أسئلة في تخريج الأحاديث
تفريغ شريط للشيخ
أبي إسحاق الحويني
سجل الشريط بتاريخ
20 محرم 1414 هـ
10 تموز ( يوليوز ) 1993
الأسئلة المطروحة على الشيخ:
? كيف يبدأ طالب العلم وكيف يتدرج في طلب العلم.
? نصيحة للشباب المتسرع في التخريج والتحقيق، والجرح والتعديل.
? طريقة الشيخ في تخريج الأحاديث.
? هجر المبتدع.
? المذهب الضال الذي يأخذ بأقوال العلماء المتقدمين ويترك المتأخرين.
? مواقف مع الإمام ناصر الدين الألباني، أثرت في الشيخ الحويني.
? تبيين بعض أخطاء الشيخ ناصر الدين الألباني هل ينافي إجلاله وتوقيره ؟
? متابعة وتقليد الشيخ الألباني في المسائل الخلافية.
? تصنيف للذين ردوا على الشيخ ناصر الدين الألباني.
? ما قيمة هذه الكلمة " إذا ضَعَّفَ الألباني فَخُذْ، وإذا حَسَّنَ فَتَوَقَّفْ " ؟
? مؤلفات الشيخ الحويني ومشروعاته العلمية ؟
*****************************************
س 1: ماذا يجب على طالب العلم ليبدأ به، وكيف يتدرج في طلب العلم في رأيك ؟
ج 1: إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه و آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.(1/1)
فإن أول ما يجب على طالب العلم - لا سيما العلم الشرعي - أن يصحح النية في الطلب، وباب تصحيح النية تجده في كل الكتب التي تعنى بذكر آداب طالب العلم، والإنسان عندما يبدأ في طلب العلم يكون عادة حَدَثًا، حتى وإن كان كبير السن لكنه يكون حدثا، فالحدث تتفلت منه النية، لكن إذا كان عند العبد الإخلاص - ولو في الجملة - نفعه ذلك الإخلاص في أثناء الطلب، كما ذكر الإمام الذهبي في سير أعم النبلاء في ترجمة ابن جريج رحمه الله قال: " طلبنا العلم لغير الله فأبى الله إلا أن يكون له ". لأنه هو عندما طلب العلم لم يكن فقيه النفس، فبالتالي لم يستحضر نيته في أثناء الطلب، وكان كل همه في ذلك الوقت أن يقال عنه " محدث " أو يقال عنه " فقيه "، يعني حظ نفسه ظاهر في أثناء الطلب، لكن لما كان عنده من الإخلاص - ولو في الجملة - فالله تبارك وتعالى نفعه بما جمعه من العلم، وصحح نيته فيما بعد.(1/2)
بعد تصحيح النية يجب على الطالب أن يبدأ بفروض الأعيان، فمثلا أحيانا نجد الطالب لا يستطيع أن يقرأ القرآن مُجَوَّداً، ويبحث عن تعلم علم أصول الحديث، فعلم أصول الحديث مرحلة متقدمة بالنسبة لهذا الذي لا يجيد قراءة كتاب الله عز وجل، وقد يطلب الفرض الكفائي ويكون ماهرا فيه، والفرض العيني عليه لا يستطيع أن يقيمه. هناك مثلا بعض الذين درسوا أصول الفقه وأصول الحديث، عندهم جهل عجيب بمسائل التوحيد، فقد يقع في القول من الشرك وهو لا يدري أن هذا القول مُآخذ عليه، رغم أنه لو تكلم في أصول الفقه أو أصول الحديث قد تجده يتكلم كلاما ممتازا ويحرر المسائل تحريرا سليما، فمثل هذه العلوم ما ينبغي البدء بها ، بل عادة ما وجدنا أحدا يبدأ بطلب علم الحديث قبل ما يبدأ بالفروض العينية عليه إلا ونعاني منه أشد المعاناة بسبب ـــ وبسبب كبره ، لأن علوم الآلات كعلوم أصول الفقه، وعلوم أصول الحديث، وعلوم الأصول عموما، تعطي نوعا من الثقة الشديدة للدارس، فإذا ما درس هذه الأصول من قبل أن يتأدب ويسلك السبيل الطبيعي – الذي هو التدرج في طلب العلم – فهذا يعاني منه إخوانه فيما بعد شدة عظيمة. ففروض الأعيان التي ما ينبغي له أن يهملها: كمعرفة التوحيد وتصحيح العبادات، ويحسن قراءة كتاب الله عز وجل، وبعدها يبدأ بصغار العلم قبل كباره. أستغرب عندما يُسْأَلُ بعض الطلبة هذا السؤال: أنا شاب مبتدأ في طلب العلم وعندي حماسة، بم تنصحني من الكتب الفقهية ؟ يقول له: عليك بسبل السلام ، عليك بنيل الأوطار. طيب .. هذه الكتب تعنى بالخلاف، وهذا شاب حدث، ما عنده الأصول التي يستطيع أن يعرف بها من المحق في هذا الخلاف.(1/3)
نيل الأوطار وسبل السلام وغيره من الكتب ما ينبغي أن تكون إلا في مرحلة متقدمة، لأن العلماء كانوا يؤدبون بصغار العلم قبل كباره ، وقديما قيل: غذاء الكبار سم الصغار، فلو أعطيت لولد صغير رضيع قطعة لحم، يموت بها ، لأن معدته لا تتحمل اللحم، فأنا عندما آتي لشاب حدث ما عنده فكرة في مسائل الخلاف وأدخله في مسائل الخلاف ... شيء من اثنين : إما أن يسيء الظن بكل هؤلاء العلماء ، ويقول: إذا كان الدليل واحدا فلم يختلفون ؟ وإما أن يتخير قولا من هؤلاء الأقوال، وطبعا يكون – بطبيعة الحال – المرجح هو الهوى، لأن الرجل ليس عنده ملكة ولا أصول الترجيح، وإما أن يخرج من الخلاف جملة، فهو لا يستفيد على كل حال.(1/4)
فيبدأ أولا بالمسائل المتفق عليها بين العلماء وبعدها يترقى شيئا فشيئا حتى يدخل في المسائل المختلف فيها ، ولذلك نجد في ترجمة أي عالم أنه يبدأ بحفظ المختصرات وبعدها يبدأ بالنظر في الكتب المطولة التي تعنى بالخلاف، فإذا ما تدرج مثل هذا التدرج، ينظر أي فروع العلم أحب إليه، يحب التفسير مثلا أو الفقه أو الحديث، فيبدأ يركز على هذا العلم، ولكن تكون له مشاركة في العلوم الأخرى، لأن العلوم الشرعية عبارة عن طرق، كلها تخدم بعضها، فلا أتصور أن يكون هناك مفسر محض لا يدري شيئا عن الفقه والحديث، ولا أتصور أن يكون هناك محدث محض لا يدري شيئا إلا عن الحديث فقط، مثل هذا ما يكاد الإنسان يتصوره، وإن كان قد يكون موجودا عند بعض الناس لكنه لا يكاد يُسَلَّمُ له ذلك العلم الذي تبحر فيه إلا إذا ضرب بسهم – ولو بأي قدر – في العلوم الأخرى، فمثلا لا أتصور أن يدرس رجل علم الفقه بدون معرفة أصول الحديث، ولا التفسير بدون معرفة أصول الحديث، ولا العقيدة بدون معرفة أصول الحديث، فعلم أصول الحديث – كما يقول العلماء – علم خادم، ومن طبيعة العلوم الخادمة أن تكون داخلة في كل العلوم ، مثل الخادم تماما إذا كان في قصر ، صاحب القصر إنما حياته بوجود الخادم، لو أن الخادم مضى وتركه يموت جوعا، إذن وجود الخادم هو الذي يحرك هذا الإنسان ، فعلم أصول الحديث علم خادم يدخل في كل العلوم. نفرض - مثلا- رجلا فقيها مائة بالمائة، دارس لأصول الفقه تماما، وحافظٌ كتبَ الفقْهِ عن ظهر قلب، ولا يدري شيئا عن أصول الحديث، لو ناظره رجل آخر وكان ماكرا، يمكن أن يهدم له كل أدلته بادعاء أنها ضعيفة، يعني كلما احتج بحديث يقول له: ضعيف، حتى لو كان في البخاري ، فطبعا يقول له: كيف ذلك ؟ هذا في البخاري ، فيقول : هذا ضعيف ، وهل البخاري معصوم ؟ البخاري من العلماء من تكلم فيه:(1/5)
الدارقطني وأبو علي الغساني والجويني وجماعة من العلماء المتقدمين، أنت رجل تدعي الاجتهاد، ناقشني الآن في إثبات صحة الحديث، أثبت لي أنه صحيح. وطبعا الآخر لا علم له في هذه المسألة فيقف حمار الشيخ، لا يستطيع أن يتقدم خطوة، كلما يأتي بدليل يهدمه له، حتى ولو كان كاذبا، والآخر ما عنده فكرة لإثبات الحديث ، ولذلك لا يستطيع أن يقيم الحجة بدلالة الحديث إلا بعد أن يثبت صحة الحديث . لذلك كان العلماء المتبحرون في الفقه على دراية كاملة بالحديث، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - ، فهو إنما ساد وفعل ما لم تفعله الجيوش الجرارة – سواء في المبتدعة أو في المخالفين – بسبب إحاطته بالعلوم ، حتى قال الذهبي، وهو إمام محدث كبير وحَكَمٌ على أهل الحديث: " كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث "، وهذا مبالغة من الإمام الذهبي في حق شيخ الإسلام ابن تيمية ، مما يدل على أن الرجل متبحر . وكان ــ حنبليا ، إلا أن الشافعية - مثلا – كانوا يجالسونه ليستفيدوا في فقه الشافعية ما لا يعرفونه، بل حتى في العربية، مثلا : أبو حيان ، النّحْويُّ، صاحِبُ "البحر المحيط"(1)، لما دخل ــ ومدحه وقال فيه شعرا، فلما تكلم هو وابن تيمية في مسائل في النحو، احتج أبو حيان بقول سيبويه، فقال ابن تيمية له: ما كان سيبويه نبيَّ النحو، ولقد أخطأ في ثمانين موضعا في " الكتاب "(2)أنت لا تعرفها. رغم أن تخصص أبي حيان في النحو. فلما يكون الإمام متبحرا مثل هذا التبحر يستطيع أن يقيم الحق، ولا يستطيع مبتدع، أو من حصّل علما من العلوم لم يحصله هو، أن يهدم له دلالة الحديث، أو نحو ذلك، لذلك تجد أسعد الناس بتحصيل العلم، الذي يمشي بالتدرج.
__________
(1) هو تفسير كبير للقرآن الكريم.
(2) كتاب سيبويه المعروف في النحو، يسمى " الكتاب ".(1/6)
ولا بد – في طلب العلم – من همة عالية ، كما قال يحيى بن أَبِي كَثِيرٍ فيما رواه الإمام مسلم رحمه الله: لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ. لأن نفس الطالب فتية، فهي تُتْعِبُ البدن ، فهذه الروح محتاجة لعدة أبدان ، لأن بدنا واحدا لا يكفي همتها : فما يكاد يضع جنبه على الفراش إلا وتؤنبه : كيف تحصل العلم ؟ كيف تنام وكيف تقوم ؟ وهو متعب، فيبحث في كتب العلم، فتكون دائما مجهدة. فهذه الحقيقة من الأشياء التي قد تفيد بعض إخواننا من طلاب العلم ، لا سيما الذين يبدؤون بـ " نيل الأوطار " ويبدؤون بـ " سبل السلام "، وأنكر من ذلك وأشد أن يبدأ بـ " المحلى " لابن حزم ، لو بدأ به فهذه قاصمة الظهر، فالرجل يسوء أدبه للغاية القصوى مع العلماء، لَمَّا يرى ابن حزم يقع في فلان وفي علان، لما تقرأ في كتاب المحلى تجدُ ألفاظا جارحة جدا، فلما يفتح أحدهم عينيه في كتاب المحلى يجني على نفسه كثيرا ، فلذلك ينصح بعدم قراءة كتاب المحلى ونيل الأوطار وسبل السلام في مبدأ دراسة طالب العلم، فإنما يبدأ بـ " منار السبيل "، ويبدأ بـ " الروضة الندية "، بل بأقل من ذلك إذا استطاع أن يجد كتابا موثوقا به فليبدأ به فهذا أجود، والكلام في هذا الباب طويل.
