بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله 0
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) . ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) 0
أما بعد
للإسناد أهمية بالغة ، في العلوم كافة ، فضلا عن العلوم الشرعية من السنة النبوية ، والتفسير ،والفقه وغيرها ، ولذلك لأن الصحة لا تثبت إلا بالنظر في الأسانيد المنقولة ، مما يعد مزية وخصيصة لهذه الأمة لا يشاركها فيه غيرها، ولذلك آثرت الكتابة في هذا الموضوع الدقيق نتيجة الهجمة الفكرية الخطيرة التي يتعرض لهما علمان جليلان هما : 1 0السنة النبوية المطهرة ، طعنا فيها ، وفي رواتها ، ودلالاتها على الأحكام ، واستقلالها في التشريع ، 2 0 التاريخ الإسلامي ، وذلك من خلال إظهار صور مظلمة سوداوية عن العصور الإسلامية الأولى ، بعيدا عن الدراسة الفاحصة الناقدة التي تلتمس الحقيقة ، لا غيرها ، من خلال الأسانيد التي حفلت بها كثير من كتب التواريخ ، ولا سيما الحقبة المتقدة 0
وقد تناولت هذا الموضوع من خلال المباحث الآتية :
المبحث الأول : الإسناد تعريفه : أ- لغة ب – اصطلاحا.
المبحث الثاني : الإسناد من الدين .
المبحث الثالث : اختصاص هذه الأمة بالإسناد .
المبحث الرابع : التفتيش عن الإسناد .
المبحث الخامس :الإسناد عند غير المحدثين .
المبحث السادس : العلة في السند عند أهل الحديث ، وفيه مطلبان :(1/1)
المطلب الأول : تعريف العلة :1- لغة 2- اصطلاحا .
المطلب الثاني : أنواع العلل .
الإسناد وعلله
المبحث الأول : الإسناد تعريفه : أ- لغة ب – اصطلاحا.
أ – لغة :
قال ابن فارس : " سند : أصل واحد ، يدل على انضمام الشيء الى الشيء ... والسناد : الناقة القوية ، كانها اسندت من ظهرها الى شيء قوي ، والمسند : الدهر ، لان بعضه متضام . وفلان سند : اي معتمد ، والسند : ما اقبل عليك من الجبل ، وذلك اذا علا من السفح ، والاسناد في الحديث : ان يسند الى قائله ، وهو ذلك القياس(1) " أ.هـ 0
وقال الجوهري :" السند ما قابلك من الجبل ، وعلا من السفح ، وفلان سند اي معتمد ... والاسناد في الحديث رفعه الى قائله(2)" أ.هـ 0
وعلى هذا فأصل معنى الكلمة له دلالتان : الثانية مبنية على الاولى ، الاولى : هي التي ذكرها ابن فارس : " انضمام الشيء الى الشيء " والثانية : "الاعتماد والتقوي بذلك "(3) 0
ب- اصطلاحا :
قال العلامة الطيبي والحافظ بدر الدين بن جماعة : " السند : هو الاخبار عن طريق المتن ... والاسناد : رفع الحديث الى قائله ، والمحدثون يستعملون السند والاسناد لشيء واحد "(4) 0
وعرفه الحافظ ابن حجر فقال : " والاسناد حكاية طريق المتن "(5) 0
أي سلسلة الرواة الذين نقلوا المتن من مصدره الاول ، وسمي هذا الطريق سندا" ، اما لأن المسند – بكسر النون – يعتمد عليه في نسبة المتن الى مصدره ، او لاعتماد الحفاظ على المسند في معرفة صحة الحديث وضعفه " (6) 0
__________
(1) معجم مقاييس اللغة ، ابن فارس 3/105 0
(2) الصحاح ، الجوهري 2/489 0وينظر : اساس البلاغة ، الزمخشري ص:221 ، تاج العروس ، الزبيدي 8/215 0
(3) المنهج المقترح لفهم المصطلح ، الشريف حاتم بن عارف العوني ص :40 0
(4) الخلاصة ، الطيبي ص30 ، المنهل الروي ، ابن جماعة ص :48 0
(5) نزهة النظر ، ابن حجر ص :53 ، وينظر : فتح المغيث ، السخاوي 1/27 هامش 2 0
(6) أصول الحديث ، محمد عجاج الخطيب ص :32 0(1/2)
فإذا عرفت السند في اصطلاح المحدثين بأنه سلسلة رواة الحديث ، أو طريق المتن ، ظهر لك قوة العلاقة بين معناه اللغوي ومعناه الاصطلاحي ، الى درجة التوافق بين المعنيين الى حد كبير 0
فالسند فيه انضمام الشيء الى الشيء ، اي راو الى اخر ، وهذا الانضمام يقوي موقف الراوي باعتماده على غيره في روايته ، ويلقي عمدة الحديث ، سواء كان صحيحا" ام غير صحيح على ذلك الراوي الذي اسند الحديث اليه 0
وبهذا تظهر لك قوة المعنى اللغوي بالمعنى الاصطلاحي في كلمة السند ، وتعلم لم اختار علماء التابعين هذا اللفظ دون غيره من الالفاظ القريبة في المعنى منه ، للتعبير بها عن سلسلة رواة الحديث (1) 0
مثال تطبيقي :
قال أبو داود : حدثنا موسى بن اسماعيل ، ثنا حماد ، عن قتادة ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين(رضي الله عنه) ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تزال طائفة من امتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " (2) 0
فسند هذا الحديث او سلسلة الرواة يبدأ بأبي داود وينتهي بعمران بن حصين 0
ومتنه : هو قوله- صلى الله عليه وسلم -: " لا تزال ... " 0
المبحث الثاني : الإسناد من الدين .
ولأهمية الإسناد البالغة فقد نبه طائفة من السلف الى ان له اصلا" في كتاب الله تعالى ، وهذا الاصل هو قوله عز وجل : " أو أثارة من علم " ( سورة الاحقاف / 4 ) 0
__________
(1) المنهج المقترح ص :40 0
(2) أخرجه : أبو داود في سننه 3/4 رقم ( 2484 ) في كتاب الجهاد – باب في دوام الجهاد ، واحمد في المسند 4/429 و 437 ، والحاكم في المستدرك 4/50 وقال : " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي وهو كما قالا، ينظر : السلسلة الصحيحة ، الألباني 4/602 رقم ( 1959 ) 0(1/3)
قال عكرمة مولى ابن عباس ( ت 105 هـ ) ،وهو احد الأئمة الأعلام ، واحد أوعية العلم (1): " رواية عن الانبياء " (2) 0 ومثله عن مقاتل بن سليمان الازدي المفسر " رحمه الله تعالى " المتوفي سنة 150 هـ (3) 0
وقال محمد بن كعب القرظي ( ت 119 هـ ) ، احد العلماء بتاويل القران(4) : " هو الاسناد " (5) 0
واخرج الإمام أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت 405 هـ) بإسناده عن مطر الوراق (6) قال : " اسناد الحديث "(7) 0
قال شيخ الاسلام ابن تيمية : " فالكتاب : الكتاب ، والاثارة كما قال من قال من السلف : هي الرواية والاسناد ، وقالوا : هي الخط ايضا" ، اذ الرواية والاسناد يكتب بالخط ، وذلك لان الاثارة من الاثر ، فالعلم الذي يقوله من يقبل قوله يؤثر بالاسناد ويقيد بالخط ، فيكون كل ذلك من الاثارة " (8) أ. هـ
ومن الغريب و نحن نتكلم عن الاسناد اننا لا نجد رواية مرفوعة ترد باسناد معتبر اليه - صلى الله عليه وسلم - ، بل ما ورد في ذلك لا يصح كما قال ابن رجب (9) رحمه الله تعالى 0
ولا بد لنا هنا من ذكر بعض منها للتنبيه على عدم صحتها ، وهي اثارة موقوفة :
__________
(1) انظر ترجمته في ميزان الاعتدال ، الذهبي 3/93-97 ، الخلاصة : الخزرجي ص70 0
(2) تفسير القرطبي 16/182 0
(3) انظر ترجمته في الخلاصة ص : 386 0
(4) الخلاصة ص : 357 0
(5) تفسير القرطبي16/182 0
(6) انظر ترجمته في الخلاصة ص : 378 0
(7) شرح علل الترمذي ، ابن رجب 1/363 تحقيق همام عبد الرحيم ، تدريب الراوي ، السيوطي 2/160 ، فتح المغيث 3/7 0
(8) مجموعة الفتاوى ، ابن تيمية 3/197 0
(9) شرح علل الترمذي 1/362 وانظر : مقدمة الكامل ، ابن عدي ص : 236 ، الكفاية ص :161 ، الالماع ص :59 0(1/4)
0حديث علي رضي الله عنه موقوفا" " يا ايها الناس انظروا ممن تاخذون هذا العلم ، فأنما هو الدين " (1) 0
0حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – موقوفا" : " ان هذا العلم دين ، فانظروا عمن تاخذونه " (2) 0
.حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – موقوفا" : " ان هذا العلم دين ، فأحبوا الحديث ما اسند الى نبيكم "(3)0
فإذا توضح لنا عدم صحة اي اثر مرفوع او موقوف يخص الاسناد فننتقل الى مرحلة اخرى اخذت فيها قضية التاكيد على الاسناد دورا" جديدا" بالغ الاهمية ، واخذت تنتشر هذه الكلمة " الاسناد من الدين " بين اواخر القرن الاول الهجري واواخر القرن الثاني الهجري 0
وهذا تتبع لبعض من قال مثل هذه الكلمة وعلى حسب تواريخ الوفيات :
