( 10/35 ) من طريق عبد الله بن يزيد المقرى ، عن أبى حنيفة به وقال : : " كذا رواه عبد الله بن يزبد المقرى عن أبى حنيفة ، وخالفه إبراهيم بن طهمان وعلى بن ظبيان والقاسم بن الحكم فرووه عن أبى حنيفة عن ناصح بن عبد الله عن يحيى بن أبى كثير ، عن أبى سلمة ، عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وقيل عن يحيى عن أبى سلمة عن أبيه والحديث مشهور بالإرسال " أ هـ .
ثم روى البيهقى الحديث من طريقين مرسلين بسند صحيح وله طريق آخر عن أبى سلمة عن أبى هريرة مرفوعاً وفيه : " اليمين الغموس تذهب المال ، وتثقل فى الرحم وتذر الديار بلاقع " .
أخرجه ابن حبان فى " المجروحين " ( 2/149 – 150 ) معلقاً ووصله الطبرانى فى " الأوسط " ( ج1 /ق61/1 ) من طريق أبى جعفر النفيلى ، ثنا أبو الدهماء البصرى شيخ صدق ، عن محمد بن عمرو ، عن أبى سلمة به قال الطبرانى : " لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا أبو الدهماء تفرد به النفلى " .
· قلت : والنفلى ثقة مأمون ولكن أبو الدهماء قال فيه ابن حبان : " كان ممن يروى المقلوبات ويأتى عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات فبطل الاحتجاج به إذا انفرد " .
واعتمد كلامه الهيثمى فى " المجمع " ( 8/152 ) فضعفه جداً ، ولكنه خالف فى موضوع آخر من " كتابه " ( 8/180 ) فقال : " فيه أبو الدهماء البصرى وثقه النفيلى وضعفه ابن حبان " .
وفى عبارته نظر ، فإن النفيلى لم يوثقه بل قال : " شيخ صدق " وهذا لا يدل على ضبط بل غايته إثبات صدقه فحسب .
وخلاصة البحث أن الحديث حسن بالطريق الأول مع المرسلين الصحيحين اللذين أشرت إليهما . والله تعالى أعلم .(1/6)
· ومن السائلة نفسها تسأل عن صحة حديث : " من قل ماله وكثر عياله وحسنت صلاته ولم يغتب أحداً من المسلمين كان معى يوم القيامة كأصبعى هاتين " .
· قلت : هذا حديث ضعيف جداً .
أخرجه أبو يعلى ( ج2/رقم 990 ) ، والأصبهانى فى " الترغيب " (2226 ) ، والخطيب فى " تاريخه " ، وعنه ابن الجوزى فى " الواهيات " ( 2/319 ) من طريق مسلمة بن علىّ ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن الزهرى ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبى سعيد الخدرى ، عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره .
· قال ابن الجوزى : " هذا حديث لا يصح ، قال أحمد : عبد الرحمن بن يزيد ضعيف ، وقال النسائى : متروك " كذا قال ابن الجوزى وفى إعلاله نظر ، فإنه لا يتم له ، وبيان ذلك أن مسلمة بن على يروى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، وكذا عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر ، كما أن كليهما يروى عن الزهرى . والأول ضعيف أو متروك ، والثانى ثقة ثبت ، فلا يتم له الإعلال إلا إذا أثبت أن الواقع فى السند هو المتروك دون الثقة ، ولا يقطع بهذا إلا إذا جاء منسوباً أما علة الحديث التى أغفلها ابن الجوزى فهى مسلمة بن على وهو أبو سعيد الخشنى وهو متروك كما قال النسائى والدراقطنى والبرقانى وغيرهم . وقال أبو داود : ليس بثقة ولا مأمون ، وقال البخارى وأبو زرعة وغيرهما : " منكر الحديث " . والله أعلم .
---
· ويسأل السائل ع ع خ / المنيا – ملوى / عن صحة حديث : " ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " .
· قلت : هذا الحديث صحيح .(1/7)
أخرجه أحمد فى " المسند " ( 5/197 ) ، وفى " الزهد " ( ص19 ) والطيالسى ( 979 ) ، وعبد ابن حميد فى " مسنده " ( 207 ) ، وابن جرير فى " تفسيره " ( 11/104 و 30/221 ) ، وفى " تهذيب الآثار " ( 443 ، 444 ، 447 – مسند ابن عباس ) ، وابن حبان ( 814 ، 2476 ) ، وابن السنى فى " القناعة " ( 30، 31 ، 32 ) ، والمحاملى فى " الأمالى " ( ق49/2 – 50/1 ) ، والحاكم ( 2/444 – 445 ) ، وأبو الشيخ فى " الأمثال " ( 188 ) ، وأبو نعيم فى " الحلية " ( 1/226 و 2/232-233و9/60 ) ، والأصبهانى فى " الترغيب " ( 516، 2048 ) ، والبيهقى فى " الشعب " ( ج7/ رقم 3139 ) ، والبغوى فى " شرح السنة " ( 14/247 ) من طرق عن قتادة ، عن خليد ابن عبد الله العصرى ، عن أبى الدرداء ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما طلعت الشمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان ، يُسمعان من على الأرض غير الثقلين : أيها الناس : هلموا إلى ربكم ، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " .
وصححه الحاكم ووافقه الذهبى وهو كما قالا ، وقد رواه عن قتادة خلق وصحح إسناده المنذرى فى " الترغيب " ( 2/537 ) وشيخنا الألبانى فى " الصحيحة " ( رقم 947 ) ، وقال الهيثمى فى " المجمع " (3/122 و 10/255 ) : " رجاله رجال الصحيح " وله شاهد عن أبى أمامة الباهلى ، مرفوعاً : " هلموا إلى ربكم عز وجل ، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " . أخرجه ابن السنى فى " القناعة " ( 35 ) . والطبرانى فى " الكبير " ( 8/314 ) ، والقضاعى فى " مسند الشهاب " ( 1263 ) وفى إسناده فضال بن جبير ، وهو ضعيف .. وأخرجه أبو يعلى ( ج2/رقم 1053 ) ، والضياء فى " المختارة " من حديث أبى سعيد الخدرى وفى إسناده صدقة بن الربيع ، قال الهيثمى فى " المجمع " ( 10/255 – 256 ) : " وهو ثقة " ! كذا قال ! . وأخرجه ابن عدى فى " الكامل " ( 1/276 ) من حديث أنس وفيه إسماعيل بن سليمان الأزرق وهو متروك . والله أعلم .(1/8)
· ومن السائل نفسه يسأل عن صحة الحديث القدسى : " إن عبادى من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لكفر .. إلخ " .
· قلت هذا حديث ضعيف .. أخرجه الخطيب فى " التاريخ " ( 6/15 ) من طريق يحيى بن عيسى الرملى ، حدثنا سفيان بن سعيد النورى ، حدثنا حماد بن زيد عن أبى قلابة ، عن كثير بن أفلح عن عمر بن الخطاب مرفوعاً : " أتانى جبريل فقال يا محمد ربك يقرأ عليك السلام ويقول : إن من عبادى من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لكفر ، وإن من عبادى من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لكفر ، وإن من عبادى من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر ، وإن من عبادى من لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لكفر " .
وهذا سند ضعيف وعلته يحيى بن عيسى الرملى ضعفه ابن معين وقال النسائى : ليس بالقوى . وقال ابن عدى : عامة ما يرويه مما لا يتابع عليه .
· ومن السائل نفسه يسأل عن صحة حديث : " العمل عبادة " .(1/9)
· وهذا الحديث لا أصل له ، ولعل مستند هذا القول هو ما يتداوله العوام من أن رجلاً كان يتعبد فى المسجد ليل نهار وله أخ ينفق عليه ، فرآه النبى صلى الله عليه وسلم فقال له : من ينفق عليك ؟ قال : أخى . قال : أخوك أعبد منك وهذا باطل لا أصل له فى شىء من كتب السنة المعتبرة بل يبطله ما أخرجه الترمذى ( 2345 ) ، والحاكم ( 10/93 – 94 ) ، والسهمى فى " تاريخ جرجان " ( 542 ) ، وابن عبد البر فى " جامع العلم " ( 1/59 ) من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت عن أنس قال : كان أخوان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتى النبى صلى الله عليه وسلم والأخر يحترف – يعنى يعمل – فشكى المحترف أخاه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له : " لعلك ترزق به " قال الترمذى : " حسن صحيح " وقال الحاكم : " صحيح من شرط مسلم ورواته عن آخرهم أثبات ثقات " ووافقه الذهبى وهو كما قالوا وليس فى هذا الحديث أيضاً ما يتكئ عليه العاطلون ، فقد تتابعت الأحاديث فى الحض على العمل والنهى عن السؤال ، وبيان عدم التعارض بين الأحاديث يحتاج إلى مقام آخر وأخرج البخارى فى " التاريخ الكبير " ( 4/1/181 ) ، ويعقوب بن سفيان فى " المعرفة " ( 1/311 ) ، والطبرانى فى " الكبير " ( ج19/رقم 63 ) ، وأبو نعيم فى " الحلية " ( 3/125 ) والبيهقى (10/194 – 195 ) من طريق بكر بن بشر العسقلانى ، ثنا عبد الحميد بن سوار ، عن إياس بن معاوية عن أبيه عن جده وساق حديثاً فيه : " والعمل من الإيمان " لكنه ضعيف وبكر بن بشير مجهول كما قال الذهبى فى الميزان ، وعبد الحميد بن سوار ضعيف وبه أعله الهيثمى فى " المجمع " ( 8/27 ) ولو صح لم يكن فيه دليل للحديث المسئول عنه ، لأن المقصود منه أن الأعمال التى هى كالصلاة والزكاة وغيرها من تمام الإيمان وفيه رد على المرجئة الذين لا يعتبرون الأعمال داخلة فى الإيمان . وهناك تنبيه وهو أن المسلم لو عمل أى عمل مباح واقترنت به نية الزلفى(1/10)
إلى الله تعالى فإنه يدخل فى جنس العبادة ، فلو ذهب لعمله وفى نيته أنه يستعف به ويؤدى ما أوجبه الله عليه من النفقة على زوجته وأولاده كان بذلك عابداً لله لأنه لو قصر فى ذلك حتى ضيعهم أثم به ، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته " أخرجه مسلم وغيره . والله أعلم .
---
· ويسأل سائل عن صحة حديث : " أن لكل شىء شيخاً ، وشيخ الجهاد الرباط فى سبيل الله " .
· قلت : هذا حديث منكر أخرجه العقيلى فى " الضعفاء " ( 80/2 ) من طريق سليمان بن الحجاج الطائفى ، عن خالد بن سعيد عن أبى حازم ، عن سهل بن سعد الساعدى مرفوعاً فذكره . وأخرجه ابن الجوزى فى " الواهيات " ( 2/90-91 ) من طريق العقيلى .
قال العقيلى : " سليمان بن الحجاج الغالب على حديثه الوهم وهذا الحديث لا أصل له " . وقال ابن الجوزى : " لا يصح " .
---
· سأل سائل لم يذكر اسمه : أفتونا مأجورين – إن شاء الله – عن درجة الأحاديث الآتية :
· الأول : حديث : قيل : يا رسول الله متى نترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ؟ قال : " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم " قلنا : يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا ؟ قال : " الملك في صغاركم ، والفاحشة في كباركم ، والعلم في رذالتكم " .
فقد قرأت لبعض طلبة العلم أن أبا حاتم الرازى أعل هذا الحديث ، ولكنه إعلال مردود . وخلاصة بحثه أن مكحولاً وهو أحد رواة الحديث رواه على وجهين وهذا لا يضر ، فما هو القول الراجح في ذلك ؟
· الثاني : قيل : يا رسول الله متى نترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ؟ قال : " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم .. الحديث " .
قُلتُ : وهذا حديث حسن .(1/11)
أخرجه الطحاوى في " المشكل " ( 4/314 ) ، والطبرانى في " مسند الشاميين " ( 1547 ) ، وأبو نعيم فى " الحلية " ( 5/185 ) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( ج4/ل 184 ) من طريق الهيثم بن حميد ، عن حفص بن غيلان ، عن مكحول ، عن أنس فذكره .
قال أبو نعيم : " غريبٌ من حديث مكحولٍ ، لم نكتبه إلا من هذا الوجه " .
قُلتُ : رواه عن الهيثم ابن حميد اثنان من أصحابه ، " الحكمُ بن موسى ، ومحمد بن عائذ " وتابعهما زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعى ، فرواه عن الهيثم ، عن حفص ، عن مكحولٍ ، عن أنسٍ به . أخرجه ابن ماجه ( 4015 ) قال : حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ، ثنا زيد بن يحيى . فذكره . وقد خولف العباس .
خالفهُ أحمد بن حنبل فأخرجه في " مسنده " ( 3/187 ) ، ومن طريقه ابنُ عساكر في " تاريخ دمشق " ( ج6/ل 684 ) قال : حدثنا زيد بن يحيى ، قال : نا أبو سعيد ، نا مكحولٍ ، عن أنسٍ فذكره .
وأبو سعيد هذا هو الشامي صاحبُ مكحول . وقد روى عن مكحول عن واثلة بن الأسقع حديثين ، وهما عند ابن ماجه ( 750 ، 1525 ) وهو مجهول ، كذا قال الدارقطنى في " السنن " ( 2/57 ) والذهبي والعسقلانى .
وقد اختلف في إسناده على وجهٍ آخر .
فرواه ابن أبى حاتم في " العلل " ( ج2/ رقم 2745 ) عن أبيه ، قال : حدثنى العباس بن الوليد قال ، حدثنى أبى ن قال : حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى ، عن زيد بن واقد ، عن مكحول ، عن كثير بن مرة ، عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .. فذكر الحديث .
قال أبو حاتم الرازى : " فكان هذا أشبه من ذاك " .
وهذا الاختلاف لا يضر بصحة الحديث إنْ شاء الله تعالى . والله أعلم .
· الثالث : هل صح شيء في أمر ماشطة فرعون ، فإننا نسمع الخطباء يذكرون في ذلك قصة ؟(1/12)
والجواب : أما ماشطة فرعون فلا أعلم فيها شيئاً صحيحاً يدخلُ في المرفوع . فقد أخرج أحمد في " مسنده " ( 1/309 – 310 ) ، وأبو يعلى ( ج4/ رقم 2517 ) ، والطبرانى في " الكبير " ( ج11/ رقم 12279 ، 12280 ) ، وفى " الأوسط " – كما في " المجمع " ( 1/65 ) ، والبزار ( ج1/ رقم 54 ) ، والحاكم ( 2/496 – 497 ) ، والبيهقى في " الدلائل " ( 2/363 ) من طرقٍ عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما كانت الليلة التي أسرى بي فيها ، أتت علىّ رائحة طيبة ، فقلت يا جبريل ما هذه الرائحة ؟ فقال : هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها . قال : قلت : وما شأنها ؟ قال : بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يومٍ إذ سقطت المدرى من يديها ، فقالت : بسم الله ، فقالت لها ابنة فرعون : أبى ؟ قالت : لا ، ولكن ربى ورب أبيك الله ، قالت : أخبرهُ بذلك ؟ قالت : نعم . فأخبرته فدعاها فقال : يا فلانة ، وإن لك رباً غيري ؟ قالت : نعم ، ربى وربك الله . فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها ، قالت : إن لي إليك حاجة . قال : وما حاجتك ؟ قالت : أحبُ أن تجمع عظامي وعظام ولدى في ثوبٍ واحد وتدفننا . قال : ذلك لك علينا من الحق . قال : فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً ، إلى أن انتهى ذلك إلى صبىّ لها مرضع ، وكأنها تقاعست من أجله . قال : يا أمه اقتحمي ، فإن عذاب الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة ، فاقتحمت . قال : قال ابن عباس : تكلم أربعة صغارٌ : عيسى بن مريم عليه السلام ، وصاحب جريج ، وشاهد يوسف ، وابن ماشطة امرأة فرعون .
قال الحاكم : " صحيحُ الإسناد " ووافقه الذهبي (1/13)
وعزاه السيوطى في " الدر المنثور " ( 4/150 ) للنسائي وابن مردوية ، وقال : " بسندٍ صحيح ٍ " كذا قال وقال ابن كثير في " تفسيره " ( 3/15 ) : " إسنادٌ لا بأس به " ، وفى كل ذلك نظرٌ ، لأن عطاء ابن السائب كان اختلط وحماد بن سلمة كان ممن سمع منه قبل الاختلاط وبعده ، فلم يتميز حديثُهُ فوجب التوقف فيه ، وقد روى العقيلى في " الضعفاء " ( 3/399 ) بسندٍ صحيحٍ عن وهيبٍ ، قال : قدم علينا عطاء بن السائب ، فقلت : كم حملت عن عبيدة ؟ قال : أربعين حديثاً . قال علىّ : وليس يروى عن عبيدة حرفاً واحداً . فقلت : فَعَلام يحمل هذا ؟ قال : على الاختلاط . إنه اختلط .
قال على بن المدين : " قلت ليحيى – يعنى القطان -: وكان أبو عوانة حمل عن عطاء بن السائب قبل أن يختلط ، فقال : كان لا يفصل هذا من هذا وكذلك حماد بن سلمة " أهـ .
قُلتُ : ونقل الحافظ ابن حجر في " التهذيب " ( 7/206 – 207 ) هذه الفقرة عن العقيلى ثم قال " فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب وحماد وأبى عوانة عنه في جملة ما يدخل فى الاختلاط " أهـ .
فهذا هو التحقيق فى المسألة ، فلا ينبغى رده إلا ببرهان .
وله شاهدٌ من حديث أبى بن كعب مرفوعاً بنحوه وفى سياقه زيادة .
أخرجه ابن ماجه ( 4030 ) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( ج5/ل 641 – 642 ) من طريقين عن الوليد بن مسلم ، ثنا سعيد ابن بشير ، عن قتادة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن أبى بن كعب فذكره .
قُلتُ : وهذا سندٌ ضعيفٌ ، بل لعله واهٍ والوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية ، ولم يصرح في جميع الإسناد .
وسعيد بن بشير ضعيفٌ خصوصاً في قتادة . وهذه الرواية من هذا القبيل وخلاصة القول أن الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
---(1/14)
· ويسأل سائل عن حديث : " اتقوا بيتاً يقال له الحمام " فقالوا : يا رسول الله ! إنه يذهب بالدرن ، وينفع المريض . قال : " فمن دخله فليستتر " هل هذا الحديث صحيحٌ ، فإن كان كذلك فهل لا يجوز أن أدخل حمام بيتى ؟!
والجواب . أن هذا حديث منكر والصواب فيه الإرسال .
فأخرجه البزار ( ج1/ رقم 319 ) ، والبيهقى ( 7/309 ) من طريق يوسف بن موسى ثنا يعلى بن عبيد ، ثنا سفيان ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن ابن عباس مرفوعاً : " احذروا بيتاً .. إلخ " قال البزار : " وهذا رواه الناس عن طاووس مرسلاً ، ولا نعلم أحداً وصله إلا يوسف ، عن يعلى ، عن الثورى " .
ويعلى بن عبيد متكلم فى خصوص روايته عن الثورى ، وقد خالفه أبو نعيم الفضل بن دكين وهو ثقة ثبت فرواه عن سفيان ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً . قال البيهقى : " رواه الجمهور عن الثورى على الإرسال وكذلك رواه أيوب السختيانى وسفيان ابن عيينة وروح بن القاسم وغيرهم عن ابن طاووس مرسلاً وكذلك رجح أبو حاتم الرازى الإرسال كما في " العلل " ( 2209 ) لولده عبد الرحمن .
وأخرجه الطبرانى فى " الكبير " ( ج 11/رقم 10932 ) ، والحاكم ( 4/288 ) من طريق عبد العزيز بن يحيى الحرانى ، ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق ، عن السختيانى ، عن طاووس ، عن ابن عباسٍ مرفوعاً : " اتقوا بيتاً .. إلخ " وقال الحاكم : " صحيحٌ على شرط مسلمٍ " ووافقه الذهبى !
وليس كما قالا ، ومحمد ابن إسحاق لم يحتج به مسلم ، ثم هو مدلسٌ وقد عنعنه ، وقد خالفه الفحول فأرسلوه كما تقدم .
وعبد العزيز بن يحيى الجرانى وإن كان ثقة ، فهو ليس من رجال مسلمٍ والله أعلم .
أما توهم السائل أن الحمام فى الحديث هو الحمامات التى في الدور الآن ، فليس كذلك ، فإن الحمامات لم تكن آنذاك في البيوت ، بل كانت فيما يشبه الآن الميادين العامة .(1/15)
والله الموفق لا رب سواه . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وآله وصحبه .
أسئلة عام 1414
تسأل القارئة إ م عن عدة أحاديث :
الأول : حديث : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ، ولا أبو بكر ولا عمر " هل هذا الحديث صحيح ؟ وهل تنشيف ماء الوضوء حرام ؟
الثانى : تقول : أنا قارئة فى علم الحديث – وهو علم ممتاز مهم – وبكل أسف غفلت عنه النساء ، وقد سمعت بعض العلماء يشرح حديثاً من " صحيح مسلم " والذى فيه " أفلح وأبيه إن صدق " فقال : إن لفظة " وأبيه " فى الحديث شاذة لأن هذا حلفٌ بغير الله فهل ما قاله صحيحٌ ؟
الثالث : حديث : " من صلى ركعتين فى ليلة الجمعة ، وقرأ فيها بفاتحة الكتاب وإذا زلزلت خمسين مرة أمنه الله عز وجل من عذاب القبر ومن أهوال يوم القيامة ؟ من أخرج هذا الحديث ؟ وهل هو صحيح ؟
الرابع : قرأت حديثين أحدهما يقول : " من نام عن وتره فليقضه إذا أصبح " وحديث آخر يقول : " من أدرك الصبح فلا وتر له " فهل كلاهما صحيحٌ ؟ وكيف نفهم الحديثين مع أن ظاهرهما التعارض ؟
الجواب
الأول : أما الحديث الأول فأخرجه ابن شاهين فى " الناسخ والمنسوخ " (ق35/2 ) من طريق يونس بن بكير ، عن سعيد ابن ميسرة ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء .. إلخ .
قُلتُ : وهذا سندٌ ساقط ، وسعيد بن ميسرة كذبه يحيى القطان . وقال الحاكم : روى عن أنس موضوعات . وكذا قال ابن حبان .
لكن فى معناه ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث ميمونة رضى الله عنها فى صفة غسل الجنابة قالت : ثم أتيته بالمنديل فرده . وهذا لفظ مسلم .(1/16)
وفى لفظ للبخارى : فناولته ثوباً فلم يأخذه . وليس فى هذا دليلٌ على كراهية التنشيف لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال ، فيجوز أن يكون عدم الأخذ يتعلق بأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف ، بل لأمر يتعلق بالخرقة ، أو لكونه كان مستعجلاً أو لغير ذلك . قاله الحافظ فى " الفتح " ( 1/363 ) . وأخرج أبو داود ( 245 ) وأحمد ( 6/336 ) والإسماعيلى وأبو عوانة فى " المستخرج " عن الأعمش أنه سأل إبراهيم النخعى عن رد المنديل ؟ فقال : كانوا لا يرون بالمنديل بأساً ، ولكن كانوا يكرهون العادة . وقال التيمى : فى هذا الحديث دليلٌ على أنه كان يتنشف ، ولولا ذلك لم تأته بالمنديل . وهو فهمٌ حسنٌ . وهناك جوابٌ آخر ، وهو : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه مسلم ( 244/32 ) وغيره من حديث أبى هريرة رضى الله عنه : " إذا توضأ العبد المسلم – أو المؤمن – فغسل وجهه ، خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء .. الحديث .(1/17)
فلعل تركه التنشيف لمراعاة ذلك ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم المبرأ من الدنس ، المغفور ذنبه كله يفعل ذلك ، فمن باب أولى نفعله نحن ، وهو إنما فعله لنتأسى به ، وتعقب هذا الجواب بأن ميمونة رضى الله عنها لما أعطته المنديل لم يأخذه وجعل ينفض يده بالماء ، وهذا داخل فى باب الإزالة فهو يستوى مع التنشيف وهذا التعقب لا يخفى ضعفه ، لأن نفض اليد لا يمنع قطر الماء وانفصاله عن العضو . وفى المسألة بسط . وحاصل الجواب أن التنشيف جائز . وأخرج ابن المنذر فى " الأوسط " ( 1/415 ) والأثرم فى " سننه " ( ق 5/2 ) بسندٍ صحيحٍ عن أنس بن مالك أنه كان يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء . وروى ابن المنذر نحوه عن عثمان بن عفان ، والحسين ابن على وبشير بن أبى مسعود . ورخص فيه الحسن وابن سيرين وعلقمة ، والأسود ومسروق وهو قول الثورى ومالك وأحمد وأهل الرأى . أما حديث ميمونة السابق ذكره فقال ابن المنذر ( 1/419 ) : " وهذا الخبر لا يوجب حظر ذلك ولا المنع منه لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه ، مع أن النبى صلى الله عليه وسلم قد كان يدع الشىء لئلا يشق على أمته " أهـ . والله أعلم .
الثانى : أما قول من قال فى حديث النبي صلى الله عليه وسلم " أفلح وأبيه إن صدق " أن لفظة " وأبيه " شاذة فلم يصب فى ذلك .
وخلاصة الكلام أن حديث طلحة بن عبيد الله هذا رواه أبو سهيل نافع بن مالك عن أبيه ، عن طلحة ابن عبيد الله ، ورواه عن أبى سهيل اثنان :
الأول : هو الإمام مالك واتفق كل أصحاب مالك فى الرواية عنه هذا الحديث بلفظ : " أفلح إن صدق " فلم يذكر " وأبيه " .(1/18)
الثانى : هو إسماعيل ابن جعفر وهو ثقة ثبتٌ حافظٌ ، وهو الذى وقعت فى روايته لفظة " وأبيه " وقد رواها عنه بإثباتها : يحيى بن أيوب ، وقتيبة بن سعيد عند مسلم فى " صحيحه " ويحيى بن حسان . عند الدارمى فى " سننه " ( 1/309 ) وعلى بن حجر عند ابن خزيمة ( 1/158 ) . وسليمان بن داود العتكى عند أبى داود فى " سننه " ( 392،3252 ) ، وداود بن رشيد عند الهيثم بن كليب فى " مسنده " ( ق/ 38/1 ) والبيهقى ( 2/366-4/201 ) وعاصم ابن علىّ عند البيهقى وأبى نعيم فى معرفة الصحابة ( رقم /390 ) .(1/19)
ورواها عن إسماعيل ابن جعفر بدونها : على بن حجر عند النسائى ( 4/120 – 121 ) وقتيبة بن سعيد عند البخارى ( 4/102 – 12/330 فتح ) ، وقد سبق أن ذكرنا أن قتيبة وعلى بن حجر قد روياها فيشبه أن تكون الرواية بدون هذا الحرف مختصرة ، فترد هذه الرواية إلى الرواية التى فيها الزيادة . وإسماعيل بن حعفر من أوثق الناس وأثبتهم ، فلا يتهيأ الحكم على روايته بالشذوذ ، لا سيما وهذا الحرف ليس فيه مخالفة من جهة أنه حلفٌ بغير الله ، لأن العلماء حملوا ذلك على أنها كلمة جرت بها العادة ، ولم يقصد بها النبى صلى الله عليه وسلم الحلف وحاشاه . ومثله ما أخرجه البخارى ( 7/95 ) وأحمد ( 1/8 ) وغيرهما عن عقبة بن الحارث قال . إنى لمع أبى بكر حين مرّ هو وعلى بن أبى طالب على الحسن وهو يلعب مع الصبيان ، فحمله أبو بكر على عاتقه وهو يقول : " بأبى شبيه بالنبى . ليس شبيهاً بعلى " فالباء فى قوله " بأبى " هى باء القسم فهل كان أبو بكر رضى الله عنه يحلف بأبيه حين حمل الحسن ؟ وأخرج أحمد ( 6/283 ) وابن عساكر فى " تاريخه " ( 39- ترجمة الحسن ) عن ابن أبى ملكية قال : كانت فاطمة تنقر ( أى ترقص ) الحسن بن على وتقول : بأبى شبيه بالنبى ليس شبيهاً بعلى . ولكن فى سنده زمعة بن صالح وعندى أنه وهم فى روايته هكذا ، والصواب ما رواه الثقات عن ابن أبى مليكة ، عن عقبة بن الحارث بالسند السابق الذى أخرجه البخارى وغيره .
وخلاصة البحث أن الشذوذ منتفٍ ، ولا أعلم أن أحداً من السالفين ادعى هذه الدعوى . والله أعلم(1/20)
الثالث : أما حديث " من صلى ركعتين ليلة الجمعة .. إلخ " فإنه حديث باطل أخرجه الوزير أبو القاسم عيسى بن على ابن الجراح فى " الثانى من حديثه " ( ق8/2-9/1 ) من طريق ثابت بن حماد ، عن المختار بن فلفل ، عن أنسٍ مرفوعاً به وهذا سندٌ ضعيفٌ جداً . وثابت ابن حماد تركه الأزدى وضعفه الدارقطنى جداً ، وأحاديثه التى ساقها ابن عدى فى " الكامل " ( 2/98 ) تدل على أنه واهٍ . وقد رواه عن ثابت ابن حماد : عبد الله بن داود الواسطى وهو مثله أو دونه بقليل ، فالحمل على أحدهما ، ومعنى الحديث فباطلٌ يعلم ذلك بأدنى تدبر . والله أعلم .
الرابع : أما أحاديث قضاء الوتر بعد الصبح والنهى عن ذلك فيحتاج الأمر إلى الفصل فى صحة الحديث قبل تأويله كما عليه جماعة العلماء .
أما حديث : " من نام عن وتره فليقضه إذا أصبح " فإنه حديث صحيحٌ .
أخرجه الترمذى ( 465 ) وابن ماجة ( 1188 ) ، وأحمد ( 3/44 ) ، وابن نصر فى " قيام الليل " ( 138 ) ، وابن شاهين فى " الناسخ والمنسوخ " ( ق 65/2 ) من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبى سعيد الخدرى مرفوعاً به .
وهذا سندٌ ضعيفٌ جدا . وعبد الرحمن بن زيد واهٍ ، وقد خالفه أخوه عبد الله وهو أوثق منه فرواه عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلاً ، أخرجه الترمذى ( 466 ) ورجحه على رواية عبد الرحمن . لكن لم يتفرد به عبد الرحمن ، فتابعه محمد بن مطرف ، فرواه عن زيد بن أسلم ، عن أبى سعيد الخدرى فذكره مرفوعاً . أخرجه أبو داود ( 1431 ) ، والدارقطنى ( 2/22 ) ، والحاكم ( 1/302 ) والبيهقى ( 2/480 ) . قال الحاكم : " صحيحٌ على شرط الشيخين " ووافقه الذهبى وفيه نظر ، فقد رواه عند الحاكم عثمان بن سعيد بن كثير عن محمد بن مطرف . وعثمان بن سعيد لم يخرج له الشيخان شيئاً . فالإسناد صحيحٌ .
أما الحديث الآخر " من أدرك الصبح ولم يوتر ، فلا وتر له " .(1/21)
أخرجه ابن خزيمة ( 1092 ) ، وابن حبان ( 674 ) ، والحاكم ( 1/302 ) ، والبيهقى ( 2/478 ) من طريق قتادة ، عن أبى نضرة ، عن أبى سعيد الخدرى مرفوعاً به .
قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبى . ولكن أعله البيهقى بقوله : " ورواية يحيى بن أبى كثير كأنها أشبه ، فقد روينا عن أبى سعيد فى قضاء الوتر " .
قُلتُ : يشير البيهقى إلى ما أخرجه مسلم ( 754 ) ، وأبو عوانة ( 2/309 ) ، والنسائى ( 3/231 ) ، وابن ماجة ( 1189 ) ، والدارمى ( 1/372 ) ، وأحمد ( 3/13، 35،37،71 ) ، وابن ابى شيبة ( 2/288 ) ، والطيالسى ( 2163 ) ، وابن خزيمة ( 1089 ) ، وعبد الرزاق ( 4589 ) ، وابن نصر فى " قيام الليل " ( 138 ) ، والحاكم ( 1/301 ) ، والبيهقى ( 2/478 ) وأبو نعيم فى " الحلية " ( 9/61 ) من طرق عن يحيى بن أبى كثير ، عن أبى نضرة ، عن أبى سعيد مرفوعاً : " أوتروا قبل أن تصبحوا " .
ولكن لا منافاة عندى بين الروايتين ، وهما حديثان مستقلان لا حديث واحد حتى يعل أحدهما الآخر . وتفصيل هذا فى موضع آخر وفى الباب أحاديث أخرى كثيرة ، ولا تعارض بين الحديثين لأن الحديث الآذن بقضاء الوتر خاص بمن نسيه أو نام عنه وكان ينوى أن يصليه ففاته قصده بالعذر ، والحديث الآخر المانع من قضاء الوتر خاص بمن تركه هملاً وكسلاً ، فهذا يعاقب بأن يحرم من قضائه وإحراز فضيلته وأجره . والله سبحانه وتعالى أعلم .
---
· ويسأل الأخ أبو حاتم ابن عبد الله عن عدة أحاديث وبعض قضايا المصطلح ويرجو التطويل فى تقرير مسائل الأصول ، ونجيبه أن ما يُسمح لنا من المساحة لا يسع ذلك ، ثم إنها مجلة سيارة تتداول بين العوام ، وسنحاول أن نوفى له ما يريد باختصار غير مخلٍّ إن شاء الله .
أما الأحاديث التى يسأل عنها فهى ثلاثة :
1. حديث : " من قتل عصفوراً بغير حقه ، سأله الله عنه يوم القيامة " .(1/22)
2. حديث : " يؤتى بالصراط ، حده كحد الموسى ، فتقول الملائكة يا ربنا من يجيز على هذا؟ فيقول : من شئتُ من خلقى . قال : فيقولون : ربنا ! ما عبدناك حق عبادتك " .
3. حديث : " إن الله تعالى يقول يوم القيامة : يا أيها الناس ! إنى جعلتُ نسباً وجعلتم نسباً ، فلت : أكرمكم أتقاكم ، وأنتم تقولون فلان ابن فلان أكرم من فلان ، وأنا اليوم أرفع نسبى وأضع نسبكم أين المتقون ؟ "
أما ما سأله فى قضايا المصطلح فأختار منها واحدةً وهى أدقها . قال : رأيت بعض العلماء حقق خديثاً ثم رجح طريقاً وقال : ولكن هذا الترجيح نظرى . فما معنى هذه العبارة . وجزاكم الله خيراً .
أولا : حديث : " من قتل عصفوراً بغير حقه .. إلخ " .
قلتُ : هذا حديث ضعيف .
أخرجه أحمد ( 2/166،197 ) ، وأسد السنة فى " الزهد " ( 104 – بتحقيقى ) ، ويعقوب بن سفيان فى " تاريخه " ( 2/208 ) من طريق حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن صهيب الحذاء ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً به ، وقد توبع حماد بن سلمة . تابعه سفيان بن عيينة ، فرواه عن عمرو بن دينار لكنه قال : " صهيب مولى عبد الله بن عامر " . أخرجه النسائى ( 7/206-207،239 ) والشافعى فى " مسنده " ( 1766 ) ، والحميدى فى " المسند " ( 587 ) ، والطيالسى ( 2279 ) ، وعبد الرزاق فى " المصنف " ( رقم 8414 ) والفسوى فى " تاريخه " ( 2/208 ، 703 ) ، والطحاوى فى " المشكل " ( 1/372 ) ، والحاكم ( 4/233 ) ، والبغوى فى " شرح السنة " ( 11/225 ) .(1/23)
قال الحاكم : " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبى . وليس كما قالا ، لما يأتى . زاد الحميدى فى روايته : " فقيل لسفيان ، فإن حماد ابن زيد يقول فيه : أخبرنا عمرو ، عن صهيب الحذاء . فقال سفيان : ما سمعت عمرواً قال قط : صهيب الحذاء ، ما قال إلا : " صهيب مولى عبد الله بن عامر " . ووقعت هذه المراجعة أيضاً عند الفسوى فى " تاريخه " ، لكنه قال : " حماد " ولم ينسبه . ولم أقف على هذه الرواية لحماد بن زيد . لكن الذى وقفت عليه من روايته عند الفسوى ( 2/208 ) قال : حدثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن عمرو .. فذكره . فلم يذكر " صهيباً " فلا أدرى أسقط من الإسناد أم لا ؟ ولو ثبت أن حماد بن زيد يرويه مثل رواية حماد بن سلمة لكان مرجحاً قوياً لروايته .
وقد وجدت لسفيان بن عيينة متابعاً . تابعه شعبة بن الحجاج ، فرواه عن عمرو ابن دينار بسنده سواء . أخرجه أحمد ( 2/166 ، 210 ) ، والطيالسى ( 2279 ) ويمكن الجمع بين روايتهما ورواية حماد بأن صهيب الحذاء هو مولى ابن عامر كما ذكر ابن حبان وغيره .
وخالفهم أبان بن صالح ، فرواه عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه مرفوعاً بنحوه . فصار من " مسند الشريد بن سويد الثقفى " أخرجه الطحاوى فى " المشكل " ( 1/372 ) قال : حدثنا أبو أمية ، حدثنا خالد بن يزيد الكاهلى ، حدثنا أبو بكر ابن عياش ، عن أبان بن صالحٍ به .
ولكن أخرجه الطبرانى فى الكبير " ج7/رقم 7246 ) من طريق يعقوب بن سفيان ثنا خالد ابن يزيد الكاهلى ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبان بن صالح ، عن ابن دينار ، عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه مرفوعاً به .(1/24)
كذا وقع فى رواية الطبرانى : " ابن دينار " بغير تعيين ، والمحفوظ فى حديث الشريد بن سويد أن الذى يرويه هو " صالح بن دينار " عن عمرو بن الشريد . فلست أدرى من الواهم فى رواية الطحاوى ؟ فلعله – إن سلم من التصحيف – أن يكون من شيخ الطحاوى ، وهو أبو أمية الطرسوسى ، ففى حفظه مقال . ورواية ابن عيينة ومن معه أرجح من غير شك ، ولكنى أرجح أنه وقع خطأ من الناسخ أو الطابع ، والكتاب ملآن بالأخطاء الفاحشة . غير أن سند هذا الحديث ضعيف ، وعلته صهيب مولى ابن عامر ، فلم يرو عنه إلا عمرو بن دينار . قال الحافظ فى " التلخيص " ( 4/154 ) : " وأعله ابن القطان بصهيب مولى ابن عامر الراوى عن عبد الله ، فقال : لا يعرف حاله " .
وترجمة البخارى فى " التاريخ " ( 2/2/316 ) ولم يذكره إلا برواية عمرو . وقال الذهبى فى " الضعفاء " : " لا يعرف " ، ولكنه قال فى " الميزان " ( 2/321 ) : " وعنه عمرو بن دينار فقط ، وبعضهم قواه " ولعله يقصد ابن حبان ، فقد ذكره فى " الثقات " ( 4/381 ) وله شاهدٌ من حديث الشريد بن سويد مرفوعاً به .
أخرجه النسائى ( 7/239 ) ، والبخارى فى " التاريخ الكبير " ( 2/2/277 – 278 ) . وأحمد ( 4/389 ) ، وابن حبان ( 1071 ) ، والطبرانى فى " الكبير " ( ج7/ رقم 7245 ) ، والدولابى فى " الكنى " ( 1/ 175 ) ، وابن عدى فى " الكامل " ( 5/1737 ) من طريق عامر الأحول ، عن صالح ابن دينار ، عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه فذكره .
وسنده ضعيفٌ أيضا ، وصالح بن دينار ذكروا أنه لم يرو عنه إلا عامر الأحول وقال الحافظ : " مقبول " يعنى عند المتابعة . وعامر ابن عبد الله الأحول فيه مقالٌ من قبل حفظه . وأخرجه عبد الرزاق ( ج4/ رقم 8413 ) عن معمر ، عن قتادة مرسلاً أو معضلاً . وله شاهدٌ من حديث أنس رضى الله عنه .(1/25)
أخرجه ابن عدى فى " الكامل " ( 3/1047 ) من طريق عيسى بن عبد الله السلمى ، عن زياد بن المنذر ، عن الحسن ، عن أنس مرفوعاً : " من قتل عصفوراً عبثاً جاء يوم القيامة وله صراخ عند العرش " .
أخرجه القضاعى فى " مسند الشهاب " ( 524 ) عن السرى بن عبد الله السلمى ، عن أبى الجارود وهو زياد بن المنذر به . ولعله " عيسى " أو " السرى " أحدهما مصحف عن الآخر . وقد ألمح لذلك شيخنا الألبانى حفظه الله فى " غاية المرام " ( ص 48 ) والسند ضعيفٌ جداً . وزياد بن المنذر كذبه ابن معين .
والسرى قال الذهبى : " لا يعرف ، وأخباره نكرةٌ " .
الثانى : حديث " يؤتى بالصراط ، حده كحد الموسى .. إلخ " .
قلتُ : هذا حديث صحيح . أخرجه الحاكم ( 4/586 ) من طريق هدبة بن خالد ، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البنانى ، عن أبى عثمان النهدى ، عن سلمان الفارسى مرفوعاً فذكره . قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبى وهو كما قالا . ولكن خولف هدبة فى رفعه .
خالفه أسد بن موسى ، والحسن بن موسى ومعاذ بن مهدى فرووه عن حماد بن سلمة بسنده سواء موقوفاً عل سلمان .
أخرجه أسد السنة فى " الزاهد " ( 43، 66 ) وابن أبى شيبة ( 13/178 ) ، والآجرى فى " الشريعة " ( 382 ) . فإن كان لابد من الترجيح ، فرواية الجماعة أقوى ، ولكن لا منافاة عندى بين رواية الوقف والرفع ، فإن هذا كثير فى الروايات . لاسيما ورواية الوقف لها حكم الرفع كما لا يخفى ، إذ لا مجال للاجتهاد فى مثل هذه الأمور التى لا تعرف إلا عن طريق الرسل . والله أعلم .
الثالث : حديث " إن الله تعالى يقول يوم القيامة .. الحديث " .
قُلتُ : هذا حديث ضعيف جدا .
أخرجه الحاكم ( 2/463 – 464 ) ، والبيهقى فى " شعب الإيمان " ( 4775 ) من طريق محمد بن الحسن بن زبالة ، حدثتنى أم سلمة بنت العلاء بن عبد الرحمن ابن يعقوب ، عن أبيها ، عن جدها ، عن أبى هريرة مرفوعاً فذكره .(1/26)
قال الحاكم : " هذا حديث عالٍ ، غريب الإسناد والمتن ولم يخرجاه " فقال الذهبى : " المخزومى ابن زبالة ساقط " .
وقال البيهقى : " المحفوظ الموقوف " .
وهذا الموقوف الذى أشار إليه البيهقى أخرجه أسد السنة فى " الزهد " ( 79 ) والحارث بن أبى أسامة فى " مسنده " – كما فى " المطالب العالية " ( 2673 ) ، والطبرانى فى " الأوسط " ( ج1/275/1 ) ، وفى " الصغير " ( 642 ) ، والحاكم ( 2/464 ) ، والبيهقى فى " الشعب " ( ج9/ رقم 4776 ) ، وفى " الزهد " ( 759 ) من طريق طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبى رباح ، عن أبى هريرة موقوفاً عليه وسنده واهٍ ، وطلحة بن عمرو متروك الحديث . وبه أعله الهيثمى فى " المجمع " ( 8/84 ) .
أما قول البيهقى : " المحفوظ هو الموقوف " فلربما أراد أن الأشبه هو الموقوف ، لا أنه محفوظ اصطلاحاً ، إلا أن يكون له طريق آخر غير هذا . والله أعلم .
وجملة القول أنه لا يصح مرفوعاً ولا موقوفاً .
والله الموفق سبحانه .
---
· يسأل سائلٌ عن حديث : " يخرج فى آخر الزمان رجالٌ يختلون الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب ، يقول الله عز وجل : أبى يغترون ؟ أم علىّ يجترءون ؟ فبى حلفتُ لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيران " .
· قُلتُ : هذا الحديث ضعيف
· أخرجه الترمذى ( 2404 ) ، وابن المبارك ( 50 ) ، وهناد بن السرى ( 860 ) كلاهما فى " الزهد " ، وابن عبد البر فى " الجامع " ( 1/189 ) ، والخطيب فى " الفقيه والمتفقه " ( 2/162 ) والبغوى فى " شرح السنة " ( 14/394 ) من طريق يحيى بن عبيد الله ، عن أبيه ، عن أبى هريرة مرفوعاً به .(1/27)
وهذا سندٌ ضعيفٌ جداً . ويحيى بن عبد عبيد الله قال أحمد : " أحاديثه مناكير " ، وضعفه ابن معين وابن عدى . وتركه يحيى القطان آخر أمره ، وأبوه عبيد الله بن عبد الله ابن موهب ، قال أحمد والجوزجانى والشافعى : " لايعرف " وقال ابن القطان الفاسى : " مجهول الحال " أما ابن حبان فوثقه ( 5/72 ) !
وله شاهدٌ من حديث ابن عمر . أخرجه الترمذى ( 2405 ) من طريق حمزة ابن أبى محمد ، عن عبد الله ابن دينار ، عن ابن عمر مرفوعاً : " إن الله تعالى قال . لقد خلقت خلقاً ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، فبى حلفت .. " ثم ساق الباقى بنحوه . قال الترمذى : " هذا حديث حسن غريب من حديث ابن عمر لا نعرفه إلا من هذا الوجه " .
· قلت : كذا ! وحمزة بن أبى محمد لينه أبو زرعة . وقال أبو حاتم : " ضعيف الحديث ، منكر الحديث لم يرو عنه غير حاتم بن إسماعيل " وهذا معناه أنه مجهول العين فإذا كان مع جهالته منكر الحديث ، فهو ساقط عن حد الاعتبار به . فالسند واهٍ .
وله شاهد من حديث أبى الدرداء مرفوعاً : " أنزل الله عز وجل فى بعض كتبه ، أو أوحى إلى بعض أنبيائه : قل للذين يتفقهون لغير الدين ، ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون للناس مسوك الكباش ، قلوبهم كقلوب الذئاب ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر . إياى يخدعون ؟ أو بى يستهزءون ؟ فبى حلفتُ … الحديث " .
أخرجه ابن عبد البر فى " الجامع " ( 1/189 ) ، والخطيب فى " الفقيه والمتفقه " ( 2/162 ) وابن عساكر فى " المجلس الرابع عشر من الأمالى " ( ق 2/1 ) من طريق المغيرة بن عبد الرحمن ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن الزهرى ، عن عائذ الله بن عبد الله ، عن أبى الدرداء مرفوعاً .
قال ابن عساكر : " تفرد به المغيرة بن عبد الرحمن المخزومى عن عثمان الوقاصى عن الزهرى " .(1/28)
وهذا سند تالف البتة . والمغيرة مجهول ، وعثمان الوقاصى كذبه ابن معين ، وأبو حاتم وقال " ذاهب الحديث متروك الحديث " فالحمل عليه .
وأخرجه الدارمى ( 1/90 ) من طريق أبى النعمان عارم ، ثنا حماد بن زيد ، عن يزيد بن حازم ، حدثنى عمى جدير بن زيد ، أ،ه سمع تبيعاً يحدث عن كعب الأحبار فذكره بنحو حديث أبى الدرداء موقوفاً .
وقد خولف الدارمى فيه ، خالفه على بن عبد العزيز ، فرواه عن عارم ، حدثنا حماد بن زيد أنه بلغه عن كعب قال .. فذكره .
أخرجه ابن عبد البر ( 1/189 ) . ولعل هذا من عارم ، فقد ساء حفظه بآخرةٍ وبالجملة ، فلا يصحُ الحديث من أى وجه . والله أعلم .
· ويسأل السائل نفسه عن حديث : " رُب عابد جاهل ، ورب عالم فاجر ، فاحذروا الجهال من العباد ، والفجار من العلماء ، فإن أولئك فتنة الفتناء " ويقول : إنه تعب كثيراً فى البحث عنه فلم يجده ، فهل له أصل وما درجته .
· قُلتُ : هذا حديث موضوع
· أخرجه ابن عدى فى " الكامل " ( 2/446 ) ، وابن عساكر فى " تاريخ دمشق " ( ج / ل 307 ) وفى " المجلس الرابع عشر من الأمالى " ( ق 2/1 ) من طريق بشر بن إبراهيم أبو سعيد الدمشقى ، ثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان عن أبى أمامة مرفوعاً فذكره .
قال ابن عدىّ : " غير محفوظٍ " وقال ابن عساكر : " تفرد به أبو سعيد بشر بن إبراهيم الدمشقى " .
· قلت : وبشر هذا قال ابن حبان " كان يضع الحديث على الثقات " أخرجه ابن عدى ( 6/2433 ) من طريق عمر بن موسى ، عن خالد ابن معدان ، عن أبى أمامة مرفوعاً . به .
وعمر بن موسى الوجيهى قال أبو حاتم وابن عدى : " كان يضع الحديث " فالحديث ساقط بالطريقين . والله أعلم .
· يسأل إبراهيم أحمد منصور عن قول عمر " إن أنا نمت نهارى ضاعت الرعية ، وإن أنا نمت ليلى ضعيت نفسى كيف بالبنوم معهما ؟ " .(1/29)
· قُلتُ : أخرجه نظام الملك الحسن بن علىّ فى " مجلسين من الأمالى " ( رقم 23 – بتحقيقى ) من طريق عبد الله بن إدريس ، عن ليث بن أبى سليم أنه قال : بلغنى أن عمر بن الخطاب عوتب فى جهده نهاراً فى أمور الناس ، وفى اجتهاده ليلاً فى أمور آخرته ، فقال .. فذكره وسنده ضعيف للانقطاع بين ليث وعمر ، ثم ليث فيه مقال معروف .
· ويسأل أيضاً عن الحديث القدسى " قال الله تعالى : أحب عبادى إلىّ أعجلهم فطراً " .
أخرجه الترمذى ( 700،701 ) وأحمد ( 2/237 – 238،329 ) ، وابن خزيمة ( ح3 / رقم 2062 ) ، وابن حبان ( 886 ) ، وشرح السنة ( 6/256 ) ، والشجرى فى " الأمالى " ( 1/189– 190 ) من طرق عن قرة بن عبد الرحمن ، عن الزهرى عن أبى سلمة ، عن أبى هريرة مرفوعاً فذكره .
قال الترمذى : " حسنُ غريب " .
· قلتُ : وسنده ضعيف ، وقرة بن عبد الرحمن فى حديثه نكارة عن الزهرى ولكنه توبع ، وتابعه محمد بن الوليد الزبيدى ، عن الزهرى بسنده سواء . أخرجه الطبرانى فى " الأوسط " ( ح1/رقم 149 ) من طريق مسلمة بن على ، عن محمد بن الوليد به ، وقال : " لم يرو هذا الحديث عن الزبيدى إلا مسلمة بن علىّ " .
· قُلتُ : وهو الخشنى ضعيف الحديث جداً ، تركه غيرُ واحد منهم النسائى والدارقطنى والبرقانى والأزدى .
وقال الحاكم : " روى عن الأوزاعى والزبيدى المناكير والموضوعات " .
· ويسأل عن حديث : " من آذى مسلماً فقد آذانى ، ومن آذانى فقد آذى الله " .(1/30)
أخرجه الطبرانى فى " الصغير " ( 1/168 – 169 ) من طريق سعيد بن سليمان حدثنا موسى بن خلف العمى الواسطى ، حدثنا القاسم العجلى ، عن أنس بن مالك قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء رجلٌ يتخطى رقاب الناس حتى جلس قريباً من النبى صلى الله عليه وسلم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال ، ما منعك يا فلان أن تجمع ؟ قال : يا رسول الله قد حرصت على أن أضع نفسى بالمكان الذى ترى قال : قد رأيتك تخطى رقاب الناس وتؤذيهم . من أذى مسلماً … الحديث " .
قال الطبرانى : " لم يروه عن أنس إلا القاسم العجلى ولا عنه إلا موسى ابن خلف " .
· قُلتُ : وعلته القاسم العجلى فقد تركه ابن حبان . وبه أعله الهيثمى فى " المجمع " ( 2/179 ) .
· ويسأل م إ عن حديث : " إن شر الناس منزلة يوم القيامة من ودعه الناس اتقاء فحشه " .
· قُلتُ : هذا حديث صحيح .
أخرجه البخارى ( 10/452 ، 471 ) ومسلم ( 2591 ) ، وأبو داود ( 4791 ) ، والترمذى ( 1996 ) ، وأحمد ( 6/38 ) ، والطيالسى ( 1455 ) وآخرون من حديث عائشة قالت : استأذن رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده ، فقال : بئس ابن العشيرة – أو أخو العشيرة – ثم أذن له فألان له القول ، فلما خرج قلت : يا رسول الله : قلت له ما قلت ، ثم ألنت له ؟ فقال : إن شر الناس … الحديث .
قال الترمذى : " حسن صحيح " .
· ومن السائل نفسه يسأل عن صحة حديث : " كان النبى صلى الله عليه وسلم يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله " .
· قُلتُ : هذا حديث ضعيف .(1/31)
أخرجه الطبرانى فى " الأوسط " ، وابن قانع فى " معجم الصحابة " ( ج 7/ق109 /1-2 ) ، والحارث بن أبى أسامة فى " مسنده " كما فى " المطالب " ( 36 ) ، وابن منده فى " المعرفة " ، وأبو نعيم فى " الصحابة " ( 4/411 ) – وابن عدىّ فى " الكامل " ( 3/1214 ) من طريق واصل مولى أبى عيينة ، عن يحيى بن عبيد بن رحى ، عن أبيه فذكره ، قال أبو زرعة : ليس لوالد يحيى ابن عبيد صحبة .
وقال المناوى فى " فيض القدير " ( 5/300 ) : " قال الولى العراقى : فيه يحيى بن عبيد وأبوه ، غير معروفين " وقد اختلف فى إسناد هذا الحديث اختلافاً كثيراً ثم منه ضعف الحديث بكل حال . والله أعلم .
---
· وتسأل القارئة إ م
الأول : حديث " إن الولاء ليس بمتحولٍ ولا بمنتقل " هل هو صحيح ، وما معناه ؟
الثانى : حديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعلى بن أبى طالب : " أمرت بتزويجك من السماء " هل هو صحيح ؟ وقرأت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال مثله لعائشة فما مدى صحة ذلك ؟
الأول : حديث " إن الولاء ليس بمتحولٍ ولا بمنتقل " .
قلت : فهذا حديث ضعيف
أخرجه البزار ( ج2/رقم 1321 ) ، والطبرانى فى " الكبير " ( ج10/رقم 10684 ) ، والعقيلى فى " الضعفاء " ( 4/181 – 182 ) ، والوزير أبو القاسم ابن الجراح فى " الثانى من حديثه " ( رقم 8 – بتحقيقى ) وعنه الذهبى فى " السير " ( 14/531 ) من طريق المغيرة بن جميل الكندى ، قال : حدثنى سليمان بن على بن عبد الله بن عباس ، قال : حدثنى أبى ، عن جدى مرفوعاً .. فذكره .. قال البزار : " لا نعلمه يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد من هذا الوجه . والمغيرة بن جميل ليس بمعرفٍ فى الحديث " وقال العقيلى فى ترجمة المغيرة : كوفى منكر الحديث .. ولا يعرف – يعنى الحديث – إلا به " .(1/32)
وقال عبد الحق الأشبيلى : " المغيرة مجهول " وأقره ابن القطان فى " الوهم والإيهام " وترجمة ابن أبى حاتم فى " الجرح والتعديل " ( 4/1/219 ) ونقل عن أبيه : " مجهول " ولكن يشهد له ما أخرجه الشافعى ( 2/72 – 73 ) ، والحاكم ( 4/341 ) والبيهقى ( 10/292 ) عن ابن عمر مرفوعاً : " الولاء لحمةٌ كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " وقد أعله أبو بكر محمد بن زياد النيسابورى فقال : " هذا خطأ ، لأن الثقات لم يرووه هكذا وإنما رواه الحسن مرسلاً " .
قلت : ورواية الحسن هذه أخرجها ابن أبى شبية فى " المصنف " ( 6/123 ) والبيهقى ( 10/292 ) وأخرج عبد الرزاق ( ج9/رقم 16149 ) وابن أبى شيبة ( 6/122 ) وسعيد بن منصور فى " سننه " ( 284 ) من طريق داود ابن أبى هند ، عن سعيد بن المسيب قال : الولاء كالنسب لا يباع ولا يوهب . وكذلك قال ابن سيرين وإبراهيم النخعى ، وطاووس ، والشعبى وآخرون وانفصل شيخنا أبو عبد الرحمن الألبانى – حفظه الله – على صحة المرفوع منه فى بحث له فى " إرواء الغليل " ( 6/109 – 114 ) .
ويشهد له حديث ابن عمر قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته " أخرجه الشيخان وغيرهما . وقد خرجتُهُ فى " غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود " ( رقم 978 ) . فلله الحمد .
أما المعنى : فالولاء ، مأخوذ من الولاية ، وهى أن يتولى المعتق تربيته والقيام بأمره ، فمثل هذا قائم مقام النسب ، فلا يجوز أن يباع أو يوهب ونقل ابن بطال الإجماع عليه . والله أعلم.
الثانى : حديث : " أمرت بتزويجك من السماء " .
قلت : هذا حديث موضوع كذب أخرجه ابن شاهين فى " فضائل فاطمة " ( 38 ) من طريق محمد بن يونس ، ثنا أبو زيد الأنصارى ، ثنا قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن عباية ، عن أبى أيوب الأنصارى مرفوعاً به .(1/33)
وهذا سند ساقط ومحمد بن يونس هو الكديمى اتهمه غير واحد بوضع الحديث وأطلق فيه الكذب أبو داود ، وموسى ابن هارون والقاسم المطرز . قال الذهبى فى " الميزان " ( 4/74 ) : " وأما إسماعيل الخطبى فقال بجهلٍ : كان ثقة " .
وقيس بن الربيع فيه ضعفٌ من قبل حفظه . والأعمش مدلس وقد عنعنه وله شاهدٌ من حديث ابن مسعود رضى الله عنه .
أخرجه الطبرانى فى " الكبير " ( ج10/رقم 10305 ) من طريق إسماعيل بن موسى السدى ، ثنا بشر بن الوليد ، ثنا عبد النور بن عبد الله المسمعى عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، عن ابن مسعود مرفوعاً : " إن الله أمرنى أن أزوج فاطمة من علىّ رضى الله عنهما " .
ومن طريق عبد النور ابن عبد الله هذا أخرجه العقيلى فى " الضعفاء " – وسقط من المطبوعة – وعنه ابن الجوزى فى " الموضوعات " ( 1/415 ) وذكر حديثاً طويلاً .
قال ابن الجوزى : " وضعه عبد النور ، وكذا فى كتاب العقيلى ، فقال العقيلى : وكان يضع الحديث " وقال الحافظ فى " اللسان " : " لفظ العقيلى : لا يقيم الحديث وليس من أهله ، والحديث موضوع لا أصل له " ، وذهل الهيثمى رحمه الله عن هذا البحث فقال فى " مجمع الزوائد " ( 9/204 ) : " رجاله ثقات " !! ولعل الذى حمله على ذلك أنه رأى ابن حبان قد ذكره فى " الثقات " ، فلم ينشط ليراجع " ضعفاء العقيلى " أو " ميزان الذهبى " على الأقل . أما ذكر ابن حبان إياه فى " الثقات " فقد اعتذر عنه الحافظ فقال فى " اللسان " : " وكأن ابن حبان ما اطلع على هذا الحديث الذى له عن شعبة ، فإنه موضوع ورجاله من شعبة فصاعداً رجال الصحيح ، فينظر من دون عبد النور " أ هـ .
فقد حكم على الحديث بالوضع العقيلى ، وابن الجوزى ، والذهبى ، والحافظ ، والسيوطى فى " اللآلىء " ، ومع اعتراف السيوطى بوضعه ، فقد ذكره فى " الجامع الصغير " مع اشتراطه فى خطبته أن يصونه عما تفرد به وضاع أو متروك !! .(1/34)
وفى الباب أحاديث أخرى ساقطة ، والمقام لا يحتمل البسط . والله أعلم .
أما فيما يتعلق بعائشة رضى الله عنها ، فلعل السائلة قرأت الحديث بالمعنى فإن النبى صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بأمر من الله .
فأخرج البخارى ( 12/352 ) ومسلم ( 2483 ) وغيرهما عن عائشة مرفوعاً : " أريتك فى المنام مرتين ، إذا رجل يحملك فى سرقة حرير ، فيقول : " هذه امرأتك " فأكشفها ، فإذا هى أنت ، فأقول : " إن يكن هذا من عند الله يمضه " .
---
· سأل سائل لم يذكر اسمه : أفتونا مأجورين – إن شاء الله – عن درجة الأحاديث الآتية :
¨ الأول : ذكر بعض الخطباء أنه يجوز صلاة الصبح بعد شروق الشمس ، واستدل بحديثٍ عن أحد الصحابة اسمه على ما أذكر " صفوان " ، وقد سألت عنه بعض أهل العلم فقال لى : هو حديثٌ منكرٌ ، فنرجو أن تذكر لنا نص الحديث مع ذكر درجته . وقد ذكر هذا الخطيبُ أيضاً أن فى هذا الحديث النهى عن قراءة سورتين بعد الفاتحة فهل هذا صحيحٌ ؟
¨ الثانى : حديث : " اهتز العرش لموت سعد ابن معاذ حتى تفسخت أعوادُهُ " هل هو صحيح ؟ .
¨ الثالث : حديث : " من كتم علماً مما ينفعُ الله به فى أمر الناس ، أمر الدين ، ألجمه‘ الله يوم القيامة بلجامً من نار " .
والجواب
أما الأول : فالحديث صحيح(1/35)
أخرجه أبو داود ( 2459 ) ، وأحمد ( 3/80 ) ، وكذا ابنهُ عبد الله فى "زوائده على المسند" فى ذات الموضع ، وابن حبان ( 956 ) عن أبى يعلى ، وهذا فى " مسنده " ( ج2/ رقم 1037 ، 1174 ) ، والطحاوى فى " مشكل الآثار " ( 2/424 ) ، والحاكم ( 1/436 ) والبيهقى ( 4/303 ) ، وابن عساكر فى " تاريخ دمشق " ( ج8/ل 349 – 350 ) من طريق جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن أبى صالح ، عن أبى سعيد الخدرى ، قال : جاءت امرأة إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ! إن زوجي صفوان بن المعطل يضربنى إذا صليتُ ، ويفطرنى إذا صُمتُ ، ولا يصلى صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ُ . قال وصفوان عنده . فسأله عما قالت . فقال : يا رسول الله ! أما قولها : يضربني إذا صليت ، فإنها تقرأ بسورتين ، وقد نهيتُها عنها . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " لو كانت سورةً واحدةً لكفت الناس " قال : وأما قولُها : يفطرني إذا صمتُ ؟ فإنها تنطلق فتصوم ، وأنا رجلٌ شابٌ لا أصبرُ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : " لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها " وأما قولها : لا أصلى حتى تطلع الشمس ، فإنا أهل بيتٍ لا نكاد نستيقظُ حتى تطلع الشمس . فقال صلى الله عليه وسلم : فإذا استيقظت ، فصل " .
وهذا السياق لابن حبان ، ورواه أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش بسنده سواء ، وفى حديثه : " وأما قولُها : إنى أضربها عن الصلاة فإنها تقرأ بسورتى ، فتعطلنى . قال . لو قرأها الناس ما ضرك . وأما قولها : إنى لا أصلى حتى تطلع الشمس ، فإنى ثقيل الرأس ، وأنا من أهل بيتٍ يعرفون بذاك ، بثقل الرؤوس . قال : " فإذا قمت فصل " .(1/36)
أخرجه أحمد ( 3/84 – 85 ) حدثنا أسود بن عامر ، نا أبو بكر ابن عياش به ، قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا ، وصحح إسناده الحافظ فى " الإصابة " ( 3/441 ) ، وقد صرح الأعمش بالتحديث عن أبى صالحٍ عند ابن سعدٍ فى " الطبقات " كما قال الحافظُ فى " الفتح " ( 8/462 ) . أما من أنكره فهو مسبوق إليه . فقد قال الحافظ فى " الإصابة " ( 3/441 ) إن البخارى أورد هذا الإشكال قديماً .
ولما روى البراز هذا الحديث فى " مسنده " قال : " هذا الحديث كلامه منكر ولعل الأعمش أخذه من غير ثقةٍ فدلسه فصار ظاهر سنده الصحة ، وليس للحديث عندى أصل " .
وخلاصة الإشكال أن صفوان بن المعطل لما رمى بعائشة رضى الله عنها فى حديث الإفك المشهور فى " الصحيحين " وغيرهما قال : " سبحان الله ! والله ما كشفتُ كنف أُنثى قط " .
فيكون حديث أبى سعيد هذا منكراً إذ فيه أن لصفوانٍ زوجة ، فكيف يقول : والله ما كشفت كنف أنثى قط ؟ فلهذا استشكله البخارى وأنكره البراز ولكن يجاب عنه بأن الجمع أولى من الترجيح ، فالأصل فى الدليلين الصحيحين الإعمال لا الإهمال ، والجمع هنا ممكن ، بل ظاهر وهو أن يكون حديث أبى سعيد هذا متأخراً عن حادثة الإفك .(1/37)
فُيحمل قوله : " ما كشفت كنف أنثى قط " على أنه لم يكن تزوج آنذاك ، ثم تزوج بعد ذلك فشكته امرأتهُ وبهذا أجاب الحافظ . وهناك جوابٌ آخر . قال القرطبى : قوله : ما كشفت كنف انثى قط يعنى : بزنا . أى فى الحرام ولكن اعترضه الحافظ بقوله : " فيه نظر لأن فى رواية سعيد بن أبى هلالٍ ، عن هشام بن عروة فى قصة الإفك أن الرجل الذى قيل فيه ما قيل لما بلغه الحديث قال : " والله ! ما أصبتُ امرأةً قط حلالاً ولا حراماً " وفى حديث ابن عباس عند الطبرانى : " كان لا يقربُ النساء " فالذى يظهر أن مراده بالنفى المذكور ما قبل القصة ، ولا مانع أن يتزوج بعد ذلك ، فهذا الجمعُ لا اعتراض عليه إلا بما جاء عن ابن إسحاق أنه كان حصوراً لكنه لم يثبت ، فلا يعارض الحديث الصحيح " انتهى كلامُ الحافظ وما ذكره من حديث ابن عباس ، فأخرجه الطبرانى ( 23/123 ) وفى سنده إسماعيل بن يحيى بن سلمة ابن كهيل ، وهو متروك . وكذلك أبوه يحيى بن سلمة . فالسند ضعيفٌ جداً .
وخلاصة الجواب أن الحديث صحيح ، وليس معناه منكراً كما شرحناه أما ما ذكره ذاك الواعظ من صلاة الفجر بعد طلوع الشمس فجائز ، لا سيما من كان حاله كحال صفوان بن المعطل ، وأنه كان ثقيل الرأس ، فكانت هذه فيه كالصفات الجبلية فى الإنسان .
واستبعد الذهبى فى " سير النبلاء " ( 2/550 ) هذه الخصلة فى صفوان ، فقال : " فهذا بعيدٌ من حال صفوان أن يكون كذلك " كذا قال ! ولا بُعد فيه كما لا يخفى أما من يظل ساهراً طول الليل فى غير منفعة ، ليس إلا لمجرد السهر حتى إذا اقترب الفجر نام ، فلا يستيقظ إلا وقد تعالى النهار ، فلاشك أنه مؤاخذ وإن جازت صلاته . والله أعلم .(1/38)
أما استدلال ذلك الخطيب على النهى عن قراءة سورتين بعد الفاتحة فلست أدرى من أين أخذه ؟ فليس فى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم نهاها عن قراءة سورتين ، وإنما قال : " لو كانت سورة واحدة لكفت الناس " يعنى أن سورة واحدة لو قرأها المصلى متدبراً لها لكفته لو عمل بها .
ويكفى فى رد استدلال الخطيب ما أخرجه البخارى ( 2/255 – فتح ) من حديث أنس رضى الله عنه أن رجلاً من الأنصار كان يؤمهم فى مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم فى الصلاة مما يقرأ به افتتح بـ " قل هو الله أحد " حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك فى كل ركعة ، وذكر الحديث وفيه أنهم شكوه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عن لزومه سورة الإخلاص فى كل ركعةٍ فقال الرجل : إنى أحبها . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " حبك إياها أدخلك الجنة " .
وبوب البخارى على هذا الحديث وغيره بقوله : " باب الجمع بين السورتين فى الركعة " وهذا البحث كله قائم على أن اللفظ " سورتين " ووقع فى روايةٍ لأحمد والطحاوى : " وأما قولها : يضربنى إذا صليت فإنها تقوم بسورتى التى أقرأها فتقرأ بها " فلفظ " السورة " فى هذه الرواية جاء مضافاً . ومعناه كما قال الطحاوى أنه إنما ضربها لأنها تقوم بسورته التى يقرأ بها ، فظن صفوان أنها إذا قرأت السورة التى يقرأها فلا يحصل لهما بقراءتهما إياها جميعاً إلا ثواباً واحداً ، فلو أنها قرأت سورة أخرى غير التى قرأها حصل لهما ثوابان فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل واحدٍ منهما لو قرأها فى صلاته فيحصل لهما ثوابان ، لأن قراءة أحدهما غير قراءة الآخر .
ومما يدل على ذلك قوله فى رواية أبى بكر بن عياش عن الأعمش عند أحمد قوله : " فإنها تقرأ بسورتى فتعطلنى " أى : تنازعنى فى الثواب بقراءتها نفس السورة فتتركنى عطلاً من الثواب . والله أعلم .
الثانى : حديث : " اهتز العرش لموت سعد ابن معاذ حتى تفسخت أعواده " .(1/39)
قُلتُ : هذا حديث منكر بهذا اللفظ .
أخرجه ابن أبى شيبة ( 12/142 – 143 ) ، والبزار ( ج3/ رقم 2697 ) ، والحاكم ( 3/206 ) من طريق محمد بن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن مجاهدٍ ، عن ابن عمر ، قال : اهتز العرش لحب لقاء الله سعد بن معاذ ، قال : فقال : إنما يعنى : السرير . " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ " ( يوسف / 100 ) قال : تفسخت أعواده .. الحديث .
قال البزار : " هذا الحديث بهذا التفسير لا نعلمه إلا عن ابن عمر " قلت : هذا متعقب بما أخرجه البخارى ( 7/123 ) وغيره عن أبى صالحٍ ، عن جابر مرفوعاً : " اهتز العرش لموت سعدٍ " فقال رجل لجابر : فإن البراء يقول : اهتز السرير ! فقال : إنه كان بين هذين الحيين ضغائن . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ " فيؤخذ من هذه الرواية أن البراء بن عازب رضى الله عنه كان يفسر " العرش " بأنه " السرير " أى " النعش " فرده جابر ابن عبد الله رداً واضحاً لما أضاف العرش إلى " الرحمن " جل وعلا ، ثم لو كان " العرش " هو " النعش " لما كان فيه أية منقبةٍ ، فكل " نعشٍ " يهتز بمن فيه ، لكن الشأن فى ثبوت هذا التفسير عن ابن عمر ، وهو لا يثبت بهذا الإسناد ، فإن محمد بن فضيل كان ممن سمع من عطاء بن السائب فى الإختلاط ، فوقعت فى روايته عنه أغلاطٌ واضطرابٌ كما قال أبو حاتم الرازى ثم رأيتُ فى " علل الدارقطنى " ( ج2/ق 36/2 – 37/1 ) أنه قال : " رواه إبراهيم بن طهمان وابن فضيل وحماد ابن سلمة عن عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عمر " فهذا يدل على أن ابن الفضيل لم يتفرد به ، ولكن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل الاختلاط .وبعده ، فلا يحتج بروايته عنه حتى نميز روايته قبل أو بعد الإختلاط . وإبراهيم ابن طهمان يظهر أنه سمع من عطاء بعد الاختلاط يُعلم ذلك من مطالعة ترجمة عطاء ، فأخشى أن يكون أخذهم فى وقتٍ واحدٍ ، ثم إن الدارقطنى لم يذكر(1/40)
لفظ حديث ابن طهمان وحماد ، فلربما تابعا ابن فضيل على أصله وليس على هذه اللفظة المنكرة ، وهى " تفسخت أعواده " .
وقد قال العقيلى ف " الضعفاء " ( 4/425 ) : " وليس يحفظ " حتى تخلعت أعواده " من وجهٍ صحيح " أ هـ .
والحديث بدونها متواترٌ كما شرحته فى تخريجى على " مسند سعد بن أبى وقاص " للبزار ( رقم /30 ) .
الثالث : حديث : " من كتم علماً مما ينفع الله به فى أمر الناس .. الخ "
قلت : هذا حديث صحيح دون قوله : " مما ينفع الله به فى أمر الناس أمر الدين " .
أخرجه ابن ماجة ( 265 ) ، وأبو نعيم فى " المستخرج " ( ج 1/ق 2/2 – 3/1 ) من طريق عبد الله بن عاصم ، ثنا محمد بن داب ، عن صفوان بن سليم ، عن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى ، عن أبيه مرفوعاً فذكره .
وهذا سند ساقطٌ ، ومحمد بن داب كذبه ابن حبان ، وخلف الأحمر وقال : " يضع الحديث " وبه أعله أبو زرعة الرازى كما فى " علل الحديث " ( 2818 ) لابن أبى حاتم .
ثم اعلم أن الحديث ثابت بلفظ : " من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار " رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة ، وأمثلها حديث أبى هريرة وحديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهم ، وقد ذكرت أحاديثهم كلها مع تخريجها فى " سد الحاجة بتقريب سنن ابن ماجة " وسيطبع الجزء الأول قريباً إن شاء الله تعالى
أسئلة عام1417
- يسأل القارئ عن درجة هذه الأحاديث :
أ - ( جنبوا مساجدكم صُناعكم) .
ب - ( إن للمقيم بالإسكندرية ثلاثة أيام من غير رياءً كمن عبد الله عز وجل سبعين ألف سنة ما بين الروم والعرب ) .
ج - ( قالت عائشة : ما رأيت عورة النبي صلى الله عليه وسلم قط ولا رآه مني ) .
د - هل هناك حديث ينهى عن إغماض العين في الصلاة .
هـ - إنه سيكون بعدي قوم سفلتهم مؤذنوهم) .
والجواب بحول الله وقوته :
أما الحديث الأول فباطل موضوع .(1/41)
أخرجه ابن عدي في ( الكامل) (6/ 2266) ، والخطيب في ( تلخيص المتشابه) (1/ 392) من طريق محمد بن مجيب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال : مررت مع أمير المؤمنين عثمان على مسجد ، فرأى فيه خياطًا ، فأمر اخراجه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ! إنه يقُمُّ - أي : يكنس - المسجد أحيانًا ويرشه ويغلق أبوابه ، فقال ، يا أبا الحسن أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( جنبوا مساجدكم صناعكم ) ، ووقع في ( التلخيص الحبير للحافظ ) (3/ 67) : ( صبيانكم ) بدل : ( صناعكم ) ، وهو تصحيف ، وهذا سندٌ ساقط ، ومحمد بن مجيب تالفٌ ألبتة ، كذبه ابن معين . وقال أبو حاتم الرازي : ( ذاهب الحديث ) .
أما الحديث الثاني : فبطلانه في غاية الظهور
فأخرجه الدارقطني في ( الأفراد) ، ومن طريق ابن الجوزي في ( الواهيات ) (1/ 305 - 306) قال : نا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الملحميُّ قال نا الوليد بن العباس بن مسافر الخولاني قال : نا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني خالد بن حميد عن سعيد بن أبي عروبة عن سعيد بن جبير عن أبي هريرة أنه سأله فقال : من أين جئت ؟ قال : من الإسكندرية ، فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .
قال الدارقطني : ( هذا منكرٌ بهذا الإسناد ، لم نكتبه إلا عن هذا الشيخ ) .
وقال ابن الجوزي : ( الوليد قد ضعُّفه الدارقطني ، وأبو صالح قال فيه أحمد : ليس بشيء ) .
قُلتُ : أما شيخ الدارقطني - أحمد بن إسحاق - فترجمه الخطيب في ( تاريخ بغداد ) (4 /34) , ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً ، والوليد ضعفه الدارقطني ، وأبو عمر الكندي المصري ، وأبو صالح كاتب الليث صدوق في حفظه مقالٌ معروف ، ولم أظفر بما يثبت رواية سعيد بن أبي عروبة عن سعيد بن جبير ، فليحرر . وقد رواه أبو الشيخ من وجه آخر .(1/42)
قال الحافظ - كما في ( تنزيه الشريعة ) ( 2/ 57) : ( رجاله مشهورون بالثقة ، إلا الوزير ابن محمد ، وإبراهيم بن حرب ، وجابر الجعفي ، ولا أعرف الوزير بن محمد ، ولا أظن الآفة إلا منه ) . ا هـ .
والحديث جزم الذهبي ببطلانه في ( تلخيص الواهيات ) ، وهو حقيق بذلك . والله أعلم .
أما الحديث الثالث : فمنكرٌ .
أخرجه ابن المقري في ( مجمعه ) (ق 1 / 63) ، وابن عدي في ( الكامل) ( 2/ 479) ، والطبراني في ( الأوسط ) (ج3/ رقم 2218) ، وفي ( الصغير ) (10 / 53) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (7 / 100 ، 8 / 247) من طريق بركة بن محمد الحلبي ثنا يوسف بن أسباط ثنا الثوري عن محمد بن جحادة عن قتادة عن أنس عن عائشة قالت : ما رأيت عورة النبي صلى الله عليه وسلم … الخ .
قال الطبراني : ( لم يروه عن الثوري إلا يوسف بن أسباط ، تفرد به بركة بن محمد ) .
قلت : ولا بركة فيه ، فإنه كذاب .
قال الدارقطني في ( العلل) ( ج5 / ق/ 20 / 1) : ( يرويه بركة بن محمد الحلبي وهو متروك .. هذا يضع الحديث على الثوري وعلى غيره ، ولا يصح هذا لا عن الثوري ، ولا عن محمد بن جحادة ، ولا عرفناه ) . ا هـ . وله طريق آخر . أخرجه أبو الشيخ ابن حبان والدارقطني : ونقل البخاري عن أحمد قال : ( رمينا حديثه ) ، أما توثيق ابن معين له فغير معتبر ، فإن الرواة كان يخافون منه ، فقد يكون أحدهم ممن يخلط عمدًا ، ولكنه استقبل ابن معين بأحاديث مستقيمة ، فإذا وجدنا ممن أدركه ابن معين من الرواة من وثقه ابن معين وكذبه الأكثرون أو طعنوا فيه طعنًا شديدًا فالظاهر أنه من هذا الضرب فإنما يزيده توثيق ابن معين وهنًا لدلالته على أنه كان يتعمد كما قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله .(1/43)
وله طريق آخر أخرجه أحمد ( 6/ 63) ، والترمذي في ( الشمائل) (352) ، وابن ماجه ( 662 ، 1922) في سنده مولا لعائشة وهي مجهولة ، ثم اعلم أن هذا الحديث يعارض ما هو أقوى منه وفيه إجازة النظر إلى العورة ، سواء في ذلك المرأة أو الرجل ، وهو حديث معاوية بن حيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ) .
أخرجه أبو داود ( 4017) ، والترمذي ( 2794) وابن ماجه (1920) ، وأحمد (5/ 3، 4) ، وصححه الحاكم ( 4/ 180) ، وسنده حسن .
وأخرجه الشبخان . واللفظ لمسلم عن عائشة قالت : ( كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحدٍ ، تختلف أيدينا فيه ، فيبادرني حتى أقول : دع لي ، دع لي ، قالت : وهما جنبان ) .
قال الحافظ في ( الفتح ) ( 1/ 364) : ( استدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه ، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته فقال : سألت عطاء فقال : سألت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه . وهو نص في المسألة . والله أعلم ) . ا هـ .(1/44)
قال ابن حزم في ( المحلى ) ( 10 / 33) : ( وحلال للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته : زوجته ، أو أمته التي يحل له وطؤها - وكذلك لهما أن ينظرا إلى فرجه ، لا كراهية في ذلك أصلاً ، برهان ذلك الأخبار المشهورة عن عائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، أمهات المؤمنين - رضي الله عنهُن - أنهن كن يغتسلن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من إناء واحد ، وفي خبر ميمونة بيان أنه - عليه الصلاة والسلام - كان بغير مئزر ، لأن في خبرها أنه - عليه الصلاة والسلام - أدخل يده في الإناء ، ثم أفرغ على فرجه وغسل بشماله ، فبطل بعد هذا أن يلتفت إلى رأي أحدٍ ، ومن العجب أن يبيح بعض المتكلفين من أهل الجهل وطء الفرج ويمنع من النظر إليه ويكفى من هذا قول الله عز وجل : () [ المؤمنون : 5، 6] . أمر - عز وجل - بحفظ الفرج إلا على الزوجة وملك اليمين فلا ملامة في ذلك ، وهذا عمومٌ في رؤيته ولمسه ومخالطته ، وما نعلم للمخالف تعلقًا إلا بأثر سخيف عن امرأة مجهولة عن أم المؤمنين : ( ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وآخر في غاية السقوط ) . ا هـ .
أما المسألة الرابعة : وهي : هل هناك حديث ينهى عن إغماض العينين في الصلاة ؟
الجواب : نعم هناك حديث ينهى لكنه ضعيف . أخرجه الطبراني في ( الكبير) (ج11/ رقم 10956) ، في ( الأوسط ) (ج3/ رقم 229) ، وفي ( الصغير ) ( 1/ 17) ، وابن عدي في ( الكامل ) ( 6 / 2362) من طريق أبي خيثمة مصعب بن سعيد قال : ثنا موسى بن أعْينَ عن ليث عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا : ( إذا قام أحدكم في الصلاة ، فلا يغمض عينيه ) .
قال الطبراني : ( لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ، لم يروه عن موسى إلا مصعب ) ، وكذلك قال ابن عدي .
هذا الإسناد معلٌّ بعلتين :
الأولى : ليث بن أبي سليم فعامة النقاد على تضعيفه لاختلاطه .(1/45)
الثانية : مصعب بن سعيد ، قال صالح جزرة الحافظ : ( شيخ ضرير لا يدري ما يقول ) .
قال ابن عدي : ( يحدث عن الثقات بالمناكير ويصحف عليهم ، والضعف على حديثه بيِّنٌ ) .
قال الذهبي في ( الميزان ) ( 4/ 120) وساق له هذا الحديث وغيره : ( ما هذه إلا مناكير وبلايا ) .
قال ابن القيم في ( زاد المعاد) ( 1/ 294) : ( وقد اختلف الفقهاء في كراهته - يعني : تغميض العينين في الصلاة - فكرهه الإمام أحمد وغيره ، وقالوا : هذا فعل اليهود ، وأباحه جماعةٌ لم يكرهوه ، وقالوا : قد يكون أقرب إلى تحصيل الخشوع الذي هو روح الصلاة وسرها ومقصودها .
والصواب أن يقال : إن كان تفتيح العينين لا يخل بالخشوع فهو أفضل ، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه ، فهنالك لا يكره التغميض قطعًا ، والقول باستحبابه في هذا الحال أقربُ إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ) ا هـ .
وأما الحديث الخامس : ( إنه سيكون بعدي قوم سفلتهم مؤذنوهم ) .
فأخرجه البزار ( ج1/ رقم 357) قال : حدثنا أحمد بن منصور بن سيار ثنا عتاب بن زياد ثنا أبو حمرة السكري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا : ( الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن . اللهم أرشد والأئمة واغفر للمؤذنين ) ، قالوا : يا رسول الله ! لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك ، قال : ( إنه سيكون قوم … الخ ) .
أخرجه أبو عثمان البحيري في ( الفوائد) ( ج2/ ق5/ 2) من طريق محمد بن عمرو بن موجه ثنا عبدان ثنا أبو حمزة السكري بسنده سواء . قال البزار : ( وقد روى صدره عن الأعمش جماعةٌ على اضطرابهم فيه وفي إسناده ، وتفرد بآخره أبو حمزة ، ولم يتابع عليه ) . ووافق البزار على هذا الحكم جماعةٌ من العلماء ، منهم ابن عبد البر فقال في ( التمهيد ) ( 22/ 15) : ( وهذا الحديث انفرد به أبو حمزة هذا وليس بالقوي ) .(1/46)
وقال الخليلي في ( الإرشاد ) (3/ 884، 885) : ( وهذه اللفظة لا تروى من رواية أبي حمزة ، وربما هذا من قول بعض الرواة ، ولا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجملتُه أنه ثقة مأمون ) - يعي : أبا حمزة - وكذلك قال الدارقطني في ( العلل ) (ج3/ ق177/ 1) ، وقال : ( ليس هذا اللفظ محفوظًا ) . وقال ابن عدي في ( الكامل ) (5/ 1897) قلتُ : كذا تتابع العلماء عن هذا القول ، مع أن أبا حمزة لم يتفرد بها ، فقد تابعه عمرو بن عبد الغفار محمد بن عبيد قالا ثنا الأعمش بسنده سواء بتمامه . أخرجه البيهقي في ( الكبري ) ( 1/ 430) ، وفي ( الشعب ) ، ولكن عمرو بن عبد الغفار متروك تركه أبو حاتم واتهمه ابن عدي بوضع الحديث فمتابعته هي والعدم سواء .
ومحمد بن عبيد الطنافسيُّ ثقةٌ ، لكن قال أحمد : ( كان يخطئ ولا يرجع عن خطته ) .
وأبو حمزة السكري اسمه محمد بن ميمون ، وهو أحدُ الفحول ، ولكنه تغيَّر في آخر عمره كما قال النسائيُّ ، والراوي عنه عتاب بن زيادة ثقةٌ ، ولكن لا أدري سمع منه في التغير أم قبله ؟ أمَّا تضعيف ابن عبد البر له مطلقًا فمردود وتابعهم يحيى بن عيسى قال : ثنا الأعمش بسنده سواء مع الزيادة .
أخرجه ابنُ عدي ( 5/ 197) من طريق عيسى بن عبد الله بن سليمان القرشي العسقلاني ، قال : ثنا يحيى بن عيسى به .
قال ابنُ عدي : ( وعيس بن عبد الله ضعيفٌ يسرقُ الحديث ، والضعفُ على حديثه بيِّنٌ ، وهذه الزيادة لا تعرفُ إلا لأبي حمزة السُّكري عن الأعمش ، وقد جاء بها عيسى بن سليمان هذا عن يحيى بن عيسى عن الأعمش ) . ا هـ .
ويعني ابن عدي أن عيسى سرقه ، ويحيى بن عيس ضعيفٌ أيضًا .
قال ابن عدي : ( عامة رواياته مما لا يتابعُ عليه ) .
ورجَّح ابن القطَّان والذهبيُّ أن هذه الزيادة وهمٌ من البزار ، فقد ذكرها الذهبيُّ في ترجمة البزار من ( الميزان ) وقال : هذه زيادةٌ منكرةٌ . قال الدارقطني : ليست بمحفوظه . ا هـ .(1/47)
قلتُ : كذا نقل الذهبيُّ إعلال الدارقطني ، مع أن الدارقطني لما ذكر هذه الزيادة عصبَّها بأبي حمزة السُّكري وليس بالبزار ، وهاك كلامُهُ كاملاً في ( العلل ) ( ج3/ ق177/ 1) قال رحمه الله :
( ورواهُ أبو حمزة السُّكريُّ عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وزاد فيه ألفاظًا لم يأت بها غيرُهُ وهي : ( فقال رجلٌ : يا رسول الله تركتنا نتنافس في الأذان … ) وليست هذه الألفاظ محفوظة ) . ا هـ .
وقد ردَّ الحافظ في ( اللسان ) ( 1/ 238) على ابن القطان والذهبيِّ معًا فقال : ( لم ينفرد أبو بكر البزار بهذه الزيادة ، فقد رواها أبو الشيخ في ( كتاب الأذان ) له عن إسحاق بن أحمد بن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، سمعت أبي يقول : أنا أبو حمزة فذكره .
أثبت ابنُ عدي هذه الزيادة أنها من حديث أبي حمزة السُّكري ، فبرئ البزار من عهدتها ) . ا هـ .
قلتُ : كذا وقع في ( اللسان ) : ( إسحاق بن أحمد بن محمد … ) .
ولعلَّ الصواب : ( إسحاق بن أحمد بن محمد بن علي … ) ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق وأبوه من رجال ( التهذيب ) ، وإسحاق بن أحمد بن شيوخ أبي الشيخ الأصبهاني ، يروى عنه ( رسته ) وطبقته .
والخلاصة أن هذه الزيادة شاذة أو منكرة . والله أعلمُ .
---
** يسأل القارئ : عن صحة هذه الأحاديث :
1- عن عمر بن الخطاب قال : ( إن لله ملائكة يكتبون أعمال بني آدم ، فيأتون ربهم عز وجل فيقومون بين يديه وينشرون صحفهم ، فيقول الله عز وجل : ألق تلك الصحيفة ، اثبت تلك الصحيفة ، فتقول الملائكة الذين أمروا أن يلقوا الصحيفة : شهدنا معهم خيرًا ورأيناه ، قال : إنهم أرادوا به غير وجهي ) .
2- عن ابن عمر قال : ( إن في بعض ما أنزل الله على نبي ، يقول الله تعالى : ابن آدم أخلقك وتعبد غيري ، وأرزقك وتشكر غيري ؟ ابن آدم أدعوك وتفر مني ؟ ابن آدم أذكرك وتنساني ؟ ابن آدم اتق الله ونم حيث شئت ) .(1/48)
3- قول النبي عليه السلام : ( المؤمن من أخيه بمنزلة اليدين لا غنى لأحدهما عن الأخرى ) .
· والجواب :
أما الحديث الأول فلم أقف على سنده
وعزاه في ( كنز العمال ) ( جـ2 رقم 8836 ) لـ ( رُسْتَه ) - بضم الراء وتسكين السين وفتح التاء - وكذلك الحديث الثاني عزاه في ( الإتحافات السنية ) ( 498 ) لأحمد بن فارس في ( أماليه ) والخليلي ، ويغلب على ظني عدم ثبوتهما ، ومفاريد هذه الكتب مناكير في الغالب ، والله أعلم .
· أما الحديث الثالث : ( فأخرجه ابن وهب في ( الجامع ) ( ق45 / 2 ) قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن محمد بن زيد بن المهاجر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال … فذكره ، وهذا سندٌ ضعيفٌ لإعضاله ، والله أعلم .
---
** ويسأل القارئ : أ . ع . م
هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في معاوية بن أبي سفيان : ( لا أشبع الله بطنه ) ؟
· فالجواب : نعم
فقد أخرج مسلم ( 16 / 155 ، 156 ) ( شرح النووي ) ، وأحمد ( 1/ 240 ، 291 ، 335 ، 336 ) ، والطيالسيُّ ( 2746 ) ، والعقيلي في ( الضعفاء ) ( 2/ 299 ) من طريق أبي حمزة القصاب ، عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب ، قال : فجاء فحطأني حطأة ، وقال : ( اذهب وادع لي معاوية ) ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، قال : ثم ، قال لي : ( اذهب فادع لي معاوية ) ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : ( لا أشبع الله بطنه ) ، قال الحافظ الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) ( 2/ 699 ) : ( لعل هذه منقبة لمعاوية ) .
· قلتُ : ووجه الاستدلال بهذا الحديث على فضل معاوية - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سليم : ( أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ؟ ) قلت : ( اللهم إنما أنا بشر ، فأي المسلمين لعنته أو سببتُه فاجعله له زكاة وأجرًا ) ، وهذا ما فهمه أئمة السلف كمسلم والذهبي وغيرهما ، والله أعلم .(1/49)
** ويسأل عن حديث : ( ستفتح عليكم الآفاق ، وستفتح عليكم مدينة يقال لها : قزوين ، من رابط فيها أربعين يومًا ، أو أربعين ليلة كان له في الجنة عمود من ذهب عليه زبرجدة خضراء ، عليها قبة من ياقوتة حمراء ، لها سبعون ألف مصراع من ذهب ، على كل مصرع زوجة من الحور العين ) ؟
· فالجواب : أنه حديث موضوعٌ ، وبطلانه ظاهر ، فأخرجه ابن ماجه ( 2780 ) ، وعنه ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ( 2/ 55 ) من طريق داود بن المحبر أنبأنا الربيع بن صبيح ، عن يزيد بن أبان عن أنس مرفوعًا ، وهذا سندٌ ساقط البتة ، وداود بن المحبر كذاب ، والربيع بن صبيح مَشَّى أحمدُ أمره ، وضعفه ابن معين والنسائي وابن حبان ، ويزيد بن أبان تركه النسائي وغيره ، وقال شعبة : ( لأن أزني أحب إليَّ من أن أحدث عن يزيد الرقاشي ) ، وقال أحمد : ( منكر الحديث ) .
وقال ابن الجوزي : ( والعجب من ابن ماجه مع علمه ، كيف استحل أن يذكر هذا في كتاب ( السنن ) ، ولا يتكلم عليه ؟! أتُراه ما سمع في ( الصحيحين ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من روى عني حديثًا يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ) ، أما علم أن العوام يقولون : لولا أن هذا صحيحٌ ما ذكره مثل هذا العالم فيعملون بمقتضاه … ولكن غلب الهوى بالعصبية للبلد والوطن ) . ا هـ .
· قلت : بل نبرئ ابن ماجه - إن شاء الله - أن يسكت عن الكذب ، وتغلبه العصبية للبلده قزوين ، ولعله رأى أنه من الضعيف لا الموضوع ، وإن كان قد تساهل على أي حال في إيراد مثل هذا كما قال الذهبيُّ في ( الميزان ) ( 2/ 20 ) : ( فلقد شان ابن ماجه سننه بإدخال هذا الحديث الموضوع فيها ) ، وقال الحافظ في ( التهذيب ) ( 3/ 200 ) : ( حديث منكرٌ ) ، لكن يبقى على كلام ابن الجوزي مؤاخذتان :(1/50)
- الأولى : قوله : ( أتراه ما سمع في ( الصحيحين ) فهذا الحديث ما رواه البخاريُّ قط ، وأخرجه مسلم في مقدمة ( صحيحه ) ، فلا يكون على شرطه ، لا ينبغي أن يُعزى للصحيحين إلا لمسلم مقيَّدًا .
- الثانية : قوله : ( أما علم أن العوام … الخ ) ، فنقول : رحمك الله يا إمام ، فأغلب كتبك لا سيما ما كان منها في الوعظ ، تعج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة ، وكم تكبدنا من الجهد ما لا يعلمه إلا الله مع بعض الخطباء في إقناعهم أن هذا الحديث باطل ، فيقول : ذكره ابن الجوزي في ( تلبيس إبليس ) ، وهو من علماء الحديث ؟ فلله الأمر من قبل ومن بعد .
---
** ويسأل الطالب عن أحاديث : مسح الوجه باليد بعد الدعاء ، ويذكر أن جدالاً حادًا وقع بين طائفتين من الشباب ، فمن قائل : إنه جائز ، ومن قائل : إنه بدعة ، واحتج القائلون بالبدعية بقول سلطان العلماء العز بن عبد السلام : إنه لا يفعله إلا الجهال ، فنرجو تحقيق المقام واستيفاء الكلام لشفاء الصدور .
· فالجواب :
أن استيفاء الكلام لتحقيق المقام يحتاج إلى بسط حجج الفريقين ، ثم المحاكمة بينهما على وجه الإنصاف ، والموضوع هاهنا لا يسمح بذلك ، ولكنني سأجمل البحث من غير إخلال بالمقصود إن شاء الله تعالى .
- أما الأحاديث : فقد ورد مسح الوجه بعد الدعاء من حديث ابن عباس وعمر بن الخطاب والسائب بن خلاد ويزيد بن سعيد الكندي رضي الله عنهم .(1/51)
- أما حديث ابن عباس : فأخرجه ابن ماجه ( 1181 - 3866 ) ، وابن نصر في ( قيام الليل ) ( 141 ) ، وابن حبان في ( المجروحين ) ( 1/ 268 ) ، والحاكم ( 1/ 536 ) ، والبغوي في ( شرح السنة ) ( 5/ 204 ) ، وابن الجوزي في ( الواهيات ) ( 2/ 840 ) من طريق صالح بن حسان عن محمد بن كعب القرظي ، عن ابن عباس مرفوعًا : ( إذا دعوت الله فادع بباطن كفيك ، ولا تدعو بظهورهما ، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك ) ، وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا ، وصالح بن حسان قال البخاري : ( منكر الحديث ) ، ولخص الحافظ حاله فقال في ( التقريب ) : ( متروك ) ؛ لذلك سُئل أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث فقال - كما في ( علل الحديث ) ( 2/ 351 ) - : ( هذا حديث منكرٌ ) .
ولم يتفرد به صالح ، فتابعه رجل مجهولٌ عن محمد بن كعب عن ابن عباس مرفوعًا ، وساق حديثًا فيه : ( سلوا الله ببطون أكفكم ، ولا تسألوه بظهورها ، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ) ، أخرجه أبو داود ( 1485 ) ، والبيهقي في ( الكبرى ) ( 2/ 212 ) ، وفي ( الدعوات الكبير ) ( ق39 / 1 ) من طريق عبد الملك بن محمد بن أيمن ، عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق ، عمن حدَّثه ، عن محمد بن كعبٍ ، قال أبو داود : ( روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب ، كلُّها واهيةٌ ، وهذا الطريق أمثلها ، وهو ضعيفٌ أيضًا ) .
قلتُ : وله علتان :
_ الأولى : ضعف عبد الملك بن محمد .
والثانية : جهالة الراوي عن كعب ، وتابع هذا المجهول عيسى بن ميمون عن محمد بن كعبٍ به ، أخرجه ابن نصر في ( قيام الليل ) ( ص141 ) ، وقال : ( عيسى بن ميمون ليس هو ممن يحتج بحديثه ) .(1/52)
أما حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأخرجه الترمذي ( 3386 ) ، وعبد بن حميد في ( المنتخب ) ( 39 ) ، وأبو محمد الجوهري في ( حديث أبي الفضل الزهري ) ( جـ 5/ ق 97 / 1 ) ، والطبراني في ( الأوسط ) ( جـ 2/ ق 142/ 1 ) ، والحاكم ( 1/ 536 ) من طريق حماد بن عيسى ثنا حنظلة بن أبي سفيان ، عن سالم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مدَّ يديه في الدعاء لا يردهما حتى يمسح بهما وجهه ) .
قال الترمذي : ( هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى ، وهو قليل الحديث ، وقد حدَّث عنه الناس ) .
وقال الطبراني : ( لا يُروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد ، تفرد به حماد بن عيسى ) .
قلتُ : وهو ضعيفٌ ، ضعفه أحمد وأبو حاتم والدارقطني وغيرهما ، وقال ابن حبان والحاكم : ( يروي أحاديث موضوعة عن ابن جريج وغيره ) ، ولذلك قال الذهبي في ( سير النبلاء ) ( 16 / 67 ) : ( أخرجه الحاكم في ( مستدركه ) ، فلم يُصب ، وحماد ضعيف ) ، وقال العراقي في ( المغني ) ( 1/ 305 ) : ( سكت عليه الحاكم وهو ضعيفٌ ) .
أما حديث السائب بن خلاد فأخرجه الطبراني في ( الكبير ) ( جـ 7 رقم 6625 ) من طريق عمرو بن خالد الحراني ثنا ابن لهيعة ، قال : سمعتُ حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص يذكر أن خلاد بن السائب حدثه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع راحتيه إلى وجهه .(1/53)
قال الهيثمي في ( المجمع ) ( 10 / 169 ) : ( فيه حفص بن هاشم بن عتبة وهو مجهول ) ، واضطرب ابن لهيعة في سنده ومتنه ، فرواه يحيى بن إسحاق عنه عن حبان بن واسع عن خلاد بن السائب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا جعل باطن كفيه إلى وجهه ، أخرجه أحمد ( 4/ 56 ) ، فلم يذكر ( السائب بن خلاد ) في إسناده ، ورواه قتيبة بن سعيد قال : ثنا ابن لهيعة ، عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن السائب بن يزيد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه .
أخرجه أبو داود ( 1492 ) ، والفريابي في ( كتاب الذكر ) - كما في ( النكت الظراف ) ( 9 / 106 ، 107 ) للحافظ - والطبراني في ( الكبير ) ( جـ 22 رقم 631 ) من طريق قتيبة ، فصار الحديث من ( مسند يزيد بن سعيد الكندي ) ، والحديث مضطربٌ وضعيف من كل وجوهه ، وقال الحافظ في ( أمالي الأذكار ) : ( فيه ابن لهيعة ، وشيخه مجهولٌ ) ، فالصواب أنه لا يصح حديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، وتسامح الحافظ ابن حجر ، فقال في ( بلوغ المرام ) ( ص284 ) : ( مجموع هذه الأحاديث يقضي بأنه حديث حسنٌ ) ، أما مذاهب العلماء في ذلك فقال ابن نصر في ( قيام الليل ) : ( ورأيت إسحاق يستحسن العمل بهذه الأحاديث ، وأما أحمد بن حنبل فحدثني أبو داود قال : سمعت أحمد وسُئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ في الوتر ؟ فقال : لم أسمع فيه شيئًا ، ورأيت أحمد لا يفعله ، وسُئل مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء ؟ فأنكر ذلك وقال : ما علمتُ ، وسُئل عبد الله - يعني ابن المبارك - عن الرجل يبسط يديه فيدعو ، ثم يمسح بهما وجهه ؟ فقال : كره ذلك سفيان - يعني : الثوري ) . ا هـ .
وكذلك أنكره البيهقي في ( رسالته إلى أبي محمد الجويني ) ( 2/ 286 ) ( مجموعة الرسائل المنيرية ) ، ولم يثبت حديثًا واحدًا فيها .(1/54)
قلتُ : وأقوى ما رأيتُهُ في هذا الباب ما أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) ( 906 ) من طريق محمد بن فليح قال : أخبرني أبي عن أبي نعيم - وهو وهب - قال : رأيتُ ابن عمر وابن الزبير يدعوان ، يريدان بالراحتين على الوجه ، وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في ( أمالي الأذكار ) ، وسنده محتمل للتحسين وإلى الضعف ما هو ، ومحمد بن فليح وأبوه فيهما مقالٌ معروف .
فالصواب في هذا الباب ما ذهب إليه الثوري وابن المبارك ومالك وأحمد بن حنبل من كراهية ذلك ، والله أعلم .
---
1- يسأل القارئ قائلاً : أريد أن أعرف هيئة الخرور من الركوع إلى السجود أتكون بتقديم اليدين أم الركبتين ؟
فالجواب : أن الصواب هو أن يضع الرجل يديه على الأرض قبل ركبتيه ، وعمدتنا في ترجيح ذلك هو حديث أبي هريرة مرفوعًا : ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه ) .
أخرجه البخاريُّ في ( التاريخ الكبير ) ( 1/ 1/ 139] ، وأبو داود (840) ، والنسائيُّ ( 2/ 207) ، وأحمد ( 2/ 381) وغيرهم من طرق عن الدراورديِّ ، ثنا محمد بن عبد الله بن حسن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة . وهذا سندٌ صحيحٌ ، وأعله جماعةٌ من أهل العلم بما يثبت على النقد ، وليس ههنا موضوع بسط حجج الفريقين ، والمحاكمة بينهما على وجه الإنصاف ، ولكنني سأذكر أقوى علَّة أُعل بها الحديث ، وهي قول الإمام البخاري رحمه الله تعالى : ( محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه ، لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا ؟ ) .
فالجواب :(1/55)
أن الإمام رحمه الله لم ينف السماع ، إنما نفى علمه به ، فحينئذٍ نقولُ : إن أبا الزناد كان عالم المدينة في وقته ، وشهرة ذلك لا تحتاج إلى إثبات ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن مدنيٌّ هو الآخر ، وقد وثقه النسائي وابن حبان ، ولا يعرف بتدليس قط ، وكان له من العمر قرابة الأربعين عامًا يوم مات أبو الزناد سنة (130) ، وبهذه القرائن يقطع المرء بثبوت اللقاء ، وقد أصرَّ بعضُهم في نقاش لي معه بعد هذا بعدم السماع فقلت له : أفما التقيا في المسجد النبوي قط حيث كانت حلقات العلماء ؟ أفما التقيا في صلاة قط في هذا المسجد المبارك ، ولا حتى في صلاة الجمعة ؟ فسكت وأظنه لوضوح الإلزام .
أما التفرُّد فإن مطلق التفرُّد ليس بعلةٍ ، لا سيما إذا لم يغمز المتفرد أحد بضعف ، ومناقشة هذا الأمر وحده يطول جدًّا ، وقد ذكروا أيضًا أن الدارقطني قال : إن الدراوردي واسمه عبد العزيز بن محمد تفرَّد به عن محمد بن عبد الله بن الحسن .
والجواب : أن هذا ليس بعلةٍ ، ولم يتفرد الدراوردي إلا بالتفصيل ، وإلا فقد تابعه عبد الله بن نافع الصائغ ، فرواه عن محمد بن عبد الله ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل ) .
أخرجه أبو داود ( 841) ، والنسائي ( 2/ 207) ، والترمذي ( 269) ، واليهقي ( 2/ 100) قال الترمذي : ( حديث أبي هريرة غريب ، لا نعرفه من حديث أبي الزناد ألا من هذا الوجه ) .
قُلْتُ : لعلَّ مقصود الترمذي أي بهذا اللفظ ، وإلا فحديث الصائغ ، إجماله يلتقي مع حديث الدراوردي . وعبد الله بن نافع الصائغ صدوق ، في حفظه بعض المقال وكتابه صحيح وروايته وإن كانت مجملة ، إلا أن تفصيلها يعود إلى رواية الدراوردي كما قلت .(1/56)
وعامة المعارضين لهذا الحكم ، القائلين بتقديم الركبتين قبل اليدين مع ضعف حديث وائل بن حجر وجميع شواهده لا يعرفون كيف يبرك البعير حتى قال بعض الباحثين في جزء له حول هذا الحديث : ( وبروك البعير معروف عند الجميع ، وهو أنه يقدم يديه في البروك قبل رجليه ، فإذا قدم المصلي يديه على ركبتيه في السجود ، فقد شابه البعير في بروكه شاء أم أبى ) .
كذا قال هذا الفاضل ! ونتساءل : كيف يقدم البعير يديه قبل ركبتيه ؟ يداه موضوعتان على الأرض دائمًا ، إذ هو يمشي على أربع ، فلو كانت يداه مرفوعتان عن الأرض مثل الإنسان لساغ هذا القول ، وهذا القول بدهي جدًّا / اضطررت إلي تسطيره أضطرارًا رفعًا للمغالطة ، وحينئذ فالصواب أن يقال : إن أول ما يصل إلى الأرض من البعير إذا أراد أن يبرك : ركبتاه وليس يديه ، ولأن هذا القول ملزم أرادوا أن يتخلصوا منه فقالوا : ركبة البعير ليست في يده ، إذا فقد سلَّموا أن البعير يبرك على ركبتيه ، ولكنها ليست في يده هكذا قال ابن القيم رحمه الله وقال : ( وقولهم : ركبة البعير ليست في يده كلام لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة ) وتبعه كل من تلكم في هذا الباب ، ونحن نحكم بيننا وبينكم أهل اللغة ، ونذكر من الأحاديث الصحيحة ما يقنع به كل منصف .
أما أهل اللغة : فقال ابن سيده في ( المحكم والمحيط الأعظم ) (7/ 16) : ( وكل ذي أربع ركبتاه في يديه ، وعرفوباه في رجليه ) . وقال الأزهري في ( تهذيب اللغة ) ( 10/ 216) : ( وركبة البعير في يده ، وركبتا البعير : المفصلان اللذان يليان البطن إذا برك ، أما المفصلان الناتئان من خلف فهما العرقوبان ) وقال ابن منظور في ( لسان العرب ) ( 14/ 236) : ( وركبة البعير في يده ) وتتابعت كتب المعاجم على ذلك وفيما ذكرتُه كفاية ، فمناط الأمر حينئذ هو ( الركبة ) وليس لـ ( اليد ) - أي : يد البعير - دخلٌ بالبحث أصلاً .(1/57)
أما الأحاديث الصحيحة ، فمنها ما أخرجه البخاري في ( صحيحه ) ( 7 / 239) ، وأحمد ( 4/ 176) في قصة سراقة بن مالك حين تبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في الهجرة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على سراقة قال سراقة : ( وساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين ) . وهذا نص نفيس في غاية الوضوح أن ركبة البعير في يده فإذا أراد المصلى أن يخالف البعير فلا ينزل على ركبتيه ، إذ البعير إنما ينزل على ركبته .
ومن الأدلة على أن النزول على الركبة يسمى ( بروكًا ) ما أخرجه مسلم ( 125/ 199) وغيره من حديث أبي هريرة قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) [ البقرة : 284] قال : فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب قالوا … الحديث . ومن الأدلة أيضًا ما أخرجه الشيخان عن أنس قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس … الحديث وفيه : ثم أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : ( سلوني ) فبرك عمر على بركبتيه فقال : ( رضينا بالله ربًّا … ) الحديث .
2- ويسأل القارئ ناصر محمد رمضان - قويسنا - منوفية فيقول : ما صحة هذين الحديثين : الأول : ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) .
الثاني : حديث صلاة حفظ القرآن .
الجواب : أن الحديث الأول : ( من حج هذا البيت … إلخ ) حديث صحيح أخرجه البخاري ( 3/ 302 ، 304) ، ومسلم ( 1350) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .(1/58)
أما الحديث الثاني : وهو حديث صلاة الحفظ وخلاصته أن علي بن أبي طالب رضي الله عليه شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن يتفلت من صدره ، فقال له : ( صل ليلة الجمعة أربع ركعات ، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب ويس ، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وبحم الدخان ، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب وحم تنزيل السجدة ، وفي الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل … إلخ ) .
هذا الحديث : منكر بال أخرجه الطبراني في (الكبير) (ج11 / رقم 12036) ، وقي الدعاء ) ( 1333) ، ومن طريقه ابن الجوزي في (الموضوعات ) (2/ 138) وقال : ( هذا حديث لا يصحُّ محمد بن إبراهيم مجروح ، وأبو صالح لا نعلمه إلا إسحاق بن نجيح وهو متروك ) .
وأخرجه ابن السني في ( اليوم والليلة ) (579) ، والعقيلي في ( الضعفاء ) وقال : ( الحديث غير محفوظ وليس له أصل ) وطريق آخر يرويه الوليد بن مسلم قال : ثنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس وساقه مطوَّلاً .
أخرجه الترمذي (3570) ، والحاكم ( 1/ 316، 317) ، والدارقطني في ( الأفراد ) وعنه ابن الجوزي في ( الموضوعات ) (2/ 138 ، 139) ، والشجري في ( الأمالي ) ( 1/ 113 ، 114) قال الترمذي : ( حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم ) ، ونقل ابن الجوزي عن الدارقطني أنه قال : ( تفرد به هشام بن عمار عن الوليد ) ,ليس كما قال ، فقد رواه سليمان بن عبد الرحمن عن الوليد أيضًا .(1/59)
ولما صححه الحاكم على شرط الشيخين تعقبه الذهبيُّ بقوله : ( هذا حديث منكر شاذ ، أخاف أن يكون موضوعًا ، فقد حيرني والله جودة إسناده ) ثم ذكر الذهبي سند الحاكم وقال : ( ذكره الوليد مصرحًا بقوله : ثنا ابن جريج ، فقد حدَّث به سليمان قطعًا ، وهو ثبت ) وقال الذهبي في ( الميزان ) ( 2/ 213 ، 214) في ترجمة سليمان بن عبد الرحمن وذكر هذا الحديث قال : ( وهو مع نظافة سنده حديث منكر جدًّا في نفسي منه شيءٌ فالله أعلم ، فلعل سليمان شُبه له كما قال فيه أبو حاتم : لو أن رجلاً وضع له حديثًا لم يفهم ) .
وقال المنذري في ( الترغيب ) ( 2/ 361) : ( طريق أسانيد هذا الحديث جيدة ، ومتنه غريب جدًّا ) ا هـ ، ولما نقل ابن كثير في ( فضائل القرآن ) ( ص291) تحسين الترمذي أردفه بقوله : ( كذا قال ) يعني أنه ينكره عليه .
وقال الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان ) : ( لعل الوليد دلَّسه عن ابن جريج فقد ذكر ابن أبي حاتم في ترجمة محمد بن إبراهيم القرشي أنه روى عنه الوليد بن مسلم وهشام بن عمار ) . ا هـ .
قلت : وهذا الحديث منكرٌ ، وليس إسنادهُ نظيفًا كما قال الذهبي ، ولا جيدًا كما قال المنذري فإن الوليد بن مسلم دلَّسه ولم يصرح بالتحديث إلا في شيخه فحسب ، والمعروف أن مدلس التسوية يلزمه التصريح بالتحديث في كل طبقات السند ، وقد صرح بذلك جماعةٌ من المحققين منهم الحافظ في ( الفتح ) ( 2/ 318) في حديث آخر رواه الوليد بن مسلم فقال : ( وقد صرح بالتحديث في جميع الإسناد ) فقال الذهبي : إن الوليد صرح بالتحديث لا يخفى ما فيه ، فإن الوليد لا يدلس الإسناد فحسب حتى يقال فيه ذلك ، ثم ابن جريج مدلسٌ أيضًا وقد عنعنه من جميع طرقه ، وتدليسه قبيح كما قال الدارقطني فقد يكون أسقط الإسناد متهمًا أو نحوه فتكون البلية من ذاك الساقط ، وبالجملة فالحديث لا يصح سندًا ولا متنًا والله أعلم .(1/60)
3- ويسأل القارئ سعيد محمد مرة - شبرا باص - شبين الكوم - منوفية عن صحة حديث يروى عن أنس مرفوعًا : ( إن الله عز وجل وكل بعبده ملكين يكتبان عمله فإذا مات قالا : يا رب وكلتنا بعبدك المؤمن نكتب عمله وقد قبضته فأذن لنا أن نصعد إلى السماء قال : سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحون قالا : ائذن لنا أن نسكن الأرض قال : أرضي مملوءة من خلقي يسبحوني ولكن قوما على قبر عبدي فسبحاني ، وهللاني ، وكبراني واحمداني إلى يوم القيامة واكتبا ذلك لعبدي ) . ذكر القارئ أنه قرأ هذا الحديث في ( مختصر منهاج القاصدين ) .
الجواب : أن هذا الحديث باطل ويشبه أن يكون موضوعًا أخرجه إسحاق بن راهويه في ( مسنده) كما في ( نصب الراية ) ( 1/ 434) - وأحمد بن منيع في ( مسنده ) - كما في ( المطالب العالية ) ( ق98 / 2) - وأبو الشيخ في ( كتاب العظمة ) (503) ، والبيهقي في ( الشعب ) - كما في ( الدر المنثور ) (6/ 105) - وابن الجوزي في ( الموضوعات ) (3/ 229) من طريق عثمان بن مطر ، عن ثابت البناني ، عن أنس رفعه .
قال ابن الجوزي : ( هذا حديث لا يصح وقد اتفقوا على تضعيف عثمان بن مطر ) .
قلت : وعثمان بن مطر ضعفه ابن المديني جدًّا ، وابن معين ، وأبو زرعة الرازي ، وأبو حاتم وقال : منكر الحديث ، وأبو داود والنسائي .
وقال النسائي أيضًا : ( ليس بثقة ) وقال البخاري : ( عنده غرائب ) وهذه الصيغة من البخاري تفيد الضعف الشديد .
وقال مرة أخرى : ( منكر الحديث ) ، وكذلك أبو أحمد الحاكم .
وقال ابن حبان : كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل الاحتجاج به والكلام فيه طويل الذيل وتفرد مثله عن ثابت فيه دلالة على سقوط حديثه .
وقد ذكر السيوطي في (الآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ) ( 2/ 432 ، 433) شواهد لهذا الحديث عن أبي بكر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما لا يخلو سند أحدها من متهم أو كذاب ، فالحديث لا يصح من أي وجه من هذه الوجوه .(1/61)
والله سبحانه وتعالى أعلم .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
---
يسأل القارئ عن صحة هذه الأحاديث :
أ - ( عليكم بخضاب السواد ، فإنه أرعبُ لكم في صدور عدوكم ، وأرغبُ لكم في صدور نسائكم ) ؟
ب - ( إذا أكلتم الفجل فأردتم أن لا تجدوا ريحه فاذكروني عند أول قضمة ) ؟
جـ - ( لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة ) ؟
· والجواب بعون الله الوهاب :
- أما الحديث الأول :
( عليكم بخضاب السواد … ) فمنكرٌ ، أخرجه ابنُ ماجه ( 3625 ) عن عمر بن الخطاب بن زكريا الراسبي ، وابنُ عساكر في ( تاريخ دمشق ) ( ج2 / ق 536 ) عن سعيد بن عبد الجبار ، ونجم الدين النسفي في ( أخبار سمرقند ) ( ص329 ) عن عبيد الله بن عمرو ، ثلاثتهم قالوا : حدثنا دفاع بن دعقل السدوسي ، عن عبد الحميد بن صيفي ، عن أبيه ، عن جدِّه صهيب الخير ، فذكره مرفوعًا .
ولفظ ابن ماجه : ( إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السوادُ ؛ أرغبُ لنسائكم فيكم ، وأهيبُ لكم في صدور عدوكم ) .
ونقل الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي عن البوصيري أنه قال في ( الزوائد ) اسناده حسن ولم أجد هذا الكلام في الزوائد ( 156 / 3 ) ، ولو ثبت أنه فيه وسقط من النسخة فهو خطأ ؛ ولأن أبا حاتم الرازي ضعف دفاع بن دعقل كما في ( الجرح والتعديل ) ( 1/ 2/ 445 ) ، واعتمد تضعيفه الحافظ في ( التقريب ) ، ثم إن متن هذا الحديث منكر ، فأخرج مسلم ( 14 / 79 - شرح النووي ) ، وأصحاب السنن إلا الترمذي من حديث جابر ، رضي الله عنه ، قال : أُتي بأبي قحافة - وهو والد أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، كأن رأسه ثغامة بيضاء ، فقال : ( غيروه وجنبوه السواد ) ، وهذا لفظ مسلم ، وأخرجه أحمد ( 3/ 160 ) من حديث أنس بنحوه وسنده صحيحٌ كما قال الحافظ في ( الإصابة ) ( 7 / 238 ) ، وفي الباب عن غيرهما ، ففي هذه الأحاديث النهي عن الصبغ بالسواد ، وهي أصحُّ ، والله أعلمُ .(1/62)
- أما الحديث الثاني : ( إذا أكلتم الفجل …. ) إلخ . فإنه باطلٌ ؛ ظاهرُ البطلان لكل من شم رائحة الحديث ولو مرة في حياته ، ورأيتهُ في ( أخبار سمرقند ) ( ص 302 ، 303 ) بسندٍ ضعيف جدًّا عن ابن مسعود .
- أما الحديث الثالث : ( لا توضع النواصي … ) فإنه ضعيفٌ أخرجه البزار (1134) والعقيلي في الضعفاء ( 4/ 70 ) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) ( 6/ 4/ 22 ) ، والخطيب ( 3/ 239 ) ، والطبراني في ( الأوسط ) ( 9475 ) من طريق محمد بن سليمان بن مسمول ، حدثني عمر بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه ، عن جابر مرفوعًا ، فذكره ، قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن عمر بن محمد بن المنكدر ، إلا محمد بن سليمان بن مسمول ) ، وقال البزار : لا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد ، وعمر حدَّث بأحاديث عن كتابٍ ، فوقع في النفس منه تهمة ، وإلا فأصلُ الحديث معروف ) . اهـ .
قلتُ : ومحمد بن سليمان بن مسمول ضعيف ، وفيه توثيق ليِّنٌ ، وقد خالفه نافع بن محمد ، فرواه عن عمر بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه قال : ( لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة ) ، يعني الحلْقَ ، أخرجه العقيلي ( 4/ 70 ) من طريق سفيان ، حدثنا رجل يُقال له : نافع بن محمد .
فذكره ، قال العقيلي : وهذا أولى ، وهو يعني أنه بقول محمد بن المنكدر أشبه منه مرفوعًا ، وقد وقفت على طريق آخر للحديث المرفوع ، فأخرجه الرامهرمزي في ( المحدث الفاضل ) ( 604 ) من طريق أحمد بن سليمان بن هاشم ثنا محمد بن إسماعيل بن الأشج قال : سألت يوسف بن محمد بن المنكدر ، قلت : أأخبرك أبوك أن جابرًا حدَّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فذكره .
وسنده ضعيفٌ ، ويوسف بن محمد بن المنكدر تركه النسائي والدولابي ، وضعَّفه أبو داود وأبو حاتم والعقيلي وابن حبان ، ومشَّاه أبو زرعة وابن عدي .
وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعًا : ( لا توضع النواصي إلا لله في حجٍ أو عمرة ) .(1/63)
أخرجه بحشل في ( تاريخ واسط ) ( ص254 ، 255 ) قال : حدثنا علي بن سهل بن عبيد الله ، قال : ثنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس مرفوعًا .
وعلي بن سهل لم أجد له ترجمة ، وابن جريج مدلسٌ ، ولم يصرح بتحديث ، لكنه لم يتفرد به ، فتابعه عبد الملك بن جريج ، قال : حدثني عطاء ، عن ابن عباس مرفوعًا مثله ، وزاد : ( فما سوى ذلك فمثلة ) .
أخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) ( 8 / 139 ) من طريق عمر بن بشر المكي ، ثنا فضيل بن عياض ، قال : سمعت عبد الملك بن جرير .
قلتُ : كذا وقع في ( الحلية ) : ( عبد الملك بن جرير ) ؛ ولم أجده ، فكأن صوابه : ( عبد الملك بن جرير ) ، ولم أجد من نص على رواية الفضيل عنه ، وإن كان روايته عنه مقبولة ؛ لأنه من طبقة الآخذين - عن ابن جريج ، فإن صحَّ ذلك فتكون المتابعة من الفضيل لسعيد بن سالم ، ولكن قال أبو نعيم عقب الرواية : ( غريب من حديث الفضيل ، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ) .
---
· ويسأل القارئ عن درجة هذه الأحاديث :
أ - حديث : عرضت عليَّ أجور أمتي حتى القذاة والبعرة يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبًا أكبر من آية أو سورة من كتاب الله أُوتيها رجل فنسيها ) ؟
ب - حديث : ( أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه ) ؟
ج - حديث : ( إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب ) .
د - حديث والآيتان آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلته كفتاه .
· والجواب بعون الملك الوهاب :
- أما الحديث الأول : ( عرضت عليَّ أجور أمتي ) . فإن حديثٌ ضعيفٌ .(1/64)
أخرجه أبو داود ( 461 ) ، والترمذيُّ ( 2916 ) ، وابنُ خزيمة ( ج2/ رقم 1297 ) ، وأبو يعلى ( ج7 / رقم 4265 ) ، والبيهقيُّ في ( الكبرى ) ( 2/ 440 ) ، وفي ( الشعب ) ( 1814 ) ، والخطيب في ( الجامع ) ( 1/ 109 ) ، والبغوي في ( شرح السنة ) ( 2/ 364 ) ، وابن الجوزي في ( الواهيات ) ( 1/ 109 ) من طريق عبد المجيد بن أبي رواد ، عن ابن جريج ، عن المطلب بن عبد الله ، عن أنس مرفوعًا ، قال الترمذيُّ : ( غريب ) ، واستغربه أيضًا البخاري ، وأعلَّه بالانقطاع بين المطلب وأنس ، وأعله الدارقطني بالانقطاع بين ابن جريج والمطلب ، وقد اختلف فيه على عبد المجيد وعلى ابن جريج معًا ، وأقوى الوجوه عندي ما رواه عبد الرزاق في ( المصنف ) ( ج3 رقم 5977 ) ، وعنه الطبرانيُّ والخطيب في ( الجامع ) ( 1/ 108 ) عن ابن جريج عن رجل عن أنس ، والحديث - على أي وجه كان - لا يصح ، والله أعلم .
- أما الحديث الثاني : ( أعربوا القرآن … ) ؛ فهو حديث منكرٌ .
أخرجه ابن أبي شيبة في ( المصنف ) ( 10 / 456 ) ، وأبو يعلى ( ج11 رقم 6560 ) ، والحاكم ( 2/ 439 ) ، وعنه البيهقي في ( الشعب ) ( ج5رقم 2093 ، 2094 ، 2095 ) ، وأحمد بن منيع في ( مسنده ) - كما في ( المطالب العالية ) ( 3/ 298 ) ، والخطيب في ( تاريخه ) ( 8 / 77 ، 78 ) ، وابن الأنباري في ( الوقف والابتداء ) ( ص5 ) من طرق عن عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة مرفوعًا ، وسنده ضعيف جدًّا ، وعبد الله بن سعيد متروك ، وبه أعلَّ الحديث الهيثميُّ في ( مجمع الزوائد ) ( 7 / 163 ) ، أما الحاكم فصححه ، فردَّه الذهبيُّ بقوله : ( بل أجمع على ضعفه ) ، والله أعلم .
- أما الحديث الثالث : ( إن الذي ليس في جوفه … ) إلخ فإنه حديث ضعيفٌ .(1/65)
أخرجه الترمذيُّ ( 2913 ) وصححه ، وأحمد ( 1/ 223 ) ، والدارميُّ ( 2/ 308 ) ، والحاكم ( 1/ 554 ) وصححه ، والطبراني في ( الكبير ( 12619 ) ، وابن عدي في ( الكامل ) ( 6 / 2082 ) والسهمي في تاريخ جرجان (ص 2/ 4) ، والبيهقي في ( الشعب ) ( 1793 ) ، والبغوي في ( شرح السنة ) ( 4/ 443 ) من طرق عن جرير بن عبد الحميد ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن أبن عباسٍ مرفوعًا .
وإسناده ضعيفٌ لأجل قابوس هذا ، فقد ليَّنَه النسائي ، وقال أبو حاتم : ( لا يحتج به ) ، وقال ابن حبان : ( ردئ الحفظ ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له ، فربما رفع المرسل وأسند الموقوف ) ، وكان ابن معين شديد الحط عليه ، وقد وثقه في رواية .
ولما صحح الحاكم إسناده ردَّه الذهبيُّ بقوله : ( قابوس لينٌ ) .
- أما الحديث الرابع : ( الآيتان من آخر سور البقرة … ) فإنه حديث صحيحٌ .
أخرجه البخاري ( 9 / 55 ، 87 ) ، ومسلم ( 807 / 255 ) ، وأبو داود ( 1397 ) ، والنسائيُّ في ( اليوم والليلة ) ( 718 - 720 ) ، والترمذيُّ ( 2881 ) ، وابنُ ماجه ( 1369 ) ، والدارمي ( 1/ 349 ، 2/ 450 ) ، وأحمد ( 4/ 122 ) من طرق عن منصور بن المعتمر والأعمش عن إبراهيم ، عن علقمة وعبد الرحمن بن يزيد ، عن أبي مسعود الأنصاري مرفوعًا .
---
· ويسأل القارئ عن هذا الحديث القدسي :
قال الله عز وجل : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر من قبل أن تدعوني فلا أجيبكم ، وتسألوني فلا أعطيكم ، وتستنصروني فلا أنصركم ) ؟
· والجواب : أنه حديثٌ ضعيفٌ .
أخرجه أحمد ( 6/ 159 ) ، والبزار ( 3304 ، 3305 ) ، وابن حبان ( 1841 ) من طريق عمرو بن عثمان ، عن عاصم بن عمر بن عثمان عن عروة ، عن عائشة قالت : دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء فتوضأ ، ثم خرج فلم يكلم أحدًا ، فدنوت من الحجرات ، فسمعته يقول : ( يأيها الناس إن الله ، عز وجل ، يقول … ) فذكره .(1/66)
وأخرجه ابنُ ماجه ( 4004 ) من هذا الوجه ، ولكنه جعل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس عن الله ، عز وجل .
وسنده ضعيف ، وعاصم بن عمر ليس بمعروف ، كما قال الذهبيُّ ، وبه أعلَّ الحديث الهيثميُّ في ( المجمع ) ( 7 / 266 ) ، وقال العراقي في ( تخريج أحاديث الإحياء ) ( 2/ 304 ) : ( في إسناده لينٌ ) .
---
يسأل القارئ أن نفصل في حديث : ( ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ) ، ويرجو أن نشفي صدره بتحقيق دقيق لهذا الحديث ، فقد اختلف فيه أهل العلم الكبار .
والجواب : أن هذه الحديث ضعيف
أخرجه ابن ماجه ( 4102 ) ، وابن حبان في ( روضة العقلاء ) ( ص141 ) ، والحاكم ( 4/ 313 ) ، والطبراني في ( الكبير ) ( ج6 رقم 5972 ) ، والمحاملي في ( مجلسين من الأمالي ) ( 140 / 2 ) ، وفي أبو الشيخ في ( التاريخ ) ( 183 ) ، والعقيلي في ( الضعفاء ) ( 2/ 11 ) ، وابن عدي في ( الكامل ) ( 3/ 902 ) ، والخلعي في ( الخلعيات ) ( ج18 / ق 191/ 1 ) ، وابن الجوزي في ( الواهيات ) ( 2/ 323 ) من طريق ابن سمعون ، وهذا في ( الأمالي ) ( 2/ 157/ 1 ) والروياني في ( مسنده ) ( ج28 / ق 184 / 2 ) ، والبيهقي في ( الشعب ) ( 10552 ) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) ( 3/ 522 ، 523 ) ( 7 / 136 ) ، وفي ( أخبار أصبهان ) ( 2/ 244، 245 ) ، والقضاعي في ( مسند الشهاب ) ( 643 ) من طرق عن خالد بن عمرو ، عن سفيان الثوري ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي ، قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله ، وأحبني الناس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم … فذكره .
قال الحاكم : ( صحيح الإسناد ) ، وقد نوزع في ذلك ، قال الذهبي في ( تلخيص المستدرك ) : ( خالد وضاع ) ، وقال السخاوي في ( المقاصد ) ( رقم 96 ) : ( ليس كذلك ، فخالد مجمع على تركه ، بل نسب إلى الوضع ) .(1/67)
وقد سئل الإمام أحمد ، رحمه الله ، عن الحديث ، كما في ( المنتخب من العلل ) ( ج10 ق 294 / 1 ) للخلال ، فقال : ( لا إله إلا الله ، تعجبنا منه ، ثم قال : من روى هذا ، أو : عمن هذا ؟ قلت : خالد بن عمرو .. فقال ، وهتك خالد بن عمرو ، ثم سكت ) . اهـ .
لكن لم يتفرد به خالد ، فقد توبع .
قال العقيلي : ( وليس له من حديث الثوري أصل ، وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني ، ولعله أخذه عنه ودلسه ، لأنَّ المشهور به خالدٌ هذا ) .
ورواية محمد بن كثير هذه : أخرجها ابنُ عدي في ( الكامل ) ( 3/ 902 ) ، والأصبهاني في ( الترغيب ) ( 1472 ) ، والخلعيُّ في ( الفوائد ) ( 18 / 167 / 1 ) ، كما في ( الصحيحة ) ( 2/ 662 ) ، والبيهقيُّ في ( الشعب ) ( 10523 ) ، وابنُ جميعٍ في ( معجمه ) ( ص312 ) ، وابن مكرَّم في ( الفوائد ) ( ج2/ ق 431/ 1 -2 ) ، قال ابن عديِّ : ( لا أدري ما أقول في رواية ابن كثير عن الثوري هذا الحديث ، إن ابن كثير ثقةٌ ، وهذا الحديث عن الثوريّ منكرٌ ) ، ونقله عنه البيهقي في ( الشعب ) ( 10524 ) ، لكن تعقبه شيخُنا بقوله : ( قوله : ابن كثير ثقةٌ ، فيه نظرٌ ، فقد ضعفه جماعةٌ من الأئمة منهم الإمام أحمد ، كما رواه عنه ابن عديّ نفسه من ترجمته من ( الكامل ) ، ثم ختمها بقوله : له أحاديث مما لا يتابعه أحدٌ ، فكيف يكون مثلُه عنده ثقة ؟!
فالظاهر أنه اشتبه عليه بمحمد بن كثير العبدي فإنه ثقةٌ من رجال الشيخين ) . اهـ .
وفي ( علل الحديث ) ( 2/ 107 ) قال ابن أبي حاتم : ( سألت أبي عن حديثٍ رواه علي بن ميمون الرقيّ ، عن محمد بن كثير ، عن سفيان .. فذكره ، فقال أبي : هذا حديثٌ باطلٌ ، يعني هذا الإسناد ) . اهـ .(1/68)
وقد توبع محمد بن كثير ، تابعه أبو قتادة عبد الله بن واقد الحرَّاني ، قال : ثنا سفيان الثوري به ، أخرجه البيهقيُّ في ( الشعب ) ( 10525 ) ، ومحمد بن عبد الواحد المقدسي في ( المنتقى من حديث أبي علي الأوقى ) ( 3/ 2 ) ، كما في ( الصحيحة ) .
قال شيخُنا - أيَّدهُ اللهُ - : ( لكن أبو قتادة - وهو عبد الله بن واقد الحراني - قال الحافظ : ( متروكُ ، وكان أحمدُ يثني عليه ، قال : لعله كبر واختلط ، وكان يدلسُ ) ، قُلْتُ - القائل شيخنا - : فيُحتمل احتمالاً قويًّا أن يكون تلقَّاه عن خالد بن عمرو ، ثم دلَّسهُ عنه ، كما قال ابنُ عدي في متابعة ابن كثير ) اهـ .
قال ابنُ عديّ : ( وقد روى عن زافر ، عن محمد بن عيينة - أخو سفيان بن عيينة - عن أبي حازم ، عن سهل ، وروى أيضًا من حديث زافر ، عن محمد بن عيينة ، عن أبي حازمٍ ، عن ابن عمر ) .
قال شيخُنا - أيدَّهُ اللهُ - : ( وزافر - وهو ابن سليمان - صدوق كثير الأوهام ، ونحوه محمد بن عيينة ، فإنَّه صدوق له أوهامٌ كما في ( التقريب ) ، وقد اضطرب أحدهما في إسناده ، فمرةٌ جعله من ( مسند ابن عمر ) ، والأول أولى لموافقته للمتابعات السابقة ) . ا هـ .
قلتُ : وهذا الترجيح شكليٌّ محضٌ ، كما هو ظاهرٌ ، لا يفهمن منه أن الشيخ يقوي حديث سهل ، وله شاهدٌ عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، أخرجه ابنُ عساكر في ( تاريخ دمشق ) ( 3/ 162 / 2 ) عن محمد بن أحمد بن العلس .
حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس ، حدثنا مالك ، عن نافعٍ ، عن ابن عمر به .
قال شيخُنا - أيدَّه اللهُ - : ( وهذا إسنادٌ رجاله رجال الشيخين ، غير ابن العلس هذا ، فلم أعرفْهُ ) .(1/69)
قلتُ : رضي الله عنك ! إنما هو أحمد بن محمد بن المغلس الكذاب ! قال الحافظ في ( اللسان ) ( 1/ 272 ) : ( ومن مناكيره روايتُه عن بشر الحافي ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، رفعه : ( ازهد في الدنيا يحبك اللهُ … ) .
الحديث ، رواه ابنُ عساكر في ( تاريخه ) عن الدينوري ، عن القزويني ، حدثنا يوسف بن عمر القواس ، عن محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن المغلس ، فذكر قصةً هذا فيها .
وهذا الحديث بهذا الإسناد باطلٌ ، وإنما يُعرف من حديث سهل بن سعد الساعدي بإسناد ضعيف ذكرتُه في غير هذا المكان ) . اهـ .
فلربما اشتبه على شيخنا ، أو وقع سقط في الإسناد ، فالله أعلمُ .
وله شاهد من حديث أنس ، رضي الله عنه ، أخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) ( 8 / 41 ) من طريق أبي أحمد إبراهيم بن محمد بن أحمد الهمداني ، ثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم المستملى ثنا أبو عبيدة بن أبي السفر ، ثنا الحسن بن الربيع ، ثنا المفضل بن يونس ، ثنا إبراهيم بن أدهم ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أنس ، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دُلْني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله ، عز وجل ، وأحبني الناس عليه ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم … فذكره بنحوه .
قال أبو نعيم : ( ذكر أنس في هذا الحديث وهم من عمر أو أبي أحمد ، فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع فلم يجاوزوا فيه مجاهدًا ) ، ثم رواه من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقيُّ : ثنا الحسن بن الربيع أبو علي البجلي ، ثنا المفضل بن يونس ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن منصور ، عن مجاهدٍ مرسلاً .(1/70)
قال شيخُنا : ( إسنادُهُ جيدٌ ) ، فالصواب في حديث الباب الإرسال ، لذلك فهو ضعيفٌ ، لكن قال شيخُنا : ( وقد تقدم حديث سفيان من طرق عنه ، وهي وإن كانت ضعيفة ، ولكنها ليست شديدة الضعف باستثناء رواية خالد بن عمرو الوضاع ، فهي لذلك صالحةُ الاعتبار ، فالحديثُ قويٌّ بها ، ويزداد قوَّة بهذا الشاهد المرسل ، فإن رجاله كلهم ثقات ) .اهـ .
قلتُ : رضي الله عنك ! فقد سبق أن ذكرت أن محمد بن كثير وأبا قتادة وكلاهما مدلسٌ ، يحتمل أن يكونا أخذاه من خالد بن عمرو ودلساهُ ، فحينئذٍ لا يجوز الاحتجاج بهذه الطرق ، ولا يقال : يقوي بعضها بعضًا ، إذ مدارها على ذلك الكذاب ، يبقى حديث ابن عمر ، وفيه كذابٌ آخر ، فالحقُّ أن الحديث ساقط عن حدِّ الاعتبار ، ولا يصحُّ فيه إلا الإرسال .
وقد قال المنذريُّ في ( الترغيب ) ( 4/ 157 ) : وقد حسَّن بعضُ مشايخنا إسناده ، وفيه بُعْدٌ ؛ لأنه من رواية خالد بن عمرو القرشي الأمويّ ، عن سفيان الثوري ، عن أبي حازم ، عن سهل ، وخالد هذا قد تُرك واتُّهم ، ولم أر من وثقه ، لكن على هذا الحديث لامعةٌ من أنوار النبوة ، ولا يمنع كون راوية ضعيفًا أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم قاله .