س 2 : بماذا تنصح الشباب الذين كثروا في هذه الأيام ، وقاموا بالتخريج والتحقيق دون تريث وصبر وخبرة لازمة في هذا الأمر ، وما هي الخطوات حتى يكون الإنسان ضليعا في الجرح والتعديل وتحقيق الأحاديث وتخريجها ؟
ج 2: والله الكلام ذو شجون .. أذكر كلمة قالها بعض الأدباء ، قال: "لو أدركت أبا حمزة الكاتب لقطعت يده ". جناية أبي حمزة هذا أنه انتقى أطايب ما في الكتب وجمعها في كتاب، فأغنى الناس عن قراءة الكتب، فقال: أنا والله لو أدركته لقطعت يده. لماذا ؟ لأنه أحدث فسادا عظيما: أنهم اسْتَغْنَوْا بهذا الكتاب عن كل هذه الكتب.(1/7)
الحقيقة، الفهارس العلمية التي طبعت كان لها أكبر جناية على دخول الصغار في علم الحديث، فالشيخ أحمد شاكر رحمه الله، وهذا رجل فحل مشهود له بالعلم، يقول في مقدمة كتاب " مفتاح كنوز السنة " - وهذا الكتاب ليس أجود الكتب بالنسبة لعلم الفهارس-: لو كان عندي هذا الكتاب في بداية عمري، في بداية حياتي العلمية لوفّر علَيَّ ثلث عمري الذي أنفقته في المراجعة والبحث عن الأحاديث في الكتب. لأنه لم يكن هناك كتب فهارس. وقال في هذه المقدمة : كتاب " سنن الترمذي " لي به شبه اختصاص - وأنتم تعرفون أنه قد حقق جزأين وتوفي - وقرأته على والدي مرتين، ومع ذلك ظللت أبحث عن حديث فيه خمس سنوات.
كان علم الحديث قبل ذلك مرتقاه صعب جدا، لأن كتابا مثل مسند الإمام أحمد إذا أراد الإنسان فيه حديثا ولا يحفظه، كيف له به ؟ كتاب بـ 27 ألف حديث ، والمطبوع منه بقدر الحرف الصغير ، لا شك أن أي إنسان إذا لم يجد فهرسا علميا لتقريب أحاديث مسند أحمد سيصاب بالإحباط في البحث فيه. يقول: أظل أسبوعا أبحث عن حديث. كم من أسبوع في العمر حتى أضيعه فيه ؟ وهذا مصدر واحد، فما بالك ببقية المصادر وعشرات بل ألوف الأجزاء الحديثية والكتب المسندة ؟ فكان لهذا العلم صرح كبير وهيبة عظيمة قبل أن تظهر الفهارس العلمية.(1/8)
والفهارس العلمية – في الحقيقة – مضرتها أعظم من فائدتها ، لماذا ؟ لأن أهل الحديث الذين هم أهله ، كل واحد منهم يستطيع أن يقرب الكتاب بطريقته الخاصة لنفسه ، يعني يفهرس لنفسه ، فيظل لهذا العلم صرح كبير لا يدخله إلا أهله ، إنما .. طبع الفهارس العلمية وطرحها في الأسواق، صار صنعة. أنا أعرف بعض الأطباء تركوا مهنة الطب واشتغلوا بالتحقيق لأنه مربح أكثر من الطب، فمثلا عندي 30 أو 40 أو 50 فهرسا، وقابلني أي حديث، مثلا " إنما الأعمال بالنيات ... " ، أجد: ألف، نون، ميم، وأبحث عن " إنما " في كل الفهارس فأخرج مثلا بخمسين مصدر مسند للحديث، فيفتخر هذا على واحد مثل الشيخ الألباني فيقول: الشيخ الألباني خَرَّجَ الحديث من ستة مصادر وأنا أخرجته من ستين مصدرا، فماذا يعني ؟؟ هو من ستينَ مصدرا لكن من نفس الطريق الذي خرج منه الألباني، هل عثرت على طريق جديد غَيَّرَ حكم الشيخ، سواء كان الألباني أو غيره ؟ حتى يمكنه أن يقول: " أنا أتيت بطريق لم يقف عليه فلان ". فهو نفس الطريق، لكن .. للتبجح بكثرة العزو.هل هذا الإنسان الذي أخرج الحديث من 60 مصدرا عنده من الدراية بعلم الحديث والنظر في اختلاف الطرق والترجيح بين الروايات أي شيء ؟ أبدا , لا شيء عنده، ولا يستطيع – إذا سألته في أحاديث الكتاب - أن يحصيها، بل بعض الناس سئل عن حديث – وهو رجل داعية و ــ - فيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعاه رجل، وقال له: وعائشة، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا، فقال: وعائشة ... المهم في الآخر، وافق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن يأتي بعائشة .. فهذا الحديث كذب موضوع، الذي وضعه يريد الانحلال والاختلاط، فيصير كل من يتعشى عند أحد يأخذ معه امرأته ويجلسون على الطاولة . هذا حديث كذب وغير صحيح ..(1/9)
هذه الكتب الصحاح المفروض أنها مقروءة ، وأنها أولى الكتب بالعناية ، وأنها مشهورة ، فضلا عن مسند أحمد ومسند الطيالسي .. والأشياء الأخرى التي لا يعرفونها، فينكر وجود الحديث ويقول إنه حديث باطل موضوع .. فما بالك بغيرها من الكتب ؟ فالحقيقة: الفهارس العلمية أضرت بهذا العلم ضررا كبيرا ، ولو كان هناك سلطان شرعي وأخذ رأيي في الموضوع لقلت له : " أحرقْ كل كتب الفهارس التي صدرت حتى الآن "، فلا يبقى لهذا العلم إلا أهله . طالب العلم يستطيع – طالما عرف طريقة الفهرسة – أن يفهرس الكتاب الفلاني بنفسه ، فيبقى الفهرس خاص بأهل العلم ، إنما الصغار لا يستطيعون تسلق هذا العلم، لكن بكل أسف تسلقوه وتجاوزوا الصرح، بسبب تيسير الوصول إلى مواضع الأحاديث في كتب السنة.
فلذلك، مع كثرة الأسماء التي تراها على أغلفة الكتب .. مثلا، كل سنة ممكن تجد 20 إلى 30 جُدُد، أبو فلان، وأبو علان، وأبو قردان .. كتب كثيرة جدا. كان - قديما – لا تكاد تجد أحدا بِجَنْبِ الأساطين إلا كل خمس إلى ست سنين مرة، مثلا الشيخ أحمد شاكر، الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، الشيخ حامد الفقي، مَرَّ زمن طويل جدّاً قبل أن يظهر الشيخ عبد السلام هارون ، لماذا ؟ لأنه كما قلت: العلم له حريم ، وليس له مفاتيح ، الناس يمكن أن تسأل: طيب، كيف نبحث عن الأحاديث ؟ لا يجدون من يدلهم على ذلك ، هو مقصور على أهله. فما كان أحد يفكر بالدخول على هذا العلم. الآن تجد عشرات الأسماء على الأغلفة ، والعجيب أنك تجد الكثير منهم سارقين ، والإنسان المتمرس على علم الحديث يعرف إذا كان هذا لصا، ومن أين سرق. فمثلا يأخذ أحدهم تخريج الشيخ الألباني، ويغير الجزء والصفحة، الشيخ مثلا يعزو للجزء والصفحة، وهو يعزو للرقم، الشيخ يعزو لطبعة أوربا، وهو يعزو للطبعة السلفية .. وهكذا، لكن يبقى معروفا أن هذا ليس من جهده.(1/10)
تجد كل هذه الأغلفة، وما هنالك واحد يهتم بالنقد الحديثي، ولا يستطيع ترجيح طريق على طريق أبدا، لأنه ما درس وما عرف شيئا، ما أن عرف طريق الفهارس دخل في هذا العلم، وصار يصدر كل شهر جزءً حديثيا ويأخذ لقائه مبلغا، ووجد أنه مستريح هكذا ... أما مسألة النقد الحديثي والنظر في الطرق والترجيح فيلزمها علم أولا، ودراسة طويلة، قبل أن يكتب في هذا العلم، وإلا فإن الإنسان الذي يدرس وتتوقف دراسته .. ليس له طول نفس في الدراسة .. كالتاجر الذي يأكل من رأس ماله، فالمفروض أن التاجر يأكل الأرباح ويبقي رأس المال ليدر أرباحا أخرى، لكن هذا الرجل درس وما تفرغ لتجديد دراسته وتوسيعها لأنه ليس متفرغا .. كل يوم هو مطالب بجزء حديثي يجده أو كتاب فقه يعثر عليه .. فهذا الرجل يأكل من رأس ماله .. لو جمعت كل كتبه ما استطعت أن تجد شيئا جديدا فيها. فلذلك، هي مأساة.. أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدخل فيها الصغار وينفون ما قاله ويثبتون ما لم يقله لجهلهم بهذا العلم، فهذا من أخطر ما يكون. يعتبر جناية عند أهل العلم أن تنسب إلى عالم فتوى قال بضدها . يعتبر خطيئة عند أهل العلم أن تقول مثلا أن ابن حزم ممن يحتج بالقياس ، لما علم عنه أنه صنف التصانيف في إبطال القياس .. فهذه جناية كبيرة يؤاخذ عليها الإنسان. فما بالك إذا كان هذا الأمر يتعلق بكلامه عليه الصلاة والسلام ؟ فالحقيقة، مطلوبٌ سلطانٌ شرعيٌ يتدخل فيمنع هذه الفوضى .. يجعل رقابة على المطابع ورقابة على الكتب .. الذي هو أهل لأن يكتب يعينه على ذلك، والذي ليس أهلا يمنعه ،الحجْرُ على هؤلاء أولى من الحجر على المجانين في المستشفيات، لأنهم يفعلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير من العبث، والمُطالِعُ للكتب والأجزاء الحديثية الموجودة الآن يرى مصداق ما ذكرته. والله المستعان.
س 3: طيب، شيخنا، قد يتساءل الإنسان فيقول إنك قد طبعت فهرسا .. هل هذا قبل ... ؟(1/11)
ج 3 : بالنسبة للفهرس " جمهرة الفهارس " ، هذا ما يوقف من فساد الأمر ، يعني لو أخرج الإنسان فهرسا من الفهارس، فكأنه لم يخرجه، لأن غيري يخرج العشرات من الفهارس ويخرج الموسوعات .. و"جمهرة الفهارس " كانت له ملابسة أقولها: هذا الكتاب بلا مقدمات، وحتى أني لم أذكر الطبعات التي اعتمدت عليها، لأنه ما خطر ببالي قط أن أنشره، الذي حدث هو أن الناشر زارني مرة فوجد عندي فهارس خاصة بي، فقال: هذه الفهارس، بدل أن تنتفع بها وحدك، انفع بها إخوانك، تقرب لهم الحديث، قلت له: خذها، وأعطيته الأوراق بدون مقدمات لأنه ما خطر ببالي قط أن أنشر مثل هذه الفهارس. ثم أنا ما صنعتها وحدي، ما صنعت منها إلا حوالي 4 أو 5 كتب من الكبار، والفهارس الأخرى صنعها آخرون كانوا يساعدونني، ولذلك أنا بريء من عهدة الكتاب، يعني إذا كان فيه حديث سقط، أو عزو خطأ فأنا بريء من عهدة الكتاب، لأن هذا كان خاصا بي و .. الناشر .. لكن هذا .. على كل حال لا يغير من الأمر شيئا .. بسبب الفوضى ..