0إبراهيم بن يزيد بن الاسود النخعي ( ت 96 هـ ) :" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تاخذونه " (4) 0
__________
(1) مقدمة الكامل ، ابن عدي ص: 237 ، الكفاية ، الخطيب البغدادي ص: 161 ، الالماع ، القاضي عياض ص :59-60 . قلت : وفي إسناده الفضل بن مختار ، قال ابو حاتم الرازي : " هو مجهول ، واحاديثه منكرة ، يحدث بالاباطيل " كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/69 0
(2) مقدمة الكامل ص :238 ، الالماع ص : 59 قلت : وفيه اصرم بن غياث ( وتصحف الى عتاب في مقدمة الكامل ) قال فيه ابو زرعة : ليس بقوي ، وقال ابو حاتم : منكر الحديث ينظر : الجرح والتعديل 2/366 ورواه ابن حبان في المجروحين1/22 وفيه اصرم بن حوشب ، قال يحيى ابن معين : كذاب خبيث ، وقال ابو حاتم متروك الحديث ، وقال ابن حبان : يضع الحديث ينظر: الجرح والتعديل ، ابن أبي حاتم 2/236 ، المجروحين ، ابن حبان 3/181 0
(3) مقدمة الكامل ص :237 ، المجروحين 1/21 وفيه علي بن زيد بن جدعان قال احمد وابو زرعة وابو حاتم والعجلي: ليس بالقوي ، وقال ابن خزيمة : سيء الحفظ انظر: الجرح والتعديل 6/186-187، المجروحين 2/103 ،ميزان الاعتدال 3/127-129 الخلاصة ص: 274 0
(4) المجروحين 1/23 0(1/5)
0 الضحاك بن مزاحم الهلالي ( ت 110 هـ ) :" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تاخذوا دينكم " (1) 0
0 محمد بن سيرين ( ت 110 هـ ) مثله (2) 0
0الحسن بن أبي الحسن البصري ( ت 110 هـ ) مثله(3) 0
0 محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( ت124 هـ ) كان إذا حدث أتى بالإسناد ويقول : لا يصلح ان يرقى السطح الا بدرجة (4)0
0 أيوب السختياني ( ت 131 هـ ) : " ان هذا العلم دين فانظروا عمن تاخذوه " (5)
0 زيد بن اسلم ( ت 136 هـ ) : مثله(6) 0
0 الإمام الاوزاعي عبد الرحمن بن عمرو ( ت 157 هـ ) : " ما ذهاب العلم الا ذهاب الاسناد "(7) 0
0 شعبة بن الحجاج العتكي ( ت 160 هـ ) : " إنما يعلم صحة الحديث بصحة الاسناد " (8)0
0 سفيان بن سعيد الثوري ( ت 161 هـ ) : " الإسناد سلاح المؤمن ، اذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟" (9) 0
0 عبد الله بن لهيعة ( ت 174 هـ ) : قال :" سمعت شيخا" من الخوارج وهو يقول : ان هذه الاحاديث دين فانظروا عمن تاخذون دينكم ، فانا كنا اذا هوينا امرا" صيرناه حديثا" "(10) .فاذا كان هذا هو حال الخوارج وهم اصدق اهل البدع في الرواية ، كما قيل ، فكيف الحال بمن يتخذ الكذب له دينا" 0
__________
(1) الجرح والتعديل 2/15 ،مقدمة الكامل ص: 239 ، المجروحين 1/22 ، الكفاية ص:161 0
(2) مسلم في مقدمة صحيحه 1/14 ، مقدمة الكامل ص: 237 و 238 و 239 ، سنن الدارمي رقم 425 ، الكفاية ص: 161 و 162 ، المجروحين 1/21 ، الجرح والتعديل 2/15 ، حلية الأولياء ، أبو نعيم 2/278 0
(3) المجروحين 1/22 0
(4) الجرح والتعديل 2/16 ، مناقب الشافعي ، البيهقي 2/34 ، شرف أصحاب الحديث ، الخطيب البغدادي (42 ) ، شرح علل الترمذي 1/360 0
(5) مقدمة الكامل ص :239 0
(6) المجروحين 1/ 21 ، التمهيد، ابن عبد البر 1/ 19 ، شرح العلل 1/362 0
(7) شرح العلل 1/360 0
(8) شرح العلل 1/360 0
(9) المجروحين 1/27 0
(10) الكفاية ص: 163 و 164 0(1/6)
0 مالك بن انس امام دار الهجرة ( ت 179 هـ ) : فقد اوصى خالد بن خداش بقوله :" اتق الله ، وانظر ممن تاخذ هذا الشأن "(1) 0
0 عبد الله بن المبارك ( ت 181 هـ ) والنقل في ذلك عنه طيب كثير منه
أ0" الإسناد من الدين ، لولا الاسناد لقال من شاء ما شاء"(2) 0
ب0مثل الذي يطلب دينه بلا اسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم " (3)0 قال صالح : يعني ان الحديث بلا اسناد ليس بشيء ، وان الاسناد درج المتون به يوصل اليها (4)0
ج0 " إن الله حفظ الاسانيد على امة محمد- صلى الله عليه وسلم - " (5) 0
د0 " طلب الاسناد المتصل من الدين " (6) 0
هـ0 " بيننا وبين القوم القوائم " يعني الاسناد (7) 0
14 0 يحيى بن سعيد القطان ( ت 198 هـ ) : " الإسناد من الدين " (8) 0
15 0سفيان بن عيينة الهلالي ( ت 198 هـ) : فقد حمل اصحاب الحديث عليه يوما" فصعد فوق غرفة فقال له اخوه : تريد ان يتفرقوا عنك ؟ حدثهم بغير اسناد ، فقال : انظروا الى هذا ، يأمرني ان اصعد فوق البيت بغير درجة "(9) 0 16 0 أبو سعيد الحداد احمد بن داود : " الإسناد مثل الدرج ، ومثل المراقي فاذا زلت رجلك عن المرقاة سقطت "(10) 0
ومن هذه الاثار نتوصل الى النتائج الآتية :
__________
(1) الكفاية ص: 163 و 164 0
(2) مسلم في مقدمة صحيحه 1/15، الترمذي في علله الصغير5/740 المطبوع مع السنن ، الجرح والتعديل 2/16، المجروحين 1/26 ،معرفة علوم الحديث ، الحاكم ص: 6 ، الكفاية ص :526 ، وروى مسلم هذه الكلمة في مقدمة صحيحه 1/15 عن ابن سيرين أيضا 0
(3) الكفاية ص : 525 0
(4) الكفاية ص: 525 0
(5) شرح علل الترمذي 1/360 0
(6) الكفاية ص: 524 وانظر توثيق السنة ، د. رفعت فوزي ص: 0242
(7) مسلم في مقدمة صحيحه 1/15 ، الترمذي في العلل الصغير 5/740 0
(8) شرح علل الترمذي 1/360 ،وروى ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1/16 مثله عن عبد الله بن المبارك . 0
(9) الكفاية ص : 525 0
(10) الكفاية ص: 526 0(1/7)
أولا" : ان الاسناد من الدين ، وذلك لان الاحكام الشرعية والعلمية لا تثبت إلا بنقل صحيح ، فاذا عريت منه سقط الاحتجاج بها 0
ثانيا" : انما يعرف صحيح الحديث من سقيمه ومعوجه من مستقيمه بالاسناد 0
ثالثا" : ان الله حفظ على هذه الامة اسانيدها ، فمن تجرأ ان يفتري على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يلبث أن يفتضح ، ورحم الله القائل : " لو هم احد أن يكذب بالليل لافتضح بالنهار " وذلك من حفظ الوحيين 0
رابعا" : ان نقل الرواية بسندها براءة من عهدتها 0
خامسا" : ان نقل المرويات بالاسانيد هو مما اختص به اهل السنة والجماعة ، قال ابو نصر احمد بن سلام الفقيه : " ليس شيء اثقل على اهل الالحاد وابغض اليهم من سماع الحديث وروايته باسناده " (1)0
قال الإمام الحاكم – رحمه الله تعالى - : " فلولا الاسناد ، وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الاسلام ، ولتمكن اهل الالحاد والبدع فيه بوضع الاحاديث وقلب الاسانيد ، فان الاخبار اذا تعرت عن وجود الاسانيد فيها كانت بترا" (2)0
ونختم الكلام هنا بكلمة جامعة للامام محمد عبد الحي اللكنوي ( ت 1304 هـ) فقال : بعد ان نقل جملة من الاثار التي اوردناها وغيرها : " فهذه العبارات بصراحتها او باشارتها تدل على انه لا بد من الاسناد في كل امر من امور الدين ، وعليه الاعتماد ، اعم من ان يكون ذلك الامر من قبيل الاخبار النبوية ، او الاحكام الشرعية ، او المناقب والفضائل ، والمغازي والسير والفواضل ، وغير ذلك من الامور التي لها تعلق بالدين المتين والشرع المبين ، فشيء من هذه الامور لا ينبغي عليه الاعتماد ما لم يتأكد بالاسناد ، لا سيما بعد القرون المشهود لهم بالخير " (3). أ.هـ كلامه – رحمه الله تعالى - 0
__________
(1) معرفة علوم الحديث ، الحاكم ص :4 0
(2) معرفة علوم الحديث ص: 6 0
(3) الأجوبة الفاضلة ، اللكنوي ص: 27 0(1/8)
وقال في موضع اخر : " وخلاصة المرام في تحقيق المقام ان الامور الدينية باسرها محتاجة الى بروز سندها واتصالها الى منبعها ، او تصريح يعتمد عليه بها ، ولا يستنثى من ذلك شيء منها ، غاية الامر ان ان منها ما يشدد ويحتاط في طريق ثبوتها ، ومنها ما يتساهل ادنى تساهل في طريقها " (1) . أ.هـ 0
المبحث الثالث : اختصاص هذه الأمة بالإسناد
وقد نص على ذلك طائفة من العلماء منهم :
أ 0أبو بكر محمد بن احمد ( ت 331 هـ ) قال : " بلغني ان الله خص هذه الامة بثلاثة اشياء لم يعطها من قبلها من الامم : الاسناد والانساب والاعراب "(2) 0