وقد تابعه عليه محمد بن كثير الصنعاني ، عن سفيان ، ومحمدٌ هذا قد وثق على ضعفه ، وهو أصلحُ حالاً من خالد ، والله أعلم ) . اهـ .
قلتُ : فكأنَّ المنذريَّ ، رحمه الله ، مشى الحديث لأمرين :
- الأول : لا يمنع كون راويه ضعيفًا أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم قاله .
- الثاني : أنه تابعه محمد بن كثير ، وهو أصلحُ حالاً .
والجوابُ من وجهين أيضًا :
- الأول : أن العمدة في حكمنا على الراوية بالثبوت من عدمه ، هي العلم بأحوال الرواة ، واحتمال أن يصدق الكاذب ، أو يصيب الواهمُ ، احتمال لم ينشأ من دليلٍ يرجع إليه ، فلا يعوَّلُ عليه .(1/71)
- الثاني : أن العقيلي قد جزم أنه ليس له عن الثوري أصل ، وقال : لعل محمد بن كثير دلَّسهُ عن خالد بن عمرو ، فلا يكون متابعًا له ، والتباس هذا الأمر ، لعله الذي دفع بعض الحفاظ إلى تحسين الحديث ، فقد حسنه النووي في ( الأذكار ) ، والعراقي في ( أماليه ) ، كما في ( الفتوحات الربانية ) ( 7 / 337 ) ، وهو ظاهر قول السخاوي في ( المقاصد ) ، ونقل ابن علان في ( الفتوحات ) ( 7 / 338 ) عن ابن حجر الهيثمي الفقيه أنه قال : ( يجابُ بأن ذلك الراوي - يعني خالدًا - ذكره ابنُ حبان في ( كتاب الثقات ) ، ولو سلم أنه ضعيفٌ ، فلم ينفرد به ، بل رواه آخرون غيره ، فالتحسين إنما جاء من ذلك ، ولو قيل : إن هؤلاء كلهم ضعفاء ، إذ غايةُ الأمر أنه حسنٌ لغيره لا لذاته ، وكلاهما يُحتَجُّ به ، بل بعض رواته هؤلاء وثقه كثيرون من الحفاظ ) . اهـ .
وليس فيما قاله شيءٌ من التحقيق ، فهو بالردّ حقيق ! والعجيب أنه بدأ المقالة بتوثيقه ، ولو سلم أنه ضعيفٌ فلم ينفرد به ، مع أنه يعلم أن الحفاظ استقطوه ، والواحد منهم أثبت من ابن حبان ، فكيف بهم مجتمعين !!
وسامح الله ابن حبان يدخل مثل هذا في كتاب ( الثقات ) ، ويشحُّ على بقية بن الوليد ، فلا يذكره فيه !!
واتفق العلماء على إسقاط خالد بن عمرو ؛ منهم أحمد ، وابن معين ، والبخاري ، وأبو زرعة ، والنسائي ، وأبو داود ، والساجي ، وصالح جزرة ، وأبو حاتم ، وآخرون .
بل إنَّ ابن حبان - الذي تعلق الهيتمي بتوثيقه - ذكر خالدُا في ( المجروحين ) ( 1/ 283 ) ، وقال : ( كان ممن ينفرد عن الثقات بالموضوعات ، لا يحلُّ الاحتجاجُ بخبره ، تركه يحيى بن معين ) . اهـ .(1/72)
وأغلَبُ المتأخرين ممن لم يتعانَ النقد الحديثي يظن أن مجرد تعدد الطرق يقوي الحديث ، كما فعل الهيتمي ، غير ناظرٍ إلى قدر الضعف ، وهل هو شديدٌ أم خفيفٌ ، وكم من أحاديث ضعيفة ، بل موضوعة صححت أو حسنت بسبب الغفلة عن اصطلاح أهل الحديث ، فلا قوة إلا بالله ، فيظهر من التحقيق أنه لا حجة لمن قوى الحديث ، تصحيحًا أو تحسينًا ، ونقل ابن علان في ( الفتوحات ) ( 7 / 337 ) عن الحافظ قوله : ( حديث سهل لا يصحُّ ، ولا يطلق على إسناده أنه حسنٌ ) . اهـ .
---
· يسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث :
1- ( أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي ) .
2- ( من تمام صلاة أحدكم إذا لم يكن نعلاه في رجليه ، أن يخلعها بين رجليه ) .
3- ( من تطبب ولم يكن بالطب معروفًا فأصاب نفسًا فما دونها فهو ضامن ) .
4- كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال : ( سبحان الله العظيم ) ، وإذا اجتهد في الدعاء قال : ( يا حي يا قيوم ) .
والجواب : أما الحديث الأول فهو ضعيفٌ .
أخرجه أبو يعلى ( ج4 / رقم 2045) ، والطبرانيُّ في ( الأوسط ) ، ( ج2/ ق161/ 1) ، وابنُ عديّ في ( الكامل) ، ( 5/ 1983) ، وأبو نعيم في ( أخبار أصبهان ) ، ( 2/ 96) ، والوزير ابن الجراح في ( الأمالي ) ، ( 18 / بتحقيقي ) ، وعنه الذهبيُّ في ( السير ) (15/ 9) من طريق خلاَّد بن أسلم ثنا ابن أبي روَّاد ، عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج ، إلا عبدُ المجيد ) .
وقال ابن عُديّ بعد أن ساق أحاديث أخرى : ( وكلُّ هذه الأحاديث غير محفوظة ) .
وعزاهُ المنذريُّ في ( الترغيب ) (3/ 134) لأبي الشيخ في ( كتاب الثواب ) ، وقال : ( ولكن في هذا الحديث نكارةٌ ) .
أمَّا الحافظُ العراقي فقال في ( تخريج الإحياء ) - كما في ( إتحاف السادة ) ( 7/ 115) - : ( إسنادهُ حسنٌ !!) .(1/73)
كذا قال ! ولم يَلتفت إلى عنعنة ابن جريج وأبي الزبير ! وعزاه الزبيدي في ( الإتحاف ) ( 4/ 217) للضياء في ( المختارة ) ، وقال : ( إسنادُهُ حسنٌ !) .
كذا ! وإذا انضم إنكارُ ابن عديّ والمنذري له مع عنعنة ابن جريج وأبي الزبير ، فكيف يتأتى الحكمُ عليه بالحُسْنِ !؟ وله شاهدٌ من حديث أبي هريرة مرفوعًا مثله .
أخرجه أبو نعيم في ( أخبار أصبهان ) ( 2/ 81) من طريق مقدام بن داود المصري حدثنا النضر بن عبد الجبار ثنا ابن لهيعة عن عطاء عن أبي هريرة .
وسنده ضعيفٌ لضعف المقدام ، وسوء حفظ ابن لهيعة وتدليسه ، وله شاهدٌ من حديث أنس مرفوعًا .
( إن الله يحبُّ كثرة الأيدي في الطعام ) أخرجه الدُّولابي في ( الكنى ) (1/ 188) قال : حدثنا أبو بكر مصعبُ بن عبد الله بن مصعب الواسطي ، قال : حدَّثنا يزيدُ بن هارون قال : أنبأ عنبة بن سعيد القطان قال : أنبأ سلمة بن سالم قال : لا أحسبُهُ إلا عن أنس وسنده واه ، وعنبه تركه الفلاسُ وضعفّه أبو حاتم ، والعقيليُّ وغيرهما .
وقد رأيتُ بعض الباحثين في كتابٍ له قويّ حديث الترَّجْمة بحديث وحشي بن حرب أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله - إنا نأكلُ ولا نشبع ؟ قال : ( فلعلَّكم تأكلون متفرقين ؟ اجتمعوا على طعامكم ، واذكروا اسم الله تعالى يُبارك لكم فيه ) .
قال : وهو حديثٌ حسن .
قلتُ : وفي بحثه نظرٌ من وجهين :
الأول : أن هذه الحديث لا يشهد لحديث الترجمة من حيثُ المعنى ، ففي حديث الترجمة : ( أحبُّ الطعام ) ، وهذا القدر غيرُ موجود في حديث وحشي ، ثمَّ في حديث وحشي ذكرُ البركة بالاجتماع ، ولا يوجد في حديث الترجمة .(1/74)
الثاني : أن هذا الحديث ليس بحسن ، فقد أخرجه أبو داود ( 3764) ، وابنُ ماجه ( 3286) ، وأحمد ( 3/ 501) ، وابن حبان ( 1345) ، والحاكم ( 2/ 103) ،وابنُ أبي عاصم في ( الآحاد والمثاني ) ( جـ 1/ ق49 / 2) ، والطبرانيُّ في ( الكبير ) ( جـ 22 / رقم 368) ، وأبو نعيم في ( أخبار أصبهان ) ( 2/ 350) من طرق عن الوليد بن مسلم ثنا وحشي بن حرب عن أبيه عن جدِّه وحشي بن حرب ، فذكره .
وسكت عنه الحاكمُ والذهبيُّ .
أمَّا العراقيُّ فحسنه في ( تخريج الإحياء ) ( 2/ 4) كذا قال - ! ووحشي بن حرب بن وحشي قال صالح جزرة : ( لا يُشتغل به ولا بأبيه ) ، وأبوهُ حرب مجهولٌ ، قال الذهبيُّ : ( ما روي عنه سوى ابنه وحشي ) ، ولذلك قال ابنُ عبد البر : ( إسنادٌ ضعيفٌ ) ، نقله عنه الزبيدي في ( إتحاف السادة ) ، ( 5/ 217) .
أما الحديث الثاني : ( من تمام صلاة أحدكم … الخ ) ، فإنه حديث ضعيف جدًّا .
أخرجه الوزير ابن الجراح في ( الأمالي ) ( 55) ، وابنُ المقري في ( معجمه ) ، ( جـ 2/ ق27/ 1) من طريق ابن أبي فديك ، قال : أخبرني إبراهيم بن الفضل المخزوميُّ عن المقبريّ عن أبي هريرة مرفوعًا .
ووقع عند ابن المقري : ( أن يضعهما بين يديه ) .
وهذا سندٌ واهٍ جدًّا ، وإبراهيم بن الفضل متفقٌ على تضعيفه .
وله طريقٌ آخر .
أخرجه ابنُ عديّ في ( الكامل ) ( 1/ 303) من طريق عبد الله بن الجراح ثنا أبو يحيى التيميُّ عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا : ( من تمام صلاتكم أن يضع الرجل نعليه بين يديه ) .
وأبو يحيى التيميُّ هو إسماعيل بن إبراهيم الكوفي ، ضعّفه النسائي وابن نمير ، وزاد : ( جدًّا ) .
وأما الحديث الثالث : ( من تطبب … الخ ) ، فإنه حديث ضعيفٌ .(1/75)
أخرجه أبو داود ( 4586) ، والنسائي ( 8 / 52 ، 53) ، وابن ماجه ( 3466) ، والدَّارقطني ( 3/ 195، 96 و 4/ 215، 216) ، والحاكم ( 4/ 212) ، وابن عدي في ( الكامل) ( 5/ 115) ، والبيهقيُّ ( 8/ 141) ، وأبو نعيم في ( الطبِّ) ( ق 14/ 2) من طريق عبد الوليد بن مسلم نا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه مرفوعًا .
قال أبو داود : ( وهذا لم يروه إلا الوليد ، ولا ندري هو صحيحٌ أم لا ؟ ) .
وقال الدارقطنيُّ : ( لم يسنده عن ابن جريج غير الوليد بن مسلم وغيرُهُ يرويه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم ) .
قلتُ : رواه عن الوليد بن مسلم مسندًا هكذا جماعةٌ ، منهم : ( نصر بن عاصم الأنطاكيُّ ، ومحمد بن الصباح بن سفيان ، وعمرو بن عثمان بن سعيد ، ومحمد بن مصفَّى ، وهشام بن عمار ، وراشد بن سعيد الرمليُّ ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سهم ، ودُحيم ، وعيسى بن أبي عمران الرمليُّ ) .
وخالفهم محمود بن خالد ، فرواه عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن جدِّه مرفوعًا .
ولم يذكر ( شعيبًا ) في الإسناد ذكره ابنُ عديّ ، والبيهقيُّ .
قال ابن عديّ : ( رواه محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عند جدِّه مثل ما قال هشام ودحيم ، ولم يذكر ( أباه ) ، ذكره أبو عبد الرحمن النسائيُّ عن محمود ، وجعله من جودة إسناده ) أ . هـ .
وقد رواه النسائي هكذا ( 8 / 53) : ( أخبرني محمود بن خالد ، قال : حدثنا الوليد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدَّه مثله سواء ) .
وهو يعني مثل رواية عمرو بن عثمان وابن مصفى عن الوليد بن مسلم ، وقد ذكرا السند .(1/76)
موصولاً ، فقوله : ( مثله سواء ) يعني سندًا ومتنًا ، ولكن يظهرُ لي أن النسائي عنى بقوله : ( مثله سواء ) المتن دون السند ، بدليل ما نقلوا عنه ، ومثل هذا يقع لعلماء الحديث حين ينبه 22 وعلى الرواية المرسلة بعد الموصولة ، فيذكرونها موصولة ، ثمَّ يقولون : هي مرسلة ، فيفهم ذلك عن نقدهم .
فكأنَّه قال : ( … عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه ، ولم يذكر أباه ) لتستحضر معه علَّة السند ، واللهُ أعلمُ .
لكن النقد يقتضي أن تكون رواية الجماعة عن الوليد أصحّ من رواية محمود بن خالد عنه ، لولا ما ذكره الدارقطنيُّ أن الوليد بن مسلم خولف فيه .
وهذا السَّندُ فضلاً عن المخالفة ضعيفٌ ، فإن الوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية ، فيلزمه أن يصرح في كل طبقات السَّند ، وقد عنعن في سائرها إلا عن شيخه ابن جريج ، فصرح بالتحديث ، وهذا لا يكفي كما هو معروف ، ثُمَّ إن ابن جريج أيضًا مدلسٌ ، وقد عنعن في سائر الطرق التي وقفتُ عليها ، وقد وصف الدارقطنيُّ تدليسه ( بالقُبْح ) ؛ لأنه كان يدلس عن الكذابين ، ثم يسقطهم ، فلعلَّه أخذه من كذابٍ ، أو متروكٍ ، ثُمَّ دلَّسه .
لكن أ 22 خرجه أبو داود ( 4587) من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : حدثني بعضُ الوفد الذين قدموا على أبي ، قال : قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( أيُّما طبيب تطبَّب على قوم لا يعرف منه تطبّبٌ قبل ذلك ، فأعنت ، فهو ضامن ) .
قال عبد العزيز : أما إنه ليس بالنّعت ، إنما هو قطعُ العروق ، والبطُّ ، والكيُّ .
وهذا مرسلٌ ، وهو لا يقوي حديث عبد الله بن عمرو السابق لشدَّة ضعفه على ما بيَّنَّا ، والله أعلمُ .
أما الحديث الرابع : فهو ضعيفٌ جدًّا .
أخرجه الترمذي ( 3436) من طرق عن أبي فديك ، قال : أخبرني إبراهيم بن الفضل عن المقبري عن أبي هريرة ، فذكره .
قال الترمذيُّ : ( هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ ) .(1/77)
قلتُ : هكذا وقع في ( النسخة المطبوعة ) ، ووقع في ( تحفة الأشراف ) ، ( 9 / 467) ، وفي ( تحفة الأحوذي ) (9 / 396) : ( حديثٌ غريبٌ ) ، وهو اللائق ؛ لأنَّ السند واهٍ جدًّا ، وإبراهيم بن الفضل المخزوميُّ ضعيفٌ بالاتفاق .
وتركه جماعة من النقاد منهم : النسائيُّ ، والدارقطنيُّ ، والأزديُّ في آخرين .
وأخرج ابن السُّني في ( اليوم والليلة ) ( 340) ، وابنُ الجراح في ( الأمالي ) ( 126) شطره الأول .
وأخرج ابن الجراح ( 41) ، والبيهقيُّ في ( الدعوات ) (198) شطره الثاني .
---
** يسأل القارئ عن درجة حديث : ( من قرأ سورة الواقعة كل ليلة ، لم تصبه فاقة أبدًا ) .
· فالجواب : أنه حديث ضعيف .
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في ( مسنده ) ( 178 ) ، وابن السني في ( اليوم والليلة ) ( 674 ) ، وابن لال في ( حديثه ) ( 116 / 1 ) ، وابن بشران في ( الأمالي ) ( 20 / 38 / 1 ) ، والبيهقي في ( الشعب ) من طريق أبي شجاع عن أبي طيبة عن ابن مسعود مرفوعًا فذكره ، قال شيخنا أبو عبد الرحمن الألباني - حفظه الله - في ( الضعيفة ) ( 289 ) : ( وهذا سندٌ ضعيفٌ ، قال الذهبي : أبو شجاع نكرةٌ لا يعرف عن أبي طيبة ، ومن أبو طيبة ؟ عن ابن مسعود بهذا الحديث مرفوعًا ) ، وقد أشار بهذا الكلام إلى أن أبا طيبة نكرة لا يعرف ، وصرح في ترجمته بأنه مجهول ، ثم ذكر ما وقع في الحديث من اضطراب ، وثم شواهد أخرى ذكرها الشيخ وحكمه عليها بالوضع ( 290 ، 291 ) ، فراجع بحثه هناك .
** ويسأل القارئ : محمد إسماعيل - محطة الرمل - الإسكندرية : عن درجة حديث : ( ليس الإيمان بالتحلي ، ولا بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال ، والذي نفسي بيده لا يدخل أحد الجنة إلا بعمل يتقنه ) ، قالوا : يا رسول الله ما يتقنه ؟ قال : ( يحكمه ) ؟
· فالجواب :(1/78)
أنه حديث باطلٌ : أخرجه ابن عدي في ( الكامل ) ( 6 / 2290 ) ، واللالكائي في ( شرح السُّنة ) ( 1561 ) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن بحير بن رَيْسَان ، قال : ثنا أبي قال : حدثني مالك حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا ، قال ابن عدي : ( باطلٌ عن مالك ، ومحمد بن عبد الرحمن من أهل اليمن روى عن الثقات بالمناكير وعن أبيه وعن مالك بالبواطيل ) .
وله شاهدٌ من حديث أنس مرفوعًا : ( ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلَّي ، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقهُ الفعلُ ، العلمُ عِلْمان : علمٌ باللسان ، وعلمٌ بالقلب ، فعلمُ القلب العلم النافع ، وعلمُ اللسان حُجَّةُ الله على ابن آدم ) ، أخرجه ابن بشران في ( الأمالي ) ( ج22 / ق 248 / 1 ) ، وابن النجار في ( ذيل التاريخ ) ( 2/ 48 ) من طريق عبد السلام بن صالح ثنا يوسف بن عطية ثنا قتادة عن الحسن عن أنس مرفوعًا ، وهذا سندٌ ضعيف جدًّا ، وعبد السلام بن صالح هو أبو الصلت الهروي وهو تالفٌ البته ، وتوثيق ابن معين له مردودٌ في مقابل الجرح المفسر الصادر من سائر الأئمة ، فقد كذّبه بعضهم ، وتركه آخرون ، حتى قال الجوزجاني : ( هو أكذب من روث حمار الدجال ) ، وكذبه العقيليُّ ، وقال أبو حاتم الرازي : ( لم يكن عندي بصدوق ) ، وهكذا يلتقى مع حكم العُقيلي ، والكلام فيه طويل الذيل ، ويوسف بن عطية هو البصري الصفار ، وهو مجمع على ضعفه ، فقد تركه النسائي ، وقال البخاري : ( منكر الحديث ) ، وقد تقدم الكلام عليه قبل ذلك في حديث : ( الخلق عيال الله … ) .(1/79)
وقد خولف قتادة في إسناده ، خالفه أبو بشر الحلبيُّ ، فرواه عن الحسن قال : ( ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال ، من قال حسنًا ، وعمل غير صالح ، ردَّهُ اللهُ على قوله ، ومن قال حسنًا وعمل صالحًا رفعه العمل ، ذلك بأن الله تعالى يقول : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) [ فاطر : 10] ، أخرجه البيهقي في ( الشعب ) ( ج1 رقم 65 ) ، والخطيب في ( الاقتضاء ) ( 56 ) من طريق عبيد الله بن موسى ثنا أبو بشر الحلبي به .
وهذا لا يصحُّ أيضًا ، وأبو بشر الحلبي مجهولٌ ، ولكن له طريق آخر ، وأخرجه ابنُ أبي شيبة في ( الإيمان ) ( 93 ) ، وعبد الله بن أحمد في ( زوائد الزهد ) ( ص263 ) من طريق جعفر بن سليمان ، قال : نا زكريا ، قال : سمعت الحسن يقول : ( إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ، إنما الإيمان ما وقر في القلب ، وصدقه العمل ) ، وفي ( الزهد ) : ( .. عن الحسن قال : كان يقال … ) ، وسنده ضعيف جدًّا ، فإنَّ زكريا هو ابن حكيم الحبطي البصري ، وهو هالكٌ كما قال ابن المديني ، وقال النسائي : ( ليس بثقة ) ، وكذا قال ابن معين ، فلا يصح أيضًا عن الحسن ، لكن نقل المناوي في ( فيض القدير ) ( 5/ 356 ) عن العلائيِّ قال : ( حديث منكرٌ تفرَّد به عبد السلام بن صالح العابد ، قال النسائيُّ : متروك ، وقال ابن عدي : مجمعٌ على ضعفه ، وقد روى معناه بسندٍ جيد عن الحسن من قوله ، وهو الصحيح ) . أ هـ ، كذا ! وربما توهم العلائي أنَّ زكريا هو ابن أبي زائدة أو نحوه ، والله أعلم .
** ويسأل أيضًا عن درجة حديث : ( من عدل ببزاقه عن المسجد إجلالاً لله وأماط عنه الأذى ، ولم يمح اسمًا من أسماء الله ببزاق ، كان من ضغائن عباد الله ) ؟
· فالجواب : أنه حديث ضعيف جدًا .(1/80)
أخرجه أبو القاسم الختلي إسحاق بن إبراهيم بن محمد في ( كتاب الديباج ) ( ج3 ق32 / 2 - 33/ 1 ) قال : حدثنا حاجب بن الوليد حدثنا عبد الله بن ضرار حدثنا أبي عن قتادة عن أنس مرفوعًا ، وسنده ضعيفٌ جدًّا ، وعبد الله بن ضرار وأبوه ضرار بن عمرو الملطي واهيان ، والله أعلم .
---
** ويسأل القارئ عن حديث صححه بعض العلماء وهو حديث : ( كان يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين ، قيل : يا رسول الله : الوضوء من جر جديد أحب إليك أم من المطاهر ؟ قال : لا بل من المطاهر ، إن دين الله الحنيفية السمحة ) .
· فالجواب : أنه حديث منكرٌ .
أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) ( ج 1 ق 46 / 1 ) ، وابن عدي في ( الكامل ) ( 2/ 783 ) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) ( 8 / 203 ) من طريق محرز بن عون ثنا حسان بن إبراهيم الكرماني عن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع عن ابن عمر فذكره .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن عبد العزيز إلا حسان ) ، وقال أبو نعيم : ( غريب تفرَّد به حسَّان بن إبراهيم لم نكتبه إلا من حديث محرز ) .(1/81)
· قلت : تفرَّد حسان بن إبراهيم بوصله ، وقد خولف في ذلك ، فخالفه وكيع بن الجراح ، فرواه عن عبد العزيز ابن أبي رواد عن محمد بن واسع الأزدي قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فذكره نحوه ) . أخرجه ابن عدي في ( الكامل ) ( 2/ 783 ) قال : حدثناه ابن صاعد ثنا القاسم بن يزيد الوزان ثنا وكيع ، وحسان بن إبراهيم لا يقارن بوكيع جلالة وحفظًا وإتقانًا ، وكان حسَّان صاحب غرائب ، ووهم في الأسانيد ، وقد توبع وكيع على إرساله ، تابعه خلاد بن يحيى ، فرواه عن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن محمد بن واسع مرسلاً ، ذكره أبو نعيم في ( الحلية ) ( 8 / 203 ) ، وخلاد صدوق من كبار شيوخ البخاري ، وفي حفظه مقالٌ خفيفٌ ، أمَّا آخره : ( أن دين الله الحنيفية السمحة ) : فورد عن جماعة من الصحابة ، منهم : ( ابن عباس ، وأبو أمامة ، وعائشة ، وأبو هريرة ، وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهم ) ، وهذا القدر من الحديث حسن ، والله أعلم .
---
** ويسأل القارئ عن صحة حديث : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر ضحى ، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس ) ؟
· فالجواب : أنه حديث صحيح .
أخرجه البخاري ( 3/ 579 ) معلقًا ، ووصله مسلم ( 1299 ) ، وأبو داود ( 1971 ) ، والنسائي ( 5/ 270 ) ، والترمذي ( 894 ) ، وابن ماجه ( 3053 ) ، والدارمي ( 288 / 1 ) ، وإسحاق بن راهويه في ( المسند ) - كما في ( الفتح ) ( 3/ 580 ) - وابن خزيمة ( 4/ 277 ) ، وابن الجارود في ( المنتقى ) ( 474 ) ، والطحاوي في ( شرح المعاني ) ( 2/ 220 ) ، وأحمد ( 3/ 224 ) ، والبيهقي ( 5/ 31 ) ، والبغوي في ( شرح السنة ) ( 7 / 223 ) من طرق عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله ، فذكره ، قال الترمذي : ( هذا حديث حسن صحيح ) .
---(1/82)
** يسأل القارئ : عن صحة حديث رواه الحاكم في ( المستدرك ) أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا الله حق تقاته ، أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا يُنسى ) ؟
· والجواب : لعلَّ القارئ نقل هذا العزو إلى الحاكم من ( تفسير ابن كثير ) ، فإنه قال : ( 2/ 72 ) : ( وكذا رواه الحاكم في ( مستدركه ) ، من حديث مسعر عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود مرفوعًا فذكره ) .
لم أر أحدًا نسبه إلى الحاكم مرفوعًا ، بل ذكره الزيلعي في ( تخريج أحاديث الكشاف ) ( ق / 38 / 1 ) ، والسيوطي في ( الدر المنثور ) ( 2/ 59 ) ، ونسباه إلى الحاكم موقوفًا ، وقد أخرجه الحاكم كذلك ( 2/ 294 ) ، وقد ذكر ابن كثير أن ابن مردويه رواه من طريق يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن الثوري ، عن زبيد اليامي ، عن مرة بن شراحبيل ، عن ابن مسعود مرفوعًا .
· قلت : وتوبع الثوري على رفعه ، تابعه محمد بن طلحة ، فرواه عن زبيد ، عن مرة ، عن ابن مسعود مرفوعًا ، أخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) ( 7 / 238 ، 239 ) .
والصواب في هذا الحديث الوقف ، ولا يصح مرفوعًا ، وبيانه : أن رواية ابن مردويه التي رواها عن ابن وهب عن الثوري ، فلا أعلم سند ابن مردويه إلى يونس بن عبد الأعلى ، ولعل فيها علة إن سلمنا أن السند إلى يونس صحيح ، فقد خولف ابن وهب في سنده ، خالفه عبد الرحمن بن مهدي ، ومحمد بن يوسف الفريابي وعبد الرزاق ، فرووه عن الثوري ، عن زبيد ، عن ابن مسعود ، قوله : وأخرجه عبد الرزاق في ( تفسيره ) ( 1/ 129 ) ، ومن طريق ابن جرير في ( تفسيره ) ( 7536 ) وابن أبي حاتم في ( تفسيره ) ( 1079 ) ، والطبراني في ( الكبير ) ( ج9/ رقم 8502 ) ، وتوبع الثوري على وقفه ، تابعه شعبة ومسعر بن كدام وجرير بن حازم وليث بن أبي سليم والمسعودي كلهم يرويه عن زبيد اليامي ، عن مرة ، عن ابن مسعود ، قوله .(1/83)
أخرجه ابن المبارك في ( الزهد ) ( 22 ) ، وابن أبي حاتم ( 1079 ) ، وابن جرير ( 7537، 7538، 7539 ، 7540، 7541 ، 7542 ) والحاكم ( 2/ 294 ) ، وأبو جعفر النحاس في ( الناسخ والمنسوخ ) ( 299 ) ، والطبراني في ( الكبير ) ( ج9/ رقم 8501 ) ، وأيضًا فهؤلاء جميعًا خالفوا محمد بن طلحة الذي رواه عن زبيد مرفوعًا كما قدمت ، ومحمد بن طلحة ضعفه ابن معين في رواية ، ولينه النسائي ، وقال ابن حبان : ( يخطئ ) ، فلا تقاوم روايته رواية هؤلاء الفحول ، وصحَّح الحاكم الرواية الموقوفة على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، وقال ابن كثير في ( تفسيره ) ( 2/ 71 ) : ( وهذا إسنادٌ صحيح موقوف ) ، والله أعلم .
---
** ويسأل القارئ :
عن حديث قرأه في مجلة اللواء الإسلامي تحت عنوان : ( تنظيم النسل ) ، وهو حديث : ( جهد البلاء كثرة العيال مع قلة الشيء ) ، وقال الكاتب : رواه الحاكم في ( المستدرك ) ؟
· فالجواب : أن هذا الحديث باطل مكذوب ، ولم يروه الحاكم في ( المستدرك ) ، بل في ( تاريخ نيسابور ) ، كما في ( كشف الخفاء ) ( 1/ 335 ) ، ورأيته موقوفًا على عمر بن الخطاب ، فقد أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ( العيال ) ( 443 ) من طريق إسماعيل بن عياش عن حسان بن عبد الله عن إياس بن معاوية عن عمر ، فذكره ، وسنده ضعيف لانقطاعه ، فإن إياس بن معاوية لم يلحق عمر رضي الله عنه .
** ويسأل : هل صح عن النبي صلى الله عليه أنه نهى عن صلاة الصبيان في الصف الأول ؟(1/84)
فالجواب : لا أعلم في هذا الباب نهيًا صحيحًا ، والذي أعلمه هو ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ( العيال ) ( 298 ) من طريق أبي معاوية حدثنا الأحوص بن حكيم ، عن راشد بن سعد ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقام الصبيان في الصف الأول ، لكنه حديث ضعيف لإرساله ، وفي معناه ما أخرجه أبو داود ( 663 ) من طريق شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم قال : قال أبو مالك الأشعري : ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فأقام الصلاة ، فصف الرجال ، وصف الغلمان خلفهم ، ثم صلى بهم ، فذكر صلاته ، وشهر بن حوشب مقارب الحال ، والله أعلم .
---
** ويسأل : أ . س . س - أبو حمص - بحيرة :
عن صحة الأحاديث التالية :
1- ( إن للمرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها من الأجر كالمتشحط في سبيل الله ، فإن هلكت فيما بين ذلك فلها أجر شهيد ) .
2- ( وسطوا الإمام وسدوا الخلل ) ؟
· والجواب : أما الحديث الأول : فأخرجه عبد بن حميد في ( المنتخب ) ( 801 ) ، وابن أبي الدنيا في كتاب ( العيال ) ( 387 ) ، والدارقطني في ( العلل ) - كما في ( التلخيص الحبير ) ( 2/ 142 ، 143 ) من طريق ابن المبارك ، ثنا قيس بن الربيع ، عن أبي هاشم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر مرفوعًا فذكره .
وسنده ضعيف لضعف قيس بن الربيع ، ووقع الشك في رفعه عند ابن أبي الدنيا ، ولعله من قيس ، والله أعلم .
· أما الحديث الثاني : ( وسطوا الإمام ) ، فأخرجه أبو داود ( 2/ 375 - عون ) ، ومن طريقه البيهقي ( 3/ 104 ) ، والطبراني في ( الأوسط ) ( ج1/ ق271 / 2 ) ، وفيه زيادة من طريق يحيى بن بشير بن خلاد ، عن أمه أنها دخلت على محمد بن كعب القرظي فسمعته يقول : حدثني أبو هريرة مرفوعًا ، فذكره ، قال الطبراني : ( لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ، تفرد به يحيى بن بشير ) .(1/85)
· قلت : أما يحيى ، فقال ابن القطان : ( مجهول ) ، وأمه اسمها ( أمة الواحد بنت يامين ) مجهولة أيضًا ، والله أعلم ، ولقوله : ( سدوا الخلل ) شاهد ، وانظر ( مجمع الزوائد ) ( 2/ 134 ) .
---
** ويسأل القارئ : ويقول :
هل ثبت أن عثمان بن عفان صلى بالقرآن في ركعة ؟ فقد حدث جدل بيني وبين بعض أساتذة جامعة الأزهر ، فأنكر أشد الإنكار أن يحدث مثل هذا ، وقال ، لم يصح إسناد لهذا الكلام ، وليس له شواهد ، فنرجو منكم أن تفصلوا في هذا الأمر ، وأن تتكرموا علينا بذكر أسانيد هذا الكلام ، وجزاكم الله خيرًا ؟
· فالجواب : أن هذا الأثر صح عن عثمان رضي الله عنه ، وهاك تحقيق المقام :
أخرجه أبو عبيد في ( فضائل القرآن ) ( ص90 ) ، وعبد الرزاق في ( المصنف ) ( ج3/ رقم 4653 ) ، ومن طريقه ابن المنذر في ( الأوسط ) ( 5/ 1708 ) من طريق ابن جريج ، أخبرني ابن خصيفة ، عن السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صلاة طلحة بن عبيد الله ، قال : إن شئت أخبرتك بصلاة عثمان بن عفان ؟ قال : نعم ، قال : قلت : لأغلبن الليلة على الحجر - يريد المقام - قال : فلما قمت إذا رجل يزاحمني متقنعا ، قال : فنظرت ، فإذا هو عثمان ، فتأخرت عنه ، فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن ، حتى إذا قلت : هو أذان الفجر ، أوتر بركعة لم يصل غيرها ؛ ثم انطلق ، وأخرجه محمد بن نصر في ( كتاب الوتر ) ( ص286 ) مختصرًا ، وهذا سند صحيح كما قال الحافظ ابن كثير في ( فضائل القرآن ) ( ص257 بتحقيقي ) ، وقد أوردها ابن كثير مستدلاً بها على ختم القرآن في ركعة ، وليس في الرواية ما يدل على ذلك ، بل فيها عكسه ، فظاهر منها أنه صلى أكثر من ركعة ، لكنه أوتر بواحدة فهذا يصلح دليلاً في الرد على من كره الوتر بواحدة ، ولو أنه ذكر رواية ابن المنكدر عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي ، لكان أولى من هذه الرواية في مقام الاحتجاج .(1/86)
فأخرج ابنُ المبارك في ( الزهد ) ( 1276 ) والطحاوي في ( شرح المعاني ) ( 1/ 294 ) ، والبيهقيُّ ( 3/ 25 ) من طريق فليح بن سليمان ، عن محمد بن المنكدر ، عن عبد الرحمن بن عثمان التيميِّ قال : قلتُ : لأغلبن الليلة على المقام ، فسبقت إليه ، فبينا أنا قائمٌ أصلي إذ وضع رجلٌ يده على ظهري ، فنظرتُ فإذا هو عثمان بن عفان رحمة الله عليه ، وهو خليفةٌ ، فتنحيتُ عنه ، فقام فما برح قائمًا حتى فرغ من القرآن في ركعة لم يزد عليها ، فلما انصرف قلتُ : يا أمير المؤمنين ! إنما صليت ركعةً ، قال : أجل هي وتري .
فهذه الرواية صريحةٌ في الدلالة على الترجمة ، وسندُها جيدٌ ، وفليح بن سليمان في حفظه مقالٌ ، لكنه لم يتفرَّد بالحديث ، فرواه محمد بن عمرو ، عن محمد بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن عثمان ، قال : قمتُ خلف المقام ، وأنا أريد أن لا يغلبني أحدٌ عليه تلك الليلة ، فإذا رجلٌ يغمزني ، فلم ألتفت ، فنظرتُ ، فإذا هو عثمان بن عفان ، فتنحيتُ ، فتقدَّم فقرأ القرآن في ركعة ، ثم انصرف .
أخرجه ابنُ أبي شيبة ( 1/ 368 ، 2/ 502 ، 503 ) ، وابنُ سعيدٍ ( 3/ 75 ، 76 ) ، والبيهقيُّ ( 3/ 24، 25 ) ، وفي ( الشعب ) ، ( ج5/ رقم 1993 ) ، وسنده حسنٌ ، وله طريق آخر .
أخرجه أبو عبيد ( ص90 ، 91 ) ، وابنُ ابي شيبة ( 1/ 367، 2/ 502 ) ، وابنُ سعدٍ ( 3/ 75 ، 76 ) ، وعمر بن شبة في ( تاريخ المدينة ) ( 4/ 1272 ) ، والطبرانيُّ في ( الكبير ) ( ج1/ رقم 130 ) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) ( 1/ 75 ) من طرق عن ابن سيرين ، قال : قالت نائلة بنت الفرافصة الكلبية حيث دخلوا على عثمان ليقتلوه ، فقالت : إن تقتلوه أو تدعوه ، فقد كان يُحيي الليل بركعةٍ ، يجمع فيها القرآن ، ورواه عن ابن سيرين جماعةٌ منهم : ( هشام الدستوائي ، وعاصم الأحول ، وأبو هلال محمد بن سليم الراسبي ، وقرة بن خالد ، وسلام بن مسكين ، ويزيد بن إبراهيم ) .(1/87)
وأخرجه ابنُ المبارك في ( الزهد ) ( 1277 ) من طريق عاصم بن سليمان الأحول ، عن ابن سيرين ، وزاد : ( وكان تميم الداري يقرأ القرآن في ركعةٍ ) .
وأخرج هذه الزيادة : أبو عبيد ( ص91 ) ، وابنُ أبي شيبة ( 2/ 502 ) ، والطحاويُّ في ( الشرح ) ( 1/ 348 ) ، والبيهقيُّ في ( الكبرى ) ( 3/ 25 ) ، وفي ( الشعب ) ( ج5/ رقم 1994 ) .
بقيت طرقٌ أخرى ، فأخرج ابنُ المبارك في ( الزهد ) ( 1275 ) قال : أخبرنا ابن لهيعة ، قال : حدثني بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار ، أن عثمان بن عفان قام بعد العشاء ، فقرأ القرآن كله في ركعةٍ ، لم يُصل قبلها ولا بعدها ، وسنده جيد ، لولا الانقطاع بين سليمان بن يسار وعثمان رضي الله عنه .
وأخرج عمر بن شبة في ( تاريخ المدينة ) ( 4/ 1272 ) قال : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا الأشجعيُّ ، عن مسعرٍ ، قال : بلغني أن امرأة عثمان رضي الله عنه قالت : إن تقتلوه أو تدعوه ، فإنه كان يختم القرآن في ليلةٍ في ركعةٍ ، وضعفُهُ ظاهرٌ ، وقد تقدَّم موصولاً .
وأخرج ابن سعدٍ ( 3/ 76 ) قال : أخبرنا يوسف بن الغرق ، قال : أخبرنا خالد بن بكير : عن عطاء بن أبي رباح ، أن عثمان بن عفان صلى بالناس ، ثمَّ قام خلف المقام ، فجمع كتاب الله في ركعة كانت مرَّةً فسميت ( البتيراء ) ، وسنده واه ، ويوسف بن الغرق أقرب إلى الوهاء ، وعطاء عن عثمان منقطعٌ .
انتهى
أسئلة عام 1418
يسأل القارئ :
عن صحة حديث ورد في كتاب (إبراهيم الدسوقي وأولياء الله) ، وهو : عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال أربعون رجلاً من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، يدفع بهم عن أهل الأرض البلاء ، يقال لهم : الأبدال ، إنهم لم يدركوها بصلاة ولا صيام ولا بصدقة ) . قالوا : يا رسول الله ، بم أدركوها ؟ قال : (بالسخاء والنصح للمسلمين) ؟
والجواب بعون الملك الوهاب :(1/88)
هذا الحديث باطلٌ ؛ أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (ج10 / رقم 10390) ، وعنه أبو نعيم في (الحلية) (4 /172 ، 173) ، قال : حدثنا أحمد بن داود المكي ، ثنا ثابت بن عياش الأحدب ، ثنا أبو رجاء الكلبي ، ثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن ابن مسعود مرفوعًا ، فذكره .
قال أبو نعيم : (غريب من حديث الأعمش عن زيد ، ما كتبناه إلا من حديث أبي رجاء) .
قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (10 /63) : (رواه الطبراني من رواية ثابت بن عياش الأحدب عن أبي رجاء الكلبي ، وكلاهما لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح) . اهـ .
قلتُ : وشيخ الطبراني أحمد بن داود بن يزيد بن ماهان ذكر الحاكم في (سؤالاته للدارقطني) (ص92) أن الدارقطني قال : (لا بأس به) . ونقل الخطيب في (تاريخه) (4 /140 ، 141) عن العتيقي عن الدارقطني أنه قال : (ليس بقوي ، يعتبر به) ، ولا تنافي بين العبارتين ، والجمع بينهما أنه لا بأس به في المتابعات والشواهد .
ولا يصح في ذكر الأبدال حديثٌ مرفوع ، وما ذكره السيوطي والهيثمي وغيرهما من حُسن بعض الأحاديث الواردة ، فتسامح منهما في النقد ، ومن علم قدرهما في النقد لم ينكر هذا التسامح . والله أعلم .
ويسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث :
1 - (من غشنا فليس منا ، والمكرُ والخديعةُ في النار) ؟
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الفأر فاسقًا وأمر بقتله ؟
3 - (كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل ، وعُدَّ نفسك من أهل القبور) ؟
والجواب بعون الملك الوهاب :
أما الحديث الأول : ( من غشنا …) فصحيح ؛ أخرجه ابن حبان (1107) ، والطبراني في (الكبير) (ج10 / رقم 10234) ، وفي (الصغير) (738) ، وأبو نعيم في (الحلية) (4 /188) من طريق أبي خليفة الفضل بن الحباب ، ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ، ثنا أبي ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود مرفوعًا ، فذكره .(1/89)
قال أبو نعيم : (غريب من حديث عاصم ، تفرد به عثمان ، ولم نكتبه إلا من حديث الفضل بن الحباب) .
وقال الطبراني : (لم يروه عن عاصم إلا الهيثم بن الجهم ، ولا عنه إلا ابنه عثمان) .
وقال المنذري في (الترغيب) (2 / 572) : (إسناده جيد) ، وهو حري بذلك لولا أن عثمان بن الهيثم كان يُلقن في آخر عمره ، كما قال أبو حاتم الرازي ؛ لذلك وصفه الدارقطني بكثرة الخطأ ، وقد تفرد به ، كما قال الطبراني وأبو نعيم ، وأما أبوه : هيثم بن الجهم فصدوق متماسكٌ ، قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (4 /2 /83) : (سألتُ أبي عنه ، فقال : لم أر في حديثه مكروهًا) ، وذكره ابن حبان في (الثقات) (9 / 235) ، وطرفُ الحديث الأول ثابتٌ من حديث أبي هريرة ، أخرجه مسلم وغيره ، وللشطر الثاني شواهدٌ ذكرها شيخنا أبو عبد الرحمن الألباني ، حفظه الله ، في (الصحيحة) (1057) ، وانفصل على تصحيحه . والله أعلم .
أما الحديث الثاني : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الفأر فاسقًا …) .
فصحيحٌ ؛ فأخرج البخاري (6 /351) من طريق يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عروة يُحدث عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزغ : (الفويسق) ، ولم أسمعه أمر بقتله ، وزعم سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله ، وأخرجه مسلم (2239 / 145) من هذا الوجه دون قوله : ( وزعم … إلخ) .(1/90)
قال الحافظ في (الفتح) (6 /354) : (قوله : وزعم سعد بن أبي وقاص ؛ قائل ذلك يحتمل أن يكون عروة ، فيكونُ متصلا فإنه سمع من سعد ، ويحتمل أن تكون عائشة ، فيكون من رواية القرين عن قرينه ، ويحتمل أن يكون من قول الزهري فيكون منقطعًا ، وهذا الاحتمال الأخير أرجح ، فإن الدارقطني أخرجه في (الغرائب) من طريق ابن وهب ، عن مالك ويونس معًا ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزغ : (فويسق) . وعن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ) انتهى .
قلت : والاحتمال الثاني وأن عائشة هي القائلة ورد ما يؤيده ، فأخرج الإسماعيلي في (معجمه) (155 - بتحقيقي) من طريق عمر بن حبيب قال : حدثنا شعبة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : لم أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الفأرة ، وسمعتُه يسميها الفويسقة ، ولكن حدثني سعد بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الفويسقة .
ولكن سنده ضعيفٌ أو واه ، وعمر بن حبيب ضعفه ابن معين ، وقال : (يكذب) ، وكان أحمد يستخف به جدًا ، وضعفه النسائي ، وغالبُ كلام النقاد على أنه كان كثير الوهم والخطأ ، والراوي عنه أبو قلابة الرقاشي عبد الملك بن محمد .(1/91)
قال الدارقطني : (صدوق كثير الخطأ) ، وهذا أجمعُ قول فيه ، وقد ورد صريحًا ما يدل على قتله ، فأخرج ابنُ ماجه (3231) ، واللفظ له وأحمد (6 /83 ، 109) ، وابن حبان (1082) ، وابن أبي شيبة (5 / 402) من طريق جرير بن حازم عن نافع ، عن سائبة مولاة للفاكه بن المغيرة أنها دخلت على عائشة ، فرأت في بيتها رمحًا موضوعًا ، فقالت : يا أم المؤمنين ، ما تصنعين بهذا ؟ قالت : نقتل به هذه الأوزاغ ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم لما ألقي في النار لم تكن في الأرض دابةٌ إلا أطفأت النار ، غير الوزغ ، فإنها كانت تنفخ عليه ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله .
وتابعه أيوب السختياني ، عن نافع مثله ، أخرجه أحمد (6 /217) ، قال البوصيري في (الزوائد) (66 /3) : (هذا إسنادٌ صحيحٌ) . كذا قال ! وسائبةُ مولاةُ الفاكه مجهولةٌ ، قال الذهبي : (تفرد عنها نافع) ، ومع ذلك فقد اختلف على نافع في إسناده ، فرواه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي أمية ، عن نافع أن عائشة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (اقتلوا الوزغ ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم ، عليه السلام ، النار) ، قال : وكانت عائشة تقتلهن . أخرجه أحمد (6 /200) ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : أنا ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن به .(1/92)
وهذا الوجهُ أصح من الأول ، وله طريق آخر عن عائشة ، أخرجه النسائي (5/189) من طريق هشام الدستوائي ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب أن امرأة دخلت على عائشة وبيدها عكازٌ ، فقالت : ما هذا ؟ فقالت : لهذه الوزغ ، لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنه لم يكن شيءٌ إلا يطفئُ على إبراهيم ، عليه السلام ، إلا هذه الدابةُ ، فأمرنا بقتلها ، ونهى عن قتل الجنان إلا ذا الطُفيتين والأبتر ، فإنهما يطمسان البصر ويسقطان ما في بطون النساء ، وقد خولف قتادةُ في إسناده ، خالفه عبد الحميد بن جبير ، فرواه عن سعيد بن المسيب ، عن أم شريك ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ ، وقال : ( كان ينفخ على إبراهيم ، عليه السلام ) . فجعل الحديث من مسند (أم شريك) ، أخرجه البخاريُّ (6 /351) ، ومسلم ( 2237 / 142) ، والنسائي ( 5 /209) ، وابنُ ماجه (3228) ، والدارمي (2 /16) ، وأحمد (6/421 ، 462) ، وابن أبي شيبة (5 /401) ، والحميديُّ (350) ، وعبد بن حميد في (المنتخب) (1559) ، وعبد الرزاق في (المصنف) (8359) ، والطبراني في (الكبير) (ج25 / رقم 250 ، 251) من طريق عبد الحميد بن جبير به ، ولا تعارض بين الروايتين ، وسعيد بن المسيب كان واسع الرواية ، ولا مانع أن يكون الحديث عنده عن عائشة وأم شريك معًا ، لولا ما قيل في رواية قتادة عن سعيد بن المسيب ، فقد ذكر إسماعيل القاضي أن ابن المديني كان يضعف أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب تضعيفًا شديدًا ، وقال : (أحسبُ أن أكثرها بين قتادة وسعيد فيها رجال) . انتهى . وذلك لأن قتادة مدلسٌ . والله أعلم .(1/93)
أما الحديث الثالث : (كن في الدنيا كأنك غريب) فهو صحيح ؛ ما عدا قوله : (وعُدَّ نفسك من أهل القبور) ، كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى : أخرجه البخاريُّ (11 / 233) ، وابن حبان في (صحيحه) (2 /57 / 687) ، وفي (روضة العقلاء) (148) ، والعقيلي في (الضعفاء) (ق 151 /1) ، والحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) (ج2 / ق 145 /1) ، وابن الأعرابي في (معجمه) (ج5/ق 96 /2) ، وابن أبي عاصم في (الزهد) (185) ، والدارقطني في (الأفراد) (ق 88 /1) ، والطبراني في (الكبير) (ج12 / رقم 13470) ، والآجرى في (الغرباء) (ق3 /1) ، وأبو نعيم في (الحلية) (3 /301) ، والخطابي في (العزلة) ( ص39 /301) ، والبيهقي في (الأربعون الصغرى) (32 بتحقيقي) والقضاعي في (مسند الشهاب) (644) من طريق الأعمش قال : حدثني مجاهدٌ ، عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال : (كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل) ، وكان ابنُ عمر يقول : (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذُ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك) . وهذا لفظ البخاري .
قال ابن حبان في (روضة العقلاء) (149) : (قد مكثت برهة من الدهر متوهمًا أن الأعمش سمع هذا الخبر من ليث بن أبي سليم فدلسه حتى رأيتُ علي بن المديني حدَّث بهذا الخبر عن الطفاوي ، عن الأعمش ، قال : حدثني مجاهدٌ ، فعلمتُ حينئذ أن الخبر صحيحٌ ، لا شك فيه ولا امتراء في صحته) . اهـ .
وهو يشير إلى رواية البخاري ، وقال الحافظ في (الفتح) (11 / 233 ، 234) : (أنكر العقيليُّ هذه اللفظة ، وهي : (حدثني مجاهد) ، وقال : إنما رواه الأعمش بصيغة : عن مجاهد ، كذلك رواه أصحابُ الأعمش عنه ، وكذا أصحاب الطفاوي عنه ، وتفرد ابن المديني بالتصريح ، قال : ولم يسمعه الأعمش عن مجاهد ، وإنما سمعه من ليث بن أبي سليم عنه فدلسه) . اهـ .(1/94)
وللحديث طرق أخرى ذكرتها في (الثاني من أمالي الوزير أبي القاسم بن الجراح) (رقم 94) .
والحمد لله ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله .
---
يسأل القارئ عن درجة هذين الحديثين :
الأول : (سلمانُ منا آل البيت) .
الثاني : قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن : (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يري رسول الله ) ؟
والجواب بعون الملك الوهاب :
أما الحديث الأول ؛ فضعيفٌ جدًا .
أخرجه البزار في (مسنده) (ج2 ق58 /1) ، وابن سعد في (الطبقات) (4/ 82 , 83 و7 / 319) ، والطبراني في (الكبير) (ج6 رقم 6040) ، والطبراني في (تفسيره) (21 / 85) ، وأبو الشيخ في (طبقات المحدثين) (6) ، وأبو نعيم في (أخبار أصبهان) (1/54) ، والحاكم (3/ 598) ، والبيهقيُّ في (دلائل النبوة) (3/ 418)، ومن طريق كثير بن عبد الله المزني ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق عام الأحزاب ، حتى بلغ المداد ، فقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا ، فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي ، وكان رجلا قويًا ، فقال المهاجرون : سلمان منا ، وقالت الأنصار : سلمان منا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سلمان منا آل البيت) . قال الهيثميُّ (6/ 130) : (فيه كثير بن عبد الله المزني ، وقد ضعفه الجمهور ، وحسن الترمذي حديثه ، وبقية رجاله ثقات) . اهـ .(1/95)
قلتُ : رحم الله الهيثمي ، فحال كثير بن عبد الله لا تحتاج لذكر تحسين الترمذي له ، فإن الترمذي يحسن حديث الضعيف في المتابعات والشواهد ، فيحتمل أن يكون قصده كذلك ، فيحتمل أن يكون قصده كذلك ، وأحيانًا يحسن حديث الضعيف ولو تفرد ، بل قد يصححه ؛ ولذلك وصفه بعض العلماء بالتساهل ، وقد روى الترمذي لكثير بن عبد الله حديث : (الصلح جائز بين المسلمين) ، وحسنه فرده الذهبيُّ بقوله : (فلذا لا يعتمد العلماءُ على تحسين الترمذي) ، يعني لتساهله ، وكثير هذا ضعيف جدًا ، بل نسبه الشافعي وأبو داود إلى الكذب ، وتركه آخرون ، ولما سكت عليه الحاكم تعقبه الذهبي في (تلخيص المستدرك) بقوله : (سنده ضعيف) ، والصواب أن يقال : ضعيفٌ جدًا ، وله شاهدٌ من حديث الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، مرفوعًا مثله .
أخرجه البزار ، وأبو يعلى في (مسنده) ، ومن طريقه أبو الشيخ في (الطبقات) (5) من طريق النضر بن حميد عن سعد الإسكاف ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده الحسين بن علي .
وسنده ساقط البتة ، والنضر بن حميد تركه أبو حاتم ، وقال البخاري : (منكر الحديث) ، وسعد الإسكاف تركه النسائي والدارقطني ، بل قال ابن حبان : (كان يضع الحديث على الفور) ، نسأل الله السلامة ؛ ولذلك قال ابن معين : (لا يحلُّ لأحد أن يروي عنه) .
أما الحديث الثاني : (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله …) ؛ فهو حديث منكر .(1/96)
أخرجه أبو داود (3592، 3593) ، والترمذي (1327 ، 1328) ، والدراميُّ (1/ 60) ، وأحمد (5/ 230 ، 236، 242) ، والطيالسي (559) ، وعبد بن حميد في المنتخب (124) ، وابن سعد في (الطبقات) (2/ 347، 584) ، والعقيلي في (الضعفاء) (1/ 215) ، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) (1/ 188 ، 189 ، وابن عبد البر في (جامع العلم) (2/ 69) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) (10 / 114) ، وفي (المعرفة) (1/ 173، 174) ، وابن حزم في (الإحكام) (6/ 26، 35 ، 7 / 111 ، 112) من طرق عن شعبة ، قال : حدثني أبو عون ، عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة ، عن أناس من أصحاب معاذ ، عن معاذ فذكره .
وقد تكلم العلماء الكبار في هذا الحديث وضعفوه ، وأنا أجتزئ بكلامهم هنا ؛ لأن المقام لا يسمح بالبسط ، فقال البخاري في (التاريخ الكبير) (1/ 2 / 277) : (الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة الثقفي ، عن أصحاب معاذ ، عن معاذ ، روى عنه أبو عون ، ولا يصحُّ ، ولا يعرف إلا بهذا . مرسلٌ) .
وقال الترمذي : (هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وليس إسناده عندي بمتصل) .
وقال الدارقطني في (العلل) : (رواه شعبة عن أبي عون هكذا ، وأرسله ابن مهدي وجماعات عنه ، والمرسل أصح ) .
وقال ابن حزم : هذا حديث ساقط ، لم يروه أحدٌ من غير هذا الطريق ، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لم يسمعوا ، فلا حجة فيمن لا يُعرف من هو ؟ وفيه الحارث بن عمرو ، وهو مجهولٌ لا يعرف من هو ؟ ولم يأت هذا الحديث قط من غير طريقه) .
كذا قال ابن حزم .(1/97)
وقد رود من طريق آخر عند ابن ماجه (55) ، ولكن في إسناده محمد بن سعيد المصلوب ، وهو كذابٌ . وقال ابن طاهر في تصنيف مفرد له في هذا الحديث : (اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار ،وسألت عنه من لقيتُهُ من أهل العلم بالنقل ، فلم أجد غير طريقين ؛ إحداهما : شعبة ، والأخرى : عن محمد بن جابر ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن رجل من ثقيف ، عن معاذ وكلاهما لا يصح ، قال : وأقبح ما رأيتُ فيه قول إمام الحرمين في كتاب (أصول الفقه) : (والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ ، قال : وهذه زلة منه ، ولو كان عالمًا بالنقل لما ارتكب هذه الجهالة ، قال الحافظ ابن حجر تعقيبًا على ابن طاهر : قلت : أساء الأدب على إمام الحرمين ، وكان يمكنه أن يعبر بألين من هذه العبارة ، مع أن كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه ، فإنه قال : والحديث مدون في (الصحاح) متفق على صحته لا يتطرق إليه التأويل) . انتهى .
وقال ابن الجوزي في (الواهيات) (1264) : (هذا حديث لا يصح ، وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه ، ولعمري وإن كان معناه صحيحًا ، إنما ثبوته لا يعرف ؛ لأن الحارث بن عمرو مجهول ، وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يُعرفون ، وما هذا طريقه فلا وجه لثبوته) . اهـ .
وقال عبد الحق الأشبيلي : (لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح ) ، وكذلك أعله العقيلي في (الضعفاء) . وقد حاول بعض العلماء تقويته بما لا ينهض في سوق المناظرة ، وقد أفاض شيخنا الألباني في تضعيفه ، والرد على من قواه في بحث ممتع له في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (رقم 881) ، فراجعه غير مأمور .
---
ويسأل الطالب : عن صحة حديث : (لو لا الأمل ما أرضعت أمٌ ولدًا ، ولا غرس غارسٌ شجرًا) ؟
والجواب : أنه حديث باطلٌ .(1/98)
أخرجه الخطيب في (تاريخه) (2/ 52) ، ومن طريقه ابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1363) من طريق محمد بن إسماعيل بن هارون الرازي ، نا أبو نعيم ، ثنا الأعمش ، عن حميد ، عن أنس مرفوعًا : (إنما الأمل رحمة من الله لأمتي لولا الأمل …) الحديث .
قال الخطيب : (هذا الحديث باطلٌ بهذا الإسناد ، لا أعلم جاء به إلا محمد بن إسماعيل الرازي ، وكان غير ثقة) . اهـ .
ويسأل القارئ : محمد عبد الحليم عليوة - حلمية الزيتون - القاهرة :
عن درجة حديث ذكره ابن كثير في (تفسيره) في سورة (محمد) عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، رضي الله عنه ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : (إن منكم منافقين ، فمن سميت فليقم) ، ثم قال : (قم يا فلان ، قم يا فلان ) ، حتى سمى ستة وثلاثين رجلا ، ثم قال : (إن فيكم أو منكم منافقين ، فاتقوا الله) . قال : فمر عمر ، رضي الله عنه ، برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه ، فقال : ما لك ؟ فحدثه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : بُعدًا لك سائر اليوم .
والجواب : أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير) (4/ 1 / 23) ، والطبراني في (الكبير) (ج17 رقم 687) ، والبيهقي في (الدلائل) (6/ 286) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين ، ثنا سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن رجل ، عن أبيه - قال سفيان : أراه عياض بن عياض - عن أبي مسعود . فذكره .
قلتُ : كذا شك في شيخ سلمة بن كهيل ، وقد رواه وكيع بن الجراح وأبو حذيفة معًا عن الثوري ، عن سلمة ، عن عياض بن عياض ، عن أبيه ، عن أبي مسعود به .(1/99)
أخرجه أحمد (5 / 273) ، والبيهقي في (الدلائل) (6 / 286) ، قال الهيثمي في (المجمع) (1/ 112) : (فيه عياض بن عياض عن أبيه ، ولم أر من ترجمهما) . كذا قال ! وعياض بن عياض ترجمة ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (3/ 1 / 409) ، وقال : (روى عن أبيه عن أبي مسعود الأنصاري ، روى عن سلمة بن كهيل وموسى بن قيس الحضرمي ) . ولم يزد على ذلك ، وأما أبوه فهو عياض بن عياض أيضًا ، فترجمه ابن حبان في (الثقات) (5/ 267) ، وقال : (عياض بن عياض يروي عن أبي مسعود ، روى عنه الثوري وابنه عياض بن عياض) . فالسند ضعيف لجهالة عياض بن عياض وأبيه . والله أعلم .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث :
1- (تعلموا اليقين فإني أتعلمه) ؟
2- (التدبير نصف المعيشة) ؟
والجواب : أما الحديث الأول ؛ فإنه منكر .
أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (6/ 95) ، من طريق موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي ، ثنا بقية بن الوليد عن العباس بن الأخنس ، عن أبي خالد الرحبي (ح) عن ثور بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تعلموا اليقين كما تعلموا القرآن حتى تعرفوه ، فإني أتعلمه) ، وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًا لإعضاله ، فإن ثور بن يزيد بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم اثنان في الغالب ، ثم بقية بن الوليد يدلس تدليس التسوية ، والعباس بن الأخنس مجهولٌ ، كما قال الذهبي ، وقد أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب (اليقين) (رقم 7) من طريق محمد بن وهب الدمشقي ، نا بقية ، عن العباس بن الأخنس ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان من قوله ، وهو أشبه من الوجه الأول ، وإن كان لا يصح أيضًا لما تقدم ذكره . والله أعلم .
أما الحديث الثاني : (التدبير نصف المعيشة) ؛ فإنه حديث باطل .(1/100)
أخرجه القضاعي في (مسند الشهاب) (32) من حديث علي بن أبي طالب ، والديلمي في (مسند الفردوس) من حديث أنس ، والطبراني في (مكارم الأخلاق) (140) ، والبيهقي في (شعب الإيمان) ، والعسكري في (الأمثال) ، والقضاعي في (مسند الشهاب) (33) من حديث ابن عمر مرفوعًا بلفظ : (الاقتصاد في النفقة نصف العيش) ، وكلها أحاديث ضعيفة ساقطة عن حد الاعتبار بها ، وسئل أبو حاتم الرازي - كما في (علل الحديث) (2 / 284) عن حديث ابن عمر - فقال : (هذا حديث باطل ، ومخيس وحفص مجهولان) ، ومخيس هو ابن تميم ، وحفص هو ابن عمر .
---
ويسأل القارئ : أ . أ . ح - عن صحة حديث :
(من حج ولم يزرني فقد جفاني) ؟
والجواب : أنه حديث باطل .
أخرجه ابن حبان في (المجروحين) (3 / 73) ، وابن عدي في (الكامل) (7 /2480) ، والدارقطني في (العلل) - كما في (الدر المنثور) (1 / 237) - من طريق النعمان بن شبل ، حدثنا مالك ، عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا . فذكره .
وهذا حديث موضوع كما قال الذهبي في (الميزان) (4 / 265) . وآفته النعمان بن شبل ، فقد قال موسى بن هارون الحمال : كان متهمًا .
وقال ابن حبان : (يأتي عن الثقات بالطامات ، وعن الأثبات بالمقلوبات) .
وحكم شيخنا الألباني على هذا الحديث بالوضع في (الضعيفة) (رقم 45) ، ثم قال : (ومما يدلُّ على وضعه ؛ أن جفاء النبي صلى الله عليه وسلم من الذنوب الكبائر ، إن لم يكن كفرًا ، وعليه فمن ترك زيارته صلى الله عليه وسلم يكون مرتكبًا لذنب كبير ، وذلك يستلزم أن الزيارة واجبة كالحج ، وهذا مما لا يقوله مسلم ؛ ذلك لأن زيارته صلى الله عليه وسلم وإن كانت من القربات ، فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات ، فكيف يكون تاركها مجافيًا للنبي صلى الله عليه وسلم ومعرضًا عنه ؟!) .
---
يسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث :(1/101)
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبي بن كعب أن يكبر من سورة (الضحى) إلى آخر القرآن ، وهذا ما يفعله سائر القراء في زماننا ، فهل هذا صحيحٌ ؟ ولما سألت بعضهم قال : إن القراءة سنة متبعة ؟
2 - (القناعة كنز لا ينفد) ؟
3 - (اتقوا حُسَّاد النعم) ؟
والجواب بحول الملك الوهاب :
أما الحديث الأول : (أمر أبي بن كعب …) ؛ فإنه حديثٌ جيدٌ :
أخرجه الحاكمُ في (المستدرك) (3 /304) من طريق أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزَّة ، قال : قرأتُ على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين ، فلما بلغتُ : (والضحى) قال لي : كبَّر كبَّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، وأخبره عن عبد الله بن كثير أنه قرأ على مُجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهدٌ أن ابن عباس أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمر بذلك ، وأخبره أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهُ بذلك .
قال الحاكم : هذا حديثٌ صحيحٌ الإسناد ، فتعقبه الذهبيُّ في (التلخيص) بقوله : البزيُّ قد تكلم فيه . وقال أيضًا في (الميزان) (1 / 145) : هذا حديث غريبٌ ، وهو مما أنكر على البزي . وقال ابن كثير في (تفسيره) (8 / 445) : فهذه سنةٌ تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي من ولد القاسم بن أبي بزة ، وكان إمامًا في القراءات ، فأمَّا في الحديث فقد ضعفه أبو حاتم الرازي ، وقال : لا أحدثُ عنه ، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال : هو منكرُ الحديث .
قُلتُ : كذا قال ابن كثير إن البزي تفرد به ، وليس كما قال ، فقد تابعه الشافعي قال : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين بسنده سواء .(1/102)
أخرجه أبو يعلى الخليلي في (الإرشاد) (ص 427 ، 428) قال : حدثنا جدي ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا الشافعيُّ به ، وأشار ابن كثير إلى هذه الرواية فقال : (وحكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في (شرح الشاطبية) عن الشافعي أنه سمع رجلاً يكبر هذا التكبير في الصلاة ، فقال له : أحسنت وأصبت السنة ، وهذا يقتضي صحة هذا الحديث ) . اهـ .
أما الحديث الثاني : (القناعة … ) إلخ ؛ فهو حديث ضعيفٌ جدًا ، ولم أقف عليه بلفظ : (كنز) ، وإن كان هو المشهور بين الناس ، ووقفتُ عليه مرفوعًا بلفظ : (القناعة مالٌ لا ينفد) ؛ أخرجه ابنُ عدي في (الكامل) (4 /1507) ، والعقيليُّ في (الضعفاء) (2 /233) ، وأبو الشيخ في (الأمثال) (83) ، والقاضي أبو عبد الله الفلاكي في (الفوائد) (ق108 /1) ، وابن شاهين في (الترغيب) (305/3) ، والبيهقي في (الزهد) (105) ، والشجري في (الأمالي) (2 /198) من طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري ، ثنا المنكدر بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه عن جابر مرفوعًا به.
قال ابن عدي : (وهذا الحديث بهذا الإسناد ، لا يرويه عن المنكدر غير عبد الله بن إبراهيم) ، كذا قال ! وقد تابعه محرز بن سلمة نا المنكدر بسنده سواء ؛ أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) (رقم 836) من طريق أحمد بن أبي صلابة نا محرز بن سلمة ، ومحرز وثقه ابن حبان ، ولكن ابن أبي صلابة لم أقف له على ترجمة ، والمنكدر بن محمد اختلف فيه اجتهاد النقاد ؛ وهو ضعيف .(1/103)
وقد تابعه أخوه يوسف بن محمد بن المنكدر ، فرواه عن أبيه ، عن جابر مرفوعًا : (عليكم بالقناعة ، فإن القناعة مالٌ لا ينفد) ، أخرجه الطبراني في (الأوسط) (6922) من طريق أبي يوسف الصيدلاني ، ثنا خالد بن إسماعيل المخزومي ، عن يوسف بن محمد بن المنكدر به . وقال الطبراني : (لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا ابنه يوسف ، ولا عن يوسف إلا خالد بن إسماعيل ، تفرَّد به : أبو يوسف الصيدلاني) .
قلتُ : وأبو يوسف الصيدلاني ما عرفته ، وخالد بن إسماعيل ساقط مطروح ، ويوسف بن المنكدر ضعيفٌ ، ولكنه لم يتفرد بالحديث عن أبيه كما قال الطبراني ، بل تابعه أخوه المنكدر ، كما تقدم ذكره ، وسُئل أبو حاتم عن هذا الحديث فقال : (هذا حديثٌ باطلٌ) - نقله ابن أبي حاتم في (العلل) (1813) .
أما الحديث الثالث : (اتقوا حُساد النعم) ؛ فلم أقف عليه بهذا اللفظ ، ولكن في معناه حديث ابن عباس مرفوعًا : (إن لأهل النعمة حُسادًا ، فاحذروهم ) ؛ أخرجه الطبراني في (الأوسط) (7277) ، وأبو الشيخ في (الأمثال) (201) قالا : حدثنا محمد بن نصير ، حدثنا إسماعيل بن عمرو ، حدثنا محمد بن مروان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وسنده ضعيفٌ ، أما محمد بن نصير فترجمه أبو نعيم في (أخبار أصبهان) (2 /241) ، وقال : (ثقة مأمون) ، وإسماعيل بن عمرو البجلي ضعيفٌ ، ومحمد بن مروان يشبه أن يكون العقيلي ، فهو في طبقة تلاميذ ابن جريج ، فإن يكنهُ ففي حفظه ضعفٌ . والله أعلم .
---
ويسأل القارئ - عن درجة هذه الأحاديث :
1 - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء رمضان أطلق كل أسير ، وأعطى كل سائل ؟
2 - قتل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (أبعده الله ، إنه كان يبغض قريشًا) ؟
3 - (إذا جلس القوم على شرابهم ، ودارت عليهم الكأس ، درات عليهم لعنة الله عز وجل ) .
والجواب بحول الملك الوهاب :(1/104)
أما الحديث الأول : (إذا جاء رمضان … ) ؛ فهو حديثٌ منكرٌ :
أخرجه البزار (968 - كشف) ، وابنُ حبان في (المجروحين) (1 /360) ، والإسماعيلي في (معجمه) (رقم 36 - بتحقيقي) ، وأبو نعيم في (أخبار أصبهان) (1/123) ، والبيهقيُّ في (الشعب) (ج3 /رقم 3629) ، وابن الجوزي في (الواهيات) (2/39) من طريق عبد الحميد الحماني ، ثنا أبو بكر الهذليُّ ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، فذكره .
قال البزار : (لا نعلم رواه هكذا إلا أبو بكر الهذلي ، ولم يكن حافظًا ، وقد حدث عنه جماعةٌ من أهل العلم) . وقال ابن الجوزي : (أبو بكر الهذلي اسمه : سلمي بن عبد الله ، يروي عن الأثبات الأشياء الموضوعات ، قال غندر ، كان يكذب) ، وذكر الخطيبُ في (تاريخه) (9/225) بسنده إلى ابن المديني ، وذكر له هذا الحديث فقال : (أبو بكر ضعيف جدًا) .
قلتُ : ومع سقوط أبي بكر الهذلي ، فقد خالفه جماعةٌ من أصحاب الزهري الثقات ، فرووه عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن ، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل ، عليه السلام ، أجود بالخير من الريح المرسلة .
أخرجه البخاريُّ (4 /116و 6/305 ، 565 و 9 / 43) ، ومسلم (15 /89 - 90 شرح النووي ) ، والنسائي (4/125) ، والترمذي في (الشمائل) (190) ، وأحمد في (المسند) (1/231 ،288 ،326 ،363 ،366 - 367 ،373) وآخرون . ورواه عن الزهري جماعةٌ من أعيان أصحابه منهم : معمر بن راشد ، وإبراهيم بن سعد ، ويونس بن يزيد ، فأين أبو بكر الهذلي من هؤلاء ؟! ولذلك سُئل أبو حاتم الرازي - كما في (العلل) (661) - عن حديث الهذلي هذا فقال : (هذا حديثٌ منكرٌ) . والله أعلمُ .(1/105)
وأما الحديث الثاني : (أبعده الله …) ؛ فهو حديثٌ منكرٌ :
أخرجه الإسماعيلي في (معجمه) (38) ، والعقيليُّ في (الضعفاء) (4 /350) من طريق هلال بن عبد الرحمن قال : كنت أنا وأيوب السختياني بمنى ، فأخذ بيدي ، فأدخلني على محمد بن المنكدر ، فحدثنا عن جابر أن رجلاً قتل بالمدينة ، لا يُدْرى من قتله ، فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (أبعده الله … ) إلخ ، وهذا سياق الإسماعيلي ، وعند العقيلي ذكر : (قريشًا) بدل : (العرب) ، قال العقيليُّ : (هلال بن عبد الرحمن الحنفي منكرُ الحديث ، وهذا منكرٌ لا أصل له ، ولا يتابعُ عليه) ، وله شاهدٌ من حديث سعد بن أبي وقاص ، رضي الله عنه ، أخرجه البزار (114 - مسند سعد) من طريق عتيبة ، عن عبد الملك بن يحيى ، عن محمد بن سعد ، عن أبيه قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن فلانًا الثقفي قُتل ، وقد كان أسلم ، فقال : (أبعده الله ! إنه كان يبغض قريشًا) . قال الهيثميُّ (10/27) : (فيه من لم أعرفه) .
قلتُ : عتيبة لم أجد له ترجمة ، وعبدالملك بن يحيى أظنه المترجم في (الجرح والتعديل) (2 /2 /375) ، وقال : روى عن عروة بن الزبير ، روى عنه الوليد بن مسلم ، وأخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) (ج11 رقم 19904) ، وابنُ أبي شيبة (12 /173) ، وعنه ابن أبي عاصم في (السنة) (2 /638) من طريق الزهري ، عن سعد بن أبي وقاص ، فذكره مثله .
وإسنادهُ منقطعٌ ، والزهري لم يدرك سعدًا ، والله أعلم .
وله شاهدٌ آخر من حديث المغيرة بن شعبة ، رضي الله عنه ؛ أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) - (ج20 /رقم 895) من طريق يعقوب بن محمد الزهري ، ثنا نوفل بن عمارة ، حدثني عبد الله بن الأسود بن أبي عاصم الثقفي ، عن أبيه ، عن المغيرة بن شعبة قال : رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين وقف على رجل مقتول ، فقال : (أبعدك الله ، فإنك كنت تبغض قريشًا) .(1/106)
قال الهيثمي في (المجمع) (10 /27) : (فيه يعقوب بن محمد الزهري ، وهو ضعيفٌ وقد وثق) .
قلتُ : ومن فوقه لم أجد لهم ترجمة ويروى أن هذا المقتول الذي عناه المغيرة هو : عثمان بن عبد الله بن ربيعة ، فقد ذكر ابن سعد في (الطبقات) (5 /519) في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن ربيعة أن جده عثمان بن عبد الله كان يحملُ لواء المشركين يوم حنين ، فقتله عليُّ بن أبي طالب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أبعده الله ، إنه كان يبغض قريشًا) . هكذا علقه ابن سعد بغير إسناد . والله أعلمُ .
أما الحديث الثالث : إذا جلس القوم … ) ؛ فهو حديث ضعيفٌ جدًا :
أخرجه الإسماعيلي (44) ، ومن طريقه السهميُّ في (تاريخ جرجان) (86) قال : حدثنا ابن الفراث الخوارزمي ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الأحنفي الخوارزمي ، حدثنا سلمة بن حيان البصري ، حدثنا إبراهيم بن سليمان ، حدثني يزيد بن عياض المدني ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي الدرداء مرفوعًا . فذكره .
وشيخ الإسماعيلي ترجمه السهمي في (تاريخه) ، ولم أقف على حاله . ويزيد بن عياض المدني كذبه مالك ، وتركه النسائي . وقال البخاري : (منكرُ الحديث) . والله سبحانه وتعالى أعلمُ .
---
يسأل القارئ : عن صحة هذه الأحاديث :
1 - (من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي أحدًا ، أضعف الله له أجر الصف الأول) ؟
2 - (إن للصلاة المكتوبة عند الله وزنًا ، من انتقص منها شيئًا حوسب به فيها على ما انتقص ) ؟
3 - (من غسَّل واغتسل وبكَّر وابتكر ، ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها ) ؟ وما معنى هذا الحديث ؟
4 - (من جمع مالاً حرامًا ، ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر ، وكان إصرُهُ عليه ) ؟
5 - إن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على قبرٍ فأشار إليه وقال : (ركعتان أحبُّ إلى صاحب هذا القبر من دنياكم ) ؟
فالجواب بعون الملك الوهاب :(1/107)
أما الحديث الأول : فإنه باطلٌ ؛ أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط) (537) من طريق الوليد بن الفضل العنزي ، نا نوح بن أبي مريم ، عن زيد العمِّي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباسٍ مرفوعًا ، فذكره ، قال الطبرانيُّ : ( لا يُروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد ، تفرد به الوليد بن الفضل ) . اهـ .
قُلْتُ : والوليد ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (4 / 2 / 13) ، ونقل عن أبيه قال : (مجهولٌ) ، وترجمه ابنُ حبان في (المجروحين) (3 / 82) : (شيخ يروي المناكير التي لا يشكُّ من تبحَّر في هذه الصناعة أنها موضوعةٌ ، لا يجوز الاحتجاج به بحال إذا انفرد) . اهـ ، ولم يتفرد به كما قال الطبرانيُّ ، بل تابعه أصرم بن حوشب ، ثنا نوح بن أبي مريم به بلفظ : (من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي مسلمًا فقام في الصف الثاني أو الثالث ، ضاعف الله أجر الصف الأول ) .
أخرجه ابن عدي في (الكامل) (7 / 2507) ، وهذه المتابعة كسراب بقيعةٍ ، وأصرم بن حوشب أصرمٌ من الخير والفضل ، فقد كان كذابًا خبيثًا كما قال ابن معين ، وقال ابن حبان : كان يضعُ الحديث على الثقات ، وتركه البخاريُّ ومسلم والنسائيُّ ، وأيضًا في إسناده نوح بن أبي مريم ، وكان يلقَّب بـ (الجامع) ؛ لأنه جمع علومًا كثيرة ، لكنه كان يضع الحديث ويكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي وضع الأحاديث في فضائل سور القرآن ، فلما سُئل عن ذلك قال : رأيتُ الناس شغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق عن قراءة القرآن ، فوضعت هذه الأحاديث حسبة لله تعالى ! فما أشدَّ غفلته ، إذ يتقرب إلى الله تعالى بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد صدق ابن حبان إذ قال فيه : (جمع كلَّ شيء إلا الصدق) .(1/108)
وفي الإسناد أيضًا : زيد العمي وهو ضعيفٌ ، وقد روى ابن حبان هذا الحديث في (المجروحين) (3 / 48 ، 49) من طريق أصرم بن حوشب بسنده سواء ، ثم قال : ( وأصرم بن حوشب وزيد العمي قد تبرأنا من عهدتهما) . فالسند في غاية السقوط ، ثم معناه منكرٌ ؛ لأنه يخالف الأحاديث الصحيحة التي ترغب في الصف الأول ، حتى لو وصل الأمر إلى إجراء القرعة : من يظفر بالفرجة في الصف الأول ؟ فأخرج البخاريُّ (2 / 208) عن أبي هريرة مرفوعًا : (ولو يعلمون ما في الصفِّ المقدَّم لاستهموا) . قال الحافظ في (الفتح) : (والصف المقدم : هو الذي لا يتقدمه إلا الإمام) . وهو عند مسلم ، وفي لفظ لمسلم (439) : (لو يعلمون ما في الصف المقدَّم لكانت قرعة ) .
وأخرج مسلمٌ (440) ، وغيرُه عن أبي هريرة مرفوعًا : ( خير صفوف الرجال أوَّلُها ..) الحديث . وأخرج مسلم (438 / 130) ، والنسائي (2 / 83) ، وابن خزيمة (156) عن أبي سعيد الخدري قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرًا فقال لهم : (تقدموا فأئتموا بي ، وليأتم بكم من بعدكم ، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) . وبوَّب عليه ابن خزيمة قوله : (باب التغليظ في التخلف عن الصف الأول ) . والأحاديث في هذا الباب كثيرة . والله أعلمُ .
أمَّا الحديث الثاني : ( إن للصلاة المكتوبة.. ) فهو حديثٌ موضوع ، أخرجه الأصبهاني في (الترغيب) (1892) من حديث عائشة ، رضي الله عنها ، وفي إسناده أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، وهو هالك البتة . قال أحمد : (كان يضع الحديث) ، وكذلك قال ابن حبان ، وابن عدي ، وتركه النسائيُّ . وقال البخاريُّ : (منكر الحديث) ، وهو جرحٌ شديدٌ عنده ، والحديث ضعّفه المنذري في (الترغيب) (رقم 742) فصدَّره بقوله : (روي) ، كما هو مصطلحه في (كتابه) ، وكان حقه أن يُحذف من الكتاب ، فأمثال هذه الأحاديث لا خير فيها ولا فائدة من نشرها . والله أعلم .(1/109)
أمَّا الحديث الثالث : (من غسَّل واغتسل…) فهو حديث صحيحٌ .
أخرجه أبو داود (2 / 10 ، 11) ، والنسائيُّ في (المجتبي) (3 / 95 ، 96) ، وفي (كتاب الجمعة) (31) ، والترمذيُّ (3 / 3 ، 4) ، وقال : (حديثٌ حسنٌ ) ، وابنُ ماجه (1 / 377 ، 378) ، والدارميُّ (1 / 302) ، وأحمد في (المسند) (4 / 8 ، 9 ، 10 ، 104) وآخرون من حديث أوس بن ابي أوس ، رضي الله عنه .
وصححه ابن خزيمة ( 3 / 128 ، 129) ، وابن حبان (599) ، والحاكم (1/ 281 ، 282) .
أما معناه ؛ فقال ابن خزيمة : (معناه ؛ جامع فأوجب الغسل على زجته أو أمته ، واغتسل هو ) . فقوله : (غسَّل) بتشديد السين ، وقال الخطابي في (معالم السنن) (1 / 108) : ( قولُهُ : (غسَّل واغتسل ، وبكَّر وابتكر) اختلف الناس في معناهما ، فمنهم من ذهب إلى أنه من الكلام المتظاهر الذي يراد به التوكيد ، ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين ، وقال : ألا تراه يقول في هذا الحديث : (ومشى ولم يركب) ومعناهما واحدٌ ، وإلى هذا ذهب الأثرم صاحبُ أحمد .(1/110)
وقال بعضهم : قوله : (غسَّل) معناه ؛ غسل الرأس خاصة ، وذلك لأن العرب لهم لممٌ وشعورٌ ، وفي غسلها مئونةٌ ، فأفرد ذكرُ غسل الرأس من أجل ذلك ، وإلى هذا ذهب مكحولٌ ، وقوله : (واغتسل) معناهُ ؛ غسل سائر الجسد ، وزعم بعضُهم أن قوله : (غسَّل) معناه ؛ أصاب أهله قبل خروجه إلى الجمعة ليكون أملك لنفسه ، وأحفظ في طريقه لبصره ، قال : ومن هذا قولُ العرب : (فَحْلٌ غُسَلَةٌ) إذا كان كثير الضراب . وقولُه : (بكّر وابتكر) زعم بعضهم أن معنى : (بكّر) ؛ أدرك باكورة الخطبة ، وهي أولها ، ومعنى (ابتكر) ؛ قدَّم في الوقت ، وقال ابنُ الأنباري : معنى : (بكَّر) تصدقَّ قبل خروجه ، وتأوَّل في ذلك ما روي في الحديث من قوله : (باكروا بالصدقة ، فإن البلاء لا يتخطَّاها) . انتهى كلام الخطابي ، والحديث الذي ذكره ابنُ الأنباري أخرجه البيهقيُّ في (شعب الإيمان) (3353) ، وفي إسناده بشر بن عبيد منكرُ الحديث جدًّا ، ورجح المنذري في (الترغيب) (1286) أنه موقوف على أنس . والله أعلمُ .
وأخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط) (5643) ، وفي إسناده عيسى بن عبد الله متروك واتهم بالوضع .
أمَّا الحديث الرابع : (من جمع مالاً حرامًا …) فهو حديث حسنٌ .
أخرجه ابن خزيمة (2471) ، وابن حبان (797) ، والحاكم (1 / 390) ، وابن الجارود (336) ، والبيهقي ( 4 / 84) من طريق عمرو بن الحارث ، حدثني دراج أبو السمح ، عن ابن حجيرة ، عن أبي هريرة مرفوعًا : (إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك فيه ، ومن جمع مالاً حرامًا … ) الحديث .
وأخرج أوَّله : الترمذيُّ (618) ، وابن ماجه (10788) ، والبغوي في (شرح السنة ) ( 6 / 67) وقال الترمذيُّ : ( حديثٌ حسنٌ غريبٌ) . وضعّف إسناده الحافظ في (التخليص) (2/ 160) ، أمَّا الحاكم فقال : (صحيح الإسناد) . كذا نقله المنذري في (الترغيب) (10114) ، والذي رأيتُهُ في (المستدرك) أنه قال : (شاهدٌ صحيحٌ من حديث المصريين) .(1/111)
والصواب عندي أن هذا الإسناد حسنٌ ، ودراج صدوق متماسكٌ ، وإنما وقعت المناكير في روايته عن أبي الهيثم وليس هذا منها . والله أعلم .
أمَّا الحديث الخامس : (ركعتان أحب … ) إلخ فهو حديثٌ حسنٌ .
أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط) (920) قال : حدثنا أحمد ، قال : نا حفص بن عبد الله الحلواني ، قال : نا حفص بن غياث ، عن أبي مالكِ الأشجعي ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على قبر . وذكره .
قال الطبرانيُّ : (لم يرو هذا الحديث عن أبي مالكٍ ، إلاَّ حفصُ بن غياث ، تفرَّد به : حفص بن عبد الله ) .
قُلْتُ : وهو صدوقٌ كما قال أبو حاتم ، وشيخ الطبرانيُّ هو أحمد بن يحيى الحلواني ثقة ، وانظر (تاريخ بغداد ) (5 / 212) ، وبقية رجاله مشاهيرٌ ، من رجال (التهذيب) ، وقال المنذري في (الترغيب) (556) : (إسنادُهُ حسنٌ) . وقال الهيثميُّ في (المجمع) (2 / 249) : (رجالُهُ ثقات) .
ويسأل القارئ : محفوظ السيد - مركز العياط - محافظة الجيزة - فيقول :
هل ثبت أن أحدًا من الأئمة الستة رووا عن بعضهم في كتبهم المشهورة المتداولة ؟ أو في غيرها ؟
فالجواب بعون الملك الوهاب : أمَّا الترمذيُّ فروى في (سننه) حديثًا واحدًا عن الإمام مسلم ، وذلك في (كتاب الصيام) رقم (687) قال : حدثنا مسلم بن حجاج ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا أبو معاوية ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعًا : (أحصوا هلال شعبان لرمضان) .
أمَّا النسائيُّ ، فوقع في رواية ابن السني عنه أنه روى عن البخاري . وذلك في (كتاب الصيام) (4 / 125) قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري قال : حدثني حفص بن عمر بن الحارث ، ثنا حماد ، ثنا معمر والنعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعنةٍ تذكرُ . كان إذا كان قريب عهد بجبريل ، عليه السلام ، يدارسه ، كان أجود بالخير من الريح المرسلة .(1/112)
قال في (الأطراف) : كذا رواه أبو بكر بن السني عن النسائي عن محمد بن إسماعيل فحسب ، ولم يذكر فيه البخاري ، وفي نسخةٍ : ( هو أبو بكر الطبراني) ، ولم أجد رواية في (المجتبى) عن البخاري قطٌ ، وأعتقد أن ذكر البخاري في هذا الموضع غلظ وقد وقفت في (التاريخ الكبير) (4 / 2 / 412) للبخاري على ترجمة : (يونس بن راشد الحراني) ، فقال البخاريُّ : قال أحمد بن شعيب : كان راعيًا .
فعلَّق على ذلك الشيخ العلامة ذهبيُّ العصر عبد الرحمن المعلمي ، رحمه الله ، قائلاً : ( في نسخة : سعيد - يعني : بدل شعيب - فإن صحَّ هذا فالظاهر أنه أحمد بن سعيد الدارميُّ ، وإن صحَّ الأول فالظاهر أنه النسائي (صاحبُ السنن) ، ويوافقه قول ابن حجر في (تهذيب التهذيب) : ( قال البخاري : كان مرجئًا ، وقال النسائيُّ : كان راعية) . وكأنه إنما أخذ من هذا الكتاب ، فإني لم أر يونس في (الضعفاء والمتروكين) للنسائي ، وقد يستبعد هذا بأن البخاري ، رحمه الله تعالى ، ألَّف هذا الكتاب قديمًا وعرضه على إسحاق بن راهويه ، فإن كان قد لقيه النسائيُّ في ذلك الوقت فيكون سِنُّ النسائي حينئذٍ دون العشرين ، وقد يبعُد أن يعتمد عليه البخاريُّ في مثل هذا ، لكن قد يقالُ : لعلَّ البخاريَّ ألحق هذه العبارة في أواخر عمره ، فإنه كان يزيد في التاريخ ، وكانت وفاة البخاري وعمر النسائي نحو أربعين . والله أعلم ) . انتهى كلامه .(1/113)
وأمَّا رواية النسائي عن أبي داود (صاحبُ السنن) ، فقد نظر فيها الذهبي في (السير) (13 / 207) ، فقال : ( وقد روى النسائيُّ في (سننه) مواضع يقول : حدثنا أبو داود ، حدثنا سليمان بن حرب ، وحدثنا النفيلي ، وحدثنا عبد العزيز بن يحيى المدني ، وعلي بن المديني ، وعمرو بن عون ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبو الوليد ، فالظاهر أن أبا داود في كل الأماكن هو السجستاني فإنه معروفٌ بالرواية عن السبعة ، لكن شاركه أبو داود سليمان بن سيف الحراني في الرواية عن بعضهم ، والنسائي فمكثر عن الحراني ، وقد روى النسائي في كتاب (الكنى) عن سليمان بن الأشعث ولم يُكنه ، وذكر الحافظ ابنُ عساكر في (النبل) (ص 132) أن النسائي يروي عن أبي داود السجستاني) . انتهى . والله أعلمُ .
---
يسأل القارئ : عن حديث أبي هريرة، رضي الله عنه ، الذي أخرجه مسلم في حديث : (سبعة يظلهم الله في ظله ..) وفيه : (رجلٌ تصدق بشماله حتى لا تعلم يمينه ما انفقت شماله ) ، وأن علماء الحديث قالوا : إن هذه الفقرة مقلوبة ، فهل هذا صحيح ؟ وهل هذا الخطأ - إن ثبت - هو من الإمام مسلم أو ممن دونه ؟
والجواب بعون الملك الوهاب :
أن هذا الحديث يرويه يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله بن عمر ، قال : أخبرني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، مرفوعًا : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. ) وساق الحديث .(1/114)
وقد وقعت الفقرة التي سأل عنها السائل مقلوبة في (صحيح مسلم) ، وظن بعض أهل العلم أن هذا الوهم من الإمام مسلم ، ولم يُصب في ذلك ، ولا هو ممن دون مسلم ، فقد نقل الحافظ في (الفتح) (3 /146) عن الجوزقي قال : سمعتُ أبا حامد بن الشرقي يقول : يحيى القطان عندنا واهمٌ في هذا ؛ فتعقبه الحافظ في (الفتح) قائلاً : (والجزمُ بكون يحيى هو الواهم نظرٌ ؛ لأن الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب ، وكذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار ، وفي (الزكاة) عن مسدد ، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمر كلهم عن يحيى ، وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرًا ترجح عنده أن الوهم من يحيى ، وهو محتملٌ بأن يكون منه لما حدث به هذين خاصة ؛ مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه) . انتهى كلامه .
قلت : وبحث الحافظ هذا يرجح أن الوهم من يحيى القطان ، وكذلك قال ابنُ خزيمة في (صحيحه) ؛ وبيانه : أن أصحاب يحيى القطان اختلفوا عليه في هذا الحرف ، فرواه : مسدد بن مسرهد ، وأحمد بن حنبل ، وعمرو بن علي الفلاس ، ومحمد بن خلاد ، ويعقوب الدورقي ، وحفص بن عمر ، ستتهم عن يحيى القطان بسنده ، فقالوا : (حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه) . ورواه زهير بن حرب ومحمد بن المثني وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم ، ثلاثتهم عن يحيى القطان ، فرووا اللفظ المقلوب ، ورواه محمد بن بشار عن يحيى القطان باللفظين ، فأخرجه البخاري عنه عن القطان على الصواب ، وأخرجه ابن خزيمة عنه عن القطان باللفظ المقلوب ، وقد رواه محمد بن المثني عن يحيى القطان على الصواب أيضًا .
فأخرجه البزار في (مسنده) (ج2 /ق159 /1 ،2) ، قال : حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي ، قالا : نا يحيى القطان بسنده سواء بلفظ : (ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه ، أو ما تنفق يمينه ) .(1/115)
فالحاصل : أن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار روياه عن يحيى القطان باللفظين معًا ، فدل على أن الاختلاف في هذا اللفظ من يحيى القطان دون الرواة عنه ، وهذا هو الصواب الموافق لقواعد المحدثين خلافًا لما ادعاهُ البيهقي أن الاختلاف هو من الرواة عن يحيى . والله تعالى أعلم .
وقد رواه مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وغيرهما عن خبيب بن عبد الرحمن مثله على الصواب من غير قلب . والحمد لله .
---
ويسأل القارئ :
عن درجة حديث قرأه في (تفسير القرطبي) ، وهو : ( إن العبد ليعالج كرب الموت وسكرات الموت ، وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض وتقول : عليك السلام تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة) ؟
الجواب : أن هذا حديث باطلٌ موضوع :
ذكره (القرطبي في (تفسيره) (17 /13) في تفسير سورة (ق) ، قال العراقي في (تخريج الإحياء) (4 /463) : (رويناه في (الأربعين) لأبي هدبة إبراهيم بن هدبة ، عن أنس ، وأبو هدبة هالك) . وذكره الزبيدي في (إتحاف السادة) (10 /263) أن الديلمي أخرجه في (مسند الفردوس) ، وأبو الفضل الطوسي في (عيون الأخبار) ، والقشيري في (الرسالة) ، وإبراهيم بن هدبة ، قال الدارقطني : متروك ، وكذلك قال النسائي ، وقال أبو حاتم وغيره : كذابٌ ، وقال على بن ثابت : هو أكذبُ من حماري هذا !! وكذلك كذبه سيد النقاد يحيى بن معين ، وله نسخة باطلة عن أنس ، وقال ابن حبان في (المجروحين) (1/ 114 ،115) : (دجالٌ من الدجاجلة ، وكان رقاصًا بالبصرة ، يُدعى إلى الأعراس فيرقص فيها ، فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه) ، ثم ساق له ابن حبان أباطيل .
---
ويسأل القارئ :
عن درجة هذا الحديث : (جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش ، فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله ، وإنه ليس من عمل أحب إلى الله من جوع وعطش ) ؟(1/116)
الجواب :أن هذا الحديث باطلٌ لا أصل له ، وقد قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (3/69) : (لم أجد له أصلاً) ، وكذلك قال ابن السبكي في (طبقات الشافعية) (4 /62) .
ويسأل القارئ : محمد عبد الوهاب عبد الوهاب - فارسكور - محافظة دمياط :
عن درجة الحديث الذي رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (رؤيا الأنبياء وحي) ، وفي رواية : حق .
والجواب : أن الحديث لا يصح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أخرجه ابن أبي حاتم في (تفسيره) - كما في (ابن كثير) (7 /23) - قال : حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا أبو عبد الملك الكرندي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إسرائيل بن يونس ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعًا ، قال ابن كثير : (ليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه) ، والكرندي ما عرفته ، وقد خولف إسرائيل ، خالفه سفيان الثوري ، فرواه عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله غير مرفوع ، أخرجه الطبراني في (الكبير) (ج12 /رقم 12302) قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، ثنا محمد بن يوسف الفريابي ، ثنا سفيان ، قال الهيثميُّ في (المجمع) (7 /179) : (عبد الله بن محمد بن أبي مريم ضعيفٌ) ، كذا ، والصواب أنه متروك ، وقد ضعفه الهيثمي جدًا في موضع آخر من (المجمع) (2 /173) ، وهو اللائق ، لكني وقفت له على طريق آخر إلى الثوري ، أخرجه الحاكم في (المستدرك) (2/431) قال : أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الزاهد الحيري ، ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني - صنعاء اليمن - ثنا محمد بن جشعم الصنعاني ، ثنا سفيان الثوري بسنده سواء مثله ، قال الحاكم : ( هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين) ، ووافقه الذهبي ! وليس كما قالا ، وسماك بن حرب لم يحتج به البخاري ، ثم رواية سماك عن عكرمة وقع فيهما اضطراب ، وشيخ الحاكم أبو إسحاق الحيري ترجمه السمعاني في (الأنساب) (4 /290 ، 291) ، ونقل عن الحاكم كلامًا(1/117)
عاليًا في زهده وورعه ، ثم قال : (سمع بصنعاء اليمن من محمد بن إسحاق بن الصباح الصنعاني عن محمد بن جعشم جامع الثوري ) ، ولم أعرف شيئًا عن حال محمد بن إسحاق وشيخه ، لكن الحاكم أخرج هذا الأثر في موضع آخر من (المستدرك) (4 /396) قال : حدثنا أبو النضر الفقيه وأبو الحسن العنزي قالا : ثنا معاذ بن نجدة القرشي ، ثنا قبيصة بن عقبة ، ثنا سفيان عن سماك ، عن سعيد ، عن ابن عباس مثله موقوفًا ، وقال : (صحيحٌ على شرط مسلم) ، وسكت عنه الذهبي ! ومعاذ بن نجدة لم يخرج له مسلم ولا أحدٌ من الجماعة الباقين شيئًا ، ثم هو متكلم فيه كما قال الذهبي ، أضف إلى ذلك أن العلماء لينوا رواية الفريابي وقبيصة عن الثوري ، والوجه الأول المرفوع معلَّ أيضًا ، فالحديث لا يصح من هذا الوجه ، وقد أخرجه البخاريُّ (1 /238 ، 239 و 2 /344) من طريق سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعتُ عبيد بن عمير يقول : ( إن رؤيا الأنبيياء وحي) ، وعزاه السيوطي في (الدر المنثور) (5 / 280) إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن جرير ، والطبراني ، والبيهقي في (الأسماء والصفات) ، أما الرواية الأخرى : (أن رؤيا النبي حق) ؛ فأخرجها أحمد (5 /233) ، ومن طريقه الطبراني في (الكبير) (ج20 /رقم 310) ، والمحاملي في (الأمالي) (79) من طريق وهب بن جرير قال : ثنا أبي ، قال : سمعت الأعمش يحدث عن عبد الملك بن ميسرة عن مصعب بن سعد أن معاذ بن جبل قال : والله ! إن عمر لفي الجنة ، وما أحب أن لي حمر النعم وأنكم تفترقون قبل أن أخبركم لم قلتُ ذلك ، ثم ذكر رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم التي رآها في عمر ، قال : ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق .(1/118)
وأخرجه أحمد (5 /245) ، والطبراني (308 ، 309) من طرق عن مسعر بن كدام ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن مصعب بن سعد ، عن معاذ بن جبل نحوه ، وفيه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ما رأى في يقظته أو نومه فإنه حق) . قال الهيثمي في (المجمع) (9 /74) : (رجاله رجال الصحيح) .
قلت : وكلام الهيثمي لا يعني أن الإسناد صحيحٌ كما لا يخفى ، وعلةُ هذا الإسناد الانقطاع ، فإن مصعب بن سعد لم يدرك معاذًا ، فقد صرح أبو زرعة الرازي - كما في (المراسيل) (206) أن مصعب بن سعد لم يسمع من علي بن أبي طالب ، فلئلا يسمع من معاذ أولى ، فإن معاذًا ، رضي الله عنه ، توفي بالشام قديمًا سنة ثماني عشرة ، والله أعلم .
ثم وقفتُ على كلام الحافظ في (الفتح) (1 /239) ، فقال : (وقوله : رؤيا الأنبياء وحي ، رواه مسلم مرفوعًا ، وسيأتي في (التوحيد) من رواية شريك ، عن أنس) .
قلتُ : أما عزوه هذا الحديث لمسلم ، فما أظنُّه إلا وهمًا ، وقد اجتهدتُ في البحث عنه فلم أقف عليه ، فليحرر هذا العزو .
والله أعلم .
أما ما قصده من حديث أنس ، فقد أخرجه البخاري في (كتاب التوحيد) (13 /478) من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن أنس بن مالك قال : ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يُوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم ، فقال أحدهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم .. الحديث . ورواية أنس ، رضي الله عنه ، هي بمعنى الحديث المسئول عنه .
والله أعلم .
---
ويسأل القارئ :
هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوي الجروح بوضع الحناء عليها ؟
والجواب : نعم .(1/119)
فقد أخرج الترمذي (2054) ، وابن ماجه (3502) ، والطبراني في (المعجم الكبير) (ج24 / رقم 657) ، والمزي في (التهذيب) (19 / 121) من طريق زيد بن الحباب ، عن فائد مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع ، عن مولاه عبيد الله ، عن جدته سلمى ، وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ما كان يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة ولا نكبة إلا أمرني أن أضع عليها الحناء ، وتابعه عبد الرحمن بن أبي الموال ثنا فائد مولى عبيد الله ، عن مولاه عبيد الله عن جدته سلمى ، فذكره بنحوه .
أخرجه أبو داود (3858) ، والحاكم (4 /40) ، والبيهقي (9 /339) من طريق ابن وهب ويحيى بن حسان ، قالا : ثنا عبد الرحمن بن أبي الموال . وقد وقع في الحديث اضطراب في سنده ، وأسلم هذه الوجوه هو الوجه الذي بدأت به الكلام وسنده حسنٌ . والله أعلم .
---
يسأل القارئ : ج . ع . م عن درجة هذه الأحاديث .
1- كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا في شعبان ، فلما سُئل عن ذلك قال : (ذاك شهر بين رجب ورمضان ، ترفع فيه الأعمال إلى الله ، وأجبُّ أن يرفع عملي وأنا صائمٌ) ؟
والجواب بعون الملك الوهاب :
أما الحديث الأول : أخرجه النسائي (4 /202) ، وابن أبي شيبة (3 /103) ، والمحاملي في (الأمالي) (468) ، وأبو سهل بن زياد القطان في (الرابع من حديثه) (ق 33/ 2) ، والبيهقي في (الشعب) (ج7 /رقم 3540) ، وفي (فضائل الأوقات) (21) ، والضياء المقدسي في (المختارة) (1319 ، 1320) ، من طريق عن زيد بن الحباب ، قال : حدثنا ثابت بن قيس ، قال : حدثني أبو سعيد المقبري ، قال : حدثني أبو هريرة ، عن أسامة بن زيد ، فذكره ، وهو عند بعضهم مطولٌ .(1/120)
وقد خولف زيد بن الحباب في إسناده ، خالفه عبد الرحمن بن مهدي ، فرواه عن ثابت بن قيس ، قال : حدثني أبو سعيد المقبري ، عن أسامة بن زيد ، فذكره ، فسقط ذكرُ (أبي هريرة) ، أخرجه النسائي (4 /201) ، وأحمد (5/201) ، والمحاملي في (الأمالي) (485) ، وابن عدي في (الكامل) (2 /519) . وتابع عبد الرحمن بن مهدي : إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني أبو الغصن ثابت بن قيس مولى عقيل .. فذكره بطوله ، أخرجه البيهقي في (الشعب) (3541) من طريق الحسن بن علي بن زياد السري ، حدثنا ابن أبي أويس .
وعزاه الحافظ في (الفتح) (4 /215) لأبي داود ، وتبعه على هذا العزو الصنعاني في (سبل السلام) (2 /673) ، والشوكاني في (نيل الأوطار) (4 /246) ، وما أراه إلا وهمًا.
وعزاه الحافظ أيضًا لابن خزيمة في (صحيحه) ، وقال البيهقي : (تفرد به هذا الغفاري ، وهو أبو الغصن ثابت بن قيس) . انتهى . وأبو الغصن هذا اختلف فيه أهل العلم ، فوثقه أحمد وابن حبان ، ثم إن ابن حبان تناقض فيه ، وذكره في (المجروحين) (1/ 206) ، وقال : ( كان قليل الحديث ، كثير الوهم فيما يرويه ، لا يحتجُّ بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه ، ثم نقل عن ابن معين أنه قال : ضعيف) ، ونقل المزي في (تهذيب الكمال) (4 /374) عن ابن معين أنه قال : (لا بأس به) ، وكذلك قال النسائي ، وعن ابن معين أيضًا قال : (حديثه ليس بذاك ، وهو صالح) ، وقال الحاكم : (ليس بحافظ ولا ضابط) ، وختم ابن عدي ترجمته بقوله : ( هو ممن يكتب حديثه) ، وإيراد ابن عدي هذا الحديث في ترجمة ثابت إشارة منه إلى استنكاره كما هي عادته ، وعندي أن سند هذا الحديث ضعيف لتفرد أبي الغصن به كما قال البيهقي ، فإذا أضفت إلى تفرده أنه كان قليل الحديث كثير الوهم - كما قال ابن حبان - ترجح لك ما قلته ، لا سيما والأوهام قد تغتفر لواسع الرواية مع الحفظ ، وأخيرًا الاضطراب في سنده وإن كنت أرجح رواية ابن مهدي وابن أبي أويس . والله أعلم .(1/121)
2- قالت عائشة ، رضي الله عنها : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا في شهر غير رمضان إلا شعبان ؟
الجواب : فهو صحيح .
فأخرجه البخاري (4 /213) ، ومسلم (1156) ، والنسائي (4 /200) ، والترمذي (737) ، وابن خزيمة (3 /283) ، وابن الجارود في (المنتقي) (400) ، وابن أبي شيبة في (المصنف) (3 /103) ، وعنه أبو طاهر المخلص في (سبعة مجالس من الأمالي) (ق 129/1) ، والبيهقي في (الشعب) (7 /400 ، 401) ، وفي (فضائل الأوقات) (18) ، والبغوي في (شرح السنة) (6 /328 ، 329) من طرق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة .
وله طرق أخرى عند أبي داود ( 2431) ، والنسائي (4 /199) ، وغيرهما .
3 - ذكر الشوكاني في (نيل الأوطار) حديثًا معناه : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً مسبلاً إزاره ، فأمره أن يعيد الوضوء أو الصلاة ؟
الجواب : فهو حديثٌ منكرٌ .
أخرجه أبو داود (638 ، 4086) ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبان ، حدثنا يحيى - هو ابن أبي كثير - عن أبي جعفر ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : بينما رجلٌ يصلي مسبلاً إزاره ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اذهب فتوضأ) ، فذهب فتوضأ ، ثم جاء ، فقال : (اذهب فتوضأ) ، فقال له رجلٌ : يا رسول الله ، ما لك أمرته أن يتوضأ ، ثم سكت عنه ؟ قال : ( إنه كان يصلي وهو مسبلٌ إزاره ، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل) .
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبير) (2 /241) من طريق أبي إسماعيل الترمذي - وليس هو الترمذي صاحب ( السنن) - قال : ثنا موسى بن إسماعيل ، بسنده سواء ، ثم قال :البيهقي : (هكذا رواه أبان العطار ، عن يحيى ، وخالفه حرب بن شداد ، في إسناده) .(1/122)
ثم رواه من طريق حرب بن شداد ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن أبا جعفر المدني حدثه أن عطاء بن يسار حدثه أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه قال : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل رجل يصلي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اذهب فتوضأ) . وساق الحديث .
قلتُ : هكذا رواه حرب بن شداد ، وخالفه هشام الدستوائي ، فرواه عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي جعفر أن عطاء بن يسار حدثهم قال : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : (إنه لا تقبل صلاة رجل مسبل إزاره) .
أخرجه النسائي في (كتاب الزينة) (5 /488 ،السنن الكبرى) من طريق خالد بن الحارث ، قال : ثنا هشام ، وأخرجه أحمد (4 /67 و 5 /379) قال : حدثنا يونس بن محمد ثنا أبان ، وعبد الصمد ، ثنا هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي جعفر ، عن عطاء بن يسار ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره مثل رواية أبي داود ، فاختلف هشام الدستوائي وحرب بن شداد ، فأسقط هشام ذكر (إسحاق بن عبد الله) ، وأثبته حربٌ .
ويحيى بن أبي كثير مدلس ، فكأنه لم يسمع هذا الحديث من أبي جعفر ، بدلالة رواية حرب بن شداد ، والصواب في هذا الإسناد أنه عن عطاء بن يسار ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اختلف على أبان العطار في ذلك ، فرواه إسماعيل بن موسى التبوذكي عنه ، فقال : ( عن أبي هريرة) ، ورواه يونس بن محمد عنه ، فأبهم الصحابي ، فهذا اضطراب في سند الحديث ، ثم أبو جعفر هذا قال المنذري في (الترغيب) (3 /92) : ( وأبو جعفر المدني إن كان محمد بن علي بن الحسين فروايته عن أبي هريرة مرسلة ، وإن كان غيره فلا أعرفه) . اهـ .(1/123)
كذا قال ! وأبو جعفر لا يرويه في هذا الحديث عن أبي هريرة ، حتى يقال ذلك ، وإنما يرويه عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، والصواب أنه ليس الباقر ، بل هو أبو جعفر المؤذن الأنصاري مجهول ، قال الحافظ في (التقريب) (رقم 8075) : (ومن زعم أنه محمد بن علي بن الحسين فقد وهم) ، وقد قال المنذري في (مختصر سنن أبي داود) (1 /324) : (في إسناده أبو جعفر رجل من أهل المدينة لا يعرف اسمه) .
فمن عجب أن يقول الهيثمي في (مجمع الزوائد) (5 /125) : (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) !!
وأعجب منه وأغربُ قول النووي في (رياض الصالحين) (ص358) : (رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم) !!
4- وعن أم رومان قالت : رآني أبو بكر ، رضي الله عنه ، أميل في الصلاة فزجرني زجرة كدت أنصرف من صلاتي ، ثم قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليُسكن أطرافه ، ولا يميلُ ميل اليهود ، فإن تسكين الأطراف من تمام الصلاة) .
الجواب : حديث ضعيف جدًا :
أخرجه ابن عدي في (الكامل) (2 /620) ، وأبو نعيم في (الحلية) (9 /304) ، من طريق هشام بن عمار ، ثنا معاوية بن يحيى ، ثنا الحكم بن عبد الله الأيلي ، عن القاسم بن محمد ، عن أسماء بنت أبي بكر ، عن أم رومان ، وساقت الحديث .(1/124)
وأخرجه أبو نعيم أيضًا من طريق محمد بن المبارك الصوري ، ثنا معاوية بن يحيى بسنده سواء ، وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًا ، والحكم بن عبد الله تالفٌ البتة ، قال أحمد : (أحاديثه كلها موضوعة) ، وقال النسائي والدارقطني وآخرون : (متروك الحديث) ، وكذبه السعدي وأبو حاتم ، ولذلك كان ابن المبارك شديد الحمل عليه ، وأورد ابن عدي هذا الحديث من مناكيره ، ثم ختم ترجمته بقوله : ( وبهذا الإسناد أيضًا غير ما ذكرت أكثر من خمسة عشر حديثًا ، كلها مع ما ذكرتها موضوعة ، وما هو منها معرروف المتن فهو باطل الإسناد ، وما أمليت للحكم عن القاسم بن محمد والزهري وغيرهم كلها [باطلة] المتن ، وكلها مما لا يتابعه الثقات عليه ، وضعفهُ بين على حديثه) ، ثم معاوية بن يحيى ضعيف .
5- (إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما سقط من ورق ، فإذا أصاب أحدكم شيءٌ بأرض فلاة ، فليناد : أعينوني) ؟
الجواب : فهو حديث ضعيف .
أخرجه البزار في (مسنده) (3128 ، كشف الأستار) من طريق حاتم بن إسماعيل ، عن أسامة بن زيد ، عن أبان بن صالح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس فذكره ، مرفوعًا ، قال البزار : ( لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد) ، قال الحافظ في (نتائج الأفكار) - كما في (الفتوحات الربانية) (5 /151) - : (هذا حديث حسن الإسناد غريب جدًا) . وحسنه السخاوي في (الابتهاج) ، وقال الهيثميُّ : (رجاله ثقات) .
وأسامة بن زيد كان يغلط ، وقد أخرجه البيهقي في (الشعب) (ج1 /رقم 165) من طريق عبد الله بن فروخ ، أخبرني أسامة بن زيد ، حدثني أبانُ بن صالح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس موقوفًا ، وتابعه أيضًا روح بن عبادة وجعفر بن عون ، وهما من الثقات الأثبات ، فروياه عن أسامة بن زيد بسنده سواء موقوفًا .(1/125)
أخرجه البيهقي أيضًا (رقم 7697 ، طبع بيروت) ، فالصواب أن الحديث معل بالوقف ، ولا يصح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وله شواهد ذكرها شيخنا الألباني - حفظه الله - في (الضعيفة) (656) ، فراجع بحثه غير مأمور .
6- عن الهيثم بن حنش قال : كنا عند عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، فخدرت رجله ، فقال له رجلٌ : اذكر أحب الناس إليك ، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، فكأنما نشط من عقال ؟
الجواب : أخرجه ابن السني في (اليوم والليلة) (169) ، من طريق محمد بن مصعب ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الهيثم بن حنش ، قال : كنا عند عبد الله بن عمر .. فذكره .
ومحمد بن مصعب هو القرقساني ، ضعيف . وقد خولف إسرائيل ، خالفه سفيان الثوري ، فرواه عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن سعيد قال : خدرت رجلُ ابن عمر ، فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك ، فقال : محمد .
أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) (964) ، قال : حدثنا أبو نعيم : ثنا سفيان به ، والثوري أثبت في أبي إسحاق من إسرائيل ، وعبد الرحمن بن سعد ثقة ، فهذا الوجه قوي .
وقد رواه أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق ، عن أبي سعد قال : كنت أمشي مع ابن عمر ، وذكر نحوه ، أخرجه ابن السني (167) ، والمعتمد رواية الثوري . والله أعلم .
---
يسأل القارئ : عن صحة هذه الأحاديث :
1 - (جمع الله شملكما ، وبارك لكمافي شبركما ؟ وما معناه ؟
2 - (إن الله تعالى تجلى لجبل الطور لتواضعه) ؟
3 - قال الله تعالى : (ما وسعني سمائي ولا أرضي ، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن) ؟
4 - (لعن الله العقرب لا تدع نبيًا ولا مصليًا إلا لدغته) ؟
5 - (أهل مكة أدرى بشعابها) ؟
والجواب بعون الملك الوهاب :(1/126)
أما الحديث الأول : (جمع الله شملكما ….) فلا أعلم له أصلاً بهذا السياق ، ورأيته في كتاب (الأضداد) (ص 279) لابن الأنباري قال : (يُحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أدخل فاطمة على علي ، رضوان الله عليهما ، قال … فذكره ) .
هكذا ذكره بلا إسناد ، وذكره ابن الأثير في (النهاية) (2 / 440) مادة (شبر) والشبر - يعني : بتشديد الشين المعجمة المفتوحة وسكون الباء الموحدة - قال ابن الأثير : (الشبرُ في الأصل : العطاء ؛ يقال : شبره شبرًا ؛ إذا أعطاه ، ثم كُني به عن النكاح ؛ لأن فيه عطاءً ) ، وقال ابن الأنباري نحوه .
الحديث الثاني : (إن الله تجلى …) : فلا أصل له في المرفوع فيما أعلمُ ، وإنما ورد هذا في كلام نوف البكالي ، فأخرجه عبدالله بن أحمد في (زوائد الزهد) (ص66) ، ومن طريقه أبو نُعيم في (الحلية) (6 / 49) قال : حدثني محمد بن عبيد بن حساب ، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب (العظمة) (1178 /4) من طريق محمد بن عبد الله الرقاشي قالا : ثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، قال : حدثنا أبو عمران الجوني ، عن نوف البكالي قال : أوحى الله إلى الجبال : إني نازل على جبل منكم ، فتشمخت الجبال كلُّها ، إلا جبل الطور ، وقال : أرضى بما قسم الله لي ، قال : فكان عليه الأمر ، وسنده جيدٌ ، والظاهر أن نوفا البكالي أخذ هذه من الإسرائيليات ، ونوف هذا كان ربيب كعب الأحبار .
الحديث الثالث : (ما وسعني سمائي ….) : فهو باطلٌ ، ومنكرٌ من القول .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (هو مذكورٌ في الإسرائيليات ، وليس له إسنادٌ معروفٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ، وقال مرة : (موضوعٌ) ، وقال العراقي في (تخريج أحاديث الإحياء) (3/15) : (لم أر له أصلاً) ، وسبقه الزركشي ، وتلاه الحافظ ابن حجر والسخاوي في (المقاصد) (ص373) ، وقال : (ورأيت بخط الزركشي ؛ سمعت بعض أهل العلم يقول : حديث باطلٌ ، وهو من وضع الملاحدة) . اهـ .(1/127)
الحديث الرابع : (لعن الله العقرب ….) ؛ أخرجه الطبراني في (الأوسط) (5890) ، وفي (الصغير) (2/23) ، والبيهقي في (الشعب) (2341) ، وأبو نعيم في (أخبار أصبهان) (2 /223) ، وأبو محمد الخلال في (فضائل سورة الإخلاص) (رقم 56) ، من طريق إسماعيل بن موسى السدي ، ثنا محمد بن فضيل ، عن مطرف بن طريف ، عن المنهال بن عمرو ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي بن أبي طالب فذكره .
قال الطبراني : (لم يرو هذا الحديث عن مطرف إلا ابنُ فضيل ، تفرد به إسماعيل بن موسى) ، كذا قال ! ولم يتفرد به ابن فضيل ، فتابعه عبد الرحيم بن سليمان ، فرواه عن مطرف ، عن المنهال ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي ، فذكر مثله . أخرجه البيهقيُّ في (الشعب) (ج5 / رقم 2340) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، ثنا عبد الرحيم ، وهذا التعقب على الطبراني يتم إذا ثبت أن الإسناد عند البيهقي موصولٌ بذكر (علي بن أبي طالب) ، فقد أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (7 / 398 ، 399) ، و(10 / 418 ، 419) ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان بسنده سواء مثله ، ووضع المحقق : (عن علي) بين معكوفتين ، ثم ذكر أنه زاده ؛ لأن صاحب (كنز العمال) عزا الحديث إلى ابن أبي شيبة عن علي ، وهذا تصرفٌ خطأ لا يجوز ارتكابه لهذا السبب ، وشرح ذلك يطول ، فالذي عندي أن رواية عبد الرحيم بن سليمان عن مطرف مرسلةٌ ، يدلُّ عليه نقد الطبراني ، ورأيته في (علل الدارقطني) (4 /123) فقال : (أسنده إسماعيل ابن بنت السدي ، عن محمد بن فضيل ، عن مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، عن ابن الحنفية ، عن علي ، وخالفه موسى بن أعين وأسباط بن محمد وغيرهما ، فرووه عن مطرف عن المنهال عن ابن الحنفية مرسلاً ، وكذلك رواه حمزة الزيات عن المنهال عن ابن الحنفية مرسلاً ، وهو أشبه بالصواب) . انتهى كلام الدارقطني ، وقد رجح المرسل ؛ لأن الرواية الموصولة فيها إسماعيل بن موسى ابن بنت السدي ، وفي حفظه مقالٌ معروفٌ ، وقد تفرد بوصله(1/128)
كما قال الطبراني ، ويشير إليه نقد الدارقطني ، وقد خولف مطرف بن طريف ، خالفه الحسن بن عمارة ، فرواه عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه … فذكر مثله ، أخرجه ابنُ عدي في (الكامل) (2 / 704) ، وسنده ساقط ، والحسن بن عمارة تالفٌ البتة ، اتهمه شعبة بوضع الحديث ، وتركه أحمد والنسائي وغيرهما ، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ، وجملة القول : أن الحديث ضعيف ، وليس بحسن كما قال الهيثمي في (المجمع) (5 /111) .
وأما الحديث الخامس : (أهل مكة أدرى بشعابها … ) ؛ لا أصل له ، وليس بحديث ، ومثله : (صاحب البيت أدرى بالذي فيه ) أورده العجلوني في (كشف الخفاء) (2 /19) ، وبيَّض له .
ويسأل القارئ : عن صحة هذه الأحاديث :
1 - (سبعة لا ينظر الله ، عز وجل ، إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ، ولا يجمعهم مع العالمين ، ، ويدخلهم النار أول الداخلين ، إلا أن يتوبوا (ثلاث مرات) ، فمن تاب ، تاب الله عليه ؛ الناكح يده ، والفاعل والمفعول به ، ومدمن الخمر ، والضارب أبويه حتى يستغيثا ، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوا ، والناكح حليلة جاره) ؟
2 - (كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل ؛ إلا رمية بقوس ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، فإنهن من الحق ) ؟
3 - (اجعل بين الأذان والإقامة نفسًا حتى ينتهي الآكلُ من أكله ، والمتوضئ من وضوئه) ؟
والجواب بعون الملك الوهاب :(1/129)
أما الحديث الأول : (سبعة …) ؛ فإنه حديث منكرٌ : أخرجه الحسن بن عرفة في (جزئه) (41) ، ومن طريقه البيهقي في (الشعب) (ج10 / رقم 5087) ، قال : حدثني عليُّ بن ثابت الجزري ، عن مسلمة بن جعفر ، عن حسان بن حميد ، عن أنس مرفوعًا ، قال الذهبيُّ في (الميزان) (4 /108) في ترجمة مسلمة هذا : ( عن حسان بن حميد عن أنس في سب الناكح يده ، يُجهل هو وشيخه ، قال الأزدي : ضعيفٌ) ، وذكره الحافظ ابن كثير في (تفسيره) (5 /458) في سورة (المؤمنون) وقال : (هذا حديثٌ غريبٌ ، وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته . والله أعلم) . اهـ .(1/130)
وأما الحديث الثاني : (كل ما يلهو به الرجل …) ؛ فإنه حديث صحيحٌ ؛ وأقرب الألفاظ إلى ما ذكره القارئ هو ما أخرجه أبو عبيد في كتاب (الخيل) - كما في (الدر المنثور) (3/193) عن أبي الشعثاء جابر بن زيد مرفوعًا ، فذكر نحوه ، وسنده ضعيف لإرساله ، ولكن له شواهد عن عقبة بن عامر ، أخرجه أبو داود (2513) ، والنسائي (6 / 28 ، 222 ، 223) ، وأحمد (4 / 146 ، 222) ، وابن الجارود في (المنتقى) (1062) ، وآخرون ، وسنده صالح ، كما حققته في (غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود) ، وشاهد آخر عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، رضي الله عنهما ، أخرجه إسحاق بن راهويه في (مسنده) - كما في (نصب الراية) (4 /274) ، والنسائيُّ في (عشرة النساء) ، كما في (أطراف المزي) (2 /404) ، والبزار (1704 - زوائده) ، والطبراني في (الكبير) (ج2 /رقم 1785) من طريق أبي عبد الرحمن خالد بن يزيد ، عن عبدالوهاب بن بخت المكي ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاري ؟ يرتميان فمل أحدهما ، فقال الآخر : أكسلت ؟ قال : نعم ، فقال أحدهما للآخر : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كل شيء ليس من ذكر الله ، فهو لهو ولعبٌ - وفي لفظ : (فهو سهو ولغو) - (إلا أربعة : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشي الرجل بن الغرضين ، وتعلم الرجل السباحة) ، قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (5 /269) : (رجاله رجال الصحيح ، خلا عبد الوهاب بن بخت ، وهو ثقة) ، وهو كما قال ؛ ولذلك صحح إسناده الحافظ في (الإصابة) (1 /339) ، والله أعلم . وثمة شواهد أخرى ضعيفة ذكرتها في (غوث المكدود) (3 / 314 - 317) ، فراجعه غير مأمور .(1/131)
وأما الحديث الثالث : (اجعل بين الأذان … ) ؛ فهو حديث ضعيفٌ : أخرجه الترمذيُّ (195 ، 196) ، وابنُ عدي في (الكامل) (7 / 2649) ، والعقيليُّ في (الضعفاء) (3 /111) ، والطبرانيُّ في (الأوسط) (1952) ، والبيهقيُّ (1 / 428 و 2 / 19) ، والخطيبُ في (تلخيص المتشابه) (57 /1) ، وعبد بن حميد في (المنتخب) (1008) من طريق عبد المنعم بن نعيم ، صاحبُ السقاء ، قال : حدثنا يحيى بن مسلم ، عن الحسن وعطاء ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال : (يا بلال ! إذا أذنت فترسل في أذانك ، وإذا أقمت فاحدُر ، واجعل بين أذانك ….) إلخ ، قال الترمذي : (حديث جابر هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم ، وهو إسنادٌ مجهولٌ) ، كذا قال ! ولا أدري لم قال : مجهولٌ ؟ وعبد المنعم قال البخاريُّ والعقيلي : منكرُ الحديث ، ولم يتفرد به ، كما قال الترمذي ، فتابعه عمرو بن فائد الأسواري ، ثنا يحيى بن مسلم بسنده سواء . أخرجه الحاكم (1 /204) من طريق عبد المنعم بن نعيم ، ثنا عمرو بن فائد ، ثنا يحيى بن سليم ، هكذا رواه الحاكم عن عبد المنعم نازلاً ، وعمرو بن فائد تركه الدارقطني ، ويحيى بن مسلم تركه النسائي ، فالإسناد ضعيفٌ جدًا .
وله شاهد من حديث أبي بن كعب ؛ أخرجه عبد الله بن أحمد في (زيادات المسند) (5 /143) بسند فيه مجهول وضعيف . وآخر من حديث أبي هريرة عند البيهقي وقال : إسناده ليس بالمعروف ، وفي إسناده صبيح بن عمير السيرافي . قال الأزدي : (فيه لين) ، وقال الحافظ في (اللسان) (4 /183) : مجهولٌ ، فلا أدري أهذا حكم الحافظ أم هو تمام كلام الأزدي ، مع أنه يلوح لي الاحتمال الثاني بدلالة السياق ، ونقل الحافظ حكم البيهقي السابق ، وقال : (وأشار إلى أن صبيحًا مجهولٌ ) . والله أعلم .
---
يسأل القارئ : م . أ . ع - المنزلة - عن درجة هذه الأحاديث :
1 - (الشباب شعبة من الجنون) ؟(1/132)
2 - (توضئوا مما مست النار ، وغلت به المراجل) ؟
3 - (الأمر المفظع ، والحمل المضلع ، والشرُّ الذي لا ينقطع ؛ إظهار البدع) ؟
4 - (أن العالم يلقى في النار ويدور حول أمعائه مثل الحمار) ؟
الجواب بعون الملك الوهاب :
أما الحديث الأول : (الشباب شعبة من الجنون) ؛ فإنه حديثٌ منكرٌ :
أخرجه الخرائطي في (اعتلال القلوب) (ق 38 / 1 -2) من طريق محمد بن عبيد المدني وعبد العزيز بن عبد الله ، عن عبد الله بن نافع ، عن عبد الله بن مصعب بن خالد بن يزيد بن خالد الجهني ، عن أبيه ، عن جده زيد بن خالد مرفوعًا : (الشباب شعبة من الجنون ، والنساء حبالة الشيطان) ، وأخرجه الأصبهاني في (الترغيب) (1226) من طريق الزبير بن بكار وإبراهيم بن سلام المديني كلاهما عن عبد الله بن نافع بسنده سواء ، وساق خطبة طويلة - زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبها في تبوك - ذكر في أثنائها هذا الكلام ، قال الذهبي في (الميزان) (2/506) في ترجمة عبد الله بن مصعب : (عن أبيه ، عن جده ؛ فرفع خطبة منكرة ، وفيهم جهالة) ، وعزاه الحافظ في (اللسان) (4888) وابن قطلوبغا في (من روى عن أبيه عن جده) (ص 374) للدارقطني في (سننه) ، والحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) ، وقال الحافظ : (وقد جهل ابن القطان عبد الله ابن مصعب وأباه) ، وأخرجه البيهقيُّ في (دلائل النبوة) (5/ 241 ، 242) من حديث عقبة بن عامر بطوله ، وعزاه ابن كثير في (البداية والنهاية) (5 /14) للبيهقي وقال : (هذا حديث غريبٌ ، وفيه نكارة ، وفي إسناده ضعف ) ، والصواب أن إسناده ضعيفٌ جدًا ، وفيه عبد العزيز بن عمران ، وهو متروكٌ ، والأشبه أن يكون موقوفًا ، فقد روى أحمد في (الزهد) (ص141) قال : حدثنا هاشم ، حدثنا حريز - هو ابن عثمان - عن عبد الرحمن بن أبي عوف ، قال : قال أبو الدرداء : الريبُ من الكفر ، والنوحُ عملُ الجاهلية ، والشعر مزامير إبليس ، والغلول جمرٌ من جهنم ، والخمر جماعُ كل إثم ،(1/133)
والشباب شعبة من الجنون ، والنساء حبالة الشيطان … وساق كلامًا . وهذا سندٌ صحيحٌ لو سلم من الانقطاع بين ابن عوف الجرشي وأبي الدرداء ، والله أعلمُ .
أما الحديث الثاني : (توضئوا ..) فهو ضعيفُ بهذا التمام :
أخرجه الدولابي في (الكنى) (1/35) من طريق علي بن بحر بن بري ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب أنه سمع أبا فراس الشعباني يقول : إنهم كانوا غزاة القسطنطينية زمن معاوية ، وعلينا يزيدُ بن شجرة ، فبينما نحن عنده ، إذ مرَّ أبو سعد الخير صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبا سعد ! أنت الذي تقول : لا بأس أن يقرأ الجنبُ القرآن ؟ فقال أبو سعد : أنا الذي أقول : إن الجُنُب إذا توضأ وضوءه للصلاة ، فلا بأس أن يقرأ الآية والآيتين ، وايمُ الله ! إنكم لتصنعون ما هو أشدُّ عليكم من ذلك ، قالوا : وما هو ؟ قال : تأكلون مما مست النارُ ، ثم تُصلون ، ولا تتوضئون ، وأنا سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (توضئوا مما مست النار ، وغلت به المراجلُ) .
وأخرجه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) (2210) ، والطبراني في (الكبير) (ج22 رقم 776) من طريق دحيم ثنا الوليد بن مسلم بسنده سواء دون القصة ، لكن وقع في السند (فراس) بدل (أبي فراس) ، قال الهيثميُّ في (المجمع) (10 / 249) : (فيه فراسُ الشعباني ؛ وهو مجهولٌ) ، وقال الحافظ في (اللسان) : (ما روى عنه سوى الوليد بن سليمان بن أبي السائب) ، وسبقه الذهبيُّ في (الأصل) ، أما شطرُ الحديث الأول : (توضئوا مما مست النار) ؛ فصحيحٌ أخرجه مسلم من حديث زيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة ، رضي الله عنهم ، لكنه منسوخٌ كما هو مقررٌ في موضعه . والله أعلم .
وأما الحديث الثالث : (الأمر المفظع) ؛ فإنه حديث باطلٌ :(1/134)
أخرجه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) (2414) ، وفي (السنة) (36) ، والطبراني في (الكبير) (ج3 رقم 3194) ، وابنُ الجوزي في (الموضوعات) (1/268 ، 269) من طريق بقية بن الوليد ، ثنا عيسى بن إبراهيم ، عن موسى بن أبي حبيب ، عن الحكم بن عمير الثمالي مرفوعًا فذكره .
قال ابنُ الجوزي : (لا يصحُ ، قال الحاكمُ : عيسى واهي الحديث بمرة) ، وعيسى هذا قال البخاريُّ والنسائيُّ : (منكر الحديث) ، وتركه النسائيُّ أيضًا وأبو حاتم . وموسى بن أبي حبيب ضعفه أبو حاتم ، وبقية بن الوليد مدلس ، ولم يصرح إلا في شيخه ، فالسندُ ساقط ، وقال شيخُنا أبو عبد الرحمن الألباني في (الضعيفة) (756) : (ضعيفٌ جدًا) ، وعزاه إلى ابن بطة في (الإبانة) (1/13/ 1، 2) .
وأما الحديث الرابع : (أن العالم يلقى في النار …) فهو حديثٌ صحيحٌ :
أخرجه البخاريُّ (6/331 ، 13 / 48) ، ومسلم (8989/ 51) ، وأحمد (5 / 205، 207 ، 209) ، وغيرهم من طرق عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : قيل لأسامة بن زيد : لو أتيت فلانًا فكلمته ؟ قال : إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ! إني أكلمه في السر دون أن أفتح بابًا لا أكونُ أول من فتحه ، ولا أقول لرجل - إن كان علي أميرًا - إنه خيرُ الناس بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : وما سمعته يقول ؟ قال : سمعته يقول : (يجاء بالرجل يوم القيامة ، فيلقى في النار فتندلق به أقتابُه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون : يا فلان ! ما أصابك ؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه) .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث :
1 - (خير الناس أنفعهم للناس) ؟
2 - (ملعون من حلف بالطلاق أو حلف به) ؟
3 - (المؤذنون أطولُ الناس أعناقًا يوم القيامة) ؟
والجواب : بعون الملك الوهاب :(1/135)
أما الحديث الأول : (خير الناس ..) فضعيفٌ .
فأخرجه الطبراني في (الأوسط) (5787) ، والبيهقيُّ في (الشعب) (ج13 رقم 7252) ، والقضاعي في (مسند الشهاب) (129) من طريق علي بن بهرام ثنا عبد الملك بن أبي كريمة ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر مرفوعًا : (المؤمن يألفُ ويؤلفُ ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس) ، قال الطبراني : (لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلا عبد الملك بن أبي كريمة ، تفرَّد به عليُّ بن بهرام) . كذا قال ! ولم يتفرَّد به ابن أبي كريمة ، فتابعه عمرو بن بكر السكسكيُّ ، عن ابن جريج بسنده سواء ، أخرجه ابن حبان في (المجروحين) (2/79) ، وابنُ عساكر في (تاريخ دمشق) (ج2/ق 420 /2) . ولكنها متابعةٌ ساقطة ، وعمرو بن بكر قال فيه ابن حبان : (يروي عن إبراهيم بن أبي عبلة وابن جريج وغيرهما من الثقات الأوابد والطامات ؛ التي لا يُشكُ مَنْ هذا الشأن صناعته أنها محمولةٌ أو مقلوبة ، لا يحلُّ الاحتجاج به) . وأمَّا عليُّ بن بهرام وعبد الملك بن أبي كريمة الواقعان في سند الطبراني فقال الهيثميُّ في (مجمع الزوائد) (8/87) : (لم أعرفهما) ! كذا قال ، وهو عجيبٌ ، فأمَّا عبد الملك بن أبي كريمة فهو من رجال التهذيب (18 / 995) ، وأمَّا عليُّ بن بهرام فترجمه الخطيبُ في (تاريخه) (11/353 ، 354) ، ولم يذكر فيه شيئًا ، ثم ابن جريج مدلسٌ ولم يصرح بتحديث ، ثم رأيتُ له شاهدًا من حديث ابن عمر قال : جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! من خير الناس ؟ فقال : أنفعُ الناس للناس وساق حديثًا ، أخرجه ابن عساكر (ج11 ق 886) ، وسنده ضعيفٌ أو واهٍ ، وفيه علي بن جعفر بن عبد الله الرازي شيخ تمام الرازي ، لا يُعرف شيء من حاله ، ولم يذكر ابن عساكر في ترجمته جرحًا ولا تعديلاً ، وكذلك شيخه أبو القاسم عامر بن جريج الدمشقي ، وإبراهيم بن عبد الحميد الجرشي ، لعله المترجم في (الجرح(1/136)
والتعديل) (1/ 1/ 113) ، فإن يكنه فهو لا بأس به ، وإلا فلا أعرفه ، وبكر بن خنيس ضعفه النسائي وعمرو بن علي ويعقوب بن شيبة ، وقال ابن معين في رواية : (ليس بشيء) ، وتركه الدارقطني ، وابن خراش ، وأحمد بن صالح المصري ، ولكن قال أبو حاتم الرازي : (لا يبلغ الترك) ، كما في (الجرح والتعديل) (1/1/ 384) ، وقال الحافظ في (التقريب) : (صدوق له أغلاط) ، وهذا تسامح منه ، فكان ينبغي له أن يصرح بضعفه كما فعل في (الفتح) (9/ 243) ، وله متابعاتُ أخرى لا يُعتدُّ بها ، أما أول الحديث وهو : (المؤمن يألف …) إلخ فثابت ، والله أعلمُ .
أمَّا الحديث الثاني : (ملعون من حلف) إلخ ، فلا أعلمُ له أصلاً ، ولم أقف له على إسناد ، ورأيت العجلوني ذكره في (كشف الخفاء) (2/216) ، وسكت عنه ، ولم يعزه لأحد ، ولم يتكلم عليه بشيء . فالله أعلمُ .
أما الحديث الثالث : (المؤذنون أطول الناس) ، فحديثٌ صحيحٌ .
أخرجه مسلم (14) ، وابنُ ماجه (725) ، وأحمد (4/ 95 ، 98) ، وأبو يعلى (8384) ، وابن حبان (1667) ، والطحاوي في (المشكل) (1/8) ، وابن أبي شيبة (1/ 225) ، والطبراني في (الكبير) (ج19رقم 736) ، والبيهقي في (سننه الكبير) (1 / 432) ، وفي (شعب الإيمان) (ج6 رقم 2789) ، والبغوي في (شرح السنة) (2 / 277) من حديث معاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنهما .
---
ويسأل القارئ : عن صحة حديث : (الضرورات تبيح المحظورات) ؟
الجواب : أن هذا ليس بحديث ، إنما هو قاعدة فقهية . والله أعلم .
---
يسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث :
1 - لا يدخل أحدٌ الجنة إلا بجواز مرور . قيل : يا رسول الله وما هو ؟ قال : (بسم الله الرحمن الرحيم) ؟
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن كبشًا وعن الحسين كبشًا ، مع أننا نعرف أنه عق عنهما كبشين كبشين ، فأيهما أصح ؟
3 - (أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا والآخرة) ؟
4 - (أمانُ العبد جائزٌ) ؟(1/137)
والجواب بعون الملك الوهاب :
أما الحديث الأول : (لا يدخل أحدٌ الجنة ....) ،فهو منكرٌ .
