العلل الصَّغير
للإمام أبي عيسى الترمذي (279 هـ)
عن نسخة أبي الفتح الكَرُوخي (548 هـ)
توثيق
د. عادل بن عبد الشكور الزرقي
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
تقديم
فضيلة المحدِّث
عبد الله بن عبد الرحمن السَّعد
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد
فإنَّ كتاب العلل الصغير ، من أهمِّ كتب أبي عيسى التِّرمذي رحمه الله ، ومن أهمِّ كتب العلل المفردة في ذلك على صغر حجمه .
ولما كان هذا الكتاب قد جعله مؤلفه آخر جامعه ، وكان موضوعه مختلفاً عنه ، ولم يعتن أحدٌ به - بعد ابن رجب رحمه الله - فيما أعلم . رأيت أنَّ إفراده بالإخراج والتحقيق أمر مفيد للمهتمين بهذا العلم خصوصاً .
وكان عملي هنا إخراج النص سليماً ، كما ينبغي لشأن مثل هذا الكتاب ، مع توثيق ما أسنده المؤلف من نصوص من مصادر أخرى متقدمة مثله ، لأصل الأثر لا نصه ، دون توسع في ذلك ، مع بعض التعليق مما يفيد النصَّ من كلام ابن رجب في شرحه لهذا الكتاب ، وتعقباته عليه .
فاعتمدت على نسخة خطية نفيسة موثقة لكل الجامع ، يرويها أبو الفتح الكروخي المتوفى سنة 548 هـ . كتبت قبل وفاته بسنة واحدة - بسماعه وتعليقه عليها - ، يرويها عن شيوخه الثقات الثلاثة ، وهم :- القاضي أبو عامر محمد بن القاسم الأزدي المهلبي الهروي (487هـ) ، والشيخ أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي الهروي التاجر (481هـ) ، والشيخ أبو المظفر عبيد الله بن علي بن ياسين بن محمد الدهان - كلهم - عن أبي محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي المروزي (412هـ) ، عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي المروزي (346هـ) ، عن الإمام الترمذي – رحمهم الله - .(1/1)
وقابلت النص مرة أخرى على الأصل ، ثم على نسخة أخرى كاملة ، مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم (148) ، فرغ من كتابتها في الثالث من شهر رجب عام ستة وعشرين وسبعمائة ، إلا أنَّ أول كتاب العلل فيها غير واضح تصويره بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض ، فلم أعتمد عليها تماماً ، وجعلتها للاستئناس في مواضع فحسب ، ورمزها (م) .
كما قابلت النص على مطبوعتي شرح ابن رجب - رحمه الله - بتحقيق نور الدين عتر ، والأخرى بتحقيق همام عبد الرحيم ، وعلى تحفة الأحوذي ، وبعض المطبوعات الأخرى كنسخة بشار عواد ، مع التصويب والتصحيح ، وجعلت الزيادات المهمة - وهي قليلة - التي لا توجد في المخطوط بين قوسين مربعين ، وأهملت الفروق لكثرتها وعدم أهميتها إلا عند الحاجة .
وجعلت الكتاب في فصلين ، الأول يشمل تعريفاً بالمؤلف وصاحب النسخة ووصف النسخة ، كلُّ ذلك باختصار . وفي الفصل الثاني نصُّ الكتاب .
وأسأل الله - تبارك وتعالى - أن ينفع بهذا الكتاب ، إنه على كل شيء قدير .
وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
... ... ... ... ... ... كتبه
د. عادل بن عبد الشكور الزرقي
أستاذ الحديث المساعد
بكلية المعلمين بالرياض
كتاب العلل
أخبرنا القاضي أبو عامر الأزدي (1) والشيخ أبو بكر الغورجي (2) والشيخ أبو المظفر عبيد الله بن علي بن ياسين بن محمد الدَّهان - رحمهم الله - قالوا :-
__________
(1) هو محمود بن القاسم .
(2) هو أحمد بن عبد الصمد .(1/2)
أخبرنا أبو محمد الجراحي (1) قال : حدثنا أبو العباس المحبوبي (2) قال :
أخبرنا أبو عيسى الترمذي رحمه الله ، قال :
جميع ما في هذا الكتاب (3) من الحديث معمول به ، وقد أخذ به بعض أهل العلم ، ما خلا حديثين :-
1. حديث ابن عباس أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر (4) .
2. وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « إذا شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه » (5) .
? وقد بيَّنا علة الحديثين جميعاً في الكتاب (6) .
? وما ذكرنا في هذا الكتاب من اختيار الفقهاء .
__________
(1) هو أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله الجراحي ، ولد سنة 321 ، وتوفي سنة 412 ، قال عنه السمعاني والذهبي : ثقة صالح - الأنساب (2/37) والسير (17/258) .
(2) قال عنه الذهبي : « الإمام المحدث مفيد مرو ، أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي ، راوي جامع أبي عيسى عنه ، كانت الرحلة إليه في سماع الجامع ، وكان شيخ البلد ، ثروة وإفضالاً ، وسماعه مضبوط ، بخط خاله أبي بكر الأحول ، وكانت رحلته إلى ترمذ ، للقي أبي عيسى ، في خمس وستين ومئتين ، وهو ابن ست عشرة سنة ، قال الحاكم : سماعه صحيح . قلت : توفي في شهر رمضان ، سنة ست وأربعين وثلاث مئة » - السير (15/537) .
(3) يعني به جامعه « السنن » .
(4) في الشرح : من غير خوف ولا سقم ، وزاد في بعض النسخ : ولا مطر . وهو في الجامع للمؤلف (187) بذكر الخوف والمطر فحسب ، والحديث أخرجه مسلم (705) عن ابن عباس - رضي الله عنه - .
(5) أخرجه أحمد (4/96) والترمذي (1444) من حديث معاوية - رضي الله عنه - ، وله شواهد كثيرة .
(6) قال ابن رجب في شرحه : « بين ما قد يسدل به للنسخ ، لا أنه بين ضعف إسنادهما » ، ثم نبه على حديث ثالث مما لم يؤخذ .(1/3)
? فما كان فيه من قول سفيان الثوري ، فأكثره ما حدثنا به محمد بن عثمان الكوفي حدثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان .
? ومنه ما حدثني به أبو الفضل مكتوم بن العباس الترمذي حدثنا محمد بن يوسف الفِريابي عن سفيان .
? وما كان من قول مالك بن أنس ، فأكثره ما حدثنا به إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا مَعن بن عيسى القزَّاز عن مالك بن أنس .
? وما كان فيه من أبواب الصوم ، فأخبرنا به أبو مصعب المدني عن مالك بن أنس .
? وبعض كلام مالك ، ما أخبرنا به موسى بن حزام قال : أخبرنا عبد الله بن مسلمة القَعنبي عن مالك بن أنس .
? وما كان فيه من قول ابن المبارك ، فهو ما حدثنا به أحمد بن عَبدة الآمُلي عن أصحاب ابن المبارك عنه .
? ومنه ما رُوي عن أبي وهب محمد بن مزاحم عن ابن المبارك .
? ومنه ما رُوي عن علي بن الحسن عن عبد الله بن المبارك.
? ومنه ما رُوي عن عبدان عن سفيان بن عبد الملك عن ابن المبارك .
? ومنه ما رُوي عن حبان بن موسى عن ابن المبارك .
? ومنه ما رُوي عن وهب بن زَمعة عن فَضالة النَّسوي عن عبد الله بن المبارك .
? وله رجال مُسمون سوى من ذكرنا عن ابن المبارك .
? وما كان فيه من قول الشافعي ، فأكثره ما أخبرنا به الحسن بن محمد الزَّعفراني عن الشافعي .
? وما كان من الوضوء والصلاة ، فحدثنا به أبو الوليد المكي عن الشافعي .