ب0أبو علي الحسين بن محمد الجياني الغساني ( ت498 هـ) قال : " خص الله تعالى هذه الامة بثلاثة اشياء لم يعطها من قبلها : الاسناد والانساب والاعراب " (3)0
ج0وقال الحافظ أبو محمد بن حزم ( ت 456 هـ) :" نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي- صلى الله عليه وسلم - مع الاتصال ، نقل خص الله عز وجل المسلمين به دون سائر اهل الملل كلها ... واما مع الارسال والاعضال فمن هذا النوع كثير من نقل اليهود بل هو أعلى ما عندهم ، الا انهم لا يقربون فيه من موسى عليه السلام كقربنا فيه من محمد- صلى الله عليه وسلم -... وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل الا تحريم الطلاق وحده فقط على ان مخرجه من كذاب قد صح كذبه ، ثم قال : واما النقل بالطريق المشتملة على كذاب او مجهول العين ، فكثير في نقل اليهود والنصارى "(4) 0
__________
(1) الأجوبة الفاضلة ص: 64-65 0
(2) شرف اصحاب الحديث (40) ، فتح المغيث ، السخاوي 3/6 0
(3) تدريب الراوي ، السيوطي 2/160 0
(4) الفصل ، ابن حزم 2/219 – 223 فصل : كيف تم نقل القران وامور الدين . 0(1/9)
د0 وقال شيخ الاسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) :" وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به امة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجعله سلما" الى الدراية ، فاهل الكتاب لا اسناد لهم يأثرون به المنقولات وهكذا المبتدعون من هذه الامة اهل الضلالات ، واما الاسناد لمن اعظم الله عليه المنة ، اهل الاسلام والسنة ، يفرقون به بين الصحيح والسقيم ، والمعوج والقويم "(1) 0
المبحث الرابع : التفتيش عن الإسناد
مما لا شك فيه ان الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعا" هم من اول من فتح باب التثبت في الاخبار ، قال الحافظ الذهبي في ترجمة ابي بكر الصديق : " وكان اول من احتاط في قبول الاخبار ، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب :" ان الجدة جاءت الى ابي بكر تلتمس ان تورث ، فقال ما اجد في كتاب الله شيئا" ، وما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا" ، ثم سال الناس ؟ فقام المغيرة فقال : حضرت رسول الله صلى اله عليه وسلم يعطيها السدس ، فقال له : هل معك احد ؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك ، فانفذه لها ابو بكر " (2)0
وقال الذهبي في ترجمة عمر بن الخطاب : " وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل وربما كان يتوقف في خبر الواحد اذا ارتاب " (3) ولم يكن توقفه عن تهمة ولكن اراد ان لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - (4)0
__________
(1) علم الرجال نشاته وتطوره ، محمد مطر الزهراني ص :21 وانظر فيه اثارا" اخرى عن ابي حاتم الرازي ، ومحمد بن حاتم بن المظفر ص: 19و20 ويراجع : فتح المغيث 3/5-6 ، توضيح الأفكار ، الصنعاني 2/399 والنص المذكور عن شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموعة الفتاوي 1/11 ط2 /998 0
(2) تذكرة الحفاظ 1/2 0
(3) تذكرة الحفاظ 1/6 0
(4) فتح الباري 11/26 رقم ( 6245 ) وانظر علم الرجال ص :21-22 0(1/10)
ثم تبع عمر علي في التثبت وكان يستحلف من يحدثه 0 قال ابن حبان : " وهذان اول من فتش عن الرجال في الرواية وبحثا عن النقل في الاخبار ثم تبعهما الناس على ذلك ... وتشديدهم فيها على اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان منهم ذلك توقيا" للكذب عليه من بعدهم ، لا انهم كانوا متهمين في الرواية " (1)0
إلا أن كثرة السؤال عن الاسناد والتفتيش عنه ازدادت بعد ان جدت امور دفعتهم الى ان يزيدوا من هذه العناية وهذا التوثيق ، فعندما وقعت الفتنة قبل استشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، واستمرت بعد ذلك كان بعض اهلها لم ينالوا شرف الصحبة ، ولم يكن عندهم من الايمان ما يعصمهم من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزادوا في الأحاديث مما ينصر بدعهم وأهوائهم (2) 0
ففتنه مقتل الخليفة الثالث رضي الله عنه تعتبر من اخطر الاحداث التي مرت بها الدولة في عصر الخلافة الراشدة ، وقد تركت من الاختلاف والانقسام في صفوف الامة ما كاد يودي بها ، وقد اعقبها فتن داخلية اخرى تتصل بها وتتفرع عنها وهي موقعة الجمل وصفين والنهروان ... ومثل هذه الفتنة لا بد ان تختلف فيها الاهواء وتضطرب فيها المرويات ، وهي تمثل الاتجاهات المختلفة السائدة في وقت الرواية ثم عصرالتدوين . ومن هنا تظهر اهمية نقد الروايات والتعرف على اتجاهات الرواة والظروف التي احاطت بشاهد العيان الذي يرتقي اليه الاسناد (3) 0
والإسناد يجعل كثيرا" من الرواة يدركون ان محاولتهم لتزييف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستبوء بالفشل فيمنعهم ذلك من الاقدام عليها خاصة وان النقاد كان يفصحون امرهم ويكشفون سترهم بكل ما امكنهم من الوسائل (4) 0
__________
(1) المجروحين 1/38 0
(2) توثيق السنة ص: 56 0
(3) تاريخ الخلافة الراشدة ، د. اكرم العمري ص : 405 ، علم الرجال ص :23 0
(4) توثيق السنة ص: 242 0(1/11)
إذا" ففتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ، هي التي ارخت بداية نشوء علم الاسناد وعلم الجرح والتعديل من علوم الحديث(1) ، قال الامام محمد بن سيرين ( ت 110 هـ) :" فلما وقعت الفتنة سالوا عن الاسناد ليحدث حديث اهل السنة ويترك حديث اهل البدعة " (2) 0
لكن روى الامام احمد – رحمه الله تعالى – عن جابر بن نوح قال : اخبرنا الاعمش عن ابراهيم النخعي قال : " انما سئل عن الاسناد ايام المختار "(3) 0
قلت : لكن هذا الاسناد ضعيف ، لا يصلح ان يقاوم الرواية السابقة ، وذلك لان فيه جابر بن نوح الحماني ، قال فيه يحيى بن معين :" ليس بشيء " (4) ، وقال ابن حبان : يروي عن الاعمش وابن ابي خالد المناكير الكثيرة ، كانه يخطئ حتى صار في جملة من سقط الاحتجاج بهم اذا انفردوا (5)، وضعفه الحافظ ابن حجر (6)0
__________
(1) المنهج المقترح ص: 030
(2) مسلم في مقدمة صحيحه 1/15 ، سنن الدارمي (422 ) ، الجرح والتعديل 2/28 ، أحوال الرجال ، الجوزجاني ص:35-36، مقدمة الكامل ص :121 ، حلية الأولياء 2/278 0
(3) العلل للامام احمد برواية ابنه عبد الله 3/380 فقرة ( 5673 ) 0 والمختار هو الثقفي ولد عام الهجرة ، خرج على اولاد علي ، ثم شايع الزبير ، ثم تظاهر بالمطالبة بدم الحسين ثم ادعى ان الوحي ينزل عليه قتله مصعب بن الزبير سنة 76هـ انظر : لسان الميزان ، ابن حجر 6/6-7 ، علم الرجال: ص 24-25 ، شرح علل الترمذي 1/355-356 وقد ذكره باسناده ، وسبب هذا : انه كثر الكذب على علي(رضي الله عنه ) في تلك الايام . 0
(4) ميزان الاعتدال 1/379 ، الخلاصة ص: 59 0
(5) المجروحين 1/210 0
(6) التقريب ، ابن حجر ص :136 تحقيق محمد عوامة 0(1/12)
وبعد أن أرخنا بداية البحث عن الاسانيد ، نذكر اول من اشتهر عنه ذلك ، فقال علي بن المديني :" كان محمد بن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الاسناد ، لا نعلم احدا" اول منه ... "(1) 0 وقال يحيى بن سعيد القطان في الشعبي :" وهذا اول من فتش عن الاسناد " (2) 0 وقال مالك بن انس : " اول من اسند الحديث ابن شهاب الزهري " (3) 0
أقول : ويمكن الجمع بين هذه الاقوال بحملها على بلدانهم ، فأول من فتش عن الاسناد في البصرة : محمد بن سيرين ( ت 110 هـ) وفي الكوفة : الامام عامر بن شراحيل الشعبي ( ت 103 هـ) ، وفي الشام : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( ت 124 هـ) ، ويلاحظ ان الشعبي اقدمهم وفاة ثم ابن سيرين ثم الزهري – رحمهم الله اجمعين 0
فائدة :