س 4: نعهد من تخريجاتك وتحقيقاتك للأحاديث أنك تطول بعض الشيء ، فهل هذا منهج اعتمدته ؟ لأن بعض الناس يقول : إن التطويل في التخريج يكون فيه صرف عن مطالعة الكتاب، ويقول: منهج الشيوخ، مثلا منهج الشيخ الألباني – حفظه الله – أن الكتب التي يقوم بتخريجها في أصل الكتاب: الاختصار، مثل " فقه السيرة " وشيء من الكتب التي خرجها في أصل الكتاب، تجد فيها شيء من الاختصار، فما .... ؟(1/12)
ج 4 : التطويل الذي أنا أطلته في الكتب إنما هو على الكتب المسندة ، مثل " سنن النسائي "و "غوث المكدود " و" الأربعون " للبيهقي ، هذه الكتب أصلا مسندة ، يعني: حدثنا وأخبرنا ، وهذا شغل أهل الحديث ، فأنا قصدت - بالذات فيما يتعلق بسنن النسائي وسنن ابن ماجه في الجزء الأول ، ويكون تحت الطبع قريبا – تقريب العلل وشرحها لطلبة العلم، أما الكتب التي مثل " فقه السيرة " فليس هذا موضوعي .. لأنه فعلا في فقه السيرة، الواجب وضع حاشية صغيرة تفيد صحة الحديث، ولا يصرف القارئ بتطويل الحواشي، لأن هذا ليس موضوعنا ؛ وأنا فعلا أطلت في كتاب " الانشراح في آداب النكاح " - وكان قد صدر في أوائل طلبي - لأني لم أجد أحدا يدلني في بداية الطريق، وكان عندي نَهَم، فقد كنت أريد أن أضع فيه كل ما أتوصل إليه من علم، برغم أنه كتاب للعوام .. لكن الشراهة في ذكر كل المصادر .. وكنت مقبلا على العلم بكليته في البدء .. كنت على استعداد أن أكتب تخريجا في عشرين ورقة للسطر الواحد، لكن الإنسان بعدما يسأل المشايخ ويستشير يعلم أن الطول في مكانه حسن وجميل، والتقصير في مكانه حسن وجميل . ففيما يتعلق بسنن النسائي مثلا الإنسان يطول نفسه عند شرح العلل، ولكن هذا – بكل أسف – كان لأهله، يعني مسألة العلل وشرحها والتطويل في ذكرها والترجيح بين الطرق .. ما أعلم في هذا العصر إلا الشيخ الألباني حفظه الله .. فهو الذي أطال النفس وهو الذي كان اهتمامه واضحا بالعلل .. والشيخ أحمد شاكر، وإن كانت ليس ظاهرة عنده مثل ظهورها عند الشيخ الألباني حفظه الله.
س 5: ما هي خطواتكم في التخريج في تحقيقاتكم عموما ؟(1/13)
ج 5: هذا سر المهنة .. وسنكشف الأوراق .. ( يضحك الشيخ ) .. على كل حال ، الأحاديث تختلف بعضها مع بعض، فإذا كان الحديث مشهورا ومبثوثا في دواوين السنة من طرق كثيرة، فأول خطوة أني أبدأ بجمع المراجع التي خَرَّجَتْ هذا الحديث ، مثل الحديث الذي في سنن النسائي في الجزء الثاني : " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، أُولَاهُنَّ [ أو إحداهن ] بِالتُّرَابِ "، تخريج هذا الحديث في نحو 60 صفحة، ظللت عشرة أيام أرتب الطرق ، لكي أنظر في الاختلافات ما بين الرواة ، وأنظر في الاتفاق والاختلاف والعلة القادحة والعلة غير القادحة، بعد جمع المراجع، أفتح كل مرجع ثم أنظر الصحابي، فإذا تعدد صحابي الحديث أجعل لكل صحابي ورقة مستقلة، هذه لأبي هريرة وهذه لعبد الله بن عمر ... الخ، ثم بعدها أفتح المراجع، فكل ما أجده عن أبي هريرة أكتبه في ورقة أبي هريرة، بالرموز التي أصطلح عليها مع نفسي، " م " لمسلم، " خ " للبخاري، الخ ، بعدما أنتهي من كل المراجع التي عندي، ويصبح مكان رواية كل صحابي معروفا، أرجع للصحابي الأول، أبو هريرة مثلا، فآخذ المراجع التي تعنى بذكر حديثه، وأكتب المصادر في ورقة أخرى .. مثلا البخاري .. فأكتب سند البخاري كاملا .. بعدها مسلم .. وأكتب سند مسلم كاملا .. ثم النسائي .. إلى آخر هذه المراجع كلها ، فتصير الأسانيد كلها عندي في ورقتين أو ثلاث أو أربع .. وبهذا تنتهي مهمة المصادر بالنسبة إلي ، الآن .. أبدأ بالنظر في الأسانيد، بالنظر في تابعي الحديث .. من الذي روى عن أبي هريرة ؟ أبدأ بهذا .. روى مثلا عن أبي هريرة عشرون: الأعرج ومحمد بن سيرين وحفصة ابنة سيرين، الخ .. أكتب في ورقة أخرى .. الأعرج عن أبي هريرة .. محمد بن سيرين عن أبي هريرة .. أبو الزناد عن أبي هريرة .. فلان عن أبي هريرة .. بعد ذلك أرجع للأسانيد كلها ..(1/14)
كلما رأيت رواية الأعرج متعددة عند فلان وفلان وفلان أكتب أسماء هؤلاء تحت رواية الأعرج .. وأشطب لكي لا تتداخل عندي الأسانيد بعضها في بعض .. أبدأ مثلا رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة .. أنظر من الذي رواها وأين .. هنا وهنا وهنا .. أنقل المصادر تحت رواية محمد بن سيرين .. وبعدها أشطب .. الخ إلى أن أنتهي من كل التابعين الذين رووا عن أبي هريرة .. أنظر بعدها في ذلك ، رواية رواية، أجد الأعرج يرويه مثلا عنه أبو الزناد وفلان وفلان وفلان .. أبدأ في ورقة أخرى: أبو الزناد عن الأعرج، وأنظر في كم من المصادر وقعت رواية أبي الزناد عن الأعرج، ثم أدونها لوحدها، أجد مثلا فلان آخر عن الأعرج فأكتبه، لكي أعرف المتابعات، أعرف أن أبا الزناد توبع بفلان وفلان، والأعرج توبع بفلان وفلان .. وألاحظ أحيانا أثناء التخريج أنه قد حصل خلافات ، مثلا: مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، ثم سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن ابن عمر، فيكون حصل خلاف بين مالك وسفيان بن عيينة في صحابي الحديث، سفيان بن عيينة رواه بنفس الإسناد لكن جعله عن ابن عمر، ومالك رواه بنفس الإسناد لكن جعله عن أبي هريرة .. هذا خلاف. أنظر إن كان خلافا قادحا أم لا، يعني هل الخلاف تنوع ؟ فيكون عند أبي الزناد رواية عن ابن عمر وعن أبي هريرة .. ويمكن أن تكون إحدى هذه الروايات وهْماً .. وَهِمَ فيها بعضهم .. فأنظر من الذي رواها عن مالك، ومن الذي رواها عن ابن عيينة. بذلك أنزل بالإسناد من أعلى إلى أسفل .. من أول تابعي إلى أسفل .. وليس من أول الإسناد إلى أعلى .. لأن البداية من أول الإسناد لا يعطيك شيئا .. وهكذا أفعل في كل حديث .. حديث ابن عمر .. حديث أبي هريرة .. حديث ابن مسعود .. حتى أنتهي من الطرق كلها .. وأكون بذلك عرفت المتابعات من المخالفات، والعلة القادحة من العلة غير القادحة .. هذه مرحلة الإسناد.(1/15)
أبدأ في مرحلة المتن ، أنظر في الروايات وما بينها من الفروق في المتن ، فأجد مثلا رواية تقول: " أولاهن بالتراب " ، والأخرى تقول: " أخراهن بالتراب "، وثالثة تقول: " أولاهن أو أُخراهن بالتراب "، وأخرى تقول: " إحداهن بالتراب "، وأخرى تقول : " وعفروه الثامنة بالتراب "، هذه الروايات فيها تعدد، وقطعا النبي صلى الله عليه وسلم قال شيئا واحدا فقط، قال:" أولاهن "، أو قال:" أخراهن "، فكلمة " أولاهن أو أخراهن " تدل على أن هناك بعض الرواة شكَّ .. أريد الآن أن أحدد من الذي شك في الرواية، وما هو الراجح في الرواية، هل " أولاهن " أم " أخراهن " .. أرجع إلى الأسانيد لأرى رواية " أولاهن " وقعت في رواية مَنْ ؟ ورواية " أخراهن" وقعت في رواية مَنْ ؟ " أولاهن أو أخراهن" من رواها ؟ " إحداهن " من رواها ؟ بعدها ننظر في حفظ هؤلاء الرواة .. إذا حصل تكافئ وتكافأت جهة على جهة نحكم للحَفَظَة على من هم دونهم .. إذا رأينا الثقات تتابعوا على لفظة " أولاهن " أو " أخراهن " أو كذا .. نخرج بأن الراجح في كل هذه الثلاث هو رواية " أولاهن " أو " أخراهن " بمعرفة حفظ الرواة، ونستعين على ذلك بترجيحات العلماء المتقدمين للفظة من هذه الألفاظ. قد تفاجئ أو تجد أن ما ذهبت إليه من الترجيح خالفك فيه علماء أفضل منك .. علماء سابقين .. فأنت مطالب بالدفاع عن وجهة نظرك والجواب عن رأي هؤلاء العلماء .. لماذا أنت رجحت هذا ولم ترجح هذا ؟ إذا كان وجدوا أدلة في ترجيح رواية فأنت لا بد أن تُوهيها وتضعفها وتقوي أدلتك .. تسلك عدة سبل حتى تنتهي بالخلاصة .. هذا النقد الحديثي .. فحديث " إذا شرب الكلب .." فيه كل هذا. يعني برغم جمعي للمصادر منذ فترة طويلة إلا أن مجرد ترتيب الطرق فقط أخذ مني عشرة أيام. وكنت أعمل في اليوم تقريبا 14 ساعة. جالس أصلي وأشتغل، أصلي وأشتغل، ولا أنام إلا إذا كانت رأسي ستسقط مني، فأنام ..(1/16)
وكنت أرى في منامي هذه الطرق من كثرة اشتغالي بها، وأقوم وأنا أشعر أني ما تركت البحث، من شدة شغلي واشتغالي، لاسيما بالروايات التي حصل فيها اختلاف بين الثقات ، فترجح مالك على ابن عيينة أو ابن عيينة على مالك وكلاهما من الحفاظ الثقاة ، وأحيانا لا تجد مرجحا فتلتمس مرجحا من أي مكان، تريد معرفة أين هي العلة، فتبقى محتارا كأن شيئا ضاع منك وأنت مهتم به وتريد أن تبحث عنه، حتى يمن الله تبارك وتعالى بمعرفة الراجح من المرجوح في المسألة. فهذا .. إجمالا .. ولا أريد أن أفصل أكثر من هذا .. لأن هذا " أكل عيش " [ ويضحك الشيخ مازحا ].