? ومنه ماحدثنا به أبو إسماعيل [الترمذي] حدثنا يوسف بن يحيى القرشي البُوَيطي عن الشافعي وذَكَرَ منه أشياء عن الربيع عن الشافعي .
? وقد أجاز لنا الربيع ذلك ، وكتب به إلينا .
? وما كان فيه من قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم ، فهو ما أخبرنا به إسحاق بن منصور عن أحمد وإسحاق ، إلا ما في أبواب الحج والديات والحدود ، فإني لم أسمعه من إسحاق بن منصور ، وأخبرني به محمد بن موسى الأصمّ عن إسحاق بن منصور عن أحمد وإسحاق .
? وبعض كلام إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا به محمد بن أفلح عن إسحاق .(1/4)
? وقد بينا هذا على وجهه في الكتاب الذي فيه "الموقوف" (1) .
? وما كان فيه من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ ، فهو ما استخرجته من كتاب التاريخ (2) ، وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد بن إسماعيل .
? ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن وأبا زرعة ، وأكثر ذلك عن محمد ، وأقلُّ شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة .
? [ولم أرَ أحداً بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبيرَ أحد أعلم من محمد بن إسماعيل ، رحمه الله] (3) .
? وإنما حملنا على ما بينا في هذا الكتاب (4) من قول الفقهاء وعلل الحديث ، لأنا سئلنا عن هذا فلم نفعله زمانا ، ثم فعلناه لما رجونا فيه من منفعة الناس ، لأنا وجدنا غير واحد من الأئمة تكلَّفوا من التصنيف ما لم يُسبقوا إليه .
? منهم هشام بن حسان وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وسعيد بن أبي عروبة ومالك بن أنس وحماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أهل العلم والفضل ، صنَّفوا فجعل الله - تبارك وتعالى - في ذلك منفعة كثيرة ، ولهم بذلك الثواب الجزيل عند الله ، لما نفع الله المسلمين به ، فبهم القدوة فيما صنَّفوا .
? وقد عاب بعض من لا يفهم على أهل الحديث الكلامَ في الرجال .
? وقد وجدنا غير واحد من الأئمة من التابعين قد تكلَّموا في الرجال .
? منهم الحسن البصري وطاووس (5) تكلَّما في معبد الجهني .
__________
(1) قال ابن رجب في شرحه : « كأنه - رحمه الله - له كتاب مصنف أكبر من هذا ، فيه الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة مذكورة كلها بالأسانيد » .
(2) هو التاريخ الكبير للإمام محمد بن إسماعيل البخاري .
(3) لم ترد بالأصل ! وأثبتت في (م) والشرح وغيرهما .
(4) يعني به جامعه « السنن » .
(5) أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/218) عنهما .(1/5)
? وتكلَّم سعيد بن جبير في طلق بن حبيب (1) .
? وتكلَّم إبراهيم النخعي (2) وعامر الشعبي في الحارث الأعور .
? وهكذا روي عن أيوب السَّختياني وعبد الله بن عون وسليمان التيمي وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ويحيى بن سعيد القطان ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أهل العلم ، تكلَّموا في الرجال وضعَّفوا .
? وإنما حملهم على ذلك عندنا - والله أعلم - النصيحةُ للمسلمين ، لا يظن بهم أنهم أرادوا الطعن على الناس أو الغيبة ، إنما أرادوا عندنا أن يبينوا ضعف هؤلاء ، لكي يعرفوا ، لأن بعض الذين ضعفوا كان صاحب بدعة ، وكان بعضهم متهماً في الحديث ، وبعضهم كانوا أصحاب غفلة وكثرة خطأ ، فأرادوا هؤلاء الأئمة أن يبينوا أحوالهم ، شفقة على الدين وتثبتاً ، لأن الشهادة في الدين أحقُّ أن يتثبت فيها من الشهادة في الحقوق والأموال .
? وأخبرني محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان حدثني أبي قال : سألت سفيان الثوري وشعبة ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة عن الرجل تكون فيه تهمة أو ضعف ، أسكت أو أُبيِّن قالوا : « بيِّن » (3) .
? حدثنا محمد بن رافع النيسابوري حدثنا يحيى بن آدم (4) قال : « قيل لأبي بكر بن عياش : إنَّ أناساً يجلسون ويجلس إليهم الناس ولا يستاهلون ! قال : فقال أبو بكر بن عياش : كلُّ من جلس ، جلس إليه الناس ، وصاحب السنة إذا مات أحيا الله ذكره ، والمبتدع لا يذكره » .
__________
(1) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/359) والأوسط (820) .
(2) أخرجه مسلم في المقدمة (1/19) قال : « إن الحارث اتهم » ، وكلام الشعبي يأتي بعد .
(3) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (1/17) ، وقال ابن رجب في شرحه : « هذا الأثر خرجه البخاري في أول كتابه الضعفاء » .
(4) في الشرح : محمد بن يحيى ، وهو خطأ غريب .(1/6)
? حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق أخبرنا النضر بن عبد الله الأصم أخبرنا إسماعيل بن زكريا عن عاصم عن ابن سيرين قال : « كان في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة (1) سألوا عن الإسناد ، لكي يأخذوا حديث أهل السنة ، ويدعوا حديث أهل البدع » (2) .
? حدثنا محمد بن علي بن الحسن قال : سمعت عبدان يقول : قال عبد الله بن المبارك : « الإسناد عندي من الدين ، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، فإذا قيل له : من حدثك بقي » (3) .
? حدثنا محمد بن علي أخبرنا حبان بن موسى قال : ذُكر لعبد الله بن المبارك حديثٌ ، فقال : « يحتاج لهذا أركان من آجر » .
? يعني أنه ضعَّف إسناده .
? حدثنا أحمد بن عَبدة حدثنا وهب بن زَمعة عن عبد الله بن المبارك ، أنه ترك حديث الحسن بن عُمارة والحسن بن دينار وإبراهيم بن محمد الأسلمي ومُقاتل بن سليمان وعثمان البَرِّي ورَوح بن مُسافر وأبي شيبة الواسطي وعمرو بن ثابت وأيوب بن خوط وأيوب بن سويد ونصر بن طَريف أبي جُزَي والحكم وحُبَيِّب (4) .
? والحكم (5) روى له حديثاً في كتاب الرقاق ثم تركه (6) . وحُبيِّب لا أدري (7) .
__________
(1) هي مقتل عثمان - رضي الله عنه - ، واختلاف بعض الصحابة - رضي الله عنهم - .
(2) أخرجه مسلم في المقدمة (1/15) .
(3) أخرجه مسلم في المقدمة (1/15) .
(4) هو ابن حُجر القيسي ، قال ابن رجب في شرحه : « وهؤلاء الذين سماهم الترمذي في روايته مشهورون بالضعف » .
(5) قال ابن رجب في شرحه : « الظاهر أنه الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي » .
(6) قال البخاري : « كان ابن المبارك يوهنه » - الكبير (2/344) .
(7) روى عنه قولاً له في الزهد (1336) .(1/7)
? قال أحمد بن عَبدة : وسمعت عبدان قال : « كان عبد الله بن المبارك قرأ أحاديث بكر بن خُنيس ، وكان آخراً إذا أتى عليها أعرض عنها (1) ، وكان لا يذكره » .
? قال أحمد : وحدثنا أبو وهب قال : سمَّوا لعبد الله بن المبارك رجلاً (2) يتهم في الحديث ، فقال : « لأن أقطع الطريق أحبُّ إليَّ [من] أن أحدِّثَ عنه » .
? وأخبرني موسى بن حزام قال : سمعت يزيد بن هارون يقول : « لا يحل لأحد أن يروي عن سليمان بن عمرو النخعي الكوفي » (3) .
? [حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو يحيى الحماني سمعت أبا حنيفة يقول : « ما رأيت أحدا أكذب من جابر الجعفي ، ولا أفضل من عطاء بن أبي رباح » (4) .