قال الإمام الحافظ الذهبي : " فاول من زكى وجرح عند انقراض عصر الصحابة الشعبي ، وابن سيرين ونحوهما ، وحفظ عنهم التوثيق اناس وتضعيف اخرين ... فلما كان عند انقراض عامة التابعين في حدود الخمسين ومئة ، تكلم طائفة من الجهابذة في التوثيق والتضعيف كالاعمش( ت 148 هـ ) وشعبة بن الحجاج (ت 160 هـ) ومالك بن انس(ت179هـ)"(4) 0
المبحث الخامس : الإسناد عند غير المحدثين
__________
(1) شرح علل الترمذي 1/355 0
(2) المحدث الفاصل ، الرامهرمزي ص : 208 ، التمهيد ، ابن عبد البر 1/55 0
(3) الجرح والتعديل 1/25 0
(4) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ص :159-162 ، ويراجع ايضا" : المجروحين 1/38-58 ، شرح علل الترمذي 1/347-348 0(1/13)
ما من تيار فكري اسلامي الا وله من عدوى الحديث حظ معلوم ، ان لم يكن فيما حمله تراث النبوة من وصايا وحكم وتعاليم ففي طرق التحمل والاداء ، وشرط الرواية والرواة ، ومقاييس النقد والتجريح ، واساليب التصنيف والتخريج ومعايير الموازنة والترجيح ، فهذه كلها دخلت شواهد النحو وسادت أبحاث اللغة وارتفعت الى اخبار الادب ، وتركت في الجميع اصداءها الشداد ، عن طريق الرواية والاسناد ... ومنذ ان اتسع القول في علوم الحديث ووضعت الاصول الكبرى لمصطلحات الحديث وشاعت بين الناس تلك القواعد والمصطلحات بدأ الرواة يحرصون على رواية ما اتصل من الاسانيد في كل ما ارادوا تعلمه او تعليمه من الاخبار والسير والاشعار ، وان كانوا في ذلك كله احرص على الورع والاحتياط في نقل احاديث الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -(1)0
ولم يقتصر التشدد في طلب الاسناد على محيط العلماء وطلاب العلم بل اصبح الاسناد امرا" بدهيا" مسلما" به عند العامة والخاصة(2) 0 ويظهر هذا فيما يرويه الاصمعي فيقول : " حضرت ابن عيينة واتاه اعرابي فقال : كيف اصبح الشيخ يرحمه الله ؟ فقال سفيان : بخير نحمد الله ، قال : ما تقول في امرأة من الحاج حاضت قبل ان تطوف بالبيت ؟ فقال : تفعل ما يفعل الحاج غير انها لا تطوف بالبيت ، فقال : هل من قدوة ؟ قال : نعم ، عائشة حاضت قبل ان تطوف بالبيت فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم -أن تفعل ما يفعل الحاج غير الطواف ، قال : هل من بلاغ عنها ؟ قال : نعم ، حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه عن عائشة بذلك . قال الاعرابي : لقد استسمنت القدوة واحسنت البلاغ ، والله لك بالرشاد " (3) 0
تنبيه :
__________
(1) علوم الحديث ، صبحي الصالح ص:322 و 324 0
(2) أصول الحديث ص : 429 0
(3) الكفاية ص :540 0وينظر : أصول الحديث ، محمد عجاج الخطيب ص :429 0(1/14)
ومع شيوع الاسناد في كتب السير والاداب واللغة والمواعظ والامثال وغيرها ، الا انه ينبغي علينا ملاحظة أمر جدير بالعناية وهو انه – وان كان لا بد للاسناد في كل امر من امور الدين – لكن قد يقوم مقامه نقل من يعتمد عليه ، وتصريح من يستند اليه ، لا سيما في الاعصار المتأخرة ، لفوات اهتمام الاسناد فيها بالشروط المقررة ، فان شدد فيها بطلب الاسناد في كل امر فات المراد ، فيكتفى بتصريح من عليه الاعتماد(1) 0 وحكى الاستاذ أبو إسحاق الاسفرايني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة ولا يشترط اتصال السند الى مصنيفها ، وذلك شامل لكتب الحديث والفقه (2) 0
تنبيه آخر :
مما يلاحظ في الرواية التاريخية انه لا يشترط فيها الصحة الحديثية ، وان اشتراط ذلك تعسف ، لان ما تنطبق عليه هذه الشروط لا يكفي لتغطية العصور المختلفة للتاريخ الاسلامي مما يولد فجوات في تاريخنا ، واذا قارنا ذلك بتواريخ العالم فانها كثيرا" ما تعتمد على روايات مفردة او مؤرخين مجهولين ، لذلك يكفي في الفترات اللاحقة التوثق من عدالة المؤرخ وضبطه لقبول ما يسجله مع استخدام قواعد النقد الحديثي في الترجيح عند التعارض بين المؤرخين ، ان اشتراط الامانة : الثقة والدين في المؤرخ ضروري لقبول شهادته على الرجال والامم وتقويم دورها التاريخي (3) 0 وعندما نقول : الرواية التاريخية لا يشترط فيها الصحة الحديثية فالمقصود هو الرواية التي لا تعلق لها بالاحكام الشرعية الاعتقادية والعلمية ، لانها عند ذلك تكون تعبدا" ، والتعبد يشترط فيه صحة مستنده ، وكما قدمنا : ان الاسناد من الدين 0
المبحث السادس : العلة في السند عند أهل الحديث ، وفيه مطلبان :
المطلب الأول : تعريف العلة :1- لغة 2- اصطلاحا
__________
(1) الأجوبة الفاضلة ص :59-60 0
(2) الأجوبة الفاضلة ص: 62-63 0
(3) السيرة النبوية الصحيحة 1/45 0(1/15)
1- لغة : قال الرازي : " العلة : المرض وحدث يشغل صاحبه عن وجهه ، كأن تلك العلة صارت شغلا" ثانيا" منعه عن شغله الاول"(1) 0
2- اصطلاحا" : المعلل(2) : خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح (3)0 فقوله : " خبر " ذكر لعلة السند وعلة المتن لان الخبر يشمل تالسند والمتن 0 وفي قوله : " ظاهره السلامة " بيان ان العلة تكون في الحديث الذي رجاله ثقات ، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر 0 وقوله : " اطلع فيه بعد التفتيش " دليل على خفاء القادح وعلى امعان النظر ، ولا يكون ذلك الا من الناقد الفهم العارف 0
وقوله : " على قادح " تعميم لاسباب العلل لتشمل العلل التي مدارها الجرح ، وتلك الناشئة عن اوهام الثقات ، وما يلتبس عليهم ضبطه من الاخبار وبذلك يكون هذا التعريف مطابقا" لواقع كتب العلل التي اشتملت على احاديث كثيرة اعلت بجرح راو من رواتها(4) 0
المطلب الثاني :أنواع العلل : تقع العلة في الحديث في مواطن ثلاثة هي :
1 0السند: وهذا هو الكثير والعلة القادحة فيه قد يقتصر اثرها عليه ، وقد تؤثر في المتن ايضا" ، ومما يقدح في السند والمتن اعلال السند بالوقف او الارسال او الانقطاع ، وهذا كثير في علل الحديث 0
2 0المتن 0 3 0 السند والمتن معا" ، فيكون الاثر شاملا" لهما(5) 0
وعلوم السند تنقسم الى قسمين من حيث الاتصال والانقطاع :
أما من حيث الاتصال فيندرج تحته :
__________
(1) مختار الصحاح ، الرازي ص :451 0
(2) يراجع تعريفه في : علوم الحديث ، ابن الصلاح ص: 81 ، اختصار علوم الحديث ، ابن كثير ص: 63 ، نزهة النظر ، ابن حجر ص :123 ، النكت على ابن الصلاح ، ابن حجر 2/710 ، تدريب الراوي 1/251 0
(3) هكذا عرفه الحافظ العراقي فيما نقله عنه البقاعي ينظر : مقدمة شرح علل الترمذي ، د0همام عبد الرحيم 1/22 0
(4) مقدمة شرح علل الترمذي 1/23 0
(5) أصول الحديث ص :294 0(1/16)
1 0المتصل ( الموصول ) : هو الذي سمعه كل واحد من رواته ممن فوقه حتى ينتهي الى منتهاه ، سواء كان مرفوعا" او موقوفا" (1) 0
2 0 المسند : وهو ما اتصل سنده مرفوعا" الى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يدخل الموقوف والمقطوع ولو اتصل اسنادهما (2) 0
3 0المعنعن : هو الحديث الذي يقال في سنده " فلان عن فلان " من غير بيان للتحديث او الاخبار او السماع (3) 0
4 0 المؤنن : هو الحديث الذي يقال في اسناده " فلان ان فلان " من غير بيان للتحديث او الاخبار او السماع (4) 0
5 0المسلسل : هو ما تتابع رجال اسناده على صفة واحدة او حال واحدة للرواة او للرواية ، وله انواع كثيرة بحسب تعدد احوال الرواة وصفاتهم واحوال الرواية (5)0
6 0العالي : هو الذي قل عدد رجاله مع الاتصال ، وكذا اذا تقدم سماع راويه ، او تقدمت وفاة شيخه (6) 0
7 0النازل : هو الذي بعدت المسافة في اسناده (7) 0
8 0المزيد في متصل الاسانيد : هو ان يزيد راو في الاسناد المتصل رجلا" لم يذكره غيره (8)0
أما من حيث الانقطاع فيندرج تحته الانواع الآتية :
__________
(1) اختصار علوم الحديث ص: 45 ، التدريب مع التقريب 1/183 ، علوم الحديث ، الصالح ص: 217 0
(2) اختصار علوم الحديث ص : 44 ، التدريب مع التقريب 1/182، منهج النقد ، العتر ص :349 ، علوم الحديث ص: 220 0
(3) توضيح الافكار 1/330 ، اسباب اختلاف المحدثين ، الأحدب 1/379 ، منهج النقد ص: 351 ، علوم الحديث ص: 222 0