س 6: يرى بعض طلبة العلم الآن المهتمين بشأن الدعوة، أن المبتدع في أمور الدعوة .. يعني من كان يرونه على بدعة لا يُأْخَذُ من أمره شيءٌ ولو كان صادقاً ، فيجب أنْ يُحَذَّرَ منه ، ويُتْرَكُ كُلِّيَةً .. فعلى دراسة علم الحديث والحكم على الرجال هل هذا صحيح ؟ ومتى يحكم على الرجل بالبدعة ؟(1/17)
ج 6: أما متى يحكم عليه بالبدعة فأنا أظن أن هذا أمر آخر، ما نتطرق إليه، لكن، في الحقيقة المسألة مزلة أقدام وتحتاج إلى إنصاف وعلم، فهناك من رمى بهؤلاء كلية وأبى أن يأخذ منهم شيئا، وهناك من أخذ منهم كل شيء، و الصواب في المسألة التفصيل، فنفرق بين رأس البدعة وبين المبتدع العامي. المبتدع العامي، هذا قد لا يدري أنه في بدعة، فهذا يُعَرَّفُ قبل أن يهجر، يعني نقول له إن هذه بدعة ، ونترفق في البيان ونطيل النفس معه ، وليس ما أن أقول له هذه بدعةٌ، وهو لا ينتهي، أذْبَحُه، فأنا أوّلاُ لست من العلماء بالنسبة له ؛ وكذلك لو قلت له هذه النصيحة بشيء من الغلظة يَنْفُر مني .. الأرواح جنود مجندة .. فالعامي المبتدع لا يهجر ابتداء ، إنما يُفَهَّمُ و يُعَرَّفُ ويطال معه النفس، ويكلم بالحسنى، ونحو ذلك. أما الرأس في البدعة، لاسيما إذا كان داعية إلى ضلال، فهذا الصواب فيه الهجر ، فالصواب أنك تترك صوابه ، لا تأخذه ، ولا تنوه به ، هذا الصواب ؛ لو كان هذا الرجل رأساً ، وله شر مستطير، فالأولى الهجر، إلا إذا ترتب على الهجر مضرة أعظم من هجر المبتدع نفسه، والعلماء لهم في ذلك - أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية- في عدة مواضع ، والشيخ بكر أبو زيد حفظه الله نقل في " هجر المبتدع " نقولات عن شيخ الإسلام وغيره من العلماء، باعتبار مسألة المصالح والمفاسد.(1/18)
كان جمعني مرة مجلس ببعض الشباب في ضواحي مدينة الرياض ، وهؤلاء ممن يتبنون هجر المبتدع كلية مع قطع النظر عن مسألة المصالح والمفاسد ، كان مما قلته له: إن عندنا في مصر في بعض المواضع ، لو قلت : " أنا سلفي " لرجموك بالحجارة، والغالب على هذه المنطقة الفكر الأشعري، فهل أنا في هذه الحالة أبني محاضراتي على التحذير من الفكر الأشعري بحيث يرجموني بالحجارة، أو على الأقل يمنعونني بقوة السلطان من أن ألقي دروسا، وبالتالي بصيصُ النور الذي يمكن أن يخترق هذه الظلمات سينطفئ، أو أترك التنبيه على هذه البدعة قليلا حتى يمكن أن أربي شباباً – ولو في المجالس الخاصة – لأستطيع أن أدرأ به هؤلاء ؟؟ فرد قائلا: أنا أجهر ، قلت له: طيب، نحن الآن في البلاد السعودية، لو جاء رجل وقال: " مَدَد يا حسين، مدد " ما تصنعون به ؟ هو نفسه قال: أنا أذبحه، قلت له: انتهينا، هذا هو الجواب، الرجل الذي يقول " أنا سلفي " يصنعون به مثل ما تصنع أنت بالرجل الذي قال: مدد يا حسين، ودعى هذا المخلوق. إذا كان الله تبارك وتعالى رخص للعبد أن يتكلم بكلمة الكفر لينجو .. أنا لا أقول أنه يمدح في الأشاعرة، لكن سَيَسْكُتُ، لا أقول له أن يقول: الفكر الأشعري أحسن فكر، والعقيدة هي السليمة، لا ، لن يتكلم، لكن الرجل سيسكت. ومع ذلك أصَرَّ على المخالفة، فهم مغلوبون على مسألة هجر المبتدع ، والحقيقة غَلوا فيها غلوا شديدا، يحتاج إلى وقفة ويحتاج إلى نظر.(1/19)
هجر المبتدع، لاسيما الرأس، هذا واجب، ما لم يكن هناك مانع من الهجر، كأن يترتب على ذلك مفسدة، والحقيقة مسألة المصالح والمفاسد إنما تخضع لتقدير الإنسان في الظرف نفسه، يعني لا يمكن أن نقول : المصالح والمفاسد لها قالب معين لا تخرج عنه ، بل في كل بلد قد يكون ما هنا مصلحة ، وذات الفعل في مكان آخر مفسدة، لكن الذي يقدر مسألة المفاسد والمصالح هم العلماء، لكن يبقى شيء ، هو مسألة ذكر حسنات المبتدع: الحقيقة إذا سئل الإنسان عن رجل مبتدعٍ، في بِدْعَتِهِ، ما ينبغي له أن يذكر حسناته، أما إذا كان يترجم له فيذكر الكُلَّ، مثلا: نفترض رجل صالح ممتاز، رجل قوام صوام بكاء .. كل الخصال فيه، لكنه إذا اقترض منك قدرا من المال لا يرده إلي، فجاءك رجل فقال: يا شيخ، فلان يريد أن يقترض مني مبلغا من المال، ما ترى ؟ لا أقول له: صالح بكاء صوام قوام، لأن هذا ليس الإجابة عن السؤال، هذه حَيْدَة، الإجابة عن السؤال: أقول له: لا تعطه لأنه مماطل، إذا أخذ المال لا يرده، لكن إذا جاء رجل وسألني: ماذا تعرف عن فلان ؟ أقول: والله، رجل طيب، رجل صالح، رجل كذا، لكنه مماطل، فهنا السؤال اختلف، لماّ جاء سألني عنه الذي يريد أن يقترض ، لا أقول له صوام قوام ، لا ، أقول له : لا تعطه لأنه كذا ، بخلاف السؤال الثاني ، ولذلك نحن نجد علماءنا كالأئمة الذهبي وابن كثير والمزي وهؤلاء، إذا ترجموا لبعض المبتدعة يبدأ بـ " الشيخ العلامة الإخباري الحافظ " كذا، وبعدها يقول: خُذِلَ في بدعته، وكان عنده كذا وكذا، لماذا ؟ لأنه مترجم، وليس من العدل والإنصاف في باب الترجمة أنك تذكر مساوئ الرجل وتترك حسناته، لكن ليس بالضرورة أن أذكر محاسن المبتدع، إذن السؤال يختلف، إذا كان أنا أسأل عن بدعة المبتدع فأنا ما أذكر له حسنات، لكن إذا كنت أسأل عنه سؤالا مجردا سأذكر ما أعرف عنه من الخير والشر، وهذا هو سبيل العلماء في ذكر التراجم. والله أعلم.(1/20)
س 7: هناك أيضا مقولة الآن تنتشر بين طلبة العلم، يعني أن أقوال العلماء المتأخرين ما يُأْخَذُ بهم، فنحن نعتمد على أقوال العلماء المتقدمين في هذا العلم، يعني لو جاء مثلا الذهبي أو الحافظ ابن حجر، وهو متأخر عندهم، وتكلم في هذا العلم ، لا يؤخذ عنه كلامه، لا بد نرجع إلى الأصل: العلماء المتقدمين، فما رأيك في هذا ؟ وهل سمعت عنه ؟
ج 7: نعم، طبعا سَمِعْت، أنا أجيب بجواب إجمالي، لأن الجواب التفصيلي مكانه واسع:(1/21)
لا مانع أن تُبحث هذه المسألة بحثا علميا، لكن بين أهله. مسألة تعليل المتقدمين والمتأخرين، هذه مسألة مشهورة، لكن الخطورة في المسألة: دخول الصغار في هذه القضية، الخطورة البالغة أن يدخل صغير حدث له من العمر أربع سنوات في علم الحديث، ويقول: أنا لا أحتج بالذهبي ولا بابن حجر، ولا أحتج بالخطيب البغدادي، ولا أحتج بفلان، إنما أحتج بتعليل فلان. المسألة تناقش .. يعني مثلا .. تعليل المتقدمين تعليل إجمالي في الغالب، كثيرا ما يُعِلّون تعليلا إجماليا، فمثلا يسأل أبو حاتم الرازي عن حديث فيقول: هذا خطأ، ويسكت! خطأ من أين ؟ من المخطئ ؟ وما وجه الخطأ ؟ و .. و .. الخ ..... بعض المتأخرين يأتي فيقول: أما قول أبي حاتم "خطأ" فلا وجه له، طيب .. كلمة "لا وجه له " لأنه لم يظهر للمتأخر وجه تخطئة أبي حاتم الرازي مع ثقة الرجال، لأن المتقدمين مع جلالتهم ليسوا بمعصومين، وما كان قولهم قانونا لا يجوز الخروج عليه، والله تبارك وتعالى ما احتجر الصواب لفلان على فلان ، ولا أعطاه للمتقدمين وحجبه عن المتأخرين ، بل جعل العلم شيئا مقصورا بين عباده، يفتح للمتأخر منه ما أغلقه عن المتقدم. فإذا انطلقنا من هذه المسألة .. الذي يأتي فيقول: أنا آخذ بتعليل أبي حاتم الرازي وأرد المتأخر، نقول له: ما الحجة في قبولك أبي حاتم الرازي ؟ يعني: لما أنت الآن تتبنى قول أبي حاتم الرازي أن هذا الحديث خطأ، أنا أسألك: أين وجه الخطأ ؟ يمكن أن تقول لي: أبو حاتم أعلم، إذن، دخلنا في التقليد، وهذا علم المجتهدين ..(1/22)
علم الحديث علم المجتهدين، فلما يأتي فيقول: أنا قلدت أبا حاتم الرازي، أقول له شيئا أحسن من هذا: لو أن البخاري صحح حديثا وأبو حاتم أعله، وكلاهما من المتقدمين، فماذا نفعل ؟ يعني : البخاري أودعه في صحيحه ، وهو إمام كبير ثقة فحل، وأبو حاتم الرازي قال: هذا خطأ، أو الإمام مسلم وضع في الصحيح حديثا وأعله أبو حاتم الرازي ؟ وفي العلل عدة أحاديث هي في صحيح مسلم، ويقول أبو حاتم الرازي إنها خطأ، فبأي القولين تأخذ، وكلاهما من المتقدمين .. دعك من المتأخرين ؟ .. ما هو الدليل الذي ترجح به قول هذا على ذاك ؟ إن قال: أنا أرجح قول فلان على فلان .. هذا نفس الكلام الذي أحتج أنا به في ترجيح كلام المتأخر على المتقدم أحيانا، فالمسألة ليست جديدة، لكن الجديد، أو الخطير في المسألة أن يدخل الصغار في هذا الفن، بالذات في معترك الأقران الكبار الفحول، يعني مثلا أنه دخل في ماء ضحل، لكنه أَوْغَلَ في البحر. و - الجواب ما زال إجماليا حتى الآن - مما يدل على أن القضية التي تبناها هؤلاء تحتاج إلى نظر: أن الكبار من أئمة الفن ما تكلم أحد منهم ولا تبنى هذه القضية، فاليوم : رجل له ستين سنة أو سبعين سنة في الفن، يمارس ، وعنده ذكاء ، وعنده ملكة وتبحر واطلاع، أم رجل له أربع سنوات فقط في علم الحديث ؟ أيهما أولى أن يأخذ بقوله إجمالا ؟ مع أننا نعتقد أن الصواب قد يكون مع الصغير أحيانا ، لكن إجمالا يكون الصواب يكون مع الكبير ، فما وجدنا حتى الآن عالما ممن يشار إليه بالبنان ، الآن في الأرض تبنى هذه الدعوة، فهذا – على الأقل – يعطي علامة استفهام، يقال لهذا الرجل: قف. لكن القضية طويلة، والبحث فيها طويل مثلها.(1/23)
العجيب، أنهم يجعلون الخطيب البغدادي أول المتأخرين، والدارقطني آخر المتقدمين. فيقال: إن الدعاوي يستدل لها، لا بها ، فما هو الدليل على أن الخطيب البغدادي من المتأخرين ؟ يعني - مثلا - الدارقطني توفي سنة 385 هـ ، يقولون: هذا آخر المتقدمين، مَنْ مِنَ السابقين قال إن الدارقطني آخر المتقدمين ؟ هذه مجرد دعوى .. طيب .. لو مثلا مات أحد سنة 390 هـ، هذا متقدم أو متأخر ؟ أم نجعله في البرزخ، على الأعراف، نجعله لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ؟ 385 هـ هذا آخر المتقدمين .. طيب 386 نلحقه بمن ؟ و387 ؟ ونبقى نمشي سنة وراء سنة، إلى أن يقول لنا: هنا في هذا المكان الفيْصَل، نقول له: ما الدليل على أن هذا هو الفيصل ؟ ولماذا الخطيب البغدادي يكون أول المتأخرين ؟ مع أنهم يردون كلام الخطيب.