? سمعت الجارود يقول سمعت وكيعاً يقول : « لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة بغير حديث ، ولولا حماد لكان أهل الكوفة بغير فقه »] (5) .
__________
(1) روى عنه حديثاً في كتابه الجهاد (178) ! فلعله تركه تأخر عن تأليفه .
(2) هو عبد القدوس بن حبيب كما أخرجه عنه العقيلي (3/96)والخطيب في تاريخ بغداد (8/435و11/126) .
(3) أخرجه ابن عدي في الكامل (4/220) .
(4) أخرجه الدوري عن ابن معين (1398) والعقيلي (1/196) وابن حبان في صحيحه (5/474) .
(5) ما بين قوسين لم يرد في الأصل ، وهو في (م) ، وذكر ابن رجب في شرحه أنه في بعض النسخ ، والنص الثاني أخرجه المؤلف في أول جامعه بعد حديث (206) ، وعقب ابن رجب - في شرحه - عن قول وكيع بأنه غلو غير مقبول ، قال : « وإسقاط هذا من الكتاب أولى » .(1/8)
? وسمعت أحمد بن الحسن يقول : « كنا عند أحمد بن حنبل فذكروا من تجب عليه الجمعة ، فذكر فيه عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ، فقلت : فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث . فقال : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ! قلت : نعم ، حدثنا حجاج بن نُصير حدثنا المُعارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الجمعة على من آواه الليل [إلى أهله] (1) ، قال فغضب أحمد بن حنبل ، وقال : "استغفرْ ربك" - مرتين » (2) .
? وإنما فعل هذا أحمد بن حنبل لأنه لم يصدِّق هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لضعف إسناده ، ولأنه لم يعرفه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
? والحجاج بن نُصير يضعف في الحديث ، وعبد الله بن سعيد المقبُري ضعَّفه يحيى بن سعيد القطانُ جداً في الحديث .
? فكلُّ من رُوِي عنه حديث ممن يُتهم أو يُضعف لغفلته أولكثرة خطئه ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه فلا يحتج به .
? وقد رَوَى غيرُ واحد من الأئمة عن الضعفاء وبيَّنوا أحوالهم للناس .
? حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن المنذر الباهلي حدثنا يعلى بن عبيد قال : قال لنا سفيان الثوري : « اتقوا الكلبي . قال : فقيل له : فإنك تروي عنه ! قال : أنا أعرف صدقه من كذبه » (3) .
__________
(1) زيادة من جامع الترمذي و(م) والشرح .
(2) أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (782) من طريق الكروخي ، وهو في جامع الترمذي (501) بالسند السابق وقال : إسناده ضعيف .
(3) أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/256) وابن عدي في الكامل (7/274) من طريق الترمذي به .(1/9)
? وأخبرني محمد بن إسماعيل (1) حدثني يحيى بن معين حدثنا عفان عن أبي عوانة قال : « لما مات الحسن البصري ، اشتهيت كلامه ، فتتبعته عن أصحاب الحسن ، فأتيت به أبان بن أبي عياش ، فقرأه عليَّ كله عن الحسن ، فما أستحل أن أروي عنه شيئاً » .
? وقد روى عن أبان بن أبي عياش غير واحد من الأئمة ، وإن كان فيه من الضعف والغفلة ما وصفه به أبو عوانة وغيره .
? فلا يُغتر برواية الثقات عن الناس ، لأنه يُروى عن ابن سيرين قال : « إن الرجل ليحدثني فما أتهمه ، ولكن أتهم من فوقه » (2) .
? وقد روى غير واحد عن إبراهيم النَخَعي عن عبد الله بن مسعود كان يقنت في وتره قبل الركوع (3) .
? وروى أبَان بن أبي عيَّاش عن إبراهيم النَخَعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في وتره قبل الركوع .
? هكذا روى سفيان الثوري (4) عن أبان بن أبي عياش .
? وروى بعضهم (5) عن أبَان بن أبي عيَّاش بهذا الإسناد نحو هذا ، وزاد فيه : قال عبد الله بن مسعود : وأخبرتني أمي أنها باتت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأت النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في وتره قبل الركوع .
? وأبَان بن أبي عيَّاش وإن كان قد وصف بالعبادة والإجتهاد فهذه حاله في الحديث .
? والقوم كانوا أصحاب حفظ .
? فرُبَّ رجل وإن كان صالحاً لا يقيم الشهادة ولا يحفظها .
? فكلُّ من كان متهماً في الحديث في الكذب أو كان مغفلاً يخطىء الكثير ، فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة أن لا يشتغل بالرواية عنه .
__________
(1) هو البخاري أخرجه في الكبير (1/454) والأوسط (1132) .
(2) أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/7) .
(3) أخرجه ابن أبي شيبة (1/96) والطحاوي في شرح المعاني (1/253) عن الأسود عن إبراهيم به .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة (1/97) .
(5) هو يزيد بن هارون كما في المصنف لابن أبي شيبة (2/97) والكبرى للبيهقي (3/41) .(1/10)
? ألا ترى أن عبد الله بن المبارك حدَّث عن قوم من أهل العلم فلما تبيَّن له أمرهم ترك الرواية عنهم .
? [أخبرني موسى بن حزام سمعت صالح بن عبد الله يقول : « كنا عند أبي مقاتل السمرقندي فجعل يروي عن عون بن أبي شدَّاد الأحاديث الطوال التي كانت تُروي في وصية لقمان ، وقتل سعيد بن جبير وما أشبه هذه الأحاديث ، فقال له ابنُ أخٍ لأبي مُقاتل : يا عم لا تقل "حدثنا عون" فإنك لم تسمع هذه الأشياء ! قال : يا بُنيَّ ! هو كلام حسن » .
? وسمعت الجارود يقول : كنا عند أبي معاوية ، فذُكر له حديث أبي مقاتل عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان قال : « سئل عليٌ عن كور (1) الزنبور ؟ قال : لا بأس به ، هو بمنزلة صيد البحر (2) . فقال أبو معاوية : ما أقول إن صاحبكم كذَّاب ، ولكن هذا الحديث كذب »] (3) .
? وقد تكلم بعض أهل الحديث في قوم من أجلة أهل العلم وضعفوهم من قِبَلِ حفظهم ، ووثقهم آخرون من الأئمة لجلالتهم وصدقهم ، وإن كانوا قد وَهِموا في بعض ما رووا .
? قد تكلَّم يحيى بن سعيد القطان في محمد بن عمرو ، ثم روى عنه .
? حدثنا أبو بكر عبد القدوس بن محمد العطار البصري حدثنا علي بن المديني قال : « سألت يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو بن علقمة ! قال : تريد العفو أو تشدد ؟ فقال : لا ، بل أشدد ، قال : ليس هو ممن تريد ، كان يقول : أشياخنا ! أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب » (4) .
? قال يحيى : وسألت مالك بن أنس عن محمد بن عمرو ، فقال فيه نحو ما قلت (5) .
? قال علي : قال يحيى : « ومحمد بن عمرو أعلى من سهيل بن أبي صالح ، وهو عندي فوق عبد الرحمن بن حرملة » .
__________
(1) هو بيته ، والزنبور : ذباب لساع – القاموس .
(2) أخرجه ابن عدي (2/293) .
(3) زيادة من (م) والشرح وغيرهما ، ولم ترد بالأصل .
(4) أخرجه العقيلي (4/109) وابن عدي (7/456) .
(5) إلى هنا أخرجه العقيلي (4/109) وابن عدي (7/456) أيضاً .(1/11)
? قال علي : فقلت ليحيى : « ما رأيت من عبد الرحمن بن حرملة ؟ قال : لو شئت أن ألقنه لفعلت ، قلت : كان يلقن ؟ قال : نعم » (1) .
? قال علي : « ولم يرو يحيى عن شريك (2) ولا عن أبي بكر بن عياش ولا عن الربيع بن صبيح ولا عن المبارك بن فضالة » .