(4) أصول الحديث ص: 356 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/179 ، منهج النقد ص: 351 ، علوم الحديث ، الصالح ص : 224 0
(5) اختصار علوم الحديث ص :168 ، حاشية لقط الدرر ص: 118 ، منهج النقد ص :354 ، علوم الحديث ص : 249 0
(6) اختصار علوم الحديث ص :161، منهج النقد ص: 358، علوم الحديث ، الصالح ص: 236 ، أصول الحديث ص : 368 0
(7) اختصار علوم الحديث ص :164 ، منهج النقد ص: 3620
(8) اختصار علوم الحديث ص: 176 ، منهج النقد ص: 364 . 0(1/17)
أولا" : المنقطع - أ – تعريفه :
هو الحديث الذي سقط من رواته راو واحد ، قبل الصحابي ، او مواضع متعددة بحيث لا يزيد الساقط في كل منها على واحد ، والا يكون الساقط في اول السند (1) . هكذا عرفه المتاخرون 0
وهذا التعريف جعل المنقطع مباينا" لسائر الانواع ، حيث خرج بقولهم واحد المعضل ، وبما قبل الصحابي المرسل ، وبشرط ان لا يكون الساقط اول السند خرج المعلق (2) 0
وقال ابن عبد البر :" المنقطع كل مالا يتصل ، سواء كان يعزى الى النبي- صلى الله عليه وسلم -أو إلى غيره " (3) فهو ما سقط منه راو او اكثر في اي موضع من السند ، وعلى ذلك درج المتقدمون ، وقال النووي : " انه الصحيح الذي ذهب اليه الفقهاء والخطيب وابن عبد البر وغيرهم من المحدثين " (4) 0
ب – أمثلته :
1- قال ابو داود في سننه : ثنا شجاع بن مخلد ثنا هشيم انا يونس بن عبيد عن الحسن ان عمر بن الخطاب جمع الناس على ابي بن كعب فكان يصلي لهم عشرين ليلة ، ولا يقنت الا في النصف الباقي " (5) 0
فهذا إسناد منقطع الحسن البصري ولد سنة 21 هـ ومات عمر في اواخر سنة 23 هـ ، او في اول المحرم سنة 24 هـ فانى يمكن للحسن ان يسمع عمر(6) 0
2 0قال الترمذي في علله الكبير : ثنا علي بن حجر ثنا معمر بن سليمان الرقي عن الحجاج بن ارطأة عن عبد الجبار بن وائل عن ابيه قال : أستكرهت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فدرأ عنها الحد ، وأقامه على الذي اصابها ..." 0
__________
(1) منهج النقد ص :367-368 ، علوم الحديث ، الصالح ص :168 ، أصول الحديث ص :339-340 0
(2) منهج النقد ص :368 0
(3) التمهيد 1/21 0
(4) التقريب مع التدريب 1/207-208 ، اختصار علوم الحديث ص:50 ، الكفاية ص: 26 0
(5) سنن ابي داود 2/65 رقم ( 1429 ) كتاب الصلاة - باب القنوت في الوتر 0
(6) تهذيب السنن ، المنذري 2/127 ، منهج النقد ص: 368 0(1/18)
وهذا منقطع في موضعين ، قال الامام البخاري : " الحجاج بن ارطاة لم يسمع من عبد الجبار بن وائل ، وعبد الجبار لم يسمع من ابيه ولد بعد موت ابيه " (1) 0 قال أبو حاتم الرازي : " عبد الجبار ... روى عن ابيه ، مرسل ، ولم يسمع منه " (2) 0
3 0روى الحاكم بإسناده عن عبد الرزاق عن الثوري عن ابي اسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة مرفوعا" : " ان وليتموها ابا بكر فقوي امين ... "(3) الحديث 0
قال ابن الصلاح : فيه انقطاع في موضعين : احدهما : ان عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري ، انما رواه عن النعمان بن ابي شيبة الجندي عنه ، والثانية : ان الثوري لم يسمعه من ابي اسحاق ، انما رواه عن شريك عنه (4) 0
ج- حجيته :
والمنقطع مردود لا يحتج به للجهل بحال المحذوف منه ، فاذا جاء المنقطع من وجه اخر متصلا" ، وتبينت ثقة الراوي المحذوف او المبهم قبل (5) 0
ثانيا" : المرسل – أ – تعريفه :
اختلف العلماء في تعريف الحديث المرسل بسبب اختلاف موقعه عند المحدثين ، والمشهور : ان الحديث المرسل : هو ما رفعه التابعي صغيرا" كان او كبيرا" ، من قوله - صلى الله عليه وسلم - أو فعله أو تقريره أو صفته (6) 0
ب – أمثلته :
__________
(1) منهج النقد ص: 368 0
(2) الجرح والتعديل 6/30 0
(3) المستدرك ، الحاكم 3/142 ، معرفة علوم الحديث ص :28-29 0
(4) علوم الحديث ، ابن الصلاح ص:52 ، اختصار علوم الحديث ص :50 0
(5) أصول الحديث ص : 340 ، علوم الحديث ، الصالح ص: 168 0
(6) أصول الحديث ص : 337 ، منهج النقد ص :370 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/214 0(1/19)
1 0ما رواه الشافعي : انا سعيد ( هو ابن سالم القداح ) عن ابن جريج قال : اخبرني حميد الاعرج عن مجاهد انه قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم -يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك ... " الحديث (1)0فمجاهد تابعي بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - واسطة أو أكثر ، حذفها ، ولم يبينها ، فالحديث مرسل(2) 0
2 0قال ابن ماجه : ثنا علي بن محمد ثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن يحيى ثنا ابو نعيم قال : ثنا زمعة بن صالح عن عيسى بن يزداد اليماني عن ابيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اذا بال احدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات "(3) 0
قال العلائي : " قال ابن ابي حاتم عن أبيه : هو مرسل ، اي انه تابعي ، قال ابن عبد البر : يقال له صحبة واكثرهم لا يعرفونه وقد قيل حديثه مرسل " (4) 0
ج- حجيته :
اختلف العلماء في الاحتجاج بالحديث المرسل على اقوال كثيرة ذكرها الحافظ العلائي وشيخ الاسلام ابن حجر وغيرهما ويرجع حاصلها الى ثلاثة اقوال :
القول الأول : مذهب جمهور المحدثين وكثير من الفقهاء والاصوليين وهو ان المرسل ضعيف لا يحتج به ، للجهل بحال المحذوف ، لاحتمال ان يكون غير صحابي واذا كان كذلك فان الرواة حدثوا عن الثقات وعن غير الثقات فاذا روى احدهم حديثا" وارسله لعله اخذه عن غير ثقة 0
القول الثاني : مذهب ابي حنيفة ومالك ورواية عن الامام احمد واكثر المعتزلة ، وجماعة من المحدثين 0
__________
(1) ترتيب مسند الشافعي ، الساعاتي 1/304 -305 0
(2) منهج النقد ص: 370 0
(3) ابن ماجه في سننه 1/118 رقم ( 326 ) كتاب الطهارة – باب الاستبراء بعد البول 0
(4) جامع التحصيل ، العلائي ص :143 ، قلت : وعيسى بن يزداد ، قال فيه البخاري وابو حاتم : لا يصح حديثه كما في الخلاصة ص :304 0(1/20)
القول الثالث : مذهب الامام الشافعي قبول المرسل من كبار التابعين بشرط الاعتبار بالحديث المرسل والراوي المرسل : اما الاعتبار في الحديث فهو ان يعتضد بواحد من اربعة امور : أ- ان يروى مسندا" من وجه اخر -ب- او يروى مرسلا" بمعناه عن راو اخر لم ياخذ عن شيوخ الاول فيدل ذلك على تعدد مخرج الحديث ، -ج – او يوافقه قول بعض الصحابة ، -د- او يكون قد قال به اكثر اهل العلم 0
وأما الاعتبار في راوي المرسل فان يكون الراوي اذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا" ولا مرغوبا" عنه في الراوية ، فاذا وجدت هذه الأمور كانت دلائل على صحة مخرج حديثه ، كما قال الشافعي ، فيحتج به (1) 0
ثالثا" : المعضل – أ- تعريفه :
هو ما سقط من اسناده راويان متتاليان او اكثر ، ومنه ما يرسله تابع التابعي ، وسمي بذلك لان الحديث بسقوط واحد ، يصير مردودا" ، فاذا سقط منه اثنان او اكثر كان امره اشد ، فكان المحدث بهذا الاسقاط اعضله اي اعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه (2)0
ب – أمثلته :
__________
(1) للاحتجاج بالمرسل يراجع : الكفاية ص: 512-517 ، اختصار علوم الحديث ص:48-49 ، جامع التحصيل ص: 33-87 ، نزهة النظر ص: 111 ، النكت على ابن الصلاح 2/546-556 ، تدريب الراوي 1/198 – 202 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/227-267 ، اصول الحديث ص: 338-339 0
(2) النكت على ابن الصلاح 2/575 و 580 ، تدريب الراوي 1/211-213 ، علوم الحديث ، الصالح 169 – 170 ، منهج النقد ص: 378-379 ، أصول الحديث ص: 340 0(1/21)