أخرجه ابنُ عدي في (الكامل) (1/338) ، وابنُ الأعرابي في (معجمه) (1191) ، والطبراني في (الكبير) (ج6 / رقم 6191) ، وفي (الأوسط) (2987) ، وتمام الرازي في (الفوائد) (1770 - ترتيبه) ، وأبو يعلى الخليلي في (الإرشاد) (1 /443) ، والخطيبُ في (تاريخه) (5 / 4 - 5 و 7 / 95) ، وابن الجوزي في (الواهيات) (1547) من طريق إسحاق بن إبراهيم الدَّبري ، نا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عطاء بن يسار ، عن سلمان الفارسي مرفوعًا : (لا يدخلُ أحدٌ الجنة ، إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذا كتابٌ من رب العالمين لفلان بن فلان ، أدخلوه جنة عالية ، قطوفها دانية) .
وأورده ابنُ عدي في ترجمة (الدَّبري) إشارة منه إلى أنه علة الحديث ، وقد قال الخليلي : تفرد به عبد الرزاق ، عن الثوري ، والدَّبري به مشهورٌ ، ولم يتفرد به الدبري ، فتابعه محمد بن علي بن النجار الصنعاني ، قال : ثنا عبد الرزاق بسنده سواء ، أخرجه أبو يعلى الخليلي في (الإرشاد) (1/424) ، وتمام الرازي (1771 - ترتيبه) ، فتخلص منه الدَّبري .
وعلةُ الحديث عندي من عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ، فقد تكلم أهلُ العلم في حفظه ، وقد وجدتُ له طريقًا آخر . أخرجه ابنُ الجوزي في (الواهيات) (1548) ، والضياء المقدسي في (صفة الجنة) - كما في (تفسير ابن كثير) (8 /242) - من طريق محمد بن خشام ، عن العباس بن زياد البلخي ، عن سعدان بن سعد الحكمي ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان مرفوعًا : ( إن الله يعطي المؤمن جوازًا على الصراط : بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذا كتابٌ من العزيز الحكيم ، لفلان بن فلان : أدخلوه جنة عالية ، قطوفُها دانية) .(1/138)
قال ابن الجوزي : (هذا حديثٌ لا يصحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الدارقطنيُّ : تفرد به سعدان عن التيمي ، قال ابن الجوزي : سعدان مجهولٌ ، وكذلك محمد بن خشام ، وسبق ابن الجوزي أبو حاتم الرازي إلى تجهيل سعدان هذا ، كما في (الجرح والتعديل) (2 /1 / 290) .
أما الحديث الثاني : (أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ …) ؛ فأخرجه أبو داود (2841) ، والحربيُّ في (الغريب) (1/42) ، وابن عبد البر في (التمهيد) (4 /314) ، وابن الأعرابي في (معجمه) (ج9 / ق169 / 1 -2) ، والطحاويُّ في (المشكل) (1/ 457) ، والدولابي في (الذرية الطاهرة) (105) ، والطبراني في (الكبير) (ج11 / رقم 11856) ، وأبو نعيم في (أخبار أصبهان) (2 / 151) ، والبيهقي (9 / 299) ، وابن حزم في (المحلى) (7 / 530) من طريق عبد الوارث بن سعيد ، عن أيوب السختياني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا .
وتوبع عبد الوارث على وصله ، فتابعه سفيان الثوري ، فرواه عن أيوب بسنده سواء ، أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (7 / 116) من طريق يعلى بن عبيد ، عن الثوري به ، قال أبو نعيم : (تفرد بروايته موصولاً عن الثوري ، عن أيوب … يعلى ) ، ووقع خطأ في (الحلية) ، ولعلَّ ما ذكرتُه هوالصواب ، وهذه المتابعة لا تثبت ؛ لأن يعلى بن عبيد وإن كان ثقة ، إلا أنه كان كثير الأوهام على الثوري ، ولذلك ضعفه ابن معين في روايته عن سفيان الثوري ، وذكر ابن الجارود في (المنتقى) (912) أن الثوري يرويه عن أيوب ، عن عكرمة مرسلاً ، وتوبع عبد الوارث أيضًا ، تابعه حفص بن عمر البصري ، فرواه عن أيوب به موصولاً ، أخرجه الخطيب في (تاريخه) (10 / 151) من طريق عبد الله بن مروان أبو شيخ - وثقه أبو حاتم - حدثنا موسى بن أعين ، عن حفص بن عمر .(1/139)
وهذه المتابعة أيضًا لا تثبت ؛ لأن حفص بن عمر - ووقع في (التاريخ) : محمد وهو خطأ - ترجمه الذهبي في (الميزان) (1 / 567) ، والحافظ في (اللسان) (2 /139) ، وذكرا أن له حديثًا في العقيقة وهو هذا ، قال فيه الأزدي : (منكرُ الحديث) .
فأجود طريق لهذا الحديث هو ما رواه عبد الوارث بن سعيد ، عن أيوب ، وعبد الوارث أحدُ الثقات ، ولكنه خولف في وصله ، فقال ابنُ الجارود في (المنتقى) (912) : (رواه الثوري وابنُ عيينة وحماد بن زيد وغيرهم عن أيوب ، لم يجاوزوا به عكرمة) . اهـ .
وقد رواه عبدالرزاق في (المصنف) (4 /330) عن الثوري ومعمر بن راشد ، عن أيوب ، عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن حسن وحسين كبشين ، ولم يقولوا : (كبشًا كبشًا) ، فهؤلاء أربعة ممن وقفت على أسمائهم خالفوا عبد الوارث فأرسلوه ، وهم يترجحون عليه في أيوب ، خاصة ابن عيينة وحماد بن زيد ، لا سيما الأخير منهما ، فقد قال ابن معين : ابن حرب يقول : حماد بن زيد في أيوب أكبر من كل من روى عن أيوب ، قال : أما عبد الوارث ، فقد قال : كتبتُ حديث أيوب بعد موته بحفظي ، ومثل هذا يجيء فيه ما يجيء ، وكنت صححت إسناد حديث عبد الوارث في (غوث المكدود) (رقم 911) ، 912) ، فقد رجعتُ عنه الآن ، والله يغفر لي جهلي وإسرافي في أمري . وله طريق آخر عن عكرمة .(1/140)
أخرجه ابنُ الأعرابي في (معجمه) (9 /169 /1) قال : نا سليمان بن أحمد بن ياسين ، نا محمد بن عبد الله المخرمي ، نا أحمد بن عمر ، نا مسلمة بن محمد الثقفي ، عن يونس بن عبيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن كبشًا ، وأمر برأسه فحلقه ، وتصدق بوزن شعره فضة ، وكذلك الحسين أيضًا ، وهذا حديثٌ منكرٌ وسنده ضعيفٌ جدًا ، وشيخ ابن الأعرابي لم أعرفه ، وأحمد بن عمر هو القصبي ، ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (1 / 1 / 62) ، ونقل عن أبيه قال : (مجهولٌ) ، ومسلمة بن محمد الثقفي ضعفه ابن معين ، وقال أبو حاتم : ليس بمشهور ، شيخ يكتب حديثه ، ووثقه ابن حبان ، ومشاه أبو داود .
وله طريق ثالثٌ عن عكرمة ؛ أخرجه النسائي (7 /166) ، من طريق إبراهيم بن طهمان ، وهذا في (سننه) (53) ، عن حجاج بن الحجاج - وسقط ذكره من كتاب ابن طهمان - عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين كبشين كبشين .
ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في (الكبير) (ج11 م رقم 11838) ، وفي (الأوسط) (8018) ، ولم يذكر العدد ، قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن قتادة ، إلا الحجاج بن الحجاج ، تفرد به إبراهيم بن طهمان ، وهذا سندٌ جيدٌ لولا عنعنة قتادة .(1/141)
وحاصل البحث أن حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ بكبش واحد ، هذا لا يصحُّ ، ولم أجد حديثًا يعولُ عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ بكبش واحد ، وإلى حديث ابن عباس هذا ذهب مالك ، فقال ابن عبد البر في (التمهيد) (4 / 314) : واختلفوا في عدد ما يُذبح عن المولود من الشياه في العقيقة عنه فقال مالك : يذبح عن الغلام شاة واحدة ، وعن الجارية شاة ، والغلام والجارية في ذلك سواء ، والحجة له ولمن قال بقوله ، وذكر حديث ابن عباس ، ثم قال : وقال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، يعق عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة ، وهو قول ابن عباس وعائشة ، وعليه جماعةٌ من أهل الحديث . (انتهى) .
والصواب ما ذهب إليه الشافعيُّ ومن معه ، وحديث ابن عباس والذي اعتمد عليه مالك قد عرَّفناك ما فيه ، واحتج ابن عبد البر بآثار صحيحة عن ابن عمر وغيره ، ولا حجة في كل هذا في مقابلة الأحاديث المرفوعة المصرحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة) ، وذهب بعض أهل العلم إلى النسخ ، وأن الأحاديث التي فيها أن يعق عن الغلام شاتين ناسخ لحديث ابن عباس أنه يعقُّ عنه بكبش ، وهذه مسلك ضعيفٌ أيضًا ، ولا يثبت النسخ إلا بعد معرفة التاريخ ، وأين هو ؟ ولو صح حديث ابن عباس لكان القول بجواز الأمرين هو الأقرب إلى الأصول ، والله تعالى أعلم .
أما الحديث الثالث : (أشقى الأشقياء …) ؛ فإنه حديثٌ باطلٌ .(1/142)
أخرجه الحاكمُ (4 / 322) ، والبيهقي في (السنن الكبير) (7 /13) ، وفي (الشعب) (511) ، والطبراني في (الأوسط) (9269) ، وابن عدي في (الكامل) ( 3 / 11 - 12) من طريق سليمان بن عبد الرحمن ، عن خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا فذكره ، وخالد بن يزيد ضعفوه ، وله طرقٌ أخرى ساقطة ، وقد حكم أبو حاتم الرازي على الحديث بالبطلان - كما في (علل ولده) (2 / 278) ، وحكم عليه شيخنا الألباني في (الضعيفة) (139) بالوضع ، والحكم بالبطلان أدقُّ ، والله أعلم . وقد ساق شيخنا طرقه في (الضعيفة) ، فراجعها غير مأمور .
أما الحديث الرابع : (أمان العبد جائز) ؛ وهو حديث منكرٌ مرفوعًا .
أخرجه أبو عمرو السمرقندي في (الفوائد المنتقاة) (رقم 72 - بتحقيقي) من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن ، عن مسعر بن كدام ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن سلمان الفارسي مرفوعًا به ، وهذا سندٌ منقطعٌ ، فنقل ابن أبي حاتم في (المراسيل) (ص76) عن أبيه قال : أبو البختري الطائي لم يلق سلمان ، وأما قولُ أبي البختري : أنهم حاصروا نهاوند ، يعني ؛ أن المسلمين حاصروا .
وذكره الزيلعيُّ في (نصب الراية) (3 / 396) عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا بلفظ : (أمان العبد أمان) ، وقال : (غريبٌ) يعني : (لا أصل له) ، وهو اصطلاح خاصٌّ به يطلقُه على الأحاديث التي وقعت في (الهداية) ، وليس لها أصلٌ ، كما صرح بذلك شيخنا العلامة أبو عبد الرحمن الألباني - حفظه الله - في (الضعيفة) (2 /44) ، وصرح ابن الهمام في (فتح القدير) (4 / 302) بأنه : لا يُعرف لها أصلٌ .(1/143)
وأخرج البيهقي (9 /94) بسند ضعيف - كما قال الزيلعيُّ - عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، مرفوعًا : (ليس للعبد من الغنيمة شيء ، إلا خرثي المتاع ، وأمانه جائزٌ إذا هو أعطى القوم الأمان) ، وأخرج عبد الرزاق في (المصنف) (5 /222) قال : حدثنا معمر ، وسعيد بن منصور في (سننه) (2608 ، 2609) قال : نا أبو شهاب و أبو معاوية ثلاثتهم عن عاصم بن سليمان الأحول ، عن فضيل بن زيد الرقاشي قال : شهدت قرية من قرى فارس يقال لها : (شاهرتا) ، فحاصرناها شهرًا ، حتى إذا كان ذات يوم وطمعنا أن نُصبحهم ، انصرفنا عنهم عند المقيل ، فتخلف عبدٌ منا ، فاستأمنوه ، فكتب إليهم في سهم أمانًا ، ثم رمى به إليهم ، فلما رجعنا إليهم خرجوا في ثيابهم ووضعوا أسلحتهم ، فقلنا : ما شأنكم ؟ فقالوا : أمنتونا وأخرجوا إلينا السهم فيه كتاب أمانهم ، فقلنا : هذا عبدٌ ، والعبد لا يقدر على شيء ، قالوا : لا ندري عبدكم من حركم وقد خرجنا بأمان ، قال : فكتبنا إلى عمر بعض قصتهم ، فكتب عمر : إن العبد المسلم من المسلمين أمانه أمانهم ، قال : ففاتنا ما كنا أشرفنا عليه من غنائمهم . وهذا لفظ معمر .
وأخرجه البيهقي (4 / 94) عن شعبة عن عاصم الأحول مختصرًا ، وهذا سندٌ صحيحٌ . فالصواب في هذا الحديث الوقف . والله أعلم .
---
يسأل القارئ : عن : حديث رواه مسلم في (صحيحه) عن أم سلمة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثًا ، وقال لها : (إنه ليس بك هوانٌ على أهلك ، إن شئت سبَّعتُ لك ، وإن سبَّعت لك سبَّعت لنسائي ) ، ويقول : إنه قرأ لبعض الباحثين أن العلماء تكلموا في هذا الحديث ، وهو محتاج للفصل فيه ، لا سيما وقد صادفه في دراسته ، ويرجو أن نشفيه بالكلام عنه ؟(1/144)
والجواب : نعم ، فقد اختُلف في هذا الحديث اختلافًا كثيرًا ، لكنه لا يؤثر على صحة الحديث ، والاختلاف عند العلماء نوعان ؛ اختلاف تنوعٌ ، وهو لا يضرُّ الحديث ، واختلاف تضاد ، وهو يؤثر على صحة الحديث ، إلا مع الترجيح ، فيقدم الراجح على المرجوح وينتفي الاضطراب ، وأغلبُ الأحاديث المختلف فيها في أحد (الصحيحين) هو من النوع الأول .
أمَّا الحديث المسئول عنه ؛ فأخرجه مسلم (1460 / 41) ، والبخاري في (التاريخ الكبير) (1 / 1 / 47) ، وأبو داود (2122) ، والنسائيُّ في (الكبرى) (5 / 293) ، وابنُ ماجه (1917) ، والدارميُّ ( 2 / 68) ، وابنُ سعد في (الطبقات) (8 / 94) ، وابنُ حبان (4210) ، والطحاوي في (شرح المعاني) (3 / 29) ، والطبرانيُّ في (الكبير) (ج23 / رقم 592) ، وابن عبد البر في (التمهيد) (17 / 245) ، والبيهقيُّ (7 / 301) ، وأبو نعيم في (الحلية) (7/95) من طرق عن يحيى بن سعيد القطان ، ثنا سفيان الثوري ، عن محمد بن أبي بكر ، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبيه ، عن أم سلمة ، فذكرته .(1/145)
قال أبو نعيم : (لم يروه عن الثوري مجوَّدًا ، إلا يحيى بن سعيد) ، وخالفه عبد الرزاق ، فأخرجه في (مصنفه) (6 /236) ، وعنه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير) (ج23 / رقم 591) عن الثوري ، عن محمد بن أبي بكر ، عن عبد الملك ، عن أبيه قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة ثلاثًا .. وذكره بنحوه هكذا مرسلاً ، وهو محمولٌ على أن أبا بكر بن عبد الرحمن أخذه من أم سلمة ، كما تقدَّم ، ومما يرجح رواية يحيى القطان أن يعلى بن عبيد روى هذا الحديث عن محمد بن أبي بكر ، عن عبد الملك ، عن أبيه ، عن أم سلمة مثل رواية الثوري ، أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (4 /277) عن يعلى ، وقد خولف محمد بن أبي بكر فيه ، خالفه عبد الله بن أبي بكر ، فرواه عن عبدالملك بن أبي بكر قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال .. وساق الحديث ، ورواه عن عبد الله بن أبي بكر هكذا ؛ محمد بن إسحاق بن يسار ، أخرجه الدارقطنيُّ (3 /283) ، وتوبع ابنُ إسحاق عليه هكذا ، فتابعه سفيان بن عيينة مثله سواء .
أخرجه سعيد بن منصور في (سننه) (776) ، والطحاوي في (الشرح) (3 /28) ، وتابعه سفيان الثوري ، فرواه عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبدالملك مثله ، أخرجه البخاري في (التاريخ) (1 / 1 / 47) ، وابن سعد (8 / 92 ، 93) ، من طريق وكيع بن الجراح ، ثنا الثوري به . وخالفه يحيى القطان ، كما مرَّ ذكره ، وتابعه أيضًا مالك ، فرواه عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك به ، أخرجه مسلمٌ ، والبخاريُّ في (التاريخ) (1/ 1 / 47) ، من طريق يحيى بن يحيى وإسماعيل بن أبي أويس ، كلاهما عن مالك . قال البخاري : وهذا هو الصحيح .(1/146)
قُلْتُ : لعله يعني من رواية مالك ، وفيه نظرٌ يأتي بيانُه ، إن شاء الله تعالى ؛ فقد خالفهما يحيى بن يحيى الليثي ، وابن وهب ، والقعنبيُّ ، ومعن بن عيسى ، والواقديُّ ، فرووه عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الملك بن أبي بكر ، عن أبيه ، فذكره مرسلاً ، أخرجه مالك في (الموطأ) (2 / 529 / 14) ، والشافعيُّ ( 2 / 26) ، وابنُ سعد (8 / 92) ، والبيهقيُّ (7 / 300) ، والبغويُّ في (شرح السنة) (9 / 155) ، وقد توبع مالك على هذا الوجه ، فتابعه ابن عيينة ، فرواه عن عبدالله بن أبي بكر ، عن عبد الملك ، عن أبيه مرسلاً ، أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (6 / 236) ، عن ابن عيينة ، وخالفه سعيد بن منصور وغيره ، عن ابن عيينة ، كما تقدم ، وخالف كل أصحاب مالك المتقدم ذكرهم ؛ الواقديُّ ، فرواه عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الملك ، عن أبيه ، عن أم سلمة ، فذكره موصولاً ، أخرجه الدارقطنيُّ (3 / 284) ، والواقديُّ متروكٌ .
والصحيحُ في رواية مالك الإرسالُ ، وقد توبع عبد الله بن أبي بكر على إرساله ، فتابعه عبد الرحمن بن حميد ، فرواه عن عبد الملك ، عن أبيه مرسلاً .
أخرجه مسلم ( 1460 ، 42) ، والبخاريُّ في (التاريخ) (1 / 1 / 47 ، 48) ، والبيهقيُّ (7 / 300 ، 301) ، ورواه عن عبد الرحمن بن حميد هكذا : (أبو ضمرة أنس بن عياض ، وسليمان بن بلال ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي) ، وخالفهم الفضيل بن سليمان ، فرواه عن عبد الرحمن بن حميد ، عن عبد الملك بن أبي بكر ، عن أم سلمة نحوه .(1/147)
أخرجه الدارقطنيُّ (3 / 283) ، ورواية الجماعة أرجح ، وفضيل بن سليمان ليس بالقوي ، ونظر الدارقطنيُّ في هذا الاختلاف ، فقال في كتاب (التتبع) (ص 363 ، 364) : (وأخرج مسلم من حديث الثوري عن محمد بن أبي بكر ، عن عبد الملك بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أم سلمة متصلا : ( إن شئت سبَّعتُ لك) ، وحديث حفص بن غياث عن عبد الواحد بن أيمن ، عن أبي بكر ، عن أم سلمة متصلاً ، وقد أرسله عبد الله بن أبي بكر ، وعبد الرحمن بن حميد ، عن عبد الملك بن أبي بكر ، عن أبي بكر مرسلاً ، قاله سليمان بن بلال ، أبو ضمرة عن عبد الرحمن بن حميد) . انتهى .
فتعقبه النوويُّ في (شرح مسلم) (10 / 43) بقوله : (وهذا الذي ذكره الدارقطنيُّ من استدراكه على مسلم فاسدٌ !! لأن مسلمًا ، رحمه الله ، قد بيَّن اختلاف الرواة في وصله وإرساله ، ومذهبُه ومذهب الفقهاء والأصوليين ومحققي المحدثين أن الحديث إذا روي متصلا ومرسلاً حُكم بالاتصال ، ووجب العمل به ، لأنها زيادة من ثقة ، وهي مقبولةٌ عند الجماهير ، فلا يصحُّ استدراكُ الدارقطنيُّ ، والله أعلم) . اهـ .(1/148)
قلتُ : أما الحديث الموصول ؛ فصحيح لما يأتي إن شاء الله تعالى ، وأما قوله بأن مذهب مسلم ومحققي المحدثين أنه إذا تعارض الوصل والإرسال يقدم الوصل ؛ لأن زيادة الثقة مقبولة فغير صحيح ، والمحدثون - ومسلمٌ من أئمتهم - يحكمون بالوصل أو الإرسال بحسب ثقة الرواة ، وضبطهم وكثرتهم ونحو ذلك ، ومن نظر إلى (كتاب التمييز) للإمام مسلم علم صحة ما أقول ، وكذلك الناظر إلى كتب العلل مثل (علل أحمد) ، و(علل ابن أبي حاتم) ، و(علل الدارقطني) علم أن المحدثين لا يقبلون زيادة الثقة بإطلاق ، وكم من أحاديث ردُّوها لأكابر المحدثين والرواة ؛ لأنهم تفرَّدوا بها ، ولو كانت زيادة الثقة تقبل بإطلاق لانتفى القول بوجود الشذوذ ، وإني سأوقفك على مثال عجيب خالف فيه النووي مذهبه هنا ، فقد أخرج مسلم (404 / 63) حديثًا لأبي موسى الأشعري في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأشار عقبه إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (وإذا قرأ فأنصتوا) ، فأعل الدارقطني في (التتبع) (ص 239 ، 240) هذه الزيادة بقوله : (قد خالف التيمي جماعةٌ منهم ؛ هشام الدستوائي ، وشعبة ، وسعيد بن أبي عروبة ، وأبان بن يزيد ، وهمام بن يحيى ، وأبو عوانة ، ومعمر ، وعدي بن أبي عمارة ، رووه عن قتادة ، ولم يقل واحدٌ منهم : (وإذا قرأ فأنصتوا) ، قال : وفي اجتماع أصحاب قتادة على خلاف التيمي دليل على وهمه) .
وكان المنتظر من النووي أن يرد إعلال الدارقطني لسببين :
الأول : أن مذهبه أن زيادة الثقة مقبولة .
الثاني : أن أبا بكر ابن أخت أبي النضر كلم مسلمًا في هذا الحديث ، وما يثار حوله من كلام ، فقال له أبو بكر : هو صحيحٌ ؟ يعني ؛ (وإذا قرأ فأنصتوا) ، فقال : هو عندي صحيح ، فقال : لِمَ لم تضعه هاهنا ؟ قال : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا ، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه) .(1/149)
فأنت ترى أن مسلمًا صحح هذا اللفظ نصًا ، فهذا كاف في أن يرد النووي قول الدارقطني ، ولكنه لم يفعل ، فقال في (شرح مسلم) (4 / 123) : (واعلم أن هذه الزيادة مما اختلف الحفاظ في صحتها ، فروى البيهقيُّ في (السنن الكبرى) عن أبي داود السجستاني أن هذه اللفظة ليست بمحفوظة ، وكذلك رواه عن يحيى بن معين وأبي حاتم الرازي والدارقطني والحافظ أبي علي النيسابوري شيخ الحاكم أبي عبد الله . قال البيهقيُّ : قال أبو علي الحافظ : هذه اللفظة غير محفوظة قد خالف سليمان التيمي فيها جميع أصحاب قتادة ، واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدم على تصحيح مسلم ، لا سيما ولم يروها مسندة في (صحيحه) . والله أعلمُ) . اهـ .
هذا مع أن مسلمًا لم يتفرد بتصحيحها ، فقد صححها الإمام أحمد والطبري وابن المنذر وأكثر المتأخرين ، وإنما اشتد نفس النووي هنا لأن الزيادة على خلاف المذهب . والله أعلم .
والحاصل أن القول بأن زيادة الثقة مقبولة لا يقوله ممارسٌ للحديث ، وإنما يقول به من لم يتمهر في الحديث ، مثل سائر الفقهاء الذين درسوا الحديث ليخدمهم في الفقه ، ولم يمعنوا في دراسة الحديث ، حتى تصير لهم الملكة الخاصة فيه .
عودٌ على بدء : فلعلَّ الدارقطني في كلامه السابق حكم حكمًا جزئيًا على بعض طرقه وليس عليه كله . والله أعلم ، ومما يؤكد صحة الموصول ما رواه حفص بن غياث ومروان بن معاوية الفزاري ، كلاهما عن عبد الواحد بن أيمن ، عن أبي بكر بن عبدالرحمن ، عن أم سلمة به .
أخرجه مسلم ، والطبراني في (الكبير) (ج23 / رقم 499 ، 587) ، والبيهقي (7 / 301) ، وخالفهما الفضل بن دكين ، ومحمد بن عبد الله الأسدي ، فروياه عن عبد الواحد بن أيمن ، حدثني أبو بكر بن الحارث ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة .. فذكره بنحوه ، أخرجه البخاريُّ في (التاريخ) (1 / 1 / 47 ، 48) ، وابن سعد (8 / 91) .(1/150)
وله طريقٌ آخر يرويه ابنُ جريج قال : أخبرني حبيب بن ابي ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن أخبراه عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة ، فذكره بنحوه .
أخرجه النسائيُّ في (الكبرى) (5 / 293) ، والبخاريُّ في (الكبير) (1 / 1 / 47) ، وأحمد (6 / 307 ، 308) ، وابن سعد (8 / 93 ، 94) ، وعبد الرزاق (6 / 235) ، والطحاوي في (الشرح) (3 / 29) ، وابنُ عبد البر في (التمهيد) (17 / 243 ، 244) ، والطبراني في (الكبير) (ج 23 / رقم 585) ، والبيهقيُّ (7 / 301) ، ورواه عن ابن جريج هكذا : (هشام الدستوائي ، وحجاج بن محمد الأعور ، وروح بن عبادة ، وعبد الرزاق ، ويحيى بن سعيد الأموي ) ، وخالفهم سفيان بن عيينة ، فرواه عن ابن جريج ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة به .
أخرجه الطبراني (586) ، ورواية الجماعة عن ابن جريج أرجح ، وخولف ابن جُريج ، خالفه أبو حيان التيمي ، فرواه عن حبيب قال : قالت أم سلمة . فذكره ، أخرجه ابن سعد ( 8 / 90) ، وهي روايةٌ معضلةٌ . ورواه حماد بن سلمة عن ثابت البناني ، عن ابن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أم سلمة نحوه .
أخرجه أحمد (6 / 295) ، وابنُ سعد (8 / 89 ، 90) ، والطبرانيُّ (ج23 / رقم 506) ، وابن عبد البر (17 / 244) ، والطحاوي (3 / 29) . ورواه عن حماد : (عفانُ بن مسلم ، ويزيد بن هارون ، وأبو عمر الضرير) .
وحاصل البحث أن الحديث صحيحٌ موصولاً . والمقام يحتمل البسط ، وفيما ذكرتُهُ كفاية .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث:
1- (ذاكر الله في رمضان مغفور له ، وسائل الله فيه لا يخيب) ؟(1/151)
2- (يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا) ، قالوا : صفهم لنا يا رسول الله ؟ قال : ( هم الشعثة رءوسهم ، الدنسة ثيابُهم ، الذين لا يؤذن لهم على السدات ، ولا ينكحون المتنعمات ، توكل بهم مشارق الأرض ومغاربها ، يعطون كل الذي عليهم ، ولا يعطون كل الذي لهم) ؟
3- (لا تمثلوا بالبهائم) ؟
والجواب بعون الملك الوهاب :
أما الحديث الأول : ( ذاكر الله في رمضان ..) فهو حديث باطل :
أخرجه الطبراني في (الأوسط) (7341) ، وابنُ عدي في (الكامل) (4 / 1601) ، والبيهقي في (الشعب) (ج7 / رقم 3355) ، والأصبهاني في (الترغيب) (1751) من طرق عن أحمد بن منصور المروزي الملقب بـ (زاج) ، ثنا عبد الرحمن بن قيس ، ثنا هلال بن عبد الرحمن ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب مرفوعًا ، فذكره .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن المسيب إلا عليُّ بن زيد ، ولا عن علي إلا هلال بن عبد الرحمن ، تفرد به عبد الرحمن بن قيس ) اهـ .
قلتُ : وعبد الرحمن كذبه ابن مهدي وأبو زرعة ، وقال البخاريُّ : (ذهب حديثه) ، وقال أحمد : ( لم يكن بشيء) ، وقال ابن حبان : ( كان ممن يقلب الأسانيد ، وينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ، تركه أحمد بن حنبل) اهـ .(1/152)
وهلال بن عبد الرحمن ، قال العقيلي في (الضعفاء) (2 /342) : (منكر الحديث) ، وعلي بن زيد هو ابن جُدعان ضعفوه من قبل حفظه ، وضعف الهيثمي الحديث في (مجمع الزوائد) (3 /143) ، وأعله بهلال بن عبد الرحمن ، وعبد الرحمن بن قيس شرٌّ منه ، والحديث أيضًا ضعفه المنذري في (الترغيب) (2 / 103 ، 104) إذ صدره بقوله : (روي) كما نص عليه في مقدمة الكتاب ، وكان اللائق به رحمه الله أن يحذفه من كتابه لشدة ضعفه ، فلو اكتفى بالصحيح والحسن وما يقاربهما مما ضعفُه محتمل لهان الأمر ، ولكنه أدخل الموضوعات والبواطيل والمناكير في كتابه ، والضعيف أيضًا وصدر الكل بقوله : (روي) فضاع على الناس معرفة شديد الضعف مما ضعفه محتمل . فالله المستعان .
أما الحديث الثاني : (يدخل فقراء أمتي الجنة…) فصحيحٌ .
فأخرجه الطبراني في (الكبير) (ج12 / رقم 13223) ، وفي (الأوسط) (ج1 /ق199/1) قال : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري . وأخرجه الإسماعيلي في (معجمه) رقم 45 بتحقيقي) من طريق أبي زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم ، قالا : ثنا علي بن بحر ، ثنا قتادة بن الفضل ، قال : سمعتُ أبا حاضر يحدث عن الوضين بن عطاء ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ابن عمر مرفوعًا فذكره بتمامه . وسنده ضعيفٌ أو واهٍ .
وقتادة بن الفضل ذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال أبو حاتم : ( شيخ ) ، وأبو حاضر ، قال الذهبي في (الميزان) (4 /512) : (مجهول) ، أما الهيثمي فقال في (المجمع) (1 /170) : ( أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه منكرُ الحديث) ، وصنيع الذهبي التفريق بينهما . والوضين بن عطاء في حفظه سوء .
وقال الطبراني : ( لا يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه ، ولم يحدث به إلا علي بن بحر) . اهـ .(1/153)
وعليُّ بن بحر ثقة ، والشأن في غيره كما تقدم ، وقال المنذري في (الترغيب) (4 /136) ، والهيثميُّ في (المجمع) (10 / 260) بعد ذكر الحديث : (رواته ثقات) كذا قالا ، وقد رجح الهيثمي أن أبا حاضر هو عبد الملك بن عبد ربه ، ووصمه بأنه منكر الحديث ، فكيف يقول : (رواته ثقات) ، وحتى لو فرق بينهما كما فعل الذهبي ، فأبو حاضر الذي يروي عن الوضين مجهول ، هذا مع ما قيل في حفظ الوضين ، فقولهما - على جميع الوجوه - لا يستقيم . والله أعلم .
ولكن للحديث شواهد يصح بها ؛ فأما أوله فصح عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ؛ أخرجه مسلم في (صحيحه) (2979 / 37) من طريق ابن وهب ، أخبرني أبو هانئ ، سمع أبا عبد الرحمن الحُبلي قال : وجاء ثلاثةُ نفر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص وأنا عنده ، فقالوا : يا أبا محمد ، إنا والله ما نقدرُ على شيء ، ولا نفقة ، ولا دابة ولا متاع ، فقال لهم : ما شئتم ، إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله لكم ، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان ، وإن شئتم صبرتم ، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفًا) . قالوا : فإنا نصبر ، ولا نسأل شيئًا .
وأخرجه أحمد (2 /169) ، وابنُ حبان ( ج2 / رقم 678) من طريق حيوة ، حدثنا أبو هانئ بسنده سواء بالمرفوع وحده دون القصة ، ولكن وقع عند ابن حبان : (بسبعين أو أربعين خريفًا) ، هكذا وقع الحديث عند ابن حبان على الشك ، وقد رواه أحمد قال : حدثنا أبو عبد الرحمن ثنا حيوة - وهو ابن شريح - وأخرجه وهو ثقة حافظ - ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، وهو أبو عبد الرحمن شيخ أحمد فيه ، فلعل الشك من أبي خيثمة ، أو من أبي يعلى رواية عنه . والله أعلم .(1/154)
ففي رواية أحمد عن المقرئ قال : (بأربعين خريفًا) ، ولم يشك ، وكذلك رواه هارون بن ملول المصري عن المقرئ مثل رواية أحمد : أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (42 الجزء المتمم) .
وأخرجه النسائي في (السنن الكبرى) (5876) ، والدارمي (2/245) ، وابن حبان (677) ، والبيهقي في (البعث والنشور) (411) من طريق معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : بينما أنا جالس في المسجد وحلقة من فقراء المهاجرين وسط المسجد جلوس ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد نصف النهار ، فانطلق إليهم ، فجلس معهم ، فلما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم جلس إليهم قُمتُ إليه ، فأدركتُ من حديثه وهو يقولُ : (بشر فقراء المهاجرين إنهم ليدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين عامًا) ، وسنده صحيح ، وهذا لفظ ابن حبان ، وعند الباقين : ( قال عبد الله بن عمرو : فلقد رأيت ألوانهم أسفرت حتى تمنيتُ أن أكون منهم) .(1/155)
وعند الدارمي : (أو معهم) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) (2 /70) ، وعنه البيهقي في (الشعب) (ج8 /رقم 3955) من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن عياش بن عياش ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي ؟) قال : الله ورسوله أعلم ، فقال : (فقراء المهاجرين يأتون يوم القيامة باب الجنة ، ويستفتحون ، فيقول لهم الخزنةُ : أو قد حوسبتم ؟ قالوا : بأي شيء تُحاسبونا ؟ وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى مُتنا على ذلك) ، قال : (فيفتح لهم ، فيقيلون فيه أربعين عامًا قبل أن يدخلها الناسُ) . قال الحاكم : (صحيحٌ على شرط الشيخين) ، ووافقه الذهبي وليس كما قالا ، والصواب أنه على شرط مسلم ، فهذه الترجمة : (سعيد بن أبي أيوب ، عن عياش بن عباس ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي) لم يخرجها البخاري ، ولم يرو البخاري شيئًا لعياش بن عباس .
وأخرجه أحمد (2 /168) ، وعبد بن حميد في (المنتخب) (352) ، وابن حبان (7421) ، وابن أبي عاصم في (الأوائل) (57) ، وأبو نعيم في (الحلية) (1 /347) ، وفي (صفة الجنة) (81) ، والبزار في (مسنده) (3665 - كشف الأستار) ، والبيهقي في (البعث) (414) ، وفي (الشعب) (ج8 /رقم 3954) ، عن الحاكم وهو في (المستدرك) (2 /71 ، 72) ، وابن جرير في (تفسيره) (4 /216) ، والأصبهاني في (الترغيب) (810) من طريق أبي عشانة حدثه قال : سمعتُ عبد الله بن عمرو يقول ، وساق الحديث بنحوه مع اختلاف في سياقه .
قال المنذري في (الترغيب) (2 /319 ، 320) : (إسناده حسنٌ ، لكن متنه غريبُ) .
وأخرجه أحمد (2 /168) قال : حدثنا حسنٌ ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو عشانة مثله .(1/156)
وأما آخر الحديث فله شواهد منها حديث ابن عمر مرفوعًا : (حوضي ما بين عدن وعمان أبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيبُ ريحًا من المسك ، أكوابُه مثلُ نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا ، أولُ الناس عليه ورودًا صعاليك المهاجرين) ، قال قائل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : ( الشعثة رءوسهم ، الشحبة وجوههم ، الدنسة ثيابُهم ، لا يُفتح لهم السدد ، ولا ينكحون المتنعمات ، الذين يعطون كلَّ الذي عليهم ، ولا يأخذون الذي لهم) .
أخرجه أحمد (2 /132) ، قال : حدثنا أبو المغيرة : ثنا عمرو بن عمرو أبو عثمان الأحموسي ، حدثني المخارق بن أبي المخارق عن عبد الله بن عمر .
قال المنذري في (الترغيب) (4 /420) : (إسناده حسنٌ) ، وقال الهيثمي في (المجمع) (10 /366) : (رواه أحمد والطبراني من رواية عمرو بن أبي عمرو الأحموسي عن المخارق بن أبي المخارق ، واسمُ أبيه عبد الله بن جابر ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات) .(1/157)
وله شاهد آخر من حديث ثوبان ، رضي الله عنه ، أخرجه الترمذي (2444) ، وابن ماجه (4303) ، وأحمد (5 /275 ،276) ، والطيالسي (995) ، والحاكم (4 /184) ، وابن أبي الدنيا في (الأولياء) (7) ، وابن عبد البر في (التمهيد) (2 /293 ، 294) من طرق عن محمد بن المهاجر ، عن العباس بن سالم اللخمي ، عن أبي سلام الحبشي ، قال : بعث إليَّ عمرُ بن عبد العزيز ، فحملتُ على البريد ، قال : فلما دخل عليه قال : يا أمير المؤمنين ، لقد شق عليَّ مركبي البريد ، فقال : يا أبا سلام ، ما أردتُ أن أشق عليك ، ولكن بلغني عنك حديثٌ تحدثه عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحوض ، فأحببتُ أن تشافهني به ، قال أبو سلام : حدثني ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (حوضي من عدن إلى عمَّان البلقاء ، ماؤه أشدُ بياضًا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأكاويبه عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها أبدًا ، أولُ الناس ورودًا عليه فقراء المهاجرين ، الشعث رءوسًا ، الدنس ثيابًا ، الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم السدد) . قال عمر : لكني نكحتُ المتنعمات ، وفتح لي السدد ، ونكحتُ فاطمة بنت عبد الملك ، لا جرم أني لا أغسل رأسي حتى يشعث ، ولا أغسلُ ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ .
وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا ، وقد اختلف في سنده وشرحتُ ذلك في تخريجي على (معجم الإسماعيلي) . فلله الحمدُ .
أما الحديث الثالث : (لا تمثلوا بالبهائم) .
فصحيحٌ :(1/158)
أخرجه النسائي (7 /238) ، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (ج16 /ق765) من طريق عبد العزيز بن أبي حازم ، وأخرجه أبو عمرو السمرقندي في (الفوائد المنتقاة) (80 - بتحقيقي) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي كلاهما عن يزيد بن الهاد ، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقوم يرمون كبشًا بالنبل ، فكره ذلك وقال : (لا تمثلوا بالبهائم) . وسنده جيدٌ .
وفي الباب عن ابن عمر ، أخرجه النسائي وأحمد (2 /13) بسند قوي .
وأما النهي عن التمثيل بذوات الأرواح ، ففيه حديث بريدة بن الحصيب عند مسلم وأصحاب السنن إلا النسائي كما حققته في (غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود) (رقم 1056) ، وهو مطبوع .
والحمد لله أولاً وآخرًا ، ظاهرًا وباطنًا ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين .
انتهى
أسئلة عام 1419
· يسأل القارئ :
أولاً فيقول :
هل صحيحٌ ما رواه أحمد عن أنس ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفيكم من ينشدنا ؟ ) فقام أعرابيٌ فقال : لسعت حيَّةُ الهوى كبدي فليس لها طبٌّ ولا راق فتواجد النبي صلى الله عليه وسلم حتى سقط رداؤه ؟
· فالجواب بعون الملك الوهاب :(1/159)
· أن هذا الحديث باطلٌ موضوع ، وهو من أسمج الكذب وأبرده ، وقد صان الله الإمام أحمد أن يودع مثل هذا الباطل في ( مسنده ) ، فلم يروه أحمد ولا غيره ، ولم يروه إلا أمثالُ الديلمي ممن يكثرون من تخريج الموضوعات ، وقال أبو موسى المديني : لا أصل لهذا الحديث بهذا السياق ، وذكره ابنُ القيم في ( الكلام على مسألة السماع ) ( ص323) ، فقال : وهذا الحديث من الطراز الأول - يعني : موضوع - فليتبوأ واضعهُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقعده من النار ، سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : هذا كذبٌ مفترى ، موضوع باتفاق أهل العلم ، قال ابن القيم : وركاكة شعره وسماجته وما تجد عليه من الثقالة من أبين الشواهد على أنه من شعر المتأخرين البارد السمج ، فقبَّح الله الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
· وثانيًا فيقول :
ذكر ابنُ كثير أن رجلاً دعا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم واستغاث وأنشد وطلب الاستغفار ومضى ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحد الحاضرين في المنام أن ينطلق خلفه فيبشره . فهل هذا صحيحٌ ؟
· والجواب : أن هذه القصة منكرة ، ولم يُحسن ابن كثير ، رحمه الله ، صنعًا بإيراده هذه القصة في ( تفسيره ) ( 2 / 306) ساكتًا عنها ، وقد بين ابن عبد الهادي في ( الصارم المنكي ) بطلانها ، فقال ملخصه : ( هذه الحكاية بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب ، عن أبي الحسن الزعفراني ، عن الأعرابي ، وقد ذكرها البيهقيُّ في كتاب ( شعب الإيمان ) بإسناد مظلمٍ ، عن محمد بن روح بن يزيد البصري ، حدثني أبو حرب الهلالي قال : حج أعرابيٌ ، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر .. وذكر نحو ما تقدم ) .
---
· ويسأل القارئ :
- الحديث الأول : ( صاحب الرمد لا يُعاد ) ؟(1/160)
· الجواب بحول الملك الوهاب : أن هذا الحديث منكر ؛ أخرجه الطبراني في ( المعجم الأوسط ) ( 152) ، وابن عدي في ( الكامل ) ( 6 / 2314) ، ومن طريقه البيهقي في ( الشعب ) ( 6 / 535) ، والعقيلي في ( الضعفاء ) (4 / 212) ، ومن طريقه ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ( 3/ 208 ، 209) ، من طريق مسلمة بن علي ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ ، عن أبي جعفر ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( ثلاثٌ لا يُعاد صاحبُهنَّ : الرمد ، وصاحب الضرس ، وصاحب الدُّمَّل ) ، قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي ألا مسلمة بن علي ) ، وقال ابنُ عدي : ( لا أعلم يروي هذا الحديث عن الأوزاعي بهذا الإسناد غير مسلمة بن علي ) .
· قلتُ : وهو متروك ؛ وقد خالفه هقل بن زياد ، وهو من أثبت الناس في الأوزاعي ، فرواه عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير من قوله ، أخرجه البيهقي في ( الشعب ) ( 6 / 535) ، وقال : ( وهو الصحيحُ ) ، وتابعه بقية بن الوليد ، فرواه عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، فلم يجاوزه .(1/161)
أخرجه العقيليُّ ( 4 / 212) ، وقال : ( هذا أولى ) ، ثم أعلم أن هذا الحديث منكرٌ لمخالفته الأحاديث الصحيحة ، والتي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود الأرمد ؛ منها ما أخرجه أحمد في ( مسنده ) ( 4 / 375) ، والطبرانيُّ في ( المعجم الكبير ) ( ج5/ رقم 2052) ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) ( 6/ 535 ، 536) ، والخطيبُ في ( تاريخه ) ( 8 / 411) من طريق يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعتُ زيد بن أرقم يقول : أصابني رمدٌ ، فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان من الغد أفاق بعض الإفاقة ، ثم خرج ولقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أرأيت لو أنَّ عينيك لما بهما ، ما كنت صانعًا ؟ ) قال : كنتُ أصبرُ وأحتسب . قال : ( أما والله لو كانت عيناك لما بهما ، ثم صبرت واحتسبت ، ثم مُتَّ لقيت الله عز وجل ولا ذنب لك ) . وهذا سندٌ صحيحٌ .
وأخرجه أبو داود ( 3102) ، والحاكمُ ( 1/ 342) من طريق النفيلي ، ثنا حجاج بن محمد ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن زيد بن أرقم قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني ، هكذا رواه حجاج مختصرًا ، وقال الحاكمُ : ( صحيحٌ على شرط الشيخين ) ، ووافقه الذهبيُّ ، وليس كما قالا ، فإن الشيخين لم يخرجا شيئًا للنفيلي واسمه عبد الله بن محمد ، عن حجاج بن محمد الأعور ، ولا خرجا شيئًا لحجاج عن يونس ، والصوابُ أن السند صحيحٌ مطلقًا غير مقيد بشرطهما أو شرط أحدهما ، والله أعلم .
والحديث حسَّنه المنذري في ( تهذيب سنن أبي داود ) ( 4/ 279) .
الحديث الثاني : هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصعق إذا سمع القرآن ؟(1/162)
· الجواب : نعم ورد ؛ ولكنه لم يصح ، فأخرجه أحمد ( ص27) ، وهناد بن السري ( 267) كلاهما في ( كتاب الزهد ) ، وأبو عبيد في ( فضائل القرآن ) ( ص 64) ، والطبري في ( تفسيره ) ( 29/ 85) كلهم عن وكيع ، وهذا في ( كتاب الزهد ) (رقم 28) قال : حدثنا حمزة الزيات ، عن حمران بن أعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا ) [ المزمل : 12] فصُعق ، وخولف وكيع ، خالفه أبو يوسف ، فرواه عن حمزة الزيات ، عن حمران بن أعين ، عن أبي حرب بن أبي الأسود . فذكره .
أخرجه ابنُ عدي في ( الكامل ) ( 2/ 842) ، ومن طريقه البيهقي في ( شعب الإيمان ) ( 1/ 522) قال ابنُ عدي : ( رُوي هذا الحديث عن أبي يوسف ، عن حمزة ، عن حمران أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يُذكر أبو حرب بن أبي الأسود في الإسناد ) . اهـ .
وسنده ضعيفٌ جدًّا ، وحمران بن أعين وإن وثقه ابنُ حبان ، فقد قال النسائي : ( ليس بثقةٍ ) ، وقال ابنُ معين : ( ليس بشيءٍ ) ، وقال أبو داود : ( كان رافضيًا ) ، وفوق هذا هو مرسل على الوجهين ، وأعله البيهقي بالإرسال .
وحمزة الزيات هو ابن حبيب ، في حفظه كلامٌ . والله أعلمُ .
الحديث الثالث : ( الجهاد مختصر طريق الجنة ) ؟
· الجواب : لم أقف عليه ، وذكره ابنُ قدامة في ( المغني ) (1/ 8) بلا إسنادٍ .
· الحديث الرابع :
( أوتيت جوامع الكلم ، واختصر لي الحديثُ اختصارًا ) ؟
· الجواب : هو ضعيف بهذا التمام .
أخرجه أبو أحمد العسكريُّ في ( كتاب الأمثال ) - كما في ( إتحاف السادة ) ( 7 / 113) للزبيدي من طريق سليمان بن عبد الله النوفلي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال .(1/163)
فذكره . قال الزبيدي : ( هو مرسلٌ ، وفي سنده من لم يعرف ) ، لكن له طريقٌ آخر ، أخرجه البيهقيُّ في ( الشعب ) ( ج4 / رقم 1367) من طريق محمد بن يونس قال : حدثنا شعيب بن بيان الصفار ، حدثنا شعبة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن عمر بن الخطاب مرفوعًا : ( أُعطيتُ جوامع الكلم ، واختصر لي الحديث اختصارًا ) .
وسنده ضعيفٌ جدًّا ، ومحمد بن يونس هو الكُديمي ، اتهمه أبو حاتم بن حبان وابنُ عدي والدارقطني بوضع الحديث ، وقال الدراقطني : ( ما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله ) ، وقال الذهبي : ( أحدُ المتروكين ) ، وشعيب بن بيان الصفار تكلَّم فيه العقيلي في ( الضعفاء ) ( 2/ 183) ، فقال : ( يحدث عن الثقات بالمناكير ، كان يغلبُ على حديثه الوهم ) .
وقال الجوزجاني : ( له مناكير ) ، وعلي بن زيد هو ابنُ جُدعان ضعفوه من قبل حفظه ، وقد خالفه جرير بن حازم ، فرواه عن الحسن أن عمر بن الخطاب ، رضوان الله عليه ، قال : يا رسول الله ، إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا ، وقد هممنا أن نكتبها ، فقال : ( يابن الخطاب ، أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهودُ والنصارى ، أما والذي نفسُ محمدٍ بيده ، لقد جئتكم بها بيضاء نقيَّة ، ولكني أُعطيتُ جوامع الكلم ، واختصر لي الحديث اختصارًا ) .(1/164)
أخرجه ابنُ الضريس في ( فضائل القرآن ) (89) قال : أنبأ موسى بن إسماعيل ، ثنا جرير ، وهذا الوجه مع انقطاعه فهو أمثل من الوجه الأول ، وقد رأيتُ في ( المصنف) (ج6 / رقم 10163) ، ومن طريقه البيهقيُّ في ( الشعب) ج9 / رقم 4837) عن معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، مرَّ برجلٍ يقرأ كتابًا سمعه ساعةً ، فاستحسنه ، فقال للرجل : أتكتبُ من هذا الكتاب ؟ قال : نعم ، فاشترى أديمًا لنفسه ، ثم جاء به إليه ، فنسخه في بطنه وظهره ، ثم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يقرؤه عليه ، وجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتلونُ ، فضرب رجلٌ من الأنصار بيده الكتاب ، وقال : ثكلتك أمُّك يا ابن الخطاب ، ألا ترى إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم منذ اليوم وأنت تقرأ هذا الكتاب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ( إنما بعثتُ فاتحًا وخاتمًا ، وأعطيتُ جوامع الكلم وفواتحه ، واختصر لي الحديث اختصارًا ، فلا يهلكنكم المتهوكون ) .(1/165)
وهذا سندٌ رجالهُ ثقات ، لكنه منقطعٌ ، وأبو قلابة - واسمه : عبد الله بن زيد الجرميُّ - لم يدرك عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعزاه العراقي في ( تخريج الإحياء ) ( 2/ 367) لـ ( عبد بن حميد ) بسندٍ منقطع ، وأظنه يعني هذا الطريق ، ولم أجده في ( المنتخب من مسنده ) ، ولعله في ( تفسيره ) ، ولكن له طريق آخر عن عمر ، وذكر قصةً قال فيها : فانطلقت أنا فاستنسختُ كتابًا من أهل الكتاب ، ثم جئتُ به في أديم ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما هذا الذي في يدك يا عُمر ؟ ) قال : قلتُ : يا رسول الله ، كتابٌ ، نسختُهُ لنزداد به علمًا إلى علمنا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى احمرت وجنتاه ، ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقالت الأنصار : أغضبتم نبيَّكم ، السلاح السلاح ، فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( يا أيها الناس ، إني قد أوتيتُ جوامع الكلم وخواتمه ، واختصر لي الحديث اختصارًا ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية ، فلا تتهوكوا ، ولا يغرنكم المتهوكون ) .
فقال عمر : فقمتُ فقلتُ : رضيت بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبك رسولاً .(1/166)
أخرجه أبو يعلى في ( المسند الكبير ) - كما في ( المطالب العالية ) (ق149/ 2) - قال : حدثنا عبد الغفار بن عبد الله ، ثنا عليُّ بن مسهر ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن خليفة بن قيس ، عن خالد بن عرفطة ، قال : كنت جالسًا عند عمر . فذكره . وسنده ضعيفٌ ، وعبد الرحمن بن إسحاق فضعفوه لكثرة المناكير في حديثه ، وبه أعلَّ الحديث الهيثميُّ في ( المجمع ) ( 1/ 173) ، وقد اختلف عليه فيه كما يأتي ، وخليفة بن قيس مولى خالد بن عرفطة ، قال ابنُ أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) (1/ 2/ 376) : ( سألت أبي عنه ، فقال : هو شيخٌ ليس بالمعروف ) ، وترجمه البخاريُّ ( 2/ 1/ 192) ، وقال : ( لم يصح حديثه ) ، كأنه يعني هذا ، أمَّا ابنُ حبان فوثقه (4/ 209) كعادته ! وقد اختلف على عبد الرحمن بن إسحاق في إسناده ومتنه ، فرواه عنه عليُّ بن مسهر كما مرَّ ، وخالفه هشيم بن بشير ، فرواه عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا : ( أعطيتُ فواتح الكلم وخواتمه ) . قلنا : يا رسول الله ، علَّمنا مما علمك الله عز وجل ، فعلَّمنا التشهد .
أخرجه ابنُ أبي شبية في ( المصنف ) (ج11/ رقم 11784) ، وأبو يعلى في ( مسنده ) ( ج13/ رقم 7238) ، والحسن بن عرفة في ( جزئه) (33) ، ومن طريقه البيهقي في ( الشعب ) (ج4/ رقم 1368) ، والخطيبُ في ( موضح الأوهام ) (2/ 459) ، وسنده ضعيفٌ أيضًا ، وله شاهدٌ عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أخرجه الدارقطنيُّ في ( سننه ) ( 4/ 144، 145) من طريق زكريا بن عطية ، نا سعيد بن خالد ، حدثني محمد بن عثمان ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس مرفوعًا : ( أعطيتُ جوامع الكلم ، واختصر لي الحديث اختصارًا ) .
قال العراقي في ( تخرج الإحياء ) (2/ 367) : ( إسناده جيد ) ، كذا قال ، فأغرب ! لأن زكريا بن عطية منكر الحديث ، كما قال أبو حاتم .(1/167)
فيظهر لك من هذا التحقيق أن الحديث ضعيفٌ بهذا التمام ، فتعلم بذلك تساهل السيوطي ، إذ حسنه في ( الجامع الصغير ) ، وتبعه على ذلك العزيزي في ( السراج المنير شرح الجامع الصغير ) ، كما في ( التعليق المغني على الدارقطني ) (4/ 145) .
لكن للفقرة الأولى منه شواهد عن جماعةٍ من الصحابة ، منها حديث أبي هريرة في ( الصحيحين ) ، وله طريق كثيرة عنه ، ومثل حديث علي بن أبي طالب عند البزار ( ج3/ رقم 213 ، 214) ، وأصله عند أحمد ( 1/ 98) ، وابن أبي شيبة ( 11/ 434) ، والآجري في ( الشريعة ) (ص498) ، وقد اختلف في إسناده ، وقد رواه غيرهما من الصحابة الكرام ، والعلمُ عند الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ :
1- ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان ) ؟
2- ( رب قائم حظه من قيامه السهر ، وربَّ صائم حظُّه من صيامه العطش ) ؟
3- ( رمضان أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ) ؟
4- ( إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلاً ، اتخذوا دين الله دغلاً ، وماله دولاً ، وعباده خولاً ) ؟
والجواب بحول الملك والوهاب :
أما الحديث الأول : ( اللهم بارك لنا … ) فهو حديث منكر .
أخرجه عبد الله بن أحمد (2346 - شاكر ) ، والبزار (961 - كشف الأستار ) ، وابن أبي الدنيا في ( فضائل رمضان ) (ق2 / 1) ، وابن السني في ( اليوم والليلة ) ( 659) ، والطبراني في ( الأوسط ) ( 3939) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (6 / 269) ، والبيهقي في ( فضائل الأوقات ) (14) من طرق عن زائدة بن أبي الرقاد ، نا زياد النميري ، عن أنسٍ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال . فذكره .
وزاد عبد الله بن أحمد وابنُ السني والبيهقي : وكان يقول : ( ليلة الجمعة غراء ، ويومها أزهر ) .
قال الطبراني : ( لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ، تفردَّ به زائدة بن أبي الرقاد ) .(1/168)
وقال البيهقي : ( تفرَّد به زائدة بن أبي الرقاد ، عن زياد النميري ) .
قُلْتُ : وزائدة منكرُ الحديث ، كما قال البخاري والنسائي ، وقال أبو حاتم : ( يحدث عن زياد النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة ، ولا ندري منه أو من زياد ) .
وقال أبو داود : ( لا أعرف خبره ) .
وزياد بن عبد الله النميري ضعفه ابن معين وأبو داود ، وقال ابن حبان : ( منكر الحديث يروي عن أنسٍ أشياء لا تشبه حديث الثقات ، لا يجوز الاحتجاج به ) .
وقال أبو حاتم : ( يكتب حديثه ولا يحتج به ) .
أمَّا الحديث الثاني : ( ربُ قائمٍ … ) .
أخرجه أحمد (8856) ، وابنُ خزيمة (3/242) ، وأبو يعلى (ج11 / رقم 6551) ، والحاكمُ (1/ 431) ، والقضاعيُّ في ( مسند الشهاب ) (1426) ، والبغويُّ في ( شرح السنة ) ( 6/ 273) ، والشجري في ( الأمالي ) (2/ 106 ، 112) من طريق إسماعيل بن جعفر ، والدارميُّ في ( سننه ) (2/ 211) ، وابنُ أبي الدنيا في ( فضائل رمضان ) (38) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد ، وابن حُبان (3481) ، والبيهقي في ( السنن الكبير ) (4/ 270) ، وفي ( فضائل الأوقات ) (59) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي .
والبيهقي أيضًا في ( الشعب ) (ج7 / رقم 3369) من طريق يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني ؛ أربعتهم عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، فذكره ، وهو عند بعضهم بلفظ : (كم من صائمٌ … ) .
وهذا سندٌ جيد ، وعمرو بن أبي عمرو صدوق متماسكٌ ، وتابعه أسامة بن زيد الليثي ، فرواه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا مثله .(1/169)
أخرجه ابن ماجه (1690) ، وأحمد (9685) ، والنسائيُّ (2/ 239) ، وأبو بكر الكلاباذي في ( معاني الأخبار) ( ق257 / 1) ، وأبو نعيم في ( أخبار أصبهان ) ( 1 / 225) ، كلهم من طريق ابن المبارك ، وهذا في ( مسنده ) (75) عن أسامة ، وتابعه زيد بن شعيب عن أسامة به . أخرجه القضاعي في ( مسند الشهاب ) (1425) ، وأخرجه النسائي في ( الكبرى ) أيضًا (2 / 239) من طريق ابن المبارك بسنده سواء ، لكنه أوقفه على أبي هريرة .
وأخرجه النسائي أيضًا من طريق ابن المبارك ، عن سعيد المقبري عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، فزاد في الإسناد ( والد سعيد المقبري ) ، وهذا الأضطراب من أسامة بن زيد لسوء حفظه ، لكن يترجح الوجه الأول المرفوع لمتابعة عمرو بن أبي عمرو ، والله أعلم . وله شاهدٌ من حديث ابن عمر مرفوعًا : ( ربُّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، وربَّ قائم حظُّه من قيامه السهر ) .
أخرجه الطبراني في ( الكبير ) (ج12 / رقم 13413) ، وابن عدي في ( الكامل ) (6 / 2398) ، والقضاعي في ( مسند الشهاب ) (1424) من طريق بقية بن الوليد ، عن معاوية بن يحيى الأطرابلسي ، عن موسى بن عقبة ، عن نافعٍ ، عن ابن عمر .
قال المنذري في ( الترغيب ) (2 / 148) : ( إسناده لا بأس به ) .
وقال الهيثمي في ( المجمع ) (3 / 202) : ( رجاله موثقون ) .
قُلْتُ : كذا قال ! والحديث منكر ، كما قال أبو حاتم الرازي في ( علل ولده ) (692) ، لكن ابنه سأله : مَنْ معاوية بن يحيى ؟ فقال : ( لا يُدرى ) ! كذا قال أبو حاتم ، وهو الأطرابلسي ، وقد أورد ابنُ عدي هذا الحديث في ترجمته من ( الكامل ) ، وختم ترجمته قائلاً : ( ومعاوية الأطرابلسي هذا له غير ما ذكرتُ من الحديث ، وفي بعض رواياته ما لا يتابع عليه ) . اهـ .
ومنها هذا الحديث ، فقد قال ابن عدي عقبه : ( وهذا الحديث يرويه معاوية بن يحيى ) .(1/170)
ومقصوده أنه تفرَّد به ، ثم علّةٌ أخرى وهي عنعنة بقية بن الوليد ، وكان يدلس تدليس التسوية ، فنحتاج أن يصرح بالتحديث في كل طبقات السند . والله أعلم .
أمَّا الحديث الثالث : ( رمضان أوله رحمة … ) فحديث باطلٌ .
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في ( فضائل رمضان ) (ق14 / 1) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (3 / 1157) ، والعقيلي في ( الضعفاء ) (2 / 162) ، والخطيب في ( موضح الأوهام ) ( 2 / 147) ، والشجري في ( الأمالي ) (1 / 264) من طرقٍ عن هشام بن عمار ، ثنا سلام بن سوار ، ثنا مسلمة بن الصلت ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، فذكره .
قال ابنُ عدي : ( وهذا أيضًا يرويه سلاَّم بن سوار ، عن مسلمة بن الصلت ، ومسلمة ليس بالمعروف ) .
وقال العقيلي : ( لا أصل له - يعني : الحديث - من حديث الزهري ) .
قُلْتُ : وسلام هو ابن سليمان بن سوَّار ، ابن أخي شبابة بن سوار ، منكرُ الحديث ، ضعفه غير واحدٍ من النقاد ، وقد رواه مرة أخرى فجعله عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أخرجه الخطيب في ( الموضح ) ، وقال بعد أن ضعفه : ( ومن ضعفه اختلاف رواية هذا الحديث ) .
ومسلمة بن الصلت قال ابنُ عدي : ( ليس بالمعروف ) .
ووافقه الذهبي في ( الميزان ) (2 / 179) .
أمَّا الحديث الرابع : ( إذا بلغ بنو العاص … ) فباطلٌ .
وقد ورد من حديث أبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان ، وابن عباس وأبي ذر وأبي سعيد الخدري ، رضي الله عنهم ، وهاك تخريج أحاديثهم باختصار :
أمَّا حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ؛ فأخرجه البيهقي في ( دلائل النبوة ) (6 / 507) من طريق أبي بكر بن أبي أويس ، قال : حدثني سليمان بن بلال ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، وقد خولف سليمان بن بلال في رفعه ، خالفه إسماعيلُ بن جعفرٍ ، قال : أخبرني العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره موقوفًا .(1/171)
أخرجه أبو يعلى في ( المسند ) ( ج11 / رقم 6523) ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، وأخرجه الخطابي في ( غريب الحديث ) (2 / 436) من طريق علي بن حُجْر قالا : ثنا إسماعيل به .
وهذه الرواية أصحُّ ، ورفع هذا الحديث عندي منكرٌ ، وأبو بكر بن أبي أويس اسمه عبد الحميد بن عبد الله ، وهو ثقةٌ ، ولكن قال فيه النسائي : ( ضعيف ) ، فلعلَّ هذا منه ، وربما كان ذلك من العلاء ، والله أعلم .
أما حديث معاوية وابن عباس ، رضي الله عنهم ؛ فأخرجه نعيم بن حماد في ( الفتن ) (316) ، قال : حدثنا رشدين . وأخرجه البيهقي في ( الدلائل ) (6 / 507 ، 508) من طريق كامل بن طلحة كلاهما عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن ابن مَوْهب أن معاوية بينما هو جالسٌ وعنده ابنُ عباس ، إذ دخل عليهم مروان بن الحكم في حاجةٍ ، فلما أدبر قال معاوية لابن عباس : أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلاً ، اتخذوا مال الله تعالى بينهم دولاً ، وعباده خولاً ، وكتابه دغلاً ) .
قال ابن عباس : اللهم نعم ! ثم إن مروان ردَّ عبد الملك إلى معاوية في حاجته ، فلما أدبر عبدُ الملك قال معاوية : أنشدك بالله يابن عباس ! أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا فقال : ( أبو الجبابرة الأربعة ) ! قال ابنُ عباس : اللهم نعم .
قُلْتُ : وهذا منكرٌ جدًّا ، كأنه موضوع ، فلعلَّ أحدًا كذبه وأدخله على ابن لهيعة ، وليس بغريب أن يحدث مثله لابن لهيعة مع شدة غفلته في آخر عمره ، رحمه الله .
وقد ذكر الحافظ ابنُ كثير هذه الرواية في ( البداية والنهاية ) (6 / 242) ، ثم قال : ( وفيه غرابةٌ ونكارة شديدةٌ ) .
أمَّا حديث أبي ذرٍ ، رضي الله عنه ؛ فأخرجه نعيم بن حماد في ( الفتن ) (314) ، والحاكم في ( المستدرك ) (4 / 479 ، 480) من طريقين واهيين عن أبي ذر .
قال الذهبي في ( تلخيص المستدرك ) عن أحدهما : ( على ضعف رواته منقطعٌ ) .(1/172)
وقال ابن كثير في ( البداية ) (6 / 242) : ( منقطع بين راشد بن سعد وأبي ذر ) .
أمَّا حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ؛ فأخرجه أبو يعلى في ( المسند ) (2 / 383 ، 384) ، ومن طريقه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) ( ج16 / ق 254) ، وأخرجه الطبراني في ( الأوسط ) ( 7785) ، قال : حدثنا محمود بن محمد الواسطي قالا : ثنا زكريا بن يحيى بن المعروف بـ ( زحمويه ) ، قال : ثنا صالح بن عمر ، عن مطرف بن طريف ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا ، فذكر مثله .
وأخرجه أحمد ( 3 / 80) ، وإسحاق بن راهويه في ( مسنده ) ، كما في ( البداية ) (6 / 242) لابن كثير ، والبزار (1620) ، والبيهقي في ( الدلائل ) (6 / 507) من طريق جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد مرفوعًا مثله .
قال البزار : ( لا نعلم رواه إلا أبو سعيد ، ولا عنه إلا عطية ) .
وقال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن مطرف ، إلا صالح بن عمر ، تفرد به : زحمويه ) .
قُلْتُ : أمَّا قول البزار فمتعقبٌ بما ذكرتُهُ قبل ذلك من أحاديث الصحابة الكرام ، وأما قول الطبراني فمتعقبٌ بأن زحمويه لم يتفرد به ، فتابعه سعدويه ، واسمه سعيد بن سليمان الواسطي قال : ثنا صالح بن عمر بسنده سواء .
أخرجه البزار في ( مسنده ) (1621 - كشف الأستار ) ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، ثنا سعيد بن سليمان بسنده سواء .
وسند هذا الحديث ضعيفٌ على أي حال ، وعطية العوفي ضعَفه يحيى القطان وأحمد بن حنبل والنسائي وأبو حاتم والدارقطني ، ولينه أبو زرعة ، ومشاه آخرون .
والحديث باطلٌ على كل حال . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---
تسأل القارئة :
1- رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يبول قائمًا فنهاه عن ذلك ؟
2- ( ثلاث من الجفاء : أن يبول الرجل قائمًا ، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، أو ينفخ في سجوده ) ؟(1/173)
3- كان الرجل من بني إسرائيل إذا وقع عليه بول قرضه بالمقاريض) ؟
4- لا تحلفوا بغير الله ، وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ، ولا تستنجوا بعظمٍ ولا ببعرة ) ؟
والجواب بحول الملك والوهاب :
أمَّا الحديث الأول : ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر … ) ، فهو حديثٌ ضعيفٌ .
أخرجه ابن حبان (ج2/ رقم 1420 ) من طريق هشام بن يوسف ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعًا : ( لا تبل قائمًا ) ، قال ابن حبان : ( أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمع من نافع هذا الخبر ) .
قُلْتُ : وقد صحَّ ظنُّ ابن حبان ، فقد رواه عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أبول قائمًا ، فقال : ( يا عُمر ، لا تبل قائمًا ) ، فما بُلت قائمًا بعدُ .
أخرجه الترمذي ( 1/ 17) معلقًا ، ووصله ابنُ ماجه (308) ، وابنُ المنذر في ( الأوسط ) (ج1 / رقم 284) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (5/ 1987) ، وتمام الرازي في ( الفوائد) (148) ، والحاكم في ( المستدرك ) (1/ 185) ، والبيهقي في ( السنن الكبير ) (1/ 102) ، فظهر من هذا التخريج أن ابن جريج دلَّس ابن أبي المخارق وأسقطه ، وكان قبيح التدليس كما قال الدارقطني : ( تجنب تدليس ابن جريج ، فإنه قبيحُ التدليس ، لا يدلس ، إلا ما سمعه من مجروح ) ، وعبد الكريم ضعيف ، وتركه جماعةٌ من النقاد ، ولذلك قال ابنُ المنذر : ( هذا لا يثبتُ ) ، أما الشوكاني فنقل في ( السيل الجرار ) (1/ 67) أن السيوطي صحَّحه !! فربما نظر السيوطي إلى رواية ابن حبان ، وأهمل تدليس ابن جريج ، والسيوطي متساهل كما هو معلوم ، ثم إن الحديث عند ابن حبان عن ( ابن عمر ) ، والمعروف أنه عن ( عمر ) ، فلا أدري أهذا اختلاف في السند أم وقع سقط في كتاب ابن حبان ؟!(1/174)
والحديث ضعفه النووي في ( المجموع ) (2/ 84) ، وقال الترمذي : ( وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم … وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث ) . اهـ .
قُلْتُ : والترمذي يشير بكلامه هذا إلى أن الصواب وقفه ، فأخرجه ابنُ أبي شيبة في ( المصنف ) (1/ 124) ، وابنُ المنذر في ( الأوسط ) (1 / 338) ، والبزار ( ج1/ رقم 244) ، وأبو بكر النجار في ( مسند عمر ) (ق166 / 2) ، والطحاويُّ في ( شرح المعاني ) (4/ 268) ، من طرق عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر قال : ( ما بُلت قائمًا منذ أسلمتُ ) . قال ابنُ المنذر : ( ثبت عن عمر ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) (1/ 216) : ( رجاله ثقات ) ، وسندُهُ صحيحٌ ، لكن أخرج ابن أبي شيبة ( 1/ 123 ) ، والطحاوي (4/ 268) من طريقين عن الأعمش ، عن زيد بن وهب قال : رأيتُ عمر بن الخطاب بال قائمًا ، زاد الطحاوي : ( فأجنح - يعني : مال - حتى كاد يُصرع ) ، وسنده صحيحٌ أيضًا ، ولا يُعلُّ بتدليس الأعمش ؛ لأن شعبة رواه عنه عند الطحاوي ، وقد ثبت عن شعبة أنه قال : ( كفيتكم تدليس ثلاثة : الأعمش ، وقتادة ، وأبي إسحاق السبيعي ) .
فظاهر الأثرين التناقض ، وقد جمع بينهما بعضُ أهل العلم ، فقال ابن المنذر في ( الأوسط ) (1/ 338) : ( فقد يجوز أن يكون عمر - إلى الوقت الذي قال فيه هذا القول - يعني : ما بُلت قائمًا - لم يكن بال قائمًا ، ثم بال بعد ذلك ، فرآه زيد بن وهب ، فلا يكون حديثاه متضادين ) ، وكذلك قال الطحاوي .
أما الحديث الثاني : ثلاث من الجفاء … ) ؛ فلا يصحُّ مرفوعًا .(1/175)
أخرجه البخاري في ( التاريخ الكبير ) (2/ 1 / 496) ، وابن قانع في ( الفوائد) (ق3/ 2- 4 / 1) ، والطبراني في ( الأوسط ) (ج2 / ق69 / 2) ، والبزار (ج1 / رقم 547) ، من طريق سعيد بن عبيد الله ثنا ابن بريدة ، عن أبيه مرفوعًا فذكره ، ولم يذكر الطبراني النفخ في السجود ، وزاد الخاري من رواية نصر بن علي عن سعيد : ( أربع من الجفاء … وأن يسمع المنادي ، ثم لا يتشهد مثل ما يتشهد ) .
قال البزار : ( لا نعلم رواه عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، إلا سعيد ، ورواه عن سعيد ، عبيد الله بن داود ، وعبدالواحد بن واصل ) .
وقال الهيثمي في ( المجمع ) (2/ 83) : ( رجال البزار رجال الصحيح ) ، وتوسع البدر العيني في الحكم ، فقال في ( عمدة القاري) (3/ 135) : ( إسناده صحيحٌ ، وقول الترمذي يُردُّ ) .
قلتُ : وقول الترمذي أن حديث بريدة غير محفوظٍ ، هو الصوابُ عندي كما يأتي ، أما البدر العيني ، رحمه الله ، فجرى على ظاهر السند ، وخفيت عليه العلة الحقيقة .
قال المباركفوري في ( تحفة الأحوذي) (1/ 68) يردُّ على البدر العيني : ( الترمذي من أئمة هذا الشأن ، فقوله : حديث بريدة غير محفوظ يعتمد عليه ، وأما إخراج البزار حديثه بسندٍ ظاهرة الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ ) . اهـ .
أمَّا علة الحديث ؛ فهي المخالفة ، فقد خولف سعيد بن عبيد الله فيه ، فقد خالفه قتادة ، فرواه عن ابن بريدة ، عن ابن مسعود ، أنه كان يقول : ( أربع من الجفاء : أن يبول الرجل قائمًا ، وصلاة الرجل والناس يمرون بين يديه ، وليس بين يديه شيءٌ يستره ، ومسح الرجل التراب عن وجهه وهو في صلاته ، وأن يسمع المؤذن فلا يجيبُه في قوله ) .(1/176)
أخرج ابنُ المنذر في ( الأوسط ) (ج1 / رقم 281) بالفقرة الأولى ، والبيهقيُّ (2/ 285) ، وقال : ( وكذلك رواه الجريري عن ابن بريدة ، عن ابن مسعود ) ، وطريق الجريري هذا أخرجه البخاريُّ في ( الكبير ) ، وقال : ( قال نصر : حدثنا عبد الأعلى ، عن الجريري ، عن ابن بريدة ، عن ابن مسعود نحوه ) . اهـ .
ونقل البيهقيُّ عن البخاري أنه قال : ( هذا حديثٌ منكر ، يضطربون فيه ) .
قُلْتُ : وقد مرَّ وجهان لهذا الاضطراب :
الأول : أن سعيد بن عبيد الله رفعه .
الثاني : أن قتادة والجريري واسمه سعيد بن إياس خالفاه في موضعين :
أ - أنهما أوقفاه .
ب- أنهما نقلاه من ( مسند بريدة ) إلى ( مسند ابن مسعود ) ، وهما يترجحان عليه ، لا سيما وقد قال الدارقطني في سعيد بن عبيد الله ، ( ليس بالقوي يحدث بأحاديث يسندها ويوقفها غيره ) ، وهذا الحديث مثالٌ لذلك .
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 124) ، وابنُ المنذر في ( الأوسط ) ( ج1/ رقم 280) من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن المسيب بن رافع ، عن ابن مسعود قال : ( من الجفاء أن يبول قائمًا ) ، ورجالُه ثقات ، غير أنه منقطع بين المسيب بن رافع وابن مسعود ، كما صرَّح بذلك أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان .
الوجه الثالث : أن كهمس بن الحسن رواه عن ابن بريدة من قوله ، ولم يذكر ابن مسعود ، أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124) حدثنا وكيع ، عن كهمس ، وسنده صحيحٌ .
فالصواب في الحديث الوقف ، وأنه ليس بمرفوع ، والله أعلم .
أمَّا الحديث الثالث : ( كان الرجل من بني إسرائيل …) ؛
فهو حديث صحيحٌ .(1/177)
أخرجه أبو داود (22) ، والنسائي (30 - بذل الإحسان) ، وابنُ ماجه (346) ، وأحمد (4/ 196) ، ابنُ أبي شيبة (1/ 122 ، و 3 / 375) ، وعنه ابن أبي عاصم في ( الآحاد والمثاني) (ج2 / ق98 1) ، والحميدي (882) ، وابنُ الجارود (131) ، وابن قانع في ( معجم الصحابة) (ج7 / ق106 /2) ، وأبو يعلى (ج2/ رقم 932) ، ويعقوب بن سفيان في ( المعرفة) (1/284) ، وابنُ حبان (139) ، وأبو القاسم البغوي في ( معجم الصحابة) (ج16 / ق210 / 2) ، وابنُ المنذر في ( الأوسط ) (ج1 / رقم 283، وج2 / رقم 687 ، والحاكم (1/ 184) ، والسهميُّ في ( تاريخ جرجان) (ص492) ، والبيهقي في ( السنن الكبير ) (1 / 104) ، وفي ( عذاب القبر ) (رقم 144) من طريق عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن حسنة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي يده كهيئة الدرقة ، فوضعها ، ثم جلس خلفها ، فبال إليها ، فقال بعض القوم : انظروا يبول كما تبول المرأة ، فسمعه فقال : ( أو ما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل ؟ كانوا إذا أصابهم شيءٌ من البول قرضوه بالمقاريض ، فنهاهم صاحبهم فعذب في قبره ) .
قال الحافظ في ( الفتح) (1/328) : ( حديث صحيح ، صححه الدارقطني وغيره ) ، وقال الحاكم : ( صحيحُ الإسناد ، ومن شرط الشيخين أن يبلغ) ، وصرح الذهبيُّ به تصريحًا فقال : ( على شرطهما) ، وقد رواه عن الأعمش جماعةٌ منهم : ( وكيع ، وأبو معاوية ، وسفيان ، وزائدة بن قدامة ، وعبيد الله بن موسى ، وعبد الواحد بن زياد ، ويعلى بن عبيد ) ، وقال ابنُ المنذر : ( خبر صحيح ) .
أمَّا الحديث الرابع : ( لا تحلفوا بغير الله … ) ؛ فهو ضعيفٌ جدًّا .(1/178)
أخرجه أحمد (3/ 487) حدثنا روح عبد الرزاق ، قالا : أنا ابنُ جريج ، قال : حدثني عبد الكريم بن أبي المخارق أن الوليد بن مالك بن عبد القيس أخبره - وقال عبد الرزاق : من عبد القيس ، أن محمد بن قيس مولى سهل بن حنيفٍ - من بني ساعدة - أخبره أن سهلاً أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه قال : ( أنت رسولي إلى أهل مكة ؛ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني يقرأ عليكم السلام ، ويأمركم بثلاثٍ : لا تحلفوا … ) الحديث .
وأخرجه الدارميُّ ( 1/ 135) ، والحاكمُ (3/ 412) من طريق ابن جريج ، عن عبد الكريم به ، واقتصر الدارميُّ على الفقرة الثانية منه .
قُلْتُ : وهذا سندٌ ضعيفٌ ، بل واهٍ ، وعبد الكريم بن أبي المخارق ضعَّفه النقاد وتركه بعضهم ، والوليد بن مالك ترجمه البخاريُّ في ( الكبير ) (4/ 2/ 152) ، وابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) (4/ 2/ 17 ، 18) ، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً ، وذكره ابنُ حبان في ( الثقات) (7/ 552) على عادته ، ولم يعبأ الحسيني بذلك ، فقال كما في ( التعجيل) (1155) : ( مجهولٌ غير مشهور) .
ومحمد بن قيس قال الحسيني أيضًا (969) : ( ليس بمشهور) . والله أعلم .
---
ويسأل القارئ: عن درجة هذا الحديث
(تنام عيناي ولا ينام قلبي) ؟
والجواب : أنه حديث صحيحٌ .(1/179)
أخرجه البخاريُّ (3/ 33 ، و 6 / 579) ، ومسلم ( 1/ 509) ، وأبو عوانة في ( المستخرج) (2/ 327) ، وأبو داود ( 1341) ، والنسائي (3/ 234) ، ومن طريقه ابن بشران في ( الأمالي ) (ج22/ ق 246 / 2 - 247 / 1) ، وأحمد (6 / 36 ، 73 ، 104 ) ، وابنُ خزيمة (1/ 30) ، وابن حبان (ج4 / رقم 2421) ، والبيهقيُّ ( 1 / 122) ، و 2 / 496 ، و 7 / 62) ، وفي ( الدلائل) (1/ 371 ، 372) ، وفي ( المعرفة) (4/ 29 ، 30) ، والبغوي في (شرح السنة) (4/ 4 ، 5 ) ، كلهم من طريق مالك ، وهو في ( موطئه) (1/ 120 / 9) ، عن سعيد المقبري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : يا رسول الله ، أتنام قبل أن توتر ؟ فقال : ( يا عائشة ، إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي ) .
والحمد لله رب العالمين .
---
تسأل القارئة : عن درجة هذا الحديث :
( من أطعم أخاه خبزًا حتى يشبعه ، وسقاه ماءً حتى يرويه ، أبعده الله عن النار سبع خنادق ، بعدُ ما بين خندقين مسيرة خمسمائة عام ) .
والجواب : أنه حديث باطلٌ موضوع .
أخرجه ابن حبان في ( المجروحين ) (1 / 301) معلقًا ، ووصله الحاكمُ في ( المستدرك ) ( 4 / 129) ، والطبراني في ( الأوسط ) ( 6518) ، والفسوي في ( تاريخه ) (2 / 527) ، والدولابي في ( الكنى ) (1 / 177) ، والأصبهاني في ( الترغيب ) (391 ، 2058) ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) (ج6 / ق 228 / 229) من طريق إدريس بن يحيى الخولاني ، حدثني رجاء بن أبي عطاء المعافري ، عن واهب بن عبد الله الكعبي ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا .
قال الطبراني : ( لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو إلا بهذا الإسناد ، تفرَّد به : إدريس بن يحيى ) .
قُلْتُ : وهو صدوق متماسك ، سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال : ( رجلٌ صالحٌ من أفاضل المسلمين ) .(1/180)
وقال ابنُ أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) (1 / 1 / 265) : ( صدوق ) ، وذكره ابنُ حبان في ( الثقات ) (8 / 133) ، وقال : ( مستقيم الحديث ، إذا كان دونه ثقات وفوقه ثقات ) ، وهذا القيد الذي ذكره ابنُ حبان يدلنا على أن الآفة في أحاديثه إنما هي ممن فوقه أو دونه .
وهذا الحديث مثالٌ لذلك ، فإن شيخ إدريس في هذا الحديث هو أبو الأشيم رجاء بن أبي عطاء ، فترجمه الذهبي في ( الميزان ) (2 / 46) ، وروى له هذا الحديث بسنده ، وقال : ( صويلح ، قال الحاكمُ : مصريٌّ صاحبُ موضوعات ، وقال ابنُ حبان : يروي الموضوعات … وقال بعد أن روى الحديث : هذا حديثٌ غريبٌ منكرٌ ، تفرَّد به إدريس أحدُ الزهاد ) . انتهى كلامه .
وحكمه على رجاء هذا بأنه صويلح بعد حكايته لكلام ابن حبان والحاكم في غاية العجب ، فأين الصلاح ولو على إغماضٍ في رجل يروي الموضوعات ؟ وقد تعجب من صنيعه أيضًا الحافظ ، فقال في ( لسان الميزان ) (رقم 3423) : ( وهذا الحديث أورده ابن حبان وقال : إنه موضوعٌ ، وحكاه عنه صاحب ( الحافل ) ، وأخرجه الحاكمُ في ( المستدرك ) عن الأصم ، عن إبراهيم بن منقذ ، عن إدريس . وقال ( صحيح الإسناد ) ، فما أدري ما وجه الجمع بين كلاميه ، كما لا أدري كيف الجمع بين قول الذهبي : صويلح ، وسكوته على تصحيح الحاكم في ( تلخيص المستدرك) مع حكايته عن الحافظين أنهما شهدا عليه برواية الموضوعات ؟ ) . انتهى كلامه .
وقد صحَّح الحاكمُ إسناد هذا الحديث ، والحاكم متساهلٌ في التصحيح ، مما حدا ببعض المتأخرين أن يسمي كتابه ( المستترك ) بدل ( المستدرك ) ! وقصَّر المنذري والدمياطي في تخريجهما لهذا الحديث ، فقال الأول في ( الترغيب ) (2 / 65) : ( رواه الطبراني في ( الكبير ) ، وأبو الشيخ ابن حيان في ( الثواب ) ، والحاكمُ ، والبيهقيُّ ، وقال الحاكمُ : صحيح الإسناد ) .(1/181)
وقال الثاني في ( المتجر الرابح ) (674) : ( رواه الطبراني وأبو الشيخ والحاكمُ وقال : صحيح الإسناد ) ، فنقلا تصحيح الحاكم وسكتا عليه ، فدلَّ على أنهما أقراهُ ، وقد قدمنا لك علَّة هذا الإسناد ، فالله المستعان .
---
وتسأل القارئة المذكورة أيضًا عن درجة هذا الحديث :
( من حج عن والديه أو قضى عنهما مغرمًا ، بعثه الله يوم القيامة مع الأبرار ) .
والجواب : أنه حديث باطلٌ أيضًا .
أخرجه ابنُ عدي في ( الكامل ) (4 / 1406) ، وابن حبان في ( المجروحين ) (1 / 376) ، والدارقطني في ( سننه ) (2 / 260 ) ، والطبراني في ( الأوسط ) (7800) ، وابنُ شاهين في ( الترغيب ) (302 / 15) ، والأصبهاني في ( الترغيب ) (430 ، 2189) من طريق محمد بن حرب النسائي ، ثنا صلة بن سليمان ، عن ابن جريج .
عن عطاء ، عن ابن عباس مرفوعًا ، فذكره .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن ابن جريجٍ إلا صلة بن سليمان ، تفرَّد به : محمد بن حرب ) .
وقال ابن عدي - بعد أن ذكر عدة أحاديث في ترجمة صلة - قال : ( وهذه الأحاديث إفرادات لصلة ، لا يحدث بها غيره ) .
قُلْتُ : وصلة هذا تركه النسائي ، وقال ابن معين : ( ليس بثقة ) . وكذبه ابن معين في رواية كما عند ابن عدي ، والخطيب في ( تاريخه ) (9 / 337) ، وتركه أبو حاتم الرازي أيضًا ، وقال ابنُ حبان : ( يروي عن الثقات المقلوبات ، وعن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات ) .
وبه أعلَّ الهيثميُّ الحديث كما في ( مجمع الزوائد ) ( 8 / 146) ، وذكره الذهبي في ( الميزان ) من مناكير الصلة هذا ، والله أعلم .
---
وتسأل القارئة عن درجة هذه الأحاديث :
1- ( من قنع بما رزقه الله دخل الجنة ) .
2- ( إذا أصبح ابن آدم قال سائر الجسد : يا لسان ، اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا )) .
3- ( إن الحزين في ظل العرش يوم القيامة ) .
والجواب بحول الملك الوهاب :(1/182)
أما الحديث الأول : ( من قنع … ) فهو ضعيفٌ جدًّا ، بل موضوعٌ .
أخرجه ابنُ شاهين في ( الترغيب ) (303/ 1) ، قال : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، ثنا سليمان بن الربيع بن هشام الهندي ، ثنا كادح - يعني : ابن رحمة الزاهدي - ثنا المعلى بن عرفان ، عن شقيق ، عن ابن مسعودٍ مرفوعًا : ( من قنع بما رُزق ، دخل الجنة ) ، وهذا سندٌ ساقطٌ ، وكادح هذا قد ذهب كدحُه سُدى ، فقد كان كذابًا ، وتابعه عنبسة بن عبد الرحمن ، فرواه عن المعلى بسنده سواء بلفظ : ( انتهى الإيمان إلى الورع ، من قنع بما رزقه الله دخل الجنة ، ومن أراد الجنة بلا شك فلا يخاف في الله لومة لائم ) .
أخرجه الدارقطني في ( الأفراد ) ، ومن طريقه ابنُ الجوزي في ( العلل المتناهية ) ( رقم 1366) من طريق أبي كريب قال : نا مختار بن غسان ، عن عنبسة به .
وقال الدارقطني : ( تفرَّد به عنبسة عن المعلى ، وتفرد به المعلي عن شقيق ) .
وقال ابن الجوزي : ( قلت : عنبسة والمعلى متروكان ، وكذلك قال النسائي وغيره ، وقال ابن حبان : كلاهما يروي الموضوعات ، لا يجوز الاحتجاج بهما ) .
وقول الدارقطني : تفرَّد به عنبسة عن المعلى فيه نظر كما رأيت ، فقد تابعه كادح بن رحمة، وإن كانت متابعة تالفة ، فإن الدارقطني والطبراني وغيرهما لا يقصدان ثبوت المتابعة ، بل ينفيان وجودها صحت أم لم تصح ، وقد شرحتُ شيئًا من هذا في كتابي ( عوذ الجاني بتسديد الأوهام الواقعة في أوسط الطبراني ) ، ويغني عن هذا الحديث ما أخرجه مسلم ( 1054 / 125 ) ، والترمذي ( 2348) ، وأحمد في ( المسند ) (2 / 168) ، وفي ( الزهد ) (8) ، والبيهقي في ( السنن الكبير ) (4 / 196) ، وفي ( الأربعون الصغرى ) (55 - بتحقيقي ) من حديث عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما مرفوعًا : ( قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافًا ، وقنَّعه الله بما آتاه ) ، وللحديث طرق أخرى وشواهد ذكرتها في ( تخريج الأربعين للبيهقي ) ، فلله الحمدُ .(1/183)
أمَّا الحديث الثاني : ( إذا أصبح ابنُ آدم … ) فهو حديث ضعيفٌ .
فرواه أبو داود الطيالسي ، وعفان بن مسلم ، ومسدد بن مسرهد ، وصالح بن عبد الله ، وعمران بن موسى القزاز ، وبشر بن السري كلُّهم ثنا حماد بن زيد ، عن أبي الصهباء ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي سعيد الخدري - لا أعلمه إلاَّ رفعه - : ( إذا أصبح ابن آدم … ) الحديث . هكذا على الشك في رفعه .
أخرجه الطيالسي ( 2209) ، وأحمد ( 3 / 95 ، 96) ، والترمذي (2407) ، وابنُ أبي الدنيا في ( الصمت ) (12) ، وفي ( الورع) (91) ، وابنُ السُني في ( اليوم والليلة ) (رقم 1) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (14 / 316) ، والمروزي في ( زوائد الزهد ) (1012) ، ورواه محمد بن موسى البصري ، ومحمد بن الفضل عارم ، وسليمان بن حرب ، وسهل بن محمود ، ومسدد بن مسرهد في رواية تمام عنه ، كلهم يرويه عن حماد بن زيد بسنده سواء ، فرفعوه عنه من غير شك .
أخرجه الترمذيُّ ( 2407) ، وعبد بن حميد في ( المنتخب من المسند ) (979) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (4 / 309) ، وابن شاهين في ( الترغيب ) (392 / 1) ، وأبو يعلى في ( المسند ) (1185 / 211) ، قال أبو نعيم : ( غريب من حديث سعيد ، تفرَّد به : حمادٌ عن أبي الصهباء ) .
قُلْتُ : والشك في رفعه من حماد بن زيد ، كما أفصح بذلك بشر بن السري في رواية الحسين المروزي عنه ، وقد رواه أبو أسامة حماد بن أسامة ، وأبو كامل الجحدري كلاهما عن حماد بن زيد بسنده سواء موقوفًا .
أخرجه الترمذيُّ ، وعبد الله بن أحمد في ( زوائد الزهد ) (ص195) ، وقد وقع الإسناد هكذا في كتاب ( الزهد ) ، قال عبد الله بن أحمد : حدثنا أبي ، حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد بن زيد به ، وذكرُ ( أحمد بن حنبل ) في هذا الإسناد خطأ ظاهر ، فابو كامل الجحدري هو فضيل بن حسين من شيوخ عبد الله بن أحمد ، لا من شيوخ أبيه ، والله أعلم .(1/184)
وقد صحح الترمذي الرواية الموقوفة ، فإذا أضفت إلى ذلك أن أبا الصهباء لم يوثقه إلا ابن حبان على تساهله المعهود لاح لك ضعف هذا الإسناد ، وقد رأيتُهُ موقوفًا عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أخرجه ابن أبي الدنيا في ( الصمت ) (58) ، قال : حدثنا علي بن الحسن ، عن خلف بن الوليد قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن عمران بن يزيد ، عن علي بن أبي طالب قال : ( اللسان قوام البدن ، فإذا استقام اللسان ، استقامت الجوارح ، وإذا اضطرب اللسان لم يقم له جارجةٌ ) .
وسنده ضعيفٌ ، وعمران بن يزيد مجهول كما قال أبو حاتم الرازي - كما في ( الجرح والتعديل ) (3 / 1 / 307) - وكنتُ حسنته في تخريجي لكتاب ( الصمت ) ، فقد رجعتُ عنه ، وأسأل الله المغفرة .
أمَّا الحديث الثالث : ( إن الحزين … ) فهو حديثٌ منكرٌ .
أخرجه ابنُ شاهين في ( الترغيب ) (470 / 1 ) من طريق إسحاق بن بهلول ، ثنا موسى بن داود ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن رجلٍ ، عن أبي مسلم الخولاني ، عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( إني موصيك بوصية فاحفظها ، ولعلَّ الله أن ينفعك بها : زر القبور وتذكر بها الآخرة ) . قلت : يا رسول الله ، بالليل ؟ قال : ( بالنهار أحيانًا ولا تكثر ، واغسل الموتى ، فإن معالجة جسدٍ خاويًا عظةٌ بليغة ، وصلِّ على الجنائز ، لعل ذلك أن يحزنك ، فإن الحزين في ظلِّ الله ، ويعوض كلَّ خيرٍ ، وجالس المساكين وسلَّم عليهم إذا لقيتهم ، وكُلْ مع صاحب البلاء تواضعًا لربَّك ، وإيمانًا به ، والبس الخشن الضيق من الثياب ، لعلَّ العُجب والكبر أن لا يكون لهما فيك مساغًا ، وتزين أحيانًا لعبادة ربك ، فإن المؤمن كذلك يفعل تعففًا وتكرمًا ، ولا تعذب شيئًا مما خلق الله بالنار ) .(1/185)
وهذا منكرٌ جدًّا ، لا يبعد أن يكون موضوعًا ، وقد اختلف في سنده ، فرواه عباس بن محمد الدوري قال : نا موسى بن داود ، نا يعقوب بن إبراهيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي مسلم الخولاني ، عن عبيد بن عمير ، عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه سلم : ( زر القبور …. ) فذكره حتى قوله : ( يتعرض لكل خير ) . أخرجه الحاكم (1/ 377) ، وعنه البيهقي في ( الشعب ) ( رقم 9291) ، قال الحاكم : ( هذا حديث رواته عن آخرهم ثقات ) ، واغتر به العراقي ، فقال في ( تخريج الإحياء ) (4 / 490) : ( إسناده جيد ) . بينما قال البيهقي : ( يعقوب بن إبراهيم هذا أظنه المدني المجهول ، وهذا متنٌ منكرٌ ) .
وقال الذهبي في ( تلخيص المستدرك ) : ( لكنه منكرٌ ، ويعقوب هو القاضي أبو يوسف ، حسنُ الحديث ، ويحيى لم يدرك أبا مسلم فهو منقطعٌ ، أو أنَّ أبا مسلم رجلٌ مجهول ) . انتهى . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : فيقول :
إنه سمع بعض الخطباء يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم نُصر بالرعب على عدوه مسيرة شهرين ، والذي أعلمه أنه شهر واحد ، فهل ورد هذا اللفظ ، وهل هو صحيح ؟
والجواب بحول الملك الوهاب : أن هذا الحديث بهذا اللفظ قد ورد ؛ وهناك فرق بين الورود والثبوت كما لا يخفى ، فليس كل واردٍ ثابتًا ، والحديث منكرٌ بهذا اللفظ ، وقد ورد عن ثلاثةٍ من الصحابة ، وهم : أبو هريرة ، وابن عباس ، والسائب بن يزيد ، رضي الله عنهم .(1/186)
أمَّا حديث أبي هريرة فقال : كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ، وساق حديثًا ، وفي آخره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هل أنكرتم من صلاتي الليلة شيئًا ؟ ) قلنا : نعم ، سجدت بين ظهراني صلاتك سجدةً ظننًّا أن قد قبضت فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني أُعطيتُ فيه خمسًا لم يعطهن نبيًّ قبلي ؛ بعثت إلى الناس كافة ؛ أحمرهم وأسودهم ، وكان النبي قبلي يبعث إلى أهل بيته أو إلى قريته ، ونُصرت على عدوي بالرعب مسيرة شهرٍ أمامي وشهر خلفي … ) وساق حديثًا .
أخرجه العقيلي في ( الضعفاء) (2/26 ، 27) ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا المقري ، قال : حدثنا عبد الجبار بن عمر الأيلي قال : حدثنا خازم بن خزيمة - من تيم الرباب - عن مجاهدٍ ، عن أبي هريرة به .
قال العقيلي : ( خازم بن خزيمة يخالف في حديثه ) . وأورد له هذا الحديث مستنكرًا إياه .
وأمَّا حديث ابن عباس : فأخرجه الطبراني في ( المعجم الكبير ) (ج11/ رقم 11056) ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الرحمن بن الفضل بن موفق ، ثنا أبي ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن مجاهدٍ ، عن ابن عباس قال : نُصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهرين على عدوه .
قال الهيثميُّ في ( مجمع الزوائد ) (8/ 259) : ( فيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، وهو ضعيفٌ ) .
قُلْتُ : والفضل بن موفق ذكره ابنُ حبان في ( الثقات ) (9 / 6) ، وترجمه ابنُ أبي حاتم في ( الجرح والعديل ) (3/ 2/ 68) ، وقال : ( سألت أبي عنه فقال : ضعيفٌ الحديث ، كان شيخًا صالحًا قرابة لابن عيينة ، وكان يروي أحاديث موضوعة ) .
ولخص الحافظ حاله فقال في (التقريب) : ( فيه ضعف) . كذا قال ! وكان ينبغي أن يجزم بضعفه أو وهائه ، فمع هذا الجرح المفسر فالتوثيق فيه لينٌ .(1/187)
وابنه عبد الرحمن بن الفضل ذكره ابن حبان في ( الثقات) (8/382) ، وإسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر أقرب إلى الوهاء . فالسند ضعيف جدًّا .
وأمَّا حديث السائب بن يزيد ، رضي الله عنه : فأخرجه الطبرانيُّ في ( الكبير) (ج7/ رقم 6674) ، قال : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا هشام بن عمار ، ثنا يحيى بن حمزة ، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن يزيد بن خصيفة ، أنه أخبره عن السائب بن يزيد مرفوعًا : ( فضلت على الأنبياء بخمس : بُعثت إلى الناس كافةً ، وادخرت شفاعتي لأمتي ، ونُصرت بالرُّعب شهرًا أمامي وشهرًا خلفي ، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا ، وأُحلت لي الغنائم ولم تحل لأحدٍ قبلي ) .
وسنده ضعيف جدًّا ، وابن فروة متروك الحديث .
وكذبه بعض النقاد مثل يحيى بن معين في رواية ، وعبد الرحمن بن خراش .
---
ويسأل القارئ :
عن صحية حديث : ( إن الفقر كفر ؟ )
والجواب : أنني لم أقف عليه بهذا اللفظ ؛ ولكن أخرجه أبو نعيم في ( الحلية) (3/ 53 ، 109 ، 8 / 253) ، ومن طريقه ابنُ الجوزي في ( الواهيات ) (2/ 320) من طريق أبي عاصم النبيل ويوسف بن أسباط ، والبيهقيُّ في ( الشعب ) (ج5/ رقم 6612) من طريق محمد بن يوسف الفريابي ، والعقيلي في ( الضعفاء ) (4/206) من طريق أبي عاصم ثلاثتهم عن سفيان الثوري ، عن حجاج بن فرافصة ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنسٍ مرفوعًا : ( كاد الفقر أن يكون كفرًا ، وكاد الحسد أن يغلب القدر ) .
وخالفهم النعمان بن عبد السلام الأصبهاني ، فرواه عن الثوري ، عن حجاج بن أرطاة ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنسٍ مثله ، فجعل شيخ الثوري ( ابن أرطاة ) بدل ( ابن فرافصة ) .
أخرجه أبو نعيم في ( أخبار أصبهان ) (1/ 290) من طريق حماد بن زيد المكتب ، ثنا النعمان ، والنعمان هو أرفع من روى عن الثوري من أهل أصبهان .(1/188)
وقال الحاكم : ثقةٌ مأمون ، وقال أبو حاتم : (محله الصدق) ، وحماد بن زيد المكتب قال أبو نعيم : ( كان من أفاضل الناس ) .
ولم يذكره بحفظٍ ، والحديث معلٌّ على كل حال .
وأخرجه أحمد بن منيع في ( مسنده ) - كما في ( المطالب العالية ) (ق90 / 1) - قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، فذكره مرفوعًا هكذا رواه على الشك ، وسنده ضعيفٌ جدًّا ، ويزيد الرقاشي متروك .
وقال ابن الجوزي : ( هذا حديثٌ لا يصحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويزيد الرقاشي لا يعول على ما يروي ، قال شعبة : لأن أزني أحب إليَّ من أن أروي عن يزيد الرقاشي ) .
ورواه معمر بن زائدة ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عمر بن الخطاب ، مرفوعًا فذكره فخالف معمر بن زائدة يحيى بن سعيد في إسناده ، وأعلَّ العقيلي حديث عمر بمعمر بن زائدة ، وقال : ( لا يتابع على حديثه ) .
ورواه يحيى بن يمان ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس مرفوعًا فذكره .
أخرجه ابنُ عدي في ( الكامل ) (7 / 2692) ، وقال : ( وهذا عن الثوري يرويه ابنُ يمان ) ، وهو يشير إلى تفرده عن الثوري بروايته عن الأعمش ، وقد علمت أن ثلاثة من أصحاب الثوري رووه عنه ، عن حجاج بن فرافصة ، ويحيى بن يمان يضعَّفُ .
وأخرجه العقيلي في ( الضعفاء ) (1/ 254) من طريق المعتمر بن سليمان قال : حدثنا حسن أبو المنذر ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنسٍ مرفوعًا مثله وعنده : ( كادت الفاقة ) .
ونقل العقيلي عن البخاري قال : ( حسين أبو المنذر ، عن الرقاشي ، سمع منه معتمر ، ولم تصح روايته ) .
ثم قال العقيلي : ( لا يتابع عليه إلا من طريق تقاربه ) . يعني : في الضعف .
وبالجملة فهذا الوجه معلٌّ ، وآفته يزيد الرقاشي ، لكنه لم يتفرد به ، فتابعه سليمان التيمي وهو ثقة ، فرواه عن أنس ، رضي الله عنه ، مرفوعًا : ( كاد الحسد يسبق القدر ، وكادت الحاجة تكون كفرًا ) .(1/189)
أخرجه الطبراني في ( المعجم الأوسط ) (4044) قال : حدثنا علي - وهو ابنُ سعيد - قال : حدثني أحمد بن محمد بن عمر بن عبد الحميد الكاتب ، قال : حدثني عمرو بن عثمان الكلابي ، قال : نا عيسى بن يونس ، عن سليمان التيمي به . قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن سليمان ، إلا عيسى ، ولا عن عيسى إلا عمرو بن عثمان ، تفرَّد به : أحمد بن محمد الكاتب ) .
قُلْتُ : ولم أقف لهذا الكاتب على ترجمةٍ ، وعمرو بن عثمان لينه العقيلي ، وتركه النسائي ، وقال أبو حاتم : ( يتكلمون فيه ، يحدث من حفظه بمناكير ) ، فلا تثبت هذه المتابعة .
وذكر العراقي هذا الوجه في ( تخريج الإحياء ) (4/ 187) .
وقال : ( فيه ضعفٌ ) ، وكذلك ضعف رواية الرقاشي عن أنس . والله أعلم .
---
ويسأل القارئ :
عن درجة هذه الأحاديث :
1- (لا تجعلوا على العاقلة من قول معترف شيئًا ) ؟
2- (إن لكل شيء أنفة ، وأنفة الصلاة التكبيرة الأولى ، فحافظوا عليها ) . وما معناه ؟
3- (آفة الدين الأنواء) ؟
4- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى بعد الجمعة في المسجد صلى أربعًا ، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين ؟
والجواب بحول الملك والوهاب :
أما الحديث الأول : ( لا تجعلوا على العاقلة .. ) فهو حديث باطلٌ موضوع .
فأخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) (5/177) ، قال : حدثنا سليمان بن أحمد - يعني : الطبراني - وهذا في ( مسند الشاميين ) (2124) ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل . ثنا هارون بن معروف .
وأخرجه الدارقطني ( 3/ 187) من طريق يعقوب بن محمد الزهري قالا : ثنا عبد الله بن وهب ، عن الحارث بن نبهان ، عن محمد بن سعيد ، عن رجاء بن حيوة ، عن جنادة بن أبي أمية ، عن عبادة بن الصامت مرفوعًا فذكره .
ونقل الزيلعيُّ في ( نصب الراية ) (4/ 380) عن ابن القطان الفاسي قال : ( الحارث بن نبهان متروك الحديث ) .(1/190)
قال عبد الحق في ( أحكامه ) : ومحمد بن سعيد هذا أظنُّه المصلوب ، قال ابن القطان : ( وأصاب في شكه ) . اهـ .
وكذلك رجح الحافظ ابن حجر في ( التخليص الحبير ) (4/13) أنه المصلوب .
قال أبو نعيم : ( غريب من حديث رجاء وجنادة بن أبي أمية ، تفرد به الحارث ، عن محمد بن سعيد ) .
قُلْتُ : والحارث بن نبهان منكر الحديث ، ومحمد بن سعيد المصلوب كذاب ، فالحديث موضوع ، والله تعالى أعلم .
أما الحديث الثاني : ( إن لكل شيء أنفة … ) فهو ضعيفٌ .
أخرجه الطبراني في ( مسند الشاميين ) (2114) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (5/ 177) من طريق ابن أبي شيبة ، وهذا في ( المصنف ) (1/ 306) .
وأخرجه البزار (521 - كشف الأستار ) من طريق سعيد بن سليمان قالا : ثنا حماد بن أسامة أبو أسامة ، عن أبي فروة يزيد بن سنان ، حدثني أبو عبيد حاجب سليمان بن عبد الملك قال : سمعت شيخًا في المسجد الحرام يقول : قال أبو الدرداء ، فذكره مرفوعًا ، وفي آخره : قال أبو عبيد : فحدثتُ به رجاء بن حيوة فقال : حدثتنيه أم الدرداء ، عن أبي الدرداء .
قال البزار : ( لا نعلمه يروى مرفوعًا إلا بهذا الإسناد ) .
قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) (2/ 103) : ( فيه رجل لم يُسم ) ، كذا قال وقد رأيت أنه توبع في السند الآخر ، تابعته أم الدرداء ، لكن الشأن في السند إليهما ، وأبو فروة يزيد بن سنان ضعيفٌ ، وقد تفرد به .
قال أبو نعيم : ( غريبٌ من حديث رجاء ، لم يروه عنه إلا فروة ، عن أبي عبيد ) . اهـ .
وأبو عبيد الحاجب ما عرفته .
فالحديث لا يثبت أما معناه ، فقال ابن الأثير في ( النهاية ) (1/ 75) بعد ذكره هذا الحديث ؛ قال : ( أُنفةُ الشيء : ابتداؤه ، هكذا روي بضم الهمزة ، قال الهروي : والصحيحُ بالفتح ) .
أما الحديث الثالث : ( آفة الدين الأنواء ) فضعيف جدًّا .(1/191)
أخرجه حمزة بن يوسف السهمي في ( تاريخ جرجان ) (ص359) من طريق عمار بن رجاء الجرجاني - وثقه السهمي (ص534) - حدثنا القاسم بن الحكم العرني ، حدثنا عبيد الله - هو ابن الوليد الوصافي - عن كرز بن وبرة الحارثي مرفوعًا : ( إن لكل شيء آفة ، وآفة هذا الدين ؛ هذه الأنواء ) .
وسنده ضعيفٌ جدًّا ، فالقاسم العرني صدوق متماسك لينه أبو حاتم ، فقال : ( محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به ) .
وقال العقيلي : ( في حديثه مناكير لا يتابع على كثيرٍ من حديثه ) .
وعبيد الله بن الوليد تركه النسائي وعمرو بن الفلاس وضعفه أبو زرعة وابن معين والدارقطني وغيرهم ، ووكزه ابن حبان فقال : ( يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد له ، فاستحق الترك ) . اهـ .
ثم هو معضل ، وكرز بن وبرة يروي عن التابعين أمثال ربعي بن حراش وشقيق بن سلمة وأبي حازم الأشجعي وغيرهم ، فالسند ضعيفٌ جدًّا . والله أعلم .
أما الحديث الرابع : ( كان إذا صلى بعد الجمعة … ) فلا أعلم له أصلاً .
وقد بحثت عنه فلم أجده ، وأنما اشار إليه ابن القيم ، رحمه الله ، في ( زاد المعاد ) على ما أذكر .
والله أعلم . والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : عن درجة هذين الحديثين :
1- ( من أدرك ركعتين من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك ) ؟
والجواب : الحديث منكرٌ بهذا اللفظ :
أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) (8125) ، قال : حدثنا موسى بن هارون ، نا منصور بن أبي مزاحم ، نا يزيد بن يوسف ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( من صلى ركعةً من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس ، وركعة إذا طلعت ، فقد أدرك الصلاة ، ومن أدرك ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس ، وركعتين بعد أن تغرب فقد أدركها - يعني : العصر ) .(1/192)
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا الزبيدي ، ولا عن الزبيدي إلا يزيد بن يوسف ، تفرد به : منصور بن أبي مزاحم ) .
قُلْتُ : ويزيد بن يوسف تركه النسائي ، وقال ابن معين : ( ليس بثقةٍ ، لا يساوي شيئًا ) .
وقال صالح جزرة : ( تركوه ) ، وقال ابنُ عدي : ( مع ضعفه يكتب حديثه ) .
وقال الدارقطني : ( لا يستحق عندي الترك ) . وهو شبه المتروك ، وقد تفرّد عن الزبيدي بهذا اللفظ المنكر ، وقد رواه جماعةٌ عن أبي هريرة منهم الأعرج كلهم يقول : ( ومن أدرك ركعة من العصر ) . ولم يقل واحد منهم ولم أره في حديث غير حديث أبي هريرة بلفظ : ( ركعتين ) . والله أعلم .
2- ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) ؟
الجواب : حديث ضعيف .
فأخرجه الترمذي ( 3373) ، والبخاري في ( الأدب المفرد ) (2 / 114) عن حاتم بن إسماعيل ، وابن ماجه ( 3827) ، وأحمد (2 / 443 ، 477) ، وابن أبي شيبة (10 / 200) ، والبزار في ( مسنده ) (ج2 / ق232 / 2) ، وابن عدي في ( الكامل ) (7 / 2750) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (5 / 188) ، وفي ( تفسيره ) (4 / 103) ، عن وكيع .
والبخاري في ( الأدب المفرد ) (658) ، والحاكم (1 / 491) ، وأحمد (2 / 442) ، ومن طريقه ابن بشران في ( الأمالي ) (22 / ق244 / 2) عن مروان بن معاوية ، والبزار (2 / 232 / 2) ، والحاكم (1 / 491) ، وعنه البيهقي في ( الدعوات ) (22) ، والطبراني في ( الأوسط ) (2431) ، ومن طريقه المزي في ( التهذيب ) (33 / 418) ، والرامهرمزي في ( المحدث الفاصل) (290) ، عن أبي عاصم النبيل ، والرامهرمزي أيضًا عن صفوان بن عيسى ؛ خمستهم عن أبي المليح ، عن أبي صالح الخوزي ، عن أبي هريرة مرفوعًا به .
قال الترمذي : ( لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) .
وقال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن أبي صالح إلا أبو المليح) .
وقال ابن عدي : ( وهذا يُعرف بأبي صالح هذا ) .(1/193)
وقال الحاكم : ( هذا حديث صحيحُ الإسناد ، فإن أبا صالح الخوزي وأبا المليح الفارسي لم يذكرا بالجرح ، إنما هما في عداد المجهولين لقلة الحديث ) اهـ .
قُلْتُ : فإن كانا في عداد المجاهيل ، فكيف يصحح إسناد حديثهما ؟ وأخشى أن يكون مذهب الحاكم كمذهب ابن حبان ؛ أن العدل من لم يعرف منه جرح ، ولو سلَّمنا ذلك ، فإن أبا صالح الخوزي عُرف بالجرح ، فقد ضعفه ابنُ معين ومشاه أبو زرعة الرازي ، فقال : ( لا بأس به ) .
وقال الحافظ في ( الفتح ) (11 / 95) : ( مختلفٌ فيه ) .
وقد تفرَّد به كما قال هؤلاء الحفاظ ، فمثله لا يحتمل منه التفرد ، فإسناد حديثه ضعيف ، أما ابنُ كثير ، رحمه الله ، فقال في ( تفسيره ) (7 / 143) : ( وهذا إسنادٌ لا بأس به ) .
وقد عرفناك ما فيه من البأس ، والله أعلم .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذين الحديثين .
1- ليس منا من خبب امرأة على زوجها ) ، وما معناه ؟
الجواب : حديث صحيح .
وقد ورد من حديث أبي هريرة ، وبريدة ، وابن عمر ، وابن عباس ، رضي الله عنهم :
أولاً : حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، مرفوعًا : ( من خبب عبدًا على أهله فليس منا ، ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا ) . أخرجه النسائي في ( العشرة ) (332) ، واللفظ له ، وأبو داود ( 2175) ، وأحمد (2 / 397) ، والبخاري في ( التاريخ ) (1 / 1 / 396) ، وإسحاق بن راهويه ( 134) ، وابن الأعرابي في ( معجمه ) (798) ، والبزار في ( مسنده ) (ج2 / ق245/ 2 - 246 / 1) ، وابن حبان (1319) ، والحاكم (2 / 196) ، والبيهقي في ( الآداب ) (80) ، والخطيب في ( تاريخه ) (4 / 286) ، وفي ( موضح الأوهام ) (2 / 376) ، من طرقٍ عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عكرمة بن خالد ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي هريرة .(1/194)
قال البزار : ( وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ، وقد روي عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الإسناد أحسن من إسناد بريدة ) .
وقال الحاكم : ( صحيح على شرط البخاري ) ، وليس كما قال ، فإن عمار بن رزيق لم يخرج له البخاري شيئًا ، وإن كان الإسناد صحيحًا ، أمَّا قول البزار : إنه لم يرو عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ، فإنه متعقبٌ بما أخرجه أبو أحمد الحاكم في ( كتاب الكنى ) (ج15 / ق254 / 2 - 255 / 1) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (7 / 2589) ، والخطيبُ في ( تاريخه) (11 / 123 ، 124 ) من طريق هارون بن محمد الشيباني عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( من خبب امرأة على زوجها فليس منا ) . وهارون بن محمد كذبه ابن معين .
وقال ابن عدي : ( وهارون ليس بمعروف ، ومقدار ما يرويه ليس بمحفوظ ) .
وقال أبو أحمد الحاكم : ( هو حديث منكرٌ من حديث يحيى ) .
ثانيًا : حديث بريدة بن الحصيب ، رضي الله عنه ، مرفوعًا : ( ليس منا من حلف بالأمانة ، وليس منا من خبب امرأة أو مملوكًا ) . أخرجه أحمد (5/ 352) ، وابن حبان ( 1318) من طريق هناد بن السري قالا : حدثنا وكيع . والبزار ( 1500 - كشف الأستار ) ، والحاكم (4 / 298) من طريق عبد الله بن داود ، وأبو الحسن الخلعي في ( الخلعيات ) ( ق75 / 2) عن زهير بن معاوية ، والبرجلاني في ( الكرم والجود ) (96) عن محمد بن ربيعة الكلابي ، والخطيب في ( تاريخه ) (14 / 35) ، عن مندل بن علي ؛ خمستهم عن الوليد بن ثعلبة ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه مرفوعًا .
وأخرج منه أبو داود في ( سننه ) (3253) الشطر الأول من طريق زهير بن معاوية عن الوليد .
قال الحاكم : ( صحيح الإسناد ) . ووافقه الذهبي ، وكذلك صحح إسناده المنذري في ( الترغيب ) (3 / 82) .(1/195)
وقال الهيثمي في ( المجمع ) (4 / 332) : ( رجال أحمد رجال الصحيح ، خلا الوليد بن ثعلبة ، وهو ثقةٌ ) . اهـ .
ثالثًا : حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما : ( من لبس الحرير أو شرب من فضةٍ فليس منا ، ومن خبب امرأةً على زوجها أو عبدًا على مواليه ، فليس منا ) .
أخرجه الخطيب في ( تاريخه ) (11/ 54 ، 55) من طريق سليمان بن أحمد الطبراني ، وهو في ( المعجم الأوسط ) (8022) ، وفي ( المعجم الكبير ) (1 / 248) من طريق محمد بن عبد الله الرزي ، ثنا أو تميلة ، عن أبي طيبة ، ثنا أو مجلز ، عن ابن عمر به .
قال الطبراني : ( لا يروى هذا الحديث عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد ، تفرد به أبو تميلة ) .
قُلْتُ : وأبو تميلة اسمه يحيى بن واضح ، وهو ثقةٌ ، ولكن أبدى الهيثمي في ( المجمع ) (4 / 332) لهذا الإسناد علَّة ، فقال : ( فيه محمد بن عبد الله الرزي ولم أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا ) .
كذا قال ! ومحمد بن عبد الله ثقة معروفٌ من رجال مسلم ، ولم يتفرد به ، فتابعه سعيد بن محمد الجرمي ، ثنا أو تميلة بسنده سواء ، دون قوله : ( من لبس الحرير … إلخ ) . أخرجه الخرائطي في ( مساوئ الأخلاق ) (503) قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا سعيد بن محمد .
وهذا الإسناد لا بأس به ، وأبو طيبة اسمه عبد الله بن مسلم السلمي ، وفي حفظه مقالٌ .
رابعًا : حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما ، مرفوعًا : ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ، وليس منا من خبب عبدًا على سيده ) . أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) (1803) من طريق علي بن هاشم ، ثنا عثمان بن مطر الشيباني ، عن معمر بن راشد ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن ابن عباسٍ به ، وقال : ( لم يرو هذا الحديث عن ابن طاووس إلا معمر ، ولا عن معمر إلا عثمانُ ، تفرد به عليٌّ ) . اهـ .(1/196)
وعثمان بن مطر ضعيف ، وقد خالفه عبد الرزاق ، فرواه في ( المصنف ) (ج11 / في 20994) عن معمر ، عمن سمع عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . فذكره مرسلاً .
وقد اختلف عن عكرمة . فرواه إسحاق بن جابر ، عن عكرمة ، عن ابن عباسٍ مرفوعًا : ( ليس منا من خبب عبدًا على سيده ، وليس منا من أفسد امرأة على زوجها ، وليس منا من أجلب على الخيل يوم الرهان ) . أخرجه الضياء في ( المختارة) (ج64 / ق 358 / 1) من طريق أبي يعلى ، وهذا في ( مسنده ) (ج4 / رقم 2413) قال : حدثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب ، قال : حدثني الدراوردي عن ثور بن زيد ، عن إسحاق بن جابر وأخرجه البخاري في ( التاريخ الكبير ) (1 / 1 / 395 ، 396) من طريق حسين بن حريث عن الدراوردي ، ثم أخرجه البخاري أيضًا من طريق أبي ثابت ، حدثنا الدراوردي ، عن ثور بن زيد ، عن إسحاق بن جابر ، عن عكرمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ، وإسحاق بن جابر ترجمه البخاري وابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) ، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً ، وقد خالفه عبد الله بن عيسى ، فرواه عن عكرمة ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، وقد مرَّ ذكره في ( حديث أبي هريرة ) ، وهذا الوجه أولى .
وجملة القول أن الحديث صحيح . ومعنى ( خبب ) يعني : أفسد وخدع . والله أعلم .
2- ( مثل الذي يسمع الحكمة ولا يعمل إلا بشرها كمثل رجلٍ أتى راعيًا فقال : اجزرني شاة من غنمك . قال : اذهب فخذ بأذن خير شاة ، فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم ) ؟
الجواب : هذا حديث ضعيف .(1/197)
أخرجه ابن ماجه (4172 ) عن الحسن بن موسى ، وابنُ القطان في (زاوئده عن سنن ابن ماجه) ، عن موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وأحمد في (المسند) (2 / 353 ، 405 ، 508) ، حدثنا عفان بن مسلم ويزيد بن هارون ، والطيالسي في (مسنده) (2563) ، وأبو يعلى ( ج11 / رقم 6388) ، وابنُ عدي في (الكامل) (5 / 1843) ، وأبو الشيخ في (الأمثال) (291) ، والرامهرمزي في (الأمثال) (58) ، أربعتهم عن عبد الأعلى بن حماد .
والرامهرمزي أيضًا (57) ، عن سليمان بن حرب ، والبزار في (مسنده) ج2 / ق247 / 2) عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، ثمانيهم ، عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة مرفوعًا .
ولفظ الطيالسي مختصرٌ ، قال البزار : (وهذا الحديث لا نعلم روى كلامه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو هريرة ) .
وأخرجه البيهقي في (الشعب) (4 / رقم 1593، 1650) من طريق حجاج بن منهال وسليمان بن حرب ، ثنا حماد وسليمان بن حرب ، ثنا حماد بن سلمة بسنده سواء . وعزاه السخاوي في (المقاصد الحسنة) (ص 376) لأحمد بن منيع والعسكري في (الأمثال) .
قُلْتُ : وهذا سندٌ ضعيفٌ ؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان ، وإن كانت رواية حماد بن سلمة عنه أمثل من رواية غيره ، وبه ضعف البوصيري الحديث في (مصباح الزجاجة) (286 / 3) ، وقد أورده ابنُ عدي في (الكامل) مستنكرًا إياه على (علي بن زيد) ، وأوس بن خالد .
قال البخاري : ( لا يروي عنه إلا علي بن زيد ، وعليٌّ فيه بعض النظر) . وقال ابنُ القطان : (له عن أبي هريرة ثلاثة أحاديث منكرة ، وليس له كبير شيء ) .
وفرّق الذهبي بينه وبين أوس بن أبي أوس ، فقال في هذا : ( لا يعرف) ، وهما واحدٌ . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث :
1- ( إن الله يحب كل قلب حزين ) ؟
الجواب : حديثٌ ضعيفٌ .(1/198)
أخرجه الخرائطي في ( اعتلال القلوب ) ( ق3/ 2) ، وابن أبي الدنيا في ( الهم والحزن ) ( ق2/ 1) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (2/ 471) ، والطبرانيُّ في ( مسند الشاميين ) ( 1480) ، ومن طريقه أبو نعيم في ( الحلية ) (6 / 90) ، والحاكم في ( المستدرك) (4/ 315) ، وعنه البيهقيُّ في ( الشعب ) (ج3 / رقم 865) ، والقضاعي في ( مسند الشهاب ) (1075) من طريق أبي بكر بن أبي مريم ، حدثنا ضمرة بن حبيب ، عن أبي الدرداء مرفوعًا فذكره .
قال الحاكمُ : ( صحيحٌ الإسناد ) ، فرده الذهبي بقوله : ( قلتُ : مع ضعف أبي بكرٍ ، منقطعٌ ) . اهـ .
قلتُ : أما أبو بكر فضعيفٌ جدًّا ، لكنه لم يتفرَّد به . فتابعه معاوية بن صالح ، فرواه عن ضمرة بن حبيب بسنده سواء . أخرجه البزار ( ج4 / رقم 3624) ، والطبراني في ( مسند الشاميين ) ( 2012) ، والبيهقي في ( الشعب ) (ج3/ رقم 866) من طرق عن عبد الله بن صالح ، حدثني معاوية بن صالح . قال الهيثميُّ في ( المجمع ) (10 / 309 ، 310) : ( إسناده حسنٌ ) .
كذا قال ! والإسناد منقطعٌ ، كما قال الذهبي بين ضمرة بن حبيب وأبي الدرداء .
قال البزار : ( لا نعلم أحدًا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو الدرداء ، ولا له إسنادٌ غير هذا ) . انتهى .
وكلام البزار متعقَّبٌ برواية أبي بكر بن أبي مريم . والله أعلم .
وطريق البزار أنظف ، ومعاوية بن صالح ثقةٌ ، ولكن الراوي عنه عبد الله بن صالح ، وهو كاتب الليث فيه مقالٌ ، ولذلك قال البيهقي عقب رواية معاوية بن صالح : ( وهذا الإسناد أصح ) .(1/199)
ولا يقصد تصحيحه بهذه العبارة ، لكن يقصد أنه أقل ضعفًا من طريق أبي بكر بن أبي مريم ، وهذه العبارة تأتي كثيرًا على ألسنة النقاد ، ولا يقصدون بها تصحيح الإسناد أو الحديث ، ونظير هذا أن الدارقطني سُئل عن محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة : ما درجته في الحديث ؟ فقال : ( أعور بين عميان ) ، وهو يزكيه بهذه العبارة ، وإن وصفه بالعور ، فكأنه قال : له بعضُ حفظ في قوم لا يحفظون الحديث ولا يضبطونه ، وكذلك ما يقوله بعضُ المتأخرين في الحكم على الحديث ، فيقولون : ( رجاله رجال الصحيح ) ، أو ( رجاله ثقات ) ، أو ( رجاله موثقون ) ، كل هذه العبارات لا يقصد بها تصحيح الإسناد ، فكن منها على ذكرٍ ، فكم وقع بسببها ناسٌ في تصحيح أحاديث ضعيفة . والله الموفق .
2- ( كل كلام ابن آدم عليه لا له ، إلا أمرًا بالمعروف ، أو نهيًا عن منكر ، أو ذكرًا لله ) ؟
الجواب : حديثٌ ضعيفٌ . أخرجه النسائي في ( مجلسان من الأمالي ) (15) ، وعبد الله بن أحمد في ( زوائد الزهد ) ، ( ص22، 23) ، وابن السني في ( اليوم والليلة ) (5) ، وابنُ أبي الدنيا في ( الصمت ) (14) ، وبحشل في ( تاريخ واسط ) (ص245 ، 246) ، والحاكمُ ( 2 / 512 ، 513) ، والخطيب في ( تاريخه ) (12 / 321) من طرقٍ عن محمد بن يزيد بن خُنيس قال : دخلنا على سفيان الثوري نعوده ، فوجدنا عنده سعيد بن حسان المخزومي ، فقال سفيان لسعيد : الحديث الذي حدَّنْتَنِيه ، عن أم صالحٍ ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم حبيبة ، اردُدْه عليَّ ، فقال سعيد : حَدثتني أمُّ صالح ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم حبيبة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلُّ كلام ابن آدم عليه ، لا له ، إلا أمرًا بمعروف ، أو نهيًا عن منكرٍ ، أو ذكرًا لله عز وجل ) .(1/200)
وأخرجه الترمذي ( 2412) ، وابن ماجه ( 3974) ، والخطيب (12/433 ، 434) من هذا الوجه بدون ذكِر القصة . ووقع عند الخطيب في الموضع الأول : ( قال - يعني : سفيان الثوري - : ما أعجب هذا الحديث ؛ امرأةٌ ، عن امرأةٍ ، عن امرأةٍ ) . قال له صاحبه : وما يُعجبك من ذلك وهو في كتاب الله موجودٌ ؟ قال الله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) [ النساء : 114] ، وقال تعالى : ( وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ) [ العصر : 1 - 3] .
ووقع عند ابن أبي الدنيا : ( فقال رجلٌ - يعني : بعد سماع الحديث - ما أشدَّ هذا الحديث !! فقال سفيان : وأيُّ شدته ؟ أليس قال الله تعالى : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ) [ النبأ : 38] ، أليس يقولُ الله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) ، أليس يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) [ سبأ : 23] .(1/201)
قلتُ : وهذا الحديث سكت عليه الحاكمُ والذهبيُّ ، وقال الترمذي : ( هذا حديث غريبٌ ) . وهذا الحكم نقله المزي في ( تحفة الأشراف ) (11/ 320) ، وكذلك نقله العراقي في ( تخريج الإحياء ) (1/ 70) ، ووقع في طبعة ( عطوة ) : ( حسن غريبٌ ) . النسخة سقيمة كثيرة التصحيف ، واللائق هو حكم الترمذي عليه بالغرابة ؛ لأن محمد بن يزيد بن خنيس في حفظه ضعفٌ ، وأم صالح مجهولة ، لم يرو عنها إلا سعيد بن حسان ، والحديث أشار إليه البخاري في ( التاريخ الكبير ) ( 1/ 1/ 261 ، 262) مرسلاً ، فكأنه أعلَّه . والله أعلم .
3- ( من تصبَّح بسبع تمراتٍ عجوة ، لم يضره سمٌّ ذلك اليوم ولا سحرٌ ) ؟
الجواب : حديث صحيح . أخرجه البخاري (9 / 569 و 10 / 238 ، 247) ، ومسلمٌ ( 2047) ، وأبو عوانة (5/ 397) ، وأبو داود ( 3875) ، وأحمد (1/ 181) ، وابن أبي شيبة (8 / 18) ، والحميدي (70) ، والبزار ( رقم 70 - مسند سعد ) ، وأبو يعلى في ( المسند ) (ج2 / رقم 717) ، والدورقي في ( مسند سعد ) (ق5/ 1) ، والبيهقي في ( السنن الكبير) ( 8 / 135) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (11/ 325) من طريق هاشم بن هاشم ، عن عامر بن سعدٍ ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره .
قال البزار : ( ورواه بعضهم عن هاشم بن هاشم ، عن عائشة بنت سعد ، عن أبيها ) .
قلتُ : والبزار يشير بذلك إلى الاختلاف في شيخ هاشم . والرواية التي أشار إليها البزار رواه عبد الله بن نمير ، وقد ذكرها الدارقطني في ( العلل ) (4 / رقم 610) ، وقال : ( يرويه هاشم بن هاشم واختلف فيه ، فرواه أبو أسامة عن هاشم بن هاشم ، عن عامر بن سعد ، عن سعد ، وخالفه ابن نمير ، فرواه عن هاشم ، عن عائشة بنت سعد عن أبيها ، وكلاهما ثقةٌ ، ولعلُّ هاشمًا سمعه منهما ) . اهـ .
ورجح أبو زرعة أنه عن : ( هاشم بن هاشم ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ) .
ذكره ابنُ أبي حاتم في ( العلل) (ج2/ رقم 2505) عنه . والله أعلم .
---(1/202)
وتسأل القارئة : عن درجة هذه الأحاديث :
( إن لكل عبدٍ صيتًا فإن كان صيتُه في السماء حسنًا وضع له القبول في الأرض ، وإن كان صيتُه في السماء سيئًا ، وضع له في الأرض ) ؟
الجواب : صحَ بغير هذا اللفظ .
أخرجه البزار في ( مسنده ) (3603 - كشف ) ، والطبرانيُّ في ( الأوسط ) (5248) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) ( 2/ 585) ، والبيهقي في ( الزهد ) ( 816) من طريق الجراح بن مليح ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( ما من عبدٍ إلا وله صيت … ) الحديث .
قال البزار : ( لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا أبو وكيع ) . يعني : الجراح بن مليح ، فهو والد وكيع بن الجراح . وقال ابنُ عدي : ( وهذا الحديث ما أعلم رواه عن الأعمش غير أبي وكيع وسعيد بن بشير ) .
قلتُ : وكلاهما تكلَّم فيه أهل العلم ، والجراح أفضلُ الرجلين ، وأنا أخشى أن يكونا وهما على الأعمش في لفظ هذا الحديث . فقد روى هذا الحديث سهيل بن أبي صالح ، وعبد الله بن دينار ، كلاهما عن أبي صالح ، عن أبي هريرة بغير هذا للفظ . فرواه مالكٌ ، ووهيب ، ومعمر بن راشد ، وأبو عوانة ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وجرير بن عبد الحميد ، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، والثوري ، ومحمد بن أنس ، والعلاء بن المسيب وأبو حازم ويعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني كلُّهم يرويه عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( إن الله إذا أحبَّ عبدًا ، دعا جبريل ، فقال : إني أحبُّ فلانًا فأحبَّه ، قال : فيحبُّه جبريل ، ثم ينادي في السماء ، فيقول : إن الله يحبُّ فلانًا فأحبوه ، فيحبُّه أهل السماء . قال : ثم يوضعُ له القبولُ في الأرض .(1/203)
وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل ، فيقول : إني أبغض فلانًا فأبغضه ، قال : فيبغضُه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه ، قال : فيبغضونه ، ثم توضعُ له البغضاء في الأرض ) . لفظ حديث جرير عند مسلمٍ .
أخرجه مالك في ( الموطأ ) (2/ 953) / 15) ، ومسلمٌ ( 2637 / 157 / 158) ، والنسائي في ( الكبرى ) (4/ 416) ، والترمذيُّ ( 3161) ، وأحمد ( 2/ 267 ، 341 ، 413 ، 509) ، والطيالسيُّ ( 2436) ، وعبد الرزاق في ( المصنف) (19673) ، وأبو يعلى في ( المسند) (ج12 / رقم 6685) ، وابنُ حبان (365) ، وابن أبي حاتم في ( تفسيره ) - كما في ( ابن كثير ) ( 5/ 263) - والطبراني في ( الأوسط ) (5001) ، وابنُ المقرئ في ( المعجم ) (ج8 / ق140 / 2) ، وابنُ بشران في ( الأمالي ) (ج4/ ق44 / 2) ، والبزار في ( مسنده ، (ج2/ ق212 / 1) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (3/ 258 ، و 7 / 141 ، و10 / 306) ، وفي ( أخبار أصبهان ) (2/ 57) .
وخالف هذا الجمع الحاشد روح بن القاسم ، فرواه عن سهيل بن أبي صالح ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالحٍ ، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره .
فزاد : ( القعقاع بن حكيم ) بين ( سهيل ) ، و( أبيه ) .
أخرجه ابن حبان ( 364) ، والطبراني في ( الأوسط ) (2800) من طريق أمية بن بسطام ، ثنا يزيد بن زريع ، ثنا روح بن القاسم ، ولم أقف على من تابع روح بن القاسم على هذه الرواية . وهو ثقةٌ ، وقد ذهب ابنُ حبان إلى صحة الروايتين جميعًا ، فقال : ( سمع هذا الخبر سهيلٌ عن أبيه ، وسمع عن القعقاع عن أبيه ) . اهـ .
أما رواية عبد الله بن دينار . فأخرجهما البخاري (13 / 461) ، ومن طريقه الأصبهاني في ( الحجة ) (ج2/ رقم 172) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث .
والبزار في ( مسنده ) (ج2/ ق206 / 2) من طريق أبي قتيبة كلاهما عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه .(1/204)
ووافق أبا صالح على هذا السياق نافع مولى ابن عمر ، فرواه عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه . أخرجه البخاريُّ ( 10 / 461) ، والبزار (2/ 170 / 2) ، عن أبي عاصم . وأخرجه البخاري أيضًا (6/ 303) ، عن مخلد بن يزيد ، وإسحاق بن راهويه في ( مسنده ) (375) ، عن عبد الله بن الحارث ، وابنُ عبد البر في ( التمهيد ) (21 / 238 ) ، عن روح بن عبادة ، فرووه جميعًا عن ابن جريج حدثني موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن أبي هريرة . قال البزار : ( وهذا الحديث لا نعلم رواه عن نافعٍ عن أبي هريرة إلا موسى بن عقبة ، ولا نعلم حدث به عن موسى إلا ابنُ جريج ) .
2-( من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله كل مؤنة . ورزقه من حيث لا يحتسب . ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ) ؟
الجواب : حديث ضعيف .
أخرجه ابنُ أبي حاتم في ( تفسيره ) - كما في ( ابن كثير ) (8 / 174) - والطبراني في ( الأوسط ) (3359) ، وفي ( الصغير ) (1/ 116) ، والبيهقي في ( الشعب ) (ج3/ رقم 1044) ، والخطيب في ( تاريخه ) (7 / 196) ، وابنُ الجوزي في ( الواهيات ) (2/ 316) من طريق إبراهيم بن الأشعث ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن هشام ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين مرفوعًا فذكره . قال الطبراني : ( لم يروه عن هشام بن حسان ، إلا الفضيل بن عياض ، تفرد به : إبراهيم بن الأشعث ) .
قلتُ : وهو ضعيف كما قال أبو حاتم وغيره ، ولما ذكره ابنُ حبان في ( الثقات ) ( 8 / 66) قال : ( كان صاحبًا للفضيل بن عياض ، يروي عنه الرقائق .. يغرب ، ويتفرد ، ويخطئ ، ويخالف ) .
وبه أعلَّ الحديث ابنُ الجوزي ، والهيثميُّ في ( مجمع الزوائد ) ( 10 / 303 ، 304) ، والله أعلم .
3 - ( إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى من بني كنانة قريشًا ، واصطفى من قريش بن هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .(1/205)
أخرجه مسلمٌ ( 2276 / 1) ، والبخاري في ( التاريخ الكبير ) ( 1/ 1/ 4) ، والترمذي ( 3605 ، 3606) ، وأحمد (4/ 107) ، وابنُ أبي شيبة ( 11 / 478) ، وابن سعد في ( الطبقات ) (1/ 20) ، والطبراني في ( الكبير ) ( ج22/ رقم 161 ) ، والبيهقي في ( السنن الكبير) (7 / 134) ، وفي ( الدلائل) (1/ 165) ، والخطيب ( 13 / 64) ، واللالكائي في ( شرح الأصول ) (1400) ، والجوزقاني في ( الأباطيل ) (1/ 170) ، والبغوي في ( شرح السنة ) ( 13 ، 194 ) من طريق الأوزاعي ، حدثني أبو عمار شداد ، عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا به ، والله أعلم .