أنا أدري لماذا جعلوه أول المتأخرين: لأن الخطيب البغدادي هو الذي فَصَّلَ هذا العلم، وكل من جاء بعده نسج على منواله، فلو أنه قال إن الخطيب البغدادي من المتقدمين لَلَزِمَهُ القول بأن كل ما أتى بعده يجري على سنن المتقدمين، لكنهم لما رأوا أنه ليس هناك أحد قبل الخطيب سطر علوم الحديث ولا قيدها، ولا وضع لها ضوابط ولا قوانين .. إذن يكون هذا من المتقدمين، إنما لو قال إن الخطيب من المتقدمين، فَكُلُّ النسج على منواله، وبالتالي تُهْدَمُ الدَّعوى، فاضطر أن يقول إن الخطيب البغدادي هو أول المتأخرين والدارقطني آخر المتقدمين.
ومع أن هذه مجرد دعوى لا دليل عليها، فلم يقل أحد من العلماء قط إن الدارقطني هو آخر المتقدمين، لكن أنا كشفت – في ظني – أنهم قالوا إن الخطيب أول المتأخرين لهذه العلة التي ذكرتها ، والله - تبارك وتعالى - يهدي المسلمين لما يحب ويرضى.
س 8: أنت التقيت العلامة الألباني – حفظه الله ونفع به – ودرست كتبه ، نريد أن نعرف مواقف حصلت لك عرفت فيها منزلة الشيخ ناصر، التي قد تكون ما سطرت في الكتب.(1/24)
ج 8: بين يدي هذا الكلام ، أنا أذكر حادثتين للمتقدمين، وطبعا كلمة المتأخرين ـــ المتقدمين. قال ابن جريج – ابن جريج هذا قد لازم عطاء بن أبي رباح عشرين سنة - : ما استخرجت ما عند عطاء إلا بالرفق. وقال الزهري: لقد خسر أبو سلمة بن عبد الرحمن علما كثيرا لكثرة ما كان يماري ابن عباس. كان دائما يعترض على ابن عباس ، ويناقش معه ، فابن عباس لم يكن يحب أن يدخل معه في مزالق ، لأنه يعرف أنه لن يصل معه إلى حل ، فمن كثرة مُماراة أبي سلمة بن عبد الرحمن لابن عباس خسر علما كثيرا عن ابن عباس.
الشيخ الألباني – حفظه الله – لما التقيت به، وسافرت إليه في عمان في 1407 هـ، وكنت أرسلت له خطابا مع زوج ابنته نظام(1)، وقلت له: يا شيخ، أنا أعلم أنك تطرد الطلبة ، وأي واحد يأتيك تطرده ، لكن أنا عندي أسئلة في العلل وأريدك أن تفسح لي .. الخ .. رسالة طويلة ... نظام ذكر لي فيما بعد أن الشيخ تألم كثيرا لكلمة " أنك تطرد الطلبة ".
__________
(1) هو الشيخ نظام سكّجها.(1/25)
فلما من الله تبارك وتعالى وسافرت، نزلت في عمان، واتصلت بالشيخ، وكان يعرفني من بعض الآثار التي كانت منشورة آنذاك، وهذا مما يسره الله عز وجل حتى يفسح الشيخ لي ، فسلمت عليه، هو بادرني بالسلام، لأنه كان هناك أخ معي ، فقال له: أبو إسحاق وصل ، وهو معك على الهاتف، فأمسكت بالهاتف فقال لي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقال لي: " ما أحسنت الرد " .. أول عبارة أسمعها من الشيخ .. " ما أحسنت الرد " .. فأنا اندهشت !! أنا ما شتمت ولا قلت شيئا، إنما رددت السلام !!! ؟؟؟؟ فقلت: يا شيخ، وأي موضع أنا ما أحسنت فيه ؟ قال : " اجعل هذا بحثا بيني وبينك غدا " .. فقلت العملية بدأت ساخنة هكذا .. ونبدأ بالشغل، ( بالمصرية .. تقريبا: وأنا مش قد الشيخ، يعني ده يجيبني على أكتافي على طول .. ويضحك الشيخ الحويني ) ... فظللت أفكر في المسألة ، فانقدح في صدري كأنه هناك زيادة على السلام ... الرضوان أو المغفرة أو أي شيء من هذا، ولم أكن في الحقيقة قرأت بحث الشيخ حول " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته " في السلسلة الصحيحة، فقابلت الشيخ – حفظه الله - في اليوم التالي ، وقلت له: كأنه هَجَسَ في صدري أن هناك زيادة .. رضوان أو نحو ذلك ، قال : نعم ، روى البخاري في التاريخ الكبير بسند حسن في نقدي زيادة " ومغفرته "(1).
__________
(1) ذكر الشيخ الحويني حفظه الله في شريط " أحاديث مشتهرة ولكنها لا تصح " أنه سمع بأذنه الشيخ الألباني – رحمه الله - يقول إنه تراجع عن تصحيح هذه الزيادة في آخر حياته، ولكن مع ذلك يبقى مع عموم الآية " فحيوا بأحسن منها أو ردوها ". وقال إن الشيخ – رحمه الله – قد تراجع عن هذه الزيادة بعد طبع أحد الكتب التي كانت مخطوطة، فاطلع على سند للحديث تبينت له فيه علة.(1/26)
فجلسنا مع الشيخ حوالي ساعة ونصف، وخرجت معه أودعه، فانفردت به في الطريق فقلت له: يا شيخ، أنا جئت من مصر، والله يعلم أنني ما خرجت إلا لأجل سؤالك، فأنا أريد أن أخدمك وأفهرس لك بعض الكتب، وألازمك بحيث أسألك، فاعتذر وقال: لا وقت عندي لأحد، وأتمنى أن يكون مثلك معي يسهِّل علي الأبحاث، لكن أن عندي طلبة كثيرون، وأنا غير محتاج لزيادة، فقلت: إذن يا شيخ أعطني من وقتك نحو ربع ساعة في اليوم، قال: ما عندي وقت، قلت له : يا شيخ ، في المسجد ، صل الفجر .. و .. خمس دقائق .. قال: ما عندي وقت، قلت: يا شيخ، أنت هكذا تهدر رحلتي ، أنا ما خرجت ، ما لي مأرب ، لا تجارة ولا زيارة ولا شيء، أنا أريد أن أسأل وأرجع، قال لي: ما عندي وقت، قلت: على كل حال يا شيخ، إن كنت خرجت لله من بلدي فسيفتح الله قلبك لي، وإن كنت خرجت لغير ذلك فيكفيني عقوبة أن أرجع إلى بلدي بغير شيء. وكدت أن أبكي .. على أساس أني أحسست أن رحلتي هدر .. وأني قد فعلت المستحيل لخروجي .. كان خروجي من البلد نوعا من المعجزة.(1/27)
في اليوم التالي كان هو يصلي في مسجد في منطقة فالوجة هناك، وهذا المسجد كان يؤخر صلاة الفجر، والشيخ يرى أن الأذان يؤذن قبل الوقت، فكان يأتي نحو 15 كلم، يصلي في هذا المسجد ويرجع، فلما قابلته في صلاة الفجر قلت له: يا شيخ، ماذا رأيت ؟ فقال لي: كأن الله شرح صدري، لكن أنا أعطيك خمس دقائق ، قلت: لا بأس، فكنت أركب السيارة مع الشيخ، وبعدها نصلي وننطلق ، وبدأت المسألة، طبعا ليس خمس دقائق بالضبط، ربع ساعة في البداية أو ثلث ساعة، وبعدها رويدا رويدا إلى أن أخذنا ساعتين أو تزيد في السيارة، وكان الشيخ رحب الصدر جدا ، لدرجة أن هذه الشرائط – في ظني – كانت أول شرائط يسمع فيها الطلبة الشيخ ناصر يضحك ، قبلها ما كان الشيخ يلقي محاضرة هكذا ، لا سلام ولا كلام .. ففي هذه الشرائط سمعوا لأول مرة المداعبات والضحك، حتى أن أخانا محمد بن إسماعيل المقدم قال لي: لو أنا أدركتك في ذلك الوقت لقلت لك أن تحذف ضحك الشيخ من الشرائط، لأننا لسنا معتادين عليه، نحن معتادون أن الشيخ جاد، ويلقي المحاضرة بدون شيء من هذا إطلاقا.(1/28)
فبلغ من لطف الله بي – سبحانه وتعالى – في الشيخ أنه بدأ يأخذني إلى مجالسه الخاصة، عندما يكون مجلس خاص كان يعلمني سرا، يقول: أنا في المجلس الفلاني، فذهبت معه مرة إلى جبل عمان، في زيارة لبعض الناس، فلما ركبت كان مع الشيخ أهله، فشعرت بحرج كبير ، فظللت ساكتا ، فظل يحاورني، مثلا: عندك سيارة ؟ ما نوعها ؟ بأي سرعة تسوق ؟ لو قابلتك سيارة من هنا ماذا تعمل ؟ كلام من هذا القبيل، أنا ظننت أن الشيخ شعر بحرجي فأحب أن يفك الحرج مني، وبعدها قال لي: إننا ذاهبون لضيوف، والأصل أننا نحترم الضيوف ، والكلمة لهم ، فأنت لا تسأل ، لأنهم أولى، وهم أصحاب الدعوة، لكن إذا [ كلمة تشبه: نامَتْ حَرِّكْها ] .. هو يُعَرِّفُنِي كيف أدخل للسؤال بدون أن أسبب حرجا لأهل البيت، قلت له: كيف أحركها ؟ قال: مثلا، يمكن أن يسأل أحدهم سؤالا، فتقوم أنت وتضع ألف وباء وجيم ودال على السؤال ، تقول : على هذا السؤال يا شيخ عدة أسئلة ، ما تقول في كذا وكذا ؟ و(بالمصرية: تطلع بَرَّهْ وتحضر سؤال من بره .. موضوع في النص ..) لكن أنت لا تبدأ السؤال استئنافا من عندك .. الحقيقة أنا أكبرت الشيخ في نفسي ، أنْ تلطف بي وعرفني كيف أسأل ، وقال لي حفظه الله : " صَحَّ لَكَ ما لمْ يَصِحَّ لِغَيْرِكَ " ، وهذا أنا أظنه باللطف .. فالشيخ – وهو أهل لذلك – رجل الذي يعاشره عن قرب يحبه ويحترمه، ويجد فيه من الشمائل ما لا يجده الإنسان الذي يعامل الشيخ بهذه ـــ ، وكان .. الحقيقة .. نقطةُ ..ما أقول التَّحَوّل..(1/29)
أنا أقول التي جعلت عندي إكبارا كبيرا للشيخ، لأنها كانت في بداية لقائي به، أنني كنت حريصا على تقبيل يده، وكان هو شديد التمنع، ولكنني كنت أصل في النهاية، فقال لي مرة: لماذا تفعل ذلك ، ألا تراني أجذب يدي منك ؟ قلت: يا شيخ ، نحن أمرنا أن نفعل هكذا بعلمائنا ، فقال لي: هل رأيت عالما قط ؟ قلت: نعم، أنا أرى الآن أمامي عالما، فقال: ما رأيت عالما ، ما رأيت غير طالب علم ، إن مثلي ومثلكم كمثل القائل: إن البُغاثَ بِأَرْضِنا يَسْتَنْسِرُ. الحقيقة هذه هزتني هزا شديدا من أعماقي ، لِما كنت أعلمه من الكلام عن الشيخ : أنه قاسي وغليظ وما يعترف لأحد بشيء .. الخ، مع فحولة الشيخ في نظري من تحقيقاته العلمية، أكبرت جدا أن يقول "ما أنا إلا طالب علم" ، و " أن البغاث بأرضنا يستنسر " ، فهذه في الحقيقة كان لها أكبر الأثر على نفسي، وكنت ذاهبا للشيخ وأنا أظن أنني على شيء من العلم، فرجعت من عند الشيخ ومثلي كمثل عصفور وقف على محيط فنقر نقرة ثم رجع، فهو – ما شاء الله – الشيخ رجل فحل، والذين يهاجمونه إنما هاجموه لأنهم لا يعرفونه وما جالسوه، وأنا أظن أن الذين يهاجمون الشيخ، حتى من المحبين، لا أقول من المبتدعة ، لا أقول ممن هم معه على نفس المنهج ويهاجمونه ويخطئونه، أنا أظن هؤلاء لوْ جالسوا الشيخ لما تجرأ واحد منهم أن يكتبَ الذي يكتبُ، والشيخ – حفظه الله - له أشياء كثيرة أودعتها في ترجمة للشيخ، " الثمر الداني في الذب عن الألباني " ، هو ثلاث مجلدات، إنما ما يتعلق بترجمة الشيخ – حفظ الله – فهذه سنخرجها – إن شاء الله - وحدها باسم " طليعة الثمر الداني في الذب عن الألباني " ، لأن بقية الثمر الداني محاكمة علمية بين الشيخ وبين الذين خالفوه في المسائل الحديثية، وفي المسائل الفقهية .. فهو طويل، وأسأل الله أن يعيني على إتمامه.(1/30)
س9: كثيرا ما تصف الشيخ ناصر بألقاب وأوصاف حسنة وجليلة ... لكن مع ذلك نراك تخالفه، وتبين بعض الأحيان بعض الأوهام التي تقع له في كتبه، بعكس بعض المقلدة للشيخ الذين نراهم يتبعون الشيخ حتى في بعض المسائل الخلافية التي توقف عنها الجمهور مثلا ، وكذلك بعكس بعض المتعصبة الذين ـــ الشيخ على طول الخط.