1 0ما رواه مالك عن معاذ بن جبل قال : اخر ما اوصاني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وضعت رجلي في الغرز قال : " حسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل " (1) وبين مالك المولود سنة 93 هـ ومعاذ بن جبل المتوفى سنة 18 هـ اكثر من راويين فهو معضل (2) 0
2 0حديث مالك : انه بلغه ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " استقيموا ولن تحصوا ، واعملوا وخير اعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء الا مؤمن "(3) 0
فقد سقط رجال السند بين مالك وبين النبي- صلى الله عليه وسلم - وهم رجلان على الاقل التابعي والصحابي فهو معضل ، كما انه يصح ان يسمى معلقا" لان السقط وقع في اول السند(4) 0
ومن المعضل : ما ارسله تابع التابعي موقوفا" على التابعي ، ومثاله: ما رواه الاعمش عن الشعبي قال : " يقال للرجل يوم القيامة ، عملت كذا وكذا ؟ فيقول : لا : فيختم على قلبه ..." الحديث 0
لان الشعبي إنما رواه عن انس ، وانس رواه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، فقد أعضل الأعمش الحديث بإسقاطه أنسا" ورسول الله- صلى الله عليه وسلم - من إسناده (5) 0
__________
(1) الموطأ – مع تنوير الحوالك 3/94-95 كتاب الجامع – ما جاء في حسن الخلق . والغرز بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وزاي ، موضع الركاب من رحل البعير كالركاب للسرج 0
(2) منهج النقد ص: 379 0
(3) الموطأ- مع التنوير 1/56 جامع الوضوء . قال ابن عبد البر في التقصي ص: 250 : " هذا يستند ويتصل من حديث ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -من طرق صحاح " وفي تنوير الحوالك ، السيوطي 1/56 :" قال ابن عبد البر : هذا الحديث يتصل مسندا" من حديث ثوبان وعبد الله بن عمرو من طرق صحاح قال السيوطي : حديث ثوبان اخرجه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ، وحديث ابن عمرو اخرجه ابن ماجه والبيهقي في سننه " أ.هـ
(4) منهج النقد ص :379 0
(5) اختصار علوم الحديث ص: 50 ، علوم الحديث ، الصالح ص:170 ، منهج النقد ص:380 0(1/22)
وهو حديث صحيح اخرجه مسلم (1) من طريق فضيل بن عمرو عن الشعبي عن انس مرفوعا" اليه - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن الصلاح : " هذا جيد حسن ، لان هذا الانقطاع بواحد مضموما" الى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين الصحابي ورسول الله- صلى الله عليه وسلم - فذلك باستحقاق اسم الاعضال اولى " (2) 0
ج- حجيته :
المعضل أسوأ حالا" من المنقطع ، والمنقطع اسوء حالا" من المرسل ، والمرسل لا تقوم به حجة ، وانما يكون المعضل اسوء حالا" من المنقطع اذا كان الانقطاع في موضع واحد من الاسناد ، فاذا كان في موضعين او اكثر فانه يساوي المعضل في سوء الحال (3)0
رابعا" : المعلق - أ – تعريفه :
هو ما حذف مبتدأ اسناده ، سواء كان المحذوف واحدا" او اكثر على سبيل التوالي ، ولو الى اخر السند(4) 0
ب – حجيته :
وهو مردود مثل حكم المنقطع ، للجهل بحال المحذوف ، الا ان يقع في كتاب التزمت صحته ، كصحيح البخاري ومسلم فان العلماء درسوا معلقاتهما وتوصلوا الى نتيجة علمية خاصة بهما (5) 0
ج – معلقات الامام البخاري :
__________
(1) في الزهد من صحيحه 8/216 بشرح النووي 0
(2) علوم الحديث ، ابن الصلاح ص:55-56 ويراجع : معرفة علوم الحديث ص: 37-38 ، النكت على ابن الصلاح 2/581 ، تدريب الراوي 1/213 . 0
(3) النكت على ابن الصلاح 2/581-582 ، توضيح الأفكار 1/329 ، علوم الحديث ، الصالح ص: 170 . 0
(4) علوم الحديث ، الصالح ص: 224 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/326 ، منهج النقد ص: 374 0
(5) منهج النقد ص: 375 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/328 ، نزهة النظر ص: 109 0(1/23)
التعليق كثير في صحيح البخاري ، وانما اورده معلقا" اختصارا" ومجانبة التكرار ، واكثر ما في البخاري من ذلك موصول في موضوع اخر من كتابه ، فما كان منه بصيغة الجزم : كقال وفعل وامر وروى وذكر فلان فهو حكم بصحته عن المضاف اليه ، لانه لا يستجيز ان يجزم بذلك عن المضاف اليه الا وقد صح عنده عنه(1) 0
مثال ذلك 1- قول البخاري في الصوم : " وقال يحيى بن كثير (ت 206 هـ) عن عمرو بن الحكم بن ثوبان عن ابي هريرة قال : " اذا قاء فلا يفطر "0
2 -قوله في الصوم : " وقال صلة عن عمار : من صام يوم الشك فقد عصى ابا القاسم " (2) . وصلة بن زفر من فضلاء التابعين والحديث صححه الترمذي وغيره ، قال الترمذي : ثنا ابو سعيد عبد الله بن سعيد الاشبح انا ابو خالد الاحمر عن عمرو بن قيس عن ابي اسحاق عن صلة به (3)0
وما كان من المعلق بغير صيغة الجزم : كيروى ويذكر ويحكى ويقال ونحو ذلك ليس له حكم الصحة عن المضاف اليه ، وليس بواه لادخاله في كتاب الصحيح بل ايراده في الصحيح يشعر بصحة اصله ، ويؤنس به ويركن اليه (4)0
__________
(1) التقريب مع التدريب 1/117-118 0
(2) صحيح البخاري مع الفتح 4/119 0
(3) الترمذي 2/97 في الصوم – باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك . وقد وصله ايضا" ابو داود 2/300رقم (2334 ) في الصوم – باب كراهية صوم يوم الشك ابن ماجه 1/527 رقم ( 1645 ) في الصوم – باب ما جاء في صيام يوم الشك . النسائي 4/153 في الصوم – باب صيام يوم الشك ، كلهم عن عمرو بن قيس به ويراجع : ارواء الغليل : الالباني 4/125-127 (961) نصب الراية : الزيلعي 2/442 ونزهة النظر ص 147-148 من الهامش ، ففيها تخريج واف . 0
(4) التقريب مع التدريب 1/120-121 0(1/24)
ومثال المعلق بغير جزم وهو صحيح قوله : " يذكر عن عبد الله بن السائب قال : قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنون ، في صلاة الصبح حتى اذا جاء ذكر موسى وهارون او ذكر عيسى اخذته سعلة فركع " وهو حديث صحيح اخرجه مسلم (1) 0
ومثال المعلق بغير جزم وهو ضعيف قوله في الوصايا : " ويذكر ان النبي - صلى الله عليه وسلم -قضى بالدين قبل الوصية " 0
وقد رواه الترمذي موصولا" : ثنا ابن ابي عمر انا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث الاعور عن علي عن النبي- صلى الله عليه وسلم -(2) ، والحارث ضعيف ، كذبه الشعبي وابن المديني ووهاه ابن حبان وضعفه ابن معين في رواية وقال في الرواية الاخرى هو والنسائي : ليس بالقوي ، وقال ابو حاتم والنسائي في رواية عنه : ليس بالقوي وزاد ابو حاتم : ضعيف الحديث ولا ممن يحتج بحديثه(3) 0
د- معلقات الامام مسلم :
ليس في صحيح مسلم من الاحاديث المعلقة الا اشياء يسيرة عدها الحافظ ابو علي الغساني الجياني وتبعه المازري : اربعة عشر موضعا" ، وحقق ابن الصلاح وتبعه الامام النووي وكذا الرشيد العطار انها : اثنا عشر موضعا" وهو كما قال ابن الصلاح ، لان فيها حديثا" مكررا" ، واخر هومتصل في رواية الجلودي فبقي اثنا عشر حديثا" ، وقد ساقها بتمامها شيخ الاسلام ابن حجر ثم السيوطي(4) ، فلتراجع 0
__________
(1) في صحيحه رقم ( 163) ط محمد فؤاد عبد الباقي ، أبو داود في سننه 1/172 رقم (649) في الصلاة – باب الصلاة في النعل ، النسائي في سننه الصغرى 2/137 باب قراءة بعض السورة ، ابن ماجة في سننه 1/269 رقم ( 820) كتاب اقامة الصلاة – باب القراءة في صلاة الفجر 0
(2) الترمذي 3/294 رقم ( 2205) ابواب الوصايا – باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية 0
(3) الجرح والتعديل 3/78-79 ، المجروحين 1/222 ، ميزان الاعتدال 1/435 ، الخلاصة ص68 0
(4) النكت على ابن الصلاح 1/344-354 ، تدريب الراوي 1/208-210 0(1/25)
خامسا" : المرسل الخفي - أ – تعريفه :
هو الحديث الذي رواه عمن عاصره ، ولم يسمع منه ، ولم يلقه وهو ما اعتمده الحافظ ابن حجر(1) .
تنبيه :
ينبغي أن لا يختلط هذا النوع من الانقطاع ، بالانواع السابقة : المرسل الظاهر ، والمنقطع ، اما التدليس فسياتي بيانه قريبا" ان شاء الله تعالى .