---
يسأل القارئ :
يقول : سمعت شيخًا ذائع الصيت يقول في أحد المساجد : إن حديث الذبابة مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ، ووصفه بأنه حديث مقزز ، مع أني أعلم أن أهل العلم صححوه ، وقد جادلت أحد الناس بعد هذه المحاضرة ، فقالوا : إن كلام الشيخ مقنع ، فاتفقنا على أن أرسل السؤال إلى مجلة التوحيد ، راجين أن تبسطوا الكلام عن صحة الحديث ؟
والجواب بحول الملك الوهاب : اعلم أيها السائل أن من تكلَّم في غير فنّه أتى بمثل هذه العجائب ، ويرحم الله ابن حبان إذ نقل قولاً ساقطًا عن بعض الناس في مقدمة كتابه ( المجروحين ) (1/ 17) ، ثم ردَّ عليه قائلاً : ( لو تملَّق قائل هذا القول إلى باريه في الخلوة وسأله التوفيق لإصابة الحق لكان أولى به من الخوض فيما ليس من صناعته ) ، والذين طعنوا على الحديث لا يعلمون شيئًا عن شرائط نقل الأخبار ، ولا عن قوانين الرواية ، لذلك فكلامهم ذلك ساقط ؛ لأن العقلاء اتفقوا أن يُرجع في كل علم إلى أهله والمتخصصين فيه ، ولا يتكلم في تصحيح الأخبار وتضعيفها إلا أهلُ الحديث وحدهم دون غيرهم ، وهاك حاصل الكلام في إثبات صحة الحديث ، فاعلم أنه قد روى هذا الحديث ثلاثةٌ من الصحابة هم : أبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، رضي الله عنهم .(1/206)
أولاً : حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، وله عنه طرقٌ :
1- عبيد بن حُنين ، عنه ، أخرجه البخاري ( 6 / 359 و 10 / 250) ، وابنُ ماجه (3505) ، والدارمي (2/ 99) ، وأحمد (2/ 398) ، وابن المنذر في ( (الأوسط ) (1/ 281) ، والطحاوي في ( المشكل) (4/ 283) ، وابن عبد البر في ( (التمهيد) (1/337) ، والبيهقي (1/ 252) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (11/ 259 ، 260) ، ولفظه عند البخاري : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ، ثم لينزعه ، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء ) .
عزاه ابن القيم ، رحمه الله ، في ( زاد المعاد ) (3 / 290 ) لمسلم ، فوهم .
2- سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عنه ، أخرجه أبو داود (3844) ، وأحمد (3/229 ، 246) ، وابن خزيمة (ج1/ رقم 105) ، وابن حبان (1243 ، 4226) ، والطحاوي في ( المشكل ) (283) ، والحسن بن عرفة في ( جزئه ) (21) ، وعنه البيهقي (1/ 252) ، والخطيب في ( التلخيص ) (ق 69 / 2) ، والذهبي في ( السير ) (6 / 322) من طريق محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ، فإن َّ في أحد جناحيه داءٌ وفي الآخر شفاءٌ ، وإنه يتقي جناحه الذي فيه الداء ، فليغمسه كلَّه ) .
قال الذهبي : ( هذا الحديث حسنُ الإسناد ) . اهـ . ورواه عن ابن عجلان هكذا : ( بشر بن المفضل ، وسفيان بن عيينه ) ، وخالفهما يحيى بن أيوب ، فرواه عن محمد بن عجلان أن القعقاع بن حكيم أخبره عن أبي صالحٍ ، عن أبي هريرة مرفوعًا مثله .
أخرجه الطحاوي في ( المشكل ) (4/ 283) من طريق إسماعيل بن مرزوق ، أنا يحيى بن أيوب .
قال الدارقطني في ( العلل ) (ج3/ق33/1) : ( ولعله - يعني : ابن عجلان - حفظه عنهما ) . اهـ .
وقد توبع ابن عجلان على الوجه الأول .(1/207)
تابعه إبراهيم بن الفضل ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة . أخرجه أحمد (2/ 443) قال : حدثنا وكيع ، عن إبراهيم ، وإبراهيم بن الفضل ضعيفٌ ، بل هو أقرب إلى الترك .
وأما الوجه الثاني ؛ فتوبع يحيى بن أيوب ، تابعه الليث بن سعد ، فرواه محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة به .
أخرجه أحمد (2/340) قال : حدثنا يونس ، ثنا ليث ، وأخرجه أبو عمرو السمرقندي في ( الفوائد المنتقاة ) (ق70 / 1) من طريق آدم بن أبي إياس ، ثنا الليث بن سعد بن . وتابعه أيضًا الدراورديُّ ، عن ابن عجلان به .
أخرجه أبو محمد الفاكهي في ( حديث يحيى بن أبي مسرة عن شيوخه ) (ج2/ ق151/1) قال : حدثني يحيى بن محمد الجاري ، أنا عبد العزيز الدراوردي ، فهو كما قال الدارقطني أن ابن عجلان رواه على الوجهين معًا ، وإن كان الوجه الثاني أقوى . والله أعلم .
3- محمد بن سيرين ، عنه . أخرجه السهمي في ( تاريخ جرجان ) (85 ، 86) من طريق محمد بن حميد الرازي ، حدثنا مهران بن أبي عمر ، عن سفيان الثوري ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، مرفوعًا : ( إذا وقع الذباب في المرق ، فاغمسوه فيها ، فإن شفاءً في أحد جناحيه ، وفي الآخر سُمًا ) . وسنده ضعيف جدًّا ، ومهران بن أبي عمر قال فيه ابنُ معين : ( كان عنده غلط كثير في حديث سفيان ) . ووثقه مرة ، وكذلك وثقه أبو حاتم الرازي وابن حبان ، ولينه النسائي ، وأمَّا محمد بن حميد الرازي فهو واهٍ ، والحمل عليه أولى ، ولكن له طريق آخر أخرجه الخطيب في ( الموضح ) (2/ 375) من طريق محمد بن الوليد البُسري ، حدثنا محمد بن مروان ، حدثنا هشام بن حسان بسنده سواء ، والبُسري ثقةٌ ، ومحمد بن مروان إما أن يكون الباهلي أو العجلي ، وكلاهما صدوق ، في حفظه مقالٌ خفيف ، فالسند جيدٌ .
وله طريق آخر إلى ابن سيرين .(1/208)
أخرجه أحمد (2/355 ، 388) ، والطحاوي في ( المشكل) (4/ 283) ، من طريق حماد بن سلمة بن حبيب بن الشهيد ، عن محمد بن سيرين به . وهذا سندٌ صحيحٌ على شرط مسلم .
وأخرجه الطبراني في ( الأوسط ) (ج1/ ق135/1) من طريق أبي عمر الضرير ، قال : حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب وحبيب وهشام ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعًا به .
وأخرجه الطبرانيُّ أيضًا في (الأوسط ) (ج1 / ق 170 / 1) أيضًا من طريق إبراهيم بن الحجاج السامي ، قال : نا حماد بن سلمة ، عن حبيب وهشام وحميد ، عن ابن سيرين بسنده سواء وقال الطبراني : (لم يروه عن حماد بن سلمة ، عن حميد إلا إبراهيم بن الحجاج السامي ) .
وأخرجه الطحاوي عن مُرجَّى بن رجاء الحافظ ، عن هشام بن حسان بسنده سواء .
4- ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عنه . أخرجه أحمد (2/263، 355، 388) ، والدارميُّ (2/99) ، وإسحاق بن راهويه في ( مسنده) (125) ، والطحاوي (4/ 283) من طريق حماد بن سلمة ، عن ثمامة به ، واختلف في إسناده ، فرواه سهل بن حماد أبو عتاب الدلال ، عن عبد الله بن المثنى ، عن ثمامة ، عن أنس مرفوعًا فذكره . ذكره ابنُ أبي حاتم في ( العلل ) (ج1/رقم46) ، وقال : ( أبي وأبو زرعة جميعًا : رواه حماد بن سلمة ، عن ثمامة بن عبد الله ، عن أبي هريرة . قال أبو زرعة : وهذا الصحيحُ . وقال أبي : هذا أشبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولزم أبو عتاب الطريق ، فقال : عن عبد الله ، عن ثمامة ، عن أنس ، وقال أبو زرعة : هذا حديث عبد الله بن المثنى أخطأ فيه عبد الله ، والصحيحُ : ثمامة عن أبي هريرة ) . اهـ .
وكذلك قال الدارقطني في ( العلل ) (3/ 39 / 1) مرجحًا حديث حماد بن سلمة .
قلتُ : وبعد ترجيح طريق حماد بن سلمة نقول : إنه ضعيفٌ ، وذلك لأن ثمامة لم يدرك أبا هريرة كما قال المزي في ( التهذيب) .(1/209)
5- قيس بن خالد بن حسن ، عن أبي هريرة . أخرجه ابنُ أبي حاتم في (العلل) (ج1/رقم 79) قال : سمعت أبي وحدثنا عن محمد بن إكليل ، عن إسماعيل بن عياش ، عن ثعلبة بن مسلم ، عن قيس بن خالد بن حسن ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، فقال أبي : هذا حديث مضطرب الإسناد . اهـ .
وقوله : ( محمد بن إكليل) خطأ ، صوابه عندي : ( محمد بن الخليل ) ، وهو محمد بن الخليل بن حماد الدمشقي ؛ وهو صدوقٌ . أما قيس بن خالد فلم أجد له ترجمة ، ثم راجعت نسخة (أحمد الثالث ) من ( علل ابن أبي حاتم ) (ق/9 /2) لعلَّ الاسم تصحَّف في ( المطبوعة) ، فوجدته : ( قيس بن خالد بن جبير أو حنين) . فالله أعلم .
ثانيًا : حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أخرجه النسائي (7/ 178 ، 179) ، وفي ( الكبرى ) (3/88) ، وابنُ ماجه (3504) ، وأحمد (3/24 ، 67) ، والطيالسي (2188) ، وعبد بن حميد في ( المنتخب ) (884) ، وأبو يعلى (ج2 / رقم 986) ، وابن حبان (1355) ، وفي ( الثقات ) (2/102) ، والبيهقي (1ظ253) ، والطحاوي في (المشكل) (4/ 282) ، وابن عبد البر في ( التمهيد) (1/337) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (11/ 261) ، والمزي في ( التهذيب) (10 / 407) من طرق عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد قال : دخلتُ على أبي سلمة فأتانا بزبدٍ وكتلة - وهو خليط من التمر والطحين - فأسقط ذبابٌ في الطعام ، فجعل أو سملة يمقُله بأصبعه فيه ، فقلتُ : يا خالُ ، ماذا تصنع ؟ فقال : إن أبا سعيد الخدري حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أحد جناحي الذباب سم ، والآخر شفاء ، فإذا وقع في الطعام ، فامقلوه ، فإنه يقدم السم ، ويؤخر الشفاء ) .
وهو عند بعضهم دون القصة ، وسنده قويٌّ ، وسعيد بن خالد وثقه النسائيُّ ، وابن حبان ، وقال الدارقطني : ( يحتج به ) ، ولم يثبت عن النسائي تضعيفه . والله أعلم .(1/210)
ثالثًا : حديث أنسٍ ، رضي الله عنه . أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) (ج1 / ق154 / 2) من طريق عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي ، عن عباد بن منصور ، عن عبد الله بن المثني ، عن أنس بن مالك مرفوعًا : ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ، فإن في أحد جناحيه سُمًا ، والآخر شفاء ) .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن عبادٍ ، إلا عمرو ) اهـ .
وهو لينُ الحديث ، وقد خولف فيه عباد ، خالفه أبو عتاب الدلال سهل بن حماد ، ثنا عبد الله بن المثنى ، عن ثمامة ، عن أنس مرفوعًا ، فزاد (ثمامة) في الإسناد . أخرجه البزار (ج3/ رقم 2866) ، حدثنا زياد بن يحيى ومحمد بن معمر قالا : حدثنا أبو عتاب .
وأخرجه الضياء في ( المختارة ) (1835) من طريق يحيى بن صاعد ثنا محمد بن معمر بسنده سواء .
قال البزار : ( لا نعلمه يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد ) .
وهو متعقب برواية الطبراني السابقة . ورواية أبي عتاب الدلال أقوى .
وقال شيخنا في ( الصحيحة ) : ( إسناده صحيحٌ ) ، وقد اختلف فيه كما يأتي إن شاء الله ، وعباد بن منصور ضعيفٌ ، ولكن خولف فيه سهل بن حماد على نحو ما مرَّ ذكره في ( حديث أبي هريرة ) ، أمَّا الهيثميُّ فجرى على ظاهر السند فقال ( 5/ 38) : ( رجاله رجال الصحيح ) .
فقد ثبت بهذا التخريج والتحقيق أن الحديث في غاية الصحة ، ولا مطعن فيه ، والحمد لله رب العالمين .
---
ويسأل القارئ :
عن درجة هذا الحديث : ( ما من مسلم يُصرع صرعة من مرضٍ إلا بعث منها طاهرًا ) .
والجواب : أن هذا الحديث صحيحٌ .(1/211)
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في ( المرض والكفارات) (23) ، والطبراني في ( الكبير) (ج8 / رقم 7485) ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) (ج7/رقم 9922) ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) (ج7/ق37 ، 38) من طريق خالد بن يزيد ، عن سالم بن عبد الله المحاربي ، عن سليمان بن حبيب المحاربي ، عن أبي أمامة الباهلي مرفوعًا به ، وعزاه السيوطي ، كما في ( فيض القدير ) (5/487) للضياء المقدسي في ( المختارة) ، قال المنذري في ( الترغيب) (2/ 298) : ( رواته ثقات) .
وكذلك قال الهيثمي في ( المجمع ) (2/ 302) ، ولكن نقل المناوي في ( فيض القدير (5/ 488) عن الهيثمي أنه قال : ( فيه سالم بن عبد الله النجاري الشامي ، لم أجد من ذكره ، وبقية رجاله ثقات ) .
قلت : وقوله : ( البخاري لعله تصحيف من النساخ ، وصوابه ( المحاربي ) ، ولعلَّه تصحَّف على الهيثمي ؛ لذلك قال : ( لم أجد من ذكره ) ، مع أن ابن أبي حاتم ذكره في ( الجرح والتعديل ) (2 / 1 / 185) ، ونقل عن أبيه أنه قال : ( صالح الحديث ) ، ونقل ابن عساكر توثيقه عن آخرين .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : عن صحة هذا الحديث ؟
(لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مِرَّةٍ سوي ) ؟
الحواب : أنه حديثٌ صحيحٌ وقد ورد من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهم .
وأما حديث أبي هريرة : فأخرجه النسائي ( 5 / 99) ، وابن ماجه (1839) ، وأحمد (2/ 377 ، 379) ، وابن أبي شيبة ( 3 / 207 ، و 14 / 274) ، وابن حبان (806) ، والطحاوي في ( شرح المعاني ) ( 2/ 14) ، والدارقطني (2/ 118) ، والبيهقي (7 / 14) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (8 / 308) ، وابن الجارود في ( المنتقى ) (364) من طرقٍ عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره .(1/212)
ورواه عن أبي بكر بن عياش جماعة منهم : الحسن بن عرفة ، وهناد بن السري ، ومحمد بن الصباح ، ويحيى بن إسحاق ، وحسن بن موسى الأشيب ، وأسود بن عامر ، ومعلى بن منصور ، وأبو داود الطيالسي ، وأبو غسان ، وابن أبي شيبة ، وإبراهيم بن مجشر ، وعمار بن خالد التمار ، وإسحاق بن يحيى الطباع .
وخالف هذا الجمع : فرات بن محبوب ، ومعلى بن منصور ، فروياه عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، مرفوعًا مثله .
قال أبو نعيم : لم يروه عن أبي حصين عن سالم وأبي صالح ، إلا أبو بكر ، ونوه البيهقيُّ بنحو ذلك .
قُلْتُ : وفرات بن محبوب ذكره ابنُ حبان في ( الثقات ) (9 / 13) ، وترجمه ابنُ أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) (3 / 2 / 80) ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً .
قال الدارقطني في (العلل) (1/ 184) : ( لا بأس به ) ، ووهمه في حديثه ، ووثقه الهيثمي في ( المجمع ) (9 / 288) ، وكأنه اتكأ على توثيق ابن حبان ، ومعلى بن منصور ثقةٌ ، ولكنه رواه على الوجه الأول أيضًا ، وكأن هذا الاضطراب من أبي بكر بن عياش ، فقد تكلم العلماءُ في حفظه ، وإن كان الأشبه هو رواية الجماعة عنه ، وهذا سند لا بأس به ، لولا ما نقله الزيعلي في ( نصب الراية ) (2/ 399) عن ابن دقيق العيد أنه قال في ( التنقيح ) : ( رواته ثقاتٌ ، إلا أن أحمد بن حنبل قال : سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة ) . اهـ .
وسالم ذكروه بالتدليس والإرسال ، لكن له طريقٌ آخر ، أخرجه أبو يعلى (ج11/ رقم 6199) قال : حدثنا محمد بن عباد ، وأخرجه البيهقي ( 7 / 13 ، 14) ، من طريق سعدان بن نصر قالا : ثنا سفيان - يعني : ابن عيينة - عن منصور ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة - قيل لسفيان : رفعه ؟ قال : لعله - : ( لا تحلُّ الصدقة لغني ، ولا لذي مرةٍ سوى ) .(1/213)
هكذا على الشك في رفعه ، ولكن أخرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) (ج4/ رقم 2387) ، قال : حدثنا عبد الجبار بن العلاء ، وأخرجه الحاكم (1/ 407) من طريق على بن حرب قالا : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة يبلغ به ، ومعنى : ( يبلغ به ) ؛ يعني رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر البيهقيُّ أن الحميدي رواه عن سفيان فجزم برفعه ، وهؤلاء الثلاثة أثبت في سفيان ، ولا سيما الحميدي ، فهو من أوثق أصحابه ، فالسند صحيحٌ ، والحمد لله .
وأخرجه القضاعي في ( مسند الشهاب ) (885) من طريق محمد بن عبدوس ، ثنا وهب ، أنبا خالد ، عن حصين ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة مرفوعًا مثله ، وهذا سندٌ صحيحٌ ، ومحمد بن عبدوس ترجمه الخطيب في ( تاريخ بغداد ) (2/ 381 - 382 ) ، وقال : ( كان من أهل العلم والمعرفة والفضل ) .
ونقل عن ابن المنادى قال : ( كان من المعدودين في الحفظ وحسن المعرفة بالحديث ، أكثر الناسُ عنه لثقته وضبطه ، وكان كالأخ لعبد الله بن أحمد بن حنبل ) .
ونقل أيضًا عن أحمد بن كامل القاضي قال : ( كان حسن الحديث كثيره ) .
ووهب هو ابن بقية ، أحدُ الثقات ، وبقية السند مشهورون . فالسند صحيحٌ أيضًا .
وأمَّا حديث عبد الله بن عمرو : فأخرجه البخاري في ( التاريخ الكبير ) (2 / 1 / 329) ، وأبو داود (1634) ، والترمذي (652) ، والدارميُّ ( 1 / 324 ، 325) ، والطياليسي ( 2271) وعبد الرزاق ( 7155) ، وابن أبي شيبة ( 3 / 207 ، و 14 / 274 ، 275) ، كلاهما في ( المصنف ) ، وأبو يعلى في ( مسنده ) (ج11 رقم 6401) ، والطحاوي في ( شرح المعاني ) (2 / 14) ، وابن الجارود في ( المنتقى ) (363) ، والحاكمُ في ( المستدرك ) (1 / 407) ، والبيهقي ( 7 / 13) ، والدارقطني ( 2/ 119) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (2 / 82) ، من طريق سعد بن إبراهيم ، عن ريحان بن يزيد العامري ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا مثله .(1/214)
قال الترمذي : ( حديث حسن ) . اهـ .
وهو كما قال ، وريحان بن يزيد ، وإن جهله أبو حاتم ، لكن قال سعد بن إبراهيم الراوي عنه : ( صدوق ) ، ووثقه ابن معين وابن حبان ، وله شواهد أخرى .
---
ويسأل القارئ :
هل صحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الجنازة ، وأنه قرأ سورة مع الفاتحة ؟
والجواب : لا أعلمه صحيحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن صحَّ عن ابن عباس ، رضي الله عنهما .
أخرجه النسائي ( 4 / 74 ، 75) ، قال : أخبرنا الهيثم بن أيوب ، وأبو يعلى في ( مسنده ) (ج5 / رقم 2661) قال : حدثنا محرز بن عون ، وابن الجارود في ( المنتقى ) (537) من طريق سليمان بن داود الهاشمي وإبراهيم بن زياد ؛ أربعتهم عن إبراهيم بن سعد قال : حدثني أبي عن طلحة بن عبد الله بن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف قال : صليت خلف ابن عباس على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، فجهر حتى سمعنا ، فلما انصرف أخذت بيده فسألته عن ذلك ؟ فقال : سنةٌ وحقٌ .
وقال البيهقي : ( ورواه إبراهيم بن حمزة ، عن إبراهيم بن سعد ، وقال في الحديث : فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ) .
ثم قال البيهقي : ( وذكر السورة فيه غير محفوظ ) .
وأخرجه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم في ( ما أسند سفيان الثوري) (1/ 40 / 2) ، وابنُ الجارود في ( المنتقى ) (536) ، عن محمد بن يوسف الفريابي قالا : ثنا سفيان الثوري ، عن زيد بن طلحة التيمي قال : سمعت ابن عباس قرأ على جنازة فاتحة الكتاب وسورة وجهر بالقراءة ، وقال : إنما جهرتُ لأعلمكم أنها سنةٌ والإمام كفاها ، وسنده صحيحٌ .
وزيد بن طلحة وثقه ابن معين .(1/215)
وقال أبو حاتم : ( لا بأس به ) ، كما في ( الجرح والتعديل) (1 / 2 / 565 ، 566) ، وأخرجه الشافعي في ( الأم ) (1 / 270 ) ، ومن طريقه البيهقي ( 4 / 39 ) ، قال : أنبأنا ابن عيينة ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد قالا : سمعت ابنُ عباس يجهر بفاتحة الكتاب في الجنازة ويقول : إنما فعلتُ لتعلموا أنها سنةٌ ، وسنده جيدٌ .
---
ويسأل القارئ : عن حديث :
(الجار أحق بدار الجار أو الأرض) هل هو صحيحٌ ؟
والجواب : أنه حديثٌ حسنٌ ثابتٌ .
أخرجه أبو داود (3517) ، والنسائي في ( الشروط ) من ( السنن الكبرى ) - كما في ( أطراف المزي) (4/69) - و الترمذي ( 1368) ، وأحمد (5/ 8، 12 ، 13 ، 17 ، 18 ) ، والطيالسي ( 904) ، وابنُ أبي حاتم في ( العلل ) (1/ 480) ، والدارقطني في ( الجزء الثالث والعشرين من حديث أبي طاهر الذهلي ) (رقم 51) ، والبيهقي (6/ 106) ، من طرقٍ عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعًا .
قال الترمذي : ( حديث سمرة حديثٌ حسنٌ صحيحٌ ، وروى عيسى بن يونس ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحيحُ عند أهل العلم حديث الحسن ، عن سمرة ، ولا نعرف حديث قتادة ، عن أنسٍ إلا من حديث عيسى بن يونس ) . اهـ .
قُلْتُ : أمَّا حديث قتادة ، عن أنس ، فأخرجه ابنُ أبي حاتم في ( العلل ) (1/ 480) ، وابن حبان (1153) ، والطحاويُّ في ( شرح المعاني ) (4 / 122) ، من طريق عيسى بن يونس ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنسٍ به .
وقد رواه عيسى بن يونس عن سمرة أيضًا .
فأخرجه النسائي - كما في ( الأطراف ) - عن إسحاق بن إبراهيم ، عن عيسى بن يونس ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة .
وكذلك رواه قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا نعيم بن حماد ، ثنا عيسى بن يونس ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، وبه عن قتادة عن الحسن ، عن سمرة مرفوعًا فذكره .(1/216)
ولكن تكلَّم العلماءُ في حديث قتادة عن أنس ، ووهموا عيسى بن يونس فيه .
قال الدارقطني : ( وهم فيه عيسى بن يونس ، وغيره يرويه عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، هكذا رواه شعبةٌ وغيره ، وهو الصوابُ ) . اهـ .
وقال ابنُ أبي حاتم في ( علل الحديث ) (1 / 477) : ( سألتُ أبي وأبا زرعة عن حديث عيسى بن يونس ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( جار الدار أحق بالدار ) .
قالا : هذا خطأ . روى هذا الحديث همام ، وحماد بن سلمة ، فقال حمادٌ : عن قتادة ، عن الشريد ، وقال همام : عن قتادة ، عن عمرو بن شعيب ، عن الشريد ، وقالا : نظنُّ أن عيسى وهم فيه ، فشبه ( الشريد ) بـ ( أنس ) .
وقال أبو زرعة : الصحيحُ عندنا : قتادة ، عن عمرو بن شعيب ، عن الشريد ، ووهم فيه عيسى ) . انتهى .
ونحا ابنُ القطان نحوًا آخر ، فقال يردُّ على الدارقطني - كما في ( نصب الراية ) (4/ 173) - : ( وقد مالا بهذا القول على عيسى بن يونس ، فإنه ثقةٌ ، ولا يبعد أن يكون جمع بين الروايتين ، أعني : عن أنسٍ ، وعن سمرة ، ثم ذكر رواية قاسم بن أصبغ السالفة الذكر ، وقال : وعيسى بن ويونس ثقةٌ ، فوجب تصحيح ذلك منه ) . اهـ .
قُلْتُ : ولكن أنكر الإمام أحمد هذا الجمع .
ففي ( مسائل أبي داود ) (ص300) : ( سمعت أحمد قال : عند عيسى حديث أنس ، يعني عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة ؟ قال أحمد : ليس بشيء ، قلت لأحمد : كلاهما عنده ، أعني عند عيسى بن يونس ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة ؟ فلم يعبأ إلى جمعه الحديثين ، وأنكر حديث أنس ) . اهـ .
قُلْتُ : ومع ما مر ذكره ، فقد اختلف في إسناده .(1/217)
فأخرجه ابنُ أبي حاتم (1/ 479 - 480) ، عن عيسى ، عن شعبة ، عن يونس ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعًا ، قال أبو زرعة : ( ورواه يزيد بن زريع وعباد بن العوام وجماعةٌ عن يونس ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ( سمرة ) ، وصوَّب أبو زرعة رواية قتادة عن الحسن ، عن سمرة ) . انتهى .
وخلاصة البحث ؛ أن الحديث عن سمرة ثابت ، وهو غيرُ محفوظٍ عن أنس . والله أعلم .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
(إن امراة حجت مع صبي لها ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم : ألهذا حجٌ ؟ قال : ( نعم ، ولك أجر ) ؟
والجواب : أن هذا حديث صحيحٌ :
أخرجه مالك في ( الموطأ ) (1 / 244 / 422) ، ومسلم ( 1336) ، وأبو داود ( 1736) ، والنسائي (5/ 120 ، 121) والشافعي في ( مسنده) (1 / 282 ، 283) ، وأحمد (1 / 219 ، 243 ، 244 ، 288 ، 344) ، والحميدي في ( مسنده ) (504) ، وابن خزيمة (ج4 / رقم 3049) ، وابن حبان (144 ، 3797 ، 3798) ، والطحاوي في ( شرح المعاني ) (2/ 256) ، وابنُ الجارود في ( المنتقى ) (411) ، وابنُ نجيد في ( أحاديثه ) (ق5/1) ، وأبو محمد الجوهري في ( أحاديث أبي الفضل الزهري ) (ق116 ، 2) ، وأبو عمرو السمرقندي في ( الفوائد المنتقاة ) (رقم 16 - بتحقيقي ) ، والطبراني في ( الكبير ) (ج11 / رقم 12176 ، 12177 ، 12182 ، 12183 ) ، والبيهقي ( 5 / 155) ، وأبو عثمان البحري في ( الفوائد ) (ق2/2) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (7/ 22 ، 23) ، من طرق عن كريب ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء - هو مكان على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة - فقال : ( من القومُ ؟ ) قالوا : المسلمون ، فقالوا : من أنت ؟ قال : ( رسول الله ) ، فرفعت إليه امرأة صبيًّا ، فقالت : ألهذا حجٌّ ؟ قال : ( نعم ، ولك أجرٌ ) .
وهذا سياق مسلم ، وهو عند بعضهم مختصرٌ ، والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---(1/218)
** يسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
( إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا عاملها ، وإذا ظهرت ولم يغيرها الناس نزل عليهم العقاب ) ؟ فإني لم أجد هذا اللفظ ، وأصل الحديث أعله الدارقطني بالوقف ، كما نقل عنه الحافظ ابن كثير ، فهل هذا صحيحٌ ؟ وما الراجح عندكم الرفعُ أم الوقف ؟
· والجواب : بحول الملك الوهاب :
أن هذا اللفظ الذي سأل عنه القارئ وقفت عليه في ( معجم ابن المقري ) ( ج5 / ق 101 / 2) ، فرواه عصام بن رواد بن الجراح ، ثنا أبي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن ابن أبي زهير الثقفي ، عن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، قال : قلتُ للنبي صلى الله عليه وسلم : قولُ الله عز وجل : ( لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) [ المائدة : 105] ؟ قال : (ليس هو هكذا يا أبا بكر ، إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا عاملها ، وإذا ظهرت فلم يغيرها العامةُ ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) .
وهذا سندٌ ضعيفٌ ، وعصام بن رواد قال الذهبي في ( الميزان ) : ( ليَّنه الحاكمُ أبو أحمد ) ، وأبوه : رواد بن الجراح اختلف فيه النقاد ، والراجح ضعفه ، وفي سفيان خاصة ضعيفٌ جدًّا ، وقد خولف في إسناده ، خالفه جمع من الثقات ، فرووه عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال : قام أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس ، إنكم تقرءون هذه الآية : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) [ المائدة : 105] ، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه ، أوشك أن يعمهم الله بعقابه ) .(1/219)
رواه عن إسماعيل هكذا جمعٌ ، هاك أسماؤهم مع تخريج رواياتهم ، منهم : عبد الله بن نمير ، أخرجه أحمد ( رقم 1) ، وابن ماجه ( 4005) ، والضياء في ( المختارة ) (54) ، ومروان بن معاوية الفزاري ، أخرجه الحميدي (3) ، والطحاوي في ( المشكل) ( 2/ 63) ، والضياء ، وجرير بن عبد الحميد ، أخرجه ابنُ حبان ( 304) ، وأبو يعلى ( 1/ 21) ، والطحاوي ( 2/ 64) ، والضياء ( 57) ، وخالد بن عبد الله ؛ أخرجه أبو داود ( 4338) ، وعمر بن علي ؛ أخرجه الضياء ؛ أخرجه أبو داود ( 4338) ، وأبو محمد الخلدي في ( الفوائد ) ( ق113/ 2) ، وابن هارون ؛ أخرجه الترمذي ( 2168، 3057) ، وأحمد ( 30) ، وعبد بن حميد في ( المنتخب ) ، وأحمد بن منيع في ( مسنده ) ، وعنه الضياء ( 61) ، والحارث بن أبي أسامة في ( المسند ) ( 8 / 1) ، والمروزي في ( مسند أبي بكر ) ( 87) ، والبزار في ( المسند ) ( 68) ، والطحاوي ، والطبراني في ( مكارم الأخلاق ) ( 79) ، وأبو نعيم في ( معرفة الصحابة ) ( 123) ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ؛ أخرجه ابنُ ماجه ( 4005) ، وأحمد (29) ، وابن أبي شيبة ( 15 / 174) ، والمروزي في ( مسند أبي بكر ) (88) ، وشعبة بن الحجاج ؛ أخرجه ابن حبان ( 305) ، وأحمد ( 53) ، وأبو يعلى ( 128) ، والبزار (66) ، والمروزي ( 89) ، والطحاوي (2/ 63) ، وأبو محمد الخلدي في ( الفوائد ) ( ق113 / 1، 2) ، وأبو نعيم في ( المعرفة ) (124) ، والخطيب في ( الفصل للمدرج في النقل ) ( 1/ 140 ، 141) ، والضياء في ( المختارة ) (58) ، وزهير بن معاوية ؛ أخرجه أحمد (16) ، والطحاوي ( 2/ 63) ، وابن المبارك ؛ أخرجه النسائي في ( الكبرى ) - كما في ( أطراف المزي ) (5 / 303) - والمعتمر بن سليمان ؛ أخرجه الطحاوي ( 2/ 64) ، وعبيد الله بن عمرو ؛ أخرجه أبو يعلى ( 1/ 21) ، ومالك بن مغول ؛ أخرجه الخطيب في ( الفصل ) ( 1/ 144) ، ووكيع بن الجراح ؛ أخرجه الطبري في ( تفسيره ) - ( 7 / 98)(1/220)
، وذكر الدارقطني في ( العلل ) ( 1/ 250 ، 251) ، وآخرين منهم : يحيى بن سعيد الأموي ، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، ومرجى بن رجاء ، وعبد الرحيم بن سليمان ، والوليد بن القاسم ، وعلي بن عاصم ، ويونس بن أبي إسحاق ، وعبد العزيز بن مسلم القسملي ، وهياج بن بسطام ، ومعلى بن هلال ، وأبو حمزة السكري ، كل هؤلاء رووه عن إسماعيل بن أبي خالد بسنده مرفوعًا ، وخالفهم يحيى بن سعيد القطان وابنُ عيينة وإسماعيل بن مجالد ، وعبيد الله بن موسى ، فرووه عن إسماعيل ، عن قيس ، عن أبي بكر موقوفًا عليه ، ذكر الدارقطني وقال : جميع رواة هذا الحديث ثقات ، ويشبه أن يكون قيس بن أبي حازم كان ينشط في الرواية مرة فيسنده ، ومرة يجبن عنه فيقفُه على أبي بكر . اهـ .
ونقل ابن أبي حاتم في ( العلل ) ( 1788) عن أبي زرعة قال : وأحسبُ إسماعيل بن أبي خالد كان يرفعه مرة ويوقفه مرة .
وهذا الحكم من أبي زرعة والدارقطني يقتضي صحة المرفوع والموقوف جميعًا ، وجانب الرفع أقوى وأولى ، وأما ما نقله القارئ عن الحافظ ابن كثير أنه قال في ( تفسيره ) : إن الدارقطني رحج وقفه ، فالذي في ( طبعة الشعب ) من ( التفسير ) (3/ 208) : ( وقد رجح رفعه الدارقطني ) ، فلعل القارئ التبس عليه أو وقع التصحيف في نسخته ، ثم وقفت على الحديث في ( الصحيحة ) ( 1564) لشيخنا أبي عبد الرحمن الألباني ، حفظه الله ، فرأيته نقل من نسخته من ( تفسير ابن كثير ) أن الدارقطني رجح وقفه ، فهذا يدلُّ على وقوع التصحيف في نسخة القارئ أيضًا ، وقد رد شيخنا على ابن كثير في هذا ، والردُّ لا يردُ عليه للتصحيف المذكور ، وعذر شيخنا ظاهر ، والله الموفق .
وخلاصة البحث : أن اللفظ الذي ذكره السائل لا يصح ، وإنما يصح اللفظ الآخر ، والذي اتفق على روايته الجماعة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، والحمد لله .
---
** ويسأل القارئ عن صحة هذا الحديث :(1/221)
( إذا توضأت فقل : بسم الله ، والحمد لله ، فإن حفظتك لا تستريح ، تكتب لك الحسنات ، حتى تحدث من ذلك الوضوء ) .
· والجواب : أنه حديث منكرٌ .
أخرجه الطبراني في ( الصغير ) ( 1/ 73) من طريق عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا إبراهيم بن محمد البصري ، عن علي بن ثابت ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( يا أبا هريرة ، إذا توضأت … ) الحديث .
قال الطبراني : لم يروه عن علي بن ثابت أخو عزرة بن ثابت ، إلا إبراهيم بن محمد البصري ، تفرَّد به : عمرو بن أبي سلمة .
قال الهيثمي في ( المجمع ) ( 1/ 620) : ( إسنادُهُ حسنٌ ) .
وكذلك قال البدر العيني في ( شرح الهداية ) - كما في ( رد المحتار ) ( 1/ 113) .
· قلتُ : وهو عجبٌ !! وإبراهيم بن محمد هذا هو المترجم في ( لسان الميزان ) ( 1/ 98) ، وثقه ابنُ حبان ، وقال ابن عدي في ( الكامل ) (1/ 260 ، 261) : ( روى عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره مناكير ) ، ثم قال : ( وأحاديثه صالحةٌ محتملة ، ولعله قد أُتي ممن قد رواه عنه ) . اهـ .
وهذا الترجي من ابن عدي ، رحمه الله ، فيه نظر ، فإنه ساق له أحاديث الراوي عنه فيها هو أبو مصعب الزهري ، وعمرو بن أبي سلمة ، وكلاهما ثقة ، فلا تكون المناكيرُ إلا من إبراهيم .
وقد أشار الحافظ في ( اللسان) في ترجمة إبراهيم إلى هذا الحديث ، ثم قال : ( وهو منكرٌ ) ، وقال الحافظ أيضًا في ( نتائج الأفكار) ( 1/ 228) : وعلي بن ثابت مجهول ، والراوي عنه ضعيفٌ .
وقد أورد هذا الحدث ابنُ الجوزي في ( الموضوعات ) (3/ 185 ، 186) من طريق عمرو بن أبي سلمة به مع طريق أخرى ، ثم قال : ( هذا حديث ليس له أصلٌ ، وفي إسناده جماعةٌ مجاهيل لا يعرفون أصلاً ) . والله أعلم .
---
** ويسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث : ( إن بين أيديكم عقبة كئودًا ، لا يجوزها إلا كلُّ ضامر مهزول ) .
والجواب : أنه حديث منكر .(1/222)
أخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) ( 5/ 299 - 301) ، ومن طريقه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) ( ح19/ ق 24 - 26) من طريق هشام بن عمار ، ثنا بقية بن الوليد ، عن رجل ، عن أبي حازم الخناصري الأسدي ، وساق حكاية طويلة في ثلاث صفحات فيها غرائب وتخللها أن أبا حازم هذا قال : سمعت أبا هريرة يقول : ….، فذكره مرفوعًا .
وهذا سنده واهٍ ، وهشام بن عمار ساء حفظه ، وبقية بن الوليد مدلس ، ولم يصرح بتحديث ، وشيخه مبهم ، وأبو حازم هذا لا أعرفه بجرح ولا تعديل .
ثم أخرجه أبو نعيم ( 5 / 301 ، 302) من طريق إبراهيم بن هراسة ، عن سفيان الثوري ، عن أبي الزناد ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، فذكر نحوه مختصرًا ، ومن طريق أبي نعيم أخرجه ابن عساكر ( ج19 / ق27) .
وسنده ساقطٌ أيضًا .
وإبراهيم بن هراسة تركه النسائي ، وقال البخاري : تركوه ، تكلم فيه أبو عبيد وغيره ، وتركه أيضًا أبو حاتم الرازي ، ونقل أبو العرب في ( الضفعاء عن العجلي أنه قال : ( متروك كذاب ) ، ورماه أبو داود بالكذب .
ولكن أخرجه ابن عساكر أيضًا من طريق أحمد بن المغلس الحماني ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن ابن المبارك ، عن الثوري به ، وسنده ساقط أيضًا ، وابن المغلس كذبوه ، فالحديث لا يصحُّ بهذا اللفظ .
ولكن يغني عنه ما أخرجه البزار ( 3696 - كشف الأستار ) ، والحاكم في ( المستدرك ) (4/ 573 ، 574) من طريق أبي معاوية الضرير محمد بن حازم ، عن موسى بن مسلم الصغير ، عن هلال بن يساف ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء مرفوعًا : ( إن بين أيديكم عقبة كئودًا ، ينجو فيها كلُّ مُخِفَ ) .
لفظ البزار .
وأخرجه البيهقي في ( الشعب ) ( 7 / 309) ، وأبو نعيم في ( الحلية) ( 1/ 226) من طريق عبد الحميد بن صالح ، ثنا أبو معاوية بسنده سواء نحوه ، وعندهما والحاكم : ( فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة ) .(1/223)
قال البزار : ( لا نعلم رواه إلاَّ أبو الدرداء ، ولا حدث به إلا أبو معاوية عن موسى ، وموسى ثقةٌ حدَّث عنه الناس ، وهلال مشهور ، والإسناد صحيح ) .
وقال الحاكم : ( هذا حديث صحيحٌ الإسناد ) ، ووافقه الذهبي .
وكذلك صحَّح إسناده المنذري في ( الترغيب ) ( 4/ 131) بعد أن عزاه للطبراني في ( الكبير ) ، وحسن إسناد البزار ، ولعل إسنادهما واحدٌ من عند أبي معاوية ، والله أعلم ، ثم رأيته في ( كتاب الزهد ) ( ص138) للإمام أحمد رواه من طريق الأعمش عمن أخبره عن أم الدرداء أنها اشتكت إلى أبي الدرداء فناء الدقيق ، فقال : إن أمامنا عقبة كئودًا المُخفُّ فيها خيرٌ من المثقل ، وسنده ضعيف ؛ لجهالة شيخ الأعمش . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
( خير شبابكم من تشبه بكهولكم ، وشرُّ كهولكم من تشبه بشبابكم ) ؟
فالجواب : أنه حديث ضعيف جدًّا ، وقد ورد من حديث أنسٍ ، وابن عباسٍ ، وعمر بن الخطاب ، وواثلة بن الأسقع ، رضي الله عنهم .
أولاً : حديث أنس ، رضي الله عنه ، أخرجه البزار (3219 - كشف ) ، والطبراني في ( الأوسط ) (5904) ، وابن عدي في ( الكامل ) ( 2 / 721) ، والبيهقيُّ في ( الشعب ) ( 6/ 168 - بيروت ) ، وأبو نعيم في ( أخبار أصبهان ) (2/ 37) ، والقضاعي في ( مسند الشهاب ) (1255) من طرق عن مسلم بن إبراهيم ، نا الحسن بن أبي جعفر ، عن ثابت البناني ، عن أنس مرفوعًا به ، قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن ثابت ، إلا الحسن بن أبي جعفر ، تفرَّد به : مسلم بن إبراهيم ) ، وقال ابن عدي : ( هذا حديث غريبٌ يرويه الحسن بن أبي جعفر ) .
قلْتُ : وهو منكرٌ عن ثابت ، والحسن ضعفه ابن المديني وأحمد والنسائي ، وقال البخاري : منكر الحديث .(1/224)
وهذا منه جرحٌ شديد يساوي الترك عند غيره ، ويبدو أنه كان شديد الغفلة حتى وقعت منه المناكير الكثيرة ، أما قول مسلم بن إبراهيم : إنه كان من خيار الناس ، فهذا لا تعلق له بصحة الحديث ، وإنما وصف دينه ، وقد صرَّح ابنُ حبان بذلك في ( المجروحين ) (1/ 236) ، فقال : ( كان من خيار عباد الله من المتقشفة الخُشن ، ضعفه يحيى ، وتركه أحمد بن حنبل ، وكان الحسن بن أبي جعفر من المتعبدين المجابين الدعوة في الأوقات ، ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث وحفظه ، واشتغل بالعبادة عنها ، فإذا حدث وهم فيما يروي ، ويقلبُ الأسانيد ، وهو لا يعلم حتى صار ممن لا يحتجُّ به ، وإن كان فاضلاً ) اهـ .
فإذا رأينا مثل هذا النمط ممن ساء حفظهم تفردوا عن مشايخ ثقات مشهورين بأحاديث دون سائر أصحابهم الثقات ، علمنا أن هذا مما أخطأوا فيه ، والله أعلم .
ثانيًا : حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما : أخرجه البيهقي في ( الشعب ) (6/ 168) من طريق إبراهيم بن سليمان الزيات ، نا بحر بن كنيز ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن ابن عباسٍ قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال ، والمذكرات من النساء ، قال : ( أخرجوهم من البيوت ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن خير شبابكم من تشبه بشيوخكم ، وشرَّ شيوخكم من تشبه بشبابكم ، وشر نسائكم من تشبه برجالكم ، وشر رجالكم من تشبه بنسائكم ) .
قال البيهقي : ( تفرد به بحر بن كنيز السقاء ، عن يحيى بهذه الزيادات ) .
قُلْتُ : وبحرٌ هذا شبه المتروك ، قال ابن معين : ( ليس بشيء ، لا يكتب حديثه ، كل الناس أحب إليَّ منه ) .
وتركه النسائي والدارقطني ، وضعفه أبو حاتم ويزيد بن زريع ، وقال : ( لا شيء ، ما كتبت عنه إلا حديثًا واحدًا ، فجاءت السنور فأحدثت عليه ) !!(1/225)
ثالثًا : حديث عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : أخرجه ابنُ عدي في ( الكامل ) (1/ 254) ، ومن طريقه ابن الجوزي في ( العلل المتناهية ) (1182) من طريق إبراهيم بن حبان الأنصاري ، عن حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن عمر بن الخطاب مرفوعًا : ( خير شبابكم من تشبه بكهولكم الصالحين ، وشرُّ كهولكم من تشبه بشبابكم الفاسقين ) .
قال ابن عدي : ( وهذا الحديث مع أحاديث غيره بالأسانيد التي ذكرها إبراهيم بن حبان عامتها موضوعةٌ مناكير ، وهكذا سائر أحاديثه ) .
وقال ابن الجوزي : ( هذا حديثٌ لا يصحٌّ .
قال ابنُ عدي : إبراهيم يروي أحاديث موضوعة ) .
وسقط ذكر ( زر بن حبيش ) من ( الكامل ) وإثباته ضروري . والله أعلم .
رابعًا : حديث واثلة بن الأسقع ، رضي الله عنه : أخرجه أبو يعلى في ( مسنده ) (ج13 / رقم 7483) ، والطبراني في ( المعجم الكبير ) (ج22 / رقم 202) ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : ثنا سعيد بن أبي الربيع ، ثنا عنبسة بن سعيد ، عن حماد مولى بني أمية ، عن جناح مولى الوليد ، عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا : ( خير شبابكم من تشبه بكهولكم ، وشرُّ كهولكم من تشبه بشبابكم ) .
وأخرجه الطبرانيُّ أيضًا من طريق يزيد بن هارون وعبيد الله بن موسى قالا : ثنا عنبسة بسنده سواء .(1/226)
قال الهيثميُّ في ( المجمع ) (10 / 270) : ( فيه من لم أعرفهم ) ، كذا قال ! وكلهم معروفون ، وعنبسة بن سعيد شبه المتروك ، وشيخه حماد مولى أمية تركه الأزديُّ ، وجناح مولى الوليد وثقه ابن حبان ، ولكن تركه الأزدي أيضًا ، فالسند ضعيف جدًّا ، وتسامح الحافظ العراقي في نقده لهذا الحديث ، فقال في ( تخريج الإحياء ) (1/ 143) : ( إسنادُه ضعيفٌ ) ! وكم لهذا التسامح من مضارٌ ، لا سيما في أحاديث فضائل الأعمال ، فإن المذهب السائد عند كثير من المتأخرين هو جواز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال خلافًا للراجح عندنا ، وهو ترك العمل بالضعيف مطلقًا ، فإذا تسامح المحدث في حكمه ، فحكم على الحديث الباطل أو المنكر ، أو الواهي بالضعف فقط ، سارع إليه الواعظون والمحاضرون ، وذكروه محتجين به عملاً بالقاعدة السابقة ، ومهما تأتيهم بكل آية على وهاء الحديث فلا يقبلون ذلك منك ؛ لأن الحافظ الفلاني ضعفه فقط ، وكم وقع ناسٌ بسبب هذا في الاحتجاج بأحاديث باطلة ، أو واهية بسبب تسامح الحافظ العراقي ، رحمه الله ، في نقده لأحاديث ( إحياء علوم الدين ) ، ومن مضار هذا التسامح أيضًا أنه قد فشا عند كثيرٍ من المتأخرين أن الأحاديث الضعيفة يقوي بعضها بعضًا دون مراعاة للشروط التي وضعها العلماء للتقوية ، فإذا رأى بعض هؤلاء من تسامح في نقده ، فوصف الحديث الباطل أو المنكر بالضعف فقط ؛ ظن أنه يصلح في التقوية ، فصححوا أو حسنوا مئات الأحاديث المنكرة ، ولما كان الغالب على الذين صنفوا في مصطلح الحديث من المتأخرين أنهم ممن غلب عليهم صناعة الفقه ، واحتاجوا علم الحديث ليصححوا أدلتهم ، ولم يكن لهم ذوق المحدثين ، ولا نقد الحفاظ المبرزين ، فقد توسعوا جدًّا في تقوية الأحاديث الضعيفة ، وإن شئت فقل : المنكرة بعضها ببعض ، مما حدا ببعض المعاصرين إلى الغلو ، فقال : إن الأحاديث الضعيفة لا يقوي بعضها بعضًا أبدًا ، والحقُّ بين الإفراط والتفريط ، والحقُّ(1/227)
الذي أعتقده في هذه المسألة أن الأحاديث الضعيفة قد تتقوى ببعضها بشروط ليس ها هنا مجالُ سردها ، ولكن هذا النوع يحتاج إلى أذكياء المحدثين ، ممن طالت ممارستهم لهذا العلم ، حتى صارت لهم فيه ملكة لا تتكون إلا بالدربة والممارسة مع إدمان النظر في تصرف النقاد الحاذقين لهذا العلم .
والله يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : لما أغرق الله عز وجل فرعون قال : ( قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ) [ يونس : 90] ، قال جبريل ، عليه السلام ، للنبي صلى الله عليه وسلم : ( يا محمد ، لو رأيتني وأنا أدُسُّ في فيه من حال البحر خشية أن تدركه الرحمة ) ؟
والجواب : أنه حديثٌ صحيحٌ .
أخرجه الترمذي ( 3107) ، وأحمد (1/ 309 ، 245) ، والطيالسي ( 2693) ، وعبد بن حميد في ( المنتخب) (664) ، وابن جرير في ( تفسيره ) (11/ 112) ، وابن أبي حاتم في ( تفسيره) - كما في ( تفسير ابن كثير) ، والحاكم (4/ 249) ، والطبراني في ( الكبير ) (12 / 216) ، والخطيب في ( تاريخه ) (8 / 101 ، 102) من طرق عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس . قال الترمذي : ( حديث حسنٌ ) .
قُلْتُ : وعلي بن زيد بن جدعان ضعيفٌ ، ولكن رواية حماد بن سلمة عنه متماسكة ، وهي أمثلُ من غيرها ، كما قال أبو حاتم الرازي ، ولكن للحديث طريق آخر عن ابن عباسٍ ، أخرجه الترمذي ( 3108) ، وأحمد ( 1/ 240 ، 340) ، والنسائي في ( تفسيره ) (258) ، والطيالسي ( 2618) ، وابن حبان ( 6215) ، والحاكم (1/ 57 ، و 2 / 340 و 4 / 249) ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) (7 / 44 ، 45) من طرق عن شعبة بن الحجاج ، عن عطاء بن السائب ، عن عدي بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباسٍ مرفوعًا مثله .(1/228)
قال الترمذي : ( حديث حسنٌ صحيح غريب من هذا الوجه ) ، وسنده صحيحٌ ، وقد خولف عدي بن ثابت فيه ، خالفه عمر بن عبد الله بن يعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباسٍ فوقفه عليه .
أخرجه ابن جرير (11/ 113) ، وابن أبي حاتم كلاهما في ( التفسير ) ، وسنده ضعيف لضعف عمر ، والمرفوع أصحُّ ، والله أعلم .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
(ما من ناشيء ينشأ في العبادة حتى يدركه الموت ، إلا أعطاهُ الله أجر تسعة وتسعين صديقًا ) .
والجواب : أنه حديثٌ باطلٌ :
أخرجه الطبرانيُّ في ( الكبير ) (ج8 / رقم 7590) ، وفي ( الأوسط ) (780) ، وفي ( مسند الشاميين ) (3424) ، وابنُ عبد البر في ( جامع العلوم ) (1 / 81 ، 82) من طريق يوسف بن عطية ، ثنا مرزوق أبو عبد الله الشامي ، عن مكحول ، عن أبي أمامة الباهلي مرفوعًا فذكره . واللفظ الذي ذكره القارئ هو لفظ الطبراني في ( الأوسط ) ، وفي بقية المصادر : ( أيما ناشئٍ … إلخ ) .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن مكحول ، إلا مرزوق أبو عبد الله ) .
قُلْتُ : كذا قال ! ولم يتفرد به مرزوق ، فتابعه عيسى بن سنان أو سنان الشامي ، فرواه عن مكحول بسنده سواء .
أخرجه الطبرانيُّ في ( الكبير ) (ج8 / رقم 7589) ، وفي ( مسند الشاميين) (3423) قال : حدثنا الحسين بن إسحاق ، ثنا يحيى الحماني ، ثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي سنان ، والحديث باطلٌ من الوجهين ، أما الوجه الأول : ففيه يوسف بن عطية ، وهو متروك ساقط ، والوجه الثاني : فيه يحيى الحماني كان يسرق الحديث ، وأبو سنان الشامي ضعيفٌ .
وقد وقع اختلاف في متن الحديث ، فعند الطبراني في ( الكبير ) : ( أجر اثنين وسبعين صديقّا ) .
وعند ابن عبد البر : ( سبعين صديقًا ) .
والحديث قال عنه الذهبي في ( الميزان ) (4 / 534) : ( منكر جدًّا ) .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ .
---
يسأل القارئ : عن درجة حديث :(1/229)
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن للصلاة أولاً وآخرًا ، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس ، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر ، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها ، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمسُ ، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس ، وإن آخر وقتها حين يغيبُ الأفق ، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيبُ الأفق ، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل ، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر ، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس ) ؟
والجواب : أن هذا الحديث ضعيفٌ بهذا السياق .
ويرويه محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة به .
أخرجه الترمذي ( 151) ، وأحمد ( 2 / 232) ، والبزار في ( مسنده ) (ج2 / ق 220 / 1) ، والطحاوي في ( شرح معاني الآثار ) (1 / 149 ، 150) ، والدارقطني ( 1 / 362) ، والعقيلي في ( الضعفاء ) (4 / 119) ، وابن أبي شيبة في ( المصنف ) (1 / 317 ، 318 ) ، والبيهقيُّ ( 1 / 375 ، 376) ، وقد أعل أهل العلم هذا الحديث .
قال الترمذي : سمعت محمدًا - يعني : البخاري - يقول : حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصحُّ من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش ، وحديث محمد بن فضيل خطأ ، أخطأ فيه محمد بن فضيل .
وقال ابنُ حاتم في ( العلل ) ( 273) : سألت عن حديثٍ رواه محمد بن فضيل .. فذكره . قال أبي : هذا خطأ ، وهم فيه ابنُ فضيل ، يرويه أصحابُ الأعمش ، عن الأعمش ، عن مجاهد قوله .
وقال ابنُ عبد البر في ( التمهيد ) (8 / 86) : هذا الحديث عند جميع أهل الحديث منكر ، وهو خطأ ، لم يروه أحدٌ عن الأعمش بهذا الإسناد إلا محمد بن فضيل ، وقد أنكروه عليه .
ثم نقل عن محمد بن وضاح قال : قال لنا محمد بن عبد الله بن نمير : هذا الحديث ؛ حديث محمد بن فضيل ؛ عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة في المواقيت خطأ ، ليس له أصلٌ .(1/230)
ونقل أيضًا عن ابن معين قال : حديثُ الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( إن للصلاة أولاً وآخرًا ) . رواه الناس كلُّهم عن الأعمش ، عن مجاهدٍ مرسلاً ، ورواه محمد بن فضيلٍ ، عن الأعمش فأخطأ فيه ، وهو حديث ضعيفُ ليس بشيء ، إنما هو عن الأعمش عن مجاهدٍ مرسل .
وقال البزار : وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة غير محمد بن فضيل ، ولم يتابع عليه ، وإنما يرويه زائدةُ بنُ قدامة عن الأعمش ، عن مجاهدٍ موقوفًا من قوله .
وقال العقيليُّ بعد رواية الحديث الموقوف ، وهذا أولى .
وقال الدراقطني : لا يصحُّ مسندًا ، وهم فيه ابن فضيل وغيره يرويه عن الأعمش ، عن مجاهد مرسلاً وهو أصحُّ .
وخالفهم في هذا الحكم بعض المتأخرين ، فقال ابنُ حزم في ( المحلى ) (3 / 168) بعد أن روى هذا الحديث : وكذلك لم يخف علينا من تعلل في حديث أبي هريرة بأن محمد بن فضيلٍ أخطأ فيه ، وإنما هو موقوفٌ على مجاهدٍ ، وهذه أيضًا دعوى كاذبةٍ بلا برهان ، وما يضرُّ إسناد من أسند إيقاف من وقف .
وأيده في هذا الحكم الشيخ العلامة المحدث أبو الأشبال أحمد شاكر ، رحمه الله ، في تعليقه على ( المحلى ) ، ثم شرحه على الترمذي ( 1 / 285 ) ، وكذلك صحَّحه شيخنا الإمام أبو عبد الرحمن ناصر الدين الألباني ، حفظه الله ، في ( الصحيحة ) (1696) ، وأحال على بحث الشيخ أبي الأشبال ، وقال : ( وأجاد ) يعني في ردِّ تعليل العلماء الحديث .
ونقل الزيلعيُّ في ( نصب الراية ) (1/ 120 ، 121) عن ابن الجوزي أنه قال في ( كتاب التحقيق ) : ( ابنُ فضيلٍ ثقةٌ ، يجوز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلاً ، ومن أبي صالح مسندًا ) .
ونقل أيضًا عن ابن القطان الفاسي قال : ( ولا يبعد أن يكون عند الأعمش طريقان : إحداهما مرسلة ، والأخرى مرفوعة ، والذي رفعه صدوقٌ من أهل العلم ، وثقه ابنُ معين ) .(1/231)
وانفصل الشيخ أبو الأشبال في ( شرح الترمذي ) في نهاية بحثه على قوله : ( والذي أختارُهُ أن الرواية المرسلة أو الموقوفة تؤيد الرواية المتصلة المرفوعة ، ولا تكون تعليلاً لها أصلاً ) . اهـ .
وهو ما ذهب إليه ابنُ حزم قبل ذلك ، فقد احتج من صحح الحديث بدليلين :
الأول : أن الوقف لا يخالفُ الرفع .
الثاني : أنه لا مانع أن يكون الحديث عند الأعمش على الوجهين .
أما بالنسبة للدليل الأول ، فالأصل أنه إذا اتحد مخرج الحديث واختلف الرواة في الرفع والوقف أن ينظر إلى حفظ الرواة وعددهم وخصوصيتهم في شيوخهم ، فيحكم للواصلين أو المرسلين بحسب ذلك ، والأصل في ذلك أن الوقف يكون علَّة للموصول والعكس .
وأما الدليل الثاني ؛ فنعم ، لكن إذا انفرد ابن فضيل عن سائر أصحاب الأعمش المختصين به ، وتكلم فيه بعض أهل العلم ، كان سببًا للتوقف في الحكم لروايته ، وابن فضيل ثقةٌ ، ولكن نقل ابن سعد أن بعضهم لا يحتج به ، ولو أردنا أن نهدر مثل هذا الجرح ونقول : لا نعرف من الذي لا يحتج به ، فإن الثقة الذي ليس عليه أدنى مغمزٍ ، يرد النقاد بعض حديثه ، مثل مالك ، وابن عيينة ، والثوري ، والزهري ، ونحوهم من الثقات .
فلا يقال : كيف تردون روايته وهو ثقةٌ ، ولا مانع للحكم للثقة إذا خالف ، إذا ظهر أنه حفظ ، وقد اتفق علماء الحديث الكبار على تعليل رواية ابن فضيلٍ ، وأظنهم أنكروا عليه في هذا الحديث : ( وقت المغرب ) .
والبحث في هذا يطول ، وليس ها هنا محلُّ تحريره والله أعلمُ .
---
وتسأل القارئة : عن درجة هذين الحديثين :
1- ( إن رجلاً زار أخًا في قرية ، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخًا لي في هذه القرية . قال : هل لك عليه من نعمة تربُّها ؟ قال : لا ، غير أني أحببته في الله ، عز وجل ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) ؟(1/232)
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات بوضوء واحد فسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : (إني فعلته عمدًا) .
والجواب بحول الملك الوهاب :
أمَّا الحديث الأول : ( إن رجلاً زار … ) فهو حديث صحيحٌ .
أخرجه مسلم (2567 / 38) ،والبخاري في ((الأدب المفرد ))(350)،وأحمد(2 / 292،408،462،508) ،والبزار في ((مسنده)) (ج2 / ق244 / 1) ،وأبو بكر الشافعي في ((الغيلانيات))(1055)،وأبو مطيع المصري في (( الأماني)) ( ق / 6 / 1 ) ، والخطيب في ( تاريخه ) ( 3 / 400 و 11 / 76 ، 12 ، 376 و 14 / 31 ، 32 ) ، والشجري في ( الأمالي ) ( 2 / 135 ) ، والبرزالي في ( مشيخة ابن جماعة ) (ص 167 و ص 386 ، 387 ) من طرق عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة مرفوعًا به .
ورواه عن حماد بن سلمة جماعة منهم : ( عبد الأعلى بن حماد ، وسليمان بن حرب ، وموسى بن إسماعيل التبوذكي ، ويزيد بن هارون ، وعبد الرحمن بن مهدي ، والحجاج بن منهال ، وعفان بن مسلم ، وعبيد الله بن أبي عائشة ) .
وأخرجه البزار أيضًا عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي حسان الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعًا . وقال : وهذا الحديث لا نعلمه رواه عن عاصم ، عن أبي حسان ، عن أبي هريرة إلا حماد بن سلمة ، ولا عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة إلا حمادٌ ، ولا يروى هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه .
أمَّا الحديث الثاني : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات .. . ) فهو حديثٌ صحيحٌ .(1/233)
أخرجه مسلمٌ ( 1 / 232 ) ، وأبو عوانة ( 1 / 237 ) ، وأبو داود ( 172) ، والنسائي ( 1 / 86) ، والترمذي ( 61) ، وابنُ ماجه (510) ، وأحمد ( 5 / 350 ، 351 ، 358 ) ، والطيالسي ( 805) ، والدارميُّ ( 1 / 134) ، وابو عبيد في ( كتاب الطهور ) (40) ، والسراج في ( مسنده ) ( 10 / 188 / 2 ) ، وابن خزيمة (12) ، وابنُ حبان ( 1706 - 1708 ) ، وآخرون من طريق سليمان بن بريدة ، عن أبيه بريدة بن الحصيب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة ، فلما كان يوم الفتح ، توضأ ومسح على خفيه ، فصلى الصلوات بوضوء واحدٍ ، فقال عمر ، رضي الله عنه : يا رسول الله ، إنك فعلت شيئًا لم تكن تفعله ، قال : ( إني عمدًا فعلته يا عمر ) .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيحٌ .
يسأل القارئ : مندور سليمان الخرصاوي - كفر الشيخ :
عن صحة الحديث الذي ينهى عن البيع والشراء في المسجد ، والدعاء على فاعل ذلك ؟
والجواب : أنه حديثٌ صحيح : أخرجه أبو داود ( 1079) ، والنسائي ( 2 / 47 ، 48 ) ، والترمذي ( 322 ) ، وابنُ ماجه (749 ) ، وأحمد ( 6676 ) ، وابنُ خزيمة ( 2 / 274 ، 275 ) ، والفاكهي في ( أخبار مكة ) (1267) ، والبيهقي ( 2 / 448) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (2/ 272) من طرق عن محمد بن عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد ، وأن تنشد فيه ضالة ، أو يُنشد فيه شعر ، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة ، قال الترمذي : ( حديثٌ حسنٌ غريبٌ ) ، ولم يقع بعض الفقرات منه عند بعض من أخرجه ، لكنهم اتفقوا على تخريج القدر الذي سأل عنه السائل .
أما الدعاء على من أنشد الضالة في المسجد فوقع في حديث أبي هريرة مرفوعًا : ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد ، فقالوا : لا أربح الله تجارتك ، وإذا رأيتم من ينشد فيه الضالة ، فقالوا : لا ردها الله عليك ) .(1/234)
أخرجه النسائي في ( اليوم والليلة ) (176) ، والترمذي (1321) ، والدارمي ( 1 / 266) ، وابنُ خزيمة (2 / 274) ، وابنُ حبان ( 313) ، وابن الجارود في ( المنتقى ) (562) ، وابنُ السني في ( اليوم والليلة ) (154) ، والحاكم ( 2 / 56) ، والبيهقي (2 / 447) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، قال : أخبرني يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن أبي هريرة .
قال الترمذي : ( حديثٌ حسنٌ غريبٌ ) .
وقال الحاكم : ( صحيح على شرط مسلم ) . ووافقه الذهبيُّ ، وليس كما قالا ، فإن مسلمًا لم يخرج شيئًا للدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة ، ولاليزيد عن ابن ثوبان .
وكنت وافقت الحاكم والذهبي على هذا الحكم في ( غوث المكدود ) فقد رجعت عنه ، والله أسأل أن يغفر لي ما زلَّ به قلمي ، والسند جيد على كل حال ، والحمد لله رب العالمين .
---
ويسأل القارئ : عن صحة حديث :
(يا عائشة ، إذا جاء التمر فهنيئني ) ؟
والجواب : أنه حديث منكرٌ باطلٌ .
أخرجه البزار (2880) ، وابنُ حبان في ( المجروحين ) (1/ 268) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (2 / 779 ، 780) ، وأبو بكر الشافعي في ( الغيلانيات ) ( ج9 / ق 258 / 1) ، والخطيب في ( تاريخه ) ( 5 / 107) ، وابنُ الجوزي في ( الموضوعات ) (3 / 27) من طريق محمد بن موسى الحرشي ، ثنا حسان بن سياه ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعًا به .
قال البزار : ( لا نعلم رواه إلا حسان ، وقد روى حسان بن سياه عن ثابت ، عن أنسٍ غير حديث لم يتابع عليه ) .
وقال ابنُ عدي : ( وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن ثابت غير حسان ) .
ونقل ابن الجوزي عن الدارقطني قال : ( تفرَّد به حسان عن ثابت ) .
قُلْتُ : وهو متروك ، وقد ختم ابنُ عدي ترجمته بقوله : ( وحسان بن سياه له أحاديث غير ما ذكرتُ ، وعامتها لا يتابعه غيره عليه ، والضعف يتبين على رواياته وحديثه ) .(1/235)
وقال ابن حبان : ( منكر الحديث جدًّا ، يأتي عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد لما ظهر من خطئه في روايته على ظهور الصلاح منه ) . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ
انتهى
أسئلة عام 1420
يسأل القارئ : عن صحة هذه الأحاديث في فضل كلمة التوحيد :
1- (( حضر ملك الموت رجلاً ، فنظر إلى عضوٍ من أعضائه فلم يجد فيه حسنة ، ثم شق عليه قلبه ، فلم يجد شيئًا ، ثم فكَّ عن لحيته فوجد طرف لسانه لاصقًا بحنكه يقول : لا إله إلاَّ اللَّه ، فقال : وجبت له الجنة بقول كلمة الإخلاص )) ؟
الجواب بحول الملك الوهاب : حديثٌ ضعيفٌ .
أخرجه ابن أبي الدنيا في (( كتاب المحتضرين )) ( ق 3/2) ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، وأخرجه البيهقي في (( الشعب )) (ج3/ رقم 984 طبع الهند وج6/رقم 9235 طبع بيروت ) من طريق عبد اللَّه الأويسي ، والخطيب في (( تاريخه )) (9/125) من طريق سعد بن عبد الحميد بن جعفر ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن موسى بن عقبة ، عن رجل من آل عبادة بن الصامت ، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره . ووقع عند ابن أبي الدنيا مختصرًا .
وعزاه العراقي في (( تخريج الإحياء )) (4/466) إلى الطبراني ، وقال : ( وإسناده جيد ، إلا أن في رواية البيهقي رجلاً لم يُسم ، وفي رواية الطبراني إسحاق بن يحيى بن طلحة وهو ضعيفٌ ) . اهـ .
وعزاه الزبيدي في (( إتحاف السادة )) (10/275) إلى ابن لال في (( مكارم الأخلاق )) ، والديلمي في (( مسند الفردوس )) ، أمَّا قول العراقي : إسناده جيد ، فغير جيد ؛ لأن في الإسناد رجلاً مجهول العين والصفة ، وابن أبي الزناد في حفظه لينٌ . واللَّه أعلم .(1/236)
2- (( إن للَّه تبارك وتعالى عمودًا من نور بين يدي العرش ، فإذا قال العبد : لا إله إلا اللَّه اهتز ذلك العمود ، فيقول اللَّه تبارك وتعالى : اسكن ، فيقول : كيف أسكن ولم يغفر لقائلها ، فيقول : إني قد غفرت له ، فيسكن عند ذلك )) ؟
الجواب : حديثٌ باطلٌ .
أخرجه أبو نعيم في (( الحلية )) (3/164) من طريق محمد بن يونس الكديمي ، ثنا إبراهيم ، ثنا عبد اللَّه بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري ، ثنا عبد اللَّه بن أبي بكر بن المنكدر ، عن صفوان بن سليم ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، فذكره .
قال أبو نعيم : ( غريبٌ من حديث صفوان ، تفرد به ابن المنكدر ، رواه محمد بن أشرس ، عن عبد الصمد بن حسان ، عن سفيان الثوري ، عن صفوان مثله ) .
قُلْتُ : وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا ، ومحمد بن يونس متهم متروك ، لكنه لم يتفرد به ، فتابعه سلمة بن شبيب ، وهو ثقةٌ حافظ ، فرواه عن عبد اللَّه بن إبراهيم بسنده سواء .
أخرجه البزار في (( مسنده )) (3066- كشف الأستار ) ، وابن عساكر في (( تاريخ دمشق )) (6/16) من طريق أبي جعفر الوراق أحمد بن صالح الرازي وأبي العباس الظهراني عبد الرحمن بن محمد ، ثلاثتهم ، قالوا : ثنا سلمة بن شبيب به .
قال البزار : ( لا نعلمه يروى عن النبي إلاَّ بهذا الإسناد ، وعبد اللَّه بن إبراهيم ليس بالقوي في الحديث ، وإنما ذكرنا هذا لحسن كلامه ) . اهـ .(1/237)
وعبد اللَّه بن إبراهيم هذا متروكٌ شديد الضعف . قال أبو داود : ( منكر الحديث ) . وقال ابن عدي : ( عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات ) . وقال الدارقطني : ( حديثه منكر ) . وذكر له ابن حبان في (( المجروحين )) (2/37) هذا الحديث من بلاياه ، وقال : ( كان ممن يأتي عن الثقات بالمقلوبات ، وعن الضعفاء بالملزقات ) . ثم أورد حديثًا باطلاً عنه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ثم قال : ( على أن عبد الرحمن ليس هذا من حديثه بمشهور ، فكأن القلب إلى أنه من عمل عبد اللَّه بن أبي عمرو أميلُ ) .
وقال الحاكم : ( يروي عن جماعةٍ من الضعفاء أحاديث موضوعة ، لا يرويها عنهم غيره ) . وأمَّا ما ذكره أبو نعيم من المتابعة ، فإنها لا تثبت ، ومحمد بن أشرس قال الذهبي في (( الميزان )) (3/485) : ( متهم في الحديث ، وتركه أبو عبد اللَّه بن الأخرم الحافظ وغيره ) . وذكر الحافظ في (( اللسان )) (5/84) أن الدارقطني ضعّفه ، وأن الضياء المقدسي أخرج له في (( المختارة )) ، ثم قال : ( وخفي على الضياء حال محمد بن أشرس ) .
3- (( ما من عبد قال : لا إله إلا اللَّه في ساعةٍ من ليل أو نهار ، إلا طمست ما في الصحيفة من السيئات حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات )) ؟
الجواب: حديثٌ ضعيف جدًّا.
ذكره المنذري في (( الترغيب )) (2/416) ، والهيثمي في (( المجمع )) (10/82) ، وعزاه كلاهما إلى أبي يعلى في (( مسنده )) . وقال الهيثمي : ( فيه عثمان بن عبد الرحمن الزهري ، وهو متروك ) .
وعزاه الدمياطي في (( المتجر الرابح )) (1291) لأبي يعلى ، ولم يتكلم عليه بشيءٍ ، والمنذري كان أحسن حالاً منه ؛ لأنه وإن لم يتكلم على الحديث صراحة ، إلاَّ أنه صدره بقوله : ( رُوي عن أنس ) . هكذا بصيغة التمريض التي تدل على ضعف الحديث أو وهائه كما صرَّح هو في مقدمة كتابه .
4- (( صلوا على من قال : لا إله إلاَّ اللَّه ، وصلوا خلف من قال : لا إله إلا اللَّه )) ؟(1/238)
والجواب : حديث ضعيفٌ .
أخرجه الدارقطني (2/56) ، والخطيبُ في (( تاريخه )) (6/309 و11/293) من طريق محمد بن الفضل عن سالم الأفطس ، عن مجاهدٍ ، عن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب مرفوعًا ، فذكره .
وسنده واهٍ جدًّا ، ومحمد بن الفضل كذبه ابن معين ، واتهمه أحمد ، وتركه النسائي ، وخالفه سويد بن عمرو ، فرواه عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر مثله . أخرجه أبو نعيم في (( الحلية )) (10/320) من طريق نصر بن الحريش الصامت ، ثنا المشمعل بن ملحان ، عن سويد بن عمرو به . ونصر ضعَّفه الدارقطني ، كما في (( تاريخ بغداد )) (13/286) ، وكذلك ضعَّف الدارقطني المشمعل بن ملحان ، ومشاه ابن معين ، وذكره ابن حبان في (( الثقات )) ، وله طريقٌ آخر عن ابن عمر . أخرجه الدارقطني (2/56) ، وأبو نعيم في (( أخبار أصبهان )) (2/317) ، وابن الجوزي في (( الواهيات )) (1/420) من طريق عثمان بن عبد الرحمن ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر مرفوعًا به .
قال ابن الجوزي : ( عثمان نسبه يحيى - يعني : ابن معين - إلى الكذب ) . وله طرق عن ابن عمر كلها ساقطة ، وله شاهد بمعناه من حديث أبي هريرة
مرفوعًا : (( صلوا خلف كل بر وفاجر ، وصلوا على كل بر وفاجر ، وجاهدوا مع كل بر وفاجر )) .(1/239)
أخرجه أبو داود (2/304، 305، 7/207 عون المعبود ) ، والدارقطني (2/57) ، والبيهقي في (( السنن الكبير )) (3/121) ، وابن الجوزي في (( الواهيات )) (1/418، 419) من طريق معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول ، عن أبي هريرة به . قال الدارقطني : ( مكحول لم يسمع من أبي هريرة ، ومن دونه ثقات ) . وقال البيهقي : ( إسناده صحيحٌ ، إلاَّ أن فيه إرسالاً بين مكحول وأبي هريرة ) . وكذلك أعلَّه ابن الجوزي ، والمنذري ، وابن التركماني وغيرهم ، غير أن ابن الجوزي انفرد عنهم بعلةٍ أخرى ، هي عجيبةٌ من الأعاجيب ! وهي تضعيفه لمعاوية بن صالح ، فما أصاب ، ومعاوية ثقةٌ من رجال الصحيح ، كما قال ابن عبد الهادي .
والحديث ضعَّف النووي إسناده في (( المجموع )) (4/152، 153) ، وضعَّفه غيره .
---
ويسأل : عن صحة الحديث القائل :
(( لا صلاة لمن عليه صلاة )) ، فقد قال بعض الخطباء : إن النبي قاله ؟
والجواب : أن هذا الحديث لا أصل له .
قال إبراهيم الحربي ، رحمه اللَّه : سألت أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل عن معنى هذا الحديث ، فقال : لا أعرفه البتة . قال إبراهيم : ولا سمعت أنا بهذا عن النبي قط . كذا نقله ابن الجوزي في (( الواهيات )) (1/439) ، وقال : ( هذا حديث نسمعه من ألسنة الناس ، وما عرفنا له أصلاً ) . اهـ .
ووافقه ابنُ دقيق العيد في (( الإمام )) - كما في (( نصب الراية )) (2/166) للزيلعي - وابن القيم في (( المنار المنيف )) (46) .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
(( اطلبوا الأشياء بعزة نفسٍ ، فإن الأمور تجري بمقادير )) ؟
والجواب : أن هذا الحديث لا يصح عن رسول اللَّه .(1/240)
فأخرجه تمام الرازي في (( الفوائد )) (1169) ، ومن طريقه ابن عساكر في (( تاريخ دمشق )) ( ج15/ ق356) قال : أخبرنا أبو زرعة محمد بن سعيد بن أحمد القرشي ، ويعرف بـ ( ابن التمار ) ، نا علي بن عمرو بن عبد اللَّه المخزومي ، نا معاوية بن عبد الرحمن ، نا حريز بن عثمان ، نا عبد اللَّه بن بُسْر المازني مرفوعًا : (( اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس ، فإن الأمور تجري بالمقادير )) . وشيخ تمام الرازي لم يذكر ابن عساكر في ترجمته شيئًا يدل عليه ، وشيخه علي بن عمرو لم أعرفه ، ومعاوية بن عبد الرحمن قال أبو حاتم : ( ليس بمعروف ) . أما ابن حبان فوثقه على قاعدته المعروفة ، وهذا الحديث عندي منكر . واللَّه أعلم .
---
ويسأل القارئ :
(( اللهم رب النبي محمدٍ اغفر ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن )) ؟
الجواب : فقد ورد من حديث أم سلمة وعائشة ، رضي اللَّه عنهما .
أما حديث أم سلمة ؛ فأخرجه ابن جرير في (( تفسيره )) (6652) قال : حدثنا المثنى ، ثنا الحجاج بن المنهال ، ثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري ، ثنا شهر بن حوشب ، قال : سمعت أم سلمة تحدث أن رسول اللَّه كان يكثر في دعائه أن يقول : (( اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) . قالت : قلت : يا رسول اللَّه ، وإن القلب ليقلَّبُ ؟ قال : (( نعم ، ما خلق اللَّه من بني آدم من بشر إلاَّ وقلبه بين أصبعين من أصابعه ، فإن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه ، فنسأل اللَّه ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة ، إنه هو الوهاب )) . قلت : يا رسول اللَّه ، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قال : (( بلى ، قولي : اللهم رب النبي محمدٍ اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن )) .(1/241)
قُلْتُ : وشيخ الطبري هو المثنى بن إبراهيم لم أجد له ترجمة ، ولكنه لم يتفرد به ، فتابعه علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن منهال بسنده سواء . أخرجه الطبراني في (( الكبير )) (ج23/ رقم 785) ، وتوبع حجاج بن منهال . تابعه هاشم بن القاسم ثنا عبد الحميد بن بهرام بسنده سواء مثله . أخرجه أحمد في (( المسند )) (6/302) ، ورواه وكيع بن الجراح وأسد بن موسى ومحمد بن بكار ، ثلاثتهم ، عن عبد الحميد بن بهرام بسنده سواء مختصرًا ليس فيه محلُّ الشاهد . أخرجه أحمد (6/294) ، وابن جرير (6650، 6658) ، وابن أبي حاتم في (( تفسيره )) (145- آل عمران ) ، وابن مردويه في (( تفسيره )) - كما في (( ابن كثير )) (2/10) ، ورواه أبو كعب صاحبُ الحرير واسمه عبد ربه بن عبيد الأزدي الجرموزي ، وثقه ابن معين وغيره ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة مختصرًا .
أخرجه الترمذي (3522) ، وأحمد (6/315) ، وابن أبي عاصم في (( السنة )) (223، 232) ، عن معاذ بن معاذ ، وأبو يعلى في (( مسنده )) (6919) عن أبي عاصم النبيل . والطبراني في (( الكبير )) ( ج23/ رقم 772) عن مسلم بن إبراهيم ، ثلاثتهم ، عن أبي كعب صاحب الحرير به .
وأخرجه ابن خزيمة في (( التوحيد )) ( ص 191) ، والآجري في (( الشريعة )) ( ص 316) من طريق عبد اللَّه بن أبي الحسين ، ومقاتل بن حيان ، كلاهما عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة مختصرًا .
قال الترمذي : ( هذا حديثٌ حسنٌ ) . وقال الزبيدي في (( إتحاف السادة )) (5/105) : ( ورأيت بخط الحافظ السخاوي ما نصُّه : هو في (( مسند أحمد )) من حديث أم سلمة في حديث طويل وسنده حسنٌ ) .(1/242)
قُلْتُ : لعلَّ الترمذي حسَّن أصل الحديث - يعني في تقليب القلوب - فإن له شواهد صحيحة ، وشهر بن حوشب ، فتكلم العلماء في حفظه . وقد وجدتُ للفقرة المسئول عنها شاهدًا من حديث عائشة ، رضي اللَّه عنها ، أخرجه ابن السُّني في (( اليوم والليلة )) (455) قال : أخبرني محمد بن أحمد بن المهاجر ، ثنا إبراهيم بن مسعود ، ثنا جعفر بن عون ، ثنا أبو العميس ، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، قال : كانت عائشة ، رضي اللَّه عنها ، إذا غضبت عرك النبي صلى الله عليه وسلم بأنفها ، ثم يقول : (( يا عويش ، قولي : اللهم ربَّ محمد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن )) .
وهذا سندٌ قويٍّ ، لولا أني لم أقف على ترجمة لشيخ ابن السني .
ثم وجدت ابن السني أخرجه في موضع آخر (622) قال : أخبرني أبو عروة ، حدثنا علي بن ميمون ، ثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، عن سلمة بن علي ، عن هشام بن عروة ، عن عائشة ، رضي اللَّه عنها ، قالت : دخل عليَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا غضبى ، فأخذ بطرف المفصل من أنفي فعركه ، ثم قال : (( يا عويش ، قولي : اللهم اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من الشيطان )) .
قال العراقي في (( تخريج الإحياء )) (1/326) : ( إسناده ضعيفٌ ) . والصواب : أنه ضعيفٌ جدًّا . ومسلمة بن علي هو الخشني . قال أبو حاتم : ( هو في حدِّ الترك ) ، وقد تركه النسائي ، والدارقطني والبرقاني . وقال أبو أحمد الحاكم : ( ذاهبُ الحديث ) . وقال ابن عدي : ( جميع أحاديثه غير محفوظة ) . والكلام فيه طويل الذيل .
وقد وجدت له طريقًا آخر . أخرجه ابن عساكر في (( تاريخه )) - كما في (( ابن كثير )) (4/60) - من طريق أبي أحمد الحاكم ، عن الباغندي ، عن هشام بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجون ، عن مؤذن لعمر بن عبد العزيز عن مسلم بن يسار ، عن عائشة مثله . وسنده ضعيف .(1/243)
وهشام بن عمار تكلم النقاد في حفظه . وابن أبي الجون قال أبو حاتم - كما في (( الجرح والتعديل )) (2/2/240) -: ( يكتب حديثه ولا يحتج به ) . وضعّفه أبو داود كما في (( الميزان )) (2/568) ، ووثقه دحيم ، ومشاه ابنُ عدي . ومؤذن عمر بن عبد العزيز مجهول ، واللَّه أعلم .
وخلاصة البحث : أن الحديث ضعيفٌ ، ولو كان شيخ ابن السني في الطريق الأول ثقة لصح الحديث .
والعلم عند اللَّه تعالى . والحمد للَّه رب العالمين
---
يسأل القارئ :
(( إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه )) .
والجواب بحول الملك الوهاب : حديثٌ منكر .
أخرجه أبو يعلى في (( المسند )) (4670) قال : حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق بن أسماء الجرميُّ البصري ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : كان متاعي فيه خَفٌّ ، وكان على جملٍ ناخٍ ، وكان متاعُ صفيَّة فيه ثقلٌ ، وكان على جمل
ثقالٍ بطيءٍ يتبطَّأُ بالرَّكب ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( حولوا متاع عائشة على جمل صفية ، وحولوا متاع صفيَّة على جمل عائشة حتى يمضي الرَّكبُ )) . قالت عائشةُ : فلما رأيتُ ذلك
قلتُ : يا لعباد اللَّه ، غلبتنا هذه اليهودية على رسول اللَّه .(1/244)
قالت : فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( يا أمَّ عبد اللَّه ، إن متاعك كان فيه خَفٌّ ، وكان متاعُ صفية فيه ثقلٌ ، فأبطأ بالرَّكب ، فحولنا متاعها على بعيرك ، وحولنا متاعك على بعيرها )) . قالت : فقلتُ : ألست تزعمُ أنك رسولُ اللَّه ؟ قالت : فتبسم ، قال : (( أو في شكٍّ أنتِ يا أم عبد اللَّه ؟ )) قالت : قلت : ألست تزعم أنك رسولُ اللَّه ، أفهلاَّ عدلت ؟ وسمعني أبو بكر ، وكان فيه غَرْبٌ - أي : حدَّةٌ - فأقبل عليَّ فلطم وجهي ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( مهلاً يا أبا بكر )) . فقال : يا رسول اللَّه ، أما سمعت ما قالت ؟ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( إن الغيرى ... )) الحديث .
وأخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في (( الأمثال )) (56) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، حدثنا حسن بن عمر بن شقيق بهذا الإسناد بطوله .
وهذا سندٌ ضعيفٌ ، وسلمة بن الفضل ضعّفه النسائيُّ وغيره ، وقال البخاريُّ : ( في حديثه بعض المناكير ) ، ومشَّاه غيرهم ، وابن إسحاق مدلسٌ ، وقد عنعنه ، وفي المتن نكارة ظاهرةٌ من جهة قول عائشة : ( ألست تزعم أنك رسول اللَّه ... ) ، والحديث ضعفه البوصيري .
أمَّا الحافظ ابن حجر فقال في (( الفتح )) (9/325) : ( إسناده لا بأس به ) ، وقد عرَّفناك ما فيه من البأس .
ويسأل أيضًا : هل ورد في الأخبار الصحيحة أن ذئبًا تكلَّم ؟(1/245)
والجواب : أنه قد صحَّ في ذلك أحاديث ؛ منها ما أخرجه البخاري في غير موضعٍ من (( صحيحه )) ، منها ما في (( كتاب الأنبياء )) (6/512) ، ومسلمٌ في (( كتاب فضائل الصحابة )) (2388/13) من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال : صلى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم أقبل على الناس ، فقال : (( بينا رجلٌ يسوق بقرةً ؛ إذ ركبها فضربها ، فقالت : إنا لم نُخلق لهذا ، إنما خلقنا للحرث )) . فقال الناس : سبحان اللَّه ، بقرةٌ تتكلم ؟ قال : (( فإني أومنُ بهذا أنا وأبو بكر وعمرُ )) . وما هما ثمَّ . (( وبينما رجلٌ في غنمه إذ عدا الذئبُ فذهب منها بشاةٍ ، فطلُب حتى كأنه استنقذها منه ، فقال له الذئبُ : هذا استنقذتها مني ، فمن لها يوم السَّبُع يوم لا راعي لها غيري ؟ فقال الناسُ : سبحان اللَّه ، ذئبٌ يتكلم ؟! قال : فإني أومنُ بهذا أنا وأبو بكر وعمر )) . وما هم ثمَّ .
---
ويسأل القارئ :
1- (( اتخذوا تقوى اللَّه تجارة يأتكم الربح بلا بضاعة )) ؟
الجواب بحول الملك الوهاب : حديثٌ ضعيفٌ جدًّا .
أخرجه الطبراني في (( الكبير )) ( ج 20/ رقم 190) ، وأبو الشيخ في (( الأمثال )) (55) ، وعنه أبو نعيم في (( الحلية )) (6/96) من طريق إسماعيل بن عمرو ، ثنا سلاَّم الطويل ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : (( يا أيها الناس ، اتخذوا تقوى اللَّه تجارة ، يأتكم الرِّبح بلا بضاعةٍ ولا تجارة )) . ثم قرأ : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مخرجًا } [ الطلاق : 2 ] . وسنده ضعيفٌ جدًّا ، وسلاَّم الطويل تركه النسائي وغيره .
وقال ابن معين وأبو زرعة : ( ضعيفٌ ) . زاد ابن معين : ( لا يكتب حديثه ) . وقال أحمد : ( منكر الحديث ) ، والكلام فيه طويلٌ . وخالد بن معدن وإن كان ثقةً ، لكن قيل : إنه لم يسمع من معاذٍ ، والحديث ضعفه الهيثمي في (( المجمع )) (7/125) .(1/246)
2- (( أبغني حبيبًا هو أحبَّ إليَّ من نفسي )) ؟
والجواب : حديثٌ صحيح . وهو جزء من حديث طويلٍ رائعٍ . أخرجه مسلم في (( كتاب الجهاد )) (1807/132) من طريق إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : قدمنا الحديبية مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة ...، وفي الحديث قال سلمة : ثم إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشجرة ، قال : فبايعتُهُ أول الناس ، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط الناس ، قال : (( بايع يا سلمةُ )) ، قال : قلتُ : قد بايعتكُ يا رسول اللَّه في أول الناس . قال : (( وأيضًا )) ، قال : ورآني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عزلاً - يعني : ليس معه سلاحٌ - قال : فأعطاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجفةً أو درقةً ، ثم بايع ، حتى إذا كان في آخر الناس ، قال : (( ألا تبايعني يا سلمة ؟ )) قال : قلتُ : قد بايعتُك يا رسول اللَّه في أول الناس وفي أوسط الناس . قال : (( وأيضًا )) قال : فبايعتُهُ الثالثة ، ثم قال لي : (( يا سلمةُ ، أين حجفتُك أو درقتُك التي أعطيتُك ؟ )) قال : قلت : يا رسول اللَّه ، لقيتُ عمي عامرًا عزلاً فأعطيتُهُ إياها . قال : فضحك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال : (( إنك كالذي قال الأولُ : اللَّهُمَّ ! أبغني حبيبًا هو أحبُّ إليَّ من نفسي ... )) . وساق الحديث ، وهو جديرٌ بالمراجعة .
وأخرجه - مطوَّلاً ومختصرًا - أبو عوانة (4/127- 130) ، والنسائي في (( السنن الكبرى )) (8665) ، وابنُ ماجه (2846) ، وأحمد (4/49، 54) ، وابنُ حبان (4860) ، والحاكم (3/36) ، والطحاويُّ في (( شرح المعاني )) (3/209، 260) ، وفي (( المشكل )) (3916، 3917) ، والطبراني في (( الكبير )) (6237، 6238) ، والبيهقي (9/129) من طرق عن عكرمة بن عمارٍ ، ثنا إياس بن سلمة به .
3- (( إن ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة )) ؟
والجواب : باطلٌ .(1/247)
أخرجه أبو الشيخ في (( الأمثال )) (189) قال : حدثنا عبد الرحمن بن الحسن ، ثنا عبد الرحيم بن سلاَّم الواسطيُّ ، ثنا قُرَّةُ بن عيسى ، حدثنا الركين بن عبد اللَّه بن سعد الدمشقيُّ عن مكحول ، عن علي بن أبي طالبٍ مرفوعًا : (( ترك الخطيئة ... )) الحديث .
وسنده واهٍ جدًّا ، وركين - ويقال : ركن - بن عبد اللَّه ، تركه النسائي والدارقطني وغيرهما . وقال أبو أحمد الحاكم : ( يروي عن مكحول أحاديث موضوعة ) . وقال ابنُ معين : ( ليس بشيءٍ ) . والراوي عنه قرة بن عيسى لم أجد له ترجمة إلاَّ في (( تاريخ واسط )) ( ص 172) قال : ( قرة بن عيسى بن إسماعيل العبدي ) ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً ، وهو من شيوخ شيوخ بحشل صاحب (( تاريخ واسط )) ، ووجدته يروي عن ( الأعمش وأبي بكر الهذلي ، وسلمة بن نبيط ، ويوسف بن إبراهيم ، وأبي العلاء الخفاف ، والربيع بن أبي صالح ) . وروى عنه من شيوخ بحشل : علي بن مطر ، ومحمد بن عبادة ، ويحيى بن رزيق ، وأحمد بن سهل ، وعمر بن سلم . وكذلك عبد الرحيم بن سلاَّم الواسطيُّ ترجمه بحشل في (( تاريخ واسط )) ( ص 231) ، قال : ( أبو علي عبد الرحيم بن سلاَّم بن المبارك بن بنان ، كان يخضب ) ، ولم يزد على ذلك ، فكلاهما مجهولٌ ، فإذا أضفت إلى ذلك أن مكحول الشامي لم يسمع من علي بن أبي طالب علمت أن السند ظلماتٌ بعضها فوق بعض .
وقد أخرجه ابنُ المبارك في (( كتاب الزهد )) (850) قال : أخبرنا أبو جناب الكلبيُّ قال : قال حذيفة بن اليمان : (( إن الحقَّ ثقيلٌ ، وهو مع ثقله مريءٌ ، وإن الباطل خفيفٌ ، وهو مع خفته وبيءٌ ، وترك الخطيئة أيسرُ - أو قال : خيرٌ - من طلب التوبة ، ورُبَّ شهوة ساعةٍ أورثت حزنًا طويلاً )) . وسنده ضعيفٌ ، وأبو جناب الكلبي اسمه يحيى بن أبي حية متكلمٌ فيه ، ثم هو لم يسمع من أحدٍ من الصحابة . واللَّه أعلمُ .(1/248)
ووجدتُهُ في (( حلية الأولياء )) (5/167) لأبي نعيم الأصبهاني رواه من طريق ابن وهبٍ قال : أخبرني إبراهيم بن نشيط ، عن عمار بن سعد عن شفي بن ماتع الأصبحي قال : ترك الخطيئة أيسرُ من طلب التوبة .
وهذا إسنادٌ لا بأس به وإبراهيم بن نشيط ثقةٌ ، وعمار بن سعد هو السَّلْهي المرادي - المصري . ذكره ابن يونس في (( تاريخ مصر )) . وقال : ( كان فاضلاً ) ، وذكره ابنُ حبان في (( الثقات )) (7/284) . فالصواب أن هذا القول من كلام شفي بن ماتع . واللَّه أعلمُ .
---
ويسأل القارئ :
(( لا تقوم الساعة حتى يختصم الناسُ في ربهم )) .
الجواب بحول الملك الوهاب : أنه حديثٌ ضعيفٌ .
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في (( الطبقات )) (2/61) معلقًا ووصله ، وابنُ عبد البر في (( جامع العلم )) (2/935) ، وأبو إسماعيل الهروي في (( ذم الكلام )) ( ق 46/1) من طريق أبي قلابة الرقاشي ، ثنا حسين بن حفص ، ثنا سفيان الثوري ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا : (( لا تقوم الساعة حتى تكون خصوماتهم في ربهم )) . وهذا الحديث أخطأ فيه أبو قلابة الرقاشي ، واسمه عبد الملك بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد الرقاشي . قال الدارقطني : ( لا يحتجُّ بما ينفرد به ) ، ونقل عن أبي القاسم البغوي أنه قال : ( كان يحدث من حفظه فكثرت الأوهام فيه ) . وقد صرَّح أبو الشيخ في ترجمة (( حسين بن حفص )) بخطأ أبي قلابة فقال : ( كان الحسين بن حفص صاحب كتاب قليل الخطأ ، يخطئ عليه الغرباء ، ومن ذلك حديث رواه أبو قلابة في إسناده .. ثم ذكر هذا الحديث . وصرح الدارقطني في (( العلل )) (10/167) أن أبا قلابة وهم فيه والصواب أنه من قول محمد بن الحنفية . وسبق الدارقطني إلى ذلك علي بن المديني كما نقله عنه أبو إسماعيل الهروي في (( ذم الكلام )) . والحمد للَّه رب العالمين .
---
يسأل القارئ :
1- (( إذا نزل الرجل على قومٍ ، فلا يصم إلاَّ بإذنهم )) ؟(1/249)
الجواب : حديثٌ منكرٌ .
أخرجه أبو نعيم في (( الحلية )) (3/141، 142) عن علي بن الحسين معضلاً ، وقد ورد موصولاً ، أخرجه الترمذي في (( سننه )) (789) ، وفي (( العلل الكبير )) (1/370) ، وابن عدي في (( الكامل )) (1/348) ، وأبو نعيم في (( أخبار أصبهان )) (1/190 و2/266) ، والقضاعي في (( مسند الشهاب )) (536) من طريق بشر بن معاذ العقدي ، ثنا أيوب بن واقد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مرفوعًا : (( من نزل على قومٍ فلا يصومنَّ تطوعًا إلا بإذنهم )) . ورواه سليمان بن أيوب صاحب البصري ، عن أيوب بن واقد بسنده سواء . أخرجه ابن حبان في (( المجروحين )) (1/169) ، ومن طريقه ابنُ الجوزي في (( الواهيات )) (869) . قال الترمذي في (( سننه )) : ( هذا حديثٌ منكرٌ ، لا نعرفُ أحدًا من الثقات روى هذا الحديث عن هشام بن عروة ، وقد روى موسى بن داود عن أبي بكر المدني عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوًا من هذا ، وهذا حديثٌ ضعيفٌ أيضًا ، وأبو بكر ضعيفٌ عند أهل الحديث ، وأبو بكر المديني الذي روى عن جابر بن عبد اللَّه ، اسمه : الفضل بن مبشر ، وهو أوثقُ من هذا وأقدمُ ) . اهـ .
وقال الترمذي في (( العلل الكبير )) : ( سألت محمدًا - يعني : البخاري - عن هذا الحديث ، فقال : ( حديثٌ منكرٌ ) . وقال ابن حبان في ترجمة أيوب بن واقد : ( كان يروي المناكير عن المشاهير ، حتى يسبق إلى القلب أنه كان يتعمد لها ، لا يجوز الاحتجاج بروايته ) .
وقال ابن عدي : ( وأيوب بن واقد عامة ما يرويه لا يتابع عليه ) .
قُلْتُ : توبع أيوب بن واقد كما تقدَّم في كلام الترمذي ، تابعه أبو بكر المدني ، وهو أبو بكر الداهري ، وقد أخرج هذه المتابعة ابنُ ماجه (1763) قال : محمد بن يحيى الأزدي ، ثنا موسى بن داود به . وسنده ضعيفٌ جدًّا ، وأبو بكر الداهري تالفٌ .(1/250)
وقال ابنُ الجوزي : ( هذا حديثٌ لا يصح ) . ونقل المناوي في (( الفيض )) (1/446) عن البيهقي أنه قال : ( إسناده مظلم ) ، وقد وقفتُ له على شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعًا : (( من ألبسه اللَّه نعمةً فليكثر من الحمد للَّه ، ومن كثرت همومُه فليستغفر اللَّه ، ومن أبطأ عنه رزقه ، فليكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا باللَّه ، ومن نزل مع قومٍ فلا يصومنَّ إلاَّ بإذنهم ، ومن دخل دار قومٍ فليجلس حيث أمروه ، فإن القوم أعلمُ بعورة دارهم ، وإن من الذنب المسخوط به على صاحبه : الحقدُ ، والحسدُ ، والكسلُ في العبادة ، والضنكُ في المعيشة )) .
أخرجه الطبراني في (( الأوسط )) (6555) ، وفي (( الصغير )) (2/72) من طريق محمد بن سلمة المرادي ، نا يونس بن تميم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة .
وأخرجه ابن عساكر في (( تاريخ دمشق )) (ج13/ ق713) من طريق محمد بن سلمة المرادي ، لكن وقع عنده : ( أيوب بن تميم ) بدل : ( يونس بن تميم ) . والصواب أنه يونس .
وهو خبرٌ باطلٌ كما قال الذهبي في (( الميزان )) (4/478) في ترجمة : ( يونس بن تميم ) .
2- (( من أشراط الساعة : موت الرجل فجأةً )) ؟
الجواب : حديثٌ ضعيفٌ .(1/251)
أخرجه أبو عمرو الداني في (( السنن الواردة في الفتن )) (395، 399) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة ، عن الشعبي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : (( إن من أشراط الساعة موت الفجأة )) . وهذا سندٌ ضعيفٌ لإرساله ، وقد رأيته موصولاً . أخرجه الطبراني في (( الصغير )) (2/129) قال : حدثنا الهيثم بن خالد المصيصي ، حدثنا عبد الكبير بن المعافي بن عمران ، حدثنا شريك، عن العباس بن ذريح ، عن الشعبي ، عن أنس مرفوعًا : (( من اقتراب الساعة أن يُرى الهلاك قبلاً ، فيقالُ : لليلتين ، وأن تُتَّخذ المساجدُ طرقًا ، وأن يظهر موت الفجأة )) . قال الطبراني : ( لم يروه عن الشعبي إلاَّ العباس بن ذريح ، ولا عنه إلا شريكٌ ، تفرد به : عبد الكبير ) . وأعله الهيثمي في (( المجمع )) (7/325) بالهيثم بن خالد شيخ الطبراني ، وقال : إنه ضعيفٌ . ومن نظر في نقد الطبراني وقع له أن الهيثم لم يتفرد به ، والصواب إعلاله بشريك بن عبد اللَّه النخعي ، فهو سيء الحفظ . أما الراوي عنه وهو عبد الكبير بن المعافي فقد قال فيه أبو حاتم الرازي - كما في (( الجرح والتعديل )) (3/1/63) -: ( كان ثقة رضًا ، وكان يُعدُّ من الأبدال ) .
ورأيتُ للحديث طريقًا آخر عن أنسٍ . أخرجه ابنُ عدي في (( الكامل )) (2/705) ، ومن طريقه ابنُ الجوزي في (( الواهيات )) (1491) من طريق الحسن بن عمارة ، عن الحواري بن زيادٍ ، عن أنسٍ مرفوعًا : (( إن من اقتراب الساعة : فشو الفالج ، وموتُ الفجأة )) .
وسنده ضعيفٌ جدًّا . والحسن بن عمارة مطروحٌ كذبه ابن معين وغيره ، وتركه آخرون ، وبالجملة : فالحديث لا يصح من كل طرقه . واللَّه أعلم .
3- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما تلا قوله تعالى : { ما غرَّك بربك الكريم } ، قال : (( غرَّهُ جهلُه )) ؟
الجواب : حديثٌ ضعيفٌ .(1/252)
أخرجه أبو عبيد في (( فضائل القرآن )) (195- طبع المغرب ) قال : حدثنا كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، عن صالح بن مسمار قال : بلغنا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { يا أيها الإنسان ما غرَّك بربك الكريم } ، فقال : (( جهله )) .
وأخرجه الثعلبي في (( تفسيره )) (7/230/2) ، ومن طريقه الواحدي في (( الوسيط )) من طريقين آخرين عن كثير بن هشام به . وهذا سندٌ ضعيفٌ لإعضاله .
4- (( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : إنا أنطيناك الكوثر )) ؟
الجواب : حديث ضعيفٌ جدًّا . أخرجه الحاكمُ في (( المستدرك )) (2/256) من طريق أزهر بن مروان . والدارقطني في (( المؤتلف والمختلف )) ( ص 2041) من طريق عمرو بن مخرم قالا : ثنا عبد الوارث ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري ، عن أمه ، عن أم سلمة فذكرته . ووقع في (( المستدرك )) : (( أعطيناك )) وهو تصحيف ، وقد عزاه الزيلعيُّ في (( تخريج أحاديث الكشاف )) (4/303) إلى الحاكم بلفظ : (( أنطيناك )) بالنون . وعزاه أيضًا للطبراني في (( معجمه )) ، والثعلبي وابن مردويه في (( تفسيريهما )) . قال الحاكم : ( صحيح الإسناد ) . فتعقبه الذهبي بقوله : ( عمرو بن عبيد واهٍ ) .
5- (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الصلاة في الحيطان )) ؟
الجواب : حديثٌ ضعيفٌ .
أخرجه الترمذي ( 334 ) ، ومن طريقه ابنُ الأبار في (( معجم أصحاب أبي علي الصفدي )) ( ص 261) ، وأبو الشيخ في (( ما رواه أبو الزبير عن غير جابر )) ( رقم 48- بتحقيقي ) ، وابنُ عدي في (( الكامل )) (2/718) من طريق أبي داود الطيالسي ، ثنا الحسن بن أبي جعفر ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذٍ فذكره .(1/253)
وتابعه مسلم بن إبراهيم ، عن الحسن بن أبي جعفر بسنده سواء . أخرجه تمام الرازي في (( الفوائد )) (283) . قال الترمذي : ( هذا حديثٌ غريبٌ ، لا نعرفه إلاَّ من حديث الحسن بن أبي جعفر ، والحسن بن أبي جعفر قد ضعَّفه يحيى بن سعيد وغيره ) .
وقال ابنُ عدي : ( وهذا لا يُعرف رواه عن أبي الزبير غير الحسن بن أبي جعفر ) .
والحسن هذا كان من المتعبدين ممن غفل عن صناعة الحديث كما قال ابن حبان ، فآل فيه الأمر إلى سوء الحفظ والغفلة ، حتى قال فيه البخاري : ( منكر الحديث ) . وضعَّفه أحمد وابنُ المديني والنسائي والفلاس وغيرهم .
وقد فسَّر أبو داود الطيالسي الحيطان بـ ( البساتين ) .
---
6- ويسأل القارئ :
(( لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس )) ؟
والجواب : أنه حديث صحيح .
أخرجه النسائي في (( الكبرى )) (5/251، 252) ، والطبراني في (( الكبير )) ( ج23/ رقم 693) ، والخطيب في (( تاريخه )) (10/110، 111) من طريق عبد اللَّه بن وهبٍ ، عن عمرو بن الحارث ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد اللَّه ، عن سفينة مولى أم سلمة ، عن أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره ، وسنده صحيح ، وتوبع عمرو بن الحارث .
تابعه عقيل بن خالد ، عن الزهري مثله . أخرجه أبو يعلى في (( المسند )) (6945) ، وفي (( المعجم )) (83) ، والخرائطي في (( المساوئ )) (838) ، والطبراني في (( الكبير )) ( ج23/ رقم 898 ) ، وتابعه أيضًا محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري مثله .
أخرجه الطبراني (899) ، وللحديث طرق أخرى عن أم سلمة وشواهد من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك ، رضي اللَّه عنهما .(1/254)
أمَّا حديث أبي هريرة مرفوعًا : (( لا تصحب الملائكة رفقةُ فيها كلبٌ أو جرس )) . فأخرجه مسلم (2113/103) ، وأبو داود (2555) ، والترمذي (1703) ، والدارمي (2679) ، وأحمد (2/262، 263، 311، 327، 343، 392، 444، 476، 537) ، وابن حبان (4703) ، والبيهقي (5/254) من طرق عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة .
وأما حديث أنس ؛ فأخرجه أبو الشيخ في ( ما رواه أبو الزبير عن غير جابر ) (24، 25) ، والطبراني في (( الأوسط )) (4699) ، وابن عدي في (( الكامل )) (3/1211) من طريق محمد بن بكار بن بلال ، عن سعيد بن بشير ، عن أبي الزبير ، عن أنسٍ مرفوعًا : (( لا تقرب الملائكة عيرًا فيها جرسٌ ، ولا بيتًا فيه جرس )) . وقد خولف محمد بن بكار ، خالفه محمد بن خالد بن عثمة قال : حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن سعيد بن هشام ، عن عائشة مرفوعًا : (( لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس )) . فجعله من (( مسند عائشة )) . أخرجه الخرائطي في (( مساوئ الأخلاق )) (835) .
وعلة هذا الاضطراب من سعيد بن بشير ، فإنه ضعيفٌ .
وقال ابنُ عدي : ( لا يعرف عن أبي الزبير إلا من حديث سعيد بن بشير عنه ، ولا أظنُّ أنه يُعرف ؛ لأن الزبير عن أنسٍ غيره ) . والحمد للَّه رب العالمين .
---
يسأل القارئ :
(( أميران وليسا بأميرين : المرأة تحجُّ مع القوم ، فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة ، فليس لأصحابها أن ينفروا حتى يستأذنوها ، والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها ، فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهل الجنازة )) ؟
والجواب بعون الملك الوهاب :
أخرجه البزار ( 795- زوائد ابن حجر ) قال : حدثنا أحمد بن داود الكوفي ، ثنا أحمد بن عبد الغفار ، ثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابرٍ مرفوعًا ، فذكره .(1/255)
قال البزار : ( لا نعلمه بهذا اللفظ من وجهٍ أحسن من هذا ، على أن الأعمش لم يسمع من أبي سفيان ، وقد روى عنه نحو مائة حديث ، ولا روى هذا عن الأعمش غير عبد الغفار ) .
قُلْتُ : كذا وقع في الإسناد : ( أحمد بن عبد الغفار ) ، وفي نقد البزار ( عبد الغفار ) ، والصواب أنه : ( عمرو بن عبد الغفار ) ، فقد ذكر الذهبي في (( الميزان )) ( 3/272 ) هذا الحديث ونقله من (( مسند البزار )) في ترجمة (( عمرو )) ، ثم أعقبه بقوله : ( تفرَّد به عمرو ، وعمرو مُتهم ) . وقد تركه ابن المديني وأبو حاتم ، وقال ابن عدي : ( اتهم بوضع الحديث ) . ثم وقفتُ على الحديث في (( أخبار أصبهان )) ( 2/88 ) لأبي نعيم ، فرأيته يرويه من طريق أحمد بن أبي داود الحناط ، ثنا عمرو بن عبد الغفار ، عن الأعمش بهذا الإسناد سواء . فثبت ما ظهر لي ، والحمد للَّه .
وهذا الإسناد ضعيف جدًّا ، على أن البزار قد أظهر له علَّةً ، فقال : ( الأعمش لم يسمع من أبي سفيان ) . فتعقبه الهيثمي بقوله : ( عجبتُ من قوله : لم يسمع الأعمش من أبي سفيان ) ، وسرُّ تعجبُّ الهيثمي من قول البزار أنه قد ثبت سماع الأعمش من أبي سفيان ، واسمه : طلحة بن نافع ، وقد وقع هذا السماع في (( صحيح البخاري )) ، فأخرج البخاري في (( كتاب الأشربة )) ( 10/70 ) قال : حدثنا قتيبةُ ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح وأبي سفيان ، عن جابرٍ قال : جاء أبو حميد بقدح لبن من النقيع ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( ألا خمَّرته ، ولو أن تعرض عليه بعود )) . وأخرجه مسلم في (( الأشربة )) ( 2011/95 ) قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا جريرٌ مثله ، ثم أخرجه البخاريُّ عقبه من طريق حفص بن غياث ، عن الأعمش قال : حدثني أبو سفيان ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا .(1/256)
وقد أخرج الشيخان معًا حديث الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابرٍ مرفوعًا : (( اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ )) . وقد قرن البخاري رواية أبي سفيان برواية أبي صالح في هذين الحديثين ، ولم يرو البخاري شيئًا للأعمش عن أبي سفيان غير هذين الحديثين ، وروايته في الموضعين مقرونة برواية أبي صالح ، أمَّا مسلمٌ فأخرج نحو ثلاثين حديثًا لهذه الترجمة : (( الأعمش عن أبي سفيان )) ، ولعلَّ البزار أراد أن الأعمش لم يسمع من أبي سفيان هذا الحديث ، وهذا سائغٌ لو أراده البزار ، وذلك لأن الأعمش مدلسٌ وقد عنعنه ، واللَّه أعلم .
وقد وجدت له شاهدًا من حديث أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، مرفوعًا مثله . أخرجه العقيلي في (( الضعفاء )) ( 3/287 ) في ترجمة (( عمرو بن عبد الجبار السنجاري )) من طريقه ، عن أبي شهاب ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة .
وقال العقيلي : (( عمرو بن عبد الجبار لا يتابع على حديثه )) . وذكر الذهبيُّ في (( الميزان )) ( 3/272 ) أن السنجاري هذا سرق هذا الحديث من عمرو بن عبد الجبار الفقيمي أو سرقه الفقيمي منه .
وقد قال العقيلي عقب الحديث : ( هذا يُروى بإسنادٍ مُعل ) ، ولعلّه يشير إلى حديث الفقيمي الذي مرَّ ذكره ، أو يقصد ما ذكره الدارقطني في (( العلل )) ( 2207 ) ، ومن طريقه ابنُ الجوزي في (( الواهيات )) ( 943 ) من طريق الحسن بن عمارة عن الحكم أو عدي بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره . والحسن بن عمارة متروكٌ . وذكر الدارقطني أن ليث بن أبي سليم يرويه عن طلحة بن مصروف عن أبي حازم عن أبي هريرة قوله موقوفًا عليه ، قال الدارقطني : ( ولا يثبت مرفوعًا ) .
---
ويسأل القارئ :
1- (( أن عائشة ، رضي اللَّه عنها ، كانت تستحب التزويج في شوال )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .(1/257)
أخرجه مسلم ( 1423/73 ) ، والنسائي ( 6/70، 130 ) ، والترمذي ( 1093 ) ، وابن ماجه ( 1990 ) ، والدارمي ( 2/68، 69 ) ، وأحمد ( 6/54، 206 ) ، وإسحاق بن راهويه في (( المسند )) ( 180، 181، 259/802 ) ، وعبد بن حميد في (( المنتخب )) ( 1508 ) ، والبيهقي ( 7/290 )، والبغوي في (( شرح السنة )) ( 9/36 ) من طرق عن سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عبد اللَّه بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : تزوجني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في شوال ، وأُدخلت عليه في شوال ، قالت عائشة : فمن كان أحظى عنده مني ، وكانت عائشة تستحب ... الحديث .
قال الترمذي : ( حديثٌ صحيحٌ ، لا نعرفه إلاَّ من حديث الثوري عن إسماعيل ) . وقوله : ( وكانت عائشة ... إلخ ) ، لم يقع في رواية عبد اللَّه بن نمير عن الثوري عند مسلم ولا في رواية وكيع عن الثوري عند إسحاق بن راهويه ، ويبدو أنها مختصرة في رواية وكيع ؛ لأن النسائي وأحمد روياه من طريقه عن الثوري فذكراها . واللَّه أعلم .
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن المحرم يشتكي عينه ، فقال : (( يضمدها بالصبر )) ، فهل معناه أن يصبر على ما يجده ، أم يتداوى ؟
الجواب : حديثٌ صحيح أيضًا .(1/258)
أخرجه مسلم ( 1204/89 ) ، وأبو داود ( 1838 ) ، والنسائي ( 5/143 ) ، والترمذي ( 952 ) ، والدارمي ( 1/397 ) ، وأحمد ( 1/68، 69 ) ، والحميدي ( 34 ) ، والطيالسي ( 85 ) ، وابن خزيمة ( 4/186 ) ، وابنُ الجارود في (( المنتقى )) ( 443 ) ، وأبو نعيم في (( الطب )) ( ق 48/2 ) ، والبيهقي ( 5/62 ) من طريق سفيان بن عيينة ، عن أيوب بن موسى ، عن نُبيه بن وهب قال : اشتكى عمر بن عبيد اللَّه بن معمر عينيه ، فلما أتى الروحاء اشتد به ، فأرسل إلى أبان بن عثمان ، فأرسل أبانٌ أن عثمان ، رضي اللَّه عنه ، حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( يضمدها بالصبر )) . وتوبع ابنُ عيينة ، تابعه عبد الوارث بن سعيد ثنا أيوب بن موسى ، به .
وأخرجه مسلم ، وأحمد ( 1/65 ) ، وقال الترمذي : ( هذا حديثٌ حسنٌ صحيح ) ، وليس معنى (( الصبر )) هو ما ذهب إليه ذهنُ القارئ من أنه احتمال النفس الكدّ ، ولكن (( الصبر )) بتشديد الصاد وكسر الباء الموحدة - ويجوز إسكانها - هو دواءٌ مرٌّ ، ومعنى : (( يضمدها )) يعني : يلطخها ، وكذلك يقال للخرقة التي يُشدُّ بها العضو : (( ضماد )) ، وأصلُ الضَّمْدِ ؛ هو الشدُّ ، واللَّه أعلم .
---
ويسأل القارئ :
1- (( أوحى اللَّه ، عز وجل ، إلى داود النبي : يا داود ، ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته ، فتكيده السماوات بمن فيها ، إلاَّ جعلت له من بين ذلك مخرجًا ، وما من عبدٍ يعتصمُ بمخلوقٍ دوني ، أعرف ذلك من نيته ، إلاَّ قطعتُ أسباب السماء بين يديه ، وأسخت الأرض من تحت قدميه ، وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني ، وغافرٌ له قبل أن يستغفرني )) ؟
الجواب : حديثٌ موضوعٌ .(1/259)
أخرجه تمام الرازي في (( الفوائد )) ( 1700 ) ، والديلمي في (( مسند الفردوس )) - كما في (( زهر الفردوس )) ( 496 ) من طريق هشام بن يوسف ، ثنا يوسف بن السفر ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه مرفوعًا ، فذكره .
وهذا سندٌ موضوع ، ويوسف بن السفر كذبه ابن معين والجوزجاني ، وقال البيهقي : ( هو في عداد من يضعُ الحديث ) . وتركه آخرون من النقاد.
2- (( تقول النار للمؤمن يوم القيامة : جُزْ يا مؤمن ! فإن نورك أطفأ ناري ))
الجواب : حديثٌ منكرٌ .
أخرجه أبو نعيم في (( الحلية )) ( 9/329 ) ، والخطيب في (( تاريخه )) ( 5/193، 194 ) من طريق محمد بن جعفر العابد ، وأخرجه ابنُ عدي في (( الكامل )) ( 6/2390 ) ، والطبراني في (( الكبير )) ( ج22/ رقم 6680 ) ، وعنه أبو نعيم في (( الحلية )) ( 9/329 ) ، والبيهقي في (( الشعب )) ( 1/339، 340 ) من طريق سليم بن منصور بن عمار - كليهما - عن منصور بن عمار ، عن بشير بن طلحة - وسقط ذكره عند الخطيب - عن خالد بن دريك ، عن يعلى بن منية مرفوعًا .
وهذا سندٌ ضعيفٌ لضعف منصور . فقال أبو حاتم : ( ليس بالقوي ) . وقال ابنُ عدي : ( منكر الحديث ) ، وقال العقيلي : ( لا يقيمُ الحديث ) . ثم هو أيضًا منقطعٌ بين خالد بن دريك ويعلى بن مُنية ، كما صرَّح بذلك السخاوي في (( المقاصد الحسنة )) ( ص160 ) .
وقال ابنُ رجب في (( التخويف من النار )) ( ص202 ) : ( غريبٌ وفيه نكارة ) . وقال ابنُ كثير في (( النهاية )) ( 2/93 ) : ( هذا حديثٌ غريب جدًّا ) .
---
ويسأل القارئ :
(( أحسابُ أهل الدنيا هذا المال )) ؟
والجواب : أنه حديثٌ حسنٌ على شرط مسلم .
أخرجه النسائي ( 6/64 ) ، والدارقطني في (( الجزء الثالث والعشرين من حديث أبي الطاهر الذهلي )) ( 159 ) من طريق أبي تميلة يحيى بن واضح .(1/260)
وأخرجه أحمد ( 5/353 ) ، وابنُ حبان ( 2/474 ) ، والحاكم ( 2/163 ) ، وابنُ أبي عاصم في (( الزهد )) ( 228 ) ، والخطيب في (( تاريخه )) ( 1/318 ) ، والبيهقي في (( الشعب )) ( 7/281 ) ، والقضاعي في (( مسند الشهاب )) ( 982 ) ، والدارقطني في (( الجزء الثالث والعشرين من حديث أبي الطاهر الذهلي )) ( 159 ) من طريق زيد بن الحباب . وأخرجه أحمد ( 5/361 ) ، والدارقطني في (( سننه )) ( 3/304 ) ، والبيهقي ( 7/280، 281 ) من طريق الحسن بن علي بن شقيق - ثلاثتهم - عن الحسين بن واقد ، عن عبد اللَّه بن بريدة ، عن أبيه مرفوعًا .
قال الحاكم : ( صحيح على شرط الشيخين ) ، ووافقه الذهبيُّ ! والصواب أنه على شرط مسلمٍ .
والحمد للَّه رب العالمين .
---
يسأل طلبة الجامعة بمسجد شيخ الإسلام ابن تيمية بكفر الشيخ عن درجة هذه الأحاديث :
1- (( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .
أخرجه البخاري في (( صحيحه )) (11/321) ، وأحمد (1/387) ، وأبو يعلى (5211) ، وعنه ابن حبان (661) ، والهيثم بن كليب في (( المسند )) (514، 515) ، والخطيب في (( تاريخه )) (11/387، 388) ، والبغوي في (( شرح السنة )) (14/371) من طرقٍ عن الأعمش ، عن أبي وائلٍ ، عن ابن مسعودٍ مرفوعًا فذكره .
وتابعه منصور بن المعتمر فرواه عن أبي وائل بهذا الإسناد . أخرجه أحمد (1/413) ، والبيهقي (3/368) ، وأبو نعيم في (( الحلية )) (7/125) .
وأخرجه أحمد (1/442) ، وأبو يعلى (5280) من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن الأعمش ومنصور معًا ، عن أبي وائلٍ ، عن ابن مسعود مرفوعًا .
2- (( إنما يدخل الجنة من يرجوها ، ويجنَّبُ النار من يخافها ، وإنما يرحمُ اللَّه من يرحم )) ؟
الجواب : حديث ضعيف الإسناد .(1/261)
أخرجه البيهقي في (( شعب الإيمان )) ( ج3/ رقم 760) ، وفي (( الآداب )) (1146) ، وفي (( الأربعون الصغرى )) (30) ، وأبو نعيم في (( الحلية )) (3/225) من طريق سويد بن سعيد ، عن حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر مرفوعًا فذكره . قال العلائي : ( إسناده حسنٌ على شرط مسلمٍ ) . فتعقبه المناوي في (( فيض القدير )) (3/8) بقوله : ( هذا غير مقبولٍ ، ففيه سويد بن سعيد ، فإن كان الهروي فقد قال الذهبي : ( قال أحمد : متروك ، وقال البخاري : عمي فلقن فتلقن ، وقال النسائي : ليس بثقةٍ ، وإن كان الدقاق فمنكرُ الحديث كما في (( الضعفاء )) للذهبي ) . انتهى .
قُلْتُ : هو الهرويُّ بلا شك ، وما كان ينبغي للمناوي أن يتوقف فيه ، لا سيما والعلائي يقول : ( على شرط مسلم ) ، ومسلمٌ إنما أخرج لسويد بن سعيد الهروي عن حفص بن ميسرة ، أمَّا سويد بن سعيد الدقاق فلا يكادُ يُعرفُ . واللَّه أعلم .
وقد خولف حفص بن ميسرة في إسناده . وقد نصَّ على ذلك أبو نعيم فقال : ( هذا حديثٌ غريبٌ من حديث زيد بن أسلم مرفوعًا متصلاً تفرد به حفصٌ ، ورواه ابنُ عجلان عن زيد بن أسلم مرسلاً ) . اهـ .
ومرسل زيدٍ هذا أخرجه ابن أبي شيبة في (( المصنف )) (13/232) قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . فذكره .
3- كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (( وأسألك الرضا بعد القضاء )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .(1/262)
أخرجه النسائي (3/55) ، وابن حبان (509) ، والحاكم (1/524، 525) ، والبيهقي (9/161) من طريق حماد بن زيد ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبيه قال : صلى بنا عمارُ بن ياسر صلاةً فأوجز فيها ، فقال له بعضُ القوم : لقد خفَّفت ، أو أوجزت ، فقال : أما على ذلك فقد دعوتُ فيها بدعواتٍ سمعتُهنَّ من النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قام تبعه رجلٌ من القوم - هو أبي ، غير أنه كنى عن نفسه - فسأله عن الدعاء ثم جاء ، فأخبر به القوم : (( اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ... )) وساق حديثًا فيه : (( وأسألك الرضا بعد القضاء )) .
ومن هذا الوجه أخرجه أبو سعيد الدارمي في (( الرد على الجهمية )) (188) ، وعبد اللَّه بن أحمد في (( السنة )) (460) ، وابنُ نصر في (( قيام الليل )) ( ص 246) ، وابن خزيمة في (( التوحيد )) (1/29، 30) ، وابنُ مندة في (( الإيمان )) (86) ، والبيهقي في (( الأسماء والصفات )) ( ص 120) .(1/263)
وهذا سندٌ صحيحٌ ، وحماد بن زيد ممن سمع من عطاء بن السائب قبل الاختلاط ، ولذلك صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وله شاهد من حديث زيد بن ثابت ، رضي اللَّه عنه . أخرجه أحمد (5/191) ، والحاكم (1/516، 517) من طريق أبي بكر بن أبي مريم ، ثنا ضمرة بن حبيب ، عن أبي الدرداء ، عن زيد بن ثابت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علمه دعاءً وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم ، قال : (( قل كل يوم حين تصبح : لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك ، ومنك وبك وإليك ... )) . ثم ساق دعاءً فيه : (( أسألك الرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الممات ، ولذة النظر إلى وجهك ، وشوقًا إلى لقائك من غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة ... )) وساق دعاءً . وأخرجه ابن أبي عاصم في (( السنة )) (426) من طريق أبي بكر بن أبي مريم بهذا الإسناد مختصرًا . قال الحاكم : ( صحيح الإسناد ) . فرده الذهبي بقوله : ( أبو بكر ضعيفٌ ، فأين الصحة ؟! ) وله شاهد من حديث فضالة بن عبيد ، رضي اللَّه عنه . أخرجه ابن أبي عاصم في (( السنة )) (427) من طريق ابن حلبس يونس بن ميسرة ، عن أم الدرداء أن فضالة بن عبيد كان يقول : (( اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الموت ، ولذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقائك ، من غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة )) . وزعم أنها دعواتٌ كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم . وسنده صحيح .
4- (( طوبى لمن هدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافًا ، وقنع به )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .(1/264)
أخرجه الترمذي (2349) ، وأحمد (6/19) ، وابن المبارك في (( الزهد )) (553) ، وابن حبان (2/61/ 694) ، وابنُ شاهين في (( الترغيب )) (304/2) ، والطبراني في (( الكبير )) ( ج18/ رقم 786، 787) ، والحاكم (1/34، 35) ، والقضاعي في (( مسند الشهاب )) (616، 617) ، والأصبهاني في (( الترغيب )) (2275) من طريق حميد بن هانئ أبي هانئ الخولاني ، عن عمرو بن مالك الجنبي ، أنه سمع فضالة بن عبيد ، فذكره مرفوعًا . قال الترمذي : ( هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ ) . وقال الحاكم : ( صحيحٌ على شرط مسلم ) . ووافقه الذهبي ! والصواب أنه صحيح فقط ؛ لأن مسلمًا لم يخرج لعمرو بن مالكٍ شيئًا ، واللَّه أعلم .
5- (( قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا ، وقنَّعه اللَّه بما آتاه )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .
أخرجه مسلم (1054/125) ، وأبو نعيم في (( المستخرج )) (2349) ، والترمذي (2348) ، وأحمد في (( المسند )) (2/168) ، وفي (( الزهد )) (8) ، وعبد بن حميد في (( المنتخب )) (341) ، والحاكم (4/123) ، والبيهقي في (( السنن )) ، (4/196) ، وفي (( الشعب )) (10345) ، وفي (( الأربعون الصغرى )) (55) ، والبغوي في (( شرح السنة )) (4043) من طريق عبد اللَّه بن يزيد المقرئ ، ثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني شرحبيل بن شريك ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص مرفوعًا فذكره .(1/265)
قال الحاكم : ( صحيحٌ على شرط الشيخين ) . كذا قال ! واستدراكه على مسلم وهم ، فقد أخرجه كما ترى ، ثم ليس هو على شرط البخاري ؛ لأنه لم يخرج شيئًا في (( صحيحه )) لشرحبيل بن شريك . وأخرجه ابن ماجه (4138) من طريق ابن لهيعة ، عن عبيد اللَّه بن أبي جعفر وحميد بن هانئ ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد اللَّه بن عمرو . وهذا سندٌ حسنٌ في المتابعات . وابن لهيعة فيه مقالٌ معروفٌ . وتوبع أبو عبد الرحمن الحبلي . تابعه عبد الرحمن بن سلمة ، عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا مثله . أخرجه البخاري في (( التاريخ الكبير )) (3/1/290) - معلقًا - وصله ابن حبان (670) ، والفسوي في (( المعرفة والتاريخ )) -(2/523) ، والبيهقي في (( الشعب )) (9723، 10346) ، وأبو نعيم في (( الحلية )) (6/129) من طريق سعيد بن عبد العزيز ، عن عبد الرحمن بن سلمة . وقال أبو نعيم : ( غريبٌ من حديث سعيد عن عبد الرحمن ) . انتهى . وسعيد بن عبد العزيز ثقةٌ ، لكنه كان اختلط ، وهو يتقوى بما قبله . واللَّه أعلم .
6- (( إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج اللَّه لكم من بركات الأرض ، وإن هذا المال خضرة حلوة )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .
أخرجه البخاري (2/402 مختصرًا و3/327 و6/48، و11/244) ، ومسلم (1052) ، والنسائي (5/90، 91) ، وأحمد (3/21، 91) ، وعبد الرزاق في (( المصنف )) (11/96) ، والطيالسي في (( مسنده )) (2180) ، وأبو يعلى ( ج2/ رقم 1242) ، وابن حبان ( ج8/ رقم 3225، 3227) ، والبيهقي (3/198) ، وفي (( الأربعون الصغرى )) (60) ، والبغوي في (( شرح السنة )) (14/253) من طريقين عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا . وساق حديثًا طويلاً . وتوبع عطاء ؛ تابعه عياض بن عبد اللَّه بن سعد ، عن أبي سعيد مرفوعًا نحوه . أخرجه مسلم (1052/121) ، وابن ماجه (3995) ، وأحمد (3/7) ، والحميديُّ في (( مسنده )) (740) ، وابن حبان (3226) .(1/266)
7- (( من أحب أن يُبسط له في رزقه ، ويُنسأَ له في أثره ، فليصل رحمه )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .
أخرجه البخاري (4/301، و10/415) ، وفي (( الأدب المفرد )) (56) ، ومسلم (2557/20، 21) ، وأبو داود (1693) ، والنسائي في (( الكبرى )) - كما في (( أطراف المزي )) (1/397) - وأحمد (3/247) ، والخرائطي في (( مكارم الأخلاق )) (254، 255) ، والبيهقي (7/27) ، والبغوي في (( شرح السنة )) (13/18، 19) من طريق الزهري عن أنس مرفوعًا . وله طرق أخرى عن أنسٍ ، وشواهد عن جماعةٍ من الصحابة ، رضي اللَّه عنهم .
8- (( ما نقصت صدقةٌ من مال ، وما زاد اللَّه عبدًا بالعفو إلاَّ عزًّا ، وما توضع أحدٌ للَّه إلا رفعه اللَّه عز وجل )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .
أخرجه مسلم (2588/69) ، والدارمي (1/396) ، وأحمد (2/386) ، وابن خزيمة (2438) ، والبيهقي (4/187) ، والخطيب في (( التلخيص )) (110/1) ، والبغوي في (( شرح السنة )) (6/132، 133) من طريق إسماعيل بن جعفر ، ثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره .
9- (( من انظر معسرًا أو وضع عنه أظله اللَّه في ظله يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .
أخرجه مسلم (3006/74) مطولاً ، والبخاري في (( الأدب المفرد )) (187) ، والحاكم (2/28، 29) ، والطبراني في (( الكبير )) ( ج19/ رقم 379) ، والبيهقي (5/357) ، وأبو نعيم في الحلية (2/19، 20) ، والقضاعي في (( مسند الشهاب )) (462) من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبي اليسر مرفوعًا .
وأخرجه أحمد (3/427) ، والطبراني في (( الكبير )) ( ج 19/ رقم 372) ، والدولابي في (( الكنى )) (1/62) ، والبغوي في (( شرح السنة )) (8/198) ، والقضاعي في (( مسند الشهاب )) (460، 461) من طريق عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي اليسر مرفوعًا .
والحمد للَّه رب العالمين .
---
يسأل القارئ :(1/267)
عن علي بن أبي طالب ، رضي اللَّه عنه ، أنه كان إذا استلم الحجر قال : اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك واتباعًا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ؟
والجواب : أنه لا يثبت .
أخرجه الطبراني في (( الأوسط )) (492) قال : حدثنا أحمد بن محمد الشافعي ، قال : حدثني إبراهيم بن محمد ، قال : نا حفص بن غياث ، عن أبي العميس ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي بن أبي طالب .
قال الطبراني : ( لا نعلم أسند أبو العميس عن أبي إسحاق حديثًا غير هذا ، ولم يروه عن أبي العميس إلاَّ حفصٌ ، ولا عن حفص إلاَّ إبراهيم الشافعي ) .
قُلْتُ : وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا ، والحارثُ هو الأعور ، وهو واهٍ ، وبه ضعّفه الهيثمي في (( مجمع الزوائد )) (3/240) لكنه تسامح في حقِّ الحارث الأعور فقال : ( فيه الحارث وهو ضعيفٌ وقد وثق ) !! وبقية رجال الإسناد ثقات ، إلا ما كان من أمر أبي إسحاق السبيعي ، فإنه كان اختلط ، ثم هو مدلسٌ ، وقد عنعنه . واللَّه أعلم . لكن له شاهد عن ابن عمر أنه كان إذا أراد أن يستلم الحجر قال : فذكر مثله . أخرجه الطبراني في (( الأوسط )) (5843) ، والعقيلي في (( الضعفاء )) (4/136) قالا : حدثنا محمد بن الحسين أبو حصين ، ثنا عون بن سلاَّم ، نا محمد بن مهاجر ، عن نافعٍ ، عن ابن عمر . وأخرجه الطبراني في (( الأوسط )) (5486) قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، نا عون بن سلام بسنده سواء . قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن محمد بن مهاجر ، إلاَّ عون بن سلام ) . وذكر العقيلي هذا الحديث في ترجمة (( محمد بن مهاجر )) وقال : ( لا يتابع عليه ) ، وسبقه الإمام البخاري فروى هذا الحديث في (( التاريخ الكبير )) (1/1/230) في ترجمة (( محمد بن مهاجر )) ثم قال : ( لا يتابع عليه ) .
---
ويسأل القارئ نفسه عن درجة حديث :
(( لو كان الفحش رجلاً ، لكان رجلٍ سوء )) ؟ وعن حديث : (( لو كان الأرز رجلاً لكان حليمًا )) ؟(1/268)
والجواب : أما حديث : (( لو كان الفحشُ رجلاً )) . فهو حديث ضعيفٌ .
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في (( الصمت )) (328) قال : حدثنا الحكم بن موسى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رباح ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ، رضي اللَّه عنها : (( يا عائشة ، لو كان الفحش رجلاً ، لكان رجل سوء )) .
والوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية ، وقد عنعن الإسناد ، وخالفه أبو داود الطيالسي ؛ فأخرجه في (( مسنده )) (1495) قال : حدثنا طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن عائشة مرفوعًا . فأنت ترى أن الوليد بن مسلم أرسل الحديث ، فقال : ( عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ) ، بينما قال الطيالسي : ( عطاء عن عائشة ) ، غير أن الإسناد على الوجهين لا يثبت ، وطلحة بن عمرو متروك ، تركه أحمد والنسائي وغيرهما . وقال البخاري : ( ليس بشيءٍ ، كان يحيى بن معين سيئ الرأي فيه ) ، وضعّفه أبو داود وابن سعدٍ ، وزاد : ( جدًّا ) ، والكلام فيه طويلُ الذيل ، ولكن وقفتُ له على طرقٍ أخرى ؛ منها ما أخرجه البيهقيُّ في (( الشعب )) (7722، 8418) ، وفي (( الأسماء والصفات )) (1/256) ، والخطيب في (( موضح الأوهام )) (1/319) ، والأصبهاني في الترغيب (1171) ، والشجريُّ في (( الأمالي )) (2/197) من طرقٍ عن إبراهيم بن محمد الشافعيّ ، ثنا أبو غرارة القرشي محمد بن عبد الرحمن ، قال : أخبرني أبي ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة مرفوعًا : (( الرفق يُمنٌ ، والخرق شؤمٌ ، وإذا أراد اللَّه بأهل بيتٍ خيرًا أدخل عليهم الرفق ، إن الرفق لم يكن في شيءٍ إلاَّ زانه ، والخرق لم يكن في شيءٍ قطُّ إلاَّ شانه ، وإن الحياء من الإيمان ، وإن الإيمان في الجنة ، ولو كان الحياءُ رجلاً لكان صالحًا ، وإن الفُحش من الفجور ، وإن الفجور في النار ، ولو كان في الفحش رجلاً يمشي في الناس لكان رجل سوء )) . وسنده ضعيفٌ جدًّا . ومحمد بن عبد الرحمن هذا(1/269)
ذكره البخاريُّ في (( التاريخ الصغير )) (2/176) ، وقال بعد أن ذكر هذا الحديث : وقال لي إسماعيل : سمعت محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الجُدْعاني القرشي المليكي ) . وإسماعيل هذا هو ابن أبي أويس .
والجدعاني هذا تركه النسائي . ونقل ابنُ عدي في (( الكامل )) (6/2196) عن البخاري أنه قال : منكر الحديث . وقال أبو حاتم الرازي - كما في (( العلل )) (1953) : منكرٌ بهذا الإسناد .
وثمَّ طريقٌ آخر . أخرجه الطبراني في (( الصغير )) (1/240) قال : حديث عبد الرحمن بن معاوية المصري ، ثنا يحيى بن بكير ، ثنا عبد اللَّه بن لهيعة ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن يحيى بن النضر ، عن أبي سلمة ، عن عائشة مرفوعًا : (( يا عائشة لو كان الحياء رجلاً لكان رجلاً صالحًا ، لو كان البذاء رجلاً لكان رجل سوء )) .
وشيخ الطبراني لم أجد من وثقه . ولكن أخرجه ابنُ أبي الدنيا في (( الصمت )) (331) ، وفي (( مكارم الأخلاق )) (89) قال : حدثني إبراهيم بن سعيد ، ثنا عبيد بن أبي قُرَّة ، عن ابن لهيعة بسنده سواء بشطره الثاني دون الأول . وعنده (( الفحش )) بدل (( البذاء )) .