قال أبو عيسى :
? وإن كان يحيى بن سعيد القطان قد ترك الرواية عن هؤلاء ، فلم يترك الرواية عنهم أنه اتهمهم بالكذب ، ولكنه تركهم لحال حفظهم .
? وذُكِرَ عن يحيى بن سعيد أنه كان إذا رأى الرجل يحدث عن حفظه ، مرة هكذا ومرة هكذا ، لا يثبت على رواية واحدة ، تركه .
? وقد حدَّث عن هؤلاء الذين تركهم يحيى بن سعيد القطان : عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن مهدي وغيرهم من الأئمة .
? وهكذا تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي صالح ومحمد بن إسحاق وحماد بن سلمة ومحمد بن عجلان ، وأشباه هؤلاء من الأئمة ، إنما تكلموا فيهم من قِبَلِ حفظهم في بعض ما رووا ، وقد حدَّث عنهم الأئمة .
? حدثنا الحسن بن علي الحلواني أخبرنا علي بن المديني قال : قال لنا سفيان بن عيينة : « كنا نعدُّ سهيل بن أبي صالح ثبتاً في الحديث » (3) .
? حدثنا ابن أبي عمر قال : قال سفيان بن عيينة : « كان محمد بن عجلان ثقة مأموناً في الحديث » (4) .
? وإنما تكلم يحيى بن سعيد القطان عندنا في رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري .
__________
(1) إلى هنا أخرجه ابن عدي (5/502) .
(2) وكذا نقل ابن معين عنه في شريك - أخرجه ابن عدي (5/11) .
(3) أخرجه ابن عدي في الكامل (4/522) من طريق الترمذي .
(4) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (8/49) بلفظ : « كان ابن عيينة يثني على محمد بن عجلان » .(1/12)
? حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال : قال يحيى بن سعيد : قال محمد بن عجلان : « أحاديث سعيد المقبري بعضها : سعيد عن أبي هريرة ، وبعضها : سعيد عن رجل عن أبي هريرة ، فاختلطت عليَّ ، فصيرتها عن سعيد عن أبي هريرة » (1) .
? فإنما تكلَّم يحيى بن سعيد عندنا في ابن عجلان لهذا .
? وقد روى يحيى عن ابن عجلان الكثير (2) .
? وهكذا من تكلَّم في ابن أبي ليلى (3) إنما تكلَّم فيه من قِبَل حفظه .
? قال علي : قال يحيى بن سعيد : « روى شعبة عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب (4) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العُطاس . قال يحيى : ثم لقيت ابن أبي ليلى فحدثنا عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي (5) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - » (6) .
قال أبو عيسى :
? ويُروى عن ابن أبي ليلى نحو هذا غير شيء ، كان يروى الشيء مرة هكذا ومرة هكذا ، يغير الإسناد .
? وإنما جاء هذا من قِبَلِ حفظه لأن أكثر من مضى من أهل العلم كانوا لا يكتبون ومن كتب منهم إنما كان يكتب لهم بعد السماع .
? وسمعت أحمد بن الحسن يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : « ابن أبي ليلى لا يحتج به » .
? وكذلك من تكلم من أهل العلم في مجالد بن سعيد وعبد الله بن لهيعة وغيرهما إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم وكثرة خطئهم وقد روى عنهم غير واحد من الأئمة .
__________
(1) أخرجه البخاري في الكبير (1/197) والأوسط (1174) .
(2) أخرج له عنه : السبعة إلا البخاري ، وفات المزي ذكر الترمذي في تهذيبه ، وذكره في التحفة (9/393) .
(3) هو محمد بن عبد الرحمن .
(4) أخرجه أحمد (5/419) والترمذي (2741) .
(5) أخرجه الترمذي (2741) وابن ماجة (3715) .
(6) أخرج هذا الأثر - بنحوه - العقيلي في الضعفاء (4/99) وابن أبي حاتم في الجرح (1/237) ، وانظر علل الدارقطني (3/276) .(1/13)
? فإذا تفرَّد أحد من هؤلاء بحديث ولم يتابع عليه لم يحتج به ، كما قال أحمد بن حنبل : « ابن أبي ليلى لا يحتج به » ، إنما عنى إذا انفرد بالشيء ، وأشد ما يكون هذا إذا لم يحفظ الإسناد فزاد في الإسناد أو نقص أو غيَّر الإسناد ، أو جاء بما يتغير فيه المعنى ، فأما من أقام الإسناد وحفظه وغير اللفظ فإن هذا واسع عند أهل العلم ، إذا لم يتغيَّر به المعنى (1) .
? حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال : « إذا حدثناكم على المعنى فحسبكم » (2) .
? حدثنا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين قال : « كنت أسمع الحديث من عشرة ، اللفظ مختلف والمعنى واحد » (3) .
? حدثنا أحمد بن منيع حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن عون قال : « كان إبراهيم النخعي والحسن والشعبي يأتون بالحديث على المعاني (4) ، وكان القاسم بن محمد ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة يعيدون الحديث على حروفه » (5) .
? حدثنا علي بن خشرم أخبرنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول قال : قلت لأبي عثمان النهدي : إنك تحدثنا بالحديث ثم تحدثنا به على غير ما حدثتنا ! قال : « عليك بالسَّماع الأول » (6) .
__________
(1) قال ابن رجب - في شرحه - معقباً على قول المؤلف : « وهذا يشعر بأنه إجماع ، وليس كذلك » .
(2) أخرجه البخاري في الكبير (6/520) والدارمي (328) والرامهرمزي (685) ، ومكحول سمع من واثلة كما رجحه البخاري وابن معين وأبو داود والترمذي ، وخالفهم أبو حاتم .
(3) أخرجه الرامهرمزي (690) والخطيب في الكفاية (ص242) .
(4) إلى هنا أخرجه الدارمي (332) .
(5) أخرجه الخطيب (ص242) والرامهرمزي (689) .
(6) أخرجه عبد الله بن أحمد في العلل (1942) والخطيب (ص464) .(1/14)
? حدثنا الجارود حدثنا وكيع عن الربيع بن صَبيح عن الحسن قال : « إذا أصبت المعنى أجزأك » (1) .
? حدثنا علي بن حجر حدثنا عبد الله بن المبارك عن سيف - هو ابن سليمان - قال : سمعت مجاهداً يقول : « انقص من الحديث إن شئت ، ولا تزد فيه » (2) .
? حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال حدثنا زيد بن حباب عن رجل قال : خرج إلينا سفيان الثوري فقال : « إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت ، فلا تصدقوني ، إنما هو المعنى » (3) .
? حدثنا الحسين بن حريث قال سمعت وكيعاً يقول : « إن لم يكن المعنى واسعاً فقد هلك الناس » .
? وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كثير أحد من الأئمة مع حفظهم .
? حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع قال : قال لي إبراهيم النخعي : « إذا حدثتني فحدثني عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، فإنه حدثني مرة بحديث ، ثم سألته بعد ذلك بسنين ، فما أخرم منه حرفاً » (4) .
? حدثنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان عن منصور قال : قلت لإبراهيم النخعي : « ما لسالم بن أبي الجعد أتمُّ حديثاً منك ؟ قال : لأنه كان يكتب » (5) .
? حدثنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار حدثنا سفيان (6) قال : قال عبد الملك بن عمير : « إني لأحدِّث بالحديث ، فما أدع منه حرفاً » (7) .
__________
(1) أخرجه الرامهرمزي (698) والخطيب (ص243) .
(2) أخرجه الرامهرمزي (714و715) .
(3) أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/370) والخطيب (ص245) .
(4) أخرجه البخاري في الكبير (8/243) و الأوسط (841) وابن عساكر في تاريخه (66/245) .