وذلك لان الارسال الظاهر هو : ما رفعه التابعي صغيرا" كان او كبيرا" الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من قوله أو فعله أو تقريره أو صفته 0 بينما الإرسال الخفي : هو الانقطاع في اي موضع من السند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا ، وكذا لو التقيا ولم يقع بينهما سماع 0
والمنقطع : هو ما سقط من اسناده راو او اكثر لاعلى التوالي (2) 0
ب- حجيته :
وهو نوع من المنقطع ، الا ان الانقطاع فيه خفي ، لما ان تعاصر الراويين يوهم اتصال السند بينها(3) 0
ج- أمثلته :
1- ما رواه الامام الترمذي في علله الكبير : ثنا ابراهيم بن عبد الله الهروي نا انا يونس بن عبيد ( ت139هـ) عن نافع ( ت 117 هـ) عن ابن عمر قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مطل الغني ظلم ، واذا احلت على ملئ فاتبعه ، ولا تبع بيعتين في بيعة " (4) 0
__________
(1) نزهة النظر ص: 114 ، فتح المغيث 3/74 ، تدريب الراوي 2/205 0
(2) فتح المغيث 3/74 ، علوم الحديث ، ابن الصلاح ص: 261 حاشية رقم ( 1) . 0
(3) منهج النقد ص: 387 0
(4) انظر : منهج النقد 387 والفقرة الاخيرة عند الترمذي 4/427 رقم ( 1249 – تحفة الاحوذي ) ابواب البيوع – ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة ، ابن ماجة 2/803 رقم ( 2404) احمد 2/71 ، المنتقى ، ابن الجارود ص : 154 ، السنن الكبرى 6/70 وينظر : مجمع الزوائد 4/85 كشف الاستار 2/91 ارواء الغليل 5/249 -250 رقم ( 1418 )(1/26)
هذا الإسناد ظاهره الاتصال ، يونس بن عبيد ادرك نافعا" وعاصره معاصرة حتى عد فيمن سمع من نافع ، لكن ائمة النقد قالوا : انه لم يسمع منه ، قال البخاري : ما ارى يونس بن عبيد سمع من نافع ، وهو راي ابن معين واحمد بن حنبل وابي حاتم الرازي فهو من المرسل الخفي (1)0
2 0 ما رواه ابو عامر العقدي عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن ابي هريرة قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:" إذا استيقظ أحدكم من الليل فليوقظ امراته " قال السخاوي : " قال ابن معين والبزار : ابن المنكدر لم يسمع من ابي هريرة، بل قال ابو زرعة . انه لم يلقه ، وهو مقتضى ما نقله ابن المديني عن ابن عيينة من كون ابن المنكدر بلغ من العمر نيفا" وسبعين سنة ، وبيان ذلك ان وفاته كانت في سنة ثلاثين ومائة او التي بعدها ، فيكون على هذا مولده قبل الستين بيسير ، ووفاة ابي هريرة ايضا" كانت قبل الستين بيسير 0
وقد رواه ابن مهدي ووكيع العدني وغيرهم ، عن الثوري باثبات الوساطة التي لم تسم عند واحد منهم بين ابن المنكدر وابي هريرة ، وهو ممن لم يوصف بالتدليس فظهر ان الرواية الاولى من المرسل الخفي(2) .
د- كيفية معرفة الاسال الخفي :
قال الحافظ العلائي في المرسل الخفي : " وهو نوع بديع من اهم انواع علوم الحديث ،واكثرها فائدة ، واعمقها مسلكا" ، ولم يتكلم فيه بالبيان الا حذاق الائمة الكبار ، ويدرك بالاتساع في الرواية ، والجمع لطرق الحديث مع المعغرفة التامة ، والادراك الدقيق " (3) 0
وقال الحافظ ابن كثير :" وهذا النوع انما يدركه نقاد الحديث وجهابذته قديما وحديثا"(4) 0
ولمعرفة خفي الارسال طرق هي :
__________
(1) جامع التحصيل ص: 377 ، تهذيب التهذيب 11/445 ، المراسيل ، أبو حاتم الرازي ص: 147 ، تاريخ يحيى بن معين ، عباس الدوري 2/688 0
(2) فتح المغيث 3/74-75 0
(3) جامع التحصيل ص: 125 0
(4) اختصار علوم الحديث ص: 177 0(1/27)
1 0عدم اللقاء بين الراوي والمروي عنه ، او عدم السماع منه وهذا هو اكثر ما يكون سببا" للحكم . لكن يكون ذلك تارة بمعرفة التاريخ وان هذا الراوي لم يدرك المروي عنه بالسن بحيث يتحمل عنه ، وتارة يكون بمعرفة عدم اللقاء كما قيل في الحسن عن ابي هريرة فانه معاصر له ، ولكن لم يجتمع به ولما جاء أبو هريرة إلى البصرة لم يجتمع به لان الحسن كان في المدينة ، ولما رجع الحسن الى البصرة كان ابو هريرة في المدينة فلم يتلاقيا 0
وتارة يكون ذلك لانه لم يثبت من وجه صحيح انهما تلاقيا مع وجود المعاصرة بينهما فالحكم بالارسال هنا انما هو على اختيار ابن المديني والبخاري وابي حاتم الرازي وغيرهم من الائمة وهو الراجح دون القول الاخر الذي ذهب اليه مسلم وغيره من الاكتفاء بالمعاصرة المجردة وامكان اللقاء (1)0
2 0 أن يعرف عدم السماع بتصريح الراوي نفسه كتصريح ابي عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود انه لم يسمع من ابيه (2) 0
3 0 أن يعرف عدم سماعه منه لذلك الحديث فقط ، وان سمع منه غيره بنص امام او اخباره عن نفسه بذلك ببعض طرق الحديث 0 ومثاله ما رواه ابن شهاب الزهري عن ابي سلمة عن عائشة : عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين "(3) 0
__________
(1) جامع التحصيل ص :125 ، ويراجع : علوم الحديث ، ابن الصلاح ص: 261-262 ، الباعث الحثيث ص: 178 ، نزهة النظر ص: 114-115 ، فتح المغيث 3/74 -75 ، التدريب مع التقريب 2/205-206 0
(2) الخلاصة ص :185 ، جامع التحصيل ص:204-205 ، تدريب الراوي 2/205 0
(3) أبو داود 3/233 رقم ( 3292 ) الايمان والنذور / باب من راى عليه كفارة اذا راى معصية ، الترمذي 5/121-122 رقم ( 1562 و 1563 تحفة ) في النذور والايمان – باب ما جاء عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن لا نذر في معصية الله .(1/28)
قال الترمذي : " هذا حديث لا يصح ، لان الزهري لم يسمع هذا الحديث من ابي سلمة " (1) وقال الحافظ ابن حجر : " انما سمعه من سليمان بم ارقم عن يحيى بن ابي كثير عن ابي سلمة عن عائشة " (2)0 وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف ، والزهري روى عنه ، الا ان الحديث المتقدم لم يسمعه منه فهو من الارسال الخفي (3) 0
سادسا" : المدلس - أ – تعريفه :
لغة :
قال ابن فارس : " دلس : الدال واللام والسين اصل يدل على ستر وظلمة ، فالدلس : دلس الظلام . ومنه قولهم : لا يدالس ، اي لايخادع ، ومنه التدليس في البيع ، وهو ان يبيعه من غير ابانة عن عيبه ، فكانه خادعه ، واتاه به في الليل ... " (4) 0
2- اصطلاحا" : التليس ينقسم الى قسمين أ- تدليس الاسناد :
وللعلماء فيه خلاف ، وادق تعاريفه هو :" ان يروي المحدث عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه ، من غير ان يذكر انه سمعه منه " وبه عرفه ابو بكر البزار (ت 292 هـ) وابو الحسن بن القطان (ت628 هـ) ، ومشى عليه ابو بكر الخطيب وابن عبد البر وهو ما ارتضاه شيخ الاسلام ابن حجر (5) 0
والتدليس في الاسناد اقسام هي :
الأول : تدليس الاسقاط : هو ان يروي المحدث عمن لقيه وسمعه ما لم يسمعه منه موهما" انه سمعه منه ، او عمن لقيه ولم يسمع منه موهما" انه لقيه وسمع منه (6) 0
__________
(1) انظر : تحفة الاحوذي ، المباركفوري 5/121-122 ، جامع التنحصيل ص: 270 0
(2) التلخيص الحبير ، ابن حجر 4/193 ، وسليمان ابن ارقم ضعفه الحافظ . 0
(3) انظر : تهذيب التهذيب 12/115-116، أسباب اختلاف المحدثين 1/317 0
(4) معجم مقاييس اللغة 2/296 0
(5) الكفاية ص: 476 ، التمهيد 1/15 ، النكت على ابن الصلاح 2/614و615 ، اسباب اختلاف المحدثين 1/274-276و280 0
(6) منهج النقد ص:281 0(1/29)
ومثاله : ما رواه ابو عوانة عن الاعمش عن ابراهيم التيمي عن ابيه عن ابي ذر ان النبي صلى الله عليه وسلم : " فلان في النار ينادي يا حنان يا منان " 0 قال أبو عوانة : قلت للاعمش : سمعت هذا من ابراهيم ؟ قال : لا ، حدثني به حكم بن جبير عنه " (1) فقد دلس الاعمش الحديث عن ابراهيم فلما استفسر بين الواسطة بينه وبينه (2) 0
الثاني : تدليس التسوية ( التجويد ) : وهو ان يروي المدلس حديثا" عن ضعيف بين ثقتين لقي احدهما الاخر ، فيسقط الضعيف ويجعل بين الثقتين عبارة موهمة ، فيستوي الاسناد كله ثقات بحسب الظاهر لمن لم يخبر هذا الشان (3) 0
ومثاله : ما ذكره ابن ابي حاتم في كتاب العلل ، فانه قال : " سمعت ابي وذكر الحديث الذي رواه اسحاق بن راهويه عن بقية – بن الوليد – قال : ثني ابو وهب الاسدي قال : ثنا نافع عن ابن عمر قال : " لا تحمدوا اسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة رايه " قال ابي : هذا الحديصث له علة قل من يفهمها ، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن اسحاق بن ابي فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم – وعبيد الله بن عمرو وكنيته ابو وهب وهو اسدي ، فكان بقية بن الوليد كنى عبيد الله بن عمرو ونسبه الى بني اسد لكيلا يفطن له ، حتى اذا ترك اسحاق بن ابي فروة من الوسط لا يهتدى له ، وكان بقية من افعل الناس لهذا " (4). وقد اخرجه الخطيب البغدادي باثبات الواسطة بين عبيد الله بن عمرو ونافع وهو اسحاق بن عبد الله بن ابي فروة (5) 0