وأخرجه الخطيب في (( تاريخه )) (2/355) من طريق عثمان بن صالح ، ثنا ابن لهيعة بسنده سواء بشطره الأول . ووقع عند ابن أبي الدنيا والخطيب (( أبو النضر )) بدل (( يحيى بن النضر )) . قال الطبراني : لم يروه عن أبي سلمة إلاَّ يحيى بن النضر ، ولا عنه إلاَّ أبو الأسود تفرد به : ابنُ لهيعة .(1/270)
قُلْتُ : هكذا اختُلف في إسناده . فرواه يحيى بن بكير عن ابن لهيعة فقال : (( يحيى بن النضر عن أبي سلمة )) . ورواه عبيد بن أبي قرة وعثمان بن صالح عن ابن لهيعة فقال : (( أبو النضر عن أبي سلمة )) . وأبو النضر هو سالم بن أبي أمية . وهذا الاضطراب من ابن لهيعة لسوء حفظه . وقد وجدتُ له طريقًا رابعًا . أخرجه العقيلي في (( الضعفاء )) (3/85) من طريق أسد بن موسى ، ثنا عبد الجبار بن الورد قال : سمعتُ ابن أبي مليكة ، عن عائشة مرفوعًا : (( يا عائشة إياك والفحش ، إياك والفحش فإن الفحش لو كان رجلاً لكان رجل سوء )) . وعبد الجبار بن الورد وثقه أحمد وأبو حاتم وابن حبان والعجلي ، ولكن قال البخاري : ( يخالف في بعض حديثه ) .
وقد تابعه أيوب بن موسى عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة مرفوعًا وزاد : (( ولو كان الحياء رجلاً لكان رجل صدقٍ )) . أخرجه الطبراني في (( الأوسط )) (333) قال : حدثنا أحمد بن رشدين ، ثنا أحمد بن صالح ، ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أيوب بن موسى به .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن موسى إلا عمرو بن الحارث ، تفرَّد به : ابن وهب ) . اهـ .
قُلْتُ : وكلهم من الثقات الأثبات إلا شيخ الطبراني أحمد بن رشدين ، فقد حكى ابن عدي أنهم كذبوه . فالمتابعة لا تثبت بهذا الإسناد . أما قول العقيلي : ( وقد روى هذا بغير هذا الإسناد بأصلح من هذا وبألفاظٍ مختلفة ، في معنى الفحش ) ، فهو لا يقصد تقوية الحديث ، بلفظ بل يشير إلى ثبوت معناه . وقد يقصد العقيلي بقوله : ( أصلح ) ؛ يعني أخف ضعفًا ولا يعني الصحة . وهذا معروف عند علماء الحديث . واللَّه أعلم .(1/271)
أما الحديث : (( لو كان الأرز رجلاً )) فهو كذبٌ موضوع ، كما جزم به ابنُ القيم في (( الطب النبوي )) ، والحافظ ابن حجر والسخاوي ، وكل حديث ورد في فضل الأرز فموضوع . وانظر (( المقاصد الحسنة )) (ص 436) ، و(( كشف الخفاء )) (2/159) ، و(( التمييز )) (131) لابن الدَّيبع ، و(( تنزيه الشريعة المرفوعة )) (2/199) لابن عرَّاق ، و(( الفوائد المجموعة )) (146) للشوكاني .
---
ويسأل القارئ :
(( يا علي ، إنما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى عليه السلام، فنزل قوله تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } )) ؟
والجواب : أنه حديث باطلٌ موضوعٌ قبح اللَّه واضعه .
أخرجه ابنُ حبان في (( المجروحين )) (2/122) ، ومن طريقه ابنُ الجوزي في (( الواهيات )) (1/227، 228) من طريق عيسى بن عبد اللَّه قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب قال : جئتُ إلى رسول صلى الله عليه وسلم يومًا فوجدته في ملأٍ من قريش ، فنظر إليَّ وقال : (( يا علي ، إنما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم أحبه قومٌ فأفرطوا فيه ، وأبغضه قومٌ فأفرطوا فيه )) . قال : فضحك الملأ الذين عنده وقالوا : انظروا كيف شبَّه ابن عمه بعيسى ، قال : ونزل القرآن : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } .
وهذا حديث كذبٌ ، وآفتُهُ عيسى بن عبد اللَّه هذا ، قال ابنُ حبان : ( يروي عن أبيه عن آبائه أشياء موضوعة ، لا يحلُّ الاحتجاج به ، كأنه يهم ويخطئ ، حتى كان يجيء بالأشياء الموضوعة عن أسلافه فبطل الاحتجاج بما يرويه لما وصفت ... وهذه النسخة أكثرها معمولة ) . يعني : مكذوبة .(1/272)
وله طريقٌ آخر دون الآية . أخرجه أحمد في (( فضائل الصحابة )) (1025- 1221) ، وابنُه عبد اللَّه في (( زوائد الفضائل )) (1087) ، وفي (( زوائد المسند )) (1/160) ، وفي (( السنة )) (1263) ، والنسائي في (( خصائص علي )) (100) ، والبخاري في (( التاريخ الكبير )) (2/1/281، 282) ، والبزار (3/202) ، وأبو يعلى في (( المسند )) (1/406، 407) ، وابن أبي عاصم في (( السنة )) (1004) ، والبلاذري في (( أنساب الأشراف )) (2/120) ، وابنُ الأعرابي في (( معجمه )) (ج2/ ق152/1) ، والحاكمُ (3/123) ، وابن الجوزي في (( الواهيات )) (1/227) ، وابنُ المغازي في (( مناقب علي )) (104) من طريق الحكم بن عبد الملك عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجذ ، عن علي بن أبي طالب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : (( يا علي ، فيك مثلٌ من عيسى ، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه ، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس به )) .
قال الحاكم : ( صحيح الإسناد ) . فتعقَّبه الذهبي بقوله : ( قلت : الحكم وهَّاه ابنُ معين ) .
قُلْتُ : لم يتفرَّد به الحكم . فتابعه محمد بن كثير الملائي قال : ثنا الحارث بن حصيرة بهذا الإسناد . أخرجه البزار (3/202) ، وقال : لا نعلمه عن علي مرفوعًا إلا بهذا الإسناد ، ومحمد بن كثير هذا منكرُ الحديث . وهناك علَّةٌ أخرى وهي ربيعة بن ناجذ لا يكاد يُعرف كما قال الذهبي في (( الميزان )) ، ولم يعتبر الذهبي توثيق ابن حبان والعجلي لتساهلهما لا سيما في التابعين .
والحمدُ للَّه رب العالمين .
---
يسأل القارئ عن درجة هذه الأحاديث التي ذكرها ابن كثير في (( تفسيره )) :
1- أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } . قال : (( لا طاعة إلاَّ في المعروف )) ؟
والجواب بحول الملك الوهاب : ذكر الآية فيه منكرٌ .(1/273)
وقد أخرجه ابن مردويه في (( تفسيره )) ، كما ذكر ابنُ كثيرٍ من طريق سليم بن سعيد الدامغاني ، ثنا وكيعٌ عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلميّ ، عن علي بن أبي طالبٍ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قُلْتُ : كذا رواه الدامغاني ، وقد خالفه الثقاتُ من أصحاب وكيعٍ ، فرووه عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب قال : بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سريَّةً واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار ، قال : فلما خرجوا وجد عليهم في شيءٍ ، فقال لهم : أليس قد أمركم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : اجمعوا حطبًا ، ثم دعا بنارٍ فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمتُ عليكم لتدخُلُنَّها ، قال : فهمَّ القوم أن يدخلوها ، قال : فقال لهم شابٌّ منهم : إنما فررتم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها . قال : فرجعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال لهم : (( لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدًا ، إنما الطاعةُ في المعروف )) .
وأخرجه مسلمٌ (1840/40) ، وأبو عوانة (4/452، 453) ، وأحمد (1018) ، وابن أبي شيبة في (( المصنف )) (12/542) ، وأبو يعلى (ج1/ رقم 378، 611) . وقد رواه عن وكيع : أحمد بن حنبل ، وابن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد اللَّه بن نمير ، وزهير بن حرب ، وأبو سعيد الأشجُّ ، وإبراهيم بن عبد اللَّه ، وعبيد اللَّه بن عمر القوايري - كلُّهم - يرويه عن وكيع عن الأعمش بهذا الإسناد ، ولم يذكر واحدٌ منهم الآية .
وكذلك رواه أصحابُ الأعمش عنه ، عن سعد بن عبيدة بهذا الإسناد ، فلم يذكر واحدٌ منهم الآية فيه .(1/274)
أخرجه البخاريُّ (8/58) من طريق عبد الواحد بن زياد ، وأيضًا (13/122) من طريق حفص بن غياث ، ومسلم (1840/40) ، وأحمد (622) من طريق أبي معاوية ، والنسائي في (( كتاب السير )) (5/221- الكبرى ) ، والطيالسيُّ في (( مسنده )) (89، 109) ، وأبو عوانة (4/451، 452) من طريق شعبة بن الحجاج . وأبو عوانة (4/453، 454) من طريق علي بن مُسهر - كُلُّهم - عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة بسنده سواء .
وكذلك رواه منصور بن المعتمر ، عن سعد بن عبيدة بهذا الإسناد ، ولم يذكر الآية .
أخرجه النسائي في (( كتاب السير )) (5/221- الكبرى ) من طريق الطيالسي ، وأبو عوانة (4/451، 452) من طريق سهل بن حماد أبي عتاب الدَّلال قالا : ثنا شعبة ، عن الأعمش ومنصور ، عن سعد بن عبيدة بسنده سواء . ولم يذكر النسائي القصَّة .
وكذلك رواه زبيد الإيامي ، عن سعد بن عبيدة بهذا الإسناد ، ولم يذكر القصة .
أخرجه البخاري (13/233) ، ومسلم (1840/39) ، والنسائي في (( المجتبى )) (7/159) ، وفي (( السير )) (5/221- الكبرى ) ، وأحمد (724) من طريق محمد بن جعفر غندر .
وأخرجه أبو داود (2625) قال : حدثنا عمرو بن مرزوق ، وابنُ حبانُ ( ج10/ رقم 4567) من طريق ابن المبارك ، وأبو عوانة (4/451، 452) من طريق الطيالسي وسهل بن حماد ، والبزار (589) من طريق وهب بن جرير ، وابن نجيد في (( أحاديثه )) ( ق 7/1) من طريق ابن أبي عدي قالوا جميعًا : ثنا شعبة ، عن زبيد الإيامي ، وتابعه الثوري عن زبيد الإيامي بهذا الإسناد دون القصة ، ولم يذكر الآية .(1/275)
أخرجه أحمد (1065) ، وابنه عبد اللَّه في (( زوائد المسند )) (1095) قال : حدثنا عبيد اللَّه بن عمر القواريري . وأبو يعلى ( ج1/ رقم 279) قال : حدثنا زهير بن حرب ، وابنُ حبان (ج10/ رقم 4568، 4569) من طريق نوح بن حبيب - أربعتهم - قالوا : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا سفيان الثوري . وتابعه روح بن عبادة ، ثنا الثوري بهذا الإسناد . أخرجه البزار (586- البحر ) .
قُلْتُ : فيظهر من هذا أن ذكر الآية في الحديث مما تفرَّد به الدامغاني ، فروايته منكرة . واللَّه أعلمُ .
2- أن إبراهيم عليه السلام قال فيه اللَّه : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } ؛ لأنه كان يقول كلما أصبح أو أمسى : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } ؟
والجواب : حديثٌ منكرٌ .
أخرجه ابنُ جرير في (( تفسيره )) (1938 و27/73) ، وفي (( التاريخ )) (1/286) قال : حدثنا أبو كريب . وأخرجه الطبرانيُّ في (( الكبير )) ( ج20/ رقم 428) من طريق محمد بن أبي السري ، وابنُ عدي في (( الكامل )) (3/1011) من طريق زهير بن عبادٍ ، وابنُ عساكر في (( تاريخه )) (6/212، 213) من طريق محمد بن يوسف قالوا : ثنا رشدين بن سعدٍ ، حدثني زبَّانُ بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( ألا أخبركم لِمَ سمَّى اللَّه إبراهيم خليله الذي وفَّى ؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكُلَّما أمسى : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } )) حتى يختم الآية .
ورشدين بن سعد - بكسر الراء المهملة - ضعيفٌ جدًّا ، لكنه توبع ، تابعه عبد اللَّه بن لهيعة ، ثنا زبَّان بن فائد بهذا الإسناد سواء .(1/276)
أخرجه أحمد (3/439) ، ومن طريقه ابنُ عساكر في (( تاريخ دمشق )) (6/211) قال : حدثنا حسن بن موسى الأشيب ، وابنُ أبي حاتم في (( تفسيره )) ، كما في (( ابن كثير )) (7/440) ، والطبراني في (( الكبير )) (ج20/ رقم 427) من طريق أسد بن موسى ، وابنُ السُّني في (( عمل اليوم والليلة )) (78) ، ومن طريقه ابنُ عساكر (6/212) من طريق عثمان بن سعيد بن كثير . وابن عساكر أيضًا من طريق النضر بن عبد الجبار ، قالوا جميعًا : حدثنا ابنُ لهيعة بسنده سواء وسنده ضعيفٌ جدًّا . وزبَّان - بالزاي المعجمة مع تشديد الباء الموحدة - هو ابن فائد ، وهو منكرُ الحديث . ضعّفه أحمد وابن معين وغيرهما ، وقال ابنُ حبان : يتفرَّد عن سهل بن معاذٍ بنسخةٍ كأنها موضوعةٌ .
وسهل بن معاذٍ ضعَّفه ابنُ معين . وقال ابنُ حبان : منكرُ الحديث جدًّا ، فلست أدرى أوقع التخليط في حديثه منه أو من زبَّان بن فائد ، فإن كان من أحدهما فالأخبار التي رواها أحدهما ساقطة .
وبالجملة : فالحديث منكرٌ ، وقد ضعّفه ابنُ جرير لما رواه ووافقه ابنُ كثيرٍ على ذلك .
3- أن إبراهيم عليه السلام سُمِّي : الذي وفى ؛ لأنه وفَّى عمل يومه أربع ركعاتٍ في النهار ؟
والجواب : حديث ضعيفٌ .
أخرجه ابنُ جرير (1939 و27/43) ، وفي (( التاريخ )) (1/286) من طريق إسرائيل بن يونس ، وابنُ أبي حاتم في (( تفسيره )) ، وآدم بن إياس ، وعبد بن حميد في (( تفسيرهما )) ، كما في (( ابن كثير )) (7/439، 440) من طريق حماد بن سلمة . وأخرجه ابن عساكر في (( تاريخه )) (6/213، 214) من طريق يزيد بن هارون ومكي بن إبراهيم - كلُّهم - عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة مرفوعًا . وسندُهُ ساقط ، وجعفر بن الزبير تالفٌ . قال أبو حاتم : روى جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة نسخة موضوعة أكثر من مائة حديثٍ .(1/277)
ولكن وجدتُ له طريقًا آخر . أخرجه الطبرانيُّ ، ومن طريقه ابنُ عساكر (6/213) قال : حدثنا أحمد بن أبي يحيى الحضرمي ، نا محمد بن أيوب بن عافية ، ثنا جدي ، نا معاوية بن صالح عن سليم بن عامر ، عن أبي أمامة مرفوعًا فذكره . وإسنادُهُ وإن كان خيرًا من الأول إلاَّ أنه ضعيفٌ . وأحمد بن أبي يحيى ليَّنه ابنُ يونس ، كما في (( الميزان )) (1/163) ، وعافية بن أيوب جدُّ محمدٍ . قال الذهبي (2/358) : ( تُكُلِّم فيه ، ما هو بحجةٍ ، وفيه جهالةٌ ) . واللَّه أعلم .
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } ، فقال : (( يتبعونه حقَّ اتباعه )) ؟
والجواب : حديثٌ باطلٌ .
أخرجه الخطيبُ البغدادي في (( الرواة عن مالكٍ )) ، وفي (( اقتضاء العلم العمل )) (118) من طريق العباس بن أحمد الخواتيمي ، ثنا العباس بن الفضل الأرسوفي ، نا أحمد بن عبد العزيز ، نا نصر بن عيسى عن مالكٍ ، عن نافعٍ ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره .
وصرَّح الخطيب فيما نقله الذهبي في (( الميزان )) (4/453) أن في إسناده غير واحدٍ من المجاهيل وهم الخواتيمي وأحمد بن عبد العزيز ونصر بن عيسى . أما الأرسوفي فقد اتهمه الذهبيُّ في (( الميزان )) (2/386) بخبرٍ باطلٍ . واللَّه أعلم .
---
ويسأل القارئ :
ذكر بعض الخطباء أن الإنسان إذا كان يصلي وتكلَّم حوله ناسٌ فوعى ما يقولون ، فإن هذا يقدح في خشوعه . فهل هذا الكلام صحيحٌ ؟
والجواب بحول الملك الوهاب : أن هذا بحسب وعيه لما يدور حوله ، أما إذا التقط المرء بعض ما يدور حوله فهذا لا يقدح في خشوعه ، إذ لا يتصور أن يكون المرء أصمّ عما يجري حوله . فهذا من تكليف ما لا يطاق .(1/278)
والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم (33/54) ، وهذا لفظهُ - والحديث في (( الصحيحين )) - من حديث عتبان بن مالك قال : أصابني في بصرى بعضُ الشيء ، فبعثت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : إني أحبُّ أن تأتيني فتصلي في منزلي فاتخذه مصلًى . قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء اللَّه من أصحابه ، فدخل وهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ، ثم أسندوا عظم ذلك وكُبْرَه إلى مالك بن دخشم ، قالوا : ودوا أنه دعا عليه فهلك ، وودوا أنه أصابه شرٌّ ، فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة وقال : (( أليس يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه ؟.. )) الحديث .
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وعى بعض كلامهم وهو يصلي ، فلما قضى صلاته ردَّ عليهم ، ولم يقدح ذلك في خشوعه عليه الصلاة والسلام . واللَّه أعلم .
· يسأل القارئ :
أولاً فيقول :
هل صحيحٌ ما رواه أحمد عن أنس ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفيكم من ينشدنا ؟ ) فقام أعرابيٌ فقال : لسعت حيَّةُ الهوى كبدي فليس لها طبٌّ ولا راق فتواجد النبي صلى الله عليه وسلم حتى سقط رداؤه ؟
· فالجواب بعون الملك الوهاب :(1/279)
· أن هذا الحديث باطلٌ موضوع ، وهو من أسمج الكذب وأبرده ، وقد صان الله الإمام أحمد أن يودع مثل هذا الباطل في ( مسنده ) ، فلم يروه أحمد ولا غيره ، ولم يروه إلا أمثالُ الديلمي ممن يكثرون من تخريج الموضوعات ، وقال أبو موسى المديني : لا أصل لهذا الحديث بهذا السياق ، وذكره ابنُ القيم في ( الكلام على مسألة السماع ) ( ص323) ، فقال : وهذا الحديث من الطراز الأول - يعني : موضوع - فليتبوأ واضعهُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقعده من النار ، سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : هذا كذبٌ مفترى ، موضوع باتفاق أهل العلم ، قال ابن القيم : وركاكة شعره وسماجته وما تجد عليه من الثقالة من أبين الشواهد على أنه من شعر المتأخرين البارد السمج ، فقبَّح الله الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
· وثانيًا فيقول :
ذكر ابنُ كثير أن رجلاً دعا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم واستغاث وأنشد وطلب الاستغفار ومضى ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحد الحاضرين في المنام أن ينطلق خلفه فيبشره . فهل هذا صحيحٌ ؟
· والجواب : أن هذه القصة منكرة ، ولم يُحسن ابن كثير ، رحمه الله ، صنعًا بإيراده هذه القصة في ( تفسيره ) ( 2 / 306) ساكتًا عنها ، وقد بين ابن عبد الهادي في ( الصارم المنكي ) بطلانها ، فقال ملخصه : ( هذه الحكاية بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب ، عن أبي الحسن الزعفراني ، عن الأعرابي ، وقد ذكرها البيهقيُّ في كتاب ( شعب الإيمان ) بإسناد مظلمٍ ، عن محمد بن روح بن يزيد البصري ، حدثني أبو حرب الهلالي قال : حج أعرابيٌ ، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر .. وذكر نحو ما تقدم ) .
---
· ويسأل القارئ :
- الحديث الأول : ( صاحب الرمد لا يُعاد ) ؟(1/280)
· الجواب بحول الملك الوهاب : أن هذا الحديث منكر ؛ أخرجه الطبراني في ( المعجم الأوسط ) ( 152) ، وابن عدي في ( الكامل ) ( 6 / 2314) ، ومن طريقه البيهقي في ( الشعب ) ( 6 / 535) ، والعقيلي في ( الضعفاء ) (4 / 212) ، ومن طريقه ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ( 3/ 208 ، 209) ، من طريق مسلمة بن علي ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ ، عن أبي جعفر ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( ثلاثٌ لا يُعاد صاحبُهنَّ : الرمد ، وصاحب الضرس ، وصاحب الدُّمَّل ) ، قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي ألا مسلمة بن علي ) ، وقال ابنُ عدي : ( لا أعلم يروي هذا الحديث عن الأوزاعي بهذا الإسناد غير مسلمة بن علي ) .
· قلتُ : وهو متروك ؛ وقد خالفه هقل بن زياد ، وهو من أثبت الناس في الأوزاعي ، فرواه عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير من قوله ، أخرجه البيهقي في ( الشعب ) ( 6 / 535) ، وقال : ( وهو الصحيحُ ) ، وتابعه بقية بن الوليد ، فرواه عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، فلم يجاوزه .(1/281)
أخرجه العقيليُّ ( 4 / 212) ، وقال : ( هذا أولى ) ، ثم أعلم أن هذا الحديث منكرٌ لمخالفته الأحاديث الصحيحة ، والتي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود الأرمد ؛ منها ما أخرجه أحمد في ( مسنده ) ( 4 / 375) ، والطبرانيُّ في ( المعجم الكبير ) ( ج5/ رقم 2052) ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) ( 6/ 535 ، 536) ، والخطيبُ في ( تاريخه ) ( 8 / 411) من طريق يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعتُ زيد بن أرقم يقول : أصابني رمدٌ ، فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان من الغد أفاق بعض الإفاقة ، ثم خرج ولقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أرأيت لو أنَّ عينيك لما بهما ، ما كنت صانعًا ؟ ) قال : كنتُ أصبرُ وأحتسب . قال : ( أما والله لو كانت عيناك لما بهما ، ثم صبرت واحتسبت ، ثم مُتَّ لقيت الله عز وجل ولا ذنب لك ) . وهذا سندٌ صحيحٌ .
وأخرجه أبو داود ( 3102) ، والحاكمُ ( 1/ 342) من طريق النفيلي ، ثنا حجاج بن محمد ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن زيد بن أرقم قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني ، هكذا رواه حجاج مختصرًا ، وقال الحاكمُ : ( صحيحٌ على شرط الشيخين ) ، ووافقه الذهبيُّ ، وليس كما قالا ، فإن الشيخين لم يخرجا شيئًا للنفيلي واسمه عبد الله بن محمد ، عن حجاج بن محمد الأعور ، ولا خرجا شيئًا لحجاج عن يونس ، والصوابُ أن السند صحيحٌ مطلقًا غير مقيد بشرطهما أو شرط أحدهما ، والله أعلم .
والحديث حسَّنه المنذري في ( تهذيب سنن أبي داود ) ( 4/ 279) .
الحديث الثاني : هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصعق إذا سمع القرآن ؟(1/282)
· الجواب : نعم ورد ؛ ولكنه لم يصح ، فأخرجه أحمد ( ص27) ، وهناد بن السري ( 267) كلاهما في ( كتاب الزهد ) ، وأبو عبيد في ( فضائل القرآن ) ( ص 64) ، والطبري في ( تفسيره ) ( 29/ 85) كلهم عن وكيع ، وهذا في ( كتاب الزهد ) (رقم 28) قال : حدثنا حمزة الزيات ، عن حمران بن أعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا ) [ المزمل : 12] فصُعق ، وخولف وكيع ، خالفه أبو يوسف ، فرواه عن حمزة الزيات ، عن حمران بن أعين ، عن أبي حرب بن أبي الأسود . فذكره .
أخرجه ابنُ عدي في ( الكامل ) ( 2/ 842) ، ومن طريقه البيهقي في ( شعب الإيمان ) ( 1/ 522) قال ابنُ عدي : ( رُوي هذا الحديث عن أبي يوسف ، عن حمزة ، عن حمران أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يُذكر أبو حرب بن أبي الأسود في الإسناد ) . اهـ .
وسنده ضعيفٌ جدًّا ، وحمران بن أعين وإن وثقه ابنُ حبان ، فقد قال النسائي : ( ليس بثقةٍ ) ، وقال ابنُ معين : ( ليس بشيءٍ ) ، وقال أبو داود : ( كان رافضيًا ) ، وفوق هذا هو مرسل على الوجهين ، وأعله البيهقي بالإرسال .
وحمزة الزيات هو ابن حبيب ، في حفظه كلامٌ . والله أعلمُ .
الحديث الثالث : ( الجهاد مختصر طريق الجنة ) ؟
· الجواب : لم أقف عليه ، وذكره ابنُ قدامة في ( المغني ) (1/ 8) بلا إسنادٍ .
· الحديث الرابع :
( أوتيت جوامع الكلم ، واختصر لي الحديثُ اختصارًا ) ؟
· الجواب : هو ضعيف بهذا التمام .
أخرجه أبو أحمد العسكريُّ في ( كتاب الأمثال ) - كما في ( إتحاف السادة ) ( 7 / 113) للزبيدي من طريق سليمان بن عبد الله النوفلي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال .(1/283)
فذكره . قال الزبيدي : ( هو مرسلٌ ، وفي سنده من لم يعرف ) ، لكن له طريقٌ آخر ، أخرجه البيهقيُّ في ( الشعب ) ( ج4 / رقم 1367) من طريق محمد بن يونس قال : حدثنا شعيب بن بيان الصفار ، حدثنا شعبة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن عمر بن الخطاب مرفوعًا : ( أُعطيتُ جوامع الكلم ، واختصر لي الحديث اختصارًا ) .
وسنده ضعيفٌ جدًّا ، ومحمد بن يونس هو الكُديمي ، اتهمه أبو حاتم بن حبان وابنُ عدي والدارقطني بوضع الحديث ، وقال الدراقطني : ( ما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله ) ، وقال الذهبي : ( أحدُ المتروكين ) ، وشعيب بن بيان الصفار تكلَّم فيه العقيلي في ( الضعفاء ) ( 2/ 183) ، فقال : ( يحدث عن الثقات بالمناكير ، كان يغلبُ على حديثه الوهم ) .
وقال الجوزجاني : ( له مناكير ) ، وعلي بن زيد هو ابنُ جُدعان ضعفوه من قبل حفظه ، وقد خالفه جرير بن حازم ، فرواه عن الحسن أن عمر بن الخطاب ، رضوان الله عليه ، قال : يا رسول الله ، إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا ، وقد هممنا أن نكتبها ، فقال : ( يابن الخطاب ، أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهودُ والنصارى ، أما والذي نفسُ محمدٍ بيده ، لقد جئتكم بها بيضاء نقيَّة ، ولكني أُعطيتُ جوامع الكلم ، واختصر لي الحديث اختصارًا ) .(1/284)
أخرجه ابنُ الضريس في ( فضائل القرآن ) (89) قال : أنبأ موسى بن إسماعيل ، ثنا جرير ، وهذا الوجه مع انقطاعه فهو أمثل من الوجه الأول ، وقد رأيتُ في ( المصنف) (ج6 / رقم 10163) ، ومن طريقه البيهقيُّ في ( الشعب) ج9 / رقم 4837) عن معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، مرَّ برجلٍ يقرأ كتابًا سمعه ساعةً ، فاستحسنه ، فقال للرجل : أتكتبُ من هذا الكتاب ؟ قال : نعم ، فاشترى أديمًا لنفسه ، ثم جاء به إليه ، فنسخه في بطنه وظهره ، ثم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يقرؤه عليه ، وجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتلونُ ، فضرب رجلٌ من الأنصار بيده الكتاب ، وقال : ثكلتك أمُّك يا ابن الخطاب ، ألا ترى إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم منذ اليوم وأنت تقرأ هذا الكتاب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ( إنما بعثتُ فاتحًا وخاتمًا ، وأعطيتُ جوامع الكلم وفواتحه ، واختصر لي الحديث اختصارًا ، فلا يهلكنكم المتهوكون ) .(1/285)
وهذا سندٌ رجالهُ ثقات ، لكنه منقطعٌ ، وأبو قلابة - واسمه : عبد الله بن زيد الجرميُّ - لم يدرك عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعزاه العراقي في ( تخريج الإحياء ) ( 2/ 367) لـ ( عبد بن حميد ) بسندٍ منقطع ، وأظنه يعني هذا الطريق ، ولم أجده في ( المنتخب من مسنده ) ، ولعله في ( تفسيره ) ، ولكن له طريق آخر عن عمر ، وذكر قصةً قال فيها : فانطلقت أنا فاستنسختُ كتابًا من أهل الكتاب ، ثم جئتُ به في أديم ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما هذا الذي في يدك يا عُمر ؟ ) قال : قلتُ : يا رسول الله ، كتابٌ ، نسختُهُ لنزداد به علمًا إلى علمنا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى احمرت وجنتاه ، ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقالت الأنصار : أغضبتم نبيَّكم ، السلاح السلاح ، فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( يا أيها الناس ، إني قد أوتيتُ جوامع الكلم وخواتمه ، واختصر لي الحديث اختصارًا ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية ، فلا تتهوكوا ، ولا يغرنكم المتهوكون ) .
فقال عمر : فقمتُ فقلتُ : رضيت بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبك رسولاً .(1/286)
أخرجه أبو يعلى في ( المسند الكبير ) - كما في ( المطالب العالية ) (ق149/ 2) - قال : حدثنا عبد الغفار بن عبد الله ، ثنا عليُّ بن مسهر ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن خليفة بن قيس ، عن خالد بن عرفطة ، قال : كنت جالسًا عند عمر . فذكره . وسنده ضعيفٌ ، وعبد الرحمن بن إسحاق فضعفوه لكثرة المناكير في حديثه ، وبه أعلَّ الحديث الهيثميُّ في ( المجمع ) ( 1/ 173) ، وقد اختلف عليه فيه كما يأتي ، وخليفة بن قيس مولى خالد بن عرفطة ، قال ابنُ أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) (1/ 2/ 376) : ( سألت أبي عنه ، فقال : هو شيخٌ ليس بالمعروف ) ، وترجمه البخاريُّ ( 2/ 1/ 192) ، وقال : ( لم يصح حديثه ) ، كأنه يعني هذا ، أمَّا ابنُ حبان فوثقه (4/ 209) كعادته ! وقد اختلف على عبد الرحمن بن إسحاق في إسناده ومتنه ، فرواه عنه عليُّ بن مسهر كما مرَّ ، وخالفه هشيم بن بشير ، فرواه عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا : ( أعطيتُ فواتح الكلم وخواتمه ) . قلنا : يا رسول الله ، علَّمنا مما علمك الله عز وجل ، فعلَّمنا التشهد .
أخرجه ابنُ أبي شبية في ( المصنف ) (ج11/ رقم 11784) ، وأبو يعلى في ( مسنده ) ( ج13/ رقم 7238) ، والحسن بن عرفة في ( جزئه) (33) ، ومن طريقه البيهقي في ( الشعب ) (ج4/ رقم 1368) ، والخطيبُ في ( موضح الأوهام ) (2/ 459) ، وسنده ضعيفٌ أيضًا ، وله شاهدٌ عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أخرجه الدارقطنيُّ في ( سننه ) ( 4/ 144، 145) من طريق زكريا بن عطية ، نا سعيد بن خالد ، حدثني محمد بن عثمان ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس مرفوعًا : ( أعطيتُ جوامع الكلم ، واختصر لي الحديث اختصارًا ) .
قال العراقي في ( تخرج الإحياء ) (2/ 367) : ( إسناده جيد ) ، كذا قال ، فأغرب ! لأن زكريا بن عطية منكر الحديث ، كما قال أبو حاتم .(1/287)
فيظهر لك من هذا التحقيق أن الحديث ضعيفٌ بهذا التمام ، فتعلم بذلك تساهل السيوطي ، إذ حسنه في ( الجامع الصغير ) ، وتبعه على ذلك العزيزي في ( السراج المنير شرح الجامع الصغير ) ، كما في ( التعليق المغني على الدارقطني ) (4/ 145) .
لكن للفقرة الأولى منه شواهد عن جماعةٍ من الصحابة ، منها حديث أبي هريرة في ( الصحيحين ) ، وله طريق كثيرة عنه ، ومثل حديث علي بن أبي طالب عند البزار ( ج3/ رقم 213 ، 214) ، وأصله عند أحمد ( 1/ 98) ، وابن أبي شيبة ( 11/ 434) ، والآجري في ( الشريعة ) (ص498) ، وقد اختلف في إسناده ، وقد رواه غيرهما من الصحابة الكرام ، والعلمُ عند الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ :
1- ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان ) ؟
2- ( رب قائم حظه من قيامه السهر ، وربَّ صائم حظُّه من صيامه العطش ) ؟
3- ( رمضان أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ) ؟
4- ( إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلاً ، اتخذوا دين الله دغلاً ، وماله دولاً ، وعباده خولاً ) ؟
والجواب بحول الملك والوهاب :
أما الحديث الأول : ( اللهم بارك لنا … ) فهو حديث منكر .
أخرجه عبد الله بن أحمد (2346 - شاكر ) ، والبزار (961 - كشف الأستار ) ، وابن أبي الدنيا في ( فضائل رمضان ) (ق2 / 1) ، وابن السني في ( اليوم والليلة ) ( 659) ، والطبراني في ( الأوسط ) ( 3939) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (6 / 269) ، والبيهقي في ( فضائل الأوقات ) (14) من طرق عن زائدة بن أبي الرقاد ، نا زياد النميري ، عن أنسٍ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال . فذكره .
وزاد عبد الله بن أحمد وابنُ السني والبيهقي : وكان يقول : ( ليلة الجمعة غراء ، ويومها أزهر ) .
قال الطبراني : ( لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ، تفردَّ به زائدة بن أبي الرقاد ) .(1/288)
وقال البيهقي : ( تفرَّد به زائدة بن أبي الرقاد ، عن زياد النميري ) .
قُلْتُ : وزائدة منكرُ الحديث ، كما قال البخاري والنسائي ، وقال أبو حاتم : ( يحدث عن زياد النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة ، ولا ندري منه أو من زياد ) .
وقال أبو داود : ( لا أعرف خبره ) .
وزياد بن عبد الله النميري ضعفه ابن معين وأبو داود ، وقال ابن حبان : ( منكر الحديث يروي عن أنسٍ أشياء لا تشبه حديث الثقات ، لا يجوز الاحتجاج به ) .
وقال أبو حاتم : ( يكتب حديثه ولا يحتج به ) .
أمَّا الحديث الثاني : ( ربُ قائمٍ … ) .
أخرجه أحمد (8856) ، وابنُ خزيمة (3/242) ، وأبو يعلى (ج11 / رقم 6551) ، والحاكمُ (1/ 431) ، والقضاعيُّ في ( مسند الشهاب ) (1426) ، والبغويُّ في ( شرح السنة ) ( 6/ 273) ، والشجري في ( الأمالي ) (2/ 106 ، 112) من طريق إسماعيل بن جعفر ، والدارميُّ في ( سننه ) (2/ 211) ، وابنُ أبي الدنيا في ( فضائل رمضان ) (38) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد ، وابن حُبان (3481) ، والبيهقي في ( السنن الكبير ) (4/ 270) ، وفي ( فضائل الأوقات ) (59) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي .
والبيهقي أيضًا في ( الشعب ) (ج7 / رقم 3369) من طريق يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني ؛ أربعتهم عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، فذكره ، وهو عند بعضهم بلفظ : (كم من صائمٌ … ) .
وهذا سندٌ جيد ، وعمرو بن أبي عمرو صدوق متماسكٌ ، وتابعه أسامة بن زيد الليثي ، فرواه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا مثله .(1/289)
أخرجه ابن ماجه (1690) ، وأحمد (9685) ، والنسائيُّ (2/ 239) ، وأبو بكر الكلاباذي في ( معاني الأخبار) ( ق257 / 1) ، وأبو نعيم في ( أخبار أصبهان ) ( 1 / 225) ، كلهم من طريق ابن المبارك ، وهذا في ( مسنده ) (75) عن أسامة ، وتابعه زيد بن شعيب عن أسامة به . أخرجه القضاعي في ( مسند الشهاب ) (1425) ، وأخرجه النسائي في ( الكبرى ) أيضًا (2 / 239) من طريق ابن المبارك بسنده سواء ، لكنه أوقفه على أبي هريرة .
وأخرجه النسائي أيضًا من طريق ابن المبارك ، عن سعيد المقبري عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، فزاد في الإسناد ( والد سعيد المقبري ) ، وهذا الأضطراب من أسامة بن زيد لسوء حفظه ، لكن يترجح الوجه الأول المرفوع لمتابعة عمرو بن أبي عمرو ، والله أعلم . وله شاهدٌ من حديث ابن عمر مرفوعًا : ( ربُّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، وربَّ قائم حظُّه من قيامه السهر ) .
أخرجه الطبراني في ( الكبير ) (ج12 / رقم 13413) ، وابن عدي في ( الكامل ) (6 / 2398) ، والقضاعي في ( مسند الشهاب ) (1424) من طريق بقية بن الوليد ، عن معاوية بن يحيى الأطرابلسي ، عن موسى بن عقبة ، عن نافعٍ ، عن ابن عمر .
قال المنذري في ( الترغيب ) (2 / 148) : ( إسناده لا بأس به ) .
وقال الهيثمي في ( المجمع ) (3 / 202) : ( رجاله موثقون ) .
قُلْتُ : كذا قال ! والحديث منكر ، كما قال أبو حاتم الرازي في ( علل ولده ) (692) ، لكن ابنه سأله : مَنْ معاوية بن يحيى ؟ فقال : ( لا يُدرى ) ! كذا قال أبو حاتم ، وهو الأطرابلسي ، وقد أورد ابنُ عدي هذا الحديث في ترجمته من ( الكامل ) ، وختم ترجمته قائلاً : ( ومعاوية الأطرابلسي هذا له غير ما ذكرتُ من الحديث ، وفي بعض رواياته ما لا يتابع عليه ) . اهـ .
ومنها هذا الحديث ، فقد قال ابن عدي عقبه : ( وهذا الحديث يرويه معاوية بن يحيى ) .(1/290)
ومقصوده أنه تفرَّد به ، ثم علّةٌ أخرى وهي عنعنة بقية بن الوليد ، وكان يدلس تدليس التسوية ، فنحتاج أن يصرح بالتحديث في كل طبقات السند . والله أعلم .
أمَّا الحديث الثالث : ( رمضان أوله رحمة … ) فحديث باطلٌ .
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في ( فضائل رمضان ) (ق14 / 1) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (3 / 1157) ، والعقيلي في ( الضعفاء ) (2 / 162) ، والخطيب في ( موضح الأوهام ) ( 2 / 147) ، والشجري في ( الأمالي ) (1 / 264) من طرقٍ عن هشام بن عمار ، ثنا سلام بن سوار ، ثنا مسلمة بن الصلت ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، فذكره .
قال ابنُ عدي : ( وهذا أيضًا يرويه سلاَّم بن سوار ، عن مسلمة بن الصلت ، ومسلمة ليس بالمعروف ) .
وقال العقيلي : ( لا أصل له - يعني : الحديث - من حديث الزهري ) .
قُلْتُ : وسلام هو ابن سليمان بن سوَّار ، ابن أخي شبابة بن سوار ، منكرُ الحديث ، ضعفه غير واحدٍ من النقاد ، وقد رواه مرة أخرى فجعله عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أخرجه الخطيب في ( الموضح ) ، وقال بعد أن ضعفه : ( ومن ضعفه اختلاف رواية هذا الحديث ) .
ومسلمة بن الصلت قال ابنُ عدي : ( ليس بالمعروف ) .
ووافقه الذهبي في ( الميزان ) (2 / 179) .
أمَّا الحديث الرابع : ( إذا بلغ بنو العاص … ) فباطلٌ .
وقد ورد من حديث أبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان ، وابن عباس وأبي ذر وأبي سعيد الخدري ، رضي الله عنهم ، وهاك تخريج أحاديثهم باختصار :
أمَّا حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ؛ فأخرجه البيهقي في ( دلائل النبوة ) (6 / 507) من طريق أبي بكر بن أبي أويس ، قال : حدثني سليمان بن بلال ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، وقد خولف سليمان بن بلال في رفعه ، خالفه إسماعيلُ بن جعفرٍ ، قال : أخبرني العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره موقوفًا .(1/291)
أخرجه أبو يعلى في ( المسند ) ( ج11 / رقم 6523) ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، وأخرجه الخطابي في ( غريب الحديث ) (2 / 436) من طريق علي بن حُجْر قالا : ثنا إسماعيل به .
وهذه الرواية أصحُّ ، ورفع هذا الحديث عندي منكرٌ ، وأبو بكر بن أبي أويس اسمه عبد الحميد بن عبد الله ، وهو ثقةٌ ، ولكن قال فيه النسائي : ( ضعيف ) ، فلعلَّ هذا منه ، وربما كان ذلك من العلاء ، والله أعلم .
أما حديث معاوية وابن عباس ، رضي الله عنهم ؛ فأخرجه نعيم بن حماد في ( الفتن ) (316) ، قال : حدثنا رشدين . وأخرجه البيهقي في ( الدلائل ) (6 / 507 ، 508) من طريق كامل بن طلحة كلاهما عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن ابن مَوْهب أن معاوية بينما هو جالسٌ وعنده ابنُ عباس ، إذ دخل عليهم مروان بن الحكم في حاجةٍ ، فلما أدبر قال معاوية لابن عباس : أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلاً ، اتخذوا مال الله تعالى بينهم دولاً ، وعباده خولاً ، وكتابه دغلاً ) .
قال ابن عباس : اللهم نعم ! ثم إن مروان ردَّ عبد الملك إلى معاوية في حاجته ، فلما أدبر عبدُ الملك قال معاوية : أنشدك بالله يابن عباس ! أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا فقال : ( أبو الجبابرة الأربعة ) ! قال ابنُ عباس : اللهم نعم .
قُلْتُ : وهذا منكرٌ جدًّا ، كأنه موضوع ، فلعلَّ أحدًا كذبه وأدخله على ابن لهيعة ، وليس بغريب أن يحدث مثله لابن لهيعة مع شدة غفلته في آخر عمره ، رحمه الله .
وقد ذكر الحافظ ابنُ كثير هذه الرواية في ( البداية والنهاية ) (6 / 242) ، ثم قال : ( وفيه غرابةٌ ونكارة شديدةٌ ) .
أمَّا حديث أبي ذرٍ ، رضي الله عنه ؛ فأخرجه نعيم بن حماد في ( الفتن ) (314) ، والحاكم في ( المستدرك ) (4 / 479 ، 480) من طريقين واهيين عن أبي ذر .
قال الذهبي في ( تلخيص المستدرك ) عن أحدهما : ( على ضعف رواته منقطعٌ ) .(1/292)
وقال ابن كثير في ( البداية ) (6 / 242) : ( منقطع بين راشد بن سعد وأبي ذر ) .
أمَّا حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ؛ فأخرجه أبو يعلى في ( المسند ) (2 / 383 ، 384) ، ومن طريقه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) ( ج16 / ق 254) ، وأخرجه الطبراني في ( الأوسط ) ( 7785) ، قال : حدثنا محمود بن محمد الواسطي قالا : ثنا زكريا بن يحيى بن المعروف بـ ( زحمويه ) ، قال : ثنا صالح بن عمر ، عن مطرف بن طريف ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا ، فذكر مثله .
وأخرجه أحمد ( 3 / 80) ، وإسحاق بن راهويه في ( مسنده ) ، كما في ( البداية ) (6 / 242) لابن كثير ، والبزار (1620) ، والبيهقي في ( الدلائل ) (6 / 507) من طريق جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد مرفوعًا مثله .
قال البزار : ( لا نعلم رواه إلا أبو سعيد ، ولا عنه إلا عطية ) .
وقال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن مطرف ، إلا صالح بن عمر ، تفرد به : زحمويه ) .
قُلْتُ : أمَّا قول البزار فمتعقبٌ بما ذكرتُهُ قبل ذلك من أحاديث الصحابة الكرام ، وأما قول الطبراني فمتعقبٌ بأن زحمويه لم يتفرد به ، فتابعه سعدويه ، واسمه سعيد بن سليمان الواسطي قال : ثنا صالح بن عمر بسنده سواء .
أخرجه البزار في ( مسنده ) (1621 - كشف الأستار ) ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، ثنا سعيد بن سليمان بسنده سواء .
وسند هذا الحديث ضعيفٌ على أي حال ، وعطية العوفي ضعَفه يحيى القطان وأحمد بن حنبل والنسائي وأبو حاتم والدارقطني ، ولينه أبو زرعة ، ومشاه آخرون .
والحديث باطلٌ على كل حال . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---
تسأل القارئة :
1- رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يبول قائمًا فنهاه عن ذلك ؟
2- ( ثلاث من الجفاء : أن يبول الرجل قائمًا ، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، أو ينفخ في سجوده ) ؟(1/293)
3- كان الرجل من بني إسرائيل إذا وقع عليه بول قرضه بالمقاريض) ؟
4- لا تحلفوا بغير الله ، وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ، ولا تستنجوا بعظمٍ ولا ببعرة ) ؟
والجواب بحول الملك والوهاب :
أمَّا الحديث الأول : ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر … ) ، فهو حديثٌ ضعيفٌ .
أخرجه ابن حبان (ج2/ رقم 1420 ) من طريق هشام بن يوسف ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعًا : ( لا تبل قائمًا ) ، قال ابن حبان : ( أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمع من نافع هذا الخبر ) .
قُلْتُ : وقد صحَّ ظنُّ ابن حبان ، فقد رواه عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أبول قائمًا ، فقال : ( يا عُمر ، لا تبل قائمًا ) ، فما بُلت قائمًا بعدُ .
أخرجه الترمذي ( 1/ 17) معلقًا ، ووصله ابنُ ماجه (308) ، وابنُ المنذر في ( الأوسط ) (ج1 / رقم 284) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (5/ 1987) ، وتمام الرازي في ( الفوائد) (148) ، والحاكم في ( المستدرك ) (1/ 185) ، والبيهقي في ( السنن الكبير ) (1/ 102) ، فظهر من هذا التخريج أن ابن جريج دلَّس ابن أبي المخارق وأسقطه ، وكان قبيح التدليس كما قال الدارقطني : ( تجنب تدليس ابن جريج ، فإنه قبيحُ التدليس ، لا يدلس ، إلا ما سمعه من مجروح ) ، وعبد الكريم ضعيف ، وتركه جماعةٌ من النقاد ، ولذلك قال ابنُ المنذر : ( هذا لا يثبتُ ) ، أما الشوكاني فنقل في ( السيل الجرار ) (1/ 67) أن السيوطي صحَّحه !! فربما نظر السيوطي إلى رواية ابن حبان ، وأهمل تدليس ابن جريج ، والسيوطي متساهل كما هو معلوم ، ثم إن الحديث عند ابن حبان عن ( ابن عمر ) ، والمعروف أنه عن ( عمر ) ، فلا أدري أهذا اختلاف في السند أم وقع سقط في كتاب ابن حبان ؟!(1/294)
والحديث ضعفه النووي في ( المجموع ) (2/ 84) ، وقال الترمذي : ( وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم … وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث ) . اهـ .
قُلْتُ : والترمذي يشير بكلامه هذا إلى أن الصواب وقفه ، فأخرجه ابنُ أبي شيبة في ( المصنف ) (1/ 124) ، وابنُ المنذر في ( الأوسط ) (1 / 338) ، والبزار ( ج1/ رقم 244) ، وأبو بكر النجار في ( مسند عمر ) (ق166 / 2) ، والطحاويُّ في ( شرح المعاني ) (4/ 268) ، من طرق عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر قال : ( ما بُلت قائمًا منذ أسلمتُ ) . قال ابنُ المنذر : ( ثبت عن عمر ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) (1/ 216) : ( رجاله ثقات ) ، وسندُهُ صحيحٌ ، لكن أخرج ابن أبي شيبة ( 1/ 123 ) ، والطحاوي (4/ 268) من طريقين عن الأعمش ، عن زيد بن وهب قال : رأيتُ عمر بن الخطاب بال قائمًا ، زاد الطحاوي : ( فأجنح - يعني : مال - حتى كاد يُصرع ) ، وسنده صحيحٌ أيضًا ، ولا يُعلُّ بتدليس الأعمش ؛ لأن شعبة رواه عنه عند الطحاوي ، وقد ثبت عن شعبة أنه قال : ( كفيتكم تدليس ثلاثة : الأعمش ، وقتادة ، وأبي إسحاق السبيعي ) .
فظاهر الأثرين التناقض ، وقد جمع بينهما بعضُ أهل العلم ، فقال ابن المنذر في ( الأوسط ) (1/ 338) : ( فقد يجوز أن يكون عمر - إلى الوقت الذي قال فيه هذا القول - يعني : ما بُلت قائمًا - لم يكن بال قائمًا ، ثم بال بعد ذلك ، فرآه زيد بن وهب ، فلا يكون حديثاه متضادين ) ، وكذلك قال الطحاوي .
أما الحديث الثاني : ثلاث من الجفاء … ) ؛ فلا يصحُّ مرفوعًا .(1/295)
أخرجه البخاري في ( التاريخ الكبير ) (2/ 1 / 496) ، وابن قانع في ( الفوائد) (ق3/ 2- 4 / 1) ، والطبراني في ( الأوسط ) (ج2 / ق69 / 2) ، والبزار (ج1 / رقم 547) ، من طريق سعيد بن عبيد الله ثنا ابن بريدة ، عن أبيه مرفوعًا فذكره ، ولم يذكر الطبراني النفخ في السجود ، وزاد الخاري من رواية نصر بن علي عن سعيد : ( أربع من الجفاء … وأن يسمع المنادي ، ثم لا يتشهد مثل ما يتشهد ) .
قال البزار : ( لا نعلم رواه عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، إلا سعيد ، ورواه عن سعيد ، عبيد الله بن داود ، وعبدالواحد بن واصل ) .
وقال الهيثمي في ( المجمع ) (2/ 83) : ( رجال البزار رجال الصحيح ) ، وتوسع البدر العيني في الحكم ، فقال في ( عمدة القاري) (3/ 135) : ( إسناده صحيحٌ ، وقول الترمذي يُردُّ ) .
قلتُ : وقول الترمذي أن حديث بريدة غير محفوظٍ ، هو الصوابُ عندي كما يأتي ، أما البدر العيني ، رحمه الله ، فجرى على ظاهر السند ، وخفيت عليه العلة الحقيقة .
قال المباركفوري في ( تحفة الأحوذي) (1/ 68) يردُّ على البدر العيني : ( الترمذي من أئمة هذا الشأن ، فقوله : حديث بريدة غير محفوظ يعتمد عليه ، وأما إخراج البزار حديثه بسندٍ ظاهرة الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ ) . اهـ .
أمَّا علة الحديث ؛ فهي المخالفة ، فقد خولف سعيد بن عبيد الله فيه ، فقد خالفه قتادة ، فرواه عن ابن بريدة ، عن ابن مسعود ، أنه كان يقول : ( أربع من الجفاء : أن يبول الرجل قائمًا ، وصلاة الرجل والناس يمرون بين يديه ، وليس بين يديه شيءٌ يستره ، ومسح الرجل التراب عن وجهه وهو في صلاته ، وأن يسمع المؤذن فلا يجيبُه في قوله ) .(1/296)
أخرج ابنُ المنذر في ( الأوسط ) (ج1 / رقم 281) بالفقرة الأولى ، والبيهقيُّ (2/ 285) ، وقال : ( وكذلك رواه الجريري عن ابن بريدة ، عن ابن مسعود ) ، وطريق الجريري هذا أخرجه البخاريُّ في ( الكبير ) ، وقال : ( قال نصر : حدثنا عبد الأعلى ، عن الجريري ، عن ابن بريدة ، عن ابن مسعود نحوه ) . اهـ .
ونقل البيهقيُّ عن البخاري أنه قال : ( هذا حديثٌ منكر ، يضطربون فيه ) .
قُلْتُ : وقد مرَّ وجهان لهذا الاضطراب :
الأول : أن سعيد بن عبيد الله رفعه .
الثاني : أن قتادة والجريري واسمه سعيد بن إياس خالفاه في موضعين :
أ - أنهما أوقفاه .
ب- أنهما نقلاه من ( مسند بريدة ) إلى ( مسند ابن مسعود ) ، وهما يترجحان عليه ، لا سيما وقد قال الدارقطني في سعيد بن عبيد الله ، ( ليس بالقوي يحدث بأحاديث يسندها ويوقفها غيره ) ، وهذا الحديث مثالٌ لذلك .
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 124) ، وابنُ المنذر في ( الأوسط ) ( ج1/ رقم 280) من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن المسيب بن رافع ، عن ابن مسعود قال : ( من الجفاء أن يبول قائمًا ) ، ورجالُه ثقات ، غير أنه منقطع بين المسيب بن رافع وابن مسعود ، كما صرَّح بذلك أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان .
الوجه الثالث : أن كهمس بن الحسن رواه عن ابن بريدة من قوله ، ولم يذكر ابن مسعود ، أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124) حدثنا وكيع ، عن كهمس ، وسنده صحيحٌ .
فالصواب في الحديث الوقف ، وأنه ليس بمرفوع ، والله أعلم .
أمَّا الحديث الثالث : ( كان الرجل من بني إسرائيل …) ؛
فهو حديث صحيحٌ .(1/297)
أخرجه أبو داود (22) ، والنسائي (30 - بذل الإحسان) ، وابنُ ماجه (346) ، وأحمد (4/ 196) ، ابنُ أبي شيبة (1/ 122 ، و 3 / 375) ، وعنه ابن أبي عاصم في ( الآحاد والمثاني) (ج2 / ق98 1) ، والحميدي (882) ، وابنُ الجارود (131) ، وابن قانع في ( معجم الصحابة) (ج7 / ق106 /2) ، وأبو يعلى (ج2/ رقم 932) ، ويعقوب بن سفيان في ( المعرفة) (1/284) ، وابنُ حبان (139) ، وأبو القاسم البغوي في ( معجم الصحابة) (ج16 / ق210 / 2) ، وابنُ المنذر في ( الأوسط ) (ج1 / رقم 283، وج2 / رقم 687 ، والحاكم (1/ 184) ، والسهميُّ في ( تاريخ جرجان) (ص492) ، والبيهقي في ( السنن الكبير ) (1 / 104) ، وفي ( عذاب القبر ) (رقم 144) من طريق عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن حسنة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي يده كهيئة الدرقة ، فوضعها ، ثم جلس خلفها ، فبال إليها ، فقال بعض القوم : انظروا يبول كما تبول المرأة ، فسمعه فقال : ( أو ما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل ؟ كانوا إذا أصابهم شيءٌ من البول قرضوه بالمقاريض ، فنهاهم صاحبهم فعذب في قبره ) .
قال الحافظ في ( الفتح) (1/328) : ( حديث صحيح ، صححه الدارقطني وغيره ) ، وقال الحاكم : ( صحيحُ الإسناد ، ومن شرط الشيخين أن يبلغ) ، وصرح الذهبيُّ به تصريحًا فقال : ( على شرطهما) ، وقد رواه عن الأعمش جماعةٌ منهم : ( وكيع ، وأبو معاوية ، وسفيان ، وزائدة بن قدامة ، وعبيد الله بن موسى ، وعبد الواحد بن زياد ، ويعلى بن عبيد ) ، وقال ابنُ المنذر : ( خبر صحيح ) .
أمَّا الحديث الرابع : ( لا تحلفوا بغير الله … ) ؛ فهو ضعيفٌ جدًّا .(1/298)
أخرجه أحمد (3/ 487) حدثنا روح عبد الرزاق ، قالا : أنا ابنُ جريج ، قال : حدثني عبد الكريم بن أبي المخارق أن الوليد بن مالك بن عبد القيس أخبره - وقال عبد الرزاق : من عبد القيس ، أن محمد بن قيس مولى سهل بن حنيفٍ - من بني ساعدة - أخبره أن سهلاً أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه قال : ( أنت رسولي إلى أهل مكة ؛ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني يقرأ عليكم السلام ، ويأمركم بثلاثٍ : لا تحلفوا … ) الحديث .
وأخرجه الدارميُّ ( 1/ 135) ، والحاكمُ (3/ 412) من طريق ابن جريج ، عن عبد الكريم به ، واقتصر الدارميُّ على الفقرة الثانية منه .
قُلْتُ : وهذا سندٌ ضعيفٌ ، بل واهٍ ، وعبد الكريم بن أبي المخارق ضعَّفه النقاد وتركه بعضهم ، والوليد بن مالك ترجمه البخاريُّ في ( الكبير ) (4/ 2/ 152) ، وابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) (4/ 2/ 17 ، 18) ، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً ، وذكره ابنُ حبان في ( الثقات) (7/ 552) على عادته ، ولم يعبأ الحسيني بذلك ، فقال كما في ( التعجيل) (1155) : ( مجهولٌ غير مشهور) .
ومحمد بن قيس قال الحسيني أيضًا (969) : ( ليس بمشهور) . والله أعلم .
---
ويسأل القارئ: عن درجة هذا الحديث
(تنام عيناي ولا ينام قلبي) ؟
والجواب : أنه حديث صحيحٌ .(1/299)
أخرجه البخاريُّ (3/ 33 ، و 6 / 579) ، ومسلم ( 1/ 509) ، وأبو عوانة في ( المستخرج) (2/ 327) ، وأبو داود ( 1341) ، والنسائي (3/ 234) ، ومن طريقه ابن بشران في ( الأمالي ) (ج22/ ق 246 / 2 - 247 / 1) ، وأحمد (6 / 36 ، 73 ، 104 ) ، وابنُ خزيمة (1/ 30) ، وابن حبان (ج4 / رقم 2421) ، والبيهقيُّ ( 1 / 122) ، و 2 / 496 ، و 7 / 62) ، وفي ( الدلائل) (1/ 371 ، 372) ، وفي ( المعرفة) (4/ 29 ، 30) ، والبغوي في (شرح السنة) (4/ 4 ، 5 ) ، كلهم من طريق مالك ، وهو في ( موطئه) (1/ 120 / 9) ، عن سعيد المقبري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : يا رسول الله ، أتنام قبل أن توتر ؟ فقال : ( يا عائشة ، إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي ) .
والحمد لله رب العالمين .
---
تسأل القارئة : عن درجة هذا الحديث :
( من أطعم أخاه خبزًا حتى يشبعه ، وسقاه ماءً حتى يرويه ، أبعده الله عن النار سبع خنادق ، بعدُ ما بين خندقين مسيرة خمسمائة عام ) .
والجواب : أنه حديث باطلٌ موضوع .
أخرجه ابن حبان في ( المجروحين ) (1 / 301) معلقًا ، ووصله الحاكمُ في ( المستدرك ) ( 4 / 129) ، والطبراني في ( الأوسط ) ( 6518) ، والفسوي في ( تاريخه ) (2 / 527) ، والدولابي في ( الكنى ) (1 / 177) ، والأصبهاني في ( الترغيب ) (391 ، 2058) ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) (ج6 / ق 228 / 229) من طريق إدريس بن يحيى الخولاني ، حدثني رجاء بن أبي عطاء المعافري ، عن واهب بن عبد الله الكعبي ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا .
قال الطبراني : ( لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو إلا بهذا الإسناد ، تفرَّد به : إدريس بن يحيى ) .
قُلْتُ : وهو صدوق متماسك ، سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال : ( رجلٌ صالحٌ من أفاضل المسلمين ) .(1/300)
وقال ابنُ أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) (1 / 1 / 265) : ( صدوق ) ، وذكره ابنُ حبان في ( الثقات ) (8 / 133) ، وقال : ( مستقيم الحديث ، إذا كان دونه ثقات وفوقه ثقات ) ، وهذا القيد الذي ذكره ابنُ حبان يدلنا على أن الآفة في أحاديثه إنما هي ممن فوقه أو دونه .
وهذا الحديث مثالٌ لذلك ، فإن شيخ إدريس في هذا الحديث هو أبو الأشيم رجاء بن أبي عطاء ، فترجمه الذهبي في ( الميزان ) (2 / 46) ، وروى له هذا الحديث بسنده ، وقال : ( صويلح ، قال الحاكمُ : مصريٌّ صاحبُ موضوعات ، وقال ابنُ حبان : يروي الموضوعات … وقال بعد أن روى الحديث : هذا حديثٌ غريبٌ منكرٌ ، تفرَّد به إدريس أحدُ الزهاد ) . انتهى كلامه .
وحكمه على رجاء هذا بأنه صويلح بعد حكايته لكلام ابن حبان والحاكم في غاية العجب ، فأين الصلاح ولو على إغماضٍ في رجل يروي الموضوعات ؟ وقد تعجب من صنيعه أيضًا الحافظ ، فقال في ( لسان الميزان ) (رقم 3423) : ( وهذا الحديث أورده ابن حبان وقال : إنه موضوعٌ ، وحكاه عنه صاحب ( الحافل ) ، وأخرجه الحاكمُ في ( المستدرك ) عن الأصم ، عن إبراهيم بن منقذ ، عن إدريس . وقال ( صحيح الإسناد ) ، فما أدري ما وجه الجمع بين كلاميه ، كما لا أدري كيف الجمع بين قول الذهبي : صويلح ، وسكوته على تصحيح الحاكم في ( تلخيص المستدرك) مع حكايته عن الحافظين أنهما شهدا عليه برواية الموضوعات ؟ ) . انتهى كلامه .
وقد صحَّح الحاكمُ إسناد هذا الحديث ، والحاكم متساهلٌ في التصحيح ، مما حدا ببعض المتأخرين أن يسمي كتابه ( المستترك ) بدل ( المستدرك ) ! وقصَّر المنذري والدمياطي في تخريجهما لهذا الحديث ، فقال الأول في ( الترغيب ) (2 / 65) : ( رواه الطبراني في ( الكبير ) ، وأبو الشيخ ابن حيان في ( الثواب ) ، والحاكمُ ، والبيهقيُّ ، وقال الحاكمُ : صحيح الإسناد ) .(1/301)
وقال الثاني في ( المتجر الرابح ) (674) : ( رواه الطبراني وأبو الشيخ والحاكمُ وقال : صحيح الإسناد ) ، فنقلا تصحيح الحاكم وسكتا عليه ، فدلَّ على أنهما أقراهُ ، وقد قدمنا لك علَّة هذا الإسناد ، فالله المستعان .
---
وتسأل القارئة المذكورة أيضًا عن درجة هذا الحديث :
( من حج عن والديه أو قضى عنهما مغرمًا ، بعثه الله يوم القيامة مع الأبرار ) .
والجواب : أنه حديث باطلٌ أيضًا .
أخرجه ابنُ عدي في ( الكامل ) (4 / 1406) ، وابن حبان في ( المجروحين ) (1 / 376) ، والدارقطني في ( سننه ) (2 / 260 ) ، والطبراني في ( الأوسط ) (7800) ، وابنُ شاهين في ( الترغيب ) (302 / 15) ، والأصبهاني في ( الترغيب ) (430 ، 2189) من طريق محمد بن حرب النسائي ، ثنا صلة بن سليمان ، عن ابن جريج .
عن عطاء ، عن ابن عباس مرفوعًا ، فذكره .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن ابن جريجٍ إلا صلة بن سليمان ، تفرَّد به : محمد بن حرب ) .
وقال ابن عدي - بعد أن ذكر عدة أحاديث في ترجمة صلة - قال : ( وهذه الأحاديث إفرادات لصلة ، لا يحدث بها غيره ) .
قُلْتُ : وصلة هذا تركه النسائي ، وقال ابن معين : ( ليس بثقة ) . وكذبه ابن معين في رواية كما عند ابن عدي ، والخطيب في ( تاريخه ) (9 / 337) ، وتركه أبو حاتم الرازي أيضًا ، وقال ابنُ حبان : ( يروي عن الثقات المقلوبات ، وعن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات ) .
وبه أعلَّ الهيثميُّ الحديث كما في ( مجمع الزوائد ) ( 8 / 146) ، وذكره الذهبي في ( الميزان ) من مناكير الصلة هذا ، والله أعلم .
---
وتسأل القارئة عن درجة هذه الأحاديث :
1- ( من قنع بما رزقه الله دخل الجنة ) .
2- ( إذا أصبح ابن آدم قال سائر الجسد : يا لسان ، اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا )) .
3- ( إن الحزين في ظل العرش يوم القيامة ) .
والجواب بحول الملك الوهاب :(1/302)
أما الحديث الأول : ( من قنع … ) فهو ضعيفٌ جدًّا ، بل موضوعٌ .
أخرجه ابنُ شاهين في ( الترغيب ) (303/ 1) ، قال : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، ثنا سليمان بن الربيع بن هشام الهندي ، ثنا كادح - يعني : ابن رحمة الزاهدي - ثنا المعلى بن عرفان ، عن شقيق ، عن ابن مسعودٍ مرفوعًا : ( من قنع بما رُزق ، دخل الجنة ) ، وهذا سندٌ ساقطٌ ، وكادح هذا قد ذهب كدحُه سُدى ، فقد كان كذابًا ، وتابعه عنبسة بن عبد الرحمن ، فرواه عن المعلى بسنده سواء بلفظ : ( انتهى الإيمان إلى الورع ، من قنع بما رزقه الله دخل الجنة ، ومن أراد الجنة بلا شك فلا يخاف في الله لومة لائم ) .
أخرجه الدارقطني في ( الأفراد ) ، ومن طريقه ابنُ الجوزي في ( العلل المتناهية ) ( رقم 1366) من طريق أبي كريب قال : نا مختار بن غسان ، عن عنبسة به .
وقال الدارقطني : ( تفرَّد به عنبسة عن المعلى ، وتفرد به المعلي عن شقيق ) .
وقال ابن الجوزي : ( قلت : عنبسة والمعلى متروكان ، وكذلك قال النسائي وغيره ، وقال ابن حبان : كلاهما يروي الموضوعات ، لا يجوز الاحتجاج بهما ) .
وقول الدارقطني : تفرَّد به عنبسة عن المعلى فيه نظر كما رأيت ، فقد تابعه كادح بن رحمة، وإن كانت متابعة تالفة ، فإن الدارقطني والطبراني وغيرهما لا يقصدان ثبوت المتابعة ، بل ينفيان وجودها صحت أم لم تصح ، وقد شرحتُ شيئًا من هذا في كتابي ( عوذ الجاني بتسديد الأوهام الواقعة في أوسط الطبراني ) ، ويغني عن هذا الحديث ما أخرجه مسلم ( 1054 / 125 ) ، والترمذي ( 2348) ، وأحمد في ( المسند ) (2 / 168) ، وفي ( الزهد ) (8) ، والبيهقي في ( السنن الكبير ) (4 / 196) ، وفي ( الأربعون الصغرى ) (55 - بتحقيقي ) من حديث عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما مرفوعًا : ( قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافًا ، وقنَّعه الله بما آتاه ) ، وللحديث طرق أخرى وشواهد ذكرتها في ( تخريج الأربعين للبيهقي ) ، فلله الحمدُ .(1/303)
أمَّا الحديث الثاني : ( إذا أصبح ابنُ آدم … ) فهو حديث ضعيفٌ .
فرواه أبو داود الطيالسي ، وعفان بن مسلم ، ومسدد بن مسرهد ، وصالح بن عبد الله ، وعمران بن موسى القزاز ، وبشر بن السري كلُّهم ثنا حماد بن زيد ، عن أبي الصهباء ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي سعيد الخدري - لا أعلمه إلاَّ رفعه - : ( إذا أصبح ابن آدم … ) الحديث . هكذا على الشك في رفعه .
أخرجه الطيالسي ( 2209) ، وأحمد ( 3 / 95 ، 96) ، والترمذي (2407) ، وابنُ أبي الدنيا في ( الصمت ) (12) ، وفي ( الورع) (91) ، وابنُ السُني في ( اليوم والليلة ) (رقم 1) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (14 / 316) ، والمروزي في ( زوائد الزهد ) (1012) ، ورواه محمد بن موسى البصري ، ومحمد بن الفضل عارم ، وسليمان بن حرب ، وسهل بن محمود ، ومسدد بن مسرهد في رواية تمام عنه ، كلهم يرويه عن حماد بن زيد بسنده سواء ، فرفعوه عنه من غير شك .
أخرجه الترمذيُّ ( 2407) ، وعبد بن حميد في ( المنتخب من المسند ) (979) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (4 / 309) ، وابن شاهين في ( الترغيب ) (392 / 1) ، وأبو يعلى في ( المسند ) (1185 / 211) ، قال أبو نعيم : ( غريب من حديث سعيد ، تفرَّد به : حمادٌ عن أبي الصهباء ) .
قُلْتُ : والشك في رفعه من حماد بن زيد ، كما أفصح بذلك بشر بن السري في رواية الحسين المروزي عنه ، وقد رواه أبو أسامة حماد بن أسامة ، وأبو كامل الجحدري كلاهما عن حماد بن زيد بسنده سواء موقوفًا .
أخرجه الترمذيُّ ، وعبد الله بن أحمد في ( زوائد الزهد ) (ص195) ، وقد وقع الإسناد هكذا في كتاب ( الزهد ) ، قال عبد الله بن أحمد : حدثنا أبي ، حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد بن زيد به ، وذكرُ ( أحمد بن حنبل ) في هذا الإسناد خطأ ظاهر ، فابو كامل الجحدري هو فضيل بن حسين من شيوخ عبد الله بن أحمد ، لا من شيوخ أبيه ، والله أعلم .(1/304)
وقد صحح الترمذي الرواية الموقوفة ، فإذا أضفت إلى ذلك أن أبا الصهباء لم يوثقه إلا ابن حبان على تساهله المعهود لاح لك ضعف هذا الإسناد ، وقد رأيتُهُ موقوفًا عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أخرجه ابن أبي الدنيا في ( الصمت ) (58) ، قال : حدثنا علي بن الحسن ، عن خلف بن الوليد قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن عمران بن يزيد ، عن علي بن أبي طالب قال : ( اللسان قوام البدن ، فإذا استقام اللسان ، استقامت الجوارح ، وإذا اضطرب اللسان لم يقم له جارجةٌ ) .
وسنده ضعيفٌ ، وعمران بن يزيد مجهول كما قال أبو حاتم الرازي - كما في ( الجرح والتعديل ) (3 / 1 / 307) - وكنتُ حسنته في تخريجي لكتاب ( الصمت ) ، فقد رجعتُ عنه ، وأسأل الله المغفرة .
أمَّا الحديث الثالث : ( إن الحزين … ) فهو حديثٌ منكرٌ .
أخرجه ابنُ شاهين في ( الترغيب ) (470 / 1 ) من طريق إسحاق بن بهلول ، ثنا موسى بن داود ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن رجلٍ ، عن أبي مسلم الخولاني ، عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( إني موصيك بوصية فاحفظها ، ولعلَّ الله أن ينفعك بها : زر القبور وتذكر بها الآخرة ) . قلت : يا رسول الله ، بالليل ؟ قال : ( بالنهار أحيانًا ولا تكثر ، واغسل الموتى ، فإن معالجة جسدٍ خاويًا عظةٌ بليغة ، وصلِّ على الجنائز ، لعل ذلك أن يحزنك ، فإن الحزين في ظلِّ الله ، ويعوض كلَّ خيرٍ ، وجالس المساكين وسلَّم عليهم إذا لقيتهم ، وكُلْ مع صاحب البلاء تواضعًا لربَّك ، وإيمانًا به ، والبس الخشن الضيق من الثياب ، لعلَّ العُجب والكبر أن لا يكون لهما فيك مساغًا ، وتزين أحيانًا لعبادة ربك ، فإن المؤمن كذلك يفعل تعففًا وتكرمًا ، ولا تعذب شيئًا مما خلق الله بالنار ) .(1/305)
وهذا منكرٌ جدًّا ، لا يبعد أن يكون موضوعًا ، وقد اختلف في سنده ، فرواه عباس بن محمد الدوري قال : نا موسى بن داود ، نا يعقوب بن إبراهيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي مسلم الخولاني ، عن عبيد بن عمير ، عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه سلم : ( زر القبور …. ) فذكره حتى قوله : ( يتعرض لكل خير ) . أخرجه الحاكم (1/ 377) ، وعنه البيهقي في ( الشعب ) ( رقم 9291) ، قال الحاكم : ( هذا حديث رواته عن آخرهم ثقات ) ، واغتر به العراقي ، فقال في ( تخريج الإحياء ) (4 / 490) : ( إسناده جيد ) . بينما قال البيهقي : ( يعقوب بن إبراهيم هذا أظنه المدني المجهول ، وهذا متنٌ منكرٌ ) .
وقال الذهبي في ( تلخيص المستدرك ) : ( لكنه منكرٌ ، ويعقوب هو القاضي أبو يوسف ، حسنُ الحديث ، ويحيى لم يدرك أبا مسلم فهو منقطعٌ ، أو أنَّ أبا مسلم رجلٌ مجهول ) . انتهى . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : فيقول :
إنه سمع بعض الخطباء يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم نُصر بالرعب على عدوه مسيرة شهرين ، والذي أعلمه أنه شهر واحد ، فهل ورد هذا اللفظ ، وهل هو صحيح ؟
والجواب بحول الملك الوهاب : أن هذا الحديث بهذا اللفظ قد ورد ؛ وهناك فرق بين الورود والثبوت كما لا يخفى ، فليس كل واردٍ ثابتًا ، والحديث منكرٌ بهذا اللفظ ، وقد ورد عن ثلاثةٍ من الصحابة ، وهم : أبو هريرة ، وابن عباس ، والسائب بن يزيد ، رضي الله عنهم .(1/306)
أمَّا حديث أبي هريرة فقال : كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ، وساق حديثًا ، وفي آخره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هل أنكرتم من صلاتي الليلة شيئًا ؟ ) قلنا : نعم ، سجدت بين ظهراني صلاتك سجدةً ظننًّا أن قد قبضت فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني أُعطيتُ فيه خمسًا لم يعطهن نبيًّ قبلي ؛ بعثت إلى الناس كافة ؛ أحمرهم وأسودهم ، وكان النبي قبلي يبعث إلى أهل بيته أو إلى قريته ، ونُصرت على عدوي بالرعب مسيرة شهرٍ أمامي وشهر خلفي … ) وساق حديثًا .
أخرجه العقيلي في ( الضعفاء) (2/26 ، 27) ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا المقري ، قال : حدثنا عبد الجبار بن عمر الأيلي قال : حدثنا خازم بن خزيمة - من تيم الرباب - عن مجاهدٍ ، عن أبي هريرة به .
قال العقيلي : ( خازم بن خزيمة يخالف في حديثه ) . وأورد له هذا الحديث مستنكرًا إياه .
وأمَّا حديث ابن عباس : فأخرجه الطبراني في ( المعجم الكبير ) (ج11/ رقم 11056) ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الرحمن بن الفضل بن موفق ، ثنا أبي ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن مجاهدٍ ، عن ابن عباس قال : نُصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهرين على عدوه .
قال الهيثميُّ في ( مجمع الزوائد ) (8/ 259) : ( فيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، وهو ضعيفٌ ) .
قُلْتُ : والفضل بن موفق ذكره ابنُ حبان في ( الثقات ) (9 / 6) ، وترجمه ابنُ أبي حاتم في ( الجرح والعديل ) (3/ 2/ 68) ، وقال : ( سألت أبي عنه فقال : ضعيفٌ الحديث ، كان شيخًا صالحًا قرابة لابن عيينة ، وكان يروي أحاديث موضوعة ) .
ولخص الحافظ حاله فقال في (التقريب) : ( فيه ضعف) . كذا قال ! وكان ينبغي أن يجزم بضعفه أو وهائه ، فمع هذا الجرح المفسر فالتوثيق فيه لينٌ .(1/307)
وابنه عبد الرحمن بن الفضل ذكره ابن حبان في ( الثقات) (8/382) ، وإسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر أقرب إلى الوهاء . فالسند ضعيف جدًّا .
وأمَّا حديث السائب بن يزيد ، رضي الله عنه : فأخرجه الطبرانيُّ في ( الكبير) (ج7/ رقم 6674) ، قال : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا هشام بن عمار ، ثنا يحيى بن حمزة ، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن يزيد بن خصيفة ، أنه أخبره عن السائب بن يزيد مرفوعًا : ( فضلت على الأنبياء بخمس : بُعثت إلى الناس كافةً ، وادخرت شفاعتي لأمتي ، ونُصرت بالرُّعب شهرًا أمامي وشهرًا خلفي ، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا ، وأُحلت لي الغنائم ولم تحل لأحدٍ قبلي ) .
وسنده ضعيف جدًّا ، وابن فروة متروك الحديث .
وكذبه بعض النقاد مثل يحيى بن معين في رواية ، وعبد الرحمن بن خراش .
---
ويسأل القارئ :
عن صحية حديث : ( إن الفقر كفر ؟ )
والجواب : أنني لم أقف عليه بهذا اللفظ ؛ ولكن أخرجه أبو نعيم في ( الحلية) (3/ 53 ، 109 ، 8 / 253) ، ومن طريقه ابنُ الجوزي في ( الواهيات ) (2/ 320) من طريق أبي عاصم النبيل ويوسف بن أسباط ، والبيهقيُّ في ( الشعب ) (ج5/ رقم 6612) من طريق محمد بن يوسف الفريابي ، والعقيلي في ( الضعفاء ) (4/206) من طريق أبي عاصم ثلاثتهم عن سفيان الثوري ، عن حجاج بن فرافصة ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنسٍ مرفوعًا : ( كاد الفقر أن يكون كفرًا ، وكاد الحسد أن يغلب القدر ) .
وخالفهم النعمان بن عبد السلام الأصبهاني ، فرواه عن الثوري ، عن حجاج بن أرطاة ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنسٍ مثله ، فجعل شيخ الثوري ( ابن أرطاة ) بدل ( ابن فرافصة ) .
أخرجه أبو نعيم في ( أخبار أصبهان ) (1/ 290) من طريق حماد بن زيد المكتب ، ثنا النعمان ، والنعمان هو أرفع من روى عن الثوري من أهل أصبهان .(1/308)
وقال الحاكم : ثقةٌ مأمون ، وقال أبو حاتم : (محله الصدق) ، وحماد بن زيد المكتب قال أبو نعيم : ( كان من أفاضل الناس ) .
ولم يذكره بحفظٍ ، والحديث معلٌّ على كل حال .
وأخرجه أحمد بن منيع في ( مسنده ) - كما في ( المطالب العالية ) (ق90 / 1) - قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، فذكره مرفوعًا هكذا رواه على الشك ، وسنده ضعيفٌ جدًّا ، ويزيد الرقاشي متروك .
وقال ابن الجوزي : ( هذا حديثٌ لا يصحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويزيد الرقاشي لا يعول على ما يروي ، قال شعبة : لأن أزني أحب إليَّ من أن أروي عن يزيد الرقاشي ) .
ورواه معمر بن زائدة ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عمر بن الخطاب ، مرفوعًا فذكره فخالف معمر بن زائدة يحيى بن سعيد في إسناده ، وأعلَّ العقيلي حديث عمر بمعمر بن زائدة ، وقال : ( لا يتابع على حديثه ) .
ورواه يحيى بن يمان ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس مرفوعًا فذكره .
أخرجه ابنُ عدي في ( الكامل ) (7 / 2692) ، وقال : ( وهذا عن الثوري يرويه ابنُ يمان ) ، وهو يشير إلى تفرده عن الثوري بروايته عن الأعمش ، وقد علمت أن ثلاثة من أصحاب الثوري رووه عنه ، عن حجاج بن فرافصة ، ويحيى بن يمان يضعَّفُ .
وأخرجه العقيلي في ( الضعفاء ) (1/ 254) من طريق المعتمر بن سليمان قال : حدثنا حسن أبو المنذر ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنسٍ مرفوعًا مثله وعنده : ( كادت الفاقة ) .
ونقل العقيلي عن البخاري قال : ( حسين أبو المنذر ، عن الرقاشي ، سمع منه معتمر ، ولم تصح روايته ) .
ثم قال العقيلي : ( لا يتابع عليه إلا من طريق تقاربه ) . يعني : في الضعف .
وبالجملة فهذا الوجه معلٌّ ، وآفته يزيد الرقاشي ، لكنه لم يتفرد به ، فتابعه سليمان التيمي وهو ثقة ، فرواه عن أنس ، رضي الله عنه ، مرفوعًا : ( كاد الحسد يسبق القدر ، وكادت الحاجة تكون كفرًا ) .(1/309)
أخرجه الطبراني في ( المعجم الأوسط ) (4044) قال : حدثنا علي - وهو ابنُ سعيد - قال : حدثني أحمد بن محمد بن عمر بن عبد الحميد الكاتب ، قال : حدثني عمرو بن عثمان الكلابي ، قال : نا عيسى بن يونس ، عن سليمان التيمي به . قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن سليمان ، إلا عيسى ، ولا عن عيسى إلا عمرو بن عثمان ، تفرَّد به : أحمد بن محمد الكاتب ) .
قُلْتُ : ولم أقف لهذا الكاتب على ترجمةٍ ، وعمرو بن عثمان لينه العقيلي ، وتركه النسائي ، وقال أبو حاتم : ( يتكلمون فيه ، يحدث من حفظه بمناكير ) ، فلا تثبت هذه المتابعة .
وذكر العراقي هذا الوجه في ( تخريج الإحياء ) (4/ 187) .
وقال : ( فيه ضعفٌ ) ، وكذلك ضعف رواية الرقاشي عن أنس . والله أعلم .
---
ويسأل القارئ :
عن درجة هذه الأحاديث :
1- (لا تجعلوا على العاقلة من قول معترف شيئًا ) ؟
2- (إن لكل شيء أنفة ، وأنفة الصلاة التكبيرة الأولى ، فحافظوا عليها ) . وما معناه ؟
3- (آفة الدين الأنواء) ؟
4- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى بعد الجمعة في المسجد صلى أربعًا ، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين ؟
والجواب بحول الملك والوهاب :
أما الحديث الأول : ( لا تجعلوا على العاقلة .. ) فهو حديث باطلٌ موضوع .
فأخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) (5/177) ، قال : حدثنا سليمان بن أحمد - يعني : الطبراني - وهذا في ( مسند الشاميين ) (2124) ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل . ثنا هارون بن معروف .
وأخرجه الدارقطني ( 3/ 187) من طريق يعقوب بن محمد الزهري قالا : ثنا عبد الله بن وهب ، عن الحارث بن نبهان ، عن محمد بن سعيد ، عن رجاء بن حيوة ، عن جنادة بن أبي أمية ، عن عبادة بن الصامت مرفوعًا فذكره .
ونقل الزيلعيُّ في ( نصب الراية ) (4/ 380) عن ابن القطان الفاسي قال : ( الحارث بن نبهان متروك الحديث ) .(1/310)
قال عبد الحق في ( أحكامه ) : ومحمد بن سعيد هذا أظنُّه المصلوب ، قال ابن القطان : ( وأصاب في شكه ) . اهـ .
وكذلك رجح الحافظ ابن حجر في ( التخليص الحبير ) (4/13) أنه المصلوب .
قال أبو نعيم : ( غريب من حديث رجاء وجنادة بن أبي أمية ، تفرد به الحارث ، عن محمد بن سعيد ) .
قُلْتُ : والحارث بن نبهان منكر الحديث ، ومحمد بن سعيد المصلوب كذاب ، فالحديث موضوع ، والله تعالى أعلم .
أما الحديث الثاني : ( إن لكل شيء أنفة … ) فهو ضعيفٌ .
أخرجه الطبراني في ( مسند الشاميين ) (2114) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (5/ 177) من طريق ابن أبي شيبة ، وهذا في ( المصنف ) (1/ 306) .
وأخرجه البزار (521 - كشف الأستار ) من طريق سعيد بن سليمان قالا : ثنا حماد بن أسامة أبو أسامة ، عن أبي فروة يزيد بن سنان ، حدثني أبو عبيد حاجب سليمان بن عبد الملك قال : سمعت شيخًا في المسجد الحرام يقول : قال أبو الدرداء ، فذكره مرفوعًا ، وفي آخره : قال أبو عبيد : فحدثتُ به رجاء بن حيوة فقال : حدثتنيه أم الدرداء ، عن أبي الدرداء .
قال البزار : ( لا نعلمه يروى مرفوعًا إلا بهذا الإسناد ) .
قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) (2/ 103) : ( فيه رجل لم يُسم ) ، كذا قال وقد رأيت أنه توبع في السند الآخر ، تابعته أم الدرداء ، لكن الشأن في السند إليهما ، وأبو فروة يزيد بن سنان ضعيفٌ ، وقد تفرد به .
قال أبو نعيم : ( غريبٌ من حديث رجاء ، لم يروه عنه إلا فروة ، عن أبي عبيد ) . اهـ .
وأبو عبيد الحاجب ما عرفته .
فالحديث لا يثبت أما معناه ، فقال ابن الأثير في ( النهاية ) (1/ 75) بعد ذكره هذا الحديث ؛ قال : ( أُنفةُ الشيء : ابتداؤه ، هكذا روي بضم الهمزة ، قال الهروي : والصحيحُ بالفتح ) .
أما الحديث الثالث : ( آفة الدين الأنواء ) فضعيف جدًّا .(1/311)
أخرجه حمزة بن يوسف السهمي في ( تاريخ جرجان ) (ص359) من طريق عمار بن رجاء الجرجاني - وثقه السهمي (ص534) - حدثنا القاسم بن الحكم العرني ، حدثنا عبيد الله - هو ابن الوليد الوصافي - عن كرز بن وبرة الحارثي مرفوعًا : ( إن لكل شيء آفة ، وآفة هذا الدين ؛ هذه الأنواء ) .
وسنده ضعيفٌ جدًّا ، فالقاسم العرني صدوق متماسك لينه أبو حاتم ، فقال : ( محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به ) .
وقال العقيلي : ( في حديثه مناكير لا يتابع على كثيرٍ من حديثه ) .
وعبيد الله بن الوليد تركه النسائي وعمرو بن الفلاس وضعفه أبو زرعة وابن معين والدارقطني وغيرهم ، ووكزه ابن حبان فقال : ( يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد له ، فاستحق الترك ) . اهـ .
ثم هو معضل ، وكرز بن وبرة يروي عن التابعين أمثال ربعي بن حراش وشقيق بن سلمة وأبي حازم الأشجعي وغيرهم ، فالسند ضعيفٌ جدًّا . والله أعلم .
أما الحديث الرابع : ( كان إذا صلى بعد الجمعة … ) فلا أعلم له أصلاً .
وقد بحثت عنه فلم أجده ، وأنما اشار إليه ابن القيم ، رحمه الله ، في ( زاد المعاد ) على ما أذكر .
والله أعلم . والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : عن درجة هذين الحديثين :
1- ( من أدرك ركعتين من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك ) ؟
والجواب : الحديث منكرٌ بهذا اللفظ :
أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) (8125) ، قال : حدثنا موسى بن هارون ، نا منصور بن أبي مزاحم ، نا يزيد بن يوسف ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( من صلى ركعةً من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس ، وركعة إذا طلعت ، فقد أدرك الصلاة ، ومن أدرك ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس ، وركعتين بعد أن تغرب فقد أدركها - يعني : العصر ) .(1/312)
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا الزبيدي ، ولا عن الزبيدي إلا يزيد بن يوسف ، تفرد به : منصور بن أبي مزاحم ) .
قُلْتُ : ويزيد بن يوسف تركه النسائي ، وقال ابن معين : ( ليس بثقةٍ ، لا يساوي شيئًا ) .
وقال صالح جزرة : ( تركوه ) ، وقال ابنُ عدي : ( مع ضعفه يكتب حديثه ) .
وقال الدارقطني : ( لا يستحق عندي الترك ) . وهو شبه المتروك ، وقد تفرّد عن الزبيدي بهذا اللفظ المنكر ، وقد رواه جماعةٌ عن أبي هريرة منهم الأعرج كلهم يقول : ( ومن أدرك ركعة من العصر ) . ولم يقل واحد منهم ولم أره في حديث غير حديث أبي هريرة بلفظ : ( ركعتين ) . والله أعلم .
2- ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) ؟
الجواب : حديث ضعيف .
فأخرجه الترمذي ( 3373) ، والبخاري في ( الأدب المفرد ) (2 / 114) عن حاتم بن إسماعيل ، وابن ماجه ( 3827) ، وأحمد (2 / 443 ، 477) ، وابن أبي شيبة (10 / 200) ، والبزار في ( مسنده ) (ج2 / ق232 / 2) ، وابن عدي في ( الكامل ) (7 / 2750) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (5 / 188) ، وفي ( تفسيره ) (4 / 103) ، عن وكيع .
والبخاري في ( الأدب المفرد ) (658) ، والحاكم (1 / 491) ، وأحمد (2 / 442) ، ومن طريقه ابن بشران في ( الأمالي ) (22 / ق244 / 2) عن مروان بن معاوية ، والبزار (2 / 232 / 2) ، والحاكم (1 / 491) ، وعنه البيهقي في ( الدعوات ) (22) ، والطبراني في ( الأوسط ) (2431) ، ومن طريقه المزي في ( التهذيب ) (33 / 418) ، والرامهرمزي في ( المحدث الفاصل) (290) ، عن أبي عاصم النبيل ، والرامهرمزي أيضًا عن صفوان بن عيسى ؛ خمستهم عن أبي المليح ، عن أبي صالح الخوزي ، عن أبي هريرة مرفوعًا به .
قال الترمذي : ( لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) .
وقال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن أبي صالح إلا أبو المليح) .
وقال ابن عدي : ( وهذا يُعرف بأبي صالح هذا ) .(1/313)
وقال الحاكم : ( هذا حديث صحيحُ الإسناد ، فإن أبا صالح الخوزي وأبا المليح الفارسي لم يذكرا بالجرح ، إنما هما في عداد المجهولين لقلة الحديث ) اهـ .
قُلْتُ : فإن كانا في عداد المجاهيل ، فكيف يصحح إسناد حديثهما ؟ وأخشى أن يكون مذهب الحاكم كمذهب ابن حبان ؛ أن العدل من لم يعرف منه جرح ، ولو سلَّمنا ذلك ، فإن أبا صالح الخوزي عُرف بالجرح ، فقد ضعفه ابنُ معين ومشاه أبو زرعة الرازي ، فقال : ( لا بأس به ) .
وقال الحافظ في ( الفتح ) (11 / 95) : ( مختلفٌ فيه ) .
وقد تفرَّد به كما قال هؤلاء الحفاظ ، فمثله لا يحتمل منه التفرد ، فإسناد حديثه ضعيف ، أما ابنُ كثير ، رحمه الله ، فقال في ( تفسيره ) (7 / 143) : ( وهذا إسنادٌ لا بأس به ) .
وقد عرفناك ما فيه من البأس ، والله أعلم .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذين الحديثين .
1- ليس منا من خبب امرأة على زوجها ) ، وما معناه ؟
الجواب : حديث صحيح .
وقد ورد من حديث أبي هريرة ، وبريدة ، وابن عمر ، وابن عباس ، رضي الله عنهم :
أولاً : حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، مرفوعًا : ( من خبب عبدًا على أهله فليس منا ، ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا ) . أخرجه النسائي في ( العشرة ) (332) ، واللفظ له ، وأبو داود ( 2175) ، وأحمد (2 / 397) ، والبخاري في ( التاريخ ) (1 / 1 / 396) ، وإسحاق بن راهويه ( 134) ، وابن الأعرابي في ( معجمه ) (798) ، والبزار في ( مسنده ) (ج2 / ق245/ 2 - 246 / 1) ، وابن حبان (1319) ، والحاكم (2 / 196) ، والبيهقي في ( الآداب ) (80) ، والخطيب في ( تاريخه ) (4 / 286) ، وفي ( موضح الأوهام ) (2 / 376) ، من طرقٍ عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عكرمة بن خالد ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي هريرة .(1/314)
قال البزار : ( وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ، وقد روي عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الإسناد أحسن من إسناد بريدة ) .
وقال الحاكم : ( صحيح على شرط البخاري ) ، وليس كما قال ، فإن عمار بن رزيق لم يخرج له البخاري شيئًا ، وإن كان الإسناد صحيحًا ، أمَّا قول البزار : إنه لم يرو عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ، فإنه متعقبٌ بما أخرجه أبو أحمد الحاكم في ( كتاب الكنى ) (ج15 / ق254 / 2 - 255 / 1) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (7 / 2589) ، والخطيبُ في ( تاريخه) (11 / 123 ، 124 ) من طريق هارون بن محمد الشيباني عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( من خبب امرأة على زوجها فليس منا ) . وهارون بن محمد كذبه ابن معين .
وقال ابن عدي : ( وهارون ليس بمعروف ، ومقدار ما يرويه ليس بمحفوظ ) .
وقال أبو أحمد الحاكم : ( هو حديث منكرٌ من حديث يحيى ) .
ثانيًا : حديث بريدة بن الحصيب ، رضي الله عنه ، مرفوعًا : ( ليس منا من حلف بالأمانة ، وليس منا من خبب امرأة أو مملوكًا ) . أخرجه أحمد (5/ 352) ، وابن حبان ( 1318) من طريق هناد بن السري قالا : حدثنا وكيع . والبزار ( 1500 - كشف الأستار ) ، والحاكم (4 / 298) من طريق عبد الله بن داود ، وأبو الحسن الخلعي في ( الخلعيات ) ( ق75 / 2) عن زهير بن معاوية ، والبرجلاني في ( الكرم والجود ) (96) عن محمد بن ربيعة الكلابي ، والخطيب في ( تاريخه ) (14 / 35) ، عن مندل بن علي ؛ خمستهم عن الوليد بن ثعلبة ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه مرفوعًا .
وأخرج منه أبو داود في ( سننه ) (3253) الشطر الأول من طريق زهير بن معاوية عن الوليد .
قال الحاكم : ( صحيح الإسناد ) . ووافقه الذهبي ، وكذلك صحح إسناده المنذري في ( الترغيب ) (3 / 82) .(1/315)
وقال الهيثمي في ( المجمع ) (4 / 332) : ( رجال أحمد رجال الصحيح ، خلا الوليد بن ثعلبة ، وهو ثقةٌ ) . اهـ .
ثالثًا : حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما : ( من لبس الحرير أو شرب من فضةٍ فليس منا ، ومن خبب امرأةً على زوجها أو عبدًا على مواليه ، فليس منا ) .
أخرجه الخطيب في ( تاريخه ) (11/ 54 ، 55) من طريق سليمان بن أحمد الطبراني ، وهو في ( المعجم الأوسط ) (8022) ، وفي ( المعجم الكبير ) (1 / 248) من طريق محمد بن عبد الله الرزي ، ثنا أو تميلة ، عن أبي طيبة ، ثنا أو مجلز ، عن ابن عمر به .
قال الطبراني : ( لا يروى هذا الحديث عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد ، تفرد به أبو تميلة ) .
قُلْتُ : وأبو تميلة اسمه يحيى بن واضح ، وهو ثقةٌ ، ولكن أبدى الهيثمي في ( المجمع ) (4 / 332) لهذا الإسناد علَّة ، فقال : ( فيه محمد بن عبد الله الرزي ولم أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا ) .
كذا قال ! ومحمد بن عبد الله ثقة معروفٌ من رجال مسلم ، ولم يتفرد به ، فتابعه سعيد بن محمد الجرمي ، ثنا أو تميلة بسنده سواء ، دون قوله : ( من لبس الحرير … إلخ ) . أخرجه الخرائطي في ( مساوئ الأخلاق ) (503) قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا سعيد بن محمد .
وهذا الإسناد لا بأس به ، وأبو طيبة اسمه عبد الله بن مسلم السلمي ، وفي حفظه مقالٌ .
رابعًا : حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما ، مرفوعًا : ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ، وليس منا من خبب عبدًا على سيده ) . أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) (1803) من طريق علي بن هاشم ، ثنا عثمان بن مطر الشيباني ، عن معمر بن راشد ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن ابن عباسٍ به ، وقال : ( لم يرو هذا الحديث عن ابن طاووس إلا معمر ، ولا عن معمر إلا عثمانُ ، تفرد به عليٌّ ) . اهـ .(1/316)
وعثمان بن مطر ضعيف ، وقد خالفه عبد الرزاق ، فرواه في ( المصنف ) (ج11 / في 20994) عن معمر ، عمن سمع عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . فذكره مرسلاً .
وقد اختلف عن عكرمة . فرواه إسحاق بن جابر ، عن عكرمة ، عن ابن عباسٍ مرفوعًا : ( ليس منا من خبب عبدًا على سيده ، وليس منا من أفسد امرأة على زوجها ، وليس منا من أجلب على الخيل يوم الرهان ) . أخرجه الضياء في ( المختارة) (ج64 / ق 358 / 1) من طريق أبي يعلى ، وهذا في ( مسنده ) (ج4 / رقم 2413) قال : حدثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب ، قال : حدثني الدراوردي عن ثور بن زيد ، عن إسحاق بن جابر وأخرجه البخاري في ( التاريخ الكبير ) (1 / 1 / 395 ، 396) من طريق حسين بن حريث عن الدراوردي ، ثم أخرجه البخاري أيضًا من طريق أبي ثابت ، حدثنا الدراوردي ، عن ثور بن زيد ، عن إسحاق بن جابر ، عن عكرمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ، وإسحاق بن جابر ترجمه البخاري وابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) ، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً ، وقد خالفه عبد الله بن عيسى ، فرواه عن عكرمة ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، وقد مرَّ ذكره في ( حديث أبي هريرة ) ، وهذا الوجه أولى .
وجملة القول أن الحديث صحيح . ومعنى ( خبب ) يعني : أفسد وخدع . والله أعلم .
2- ( مثل الذي يسمع الحكمة ولا يعمل إلا بشرها كمثل رجلٍ أتى راعيًا فقال : اجزرني شاة من غنمك . قال : اذهب فخذ بأذن خير شاة ، فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم ) ؟
الجواب : هذا حديث ضعيف .(1/317)
أخرجه ابن ماجه (4172 ) عن الحسن بن موسى ، وابنُ القطان في (زاوئده عن سنن ابن ماجه) ، عن موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وأحمد في (المسند) (2 / 353 ، 405 ، 508) ، حدثنا عفان بن مسلم ويزيد بن هارون ، والطيالسي في (مسنده) (2563) ، وأبو يعلى ( ج11 / رقم 6388) ، وابنُ عدي في (الكامل) (5 / 1843) ، وأبو الشيخ في (الأمثال) (291) ، والرامهرمزي في (الأمثال) (58) ، أربعتهم عن عبد الأعلى بن حماد .
والرامهرمزي أيضًا (57) ، عن سليمان بن حرب ، والبزار في (مسنده) ج2 / ق247 / 2) عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، ثمانيهم ، عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة مرفوعًا .
ولفظ الطيالسي مختصرٌ ، قال البزار : (وهذا الحديث لا نعلم روى كلامه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو هريرة ) .
وأخرجه البيهقي في (الشعب) (4 / رقم 1593، 1650) من طريق حجاج بن منهال وسليمان بن حرب ، ثنا حماد وسليمان بن حرب ، ثنا حماد بن سلمة بسنده سواء . وعزاه السخاوي في (المقاصد الحسنة) (ص 376) لأحمد بن منيع والعسكري في (الأمثال) .
قُلْتُ : وهذا سندٌ ضعيفٌ ؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان ، وإن كانت رواية حماد بن سلمة عنه أمثل من رواية غيره ، وبه ضعف البوصيري الحديث في (مصباح الزجاجة) (286 / 3) ، وقد أورده ابنُ عدي في (الكامل) مستنكرًا إياه على (علي بن زيد) ، وأوس بن خالد .
قال البخاري : ( لا يروي عنه إلا علي بن زيد ، وعليٌّ فيه بعض النظر) . وقال ابنُ القطان : (له عن أبي هريرة ثلاثة أحاديث منكرة ، وليس له كبير شيء ) .
وفرّق الذهبي بينه وبين أوس بن أبي أوس ، فقال في هذا : ( لا يعرف) ، وهما واحدٌ . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث :
1- ( إن الله يحب كل قلب حزين ) ؟
الجواب : حديثٌ ضعيفٌ .(1/318)
أخرجه الخرائطي في ( اعتلال القلوب ) ( ق3/ 2) ، وابن أبي الدنيا في ( الهم والحزن ) ( ق2/ 1) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (2/ 471) ، والطبرانيُّ في ( مسند الشاميين ) ( 1480) ، ومن طريقه أبو نعيم في ( الحلية ) (6 / 90) ، والحاكم في ( المستدرك) (4/ 315) ، وعنه البيهقيُّ في ( الشعب ) (ج3 / رقم 865) ، والقضاعي في ( مسند الشهاب ) (1075) من طريق أبي بكر بن أبي مريم ، حدثنا ضمرة بن حبيب ، عن أبي الدرداء مرفوعًا فذكره .
قال الحاكمُ : ( صحيحٌ الإسناد ) ، فرده الذهبي بقوله : ( قلتُ : مع ضعف أبي بكرٍ ، منقطعٌ ) . اهـ .
قلتُ : أما أبو بكر فضعيفٌ جدًّا ، لكنه لم يتفرَّد به . فتابعه معاوية بن صالح ، فرواه عن ضمرة بن حبيب بسنده سواء . أخرجه البزار ( ج4 / رقم 3624) ، والطبراني في ( مسند الشاميين ) ( 2012) ، والبيهقي في ( الشعب ) (ج3/ رقم 866) من طرق عن عبد الله بن صالح ، حدثني معاوية بن صالح . قال الهيثميُّ في ( المجمع ) (10 / 309 ، 310) : ( إسناده حسنٌ ) .
كذا قال ! والإسناد منقطعٌ ، كما قال الذهبي بين ضمرة بن حبيب وأبي الدرداء .
قال البزار : ( لا نعلم أحدًا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو الدرداء ، ولا له إسنادٌ غير هذا ) . انتهى .
وكلام البزار متعقَّبٌ برواية أبي بكر بن أبي مريم . والله أعلم .
وطريق البزار أنظف ، ومعاوية بن صالح ثقةٌ ، ولكن الراوي عنه عبد الله بن صالح ، وهو كاتب الليث فيه مقالٌ ، ولذلك قال البيهقي عقب رواية معاوية بن صالح : ( وهذا الإسناد أصح ) .(1/319)
ولا يقصد تصحيحه بهذه العبارة ، لكن يقصد أنه أقل ضعفًا من طريق أبي بكر بن أبي مريم ، وهذه العبارة تأتي كثيرًا على ألسنة النقاد ، ولا يقصدون بها تصحيح الإسناد أو الحديث ، ونظير هذا أن الدارقطني سُئل عن محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة : ما درجته في الحديث ؟ فقال : ( أعور بين عميان ) ، وهو يزكيه بهذه العبارة ، وإن وصفه بالعور ، فكأنه قال : له بعضُ حفظ في قوم لا يحفظون الحديث ولا يضبطونه ، وكذلك ما يقوله بعضُ المتأخرين في الحكم على الحديث ، فيقولون : ( رجاله رجال الصحيح ) ، أو ( رجاله ثقات ) ، أو ( رجاله موثقون ) ، كل هذه العبارات لا يقصد بها تصحيح الإسناد ، فكن منها على ذكرٍ ، فكم وقع بسببها ناسٌ في تصحيح أحاديث ضعيفة . والله الموفق .
2- ( كل كلام ابن آدم عليه لا له ، إلا أمرًا بالمعروف ، أو نهيًا عن منكر ، أو ذكرًا لله ) ؟
الجواب : حديثٌ ضعيفٌ . أخرجه النسائي في ( مجلسان من الأمالي ) (15) ، وعبد الله بن أحمد في ( زوائد الزهد ) ، ( ص22، 23) ، وابن السني في ( اليوم والليلة ) (5) ، وابنُ أبي الدنيا في ( الصمت ) (14) ، وبحشل في ( تاريخ واسط ) (ص245 ، 246) ، والحاكمُ ( 2 / 512 ، 513) ، والخطيب في ( تاريخه ) (12 / 321) من طرقٍ عن محمد بن يزيد بن خُنيس قال : دخلنا على سفيان الثوري نعوده ، فوجدنا عنده سعيد بن حسان المخزومي ، فقال سفيان لسعيد : الحديث الذي حدَّنْتَنِيه ، عن أم صالحٍ ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم حبيبة ، اردُدْه عليَّ ، فقال سعيد : حَدثتني أمُّ صالح ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم حبيبة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلُّ كلام ابن آدم عليه ، لا له ، إلا أمرًا بمعروف ، أو نهيًا عن منكرٍ ، أو ذكرًا لله عز وجل ) .(1/320)
وأخرجه الترمذي ( 2412) ، وابن ماجه ( 3974) ، والخطيب (12/433 ، 434) من هذا الوجه بدون ذكِر القصة . ووقع عند الخطيب في الموضع الأول : ( قال - يعني : سفيان الثوري - : ما أعجب هذا الحديث ؛ امرأةٌ ، عن امرأةٍ ، عن امرأةٍ ) . قال له صاحبه : وما يُعجبك من ذلك وهو في كتاب الله موجودٌ ؟ قال الله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) [ النساء : 114] ، وقال تعالى : ( وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ) [ العصر : 1 - 3] .
ووقع عند ابن أبي الدنيا : ( فقال رجلٌ - يعني : بعد سماع الحديث - ما أشدَّ هذا الحديث !! فقال سفيان : وأيُّ شدته ؟ أليس قال الله تعالى : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ) [ النبأ : 38] ، أليس يقولُ الله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) ، أليس يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) [ سبأ : 23] .(1/321)
قلتُ : وهذا الحديث سكت عليه الحاكمُ والذهبيُّ ، وقال الترمذي : ( هذا حديث غريبٌ ) . وهذا الحكم نقله المزي في ( تحفة الأشراف ) (11/ 320) ، وكذلك نقله العراقي في ( تخريج الإحياء ) (1/ 70) ، ووقع في طبعة ( عطوة ) : ( حسن غريبٌ ) . النسخة سقيمة كثيرة التصحيف ، واللائق هو حكم الترمذي عليه بالغرابة ؛ لأن محمد بن يزيد بن خنيس في حفظه ضعفٌ ، وأم صالح مجهولة ، لم يرو عنها إلا سعيد بن حسان ، والحديث أشار إليه البخاري في ( التاريخ الكبير ) ( 1/ 1/ 261 ، 262) مرسلاً ، فكأنه أعلَّه . والله أعلم .
3- ( من تصبَّح بسبع تمراتٍ عجوة ، لم يضره سمٌّ ذلك اليوم ولا سحرٌ ) ؟
الجواب : حديث صحيح . أخرجه البخاري (9 / 569 و 10 / 238 ، 247) ، ومسلمٌ ( 2047) ، وأبو عوانة (5/ 397) ، وأبو داود ( 3875) ، وأحمد (1/ 181) ، وابن أبي شيبة (8 / 18) ، والحميدي (70) ، والبزار ( رقم 70 - مسند سعد ) ، وأبو يعلى في ( المسند ) (ج2 / رقم 717) ، والدورقي في ( مسند سعد ) (ق5/ 1) ، والبيهقي في ( السنن الكبير) ( 8 / 135) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (11/ 325) من طريق هاشم بن هاشم ، عن عامر بن سعدٍ ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره .
قال البزار : ( ورواه بعضهم عن هاشم بن هاشم ، عن عائشة بنت سعد ، عن أبيها ) .
قلتُ : والبزار يشير بذلك إلى الاختلاف في شيخ هاشم . والرواية التي أشار إليها البزار رواه عبد الله بن نمير ، وقد ذكرها الدارقطني في ( العلل ) (4 / رقم 610) ، وقال : ( يرويه هاشم بن هاشم واختلف فيه ، فرواه أبو أسامة عن هاشم بن هاشم ، عن عامر بن سعد ، عن سعد ، وخالفه ابن نمير ، فرواه عن هاشم ، عن عائشة بنت سعد عن أبيها ، وكلاهما ثقةٌ ، ولعلُّ هاشمًا سمعه منهما ) . اهـ .
ورجح أبو زرعة أنه عن : ( هاشم بن هاشم ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ) .
ذكره ابنُ أبي حاتم في ( العلل) (ج2/ رقم 2505) عنه . والله أعلم .
---(1/322)
وتسأل القارئة : عن درجة هذه الأحاديث :
( إن لكل عبدٍ صيتًا فإن كان صيتُه في السماء حسنًا وضع له القبول في الأرض ، وإن كان صيتُه في السماء سيئًا ، وضع له في الأرض ) ؟
الجواب : صحَ بغير هذا اللفظ .
أخرجه البزار في ( مسنده ) (3603 - كشف ) ، والطبرانيُّ في ( الأوسط ) (5248) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) ( 2/ 585) ، والبيهقي في ( الزهد ) ( 816) من طريق الجراح بن مليح ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( ما من عبدٍ إلا وله صيت … ) الحديث .
قال البزار : ( لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا أبو وكيع ) . يعني : الجراح بن مليح ، فهو والد وكيع بن الجراح . وقال ابنُ عدي : ( وهذا الحديث ما أعلم رواه عن الأعمش غير أبي وكيع وسعيد بن بشير ) .
قلتُ : وكلاهما تكلَّم فيه أهل العلم ، والجراح أفضلُ الرجلين ، وأنا أخشى أن يكونا وهما على الأعمش في لفظ هذا الحديث . فقد روى هذا الحديث سهيل بن أبي صالح ، وعبد الله بن دينار ، كلاهما عن أبي صالح ، عن أبي هريرة بغير هذا للفظ . فرواه مالكٌ ، ووهيب ، ومعمر بن راشد ، وأبو عوانة ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وجرير بن عبد الحميد ، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، والثوري ، ومحمد بن أنس ، والعلاء بن المسيب وأبو حازم ويعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني كلُّهم يرويه عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( إن الله إذا أحبَّ عبدًا ، دعا جبريل ، فقال : إني أحبُّ فلانًا فأحبَّه ، قال : فيحبُّه جبريل ، ثم ينادي في السماء ، فيقول : إن الله يحبُّ فلانًا فأحبوه ، فيحبُّه أهل السماء . قال : ثم يوضعُ له القبولُ في الأرض .(1/323)
وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل ، فيقول : إني أبغض فلانًا فأبغضه ، قال : فيبغضُه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه ، قال : فيبغضونه ، ثم توضعُ له البغضاء في الأرض ) . لفظ حديث جرير عند مسلمٍ .
أخرجه مالك في ( الموطأ ) (2/ 953) / 15) ، ومسلمٌ ( 2637 / 157 / 158) ، والنسائي في ( الكبرى ) (4/ 416) ، والترمذيُّ ( 3161) ، وأحمد ( 2/ 267 ، 341 ، 413 ، 509) ، والطيالسيُّ ( 2436) ، وعبد الرزاق في ( المصنف) (19673) ، وأبو يعلى في ( المسند) (ج12 / رقم 6685) ، وابنُ حبان (365) ، وابن أبي حاتم في ( تفسيره ) - كما في ( ابن كثير ) ( 5/ 263) - والطبراني في ( الأوسط ) (5001) ، وابنُ المقرئ في ( المعجم ) (ج8 / ق140 / 2) ، وابنُ بشران في ( الأمالي ) (ج4/ ق44 / 2) ، والبزار في ( مسنده ، (ج2/ ق212 / 1) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (3/ 258 ، و 7 / 141 ، و10 / 306) ، وفي ( أخبار أصبهان ) (2/ 57) .
وخالف هذا الجمع الحاشد روح بن القاسم ، فرواه عن سهيل بن أبي صالح ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالحٍ ، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره .
فزاد : ( القعقاع بن حكيم ) بين ( سهيل ) ، و( أبيه ) .
أخرجه ابن حبان ( 364) ، والطبراني في ( الأوسط ) (2800) من طريق أمية بن بسطام ، ثنا يزيد بن زريع ، ثنا روح بن القاسم ، ولم أقف على من تابع روح بن القاسم على هذه الرواية . وهو ثقةٌ ، وقد ذهب ابنُ حبان إلى صحة الروايتين جميعًا ، فقال : ( سمع هذا الخبر سهيلٌ عن أبيه ، وسمع عن القعقاع عن أبيه ) . اهـ .
أما رواية عبد الله بن دينار . فأخرجهما البخاري (13 / 461) ، ومن طريقه الأصبهاني في ( الحجة ) (ج2/ رقم 172) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث .
والبزار في ( مسنده ) (ج2/ ق206 / 2) من طريق أبي قتيبة كلاهما عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه .(1/324)
ووافق أبا صالح على هذا السياق نافع مولى ابن عمر ، فرواه عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه . أخرجه البخاريُّ ( 10 / 461) ، والبزار (2/ 170 / 2) ، عن أبي عاصم . وأخرجه البخاري أيضًا (6/ 303) ، عن مخلد بن يزيد ، وإسحاق بن راهويه في ( مسنده ) (375) ، عن عبد الله بن الحارث ، وابنُ عبد البر في ( التمهيد ) (21 / 238 ) ، عن روح بن عبادة ، فرووه جميعًا عن ابن جريج حدثني موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن أبي هريرة . قال البزار : ( وهذا الحديث لا نعلم رواه عن نافعٍ عن أبي هريرة إلا موسى بن عقبة ، ولا نعلم حدث به عن موسى إلا ابنُ جريج ) .
2-( من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله كل مؤنة . ورزقه من حيث لا يحتسب . ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ) ؟
الجواب : حديث ضعيف .
أخرجه ابنُ أبي حاتم في ( تفسيره ) - كما في ( ابن كثير ) (8 / 174) - والطبراني في ( الأوسط ) (3359) ، وفي ( الصغير ) (1/ 116) ، والبيهقي في ( الشعب ) (ج3/ رقم 1044) ، والخطيب في ( تاريخه ) (7 / 196) ، وابنُ الجوزي في ( الواهيات ) (2/ 316) من طريق إبراهيم بن الأشعث ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن هشام ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين مرفوعًا فذكره . قال الطبراني : ( لم يروه عن هشام بن حسان ، إلا الفضيل بن عياض ، تفرد به : إبراهيم بن الأشعث ) .
قلتُ : وهو ضعيف كما قال أبو حاتم وغيره ، ولما ذكره ابنُ حبان في ( الثقات ) ( 8 / 66) قال : ( كان صاحبًا للفضيل بن عياض ، يروي عنه الرقائق .. يغرب ، ويتفرد ، ويخطئ ، ويخالف ) .
وبه أعلَّ الحديث ابنُ الجوزي ، والهيثميُّ في ( مجمع الزوائد ) ( 10 / 303 ، 304) ، والله أعلم .
3 - ( إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى من بني كنانة قريشًا ، واصطفى من قريش بن هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .(1/325)
أخرجه مسلمٌ ( 2276 / 1) ، والبخاري في ( التاريخ الكبير ) ( 1/ 1/ 4) ، والترمذي ( 3605 ، 3606) ، وأحمد (4/ 107) ، وابنُ أبي شيبة ( 11 / 478) ، وابن سعد في ( الطبقات ) (1/ 20) ، والطبراني في ( الكبير ) ( ج22/ رقم 161 ) ، والبيهقي في ( السنن الكبير) (7 / 134) ، وفي ( الدلائل) (1/ 165) ، والخطيب ( 13 / 64) ، واللالكائي في ( شرح الأصول ) (1400) ، والجوزقاني في ( الأباطيل ) (1/ 170) ، والبغوي في ( شرح السنة ) ( 13 ، 194 ) من طريق الأوزاعي ، حدثني أبو عمار شداد ، عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا به ، والله أعلم .
---
يسأل القارئ :
يقول : سمعت شيخًا ذائع الصيت يقول في أحد المساجد : إن حديث الذبابة مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ، ووصفه بأنه حديث مقزز ، مع أني أعلم أن أهل العلم صححوه ، وقد جادلت أحد الناس بعد هذه المحاضرة ، فقالوا : إن كلام الشيخ مقنع ، فاتفقنا على أن أرسل السؤال إلى مجلة التوحيد ، راجين أن تبسطوا الكلام عن صحة الحديث ؟
والجواب بحول الملك الوهاب : اعلم أيها السائل أن من تكلَّم في غير فنّه أتى بمثل هذه العجائب ، ويرحم الله ابن حبان إذ نقل قولاً ساقطًا عن بعض الناس في مقدمة كتابه ( المجروحين ) (1/ 17) ، ثم ردَّ عليه قائلاً : ( لو تملَّق قائل هذا القول إلى باريه في الخلوة وسأله التوفيق لإصابة الحق لكان أولى به من الخوض فيما ليس من صناعته ) ، والذين طعنوا على الحديث لا يعلمون شيئًا عن شرائط نقل الأخبار ، ولا عن قوانين الرواية ، لذلك فكلامهم ذلك ساقط ؛ لأن العقلاء اتفقوا أن يُرجع في كل علم إلى أهله والمتخصصين فيه ، ولا يتكلم في تصحيح الأخبار وتضعيفها إلا أهلُ الحديث وحدهم دون غيرهم ، وهاك حاصل الكلام في إثبات صحة الحديث ، فاعلم أنه قد روى هذا الحديث ثلاثةٌ من الصحابة هم : أبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، رضي الله عنهم .(1/326)
أولاً : حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، وله عنه طرقٌ :
1- عبيد بن حُنين ، عنه ، أخرجه البخاري ( 6 / 359 و 10 / 250) ، وابنُ ماجه (3505) ، والدارمي (2/ 99) ، وأحمد (2/ 398) ، وابن المنذر في ( (الأوسط ) (1/ 281) ، والطحاوي في ( المشكل) (4/ 283) ، وابن عبد البر في ( (التمهيد) (1/337) ، والبيهقي (1/ 252) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (11/ 259 ، 260) ، ولفظه عند البخاري : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ، ثم لينزعه ، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء ) .
عزاه ابن القيم ، رحمه الله ، في ( زاد المعاد ) (3 / 290 ) لمسلم ، فوهم .
2- سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عنه ، أخرجه أبو داود (3844) ، وأحمد (3/229 ، 246) ، وابن خزيمة (ج1/ رقم 105) ، وابن حبان (1243 ، 4226) ، والطحاوي في ( المشكل ) (283) ، والحسن بن عرفة في ( جزئه ) (21) ، وعنه البيهقي (1/ 252) ، والخطيب في ( التلخيص ) (ق 69 / 2) ، والذهبي في ( السير ) (6 / 322) من طريق محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ، فإن َّ في أحد جناحيه داءٌ وفي الآخر شفاءٌ ، وإنه يتقي جناحه الذي فيه الداء ، فليغمسه كلَّه ) .
قال الذهبي : ( هذا الحديث حسنُ الإسناد ) . اهـ . ورواه عن ابن عجلان هكذا : ( بشر بن المفضل ، وسفيان بن عيينه ) ، وخالفهما يحيى بن أيوب ، فرواه عن محمد بن عجلان أن القعقاع بن حكيم أخبره عن أبي صالحٍ ، عن أبي هريرة مرفوعًا مثله .
أخرجه الطحاوي في ( المشكل ) (4/ 283) من طريق إسماعيل بن مرزوق ، أنا يحيى بن أيوب .
قال الدارقطني في ( العلل ) (ج3/ق33/1) : ( ولعله - يعني : ابن عجلان - حفظه عنهما ) . اهـ .
وقد توبع ابن عجلان على الوجه الأول .(1/327)
تابعه إبراهيم بن الفضل ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة . أخرجه أحمد (2/ 443) قال : حدثنا وكيع ، عن إبراهيم ، وإبراهيم بن الفضل ضعيفٌ ، بل هو أقرب إلى الترك .
وأما الوجه الثاني ؛ فتوبع يحيى بن أيوب ، تابعه الليث بن سعد ، فرواه محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة به .
أخرجه أحمد (2/340) قال : حدثنا يونس ، ثنا ليث ، وأخرجه أبو عمرو السمرقندي في ( الفوائد المنتقاة ) (ق70 / 1) من طريق آدم بن أبي إياس ، ثنا الليث بن سعد بن . وتابعه أيضًا الدراورديُّ ، عن ابن عجلان به .
أخرجه أبو محمد الفاكهي في ( حديث يحيى بن أبي مسرة عن شيوخه ) (ج2/ ق151/1) قال : حدثني يحيى بن محمد الجاري ، أنا عبد العزيز الدراوردي ، فهو كما قال الدارقطني أن ابن عجلان رواه على الوجهين معًا ، وإن كان الوجه الثاني أقوى . والله أعلم .
3- محمد بن سيرين ، عنه . أخرجه السهمي في ( تاريخ جرجان ) (85 ، 86) من طريق محمد بن حميد الرازي ، حدثنا مهران بن أبي عمر ، عن سفيان الثوري ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، مرفوعًا : ( إذا وقع الذباب في المرق ، فاغمسوه فيها ، فإن شفاءً في أحد جناحيه ، وفي الآخر سُمًا ) . وسنده ضعيف جدًّا ، ومهران بن أبي عمر قال فيه ابنُ معين : ( كان عنده غلط كثير في حديث سفيان ) . ووثقه مرة ، وكذلك وثقه أبو حاتم الرازي وابن حبان ، ولينه النسائي ، وأمَّا محمد بن حميد الرازي فهو واهٍ ، والحمل عليه أولى ، ولكن له طريق آخر أخرجه الخطيب في ( الموضح ) (2/ 375) من طريق محمد بن الوليد البُسري ، حدثنا محمد بن مروان ، حدثنا هشام بن حسان بسنده سواء ، والبُسري ثقةٌ ، ومحمد بن مروان إما أن يكون الباهلي أو العجلي ، وكلاهما صدوق ، في حفظه مقالٌ خفيف ، فالسند جيدٌ .
وله طريق آخر إلى ابن سيرين .(1/328)
أخرجه أحمد (2/355 ، 388) ، والطحاوي في ( المشكل) (4/ 283) ، من طريق حماد بن سلمة بن حبيب بن الشهيد ، عن محمد بن سيرين به . وهذا سندٌ صحيحٌ على شرط مسلم .
وأخرجه الطبراني في ( الأوسط ) (ج1/ ق135/1) من طريق أبي عمر الضرير ، قال : حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب وحبيب وهشام ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعًا به .
وأخرجه الطبرانيُّ أيضًا في (الأوسط ) (ج1 / ق 170 / 1) أيضًا من طريق إبراهيم بن الحجاج السامي ، قال : نا حماد بن سلمة ، عن حبيب وهشام وحميد ، عن ابن سيرين بسنده سواء وقال الطبراني : (لم يروه عن حماد بن سلمة ، عن حميد إلا إبراهيم بن الحجاج السامي ) .
وأخرجه الطحاوي عن مُرجَّى بن رجاء الحافظ ، عن هشام بن حسان بسنده سواء .
4- ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عنه . أخرجه أحمد (2/263، 355، 388) ، والدارميُّ (2/99) ، وإسحاق بن راهويه في ( مسنده) (125) ، والطحاوي (4/ 283) من طريق حماد بن سلمة ، عن ثمامة به ، واختلف في إسناده ، فرواه سهل بن حماد أبو عتاب الدلال ، عن عبد الله بن المثنى ، عن ثمامة ، عن أنس مرفوعًا فذكره . ذكره ابنُ أبي حاتم في ( العلل ) (ج1/رقم46) ، وقال : ( أبي وأبو زرعة جميعًا : رواه حماد بن سلمة ، عن ثمامة بن عبد الله ، عن أبي هريرة . قال أبو زرعة : وهذا الصحيحُ . وقال أبي : هذا أشبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولزم أبو عتاب الطريق ، فقال : عن عبد الله ، عن ثمامة ، عن أنس ، وقال أبو زرعة : هذا حديث عبد الله بن المثنى أخطأ فيه عبد الله ، والصحيحُ : ثمامة عن أبي هريرة ) . اهـ .
وكذلك قال الدارقطني في ( العلل ) (3/ 39 / 1) مرجحًا حديث حماد بن سلمة .
قلتُ : وبعد ترجيح طريق حماد بن سلمة نقول : إنه ضعيفٌ ، وذلك لأن ثمامة لم يدرك أبا هريرة كما قال المزي في ( التهذيب) .(1/329)
5- قيس بن خالد بن حسن ، عن أبي هريرة . أخرجه ابنُ أبي حاتم في (العلل) (ج1/رقم 79) قال : سمعت أبي وحدثنا عن محمد بن إكليل ، عن إسماعيل بن عياش ، عن ثعلبة بن مسلم ، عن قيس بن خالد بن حسن ، عن أبي هريرة مرفوعًا ، فقال أبي : هذا حديث مضطرب الإسناد . اهـ .
وقوله : ( محمد بن إكليل) خطأ ، صوابه عندي : ( محمد بن الخليل ) ، وهو محمد بن الخليل بن حماد الدمشقي ؛ وهو صدوقٌ . أما قيس بن خالد فلم أجد له ترجمة ، ثم راجعت نسخة (أحمد الثالث ) من ( علل ابن أبي حاتم ) (ق/9 /2) لعلَّ الاسم تصحَّف في ( المطبوعة) ، فوجدته : ( قيس بن خالد بن جبير أو حنين) . فالله أعلم .
ثانيًا : حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أخرجه النسائي (7/ 178 ، 179) ، وفي ( الكبرى ) (3/88) ، وابنُ ماجه (3504) ، وأحمد (3/24 ، 67) ، والطيالسي (2188) ، وعبد بن حميد في ( المنتخب ) (884) ، وأبو يعلى (ج2 / رقم 986) ، وابن حبان (1355) ، وفي ( الثقات ) (2/102) ، والبيهقي (1ظ253) ، والطحاوي في (المشكل) (4/ 282) ، وابن عبد البر في ( التمهيد) (1/337) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (11/ 261) ، والمزي في ( التهذيب) (10 / 407) من طرق عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد قال : دخلتُ على أبي سلمة فأتانا بزبدٍ وكتلة - وهو خليط من التمر والطحين - فأسقط ذبابٌ في الطعام ، فجعل أو سملة يمقُله بأصبعه فيه ، فقلتُ : يا خالُ ، ماذا تصنع ؟ فقال : إن أبا سعيد الخدري حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أحد جناحي الذباب سم ، والآخر شفاء ، فإذا وقع في الطعام ، فامقلوه ، فإنه يقدم السم ، ويؤخر الشفاء ) .
وهو عند بعضهم دون القصة ، وسنده قويٌّ ، وسعيد بن خالد وثقه النسائيُّ ، وابن حبان ، وقال الدارقطني : ( يحتج به ) ، ولم يثبت عن النسائي تضعيفه . والله أعلم .(1/330)
ثالثًا : حديث أنسٍ ، رضي الله عنه . أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) (ج1 / ق154 / 2) من طريق عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي ، عن عباد بن منصور ، عن عبد الله بن المثني ، عن أنس بن مالك مرفوعًا : ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ، فإن في أحد جناحيه سُمًا ، والآخر شفاء ) .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن عبادٍ ، إلا عمرو ) اهـ .
وهو لينُ الحديث ، وقد خولف فيه عباد ، خالفه أبو عتاب الدلال سهل بن حماد ، ثنا عبد الله بن المثنى ، عن ثمامة ، عن أنس مرفوعًا ، فزاد (ثمامة) في الإسناد . أخرجه البزار (ج3/ رقم 2866) ، حدثنا زياد بن يحيى ومحمد بن معمر قالا : حدثنا أبو عتاب .
وأخرجه الضياء في ( المختارة ) (1835) من طريق يحيى بن صاعد ثنا محمد بن معمر بسنده سواء .
قال البزار : ( لا نعلمه يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد ) .
وهو متعقب برواية الطبراني السابقة . ورواية أبي عتاب الدلال أقوى .
وقال شيخنا في ( الصحيحة ) : ( إسناده صحيحٌ ) ، وقد اختلف فيه كما يأتي إن شاء الله ، وعباد بن منصور ضعيفٌ ، ولكن خولف فيه سهل بن حماد على نحو ما مرَّ ذكره في ( حديث أبي هريرة ) ، أمَّا الهيثميُّ فجرى على ظاهر السند فقال ( 5/ 38) : ( رجاله رجال الصحيح ) .
فقد ثبت بهذا التخريج والتحقيق أن الحديث في غاية الصحة ، ولا مطعن فيه ، والحمد لله رب العالمين .
---
ويسأل القارئ :
عن درجة هذا الحديث : ( ما من مسلم يُصرع صرعة من مرضٍ إلا بعث منها طاهرًا ) .
والجواب : أن هذا الحديث صحيحٌ .(1/331)
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في ( المرض والكفارات) (23) ، والطبراني في ( الكبير) (ج8 / رقم 7485) ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) (ج7/رقم 9922) ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) (ج7/ق37 ، 38) من طريق خالد بن يزيد ، عن سالم بن عبد الله المحاربي ، عن سليمان بن حبيب المحاربي ، عن أبي أمامة الباهلي مرفوعًا به ، وعزاه السيوطي ، كما في ( فيض القدير ) (5/487) للضياء المقدسي في ( المختارة) ، قال المنذري في ( الترغيب) (2/ 298) : ( رواته ثقات) .
وكذلك قال الهيثمي في ( المجمع ) (2/ 302) ، ولكن نقل المناوي في ( فيض القدير (5/ 488) عن الهيثمي أنه قال : ( فيه سالم بن عبد الله النجاري الشامي ، لم أجد من ذكره ، وبقية رجاله ثقات ) .
قلت : وقوله : ( البخاري لعله تصحيف من النساخ ، وصوابه ( المحاربي ) ، ولعلَّه تصحَّف على الهيثمي ؛ لذلك قال : ( لم أجد من ذكره ) ، مع أن ابن أبي حاتم ذكره في ( الجرح والتعديل ) (2 / 1 / 185) ، ونقل عن أبيه أنه قال : ( صالح الحديث ) ، ونقل ابن عساكر توثيقه عن آخرين .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : عن صحة هذا الحديث ؟
(لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مِرَّةٍ سوي ) ؟
الحواب : أنه حديثٌ صحيحٌ وقد ورد من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهم .
وأما حديث أبي هريرة : فأخرجه النسائي ( 5 / 99) ، وابن ماجه (1839) ، وأحمد (2/ 377 ، 379) ، وابن أبي شيبة ( 3 / 207 ، و 14 / 274) ، وابن حبان (806) ، والطحاوي في ( شرح المعاني ) ( 2/ 14) ، والدارقطني (2/ 118) ، والبيهقي (7 / 14) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) (8 / 308) ، وابن الجارود في ( المنتقى ) (364) من طرقٍ عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره .(1/332)
ورواه عن أبي بكر بن عياش جماعة منهم : الحسن بن عرفة ، وهناد بن السري ، ومحمد بن الصباح ، ويحيى بن إسحاق ، وحسن بن موسى الأشيب ، وأسود بن عامر ، ومعلى بن منصور ، وأبو داود الطيالسي ، وأبو غسان ، وابن أبي شيبة ، وإبراهيم بن مجشر ، وعمار بن خالد التمار ، وإسحاق بن يحيى الطباع .
وخالف هذا الجمع : فرات بن محبوب ، ومعلى بن منصور ، فروياه عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، مرفوعًا مثله .
قال أبو نعيم : لم يروه عن أبي حصين عن سالم وأبي صالح ، إلا أبو بكر ، ونوه البيهقيُّ بنحو ذلك .
قُلْتُ : وفرات بن محبوب ذكره ابنُ حبان في ( الثقات ) (9 / 13) ، وترجمه ابنُ أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) (3 / 2 / 80) ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً .
قال الدارقطني في (العلل) (1/ 184) : ( لا بأس به ) ، ووهمه في حديثه ، ووثقه الهيثمي في ( المجمع ) (9 / 288) ، وكأنه اتكأ على توثيق ابن حبان ، ومعلى بن منصور ثقةٌ ، ولكنه رواه على الوجه الأول أيضًا ، وكأن هذا الاضطراب من أبي بكر بن عياش ، فقد تكلم العلماءُ في حفظه ، وإن كان الأشبه هو رواية الجماعة عنه ، وهذا سند لا بأس به ، لولا ما نقله الزيعلي في ( نصب الراية ) (2/ 399) عن ابن دقيق العيد أنه قال في ( التنقيح ) : ( رواته ثقاتٌ ، إلا أن أحمد بن حنبل قال : سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة ) . اهـ .
وسالم ذكروه بالتدليس والإرسال ، لكن له طريقٌ آخر ، أخرجه أبو يعلى (ج11/ رقم 6199) قال : حدثنا محمد بن عباد ، وأخرجه البيهقي ( 7 / 13 ، 14) ، من طريق سعدان بن نصر قالا : ثنا سفيان - يعني : ابن عيينة - عن منصور ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة - قيل لسفيان : رفعه ؟ قال : لعله - : ( لا تحلُّ الصدقة لغني ، ولا لذي مرةٍ سوى ) .(1/333)
هكذا على الشك في رفعه ، ولكن أخرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) (ج4/ رقم 2387) ، قال : حدثنا عبد الجبار بن العلاء ، وأخرجه الحاكم (1/ 407) من طريق على بن حرب قالا : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة يبلغ به ، ومعنى : ( يبلغ به ) ؛ يعني رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر البيهقيُّ أن الحميدي رواه عن سفيان فجزم برفعه ، وهؤلاء الثلاثة أثبت في سفيان ، ولا سيما الحميدي ، فهو من أوثق أصحابه ، فالسند صحيحٌ ، والحمد لله .
وأخرجه القضاعي في ( مسند الشهاب ) (885) من طريق محمد بن عبدوس ، ثنا وهب ، أنبا خالد ، عن حصين ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة مرفوعًا مثله ، وهذا سندٌ صحيحٌ ، ومحمد بن عبدوس ترجمه الخطيب في ( تاريخ بغداد ) (2/ 381 - 382 ) ، وقال : ( كان من أهل العلم والمعرفة والفضل ) .
ونقل عن ابن المنادى قال : ( كان من المعدودين في الحفظ وحسن المعرفة بالحديث ، أكثر الناسُ عنه لثقته وضبطه ، وكان كالأخ لعبد الله بن أحمد بن حنبل ) .
ونقل أيضًا عن أحمد بن كامل القاضي قال : ( كان حسن الحديث كثيره ) .
ووهب هو ابن بقية ، أحدُ الثقات ، وبقية السند مشهورون . فالسند صحيحٌ أيضًا .
وأمَّا حديث عبد الله بن عمرو : فأخرجه البخاري في ( التاريخ الكبير ) (2 / 1 / 329) ، وأبو داود (1634) ، والترمذي (652) ، والدارميُّ ( 1 / 324 ، 325) ، والطياليسي ( 2271) وعبد الرزاق ( 7155) ، وابن أبي شيبة ( 3 / 207 ، و 14 / 274 ، 275) ، كلاهما في ( المصنف ) ، وأبو يعلى في ( مسنده ) (ج11 رقم 6401) ، والطحاوي في ( شرح المعاني ) (2 / 14) ، وابن الجارود في ( المنتقى ) (363) ، والحاكمُ في ( المستدرك ) (1 / 407) ، والبيهقي ( 7 / 13) ، والدارقطني ( 2/ 119) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (2 / 82) ، من طريق سعد بن إبراهيم ، عن ريحان بن يزيد العامري ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا مثله .(1/334)
قال الترمذي : ( حديث حسن ) . اهـ .
وهو كما قال ، وريحان بن يزيد ، وإن جهله أبو حاتم ، لكن قال سعد بن إبراهيم الراوي عنه : ( صدوق ) ، ووثقه ابن معين وابن حبان ، وله شواهد أخرى .
---
ويسأل القارئ :
هل صحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الجنازة ، وأنه قرأ سورة مع الفاتحة ؟
والجواب : لا أعلمه صحيحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن صحَّ عن ابن عباس ، رضي الله عنهما .
أخرجه النسائي ( 4 / 74 ، 75) ، قال : أخبرنا الهيثم بن أيوب ، وأبو يعلى في ( مسنده ) (ج5 / رقم 2661) قال : حدثنا محرز بن عون ، وابن الجارود في ( المنتقى ) (537) من طريق سليمان بن داود الهاشمي وإبراهيم بن زياد ؛ أربعتهم عن إبراهيم بن سعد قال : حدثني أبي عن طلحة بن عبد الله بن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف قال : صليت خلف ابن عباس على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، فجهر حتى سمعنا ، فلما انصرف أخذت بيده فسألته عن ذلك ؟ فقال : سنةٌ وحقٌ .
وقال البيهقي : ( ورواه إبراهيم بن حمزة ، عن إبراهيم بن سعد ، وقال في الحديث : فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ) .
ثم قال البيهقي : ( وذكر السورة فيه غير محفوظ ) .
وأخرجه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم في ( ما أسند سفيان الثوري) (1/ 40 / 2) ، وابنُ الجارود في ( المنتقى ) (536) ، عن محمد بن يوسف الفريابي قالا : ثنا سفيان الثوري ، عن زيد بن طلحة التيمي قال : سمعت ابن عباس قرأ على جنازة فاتحة الكتاب وسورة وجهر بالقراءة ، وقال : إنما جهرتُ لأعلمكم أنها سنةٌ والإمام كفاها ، وسنده صحيحٌ .
وزيد بن طلحة وثقه ابن معين .(1/335)
وقال أبو حاتم : ( لا بأس به ) ، كما في ( الجرح والتعديل) (1 / 2 / 565 ، 566) ، وأخرجه الشافعي في ( الأم ) (1 / 270 ) ، ومن طريقه البيهقي ( 4 / 39 ) ، قال : أنبأنا ابن عيينة ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد قالا : سمعت ابنُ عباس يجهر بفاتحة الكتاب في الجنازة ويقول : إنما فعلتُ لتعلموا أنها سنةٌ ، وسنده جيدٌ .
---
ويسأل القارئ : عن حديث :
(الجار أحق بدار الجار أو الأرض) هل هو صحيحٌ ؟
والجواب : أنه حديثٌ حسنٌ ثابتٌ .
أخرجه أبو داود (3517) ، والنسائي في ( الشروط ) من ( السنن الكبرى ) - كما في ( أطراف المزي) (4/69) - و الترمذي ( 1368) ، وأحمد (5/ 8، 12 ، 13 ، 17 ، 18 ) ، والطيالسي ( 904) ، وابنُ أبي حاتم في ( العلل ) (1/ 480) ، والدارقطني في ( الجزء الثالث والعشرين من حديث أبي طاهر الذهلي ) (رقم 51) ، والبيهقي (6/ 106) ، من طرقٍ عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعًا .
قال الترمذي : ( حديث سمرة حديثٌ حسنٌ صحيحٌ ، وروى عيسى بن يونس ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحيحُ عند أهل العلم حديث الحسن ، عن سمرة ، ولا نعرف حديث قتادة ، عن أنسٍ إلا من حديث عيسى بن يونس ) . اهـ .