ج9: إجلال الشيخ لا يتنافى مع تبيين خطئه، وأقولها من كل قلبي ، ما كنت أود أن يخطئ الشيخ حتى يتعقبه مثلي، بل كنت أود أن يظل عرض الشيخ موفورا وأن يصيب الحق، لكن أبى الله أن يجعل العصمة لأحد غير أنبيائه. ومسألة تقليد الشيخ – حفظه الله – في كل شيء ، هذا ضد دعوة الشيخ نفسه، الشيخ قام عليه الناس قومة رجل واحد بسبب دعوته إلى الاجتهاد، يقول: لا تقلدوا، وهو معروف أن حربه على التقليد مشهورة، فأنا أقع في ما نهى الشيخ عنه ؟ لأنه دائما ينهى عن التقليد .. عن تقليد المشايخ بدون دليل، فآتي أنا وأقلد الشيخ في كل شيء، فأنا عاق لدعوة شيخي .. تَبْيينُ خطأ الشيخ لا ينافي إجلاله، ولا ينافي توقيره حفظه الله، ولا زال الناس يبين بعضهم خطأ بعض، الإمام الشافعي كان يقول: مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين، والمسائل التي خطأ فيها الشافعي مالكاً لا تحصى كثرة، والإمام أحمد بن حنبل كان شديد الإجلال للشافعي ومع ذلك خالفه في عدة مسائل، ومع المخالفة كان يترضى عليه، لأنه – سبحان الله – ما زال الناس يختلفون، وأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يختلفون، ومع ذلك يبقى الاحترام ويبقى الود، فأنا ما أرى تنافيا بين إجلال الشيخ وإعطائه حقه من التقدير والتوقير، وبين إظهار بعض الأوهام التي تعتري البشر، ووالله، والله أنا كنت أتمنى أن لا يخطئ الشيخ في هذه المسائل حتى يتعقبه مثلي.
س 10: ــ تقليد ومتابعة الشيخ في المسائل الخلافية، والتي خالف فيها الجمهور، مثل تحريم الذهب المحلق، أو الاعتكاف ما يكون إلا في المساجد الثلاثة ... ؟؟؟(1/31)
ج10: الإمام الشاطبي قال في كتاب الموافقات: عليك بسنن الجمهور في الفتوى، إلا أن تكون وصلت إلى درجة من العلم يُسَوَّغُ لك بها مخالفة الجمهور.
فالذي أنا أفهمه، أن الشيخ – حفظه الله – له أن يخالف الجمهور، لأن عنده من العلم بما يستطيع أن يخالف، لكن لا أبرئ التابع للشيخ في بعض المسائل التي انفرد بها ، وهو(1)لم يتحققها، لأن الشيخ – حفظه الله – مثلا في فتوى " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة "، الذي أعلمه أن هذا الحديث كان أمام الشيخ – حفظه الله – فترة طويلة من الزمن، ومع ذلك ما أفتى بمقتضاه، سنين طويلة وهو يصدر رسالة الاعتكاف، ويقول: يجوز الاعتكاف في كل مسجد، لقوله تبارك وتعالى: "وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ"(2)، في السنوات الأخيرة فقط بدأ الشيخ – حفظه الله – يبدي رأيه في المسألة ، مع أن الحديث ما كان نكرة بالنسبة للشيخ، كان الشيخ يعرفه، لكن كان في صدره شيء يَحيكُ بالنسبة لذلك الحديث، فلما درسه ووصل إلى قناعة تامة بأن هذا الحديث مُخَصِّصٌ لعموم قوله تبارك وتعالى: " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " ساغ له أن يخالف، فهذا شيء أنا أفهمه بالنسبة للشيخ، أنه له أن يخالف لأنه وصل إلى المرحلة التي تسوغ له أن ينفرد برأي ، لكن يأتي رجل مثلا ما عنده ذلك التحقيق، ويكون مَلَكِيّاً أكثر من الملك ، وقد يدافع عن وجهة النظر أكثر من الشيخ نفسه، حفظه الله تعالى ، فإذا كان هذا الذي تابع الشيخ وصل وتحقق وعنده من الأهلية ما يستطيع به أن ينفرد عن الجمهور فله ذلك كما يكون للشيخ، وإلا فنحن نتبنى قول الإمام الشاطبي : عليك بسنن الجمهور في المسائل الخلافية ... إلا إذا الإنسان وصل..
__________
(1) يعني التابع للشيخ.
(2) البقرة، الآية 187.(1/32)
و – سبحان الله - ، لو جاء تلميذ للشيخ وخالفه في كل المسائل التي شذ فيها عن الجمهور، هذا ما يقال إنه ضد الشيخ، كما أننا لا نقول أن الشيخ ضد الجمهور، ولا حاقد على الجمهور، ولا ــــ عن الجمهور بالمخالفة، كذلك الذي خالف الشيخ وتابع الجمهور أولى بأن لا يقال في حقه مثل هذا الكلام.
س 11 : أنت قرأت الكثير عن الشيخ ناصر حفظه الله ، كتبوا عنه ، سواء من الموافقين والمخالفين ، المقلدين والمعادين، فما هو تصنيفك للذين كتبوا عن الشيخ وردوا عليه .. عموما، يعني هل تستطيع أن تصنفهم لنا على ضوء مثلا كتاب ......(1/33)
ج 11: بالنسبة لغالب الذين ردوا على الشيخ ردودا مفردة، إما مبتدع، أو موافق للشيخ، فدعنا من المبتدع، فهذا حاقد ويهمه أن يُبَيِّنَ أنَّ الشيخ ليس على شيء من العلم، لكن الكلام يبقى بالنسبة للمُعَظِّم للشيخ، والذي ينتقده ويقول " حفظه الله " ، فأنا أرى أن كل الردود التي صدرت في الرد على الشيخ – حفظه الله – الغالب عليها الضعف، ما هي بمتانة، ما هي متينة، وإن كنت لا أجحد أن فيها شيئا من الصواب، لكن الغالب عليها الضعف، وتجد أن أغلب الذين ردوا على الشيخ إما حدثاء الأسنان، وإما قد يكون بعضهم من أهل الفضل والعلم، لكن لم يأتي بحجة تقطع تصحيح الشيخ أو تضعيفه، فما هناك رد حتى الآن يمكن أن يرفع له رأس جملة. ( كلام مع غير مسموع السائل .. وضحك ). أنا قلت قبل ذلك إن كتاب " النظرات " كتاب ضعيف في الجملة، وإن كان لا أجحد - كما قلت - أن فيه شيئا من الصواب، لكن الخطأ أكثر بكثير من الصواب، و .. هذا جواب إجمالي أيضا .. لما الشيخ يخطئ في كل مائة حديثٍ في سبعة عشر حديثا، هذا يعني أن الشيخ لا يفقه شيئا، لوْ وجدوا 17 حديثا ضعيفا في الخمسة آلاف حديث، أنا أستكثرهم على الشيخ. علماء الحديث، مثلا شريك بن عبد الله النخعي، كان يحفظ مئات الألوف من الأحاديث ، وأخطأ في 400 حديث فقط، فقال فيه العلماء : سيئ الحفظ ، كم تساوي 400 حديث في مئات الألوف ؟ أما كان يغتفر له 400 حديث ؟ لا، هذه كثيرة جدا عند علماء الحديث، 400 حديث ..(1/34)
خطأ شديد، قتيبة بن سعيد كان يحفظ مائة ألف، ما قالوا إنه أخطأ إلا في حديث واحد فقط، حديث في جمع التقديم، حديث معاذ بن جبل(1)، وقالوا إنَّ ـــ أدخله على الليث بن سعد، والمسألة فيها نظر كبير. فأربع مائة حديث في مئات الألوف يستعظمونه، فلما يجعلون في المائة حديث الأولى 17 حديثا ضعيفا، تكون منزلة الشيخ في الحديث صغيرة، ما له باع ولا ذراع ولا حتى شبه في علم الحديث. فأنا أرى أن كتاب النظرات حصل فيه نوع من التسرع في إخراجه، وكان الأولى عدم إخراج هذا الكتاب. وقلت لمن قابلني ممن لهم اختلاط بالذين كتبوا الكتاب، وبعض الذين كتبوا الكتاب هو الأخ مصطفى العدوي، وتربطني به علاقة طيبة ، وهو أخ فاضل، لكن أنا أرى أنه تورط في إخراج هذا الكتاب، يعني ما كان ينبغي له - مع علمه وفضله - أن يخرج هذا الكتاب.
__________
(1) عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عته أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبَ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ. قَالَ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا قُتَيْبَةُ وَحْدَهُ .(1/35)
قلت: أرى أنه من السياسة الشرعية عدم إفراد ردود على علماء السنة في هذا العصر، لأنه الآن، هذه الأحاديث التي خالف فيها الشيخ الألباني .. سائغٌ أن أسكت عنها أم لا ؟ سائغ .. لأن هذا ليس من الأشياء التي يقال فيها: لا بد من إظهار الحق ، لأن هذه مسألة اجتهادية . إذا كان يسوغ السكوت عن مثل هذه الأخطاء ، فالأولى السكوت، لاسيما وأهل البدع قاموا بِقَضِّهِمْ وقَضيضِهِمْ على أهل السنة يريدون هدمهم, العوام لا يتحققون بشيء ، فإذا رأوا سيول أهل البدع يهاجمون أهل السنة، ورأوا بعض أهل السنة ممن ينتمون للمنهج يهاجم الشيخ أيضا، يقولون: فعلا ..طيب ، هذا من المبتدعة .. حاقد.. لكن .. هذا حاقد ؟ الذي يمشي مع الشيخ، ويقول بنفس دعوة الشيخ، وعلى منهج الشيخ وعقيدة الشيخ، هذا حاقد ؟ سلَّمنا أن المبتدع حاقد، لكن هذا ليس بحاقد. فلذلك تقل منزلة هؤلاء العلماء في نظر كثير من الذين ينتسبون إلى أهل السنة، وكما وَسِعَ الحافظ ابن حجر أن يسكت عن أخطاء الهيثمي في " مجمع الزوائد "، يَسَعُنا أن نسكت عن أخطاء الشيخ .. لا أقصد : نسكت بإطلاق .. لا نفرد ردودا، ولكن إذا جاءت مناسبة لتصحيح الخطأ نصححه في مكانه ، يعني مثلا: أنا أُخَرِّجَ كتاباً، و مَرَّ بي الحديثُ ، وأنا انفصلت على أنه ضعيف، والشيخ صححه، أقول – وبعدما أفرد الحجج بالتضعيف - : وقد صححه فلان الفلاني في كذا وكذا، وما تقدم من التحقيق يرده. وانتهيتُ. بذلك أنا قلت رأيي وانتقدت الشيخ، لكن في موضعه ، فلا يصل إلى هذه الموضع إلا أهله ، الذين هم مهتمين بالتخريج ونحوه ، وغالبا ما يكون في المهتمين بالتخريج من يُقَدِّر هذه المسألة ، ويقول : هذه مسألة خلافية . لكن إفراد كتاب في الرد على فلان وفلان في مسائل يسوغ السكوت عنها ..(1/36)
أنا أرى من السياسة عدم سلوك هذا المسلك، والحافظ ابن حجر – كما ألمحت آنفاً – لما نظر في " مجمع الزوائد " لشيخه الحافظ نور الدين الهيثمي وجد أخطاء كثيرة، فبدأ يتعقب الهيثمي في بعضها، قال الحافظ ابن حجر: فبلغه – أي الهيثمي – ذلك، فشق عليه، فتركته رعاية له. يعني ترك التعقب على الهيثمي رعاية لشيخه، لأن هذه المسائل - طالما هي مسائل اجتهادية - مما يسوغ السكوت فيها، فالحقيقة أنا أتمنى أن يتفهم إخواننا هذا الكلام ، وأرجو – إذا وصل هذا الشريط لأحد منهم – إن لا يؤلف شريطا في الرد علي على هذه المسألة، ويقول: هو يريدنا أن نسكت عن أخطاء الشيخ، وهذه محاباة .. ، أنا لا أقول لك أن تسكت عن أخطاء أحد، بل أقول: نصحح الخطأ في مكانه، وما هنالك داعي لإفراد ردود على علماء السنة، لاسيما مع قيام أهل البدع ضدهم، حتى لا نلبس على العوام. والله أعلم.