(5) أخرجه الدوري في روايته (2250) والرامهرمزي (1/374) ، وهذا النص ورد في (م) بعد كلام قتادة الآتي .
(6) هو ابن عيينة كما نسخ في الشرح .
(7) أخرجه البغوي في مسند ابن الجعد (1/397و398) و عبد الله بن أحمد في العلل (125) .(1/15)
? حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال : قال قتادة : « ما سمعتْ أذناي شيئاً قط إلا وعاه قلبي » (1) .
? حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان بن عيينة [عن عمرو بن دينار قال : « ما رأيت أحداً أنصَّ للحديث من الزهري » (2) .
? أخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا سفيان بن عيينة] (3) قال : قال أيوب السختياني : « ما علمت أحداً كان أعلم بحديث أهل المدينة بعد الزهري من يحيى بن أبي كثير » (4) .
? حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد قال : « كان ابن عون يحدث ، فإذا حدثته عن أيوب بخلافه تركه ، فأقول : قد سمعته ؟ فيقول : إن أيوب أعلمنا بحديث محمد بن سيرين » (5) .
? حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال : « قلت ليحيى بن سعيد : أيهما أثبت هشام الدستوائي أم مسعر ؟ قال : ما رأيت مثل مسعر ، كان مسعر من أثبت الناس » (6) .
? حدثنا أبو بكر عبد القدوس (7) بن محمد حدثني أبو الوليد قال : سمعت حماد بن زيد يقول : « ما خالفني شعبة في شيء إلا تركته » (8) .
? قال أبو بكر : حدثني أبو الوليد قال : قال لي حماد بن سلمة : « إن أردت الحديث فعليك بشعبة » (9) .
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/334) .
(2) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (6/111) وابن عساكر في تاريخه (55/336) عن سفيان عن عمرو .
(3) ما بين قوسين سقط من (م) .
(4) أخرجه يعقوب في المعرفة (1/621) .
(5) أخرجه البخاري في الكبير (1/409) .
(6) أخرجه البخاري في الكبير (8/13) بدون أوله ، وابن أبي حاتم في الجرح (8/368) بتمامه .
(7) في (م) : عبد الله ، وهو خطأ .
(8) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/161و4/370) .
(9) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/128) .(1/16)
? حدثنا عبد بن حميد حدثنا أبو داود قال : قال شعبة : « ما رويت عن رجل حديثاً ، إلا أتيته أكثر من مرة ، والذي رويت عنه عشرة أحاديث أتيته أكثر من عشر مرار ، والذي رويت عنه خمسين حديثاً أتيته أكثر من خمسين مرة ، والذي رويت عنه مائة ، أتيته أكثر من مائة مرة ، إلا حيان البارقي ، فإني سمعت منه هذه الأحاديث ، ثم عدت إليه فوجدته قد مات » (1) .
? حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا ابن مهدي قال : سمعت سفيان يقول : « شعبة أمير المؤمنين في الحديث » (2) .
? حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : « ليس أحد أحبَّ إليَّ من شعبة ، ولا يعدله أحد عندي ، فإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان » (3) .
? قال علي : قلت ليحيى : « أيهما كان أحفظ للأحاديث الطوال سفيان أو شعبة ؟ قال : كان شعبة أمرَّ فيها » (4) .
? قال يحيى : « وكان شعبة أعلم بالرجال فلان عن فلان وكان سفيان صاحب أبواب » (5) .
? [حدثنا عمرو بن علي قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : « الأئمة في الأحاديث أربعة :- سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وحماد بن زيد »] (6) .
__________
(1) أخرجه ابن عدي من طريق المؤلف كما قال ابن رجب في شرحه ، وبعض ألفاظ هذا الأثر غير واضح في الأصل .
(2) أخرجه البخاري في الكبير (4/245) وابن أبي حاتم في الجرح (1/126) .
(3) أخرجه البخاري في الكبير (4/93) وابن أبي حاتم في الجرح (1/63) .
(4) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/161) والخطيب في تاريخه (9/264) .
(5) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/127) والخطيب في تاريخه (9/264) .
(6) ما بين قوسين لم يرد بالأصل ، وهو من (م) ، وورد في الشرح بعد الأثر التالي ، وقد أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/118و265) والخطيب في تاريخه (10/160) .(1/17)
? حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال : سمعت وكيعاً يقول : قال شعبة : « سفيان (1) أحفظ مني ، ما حدثني سفيان عن شيخ بشيء فسألته إلا وجدته كما حدثني » (2) .
? سمعت إسحاق بن موسى الأنصاري قال : سمعت معن بن عيسى القزَّاز يقول : « كان مالك بن أنس يشدِّد في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الياء والتاء ونحو هذا (3) » .
? حدثنا أبو موسى حدثني إبراهيم بن عبد الله بن قُرَيم (4) الأنصاري قاضي المدينة قال : « مرَّ مالك بن أنس على أبي حازم وهو جالس فجازه فقيل له ! فقال : إني لم أجد موضعاً أجلس فيه ، وكرهت أن آخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قائم » (5) .
? حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال : قال يحيى بن سعيد : « "مالك عن سعيد بن المسيب" ، أحبُّ إليَّ من "سفيان الثوري عن إبراهيم النخعي" » (6) .
? قال يحيى : « ما في القوم أحد أصح حديثاً من مالك بن أنس ، كان مالك إماماً في الحديث » (7) .
? سمعت أحمد بن الحسن يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : « ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان » .
? قال [أحمد بن الحسن] (8) : وسئل أحمد بن حنبل عن وكيع وعبد الرحمن بن مهدي ! قال أحمد : « وكيع أكبر في القلب ، وعبد الرحمن إمام » (9) .
__________
(1) هو الثوري ، كما في نسخ الشرح .
(2) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/67) وابن عدي في الكامل (5/126) .
(3) في (م) : ونحوهما .
(4) في (م) : بن قرد ، وهو خطأ .
(5) أخرجه الخليلي في الإرشاد (1/211) وأبو نعيم في الحلية (6/318) .
(6) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/243) وفي المراسيل (6) ، وزاد فيهما : قال يحيى : وكلٌّ ضعيف .
(7) أخرجه البخاري في الكبير (7/310) بدون أوله ، وأخرجه كاملاً مفصولاً ابن أبي حاتم في الجرح (1/14و15) .
(8) زيادة من (م) والشرح وغيرهما .
(9) أخرجه ابن عساكر من طريق الكروخي (62/75) .(1/18)
? سمعت محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي البصري يقول : سمعت علي بن المديني يقول : « لو حلفت بين الرُّكن والمقام لحلفت ، أني لم أرَ أحداً أعلم من عبد الرحمن بن مهدي » (1) .
قال أبو عيسى :
? والكلام في هذا والرواية عن أهل العلم يكثر . وإنما بينا شيئاً منه على الاختصار ليُستدلَّ به على منازل أهل العلم وتفاضل بعضهم على بعض في الحفظ والإتقان ، ومن تُكُلِّمَ فيه من أهل العلم لأي شيء تُكُلِّمَ فيه .
? والقراءة على العالم إذا كان يحفظ ما يُقرأ عليه أو يمسك أصله فيما يُقرأ عليه إذا لم يحفظ ، هو صحيح عند أهل الحديث مثل السماع .
? حدثنا حسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج قال : « قرأت على عطاء بن أبي رباح ، فقلت له : كيف أقول ؟ قال : قل حدثنا » (2) .
? حدثنا سويد بن نصر أخبرنا علي بن الحسين بن واقد عن أبي عصمة عن يزيد النحوي عن عكرمة : أن نفراً قدموا على ابن عباس من أهل الطائف بكتب من كتبه فجعل يقرأ عليهم فيقدم ويؤخر فقال : « إني بلهت (3) بهذه المصيبة ، فاقرءوا عليَّ ، فإن إقراري بها كقراءتي عليكم » (4) .