قُلْتُ : أمَّا حديث قتادة ، عن أنس ، فأخرجه ابنُ أبي حاتم في ( العلل ) (1/ 480) ، وابن حبان (1153) ، والطحاويُّ في ( شرح المعاني ) (4 / 122) ، من طريق عيسى بن يونس ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنسٍ به .
وقد رواه عيسى بن يونس عن سمرة أيضًا .
فأخرجه النسائي - كما في ( الأطراف ) - عن إسحاق بن إبراهيم ، عن عيسى بن يونس ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة .
وكذلك رواه قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا نعيم بن حماد ، ثنا عيسى بن يونس ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، وبه عن قتادة عن الحسن ، عن سمرة مرفوعًا فذكره .(1/336)
ولكن تكلَّم العلماءُ في حديث قتادة عن أنس ، ووهموا عيسى بن يونس فيه .
قال الدارقطني : ( وهم فيه عيسى بن يونس ، وغيره يرويه عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، هكذا رواه شعبةٌ وغيره ، وهو الصوابُ ) . اهـ .
وقال ابنُ أبي حاتم في ( علل الحديث ) (1 / 477) : ( سألتُ أبي وأبا زرعة عن حديث عيسى بن يونس ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( جار الدار أحق بالدار ) .
قالا : هذا خطأ . روى هذا الحديث همام ، وحماد بن سلمة ، فقال حمادٌ : عن قتادة ، عن الشريد ، وقال همام : عن قتادة ، عن عمرو بن شعيب ، عن الشريد ، وقالا : نظنُّ أن عيسى وهم فيه ، فشبه ( الشريد ) بـ ( أنس ) .
وقال أبو زرعة : الصحيحُ عندنا : قتادة ، عن عمرو بن شعيب ، عن الشريد ، ووهم فيه عيسى ) . انتهى .
ونحا ابنُ القطان نحوًا آخر ، فقال يردُّ على الدارقطني - كما في ( نصب الراية ) (4/ 173) - : ( وقد مالا بهذا القول على عيسى بن يونس ، فإنه ثقةٌ ، ولا يبعد أن يكون جمع بين الروايتين ، أعني : عن أنسٍ ، وعن سمرة ، ثم ذكر رواية قاسم بن أصبغ السالفة الذكر ، وقال : وعيسى بن ويونس ثقةٌ ، فوجب تصحيح ذلك منه ) . اهـ .
قُلْتُ : ولكن أنكر الإمام أحمد هذا الجمع .
ففي ( مسائل أبي داود ) (ص300) : ( سمعت أحمد قال : عند عيسى حديث أنس ، يعني عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة ؟ قال أحمد : ليس بشيء ، قلت لأحمد : كلاهما عنده ، أعني عند عيسى بن يونس ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة ؟ فلم يعبأ إلى جمعه الحديثين ، وأنكر حديث أنس ) . اهـ .
قُلْتُ : ومع ما مر ذكره ، فقد اختلف في إسناده .(1/337)
فأخرجه ابنُ أبي حاتم (1/ 479 - 480) ، عن عيسى ، عن شعبة ، عن يونس ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعًا ، قال أبو زرعة : ( ورواه يزيد بن زريع وعباد بن العوام وجماعةٌ عن يونس ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ( سمرة ) ، وصوَّب أبو زرعة رواية قتادة عن الحسن ، عن سمرة ) . انتهى .
وخلاصة البحث ؛ أن الحديث عن سمرة ثابت ، وهو غيرُ محفوظٍ عن أنس . والله أعلم .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
(إن امراة حجت مع صبي لها ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم : ألهذا حجٌ ؟ قال : ( نعم ، ولك أجر ) ؟
والجواب : أن هذا حديث صحيحٌ :
أخرجه مالك في ( الموطأ ) (1 / 244 / 422) ، ومسلم ( 1336) ، وأبو داود ( 1736) ، والنسائي (5/ 120 ، 121) والشافعي في ( مسنده) (1 / 282 ، 283) ، وأحمد (1 / 219 ، 243 ، 244 ، 288 ، 344) ، والحميدي في ( مسنده ) (504) ، وابن خزيمة (ج4 / رقم 3049) ، وابن حبان (144 ، 3797 ، 3798) ، والطحاوي في ( شرح المعاني ) (2/ 256) ، وابنُ الجارود في ( المنتقى ) (411) ، وابنُ نجيد في ( أحاديثه ) (ق5/1) ، وأبو محمد الجوهري في ( أحاديث أبي الفضل الزهري ) (ق116 ، 2) ، وأبو عمرو السمرقندي في ( الفوائد المنتقاة ) (رقم 16 - بتحقيقي ) ، والطبراني في ( الكبير ) (ج11 / رقم 12176 ، 12177 ، 12182 ، 12183 ) ، والبيهقي ( 5 / 155) ، وأبو عثمان البحري في ( الفوائد ) (ق2/2) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (7/ 22 ، 23) ، من طرق عن كريب ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء - هو مكان على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة - فقال : ( من القومُ ؟ ) قالوا : المسلمون ، فقالوا : من أنت ؟ قال : ( رسول الله ) ، فرفعت إليه امرأة صبيًّا ، فقالت : ألهذا حجٌّ ؟ قال : ( نعم ، ولك أجرٌ ) .
وهذا سياق مسلم ، وهو عند بعضهم مختصرٌ ، والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---(1/338)
** يسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
( إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا عاملها ، وإذا ظهرت ولم يغيرها الناس نزل عليهم العقاب ) ؟ فإني لم أجد هذا اللفظ ، وأصل الحديث أعله الدارقطني بالوقف ، كما نقل عنه الحافظ ابن كثير ، فهل هذا صحيحٌ ؟ وما الراجح عندكم الرفعُ أم الوقف ؟
· والجواب : بحول الملك الوهاب :
أن هذا اللفظ الذي سأل عنه القارئ وقفت عليه في ( معجم ابن المقري ) ( ج5 / ق 101 / 2) ، فرواه عصام بن رواد بن الجراح ، ثنا أبي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن ابن أبي زهير الثقفي ، عن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، قال : قلتُ للنبي صلى الله عليه وسلم : قولُ الله عز وجل : ( لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) [ المائدة : 105] ؟ قال : (ليس هو هكذا يا أبا بكر ، إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا عاملها ، وإذا ظهرت فلم يغيرها العامةُ ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) .
وهذا سندٌ ضعيفٌ ، وعصام بن رواد قال الذهبي في ( الميزان ) : ( ليَّنه الحاكمُ أبو أحمد ) ، وأبوه : رواد بن الجراح اختلف فيه النقاد ، والراجح ضعفه ، وفي سفيان خاصة ضعيفٌ جدًّا ، وقد خولف في إسناده ، خالفه جمع من الثقات ، فرووه عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال : قام أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس ، إنكم تقرءون هذه الآية : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) [ المائدة : 105] ، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه ، أوشك أن يعمهم الله بعقابه ) .(1/339)
رواه عن إسماعيل هكذا جمعٌ ، هاك أسماؤهم مع تخريج رواياتهم ، منهم : عبد الله بن نمير ، أخرجه أحمد ( رقم 1) ، وابن ماجه ( 4005) ، والضياء في ( المختارة ) (54) ، ومروان بن معاوية الفزاري ، أخرجه الحميدي (3) ، والطحاوي في ( المشكل) ( 2/ 63) ، والضياء ، وجرير بن عبد الحميد ، أخرجه ابنُ حبان ( 304) ، وأبو يعلى ( 1/ 21) ، والطحاوي ( 2/ 64) ، والضياء ( 57) ، وخالد بن عبد الله ؛ أخرجه أبو داود ( 4338) ، وعمر بن علي ؛ أخرجه الضياء ؛ أخرجه أبو داود ( 4338) ، وأبو محمد الخلدي في ( الفوائد ) ( ق113/ 2) ، وابن هارون ؛ أخرجه الترمذي ( 2168، 3057) ، وأحمد ( 30) ، وعبد بن حميد في ( المنتخب ) ، وأحمد بن منيع في ( مسنده ) ، وعنه الضياء ( 61) ، والحارث بن أبي أسامة في ( المسند ) ( 8 / 1) ، والمروزي في ( مسند أبي بكر ) ( 87) ، والبزار في ( المسند ) ( 68) ، والطحاوي ، والطبراني في ( مكارم الأخلاق ) ( 79) ، وأبو نعيم في ( معرفة الصحابة ) ( 123) ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ؛ أخرجه ابنُ ماجه ( 4005) ، وأحمد (29) ، وابن أبي شيبة ( 15 / 174) ، والمروزي في ( مسند أبي بكر ) (88) ، وشعبة بن الحجاج ؛ أخرجه ابن حبان ( 305) ، وأحمد ( 53) ، وأبو يعلى ( 128) ، والبزار (66) ، والمروزي ( 89) ، والطحاوي (2/ 63) ، وأبو محمد الخلدي في ( الفوائد ) ( ق113 / 1، 2) ، وأبو نعيم في ( المعرفة ) (124) ، والخطيب في ( الفصل للمدرج في النقل ) ( 1/ 140 ، 141) ، والضياء في ( المختارة ) (58) ، وزهير بن معاوية ؛ أخرجه أحمد (16) ، والطحاوي ( 2/ 63) ، وابن المبارك ؛ أخرجه النسائي في ( الكبرى ) - كما في ( أطراف المزي ) (5 / 303) - والمعتمر بن سليمان ؛ أخرجه الطحاوي ( 2/ 64) ، وعبيد الله بن عمرو ؛ أخرجه أبو يعلى ( 1/ 21) ، ومالك بن مغول ؛ أخرجه الخطيب في ( الفصل ) ( 1/ 144) ، ووكيع بن الجراح ؛ أخرجه الطبري في ( تفسيره ) - ( 7 / 98)(1/340)
، وذكر الدارقطني في ( العلل ) ( 1/ 250 ، 251) ، وآخرين منهم : يحيى بن سعيد الأموي ، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، ومرجى بن رجاء ، وعبد الرحيم بن سليمان ، والوليد بن القاسم ، وعلي بن عاصم ، ويونس بن أبي إسحاق ، وعبد العزيز بن مسلم القسملي ، وهياج بن بسطام ، ومعلى بن هلال ، وأبو حمزة السكري ، كل هؤلاء رووه عن إسماعيل بن أبي خالد بسنده مرفوعًا ، وخالفهم يحيى بن سعيد القطان وابنُ عيينة وإسماعيل بن مجالد ، وعبيد الله بن موسى ، فرووه عن إسماعيل ، عن قيس ، عن أبي بكر موقوفًا عليه ، ذكر الدارقطني وقال : جميع رواة هذا الحديث ثقات ، ويشبه أن يكون قيس بن أبي حازم كان ينشط في الرواية مرة فيسنده ، ومرة يجبن عنه فيقفُه على أبي بكر . اهـ .
ونقل ابن أبي حاتم في ( العلل ) ( 1788) عن أبي زرعة قال : وأحسبُ إسماعيل بن أبي خالد كان يرفعه مرة ويوقفه مرة .
وهذا الحكم من أبي زرعة والدارقطني يقتضي صحة المرفوع والموقوف جميعًا ، وجانب الرفع أقوى وأولى ، وأما ما نقله القارئ عن الحافظ ابن كثير أنه قال في ( تفسيره ) : إن الدارقطني رحج وقفه ، فالذي في ( طبعة الشعب ) من ( التفسير ) (3/ 208) : ( وقد رجح رفعه الدارقطني ) ، فلعل القارئ التبس عليه أو وقع التصحيف في نسخته ، ثم وقفت على الحديث في ( الصحيحة ) ( 1564) لشيخنا أبي عبد الرحمن الألباني ، حفظه الله ، فرأيته نقل من نسخته من ( تفسير ابن كثير ) أن الدارقطني رجح وقفه ، فهذا يدلُّ على وقوع التصحيف في نسخة القارئ أيضًا ، وقد رد شيخنا على ابن كثير في هذا ، والردُّ لا يردُ عليه للتصحيف المذكور ، وعذر شيخنا ظاهر ، والله الموفق .
وخلاصة البحث : أن اللفظ الذي ذكره السائل لا يصح ، وإنما يصح اللفظ الآخر ، والذي اتفق على روايته الجماعة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، والحمد لله .
---
** ويسأل القارئ عن صحة هذا الحديث :(1/341)
( إذا توضأت فقل : بسم الله ، والحمد لله ، فإن حفظتك لا تستريح ، تكتب لك الحسنات ، حتى تحدث من ذلك الوضوء ) .
· والجواب : أنه حديث منكرٌ .
أخرجه الطبراني في ( الصغير ) ( 1/ 73) من طريق عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا إبراهيم بن محمد البصري ، عن علي بن ثابت ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( يا أبا هريرة ، إذا توضأت … ) الحديث .
قال الطبراني : لم يروه عن علي بن ثابت أخو عزرة بن ثابت ، إلا إبراهيم بن محمد البصري ، تفرَّد به : عمرو بن أبي سلمة .
قال الهيثمي في ( المجمع ) ( 1/ 620) : ( إسنادُهُ حسنٌ ) .
وكذلك قال البدر العيني في ( شرح الهداية ) - كما في ( رد المحتار ) ( 1/ 113) .
· قلتُ : وهو عجبٌ !! وإبراهيم بن محمد هذا هو المترجم في ( لسان الميزان ) ( 1/ 98) ، وثقه ابنُ حبان ، وقال ابن عدي في ( الكامل ) (1/ 260 ، 261) : ( روى عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره مناكير ) ، ثم قال : ( وأحاديثه صالحةٌ محتملة ، ولعله قد أُتي ممن قد رواه عنه ) . اهـ .
وهذا الترجي من ابن عدي ، رحمه الله ، فيه نظر ، فإنه ساق له أحاديث الراوي عنه فيها هو أبو مصعب الزهري ، وعمرو بن أبي سلمة ، وكلاهما ثقة ، فلا تكون المناكيرُ إلا من إبراهيم .
وقد أشار الحافظ في ( اللسان) في ترجمة إبراهيم إلى هذا الحديث ، ثم قال : ( وهو منكرٌ ) ، وقال الحافظ أيضًا في ( نتائج الأفكار) ( 1/ 228) : وعلي بن ثابت مجهول ، والراوي عنه ضعيفٌ .
وقد أورد هذا الحدث ابنُ الجوزي في ( الموضوعات ) (3/ 185 ، 186) من طريق عمرو بن أبي سلمة به مع طريق أخرى ، ثم قال : ( هذا حديث ليس له أصلٌ ، وفي إسناده جماعةٌ مجاهيل لا يعرفون أصلاً ) . والله أعلم .
---
** ويسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث : ( إن بين أيديكم عقبة كئودًا ، لا يجوزها إلا كلُّ ضامر مهزول ) .
والجواب : أنه حديث منكر .(1/342)
أخرجه أبو نعيم في ( الحلية ) ( 5/ 299 - 301) ، ومن طريقه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) ( ح19/ ق 24 - 26) من طريق هشام بن عمار ، ثنا بقية بن الوليد ، عن رجل ، عن أبي حازم الخناصري الأسدي ، وساق حكاية طويلة في ثلاث صفحات فيها غرائب وتخللها أن أبا حازم هذا قال : سمعت أبا هريرة يقول : ….، فذكره مرفوعًا .
وهذا سنده واهٍ ، وهشام بن عمار ساء حفظه ، وبقية بن الوليد مدلس ، ولم يصرح بتحديث ، وشيخه مبهم ، وأبو حازم هذا لا أعرفه بجرح ولا تعديل .
ثم أخرجه أبو نعيم ( 5 / 301 ، 302) من طريق إبراهيم بن هراسة ، عن سفيان الثوري ، عن أبي الزناد ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، فذكر نحوه مختصرًا ، ومن طريق أبي نعيم أخرجه ابن عساكر ( ج19 / ق27) .
وسنده ساقطٌ أيضًا .
وإبراهيم بن هراسة تركه النسائي ، وقال البخاري : تركوه ، تكلم فيه أبو عبيد وغيره ، وتركه أيضًا أبو حاتم الرازي ، ونقل أبو العرب في ( الضفعاء عن العجلي أنه قال : ( متروك كذاب ) ، ورماه أبو داود بالكذب .
ولكن أخرجه ابن عساكر أيضًا من طريق أحمد بن المغلس الحماني ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن ابن المبارك ، عن الثوري به ، وسنده ساقط أيضًا ، وابن المغلس كذبوه ، فالحديث لا يصحُّ بهذا اللفظ .
ولكن يغني عنه ما أخرجه البزار ( 3696 - كشف الأستار ) ، والحاكم في ( المستدرك ) (4/ 573 ، 574) من طريق أبي معاوية الضرير محمد بن حازم ، عن موسى بن مسلم الصغير ، عن هلال بن يساف ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء مرفوعًا : ( إن بين أيديكم عقبة كئودًا ، ينجو فيها كلُّ مُخِفَ ) .
لفظ البزار .
وأخرجه البيهقي في ( الشعب ) ( 7 / 309) ، وأبو نعيم في ( الحلية) ( 1/ 226) من طريق عبد الحميد بن صالح ، ثنا أبو معاوية بسنده سواء نحوه ، وعندهما والحاكم : ( فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة ) .(1/343)
قال البزار : ( لا نعلم رواه إلاَّ أبو الدرداء ، ولا حدث به إلا أبو معاوية عن موسى ، وموسى ثقةٌ حدَّث عنه الناس ، وهلال مشهور ، والإسناد صحيح ) .
وقال الحاكم : ( هذا حديث صحيحٌ الإسناد ) ، ووافقه الذهبي .
وكذلك صحَّح إسناده المنذري في ( الترغيب ) ( 4/ 131) بعد أن عزاه للطبراني في ( الكبير ) ، وحسن إسناد البزار ، ولعل إسنادهما واحدٌ من عند أبي معاوية ، والله أعلم ، ثم رأيته في ( كتاب الزهد ) ( ص138) للإمام أحمد رواه من طريق الأعمش عمن أخبره عن أم الدرداء أنها اشتكت إلى أبي الدرداء فناء الدقيق ، فقال : إن أمامنا عقبة كئودًا المُخفُّ فيها خيرٌ من المثقل ، وسنده ضعيف ؛ لجهالة شيخ الأعمش . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
---
يسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
( خير شبابكم من تشبه بكهولكم ، وشرُّ كهولكم من تشبه بشبابكم ) ؟
فالجواب : أنه حديث ضعيف جدًّا ، وقد ورد من حديث أنسٍ ، وابن عباسٍ ، وعمر بن الخطاب ، وواثلة بن الأسقع ، رضي الله عنهم .
أولاً : حديث أنس ، رضي الله عنه ، أخرجه البزار (3219 - كشف ) ، والطبراني في ( الأوسط ) (5904) ، وابن عدي في ( الكامل ) ( 2 / 721) ، والبيهقيُّ في ( الشعب ) ( 6/ 168 - بيروت ) ، وأبو نعيم في ( أخبار أصبهان ) (2/ 37) ، والقضاعي في ( مسند الشهاب ) (1255) من طرق عن مسلم بن إبراهيم ، نا الحسن بن أبي جعفر ، عن ثابت البناني ، عن أنس مرفوعًا به ، قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن ثابت ، إلا الحسن بن أبي جعفر ، تفرَّد به : مسلم بن إبراهيم ) ، وقال ابن عدي : ( هذا حديث غريبٌ يرويه الحسن بن أبي جعفر ) .
قلْتُ : وهو منكرٌ عن ثابت ، والحسن ضعفه ابن المديني وأحمد والنسائي ، وقال البخاري : منكر الحديث .(1/344)
وهذا منه جرحٌ شديد يساوي الترك عند غيره ، ويبدو أنه كان شديد الغفلة حتى وقعت منه المناكير الكثيرة ، أما قول مسلم بن إبراهيم : إنه كان من خيار الناس ، فهذا لا تعلق له بصحة الحديث ، وإنما وصف دينه ، وقد صرَّح ابنُ حبان بذلك في ( المجروحين ) (1/ 236) ، فقال : ( كان من خيار عباد الله من المتقشفة الخُشن ، ضعفه يحيى ، وتركه أحمد بن حنبل ، وكان الحسن بن أبي جعفر من المتعبدين المجابين الدعوة في الأوقات ، ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث وحفظه ، واشتغل بالعبادة عنها ، فإذا حدث وهم فيما يروي ، ويقلبُ الأسانيد ، وهو لا يعلم حتى صار ممن لا يحتجُّ به ، وإن كان فاضلاً ) اهـ .
فإذا رأينا مثل هذا النمط ممن ساء حفظهم تفردوا عن مشايخ ثقات مشهورين بأحاديث دون سائر أصحابهم الثقات ، علمنا أن هذا مما أخطأوا فيه ، والله أعلم .
ثانيًا : حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما : أخرجه البيهقي في ( الشعب ) (6/ 168) من طريق إبراهيم بن سليمان الزيات ، نا بحر بن كنيز ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن ابن عباسٍ قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال ، والمذكرات من النساء ، قال : ( أخرجوهم من البيوت ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن خير شبابكم من تشبه بشيوخكم ، وشرَّ شيوخكم من تشبه بشبابكم ، وشر نسائكم من تشبه برجالكم ، وشر رجالكم من تشبه بنسائكم ) .
قال البيهقي : ( تفرد به بحر بن كنيز السقاء ، عن يحيى بهذه الزيادات ) .
قُلْتُ : وبحرٌ هذا شبه المتروك ، قال ابن معين : ( ليس بشيء ، لا يكتب حديثه ، كل الناس أحب إليَّ منه ) .
وتركه النسائي والدارقطني ، وضعفه أبو حاتم ويزيد بن زريع ، وقال : ( لا شيء ، ما كتبت عنه إلا حديثًا واحدًا ، فجاءت السنور فأحدثت عليه ) !!(1/345)
ثالثًا : حديث عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : أخرجه ابنُ عدي في ( الكامل ) (1/ 254) ، ومن طريقه ابن الجوزي في ( العلل المتناهية ) (1182) من طريق إبراهيم بن حبان الأنصاري ، عن حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن عمر بن الخطاب مرفوعًا : ( خير شبابكم من تشبه بكهولكم الصالحين ، وشرُّ كهولكم من تشبه بشبابكم الفاسقين ) .
قال ابن عدي : ( وهذا الحديث مع أحاديث غيره بالأسانيد التي ذكرها إبراهيم بن حبان عامتها موضوعةٌ مناكير ، وهكذا سائر أحاديثه ) .
وقال ابن الجوزي : ( هذا حديثٌ لا يصحٌّ .
قال ابنُ عدي : إبراهيم يروي أحاديث موضوعة ) .
وسقط ذكر ( زر بن حبيش ) من ( الكامل ) وإثباته ضروري . والله أعلم .
رابعًا : حديث واثلة بن الأسقع ، رضي الله عنه : أخرجه أبو يعلى في ( مسنده ) (ج13 / رقم 7483) ، والطبراني في ( المعجم الكبير ) (ج22 / رقم 202) ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : ثنا سعيد بن أبي الربيع ، ثنا عنبسة بن سعيد ، عن حماد مولى بني أمية ، عن جناح مولى الوليد ، عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا : ( خير شبابكم من تشبه بكهولكم ، وشرُّ كهولكم من تشبه بشبابكم ) .
وأخرجه الطبرانيُّ أيضًا من طريق يزيد بن هارون وعبيد الله بن موسى قالا : ثنا عنبسة بسنده سواء .(1/346)
قال الهيثميُّ في ( المجمع ) (10 / 270) : ( فيه من لم أعرفهم ) ، كذا قال ! وكلهم معروفون ، وعنبسة بن سعيد شبه المتروك ، وشيخه حماد مولى أمية تركه الأزديُّ ، وجناح مولى الوليد وثقه ابن حبان ، ولكن تركه الأزدي أيضًا ، فالسند ضعيف جدًّا ، وتسامح الحافظ العراقي في نقده لهذا الحديث ، فقال في ( تخريج الإحياء ) (1/ 143) : ( إسنادُه ضعيفٌ ) ! وكم لهذا التسامح من مضارٌ ، لا سيما في أحاديث فضائل الأعمال ، فإن المذهب السائد عند كثير من المتأخرين هو جواز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال خلافًا للراجح عندنا ، وهو ترك العمل بالضعيف مطلقًا ، فإذا تسامح المحدث في حكمه ، فحكم على الحديث الباطل أو المنكر ، أو الواهي بالضعف فقط ، سارع إليه الواعظون والمحاضرون ، وذكروه محتجين به عملاً بالقاعدة السابقة ، ومهما تأتيهم بكل آية على وهاء الحديث فلا يقبلون ذلك منك ؛ لأن الحافظ الفلاني ضعفه فقط ، وكم وقع ناسٌ بسبب هذا في الاحتجاج بأحاديث باطلة ، أو واهية بسبب تسامح الحافظ العراقي ، رحمه الله ، في نقده لأحاديث ( إحياء علوم الدين ) ، ومن مضار هذا التسامح أيضًا أنه قد فشا عند كثيرٍ من المتأخرين أن الأحاديث الضعيفة يقوي بعضها بعضًا دون مراعاة للشروط التي وضعها العلماء للتقوية ، فإذا رأى بعض هؤلاء من تسامح في نقده ، فوصف الحديث الباطل أو المنكر بالضعف فقط ؛ ظن أنه يصلح في التقوية ، فصححوا أو حسنوا مئات الأحاديث المنكرة ، ولما كان الغالب على الذين صنفوا في مصطلح الحديث من المتأخرين أنهم ممن غلب عليهم صناعة الفقه ، واحتاجوا علم الحديث ليصححوا أدلتهم ، ولم يكن لهم ذوق المحدثين ، ولا نقد الحفاظ المبرزين ، فقد توسعوا جدًّا في تقوية الأحاديث الضعيفة ، وإن شئت فقل : المنكرة بعضها ببعض ، مما حدا ببعض المعاصرين إلى الغلو ، فقال : إن الأحاديث الضعيفة لا يقوي بعضها بعضًا أبدًا ، والحقُّ بين الإفراط والتفريط ، والحقُّ(1/347)
الذي أعتقده في هذه المسألة أن الأحاديث الضعيفة قد تتقوى ببعضها بشروط ليس ها هنا مجالُ سردها ، ولكن هذا النوع يحتاج إلى أذكياء المحدثين ، ممن طالت ممارستهم لهذا العلم ، حتى صارت لهم فيه ملكة لا تتكون إلا بالدربة والممارسة مع إدمان النظر في تصرف النقاد الحاذقين لهذا العلم .
والله يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : لما أغرق الله عز وجل فرعون قال : ( قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ) [ يونس : 90] ، قال جبريل ، عليه السلام ، للنبي صلى الله عليه وسلم : ( يا محمد ، لو رأيتني وأنا أدُسُّ في فيه من حال البحر خشية أن تدركه الرحمة ) ؟
والجواب : أنه حديثٌ صحيحٌ .
أخرجه الترمذي ( 3107) ، وأحمد (1/ 309 ، 245) ، والطيالسي ( 2693) ، وعبد بن حميد في ( المنتخب) (664) ، وابن جرير في ( تفسيره ) (11/ 112) ، وابن أبي حاتم في ( تفسيره) - كما في ( تفسير ابن كثير) ، والحاكم (4/ 249) ، والطبراني في ( الكبير ) (12 / 216) ، والخطيب في ( تاريخه ) (8 / 101 ، 102) من طرق عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس . قال الترمذي : ( حديث حسنٌ ) .
قُلْتُ : وعلي بن زيد بن جدعان ضعيفٌ ، ولكن رواية حماد بن سلمة عنه متماسكة ، وهي أمثلُ من غيرها ، كما قال أبو حاتم الرازي ، ولكن للحديث طريق آخر عن ابن عباسٍ ، أخرجه الترمذي ( 3108) ، وأحمد ( 1/ 240 ، 340) ، والنسائي في ( تفسيره ) (258) ، والطيالسي ( 2618) ، وابن حبان ( 6215) ، والحاكم (1/ 57 ، و 2 / 340 و 4 / 249) ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) (7 / 44 ، 45) من طرق عن شعبة بن الحجاج ، عن عطاء بن السائب ، عن عدي بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباسٍ مرفوعًا مثله .(1/348)
قال الترمذي : ( حديث حسنٌ صحيح غريب من هذا الوجه ) ، وسنده صحيحٌ ، وقد خولف عدي بن ثابت فيه ، خالفه عمر بن عبد الله بن يعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباسٍ فوقفه عليه .
أخرجه ابن جرير (11/ 113) ، وابن أبي حاتم كلاهما في ( التفسير ) ، وسنده ضعيف لضعف عمر ، والمرفوع أصحُّ ، والله أعلم .
---
ويسأل القارئ : عن درجة هذا الحديث :
(ما من ناشيء ينشأ في العبادة حتى يدركه الموت ، إلا أعطاهُ الله أجر تسعة وتسعين صديقًا ) .
والجواب : أنه حديثٌ باطلٌ :
أخرجه الطبرانيُّ في ( الكبير ) (ج8 / رقم 7590) ، وفي ( الأوسط ) (780) ، وفي ( مسند الشاميين ) (3424) ، وابنُ عبد البر في ( جامع العلوم ) (1 / 81 ، 82) من طريق يوسف بن عطية ، ثنا مرزوق أبو عبد الله الشامي ، عن مكحول ، عن أبي أمامة الباهلي مرفوعًا فذكره . واللفظ الذي ذكره القارئ هو لفظ الطبراني في ( الأوسط ) ، وفي بقية المصادر : ( أيما ناشئٍ … إلخ ) .
قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن مكحول ، إلا مرزوق أبو عبد الله ) .
قُلْتُ : كذا قال ! ولم يتفرد به مرزوق ، فتابعه عيسى بن سنان أو سنان الشامي ، فرواه عن مكحول بسنده سواء .
أخرجه الطبرانيُّ في ( الكبير ) (ج8 / رقم 7589) ، وفي ( مسند الشاميين) (3423) قال : حدثنا الحسين بن إسحاق ، ثنا يحيى الحماني ، ثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي سنان ، والحديث باطلٌ من الوجهين ، أما الوجه الأول : ففيه يوسف بن عطية ، وهو متروك ساقط ، والوجه الثاني : فيه يحيى الحماني كان يسرق الحديث ، وأبو سنان الشامي ضعيفٌ .
وقد وقع اختلاف في متن الحديث ، فعند الطبراني في ( الكبير ) : ( أجر اثنين وسبعين صديقّا ) .
وعند ابن عبد البر : ( سبعين صديقًا ) .
والحديث قال عنه الذهبي في ( الميزان ) (4 / 534) : ( منكر جدًّا ) .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ .
---
يسأل القارئ : عن درجة حديث :(1/349)
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن للصلاة أولاً وآخرًا ، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس ، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر ، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها ، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمسُ ، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس ، وإن آخر وقتها حين يغيبُ الأفق ، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيبُ الأفق ، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل ، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر ، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس ) ؟
والجواب : أن هذا الحديث ضعيفٌ بهذا السياق .
ويرويه محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة به .
أخرجه الترمذي ( 151) ، وأحمد ( 2 / 232) ، والبزار في ( مسنده ) (ج2 / ق 220 / 1) ، والطحاوي في ( شرح معاني الآثار ) (1 / 149 ، 150) ، والدارقطني ( 1 / 362) ، والعقيلي في ( الضعفاء ) (4 / 119) ، وابن أبي شيبة في ( المصنف ) (1 / 317 ، 318 ) ، والبيهقيُّ ( 1 / 375 ، 376) ، وقد أعل أهل العلم هذا الحديث .
قال الترمذي : سمعت محمدًا - يعني : البخاري - يقول : حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصحُّ من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش ، وحديث محمد بن فضيل خطأ ، أخطأ فيه محمد بن فضيل .
وقال ابنُ حاتم في ( العلل ) ( 273) : سألت عن حديثٍ رواه محمد بن فضيل .. فذكره . قال أبي : هذا خطأ ، وهم فيه ابنُ فضيل ، يرويه أصحابُ الأعمش ، عن الأعمش ، عن مجاهد قوله .
وقال ابنُ عبد البر في ( التمهيد ) (8 / 86) : هذا الحديث عند جميع أهل الحديث منكر ، وهو خطأ ، لم يروه أحدٌ عن الأعمش بهذا الإسناد إلا محمد بن فضيل ، وقد أنكروه عليه .
ثم نقل عن محمد بن وضاح قال : قال لنا محمد بن عبد الله بن نمير : هذا الحديث ؛ حديث محمد بن فضيل ؛ عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة في المواقيت خطأ ، ليس له أصلٌ .(1/350)
ونقل أيضًا عن ابن معين قال : حديثُ الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( إن للصلاة أولاً وآخرًا ) . رواه الناس كلُّهم عن الأعمش ، عن مجاهدٍ مرسلاً ، ورواه محمد بن فضيلٍ ، عن الأعمش فأخطأ فيه ، وهو حديث ضعيفُ ليس بشيء ، إنما هو عن الأعمش عن مجاهدٍ مرسل .
وقال البزار : وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة غير محمد بن فضيل ، ولم يتابع عليه ، وإنما يرويه زائدةُ بنُ قدامة عن الأعمش ، عن مجاهدٍ موقوفًا من قوله .
وقال العقيليُّ بعد رواية الحديث الموقوف ، وهذا أولى .
وقال الدراقطني : لا يصحُّ مسندًا ، وهم فيه ابن فضيل وغيره يرويه عن الأعمش ، عن مجاهد مرسلاً وهو أصحُّ .
وخالفهم في هذا الحكم بعض المتأخرين ، فقال ابنُ حزم في ( المحلى ) (3 / 168) بعد أن روى هذا الحديث : وكذلك لم يخف علينا من تعلل في حديث أبي هريرة بأن محمد بن فضيلٍ أخطأ فيه ، وإنما هو موقوفٌ على مجاهدٍ ، وهذه أيضًا دعوى كاذبةٍ بلا برهان ، وما يضرُّ إسناد من أسند إيقاف من وقف .
وأيده في هذا الحكم الشيخ العلامة المحدث أبو الأشبال أحمد شاكر ، رحمه الله ، في تعليقه على ( المحلى ) ، ثم شرحه على الترمذي ( 1 / 285 ) ، وكذلك صحَّحه شيخنا الإمام أبو عبد الرحمن ناصر الدين الألباني ، حفظه الله ، في ( الصحيحة ) (1696) ، وأحال على بحث الشيخ أبي الأشبال ، وقال : ( وأجاد ) يعني في ردِّ تعليل العلماء الحديث .
ونقل الزيلعيُّ في ( نصب الراية ) (1/ 120 ، 121) عن ابن الجوزي أنه قال في ( كتاب التحقيق ) : ( ابنُ فضيلٍ ثقةٌ ، يجوز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلاً ، ومن أبي صالح مسندًا ) .
ونقل أيضًا عن ابن القطان الفاسي قال : ( ولا يبعد أن يكون عند الأعمش طريقان : إحداهما مرسلة ، والأخرى مرفوعة ، والذي رفعه صدوقٌ من أهل العلم ، وثقه ابنُ معين ) .(1/351)
وانفصل الشيخ أبو الأشبال في ( شرح الترمذي ) في نهاية بحثه على قوله : ( والذي أختارُهُ أن الرواية المرسلة أو الموقوفة تؤيد الرواية المتصلة المرفوعة ، ولا تكون تعليلاً لها أصلاً ) . اهـ .
وهو ما ذهب إليه ابنُ حزم قبل ذلك ، فقد احتج من صحح الحديث بدليلين :
الأول : أن الوقف لا يخالفُ الرفع .
الثاني : أنه لا مانع أن يكون الحديث عند الأعمش على الوجهين .
أما بالنسبة للدليل الأول ، فالأصل أنه إذا اتحد مخرج الحديث واختلف الرواة في الرفع والوقف أن ينظر إلى حفظ الرواة وعددهم وخصوصيتهم في شيوخهم ، فيحكم للواصلين أو المرسلين بحسب ذلك ، والأصل في ذلك أن الوقف يكون علَّة للموصول والعكس .
وأما الدليل الثاني ؛ فنعم ، لكن إذا انفرد ابن فضيل عن سائر أصحاب الأعمش المختصين به ، وتكلم فيه بعض أهل العلم ، كان سببًا للتوقف في الحكم لروايته ، وابن فضيل ثقةٌ ، ولكن نقل ابن سعد أن بعضهم لا يحتج به ، ولو أردنا أن نهدر مثل هذا الجرح ونقول : لا نعرف من الذي لا يحتج به ، فإن الثقة الذي ليس عليه أدنى مغمزٍ ، يرد النقاد بعض حديثه ، مثل مالك ، وابن عيينة ، والثوري ، والزهري ، ونحوهم من الثقات .
فلا يقال : كيف تردون روايته وهو ثقةٌ ، ولا مانع للحكم للثقة إذا خالف ، إذا ظهر أنه حفظ ، وقد اتفق علماء الحديث الكبار على تعليل رواية ابن فضيلٍ ، وأظنهم أنكروا عليه في هذا الحديث : ( وقت المغرب ) .
والبحث في هذا يطول ، وليس ها هنا محلُّ تحريره والله أعلمُ .
---
وتسأل القارئة : عن درجة هذين الحديثين :
1- ( إن رجلاً زار أخًا في قرية ، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخًا لي في هذه القرية . قال : هل لك عليه من نعمة تربُّها ؟ قال : لا ، غير أني أحببته في الله ، عز وجل ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) ؟(1/352)
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات بوضوء واحد فسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : (إني فعلته عمدًا) .
والجواب بحول الملك الوهاب :
أمَّا الحديث الأول : ( إن رجلاً زار … ) فهو حديث صحيحٌ .
أخرجه مسلم (2567 / 38) ،والبخاري في ((الأدب المفرد ))(350)،وأحمد(2 / 292،408،462،508) ،والبزار في ((مسنده)) (ج2 / ق244 / 1) ،وأبو بكر الشافعي في ((الغيلانيات))(1055)،وأبو مطيع المصري في (( الأماني)) ( ق / 6 / 1 ) ، والخطيب في ( تاريخه ) ( 3 / 400 و 11 / 76 ، 12 ، 376 و 14 / 31 ، 32 ) ، والشجري في ( الأمالي ) ( 2 / 135 ) ، والبرزالي في ( مشيخة ابن جماعة ) (ص 167 و ص 386 ، 387 ) من طرق عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة مرفوعًا به .
ورواه عن حماد بن سلمة جماعة منهم : ( عبد الأعلى بن حماد ، وسليمان بن حرب ، وموسى بن إسماعيل التبوذكي ، ويزيد بن هارون ، وعبد الرحمن بن مهدي ، والحجاج بن منهال ، وعفان بن مسلم ، وعبيد الله بن أبي عائشة ) .
وأخرجه البزار أيضًا عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي حسان الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعًا . وقال : وهذا الحديث لا نعلمه رواه عن عاصم ، عن أبي حسان ، عن أبي هريرة إلا حماد بن سلمة ، ولا عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة إلا حمادٌ ، ولا يروى هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه .
أمَّا الحديث الثاني : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات .. . ) فهو حديثٌ صحيحٌ .(1/353)
أخرجه مسلمٌ ( 1 / 232 ) ، وأبو عوانة ( 1 / 237 ) ، وأبو داود ( 172) ، والنسائي ( 1 / 86) ، والترمذي ( 61) ، وابنُ ماجه (510) ، وأحمد ( 5 / 350 ، 351 ، 358 ) ، والطيالسي ( 805) ، والدارميُّ ( 1 / 134) ، وابو عبيد في ( كتاب الطهور ) (40) ، والسراج في ( مسنده ) ( 10 / 188 / 2 ) ، وابن خزيمة (12) ، وابنُ حبان ( 1706 - 1708 ) ، وآخرون من طريق سليمان بن بريدة ، عن أبيه بريدة بن الحصيب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة ، فلما كان يوم الفتح ، توضأ ومسح على خفيه ، فصلى الصلوات بوضوء واحدٍ ، فقال عمر ، رضي الله عنه : يا رسول الله ، إنك فعلت شيئًا لم تكن تفعله ، قال : ( إني عمدًا فعلته يا عمر ) .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيحٌ .
يسأل القارئ : مندور سليمان الخرصاوي - كفر الشيخ :
عن صحة الحديث الذي ينهى عن البيع والشراء في المسجد ، والدعاء على فاعل ذلك ؟
والجواب : أنه حديثٌ صحيح : أخرجه أبو داود ( 1079) ، والنسائي ( 2 / 47 ، 48 ) ، والترمذي ( 322 ) ، وابنُ ماجه (749 ) ، وأحمد ( 6676 ) ، وابنُ خزيمة ( 2 / 274 ، 275 ) ، والفاكهي في ( أخبار مكة ) (1267) ، والبيهقي ( 2 / 448) ، والبغوي في ( شرح السنة ) (2/ 272) من طرق عن محمد بن عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد ، وأن تنشد فيه ضالة ، أو يُنشد فيه شعر ، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة ، قال الترمذي : ( حديثٌ حسنٌ غريبٌ ) ، ولم يقع بعض الفقرات منه عند بعض من أخرجه ، لكنهم اتفقوا على تخريج القدر الذي سأل عنه السائل .
أما الدعاء على من أنشد الضالة في المسجد فوقع في حديث أبي هريرة مرفوعًا : ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد ، فقالوا : لا أربح الله تجارتك ، وإذا رأيتم من ينشد فيه الضالة ، فقالوا : لا ردها الله عليك ) .(1/354)
أخرجه النسائي في ( اليوم والليلة ) (176) ، والترمذي (1321) ، والدارمي ( 1 / 266) ، وابنُ خزيمة (2 / 274) ، وابنُ حبان ( 313) ، وابن الجارود في ( المنتقى ) (562) ، وابنُ السني في ( اليوم والليلة ) (154) ، والحاكم ( 2 / 56) ، والبيهقي (2 / 447) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، قال : أخبرني يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن أبي هريرة .
قال الترمذي : ( حديثٌ حسنٌ غريبٌ ) .
وقال الحاكم : ( صحيح على شرط مسلم ) . ووافقه الذهبيُّ ، وليس كما قالا ، فإن مسلمًا لم يخرج شيئًا للدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة ، ولاليزيد عن ابن ثوبان .
وكنت وافقت الحاكم والذهبي على هذا الحكم في ( غوث المكدود ) فقد رجعت عنه ، والله أسأل أن يغفر لي ما زلَّ به قلمي ، والسند جيد على كل حال ، والحمد لله رب العالمين .
---
ويسأل القارئ : عن صحة حديث :
(يا عائشة ، إذا جاء التمر فهنيئني ) ؟
والجواب : أنه حديث منكرٌ باطلٌ .
أخرجه البزار (2880) ، وابنُ حبان في ( المجروحين ) (1/ 268) ، وابنُ عدي في ( الكامل ) (2 / 779 ، 780) ، وأبو بكر الشافعي في ( الغيلانيات ) ( ج9 / ق 258 / 1) ، والخطيب في ( تاريخه ) ( 5 / 107) ، وابنُ الجوزي في ( الموضوعات ) (3 / 27) من طريق محمد بن موسى الحرشي ، ثنا حسان بن سياه ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعًا به .
قال البزار : ( لا نعلم رواه إلا حسان ، وقد روى حسان بن سياه عن ثابت ، عن أنسٍ غير حديث لم يتابع عليه ) .
وقال ابنُ عدي : ( وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن ثابت غير حسان ) .
ونقل ابن الجوزي عن الدارقطني قال : ( تفرَّد به حسان عن ثابت ) .
قُلْتُ : وهو متروك ، وقد ختم ابنُ عدي ترجمته بقوله : ( وحسان بن سياه له أحاديث غير ما ذكرتُ ، وعامتها لا يتابعه غيره عليه ، والضعف يتبين على رواياته وحديثه ) .(1/355)
وقال ابن حبان : ( منكر الحديث جدًّا ، يأتي عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد لما ظهر من خطئه في روايته على ظهور الصلاح منه ) . والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ
انتهى
أسئلة عام 1421
يسأل القارئ :
هل صحيحٌ ما ذكره الحافظ جلال الدين السيوطي في (( كتاب الحاوي )) أن حديث : (( أبي وأبوك في النار )) من جملة الأحاديث الضعيفة برغم أن مسلمًا رواه في (( صحيحه )) ؟ نريد جوابًا شافيًا ، وهل توافقونه في هذا التضعيف ؟
والجواب بحول الملك الوهاب : نعم !(1/356)
فقد أورد السيوطي في (( مسالك الحنفا في والدي المصطفى )) (2/432- 435) سؤالاً في مسألة إيمان والدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( فإن قلت : بقيت عقدةٌ واحدةٌ وهي ما رواه مسلمٌ عن أنسٍ أن رجلاً قال : يا رسول اللَّه ، أين أبي ؟ قال : (( في النار )) ، فلما قفَّى دعاه ، فقال : (( إن أبي وأباك في النار )) . وحديث (( مسلم )) و(( أبي داود )) عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم استأذن في الاستغفار لأمه فلم يُؤذن له . فاحلل هذه العقدة . قُلْتُ : على الرأس والعين ، والجواب : أن هذه اللفظة ، وهي قوله : (( إن أبي وأباك في النار )) لم يتفق على ذكرها الرواة ، وإنما ذكرها حماد بن سلمة عن ثابت ، عن أنسٍ ، وهي الطريق التي رواه مسلمٌ منها ، وقد خالفه معمر عن ثابت ، فلم يذكر : (( إن أبي وأباك في النار )) ، ولكن قال : (( إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار )) ، وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلى الله عليه وسلم بأمرٍ البتة ، وهو أثبت من حيث الرواية ، فإن معمرًا أثبت من حمادٍ ، فإن حمادًا تكلِّم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسَّها في كتبه ، وكان حمادٌ لا يحفظ فحدَّث بها فوهم ، ومن ثمَّ لم يخرج له البخاري شيئًا ، ولا خرَّج له مسلم في الأصول إلاَّ من حديثه عن ثابتٍ .. وأمَّا معمر فلم يتكلَّم في حفظه ، ولا استنكر شيءٌ من حديثه ، واتفق الشيخان على التخريج(1/357)
له ، فكان لفظه أثبت ... ثم ذكر السيوطي شاهدًا لحديث معمر من حديث سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه ... وقد ألَّف السيوطي في هذه المسألة مؤلفات سبعة ، وهو يكرر في كل جزءٍ ما يكون مذكورًا في جزء آخر ، وقلما يأتي بزيادةٍ نافعةٍ ، بل التكلُّفُ هو السمةُ الظاهرةُ فيها ، بحيث يقلِّبُ المرءُ كفيه عجبًا من ضياع المنهج العلمي الرصين في سائرها ، وقد وقع السيوطي في سائرها في تكلُّف مدهشٍ ، حتى وصل به الحال أن خالف قانون العلم في مسائل يطول الأمر بذكرها ، ومنها هذه المسألة التي يسأل عنها القارئ ، وسأجعل هذه المسألة آيةً يقيس عليها القارئ ما غاب عنه من جواب السيوطي رحمه اللَّه ... والجوابُ من وجوهٍ :
الأول : أن السيوطي ضعَّف حديث مسلمٍ ، وبنى تضعيفه على مقدمةٍ وهي أن معمر بن راشد خالف حماد بن سلمة في لفظه ، ومعمر بن راشد أوثق من حماد بن سلمة ، وهذه المقارنةُ حيدةٌ مكشوفة ، فإن الأمر لا يخفى على أحدٍ من المشتغلين بالحديث ، ومنهم السيوطي نفسه ، فإن أهل العلم بالحديث قالوا : أثبت الناس في ثابت البناني هو حمادُ بن سلمة ، ومهما خالفه من أحدٍ فالقولُ قولُ حمادٍ . فقال أبو حاتم الرازي - كما في (( العلل )) (2185) -: ( حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابتٍ وفي علي بن زيد ) . وقال أحمد بن حنبل : ( حماد بن سلمة أثبت في ثابتٍ من معمر ) . وقال يحيى بن معينٍ : ( من خالف حماد بن سلمة فالقول قول حمادٍ . قيل : فسليمانُ بن المغيرة عن ثابت ؟ قال : سليمانُ ثبتٌ ، وحماد أعلم الناس بثابت ) .(1/358)
وقال ابنُ معينٍ مرة : ( أثبت الناس في ثابت : حماد بن سلمة ) . وقال العقيلي في (( الضعفاء )) (2/291) : ( أصح الناس حديثًا عن ثابت : حماد بن سلمة ) ، وقد أكثر مسلمٌ من التخريج لحماد بن سلمة عن ثابت في الأصول ، أما معمر بن راشد فإنه وإن كان ثقةً في نفسه إلاَّ أن أهل العلم بالحديث كانوا يضعفون روايته عن ثابت البناني ولم يخرج له مسلمٌ شيئًا في (( صحيحه )) عن ثابت إلا حديثًا واحدًا في المتابعات ، ومقرونًا بعاصم الأحول ، وهذا يدلك على مدى ضعف رواية معمر عن ثابت . ولذلك قال ابنُ معين : ( معمر عن ثابت : ضعيفٌ ) . وقال مرَّةً : ( وحديث معمر عن ثابت ، وعاصم بن أبي النجود ، وهشام بن عروة وهذا الضرب مضطربٌ كثيرُ الأوهام ) . وقال العقلي في (( الضعفاء )) (2/291) : ( أنكرُ الناس حديثًا عن ثابت : معمر بن راشد ) .
وبعد هذا البيان فما هي قيمة المفاضلة التي عقدها السيوطي بين الرجلين ، فالصوابُ : رواية حماد بن سلمة ، ورواية معمر بن راشد منكرة .(1/359)
الثاني : قولُ السيوطي : إن ربيب حماد بن سلمة دسَّ في كتبه أحاديث مناكير وانطلى أمرها على حمادٍ لسوء حفظه . وهذه تهمة فاجرةٌ ، كما قال الشيخ المعلمي رحمه اللَّه في (( التنكيل )) (1/243) ، ومستند كل من تكلَّم بهذه التهمة ما ذكره الذهبي في (( ميزان الاعتدال )) (1/593) من طريق الدولابي قال : حدثنا محمد بن شجاع بن الثلجي ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث - يعني أحاديث الصفات - حتى خرج مرة إلى عبادان ، فجاء وهو يرويها ، فلا أحسب إلا شيطانًا خرج إليه من البحر فألقاها إليه . قال ابن الثلجي : فسمعتُ عباد بن صهيب يقول : إن حمادًا كان لا يحفظ ، وكانوا يقولون إنها دُسَّت في كتبه . وقد قيل : إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه ، وعلَّق الذهبي على هذه الحكاية بقوله : ( ابن الثلجي ليس بمصدق على حمادٍ وأمثاله ، وقد اتُهم . نسأل اللَّه السلامة ) . انتهى .(1/360)
وابن الثلجي هذا كان جهميًا عدوًا للسنة ، وقد اتهمه ابنُ عدي بوضع الأحاديث وينسبها لأهل الحديث يثلبهم بذلك ، فالحكاية كلُّها كذب ، فكيف يُثلب حماد بن سلمة بمثل هذا ، ولو جاز لنا أن نرد على السيوطي بمثل صنيعه لذكرنا ما روى عن أبي حامد بن الشرقي - كما في (( تاريخ بغداد )) (4/42) - أنه سئل عن حديث أبي الأزهر ، عن عبد الرزاق ، عن معمر في فضائل علي بن أبي طالب ، فقال أبو حامد : هذا حديثٌ باطل ، والسببُ فيه أن معمرًا كان له ابنُ أخٍ رافضيٌّ ، وكان معمر يمكنه من كتبه ، فأدخل عليه هذا الحديث ، وكان معمر رجلاً مهيبًا لا يقدرُ أحدٌ عليه في السؤال والمراجعة ، فسمعه عبد الرزاق في كتاب ابن أخى معمر ) . فعلَّق الذهبي في (( السير )) (9/576) قائلاً : ( هذه حكاية منقطعةٌ ، وما كان معمرُ شيخًا مغفلاً يروج عليه هذا ، كان حافظًا بصيرًا بحديث الزهري ) . ولكننا لا نستجيز أن نطعن على الثقات بمثل هذه الحكاية .
الوجه الثالث : قولُهُ : ( ولم يخرج له البخاري شيئًا ) ، وقد تقرر عند أهل العلم أن ترك البخاري التخريج لراوٍ لا يعني أنه ضعيفٌ ، وقد عاب ابنُ حبان على البخاري أنه ترك حماد بن سلمة وخرَّج لمن هو أدنى منه حفظًا وفضلاً ، فقال : ( ولم ينصف من جانب حديث حماد بن سلمة ، واحتج بأبي بكر بن عياش ، وبابن أخى الزهري ، وبعبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار ، فإن كان تركُه إياه لما كان يخطئُ ، فغيرُهُ من أقرانه مثل الثوري وشعبة وذويهما كانوا يخطئون ، فإن زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه ، فقد كان ذلك في أبي بكر بن عياش موجودًا ، وأنَّى يبلغُ أبو بكر حماد بن سلمة في إتقانه ، أم في جمعه ؟ أم في عمله ؟ أم في ضبطه ) . انتهى .(1/361)
الوجه الرابع : في ذكر الشاهد الذي احتج به السيوطي لتقوية لفظ معمر بن راشد ، فهذا الحديث أخرجه البزار (27- مسند سعد ) ، وابن السني في (( اليوم والليلة )) (600) ، والطبراني في (( الكبير )) ( ج1/ رقم 326) ، والبيهقي في (( الدلائل )) (1/191، 192) ، وأبو نعيم في (( المعرفة )) ( ج1/ رقم 540 ) ، والضياء المقدسي في (( المختارة )) (1/333) - كما في (( الصحيحة )) (18) - من طريق زيد بن أخزم ، ثنا يزيد بن هارون ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد عن أبيه أن أعرابيًّا قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : أين أبي ؟ قال : (( في النار )) . قال : فأين أبوك ؟ قال : (( حيثما مررت بقبر كافرٍ فبشره بالنار )) . قال السيوطي : ( وهذا إسنادٌ على شرط الشيخين ) ، وليس كما قال لما يأتي .
وذكر ابنُ كثير هذا الحديث في (( البداية والنهاية )) (2/280) ، وقال : ( غريبٌ ) . وقد خولف زيد بن أخزم في إسناده . فخالفه محمد بن إسماعيل بن البختري الواسطيُّ ، فرواه عن يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد ، عن سالم ، عن أبيه . فذكره . أخرجه ابن ماجه (1573) . قال البوصيري في (( الزوائد )) (1/515) : ( هذا إسنادٌ صحيحٌ رجالُهُ ثقات . ومحمد بن إسماعيل وثقه ابنُ حبان والدارقطني والذهبيُّ ، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين ) .
قُلْتُ : ولا شك في تقديم رواية زيد بن أخزم لأمرين :
الأول : أنه أثبت من محمد بن إسماعيل بن البختري .(1/362)
الثاني : أنه توبع عليه كما في رواية البزار ، والذي تابعه هو محمد بن عثمان بن مخلد ، وقد سُئل عنه أبو حاتم - كما في (( الجرح والتعديل )) (4/1/25) - فقال : ( شيخ ) ، وقال ابنُ أبي حاتم : ( صدوق ) ، ووثقه ابنُ حبان (9/120) ، وقد ذكر البزار أن يزيد بن هارون تفرّد به ، وليس كما قال ، فقد تابعه محمد بن أبي نعيم الواسطي قال : ثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه أخرجه الطبراني في (( الكبير )) (326) قال : حدثنا عليُّ بن عبد العزيز ، نا محمد بن أبي نعيم . وهذه متابعةٌ جيدة ، وابن أبي نعيم وثقه أبو حاتم وابن حبان ، وكذا صدَّقه أحمد بن سنان القطان . وكذبه ابنُ معينٍ وأبعد في ذلك . وقد أعلَّ أبو حاتم هذا الحديث بقوله : ( كذا رواه يزيد وابن أبي نعيم ، ولا أعلمُ أحدًا يجاوز به الزهري غيرهما ، إنما يرونه عن الزهري ، قال : جاء أعرابيٌّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... والمرسل أشبه ) . ذكره ولده في (( العلل )) (ج2/ رقم 2263) .
قُلْتُ : وقولُ أبي حاتم متعقَّبٌ أيضًا بأنه قد رواه اثنان آخران متصلاً وهما : الوليد بن عطاء بن الأغر ، عن إبراهيم بن سعد به . ذكره الدارقطنيُّ في (( العلل )) (4/334) . والوليد صدوق .(1/363)
والثاني : الفضل بن دكين عن إبراهيم بن سعد . أخرجه البيهقيُّ في (( الدلائل )) (1/191) ، وسنده صحيحٌ . وقد رجح الضياء المقدسي الرواية المتصلة . بينما رجح أبو حاتم الرواية المرسلة ، وقول أبي حاتم هو الصواب ، وهذه الرواية المرسلة أخرجها عبد الرزاق في (( المصنف )) (ج10/ رقم 19687) عن معمر بن راشد ، عن الزهري قال : جاء أعرابي ... وساق الحديث . فهكذا اختلف إبراهيمُ بن سعد ومعمر بن راشد ، ولا شك عندنا في تقديم رواية معمر المرسلة ؛ لأن معمرًا ثبتًا في الزهري ، وأما إبراهيم بن سعد فقال قال صالح بن محمد الحافظ : ( سماعه من الزهري ليس بذاك ؛ لأنه كان صغيرًا حين سمع من الزهري ) . وقال ابن معين وسئل : إبراهيم بن سعد أحب إليك في الزهري أو ليث بن سعد ؟ قال : كلاهما ثقتان . فإذا تدبرت قول يعقوب بن شيبة في الليث : ( ثقة وهو دونهم في الزهري - يعني : دون مالك ومعمر وابن عيينة - وفي حديثه عن الزهري بعض الاضطراب ) . عملت أن قول ابن معين لا يفيد أنه ثبت في الزهري مثل معمر .
فالذي يتحرر من هذا البحث أن الرواية المرسلة هي المحفوظة ، وهي التي رجحها أبو حاتم الرازي والدارقطني ، فلا معنى للقول أنه على شرط الشيخين بعد ثبوت هذه المخالفة .
وبعد ؛ فهذا مثالٌ واحدٌ بيِّن لك كيف عالج السيوطي المسألة ، وما تركتُه أعجب وأعجب ، وهكذا عارض السيوطي هذه الأحاديث الصحيحة بأحاديث منكرة وباطلة ، ومن التجني أن يوصف من يتمسك بالأحاديث الصحيحة بسوء الأدب ، وواللَّه لو صحت الأحاديث في إسلام والدي النبي صلى الله عليه وسلم لكنا أسعد الناس بها ، كيف وهم أقربُ الناس لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي هو أحبُّ إليَّ من نفسي ، واللَّه على ما أقول وكيلٌ .
ولكننا لا نتبنى قولاً ليس عليه دليلٌ صحيح ، لكن كثيرًا من الناس من يتخطى المحبة الشرعية ، ويخالف الحجة ويحاربها . واللَّه المستعان لا ربَّ سواه . وهو أعلى وأعلم .(1/364)
وقد قال البيهقي في (( الدلائل )) (1/192، 193) بعد تخريجه لهذا الحديث : ( وكيف لا يكون أبواه وجدُّه بهذه الصفة في الآخرة ، وكانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا ، ولم يدينوا دين عيسى ابن مريم عليه السلام ، وأمرُهم لا يقدح في نسب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؛ لأن أنكحة الكفار صحيحة ، ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم ، فلا يلزمهم تجديد العقد ، ولا مفارقتهن ؛ إذ كان مثلُه يجوز في الإسلام . وباللَّه التوفيق ) . انتهى .
وقال النووي في (( شرح مسلم )) : (3/79) : ( فيه أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين ، وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العربُ من عبادة الأوثان فهو من أهل النار ، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم ) . انتهى .
أما حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه وهو في (( صحيح مسلم )) أيضًا ، وفيه أن اللَّه نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لأمه ، فلم يتعرض له السيوطي إلا بجوابٍ مجملٍ ، وهذا الحديث صريح في عدم إيمانها ؛ لأن اللَّه عز وجل قال : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } ، وقد نزلت هذه الآية في أبي طالبٍ ، فعقب الحافظ ابنُ كثيرٍ في (( السيرة النبوية )) (2/132- البداية ) قائلاً : ( ولولا ما نهانا اللَّه عز وجل عنه من الاستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طالب وترحمنا عليه ) . اهـ .
فقد تبين من هذا الجواب - على اختصاره - أن الحديثين صحيحان لا مطعن فيهما ، والحمد للَّه رب العالمين .
---
يسأل القارئ :
عن حديث التلقين ، وقد سمع بعض الخطباء يستحب العمل به ، وذكر أن بعض العلماء صححه ، فهل هذا صحيحٌ ؟(1/365)
ويسأل أيضًا عن صحة الحديث الوارد في عقوبة تارك الصلاة ، وأنه يعاقب بخمس عشر عقوبة ، ويا ليتكم تذكرون لنا نصَّهُ ؟
الجواب بحول الملك الوهاب : أن حديث التلقين هذا حديثٌ باطلٌ منكرٌ ، وقد أخرجه الطبرانيُّ في (( الكبير )) - كما في (( مجمع الزوائد )) (3/45) - من طريق سعيد بن عبد اللَّه الأودي قال : شهدتُ أبا أمامة وهو في النزع فقال : إذا أنا متُّ فاصنعوا بي كما أمر رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( إذا مات أحدٌ من إخوانكم فسويتم التراب على قبره ، فليقم أحدُكم على رأس قبره ، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنه يسمعه ولا يجيب ، ثم يقولُ : يا فلان بن فلانة ، فإنه يستوي قاعدًا ، ثم يقول : يا فلان بن فلانة ، فإنه يقول : أرشد يرحمك اللَّه ، ولكن لا تشعرون ، فليقل : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا : شهادة أن لا إله إلا اللَّه ، وأن محمدًا عبده ورسوله ، وأنك رضيت باللَّه ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمدٍ نبيًّا ، وبالقرآن إمامًا ، فإن منكرًا ونكيرًا ، يأخذ كلُّ واحدٍ منهما بيد صاحبه ويقول : انطلق ، ما نقعد عند من قد لُقِّن حجته ، فيكون اللَّه عز وجل حجيجُهُ دونهما )) . فقال رجلٌ : يا رسول اللَّه ، فإن لم يعرف أمَّه ؟ قال : (( ينسبُهُ إلى حواء عليها السلامُ : يا فلان ابن حواء )) . قال الهيثميُّ في (( المجمع )) : ( في إسناده جماعةٌ لم أعرفهم ) . وأخرجه الخلعيُّ في (( الفوائد )) ( ق 55/2) - كما في (( الضعيفة )) (599) - وفي إسناده عتبة بن السكن ، وقد تركه الدارقطني . وقال البيهقيُّ : ( واه منسوبٌ إلى الوضع ) هذا مع جهالة جماعة في الإسناد ، وقد تتابعت عبارات أهل العلم في تضعيفه . فقال ابنُ عدي : ( منكر ) . وقال ابنُ الصلاح - كما في (( الأذكار )) ( ص 174) للنووي : ( ليس إسنادُهُ بالقائم ) ، وضعّفه النووي في (( المجموع )) (5/304) ، وفي (( الفتاوى )) ( ص54) . وقال ابن تيمية في (( مجموع(1/366)
الفتاوى )) (24/296) : ( وهو مما لا يحكم بصحته ) . وقال ابنُ القيم في (( زاد المعاد )) (1/523) : ( لا يصح رفعه ) . وقال في (( تهذيب سنن أبي داود )) (13/293) : ( وهذا الحديث متفق على ضعفه ) . وضعّفه العراقي في (( تخريج أحاديث الإحياء )) (4/420) ، والحافظ في (( الفتح )) (10/563) ، وفي (( نتائج الأفكار )) . وقال : ( ضعيف جدًّا ) ، والزركشي في (( اللآلئ المنثورة )) ( ص59) ، والسيوطي في (( الدرر المنتثرة )) ( ص25) ، والصنعاني في (( سبل السلام )) (2/114) ، وقال : ( ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيفٌ والعمل به بدعة ، ولا يغتر بكثرة من يفعله ) . انتهى .(1/367)
وهذا هو الصواب الذي لا محيد عنه ، وإنما تمسَّك من ذهب إلى العمل به بكلام ابن الصلاح واغتر به النووي ، حيث قال الأول : ( ولكن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام به قديمًا ) ، وأضاف النووي : ( وقد اتفق علماءُ الحديث وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب ) . ونقل دعوى الاتفاق في غاية الغرابة ، إذ الخلاف في هذه المسألة مشهورٌ معروف ، ثم من هم أهل الشام الذين عناهم ابن الصلاح إلا العوام الذين لا يعرفون قبيلاً من دبير ! وإذا أردنا أن نحرر المسألة فينبغي أن نحدد معنى (( المسامحة )) ، وما هو مفهومُها ، والذي يتحصل من كلام النقاد أن المسامحة مع الراوي أن لا يكون في الدرجة العليا من الضبط والإتقان ، فنقبل أحاديث ابن إسحاق ، وابن عجلان ، وعبد اللَّه بن محمد بن عقيل ، وأضرابهم ، وحديث هؤلاء حسن عند أكثر المتأخرين ، ثم هؤلاء المتأخرون تسامحوا غاية التسامح في تطبيق قاعدة : (( يعمل بالضعيف في فضائل الأعمال )) ، فصاروا لا يفرقون بين الضعيف وشديد الضعف ؛ لأن كثيرًا منهم لم يكن عنده ذوق المحدثين ولا نقد الحفاظ المبرزين ، فاتسع الخَرْق على الراقع ، وكم من حديثٍ جزم أئمة الحديث وفرسانه ببطلانه أو حكموا بوضعه عمل به هؤلاء المتأخرون بدعوى القاعدة السابقة . ثم إنه مما يدلُّ على نكارة حديث التلقين هذا ما أخرجه البخاري (6/283 و10/563 و12/338 و13/68) ، ومسلم (12/42 و43 بشرح النووي ) ، وغيرهم من حديث ابن عمر مرفوعًا : (( إن الغادر يُرفعُ له لواءٌ يوم القيامة ، يقال : هذه غدرةُ فلان ابن فلان )) .
وقد بوَّب البخاري على هذا الحديث بقوله : (( باب ما يُدعى الناسُ بآبائهم )) . وقال ابنُ بطَّال : في هذا الحديث ردٌّ لقول من زعم أنهم لا يدعون يوم القيامة إلا بأمهاتهم سترًا على آبائهم . ويشير ابنُ بطال إلى أولاد الزنى ، إذ لا آباء لهم .
وخلاصة البحث : أن الحديث ساقطٌ كما ترى . واللَّه أعلم .(1/368)
أما الحديث الذي ورد فيه عقوبة تارك الصلاة فأخرجه ابنُ النجار - كما في (( تنزيه الشريعة )) (2/113، 114) - من حديث أبي هريرة مرفوعًا : (( من تهاون بصلاته عاقبه اللَّه بخمس عشرة خصلة : ستة منها في الدنيا ، وثلاثة منها عند الموت ، وثلاثة منها في قبره ، وثلاثةٌ منها تصيبُهُ يوم القيامة إذا خرج من قبره ، فأما التي تصيبُهُ في دار الدنيا ، فأولها : يرفع اللَّه البركة من رزقه . والثانية : ينزع اللَّه البركة من عمره . والثالثة : يرفع اللَّه سيما الصالحين من وجهه . والرابعة : لا حظَّ له في دعاء الصالحين . والخامسة : كلُّ عملٍ يعمله من أعمال البر لا يؤجرُ عليه . والسادسة : لا يرفع اللَّه دعاءهُ إلى السماء . وأما التي تصيبُهُ في قبره . فأولها : يوكل اللَّهُ به ملكًا يزعجُهُ في قبره إلى يوم القيامة . والثانية : تكونُ ظلمة في قبره فلا يضاء له أبدًا . والثالثة : يُضيق اللَّهُ عليه قبره إلى يوم القيامة . وأما التي تصيبُهُ منها إذا خرج من قبره . فأولها : يوكل اللَّه به ملكًا يسحبُهُ على حُرِّ وجهه في عرصات القيامة . والثانية : يحاسبه حسابًا طويلاً . والثالثة : لا ينظرُ اللَّه إليه ولا يزكيه وله عذابٌ أليمٌ )) ، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا @ إِلاَّ مَن تَابَ } [ مريم : 59، 60 ] ، ولم تذكر هذه الرواية الثلاث التي تصيبه عند الموت . وقد أشار الذهبي في (( الميزان )) (3/653) في ترجمة (( محمد بن علي بن العباس البغدادي العطار )) ، وقال : ( ركَّب على أبي بكر بن زياد النيسابوري حديثًا باطلاً في تارك الصلاة ) . وزاد ابن حجر في (( اللسان )) (5/295، 296) ، قال : ( زعم المذكور - يعني : محمد بن علي بن العباس - أن ابن زياد أخذه عن الربيع ، عن الشافعيّ ، عن مالكٍ ، عن سُميٍّ ، عن أبي صالحٍ ، عن(1/369)
أبي هريرة رضي اللَّه عنه رفعه : (( من تهاون بصلاته عاقبهُ اللَّه بخمس عشرة خصلة ... )) الحديث ، وهو ظاهرُ البطلان من أحاديث الطرقية ) . انتهى - يعني : من أحاديث الصوفية أصحاب الطرق الصوفية - ومثل هذا الحديث الباطل لا يحتمل أن يجيء بإسناد نظيفٍ كهذا ، فأنى يقبل من هذا التالف ؟! وهذا أحدُ علامات وضع الحديث عند العلماء أن يروى حديث منكرٌ بإسنادٍ نظيفٍ . واللَّه أعلم .
---
يسأل القارئ :
سمعتُ بعض الشيوخ يروي حكاية عن بعض العلماء - نسيت اسمه - أنه كان يروي حديث : (( من كان آخر كلامه لا إله إلا اللَّه دخل الجنة )) . فمات هذا العالِم عند ذكر لفظ الجلالة ، فهل هذا صحيحٌ ، فإني شعرت أن القصة مؤلفة ؟
والجواب بحول الملك الوهاب : أن هذه القصة صحيحة ، وقد وقعت لعالِمٍ من أكبر علماء الحديث في زمانه ، وهو عبيد اللَّه بن عبد الكريم المعروف بـ (( أبي زرعة الرازي )) ، رحمه اللَّه ورضي عنه .(1/370)
وهذه القصة أخرجها ابنُ أبي حاتم في (( مقدمة الجرح والتعديل )) ( ص345، 346) ، والخليلي في (( الإرشاد )) ( ص677، 678) ، والحاكمُ في (( علوم الحديث )) ( ص76) ، والبيهقي في (( الشعب )) ( ج6/ رقم 9237) ، وابنُ عساكر في (( تاريخ دمشق )) (10/699، 700) ، وابن البناء في (( فضل التهليل وثوابُهُ الجزيل )) (49) ، والشجري في (( الأمالي )) (1/13) من طريق محمد بن مسلم بن وارة الرازي قال : حضرتُ مع أبي حاتم الرازي محمد بن إدريس عند أبي زرعة الرازي وهو في النزع - يعني : في سياقة الموت - فقلتُ لأبي حاتم : تعال حتى نلقِّنه الشهادة . فقال أبو حاتم : إني لأستحيي من أبي زرعة أن ألقنه الشهادة ، ولكن تعال حتى نتذاكر الحديث ، فلعلَّه إذا سمعه يقول . فدخلا عليه . فقال محمد بن مسلمٍ : فبدأت فقلتُ : حدثنا أبو عاصم النبيل ، قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر .. فارتج عليَّ الحديث حتى كأني ما سمعتُهُ ولا قرأتُهُ ، فبدأ أبو حاتمٍ وقال : حدثنا محمد بن بشارٍ ، قال : حدثنا أبو عاصم النبيل ، عن عبد الحميد بن جعفر ، فارتج عليه ، حتى كأنه ما قرأه ولا سمعه . فأشار أبو زرعة إليهما أن أجلساني . فجلس فقال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم النبيل ، قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح بن أبي عريب ، عن كثير بن مُرَّة ، عن معاذ بن جبلٍ ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا اللَّه )) . وخرجت روحه مع الهاء من قبل أن يقول : (( دخل الجنة )) .
ورأيتُ الحكاية عند الخطيب في (( تاريخ بغداد )) (10/335) .
فرحمة اللَّه على أبي زرعة ، ومن في الناس كأبي زرعة ؟!
واللَّه أسأل أن يحشرنا وإياهم تحت لواء نبينا صلى الله عليه وسلم ، والحمد للَّه رب العالمين .
---
يسأل : طلبة الجامعة بمسجد شيخ الإسلام ابن تيمية بكفر الشيخ عن درجة هذه الأحاديث :(1/371)
1- (( إن من أمتي من لو جاء أحدكم يسأله دينارًا لم يعطه ، ولو سأل اللَّه الجنة لأعطاها إياه ، ذو طمرين ، لا يؤبه له ، تنبو عنه أعين الناس ، لو أقسم على اللَّه لأبرَّه )) ؟
والجواب بحول الملك الوهاب :
لا يصح الحديث بهذا السياق ، وآخرُهُ صحيحٌ ، أخرجه الطبراني في (( الأوسط )) (7548) قال : حدثنا محمد بن إبراهيم العسّال ، نا سهل بن عثمان ، نا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان مرفوعًا فذكره . قال الهيثمي في
(( مجمع الزائد )) (10/264) : (( رجاله رجال الصحيح )) . وهو يعني : صحيح مسلم ؛ لأن سهل بن عثمان من شيوخ مسلم دون البخاري . وشيخ الطبراني وثقه أبو نعيم الأصبهاني في (( أخبار أصبهان )) (2/217) ، ولكن عبارة الهيثمي لا تدلُّ على صحة الإسناد ، كما هو معروف عند أهل العلم بالحديث ؛ لأن هذا الحكم إنما يشمل شرطين فحسب من شروط الحديث(1/372)
الصحيح ؛ وهي خمسة : أولها اتصال السند ، وهذا الإسناد مع ثقة رجاله إلا أنه غير متصل ، فقد صرَّح أحمد بن حنبل وأبو حاتم الرازي أن سالم بن أبي الجعد لم يلق ثوبان . قال أحمد : (( لم يسمع ثوبان ولم يلقه )) . وقال أبو حاتم : (( لم يدرك ثوبان )) . وكلام الهيثمي مع أنه موهمٌ لغير المتخصصين ؛ إلاَّ أنه أدقُّ من كلام شيخه العراقي الذي خرَّج هذا الحديث في (( المغني عن حمل الأسفار )) فقال (3/277) : (( إسناده صحيحٌ )) . وقد بينا لك المانع من ذلك . ثم علَّةٌ أخرى مؤثرة وهي المخالفة . فقد خولف سهل بن عثمان في إسناده . خالفه الإمام أحمد بن حنبل فرواه في (( كتاب الزهد )) (ص 12) ، وكذلك هناد بن السري فرواه في (( الزهد )) أيضًا (رقم 587) قالا : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم . فذكره هكذا مرسلاً ، وعندهما : ( ولو سأله الدنيا لم يُعْطِه إياه ، وما يمنعها إياه لهوانه عليه ) . وليس عندهما ولا عند الطبراني - فيما تقدم - قوله : (( تنبو عنه أعين الناس )) . وسيأتي شاهدها ، فها هو أحمد وهناد يخالفان سهل بن عثمان فيرسلانه ، وهما أرجح منه بلا شك مع ثقة سهل بن عثمان ، وتتأيد الرواية المرسلة بأن أبا معاوية توبع على هذا الوجه المرسل . فتابعه زائدة بن قدامة وهو ثقة ثبتٌ ، فرواه عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكره . أخرجه الحارث بن أبي أسامة في (( مسنده )) (1103- زوائد ) قال : حدثنا معاوية بن عمرو ، ثنا زائدة . ومعاوية بن عمرو هو ابن المهلب من ثقات شيوخ البخاري . وقد خالفه يحيى بن يمان وهو سيئ الحفظ ، فرواه عن زائدة بن قدامة بهذا الإسناد غير أنه قال : (( قال اللَّه تبارك وتعالى : إن من أوليائي ... إلخ )) .(1/373)
أخرجه ابن أبي الدنيا في (( الأولياء )) (11) قال : حدثنا أبو هشام - هو الرافعي - ثنا يحيى بن يمان . ولعل جعل هذا الحديث من كلام اللَّه تعالى وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم من سوء حفظ يحيى بن يمان . فهذا كلُّه يدلُّ على أن الأصل في هذا الحديث الإرسال وهو المحفوظُ . أما قوله : (( تنبو عنه أعين الناس )) فله شاهدٌ من حديث أبي هريرة مرفوعًا : (( ربَّ أشعث أغبر ذي طمرين ، تنبو عنه أعين الناس ، لو أقسم على اللَّه لأبره )) . أخرجه الحاكم في (( المستدرك )) (4/328) ، والطحاويُّ في (( المشكل )) (1/292) من طريق إبراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن كثير بن زيدٍ ، عن المطلب بن عبد اللَّه ، عن أبي هريرة مرفوعًا . قال الحاكم : (( صحيح الإسناد )) كذا قال ! والإسناد منقطعٌ ، فقد قال أبو حاتم : (( لم يدرك المطلب أحدًا من الصحابة إلا سهل بن سعد )) . ورأيته في (( الحلية )) (1/7) لأبي نعيم ، رواه من طريق إبراهيم بن حمزة بهذا الإسناد ، لكنه قال : (( الوليد بن رباح )) بدل (( المطلب بن عبد اللَّه )) ، وأخشى أن يكون تصحيفًا ، وكتاب (( الحلية )) ملآن من مثله . ولعله اختلاف في الإسناد . واللَّه أعلم .
أما آخرُ الحديث فأخرجه مسلمٌ في (( كتاب الجنة )) (2854/48) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، وقد ورد أيضًا من حديث أنسٍ عند الترمذي (3854) .
2- (( إذا وضع السيف في هذه الأمة لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .(1/374)
أخرجه أبو داود (4252) ، والترمذي (2202) ، وأحمد (5/278، 284) ، والحربي في (( الغريب )) (3/956) ، والبيهقي في (( الدلائل )) (6/526) ، وأبو نعيم في (( الحلية )) (2/289) ، وفي (( الدلائل )) (464) من طرقٍ عن حماد بن زيدٍ ، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان مرفوعًا . وهذا سندٌ صحيحٌ . وجوّد ابن كثير إسناده في (( تفسيره )) ، وسبق الترمذي إلى ذلك فقال : (( هذا حديثٌ حسن صحيحٌ )) .
ولهذا الإسناد متابعاتٌ عند الحاكم (4/449) وغيره .
3- (( عجبتُ لغافل ليس يُغفل عنه ، وعجبتُ لمن يأمن الدنيا والموت يطلبه ، وعجبت لضاحكٍ ملء فيه لا يدري أرضى اللَّه أو أسخطه )) ؟
الجواب : حديث ضعيفٌ جدًّا .
أخرجه ابنُ عدي في (( الكامل )) (2/689) ، ومن طريقه البيهقي في (( الشعب )) (10588) من طريق هشام بن يونس ، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي ، عن حميد الأعرج ، عن عبد اللَّه بن الحارث عن ابن مسعودٍ ، وكان يرفعُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكره .(1/375)
وأخرجه البيهقي أيضًا (10587) من طريق عثمان بن سعيد الدارميّ ، ثنا يحيى بن يعلى بهذا الإسناد . وأخرجه القضاعيُّ في (( مسند الشهاب )) (594) من طريق وكيع بن الجراح عن حميد الأعرج به . وهذا إسنادٌ ضعيف جدًّا ؛ لوهاء حميد الأعرج قال البخاري وأبو حاتم الرازي : (( منكرُ الحديث )) . زاد أبو حاتم : (( ضعيفُ الحديث قد لزم عبد اللَّه بن الحارث عن ابن مسعود ، ولا نعلمُ لعبد اللَّه عن ابن مسعود شيئًا )) . ومعنى قول أبي حاتم : (( لزم عبد اللَّه بن الحارث عن ابن مسعود )) معناه : لزم الرواية بهذا الإسناد . وقال ابن معين : (( ليس بشيءٍ )) وضعفه أحمد . وقال الدارقطني : (( متروك ، وأحاديثه تشبه الموضوعة )) . وقال ابن حبان : (( يروي عن عبد اللَّه بن الحارث عن ابن مسعودٍ نسخة كأنها موضوعة )) . وقال ابنُ عدي : (( وهذه الأحاديث عن عبد اللَّه بن الحارث عن ابن مسعودٍ ليست بمستقيمةٍ ولا يتابع عليها )) . فالراجح أن الرجل واهٍ كما قال الذهبيُّ . أمَّا الحافظ ابن حجر فقد تساهل في الحكم عليه ، فقال في (( التقريب )) : (( ضعيفٌ )) !!
4- (( أنتم في زمانٍ من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ، وسيأتي زمانٌ من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا )) ؟
الجواب : حديثٌ ضعيفٌ .
أخرجه الترمذيُّ (2267) ، ومن طريقه الذهبي في (( تذكرة الحفاظ )) (2/418) ، والطبرانيُّ في (( الصغير )) (1156) ، وأبو نعيم في (( الحلية )) (7/316) ، وابنُ عدي في (( الكامل )) (7/2483) ، والسهميُّ في (( تاريخ جرجان )) (ص 464) ، وتمام الرازي في (( الفوائد )) (1721) من طرقٍ عن نعيمٍ بن حمادٍ ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره .(1/376)
قال الترمذيُّ : (( هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلاَّ من حديث نعيم ، عن سفيان )) . وقال الطبراني : (( لم يروه عن سفيان إلا نعيم )) . وكذلك قال ابنُ عدي وأبو نعيم . وقال الذهبي : (( هذا حديثٌ منكرٌ لا أصل له من حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا شاهد ، ولم يأت به عن سفيان سوى نعيم ، وهو مع إمامته منكرُ الحديث )) . ونقل ابنُ الجوزي في (( الواهيات )) (2/369) عن النسائي أنه قال : (( هذا حديثٌ منكرٌ ، رواه نعيم بن حماد وليس بثقةٍ )) . وقال الذهبي في (( سير أعلام النبلاء )) (10/606) : (( وتفرَّد نعيمٌ بذاك الخبر المنكر : حدثنا سفيان ... وذكر الحديث ثم قال الذهبي : فهذا ما أدري من أين أتى به نعيم ، وقد قال نعيمٌ : هذا حديثٌ ينكرونه ، وإنما كنتُ مع سفيان ، فمرَّ شيءٌ فأنكره ، ثم حدثني بهذا الحديث . قُلْتُ : هو صادقٌ في سماع لفظ الخبر من سفيان ، والظاهرُ - واللَّه أعلمُ - أن سفيان قاله من عنده بلا إسنادٍ ، وإنما الإسناد قاله لحديثٍ كان يريدُ أن يرويه ، فلما رأى المنكر تعجَّب وقال ما قال عقب ذلك الإسناد فاعتقد نعيمٌ أن ذاك الإسناد لهذا القول . واللَّه أعلمُ )) . اهـ .
وتعقب الحافظ ابنُ حجر بعض ما قاله الذهبيُّ ، فقال في (( النكت الظراف على الأطراف )) (10/173) : (( قرأت بخط الذهبي : لا أصل له ولا شاهد ، ونعيم بن حماد منكرُ الحديث مع إمامته .
قُلْتُ : بل وجدتُ له أصلاً أخرجه ابن عيينة في (( جامعه )) عن معروف الموصلي ، عن الحسن البصري به مرسلاً ، فيحتمل أن يكون نعيم دخل له حديثٌ في حديث )) . اهـ .
قُلْتُ : وقد سُئل أبو حاتم الرازي - كما في (( العلل )) (2/429) لولده - عن حديث نعيم بن حماد هذا فقال : (( هذا عندي خطأ ، رواه جرير وموسى بن أعين ، عن ليث عن معروف عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلٌ )) .(1/377)
وأخرجه أبو عمرو الدانيّ في (( الفتن )) (229) من طريق إبراهيم بن محمد ، عن ليث بن أبي سليم به مرسلاً ، وقد وجدتُ له شاهدًا من حديث أبي ذرٍّ رضي اللَّه عنه ، أخرجه أحمد (5/155) قال : حدثنا مؤملٌ ، ثنا حمادٌ ، ثنا حجاجٌ الأسود - قال مؤملٌ : وكان رجلاً صالحًا - قال : سمعت أبا الصديق يحدِّث ثابتًا البُناني ، عن رجلٍ ، عن أبي ذر مرفوعًا : (( إنكم في زمانٍ علماؤه كثيرٌ ، خطباؤه قليل ، من ترك في عُشير ما يعلم هوى - أو قال : هلك - وسيأتي على الناس زمان يقل علماؤه ، ويكثر خطباؤه ، من تمسك فيه بعشير ما يعلم نجا )) . وقد اختلف في إسناده ، فأخرجه البخاريُّ في (( التاريخ الكبير )) (1/2/374) قال : (( وقال إسحاق - هو ابن راهويه -: حدثنا المؤمل ، سمع حماد بن سلمة سمع حجاج الأسود يحدِّث ثابتًا عن أبي الصديق ، عن أبي ذرٍّ مرفوعًا نحوه .
ووجه الاختلاف أنه في رواية أحمد أن أبا الصديق هو الذي كان يحدث ثابتًا ، وفي رواية البخاري أن حجاجًا الأسود هو الذي كان يحدث ثابتًا بحضرة أبي الصديق ، ووقعت واسطة بين أبي الصديق وأبي ذر في رواية أحمد بينما خلت رواية البخاري منها .
وقد أخرجه البخاري أيضًا قال : قال إبراهيم بن موسى . وأخرجه الهروي في (( ذم الكلام )) (100) من طريق علي بن خشرم قالا : ثنا عيسى بن يونس ، سمع حجاج بن أبي زياد الأسود ، قال : حدثني أبو نضرة أو أبو الصديق - شك حجاجٌ - عن أبي ذر مرفوعًا نحوه . فهذه الرواية تؤيد - في الجملة - رواية إسحاق بن راهويه المتقدمة بإسقاط الواسطة ، ولكن وقع فيها الشك من حجاج الأسود . وهذا عندي اختلافٌ مؤثر يضعفُ به الحديث . والعلمُ عند اللَّه تعالى ، والحمد للَّه رب العالمين .
---
يسأل القارئ :
1- عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم فسَّر قوله تعالى : { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } بأنه ذهب وفضة ، وفسّر الكنز بأنه العلم ، فأي ذلك صحيح؟(1/378)
والجواب بحول الملك الوهاب: أنه حديثٌ ضعيفٌ جدًّا.
أخرجه البخاري في (( التاريخ الكبير )) (4/2/369) معلّقًا ، ووصله الترمذيُّ (3152) ، وابنُ عدي في (( الكامل )) (7/2723) ، والطبرانيُّ في (( الأوسط )) (6996) ، والحاكم (2/369) ، والمزي في (( التهذيب )) (32/286) من طرقٍ عن الوليد بن مسلم ، حدثني يزيد بن يوسف الصنعاني ، عن يزيد بن يزيد بن جابرٍ ، عن مكحولٍ ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء
مرفوعًا فذكره . وصحَّح الحاكمُ
إسناده فردَّه الذهبيُّ في (( مختصره )) قائلاً : ( بل يزيد بن يوسف متروك ، وإن كان حديثُهُ أشبه بمسمَّى الكنز ) . اهـ . وذكر ابنُ عدي هذا الحديث في ترجمة يزيد هذا وقال : ( غير محفوظ ) . وهذا الحكم هو الصواب . ويزيد بن يوسف طرحه يحيى بن معين وقال : ( لا يساوي شيئًا ، ليس بثقةٍ ) ، وتركه النسائي والدارقطني في روايةٍ ، وضعفه أبو حاتم وأبو داود وابن حبان في آخرين . والوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية ، ولم يصرح بالتحديث في جميع الإسناد .
وقد قال الطبرانيُّ عقب روايته الحديث : ( لم يرو هذا الحديث عن مكحولٍ إلا يزيد بن يزيد بن جابرٍ ، ولا رواه عن يزيد إلاَّ يزيد بن يوسف ، تفرَّد به : الوليد بن مسلم ) . أما تفسير الكنز بأنه العلم فكلام السائل يوهم أنه مرفوعٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك ، بل هو مروي عن ابن عباس من قوله .
أخرجه الحاكم (2/369) قال : أخبرنا أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الصفار ، ثنا أحمد بن مهران ، ثنا أبو نعيم ، ثنا عليُّ بن صالحٍ ، عن ميسرة بن حبيب النهدي ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما : { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } قال : ما كان ذهب ولا فضة ، كان صحفًا علمًا . قال الحاكمُ : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .(1/379)
قُلْتُ : أمَّا شيخُ الحاكم فترجمه الذهبيُّ في (( السير )) (15/437، 438) ، فقال : ( الشيخ الإمام المحدث القدوة ) . ونقل عن الحاكم قال : ( هو محدِّثُ عصره ، كان مجاب الدعوة ، لم يرفع رأسه إلى السماء كما بلغنا نيفًا وأربعين سنة ) . فظاهر من ترجمته أنه صدوقٌ متماسك . وأحمد بن مهران هو ابن خالد الأصبهاني ذكره ابنُ حبان في (( الثقات )) (8/48) ، ثم أعاد ذكره (8/52) كذا فعل ، وهما رجلٌ واحدٌ . وترجمه أبو نعيم الأصبهاني في (( أخبار أصبهان )) (1/95) ، وقال : ( كان لا يخرج من بيته إلا إلى الصلاة ) ، ولم يذكر من حاله ما يدلُّ على ضبطه وثقته . ويلوح لي أنه الذي ترجمه ابنُ أبي حاتم في (( الجرح والتعديل )) (1/1/76) ، قال : ( أحمد بن مهران بن المنذر القطان الهمداني أبو جعفر الذي سمع أبي في كتابه (( الموطأ )) عن القعنبي . روى عن عثمان بن الهيثم ، وعبد اللَّه بن رجاء ، وحسن بن موسى الأشيب والأنصاري ، وهو صدوقٌ ) . فإن يكنْهُ فالسند جيِّدٌ ؛ لأن بقية رجال الإسناد معروفون . وأبو نعيم هو الفضل بن دكين أحد الأئمة الأثبات . وعلي بن صالح أخو الحسن بن صالح بن حَي وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن حبان وغيرهم . وميسرة بن حبيب وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن حبان . وقال أبو حاتم : ( لا بأس به ) . والمنهال بن عمرو صدوق متماسك . والحمد للَّه .
2- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنما سُمي ذو القرنين بذلك ؛ لأنه طاف قرني الدنيا )) ؟(1/380)
الجواب : فلا أعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم في سند من الأسانيد ، ثم وقفت عليه في (( تخريج أحاديث الكشاف )) (2/309) ، وقد نسبه الزمخشري المعتزلي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الزيلعيُّ : ( غريبٌ . وقد رواه الدارقطنيُّ في (( المؤتلف والمختلف )) من قول الزهري ، فرواه من طريق الخضر بن داود ، ثنا الزبير بن بكار ، ثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثني عبد العزيز بن عمران ، سليمان بن أسيد ، عن الزهري قال : إنما سُمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها ، وقرن الشمس من مطلعها ، فسُمي ذا القرنين .
وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا . والخضر بن داود ذكره الدارقطنيُّ في (( المؤتلف )) ( ص 830) ، قال : ( كان بمكة مقيمًا ، يروي عن الزبير بن بكار كتاب (( النسب )) وغيره ، يروي عن الأثرم علل أحمد بن حنبل ) . ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً . وعبد العزيز بن عمران تركه النسائي وغيره . وقال البخاري : ( لا يكتب حديثه ) ، وقال ابن معين : ( ليس بثقة ) ، وسليمان بن أسيد ترجمه ابنُ أبي حاتم في (( الجرح والتعديل )) (2/1/101) ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً . واللَّه أعلمُ .
3- (( من أحب فطرتي فليستن بسنتي ، وإن من سنتي النكاح )) ؟(1/381)
الجواب : حديثٌ منكرٌ . أخرجه ابنُ عدي في (( الكامل )) (7/2549) من طريق أبي حرَّة واصل بن عبد الرحمن ، عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره . وأبو حرَّة مختلفٌ فيه . وروى ابنُ عدي عن يحيى بن معين قال : حدثني غُنْدر قال : وقفتُ أبا حرَّة على حديث الحسن ، قال : لم أسمعها من الحسن ، وقال غندر : فلم يقف على شيءٍ منها أنه سمع الحسن . ثم أن الحسن لم يصرح بسماعٍ من أبي هريرة رضي اللَّه عنه . والصوابُ في هذا الحديث الإرسال . فأخرجه عبد الرزاق في (( المصنف )) ( ج6/ رقم 10378) ، والبيهقيُّ في (( السنن الكبير )) (7/78) ، وفي (( السنن الصغرى )) (2346) ، وفي (( المعرفة )) (10/19) من طريق عبد الوهاب بن عطاء . وابنُ بطة في (( الإبانة )) (260) من طريق حجاج بن محمد ثلاثتهم عن ابن جريجٍ ، قال : أخبرني إبراهيم بن ميسرة ، عن عبيد بن سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . وتابعه ابنُ عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة بهذا الإسناد سواء . أخرجه سعيد بن منصور في (( سننه )) (487) ، وأبو يعلى في (( مسنده )) ( ج 5 رقم 2784) قال : حدثنا أبو خيثمة - هو زهير بن حرب - قالا : ثنا سفيان بن عيينة فذكره . قال البيهقي : ( هذا مرسلٌ ) . وهذا مرسلٌ صحيح الإسناد .
---
ويسأل القارئ :
أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سأل أحد أصحابه : (( هل لك زوجة ؟ )) قال : لا ، قال : (( فهل لك جارية ؟ )) قال : (( لا )) . قال : (( فأنت من إخوان الشياطين )) ؟
والجواب بحول الملك الوهاب : أنه حديثٌ باطلٌ .(1/382)
يرويه بقية بن الوليد ، عن معاوية بن يحيى ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول ، عن غضيف بن الحارث ، عن عطية بن بُسر المازني ، قال : جاء عكَّاف بن وداعة الهلالي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( يا عكَّافُ ، ألك زوجة ؟ )) قال : لا ، قال : (( ولا جارية ؟ )) قال : لا ، قال : (( وأنت صحيحٌ موسرٌ ؟ )) قال : نعم ، والحمدُ للَّه . قال : (( فأنت إذن من إخوان الشياطين : إمَّا أن تكون من رُهبان النصارى ، فأنت منهم ، وإما أن تكون منا ، فاصنع كما نصنع ، فإن من سنتنا النكاح ، شراركم عُزَّابكم ، وأراذلُ موتاكم عزابكم آباءُ للشياطين تمرسون ، ما لهم في نفسي سلاحٌ أبلغُ في الصالحين من الرجال والنساء ، إلا المتزوجون ، أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا، ويحك يا عكَّافُ ، إنهنَّ صواحبُ داود ، وصواحبُ أيوبُ ، وصواحب يوسف ، وصواحبُ كُرسف )) . قال : وما الكرسفُ يا رسول اللَّه ؟ قال : (( رجلٌ كان في بني إسرائيل على ساحلٍ من سواحل البحر ، يصوم النهار ويقوم الليل ، لا يفتر من صلاةٍ ولا صيام ، ثم كفر بعد ذلك باللَّه العظيم في سبب امرأةٍ عشقها ، فترك ما كان عليه من عبادة ربه ، فتداركه اللَّه بما سلف منه ، فتاب عليه ، ويحك يا عكَّافُ ، تزوَّج فإنك من المذبذبين )) . فقال عكاف : يا رسول اللَّه ، لا أبرحُ حتى تزوجني من شئت ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( فقد زوجتك على اسم اللَّه والبركة : كريمة بنت كلثوم الحميري )) .(1/383)
أخرجه إسحاق بن راهويه في (( المسند )) قال : أخبرنا بقية بن الوليد ، قال : حدثني معاوية بن يحيى الصدفي ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول ، عن غضيف بن الحارث ، عن عطية بن بُسر المازني وتابعه عبد الجبار بن عاصم ، ثنا بقية بهذا الإسناد سواء . أخرجه أبو يعلى في (( المسند )) (6856) ، وعنه ابنُ حبان في (( المجروحين )) (3/3، 4) ، والطبراني في (( الكبير )) ( ج18/ رقم 158) ، وفي (( مسند الشاميين )) (3567) . ورواه الوليد بن مسلم ، عن معاوية بن يحيى الصدفي بهذا الإسناد سواء . أخرجه العقلي في (( الضعفاء )) (3/356) من طريق داود بن رشيد ، ثنا الوليد .
قُلْتُ : وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا ، ومعاوية بن يحيى الصدفي . قال ابن معين : ( ليس بشيءٍ ) ، وقال أبو زرعة : ( أحاديثه كلها مقلوبة ) ، وضعّفه الدارقطني وغيرُهُ . وقال ابنُ حبان : ( منكر الحديث جدًّا ) ، لكنه خلط بين الصدفي والأطرابلسي ، والصواب أنهما اثنان . وقد رواه عن الصدفي : بقية بن الوليد ، والوليد بن مسلم ، وكلاهما يدلس تدليس التسوية ، ولم يصرح في جميع الإسناد . وقد اختلف في إسناده ، فرواه برد بن سنان عن مكحول ، عن عطية بن قيس ، عن عكاف بن وداعة فذكره . أخرجه الطبراني في (( مسند الشاميين )) (381) ، والعقيلي في (( الضعفاء )) (3/356) من طرقٍ عن بُرْد . ورواه محمد بن راشد قال : سمعتُ كحولاً يحدث عن رجلٍ عن أبي ذرٍ ، فذكره نحوه . أخرجه أحمد (5/163، 164) ، قال : حدثنا عبد الرزاق وهذا في (( المصنف )) (10387) عن محمد بن راشد . وللحديث طرقٌ أخرى لا تخلو من عِلَّة ، والحديث لا يصحُّ من كل وجوهه ، وهو مرَّكبٌ ولا يبعد أن يكون موضوعًا . واللَّه أعلم .
---
ويسأل القارئ :
عن درجة حديث أن الصحابة أكلوا فرسًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
والجواب : أنه حديثٌ صحيح .(1/384)
أخرجه البخاري (9/648) ، ومسلم (1942/38) ، والنسائي (7/231) ، وابنُ ماجه (3190) ، والدارمي (2/14) ، وأحمد (6/345، 346، 353) ، والشافعيُّ في (( المسند )) (600) ، والحميدي (321) ، وابنُ الجارود في (( المنتقى )) (886) ، وابنُ حبان ( ج7 رقم 5247) ، والطحاوي في (( شرح المعاني )) (4/211) ، والدارقطني (4/290) ، والبيهقي (9/327) من طرقٍ عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : أكلنا لحم فرسٍ على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
والحمد للَّه رب العالمين ، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وآله .
---
يسأل القارئ :
1- من قال : (( أستغفر اللَّه الذي لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيوم وأتوب إليه غَفر اللَّه له ، وإن كان فرَّ من الزحف )) ؟
الجواب بحول الملك الوهاب : حديثٌ صحيحٌ .
وقد ورد هذا الحديث عن جماعةٍ من الصحابة رضي اللَّه عنهم ، منهم : أبو هريرة ، والبراء بن عازب ، وابن مسعودٍ ، وزيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنس بن مالك ، رضي اللَّه عنهم :
أمَّا حديثُ أبي هريرة : فأخرجه ابنُ عدي في (( الكامل )) (2/445) ، ومن طريقه ابن الجوزي في (( الواهيات )) (2/350) من طريق عقبة بن مكرم . وأبو نعيم في (( أخبار أصبهان )) (1/303) من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقيّ قالا : ثنا صفوان بن عيسى الزهري ، ثنا بشر بن رافعٍ ، عن محمد بن عبد اللَّه البَّكاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا : (( من قال : أستغفر اللَّه الذي لا إله إلاَّ هو الحيَّ القيومُ وأتوب إليه ثلاث مراتٍ - أو مرَّة - شك صفوان - غُفر له ، وإن فرَّ من الزحف )) .
ولم يقع الشك في رواية أبي نعيم . قال ابنُ الجوزي : ( هذا حديثٌ لا يصح . قال أحمد بن حنبل : بشر بن رافع ليس بشيءٍ ) . اهـ . وضعفَّه النسائي ، وقال أبو حاتم والدارقطني : منكرُ الحديث . وتكلَّم فيه آخرون .(1/385)
وأمَّا حديثُ البراء بن عازب : فأخرجه الطبرانيُّ في (( الأوسط )) (7738) ، وفي (( الصغير )) (839) ، وابنُ عدي في (( الكامل )) (5/1715) من طريق أبي يوسف القلوسي يعقوب بن إسحاق ، نا عليُّ بن حميدٍ، نا عمر بن فرقد البزار ، عن عبد اللَّه بن المختار ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء بن عازب مرفوعًا : (( من قال دبر كل صلاةٍ : أستغفر اللَّه الذي لا إله إلاَّ هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه ؛ غُفر له ، وإن فرَّ من الزحف )) .
وأعلَّه ابنُ عديّ قائلاً : ( لا أعرف لعمر بن فرقد غير هذا الحديث ، وفي حديثه نظرٌ ) . فيظهرُ من نقد ابن عدي أنه مجهولٌ . وقد جاء الحديث من وجه آخر عن أبي إسحاق السبيعي بلفظ : (( من استغفر اللَّه في دبر كل صلاةٍ ثلاث مرَّات فقال : أستغفر اللَّه... )) إلخ. أخرجه ابنُ السني في (( اليوم والليلة )) (137) قال: أخبرنا أبو يعلى ، وهذا في (( مسنده )) - كما في (( المطالب العالية )) (289) ، و(( إتحاف السادة )) (3/291) - قال - يعني أبا يعلى -: حدثنا عمرو بن الحصين ، ثنا سعيد بن راشد ، عن الحسين بن ذكوان ، عن أبي إسحاق السبيعي . وعمرو بن الحصين أحد التلفى ، فسند هذه المتابعة ضعيفٌ جدًّا .(1/386)
أمَّا حديث زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم : فأخرجه أبو داود (1517) ، ومن طريقه البيهقيُّ في (( الأسماء والصفات )) ( ص 47) ، والبخاري في (( التاريخ الكبير )) (2/1/379، 380) ، وعنه الترمذيُّ في (( سننه )) (3577) ، وابنُ سعدٍ في (( الطبقات )) (7/66) قال ثلاثتهم : حدثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثنا حفص بن عمر الشني قال : حدثني أبي عمر بن مُرَّة ، قال : سمعتُ بلال بن يسار بن زيد ، حدثني أبي ، عن جدي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( من قال : أستغفر اللَّه الذي لا إله إلاَّ هو الحي القيوم وأتوب إليه ؛ غُفر له ، وإن كان فرَّ من الزحف )) . وأخرجه أبو نعيم في (( معرفة الصحابة )) (3/1143، 1144) من وجوه أخرى عن التبوذكي . قال الترمذيُّ : ( هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه ) . فهذا من الترمذي تضعيفٌ للحديث من هذا الوجه . وخالفه المنذري فقال في (( الترغيب والترهيب )) (2/470) : ( وإسنادُهُ جيد متصلٌ ، فقد ذكر البخاريُّ في (( تاريخه الكبير )) أن بلالاً سمع من أبيه يسارٍ ، وأنَّ يسارًا سمع من أبيه زيدٍ مولى النبي صلى الله عليه وسلم . وقد اختُلف في (( يسارٍ )) والد (( بلال )) هل هو بالباء الموحدة ، أو بالياء المثناة تحت ، وذكر البخاريُّ في (( تاريخه )) أنه بالموحدة . واللَّه أعلم ) . انتهى .
قُلْتُ : وفي كلام المنذري نظرٌ من وجوه :
الأول : في حكمه بجودة الإسناد ، والصوابُ ضعفُهُ ؛ لأن بلالاً وأباه يسارًا مجهولان ، ولم يوثقهما إلاَّ ابنُ حبان (5/557 و6/91) ، وتساهُلُه في توثيق هذه الطبقات معروف عند أهل العلم ، ومع ذلك فقد ذكر العراقيُّ هذا الحديث في (( تخريج الإحياء )) (1/450) ، ثم قال : ( رجالُهُ موثقون ) !!
فالصواب أن الإسناد ضعيفٌ لجهالة بلالٍ وأبيه ، فقولُهُ : ( متصلٌ ) لم يعد مُجْدِيًا بعد ثبوت ضعفه .(1/387)
الثاني : قول المنذري : إنه اختلف في والد (( بلال )) هل هو بالموحدة أو بالتحتانية ؟ ثم ذكر أن البخاري رجح أنه بالموحدة ؛ (( بلال )) اسمه : (( بشار )) بالباء بعدها شين معجمة ، وهذا الاختلاف في اسم والد بلال لا أدري من أين أتى به المنذري ، وكيف نسب إلى كتاب البخاري أنه بالباء الموحدة ، مع أن الذي في (( تاريخ البخاري )) وغيره من كتب التراجم أنه (( يسار )) بالياء التحتانية . واللَّه أعلم .
هذا خلاصة ما تعقب به الحافظ الناجي المنذريَّ في كتابه (( عجالة الإملاء )) ( ق 156/1) .
وأمَّا حديث أنسٍ : فأخرجه الخطيبُ في (( تاريخ بغداد )) (8/381، 382) ، ومن طريقه ابن الجوزي في (( الواهيات )) (2/349) من طريق أحمد بن محمد بن غالب غلام خليل ، قال : حدثنا دينار بن عبد اللَّه خادمُ أنس بن مالكٍ ، عن أنسٍ مرفوعًا : (( إذا قال العبد : أستغفر اللَّه الذي لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيوم وأتوب إليه ؛ غُفر له ، وإن كان مُولِّيًا من الصف )) .
قال ابنُ الجوزي : ( هذا حديثٌ لا يصح . قال ابنُ عدي : دينارٌ منكرُ الحديث ذاهبُ الحديث شبه المجهول . وغلام خليل كان يقول : وضعنا أحاديث لنرقق بها قلوبُ العامة ) .(1/388)
وأمَّا حديث ابن مسعودٍ : فأخرجه الحاكم في (( كتاب الدعاء )) (1/511) من طريق محمد بن سابق ، وفي (( كتاب الجهاد )) (2/117، 118) من طريق محمد بن يوسف الفريابي قالا : ثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعودٍ مرفوعًا : (( من قال : أستغفر اللَّه الذي لا إله إلاَّ هو الحيّ القيوم وأتوب إليه ثلاثًا ؛ غُفرت ذنوبه ، وإن كان فارًّا من الزحف )) . قال الحاكمَ في الموضع الأول : ( هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ) . وقال في الموضع الثاني : ( على شرط مسلمٍ ) ، وحكمه الثاني هو الصواب ، وقد تعقب الذهبيُّ الحاكم في الموضع الأول فقال : ( أبو سنان هو ضرار بن مرة لم يخرج له البخاري ) . اهـ . وأضيفُ إلى قول الذهبي أن أبا الأحوص واسمه : عوف بن مالك الجشمي ليس من رجال البخاري في (( الصحيح )) . فالصواب أن الحديث صحيحٌ على شرط مسلم ، فحاصلُ البحث أن المعوَّل عليه هو حديث ابن مسعود . وبقية الأحاديث ساقطةٌ عن حد الاعتبار بها . واللَّه أعلم .
2- (( من قال : لا إله إلا اللَّه دخل الجنة )) ؟
الجواب : حديثٌ صحيحٌ .(1/389)
أخرجه ابن خزيمة في (( التوحيد )) ( ص 341، 342) ، وابنُ حبان (151) من طريق محرر بن قعنب الباهلي ، ثنا رياح بن عبيدة ، عن ذكوان السمان ، عن جابر بن عبد اللَّه قال : بعثني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال : (( ناد في الناس : من قال : لا إله إلاَّ اللَّه دخل الجنة )) . فخرج فلقيه عمرُ في الطريق ، فقال : أين تريدُ ؟ قلت : بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا . قال : ارجع . فأبيتُ ، فلهزني لهزةً في صدري ألمها ، فرجعتُ ولم أجد بُدًّا . قال : يا رسول اللَّه ، بعثت هذا بكذا وكذا ؟ قال : (( نعم )) . قال : يا رسول اللَّه ، إن الناس قد طمعوا وخبثوا . فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( اقعد )) . وهذا سندٌ قويّ ، والمحرر بن قعنبٍ وثقه أحمد في روايةٍ وأبو زرعة ، وقال أحمد في رواية : ( لا بأس به ) .
وأخرجه أبو نعيم في (( الحلية )) (7/174) من طريق محمد بن بشار ثنا ابنُ أبي عدي ثنا شعبة عن صدقة بن يسار ، عن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذٍ بن جبلٍ : (( من قال : لا إله إلا اللَّه دخل الجنة )) . وهذا إسنادٌ صحيحٌ .(1/390)
وأخرجه أبو نعيم أيضًا (9/254) من حديث زيد بن أرقم مرفوعًا بسندٍ ضعيفٍ جدًّا . وأخرجه الحاكم في (( كتاب التوبة والإنابة )) (4/251- المستدرك ) من حديث أبي طلحة بسندٍ ضعيف وفيه زيادة . وأخرجه أحمد (5/236) قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : سمعتُ جابر بن عبد اللَّه يقول : أنا من شهد معاذًا حين حضرته الوفاة يقول : اكشفوا عني سجف القبة أحدثكم حديثًا سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - وقال مرَّةً : أخبركم بشيءٍ سمعتهُ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يمنعني أن أحدثكموه إلاَّ أن تتكلوا . سمعتُهُ يقول : (( من شهد أن لا إله إلاَّ اللَّه مخلصًا من قلبه أو يقينًا من قلبه لم يدخل النار ، أو دخل الجنة )) . وقال مرَّةً : (( دخل الجنة ولم تمسَّه النار )) . وأخرجه ابنُ حبان (4) من طريق ابن أبي زائدة . وأبو نعيم في (( الحلية )) (7/312) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين قالا : ثنا سفيان بن عيينة بهذا الإسناد . وهذا سندٌ صحيحٌ على شرط الشيخين . ولفظ أبي نعيم : (( من قال : لا إله إلا اللَّه ... )) . والحديث في (( صحيح مسلم )) (29/47) من حديث عبادة بن الصامت ، وله ألفاظٌ أخرى . وإنما حرصتُ على تخريج اللفظ الذي ذكره القارئ . واللَّه أعلم .
3- (( أنتم في زمانٍ لو فعلتم فيه عُشر ما أمرتم به هلكتم ، ويأتي زمانٌ لو فَعل فيه الناس عُشر ما أُمروا به نجوا )) ؟
الجواب : حديثٌ ضعيفٌ منكر .(1/391)
أخرجه الترمذي (2267) ، وابنُ عدي في (( الكامل )) (7/18) ، والسهمي في (( تاريخ جرجان )) ( ص 464) ، وتمام الرازي في (( الفوائد )) (1721- ترتيبه ) ، وأبو نعيم في (( الحلية )) (7/316) من طريق نعيمٍ بن حماد ثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، فذكره مرفوعًا ، وعند الترمذي وغيره : (( إنكم في زمان ... )) إلخ . قال الترمذي : ( هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث نعيم بن حماد عن سفيان بن عيينة ) . ونقل ابن الجوزي عن النسائي أنه قال : ( هذا حديثٌ منكرٌ ) .
قُلْتُ : ولا يحتمل لنعيم بن حماد التفرد بهذا الإسناد النظيف ، وقد بيَّن الذهبيُّ في (( سير النبلاء )) (10/606) كيف وقع نعيم بن حماد في هذا الوهم ، فقال : ( فهذا - يعني : الحديث - لا أدري من أين أتى به نعيم . وقد قال نعيم : هذا حديثٌ ينكرونه ، وإنما كنتُ مع سفيان فمرَّ بشيءٍ فأنكره ، ثم حدثني بهذا الحديث . قال الذهبي : هو صادق في سماع لفظ الخبر من سفيان ، والظاهر - واللَّه أعلم - أن سفيان قاله من عنده بلا إسنادٍ ، وإنما الإسناد قاله لحديث كان يريد أن يروه ، فلما رأى المنكر تعجَّب وقال ما قال عقيب ذلك الإسناد ، فاعتقد نُعيم أن ذاك الإسناد لهذا القول . واللَّه أعلم ) . انتهى . والحمد للَّه رب العالمين .
انتهى
أسئلة عام 1422
يسأل القارئ م م ع عن درجة هذه الأحاديث :
1- من سعي علي والديه و امرأته وعياله فهو في سبيل الله ، ومن سعي مكاثرة فهو في سبيل الشيطان ؟
الجواب : حديث حسن . وقد ورد من حديث أنس و أبي هريرة وكعب بن عجرة رضي الله عنهم .(1/392)
* أما حديث أنس فأخرجه الطبراني في ( الأوسط ) (8630) قال : حدثنا مطلب بن شعيب ،ثنا عبد الله بن صالح ،حدثني الليث ، حدثني إسحاق بن اسيد عن عبد الكريم عن أنس بن مالك مرفوعا : " الساعي علي والديه ليكفهما أو يغنيهما عن الناس في سبيل الله ، ومن سعي علي زوج أو ولد ليكفيهم و يغنيهم عن الناس في سبيل الله ، و الساعي علي نفسه ليغنيها و يكفها عن الناس في سبيل الله و الساعي مكاثرة في سبيل الشيطان " . قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن عبد الكريم الجزري الا اسحاق بن أسيد ، تفرد به الليث و لا يروي عن أنس الا بهذا الاسناد .
* قلت : واسحاق بن أسيد – بفتح الهمزة – قال أبو حاتم شيخ ليس بالمشهور ، لا يشتغل به . وقال أبو أحمد الحاكم مجهول . ولما ذكره بن حبان في (الثقات ) (6/50) قال : كان يخطأ . وبه ضعف الهيثمي الحديث في ( مجمع الزوائد) (4/325) . وعبد الله بن صالح كان كثير الغلط . وعبد الكريم جزم الطبراني انه الجزري ، وهو بن مالك ، ذكر المزي في ( تهذيب الكمال) (18/253) انه رأي انس بن مالك ولم يذكر له رواية عنه . والظاهر انه عبد الكريم بن رشيد ، ويقال : راشد . فقد ذكر المزي انه يروي عن انس وعن اسحاق بن اسيد و نقل توثيقه عن ابن معين و ابن حبان ونقل ابن حجر توثيقه عن ابن نمير . وقال النسائي : ليس به بأس .(1/393)
* أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه : فأخرجه البزار ( ج2 / ق 266/ 2) و الطبراني في ( الأوسط ) (4214) و البيهقي ( 2/25 ) والاصبهاني في الترغيب ( 428) والضياء في المختار ( ق156/1) من طريق احمد بن يونس قال : نا رياح بن عمرو القيسي ، قال : نا ايوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال :" بينا نحن مع رسول الله صلي الله عليه وسلم اذ طلع علينا شاب من الثنية فلما رميناه بأبصارنا قلنا: لو ان ذا الشاب جعل نشاطه وشبابه و قوته في سبيل الله ؟ فسمع مقالتنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال :" وما سبيل الله ؟ الا من قتل ! من سعي علي والديه فهو في سبيل الله ، و من سعي علي عياله فهو في سبيل الله ، ومن سعي مكاثرة فهو في سبيل الطاغوت "
* قال البزار : وهذا الحديث لا يروي عن ابي هريرة الا من هذا الوجه ، ولا نعلم رواة عن ايوب الا رياح بن عمرو ولا نعلم رواة عن رياح الا احمد بن يونس .
* وقال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سيرين الا أيوب ، ولا رواه عن أييوب الا رياح بن عمرو ، ولا يروى عن أبى هريرة الا بهذا الاسناد ، تفرد به : أحمد بن يونس 0(1/394)
* قلت : وأحمد هو ابن عبد الله بن يونس من شيوخ البخارى . ورياح – بالياء التحتانية – وتصحف عند الطبرانى وغيرهالى " رباح " بالباء الموحدة ، وصوابه رياح ، كما فى (( المؤتلف )) ( 2/ 1038 ) للدارقطنى ، و ((الاكمال )) ( 4/ 14 ) لابن مااكولا ، وذكروا روايته عن أيوب السختيانى وعنه أحمد بن يونس 0وقد ترجمه ابن أبى يونس فى (( الجرح والتعديل )) (1 / 2 / 512،511 ) ، وقال : سألت أبا زرعة عنه ، فقال : صدوق0 وذكره اببن حبان فى ((الثقات )) ( 6/ 310 ) وقال : من عباد أهل البصرة وزهادهم 0 ونقل الذهبى فى (( الميزان )) ، وعنه ابن حجر فى ((اللسان )) عن أبى داود قال : رجل سوء 0 واتهمه بالزندقة0 وانما اتهمه بالزندقة مع رابعة العدوية فى آخرين ، لعبارات صدرت منهم تحتاج الى تأويل 0 والصواب أن هذا لا يمس روايتهم الا اذا قام دليل ظاهر على سقوط عدالتهم أو اختلال ضبطهم ، ولم أقف على ما يوجب ذلك 0 وباقى رجال الاسناد ثقات معروفون 0فهذا الحديث جييد الاسناد ، وعليه الاعتماد ، ولهذا وضعه الضياء فى (( المختارة ))، والحمد الله 0(1/395)
* أما حديث كعب بن عجرة رضى الله عنه : فأخرجه الطبرانى فى (( الكبير )) ( ج 19 / رقم 2282 ) ، وفى (( الأوسط )) ( 6835 ) ، وفى (( الصغير )) ( 940 ) قال : حدثنا محمد بن معاذ الحلبى ، حدثنا محمد بن كثير العبدى ، ثنا همام بن يحي ، ثنا اسماعيل بن مسلم المكى ، عن الحكم بن عتيبة ، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى ، عن كعب بن عجرة أن رجلا مر على أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فرأى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم ، فقالوا : يا رسول الله ، لو كان هذا فى سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان كان يسعى على ولده صغارا فهو فى سبيل الله ، وان كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين ففى سبيل الله ، وان كان خرج يسعى على نفسه ليعفها ففى سبيل الله ، وان كان خرج يسعى على أهله ففى سبيل الله ، وان كان خرج يسعى تفاخرا وتكاثرا ففى سبيل الطاغوت" 0 وأخرجه بحشل فى (( تاريخ واسط )) ( ص 162 ، 163 ) من طريق محمد بن كثير بهذا الاسناد 0 قال الطبرانى : لم يرو هذا الحديث عن الحكم الا اسماعيل بن مسلم ، ولا رواه عن اسماعيل الا همام ، تفرد به محمد بن كثير ، ولا يروى عن كعب بن عجرة الا بهذا الاسناد 0 قال الهيثمي فى (( المجمع )) ( 4/ 325 ) : رجال (( الكبير )) رجال الصحيح 0 وهذا عجب ، فقد رأيت أن الطبرانى رواه فى معاجمه الثلاثة بذات الاسناد ، فما معنى تخصيص رجال (( المعجم الكبير )) دون المعجمين الباقيين ؟! وسبقه الى هذا الحكم المنذرى فى (( الترغيب )) ( 2516 / 2923) ، فقال : رواه الطبرانى ورجاله رجال الصحيح 0 وليس كما قالا ، لأن اسماعيل بن مسلم المكى ، فضلا عن أن الشيخين ولا أحدهما خرج له شيئا فهو واه ، تركه كثير من النقاد 0 والله أعلم 0
2- " ممن قاد أعمى أربعين خطوة ، وجبت له الجنة " ؟
الجواب : حديث باطل 0 وقد ورد من حديث ابن عمر ، وأنس ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، رضى الله عنهم 0(1/396)
* أما حديث ابن عملر رضى الله عنهما : فأخرجه أبو ييعلى ( ج 9 / رقم 5613 ) ، وابن عدى فى (( الكامل )) ( 1 / 1851 ) قال : حدثنا محمد بن ابراهيم بن ميمون ، وأبو نعيم فى (( الحلية )) ( 3 / 158 ) ، ومن طريقة ابن الجوزى فى (( الموضوعات )) ( 1087 ) من طريق محمد بن ابراهيم بن أبان السراج ، ثلاثتهم : ثنا يحي بن أيوب ، ثنا سلم بن بن سالم ، عن على بن عروة ، عن محمد بن المنكدر ، عن ابن عمر مرفوعا ، فذكره 0
وأخرجه الطببرانى فى (( الكبيير )) ( 12 / 353 ) عن عبد الحميد بن صالح ، والبيهقى فى (( الشعب )) ( ج 6 / رقم 7628 ) ، ثنا سعيد بن نصر ، والخطيب فى (( تاريخه )) ( 5 / 105 ) عن الحسن بن عرفة ثلاثتهم عن سلم بن سالم بهذا الاسناد سواء 0 وهذا اسناد ضعيف جدا 0 وسلم بن سالم شبه المتروك 0 فقد ضعفه أحمد وابن معين والنسائي 0 وكان ابن المبارك شديد الحمل عليه ، وقد تابعه أصرم بن حوشب ، فرواه عن على بن عروة بهذا الاسناد 0 أخرجه بن شاهين فى (( الترغيب )) ( 513 ) ، ومن طريقة ابن الجوزى فى (( الموضوعات )) ( 1087 ) ، وأصرم ، أصرم من الخير ، فقد كذبه غير واحد منهم ابن معين ، وتركه البخارى وغيره 0 وعلي بن عروة متروك0 وقد توبع علي 0 فتابعه ثور بن يزيد ، فرواه عن ابن المنكدر بهذا الاسناد سواء0 أخرجه ابن عدى فى (( الكامل )) ( 2/ 174 ) 0 قال ابن عدي: وهذا الحديث لا يرويه عن ابن المنكدر غير ثور 0 كذا قال ! وقد تقدم أن على بن عروة رواه أيضا عن ابن المنكدر، وقد أنكره ابن عدي من حديث ثور 0 والراوى عن محمد بن عبد الرحمن القشيرى نكرة0(1/397)
ورواه أيضا محمد بن عبد الملك الأنصاري ، عن ابن المنكدر باسناده بلفظ : " من قاد مكفوفا أربعين خطوة فصاعدا ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه " 0 أخرجه البيهقي فى (( الشعب )) ( 7627 ) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك – أحد الهلكى – قال : نا اسماعيل ، نا ابن عياش ، نا محمد بن عبد الملك به 0 وأخرجه ابن عدي فى (( الكامل )) ( 6 / 2167 ) ، ومن طريقة ابن الجوزي ( 2 / 174 ) من طريق عامر بن سيار ، ثنا محمد بن عبد الملك بهذا الاسناد دون قوله : " فصاعدا " 0 وهذا حديث منكر جدا 0 ومحمد بن عبد الملك واه0 قال البخارى ومسلم : منكر الحديث 0 وتركه النسائي وغيره 0 ولذلك قال الحافظ ابن حجر فى (( المطالب العالية )) ( 7 / 158 ) : ضعيف جدا ، ولا يثبت فى هذا شيء 0 وقد رأيت ابن الجوزي أورد هذا الحديث من طكريق الخطيب فى (( تاريخه )) ( 5 / 105 ) لكنه جعل صحابى الحديث : " عبد الله بن عمرو بن العاص " ، والذى عن الخطيب أنه : " عبد الله بن عمر بن الخطاب " 0 فالله أعلم أي ذلك صواب 0 وكان ابن الجوزي كثير الأوهام فى نقله من كتب االعلماء0
أما حديث ابن عباس رضى الله عنهما: مرفوعا: " من قاد مكفوفا أربعين ذراعا ادخله الله الجنة" فأخرجه ابن عدي ( 4/ 1544 ) ، ومن طريقة ابن الجوزي ( 1093 ) من طريق عبد الله بن أبان الثقفي ، ثنا سفيان الثوري ، قال : حدثنى عمرو بن دينار ، عن ابن عباس مرفوعا 0 قال ابن عدي : وهذا الحديث بهذا الاسناد باطل 0 قال : وعبد الله بن أبان يحدث عن الثقات بالمناكير 0 وهذا الحديث منكر عن الثوري بهذا الاسناد والشيخ مجهول 0ا هـ يعنى : الراوى عن الثوري 0 وقد خولف فى اسناده كما يأتى 0(1/398)
أما حديث أنس رضى الله عنه مرفوعا : " من قاد أعمى أربعين خطوة فله الجنة " 0 أخرجه أبو يعلى الخليلى فى (( الارشاد )) ( ص 337 ) من طريق عبد الله بن محمد بن يوسف بن أبى عبيد الطائفى ، ثنا سفيان الثورى عن عمرو بن دينار ، عن أنس بن مالك مرفوعا 0 قال الخليلى : عبد الله بن محمد الطائفى مجهول ، والحديث منكر بهذا الاسناد غريب0 ا هـ 0
وقد رواه عبد الله بن أبان الثقفى عن الثورى فجعله من مسند " ابن عباس " كما مر قريبا وله طريق آخر 0 أخرجه المخلص فى " الفوائد " ، ومن طريقه الذهبي فى (( المعجم الكبير)) ( 2 / 191 ) ، وفى (( الميزان )) ( 4/ 459 ) ، وابن الجوزي ( 1096 ) ، والدارقطني فى (( المؤتلف )) ( ص 2234 ) قالا : ثنا أبو حامد محمد بن هارون الخضرمي ، ثنا عيسى بن مساور ثنا يغنم بن سالم بن قنبر خادم علي بن أبى طالب ، عن أنس مرفوعا : " من قاد أعمى أربعين خطوة وجبت له الجنة " 0 ووقع عند الذهبي : " لم تمس وجهه النار " 0
قال الذهبي : يغنم متروك باتفاق ، والمتن لم يصح 0 ويغنم هذا ضعفه أبو حاتم الرازى . وقال ابن حبان فى (( المجروحين )) ( 3 / 145 ) : شيخ يضع الحديث على أنس بن مالك ، روى عنه نسخة موضوعة ، لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه الا على سبيل الاعتبار . وكذبه ابن يونس . وله طريق ثالث . أخرجه الطبرانى فى (( الأوسط )) ( 3594 ) قال : حدثنا رجاء بن أحمد بن زيد االبغدادي . والبيهقي فى (( الشعب )) ( 7629 ) من طريق يوسف بن موسى قالا : ثنا أحمد بن منيع ، وهذا فى (( مسنده )) – كما فى (( المطالب العالية )) ( 7/ 158 ) – قال : حدثنا يوسف بن عطية ، عن سليمان التيمي ، عن أنس بن مالك مرفوعا : " من قاد أعمى أربعين ذراعا أو خمسين ذراعا كتب له عتق رقبة " وولم يذكر الطبراني : " خمسين ذراعا " . قال البيهقي : يوسف بن عطية هذا ضعيف .(1/399)
قلت : بل ضعيف جدا . قال الذهبى فى (( الميزان )) ( 4 / 468 ) : مجمع على ضعفه . وتابعه المعلى بن هلال ، عن سليمان التيمى بهذا الاسناد . ولم يذكر " خمسين ذراعا " . أخرجه ابن شاهين فى (( الترغيب )) ( 512 ) ، وابن الجوزي فى (( الموضوعات )) ( 1094 ) ، والمعلى تالف البتة . اتهمه أحمد وابن المبارك وابن معين بوضع الحديث . ورماه السفيانان بالكذب . وتركه النسائي وغيره . ورواه أيضا سليمان بن عمرو – وهو هالك – أخرجه ابن الجوزي فى (( الموضوعات )) ( 1097 ) من طريق أبى الوليد قال : أتيت سليمان بن عمرو فجلست اليه فقال : حدثنا سليمان التيمي عن أنس قال : ط من قاد أعمى أربعين خطوة " ، فقلت : قوموا من عند هذا الكذاب .
وهذا موقوف مع سقوطه . ووقفت له على طريق خامس :أخرجه أبو الشيخ فى ((طبقات المحدثين )) ( 163 ) من طريق الوليد بن مسلم ثنا بحر السقاء ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أنس مرفوعا : " من قاد ضريرا أو مريضا أربعين خطوة عدلت له رقبة ، فان قاده ثمانين خطوة عدل له رقبتين ، ومن قاده مائة خطوة أدخله الله الجنة " . وهذا ضعيف جدا . والوليد بن مسلم كان يدلس التسوية ، ولم يصرح فى جميع الاسناد ، وبحر بن كنيز السقاء ضعيف ، وقتادة والحسن مدلسان . والله أعلم .
*وأما حديث جابر رضى الله عنه مرفوعا : " من قاد مكفوفا أربعين خطوة وجبت له الجنة " أخرجه العقيلى ، ومن طريقه ابن الجوزي فى (( الموضوعات )) ( 1098 ) من طريق يزيد بن مروان الخلال ، ثنا محمد بن عبد الملك الأنصاري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر . وقد أورد الغقيلي هذا الحديث فى (( الضعفاء )) ( 4 / 103 ) فى ترجمة الأنصاري هذا ولم يسنده وقال : لا يتااابع عليه الا من جهة أوهن من جهته . ويزيد بن مروان كذبه يحيبن معين فى ((ضعفاء العقيلي )) ( 4 / 389 ) ، وقد تقدم الاختلاف على الأنصاري فى اسناده .
وجملة القول : أن الحديث باطل من جميع وجوهه . والله أعلم .(1/400)
3 – " من قرأ : (( قل هو الله احد )) خمسين مرة ، غفر الله له ذنوب خمسين سنة " ؟
** الجواب : حديث ضعيف 0
أخرجه الدارمي ( 2 / 461 ) ، وأبو يعلى – كما فى (( تفسير ابن كثير )) ( 8 /544 ) – قالا : حدثنا نصر بن علي ، عن نوح بن قيس ، عن محمد العطار ، أخبرتنى أم كثيرالانصارية ، عن أنس بن مالك مرفوعا ...، فذكره . ووقع عند الدارمي : (( محمد الوطاء )) ، ولم أجد هذه النسبة . وفى ترجمة نوح بن قيس من (( تهذيب الكمال )) يروى عن : " أبى رجاء محمد بن سيف " ، فكأنه هو . وقد وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد وابن حبان . وقال أبو حاتم : صالح الحديث . وأم كثير الأنصارية لم أعرفها . ولذلك قال ابن كثير : اسناده ضعيف .
وأخرجه الترمذي (2900) ، وابن عدي ( 2 / 845 ) ، ومن طريقه البيهقي فى (( الشعب )) ( 2548 ) ، قال : حدثنا محمد بن محمد النفاخ بمصر قالا : ثنا محمد بن مرزوق ، ثنا حاتم بن ميمون أبو سهل ، عن ثابت البناتي ، عن أنس مرفوعا : " من قرأ كل يوم مائتي مرة : (( قل هو الله أحد )) محي عته ذنوب خمسين سنة ، الا أن يكون عليه دين " . أخرجه أبو يعلى ( 3365) ، وعنه ابن عدي ( 2 / 844 ) ، ومن طريقه البيهقي فى (( الشعب )) ( 2547 ) ، والخطيب ( 6 / 204 ) ، كذا اختلفوا على حاتم بن ميمون فى لفظه . وحاتم قال ابن حبان فى (( المجروحين )) ( 1 / 270 ) . منكر الحديث على قلته ، يروي عن ثابت ما لا يشبهه حديثه ، لا يجوز الاحتجاج به بحال . ثم ذكر له ابن حبان هذا الحديث . وقد استغرب الترمذى هذا الحديث .
وأخرجه البزار -كما فى (( تفسير ابن كثبر )) ( 8 / 544 ) – من طريق أغلب بن تميم ، ثنا ثابت ، عن أنس مرفوعا : " من قرأ (( قل هو الله أحد )) مائتي مرة ، حط الله عنه ذنوب مائتي سنة " .(1/401)
وأخرجه ابن الضريس فى (( فضائل القرآن )) ( 266 ) ، والبيهقي فى (( الشعب )) ( 2546) ، والخطيب ( 6 / 187 ) من طريق الحسن بن أبى جعفر ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا مثله .
قال البزار : لا نعلم رواة عن ثابت الا الحسن بن أبي جعفر والأغلب بن تميم ، وهما متقاربان فى سوء الحفظ .
قلت : وهذا الحديث منكر ، مضطرب المتن ، ضعيف الاسناد . والله أعلم 0
---
· يسأل القارئ ح أ هـ عن درجة هذه الأحاديث :
1- تخرج الدابة في شعب يقال له جياد فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها ما بين الخافقين .
الجواب : حديث منكر .
أخرجه البخاري في ( التاريخ الكبير) (2/1/316) وفي الاوسط (1/147/148) و ابن حبان في المجروحين (1/300/301) وابن عدي في الكامل ( 3/1033) والعقيلي في الضعفاء (2/61) والطبراني في الاوسط (4317) والواحدي في الوسيط (3/385) والشجري في الأمالي (2/277) والذهبي في الميزان ( 2/137) من طريق يحي بن معين ،ثنا هشام بن يوسف ،ثنا رباح بن عبيد الله بن عمر ،عن سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن أبي هريرة مرفوعا :" بئس الشعب جياد – قالها ثلاث مرات أو مرتين – قالوا فيما ذاك يا رسول الله ؟ قال : تخرج الدابة فتصرخ . . .الخ " .
قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن سهيل بن ابي صالح إلا رباح بن عبيد الله بن عمر رباح بن عبيد الله بن عمر رباح بن عبيد الله بن عمر ولا عن رباح الا هشام بن يوسف ،تفرد به يحي بن معين .
وقال البخاري و العقيلي وابن عدي : تفرد به رباح ورباح هذا قال أحمد والدار قطني "منكر الحديث" .
وقال ابن حبان ( كان قليل الحديث منكر الرواية علي قلتها ، لا يجوز الاحتجاج بخبره عندي الا بما وافق الثقات ) . وكذلك صرح بن عدي انه كان قليل الحديث وهذا يدل علي وهائه ، أن يكون قليل الحديث ومع ذلك فأحاديثه ليست محفوظة ، لأن الغلط قد يغتفر مع سعة الرواية . والله أعلم .(1/402)
2- اذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة علي ابواب الطرقات فيقولون اغدوا يا معشر المسلمين لتقبضوا جوائزكم .
الجواب : حديث منكر جدا شبه موضوع .
أخرجه الطبراني في الكبير (ج 1 /رقم 617) ، وعند أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (996) قال حدثنا محمد بن خالد (؟) الراسبي ،ثنا الحسن بن جعفر الكرماني ثنا يحي بن أبي بكير ،ثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير عن سعد بن اوس الانصاري عن ابيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : اذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة علي ابواب الطرقات فنادوا اغدوا يا معشر المسلمين إلي رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل ،لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم ،وأمرتم بصيام النهار فصمتم و أطعتم ربكم فقبضوا جوائزكم ،فإذا صلوا نادي مناد : الا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين الي رحالكم فهو يوم الجائزة ويسمي ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة .
وأعله الهيثمي (2/201) بجابر الجعفي ،وترك التنبيه علي حال عمرو بن شمر وهو أحد التلفى . فقد تركه النسائي والدار قطني و غيرهما وقال البخاري "منكر الحديث" .
و كذبه الجوزجانى .و قال ابن معين ( ليس بشىء ) .و رماه السليمانى بوضع الحديث للروافض. وقال ابن حبان فى ( المجروحين) (2/75،76) :كان رافضيا يشتم اصحاب رسول الله (،وكان ممن يروى الموضوعات عن الثقات فى فضائل اهل البيت و غيرهم ،لا يحل كتابة حديثه الا على جهة التعجب ). انتهى .
اضف الى ذلك عنعنة ابى الزبير : ولكن له طريق اخر الى سعيد ابن اوس . اخرجه الطبرنى فى (الكبير) (618) ،و الحسن بن سفيان فى (مسنده) –كما فى (الاصابة) (1/161)- ومن طريقه ابو النعيم فى (المعرفة)(994) ،و الشجرى فى (الامالى) (2/47) من طرق عن سلم بن سالم ،ثنا سعيد بن الجبار، عن توبة –او ابى شك سلم – عن سعيد بن اوس الانصارى ، عن ابيه مرفعا مثله .(1/403)
وهذا سند ضعيف جدا . و سلم بن سالم كان ابن المبارك شديد الحمل عليه ،وكان يقول :(اتق حيات سلم لاتلسعك)!. وقد سئل ابن المبارك عن الحديث فى اكل العدس ،وأنه قد س على لسان سبعين نبيا !! فقال : لا،ولا على لسان نبى واحد؛ أنه لمؤذ منفخ ، من يحدثكم ؟ قالوا :سلم بن ٍسالم. قال: عمن ؟ قالوا :عنك! قال : و عنى أيضا !! .
وقال أحمد : ليس بذاك . وضعفه ابن معين ، وقال أبو زرعة : " لا يكتب حديثه ، ثم أومأ بيده الى فيه . قال ابن أبى حاتم : يعنى : لا يصدق " . وسعيد بن عبد الجبار ، أظنه أبا عثيم الذى يروى عن الحمصيين مثل حديز بن عثمان وصفوان بن عمرو ، فان يكنه فقد ترجمه ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) ( 2 /1 /43 ، 44 ) ، ونقل عن قتيبة بن سعيد قال : " كان جدير بن عبد الحميدى يكذبه " وأضجع ابن معين القول فيه . وقال أبو حاتم : " ليس بقوى ، مضطرب الحديث "
وتوبة أو أبو توبة لاأعرفه . وسعيد بن أوس مجهول .(1/404)
ورواه عبد الرحمن بن قيس الخضرمي ، عن سعيد بن عبد الجبار ، عن سعيد بن أوس ، عن أبيه مرفوعا ، فسقط ذكر " توبة أو أبى توبة " أخرجه أبو نعيم أيضا ( 995 ) من طريق خلاد بن أسلم ، ثنا عبد الرحمن ، وهذا اسناد ظلمات بعضها فوق بعض ، مع ما فيه من الاضطراب . ووقفت له على شاهد عن ابن عباس مرفوعا ، فساق حديثا طويلا ، جاء فى آخره : " فاذا كانت ليلة الفطر وسميت ليلة الجائزة ، فاذا كانت غداة بعث الله تبارك وتعالى الملائكة فى كل ملاء فيهبطون الى الأرض فييقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله الا الجن والانس ، فيقولون : يا أمة محمد اخرجوا الى رب كريم يغفر العظيم ، واذا برزوا فى مصلاهم يقول الله تعالى : يا ملائكتى ما أجر الأجير اذا عمل عمله ؟ فتقول الملائكة الهنا وسيدنا جزاؤه أن يوفى أجره ، فيقول الله عز وجل : أشهدكم يا ملائكتى أنى قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضائى ومغفرتى ، فيقول الله عز وجل : سلونى وعزتى وجلالى لا تسألونى اليوم شيئا فى جمعكم هذا لآخرتكم الا أعطيتكموه ولا لدنيا الا نظرت لكم ، وعزتى لأسترت عليكم عثراتكم ما راقبتمونى ، وعزتى وجلالى لا أخزيكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الجدود أو الحدود – شك أبو عمرو – وانصرفوا مغفورا لكم قد أرضيتمونى ورضيت عنكم ، قال : فتفرح الملائكة ويستبشرون بما يعطى الله هذه الأمة اذا أفطروا " .