ج 12: الشيخ في أحد كتبه اشتكى من الردود، وقال إنها تشغله عن المضيّ في مشروعه " تقريب السنة " ....(1/37)
س 12: لا شك أنها تعكر القلب،لما أرى طالبا صغيرا، قامته لوْ وَقَفَ ما وصل إلى شراك نعل مثل الشيخ، ويكيل للشيخ الاتهامات .. هناك واحد ألف كتابا، وكتب على جلدة الكتاب من ورائه أن أخطاء الشيخ الألباني تتلخص في: خلطه بين الرواة، عدم الاعتداد بقول المتقدمين ، عدم معرفته بعلل الحديث ، عدم .. عدم .. الشيخ ماذا أبقيت له !!؟؟ ويأتي فيقول في المقدمة: والشيخ حفظه الله رجل فاضل، ورجل مقدم في العلم ... وبعدها يكتب على الجلدة في الآخر هذا الكلام، ما معنى هذا ؟؟!! فهو يُذَكِّرني برجل كان يقرأ في كتاب، يشرح للطلبة فيه، فكلما مَرَّ بموضع يقول: " أخطأ الشيخ رحمه الله "، حتى قال: " كَفَرَ الشيخ رحمه الله " !! طيب، لماذا يترحم عليه ؟ فلا يقول " حفظه الله " وإمام الفن، وفي الآخر يقول: لا يعرف ... ولا يعتد بعلل المتقدمين .. الخ .. ماذا أبقى له !؟ فهذا يذكرني بكلام الشيخ اليماني عبد الرحمن بن يحيى في التنكيل، يقول إن الكوثري(1)لا يقول " نسأل الله السلامة " إلا في موضع ارتكابه الأوابد، يعني يرتكب الطامة الكبرى، ويتهجم على أعراض الناس وبعدها يقول " نسأل الله السلامة "، فإذا قال " نسأل الله السلامة " فاعرف أنه ارتكب عظيمة.
__________
(1) هو إمام ضلالة، وحنفي متعصب جدا، حتى لقب بمجنون أبي حنيفة، وعقيدته منحرفة جدا، ومعروف بعدائه الشديد لأهل السنة، وله علم في مصطلح الحديث ، ولكنه سخره للطعن في السنة وأهلها ، فقد تجده يضعف حديثا في البخاري ، أو يصحح حديثا اتفق العلماء على ضعفه أو وَضْعِهِ، وقد رد على هذا الرجل الكثير من العلماء، منهم الشيخ المُعَلِّمي، والشيخ الألباني، والشيخ تقي الدين الهلالي، وقد قال فيه الشيخ ابن باز – مع تَحَفُّظِهِ المعروف في الطعن -: مجرم آثم.(1/38)
فـ .. سبحان الله .. - نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي المسلمين – هذا قطعا يصرف الشيخ، لأن الشيخ بشر من البشر، لما يرى هذا الطعن المتتابع المتواتر عليه، من غير أن يكونوا حتى مُحِقّين ولا مؤدّبين في الرد، شيء يؤثر في القلب لا شك ..
س 13 : يا شيخ، كان عندنا دكتور يدرسنا الحديث، وكان يقول : إذا صحح الشيخ ناصر الحديثَ فلا بد أن تتابع وتراجع بعد تصحيحه ، لكن إذا ضَعّفَ الحديث فعليك به ، يعني أنه لا يضعف الحديث إلا بعد أن ينفذ جهده في تقويته، ما رأيك في هذا الكلام ؟
ج 13 : لا، هذا الكلام إجمالا غير صحيح .. هناك من قال: إذا صحح الشيخ خذ بتصحيحه، وإذا حَسَّنَ فتوقَّفْ، هناك ناس يقولون بهذا .. المسألة كما قلنا: علومُ الحديثِ علومُ اجتهادٍ، والإنسان كلما طال عمره في هذا العلم ورسخت قدمه فيه كان أولى بالاتباع من غيره ... هذا جواب إجمالي ... يعني اليوم الشيخ ناصر يُخْتَلَفُ معه في تحسين بعض الأحاديث .. أنا أجيب الآن جوابا إجماليا، وهو: هل الحديث الحسن مثلا له قاعدة ؟ لا، ليس له قاعدة، الذهبي يقول في الموقظة: " أنا على إياسٍ من وجود حَدٍّ للحديث الحسن " ، لماذا ؟ لأنه يحصل فيه تجاذب في النظر، مثلا: الراوي سيئ الحفظ، فيه كلام، فأنت تلحقه بالضعيف أو الحسن ؟؟ محل اجتهاد .. فإذا كان المسألة اجتهاد ومحل نظر فأنا أتابع الذي له 60 سنة في هذا الفن، عن الذي أربع أو خمس أو عشر سنوات .. هذا جواب إجمالي، لأن الذي له 60 سنة ، قَطْعاً تَمَرَّسَ وصارَ له ذَوْقُ المحدثين وصارت له ملكة، فقطعا هو أقرب للصواب في المسألة.(1/39)
الجواب التفصيلي: أن يكون عند ذلك المعترض من الأدلة الصحيحة الواضحة أن هذا ليس بحسن، إنما هو ضعيف. لكن، أنْ نأتي على راو فيه خلاف بين أهل العلم ، مثل فُلَيْح بن سليمان مثلا ، فيه خلاف بين أهل العلم، أنت تقول: أنا أرجح أنه ضعيف، والشيخ قال: أنا أرجح أنه حسن، فتأتي فتقول: الشيخ مخطئ، ولم لا تكون أنت أولى بالخطأ ؟! .. راو مختلف فيه .. ما هو ثقة محض، ولا ضعيف محض، ولا نحو ذلك .. فمسألة أن الشيخ قد يخطئ في تحسين بعض الأحاديث، هذا وارد. والحقيقة، إذا تُعُقِّبَ على الشيخ – حفظه الله – بتعقب فيما يتعلق بتثبيت الحديث، فهو يعترض عليه في الحديث الحسن أكثر من الحديث الصحيح، لأن الصحيح تكون له أسانيد واضح أنها صحيحة، إنما الحسن تبقى أفرادها ضعيفة ، فيمكن أن يحصل نوع من الخلل ، مثل حديث " ازهد في الدنيا يحبك الله .. " ، حديث له إسناد فيه متروك، وإسناد مرسل، فمتروك مع مرسل لا يمكن أن يقال إنه حسن مثلا، لكن يقال: الأصل فيه الإرسال، فيمكن أن يخالف الشيخ في شيء من هذا القبيل، لكن إعطاء قاعدة " إذا صحح ابحث ورائه، وإذا ضعف فلا تبحث " ، هذه مسألة على الإطلاق، أظن فيها خللا كثيرا.
س 14 : سؤال أخير يا شيخ، نريد أن نعرف مؤلفاتك ومشروعاتك الحالية في التأليف.(1/40)
ج 14 : .. سؤال ملغوم ، ( يضحك الشيخ ) .. الآن ، الكتب التي تحت الطبع " غاية مأمول الراغب بتخريج أحاديث ابن الحاجب" لابن الملقن، و" ما رواه أبو الزبير عن غير جابر " ، وكتاب " أربعون حديثا في الجهاد " لعفيف الدين ، وكتاب " الديباج على شرح صحيح مسلم بن الحجاج " ستة مجلدات للسيوطي ، و" الثاني من حديث الوزير أبي القاسم علي بن عيسى بن الجراح " ، سبعة مجالس من أمالي الوزير ، وكتاب " الأمراض والكفارات والطب والرقيات" للضياء المقدسي ، و" الحث على الدعاء " لعبد الغني المقدسي أيضا ، وكتاب " نسخة عمرو بن زرارة " لأبي القاسم البغوي ، و " الأوهام الواقعة في المعجم المشتمل لابن عساكر " للضياء المقدسي أيضا ... هذه الأشياء التي أذكرها ، التي تعتبر تامة ، والجزء الأول من "سد الحاجة إلى تقريب سنن ابن ماجة" هذه المقدمة ، والجزء الأول من كتاب " عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب ، لما وقع من الوهم وغيره للحافظ المنذري في الترغيب والترهيب" للحافظ الناجي، تقع في ثلاثة مجلدات ؛ بالإضافة لتفسير ابن كثير، على 15 مخطوط لكن ما فيه منها مخطوط كامل غير حوالي اثنين فقط، والباقي يكمل بعضه، وصلت لسورة الأنعام، بالإضافة طبعا لبذل الإحسان ، إن شاء الله سنقدم الثالث والرابع والخامس قريبا ، لأن الطهارة ــــ فيها على رأس سبعة مجلدات ، ( يُسأل الشيخ ) .. ماذا .. أي معجم ؟ لا، هذا لا شغل لي عليه ، لكن هو فيه الجزء المفقود من المعجم الكبير، جزء منه طبع في دار الراية، كان مخطوطا عندي، أعطيت النسخة لبعض إخواننا حققها، ويمكن خلال شهر أن يظهر في الأسواق، الجزء المفقود هو جزء العبادلة الصغار، عبد الله بن الزبير، عبد الله بن عامر .. الخ الجزء المفقود كبير .. وهناك من الكتب ..(1/41)
لكن ما أتممتها ، انتهى منها حوالي 80 % من الشغل، مثل معجم الإسماعيلي ، هذا انتهيت منه من مدة ، هذا مجلس علم منتهي لكن ما دفعته للطبع لبعض المواضع المشكلة عندي ، وكتاب " الناسخ والمنسوخ "، لابن حفص بن شاهين، هذا انتهيت من حوالي ثمانين في المائة منه وتوقف العمل ... وهناك المشروع الكبير " السحب الهوامع على جمع الجوامع " ، هو 100 مجلد، كل حديث أحققه أضعه في هذا الكتاب ، الجامع الكبير للسيوطي، يمكن أخونا عادل رآه عندي هناك .. ثلاثين ألف حديث، كل حديث يأخذ ورقة، فكل مجلد ثلاث مائة حديث، يعني ثلاث مائة ورقة، طبعا هناك أحاديث تزيد .. أربع ورقات وخمس ورقات الخ، فأنا قلت في نفسي – ما دمت مشتغلا – كل الأحاديث التي أدرسها أنقلها في الجامع الكبير، يعني ما أحققها من جديد، ولا أبذل فيها مجهودا .. فنسأل الله تبارك وتعالى إن مدَّ في العمر وأمد في القوة .. ممكن أن نُتِمَّ الكتاب .. لأن ثلاثين ألف حديث .. صحيح وضعيف وموضوع ومنكر وحسن .. كل شيء فيه ..فأسأل الله أن يعينني.