? حدثنا سويد حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن منصور بن المعتمر قال : « إذا ناول الرجل كتابه آخر فقال : اروِ هذا عني فله أن يرويَه » .
__________
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/252) والخطيب في تاريخه (10/244) .
(2) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص338و342) والرامهرمزي في المحدث (465) .
(3) في بعض النسخ : بليت ، وكان قد كف بصره - رضي الله عنه - .
(4) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص299) وعبد الغني في "أدب المحدث" من طريق نعيم عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم به ، كما قال ابن رجب في شرحه وزاد بأن هذا الأثر لا يصح لأن أبا عصمة مشهور بالكذب ، وأخرجه الخطيب بنحوه من طريقين آخرين عن ابن عباس - رضي الله عنه - وعن علي - رضي الله عنه - أيضاً ، وضعفها ابن رجب كلها .(1/19)
? وسمعت محمد بن إسماعيل يقول « سألت أبا عاصم النبيل عن حديث ، فقال : اقرأ عليَّ ، فأحببت أن يقرأ هو ، فقال : أنت لا تجيز القراءة ! قد كان سفيان الثوري ومالك بن أنس يجيزان القراءة » .
? حدثنا أحمد بن الحسن حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي المصري قال : قال عبد الله بن وهب : « ما قلت "حدثنا" فهو ما سمعت مع الناس وما قلت "حدثني" فهو ما سمعت وحدي وما قلت "أخبرنا" فهو ما قرئ على العالم وأنا شاهد وما قلت :أخبرني" فهو ما قرأت على العالم - [يعني أنا وحدي] » (1) .
? سمعت أبا موسى محمد بن المثنى يقول : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : « حدثنا وأخبرنا واحد » (2) .
قال أبو عيسى :
? وكنا عند أبي مصعب المديني فقرىء عليه بعض حديثه [فلما فرغ منه] (3) ، قلت له : كيف نقول ؟ فقال : قل حدثنا أبو مصعب » .
قال أبو عيسى :
? وقد أجاز بعض أهل العلم الإجازة إذا أجاز العالم - أن يروى عنه - لأحد شيئاً من حديثه ، أن يروي عنه .
? حدثنا محمود بن غيلان حدنا وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز عن بشير بن نهيك قال : « كتبت كتاباً عن أبي هريرة فقالت : أرويه عنك ؟ قال : نعم » (4) .
? حدثنا محمد بن إسماعيل الواسطي حدثنا محمد بن الحسن الواسطي عن عوف الأعرابي قال : قال رجل للحسن : « عندي بعض حديثك أرويه عنك ؟ قال : نعم » (5) .
قال أبو عيسى :
__________
(1) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص331) ، وما بين قوسين من الشرح ، ولم يظهر في الأصل .
(2) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص346) عن أحمد قال : كأن الأمر عنده واحد .
(3) زيادة من الشرح .
(4) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص319) من طريق آخر عن عمران به .
(5) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص301) .(1/20)
? ومحمد بن الحسن الواسطي إنما يعرف بمحبوب (1) بن الحسن ، وقد حدَّث عنه غير واحد من الأئمة .
? حدثنا الجارود بن معاذ حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر قال : « أتيت الزهري بكتاب (2) ، فقلت : هذا من حديثك ، أرويه عنك ؟ قال : نعم » .
? حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله عن يحيى بن سعيد قال : « جاء [ابن] جريج إلى هشام بن عروة بكتاب ، فقال : هذا حديثك ، أرويه عنك ؟ فقال : نعم ، قال يحيى : فقلت في نفسي : لا أدري أيهما أعجب أمراً » (3) .
? قال علي : « سألت يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني ، فقال : ضعيف ، فقلت : إنه يقول : أخبرني ! قال : لا شيء ، إنما هو كتاب دفعه إليه » (4) .
قال أبو عيسى :
? والحديث إذا كان مرسلاً فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث وقد ضعفه غير واحد منهم .
? حدثنا علي بن حجر أخبرنا بقية بن الوليد عن عتبة بن أبي حكيم قال : سمع الزهريُّ إسحاقَ بنَ عبد الله بن أبي فروة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال الزهري : « قاتلك الله يابن أبي فروة ! تجيئنا بأحاديث ليس لها خُطُم ولا أزمة » (5) .
__________
(1) ذكر ابن رجب في شرحه أن الواسطي هو المزني قاضي واسط ، وأنه ليس هو محبوباً . وأن محبوباً قيل بأنه بصري ، ليس واسطياً .
(2) في تاريخ دمشق (55/364) من طريق أنس به : « بكتاب مدرج » .
(3) أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (356-المكيون) والخطيب في الكفاية (ص357) .
(4) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص352) .
(5) أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/131) وابن عدي في الكامل (1/327) وغيرهما .(1/21)
? حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال : قال يحيى بن سعيد : « مرسلات مجاهد أحبُّ إليَّ من مرسلات عطاء بن أبي رباح بكثير ، كان عطاء يأخذ عن كل ضَرب » (1) .
? قال علي : قال يحيى : « مرسلات سعيد بن جبير أحبُّ إليَّ من مرسلات عطاء ، قلت ليحيى : مرسلات مجاهد أحبُّ إليك أم مرسلات طاووس ؟ قال : ما أقربهما » (2) .
? قال علي : وسمعت يحيى بن سعيد يقول : « مرسلات أبي إسحاق عندي شبه لا شيء ، والأعمش والتيمي ويحيى بن أبي كثير ، ومرسلات ابن عيينة شبه الريح ، ثم قال : إي والله ، وسفيان بن سعيد ، قلت ليحيى : فمرسلات مالك ؟ قال : هي أحبُّ إليَّ ، ثم قال يحيى : ليس في القوم أحد أصحَّ حديثاً من مالك » (3) .
? حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : « ما قال الحسن في حديثه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إلا وجدنا له أصلاً إلا حديثاً أو حديثين » .
قال أبو عيسى :
? ومن ضعَّف المرسل فإنه ضعفه من قبل أن هؤلاء الأئمة قد حدثوا عن الثقات وغير الثقات ، فإذا روى أحدهم حديثاً وأرسله لعله أخذه عن غير ثقة .
? قد تكلَّم الحسن البصري في معبد الجهني ، ثم روى عنه (4) .
? حدثنا بشر بن معاذ البصري حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار حدثني أبي وعمي قالا : سمعنا الحسن يقول : « إياكم ومعبداً الجهني ، فإنه ضال مُضل » (5) .
قال أبو عيسى :
__________
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/243) والمراسيل (4) والخطيب في الكفاية (ص426) .
(2) أخرجه ابن أبي حاتم في المراسيل (5) والخطيب في الكفاية (ص426) وابن عساكر في تاريخه (40/403) .
(3) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/244) والمراسيل (8و11) والخليلي في الإرشاد (1/284) والخطيب في الكفاية (ص426) .
(4) له رواية في السنن للدارقطني (612) .
(5) أخرجه اللالكائي في السنة (1142) وابن عساكر في تاريخه (59/321) .(1/22)
? وروي عن الشعبي قال : « حدثنا الحارث الأعور ، وكان كذاباً » (1) .
? [وقد حدَّث عنه وأكثر الفرائض التي يرويها عن علي وغيره هي عنه .
? وقد قال الشعبي : « الحارث الأعور علمني الفرائض وكان من أفرض الناس]» (2) .
? وسمعت محمد بن بشار يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : « ألا تعجبون من سفيان بن عيينة ! لقد تركت لجابر الجعفي - لقوله لما حكى عنه - أكثر من ألف حديث ، ثم هو يحدِّث عنه ! » (3) .
? قال محمد بن بشار : « وترك عبد الرحمن بن مهدي حديث جابر الجعفي » (4) .
? وقد احتج بعض أهل العلم بالمرسل أيضاً .
? حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر الكوفي حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن سليمان الأعمش قال : قلت لإبراهم النخعي : أسند لي عن عبد الله بن مسعود ، فقال إبراهيم : « إذا حدثتك [عن رجل] (5) عن عبد الله فهو الذي سميت . وإذا قلت : قال عبد الله ، فهو عن غير واحد عن عبد الله » (6) .
? وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال (7) كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم .
? ذكر عن شعبة أنه ضعَّف أبا الزبير المكي وعبد الملك بن أبي سليمان وحكيم بن جبير ، وترك الرواية عنهم ، ثم حدَّث شعبة عمن هو دون هؤلاء في الحفظ والعدالة . حدَّث عن جابر الجعفي وإبراهيم بن مسلم الهجري ومحمد بن عبيد الله العرزمي ، وغير واحد ممن يُضَعَّفون في الحديث .
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات (6/447) ومسلم في المقدمة (1/19) .
(2) ما بين قوسين زيادة من الشرح لم ترد في الأصل ولا (م) ، والأثر أخرجه يعقوب في المعرفة (2/335) والعقيلي في الضعفاء (4/181) من طريق مجالد عنه .
(3) أخرجه ابن عدي في الكامل (2/328) .
(4) أخرجه ابن عدي في الكامل (2/328) ، وهو جزء من السابق .
(5) زيادة من (م) والشرح وغيرهما .
(6) أخرجه ابن سعد في الطبقات (6/494) .
(7) في (م) : العلم ، وهو خطأ .(1/23)
? حدثنا محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان البصري حدثنا أمية بن خالد قال : « قلت لشعبة : تدع عبد الملك بن أبي سليمان ، وتحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي ! قال : نعم » (1) .
قال أبو عيسى :
? وقد كان شعبة حدَّث عن عبد الملك بن أبي سليمان ثم تركه .
? ويقال إنما تركه (2) لما تفرد بالحديث الذي روى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « الرجل أحقُّ بشفعته ينتظر به وإن كان غائباً ، إذا كان طريقهما واحداً » (3) .
? وقد ثبَّت غيرُ واحدٍ من الأئمة وحدثوا عن أبي الزبير وعبد الملك بن أبي سليمان وحكيم بن جبير .
? حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم حدثنا حجاج وابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح قال : « كنا إذا خرجنا من عند جابر بن عبد الله تذاكرنا حديثه ، وكان أبو الزبير أحفظنا للحديث » (4) .
? حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر المكي حدثنا سفيان بن عيينة قال : قال أبو الزبير : « كان عطاء يقدمني إلى جابر بن عبد الله أحفظ لهم الحديث » (5) .
? حدثنا بن أبي عمر حدثنا سفيان قال : سمعت أيوب السختياني يقول : « حدثني أبو الزبير وأبو الزبير [أبو الزبير] (6) ، قال سفيان بيده يقبضها » (7) .
قال أبو عيسى :
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/155) بنحوه .
(2) قال ابن عبر البر : « وأنكره عليه شعبة ، وقال : لو جاء عبد الملك بحديث آخر مثل هذا لأسقطت حديثه ، وما حدثت عنه بشيء » - الاستذكار (7/69) .
(3) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/81) والترمذي في جامعه (1369) - واستغربه - .
(4) أخرجه الدارمي في سننه (615) وعبد الله بن أحمد في العلل (22) .
(5) أخرجه ابن سعد في الطبقات (5/481) وعبد الله في العلل (23) ويعقوب في المعرفة (2/14) .
(6) زيادة من (م) والشرح وغيرهما .
(7) أخرجه ابن عدي في الكامل (6/122) من طريق المؤلف .(1/24)
? إنما يعني بذلك الحفظ والإتقان (1) .
? ويروى عن عبد الله بن المبارك قال : كان سفيان يقول : « كان عبد الملك بن أبي سليمان ميزاناً في العلم » (2) .
? حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال : « سألت يحيى بن سعيد عن حكيم بن جبير ! فقال : تركه شعبة من أجل هذا الحديث الذي رواه في الصدقة » (3) .
? يعني حديث عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من سأل الناس وله ما يغنيه كان يوم القيامة خموشاً في وجهه قالوا : يا رسول الله ! وما يغنيه ؟ قال : خمسون درهما أو قيمتها من الذهب » (4) .
? قال علي : قال يحيى : « وقد حدث عن حكيم بن جبير : سفيان الثوري (5) وزائدة ، قال علي : ولم يَرَ يحيى بحديثه بأساً » .
__________
(1) قال ابن رجب في شرحه : « وتكلم فيه أيوب أيضاً ، قال ابن المديني : حدثنا سفيان ثنا أيوب ثنا أبو الزبير - وهو أبو الزبير - يغمزه ، كذا أخرجه العقيلي من طريق البخاري عن علي ، وهذا خلاف ما فسَّر به الترمذي ، أنه عنى حفظه وإتقانه ، وخرج ابن عدي هذا الأثر من طريق الترمذي عن ابن أبي عمر عن سفيان ، وعنده : قال سفيان : هذه نقيصة . وهذا خلاف ما وجدنا في نسخ كتاب الترمذي ... ، إلى أن قال : فهذا يدل على أن أيوب كان يغمزه ، لا أنه كان يقويه » .
(2) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (5/366) ، من طريق نوفل بن مطهر عن ابن المبارك به ، بدون ذكر كلمة العلم .
(3) قال القطان : « يحيى فسالت شعبة عن هذا الحديث ، فقال : قد سمعته من حكيم إني أخاف الله أن أحدثه » - تاريخ بغداد (3/205)
(4) أخرجه أبو داود (1626) ، وحسنه الترمذي (650) ، وحكيم ضعيف - التقريب (1476) .
(5) أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/316) بنحوه .(1/25)
? حدثنا محمود بن غيلان حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان الثوري عن حكيم بن جبير بحديث الصدقة ، قال يحيى بن آدم : قال عبد الله بن عثمان - صاحب شعبة - لسفيان الثوري : « لو غير حكيم حدث بهذا . فقال له سفيان : وما لحكيم لا يحدث عنه شعبة ؟ قال : نعم ، فقال سفيان الثوري : سمعت زبيداً يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد » (1) .
قال أبو عيسى :
? وما ذكرنا في هذا الكتاب : "حديث حسن" ، فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا :-
1) كلُّ حديث يُروى لا يكون في إسناده متهم بالكذب .
2) ولا يكون الحديث شاذاً .
3) ويروى من غير وجه نحو ذاك .
? فهو عندنا حديث حسن .
? وما ذكرنا في هذا الكتاب "حديث غريب" ، فإنَّ أهل الحديث يستغربون الحديث لمعانٍ :-
أ. رُبَّ حديث يكون غريباً لا يُروى إلا من وجهٍ واحد .
? مثل ما حدَّث حماد بن سلمة عن أبي العُشَراء عن أبيه قال : « قلت : يا رسول الله ! أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة ؟ فقال : لو طعنت في فخذها أجزأ عنك » (2) .
? فهذا حديث تفرَّد به حماد بن سلمة عن أبي العُشَراء ، ولا يعرف لأبي العُشَراء عن أبيه إلا هذا الحديث ، وإن كان هذا الحديث مشهوراً عند أهل العلم ، فإنما اشتهر من حديث حماد بن سلمة لا نعرفه إلا من حديثه .
ب. ورُبَّ رجل من الأئمة يحدِّث بالحديث ، لا يعرف إلا من حديثه ويشتهر الحديث لكثرة من روى عنه .
? مثل ما روى عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الوَلاء وعن هبته (3) .
__________
(1) أخرجه أبو داود (1626) ابن عدي في الكامل (2/218) .
(2) أخرجه أبو داود (2825) وابن ماجة (3184) والنسائي (4408) ، واستغربه الترمذي في جامعه (1481) .