__________
(1) حكيم بن جبير ضعفه شعبة والنسائي وقال الدارقطني متروك 0 ينظر الخلاصة ص:90 0
(2) ينظر : منهج النقد ص: 281 0
(3) منهج النقد ص:382 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/281 0
(4) العلل ، ابن أبي حاتم 2/154-155 ، الكفاية ص: 486 0
(5) الكفاية ص :486 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/283 0(1/30)
الثالث : تدليس القطع ( الحذف ) : وهو ان يقطع اتصال اداة الرواية بالراوي مقتصرا" على اسمه فقط او ياتي بها ثم يسكت ناويا" القطع (1) 0
مثال النوع الاول : ما ذكره السخاوي (2) ان رجلا" قال لعبد الله بن عطاء الطائفي حدثنا بحديث : " من توضأ فاحسن الوضوء دخل من اي ابواب الجنة شاء ".؟ فقال : عقبة بن عامر : فقيل سمعته منه ؟ قال : لا ، ثني سعد بن ابراهيم ، فقيل لسعد فقال : ثني زياد بن مخراق ، فقيل لزياد ، (فقال ) : ثني رجل عن شهر بن حوشب يعني عن عقبة " (3)0 فعبد الله بن عطاء الطائفي : مدلس (4)، اسقط اداة الرواية ، وقال عقبة بن عامر ، فيظن انه سمعه منه 0
ومثال النوع الثاني من تدليس القطع : ما رواه ابن عدي في الكامل وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي انه كان يقول : حدثنا ، ثم يسكت وينوي القطع ، ثم يقول هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها (5) 0
الرابع : تدليس العطف : هو ان يصرح بالتحديث عن شيخ له ويعطف عليه شيخا" اخر لم يسمع منه ذلك المروي (6) 0
__________
(1) أسباب اختلاف المحدثين 1/286 ، منهج النقد ص: 382 0
(2) أسباب اختلاف المحدثين 1/286-287 0
(3) رواه مسلم في صحيحه 1/209-210 رقم (234) في الطهارة – باب الذكر المستحب عقب الوضوء ، الترمذي 1/59 رقم (55) في الطهارة – باب فيما يقال بعد الوضوء ، أبو داود 1/118-119 رقم ( 169 ) في الطهارة – باب ما يقول الرجل اذا توضأ ، النسائي 1/92-93 في الطهارة – باب القول بعد فراغ الو ضوء 0
(4) الكاشف ، الذهبي 2/110 ، النكت على ابن الصلاح 2/639 ، التقريب ص 314 ط محمد عوامة 0
(5) النكت على ابن الصلاح 2/617 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/288 0
(6) منهج النقد ص : 383 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/289 0(1/31)
مثاله : قال الحاكم : " حدثونا ان جماعة من اصحاب هشيم بن بشير اجتمعوا يوما" على ان لا ياخذوا منه التدليس ، ففطن لذلك ، فكان يقول في كل حديث يذكره : ثنا حصين ( هو ابن عبد الرحمن السلمي ت 136 هـ) ، ومغيرة (هو ابم مقسم الضبي ت 136 هـ) عن ابراهيم – النخعي – فلما فرغ قال لهم : هل دلست لكم اليوم ؟ فقالوا : لا ، فقال : لم اسمع من مغيرة حرفا" مما ذكرته ، وانما قلت : حدثني حصين ، ومغيرة غير مسموع لي "(1) . اي انه اضمر في الكلام محذوفا" كما فسر عبارته(2) 0
حكم هذا النوع : تدليس الإسناد بأضربه جميعا" مكروه جدا" (3)، وهذه الكراهة كراهة تحريم (4) وقد ذمه اكثر اهل العلم (5) 0
وللعلماء خلاف في حكم المدلس على خمسة اقوال هي :
القول الاول : ان التدليس جرح للمدلس مطلقا" فلا تقبل روايته بحال بين السماع ام لم يبين لما فيه من التهمة والغش 0
القول الثاني : قبول خبره ، وذلك لان نهاية امره ان يكون التدليس بمعنى الإرسال . وهو مذهب الحنفية وعامة الزيدية 0
القول الثالث : ان المدلس اذا كان ممن لا يروي الا عن ثقة استغني عن توقيفه ولم يسال عن تدليسه وهو مذهب اكثر ائمة الحديث كما قال ابن عبد البر – رحمه الله - 0
القول الرابع : ان من كان وقوع التدليس منه نادرا" قبلت عنعنته ونحوها والا فلا 0
__________
(1) معرفة علوم الحديث ص: 131 0
(2) منهج النقد ص: 383 0
(3) الكفاية ص: 473 ، علوم الحديث، ابن الصلاح ص:67 ، التقريب مع التدريب 1/288 ، فتح المغيث 1/207-209 النكت على ابن الصلاح 2/628 ، اختصار علوم الحديث ص: 54 0
(4) أسباب اختلاف المحدثين 1/297 نقلا" عن الامام ابي الحسنات اللكنوي 0
(5) يراجع النصوص في هذا الباب : الكفاية ص: 474 ، مقدمة الكامل ص: 65 ، النكت على ابن الصلاح 2/631-632 ، اختصار علوم الحديث ص: 54 0(1/32)
القول الخامس : ان ما رواه المدلس الثقة بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال ، فان حكمه حكم المرسل وانواعه ، وهو الرد وما رواه بلفظ مبين الاتصال نحو : " سمعت ، وحدثنا ، واخبرنا " واشباهها فهو مقبول يحتج به . وهذا لان التدليس ليس كذبا" بل هو تحسين لظاهر الاسناد(1) 0
وهذا التفصيل هو الذي ذهب اليه جمهور ائمة الحديث والفقه والاصول وقد صححه الخطيب والعلائي واليه ذهب ابن معين وابن المديني والشافعي من المتقدمين(2) 0
ب- تدليس الشيوخ :
قال ابن الصلاح معرفا" له : " هو ان يروي عن شيخ حديثا" سمعه منه فيسمسه او يكنيه او ينسبه او يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف " (3) 0 وقوله:" بما لا يعرف به " ليس قيدا" فيه ، بل اذا ذكره بما يعرف به الا انه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا" (4)0
مثاله : ان الحارث بن ابي اسامة روى عن الحافظ ابي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان الشهير بابن ابي الدنيا ، والحارث اكبر منه فدلسه مرة فقال : عبد الله بن عبيد ، ومرة قال : عبد الله بن سفيان ، مرة ابو بكر بن سفيان ... يدلسه (5) 0
حكمه : وحكم هذا القسم في الكراهة اخف من القسم السابق لان الشيخ الذي دلس اسمه يمكن ان يعرفه الماهر الخبير بالرواة واسمائهم الا ان فاعل هذا التدليس يعض الشخص المروي عنه للتضييع اذا لم يتوصل الى معرفته وذلك يجر الى ضياع الحديث المروي ايضا" 0
والكراهة تختلف باختلاف المقصد الحامل على ذلك :
__________
(1) يراجع الكفاية ص : 481-482 ، نزهة النظر ص: 113-115 ، علوم الحديث ، ابن الصلاح ص: 67 ، تدريب الراوي 1/229-230 0
(2) الكفاية ص: 482 ، جامع التحصيل ص: 98 ، الرسالة الأصولية ، الشافعي ص : 373 ، فتح المغيث 1/202-205 0
(3) علوم الحديث ، ابن الصلاح ص: 67 0
(4) النكت على ابن الصلاح 2/615 ، فتح المغيث 1/209 0
(5) فتح المغيث 1/210 ، منهج النقد ص: 385 0(1/33)
فشرّ ذلك إذا كان المروي عنه ضعيفا" فيدلسه حتى لا تظهر روايته عن الضعفاء ، او يتوهم انه راو من الثقات يوافق اسمه وكنيته ، وممن يفعل ذلك الكلبي وعطاء العوفي 0
وقد يكون الحامل على ذلك كون المروي عنه صغيرا" في السن او تاخرت وفاته وشاركه فيه من هو دونه ، وقد يكون الحامل على ذلك ايهام كثرة الشيوخ 0
وقد يكون بقصد امتحان اذهان الطلاب واختبار المشتغلين بالعلم ، ولفت نظرهم الى حسن التأمل في الرواة واحوالهم وانسابهم وغير ذلك ، ومن امثلته اللطيفة ما ذكره الحافظ الذهبي في فوائد رحلته انه لما اجتمع بابن دقيق العيد ، ساله من ابو محمد الهلالي ؟ فقال : سفيان بن عيينة والطف منه قوله له : من ابو العباس الذهبي ؟ فقال : ابو طاهر المخلص 0
ومما يلحق بتدليس الشيوخ ، تدليس البلاد كما اذا قال المصري : حدثني فلان بالاندلس فأراد موضعا" بالقرافة ، او قال بزقاق حلب واراد موضعا" بالقاهرة ، او قال البغدادي : حدثني فلان بما وراء النهر واراد نهر دجلة او قال : بالرقة واراد بستانا" على شاطئ دجلة(1) 0
الخاتمة /
فان الحديث عن الاسانيد طويل وفيه تشعب كثير ، وما كتبناه إنما هو لمحة موجزة للتعريف بهذه المباحث من غير الخوض في التفاصيل الدقيقة ، وعرض الادلة ومناقشتها ، لئلا تختلط المواضيع بعضها ببعض ، ومن شاء الاستزادة فليرجع الى المصادر المذكورة في الهوامش ، والله ولي التوفيق 0
__________
(1) منهج النقد ص: 385-386 ، اسباب اختلاف المحدثين 1/305-312 0ويراجع : النكت على ابن الصلاح 2/651 ، توضيح الأفكار 1/367-372 ، تدريب الراوي 1/230 ، فتح المغيث 1/209-215 ، علوم الحديث ، ابن الصلاح ص: 66-68 ، اختصار علوم الحديث ص: 55-56 ، اصول الحديث ص: 343 ، علوم الحديث ، الصالح ص 172-173 0(1/34)