أخرجه الأصبهانى فى (( الترغيب )) ( 11741 ) ، وابن الجوزي فى (( الواهيات )) ( 2 / 43 – 45 / 880 ) ، وقال : " لا يصح " .
سنده واه جدا . وعزاة المنذرى فى (( الترغيب )) ( 2 / 99 – 101 ) لأبى الشيخ كتاب الثواب ، والبيهقي وقال : ليس فى اسناده من أجمع على ضعفه ، وليس من شرط الحديث الباطل أن يكون الاجماع انعقد على ضعف أحد رواته . وهذا حديثمنكر جدا شبه الموضوع .(1/405)
وان كان ابن الجوزي أخطأ فى زعمه أن القاسم بن الحكم العرنى – أحد رواته – مجهول . فليس بمجهول بل هو معروف ، فقد وثقه غيرواحد منهم أحمد وابن معين والنسائي . وقال أبو زرعة : " صدوق " . وقال ابن حبان : " مستقيم الحديث . وضعفه العقيلي وأبو نعيم الفضل بن دكين لغفلة كانت فيه ، وعلى كل حال ، فليس يصح فى هذا الباب شيءأعلمه . والله أعلم .
3- ما أحل الله في كتابه فهو حلال و ما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فان الله لم يكن لينس شيئا ثم تلي ( وما كان ربك نسيا ) .
حديث ضعيف
أخرجه البزار ( 123 ، 2231 ،2855 ، " كشف الأستار ) قال : حدثنا ابراهيم بن عبد الله ، ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، ثنا اسماعيل بن عياش ، عن عاصم بن رجاء بن حيوة ، عن أبيه ، عن أبى الدرداء مرفوعا : " ما أحل الله فى كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فان الله لم يكن لينسى شيئا . ثم تلا هذه الآية : " وما كان ربك نسيا" مريم :64 . وأخرجه الحاكم ( 2 / 375 ) ، وعنه البيهقي ( 10 / 12 ) من طريق أبى نعيم الفضل بن دكين ، ثنا عاصم بن رجاء حدث عنه ، وأبوه روى عن أبى الدرداء غير حديث ، واسناده صالح " كذا قال البزار رحمه الله ، وقد روى هذا الحديث من وجه آخر .
فأخرجه الترمذي فى سننه ( 1726 ) ، وأبو اقاسم البغوي فى " معحم الصحابة " ( ج 9 / ق 158 / 1 – 2 ) ، وابن شريح فى " جزء بيبي " ( 85 )، وابن عدي فى الكامل (3/1267) ، والعقيلي في الضعفاء (2/174) والطبراني في الكبير (ج6/رقم 6124) والحاكم ( 4/115) والبيهقي ( 10/12) من طريق عن سيف بن هارون عن سليمان التيمي عن عن ابي سليمان النهدي عن سلمان الفارسي قال : سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن السمنوالجبن والفراء فقال : الحلال ما أحل الله في كتابه و الحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو عفو " .(1/406)
قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا الا من هذا الوجه ، وروي سفيان وغيره عن سليمان التيمي عن ابي عثمان عن سلمان قوله ،وكأن الحديث الموقوف أصح و سألت البخاري عن هذا الحديث فقال : ما أراه محفوظا روي سفيان عن سليمان التيمي عن ابي عثمان عن سلمان موقوفا ، قال البخاري : وسيف بن هارون مقارب الحديث وسيف بن محمد ذاهب الحديث .
وقال العقيلي ": لا يحفظ الا عنه – يعني عن سفيان بن هارون – الا بهذا السند " وسئل أبو حاتم الرازي كما في( علل الحديث ) (1503) عن هذا الحديث فقال : " هذا خطأ رواه الثقات عن التيمي عن ابي عثمان عن النبي صلي الله عليه وسلم مرسلا – ليس فيه (سلمان ) وهو الصحيح . . . .انتهي .
قلت : وقد وقفت علي رواية سفيان بن عيينة .
أخرجها البيهقي (10/12) من طريق بشير بن موسي .ثنا الحميدي ، عن سفيان عن سليمان التيمي عن ابي عثمان عن سلمان رضي الله عنه – أراه رفعه – قال . . .وذكره هكذا وردت هذه الرواية علي الشك في رفعه . ووقع في كلام البخاري الجزم بوقفه عن سفيان .
وقد عل العقيلي الرواية المرفوعة بما رواه عن الحسن البصري مرسلا ، فقال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو حفص : عمر بن يزيد الشيباني ، قال : حدثنا حماد بن عبد الرحمن المالكي ، عن الحسن أن رجلا قام الى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! ما تقول فى الجبن والفراء والسمن ؟ ... الحديث .
قال العقيلي : " هذا أولى "
ثم وقفت على شاهد آخر عن ابن عمر رضى الله عليهما .
أخرجه ابن عدي فى (( الكامل )) ( 7 / 2481 ) قال : حدثنا محمد بن جعفر بن يزيد وراق ابن أبي الدنيا ، ثنا محمد بن سليمان بن الحارث ،ثنا أبو هارون محمد بن أيوب ،ثنا نعيم بن مورع(1/407)
بن توبة العنبري ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر : سئل رسول الله " عن الجبن والسمن والفراء ، فقال : " الحلال ما أحل الله فى كتابه ، والحرام ما حرم فى كتابه ، وما سكت عنه ، فهو مما عفا عنه " .
قال ابن عدي : " وهذا غير محفوظ من حديث ابن جريج ، وما أظنه يرويه غير نعيم ، ولنعيم غير ما ذكرت من الحديث ، وعامة ما يرويه غير محفوظ " .
وذكر البيههقي فى (( سننه الكبير )) ( 10 / 12 ) أنه ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا . والحمد الله رب العالمين
انتهى
أسئلة عام 1423
يسأل الطالب: أ س م - الفرقة الرابعة بكلية أصول الدين عن صحة هذا الحديث:
"نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن عسب الفحل"، وما معناه؟
ويسأل أيضًا عن صحة حديث: "إذا حضرتم الميت فقولوا خيرًا، فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون".
والجواب بحول الملك الوهاب:
أمَّا الحديثُ الأول: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عسب الفحل" فهو حديثٌ صحيحٌ.
أخرجه البخاريُّ في "كتاب الإجارة" (4-461)، وأبو داود (3429)، وابنُ حبان (ج11- رقم 5156)، والبيهقي في "المعرفة" (8-146)، والبغوي في "شرح السنة" (8-138) عن مسدّد بن مسرهد، ثنا إسماعيل بن إبراهيم- زاد البخاريّ: وعبد الوارث-، عن علي بن الحكم، عن نافعٍ، عن ابن عمر، فذكره. واستدركه الحاكمُ (2-42) على البخاري فوهم.(1/408)
وأخرجه الشافعيّ في "سنن حرملة"- كما في "المعرفة" (8-146) للبيهقي-، وأحمد (2-14)، والنسائيّ في "الكبرى" (4-54)، وفي "المجتبى" (7-310) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، والترمذي (1273) قال: حدثنا أحمد بن منيع وأبو عمار الحسيني بن حريث، وابنُ الجارود في "المنتقى" (582) قال: حدثنا أبو سعيد الأشج قالوا: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بهذا. وأخرجه النسائيّ في "الكبرى" (4-54)، وفي "المجتبى" (7-310) قال: أنبأنا حميد بن مسعدة، ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن علي بن الحكم بهذا الإسناد سواء. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (9-161) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، ثنا يزيد بن زريع، عن علي بن الحكم بهذا الإسناد، قال الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
أما معناه: فالعسبُ- بفتح العين وسكون السين المهملتين، وفي آخره موحدة. ويقال له: العسيب أيضًا، فهو ماء الفحل أو أجرة الجماع. والفحل: هو الذكرُ من كل حيوان: فرسًا كان أو جملاً أو تيسًا أو غير ذلك، كما في "الفتح" (4-461)، وفي معناه أيضًا: "نهى رسول الله # عن ضراب الجمل. أخرجه مسلمٌ في "المساقاة" (1565-35)، والبيهقي (5-339) عن روح بن عبادة، والنسائي (7-310) عن حجاج بن محمد الأعور كلاهما عن ابن جريجٍ، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا فذكره. واستدركه الحاكم (2-44) على مسلم فوهم.
أما الحديث الثاني: "إذا حضرتم الميت..." فهو حديثٌ صحيحٌ أيضًا.
أخرجه مسلمٌ في "كتاب الجنائز" (919-6) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريبٍ، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق أبي وائل، عن أم سلمة مرفوعًا: "إذا حضرتم الميت أو المريض..." والباقي مثله.
قالت أم سلمة: فلما مات أبو سلمة، أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: يا رسول الله، إن أبا سلمة قد مات. قال: "قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبى حسنةً". قالت: فقلتُ، فأعقبني الله من هو خيرٌ منه؛ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - .(1/409)
واستدركه الحاكمُ (4-16) فوهم.
وأخرجه ابنُ ماجه (1447)، والطبراني في "الدعاء" (1151) قال: حدثنا عبيد بن غنام، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (3-181) من طريق محمد بن وضاح قالوا: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وهذا في "المصنف" (3-236) قال: حدثنا أبو معاوية بهذا الإسناد، ولم تقع القصة في "المصنف".
وأخرجه أحمد (6-291)، والترمذي (977) قال: حدثنا هنادٌ- هو ابنُ السري- وابن ماجه (1447) قال: حدثنا عليٌّ بنُ محمد، قالوا: حدثنا أبو معاوية بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود (3115)، وابنُ حبان (ج7- رقم 3005) قال: أخبرنا الفضلُ بنُ الخبَّاب، قالا: ثنا محمد بن كثيرٍ، قال: أخبرنا سفيانُ الثوري، عن الأعمش بهذا الإسناد.
وتابعه عبدُ الرزاق، فرواه عن الثوري بهذا الإسناد دون القصة.
أخرجه أحمد (6-322)، والطبراني في "الكبير" (ج23- رقم 722)، وفي "الدعاء" (1148) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، قال: ثنا عبد الرزاق، وهذا في "مصنفه" (ج3- رقم 6066).
وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (1148) من طريق عبد الصمد بن حسان، عن الثوري بهذا.
وأخرجه النسائي في "المجتبى" (4-504)، وفي "عمل اليوم والليلة" (1069) قال: أخبرنا محمد بن المثنى. وأحمد في "المسند" (6-306) قالا: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن الأعمش بهذا الإسناد بتمامه.
وأخرجه أحمد (6-306) قال: حدثنا ابنُ نميرٍ. وأبو يعلى (ج12- رقم 6964) من طريق جرير بن عبد الحميد. والطبراني في "الدعاء" (1149)، وفي "الصغير" (631) من طريق عيسى بن الضحاك. وعبد بنُ حميد في "المنتخب" (1537)، والبيهقي (3-383- 384) عن عبيد الله بن موسى، والطبراني في "الدعاء" (1150) من طريق أبي إسحاق الفزاري. جميعًا عن الأعمش بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (725) من طريق واصل الأحدب. وفي "الدعاء" (1152) من طريق عاصم بن بهدلة كلاهما عن أبي وائل بهذا الإسناد ببعض اختصار.(1/410)
قال الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
تنبيه: قال الذهبيُّ في "تلخيص المستدرك": قلتُ: خ م، إن لم يكونا أخرجاه. انتهى.
كذا قال! وقد رأيت أنَّ البخاريَّ لم يخرجه.
---
ويسأل القارئ خ إ م محافظة الجيزة عن حديث ابن عباس قال: إنما أمرتم بالطواف بالبيت ولم تؤمروا بدخوله؟
والجواب بحول الملك الوهاب:
إن هذا الحديث صحيح.
فقد أخرجه مسلم في "الحج" (1330-395) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، وعبد بن حميد، جميعًا عن ابن بكرٍ، قال عبدٌ: أخبرنا محمد بن بكر، أخبرنا ابنُ جريجٍ، قال: قلت لعطاء: أسمعتَ ابنَ عباس يقول: إنما أُمرتم بالطواف ولم تؤمروا بدخوله. قال: لم يكن ينهى عن دخوله، ولكني سمعته يقول: أخبرني أسامة بن زيد، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصلّ فيه. حتى خرجَ، فلما خرجَ رَكعَ قِبَلَ البيتِ ركعتين. وقال: "هذه القبلةُ". قُلْتُ له: ما نواحيها؟ أفي زواياها؟ قال بلى في كلِّ قبلةٍ من البيت.
وأخرجه البيهقي (2-328) من طريق أحمد بن سلمة، ثنا إسحاق بن إبراهيم بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن خزيمة (300، 3015)، والبيهقي (2-328) من طريق أحمد بن سهل بن بحر قالا: ثنا محمد بن معمر بن ربعي، قال: ثنا محمد بن بكر بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو القاسم البغوي في "مسند أسامة" (25، 34) من طريق هارون بن عبدالله، قال: حدثنا محمد بن بكر بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (5-208)، وأبو القاسم البغوي في "مسند أسامة" (34) من طريق زهير بن حربٍ، قالا: ثنا روح بن عبادة، ثنا ابن جريجٍ بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو القاسم البغويّ في "مسند أسامة" (19) من طريق يعقوب بن إبراهيم، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1-389) قال: حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة القاضي، وابنُ حبان (ج7- رقم 3208) من طريق موسى بن محمد بن حيَّان قالوا: ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، ثنا ابن جريجٍ فذكر مثله.(1/411)
وأخرجه البغويّ (33) من طريق علي بن شعيب، ثنا عبد المجيد، قال: أخبرنا ابن جريج مثله سواء.
كذا رواه عليّ بن شعيب عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد. وخالفه حاجب بن سليمان المنبجيُّ، فرواه عن ابن أبي روّاد قال: حدثنا ابنُ جريجٍ، عن عطاء، عن أسامة، فسقط ذكر "ابن عبا"س. أخرجه النسائي في "المجتبى" (5-218).
وراجعت "أطراف المزي" (1-48) فوجدته نصّ على سقوط ذكر "ابن عبا"س في رواية ابن ابي روَّاد.
ولكن رأيتُهُ في "السنن الكبرى" (2-393) للنسائي بذات الإسناد الواقع في "المجتبى"، فذكر ابن عباسٍ في إسناده، وهذا الموضع يحتاج إلى تحرير. واللَّه أعلم.
وقد وقع في هذا الحديث اختلاف آخرُ في إسناده.
فأخرجه البخاري في "كتاب الصلاة" (1-501) قال: حدثنا إسحاقُ بن نصر، قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابنُ جريجٍ، عن عطاء قال: سمعتُ ابن عباسٍ قال: لما دخل النبيُّ # البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يُصلِّ حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قُبُل الكعبة، وقال: "هذه القبلةُ".
وأخرجه البغوي في "شرح السنة" (2-334) من طريق البخاري.
قُلْتُ: كذا رواه إسحاقُ بنُ نصر شيخ البخاري عن عبد الرزاق، فجعله من "مسند ابن عبا"س. وخالفه آخرون، فرووه عن عبد الرزاق، عن ابن جريجٍ، عن عطاء، عن ابن عباسٍ، عن أسامة بن زيد.
فأخرجه النسائي (5-220، 221) قال: أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم النسائي. وأحمد (5-201، 208)، وابنُ خزيمة (432) قال: حدثنا محمد بن يحيى قالوا: ثنا عبدالرزاق، وهذا في "مصنفه" (5-78-9056) قال: أخبرنا ابنُ جريجٍ بهذا الإسناد وعنده زيادةٌ في آخره.(1/412)
فقد رواه عن عبد الرزاق: "خشيش بن أصرم، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيى الذهلي، وإسحاق بن إبراهيم الدبري". وذكر الحافظ في "الفتح" (1-501) أن الإسماعيلي وأبا نعيم روياه في "المستخرج" من طريق إسحاق بن راهويه، كل هؤلاء جعلوه من "مسند أسامة" خلافًا لإسحاق بن نصر. ورجَّح الحافظ رواية الجماعة.
انتهى
أسئلة عام 1424
يسأل القارئ: م. أ . عن هذه الأحاديث.
1 يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا إلى القبلة.
2 من محمد رسول الله إلى بكر بن وائل، أسلموا تسلموا.
3 من كذَّب بالقدر أو خاصم فيه، فقد كفر بما جئتُ به.
والجوابُ بحول الملك الوهاب:
أمَّا الحديث الأول: "يكون عليكم أمراء..." فهو حديث "ضعيف" أخرجه أبو داود (434)، وابن سعد في "الطبقات" (56/7)، وابنُ قانع في "معجم الصحابة" (343/2) قال: حدثنا محمد بن عيسى بن السكن، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (ص2334) عن أبي مسلم الكشي ويحيى بن مطرف قال أربعتهُم: ثنا أبو الوليد الطيالسيُّ، ثنا أبو هاشم الزعفراني، ثنا صالح بن عبيد، عن قبيصة بن وقاص مرفوعًا.
وأخرجه البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (173/1/4) قال: قال أبو الوليد هشام بن عبد الملك هو الطيالسيُّ بهذا الإسناد. ثمَّ أخرجه عن روح بن عبادة قال: نا عمار بهذا الإسناد.
قُلْتُ: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ. وصالح بن عبيد وثقه ابن حبان، ولكن قال ابنُ القطان: "لا نعرف حاله أصلا" ولم يتابعه أحدٌ وقفت عليه وأبو هاشم الزعفراني، هو عمار بن عمارة وثَقه ابنُ معين، وابنُ حبان ونقل الفسوي توثيقه في "المعرفة" (669/2). وقال أبو حاتم: "صالح، ما أرى بحديثه بأسًا". وقال البخاريُّ: "فيه نظرٌ".(1/413)
أمَّا الحديث الثاني: "من محمد رسول الله..." فهو محتملٌ للتحسين أخرجه أبو يعلى (2947)، والبزار (1670)، وابنُ حبان (ج14 - رقم6558)، والطبرانيُّ في "الصغير" (307) قال: حدثنا بكر بن أحمد بن سعيد الطاحن. وأبو محمد الجوهري في "حديث أبي الفضل الزهري" (ج/3ق1/64) قال: حدثنا أبو عمر عبيد الله بن عثمان بن عبد الله العثماني وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1629) قالوا: ثنا نصر بن عليٍّ، ثنا نوح بن قيس، عن أخيه خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنسٍ أن النبيَّ صلي الله عليه وسلم كتب إلى بكر بن وائل: "من محمد رسول الله إلى بكر بن وائل: أسلموا تسلموا" قال: فما وجدوا من يقرؤهُ لهم إلا رجلا من بني ضُبيعة، فهم يسمون: بني الكاتب.
قال البزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد". وقال الطبرانيُّ: "لم يروه عن قتادة، إلا خالد بن قيس" وخالد ونوح كلاهما صدوق وقال الهيثميّى في "المجمع" (305/5): "رواه أبو يعلي والبزار والطبرانيُّ في الصغير.
قُلْتُ: وخالد بن قيس وثقه ابنُ معين، والعجليُّ، وابن حبان. وقال ابن المديني: "ليس به بأس" لكن قال الأزديُّ: "روى عن قتادة مناكير". وهذا من روايته عنه، وقد خالفه شيبان بن عبد الرحمن وهو أوثقُ منه، فرواه عن قتادة، عن مضارب بن حزن العجليِّ، عن مرثد بن ظبيان، قال: جاءنا كتابٌ من رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فما وجدنا له كاتبًا يقرؤهُ، حتى قرأهُ رجل من بني ضُبيعة: "من رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل: اسلموا تسلموا".(1/414)
أخرجه أحمد (68/5)، ومن طريقه ابنُ الأثير في "أسد الغابة" (136/5) قال: حدثنا يونس بن محمد المؤدب وحسين بن محمد بن بهرام، قالا: ثنا شيبان بهذا ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجل من بني سدوس قال: كتب رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل... قال قتادة: فما وجدوا رجلا يقرؤه... الخ، أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (281/1) قال: حدثنا علي بن محمد القرشي، عن سعيد ابن أبي عروبة به. وابن أبي عروبة من الأثبات في قتادة، لكن الراوي عنه: علي بن محمد بن أبي الخصيب القرشي، أحد شيوخ ابن ماجة ذكره ابن حبان في "الثقات" (475/8) وقال: "ربما أخطأ" وقال ابنُ أبي حاتم: "محلُّه الصدق"، وسعيد بن أبي عروبة كان اختلط، والقرشي ليس من قدماء أصحابه، نعم وجدتُ له متابعًا، فرواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: لقد حدَّث مرثد بن ظبيان أحد بني سدوس رضي الله عنه فذكره كله ولم يجعل شيئًا من المتن من قول قتادة. أخرجه ابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1658) قال: حدثنا يوسف بن حمادٍ، ثنا عبد الأعلى بهذا. وعبد الأعلى من قدماء أصحاب سعيد، ولكن أرجح الأقوال عندي هو قول شيبان بن عبد الرحمن. وإسنادُهُ صالحٌ. ومضارب بن حزن وثقه ابنُ حبان والعجليُّ، وروى عنه جماعة. والله أعلمُ.
أمَّا الحديث الثالث: "من كذَّب بالقدر..." فهو حديثٌ منكرٌ.
أخرجه ابنُ عدي في "الكامل" (455/3)، وأبو محمد الجوهري في "حديث أبي الفضل الزهري" (ج/3ق2/65) قالا: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز هو أبو القاسم البغويُّ ، قال: حدثني أبو الجهم العلاء بن موسى؛ وهذا في "جزئه" (89) قال: حدثنا سوَّار بن مصعبٍ، عن كليب بن وائل، قال: سمعتُ ابن عمر يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكره.(1/415)
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًا، وسوار بن مصعب واهٍ، لا سيما وقد قال ابنُ عدي: "وهذا عن كليب، يرويه سوَّار بن مصعب" وهذا يعني أنه تفرّد به. وقد تابعه سوَّار بنُ عبد الله بن قدامة العنبريُّ قاضي البصرة فرواه عن كليب بهذا أخرجه العقيليُّ (170/2) وقال: "قد رُوي في الإيمان بالقدر أحاديث صحاحٌ، وأمَّا هذا اللَّفظ، فلا يحفظ إلا عن هذا الشيخ". وقد قال الحافظ ابنُ حجر في "لسان الميزان" (127/3) معلِّقًا على رواية العقيلي: "لعلَّه وقع في الرواية غير منسوب ونسبهُ بعضُهم فأخطأ، وإلا فهذا الحديث رويناه في جزء أبي الجهم عن سوَّار بن مصعبٍ، عن كليبٍ" انتهى. وعندي أن هذا ليس بكافٍ في دعوى التخطئة. مع سقوط الحديث، والله أعلمُ.
---
ويسأل القارئ م ي أ عن صحة هذا الحديث وعن معناه: "من صام الدهر، ضُيِّقت عليه جهنم هكذا". وعقد تسعين.
والجواب بحول الملك الوهاب: أنه لا يصحُّ مرفوعًا، وثبت وقفهُ. فأخرجه النسائيّ في "المحاربة" كما في "أطراف المزى" (181/6) ، وابنُ خزيمة (2154،2155)، وابن جرير في "تهذيب الآثار" (485 مسند عمر)، والبزار (3062 البحر) من طرقٍ عن محمد بن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي تميمة وهو طريف بن مجالد ، عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا به.
قال ابن خزيمة: "لم يُسند هذا الخبر عن قتادة غير ابن أبي عدي، عن سعيد" وقال البزار: "وهذا الحديث قد رواه غيرُ واحدٍ، عن قتادة، عن أبي تميمة، عن أبي موسى موقوفًا، وأسنده ابنُ أبي عدي، عن ابن أبي عروبة".
قُلْتُ: كذا قالا، ولم يتفرّدْ محمد بن إبراهيم بن أبي عدي بوصله، فتابعه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، قال: نا سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد سواء.
أخرجه الرُّوياني في "مسنده" (561) قال: أخبرنا محمد بن بشار، نا ابنُ أبي عدي وعبد الأعلى، قالا: نا سعيد بن أبي عروبة بهذا وقد توبع ابن أبي عروبة على رفعه.
تابعه شعبة بن الحجاج، فرواه عن قتادة بهذا الإسناد.(1/416)
أخرجه ابنُ جرير في "تهذيب الآثار" (486 مسند عمر) قال: حدثنا ابنُ بشارٍ، وابنُ المثنَّى، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة. وقد روى ابنُ جرير قبله حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بهذا مرفوعًا ثم أردفه بحديث شعبة ثم قال: "بنحوه". وهذا يقتضي أن حديث شعبة مرفوعٌ. وقد رواه غيرُ محمد بن جعفر عن شعبة موقوفًا.
فأخرجه أحمد (412/4)، وابنُ أبي شيبة (78/3) قالا: حدثنا وكيعٌ. والطيالسيُّ (513)، ومن طريقه ابن جرير (488) والبيهقيُّ (300/4) قالا: ثنا شعبة، عن قتادة به موقوفًا.
وفي "مسند الطيالسيّ": "لم يرفعْه شعبةُ، ورفعه سعيدٌ". ووقفُهُ عن شعْبة أشهر. وهو أصحُّ في حديث قتادة.
فقد رواه أيضًا همامُ بن يحىى، عن قتادة بهذا الإسناد موقوفًا.
أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" (563) قال: حدثني مسلم بن إبراهيم، ثنا همامٌ بهذا.
وتابعه أيضًا هشام بن أبي عبد الله الدستوائيُّ، عن قتادة مثله موقوفًا أخرجه ابنُ جرير في "التهذيب" (487،489) من طريق معاذ بن هشام وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، قالا: ثنا هشام الدستوائي به.
فقد رأيت أراك اللهُ الخير أن شعبة على اختلافٍ عنه، وهشامًا الدستوائيّ، وهمام بن يحىى رووا هذا الحديث عن قتادة موقوفًا وتأيدت رواية قتادة الموقوفة، بمتابعة سفيان الثوري، فقد رواه عن أبي تميمة، عن أبي موسى رضي الله عنه موقوفًا.
أخرجه عبدُ الرزَّاق في "المصنّف" (ج/4رقم7866).
ورواه عقبة بن عبد الله الأصمُّ وهو ضعيفٌ، عن أبي تميمة، عن أبي موسى موقوفًا.
أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص197). قال: حدثني حوثرة بن أشرس بن عون العدوي، قال: أخبرني عقبة بن عبد الله بهذا.(1/417)
أمَّا روايةُ الرفع، فتابع ابن أبي عروبة عليها أبان بن أبي عيَّاش. أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" (564) قال: حدثني مسلم بن إبراهيم قال: ثنا أبان بن أبي عياش، عن أبي تميمة، عن أبي موسى مرفوعًا. قال همامٌ، فقلتُ له: فإن قتادة لم يرفعْهُ، فقال أبانُ: أخبرني في بيتي مرفوعًا.
وإسنادهُ ساقطٌ، وأبانُ تالفٌ، ولكن تابعه الضحَّاك بن يسار أبو العلاء البصريُّ، أنه سمع أبا تميمة يحدِّثُ به عن أبي موسى مرفوعًا أخرجه أحمد (412/4) قال: حدثنا وكيعٌ. والبزار (3063 البحر)، والبيهقيُّ في "السنن الكبير" (300/4)، وفي "السنن الصغير" (1415) عن الطيالسيِّ وهذا في "مسنده" (514)، وابنُ حبان (3584)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (2562) عن حفص بن عمر. والعقيليُّ في "الضعفاء" (2-219)، والبيهقي فى "الكبير" (4-300)، وفى "الشعب" (3891) عن أبي الوليد الطيالسيّ قالوا: ثنا الضحاك بن يشار بهذا الإسناد. وإسنادُهُ ضعيفٌ.
والضحاك؛ ضعّفه ابن معين، وأبو داود، والساجي، والعقيليَّ، وابنُ الجارود. ومع تضعيف هؤلاء النقاد له، قال ابنُ عدي: "لا أعرفُ له إلا الشيء اليسير" فهذا مما يقوي ضعفَهُ، خلافًا لأبي حاتمٍ، فإنه قال: "لا بأس به". وهذا قلَّما يقع لمثل أبي حاتم. والله أعلم.
وقد قال العقيلي في ترجمة "الضحَّاك": "وقد روي هذا عن أبي موسى موقوفًا، ولا يصحُّ مرفوعًا".
أمَّا معنى الحديث على فرض صحته؛ فقال ابن خزيمة (313/3143): "سألتُ المزنيَّ عن معنى هذا الحديث، فقال: يشبه أن يكون معناه، أي: ضيِّقت عنه جهنم، فلا يدخلُ جهنم، ولا يشبهُ أن يكون معناه غير هذا، لأن من ازداد لله عملا وطاعةً، ازداد عند الله رفعةً، وعليه كرامةً، وإليه قُرْبةً. هذا معنى جواب المزنيَّ". انتهى.(1/418)
وقال البزار: "يحتمل معناه عندي والله أعلمُ أن تضيق عليه فلا يدخُلُها، جزاءً لصومه، ويحتمل أيضًا إذا صام الأيام التي نهى النبيُّ صلي الله عليه وسلم عن صومها، فتعمَّد مخالفة الرسول صلي الله عليه وسلم ، أن يكون ذلك عقوبةً، لمخالفة رسول الله صلي الله عليه وسلم ". انتهى.
ونقل الحافظ في "الفتح" (223/4) كلام ابن خزيمة، ثم قال: "ورجّح هذا التأويل جماعةٌ، منهم الغزاليُّ، فقالوا: له مناسبةٌ من جهة أن الصائم لمَّا ضيَّق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم، ضيَّق الله عليه النار، فلا يبقى له فيها مكانٌ، لأنه ضيَّق طرقها بالعبادة، وتُعُقِّب: ليس كلُّ عمل صالحٍ إذا ازداد العبدُ منه، ازداد من الله تقرُّبًا، بل رُبَّ عمل صالحٍ إذا ازداد منه، ازداد بُعْدًا كالصلاة في الأوقات المكروهة، والأولى إجراء الحديث على ظاهره، وحمله على من فوَّت حقًا واجبًا بذلك، فإنهُ يتوجَّه إليه الوعيد، ولا يخالفُ القاعدة التي أشار إليها المزنيُّ" اه.
قُلْتُ: وهذا جوابٌ بديعٌ من الحافظ رحمه الله، وما أمرُ الخوارج عنك ببعيد، فقد اتفق كلُّ من نقل أخبارهم على أنهم كانوا من أعبد الناس، حتى كنت ترى سيما الصلاة في وجه الواحد منهم كرُكبة العنز، مع فرط تألُّههم، وتجافيهم عن الدنيا، ومع ذلك قال فيهم رسولُ الله صلي الله عليه وسلم : "يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرَّميَّةِ، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم؛ لأقتلنهم قتل عادٍ".
فقومٌ يقول عنهم رسولُ الله صلي الله عليه وسلم مثل هذا القول الشديد، لا يزدادون بعبادتهم إلا بُعْدًا، وصدق ابن مسعودٍ رضي الله عنه إذ قال: "اقتصادٌ في سنةٍ، خيرٌ من عمل كثيرٍ في بدعةٍ". أو كما قال.(1/419)
وما أحسن ما رواه البيهقيُّ في "سننه" (466/2) من طريق أبي زرعة الرازي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان، عن أبي رباحٍ، عن سعيد بن المسيب؛ أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيها الركوع والسجود، فنهاهُ. فقال: يا أبا محمد! يعذبُني اللهُ على الصلاة؟! قال: لا، ولكن يعذِّبُك على خلاف السنة.
وصحَّح إسناده شيخُنا أبو عبد الرحمن الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" (236/2).
قُلْتُ: ورجالُهُ ثقاتٌ أئمةٌ، لولا أن أبا رباح شيخ الثوري ما عرفتُهُ، ويحتمل أن يكون هو أبو رباح بن أبي الحكم بن حبيب الثقفي، ترجمه ابنُ أبي حاتم (371/2/4)، وابن حبان في "الثقات" (573/5) وقالا: "روى عنه عمر بن ذرّ".
ويحتمل أن يكون هو رباح بن أبي معروف المكيِّ، وتكونُ أداةُ الكنية مقحمةً، فإن الثوري يروي عنه، وهو قد روى عن جماعة من التابعين، منهم عبد الله بن أبي مليكة، وغيره، فروايتُهُ عن سعيد محتملة، ثم هو مختلفٌ فيه، وهو وسطٌ.
فإن يكنْهُ، فالإسناد صالحٌ، ومثلُ هذه الحكايات يتسامح فيها أهلُ العلمُ.
وحملُ الحديث على من فوَّت حقًا واجبًا أولى، فإنه يتوجه إليه الوعيد، كمن يترك التداوي لما في الصبر على المرض من الأجر، لكنه يضيّعُ الصلاة مثلا لعدم قدرته على احتمال الألم، فإن ترك التداوي وإن كان جائزًا لمن له قدرةٌ على الصبر، لكنه لا يجوز إذا فوّت المرءُ به ما أوجبه الله عليه. والله أعلمُ.
---
يسأل القارئ: ح أ م ، فيقول: روى أبو داود في "سننه" حديث أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأذنان من الرأس" وقال كلامًا عقب الحديث، لم أفهم مراده منه. فما هو مراده؟ وهل الحديث صحيح أم لا؟
والجوابُ بحول الملك الوهاب : أنه حديث "ضعيف".(1/420)
فأخرج أبو داود (134) قال: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حمادٌ. (ح) وحدثنا مسدَّدٌ وقتيبةُ، عن حماد بن زيدٍ، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة، وذكر وضوء النبيِّ صلي الله عليه وسلم ، قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يمسح المأقين، قال: وقال: "الأذنان من الرأس" قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة. قال قتيبةُ: قال حمادٌ: لا أدري هو من قول النبي صلي الله عليه وسلم أو من أبي أمامة، يعني: قصة الأذنين. قال قتيبةُ: عن سنان أبي ربيعة. قال أبو داود: هو ابنُ ربيعة كنيتُهُ: أبو ربيعة" انتهى.
قُلْتُ: وأخرجه الترمذيُّ (37) قال: حدثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ. وابنُ ماجة (444)، والدارقطنيُّ (103/1) عن محمد بن زياد الزيادي. وأحمدُ في "مسنده"، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (88،359)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج/8 رقم 7554) عن عفان بن مسلم. وأحمد أيضًا (264/5، 278) قال: حدثنا يونس بن محمد المؤدِّبُ ويحىى بن إسحاق. والدارقطنيُّ (1-103)، والبيهقيُّ (66/671) عن سليمان بن حرب. والطحاوي في "شرح المعاني" (33/1) عن يحىى بن حسَّان. وابنُ عدي في "الكامل" (1277/3) عن أحمد بن عبدة. وابنُ جرير في "تفسيره" (11381 شاكر) عن حماد بن أسامة. والدارقطنيُّ (03/1) عن الهيثم بن جميل، وأبي عمر الضرير، ومحمد بن أبي بكر. والطبرانيُّ في "الكبير" (7554) عن عارم، وخالد بن خداش وأبي عمر الضرير. والبيهقيُّ (66/1) عن مسدَّد بن مسرهد وأبي الربيع الزهراني قالوا جميعًا: حدثنا حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة ورواه محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا حماد بن زيد بإسناده لكنه قال عن أبي أمامة أو عن أبي هريرة. هكذا على الشكِّ في صحابيِّ الحديث. أخرجه ابنُ جرير (11379). وكذلك شك مُعَلَّى بن منصور فروى هذا الحديث عن حماد بن زيد بسنده فقال: "عن أبي أمامة عن النبي صلي الله عليه وسلم أو عن أبي أمامة قال: الأذنان من الرأس".(1/421)
أخرجه الدارقطنيُّ (103/1) عن محمد بن شاذان، نا مُعَلَّى بن منصور. ولكني وجدتُ أبا كريبٍ وهو محمد بن العلاء رواه عن مُعَلَّى بن منصور، عن حماد بن زيد كما رواه الجماعة. أخرجه ابنُ جرير (11380).
قُلْتُ: فقد رأيت أراك اللهُ الخير أن خمسة عشر راويًا فيهم جمعٌ من الحفاظ الأثبات رووا هذا الحديث عن حماد بن زيد بسنده فجزموا أن الحديث من "مسند أبي أمامة" وأنه مرفوعٌ إلى النبي صلي الله عليه وسلم . وخالفهم سليمان بن حرب فجزم بأن قوله: "الأذنان من الرأس" من كلام أبي أمامة رضي الله عنه. فنظر الدارقطنيُّ في هذا الاختلاف، فقال عقب تخريجه الحديث: "أسند هؤلاء عن حماد، وخالفهم سليمان بن حربٍ، وهو ثقةٌ حافظٌ".(1/422)
فهذا يدلُّ على أنَّ الدارقطنيّ يرجح رواية سليمان بن حرب على رواية هؤلاء النفر، وفيهم من ذكرتُ من الحفاظ، وهذا يخالفُ القاعدة الكليَّة التي وضعها علماءُ الحديث في تعريف الشاذ، ولكن هذه القاعدة قد تتخلف أحيانًا لقرائن تكون عند الناقد، ولعل من القرائن التي اعتمد عليها الدارقطني في ترجيح رواية سليمان وحده أنه كان ذا خصوصيةٍ في حماد بن زيدٍ. فقد ذكر يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (170/1) عن سليمان بن حربٍ قال: "اختلفت إلى شعبة، فلما مات جالستُ حماد بن زيد ولزمته حتى مات، جالستْهُ تسع عشرة سنة". ومن القرائن أيضًا الأخذ بالأقل عند الاختلاف، والأقلُّ أن يكون موقوفًا لا مرفوعًا، إنما أقولُ هذا تخريجًا لصنيع الدارقطنيّ رحمه الله، وإلا فالصواب عندي هو تقديم رواية الجماعة على روايته وحده، لا سيما وقد نقل الترمذي عن شيخه قتيبة بن سعيد أنه قال: قال حمادٌ: لا أدري، هذا من قول النبيّ صلي الله عليه وسلم أو من قول أبي أمامة؟ فدلَّنا ذلك على أن الذي شك في رفعه أو في وقفه إنما هو حماد بن زيد فتلقَّاهُ عنه الجماعة مرفوعًا، وسليمانُ بن حربٍ موقوفًا، وإذ الأمرُ كذلك فلا داعي لنصب الخلاف بين الرواة عن حمادٍ، ولا داعي أيضًا لقول سليمان ابن حرب فيما ذكره البيهقيّ إذ قال: "الأذنان من الرأس إنما هو من قول أبي أمامة، فمن قال غير هذا، فقد بدَّل، أو كلمة قالها سليمانُ، أي: أخطأ" انتهى، لأنه من العسير أن يهم أو يخطئ هذا الجمع الغفير من الثقات، ويتواطئوا على التبديل.
فهذا هو مرادُ أبي داود من التعليق على هذا الحديث. والله أعلم.
أما الحكمُ على الحديث، فهو الضعفُ، وقد قال الترمذيُّ عقبهُ: "ليس إسنادُهُ بذاك القائم" وسنان بن ربيعة وشهر بن حوشب متكلمٌّ فيهما ولا يصحُّ في مسح المأقين حديث مرفوع. والمأق، ويقال أيضًا: الماق بلا همزٍ والموق: طرفُ العين الذي يلي الأنف.(1/423)
وكذلك: "الأذنان من الرأس" قد رُوي مرفوعًا عن جماعةٍ من الصحابة ولا يصح منها شيئٌ كما جزم بذلك جماعةٌ من النقاد، والصوابُ أنه موقوف وقد استوفى شيخنا الألباني رحمه الله أحاديث هؤلاء الصحابة في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (رقم36) ورجح الرفع لإسنادٍ وجده في "المعجم الكبير" للطبرانيّ وقال: "وهذا سندٌ صحيحٌ، رجالُهُ كلهم ثقات ولا أعلمُ له علَّةً.." وصحح الحديث وحكى عن بعض العلماء القول بأنه متواتر ولكني وقفتُ على علَّته، فإذا هي المخالفة كما ذكرتُهُ في "نوح الهديل بكشف ما في سنن أبي داود من التذييل" والحمد لله.
---
ويسألْ القارئ: م ع أ فيقول: هل ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "لا يتمنى أحدُكم الموت لضر أصابه أو نزل به". فإذا صحَّ فكيف دعا الإمام البخاري على نفسه بالموت مع ثبوت هذا الحديث؟
والجواب بحول الملك الوهاب:
أن هذا الحديث صحيحٌ.
وقد ثبت من حديث أنسٍ، وأبي هريرة، وخباب بن الأرت رضي الله عنهم، وله شواهد عن آخرين من الصحابة في أسانيدها مقالٌ.(1/424)
أمَّا كيف دعا الإمام البخاريُّ على نفسه، فلا بد من معرفة القصة على وجهها فاعلم أيها المسترشد أنه ثارت في أيام الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فتنةٌ عمياء، وداهيةٌ دهياء، وفكرةٌ صلعاء، ألا وهي فتنةُ خلق القرآن ووقف لها جمعٌ من العلماء الربانيين وعلى رأسهم الإمامُ أحمد، حتى كسر الله عز وجل بهم شوكة الجهمية، فحوروا مرادهم بطريقة أخرى وهو أنهم قالوا: "لفظي بالقرآن مخلوق" و"اللَّفظ" كلمة مجملةٌ فقد يقصد بها الملفوظ وهو القرآن وقد يُقصد بها حركة اللسان فوقف الإمامُ أحمد ومحمد بن يحىى الذهلي مع جماعةٍ من أهل العلم لهذه البدعة الجديدة بالمرصاد، فلما أراد البخاريُّ رحمه الله أن يدخل نيسابور، قال عالمُها وفاضلُها محمد بن يحىى الذهلي أحدُ مشايخ البخاري : إن العبد الصالح محمد بن إسماعيل سيأتينا غدًا، فمن أراد أن يستقبله، فإني مستقبلُهُ فاستقبله الناس على ثلاثة فراسخ، ونثروا الحلوى على رؤوس الناس ابتهاجًا بمقدم هذا العبد الصالح، ونزل في دار البخاريين في نيسابور، ثم بدأ يعقد مجالس الإملاء.
وقال أبو أحمد بنُ عدي. ذكر لي جاعةٌ من المشايخ أنَّ محمد بن إسماعيل لمَّا ورد نيسابور اجتمع الناسُ عليه، حَسَدَهُ بعضُ من كان في ذلك الوقتِ من مشايخِ نيسابور لمّا رأوا إقبال الناسِ إليه، واجتماعهم عليه، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق، فامتحنوه في المجلس. فلما حضر الناسُ مجلسَ البخاري، قام إليه رجلٌ، فقال: يا أبا عبدِ الله، ما تقول في اللفظِ بالقرآن، مخلوقٌ هو أم غيرُ مخلوق؟ فأعرض عنه البخاريُّ ولم يُجِبْه. فقال الرجلُ: يا أبا عبد الله، فأعاد عليه القولَ، فأعرضَ عنه. ثم قال في الثالثة، فالتفَتَ إليه البخاريُّ، وقال: {القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة} فشغب الرجل وقال: قد قال لفظي بالقرآن مخلوق.(1/425)
وذكر بعض أهل العلم أن هذا كان حسدًا من الذهلي على البخاري، وأنا أستبعد ذلك، فقد كان الذهلي من أفاضل أهل العلم وخيارهم، ولكن ما يُعابُ عليه أنه لم يتثبت من مقالة البخاري، فإن البخاري ما قال: لفظي بالقرآن مخلوق، إنما قال: أفعالُنا مخلوقة... ثم امتدت المحنة حتى خرج البخاريُّ من نيسابور، فاستقبلته محنةٌ أخرى عندما نزل بخارى. فقد قال بكر بن منير بن خليد بن عسكر: بعث الأمير خالد ابن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احملْ إليَّ كتاب "الجامع" و"التاريخ" وغيرهما لأسمع منك. فقال لرسوله: أنا لا أَذِلُّ العلمَ، ولا أَحْمِلُه إلى أبوابِ الناس. فإن كانت لكَ إلى شيءٍ منه حاجةٌ، فاحضُر في مسجدي، أو في داري. وإن لم يعجبْك هذا فإنك سلطانٌ، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذرٌ عند الله يومَ القيامة، لأنّي لا أكتُم علم، لقول النبيِّ صلي الله عليه وسلم: "مَنْ سُئِل عَنْ عِلمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجامٍ مِنْ نارٍ" فكان سبب الوحشة بينهما هذا.(1/426)
فلما وقع هذا للإمام خشي على دينه، قال ابنُ عدي: سمعتُ عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي يقول: جاء محمد بن إسماعيل إلى خَرْتَنْك وهي قريةٌ على فرسخين من سمرقند، وكان له بها أقرباء، فنزل عندهم، فسمعتُهُ ليلةً يدعو، وقد فرغ من صلاة الليل: اللهم إنه ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك، فما تمَّ الشهر حتى مات. وقد جعل جماعةُ العلماء حديث النهي عن تمني الموت خاصًا بالمصائب التي يبتلى العبدُ بها في الدنيا، أمَّا إذا خشى ذهاب دينه، فيشرع له أن يدعو بالموت، وقد عقد البخاري في "كتاب الفتن" (13-7574) بابًا لذلك. فقال: "باب: لا تقوم الساعة حتى يغبط أهلُ القبور". ثم روى فيه حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانك". وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا. وقال ابنُ عبد البر: "ظنَّ بعضهم أن حديث أبي هريرة معارض للنهي عن تمني الموت، وليس كذلك، إنما في حديث أبي هريرة أن هذا القدر سيكون لشدةٍ تنزلُ بالناس من فساد الحال في الدين، أو ضعفه، أو خوف ذهابه، لا لضرر ينزل بالجسم، كما قال الحافظ، وكذلك أجاب القرطبيُّ وغيرُهُ. وقد أثر عن جماعة من السلف أنهم تمنوا الموت خوف الفتنة في الدين، وأنا أذكر ما يحضرني من ذلك. وقد ورد هذا المعنى في حديث ابن عباس مرفوعًا: "... وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون" أخرجه أحمد (1-368)، والترمذيُّ (3233) وصححه الألباني في (صحيح الترغيب 405، 451) وصحيح الجامع (59)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (2-169)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (682)، وابن خزيمة في "التوحيد" (ص218217) عن أبي قلابة، عن ابن عباسٍ، ولكنه لا يصح لاضطرابه، ولانقطاعٍ في سنده. وإنما نبهتُ على ذلك لأن بعض العلماء كابن كثيرٍ رحمه احتج به على هذا المعنى، وهو رائقٌ لو صحَّ الحديث.
أما الآثار عن السلف رحمهم الله، فمنها:(1/427)
1 ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4-518) من طريق بشر بن بكر حدثني الأوزاعي عن يحىى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة قال: عدتُ أبا هريرة، فسندتُهُ إلى صدري ثم قلتُ: اللهم اشف أبا هريرة. فقال: "اللهم لا ترجعها" ثم قال: إن استطعت يا أبا سلمة أن تموت فمُتْ. فقلت: يا أبا هريرة إنا لنحب الحياة. فقال: والذي نفسُ أبي هريرة بيده، ليأتين على العلماء زمانٌ الموت أحبُّ إلى أحدهم من الذهب الأحمر، ليأتين أحدُكم قبر أخيه فيقول: ليتني مكانه. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1-384) من طريق عبيد الله بن عمر، ثنا حماد بن زيد، ثنا أيوب، عن يحىى بن أبي كثيرٍ بهذا باختصارٍ.
قال الحاكم: "صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". والصوابُ أنه على شرط البخاري، وبشر بن بكر لم يخرج له مسلمٌ شيئًا.
2 وما أخرجه أبو العباس الأصم في "الثاني من حديثه" (ق 169-1702-1) قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرني أبي، حدثني ابنُ جابرٍ، عن عمير بن هانئ، أنه حدثه قال: كان أبو هريرة يمشي في سوق المدينة وهو يقول: اللهُمَّ لا تدركني سنة الستين، اللَّهُمَّ لا تدركني إمارة الصبيان".
وأخرجه أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" (234) قال: أخبرنا أبو مُسهرٍ، قال: حدثني صدقةُ بنُ خالدٍ، عن ابن جابرٍ، عن عمير بن هانئ، قال: كان أبو هريرة يقول: تشبثوا بصُدغي معاوية! اللَّهُمَّ لا تدركني سنة ستين! ثم أخرجه أبو زرعة (235) من طريق الوليد بن مسلم عن ابن جابرٍ بهذا الإسناد.
ثم زاد: "فتوفي أبو هريرة فيها أو قبلها بسنةٍ".
وأخرج الطبرانيُّ في "الأوسط" (1397) قال: حدثنا أحمد هو: ابن محمد بن صدقة قال: حدثنا محمد بن معمر البَحْراني، قال حدثنا رَوْح بن عُبَادَةَ، قال حدثنا حماد بن سَلَمَةَ، عن علي بن زيد، عن أبي حازم.(1/428)
عن أبي هريرة أنه قال: "في كيسي هذا حديث، لو حَدَّثْتُكُمُوْهُ لَرَجَمْتُمُوْني، ثم قال: اللهمَّ لا أَبْلُغَنَّ رأسَ السِّتِّيْنَ. قالوا: وما رأسُ الستينَ؟ قال: إِمارةُ الصبيانِ، وبَيْعُ الحُكْم، وكَثْرَةُ الشُّرَطِ، والشهادةُ بالمعرفةِ، ويَتَّخِذُونَ الأمانةَ غَنِيْمَةً، والصّدقةَ مَغْرَمًا، ونَشْوٌ يتَّخذونَ القرآنَ مَزَامِيْرَ، قال حماد: وأظنَّهُ قال: والتهاونُ بالدَّمِ".
قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد، إلا حمادٌ، تفرَّد به روح بنُ عبادة". وسندُهُ حسنٌ في المتابعات، وعلي بن زيد ضعيفُ ولكن رواية حماد بن سلمة عنه أمثل من رواية غيره عنه كما قال أبو حاتم الرازي، قال الحافظ في "الفتح" (1-216): "يشيرُ يعني: أبا هريرة إلى خلافة يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة".
وكأنه لأجل هذا ومثله كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "حفظت من رسول الله صلي الله عليه وسلم وعاءين: فأمَّا أحدُهما فبثثته، وأمَّا الآخر، فلو بثثتهُ قُطع هذا البلعوم". أخرجه البخاريُّ (1-216) من طريق عبد الحميد بن أبي أويس، والبزار في "مسنده" (ج2-ق177-2) من طريق بهلول بن مورق. وابنُ عدي في "الكامل" (1-33) من طريق ابن أبي فديك قالوا: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
وأخرجه البزار في "مسنده" (ج2-ق229-2) قال: حدثنا الوليد بن عمرو بن سكين، نا كثير بن هاشم، حدثنا جعفر بن بُرقان، عن يزيد الأصم، عن أبي هريرة قال: عندي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم جرابان، قد حدثتكم بأحدهما، ولو حدثتكم بالآخر لفعلتم بي وفعلتم.
وهناك آثار أخرى عن جمع من الصحابة فيها الحسنُ الثابت والضعيف ذكرها نعيم بن حماد في "الفتن" (1-7771)، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (181178)، والحاكم (4-486).
رأيت أن لا أطيل الأمر بذكرها. والله نسأل أن يقبضنا على التوحيد الخالص إنَّه جوادٌ كريم.(1/429)
والحمد لله رب العالمين
---
يسأل القارئ أ ح م فيقول: سمعتُ بعض مشايخ الحديث يقول عن حديث: أن رجلا لُدغ فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرك". فقال هذا الشيخ إن هذا الحديث ضعيفٌ لاضطرابه، مع أنني بحثت عنه فوجدتُهُ في "صحيح مسلم" فما قولكم في ذلك؟
والجواب بحول الملك الوهاب:
أن هذا الحديث صحيحٌ لا شك فيه، ولكن وقع في إسناده اختلافٌ، فلربما رآه ذلك الشيخ مؤثرًا، وقصد وجهًا واحدًا من الاختلاف، ومع ذلك فلا يُحكم على الحديث بالاضطراب إلا إذا تعذر الترجيح، وتساقطت كلُّ الوجوه جميعًا، أمَّا إذا رجحنا وجهًا على آخر، فيُنفى الاضطراب، ويُحكم للوجه الراجح علي ما سواه. فهذه هي القاعدةُ الكلية للحديث المضطرب. أمَّا الحديثُ: فأخرجه النسائيُّ في "اليوم والليلة" (596)، والطحاويُّ في "المشكل" (28) عن أسد بن موسى وأحمد في "المسند" (448/3 و430/5)، والطحاويُّ في "المشكل" (25) عن وهب بن جرير. وأبو يعلي الخليلي في "الفوائد" (ق21128) ومن طريقه الرافعي في "أخبار قزوين" (192/2) عن سلْم بن سلام ثلاثتهم عن شعبة بن الحجاج، عن سهيل بن أبي صالح وأخيه هو صالح ابني أبي صالحٍ، عن أبيهما، عن رجلٍ من أسلم أنه لُدغ، فشكا ذلك... الحديث. وقد توبع شعبةُ. فأخرجه أبو داود(3898)، والنسائيُّ(594)، والطحاويُّ(26) عن زهير بن معاوية، والنسائيُّ أيضًا (593،596) والطحاويُّ (24،29) عن وهيب بن خالد وسفيان بن عيينة. والطحاويُّ أيضًا(27) عن أبي عوانة. وعبد الرزاق في "المصنف" (19834) عن معمر بن راشد. والنسائيُّ (592)، والطحاويُّ (33)، والبيهقيُّ في "الدعوات الكبير" (36) عن سفيان الثوري كلهم عن سهيل بن أبي صالح بهذا الإسناد. وقد اختلف على سهيل في إسناده. فرواه الثوريُّ، وشعبة، ومعمر بن راشد، وأبو عوانة وسفيان بن عيينة، ووهيب بن خالد وزهير بن معاوية(1/430)
وكلهم من الثقات الأثبات عن سهيل فجعلوه من "مسند رجلٍ من أسلم" وخالفهم مالك فرواه عن سهيل بن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رجلا من أسلم، قال: ما نمتُ هذه الليلة، لدغتني عقربٌ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "أما لو قلت حين أمسيت: أعوذُ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق، لم يضرك إن شاء الله.." فجعله من "مسند أبي هريرة".
أخرجه أحمد (375/2) قال: حدثنا إسحاق هو ابن عيسى ، والبخاريُّ في "خلق أفعال العباد" (445) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف وعبد الله بن مسلمة القعنبي والنسائيّ في "اليوم والليلة" (589)، قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد. والطحاويُّ في "المشكل" (16) عن عبد الله بن وهب، وابنُ حبان (1021) عن أحمد بن أبي بكر والبيهقيُّ في "الأسماء" (365) عن يحىى بن بكير، قالوا: ثنا مالك، وهو في "الموطأ" (11/951/2) عن سهيل بن أبي صالح بهذا. ولم يقع لفظُ المشيئة عند أحمد.
وزاد النسائيّ بعدها: "شيءٌ". وأفاد ابنُ عبد البر في "التمهيد" (241/21) أن ابن وهبٍ رواه عن مالكٍ بإسناده، إلا أنه لم يذكر المشيئة في آخره. وقد رواه الطحاوي عن ابن وهبٍ فذكرها والحمد لله.
وأخرجه أبو داود (3898) عن زهير بن معاوية. وابنُ ماجة (3518)، والبخاريُّ في "خلق الأفعال" (446)، والنسائيُّ في "العمل" (591)، وأبو يعلى (6688)، وابنُ حبان (1036)، والطحاويُّ (21)، وابن حبان (1022) عن جرير بن حازم. والنسائيُّ (590)، وأحمد (290/2)، والطحاويُّ (20) عن هشام بن حسَّان والبخاريُّ (448،449)، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (241/21) عن سعيد بن عبد الرحمن الجُمحي. والنسائيُّ (588)، والطحاويُّ (19) عن حماد بن زيدٍ. والطحاوي أيضًا عن الثوري وروح بن القاسم. والطبرانيُّ في "الأوسط" (523) عن إبراهيم بن أبي بكر بن المنكدر كلهم عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة فذكره.(1/431)
قُلْتُ: فقد رأيت أراك الله الخير أن جمعًا من الثقات رووه عن سهيل فجعلوه من "مسند أبي هريرة" فيحتمل أن يكون الوجهان جميعًا صحيحين ويقعُ لي أن الحديث من "مسند أبي هريرة" ، وهذا أولى أن يكون محفوظًا، لأن سهيلا كانت قد أصابته علَّةٌ، فنسى بعض حديثه فلعلَّه اضطرب في إسناد هذا الحديث ولم يُحكمْهُ. وقد رجَّح الطحاويُّ ذلك فقال في "المشكل": "ولما وجدنا من رواية القعقاع عن أبي صالح، عن أبي هريرة لا عن رجلٍ من أسلم، قوي في قلوبنا أن أصل الحديث عن أبي صالح، عن أبي هريرة". انتهى. وحديثُ القعقاع بن حكيمٍ هذا: أخرجه مسلم في "الذكر والدعاء" (2081/4) قال: حدثنا هارون بن معروف وأبو الطاهر. وابنُ خزيمة في "التوحيد" (399/1،401)، والطحاويُّ في "المشكل" (31) قالا: ثنا بحر بن نصر الخولاني، والطحاويُّ أيضًا (30) قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى. وابنُ حبان (1020) عن حرملة بن يحىى قالوا: ثنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، أن يزيد بن أبي حبيب والحارث بن يعقوب حدثاه عن يعقوب بن عبد الله الأشج قال: قال القعقاع بن حكيم، عن ذكوان أبي صالحٍ، عن أبي هريرة.. فذكر مثله وقد رواه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب على وجه اخر ذكرتُهُ في "تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر في هذا الحديث، وقد تبيَّن بحمد الله تعالى أن الاضطراب منتفٍ عنه بالترجيح الذي ذكرناه، وليس ببعيدٍ تصحيحُ الوجهين جميعًا كما تقدَّم لا سيما وقد رواه الثوري وزهير بن معاوية عن سهيلٍ بالإسنادين جميعًا. والله سبحانه وتعالى أعلمُ.
---
ويسأل القارئ: إ ح ع محافظة كفر الشيخ عن صحة حديث "لا يتم بعد احتلام".
والجواب بحول الملك الوهاب:
أما الحديث: فهو حديث "حسن" موقوفًا.
وقد ورد من حديث علي بن أبي طالبٍ، وجابر بن عبد الله، وأنس، وحنظلة بن حذيم رضي الله عنهم.
أولا: حديثُ علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه. وله عنه طرقٌ.
1 عبد الله بن أبي أحمد، عنه.(1/432)
أخرجه أبو داود (2873)، والطحاويُّ في "المشكل" (280/1) قال: حدثنا عمر بن عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص الخزاعي. والطبرانيُّ في "الأوسط" (290) قال: حدثنا أحمد بن رشدين. وفي "الصغير" (266) قال: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفَّاف المصريُّ، قالوا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا يحىى بن محمد المديني، حدثنا عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم، عن أبيه، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يزيد بن رقيش، أنه سمع شيوخًا من بني عمرو بن عوف، ومن خاله عبد الله بن أبي أحمد، قال: قال علي بن أبي طالب: حفظتُ عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، قال: "لا يُتم بعد احتلام، ولا صُمات يوم إلى الليل". لفظُ أبي داود. وزاد الآخران: "ولا طلاق إلا من بعد نكاحٍ، ولا عتاق إلا من بعد ملكٍ، ولا وفاء لنذر في معصيةٍ، ولا وصال في الصيام". ووقع عند الطحاوي: "...ابن رقيش، عن عمومةٍ له من بني عمرو بن عوف". وهذا القدر من الإسناد لم يقع عند الطبرانيِّ.
قال الطبرانيُّ في "الأوسط": "لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن أبي أحمد إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به: أحمد بن صالح". وقال في "الصغير": "لا نحفظ لعبد الله بن أبي أحمد حديثًا مسندًا غير هذا". انتهى. وهذا إسنادٌ ضعيفٌ. ويحىى بن محمد هو ابن عبد الله الجاري وثقه يحىى الزِّمِّي، والعجليُّ، وابن حبان في "الثقات" (255/9) وقال: "يغربُ". وقال ابن عدي: "ليس به بأس". لكن قال البخاريُّ: "يتكلمون فيه" وذكره ابنُ حبان في "المجروحين" (130/3) وقال: "كان ممن ينفرد بأشياء لا يتابع عليها على قلة روايته، كأنه كان يهم كثيرًا، فمن هنا وقع المناكير في روايته، يجب التنكُّب عما انفرد به من الروايات، وإن احتج به محتجٌّ فيما وافق الثقات، لم أر به بأسًا". انتهى ولا أعلمُ أحدًا تابعه على هذه الرواية.
وعبد الله بن خالد وأبوه لا يُعرفان. والله أعلمُ.(1/433)
2 النزال بن سبرة، عن علي بن أبي طالبٍ مرفوعًا: "لا رضاع بعد الفصال، ولا وصال، ولا يُتم بعد الحلم، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا طلاق قبل النكاح" أخرجه ابنُ عدي في "الكامل" (545/2)، والبيهقيُّ (461/7) عن عبد الرزاق، وهذا في "المصنَّف" (11450/416/6) عن معمر بن راشد، عن جويبر بن سعيد، عن الضحَّاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة، عن عليٍّ بهذا. وعند عبد الرزاق: "فقال له الثوريُّ: يا أبا عروة هي كنيةُ مَعْمرٍ إنما هو عن عليّ موقوفٌ. فأبى عليه مَعْمر إلا عن النبي صلي الله عليه وسلم ". وعند البيهقيّ: "قال سفيان لمعمر: إنّ جويبرًا حدثنا بهذا الحديث ولم يرفعه. قال مَعْمرٌ: وحدثنا به مرارًا ورفعه".
وقد توبع معمر على رفعه. تابعه سفيان الثوري، فرواه عن جويبر بهذا الإسناد أخرجه الدارقطنيُّ في "العلل" (142/4)، والثقفيُّ في "الثقفيات" (2/9/3) من طريق أيوب بن سويد، عن الثوري بهذا. وهذا منكرٌ عن الثوري لأمرين:
الأول: أن الثوري أنكر على معمر بن راشد رفعه لما تقدَّم، وقال: إنه موقوفٌ.
الثاني: أن أيوب بن سويد ضعيفٌ، وقد خالفه محمد بن كثير، وهو أوثق منه بطبقات، فرواه عن الثوري فوقفه. ورجح الدارقطنيُّ وقفه وقال: "هو المحفوظُ" ومما يؤيد وقفه أن هشيم بن بشير رواه عن جويبر، عن الضحاك، قال: أخبرني النزال بن سبرة، قال: سمعتُ عليًّا يقول: فذكره موقوفًا أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (1030) قال: نا هشيمٌ.
وكذلك رواه حماد بن زيد، وإسحاق بن الربيع عن جويبر بهذا موقوفًا. ذكر ذلك الدارقطنيُّ أيضًا. وترجيح الموقوف على المرفوع نظريٌّ
انتهى
أسئلة عام 1425
محرم 1425 هـ(1/434)
يسأل القارئ فيقول: قرأت في تفسير «مفاتيح الغيب» للفخر الرازي في أثناء تفسيره لسورة يوسف قوله: «واعلم أن بعض الحشرية روى عن النبي أنه قال: «ما كذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذباتٍ». فقلتُ: الأولى أن لا نقبل مثل هذه الأخبار. فقال على طريق الاستنكار: فإن لم تقبلْهُ لزمنا تكذيبُ الرواة؟ فقلت له: يا مسكين! إن قبلناه لزمن الحكمُ بتكذيب إبراهيم عليه السلام، وإن رددناه لزمن الحكمُ بتكذيب الرواة، ولا شك أن صون إبراهيم عليه السلام عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب». انتهى كلام الفخر الرازي، وسؤالي: هل ما قاله الفخر صحيح مع أنني أعلمُ أن الحديث صحيح وهو في البخاري على ما أذكر؟
والجواب بحول الملك الوهاب:
فاعلم أيها السائلك ـ أيدك الله ـ أن الجواب من وجوه:
الوجهُ الأولُ: أنه من المتفق عليه عند سائر العقلاء أنه يُرجع في كل علم إلى أهله، ويقضي لهم على غيرهم، فيُقضى للمحدثين في الكلام على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، ويُقضى للفقهاء في الفقه، وللنحاة في النحو هكذا فإذا علمنا ذلك، فينبغي أن لا يقبل كلام الفخر الرازي في الحكم على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، لأنه مزجي البضاعة في الحديث، تام الفقر في هذا الباب، وقد قضى الرجل حياته في محاربة السحت، ووضع الأصول الفاسدة لردها، وقد اعترف في آخر حياته بندمه على عمره الذي أنفقه في هذا الخطل. قال الذهبيُّ في «سير النبلاء» (21/501): «وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم، وسحرٌ وانحرافات عن السُّنة، والله يعفو عنه، فإنه توفى على طريقة حميدة والله يتولى السرائر».
الوجه الثاني: أن الحديث صحيح لا ريب فيه وقد ورد عن أبي هريرة وأنس بن مالك، وأبي سعيد الخُدْري وغيرهم.
أمَّا حديث أبي هريرة، فيرويه عنه اثنان:(1/435)
أولهما: الأعرج، عنه مرفوعًا: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قولُه حين دُعي إلى آلهتهم (إني سقيمٌ) وقولُه (فعله كبيرهم هذا) وقولُه لسارة: إنها أختي». قال: «ودخل إبراهيمُ قريةً فيها ملك من الملوك أو جبارٌ من الجبابرة ـ فقيل: دخل إبراهيمُ الليلة بامرأةٍ من أحسن الناس. قال: فأرسل إليه الملك ـ أو الجبارُ ـ : من هذه معك؟ قال: أختي. قال: أرسل بها. قال: فأرسل بها إليه، وقال لها: لا تكذبي قولي، فإني قد أطبرتُهُ أنك أختي، إنْ على الأرض مؤمنٌ غيري وغيرك. قال: فلما دخلت إليه قام إليها، قال: فأقبلت توضأ وتُصلي، وتقولُ: اللهم إن كنت تعلمُ أني آمنتُ بك وبرسولك، وأحصنتُ فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط عليَّ الكافر. قال: فغُطَّ حتى ركض برجله. قال أبو الزنادك قال أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنها قالت: اللهم إنه إن يمت، يُقل: هي قتلته، قال: فأُرسل، ثم قام إليها، فقامت توضأ وتصلي... ثمم حدث هذا ثلاث مراتٍ. فقال في الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إليَّ إلا شيطانًا، أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر. قال: فرجعت، فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله تعالى ردَّ كيد الكافر، وأخدم وليدة، أخرجه أحمد (9341) قال: حدثنا عليُّ بن حفص، عن ورقاء، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا. وأخرجه البخاريُّ في «البيوع» (4/410ـ411)، وفي «الهبة» (5/246)، وفي «الإكراه» (12/321) قال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب بن أبي حمزة، ثنا أبو الزناد بهذا الإسناد، وهو مختصرٌ في الموضع الثاني والثالث واقتصر في الموضع الأول على قصة سارة. وأخرجه النسائيُّ في «المناقب» (5/98ـ الكبرى) عن علي بن عياش، نا شعيب بن أبي حمزة بهذا الإسناد ـ وأخرجه الترمذيُّ (3166) عن محمد بن إسحاق عن أبي الزناد بهذا دون قصة سارة.
ثانيهما: محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، ويرويه عن ابن سيرين ثلاثة:(1/436)
1 ـ أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: «لم يكذب إبراهيمُ النبيُّ عليه السلامُ قطُّ إلا ثلاث كذباتٍ، ثنتين في ذات الله. قولُهُ (إني سقيم) وقولُهُ: (بل فعله كبيرهم) وواحدةٌ في شأن سارة، فإنه قدم أرض جبارٍ ومعه سارة، وكانت أحسن الناس... وساق الحديث بنحو حديث الأعرج. أخرجه البخاريُّ في «النكاح» (9/126) قال: حدثنا سعيد بن تليد ـ ومسلمٌ في «الفضائل» (2371/154) قال: حدثني أبو الطاهر، قالا: ثنا عبد الله بن وهبٍ، قال: أخبرني جرير بن حازمٍ، عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين بهذا.(1/437)
واللفظ لمسلمٍ، وأورده البخاريُّ مختصرًا وأحال على حديث حماد بن زيد الآتي. ورواه حماد بن زيد، عن أيوب السختياني بسدنه سواء لكنه أوقفه على أبي هريرة ولم يذكر فيه رسول الله . أخرجه البخاريُّ في «النكاح» (9/126)، والبيهقيُّ (7/366) عن سليمان بن حدبٍ. والبخاريُّ أيضًا في «أحاديث الأنبياء» (6/388) قال: حدثنا محمد بن محبوب، كلاهما عن حماد بن زيدٍ، عن أيوب بهذا الإسناد في أيوب، فرواية جديد بن حازم عن أيوب صحيحة أيضصا، لأن محمد بن سيرين كان يوقف كثيرًا من حديثه مع كونه مرفوعًا، وهذا معروفٌ عنه، فكأن ابن سيرين كان يرفعه، ثم لا ينشط فيوقفه، فتلقاه عنه أيوب على الوجهين. فإن قلت: فإن جرير بن حازم قد تكلم فيه ابن حبان وقال: «كان يخطئ لأنه كان يحدّث من حفظه». فلعلَّه أخطأ في هذا الحديث ورفعه، وقت خالفه حماد بن زيد وهو أثبت منه فأوقفه. قلتُ: أمَّا جرير بن حازم فقد وثقه ابن معين، والعجليُّ، وقال أبو حاتم: «صدوق». وقال النسائيُّك «لا بأس به» وقال أبو حاتم: «تغيَّر قبل موته بسنةٍ». ولكن هذا التغير لا يضرُّهُ، فقد قال عبد الرحمن بن مهدي: «اختلط، وكان له أولادٌ أصحابُ حديثٍ، فلما أحسوا ذلك منه حجبوه فلم يسمع منه أحدٌ شيئًا حال اختلاطه». وما ذكره ابن حبان فملازمٌ لكثيرٍ من الثقات الأثبات، وأنهم كانوا يخطئون في بعض ما رووه، ولا يضرهم مثل هذا، ولذلك قال الذهبيُّ: اغترفت أوهامه في سعة ما روى» واختيارُ الشيخين لحديثٍ من روايته دالُّ على أنه لم يهم فيه، ومما يدلُّ على أن الحديث مرفوعٌ من رواية ابن سيرين عن أبي هريرة أن هشام بن حسَّان وهو من أثبت الناس في ابن سيرين، قد رواه عنه، عن أبي هريرة مرفوعًا.(1/438)
فأخرجه أبو داود (2212) عن عبد الوهاب الثقفي. والنسائيُّ (5/98 ـ الكبرى) عن أبي أسامة حماد بن أسامة، وابنُ حبان (5737) عن النضر بن شميل ثلاثتهم عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: «إن إبراهيم لم يكذب إلا في ثلاثٍ: ثنتين في ذات الله... وساق الحديث. وخالف هؤلاء الثلاثة: مخلد بن الحسين، فرواه عن هشام بن حسان بهذا الإسناد إلا أنه قال: «كلهنَّ في الله» يعني: الكذبات الثلاثة. أخرجه أبو يعلي (6039) قال: حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرميُّ، ثنا مخلد بن الحسين بهذا. وهذه رواية شاذَّةٌ أو منكرة، والصواب ما اتفق عليه الثقات أن ثنتين من هذه الثلاث كُنَّ في الله عز وجل، وليست عهدة الوهم على مخلد بن الحسين، فإنه ثقة عاقل كيس، وكان هشام بن حسَّان زوج أمِّه. ولكن الشأن في الراوي عنه وهو شيخ أبي يعلي، فقد قال ابنُ حبان: «ربما أخطأ». وقال الأزديُّ: «حدَّث بأحاديث لا يتابع عليها» وقال البيهقيُّ: «غيرُ قويٍّ». وقد وثقه الخطيب، ولو وجدنا له متابعًا لأمكن حمل روايته على معنى مقبول ذكرتُهُ في «تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر في كتب الأماجد» (2003) لا يتسع المجال هنا لذكره.
3 ـ أما الراوي الثالث الذي رواه عن ابن سيرين، فهو عبد الله بن عون. فأخرج هذه الرواية: النسائيُّ (5/98) من طريق النضر بن شميل، عن عبد الله بن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة فذكره موقوفًا. ولا تخالف بين روايته ورواية الرفع لما قدمنا أن ابن سيرين كان يرفعه ويوقفه، وليست هذه علة تقدح في الرواية. فهذا ما يتعلق بحديث أبي هريرة، وهو صحيحٌ لا ريب في ذلك، وقد اتفق عليه الشيخان من رواية ابن سيرين عنه.(1/439)
أمّا حديثُ أنسٍ رضي الله عنه، فأخرجه النسائيُّ في «التفسير» (11433 ـ الكبرى) قال: أخبرنا الربيع بن محمد بن عيسى، ثنا آدم ـ هو ابنُ أبي إياس ـ، ثنا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية، ثنا قتادة، عن أنسٍ مرفوعًا: «يجمع الله المؤمنين يوم القيامة... فذكر حديث الشفاعة، وفيه: «فيأتون إبراهيم، فيقول: إني لست هناكم، ويذكرُ كذباته الثلاث: قولُهُ: (إني سقيمٌ) وقوله: (فعله كبيرهم هذا) وقوله لسارة حين أتى على الجبار، أخبري أني أخوك، فإني سأخبرُ أنا أنك أختي، فإنَّا أخوان في كتاب الله، ليس في الأرض مؤمنٌ ولا مؤمنة غيرنا... الحديث». وإسنادُهُ قويٌّ. وشيخ النسائي لا بأس به كما قال تلميذه النسائيُّ وبقية رجال الإسناد ثقاتٌ معروفون وأمّا حديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه مرفوعًا فذكر حديث الشفاعة وفيه: «فيأتون إبراهيم... فيذكره بنحو حديث أنسٍ الفائت. أخرجه الترمذيُّ (3148) قال: حدثنا ابنُ أبي عمر. وأخرجه أبو يعلي (1040) قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسيّ قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا، وقل اختلف في إسناده، فرواه حماد بن سلمة، عن علي بن زيد عنه أبي نضرة، عنه ابن عباسٍ مرفوعًا فساق حديث الشافعة بطوله.
أخرجه أحمد (1/281 ـ 282) قال: حدثنا عفان بن مسلم، وأيضًا (1/295 ـ 296) قال: حدثنا حسن بن موسى. وأبو يعلي (2328) قال: حدثنا هدبة بن خالد والبيهقيُّ في «الدلائل» (5/481 ـ 483) عن هدبة وأبي داود الطيالسيّ قال أربعتهم: ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بهذا الإسناد.
جعله من «مسند ابن عباس»، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيفُ الحديث، والحديث عندي من «مسند ابن عباسٍ» أشبه، ورواية حماد بن سلمة عن علي بن زيد متماسكة كما يشير إلى ذلك قول أبي حاتم الرازي أن حماد بن سلمة كان أعرف بحديث علي بن زيدٍ من غيره، وهذا لا يعني تصحيح حديثه كما لا يخفى والله أعلم.(1/440)
قُلْتُ: فقد ظهر لك ـ أيها المسترشد ـ أن الحديث صحيحٌ على طريقة أهل الحديث الذين هم فرسان هذا الميدان، وإليهم فيه المرجع والشأن.
الوجه الثالث: أن العلماء الذين مرَّ عليهم هذا الحديث قبل أن يخلق الفخر الرازي فسروه تفسيرًا مستقيمًا، ولم ينصبوا التعارض فيه بين صدق إبراهيم عليه السلام وصدق الرواة. فقال الحافظ في «الفتح» (6/392): «قال ابنُ عقيل: دلالة العقل تصرف ظاهر إطلاق الكذب على إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقًا به، ليعلم صدقُ ما جاء به عن الله عز وجلَّ، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنما أطلق ذلك عليه لكونه بصورة الكذب عند السامع، وعلى تقديره فلم يصدر من إبراهيم عليه السلام إلا في حال شدة الخوف لعلوِّ مقامه، وإلا فالكذبُ المحضُ في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعًا لأعظمهما، وأمَّا تسميته إياها كذباتٍ، فلا يريد أنها تذمُّ، فإن الكذب وإن كان قبيحًا مخلا، لكنه قد يحسنُ في مواضع، وهذا منها». انتهى. وهذا ما يُسمى عند العلماء بالمعاريض وهي مباحةٌ. وقد حاول الفخر الرازي عند تفسيره لقوله تعالى: {بل فعله كبيرهم هذا} أن يتخلص من دلالة الآية على معنى التعريض بوجوهٍ ضعيفةٍ وقد قال (22/186) وهو يذكر هذه الكذبات: «وإذا أمكن حمل الكلام على ظاهره من غير نسبة الكذب إلى الأنبياء عليهم السلا، فحينئذٍ لا يحكم بنسبة الكذب إليهم إلا زنديق». انتهى. ونحن نقول له: المسألة لفظية لا حكمية، ولا يوجد مسلمٌ بحمد الله يجرؤ على تكذيب نبيٍّ، ولم يقل بهذا واحدٌ قط، فإذا كانت المسألة لفظية فما الذي حمل الفخر الرازي على ردِّ الحديث بمثل هذه الشقاشق؟!
الوجه الرابع: «... أولى من صون طائفةٍ من المجاهيل..».(1/441)
والمجهول عند أهل الحديث قسمان: أحدهما مجهول العين، وهو من لم يرو عنه إلا واحدٌ. والثاني: مجهول الحال وهومن لم يأت فيه توثيق معتبرٌ، فإذا علمت ذلك؛ فقد روى هذا الحديث: أبو هريرة، ومحمد بن سيرين، والأعرج، وأبو الزناد، وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن إسحاق، وورقاد بن عمر، وأيوب السختياني، وهشام بن حسان، وعبد الله بن عون وحماد بن زيد، وجرير بن حازم وغيرهم ممن ذكرنا، فمن من هؤلاء يمكن إطلاق اسم الجهالة عليه وهم أئمةٌ ثقاتٌ معروفون؟!
فاللهم غفرًا. وللفخر الرازي مواضع في «تفسيره» أنكر فيها أحاديث صحيحة لعلنا نتعرض لبعضها إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين.
---
صفر 1425هـ
ويسأل القارئ: فيقول:
سمعتُ بعض الخطباء يوم الجمعة يقول: إن الذئب أتى راعيًا فأخبره ببعثة رسول اللَّه ، فهل ذلك صحيحٌ.
والجوابُ : أن هذا الحديث صحيحٌ.(1/442)
أخرجه أحمد (3/83- 84) قال: حدثنا يزيد بن هارون، وعبد بن حميد في «المنتخب» (877)، والبزار (2431)، والطحاوي في «المشكل» (15/480، 481)، والعقيلي في الضعفاء (3/477- 478) عن مسلم بن إبراهيم، والحاكم (4/467- 468) عن وكيع بن الجراح. والبيهقي في «دلائل النبوة» (6/41 ـ 42) عن عبيد الله بن موسى. وأبو نعيم في «الدلائل» (270) عن أبي الوليد الطيالسي، وهدبة بن خالد، وأبي عمر الحوضي وهريم بن عثمان قالوا: ثنا القاسم بن الفضل، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: عدا الذئب على شاةٍ فأخذها، فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، وقال: ألا تتقي الله، تنزع مني رزقًا ساقه الله إليَّ، فقال: يا عجبًا! ذئبٌ مُقْعٍ على ذنبه يكلمني بكلام الإنس؟ فقال الذئبُ: ألا أخبرك بأعجب من ذلك: محمدٌ بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوقُ غنمهُ حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول اللَّه فأخبره. فأمر رسول اللَّه فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: «أخبرهم» فأخبرهم. فقال رسول اللَّه #: «صدق، والذي نفسي بيده! لا تقوم الساعة حتى تكلِّم السباعُ الإنسَ ويكلم الرجلَ عذبةُ سوطه، وشراكُ نعله، ويخبره فخدُهُ بما أحدث أهلُه بعده». وأخرجه الترمذي (2181) قال: حدثنا سفيان بن وكيع. وابن أبي شيبة (15/167)، والحاكم (4/467) عن أحمد بن حنبل. وأبو نعيم في «الحلية» (8/377- 378) عن أبي شعيب الواسطي محمد بن يزيد قالوا: ثنا وكيع، ثنا القاسم بن الفضل بهذا الإسناد بآخره. ثم رأيتُهُ عند ابن حبان (6460) فرواه عن أبي يعلى، قال: حدثنا هدبة بن خالد، نا القاسم بن الفضل ثنا الجريري، قال: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد مرفوعًا. فجعل «الجريري» واسطة بين القاسم وأبي نضرة، وهذه رواية شاذةٌ. وقد رواه سائر أصحاب القاسم فلم يذكروا «الجريري» في إسناده، وتقدم أن هدبة بن خالد يرويه مثل رواية الجماعة(1/443)
ورواها عنه هشام بن علي السيرافي، وقد ترجمه ابن حبان (9/234) وقال: «مستقيم الحديث». فإمَّا أن يكون وهم فيها أبو يعلى أو هدبة بن خالد، وهدبة مع ثقته فقد ضعَّفه النسائي. والله أعلم. وقال الترمذي بعد تخريجه للحديث: «وهذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل، والقاسم بن الفضل ثقة مأمون عند أهل الحديث، وثقه يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي». انتهى. وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم». وقال البيهقي في «الدلائل»: «هذا إسناد صحيح». وهذا هو الصواب، وليس الحديث على شرط مسلم كما قال الحاكم، أو على شرط الصحيح كما قال ابنُ كثير في «البداية والنهاية» (6/143) لأن مسلمًا رحمه الله لم يرو في «صحيحه» للقاسم بن الفضل إلا عن شيخه: شيبان بن فروخ عن القاسم، فالصواب أن الإسناد صحيح بإطلاق وليس مقيدًا بشرط مسلم، والله أعلم، ولا أدري ما الذي حمل العقيليّ على إيراده هذا الحديث في «الضعفاء»، فإن الحكاية التي أوردها تثبت الحديث ولا تُعلُّهُ. فقد روى من طريق مسلم بن إبراهيم، قال: كنتُ عند القاسم بن الفضل الحداني فأتاه شعبةُ فسأله عن حديث أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي : «بينا راعٍ يسوقُ غنمه عدا الذئب عليه...» فقال له شعبة: لعلك سمعته من شهر بن حوشب؟ قال: بلى، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد، فما سكت حتى سكت شعبة. انتهى. فكأن شعبة جادله في هذا، ولم يسلم له القاسم حتى انقطعت حُجَّةُ شعبة أو مسألته، فحينئذ سكت القاسم، فهذا يدل على أن شعبة كان مستفهمًا لا مُعِلاً، وقد أجابه القاسم بأنه سمعه من أبي نضرة، فلا وجه لإيراد الحديث ولا روايته في «كتاب الضعفاء»، أما رواية شهر بن حوشب، فقد أخرجها أحمد (3/88- 89) قال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعبة بن أبي حمزة، حدثني عبد الله بن أبي حسين، حدثني شهر، أن أبا سعيد حدثه مرفوعًا فذكر مثله. ورواه عبد الحميد بن بهرام، قال: حدثني شهر بن حوشب عن أبي سعيد(1/444)
مرفوعًا. أخرجه أحمد (3/89) قال: حدَّثنا أبو النضر هاشم بن القاسم واليبهقي في الدلائل (6/43) عن يونس بن بكير كلاهما عن عبد الحميد بهذا.
ورواه البيهقي أيضًا (6/42- 43) من طريق معقل بن عبد الله، عن شهر بهذا. وشهر بن حوشب متكلم فيه بكلام كثير، وخلاصة الرأي عندي فيه أنه حسنُ الحديث إلا إذا خالفه من هو أمكنُ منه، وهو هنا متابعٌ من قبل أبي نضرة، فهذا يدلُّ على أنه حفظ. والعلمُ عند الله تعالى.
ويسأل القارئ: عن درجة هذا الحديث: «إذا مُدح المؤمن في وجهه، ربا الإيمان في قلبه».
والجواب : فهذا حديث منكر .
أخرجه الحاكم (3/597) قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله البغدادي، والطبراني في «الكبير» (ج1/ رقم 424) قالا: ثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، حدثني أبي، ثنا ابن لهيعة عن صالح بن أبي عريب، عن خلاد بن السائب، قال: دخلتُ على أسامة بن زيد، فمدحني في وجهي، فقال: إنه حملني أن أمدحك في وجهك أني سمعت رسول اللَّه يقول: «إذا مُدح المؤمن... الحديث».(1/445)
وهذا إسناد ضعيف كما قال العراقي في «تخريج الإحياء»، وتبعه العجلوني في «كشف الخفاء» (1/99). وقال الهيثمي في المجمع (8/119): «فيه ابن لهيعة، وبقية رجاله وثقوا». وهو يشير بقوله: «وثقوا» إلى ضعف التوثيق الوارد في صالح بن أبي عريب، فلم يوثقه إلا ابن حبان، ولذلك قال ابن القطان: «لا يعرفُ له حال». أما ابن لهيعة فالكلام فيه كثير، خلاصته أن من سمع قبل احتراق كتبه، فروايته مثل من رواية من سمع بعد احتراق كتبه، وعمرو بن خالد الحراني ليس من قدماء أصحابه، ثم هذا المتن يخالف بعض الأحاديث الصحيحة، والتي نهى فيها رسول اللَّه عن مدح الرجل أخاه في وجهه. فمن ذلك ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (5/202، 10/476)، وفي «الأدب المفرد» (333)، ومسلم (300/35- 36)، وابو عوانة في «المستخرج»- كما في «إتحاف المهرة» (13/568)- وأبو داود (4805)، والنسائي في «اليوم والليلة» (239)، وابن ماجه (3744)، وأحمد (5/41، 46، 47) وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه أنهم ذكروا رجلاً عند النبي ، فقال رجل: يا رسول الله ما من رجلٍ بعد رسول الله أفضل منه في كذا. فقال النبي : «ويحك، قطعت عنق أخيك». مرارًا يقول ذلك. قال رسول اللَّه : «إن كان أحدكم مادحًا أخاه لا محالة فليقل أحسبُ فلانًا- إن كان يُرى أنه كذلك- ولا أزكي على الله أحدًا، وحسيبُه الله، أحسبه كذا وكذا». وأخرجه البخاري (2663، 6060)، وفي «الأدب المفرد» (334)، ومسلم (3001)، وأبو عوانة- كما في «الإتحاف» (10/86)، وأحمد (4/412) من حديث أبي موسى الأشعري قال: سمع النبي رجلاً يثني على رجلٍ ويطريه في المدحة، فقال: «لقد أهلكتم- أو قطعتم- ظهر الرجل». وأخرج مسلم (3002/69)، والبخاري في «الأدب المفرد» (339)، وأبو داود (4804)، والترمذي (2393)، وابن ماجه (3742)، وأحمد (6/5)، والطيالسي (1158، 1159)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (594)، وغيرهم من حديث المقداد بن الأسود قال: أمرنا(1/446)
رسول اللَّه إذا رأينا المداحين أن نحثو في وجوههم التراب. وقد روى هذا المعنى جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وأبو هريرة وأنس وعبد الرحمن بن أزهر ومحجن الأدرع رضي الله عنهم. ولو صحَّ هذا الحديث لكان محمولاً على من يوثق به وأن المدح لا يضيره ولا يغرُّه، بل يُرجى خيره ببيان فضله وتقدُّمه كما حدث ذلك من مدح النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. والله الموفق لا ربّ سواه.
---
ربيع أول 1425هـ
يسأل القارئ: عن درجة هذا الحديث:
)من بات طاهرًا بات في شعاره ملكٌ، فلا يستيقظ من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهرًا.(
والجواب بحول الملك الوهاب: أنه حديثٌ ضعيف.(1/447)
أخرجه البزار (288- زوائد) قال: حدثنا وهب بن يحيى بن زمام القيسيُّ، ثنا ميمون بن زيد، ثنا الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن ابن عمر مرفوعًا فذكره. وميمون بن زيد لينه أبو حاتم، ولكن تابعه ابنُ المبارك، فرواه عن الحسن بن ذكوان بهذا الإسناد. أخرجه ابنُ حبان (1051) من طريق أبي عاصم أحمد بن جوَّاس الحنفي، حدثنا ابن المبارك بهذا. وأحمد بن جوَّاس أحد شيوخ مسلمٍ وأبي داود وثقه مطينٌ، وابن حبان وأبو علي الغساني ومسلمة بن قاسم، وروى عنه محمد بن مسلم بن وارة وأحسن الثناء عليه، وقد خالفه الحسين بن الحسن المروزي أحد الثقات، ومن أصحاب ابن المبارك، فروى هذا الحديث في «كتاب زهد ابن المبارك» (1244) قال: أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعًا، وأخرجه ابنُ عدي في «الكامل» (2/730) من طريق سويد بن نصر والحسن بن عيسى بن ماسرجس قالا: ثنا ابن المبارك بهذا الإسناد. وكذلك أخرجه الدارقطني في «الأفراد»- كما في «أطراف الغرائب» (5/234)- عن ابن المبارك بمثله. فجعله هؤلاء عن ابن المبارك من «مسند أبي هريرة» بدل «ابن عمر»، وليس على واحدٍ من الرواة عن ابن المبارك عهدة هذا الخلاف، ويدلُّ على ذلك أن أحمد بن الجواس رواه عن ابن المبارك فجعله من «مسند أبي هريرة» أيضًا كما عند ابن عدي. وقد قال الدارقطني: «غريب من حديث سليمان الأحول خال ابن أبي نجيح عنه، تفرد به: الحسن بن ذكوان، وعنه عبد الله بن المبارك». وإنما تقع عهدة هذا الاختلاف على الحسن بن ذكوان، فقد ضعفه أكثر النقاد: أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن المديني والدارقطني، ومشاهُ ابنُ عدي، وكان يدلس ولم يصرح بتحديثٍ، ولذلك لم يُصب الهيثميُّ إذ قال في «مجمع الزوائد» (1/226): «أرجو أنه حسن الإسناد»، وقد رأيت ما فيه لا سيما وقد وقع اختلاف فيه على عطاء بن أبي رباح. فقد رواه سليمان الأحول عنه مرَّة(1/448)
عن ابن عمر ومرة عن أبي هريرة. ورواه العباس بن عتبة عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباسٍ مرفوعًا «طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس من عبدٍ يبيت طاهرًا، إلا بات معه في شعاره ملك، لا ينقلبُ ساعةً من الليل إلاَّ قال: اللهم اغفر لعبدك، فإنه بات طاهرًا». أخرجه الطبراني في «الأوسط» (5087) قال: حدثنا محمد بن العباس المؤدب، قال: نا عاصم بن عليّ، قال: نا إسماعيل بن عياش، عن العباس بن عتبة، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس مرفوعًا، وقال: «لم يرو هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح إلاَّ العباس بن عتبة، تفرد به: إسماعيل بن عياش». وجوَّد إسناده المنذري في «الترغيب» (868) والحافظ في «الفتح» (11/109)، وحسنه الهيثمي في «المجمع» (10/128)، كذا قالوا، وقد علمت مما مضى من التخريج أن هذا أحد أوجه الاختلاف في الحديث، والعباس بن عتبة ذكره الذهبي في «الميزان» (2/384)، وقال: «عن عطاء لا يصح حديثه، وعن إسماعيل بن عياش»، وذكر هذا الحديث، فظاهر من هذه الترجمة أنه مجهول فكيف يجوَّد إسنادُ حديثه مع ما فيه من الاختلاف. والصوابُ أنه حديث ضعيف كما قدَّمت. واللهُ أعلمُ.
ويسأل القارئ: عن درجة هذه الأحاديث:
* إن حافتي نهر الكوثر من قبابُ اللؤلؤ المجوف.
* إن أنهار الجنة تجري في غير أخدود.
والجواب بحول الملك الوهاب: أما الحديث الأول: «إن حافتي نهر الكوثر...» فصحيح.
أخرجه البخاري في «كتاب الرقاق» (11/464) قال: حدثنا أبو الوليد، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس، عن النبي . ثم قال البخاريّ: وحدثنا هُدبةُ بن خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالكٍ، عن النبي قال: «بينما أنا أسيرُ في الجنة، إذ أنا بنهر، حافتاه: الدُّرُّ المجوفُ. قلت: ما هذا يا جبريلُ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طيبُهُ- أو طينُهُ- مسكٌ أذفر» شكَّ هُدْبةُ.(1/449)
قُلْتُ: وشكُّهُ: هل هو بالباء الموحدة من «الطيب» أو هو بالنون من «الطين»؟ والصوابُ الراجح أنه بالنون، يدلُّ على ذلك أن بقي بن مخلد رواه في «جزء ما روي في الحوض والكوثر» (36) قال: حدثنا هُدْبةُ بن خالد، نا همام بسنده سواء، وفيه: «فضرب الملك بيده، فإذا طينتُهُ مسك أذفر». وأخرجه أبو يعلى (2876)، والبيهقي في «الشعب» (117) من طريق الحسن بن الطيب اللخمي، قالا: ثنا هُدبةُ بنُ خالدٍ بهذا الإسناد بالنون. فهذا يدلُّ على أن هدبة كان يشك أحيانًا، وقد رواه البخاري عن شيخه أبي الوليد، عن همام فلم يشكَّ. وأخرجه أحمد (3/191، 289) قال: حدثنا بهز بن أسد وعفان بن مسلم، قالا: ثنا همام بهذا الإسناد فقالا: «طينُهُ» بالنون. وأخرجه الطيالسيّ (1992) قال: حدثنا همام، عن قتادة بهذا وفيه: «فأدخلت يدي، فإذا ترابُهُ مسك أذفر». وهذا يؤكد أنه بالنون. وأخرجه الخلعي في «الخلعيات» (ق138/1) من طريق عفان، ثنا همام مثله. وأخرجه أحمد (3/231- 232)، وأبو محمد بن فارس في «جزء من حديثه» (ق353/1)، وابن بشران في «الأمالي» (ج1/ق219/2) عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف. وابنُ جرير في «تفسيره» (30/323)، وابن حبان (6474)، والآجري في «الشريعة» (ص395- 396) عن يزيد بن زريعٍ، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس مرفوعًا وفيه: «وضرب- يعني: الملك- بيده، فأخرج من طينه المسك». وسنده صحيح، ويزيد بن زريع وعبد الوهاب من قدماء أصحاب سعيد بن أبي عروبة. وأخرجه البخاري (8/731)، وأبو داود (4748)، والترمذي (3359، 3360)، وعبد بن حميد (1189)، وأحمد (3/164، 207)، وابن جرير (30/323- 324)، والبيهقي في «البعث» (115، 118) من طرق عن قتادة، عن أنس مرفوعًا نحوه. ورواه عن قتادة: معمر بن راشد، وشيبان بن عبد الرحمن التيميُّ، والحكم بن عبد الملك، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.(1/450)
أما الحديث الثاني: «إن أنهار الجنة تجري في غير أخدودٌ» فضعيف مرفوعًا.
أخرجه ابن مردويه في «تفسيره»- كما في ابن كثير (7/297)- وأبو نعيم في «الحلية» (6/205)، وفي «صفة الجنة» (316) من طريق مهدي بن حكيم، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا الجريري، عن معاوية بن قُرَّة، عن أنسٍ مرفوعًا: «لعلكم تظنون أن أنهار الجنة أخدودٌ؟ لا والله! إنها لسائمةٌ على وجه الأرض، حافتاها خيامُ اللؤلؤ، وطينُها المسك الأذفرُ». قلت: يا رسول الله، وما الأذفرُ؟ قال: «الذي لا خلط فيه»، وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (1/38) للضياء المقدسي في «صفة الجنة».(1/451)
قلت: وهذا إسنادٌ ضعيف، والجريري اسمه: سعيد بن إياس الجريري، كان اختلط، وسماع يزيد بن هارون منه في الاختلاط، وقد اضطرب فيه، فرواه يعقوب بن عبيد وبشر بن معاذ كلاهما عن يزيد بن هارون بهذا الإسناد موقوفًا. أخرجه ابن أبي الدنيا (69)، وأبو نعيم (316) كلاهما في «صفة الجنة». ورجح المنذري في «الترغيب» (4/518) وقفه وقال: «هو أشبه بالصواب». وطريق المرفوع والموقوف واحد. فلعلَّ قائلاً يقول: لا يصحُّ المرفوع ولا الموقوف. فالجوابُ: إن طريقة العلماء في مثل هذا أن يأخذوا بالأقل، لأنه الموافق للاحتياط. والله أعلمُ. وللموقوف شاهدٌ عن ابن عباس رضي الله عنهما. أخرجه ابنُ أبي الدنيا في «صفة الجنة»- كما في «الترغيب» (4/518)- يرويه عن سماكٍ، أنه لقي ابن عباس بالمدينة بعدما كُفَّ بصرُهُ، فقال: يا ابن عباس! ما أرضُ الجنة؟ قال: مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآةٌ، قلتُ: ما نورُها؟ قال: ما رأيت الساعة التي يكون فيها طلوعُ الشمس؟ فذلك نورُها، إلا أنها ليس فيها شمس ولا زمهرير. قال: قلت: فما أنهارها في أخدود؟ قال: لا، لكنها تجري في أرض الجنة مستكفَّة لا تفيض هاهنا ولا هاهنا، قال الله لها: كوني، فكانت. قلت: فما حُلل الجنة؟ قال: فيها شجرةٌ فيها ثمرٌ كأنه الرُّمَّان، فإذا أراد ولىُّ الله منها كسوةً، انحدرت من غصنها، فانفلقت له عن سبعين حُلَّة ألوانًا بعد ألوان، ثم تنطبق فترجع كما كانت.(1/452)
وأخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» (317) من طريق زميل بن سماك، أنه سمع أبان يقول: قلت لابن عباس فذكر الشاهد منه. وزميلٌ هذا ترجمه ابن أبي حاتم (1/2/620)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وحسَّن إسناده المنذري! ولو كان إسنادُ ابنُ أبي الدنيا مثل إسناد أبي نعيم ففي تحسين إسناده نظر. والله أعلمُ. ويعضد هذا الموقوف بعض الشواهد المقطوعة، منها ما: أخرجه ابن أبي شيبة (13/97)، وهناد بن السريّ في «الزهد» (95، 103)، والمروزي (1489)، وابنُ صاعد (1490) كلاهما في «الزوائد على الزهد» لابن المبارك، وابنُ جرير في «تفسيره» (509، 510، 511)، وابن قتيبة في «غريب الحديث» (2/522)، والبيهقي في «البعث» (292)، وأبو نعيم في «صفة الجنة» (315) من طرقٍ عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن مسروق قال: «أنهار الجنة تجري في غير أخدود، وثمرها كالقلال، كلما أخذ ثمرةً عادت مكانها أخرى، والعنقود: اثنا عشر ذراعًا». قال عمرو بن مرة: فقلت لأبي عبيدة: من حدثك؟ فغضب وقال: مسروق. وسنده صحيحٌ.
وأخرج أبو نعيم (318) من طريق إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا عبد الجبار بن العلاء، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: «أرض الجنة مستويةٌ، لا تُكْلَمُ- يعني: لا تُشقُّ ولا تُخَدُّ- أنهارها».
وسندُهُ جيد، وإبراهيم بن محمد؛ ترجمه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (1/189) وأثنى عليه.
---
ربيع ثان 1425هـ
يسأل القارئ: عن صحة هذه الأحاديث:
-1- لا يدخل الجنة جسدٌ غذي بالحرام
-2- إن الله تعالى يقولُ: أنا الله لا إله إلا أنا، مالك الملوك وملك الملوك، قلوب الملوك في يدي، وإن العباد إذا أطاعوني حوَّلتُ قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حوَّلت قلوبهم عليهم بالسخطة والنقمة، فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشتغلوا بالذكر والتضرع إلىَّ، أكفكم ملوككم.(1/453)
والجواب بحول الملك الوهاب: أما الحديث الأول: «لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام» فضعيف جدًا. أخرجه عبد بن حميد في «المنتخب» (3)، وأبو بكر المروزي في «مسند أبي بكر الصديق» (51)، وأبو يعلى (84) عن أبي داود الطيالسي، والحاكم (4/127)، والطبراني في «الأوسط» (5961)، واليبهقي في «الشعب» (5760) عن قرة بن حبيب. والمروزي (51)، وابن حبان في «المجروحين» (2/155)، وابنُ عدي في «الكامل» (5/1936)، والبيهقي في «الشعب» (5759) عن أبي عبيدة الحداد عبدالواحد بن واصل، والبزار (43- البحر )، عن أبي عبيدة إسماعيل بن سنان البصري كلهم عن عبدالواحد بن زيد البصري، عن أسلم الكوفي عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم، عن أبي بكر الصديق مرفوعًا. وقد اختلف على عبد الواحد بن زيد في إسناده، فرواه أبو عبيدة الحداد أيضًا عن عبدالواحد بن زيد عن فرقد السبخي عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم، عن أبي بكر الصديق مرفوعًا مثله. فصار شيخ عبد الواحد: «فرقد» لا «أسلم» أخرجه أبو يعلى (83)، وعنه ابنُ عدي في «الكامل» (5/1936) قال: حدثنا يحيى بن معين، ثنا أبو عبيدة الحداد بهذا. قال الطبراني: «لا يروى هذا الحديث عن أبي بكر إلا بهذا الإسناد، تفرد به: عبد الواحد بن زيد».
قلت: وهو ضعيف جدًا، قال ابن معين: «ليس بشيء». وقال البخاري: «تركوه». وقال النسائي: «ليس بثقة». وقال السعدي: «سيء المذهب، ليس من معادن الصدق». وكان عبد الواحد صاحب مواعظٍ، ولكنه غفل عن ضبط الحديث فاستحق الترك، وقد اضطرب في إسناده كما قدمت، وأسلم الكوفي مجهول وفرقد السبخي ضعيف، ولا يصح الحديث من هذا الوجه بحالٍ. والله أعلم.
وأما الحديث الثاني فهو حديثٌ باطل.(1/454)
أخرجه ابنُ حبان في «المجروحين» (3/76) عن أحمد بن عبد المؤمن المروزي، والطبراني في «الأوسط» (8962)، وعنه أبو نعيم في «الحلية» (2/388) قال: حدثنا مقدام بن داود، قال: ثنا عليُّ بن معبد الرقيُّ، ثنا وهبُ بنُ راشدٍ، ثنا مالكُ بنُ دينارٍ، عن خلاس بن عمرو، عن أبي الدرداء، عن رسول اللَّه # قال... فذكره.
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن مالك بن دينار إلا وهبُ بنُ راشد». وقال أبو نعيم: «غريب من حديث مالك مرفوعًا. تفرد به: عليُّ بنُ معبدٍ عن وهب بن راشد».
قُلْتُ: وسنده ضعيف جدًّا، وآفته وهبُ بن راشد. قال ابن حبان: «شيخ يروي عن مالك بن دينار العجائب، لا تحلُّ الرواية عنه، ولا الاحتجاج به». وذكره الدارقطني في «العلل» (6/206) وقال: «يرويه عن وهب بن راشد، وهو ضعيف جدّا، متروك، ولا يصح هذا الحديث مرفوعًا، ورواه جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينارٍ أنه قرأ في بعض الكتب هذا الكلام، وهو أشبه بالصواب». انتهى.
ويسأل القارئ: عن درجة هذا الأحاديث:
إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، من يتحر الخير يُعْطَهُ، ومن يتوقَّ الشرَّ يوقهُ. ثلاثٌ من كُنَّ فيه، لم يسكن الدرجات العُلا- ولا أقولُ لكم الجنة-: من تكهن أو استقسم، أو ردَّهُ من سفرٍ تطيُّر.
الجوابُ بحول الملك الوهاب:
هذا حديثٌ ضعيف، وقد ورد من حديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، ومعاوية بن سفيان، رضي الله عنهم.(1/455)
أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه الخطيب في «تاريخه» (9/127) من طريق سعد بن زنبور، حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره دون قوله: «ثلاث من كن فيه... إلخ». وإسماعيل بن مجالد مختلف فيه، قال أحمد والبخاري: «صدوق»، ووثقه ابن معين في رواية، وضعفه النسائي، والعقيلي، وقال الدارقطني: «لا شك أنه ضعيف»، وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: «يخطئ». وقد خولف في إسناد هذا الحديث، خالفه رقبة بنُ مصقلة، فرواه عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء مرفوعًا فذكره بتمامه. أخرجه الدارقطني في «الأفراد» (ق 266/1) من طريق يحيى بن داود الواسطي، ثنا إبراهيم بن يزيد بن مردانبة، عن رقبة بن مصقلة بهذا، وهذا لا يثبت عن رقبة بن مصقلة، وابن مردانبة؛ قال البخاري في «التاريخ الأوسط»: «لا يحتجون بحديثه». وقال أبو حاتم الرازي: «يكتب حديثه ولا يحتج به». وقال الأزدي: «عنده مناكير». ورواه سفيان الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء مرفوعًا بتمامه، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (2663)، والدارقطني في «العلل» (6/219- 220)، وأبو نعيم في «الحلية» (5/174)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج6/ق 231)، والعسكري في «الأمثال»- كما في «المقاصد الحسنة» (ص107) للسخاوي، وابن شاهين في «الترغيب» (242)، والخطيب في «تاريخه» (5/201) من طريق محمد بن الحسن الهمداني، قال: ثنا سفيان الثوري بهذا، قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن سفيان، إلا محمد بن الحسن». وقال أبو نعيم: «غريب من حديث الثوري، عن عبد الملك، تفرد به: محمد بن الحسن».(1/456)
قلت: وإسناده ساقط، ومحمد بن الحسن هو ابنُ أبي يزيد الهمداني؛ اتهمه يحيى بن معين بالكذب، وقال النسائي: «متروك». وقال الذهبي في «تلخيص العلل المتناهية» (706): «واه»، والحديث مع ضعفه منقطع. وقد رواه ابن وهب، قال: ثنا سفيان الثوري بهذا الإسناد موقوفًا، أخرجه ابن عبد البر في «جامع العلم» (903) وهذا هو المحفوظ في رواية الثوري، ويؤيده أن جماعة من الثقات رووا هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء موقوفًا، فأخرجه هناد بن السري في «كتاب الزهد» (1294) عن وكيع بن الجراح، وأبو خيثمة في «كتاب العلم» (114)، وابن عبد البر في «الجامع» (617) عن جرير بن عبد الحميد، وابن حبانُ في «روضة العقلاء» (ص210) عن أبي عوانة وضاح اليشكري، والبيهقي في «المدخل» (385) عن عبيد الله بن عمرو الرقي كلهم عن عبد الملك بن عمير بهذا الإسناد موقوفًا، وروى ابن أبي شيبة في «المصنف» (9/43) عن شريك النخعي، عن عبد الملك بن عمير بسنده آخره: «ثلاث من كن فيه...» قال الدارقطني في «العلل» (9/219): «الموقوف هو المحفوظ»، وهذا لا يعني أنه صحيح كما فهم من صحح إسناد الموقوف، فإنه لا يصح، لأن رواية رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء منقطعة كما صرح الذهبي بذلك، وهذا يُسمَّى عند علماء الحديث بالترجيح النظري، وهو لا يفيد الحديث قوة، ومرادهم: أنه إذا تعارض الرفع والوقف فلأن يكون موقوفًا أشبه، لا أنه تصحيحٌ للموقوف، وقد ألمح البخاري إلى الحديث المرفوع، فعلَّق الفقرة الأولى منه: «إنما العلم بالتعلم» بصيغة الجزم في «كتاب العلم من صحيحه» (1/160) فقال: «وقال النبي : من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم». فعلَّق الحافظ في «الفتح» (1/161) قائلاً: «قوله: وإنما العلم بالتعلم، وهو حديث مرفوع، أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية بلفظ: يا أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن(1/457)
يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، إسناده حسن، إلا أن فيه مبهمًا، اعتضد بمجيئه من وجهٍ آخر. انتهى.
وحديث معاوية هذا أخرجه الطبراني في «الكبير» (ج19/ رقم 929) قال: حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، ثنا هشام بن عمار، ثنا صدقة بن خالد، ثنا عتبة بن أبي حكيم، عمن حدثه عن معاوية مرفوعًا: «يا أيها الناس...» وساقه كما ذكر الحافظ قريبًا. وإسناده ظاهر الضعف، وهشام بن عمار ساء حفظه لا سيما في آخر عمره، وعتبة بن أبي حكيم مختلف فيه، ومن حدثه مجهول، وذكر البدر العيني في «عمدة القاري» (2/43) أن الخطيب البغدادي رواه في «الفقيه والمتفقه» عن مكحول، عن معاوية، ويشبه أن يكون المبهم في إسناد الطبراني هو مكحول الشامي فإن عتبة بن أبي حكيم يروي عنه، ومكحول لم يسمع من معاوية كما صرح بذلك أبو حاتم الرازي على ما في «المراسيل» (ص212)، ونقل ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص211) عن أبيه قال: سألت أبا مسهر: هل سمع مكحول من أحد من أصحاب النبي #؟ قال: ما صح عندنا إلا أنس بن مالك، فأي وجه لتحسين هذا الإسناد كما فعل الحافظ رحمه الله. وقد رأيت الوجوه الأخرى التي أشار إليها الحافظ وهي ضعيفة جدًا لا تصلح للتقوية، والبخاري يذكر في معلقاته الحديث الصحيح والحسن والضعيف كما يعرفه من له عناية بصحيحه، وقد صحَّحت الفقرة الأولى منه: «إنما العلم بالتعلم» عن ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه أحمد في «الزهد» (ص162- 163)، وابن أبي شيبة (8/730)، ومن طريقه ابن عبد البر في «الجامع» (615) قالا: ثنا وكيعٌ، وهذا في «كتاب الزهد» (518) قال: حدثنا سفيان الثوري، ثنا أبو الزعراء عن عمه أبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: إن الرجل لا يولد عالمًا، إنما العلم بالتعلم.(1/458)
وأخرجه أبو خيثمة في «كتاب العلم» (115) عن وكيع به، وهذا إسناد صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة، ومن طريقه ابن عبد البر (616) قال: ثنا أبو داود- وهو الحفريُّ، والبيهقي في «المدخل» (377) عن يعلى بن عبيد قالا: ثنا سفيان الثوري عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود. والله تعالى أعلم.
---
جماد أول 1425هـ
يسأل: عن درجة هذين الحديثين:
1- أولياء علي بن أبي طالب في الجنة، ومبغضوه في النار.
2- إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحدّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها.
الجواب : أما حديث: «أولياء علي بن أبي طالب...» فهو حديث باطل. ولم أقف عليه بهذا اللفظ، ووقفت عليه بلفظ: «عليٌّ قسيمُ النار، يدخلُ أولياؤه الجنة، وأعداؤه النار». أخرجه الدارقطني في «العلل» (6/273)، قال: حدثنا الشافعي أبو بكر، قال: ثنا محمد بن عمر القبلي، قال: ثنا محمد بن هاشم الثقفي، ثنا عبيدالله بن موسى، ثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قال النبي فذكره.
قال الدارقطني: «وهذا الحديث باطل بهذا الإسناد، ومن دون عبيد الله ضعفاء، والقبلي ضعيف جدًا، وإنما روى هذا الحديث: الأعمش، عن موسى بن طريف، عن عباية، عن علي». انتهى.
قلت: وحديث الأعمش هذا أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/764) قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن موسى بن طريف، عن علي قال: «أنا قسيم النار، إذا كان يوم القيامة قلت: هذا لك وهذا لي».(1/459)
قال الفسوي: سمعت الحسن بن الربيع يقول: قال أبو معاوية: قلنا للأعمش: لا تُحدث بهذه الأحاديث. قال: يسألونني فما أصنع؟ ربما سهوت، فإذا سألوني عن شيء من هذا فسهوت فذكروني، قال: فكنت عنده يومًا، فجاء رجل فسأله عن حديث: «أنا قسيم النار»، قال: فتنحنحت. قال: فقال الأعمش: هؤلاء المرجئة لا يدعون أحدًا يحدِّث بفضائل علي، أخرجوهم من المسجد حتى أحدثكم.
وروى هذا الأثر العقيلي في «الضعفاء» (4/158) من طريق سلام الخياط، عن موسى بن طريف بهذا الإسناد، ونقل عن عبدالله بن داود الخريبي، قال: كنا عند الأعمش، فجاء يومًا وهو مغضب، فقال: ألا تعجبون من موسى بن طريف يحدِّث عن عباية، عن علي رضي الله عنه قال: أنا قسيم النار. وروى أيضًا عن أبي بكر بن عياش، روى عن موسى بن طريف أنه كان يروي مثل هذا الكلام يسخر به ممن يعتقده. فهذا يدل على قلة مبالاة، وموسى ابن طريف أحد الهلكى، وكذبه بعض النقاد، ولا يثبت هذا الكلام لا مرفوعًا ولا موقوفًا، وقبَّح الله المفترين.
أما حديث: «إن الله فرض فرائض لا تضيِّعوها» فهو حديث ضعيف. أخرجه الدارقطني (4/1183- 184)، والطبراني في «الكبير» (ح22/ رقم 589، 221، 223)، وابن بطة في «الإبانة» (400)، والبيهقي (10/12- 13)، وأبو نعيم في «الحلية» (9/17)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (630) من طرقٍ عن داود بن أبي هند، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعًا فذكره. وهذا الحديث حسنه النووي في «الأربعين» (ص40)، وفي «رياض الصالحين» (ص544)، وفي «الأذكار» (ص353) وسبقه إلى هذا الحكم أبو بكر السمعاني في «الأمالي» كما ذكره ابن رجب في «جامع العلوم» (ص242)، وذكر شيخنا الألباني رحمه الله في «غاية المرام» (ص18) أن أبا الفتوح الطائي خرَّجه في «الأربعين» وقال: «حديثٌ كبيرٌ حسنٌ، تفرد به داود عن مكحول».(1/460)
قُلْتُ: وهذا الحكمُ ليس بصوابٍ، لأن مكحولاً لم يسمع من أبي ثعلبة، وهو كثير الإرسال، فيخشى من ذلك، وهذه علة لا سبيل إلى جبرها، وذكر الدارقطني في «العلل» (6/324) أنه اختلف على مكحول في رفعه ووقفه، فرفعه إسحاق الأزرق ومحمد بن فضيل وغيرهما عن داود. ورواه يزيد بن هارون وحفص بن غياث عن داود فوقفاه. ورواه حفص عند البيهقي (10/12)، ورواه قحذم بن سليمان قال: سمعت مكحولاً يقول: ولم يتجاوز به. ورجح الدارقطني الطريق المرفوع وقال: «هو أشهر» وقد مرَّ بك ما أُعِلَّ به.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في «الأوسط» (7461) قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الوشاء. وأخرجه أيضًا في «الصغير» (1111) قال: حدثنا نوح الأبُلِّي قالا: ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام نا أصرمُ ابنُ حوشبِ، نا قرَّةُ بنُ خالدٍ، عن الضحاك بن مزاحم، عن طاووس، قال: سمعتُ أبا الدرداء يقول: سمعت رسول اللَّه فذكر مثله.
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن قرة بن خالد، إلا أصرمُ بنُ حوشب، تفرد به: أبو الأشعث». وأصرم هذا أصرم من الخير، فإنه كذاب وضاعٌ. ورواه نهشل الخراساني، عن الضحاك ابن مزاحم أنه اجتمع هو والحسن بن أبي الحسن ومكحول الشامي وعمرو بن دينار المكيّ وطاووس اليماني، فاجتمعوا في مسجد الخيف، فارتفعت أصواتُهم، وكثُر لغطُهم في القدر، فقال طاووس وكان فيهم مرضيًا: أنصتوا حتى أخبركم ما سمعتُ من أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه يقول: «إن الله افترض عليكم فرائض...» الحديث. وفي آخره: نقول ما قال ربنا ونبينا ، الأمور بيد الله، من عند الله مصدرُها، وإليه مرجعُها، ليس إلى العباد فيها تفويضٌ ولا مشيئةٌ. فقاموا وهم راضون بقول طاووس.(1/461)
أخرجه الدارقطني (4/297- 298) من طريق إسحاق الأزرق، عن أبي عمرو البصريّ، عن نهشل الخراساني بهذا. وسنده مثل سابقه ساقط، ونهشل كذبه ابن راهويه، وتركه النسائي وأبو حاتم والكلامُ فيه طويل الذيل. وللفقرة الثالثة طريق آخر عن أبي الدرداء، وهي قوله: «وما سكت عنه فهو عفوٌ، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئًا»، ثم تلا هذه الآية: {وما كان ربك نسيا}.
أخرجه البزار (123، 2231، 2855- كشف الأستار) عن إسماعيل بن عياش. والحاكم (2/375)، وعنه البيهقي (10/12) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، كليهما عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن أبيه، عن أبي الدرداء مرفوعًا: «ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرامٌ، وما سكت عنه...» قال الحاكم: «صحيح الإسناد». وقال البزار: «إسناده صالح». وحسن إسناده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/171).
وله شاهدٌ من حديث سلمان الفارسي بسند ضعيف خرَّجتُهُ في «تنبيه الهاجد» (1162).
يسأل: عن درجة حديث: «أنهار الجنة تفجر من تحت جبال المسك».
والجواب بحول الملك الوهاب: أنه حديثٌ حسن.(1/462)
أخرجه ابن حبان (2622)، والعقيلي في «الضعفاء» (2/326)، والحاكم- كما في «حادي الأرواح» (ص123)- وأبو نعيم في «صفة الجنة» (313)، والبيهقي في «البعث» (266) من طرقٍ عن أسد بن موسى، ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة مرفوعًا: «أنهار الجنة تفجرُ من تحت تلال- أو من تحت جبال- المسك». ولفظ البيهقي: «من سرَّه أن يسقيه الله عز وجل الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا، ومن سرَّه أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا، أنهار الجنة تفجر من تحت تلال أو من تحت جبال المسك، ولو كان أدنى أهل الجنة حلية، عدلت بحلية أهل الدنيا جميعًا، لكان ما يُحلِّيه به الله عز وجل به في الآخرة، أفضل من حلية أهل الدنيا جميعًا». وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (ج2/ق266/1) قال: حدثنا مقدام، ثنا أسد بن موسى ثنا ابن ثوبان بهذا الإسناد بالفقرة الأولى والثانية، ثم قال: «لم يرو هذا الحديث عن ابن ثوبان، إلا أسد بن موسى». وهذا سندٌ حسنٌ كما قال العراقي في «تخريج الإحياء» (4/522). وقال المنذري في «الترغيب» (3/100، 262): «رواه الطبراني في «الأوسط» ورواته ثقات، إلا شيخه المقدام بن داود، وقد وثقه». انتهى. وقد رأيت أنه لم يتفرد به المقدام فتابعه الربيع بن سليمان عند البيهقي على محلِّ الشاهد.
والحمد لله رب العالمين.
---
جماد ثان 1425هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
{ يسأل فضيلة الشيخ وحيد بن عبد السلام بالي عن درجة هذه الأحاديث:
1 ـ أخرج أبو داود حديث عائشة قالت: كان رسول الله يحب التيمن ما استطاع في شأنه كلِّه: في طهوره، وترجُّله، ونعله، وزاد: وسواكه. فما صحة هذه الزيادة؟
2 ـ حديث: من ترك شعرة لم يُصبها الماءُ من الجنابة، فعل الله به كذا وكذا، وذكر أنه سمع بعض الناس يصحح رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب ويقول: إن حمادًا سمع من عطاء قبل الاختلاط.(1/463)
3 ـ حديث المسح على العصائب والتساخين.
والجواب بحول الملك الوهاب:
أما الحديث الأول: فقد أخرجه البخاريُّ في «الوضوء» (1/962)، وأبو داود (0414)، والبيهقيُّ (1/612) عن حفص بن عمر الحوضيّ.
والبخاريُّ في «الصلاة» (1/352)، والبيهقيّ في «الشعب» (0826) عن سليمان بن حرب. والبخاري أيضًا في «الأطعمة» (9/625)، والنسائيُّ (1/502) عن عبد الله بن المبارك. والبخاريُّ في «اللباس» ؟(01/903، 863) عن حجاج بن منهالٍ وأبي الوليد الطيالسيّ. ومسلمٌ في «الطهارة» (862/76)، وأبو داود (0414) معلقًا عن معاذ بن معاذ العنبريّ. والنسائيُّ (1/78، 8/581)، وابنُ خزيمة (971)، وعنه ابن حبان (1901) عن خالد بن الخارث. وأحمد (6/49، 761-881) قال: حدثنا بهز بن أسد وعبد الرحمن بن مهدي. وأحمد (6/031)، وأبو عوانة (1/222) عن عفان بن مسلم. وأحمد (6/741)، والإسماعيلي في «المستخرج» ـ كما في «الفتح» ـ عن غندرٍ. وأحمد (6/202)، وابن خزيمة (442) عن يحيى القطان.
وأبو عوانة (1/222)، والبيهقيُّ (1/612) عن بشر بن عمر الزهراني. والطيالسيُّ (0141) ومن طريقه أبو عوانة (1/222). واسحاق بن راهويه في «المسند» (3641/029)، والخطيبُ في «الجامع» (719) عن النضر بن شميلٍ. وابن المنذر في «الأوسط» (1/683) قال: أخبرنا يحىى بن السكن. وابن راهويه في «المسند» (4641/129) قال: أخبرنا وهب بن جرير. وأبو الشيخ في «أخلاق النبي» (ص282) عن أبي أسامة حماد بن أسامة، والبيهقيُّ في «المعرفة» (1/613) عن حجاج بن منهال قالوا جميعًا ـ وهم ثمانية عشر راويًا ـ ثنا شعبة، عن أشعث بن سليم، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة فذكرته. قال شعبة: سمعتُ الأشعث بواسط يقول: «يحبُّ التيامُن» فذكر شأنه كلَّه، ثم سمعتُهُ بالكوفة يقول: «يحب التيامن ما استطاع».
وتابعهم مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا شعبة بهذا الإسناد إلا أنه قال: «وسواكه».(1/464)
ولم يذكر قوله: «في شأنه كلِّه». أخرجه أبو داود (0414) قال: حدثنا مسلمٌ بهذا.
ورواه جمعٌ تابعوا شعبة عليه ولم يذكروا هذه الزيادة.
وسبيل هذه الزيادة عند الناظر في هذا التخريج أن تكون شاذّةً، لكني لا أحكم بشذوذها لأمرين. أولهما: أن مسلم بن إبراهيم ثقةٌ مأمونٌ لم يختلف فيه. الثاني: أن زيادة السواك داخلةٌ في عموم قوله: «في شأنه كُلِّه»، ثم ذكر الطهور، والترجُّل، والتنعُّل على سبيل المثال، فلا مانع أن يدخل فيه السواك وغيرُهُ، ولعلَّ أشعث بن سليم كان يذكرها ويتركها، كما كان يقول في الكوفة: «ما استطاع» ولا يذكرها في مرّةٍ أخرى. ولست ممن يرى قبول زيادة الثقة بإطلاقٍ كما يراه جمهور الأصوليين والفقهاء، فإن الحذَّاق من أهل الحديث كان يفصِّلون. فتارة يقبلونها ويردونها تارةً، ويدورون مع القرائن. وقد ذكرتُ قرينتين بل ثلاثة ترجح قبول زيادة مسلم بن إبراهيم. والمقام يحتمل البسط. ولكن الموضع هنا لا يسعُهُ.
أما الحديث الثاني: فإنه حديث ضعيف.(1/465)
أخرجه أبو داود (942)، وابنُ جرير في «تهذيب الآثار» (ص672-772 رقم24 - مسند علي) عن أبي سَلَمة موسى بن إسماعيل وابنُ ماجة (995) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وهذا في «المصنَّف» (1/001) قال: حدثنا أسوَّد بن عامر، وأحمد (1/49،101) قال: حدثنا حسن بن موسى، وعفَّان بن مسلمٍ. وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (1/331) قال: حدثنا إبراهيم بن الحجَّاج، ومحمد بن أبان بن عمران الواسطيُّ. والدارميُّ (1/751) قال: أخبرنا محمد بن الفضل، وابنُ جرير في «التهذيب» (ص672/رقم14)، عن حجَّاج بن منهال، وأبو نعيم (4/002) عن يحيى القطان. والبزار (318) - البحر) عن أبي الوليد الطيالسيّ. والبيهقيُّ (1/571)، عن عفان وحجاج، وعبيد الله بن عمر. والطيالسيُّ (571)، ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (4/002) قالوا: ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن زازان، عن علي بن أبي طالبٍ مرفوعًا. قال عليٌّ: ولذلك عاديت شعري أو قال: رأسي. وكان يجزُّ شعره. قال أبو نعيم: «هذا حديثٌ غريبٌ، تفرَّد به: حمادٌ، عن عطاء». ولم يتفرّدْ به كما يأتي. وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، لأن عطاء بن السائب كان اختلط، وأجمع النقاد على أن من سمع منه قبل الاختلاط فحديثُهُ صحيحٌ كما قال أحمد وابن معين، وأبو حاتم، والنسائيُّ، والعجليُّ في آخرين. ومن سمع منه بعد الاختلاط فحديثه ضعيفٌ، ومن لم يتميَّز: أسمع منه قبل الاختلاط أم بعده فالتوقف في الاحتجاج بحديثه هو المتعيِّنُ المناسب للاحتياط، وقد نصَّ جماعةٌ من أهل العلم كابن معين، وأبي داود، والطحاويّ أن حماد بن سلمة سمع عطاء قبل الاختلاط، ولكن نقل العقيليُّ في «الضعفاء» (3/993) عن علي بن المديني أنه قال ليحىى القطان: كان أبو عوانة حمل عن عطاء بن السائب قبل أن يختلط. فقال يحيى القطان: كان لا يفصل هذا من هذا وكذلك حماد بن سلمة». وقال الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (7/702): «فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان(1/466)
الثوري وشعبة وزهير، وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيحٌ، ومن عداهم فيتوقف فيه إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم والظاهر أنه سمع منه مرتين؛ مرّة ً مع أيوب كما يوحى إليه كلام الدارقطني، ومرَّةً بعد ذلك لما دخل إليهم البصرة، وسمع منه جريرٌ وذووه». انتهى. وهذا التحقيق من الحافظ هو الصواب، مع أنه خالف ذلك في «التغليق» (3/074) وكذلك شيخه العراقي في «نكته علي ابن الصلاح» (ص344). وقد توبع حماد بن سلمة تابعه عبد العزيز بن أبي روَّاد، عن عطاء بن السائب بهذا الإسناد. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (4307)، وفي «الصغير» (789) قال: حدثنا محمد بن الأعجم الصنعاني، ثنا حريز بن المسلم ـ بالحاء المهملة ثم راء وآخره زاي معجمة ـ ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، عن أبيه بهذا الإسناد.
قال الطبرانيُّ: «لم يرو هذا الحديث، عن عبد العزيز بن أبي رواد، إلا ابنه، تفرَّد به: حريز بن المسلم».
ورواهُ أيضًا شعبة بن الحجاج، عن عطاء بن السائب بهذا.
أخرجه ابن المظفر في «غرائب شعبة» (ق62/1) كما ذكره محقق كتاب «الكواكب النيرات» (ص033)، ولكنَّهُ لم يذكر إسناده إلى شعبة.
ولكن نقل صاحب «الكواكب» عن يحىى القطان أنَّ شعبة سمع من عطاء، عن زاذان حديثين في الاختلاط، واستظهر المحقق أن هذا أحدهما.
والصواب في هذا الحديث الوقفُ، كما رواه حماد بن زيدٍ، عن عطاء بن السائب بهذا الإسناد على ما ذكره الدارقطنيُّ في «العلل» (3/802). وحماد بن زيد كان ممن سمع من عطاء بن السائب قبل الاختلاط كما قال يحيى القطان والبخاريُّ وغيرُهُما.
وأغرب الحافظ فرجح في «التلخيص» (1/241) صحة إسناد حديث حماد بن سلمة، وبناه على أن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل الاختلاط، وقد قدَّمنا الجواب عن ذلك.(1/467)
وأما الحديث الثالث: فأخرجه أبو داود (146)، والحاكم (1/169)، والطبراني في «مسند الشاميين» (477)، والبيهقي (1/62) عن أحمد بن حنبل، وهو في «مسنده» (5/277)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (1/187)، والطبراني في «مسند الشاميين» (477) عن مسدد بن مسرهد قال ثلاثتهم: ثنا يحيى بن سعيد القطان عن ثور بن يزيد، عن راشد بن سعدٍ، عن ثوبان قال: بعث رسول اللَّه سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على النبي شكوا إليه ما أصابهم من البرد، فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين.
وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم»، وليس كما قال، فإن ثورًا لم يرو له مسلمٌ، وراشد بن سعدٍ لم يحتج به الشيخان كما قال الزيلعيُّ في «نصب الراية» (1/165)، وصحح النووي إسناده في «المجموع» (1/408)، ولكن أعله الحافظ ابن حجر في «التلخيص» بقوله: «هو منقطع»، ولعله يشير إلى ما نقلوه عن أحمد وأبي حاتم، وإبراهيم الحربي أن راشد بن سعدٍ لم يسمع من ثوبان، وخالفهم في هذا الإمام البخاري فإنه ترجم لراشد بن سعد في «التاريخ الكبير» (2/1/292) وقال: «سمع ثوبان» والبخاري حجة في هذا الباب، وروى عن حيوة، ثنا بقية، عن صفوان بن عمرو قال: ذهبت عين راشد يوم صفين، فهذا يردُّ قول أحمد ومن معه بالانقطاع، فإن ثوبان مات سنة أربع وخمسين، ومات راشدٌ سنة ثمانٍ ومائة، فقد عاصره ما يقارب عشرين عامًا، ولا يعلم عنه تدليس، ولذلك قوى الذهبي في «السير» (4/491) إسناد هذا الحديث. والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
---
رجب 1425هـ
يسأل القارئ: عن درجة حديث «إن من أحسن الناس صوتًا بالقرآن من إذا سمعتموه يقرأ، حسبتموه يخشى الله».
والجوابُ بحول الملك الوهاب: أنه حديث ضعيفٌ.
ورد من حديث جابرٍ، وابن عمر ، وابن عباسٍ، وأبي هريرة، وعائشة، ومن مرسل طاوس والزهريّ.
أولا: حديث جابر رضي الله عنه:(1/468)
أخرجه ابنُ ماجه (9331)، والآجري في «أخلاق حملة القرآن» (38)، وفي «فوائده»، وابنُ أبي داود في «كتاب الشريعة» ـ كما في «إتحاف السادة» (4/125) ـ من طرقٍ عن عبد الله بن جعفر المدينيُ، عن إبراهيم ابن إسماعيل بن مجمع، عن أبي الزبير، عن جابرٍ مرفوعًا فذكره.
قال العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (1/682): «سندُهُ ضعيفٌ».
وقال البوصيريّ في «الزوائد» (634/1): «هذا إسنادٌ ضعيفٌ لضعف إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وعبد الله ابن جعفر».
قُلْتُ: وعنعنة أبي الزبير أيضًا، فالصوابُ أن السَّند ضعيفٌ جدًّا، واللهُ أعلمُ.
ثانيًا: حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (1/751) قال: حدثنا أبو بشر أحمد بن محمد بن مصعب قال: ثنا أبي وعمي قالا: ثنا أبي ثنا يحيى بن عثمان ثنا شعبة والثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن النبي سئل: أيُّ النَّاسِ أحسن صوتًا؟ قال: «من إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله عز وجل».
وهذا سندٌ ساقط. وشيخ ابن حبان قال فيه ابن حبان: «كان ممن يضع المتون للآثار ويقلب الأسانيد للأخبار.. ولعله أقلب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث».
لكن له طريق آخر عن عبد الله بن دينار:
أخرجه البزار (ج3/رقم 6332)، والرُّوياني في «مسنده» (ج13/ق141/1)، والطبرانيُّ في «الأوسط» (ج1/ق411/2-2/48/1-2)، وتمام الرازي في «الفوائد» (8541)، وابنُ عديّ في «الكامل» (2/396)، والخطيبُ في «تاريخه» (3/802)، وفي «تلخيص المتشابه» (921/1) من طريق محمد بن معمر البحراني، نا حميد بن حماد بن أبي الخوار، عن مسعر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قيل للنبيِّ : من أحسنُ صوتًا بالقرآن؟ قال: «من إذا سمعت قراءته، رأيت أنه يخشى الله عز وجل».(1/469)
قال البزار: «لم يتابع حميدٌ على روايته هذه، إنما يرويه مسعرٌ، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ مرسلا، ومسعرٌ لم يحدث عن عبد الله بن دينارٍ بشيءٍ، ولم نسمع هذا الحديث إلا من محمد بن معمر، أخرجه إلينا من كتابه».
وقال الطبرانيُّ: «لم يرو هذا الحديث عن مسعرٍ، إلا حميد بن حماد، تفرَّد به: محمد بن معمر».
وقال ابنُ عديّ: «وهذا عن مسعرٍ، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، لم يروه إلا حميد بن حماد هذا، وقد روي هذا الحديث عن مسعرٍ، عن عبد الكريم المعلم، عن طاوس قال: سئل النبي ... مرسلٌ، ووصله إسماعيل بن عمرو البجلي، عن مسعرٍ، عن عبد الكريم، عن طاوس، عن ابن عباس».
وقال الخطيبُ: «تفرَّد بروايته ابن خوار، وخالفه إسماعيل ابن عمرو، عن مسعرٍ، عن عبد الكريم، عن طاوس، عن ابن عباسٍ، عن النبي.
قلتُ: وحميد بن حماد بن أبي الخوار ـ بضم الخاء المعجمة، وتخفيف الواو، آخره راء ـ ضعّفه أبو داود.
وقال ابنُ عديّ: «هو قليل الحديث، وبعضُ أحاديثه على قلتها لا يتابع عليه».
ومن تدبر ما أورده له ابنُ عدي في «الكامل» علم أنه واهٍ، وخالفه إسماعيل بن عمر البجلي كما في.
ثالثا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
فيرويه إسماعيل بن عمرو البجليُّ، عن مسعرٍ، عن عبد الكريم، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: سُئل النبي : من أحسن الناس قراءةً؟ قال: «من إذا قرأ، رأيت أنه يخشى الله عز وجل».
أخرجه ابن عديّ في «الكامل» (2/396)، والبيهقيُّ في «الشعب» (ج5/رقم8591)، وأبو نعيم في «الحلية» (4/91)، وفي «أخبار أصبهان» (2/09).
قال أبو نعيم: «غريبٌ من حديث مسعرٍ، لم يروه عنه مرفوعًا موصولا، إلا إسماعيل» اهـ.
وإسماعيل هذا منكر الحديث؛ لذلك قال ابنُ عدي: «والروايتان جميعًا غير محفوظتين».
يعني حديث ابن أبي الخوار وإسماعيل بن عُمرو كليهما عن مسعر.(1/470)
وخالفهما: وكيعُ بن الجراح، وجعفر بن عون، وأبو أسامة حماد بن أسامة، فرووه عن مسعرٍ، عن عبد الكريم، عن طاوس، قال: سُئل النبي # عن أحسن الناس قراءة... الحديث.
أخرجه الدارميُّ (2/833)، وابنُ أبي شيبة (3/225 و01/464 - 564)، وابن نصر في «كتاب الصلاة» ـ كما في «إتحاف السادة» (4/125) ـ، والبيهقيُّ في «الشعب» (ج5/رقم9591).
قال ابنُ عدي: «الصوابُ مرسلٌ».
وقال الزبيدي في «الإتحاف»: «هذا مرسلٌ حسنٌ السند».
كذا!! وعبد الكريم هو ابنُ أبي المخارق وهو ضعيفٌ، ومع ضعفه فإن الإرسال هو الصواب قطعًا، وقد سُئل الدارقطنيِّ ـ كما في «العلل» (2/83/1) ـ عن الحديث، فقال: «المحفوظ عن مسعرٍ، عن عبد الكريم، عن طاوس. مرسلٌ».
وممَّا يؤيد هذا الحكم أنَّ ابن جريج رواه عن عبد الكريم، عن طاوس مرسلا.
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج2/رقم5814).
وأخرجه أبو عبيد في «الفضائل» (ص08)، قال: حدثنا قبيصة، عن سفيان الثوريّ، عن ابن جريجٍ، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعن الحسن بن مسلم، عن طاوس مرسلا.
وخولف أبو عبيد:
خالفه أحمد بن عمر الوكيعي قال: حدثنا قبيصة، ثنا سفيانُ، عن ابن جريجٍ، عن عطاء، عن ابن عباسٍ، قال: سُئل النبيُّ : أيُّ الناس أحسنُ قراءة؟ قال: «إذا قرأ، رأيت أنه يخشى الله».
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (3/713)، وقال: «هذا حديثٌ غريبٌ، من حديث الثوريّ، عن ابن جريجٍ، عن عطاء، انفرد به: أحمد بن عمر، عن قبيصة». اهـ
قلت: والوكيعي وثقه ابنُ معين وغيرُهُ، ولكن قال ابنُ حبان: «كان يغرب» فرواية أبي عبيد أرجح من روايته، والله أعلم.
وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» (311) من طريق عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن رجلٍ، عن طاوس مرسلا.
وأخرجه أبو عبيد في «الفضائل» (ص08)، وفي «الغريب» (2/141) من طريق ليث بن أبي سليم، عن طاوس قوله. وليثٌ ضعيفُ الحديث.(1/471)
وخالفهم عمرو بن دينار، فرواه عن طاوس، عن ابن عباس أن رسول الله قال: «إن أحسن الناس قراءةً، من إذا قرأ تحزَّن».
أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (ج11/رقم25801)، ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (4/91) قال: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا أبي، ثنا ابنُ لهيعة، عن عمرو ابن دينار فذكره.
وابنُ لهيعة يضعَّفُ في الحديث.
ورواه الأحول، عن طاوس، عن ابن عمر أنَّ النبي قيل له: أيُّ الناس أحسن قراءةً؟ قال: «الذي إذا سمعت قراءته، رأيت أنه يخشى الله».
أخرجه ابنُ نصر في «قيام الليل» (ص831) من طريق مرزوق أبي بكر، عن الأحول.
والأحول، هو: عاصم.
ومرزوق أبو بكر الباهلي مختلفٌ فيه، فوثقه أبو زرعة، وابنُ حبان، وقال «يخطئ».