(3) أخرجه البخاري (2398) ومسلم (1506) .(1/26)
? لا يعرف إلا من حديث عبد الله بن دينار ، رواه عنه عبيد الله بن عمر وشعبة وسفيان الثوري ومالك بن أنس [وابن عيينة] (1) ، وغير واحد من الأئمة .
? وروى يحيى بن سليم هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (2) ، فوهم فيه يحيى بن سليم .
? والصحيح هو عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر .
? هكذا روى عبد الوهاب الثقفي وعبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (3) .
? وروى المؤمل هذا الحديث عن شعبة ، فقال شعبة : « لوددت أن عبد الله بن دينار أذن لي حتى كنت أقوم إليه ، فأقبل برأسه » .
قال أبو عيسى :
ج. ورُبَّ حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث .
? وإنما تصحُّ إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه .
? مثل ما روى مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال : « فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين صاعاً من تمر أوصاعاً من شعير » .
قال :
? وزاد مالك (4) في هذا الحديث : "من المسلمين" .
? روى أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر (5) وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر ، ولم يذكروا فيه "من المسلمين" .
__________
(1) زيادة من (م) والشرح وغيرهما .
(2) أخرجه ابن ماجة (2747) ، وقال ابن حجر : ولم ينفرد به يحيى بن سليم ، فقد تابعه أبو ضمرة أنس بن عياض ويحيى بن سعيد الأموي كلاهما عن عبيد الله بن عمر ، أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريقهما ، لكن قرن كل منهما نافعاً بعبد الله بن دينار – الفتح (6756) .
(3) أخرجه مسلم (1506) .
(4) في موطئه (465-القعنبي) ، وأخرجه البخاري (1433) ومسلم (984) .
(5) أخرجه مسلم (984) عنهما .(1/27)
? وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ، ممن لا يعتمد على حفظه (1) .
? وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك ، واحتجوا به .
? منهم الشافعي (2) وأحمد بن حنبل قالا : « إذا كان للرجل عبيد غير مسلمين ، لم يؤدِِّّ عنهم صدقة الفطر ، واحتجا بحديث مالك » .
? فإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه قُبِلَ ذلك منه .
د. ورُبَّ حديث يروى من أوجه كثيرة ، وإنما يستغرب لحال الإسناد .
1) حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفاعي وأبو السائب والحسين بن الأسود قالوا : حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معي واحد » (3) .
? هذا حديث غريب من هذا الوجه من قِبَلِ إسناده .
? وقد رُوِيَ من غير وجه (4) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما يستغرب من حديث أبي موسى .
? سألت محمود بن غيلان عن هذا الحديث فقال : « هذا حديث أبي كريب عن أبي أسامة » (5) .
__________
(1) زادها : عمر بن نافع عند البخاري (1432) والضحاك عند مسلم (984) ، وكلاهما ثقة ، ففي قول المؤلف نظر ظاهر .
(2) قال في الأم (2/63) : « وفي حديث نافع دلالة على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفرضها إلا على المسلمين وذلك موافقة لكتاب الله عز وجل » .
(3) أخرجه مسلم (2062) في الشواهد .
(4) رواه ابن عمر وأبو هريرة ، وحديثهما في الصحيحين .
(5) أخرجه ابن عدي في الكامل (2/63) عن المؤلف .(1/28)
? وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : « هذا حديث أبي كريب عن أبي أسامة لم نعرفه إلا من حديث أبي كريب عن [أبي أسامة] (1) ، فقلت : حدثنا غير واحد عن أبي أسامة بهذا فجعل يتعجب ، وقال : « ما علمت أن أحدا حدث هذا غير أبي كريب » (2) .
? قال محمد : « وكنا نرى أن أبا كريب أخذ هذا الحديث عن أبي أسامة في المذاكرة » (3) .
2) حدثنا عبد الله بن أبي زياد وغير واحد قالوا : حدثنا شبابة بن سوار حدثنا شعبة عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الدُّباء والمزفَّت (4) .
قال أبو عيسى :
? هذا حديث غريب (5) من قِبَلِ إسناده ، لا نعلم أحداً حدَّث به عن شعبة غير شبابة .
? وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أوجه كثيرة ، أنه نهى أن ينتبذ في الدُّباء والمزفَّت .
? وحديث شبابة إنما يستغرب لأنه تفرَّد به عن شعبة .
? وقد روى شعبة وسفيان الثوري بهذا الإسناد عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « الحج عرفة » (6) .
? فهذا الحديث المعروف عند أهل الحديث بهذا الإسناد .
__________
(1) زيادة من (م) والشرح وغيرهما .
(2) أخرجه ابن عدي في الكامل (2/63) عن المؤلف ، وفهم ابن رجب - في شرحه - من كلام الترمذي أن البخاري يعل هذا الحديث !
(3) أخرجه ابن عدي في الكامل (2/63) عن المؤلف .
(4) أخرجه ابن ماجة (3404) والنسائي (5628) .
(5) قال أبو حاتم : هذا حديث منكر ، ولا يعرف له أصل – العلل لابنه (1557) .
(6) أخرجه الخمسة ، وصححه ابن خزيمة (2822) وابن حبان (3892) .(1/29)
3) حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو مزاحم أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط ، ومن تبعها حتى يقضى قضاؤها فله قيراطان ، قالوا : يا رسول الله ! ما القيراطان ؟ قال : أصغرهما مثل أحد » (1) .
? حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا مروان بن محمد عن معاوية بن سلام قال : حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي مزاحم سمع أبا هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من تبع جنازة فله قيراط ... » ، فذكر نحوه بمعناه .
? قال عبد الله : وأخبرنا مروان عن معاوية بن سلام قال : قال يحيى : وحدثني أبو سعيد مولى المهري عن حمزة بن سفينة عن السائب سمع عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه (2) .
? قلت لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن (3) : ما الذي استغربوا من حديثك بالعراق ؟ قال : « حديث السائب عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر هذا الحديث » .
? وسمعت محمد بن إسماعيل يحدث بهذا الحديث عن عبد الله بن عبد الرحمن .
قال أبو عيسى :
? وهذا حديث قد روي من غير وجه (4) عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
? وإنما يستغرب هذا الحديث لحال إسناده لرواية السائب عن عائشة عن - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) أخرجه أحمد (2/521) ، وأصله في الصحيحين .
(2) ذكره البخاري في الكبير (3/50) عن عبد الله ، وهو الدارمي .
(3) هو الدارمي .
(4) منها ما رواه نافع عن عائشة – أخرجه البخاري (1324) .(1/30)
4) حدثنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا المغيرة بن أبي قرة السدوسي قال سمعت أنس بن مالك يقول : « قال رجل : يا رسول الله ! أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل ؟ قال : اعقلها وتوكل » (1) .
? قال عمرو بن علي قال : يحيى بن سعيد : « هذا عندي حديث منكر » (2) .
قال أبو عيسى :
? وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، لا نعرفه من حديث أنس بن مالك إلا من هذا الوجه .
? وقد روي عن عمرو بن أمية الضمري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا .
وقد وضعنا هذا الكتاب على الاختصار لما رجونا فيه من المنفعة .
ونسأل الله النفع بما فيه .
وأن لا يجعله علينا وبالاً
برحمته (3) .
__________
(1) له شاهد صححه ابن حبان (731) عن عمرو بن أمية الضمري ، وصححه ابن خزيمة ، وجوده العراقي كما في فيض القدير (2/8) ، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك (3/623) : سنده جيد .
(2) ذكره الضياء في المختارة (7/216) .
(3) في آخر النسخة قال : آخر العلل ، والحمد لله وحده على إنعامه ، وصلواته وسلامه على سيد المرسلين محمد النبي الأمي وآله . ووقع الفراغ لكاتبه من يوم الأحد الرابع من ... سنة سبع وأربعين وخمسمائة .(1/31)