س 15: ... كان عندك شرح على علل ابن أبي حاتم ؟؟؟(1/42)
ج 15 : هو " جنة المستغيث بشرح علل الحديث " لابن أبي حاتم الرازي ، لكن هذا الكتاب أن أؤخره ، لأن الكلام في العلل ينبغي أن يكون مع تقدم السن، الإنسان كلما تقدم به السن كلما يدرك ويعلم أشياء كان يجهلها قبل ذلك، لكن أنا أعمل فيه، أفك رموز التعليل عند أبي حاتم وأبي زرعة، مثلا يقول ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن حديث كذا فقال: خطأ. فأنا أبحث عن الخطأ، وأين هو، وأبحث عن الطرق وأنظر إذا كان هذا خطأ أم لا، وأنظر إلى تعليل الأئمة المتقدمين على أي حاتم، أو المعاصرين له، أو الذين جاؤوا بعده .. والكتاب ناقص أصلا ، وفيه تصحيفات، وحصلت نسخة أحمد الثالث ، مع النسخة التيمورية ونسخة دار الكتب المصرية ، وأبحث عن القطعة التي شرحها ابن عبد الهادي في العلل، قيل إنها مفقودة، لكن لعلنا نجدها .. فهذا موجود، لكنه يجب أن يكون من أواخر الكتب التي تخرج ..
س 16: طيب يا شيخ، نختم بكتابك " كشف الوجيعة " ، فيه قصة تكون عبرة لطلبة العلم ..
ج 16: كتاب " كشف الوجيعة ببيان حال ابن لهيعة " ، هذه القصة كنت ذكرتها لأخينا عادل ، وهي فعلا مِنَ العبر للذين يقولون الآن بالاستقراء، تسأل أحدهم: من أين أخذت هذه المسألة ؟ يقول لك: أخذتها بالاستقراء.(1/43)
ابن لهيعة من الأئمة المكثرين الذين تمتلئ دواوين السنة بحديثهم، واختلف أهل العلم فيه اختلافا كثيرا، فمن قائل إن كتبه احترقت، ومن قائل إنها لم تحترق، ومن قائل إنه كان لا يبالي ما يحدث قبل الاحتراق وبعده .. اختلفوا فيه اختلافا كثيرا ، فكنت في " بذل الإحسان " في المجلد الأول تكلمت عن حال ابن لهيعة في نحو ورقتين أو ثلاثة، فبدى لي أن أفرد ترجمة لهذا الرجل وأنظر الأحاديث التي أوردها ابن عدي في الكامل، والعقيلي في الضعفاء، وابن حبان في المجروحين، وأنظر في الأحاديث التي أنكروها عليه، هل تفرد بها أم توبع عليها ؟؟ فبدأت فعلا خطة العمل حتى أنظر هل المناكير تكثر في رواية ابن لهيعة بحيث نلحقه بالضعفاء ، أم توبع في معظم هذه الروايات، فيمكن أن نقول إن الرجل ما تفرد بأصل بل توبع ؟ فبدأت أعمل، لكن خطر على بالي وأنا أعمل شيء، قلت: أجمع أحاديث ابن لهيعة في السنن الأربعة والمسانيد، مسند أحمد ومسند الطيالسي ومسند عبد بن حميد ومسند أبي يعلى .. أجمع حديث ابن لهيعة وأنظر، فبدأت فعلا أمر على كل هذه الكتب وأجمع حديثا حديثا لابن لهيعة، فطمعت أكثر، فقلت: أمر على كل الكتب المسندة .. ابن خزيمة وابن حبان والمستدرك والدارقطني والبيهقي، وبعدها الأجزاء الحديثية الصغيرة والكبيرة، كل حديث لابن لهيعة أكتبه في بطاقة، فتجمعت عندي أحاديث كثيرة جدا جدا للرجل، فقلت: أجمعها على المسانيد، مسند أنس مسند أبي هريرة مسند كذا، وبعدها أرتبها على طريقة " تحفة الأشراف "، وأبدأ في الحكم عليها حديثا حديثا، أنظر هل توبع ابن لهيعة على هذا الحديث أم لا، تفرد به أم لا، حديثا حديثا، بحيث - إذا انتهيت من هذه الدراسة – أنظر في النسبة المئوية، كم في المائة تفرد ابن لهيعة بهذه الأحاديث ؟ فإن وجدت مثلا أنه في 70% تفرد ، فهو على الضعف ، فالرجل ضعيف ، لأن أغلب أحاديثه تفرد بها دون الأئمة(1/44)
المتقنين من أصحاب شيخه فلان الفلاني، وإذا وجدت أنه توبع من قبل ثقات على هذه الأحاديث فسيغلب على الظن أن الرجل لم يتفرد بأصل، بل توبع عليه، فبالتالي نستطيع أن نحكم على روايته بما يناسب الحال.
فأنا ما زلت في الجمع وحكمت على بعض الأحاديث من مسند أبي بن كعب ومسند أسامة بن زيد .. وأنا في مسند أنس ، الآن، وهو مستغرق لكل الصحابة تقريبا، وهذه كانت طريقة المتقدمين، ابن حبان لما يقول: سبرت رواياته ، كان السبر هي المقابلة ، والنظر إلى أهل الطبقة ، هل وافقوه أم خالفوه ، لكن كان يميز هؤلاء أنهم كانوا حفظة، هذا السبر يكون بالذهن، في الحال يستحضر .. لكن نحن ما عندنا إلا الكتب و .. و .. فأنا أتعجب من الذي يقول: أنا سبرت حديث فلان الفلاني فوجدته كذا، ابن لهيعة لو الواحد أوقف عمره على أحاديثه لفني عمره وهو لم يجمع كل أحاديثه، لأنه بطبيعة الحال لم يصل إلى كل الأجزاء الحديثية المسندة في العالم، فمثلا في المكتبة الظاهرية مئات أو عشرات المئات من الأجزاء الحديثية التي لم تطبع حتى الآن، ومشحونة بالأسانيد وفيها أحاديث ابن لهيعة، فمتى يقال: أنا سبرت أحاديث الراوي الفلاني، وله مثل هذا الكم ؟ وهذا ابن لهيعة رجل واحد، من عشرات المئات أو الألوف من الرواة، فالمسألة مرتقاها صعب، وأنا أسأل الله تبارك وتعالى أن يعينني على إتمام هذه الدراسة لابن لهيعة.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
********************************************************
ثبت بمؤلفات وتحقيقات الشيخ الحويني – حفظه الله ونفع به -
المؤلفات:
1- إتحاف الناقم بما وهم فيه الذهبي والحاكم. [ مخطوط ]
2- إسعاف اللبيث بشرح ألفية الحديث. للسيوطي. [ مخطوط ]
3- الإمعان مقدمة بذل الإحسان : [ مخطوط ]
4- الانشراح في آداب النكاح.
5- بث الخبر في منع إتيان المرأة في الدبر. [ مخطوط ](1/45)
6- بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن. طبع جزءان.
7- تسلية الكظيم بتخريج أحاديث تفسير القرآن العظيم. [ مخطوط ]
8- تقريب النائي لتراجم أبواب النسائي : [ مخطوط ]
قال الشيخ : وجعلت طريقتي فيه ذكر ما ترجم به النائي لحديث الباب على غرار ما صنع ابن المنير في كتابه " المتواري على تراجم أبواب البخاري"، وكذا ما صنعه بدر الدين ابن جماعة في كتابه " مناسبات تراجم البخاري "، وهذا يُظهر لنا منزلة الإمام النسائي في الفقه ] . اهـ .
9- تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر في كتب الأماجد. هو طليعة الجزء الرابع من كتاب (الثمر الداني في الذب عن الألباني ).
10- تنبيه الوسنان إلى ما صح من فضائل سور القرآن : [ مخطوط ] .
11- الثمر الداني في الذب عن الألباني. [ مخطوط ]
12- جزء في الاكتحال. [ مخطوط ]
13- جزء في الحاجم والمحجوم. [ مخطوط ]
14- جزء في حديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة ". [ مخطوط ]
15- جزء في حديث لا نكاح إلا بولي. [ مخطوط ]
16- جزء في ذم القدرية. [ مخطوط ]
17- جزء في طلب العلم. [ مخطوط ]
18- جزء في فضل الشيب وأحكامه. [ مخطوط ]
19- جزء فيمن سئل عن علم فكتمه. [ مخطوط ]
20- الجزم بشذوذ ابن حزم. [ مخطوط ]
21- جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب.
22- " جنة المستغيث بشرح علل الحديث" لابن أبي حاتم. [ مخطوط ]
23- الجهد الوفير على المعجم الصغير" للطبراني. [ مخطوط ]
24- درء العبث عن حديث "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ". [ مخطوط ]
25- درأ العيلة بتخريج عمل اليوم والليلة لابن السني. [ مخطوط ]
26- الرغبة في تبرأة شعبة. [ مخطوط ] .
27- رفع الضنك بشرح حديث الإفك : [ مخطوط ] .
28- الزند الواري في الرد على الغماري : [ مخطوط ] .
29- السحب الهوامع على جمع الجوامع : [ مخطوط : 100 مجلد ]
30- سد الحاجة إلى تقريب سنن ابن ماجه : [ مخطوط ](1/46)
31- سمط اللآلئ في الرد على الشيخ محمد الغزالي : [ مخطوط ]. قال الشيخ: وسيأتي الكتاب في جزأين يفضحان بجلاء علم هذا المتسور لمنبر الاجتهاد مع عرائه عن مؤهلاته.
32- صحيح الأمثال النبوية : [ مخطوط ]
33- صفو الكدر في المحاكمة بين العيني وابن حجر : [ مخطوط ] .
34- العباب بتخريج قول الترمذي : " وفي الباب " : [ مخطوط ] .
35- العقد الذهبي بتخريج كتاب أخلاق النبي : [ مخطوط ] .
36- غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود.
37- قصد السبيل في الجرح والتعديل : [ مخطوط ] .
38- كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء .
39- كشف الوجيعة ببيان حال ابن لهيعة : [ مخطوط ]
40- المقالات الحسان عن ليلة النصف من شعبان : [ مخطوط ] .
41- النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة. [ جزءان ]
42- نبع الأماني في ترجمة الشيخ الألباني.
43- نهي الصحبة عن النزول بالركبة.
التحقيقات:
1- تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير. [ طبع منه جزءان ]
2- الثاني من حديث الوزير أبي القاسم بن علي بن عيسى بن الجراح. [ مخطوط ]
3- الأحاديث القدسية، لملا علي القاري : [ مخطوط ] .
4- " الحث على الدعاء " لعبد الغني المقدسي : [ مخطوط ]
5- " أربعون حديثاً في الجهاد " لعفيف الدين : [ مخطوط ] .
6- الأربعون الصغرى، للبيهقي.
7- الأمراض والكفارات والطب والرقيات، للحافظ ضياء الدين المقدسي.
8- " البعث" لابن أبي داود.
9- جزء في تصحيح حديث القلتين، للحافظ العلائي : [ مخطوط ]
10- جزء فيه مجلسان من إملاء أبي عبد الحمن أحمد بن شعيب النسائي :
11- حديث ابن أبي ميسرة عن شيوخه، للفاكهي : [ مخطوط ]
12- حديث أبو محمد الفاكهي. [ مخطوط ] .
13- " خصائص علي" للنسائي.
14- الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للسيوطي.
15- ذم اللواط، للآجري : [ مخطوط ]
16- رسالتان في الصلاة والسلام على النبي.
17- الزهد، لأسد ابن موسى.
18- شرح سنن أبي داود، للبدر العيني.(1/47)
19- صفة الصفوة، لابن الجوزي ( النسخة المسندة) : [ مخطوط ] .
20- الصمت، لابن أبي الدنيا.
21- عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب لما وقع من الوهم ويره للحافظ المنذري في الترغيب والترهيب. للحافظ الناجي. [ مخطوط ]
22- غاية مأمول الراغب بتخريج أحاديث ابن الحاجب، لابن الملقن. [ مخطوط ] .
23- فضائل فاطمة الزهراء، للحافظ ابن شاهين.
24- القرآن وهدايته ووجوب اتباعه وذم الإعراض عنه، لمحمد بن عبد السلام:[ مخطوط ] .
25- ما رواه أبو الزبير عن غير جابر. [ مخطوط ] .
26- مسند سعد بن أبي وقاص، للحافظ أبي بكر البزار.
27- مسند سعيد بن زيد، للحافظ أبي بكر البزار : [ مخطوط ]
28- معجم شيوخ الإسماعيلي : [ مخطوط ] .
29- الناسخ والمنسوخ، لأبي حفص بن شاهين. [ مخطوط ] .
30- نسخة عمرو بن زرارة لأبي القاسم البغوي. [ مخطوط ] .(1/48)