وقال ابن خزيمة: «أنا بريءٌ من عهدته» وهذه عادته فيمن لا يحتج به.
ثمَّ رأيتُ الحديث في «المنتخب» (208) لعبد بن حميدٍ، و«أخبار أصبهان» (1/303) لأبي نعيم، لكنه سمَّى الأحول: «سليمان».
وسليمان بن أبي مسلم الأحول يروي عن طاوس أيضًا، وإنْ كان المذكور في ترجمة مرزوق الباهلي، هو: «عاصم»، فالله أعلم.
وهذه الرواية أولى من رواية ابن لهيعة، لكن تبقى المخالفةُ.
وذكر الزبيدي في «الإتحاف» (4/225) أنَّ السجزي رواه في «الإبانة» من طريق طاوس عن أبي هريرة. فهذا اختلافٌ شديدٌ على طاوس.
والصواب عندي في هذا الحديث الإرسال.
وقد أخرجه ابنُ المبارك في «الزهد» (411)، وعنه الآجري في «أخلاق حملة القرآن» (48) من طريق يونس بن يزيد، عن الزهريّ، قال: بلغنا أن رسول الله # قال: «إن من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، الذي إذا سمعته يقرأ أريْت أنه يخشى الله عز وجل».
وهذا سندٌ معضلٌ أو مرسلٌ.
رابعًا: حديث عائشة رضي الله عنها:(1/472)
أخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/85) من طريق ابن أشكيب، ثنا يحىى بن عثمان بن صالح المصري، ثنا أبي، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن يزيد ـ وهو ابن جابر ـ، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا: «إن أحسن الناس قراءةً، الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله».
قلت: وهذا من وجوه الاختلاف على ابن لهيعة فيه.
وقد خالف الطبراني ابن أشكيب فرواه عن يحىى بن صالح المصري، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس كما مر ذكره.
وكل هذه الوجوه ضعيفة لا يعتبر بها، ولا يتقوى بها الحديث؛ لأن طرقه تعددت من أثر اضطراب رواته.
والصواب في الحديث الإرسال كما قدمت، والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين
---
رمضان 1425هـ
يسأل سائل: عن حديث روته عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النبيُّ وأنا أبكي، فقال: «ما يبكيك؟» فقلتُ: سبتني فاطمةُ. قال: «يا بُنيَّةُ، أليس تحبين ما أحبُّ، وتبغضين ما أُبغض؟» قالت: بلى. قال: «فأحبي عائشة، فإني أحبها». فقالت فاطمة: ما أقول لعائشة شيئًا تكرهه أبدًا. ما درجةُ هذا الحديث؟
الجواب: أنه حديث ضعيفٌ بهذا السياق، وقد ورد لبعضه شاهدٌ صحيحٌ يأتي ذكره إن شاء الله.
فأخرجه أبو يعلى (4955)، قال: حدثنا هارون بن عبد الله، والبزار (2661)، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، والرُّوياني، ومن طريقه اللالكائي في «شرح الأصول» (2752)، وأبو عروبة الحراني في «حديثه» (30) قالا: ثنا أبو كريب محمد بن العلاء- زاد أبو عروبة: ومحمد بن عثمان بن كرامة- قالوا: ثنا أبو أسامة، عن مجالدٍ، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة. قال البزار: «لا نعلم رواه عن مجالدٍ هكذا إلاَّ أبو أسامة».
قلت: ومجالدٌ ضعيف، وبه ضعَّف البوصيري الحديث كما في «مختصر الإتحاف» (9/231).
وأمَّا قوله: «أي بُنيَّة، ألست تحبين ما أحبُّ». قالت: بلى. قال: «فأحبي هذه»، فهذا القدر صحيح، لكنه قيل في سياقٍ آخر.(1/473)
فأخرج مسلم (2442/83)، والنسائي (7/64- 66)، وفي «الكبرى» (8892)، وأحمد (6/88)، وابنُ أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3017)، والطبراني في «الكبير» (ج23/ رقم 105) عن صالح بن كيسان ومسلم، والبيهقي (7/299) عن يونس بن يزيد، والبخاري في «الأدب المفرد» (559)، والنسائي (7/66- 67)، وأحمد (6/88) عن شعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن الزهري، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل أزواج النبي فاطمة بنت النبي ، فاستأذنت والنبي مع عائشة في مرطها، فأذن لها، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقال النبي : «أي بُنية ألست تحبين ما أحبُّ؟» فقالت: بلى، فقال: «فأحبي هذه» لعائشة. قالت: فقامت فاطمة فخرجت، فجاءت أزواج النبيِّ فحدثتهن بما قالت، وبما قال لها، فقُلن لها: ما أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى النبي ، فقالت فاطمة: والله لا أُكلمه فيها أبدًا، فأرسل أزواج النبي زينب بنت جحش، فاستأذنت، فأذن لها، فدخلت، فقالت: يا رسول الله، أرسلنني إليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قُحافة، قالت عائشة: ثم وقعت بي زينب، قالت عائشة: فطفقت أنظر إلى النبي متى يأذن لي فيها، فلم أزل حتى عرفت أن النبي لا يكره أن أنتصر، قالت: فوقعت بزينب فلم أنشبها أن أفحمتُها. فتبسم النبي ، ثم قال: «إنها ابنةُ أبي بكرٍ». وخالف هؤلاء الثلاثة معمر بن راشد، فرواه عنه الزهري، عن عروة عن عائشة بطوله، فجعل شيخ الزهري: «عروة» بدل «محمد بن عبد الرحمن»، وأخرجه أحمد (6/150- 151)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (871)، والنسائي (7/67)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3016)، وابن حبان (7105) عن عبد الرزاق، وهذا في «مصنفه» (20925)، قال: أخبرنا معمرٌ بهذا.(1/474)
وكلاهما محفوظٌ عندي، ويؤيد ثبوته عن عروة أيضًا أن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أن نساء رسول اللَّه كنَّ حزبين، فحزبٌ فيه عائشة وحفصةُ وصفية وسودةُ، والحزب الآخر أم سلمة وسائرُ نساء رسول اللَّه ، وكان المسلمون قد علموا حُب رسول اللَّه عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يُريد أن يهديها إلى رسول اللَّه أخرها، حتى إذا كان رسول الله في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول اللَّه في بيت عائشة، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها: كلمي رسول اللَّه يُكلم الناس، فيقول: من أراد أن يُهدي إلى رسول اللَّه هدية فليهد حيثُ كان من نسائه، فكلمته أم سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئًا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها: فكلميه، قالت: فكلمته حين دار إليها أيضًا فلم يقل لها شيئًا، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا. فقلن لها: كلميه حتى يكلمك، فدار إليها فكلمته فقال لها: «لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة». قالت: فقلت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله، ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول اللَّه فأرسلت إلى رسول اللَّه تقول: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر. فكلمته فقال: «يا بنية، ألا تحبين ما أحبُّ؟» قالت: بلى، فرجعت، ثم ذكر الحديث.
أخرجه البخاري في «كتاب الهبة» (2581) قال: حدثنا إسماعيلُ، قال: حدثني أخي، عن سليمان، عن هشام بن عروة بهذا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله.
---
شوال 1425هـ
يسأل القارئ: عن درجة هذا الحديث:
لا تفتشوا التمر؟(1/475)
الجواب بحول الملك الوهاب: أمَّا الحديث الأول فمنكر، أخرجه أبو بكر الأبهري محمد بن عبد الله في «الفوائد والغرائب الحسان» (ق 340/1- مجموع 46) قال: حدثنا محمد بن عبيد الله، قال: حدثنا محمد بن مروان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: «لا تفتشوا التمر»، وهذا إسناد واهٍ جدّا، ومحمد بن مروان هو المعروف بالسدي الصغير، ساقط مطروح، قال البخاري وأبو حاتم: «لا يكتب حديثه البتة». زاد أبو حاتم: «ذاهبُ الحديث، متروك». وقال صالح بن محمد جزرة: «كان يضع الحديث»، وكذبه ابن نمير، وتركه النسائي وغيره.(1/476)
وقد وقفت له على طريق آخر، أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (5883) قال: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو بكر بن إسحاق، أنا محمد بن الحسين الأنماطي، ثنا محمد بن بكار، ثنا إسماعيل بن زكريا، عن قيس بن الربيع، عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمر، أنه قال: نهى رسول اللَّه أن يشق التمرة عما فيها، وأخرجه الطبراني في «الكبير» كما في «مجمع الزوائد» (5/42) وقال: «فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري، وضعَّفه يحيى القطان، وبقية رجاله ثقات»، وأخرجه البيهقي أيضًا (5885) من طريق داود بن الزبرقان عن عمه أبي حفص الكندي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال: نهانا رسول اللَّه نَدَّهن إلا غِبّا، وأن نقرن بين التمرتين، أو نشق عما فيهما. وهذا إسنادٌ ساقطٌ، وداود بن الزبرقان تالفٌ، تركه أبو زرعة، ويعقوب بن شيبة، وأبو داود. وضعَّفه ابن المديني جدًا، بل كذبه الجوزجاني وأظنه بالغ. وقال ابنُ عدي مع توسطه: «عامة ما يرويه عن كل من روى عنه مما لا يتابعه أحدٌ عليه». وينظر حال عمه أبي حفصٍ الكنديِّ، وصحِّح الحاكم في «المستدرك» (1/209) سماع حبيب بن أبي ثابتٍ من ابن عمر، وكذلك قال العجليُّ، ولكن قال ابنُ خزيمة وابن حبان: «كان مدلسًا»، وقد ورد ما يدلُّ على نكارة هذا المتن، فقد أخرج أبو داود (3832) ومن طريقه البيهقي في «الشعب» (5886) قال: حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة، وابن ماجه (3333)، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي» (ص221) عن أبي بشر بن بكر بن خلف قالا: ثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة، عن همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: أُتي النبي بتمرٍ عتيقٍ فجعل يفتشه؛ يُخرج منه السوس. وسلم بن قتيبة وثقه أكثر النقاد، وتكلّم فيه أبو حاتم، وقد خالفه محمد بن كثير العبديُّ، فقال: أخبرنا همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن النبي فذكر معناه. فأرسله.(1/477)
أخرجه أبو داود (3833) ومن طريقه البيهقي في «الشعب» (5887) قال: حدثنا محمد بن كثير بهذا. قال البيهقي: «وهذا مع إرساله أصح من حديث قيس بن الربيع وداود بن الزبرقان». فكأن البيهقي يذهب إلى ترجيح المرسل على الموصول، ولا يظهر لي ذلك لأن محمد بن كثير العبدي تكلم فيه ابن معين، فقال: «لم يكن بالثقة»، وقوَّاه آخرون. وقال ابن حجر: «لم يصب من ضعَّفه». وعندي أن حديث سلم بن قتيبة جيد الإسناد، ولا مانع من ورود الحديث موصولاً ومرسلاً، وقد تأوَّل البيهقي حديث النهي عن تفتيش التمر على فرض صحته بأن يكون جديدًا، أما إذا كان عتيقًا كما في حديث أنس فلا بأس بذلك. وقد علمت أن حديث النهي عن التفتيش منكرٌ، والله أعلم.(1/478)
أما الحديث الثاني: «نهى عن كل ذي ناب» فهو صحيح قد ورد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم ابن عباس رضي الله عنهما، يرويه أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس فذكره. أخرجه مسلم (1934/16) قال: حدثني أبو كامل الجحدري. وأبو عوانة في «المستخرج» (7613) عن حجاج بن منهال وموسى بن داود وأحمد بن عبد الملك الحراني، وأبو داود (3803)، وأبو عوانة (7614) عن مسدد بن مسرهد، وأحمد (1/327)، وابن الجارود في «المنتقى» (892) عن عفان بن مسلم، وأحمد (1/244) قال: حدثنا يونس بن محمد، والدارمي (2/12) قال: أخبرنا يحيى بن حماد، وابنُ أبي شيبة (5/399) قال: حدثنا يحيى بن آدم، وأبو عوانة (7614)، والطحاوي في «شرح المعاني» (4/190)، وفي «المشكل» (3475) عن يحيى بن حسَّان، وابن حبان (5280) عن إبراهيم بن الحجاج النيلي، والطحاوي في «الشرح» (4/190) عن علي بن الحسن بن شفيق، والطبراني في «الكبير» (ج12/ رقم 12995) عن محمد بن الفضل عارم، قالوا: ثنا أبو عوانة وضاح اليشكري بهذا، وتوبع أبو عوانة، تابعه هشيم بن بشير، فرواه عن أبي بشر، عن ميمون بن مهران عن ابن عباس فذكره، أخرجه مسلم قال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن يحيى- فرَّقهما- وابن أبي شيبة في «المصنف» (5/399)، والطحاوي في «الشرح» (4/190)، وفي «المشكل» (3474) عن سعيد بن منصور، والبيهقي (9/315) عن يحيى بن يحيى قال أربعتُهم: ثنا هشيم بن بشير بهذا الإسناد.(1/479)
وتوبع أبو بشر جعفر بن إياس، تابعه الحكم بن عتيبة، فرواه عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس فذكره. أخرجه مسلم (1934/16)، وأبو عوانة (7609)، والبغوي في «شرح السنة» (11/234) عن معاذ بن معاذ العنبريّ، ومسلم أيضًا عن سهل بن حماد، وأبو عوانة (7607، 7608، 7610، 7611) عن عبد الوهاب بن عطاء، ويزيد بن زريع، ويحيى بن سعيد، وعثمان بن جبلة. وأحمد (1/289)، والطحاوي في «المشكل» (3477، 3478) عن عبد الله بن المبارك كلهم عن شعبة، عن الحكم بن عتبة بهذا.
قلت: هكذا رواه معاذ بن معاذ، وسهل بن حماد، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن زريع، وعبد الوهاب بن عطاء، وعثمان بن جبلة، وابن المبارك، كلهم يرويه عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، وخالفهم أبو قتيبة: سلم بن قتيبة، فرواه عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس فذكره. فجعل شيخ شعبة: «عمرو بن دينار» بدل «الحكم»، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج12/ رقم 12996) قال: حدثنا محمد بن الحسين بن مكرم، ثنا سليمان بن عبيد الله الغيلاني، ثنا أبو قتيبة بهذا، ورواية الجماعة هي المحفوظة، وسلم بن قتيبة وإن وثقه غير واحد، فقد قال أبو حاتم: «كثير الوهم يكتب حديثه»، فلا يحتمل منه مخالفة واحدٍ من هذا الجمع، فضلاً عنهم، وتوبع شعبة على الوجه الأول.
تابعه أبو عوانة، فرواه عن أبي بشر والحكم بن عتيبة معًا، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس فذكره، أخرجه مسلم (1934/16)، وأبو عوانة (2/76)، وأحمد (1/302، 373)، والطحاوي في «المشكل» (3476)، والبيهقي (9/315)، والخطيب في تاريخه (7/278) كلهم عن أبي داود الطيالسي وهذا [في مسنده 2745]، قال: حدثنا أبو عوانة بسنده سواء، ورواه سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة بهذا.
أخرجه الطبراني في «الكبير» (ج12/ رقم 12994) من طريق سويد بن عبد العزيز، عن سفيان بن حسين بهذا، وسويد ضعفوه.(1/480)
قلت: هكذا رواه شعبة، وأبو عوانة، وسفيان بن حسين ثلاثتهم عن الحكم بن عتيبة، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، وخالفهم إسماعيل بن مسلم، فرواه عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عباس، فجعل شيخ الحكم «مقسمًا» بدل «ميمون» أخرجه ابن أبي عمر العدني في «مسنده»- كما في «المطالب العالية» (2354)- قال: حدثنا مروان بن معاوية، ثنا إسماعيل بن مسلم بهذا. وهذه مخالفةٌ واهية. وإسماعيل بن مسلم هو المكيُّ ضعيف، بل لعلَّه واهٍ، وقد تركه جماعةٌ من النقاد.
قلت: هكذا رواه أبو بشر والحكم بن عتيبة، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس.
وخالفهما علي بن الحكم، فرواه عن ميمون بن مهران، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فزاد في الإسناد: «سعيد بن جبير».
أخرجه أبو داود (3805)، وابن ماجه (3234)، وأبو يعلى (2690)، والبزار (4999- البحر ) عن محمد بن أبي عدي، والنسائي (7/206) عن بشر بن المفضل، وأحمد (1/339)، وابن الجارود في «المنتقى» (893) عن روح بن عبادة، وأحمد أيضًا (1/339) قال: حدثنا محمد بن جعفر. والطحاوي في «الشرح» (4/190)، وفي «المشكل» (3479) عن خالد بن الحارث كلهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن علي بن الحكم بهذا. قال البزار: «وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن ميمون بن مهران، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس إلا عليَّ بن الحكم، وقد رواه أبو بشر والحكم عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، ولم يذكرا سعيد بن جبير بين ميمون بن مهران وابن عباس». انتهى.(1/481)
فنظر أهل العلم في هذا الاختلاف. فقد أورد عبد الحق الأشبيلي هذا الحديث في «الأحكام الوسطى» (7/78) فتعقبه ابن القطان في «الوهم والإيهام» (2/450) قائلاً: «كذا ذكره وسكت عنه، ولم يضع فيه نظرًا لما كان من عند مسلم وهو من أفراد مسلم، ولم يخرجه البخاري... قال: ولم يسمعه ميمون بن مهران من ابن عباس، بل بينهما فيه سعيد بن جبير، ثم قال: وعلي بن الحكم ثقة أخرج له البخاري ومسلم، وممن وثقه النسائي رحمه الله». انتهى.
قلت: وليس في يد ابن القطان دليل على الانقطاع إلا وجود الواسطة، وهذا ليس بكافٍ، وإنما هو أمارةٌ حسبُ، لاحتمال أن يسمع الراوي الحديث بواسطة عن شيخ، ثم يسمعه من هذا الشيخ، وهذا الاحتمال مؤيدٌ بعشرات بل مئات الأمثلة، هذا أولاً.
وثانيًا: فإن مسلمًا لم يخرج لعلي بن الحكم البناني شيئًا.
وثالثًا: فقد خولف ابن القطان في حكمه هذا، فخالفه مسلمٌ إذ صحح رواية ميمون بن مهران عن ابن عباس دون واسطة، وخالفه أيضًا: الخطيب البغدادي، فنقل المزي في «الأطراف» (5/253) أن الصحيح في هذا الحديث أنه: «ميمون، عن ابن عباس»، وخالفه أيضًا: الحافظ ابن حجر، فقال في «النكت الظراف» (5/253): «وقال البزار: تفرد علي بن الحكم بإدخال سعيدٍ بين ميمون وابن عباسٍ، وعليُّ بن الحكم قال فيه أبو حاتم: صالحُ الحديث، ووثقه جماعةٌ، وضعَّفه أبو الفتح الأزديُّ، وخالفه الحكم بن عتيبة، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، فلم يذكرا سعيد بن جبير، وهما أحفظ من علي بن الحكم، فروايته شاذةٌ، وتابعهما جعفر بن برقان وغيره، فلهذا جزم الخطيب بأن رواية علي بن الحكم من المزيد». انتهى.(1/482)
ولم أر أحدًا تابع أبا الفتح الأزدي على جرح علي بن الحكم، والصواب في ذلك عندي هو صحةُ الروايتين جميعًا، وعلي بن الحكم وثقه سائر النقاد، ثم رأيت ابن أبي حاتم ذكر حديث علي بن الحكم في «العلل» (1506) ونقل عن أبيه أنه قال: «وهو عندي محفوظ»، فدلَّ هذا على صحة الروايتين جميعًا، ولا يظهر من كلام أبي حاتم أنه يرجح حديث علي بن الحكم على حديث أبي بشر والحكم بن عتيبة، وإلا لقال: «وهو المحفوظ». والله أعلم.
ولا يعلُّ قول شعبة في روايةٍ لأحمد (1/289): «رفعه الحكمُ، قال شعبة: وأنا أكره أن أحدث برفعه. قال شعبة: وحدثني غيلان والحجاج- يعني ابن أرطاة- عن ميمون، عن ابن عباس لم يرفعه». انتهى. فقد رواه أكثر من نفسٍ عن شعبة وصرَّح برفعه، فكأنه كان يتهيب أحيانًا أن يرفعه. ثم إن سفيان الثوري رواه عن حجاج بن أرطاة وجعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس، قال أحدهما: نهى رسول اللَّه ، وقال الآخر: نهى. كذا ذكر المزي في «الأطراف» (5/253).(1/483)
وله طريق أخرى عن ابن عباس، يرويها مجاهد عنه قال: نهى رسول اللَّه يوم حنين عن بيع الغنائم حتى تقسم، وعن الحبالى أن يوطئن حتى يضعن ما في بطونهن، وقال: «أتسقي زرع غيرك؟» وعن لحوم الحمر الإنسية وعن كل ذي ناب من السباع. أخرجه النسائي (7/301)، والدارقطني (3/68- 69)، قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري، والحاكم (2/56، 137) عن محمد بن محمويه، والطبراني في «الأوسط» (6981) قال: حدثنا محمد بن علي المروزيُّ قال أربعتهم: ثنا أحمد بن حفص بن عبدالله، حدثني أبي، ثنا إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال الطبرانيُّ: «لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، إلا يحيى بن سعيد، ولا عن يحيى إلا إبراهيم بن طهمان، تفرد به: حفص بن عبد الله». كذا قال، ولم يتفرد به حفص، فتابعه أزهر بن سليمان قال: ثنا إبراهيم بن طهمان بهذا أخرجه الحاكم (2/55- 56). وانظر ما كتبته في «تنبيه الهاجد» (2040). وقال الحاكم: «صحيح الإسناد». ورواه عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، عن مجاهد عن ابن عباس فذكره. أخرجه الطحاوي في «شرح المعاني» (4/190، 204) قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، عن مجاهد، عن ابن عباس، فذكره.
قلت: هكذا وقع في «كتاب الطحاوي»: «عبد الرحمن بن الحارث، عن مجاهد»، والصواب أنه: «عبد الرحمن بن الحارث وهو ابن عبد الله بن عياش عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد». هكذا أخرجه أبو يعلى (2414) قال: حدثنا مصعب الزبيري، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد كلاهما عن عبد الرحمن بن الحارث بهذا. واستبعد أن يكون اختلافًا في الإسناد لوجود مثل هذا السقط من مطبوعة «كتاب الطحاوي». والله أعلم.
وعبد الرحمن بن الحارث متكلم فيه، ولكنه متابع كما رأيت.(1/484)
وأخرجه أحمد (1/326)، وأبو يعلى (2491)، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا: ثنا يحيى بن آدم، ثنا شريكٌ، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس فذكره. وشريك ضعيف الحفظ، والأعمش مدلس.
وأخرجه عبد الرزاق (8707)، وعنه أحمد (1/332) قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن رجل، عن ابن عباس به، وضعفه ظاهرٌ.
وفي الباب عن أبي ثعلبة الخشني في الصحيحين. وعن أبي هريرة عند مسلم.
والله أعلم.
---
ذو القعدة 1425هـ
{{ يسأل القارئ: ح م د عن درجة هذه الأحاديث:
1- من قلَّم أظفاره يوم الجمعة، وقي من السوء إلى مثلها.
2- سمعتُ في خطبة الجمعة وصية الخضر لموسى، وهي نافعة ومفيدةٌ فهل صحت وما نصُّها؟
3- أن رجلاً وقع على أهله في نهار رمضان فقال له النبي : فجر ظهرك فلا يفجر بطنك.
الجواب بحول الملك الوهاب: أما الحديث الأول: «من قلَّم...» فباطلٌ. أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» (4746) قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلم، قال: نا أحمد بن ثابت فرخويه الرازي، قال: نا العلاء بن هلال الرقيُّ، قال: نا يزيد بن زريع، عن أيوب، عن أبي مليكة، عن عائشة مرفوعًا فذكرته.
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن أبي أيوب إلا يزيد بن زريع، ولا عن يزيد بن زريع إلا العلاء بن هلال الرقيُّ، تفرد به فرخويه».(1/485)
قلت: أما فرخويه، فترجمه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/1/44) ونقل عن أبي العباس بن أبي عبد الله الطهراني أنه قال: «كانوا لا يشكون أن فرخويه كذاب»، وأقره في «الميزان» (1/86)، وفي «اللسان» (1/143)، وبه أعلَّه الهيثمي في «المجمع» (2/171) لكنه ضعَّفه فقط، وحاله أدنى من هذا كما ترى، والعلاء بن هلال هو ابن عمر بن هلال الرقيّ ترجمه ابن أبي حاتم في «الجرح» (3/1/361- 362) ونقل عن أبيه قال: «منكر الحديث، ضعيف الحديث عنده عن يزيد بن زريع أحاديث موضوعة». وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/184): «كان ممن يقلب الأسانيد ويغير الأسماء، لا يجوز الاحتجاج به بحالٍ». وقال النسائي: «روى عن أبيه غير حديث منكر فلا أدري منه أتى أو من أبيه». فمن عجبٍ أن يقول الحافظ في «التقريب»: «فيه لين». وهذه العبارة تقال فيمن فيه بعض التماسك، وقد رأيت كلام العلماء فيه. وحديثه هنا عن يزيد بن زريع، وقد تقدَّم في كلام أبي حاتم أنه يروي عنه أحاديث موضوعة. والله أعلمُ.
أما الحديث الثاني: وهو وصية الخضر لموسى عليه السلام فهي وصية باطلة موضوعة، لا يشكُّ في ذلك من له أدنى إلمام بالحديث.
فأخرج هذا الحديث الطبراني في «الأوسط» (6908)، وابنُ عدي في «الكامل» (3/1072) من طرقٍ عن زكريا بن يحيى الوقار، قال: قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمعُ، قال الثوريُّ، قال مجالدٌ، عن أبي الوداك، قال: قال أبو سعيد الخدري، قال عمر بن الخطاب قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «قال أخي موسى عليه السلام يا رب أرني الذي كنت أريتني في السفينة، فأوحى الله إليه: يا موسى، إنك ستراه، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى أتاه الخضر، وهو طيب الريح، حسن بياض الثياب، فقال: السلام عليك يا موسى بن عمران، إن ربك يقرأ عليك السلام ورحمة الله، قال موسى: هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين الذي لا أحصي نعمه، ولا أقدر على شكره إلا بمعونته.(1/486)
ثم قال موسى: أريد أن توصيني بوصية ينفعني اللَّه بها بعدك. فقال الخضر: يا طالب العلم، إن القائل أقل ملالة من المستمع، فلا تُمل جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء، فانظر ماذا تحشو به وعاءك، واعزف عن الدنيا، وانبذها وراءك، فإنها ليست لك بدار، ولا لك فيها محل قرار، وإنها جعلت بُلغةً للعباد، وليتزودوا منها للمعاد. ويا موسى، وطِّن نفسك على الصبر تُلَقَّى الحكم وأشعر قلبك التقوى تنل العلم، وَرُضْ نفسك على الصبر تخلص من الإثم.
يا موسى، تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن يفرغ له، ولا تكونن مكثارًا بالمنطق مهدارًا، إن كثرة المنطق تُشين العلماء، وتبدي مساوئ السخفاء، ولكن عليك بذي اقتصادٍ، فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فضل الحكماء، وزين العلماء، إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه سلمًا، وجانبه حزمًا، فإن ما بقي من جهله عليك، وشتمه إياك أكثر وأعظم.
يا ابن عمران، ألا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا، فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف، يا ابن عمران، لا تفتحن بابًا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابًا لا تدري ما فتحه. يا ابن عمران، من لا تنتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي منها رغبته، كيف يكون عابدًا؟ من يحقر حاله، ويتهم اللَّه بما قضى له، كيف يكون زاهدًا؟ هل يكف عن الشهوات من قد غَلبَ عليه هواهُ؟ وينفعه طلبُ العلم والجهلُ قد حواه؟ لأن سفره إلى آخرته وهو مُقبلٌ على دنياه.
يا موسى، تعلم ما تعلمن، لتعمل به، ولا تعلمه ليتحدث به، فيكون عليك بوره، ويكون لغيرك نوره. يا موسى بن عمران، اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات، فإنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك؛ فإن ذلك يُرضي ربك، واعمل خيرًا؛ فإنك لا بدَّ عامل سواه، قد وُعظت إن حفظت، فتولى الخضر وبقي موسى حزينًا مكروبًا».(1/487)
قُلْتُ: وزكريا بن يحيى الوقار. قال ابنُ عدي: «يضع الحديث، وأخبرني بعض أصحابنا عن صالح جزرة أنه قال: كان من الكذابين الكبار. ثم قال في آخر الترجمة: سمعتُ مشايخ مصر يثنون عليه في باب العبادة والاجتهاد والفضل، وله حديث كثيرٌ وبعضها ما ذكرتُ، وغير ما ذكرت موضوعاتٌ، كان يتهم الوقار بوضعها، لأنه يروي عن قوم ثقاتٍ أحاديث موضوعاتٍ، والصالحون قد وسموا بهذا الرسم؛ أن يرووا في فضائل الأعمال أحاديث موضوعةً بواطيل، وبينهم جماعةٌ منهم تضعها». انتهى. ثم أخرجه ابنُ عدي قال: أخبرنا محمد بن نصر الخوَّاص، أنا الحارث بن مسكين وأبو الطاهر قالا: ثنا ابنُ وهبٍ بهذا فتخلص الوقار من تبعة الحديث. ولكن الخواص ما عرفتُ من حاله شيئًا. وآفة هذا الإسناد: مجالد بن سعيد.
فقد كان أحمد بن حنبل لا يراه شيئًا. ووهاه يحيى بن معين وقال: كان يحيى بن سعيد يقول: لو أردتُ أن يرفع لي مجالدٌ حديثه كلَّه لرفعه. قيل له: لم؟ قال: لضعفه.
وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يروي عنه. وكلام النقاد يدور حول رداءة حفظه وقلبه للأسانيد، فكأن هذا الحديث من الإسرائيليات التي رفعها مجالدٌ وهو لا يدري. والله أعلم فهو منكرٌ جدًّا.
أما الحديث الثالثُ: «أن رجلاً وقع على أهله...» فهو باطلٌ أيضًا.
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (3/1071)، وعنه أبو سعد الماليني في «حديثه» (ق162/1) قال: حدثنا عبد الكريم بن إبراهيم بن حيان المرادي بمصر، ثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الوقار، أخبرني العباس بن طالبٍ، عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس فذكره. قال ابنُ عدي: «وهذا الحديث بهذا الإسناد عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس باطلٌ، والعباس بن طالب صدوقٌ بصريٌّ سكن مصر، لا بأس به». انتهى.
وآفة هذا الإسناد هو الوقار هذا، وقد مضى ذكرُ حاله في الحديث الفائت، والحمد لله.
ويسأل القارئ إ عن هذه الأحاديث:
1- من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم الصحابة جُلد.
2- من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.(1/488)
والجواب بحول الملك الوهاب: أمَّا الحديث الأول: «من شتم...» فكذبٌ.
أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» (4602)، وفي «الصغير» (659) ومن طريقه الخطيبُ في «السابق واللاحق» (ص84)، وابنُ عساكر في «تاريخ دمشق» (ج10/ق 734) قال: حدثنا عبيد اللَّه بن محمد العمري القاضي، قال: نا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني موسى بن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه جعفر، عن أبيه، عن جدِّه، عن الحسين بن عليٍّ، عن أبيه علي بن أبي طالبٍ مرفوعًا فذكره.
قال الطبرانيُّ: «لا يروى هذا الحديث عن عليٍّ إلاَّ بهذا الإسناد، تفرد به: ابن أبي أويس ». وسنده ساقطٌ، وشيخ الطبراني كذَّبه النسائيُّ، وذكر الخطيب متابعتين واهيتين. والحديث حكم عليه شيخنا الألباني في «الضعيفة» (206) بالوضع.
أما الحديث الثاني: «من دخل دار أبي سفيان...» فهو صحيح.
أخرجه مسلم في «الجهاد» (1780/84) قال:(1/489)
حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة، قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام، فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله. فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع. ثم لقيت أبا هريرة من العشي، فقلت: الدعوة عندي الليلة. فقال: سبقتني. قلت: نعم. فدعوتهم. فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم؟ يا معشر الأنصار! ثم ذكر فتح مكة فقال: أقبل رسول الله حتى قدم مكة. فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر، فأخذوا بطن الوادي، ورسول الله في كتيبة، قال: فنظر فرآني. فقال: «أبو هريرة» قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: «لا يأتيني إلا أنصاري». زاد غير شيبان فقال: «اهتف لي بالأنصار». قال: فأطافوا به، ووبشت قريش أوباشا لها وأتباعا، فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فقال رسول الله : «ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» ثم قال بيديه، إحداهما على الأخرى، ثم قال: «حتى توافوني بالصفا» قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا، قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، ثم قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي قال رسول الله : «يا معشر الأنصار» قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: «قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته» قالوا: قد كان ذاك. قال: «كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم» فأقبلوا إليه(1/490)
يبكون ويقولون: والله، ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله فقال رسول الله : «إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم» قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس أبوابهم. قال: وأقبل رسول الله حتى أقبل إلى الحجر. فاستلمه ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس، وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول: «جاء الحق وزهق الباطل». فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو.
وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (5/56- 57) من طريق أبي عبد اللَّه محمد بن إبراهيم العبديّ، قال: ثنا شيبان بن فروخ بهذا الإسناد، وأخرجه مسلمٌ (1780/85)، وأبو داود (1872)، وأحمد (2/538)، وابن خزيمة (2758)، عن بهز بن أسد، وأبو عوانة في «المستخرج» (4/229- 232)، والبيهقي (5/55- 56 و9/117- 118)، وابنُ عساكر في «تاريخ دمشق» (ج9 / ق192) عن الطيالسي وهذا في «مسنده» (2442)، والنسائي في «التفسير» (11298- الكبرى ) عن زيد بن الحباب، وأحمد (2/538) قال: حدثنا هاشم بن القاسم، وابن أبي شيبة في «المصنف» (14/471- 473) قال: حدثنا أبو أسامة، وابن خزيمة (2758) عن أسد بن موسى، وأبو عوانة (4/229- 232) عن عمرو بن عاصم.(1/491)
والطحاوي في «شرح المعاني» (3/324- 325) عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والطبرانيُّ في «الكبير» (ج8/رقم 7267) عن شبابة بن سوَّار كلهم عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبي هريرة مطوَّلاً ومختصرًا. ورواه حماد بن سلمة، عن ثابت البناني بنحوه. أخرجه مسلمٌ (1780/86) ومن طريقه البغوي في «شرح السنة» (11/151- 152) عن يحيى بن حسَّان. وأحمد (2/292) قال: حدثنا يزيد بن هارون، وأبو عوانة (4/232- 233)، والدارقطني (3/60) عن موسى بن داود. وأبو عوانة أيضًا، والطبراني في «الكبير» (ج8 / رقم 7266) عن محمد بن كثيرٍ. والبيهقي (6/34 و9/118) عن عفان بن مسلم كلهم عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد. ورواه أيضًا سلاَّم بن مسكينٍ عن ثابت بهذا الإسناد. أخرجه النسائي في «التفسير» (11298- الكبرى ) عن زيد بن الحباب، وأبو يعلى (6647)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1738)، وابن حبان (4760)، والحاكمُ (2/53)، والدارقطني (3/60)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج9/ق 191- 192) عن هدبة بن خالد. وأبو داود (3024)، ومن طريقه البيهقيُّ (9/118) قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم. والحاكمُ (2/53) عن محمد بن الفضل عارم كلهم عن سلام بن مسكين بهذا. وأخرجه الطحاوي في «شرح المعاني» (3/325)، والبيهقي في «الدلائل» (5/57، 58)، وفي «السنن الكبرى» (9/118) من طريق القاسم بن سلام بن مسكين، عن أبيه سلام بن مسكين، عن ثابتٍ بهذا.
وله شاهدٌ عن ابن عباسٍ. يرويه عبد اللَّه بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس، أخرجه أبو داود (3021)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (486)، والبيهقي في «المعرفة» (13/297)، وفي «الدلائل» (5/31) عن يحيى بن آدم، والطحاويُّ في «شرح المعاني» (3/319- 322) عن يوسف بن بهلول كليهما عن عبد اللَّه بن إدريس بهذا.(1/492)
وأخرجه الطبرانيُّ (ج8/ رقم 7264) عن محمد بن سلمة، والبيهقي في «الدلائل» (5/27- 29) عن يونس بن بكير كليهما عن ابن إسحاق بهذا الإسناد مطوَّلاً، وصرَّح ابنُ إسحاق بالتحديث في رواية يونس، وتابعهما زياد بن عبد اللَّه البكائي، عن ابن إسحاق بسنده سواء، أخرجه البيهقي في «الدلائل» (5/31- 32)، قال الطحاويُّ في «شرح المعاني» (3/322): «هذا حديثٌ متصل الإسناد صحيح». واختلف فيه على ابن إسحاق. فرواه سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن العباس بن عبد اللَّه بن معبدٍ، عن بعض أهله، عن ابن عباسٍ فذكره. أخرجه أبو داود (3022) ومن طريقه البيهقي في «المعرفة» (13/297- 298)، وفي «السنن الصغير» (3/405- 406) قال: حدثنا محمد بن عمرو الرازي، ثنا سلمة بن الفضل بهذا. والوجه الأول أقوى، لا سيما وقد توبع ابن إسحاق عليه. تابعه جعفر بن برقان، فرواه عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن عباسٍ بطوله. أخرجه الطبراني في «الكبير» (ج8 / رقم 7265) من طريق يونس بن بكير، عن جعفر بن برقان بهذا.
وله شاهدٌ أيضًا من حديث أنس رضي اللَّه عنه، أخرجه الطبراني أيضًا (7268) من طريق الحكم بن عبد الملك، عن قتادةً، عن أنسٍ قال: لما كنا بسرف، قال رسول اللَّه : «إن أبا سفيان قريب منكم فاحذروه». فقال رسول اللَّه : «أسلم يا أبا سفيان». قال: يا رسول اللَّه، قومي قومي. قال: «فإن قومك من أغلق بابه فهو آمن». قال: اجعل لي شيئًا. قال: «من دخل دارك فهو آمنٌ». والحكم بن عبد الملك روى عن قتادة أحاديث لا يتابع عليها وضعَّفه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائيّ وأبو داود وابن خراشٍ ويعقوب بن شيبة جدًا، والبزار وغيرهم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد وآله.
---
ذو الحجة 1425هـ
يسأل القارئ: عن صحة هذه الأحاديث:
1- من غيَّر البياض سوادًا، لم ينظر الله إليه يوم القيامة.(1/493)
2- عن أنس: أن رجلاً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم أبيض الرأس واللحية، فقال له: «ألست مسلمًا؟» قال: بلى. قال: «فاختضب».
3- من شاب في الإسلام شيبة كانت له نورًا يوم القيامة ما لم يغيرها.
4- اختضبوا بالحناء، فإنه طيب الريح، يسكن الدوخة.
والجواب بحول الملك الوهاب: أمَّا الحديث الأول: «من غيَّر البياض...» فباطلٌ.
فأخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» (580- زوائده )، وابنُ عدي في «الكامل» (6/2114) قال: حدثنا الهيثم بن خلف الدوري، قالا: ثنا محمد بن بكارٍ، ثنا أبو سعيد المؤدب محمد بن مسلم، ثنا محمد بن عبيد الله، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا فذكره. قال ابنُ عدي: «وهذا المتنُ لا أعرفُهُ إلاَّ من هذا الوجه». وآفةُ هذا الحديث: محمد بن عبيد الله العرزميُّ، فإنه واهٍ. فقد تركه جماعةٌ، وضعَّفه عامةُ النقاد. وختم ابنُ عدي- مع توسطه- ترجمته بقوله: «عامةُ رواياته غير محفوظةٍ». والله أعلمُ.
أما الحديث الثاني: «ألست مسلمًا؟» فمنكر.
أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (3494) قال: حدثنا الجرَّاح بن مخلد، ثنا إسماعيل بن عبد المجيد بن عبد الرحمن العجليُّ، حدثنا عليُّ بن أبي سارة، عن ثابت بن أسلم البناني، عن أنس رضي الله عنه فذكره. وإسناده ضعيف جدّا، وعلي بن أبي سارة متروك، منكر الحديث عن ثابت. وقد أعلَّ الهيثمي في «المجمع» (5/160) هذا الحديث به، وعدَّهُ الذهبي من منكراته كما في «الميزان» (3/130)، والله أعلم.
أما الحديث الثالث: «من شاب في الإسلام...» فمنكر بهذا التمام.(1/494)
أخرجه أبو يعلى- كما في «المطالب العالية» (2262)- قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، عن عبد الصمد، ثنا سالم أبو غياث، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن جدَّته أم سليم مرفوعًا، وسالم أبو غياث ترجمه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/190- 191) ونقل عن ابن معين قال: «لا شيء». وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لم يسمع من جدته أم سليم كما قال أبو حاتم الرازي على ما في «كتاب المراسيل» (ص13) لولده عبد الرحمن، فالسندُ واهٍ.
والمنكر في هذا الحديث قولُهُ: «ما لم يغيرها». وقد وجدت شاهدًا لهذا القدر المنكر. فأخرجه الطيالسي (1248)، ومن طريقه البيهقي في «الشعب» (6389) قال: حدثنا عبد الجليل بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة مرفوعًا: «من شاب في الإسلام شيبة- أو قال في سبيل الله- كانت له نورًا يوم القيامة، ما لم يخضبها أو ينتفها». وهذا إسنادٌ واهٍ أيضًا، وشهر بن حوشب فيه مقالٌ مشهورٌ، وقد تفرد بهذا، ثم إنه لم يسمع من عمرو بن عبسة كما قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان- على ما في «المراسيل» (ص89). وأول الحديث صحيحٌ عن عمرو بن عبسة. وقد رواه عنه شرحبيل بن السمط وآخرون عنه، وصحح الترمذي طريقه. وثبت أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد استوفيت الإشارة إلى جملة ما روى في هذا المعنى في «جنة المرتاب» (ص469- 476) فانظره غير مأمورٍ.
أما الحديث الرابع: «اختضبوا بالحناء» فهو حديث باطلٌ.
أخرجه أبو يعلى (3621) قال: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، وأخرجه تمام الرازي في الفوائد (1056- ترتيبه) عن نصر بن علي أبي عمرو قالا: ثنا الحسن بن دعامة، عن عمر بن شريك، عن أبيه، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا. قال الهيثمي في «المجمع» (5/160): «رواه أبو يعلى من طريق الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك. قال الذهبي: مجهولان». ووقع في «فوائد تمام»: «الزوجة» بدل «الدوخة» وهو تصحيف. والدوخة: وجع في الرأس ودُوارٌ يعتريه.(1/495)
ويسأل القارئ: عن هذه الأحاديث:
1- إذا رأيت الأسد فكبر ثلاثًا وقل أعوذ بالله من شر ما أخاف وأحاذر.
2- إذا أكلت فابدأ بالملح تشف من سبعين داءً.
3- من قرأ سورة «يس» نال عشر بركات.
والجواب بحول الملك الوهاب: أن هذه الأحاديث الثلاثة هي في حقيقتها حديثٌ واحدٌ، لكنه باطلٌ موضوعٌ.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في «المسند» (469- زوائد ) قال: حدثنا عبد الرحيم بن واقد، ثنا حماد بن عمرو، عن السري بن خالد بن شداد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ أنه قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يا عليُّ، إذا توضأت فقل: بسم الله، اللهم إني أسألك تمام الوضوء، وتمام الصلاة، وتمام رضوانك، وتمام مغفرتك، فهذه زكاة الوضوء، وإذا أكلت فابدأ بالملح واختم بالملح؛ فإن في الملح شفاء من سبعين داء، أولها الجذام والجنون والبرص، ووجع الأضراس ووجع الحلق، ووجع البصر، ويا علي كل الزيت، وادهن بالزيت فإنه من ادهن بالزيت لم يقربه الشيطان أربعين ليلة، ويا علي لا تستقبل الشمس فإن استقبالها داء، واستدبارها دواء، ولا تجامع امرأتك في نصف الشهر، ولا عند غرة الهلال، أما رأيت المجانين يصرعون فيها كثيرًا، يا علي إذا رأيت الأسد فكبر ثلاثًا تقول: اللهُ أكبر الله أكبر الله أكبر الله أعز من كل شيء وأكبر أعوذ بالله من شر ما أخاف وأحاذر فإنك تكفى شره إن شاء الله، وإذا هر الكلب عليك فقل: {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ}، يا علي إذا كنت صائمًا في شهر رمضان فقل بعد إفطارك: اللهم لك صمت وعليك توكلت وعلى رزقك أفطرت يُكتب لك مثل من كان صائمًا من غير أن ينتقص من أجورهم شيئًا، يا عليّ واقرأ سورة «يس» فإن في «يس» عشر بركات ما قرأها جائع إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا عارٍ إلا كسي ولا عزب إلا تزوج، ولا خائف إلا(1/496)
أمن، ولا مسجون إلا خرج، ولا مسافر إلا أعين على سفره، ولا من ضلت له ضالة إلا وجدها، ولا مريض إلا برئ، ولا قرئت عند ميت إلا خفف عنه».
وهذا إسنادٌ ساقطٌ، مسلسلٌ بالمجروحين،فشيخ الحارث بن أبي أسامة، قال الخطيب في «تاريخه» (11/85): «في حديثه مناكير، لأنها عن ضعفاء ومجاهيل»، وقد يفهم من هذا القول أن العهدة على من فوقه، وحماد بن عمرو النصيبي كذبه الجوزجاني، وقال ابن حبان: «كان يضع الحديث وضعًا». ووهاه أبو زرعة. وتركه النسائي. وقال البخاريُّ: «منكرُ الحديث». والسُّري بنُ خالد قال الأزدي: «لا يحتج به». وقال الذهبي في «الميزان» (2/117): «لا يعرفُ»، وترجمه ابنُ أبي حاتم (2/1/284) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وكأن هذا إسناد نسخه إلى جعفر الصادق، فقد روى الحارث بن أبي أسامة بهذا الإسناد عن جعفر بن محمد جملة من الأحاديث. وقد أورد ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/289) من وجهٍ آخر بعض هذا الحديث ثم قال: «هذا حديث لا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والمتهمُ به عبد الله بن أحمد بن عامر أو أبوه، فإنهما يرويان نسخةً عن أهل البيت كلُّها موضوعة».
والحمد لله رب العالمين.
انتهى
أسئلة عام 1426
عدد ربيع الأول
* يسأل القارئ ع ج ل : فيقول : قال أحد الشيوخ المشاهير و هو يتكلم عن فضل الدعاء : إن الدعاء يمكن أن يخرج العبد من النار و إن وجبت له, واستدل بحديث رواه الترمذي كما قال أن امرأة كان لها ولد يقال : حارثة بن النعمان قتل يوم بدر فقالت أمه للنبي أخبرني عن حارثة لئن كان أصاب خيرا احتسبت و صبرت و إن لم يصب خيرا اجتهدت في الدعاء. الحديث فهل الحديث صحيح ؟
و الجواب بحول الملك الوهاب:
أن الحديث صحيح , لكن هذه اللفظة التي احتج بها الشيخ لا تصح , و جزم الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 6 / 27 ) أنها خطأ , و لو سلمنا أن ثم خطأ لم يقع فهي لفظة شاذة , و إليك البيان :(1/497)
فأخرج الترمذي (3174) قال حدثنا عبد بن حميد , قال : حدثنا روح بن عبادة , عن سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة , عن أنس أن الربيع بنت النضر أتت النبي , و كان ابنها حارثة بن سراقة أصيب يوم بدر , أصابه سهم غريب فأتت رسول الله , فقالت أخبرني عن حارثة لئن كان أصاب خيرا احتسبت و صبرت , و إن لم يصب الخير اجتهدت في الدعاء , فقال النبي صلي الله عليه و سلم : " يا أم حارثة أنها جنان في جنة , و إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى , و الفردوس ربوة الجنة , و أوسطها , و أفضلها ".
قلت : هذا رواه عبد بن حميد عن روح , و رواه محمد بن محذوق , ثنا روح بن عبادة بهذا الإسناد دون القصة , أخرجه بن حميد في " تفسيره " ( 15 / 436 – طبع هجر ) , و قد رواه يزيد بن زريح , قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد بلفظ : " أنبئني عن حارثة أصيب يوم بدر , فإن كان في الجنة صبرت و احتسبت , و إن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء ". أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " ( 590 / 24 ) قال : حدثنا أبو موسى – هو محمد بن المثنى – و الطبارني في " الكبير " ( ج 24 / رقم 665 ) قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قالا : ثنا عباس بن الوليد , ثنا يزيد بن زريع بهذا , و أخرجه بن حبان ( 958 ) و الطبراني في " الكبير" ( ج 3 / رقم 3235 ) , و أبو نعيم في " معرفة الصحابة " ( 1970 ) من طريق محمد بن المنهال الضرير , ثنا يزيد بن زريع , ثنا يزيد بن أبي عروبة بهذا دون القصة و زاد : " فإذا سألتم الله عز و جل فاسألوه الفردوس الأعلى " , و هي زيادة ثابتة , و محمد بن المنهال ثقة ثبت , كان أثبت الناس في يزيد بن زريع كما قال أبو يعلى الموصلي.
و كذلك رواه بلفظ " البكاء " أصحاب قتادة , منهم شيبان بن عبد الرحمن , أخرجه البخاري فس " الجهاد " ( 6 / 25- 26 ) , و أحمد ( 3 / 260 ) , و ابن خزيمة ( 588 / 20 ) , و البيهقي ( 9 / 167 ).(1/498)
و رواه أبان بن يزيد العطار , عن قتادة بهذا اللفظ " البكاء " أخرجه أحمد ( 3 / 283 ) قال : حدثنا عفان بن مسلم , و ابن خزيمة ( 588 / 21 ) عن مسلم بن إبراهيم قالا : ثنا أبان العطار , و لم يذكر ابن خزيمة لفظه.
و رواه أيضا : أبو هلال الراسبي , عن قتادة , عن أنس بهذا اللفظ.
أخرجه أحمد ( 3 / 210 ) قال : حدثنا عبد الصمد و حسن بن موسى , و ابن خزيمة في "التوحيد " ( 588 / 22 ) عن سلميان بن حرب قالوا : ثنا أبو هلال , و اللفظ لأحمد , و الراسبي يضعف , و رواه الحكم بن عبد الملك – و هو شبه متروك – عن قتادة عن أنس مثله.
أخرجه أبو نعيم في " معرفة الصحابة " ( 1971 ) , و أبو هلال و الحكم متابعان كما ترى , و كذلك رواه أصحاب أنس رضي الله عنه , فأخرجه البخاري في " المغازي " ( 7 / 204 ) , و في" كتاب الرقاق " ( 11 / 415 ) عن أبي إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد , و البخاري أيضا في " الرقاق " ( 11 / 418 ) , و النسائي في " المناقب " ( 5 / 64 – 65 ) , و أبو القاسم البغوي في " معجم الصحابة " ( ق 54 / 2 ) , و ابن حبان (7391 ) , و أبو نعيم في "المعرفة" (1972)عن إسماعيل بن جعفر , و الحاكم (3/208)و البيهقي في "البعث"(224) عن مروان بن معاوية , وابن أبي شيبة (5/289-290) , وعنه أبو يعلى(3730) قال : حدثنا أبو خالد الأحمر , و الطبراني في" الكبير " (ج3/ رقم 3236) , و أبو نعيم في " المعرفة" (1982) عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي كلهم عن حميد الطويل , قال : سمعت أنسا يقول : أصيب حارثة يوم بدر و هو غلام , فجاءت أمه إلى النبي – و في رواية أبي خالد الأحمر : و لك يكن لها غيره – فقالت : يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة اصبر و احتسب , و إن تكن الأخرى ترى ما أصنع يعني من البكاء – فقال : " ويحك – أو هبلت – أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة و إنه لفي جنة الفردوس ".(1/499)
و كذلك رواه ثابت البناني عن أنس مثله أخرجه النسائي في" المناقب " (8232) و أحمد (3/215-282-283), و الطيالسي(2029) وابن المبارك في"الجهاد" (83) و ابن أبي شيبة(14/380-381) و ابن حبان(4664) و الحاكم (3/208) عن سليمان بن المغيرة و أحمد (3/124-272)و ابن سعد في "الطبقات " (3/510-511) و ابن خزيمة في " التوحيد" (2/873) و أبو يعلى(3500) و ابن أبي عاصم في "الجهاد" (159) و الطبراني في " الكبير " (ج3/ رقم 3234) و البيهقي في " البعث "(223) و أبو نعيم في " المعرفة" (1969) عن حماد بن سلمة كلاهما عن ثابت البناني عن أنس و وقع في رواية الطبراني " أنه قتل يوم أحد", و هو خطأ محض فقد أتفقت كل الروايات أنه أتاه سهم فقتله يوم بدر.
فقد رأيت – أراك الله الخير – أن لفظ الحديث على اختلاف طرقه إنما هو " البكاء " و يدل عليه ما وقع في بعض طرقه: "اجتهدت عليه في الثكل", و أما لفظه " الدعاء " فهي إما خطأ وقع في نسخ الكتاب , و إما شاذة , و هذا الثاني أقرب , و لا يحكم لأول إلا بعد مراجعة النسخ العتيقة من كتاب الترمذي , و الله أعلم .
* و يسأل القارئ : عن درجة هذه الأحاديث :
1- الزهادة في الدنيا تريح القلب و البدن .
2- لا تنتهي البعوث عن غزو بيت الله تعالى , حتى يخسف بجيش منهم .
و الجواب بحول الملك الوهاب :
أما الحديث الأول : فحديث منكر , فأخرجه الطبراني في الأوسط (6120) , و العقيلي في
"الضعفاء" (48/394) , و البيهقي في " الشعب " (10538) عن يحيى بن بسطام , وابن عدي في"الكمال" (1/367) , و من طريقه البيهقي في " الشعب" (1538) , و ابن الجوزي في(1/500)
"الواهيات" ( 2/318) عن يحيي بن محمد العبدي , قالا : ثنا أشعث بن براز الهجيمي , عن علي بن زيد , عن سعبد بن المسيب , عن أبي هريرة مرفوعا , و اللفظ للعقيلي و هذا حديث غير محفوظ كما قال العقيلي , و الأشعث بن براز – بالباء الموحدة , بعدها راء و أخره زاي معجمة- تركه النسائي و غيره , و ضعفه عمرو بن علي الفلاس جدا , و قال البخاري منكر الحديث , و قال بن عدي " عامة ما يرويه غير محفوظ و الضعف بين على روايته" أما الهيثمي فقال في "المجمع " ( 7/142و10/286) :" لم أعرفه" و قد رأيت أنه معروف , و لكن بالضعف الشديد, نسأل الله العافية.
و قال ابن الجوزي :" هذا حديث لا يصح عن رسول الله قال أحمد : علي بن زيد ليس بشئ , و قال يحيي : علي و أشعث ليسا بشئ.
قلت لا ذنب لعلي بن زيد فيه , أما المنذري فقال في "الترغيب "( 4/157) :" إسناده مقارب" وهو عجب بعدما رأيت علته.
و اه شاهد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: " الزهد في الدنيا يريح القلب و البدن , و الرغبة في الدنيا تكثر الهم و الحزن , و البطالة تقسي القلب". أخرجه القضاعي في" مسند الشهاب"
(278) من طريق أبي عتبة أحمد بن الفرج , ثنا بقية بن الوليد , عن بكر بن خنيس , عن مجاهد
عن عبد الله بن عمرو بهذا . و إسناده واه.
و بقية يدلس التسوية , و بكر بن خنيس ضعيف بل تركه غير واحد , و الله أعلم.
و أخرجه ابن أبي الدنيا في " ذم الدنيا "(289) قال : حدثني محمد بن علي بن الحسن , ثنا إبراهيم بن الأشعث , قال: سمعت الفضيل بن عياض يذكر عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكر مثل الحديث عبد الله بن عمرو دون قوله:" و البطالة".
و إسناده معضل.
و أخرجه البيهقي في " الشعب"( 10609) من طريق ابن أبي الدنيا , ثنا محمد بن ناجح , ثنا بقية بن الوليد , عن محمد بن مسرة التستري , قال : قال عمر بن الخطاب فذكر مثا حديث أبي هريرة .
و إسناده ضعيف و منقطع.(2/1)
وأخرجه ابن أبي الدنيا في " ذم الدنيا " (131) , و من طريقه البيهقي في " الشعب"(10536) قال : حدثنا الهيثم بن خالد البصري , ثنا الهيثم بن جميل , ثنا محمد بن مسلم , عن إبراهيم بن ميسرة , عن طاووس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر مثل حديث عبد الله بن عمرو دون أخره.
قال البيهقي " مرسل".
قلت : و محمد بن مسلم , هو الطائفي يتكلمون فيه , و هذا الوجه هو أقوى الوجوه كلها, و الله أعلم .
أما الحديث التالي : فهو حديث صحيح.
أخرجه النسائي (5/206-207) , و من طريقه تمام الرازي في " الفوائد"(1725) , و الفاكهي في" أخبار مكة"(753) , و الحاكم (4/430) قال : حدثني عبد الرحمن بن الجلاب قال ثلاثتهم :
ثنا أبو حاتم الرازي , ثنا عمر بن حفص بن غياث , ثنا أبي , عن مسعر , عن طلحة بن مصرف , عن أبي مسلم الأغر , عن أبي هريرة مرفوعا فذكره . قال الحاكم: " هذا حديث غريب صحيح , و لم يخرجاه , لا أعلم يحدث به غير عمر بن حفص بن غياث , يرويه عن الإمام أبو حاتم".
قلت : و قول الحاكم معناه أن أبا حاتم الرازي تفرد به عن عمر بن حفص و ليس كذلك , بل تابعه عبيد بن غنام بن حفص بن غياث , قال : وجدت في كتاب عمي عمر بن حفص , ثنا أبي بسنده سواء.
أخرجه أبو نعيم في " الحلية" (7/244) و قال : " تفرد به حفص عن مسعر و سنده صحيح ",
و الحمد لله رب العالمين .
---
عدد صفر
يسأل سائل: نحن ثلاثةٌ من المدرسين في كلية أصول الدين قسم الحديث، وقد عرض لنا أثناء بحثٍ لنا كلامٌ لابن عبد البر أعلَّ به حديث عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام يتسمنون ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها». ونحن نعلم أن هذا الحديث في الصحيحين، فهل لابن عبد البر مستند صحيح في هذا الإعلال؟
الجواب بحول الملك الوهاب:(2/2)
فإنني قبل الشروع في النظر في كلام ابن عبد البر رحمه الله استسمح قراء مجلة التوحيد عذرًا في طرح هذه البحوث، فكثيرًا ما تأتيني وأعرضُ عنها لأنها تستعصي على أفهام كثيرٍ من القراء لدقتها، إذ لا يفهمُها إلا من كان عالمًا بأصول الحديث رواية ودراية، ولكن إخواننا ألحوا عليَّ في طلب الجواب، وأرجو أن لا يخلو الأمرُ من فائدةٍ إن شاء الله تعالى.فأقول: أخرج ابن عبد البر في كتاب التمهيد (17/298- 299) من طريق زهير بن حربٍ، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، ثنا هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ يتسمَّنون، ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يُسألوها».ثم رواه ابن عبد البر من طريق أحمد بن زهير بن حرب، (حدثنا أبي)، حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن علي بن مدرك، عن هلال بن يساف، عن عمران، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.قال ابن عبد البر: «أدخل ابن فضيل بين الأعمش وبين هلال في هذا الحديث: عليّ بن مُدْرك، وتابعه على ذلك عبد الله بن إدريس ومنصور بن الأسود وهو الصواب، وهذا- عندي والله أعلم- إنما جاء من قبل الأعمش، أنه كان يُدلس أحيانًا وقد يمكن أن يكون من قبل حفظ وكيع لذلك، وإن كان حافظًا، أو من قبل أبي خيثمة، لأن فيه: حدثنا هلال بن يساف، وليس بشيء، وإنما الحديث للأعمش، عن عليّ بن مدرك عن هلال، والله أعلم، وقد روى الأعمش عن هلال بن يساف، غير ما حديث، وقد روى هذا الحديث شعبة، عن علي بن مدرك، عن هلال بن يساف عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقل: عن عمران بن حصين».قال ابن عبد البر: «هذا الحديث في إسناده اضطراب، وليس مثله يعارض به حديث مالك، لأنه من نقل ثقات أهل المدينة، وهذا حديثٌ كوفيٌّ لا أصل له، ولو صحَّ كان معناه كمعنى حديث ابن مسعود، على ما فسره إبراهيم النخعي فقيه الكوفة».قلت: رضي الله عنك!ففي(2/3)
كلامك هذا نظرٌ من وجوهٍ:الأول: أنك رجحت رواية من رواه عن الأعمش، عن علي بن مدرك، عن هلال بن يساف، عن عمران.وهذا الوجه: أخرجه الترمذي (2221، 2302) قال: حدثنا واصل بن عبد الأعلى وابن أبي عاصم في «السنة» (1471) قال: حدثنا ابن نمير، قالا: ثنا محمد بن فضيل، ثنا الأعمش بهذا.وتابعه منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش بسنده سواء.أخرجه ابن أبي عاصم (1470)، والطبراني في الكبير (ج18/ رقم 583) قال: حدثنا عليُّ بن عبد العزيز والخطيب في الكفاية (ص47) عن محمد بن يونس، قالوا: ثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا منصور بن أبي الأسود، وخالفهم جماعة من أصحاب الأعمش، فرووه عنه، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين مرفوعًا.وأخرجه الترمذي (2221، 2302) قال: حدثنا الحسين، وأحمد (4/426)، وابن أبي عاصم في السنة (1472)، وابن حبان (7229) والطبراني (585) عن ابن أبي شيبة، وهو في المصنف (12/176)، والطبراني (585) عن سهل بن عثمان، والآجري في الشريعة (1152) يعقوب بن إبراهيم والدورقي قالوا: ثنا وكيع، ثنا الأعمش، ثنا هلال بن يساف، عن عمران مرفوعًا.وأخرجه الحاكم (3/471)، والطبراني (586) عن يعلي بن عبيد، والطحاوي في «المشكل» (2465) عن عيسى بن يونس، والطبراني أيضًا (584) عن شيبان بن عبد الرحمن كلهم عن الأعمش، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، وأفاد ابن أبي حاتم (2603) أن الثوري رواه عن الأعمش كذلك.فمن نظر في هذا التخريج، لا يمتري في تقديم رواية الجماعة عن الأعمش وهم ثقات أثبات، وفيهم المقدم في الأعمش، وابن فضيل ومنصور وإن كانا من الثقات فلا يجريان في مضمار من ذكرناهم، ولذلك رجح الترمذي هذا الوجه، فقال بعد رواية حديث وكيع: «وهذا أصح عندي من حديث محمد بن فضيل».وخالفه أبو حاتم الرازي- كما في «العلل» (2603)- فرجَّح رواية ابن فضيل ومنصور كما قال ابن عبد البر، ومستندُ أبي حاتم- فيما أرى- أفصح عنه ابن عبد البر كما يأتي في:الوجه(2/4)
الثاني: أن ابن عبد البر رجح حديث الأعمش، عن علي بن مدرك، قائلاً: «لأن الأعمش كان يدلسُ أحيانًا»، وهو يعني أنه يحتمل أن يكون الأعمش أسقط عليّ بن مدرك، ورواه عن هلال بن يساف مباشرة، وهذا كلام صحيح.ولكن يدفعه أن الأعمش قال: «ثنا هلالٌ»، فأجاب ابن عبد البر بأن هذا التصريح ليس بشيءٍ والمخطئُ فيه إمَّا أن يكون زهير بن حرب أو وكيع.والجواب: أنه لا وجه لتخطئة واحد منهما.فأما زهير بن حرب، فقد تابعه أحمد بن حنبل، وابن أبي شيبة، وأبو عمار حسين بن حريث، وسهل بن عثمان، وأما وكيع، فقال ابن عبد البر: «وقد يمكن أن يكون من قبل حفظ وكيع، وإن كان حافظًا»، فهذا كلام غريب، لأننا لا ننكر أن يخطئ الحافظ الثبت في بعض ما يرويه، ولكن يبقى السؤال: ما الدليل على وهمه وليس في يد ابن عبد البر حجةٌ على ما ادَّعاهُ إلا ثبوت واسطة بين الأعمش وبين هلال بن يساف، وهذا ليس بكافٍ في التخطئة كما قدمته مرارًا قبل ذلك ولو كان الذي ذكر تصريح الأعمش بالتحديث ممن يخطئ، أو صاحب أوهام لكان الكلام مقبولاً، أما وهو وكيع بن الجراح- العَلَمُ الشامخ- لا سيما في حديث الأعمش فلا.الوجه الثالث: أن قوله: «في إسناده اضطرابٌ»، فليس كذلك، وليس كلُّ اختلافٍ مما يضعَّفُ به الحديث، والاختلاف المضرُّ الذي يسميه العلماء اضطرابًا هو الذي تتساوى فيه وجوه الرواية، وليس ثمَّ مرجِّحٌ، فحينئذٍ تتساقط كلها، وينتفي هذا الاضطراب بالجمع أو الترجيح والجمعُ هنا أولى، بل هو الراجحُ، ولا مانع أن يرويه الأعمش على الوجهين.ولو جاز لنا أن ندعي اضطرابًا في هذا الحديث، لكان في الوجه الذي اختاره ابن عبد البر، فقد أخرجه النسائي في كتاب القضاء (3/494/6030)، ومن طريقه ابنُ عبد البر في التمهيد (17/300) قال: أخبرنا محمد بن بشارٍ، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن علي بن مدرك، عن هلال بن يساف، قال: قدمتُ البصرة فإذا رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - ليس أنس(2/5)
بن مالك- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم... فذكره.فها هو شعبة أبهم صحابي الحديث، ولكن ليس في الحديث اضطراب بحمد الله تعالى، وانتظر ما يأتي.الوجهُ الرابعُ: أن ابن عبد البر ختم بحثهُ قائلاً: «وهذا حديثٌ كوفيٌّ لا أصل له». فهذا أبعدُ عن الصواب من كل ما مضى، وقد رواه عن عمران بن حصين آخرون غير هلال بن يساف، منهم:
زَهْدم بن مضرِّب.وهذا يرويه شعبة بن الحجاج، قال: سمعت أبا حمزة- وهو نصر بن عمران- قال: سمعت زهدم بن مضرِّب، قال: سمعتُ عمران بن حصين يحدِّثُ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، قال عمران: فلا أدري قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثة- ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يُتَّمنون».أخرجه البخاري في الرقاق (11/244)، ومسلم في فضائل الصحابة (2535/214)، وأحمد (4/427)، وابن أبي عاصم في السنة (1469)، والطبراني في الكبير (ج18/رقم 582) عن محمد بن جعفر غندر، والبخاري في «الأيمان والنذور» (11/580- 586)، ومسلم، وأحمد (4/436)، وأبو نعيم في الحلية (8/391) عن يحيى بن سعيد القطَّان، والبخاري في كتاب الشهادات (5/258- 259)، وفي التاريخ الكبير (1/1/188)، والبيهقي (10/123) عن آدم بن أبي إياس، والبخاري في فضائل الصحابة (7/3)، عن النضر بن شميل، ومسلم (2535/214)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1328)، والبيهقي في السنن الكبير (10/74)، وفي الصغير (4/116)، وفي الدلائل (6/552) عن بهز بن أسد، ومسلم، وأبو القاسم البغوي (1330) عن شبابة بن سوار، وأبو القاسم البغوي (1323)، والطبراني (18/ رقم 581)، والبغوي في شرح السنة (14/66)، عن علي بن الجعد، والنسائي (7/17- 18) عن خالد بن الحارث، وأحمد (4/427)، عن حجاج بن محمد الأعور، والطيالسي في مسنده (841)، ومن طريقه أبو القاسم البغوي(2/6)
(1329)، وأبو عوانة في المستخرج (6412) عن أبي زيد النحوي، والطحاوي في شرح المعاني (4/151) عن بشر بن ثابت البزار، والطبراني (581) عن عمرو بن حكام، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (3/28)، عن أسد بن موسى، قالوا جميعًا، ثنا شعبة بهذا وتوبع شعبة.تابعه أبان بن يزيد العطار، فرواه عن أبي جمرة بهذا الإسناد وأخرجه البخاري في الكبير (1/1/188)، والطبراني في الكبير (ج18/ رقم 580)، عن مسلم بن إبراهيم، وابن أبي عاصم (1468)، وابن حبان في الثقات (6/1)، والطبراني (18/580) عن إبراهيم بن الحجاج السامي، والحاكم في علوم الحديث (ص46) عن موسى بن إسماعيل قالوا: ثنا أبان بن يزيد العطار بهذا(2/7)
2- زرارة بن أوفى:وهذا يرويه قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي القرنُ الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، قال: والله أعلم أذكر الثالث أم لا؟ «ثم ينشأ قومٌ يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون، ولا يوفون، ويخونون ولا يُتَّمنون، ويفشو فيهم السمن».أخرجه مسلم (2535/215)، وأبو داود (4657)، والترمذي (2222)، وأحمد (4/440)، وابن حبان (6729)، والبزار (3521- البحر )، والطحاوي في «شرح المعاني» (4/151)، والطبراني (ج18/ رقم 527) عن أبي عوانة، ومسلم أيضًا، وأحمد (4/426)، والبزار (3603)، والطحاوي في المشكل (2464)، والطيالسي (852)، والطبراني (529)، والبيهقي (10/160)، وأبو نعيم في الحلية (2/259، 260)، والبغوي في شرح السنة (14/67) عن هشام الدستوائي، والطحاوي في المشكل (2463) عن شعبة بن الحجاج، والطبراني (526)، وأبو نعيم في الحلية (2/78) عن همام بن يحيى، والطبراني في الكبير (528)، وفي الأوسط (5526، 8868)، وأبو عمرو الداني في الفتن (316) عن مطر الورَّاق كلهم عن قتادة بهذا الإسناد.قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».قلت: وبعد هذا التخريج ظهر لك أن الحديث صحيح، وحسبك أن صاحبي «الصحيح» اتفقا على تخريجه، فكيف يقال: لا أصل له؟!الوجه الخامسُ: أن ابن عبد البر طعن على حديث عمران هذا، لأنه نصب التعارض بينه وبين حديث زيد بن خالد الجهني مرفوعًا: «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها». وهو صحيح، أخرجه مسلم في «الأقضية» (1719/19)، وقد وقع في إسناده اختلافٍ ليس هذا موضع بيانه.فقد أجاب أهل العلم بأجوبة، ساقها الحافظ في الفتح (5/259- 260) قال: «واختلف العلماء في ترجيحهما- يعني: حديث عمران وزيد بن خالد- فجنح ابن عبد البر إلى ترجيح حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة فقدمه على رواية أهل العراق، وبالغ فزعم أن حديث عمران(2/8)
هذا لا أصل له، وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران لاتفاق صاحبي الصحيح عليه وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد بن خالد، وذهب آخرون إلى الجمع بينهما فأجابوا بأجوبة: أحدهما أن المراد بحديث زيد من عنده شهادة لإنسان بحق لا يعلم بها صاحبها فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها العالم بها ويُخَلِّف ورثة فيأتي الشاهد إليهم أو إلى من يتحدث عنهم فيعلمهم بذلك، وهذا أحسن الأجوبة، وبهذا أجاب يحيى بن سعيد شيخ مالك وغيرهما».ثانيهما أن المراد به شهادةُ الحسبة، وهي ما لا يتعلق بحقوق الآدميين المختصة بهم محضًا، ويدخل في الحسبة بما يتعلق بحق الله أو فيه شائبة منه كالعتاق والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق والحدود ونحو ذلك، وحاصله أن المراد بحديث ابن مسعود: الشهادة في حقوق الآدميين، والمراد بحديث زيد بن خالد الشهادةُ في حقوق الله.ثالثها: أنه محمولٌ على المبالغة في الإجابة إلى الأداء، فيكون لشدة استعداده لها كالذي أداها قبل أن يسألها. كما يقال في وصف الجواد: إنه ليعطي قبل الطلب، أي يعطي سريعًا عقب السؤال من غير توقف.وهذه الأجوبة مبنية على أن الأصل في أداء الشهادة عند الحاكم أن لا يكون إلا بعد الطلب من صاحب الحق، فيخص ذم من يشهد قبل أن يستشهد بمن ذكر ممن يخبر بشهادة عنده لا يعلم صاحبها بها أو شهادة الحسبة، وذهب بعضهم إلى جواز أداء الشهادة قبل السؤال على ظاهر عموم حديث زيد بن خالد، وتأولوا حديث عمران بتأويلات: أحدها أنه محمول على شهادة الزور، أي يؤدون شهادة لم يسبق لهم تحملها، وهذا حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم.ثانيها المراد بها الشهادة في الحلف، يدل عليه قول إبراهيم في آخر حديث ابن مسعود: «كانوا يضربوننا على الشهادة» أي قول الرجل: أشهد بالله ما كان إلا كذا على معنى الحلف، فكره ذلك كما كره الإكثار من الحلف، واليمين قد تسمى شهادة كما قال تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ}، وهذا جواب الطحاوي.ثالثها المراد بها(2/9)
الشهادة على المغيب من أمر الناس، فيشهد على قوم أنهم في النَّار وعلى قوم أنهم في الجنة بغير دليل، كما يصنعُ ذلك أهلُ الأهواء، حكاه الخطابي.رابعها المراد به من ينتصب شاهدًا وليس من أهل الشهادة.خامسها المراد به التسارع إلى الشهادة وصاحبها بها عالم من قبل أن يسأله. والله أعلم. انتهى.فهذا ما ظهر لي من الجواب عن إعلال ابن عبد البر رحمه الله، والله أسأل أن يرزقنا فهما في كتابه، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.
---
عدد محرم 1426هـ
يسألُ القارئ: عن هذه الأحاديث
1- تمعددوا، واخشوشنوا، وانتعلوا، وامشوا حفاةً
2- أن أخوين مات أحدهما قبل الآخر بجمعةٍ، ففضَّل النبيّ الذي مات أولاً، وقال: «إنه صلى بعده أربعين صلاة»
3- حياتي خير لكم، ومماتي خيرٌ لكم، تعرضُ عليَّ أعمالكم، فما وجدتُ من خيرٍ حمدتُ الله عليه، وما رأيتُ من شرّ استغفرت الله لكم.
والجواب بحول الملك الوهاب:(2/10)
أما الحديث الأول: «تمعددوا...» فضعيف جدّا.أخرجه الطبراني في «الأوسط» (6061)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4/2361) عن صفوان بن عيسى، والطبراني في «الكبير» (ج19/ رقم 84)، وأبو نعيم في «المعرفة» (5801)، وأبو الشيخ في «كتاب السبق»، وابن شاهين في «الصحابة» عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وأبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (1655، 1987)، ومن طريقه أبو نعيم في «المعرفة» (5800) عن إسماعيل بن زكريا ثلاثتهم عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن القعقاع بن أبي حدردٍ مرفوعًا به.ووقع عند البغوي: «ابن أبي حدردٍ» غير مسمى. وسمَّاه البغوي مرة «عبد الله» ومرة: «قعقاع».ونقل السيوطي في «الجامع الكبير» (12850/526) عن ابن عساكر قال: «اعتقد البغوي أن ابن أبي حدردٍ، هو عبد الله فأخرجه في ترجمته، وإنما هو القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، وكذلك رواه صفوان بن عيسى ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن عبد الله بن سعيد المقبري، فيكون الحديثُ مرسلاً؛ لأن القعقاع لا صحبة له، وعبد الله بن سعيد ضعيف بمرة». انتهى.قلت: وقد اختلف في إسناده، فرواه صفوان بن عيسى، ويحيى بن زكريا، وإسماعيل بن زكريا ثلاثتهم عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن القعقاع ابن أبي حدْردٍ.وخالفهم عبد الرحيم بن سليمان فرواه عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن رجل من أسلم يقال له: ابنُ الأدرع مرفوعًا فذكره.أخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2386)، والرامهرمزي في «الأمثال» (136) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرميّ، قالا: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وهذا في «المصنف» (9/22)، وفي «المسند» (597) قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان بهذا.وأخرجه الطبراني في «الكبير» (ج22/ رقم 885) من طريق سعيد بن سليمان، عن إسماعيل بن زكريا، عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي حدْردٍ مرفوعًا، وهذا اضطرابٌ شديد، وآفته عبد الله بن سعيد فإنه واهٍ، متروك الحديث.وقد صحَّ(2/11)
هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: «أمَّا بعدُ، فاتزروا وارتدوا، وانتعلوا وارموا بالخفاف، واقطعوا السراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإيَّاكم والتنعم وزيّ الأعاجم، وعليكم بالشمس، فإنها حمام العرب، وتمعددوا، واخشوشنوا، واخلولقوا، وارموا الأغراض، وانزوا نزوًا، والنبي نهانا عن الحرير إلا هكذا: أصبعيه، السبابة والوسطى، قال: فما علمنا أنه يعني إلا الأعلام».أخرجه أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1030) قال: حدثنا عليّ بنُ الجعد. وابنُ حبان (5454) عن عيسى بن يونس عن شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: أتانا كتاب عمر، ونحن بأذريبجان مع عتبة بن فرقد: «أما بعدُ... إلخ».وأخرجه البغوي أيضًا (1031) قال: حدثنا علي بن الجعد، والبيهقي (10/14) عن آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي عن عمر نحوه وزاد: «وتعلموا العربية».وتوبع شعبة على هذا الوجه. فأخرجه البخاري في «اللباس» (10/284)، ومسلم (2069/12) عن زهير بن معاوية وأحمد (1/43) قال: حدثنا يزيد بن هارون، وأبو يعلى (213) عن حماد بن سلمة ثلاثتهم عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر نحوه مطوَّلاً ومختصرًا. وأخرجه أبو عبيد في «غريب الحديث» (3/325) قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي العدبَّس الأسدي، عن عمر نحوه.وأبو العدبَّس فيه جهالة.وأخرجه البخاري (10/284) عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان قال: كنا مع عتبة- يعني: ابن فرقد- فكتب إليه عمرُ. فذكر بعضه مرفوعًا: «لا يلبس الحرير في الدنيا، إلا لم يُلبس منه شيء في الآخرة».(2/12)
وأما الحديث الثاني: «أن أخوين... إلخ» فهو حديثٌ باطلٌ.أخرجه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت في «الأول من الفوائد» (ق83/2) قال: حدثنا أحمد بن بكر البالسيُّ، ثنا داود بنُ الحسن، ثنا مبارك بنُ فضالة، عن الحسن البصري، عن أنس بن مالك فذكره. وهذا إسناد مسلسلٌ بالعلل.فأحمد بن بكر البالسيُّ، ترجمه ابنُ عدي في «الكامل» (1/191) وقال: «قال لنا عبد الملك بن محمد: أحمد بن بكر البالسيُّ روى أحاديث مناكير عن الثقات» ونسب الذهبي في «الميزان» (1/86) هذا القول لابن عدي، ولم يتعقَّبهُ في «اللسان» (1/237) وقد رأيت أنه قول شيخ ابن عدي. ونقل في «اللسان» أن الدارقطني ضعَّفه، بل قال أبو الفتح الأزدي: «كان يضع الحديث» ولعلَّه بالغ كعادته. وأمَّا ابنُ حبان فقد ذكره في «الثقات» (8/51) وقال: «كان يخطئ». وداود بن الحسن لم أجد له ترجمة، فليحرر. ومبارك بن فضالة ضعيفٌ وكان يدلس. والحسن البصري لم يسمع من أنس بن مالك. فالإسناد ساقط كما رأيت، والله أعلم.(2/13)
وأما الحديث الثالث: «حياتي خير لكم...» فضعيف منكرٌ.أخرجه البزار (1925- البحر ) قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّادٍ، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعودٍ، عن النبي قال: «إن لله ملائكة سياحين، يبلغوني عن أمتي السلام». قال: وقال رسول الله : «حياتي خيرٌ لكم...» الحديث.قال البزار: «وهذا الحديث آخره لا نعلمه يروى عن عبد الله، إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد». فاعلم- أيها المسترشد- أن جماعة من ثقات أصحاب سفيان الثوري رووا هذا الحديث عنه، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود بأوله حسبُ، ولم يذكر واحدٌ منهم آخره. فأخرجه النسائي (3/43)، وأحمد (1/452) عن معاذ بن معاذ العنبري، والنسائي، وأبو يعلى (5213)، وابن أبي شيبة (2/517)، وابن حبان (914) عن وكيع بن الجراح، والنسائي (3/43)، والطبراني في «الكبير» (ج10/ رقم 10529) عن عبد الرزاق، وهذا في «المصنف» (2/215)، والدارمي (2/225) قال: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، وأحمد (1/387) قال: حدثنا عبد الله بن نمير، والنسائي في «اليوم والليلة» (66) عن ابن المبارك، وهو في «كتاب الزهد» (1028)، وأحمد (1/441) قال: حدثنا وكيع وعبد الرحمن بن مهدي، والهيثم بن كليب في «المسند» (825) عن زيد بن الحباب، والبزار (1923)، وإسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبي» (21) عن يحيى القطان، والهيثم بن كليب (826)، والطبراني (10530) عن فضيل بن عياض، والبيهقي في «الشعب» (1582)، وفي «الدعوات الكبير» (159)، والبغوي في «شرح السنة» (3/197) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وأبو نعيم في «الحلية» (4/201) عن محمد بن كثيرٍ، والحاكمُ (2/421)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/205) عن أبي إسحاق الفزاري، والبيهقي في «الدعوات الكبير» (159)، والبغوي في «شرح السنة» (3/197) عن عبيد الله بن موسى كلهم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن السائب،(2/14)
عن زاذان، عن ابن مسعودٍ مرفوعًا بالفقرة الأولى من الحديث، دون قوله: «حياتي خير لكم...» إلخ، فقد رأيت أراك الله الخير أن يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجرح، وابن المبارك، وعبد الرزاق بن همام، ومعاذ بن معاذ العنبري، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الله بن نمير، وزيد بن حباب، وعبيد الله بن موسى، وأبا نعيم الفضل، وفضيل بن عياض، ومحمد بن كثير، وأبا إسحاق الفزاري، وعدتهم أربعة عشر نفرًا، قد رووه عن الثوري فلم يذكروا قوله: «حياتي خير لكم»، وخالفهم عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، فرواه عن الثوري بهذا الإسناد فذكره وقد علمنا من قول البزار أنه تفرد به عن الثوري، ولا يشك حديثيٌّ- وهو المبتدئ- أن رواية عبدالمجيد منكرة، فلو لم يكن فيه مغمزٌ ربما احتمل منه، لكن تكلم فيه غير واحدٍ من العلماء منهم الحميدي، وقال أبو حاتم: «ليس بالقوي يكتب حديثه». وقال الدارقطني: «لا يحتج به، يعتبر به»، وضعَّفه أبو زرعة، وابنُ سعدٍ، وابن أبي عمر، وغلا فيه ابن حيان فتركه.ووثقه آخرون، ولم يرو له مسلمٌ إلا حديثًا واحدًا في «كتاب الحج» (1299/179) مقرونًا بـ «هشام بن سليمان المخزومي»، ولو سلمنا أن مسلمًا روى له محتجًا به فلا بأس بصنيعه، لأنه روى هذا الحديث عن عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، وكان عبد المجيد من أثبت الناس في ابن جريجٍ كما قال ابن معين، والدارقطني، وابنُ عدي وغيرهم، وحديثه هذا ليس عن ابن جريجٍ، مع مخالفته لنجوم أصحاب الثوري، فحريٌّ أن لا يقبل منه ما زاده عليهم، لا سيما وقد رواه الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود مرفوعًا بالحديث الأول وحده. أخرجه الحاكمُ (2/421) عن عثمان بن أبي شيبة والطبراني في «الكبير» (ج10/ رقم 10528) قال: حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/205) عن أبي سيار محمد بن عبد الله البغدادي، قالوا: ثنا أبو صالح محبوب(2/15)
بن موسى الفراء، ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الأعمش بهذا. ومحبوب بن موسى، وثقه أبو داود، والعجليُّ. وقال ابنُ حبان: «متقنٌ فاضلٌ». وكذلك رواه حسين الخلقاني، عن عبد الله بن السائب بهذا الإسناد بالحديث الأول أخرجه البزار (1924)، والخطيب في «تاريخه» (9/104) من طريق سعيد بن الحسن بن علي قالا: ثنا يوسف بن موسى القطان، ثنا جرير بن عبد المجيد، عن حسين الخلقاني بسنده سواء، والخلقاني ما عرفتُهُ، فليحرر، وبعد هذا التحرير تعلم خطأ من صحح إسناد هذا الحديث كالسيوطي في «الخصائص» (2/491) أو من جوَّده كالولي العراقي في «طرح التثريب» (3/297)، وأخف من قولهما- وإن كان موهمًا- قول الهيثمي في «المجمع» (6/24): «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح»، وقول شيخه العراقي في «تخريج الإحياء» (4/128): «رجاله رجال الصحيح، إلاَّ أن عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلمٌ ووثقه ابنُ معين والنسائيُّ فقد ضعَّفه بعضهم». انتهى. وله شواهدُ لا يفرح بها ذكرها شيخنا الألباني رحمه الله في «الضعيفة» (975).ومما يدلُّ على نكارة هذا الحديث ما أخرجه البخاري في «أحاديث الأنبياء» (6/386- 387، 478)، وفي «التفسير» (8/286، 437- 438)، وفي «الرقاق» (11/377)، ومسلم (2860/58)، والنسائي (4/117)، والترمذي (2423)، وأحمد (1/223، 229، 2235، 253)، والدارمي (2/233- 234)، والطيالسيُّ (2638)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (11/157)، و(13/247) و(14/117)، وابن حبان (7347)، وغيرهم من طريق المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ فذكر حديثًا وفيه: «ألا وإنه سيجاءُ برجالٍ من أمتي، فيؤخذُ بهم ذات الشمال، فأقولُ: يا ربِّ أصحابي، فقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». فهذا الحديث دليلٌ على أن النبي لا يعلم أعمال أمته بعده.ويدلُّ على ذلك أيضًا قول عيسى عليه السلام: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ(2/16)
الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117].والحمد لله رب العالمينعدد صفر 1426هيسأل سائل: نحن ثلاثةٌ من المدرسين في كلية أصول الدين قسم الحديث، وقد عرض لنا أثناء بحثٍ لنا كلامٌ لابن عبد البر أعلَّ به حديث عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام يتسمنون ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها». ونحن نعلم أن هذا الحديث في الصحيحين، فهل لابن عبد البر مستند صحيح في هذا الإعلال؟الجواب بحول الملك الوهاب: فإنني قبل الشروع في النظر في كلام ابن عبد البر رحمه الله استسمح قراء مجلة التوحيد عذرًا في طرح هذه البحوث، فكثيرًا ما تأتيني وأعرضُ عنها لأنها تستعصي على أفهام كثيرٍ من القراء لدقتها، إذ لا يفهمُها إلا من كان عالمًا بأصول الحديث رواية ودراية، ولكن إخواننا ألحوا عليَّ في طلب الجواب، وأرجو أن لا يخلو الأمرُ من فائدةٍ إن شاء الله تعالى.فأقول: أخرج ابن عبد البر في كتاب التمهيد (17/298- 299) من طريق زهير بن حربٍ، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، ثنا هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله : «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ يتسمَّنون، ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يُسألوها».ثم رواه ابن عبد البر من طريق أحمد بن زهير بن حرب، (حدثنا أبي)، حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن علي بن مدرك، عن هلال بن يساف، عن عمران، عن النبي بنحوه.قال ابن عبد البر: «أدخل ابن فضيل بين الأعمش وبين هلال في هذا الحديث: عليّ بن مُدْرك، وتابعه على ذلك عبد الله بن إدريس ومنصور بن الأسود وهو الصواب، وهذا- عندي والله أعلم- إنما جاء من قبل الأعمش، أنه كان يُدلس أحيانًا وقد يمكن أن يكون من قبل حفظ وكيع لذلك، وإن كان حافظًا، أو من قبل أبي خيثمة، لأن فيه: حدثنا هلال بن يساف، وليس بشيء، وإنما الحديث(2/17)
للأعمش، عن عليّ بن مدرك عن هلال، والله أعلم، وقد روى الأعمش عن هلال بن يساف، غير ما حديث، وقد روى هذا الحديث شعبة، عن علي بن مدرك، عن هلال بن يساف عن رجل من أصحاب النبي ، لم يقل: عن عمران بن حصين».قال ابن عبد البر: «هذا الحديث في إسناده اضطراب، وليس مثله يعارض به حديث مالك، لأنه من نقل ثقات أهل المدينة، وهذا حديثٌ كوفيٌّ لا أصل له، ولو صحَّ كان معناه كمعنى حديث ابن مسعود، على ما فسره إبراهيم النخعي فقيه الكوفة».قلت: رضي الله عنك!ففي كلامك هذا نظرٌ من وجوهٍ:الأول: أنك رجحت رواية من رواه عن الأعمش، عن علي بن مدرك، عن هلال بن يساف، عن عمران.وهذا الوجه: أخرجه الترمذي (2221، 2302) قال: حدثنا واصل بن عبد الأعلى وابن أبي عاصم في «السنة» (1471) قال: حدثنا ابن نمير، قالا: ثنا محمد بن فضيل، ثنا الأعمش بهذا.وتابعه منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش بسنده سواء.أخرجه ابن أبي عاصم (1470)، والطبراني في الكبير (ج18/ رقم 583) قال: حدثنا عليُّ بن عبد العزيز والخطيب في الكفاية (ص47) عن محمد بن يونس، قالوا: ثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا منصور بن أبي الأسود، وخالفهم جماعة من أصحاب الأعمش، فرووه عنه، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين مرفوعًا.وأخرجه الترمذي (2221، 2302) قال: حدثنا الحسين، وأحمد (4/426)، وابن أبي عاصم في السنة (1472)، وابن حبان (7229) والطبراني (585) عن ابن أبي شيبة، وهو في المصنف (12/176)، والطبراني (585) عن سهل بن عثمان، والآجري في الشريعة (1152) يعقوب بن إبراهيم والدورقي قالوا: ثنا وكيع، ثنا الأعمش، ثنا هلال بن يساف، عن عمران مرفوعًا.وأخرجه الحاكم (3/471)، والطبراني (586) عن يعلي بن عبيد، والطحاوي في «المشكل» (2465) عن عيسى بن يونس، والطبراني أيضًا (584) عن شيبان بن عبد الرحمن كلهم عن الأعمش، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، وأفاد ابن أبي حاتم (2603) أن الثوري رواه عن الأعمش(2/18)
كذلك.فمن نظر في هذا التخريج، لا يمتري في تقديم رواية الجماعة عن الأعمش وهم ثقات أثبات، وفيهم المقدم في الأعمش، وابن فضيل ومنصور وإن كانا من الثقات فلا يجريان في مضمار من ذكرناهم، ولذلك رجح الترمذي هذا الوجه، فقال بعد رواية حديث وكيع: «وهذا أصح عندي من حديث محمد بن فضيل».وخالفه أبو حاتم الرازي- كما في «العلل» (2603)- فرجَّح رواية ابن فضيل ومنصور كما قال ابن عبد البر، ومستندُ أبي حاتم- فيما أرى- أفصح عنه ابن عبد البر كما يأتي في:الوجه الثاني: أن ابن عبد البر رجح حديث الأعمش، عن علي بن مدرك، قائلاً: «لأن الأعمش كان يدلسُ أحيانًا»، وهو يعني أنه يحتمل أن يكون الأعمش أسقط عليّ بن مدرك، ورواه عن هلال بن يساف مباشرة، وهذا كلام صحيح.ولكن يدفعه أن الأعمش قال: «ثنا هلالٌ»، فأجاب ابن عبد البر بأن هذا التصريح ليس بشيءٍ والمخطئُ فيه إمَّا أن يكون زهير بن حرب أو وكيع.والجواب: أنه لا وجه لتخطئة واحد منهما.فأما زهير بن حرب، فقد تابعه أحمد بن حنبل، وابن أبي شيبة، وأبو عمار حسين بن حريث، وسهل بن عثمان، وأما وكيع، فقال ابن عبد البر: «وقد يمكن أن يكون من قبل حفظ وكيع، وإن كان حافظًا»، فهذا كلام غريب، لأننا لا ننكر أن يخطئ الحافظ الثبت في بعض ما يرويه، ولكن يبقى السؤال: ما الدليل على وهمه وليس في يد ابن عبد البر حجةٌ على ما ادَّعاهُ إلا ثبوت واسطة بين الأعمش وبين هلال بن يساف، وهذا ليس بكافٍ في التخطئة كما قدمته مرارًا قبل ذلك ولو كان الذي ذكر تصريح الأعمش بالتحديث ممن يخطئ، أو صاحب أوهام لكان الكلام مقبولاً، أما وهو وكيع بن الجراح- العَلَمُ الشامخ- لا سيما في حديث الأعمش فلا.الوجه الثالث: أن قوله: «في إسناده اضطرابٌ»، فليس كذلك، وليس كلُّ اختلافٍ مما يضعَّفُ به الحديث، والاختلاف المضرُّ الذي يسميه العلماء اضطرابًا هو الذي تتساوى فيه وجوه الرواية، وليس ثمَّ مرجِّحٌ، فحينئذٍ تتساقط كلها، وينتفي(2/19)
هذا الاضطراب بالجمع أو الترجيح والجمعُ هنا أولى، بل هو الراجحُ، ولا مانع أن يرويه الأعمش على الوجهين.ولو جاز لنا أن ندعي اضطرابًا في هذا الحديث، لكان في الوجه الذي اختاره ابن عبد البر، فقد أخرجه النسائي في كتاب القضاء (3/494/6030)، ومن طريقه ابنُ عبد البر في التمهيد (17/300) قال: أخبرنا محمد بن بشارٍ، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن علي بن مدرك، عن هلال بن يساف، قال: قدمتُ البصرة فإذا رجلٌ من أصحاب النبي - ليس أنس بن مالك- قال: قال رسول اللَّه ... فذكره.فها هو شعبة أبهم صحابي الحديث، ولكن ليس في الحديث اضطراب بحمد الله تعالى، وانتظر ما يأتي.الوجهُ الرابعُ: أن ابن عبد البر ختم بحثهُ قائلاً: «وهذا حديثٌ كوفيٌّ لا أصل له». فهذا أبعدُ عن الصواب من كل ما مضى، وقد رواه عن عمران بن حصين آخرون غير هلال بن يساف، منهم:1- زَهْدم بن مضرِّب.وهذا يرويه شعبة بن الحجاج، قال: سمعت أبا حمزة- وهو نصر بن عمران- قال: سمعت زهدم بن مضرِّب، قال: سمعتُ عمران بن حصين يحدِّثُ أن رسول اللَّه قال: «إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، قال عمران: فلا أدري قال رسول اللَّه بعد قرنه مرتين أو ثلاثة- ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يُتَّمنون».أخرجه البخاري في الرقاق (11/244)، ومسلم في فضائل الصحابة (2535/214)، وأحمد (4/427)، وابن أبي عاصم في السنة (1469)، والطبراني في الكبير (ج18/رقم 582) عن محمد بن جعفر غندر، والبخاري في «الأيمان والنذور» (11/580- 586)، ومسلم، وأحمد (4/436)، وأبو نعيم في الحلية (8/391) عن يحيى بن سعيد القطَّان، والبخاري في كتاب الشهادات (5/258- 259)، وفي التاريخ الكبير (1/1/188)، والبيهقي (10/123) عن آدم بن أبي إياس، والبخاري في فضائل الصحابة (7/3)، عن النضر بن شميل، ومسلم (2535/214)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1328)، والبيهقي في(2/20)
السنن الكبير (10/74)، وفي الصغير (4/116)، وفي الدلائل (6/552) عن بهز بن أسد، ومسلم، وأبو القاسم البغوي (1330) عن شبابة بن سوار، وأبو القاسم البغوي (1323)، والطبراني (18/ رقم 581)، والبغوي في شرح السنة (14/66)، عن علي بن الجعد، والنسائي (7/17- 18) عن خالد بن الحارث، وأحمد (4/427)، عن حجاج بن محمد الأعور، والطيالسي في مسنده (841)، ومن طريقه أبو القاسم البغوي (1329)، وأبو عوانة في المستخرج (6412) عن أبي زيد النحوي، والطحاوي في شرح المعاني (4/151) عن بشر بن ثابت البزار، والطبراني (581) عن عمرو بن حكام، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (3/28)، عن أسد بن موسى، قالوا جميعًا، ثنا شعبة بهذا وتوبع شعبة.تابعه أبان بن يزيد العطار، فرواه عن أبي جمرة بهذا الإسناد وأخرجه البخاري في الكبير (1/1/188)، والطبراني في الكبير (ج18/ رقم 580)، عن مسلم بن إبراهيم، وابن أبي عاصم (1468)، وابن حبان في الثقات (6/1)، والطبراني (18/580) عن إبراهيم بن الحجاج السامي، والحاكم في علوم الحديث (ص46) عن موسى بن إسماعيل قالوا: ثنا أبان بن يزيد العطار بهذا.2- زرارة بن أوفى:وهذا يرويه قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول اللَّه : «خير أمتي القرنُ الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، قال: والله أعلم أذكر الثالث أم لا؟ «ثم ينشأ قومٌ يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون، ولا يوفون، ويخونون ولا يُتَّمنون، ويفشو فيهم السمن».أخرجه مسلم (2535/215)، وأبو داود (4657)، والترمذي (2222)، وأحمد (4/440)، وابن حبان (6729)، والبزار (3521- البحر )، والطحاوي في «شرح المعاني» (4/151)، والطبراني (ج18/ رقم 527) عن أبي عوانة، ومسلم أيضًا، وأحمد (4/426)، والبزار (3603)، والطحاوي في المشكل (2464)، والطيالسي (852)، والطبراني (529)، والبيهقي (10/160)، وأبو نعيم في الحلية (2/259، 260)، والبغوي في شرح السنة (14/67) عن(2/21)
هشام الدستوائي، والطحاوي في المشكل (2463) عن شعبة بن الحجاج، والطبراني (526)، وأبو نعيم في الحلية (2/78) عن همام بن يحيى، والطبراني في الكبير (528)، وفي الأوسط (5526، 8868)، وأبو عمرو الداني في الفتن (316) عن مطر الورَّاق كلهم عن قتادة بهذا الإسناد.قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».قلت: وبعد هذا التخريج ظهر لك أن الحديث صحيح، وحسبك أن صاحبي «الصحيح» اتفقا على تخريجه، فكيف يقال: لا أصل له؟!الوجه الخامسُ: أن ابن عبد البر طعن على حديث عمران هذا، لأنه نصب التعارض بينه وبين حديث زيد بن خالد الجهني مرفوعًا: «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها». وهو صحيح، أخرجه مسلم في «الأقضية» (1719/19)، وقد وقع في إسناده اختلافٍ ليس هذا موضع بيانه.فقد أجاب أهل العلم بأجوبة، ساقها الحافظ في الفتح (5/259- 260) قال: «واختلف العلماء في ترجيحهما- يعني: حديث عمران وزيد بن خالد- فجنح ابن عبد البر إلى ترجيح حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة فقدمه على رواية أهل العراق، وبالغ فزعم أن حديث عمران هذا لا أصل له، وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران لاتفاق صاحبي الصحيح عليه وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد بن خالد، وذهب آخرون إلى الجمع بينهما فأجابوا بأجوبة: أحدهما أن المراد بحديث زيد من عنده شهادة لإنسان بحق لا يعلم بها صاحبها فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها العالم بها ويُخَلِّف ورثة فيأتي الشاهد إليهم أو إلى من يتحدث عنهم فيعلمهم بذلك، وهذا أحسن الأجوبة، وبهذا أجاب يحيى بن سعيد شيخ مالك وغيرهما».ثانيهما أن المراد به شهادةُ الحسبة، وهي ما لا يتعلق بحقوق الآدميين المختصة بهم محضًا، ويدخل في الحسبة بما يتعلق بحق الله أو فيه شائبة منه كالعتاق والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق والحدود ونحو ذلك، وحاصله أن المراد بحديث ابن مسعود: الشهادة في حقوق الآدميين، والمراد بحديث زيد بن خالد(2/22)
الشهادةُ في حقوق الله.ثالثها: أنه محمولٌ على المبالغة في الإجابة إلى الأداء، فيكون لشدة استعداده لها كالذي أداها قبل أن يسألها. كما يقال في وصف الجواد: إنه ليعطي قبل الطلب، أي يعطي سريعًا عقب السؤال من غير توقف.وهذه الأجوبة مبنية على أن الأصل في أداء الشهادة عند الحاكم أن لا يكون إلا بعد الطلب من صاحب الحق، فيخص ذم من يشهد قبل أن يستشهد بمن ذكر ممن يخبر بشهادة عنده لا يعلم صاحبها بها أو شهادة الحسبة، وذهب بعضهم إلى جواز أداء الشهادة قبل السؤال على ظاهر عموم حديث زيد بن خالد، وتأولوا حديث عمران بتأويلات: أحدها أنه محمول على شهادة الزور، أي يؤدون شهادة لم يسبق لهم تحملها، وهذا حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم.ثانيها المراد بها الشهادة في الحلف، يدل عليه قول إبراهيم في آخر حديث ابن مسعود: «كانوا يضربوننا على الشهادة» أي قول الرجل: أشهد بالله ما كان إلا كذا على معنى الحلف، فكره ذلك كما كره الإكثار من الحلف، واليمين قد تسمى شهادة كما قال تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ}، وهذا جواب الطحاوي.ثالثها المراد بها الشهادة على المغيب من أمر الناس، فيشهد على قوم أنهم في النَّار وعلى قوم أنهم في الجنة بغير دليل، كما يصنعُ ذلك أهلُ الأهواء، حكاه الخطابي.رابعها المراد به من ينتصب شاهدًا وليس من أهل الشهادة.خامسها المراد به التسارع إلى الشهادة وصاحبها بها عالم من قبل أن يسأله. والله أعلم. انتهى.فهذا ما ظهر لي من الجواب عن إعلال ابن عبد البر رحمه الله، والله أسأل أن يرزقنا فهما في كتابه، وفي سنة نبيه ، والحمد لله رب العالمين.
انتهى
الأعداد المضافة من موقع مجلة التوحيد:
1-8-2002 العدد8 :
اسئلة القراء عن الأحاديث
يجيب عنها
أبو إسحاق الحويني
يسأل القارئ: فكري محمود البوشي- دمياط- فارسكور- عن درجة هذا الحديث:
"تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم والقطيفة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش" ومعناه؟(2/23)
والجواب بحول الملك الوهاب: هو حديث صحيح.
أخرجه البخاري في "الجهاد" (6-81)، وفي "الرقاق" (11-253)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (14-261)، وابنُ ماجه (4135)، وابنُ حبان (3218)، والبيهقي (9-159 و10-245) من طرق عن أبي بكر بن عياشٍ، عن أبي حصين- بفتح الحاء المهملة- عثمان بن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا، فذكره، وبقيتُهُ: "... والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يُعط لم يرض".
وأخرجه البخاري في "الجهاد" (6-81)، ومن طريقه البغوي (14-261- 262) قال: وزاد لنا عمرو، قال: أنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينارٍ، عن أبيه، عن أبي صالحٍ بهذا الإسناد بالسياق الذي ذكره القارئ.
وعمرو شيخ البخاري هو ابن مرزوق، وقد أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2595) قال: حدثنا أبو مسلم الكشي، والقطيعي في "الفوائد"، ومن طريقه الشجري في "الأمالي" (2-154)، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله البصري قالا: ثنا عمرو بن مرزوق بهذا الإسناد، وأخرجه ابنُ ماجه (4136) من طريق صفوان بن سليم، عن عبد الله بن دينار بهذا.(2/24)
قُلْتُ: كذا رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وصفوان بن سليم عن عبد الله بن دينار فجعلاه من "مسند أبي هريرة"، وخالفهما الحسن بن دينار فرواه عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا، أخرجه ابنُ عدي في "الكامل" (2-714 و6-2272) عن محمد بن مناذر، ثنا الحسن بن دينار بهذا، وهذه مخالفة لا قيمة لها، ومحمد بن مناذر قال فيه ابنُ معين: "لا يروى عنه من فيه خيرٌ". وقال ابنُ عدي: "لم يكن من أصحاب الحديث، وكان الغالبُ عليه المجونُ واللهو". والحسن بن دينار متروك الحديث، والصواب أن الحديث من "مسند أبي هريرة". وقد رواه عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة مرفوعًا. أخرجه ابنُ عديّ (5-1796)، وقال: "هذا غير محفوظٍ عن الأعمش"، وعلَّتُهُ: الفقيمي هذا، فإنه متروك. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (4073) عن أبي حازمٍ، والخطيبُ في "تاريخه" (53/8) عن الحسن البصري كلاهما عن أبي هريرة، ولا يصحّان جميعًا، والتعديل على رواية البخاري. والله أعلم.
ومعنى الحديث: خاب وخسر من جعل جمع المال همه وكده، فلا يصدرُ إلا عنه، ولا يزن الناس إلا به، ولذلك عبر عنه بالعبد، ولم يقل: مالك الدينار، ولا جامع الدينار ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالأسير الذي لا يجد خلاصًا، ومعنى: "وإذا شيك فلا انتقش"، فهذا دعاءٌ عليه أنه إذا دخلت فيه شوكة لم يجد من يخرجها له بالمنقاش. والله أعلمُ.
ويسألُ القارئ محمد محمود فكري- الروضة- فارسكور عن صحة هذه الأحاديث:
1- "إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح، فليضطجع على جنبه الأيمن".
2- "إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يُقرأن في دار ثلاث ليالٍ فيقربهما شيطان".
والجواب بحول الملك الوهاب:
أما الحديثُ الأول: "إذا صلى..." فهو حديثٌ صحيحٌ.(2/25)
أخرجه أبو داود (1261)، ومن طريقه البيهقي (30-34) قال: حدثنا مسدّدٌ، وأبو كاملٍ، وعبيد الله بن عمر بن ميسرة، وأخرجه ابنُ حزم في "المحلى" (3-196) عن أبي داود عن عبيد الله وحده. وأخرجه الترمذي (420)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (3-460- 461)، وابنُ خزيمة (1120)، وابنُ حبان (2468)، وابنُ عساكر (71-259) عن بشر بن معاذ العقديّ، وأحمد في "مسنده" (2-415) قال: حدثنا عفان- هو ابن مسلم- قالوا: ثنا عبد الواحد بن زيادٍ، ثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة مرفوعًا، زاد أبو داود ابنُ خزيمة وابن حبان: "فقال له مروان بن الحكم: أما يجزئ أحدنا ممشاهُ إلى المسجد حتى يضطجع على يمينيه؟ قال عبيد الله في حديثه: قال: لا. فبلغ ذلك ابن عمر، فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه، قال: فقيل لابن عمر: هل تنكرُ شيئًا مما يقولُ؟ قال: لا. ولكنه اجترأ وجبُنَّا. قال: فبلغ ذلك أبا هريرة. قال: فما ذنبي إن كنت حفظتُ ونسوا".
قلت: وهذا إسنادٌ ظاهرهُ الصحةُ، ولكن أعلّه البيهقي، ونقل ابن عبد البر في "التمهيد" (8-126) عن الأثرم قال: "سمعتُ أحمد بن حنبل يُسألُ عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، فقال: ما أفعلُه أنا. قيل له: لِمَ لم تأخذ به؟ قال: ليس فيه حديث يثبُتُ. قلتُ له: حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؟ قال: رواه بعضهم مرسلاً". انتهى. وقال الذهبي في "الميزان" (2-672) في ترجمة "عبد الواحد": "احتجا به في "الصحيحين"، وتجنبا تلك المناكير التي نقمت عليه، فيحدث عن الأعمش بصيغة السماع عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا، وذكر هذا الحديث وعزاه إلى أبي داود.(2/26)
وهذا التصريح بالتحديث- الذي ذكره الذهبي- لم أقف عليه عند أحدٍ من المخرجين، وقد ذكر العقيليُّ في "الضعفاء" (3-55) عن أبي داود الطيالسي، وذُكر عنده عبد الواحد بن زياد فقال: عهد إليَّ نقل أحاديث كان يرسلها الأعمش، فوصلها كلَّها يقول: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا مجاهدٌ في كذا وكذا. فهذا يدلُّ على أن عبد الواحد وهم في حديث الأعمش عن مجاهد خاصة، وكان الأعمش إذا روى عن صغار شيوخه مثل مجاهد أكثر من التدليس، بخلاف روايته عن أبي صالح، فإنه من جلة شيوخه، ثم هو مكثرٌ عنه. حتى استثناه الذهبي مع غيره ممن يروي عنهم الأعمش، أن يقبل حديثه إذا رواه الأعمش عنه بالعنعنة، كما تراه في ترجمة "الأعمش" من "الميزان"، أما ما رواه العقيلي عن يحيى بن سعيد القطان قال: ما رأيتُ عبد الواحد بن زياد يطلبُ حديثًا قطُّ بالبصرة ولا بالكوفة، وكنا نجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة أذاكره حديث الأعمش، لا يعرفُ منه حرفًا". فهذا مقابلٌ بقول ابن معين وسئل عن أثبت أصحاب الأعمش بعد سفيان وشعبة؟ فقال: أبو معاية الضرير وبعده عبد الواحد بن زياد. وقد احتج به الشيخان في حديث عن الأعمش، ولم يقم دليلٌ على أن أحدًا من أصحاب الأعمش الكبار خالفه في هذا الحديث، فإن وجدنا عملنا بمقتضاه، فلو رواه من هو أثبتُ من عبد الواحد بن زيادٍ عن الأعمش فأرسله كما وقع في كلام أحمد، حكمنا لهذا الثبت عليه، إلاَّ أن يقوم مانعٌ. وقول أحمد: رواه بعضهم مرسلاً، فلا ندري من هذا "البعض"، وهل يقدَّم على عبد الواحد أم لا. وأما قولُ المنذري في "تهذيب سنن أبي داود" (2-76): "قيل: إن أبا صالح لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة، فيكون منقطعًا". وقد سبقه إلى ذلك أبو بكر بن العربي، فقال في "عارضة الأحوذي" (2-217): "وحديثُ أبي هريرة معلولٌ، لم يسمعه أبو صالح من أبي هريرة، وبين الأعمش وأبي صالحٍ كلام". اه. فأما القول بأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة فلم أقف على(2/27)
قائله من أئمة الحديث الكبار، ولا على دليله. وابنُ العربي رحمه الله، فليس من أحلاس هذا العلم، وله أوهامٌ في تواليفه في التصحيح والتضعيف، والكلام على علل الحديث.
وقد صحَّحه الترمذي وابنُ حزمٍ في "المحلى" (3-196) لكنه اشتطَّ في الاستدلال به على فرضية الضجعة بعد ركعتي الفجر. وصحَّحه أيضًا من المتأخرين النووي في "شرح مسلم" (6-19)، وفي "المجموع" (4-28) على شرط الشيخين.
وقال في "رياض الصالحين" (ص343)، وفي "الخلاصة" (1-536): "رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة" كذا قال! وهي عبارة يكثر منها النووي ولا معنى لها، وليس للحديث عندهما إلا هذا الإسنادُ الواحدُ. وصححه أيضًا الشيخ المحقق أبو الأشبال أحمد شاكر وشيخنا الألباني في "صحيح الجامع" (1-171). وقد أعلَّه البيهقي بأن محمد بن إبراهيم التيمي رواه عن أبي صالحٍ قال: سمعتُ أبا هريرة يحدثُ مروان بن الحكم وهو على المدينة، أن رسول الله # كان يفصلُ بين ركعتيه من الفجر وبين الصبح بضجعةٍ على شقه الأيمن.
وقد تابعه سهيل بن أبي صالح، عن أبيه بهذا الإسناد.
أخرجه النسائيُّ في "الكبرى" (1-455) عن أبي كدينة يحيى بن المهلب وابنُ ماجه (1199) عن شعبة كلاهما عن سهيل بن أبي صالح بهذا.
قال البيهيُّ: "وهذا أولى أن يكون محفوظًا لموافقته سائر الروايات عن عائشة وابن عباس". اه. والأعمش أثبت منهما في أبي صالح. فإن قلت: نعم، ولكن الشأن في الراوي عنه وهو ابن زيادٍ. قلنا: نعم، وقد قدمنا لك أنه أحدُ الأثبات في الأعمش كما قال ابن معين. فالصوابُ الحكمُ له حتى يظهر لنا أنه قد خالفه من هو أمكنُ منه. فالراجح عندي: صحةُ الحديث بالشرط المذكور. والله أعلم.(2/28)
أما الحديث الثاني: "إن الله كتب كتابًا..." فهو ضعيف بهذا السياق، أخرجه النسائي في "اليوم والليلة" (9670) عن حجاج بن منهال، والترمذي (2882) عن عبد الرحمن بن مهدي. قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرحمن الجرميّ، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن النعمان بن بشير مرفوعًا فذكره.
وأخرجه النسائي أيضًا (967)، قال: أخبرنا أحمد بن سليمان، والدارمي (2-323)، وأحمد (4-274)، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص124)، والحاكم (1-562)، وعنه البيهقي في "الأسماء والصفات" (1-365) عن محمد بن إسحاق الصغاني. والحاكمُ أيضًا (2-260) عن الحسين بن الفضل. والسهميُّ في "تاريخ جرجان" (ص129) عن إبراهيم بن أبي خالد العطار، قال سبعتهم: ثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة بهذا الإسناد.
وأخرجه ابنُ الضريس في "فضائل القرآن" (167) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل وأحمد (4-274) قال: حدثنا روح بن عبادة. وابنُ حبان (782) عن هدبة بن خالد، والبغويّ في "شرح السنة" (4-266- 267) عن عبد الجبار بن العلاء قال أربعتُهم: حدثنا حماد بن سلمة بهذا الإسناد سواء.(2/29)
ولم يذكر ابنُ الضريس في روايته: "ثلاث ليالٍ"، وهو عند ابن حبان بآخره. قال الترمذيّ: "حسن غريب"، ولكن وقع في "أطراف المزي" أنه: "غريب"، وكذلك استغربه البغوي. وهذا هو الأعلى. وأشعث بن عبد الرحمن.... وثقه ابن معين. وقال أحمد: "لا بأس به"، فإنه لم يرو عنه إلا حماد بن سلمة وحده. فهنا محلُّ النظر. هل إذا تفرد واحدٌ بالرواية عن راوٍ ووثقه بعض النقاد، هل يقومُ هذا التوثيق مقام الراوي الثاني، فتنتفي جهالةُ عينه وحاله؟! فهذا عندي محتمل. فإذا تفرَّد مثل هذا الراوي عن شيخٍ له مثل أبي قلابة الجرمي، فأقلُّ أحواله أن يتوقف في حديثه وينظر فيه. وهذا معنى قول أبي حاتم الرازي في الراوي: "شيخ"، وقد قال هذا الحكم في أشعث عن معنى من يقول فيه أبوه: "شيخ"، فقال: "يكتب حديثه وينظر فيه". وقد وقع اختلافٌ في إسناده. فرواه هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، ثنا أشعث بن عبد الرحمن عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس مرفوعًا فذكره. أخرجه الطبراني في "الكبير" (7146) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا هدبة بن خالد بهذا. فزاد في الإسناد "أبا أسماء" وجعله من "مسند شداد بن أوس". ولعلَّ هذا من حماد بن سلمة أو من أشعث. لأن هدبة رواه عن حماد بن سلمة مثل رواية الجماعة عن حمادٍ. ووقع فيه مخالفةٌ أخرى، فقد رواه أيوب السختياني عن أبي قلابة، عن أبي صالح الحارثي، عن النعمان بن بشير مرفوعًا.
أخرجه النسائيُّ في "اليوم والليلة" (966)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (1360) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة، وأيضًا في "الصغير" (147) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الصبَّاح أبو عبد الله البصري قالوا: ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: نا ريحان بن سعيد، قال: نا عباد بن منصور، عن أيوب السختياني بهذا.(2/30)
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أيوب، إلا عبادٌ، تفرد به: ريحان". وهذه مخالفةٌ واهيةٌ. وريحان وعباد ضعيفان. وأبو صالح الحارثي مجهول الحال. والصواب في هذا حديث حماد بن سلمة كما رجحه أبو زرعة الرازي على ما في "علل ابن أبي حاتم" (1678). وقد مرَّ ما فيه.
ولم أر في صحيح الحديث أن من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة في بيتٍ ثلاث ليالٍ لم يقربه شيطان. إنما المحفوظ قوله #: "البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان". وقد خرجتُهُ في "تفسير ابن كثير".
والحمدُ
1-9-2002 العدد9:
للَّه تعالى.
وجاء:
أسئلة القراء عن الأحاديث
يجيب عنها أبوإسحاق الحوينى
=> يسأل القارئ: ع ل م أسوان عن صحة هذا الحديث: "دخل رسول الله # المسجد فمرَّ بمجلسين، أحدهما يقرءون القرآن ويدعون الله والآخر: يتعلمون ويعلِّمون، فقال النبي #: "كلٌّ على خير، هؤلاء يقرءون القرآن ويدعون الله، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون ويعلِّمون، وإنما بعثت مُعلِّمًا" فجلس معهم.
والجواب بحول الملك الوهاب: أنه حديث ضعيف، أخرجه ابنُ ماجة (229) قال: حدثنا بشر بن هلال الصوَّافُ، ثنا داود بن الزبرقان، عن بكر بن خنيس، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو فذكره. وسنده ضعيفٌ جدًا. وداود بن الزبرقان متروك. وبكر بن خنيس ضعيف ولكن تابعه أبو يوسف القاضي فرواه عن عبد الرحمن بن زياد بهذا الإسناد. أخرجه الخطيبُ في "الفقيه والمتفقه" (34).(2/31)
قُلْتُ: هكذا رواه بكر بن خنيس وأبو يوسف القاضي عن عبد الرحمن بن زياد. وخالفهما جماعةٌ من الثقات، فرووه عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو فذكره. أخرجه الدارميُّ (361)، والطبرانيُّ في "معجمه" ومن طريقه الشجري في "الأمالي" (43/1) عن عبد الله بن يزيد المقرئ. والطيالسيُّ في "مسنده" (2251)، والخطيبُ في "الفقيه والمتفقه" (31،32،33) عن ابن المبارك، وهو في "الزهد" (1388). وابنُ عبد البر في "جامع العلم" (242) عن ابن وهب. والطبرانيُّ ومن طريقه الشجري (43/1) عن زهير بن معاوية قال أربعتهم: ثنا عبد الرحمن بن زياد بهذا. وذكر الخطيب في "الفقيه" (90/1) أن جعفر بن عون رواه أيضًا عن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي. فهؤلاء خمسة من الثقات خالفوا بكر بن خنيس وأبا يوسف القاضي وروايتهم أولى. ولكن الإسناد ضعيف على أيِّ حال لضعف الإفريقي وعبد الرحمن بن رافع. وضعفه العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (11/1). والله أعلم.
=> ويسأل القارئ: أحمد محمد محمود دوران شبرا القاهرة عن درجة هذا الحديث: "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".
والجواب بحول الملك الوهاب أنه حديثٌ صحيحٌ.(2/32)
أخرجه مسلم في "البر والصلة" (159/2638) عن عبد العزيز بن محمد الدراورديّ والبخاريُّ في "الأدب المفرد" (901) عن سليمان بن بلال. وأحمد (295/2،527) وابنُ حبان (6168) عن حماد بن سلمة. وأبو الشيخ في "الأمثال" (102)، وابنُ جميع في "المعجم" (ص347)، والخطيبُ (329/3) عن شعبة وابنُ نجيد في "أحاديثه" (ق1/5)، وابنُ المقرئ في "معجمه" (663) عن روح بن القاسم. وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (94/2) عن محمد ابن جعفر وسليمان بن بلال كلهم عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا وتابعهم موسى بن يعقوب الزمعي فرواه عن سهيل بن أبي صالح بهذا الإسناد بلفظ: "الأرواح جنودٌ مجندةٌ تطوف بالليل... الحديث".
أخرجه أبو الشيخ في "الأمثال" (109)، والخطيبُ (352/4). وهو حديث منكر بزيادة: "تطوف بالليل". والزمعي ضعيفٌ.
وأخرجه مسلم (160/2638)، وأبو داود (4834)، وأحمد (539/2)، والحميدي (1046) من طريق يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مع زيادةٍ في متنه. وأخرجه ابنُ حبان في "المجروحين" (97/2) بسندٍ واهٍ عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا.
وفي الباب عن عائشة مرفوعًا مثله. أخرجه البخاريّ في "الأنبياء" (369/6) معلقًا ووصله في "الأدب المفرد" (900)، وابنُ الأعرابي في "المعجم" (229) والبيهقي في "الشعب" (9039) عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن يحىى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة مرفوعًا.
وأخرجه أبو يعلي (4381) وعنه أبو الشيخ في "الأمثال" (100)، وابنُ عدي في "الكامل" (2671/7) قال: حدثنا يحىى بن معين حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، ثنا يحىى بن أيوب، عن يحىى بن سعيد الأنصاري بهذا الإسناد وأخرجه البيهقيُّ في "الشعب" (9037) عن إبراهيم بن الحسين، قال: نا سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.(2/33)
وله طريق آخر عن عائشة. أخرجه ابنُ عدي في "الكامل" (2299/6) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عيسى أبو الطيب، ثنا ابن أخي ابن وهب، ثنا عمي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا مثله.
وشيخ ابن عدي كان يضع الحديث. وقد سرق هذا الحديث وألزقه على ابن أخي ابن وهب. قال ابنُ عدي: وهذا حديث عبد الله بن هلال الأزدي المصري عن ابن وهب". ثم رواه من وجهين عنه، عن ابن وهب.
وقد رواه أيضًا ابنُ المقرئ في "المعجم" (412) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن هلال أبو جعفر المقرئ بمصر، حدثني أبي، حدثنا ابن وهبٍ بسنده سواء.
قال ابن المقرئ: "هذا حديث محمد بن هلال وهو أحد ثقات المصريين".
وفي الباب عن جماعةٍ من الصحابة كابن مسعود، وابن عمر، وسلمان الفارسي وابن عباس تجدها عند أبي الشيخ في "الأمثال" (101،102،103،104،105،106،107،108) وابن عدي (447/2) و(2188/6) وأبو نعيم في "الحلية" (203/7) والطبراني في "الكبير" (6169)، وفي "الأوسط" (1577)، والبيهقيُّ في "الشعب" (9038) وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (416/5 و 100/13 و 437/21 و177/50 و374/53).
=> ويسأل الأخ: سمير بن عبد العزيز رئيس فرع أنصار السنة طنبشا منوفيه عن حديثٍ رواه أحمد عن طارق بن عبد الله المحاربي مرفوعًا: "إذا صليت فلا تبصق عن يمينك، ولا بين يديك، وابصق خلفك، وعن شمالك، إن كان فارغًا، وإلا فهكذا وذلك تحت قدميه". ولم يقل وكيع ولا عبد الرزاق: "وابصق خلفك" وسؤالي: ما تفسير قول أحمد: "ولم يقل وكيع... إلخ" وما فقهُ هذه الزيادة.(2/34)
والجواب بحول الملك الوهاب: اعلم أيها المسترشد أن يحيى بن سعيد القطان روى هذا الحديث عن سفيان الثوري. عن منصور، عن ربعي بن حراشٍ، عن طارق بن عبد الله المحاربي باللفظ السابق وفيه زيادة: "وابصق خلفك". أخرجه أحمد (396/6)، والنسائيُّ في "الكبرى" (805)، وفي "المجتبى" (52/2) قال: حدثنا عبد الله بن سعيد. والترمذيُّ (571) قال: حدثنا محمد بن بشارٍ. وابنُ خزيمة (876) قال: حدثنا بندار وأبو موسى هو محمد بن المثنى والحاكمُ (256/1) وابنُ قانعٍ في "معجم الصحابة" (44/2) عن مسدَّد بن مسرهد قال خمستهم: ثنا يحىى بن سعيد القطان بهذا الإسناد. ولم تقع هذه الزيادة في رواية "مسدَّد" عند الحاكم. أمَّا ابنُ قانع فإنه أحال على سياق حديث شعبة. ولم يذكر الترمذيّ قوله: "ولا بين يديك". وقد تفرّد يحىى القطان بهذه الزيادة عن سفيان وقد رواه أصحاب الثوري فلم يذكروها، كما نبه على ذلك الإمام أحمد عقب الحديث، فقال: إن وكيعًا وعبد الرزاق لم يروياها.
أمّا رواية وكيع فأخرجها ابنُ ماجة (1021) وقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وهذا في "المصنف" (364/2). وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1322) قال: حدثنا محمد بن فضيل أبو جعفر البزاز ثقة قال: ثنا وكيع بن الجراح، ثنا يحىى القطان بهذا الإسناد دون الزيادة. وكذلك رواه عبد الرزاق: في "المصنف" (1688)، ومن طريقه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج/8 رقم 8165) عن سفيان الثوري، دون الزيادة.
وأخرجه الحاكمُ (256/1) عن عبيد الله الأشجعيّ. والبيهقيُّ (292/2) عن الحسين ابن حفص كلاهما عن سفيان الثوري بهذا الإسناد دون الزيادة.
فهؤلاء أربعةٌ من أصحاب سفيان الثوري، وعلى رأسهم وكيع بن الجراح يروون الحديث دون الزيادة. وقد رواه أصحاب منصور بن المعتمر فلم يذكروها.(2/35)
فأخرجه أبو داود (278) والطبرانيُّ (8168)، والطيالسيُّ (1275)، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1555/3)، وابنُ قانع في "معجمه" (44/2) والطبرانيُّ في "الكبير" (8166) عن شعبة بن الحجاج. وأحمد أيضًا (396/6) قال: حدثنا عبيدة بن حميدٍ. وأخرجه ابنُ خزيمة (877) عن جرير بن عبد الحميد. والطيالسيُّ (1275)، وأبو نعيم (1555/3)، وابن قانع (44/2) عن ورقاء. وأخرجه الطيالسيُّ أيضًا (1275)، وأبو نعيم (1555/3) والطبرانيُّ (8168) عن قيس بن الربيع. وأخرجه الطبرانيّ في "الأوسط" (3307)، وفي "الكبير" (8170) عن غيلان بن جرير. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (8168، 8169،8171، 8172) عن زائدة بن قدامة والأعمش ومفضل بن مهلهل وجعفر بن الحارث. وأخرج أيضًا في "المعجم الصغير" (222) عن مالك بن مغول كلّهم وهم اثنا عشر راويًا عن منصور بن المعتمر بهذا الإسناد دون الزيادة.
وقد ذكر أبو نعيم أن عبد الملك بن عمير رواه عن ربعي بن حراش عن طارق بن عبد الله المحاربي.
فقد يقال: إن يحىى القطان رئيس أصحاب الثوري، وهو من الثقات الأثبات فلا مانع من قبول زيادته، ولكن يلوح لي شذوذ هذه الزيادة للأدلة التي ذكرتُها مع اعترافنا بمكان يحيى القطان من الحفظ وخصوصًا في سفيان الثوري.
والعلمُ عند الله تعالى.
1-1-2003:
العدد11:…
اسئلة القراء عن الأحاديث
يجب عنها أبو إسحاق الحويني
يسأل القارئ: محمد محمود فكري- دمياط- فارسكور عن صحة هذا الحديث: "أسوأ الناس سرقة، الذي يسرقُ من صلاته". قالوا: كيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها".
فالجواب بحول الملك الوهاب: أنه قد ورد من حديث أبي قتادة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن المغفل رضي الله عنهم جميعًا.(2/36)
أمَّا حديث أبي قتادة: فأخرجه الدارمي (1-247)، وأحمد (5-310)، وابن خزيمة (1-331، 332)، ومن طريقه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (15-53)، وابنُ أبي حاتم في "العلل" (487)، والحاكمُ (1-229)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج3- رقم 3283)، وفي "الأوسط" (8179)، والدارقطني في "العلل" (8-15)، والبيهقي (2-385- 386)، وأبو نعيم في "المعرفة" (2-751) من طريق الحكم بن موسى ثنا الوليد بن مسلمٍ، عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه فذكره. وهذا إسنادٌ ظاهرُهُ الجودة وليس كذلك، فإنه مُعلٌّ بعنعنة الوليد بن مسلم، فقد كان يدلس أقبح أنواع التدليس، وهو تدليس التسوية، والذي يلزمُ المدلس أن يصرح بالتحديث في كل طبقات السند، وقد صرَّح أبو حاتم وعلي بن المديني بتفرَّد الحكم بن موسى به، وليس كما قالا. فقد تابعه أبو جعفر السويدي محمد بن النوشجان، أخرجه أحمد (5-310)، ومن طريقه ابنُ أبي حاتم في "العلل" (487)، وتابعه أيضًا سليمان بن أحمد الواسطي كما قال الطبراني في "الأوسط"، وقد خولف الوليد بن مسلم في إسناده، خالفه عبد الحميد بن أبي العشرين، فرواه عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فذكر مثله.
أخرجه ابنُ أبي حاتم في "العلل" (487)، وابنُ حبان (1888) قال: أخبرنا القطَّان بالرّقة، والحاكم (1-229)، وعنه البيهقي (3-386) عن عبيد بن عبد الواحد. وابنُ عبد البر في "التمهيد" (23-410) عن إسحاق بن أبي حسَّان الأنماطي. وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (15-54) عن محمد بن محمد بن سليمان قالوا: ثنا هشام بن عمار، نا عبد الحميد بن أبي العشرين بهذا.(2/37)
وابن أبي العشرين كاتب الأوزاعيّ، وهو من المعدودين في أصحاب الأوزاعي كما قال أبو زرعة الرازي، ولينه النسائي وغيره، ولكن الشأن في هشام بن عمار فإنه ضعيفٌ. فكلا الطريقين معلولٌ وليس كما قال الحاكمُ: إن الإسنادين صحيحان جميعًا. وقد قال أبو حاتم الرازي: إن الطريقين جميعًا منكران ليس لواحدٍ منهما معنًى. قال له ابنه: لِمَ؟ قال: لأن حديث ابن أبي العشرين لم يروه أحدٌ سواه، وكان الوليد صنَّف كتاب الصلاة وليس فيه هذا الحديث.
أمَّا حديث أبي سعيد الخدري: فأخرجه الطيالسيُّ في "مسنده" (2219)، ومن طريقه ابنُ عبد البر في "التمهيد" (23-409)، وأحمد (3-56)، وابنُ أبي شيبة (1-288)، وأبو يعلى (1311) عن عفان بن مسلم. وعبد بن حميد في "المنتخب" (990) قال: حدثنا الحسن بن موسى، والبزار (536) عن يزيد بن هارون. وابنُ عدي في "الكامل" (5-1843) عن إبراهيم بن الحجاج. وأبو نعيم في "الحلية" (8-302) عن بشر بن السري قالوا: ثنا حماد بن سلمة، أخبرنا علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري فذكر مثله. قال البزار: "لا نعلمه عن أبي سعيد إلاَّ من هذا الوجه". وقال أبو نعيم: "تفرَّد به علي بن زيد- وهو ابن جدعان- عن سعيد. وعنه حمادٌ".
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، وسائر النقاد يضعفون علي بن زيد بن جدعان. والقليل منهم يمشي حاله، ولم يرو له مسلمٌ إلاَّ حديثًا واحدًا في "الجهاد" (1789-100) مقرونًا بثابت البناني، ولا يحتمل تفرَّد علي بن زيد بهذا الحديث عن مثل سعيد بن المسيب. وعلى كل حالٍ فرواية حماد بن سلمة عن علي بن زيد أمثل من غيرها.
أما حديث أبي هريرة: فقد تقدَّم طريق له في حديث "أبي قتادة"، وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2347) من طريق إسحاق بن راهويه أنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة، ثنا عطاء الخراساني، عن أبي هريرة مثله.(2/38)
وهذا إسنادٌ واهٍ. وكلثوم ضعيفٌ. قال أبو حاتم: "يتكلمون فيه"، وترجمه ابنُ عدي في "الكامل" (6-209)، وقال: "يحدِّث عن عطاء الخراساني بمراسيل وغيره بما لا يتابع عليه". وعطاء الخراساني لم يسمع من أبي هريرة، وسئل ابن معينٍ- كما في "مراسيل ابن أبي حاتم" (ص157)-: "لقى عطاء الخراساني أحدًا من أصحاب النبي #؟ قال: لا أعلمُهُ".
وأمَّا حديث عبد الله بن المغفل: فأخرجه الطبراني في "الأوسط" (2392)، وفي "الصغير" (335) قال: حدثنا جعفر بن معدان الأهوازي، ثنا زيد بن الحريش، ثنا عثمان بن الهيثم، ثنا عوف، عن الحسن عن عبد الله بن المغفل مرفوعًا: "إن أسرق الناس من سرق صلاته..." الحديث، وفيه "وأبخلُ الناس من بخل بالسلام". قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبد الله إلاَّ الحسنُ، ولا عن الحسن إلاَّ عوف، ولا عن عوف إلاَّ عثمان، تفرّد به زيدٌ". وإسنادُهُ ضعيفٌ، وشيخ الطبراني لم أجد له ترجمة، وزيد بن الحريش ذكره ابنُ حبان في "الثقات" (8-251)، وقال: "ربما أخطأ"، وقال ابنُ القطان: "مجهول الحال". وقد علمت أنه تفرَّد بالحديث.
ثم الحسن البصري لم يصرح بتحديثٍ. والله أعلمُ. وجوّد إسناده المنذري وليس بجيد، والحاصل: أن الحديث ضعيف، وهذه الشواهد لا يقوي بعضها بعضًا. والله أعلمُ.
ويسأل القارئ: إبراهيم علي محمد- منشأة البكاري- الهرم- عن درجة هذا الحديث:
"مثلُ المؤمن كمثل خامة الزرع، تميلها الريح، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز، لا تهتز حتى تستحصد".
والجواب بحول الملك الوهاب: حديثٌ صحيح.(2/39)
أخرجه البخاريُّ (10-103 و13-446)، ومسلمٌ (2809-58)، والترمذي (2866)، وأحمد (2-234، 283- 284، 523)، وابنُ حبان (ج7- رقم 2915)، وعبد الرزاق (ج11- رقم 20307)، وابن أبي شيبة (11-20، 21، 13-252)، وفي "الإيمان" (86)، والبيهقيُّ في "الشعب" (ج7-رقم 9778)، والبغوي في "شرح السنة" (5-247) من طرقٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وله شاهدٌ من حديث كعب بن مالك مرفوعًا: "المؤمن كمثل خامة الزرع، تفيئها الريح، تصرعها مرَّة وتعدلها أخرى حتى تهيج، ومثل الكافر كمثل الأرزة المجدبة على أصولها، لا يفيئُها شيء حتى يكون انجعافها مرّة واحدةً".
أخرجه البخاري (10-103)، ومسلمٌ (2810-59- 62)، وأحمد (3-454، 6-386)، والدارميُّ (2-310)، وابنُ أبي شيبة (11-21 و13-252)، وفي "الإيمان" (87)، والروياني في "مسنده" (ج32-ق 245-1)، والطبرانيّ في "الكبير" (ج19- رقم 183، 184، 185)، والرامهرمزي في "الأمثال" (37)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (315) وغيرهم.
وأخرجه أحمد (3-349، 387، 394)، والبزار (46، 47)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (340) من طرق عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما نحوه.
وأخرجه البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (3-2-4)، وأبو يعلى (3080، 3286)، والبزار (48)، وابنُ عدي في "الكامل" (3-1071 و6-2432)، وأبو الشيخ (341)، والرامهرمزي (38) كلاهما في "الأمثال" من حديث أنسٍ رضي الله عنه بنحوه. والله أعلم.
كما يسأل عن حديث: "أبخل الناس من بخل بالسلام"؟
الجواب: حديثٌ ضعيف مرفوعًا، والصوابُ فيه الوقف.(2/40)
أخرجه ابن نجيد في "أحاديثه" (ق 4-1)، والبيهقيُّ في "الشعب" (6-429-8767) عن أحمد بن داود السمناني. والطبرانيُّ في "الأوسط" (5591)، وفي "الدعاء" (60)، وعبد الغني المقدسي في "الدعاء" (20) عن محمد بن عبد الله الحضرمي، وأبو الشيخ في "الأمثال" (247) قال: حدثنا عبدان قال ثلاثتهم: ثنا مسروق بن المرزبان، ثنا حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة مرفوعًا: "أعجزُ الناس من عجز في الدعاء، وأبخلُ الناس من بخل بالسلام". قال الطبرانيّ: "لم يرو هذا الحديث عن عاصم إلاّ حفصٌ، تفرّد به مسروق، ولا يروى عن رسول الله # إلا بهذا الإسناد". وهذا إسنادٌ ضعيفٌ. ومسروق بن المرزبان قال أبو حاتم: "ليس بقويّ، يكتب حديثه" يعني في المتابعات، وقد علمت أنه تفرّد به فلا ينفعه توثيق ابن حبان، ولا قول الذهبي: "صدوق".
وقد صرّح الذهبيّ في "الميزان" أن تفرّد الصدوق يُعدُّ منكرًا.
فقول المنذري في "الترغيب" (3-430): "إسنادٌ جيدٌ قويّ" ليس بجيد ولا قويّ. ومما يدلُّ على ذلك أن البخاريَّ رواه في "الأدب المفرد" (1042) عن علي بن مسهر. وأبو يعلى (6649 مكرر )، وعنه ابنُ حبان (1939- موارد ) عن إسماعيل بن زكريا كلاهما عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة قال: فذكره موقوفًا. وهذا أولى بالصواب.
قال الحافظ في "الفتح" (9-565): "هذا موقوف صحيحٌ عن أبي هريرة".
تنبيه: قال الشيخ فضل الله الجيلاني في "فضل الله الصمد" (2-488): "أبو عثمان الراوي عن أبي هريرة اثنان: الأول مسلم الطنبذي، والآخر: عبد الرحمن بن مل النهْدي، والأقرب منهما هو الطنبذي".
كذا قال! وليس بغريبٍ منه، والصواب أنه النهدي بلا تردد.
والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ.
انتهى
…الدعاء لأخيكم ولمن عاونه بظهر الغيب فى سجودكم(2/41)