طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْجِنَايَاتِ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ سَوَاءً، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ، وَهُوَ وَهَمَ، لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ عن شهبة، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "العجماء جُبَارٌ، وَالرِّجْلُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"، انْتَهَى. وَهُوَ مُعْضَلٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَيَّةَ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ ثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ وُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَمْ يَقْضِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا ثَلَاثَ قَضِيَّاتٍ: فِي الْآمَّةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالْمُوضِحَةِ، فِي الْآمَّةِ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ: خَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِي الْمُوضِحَةِ: خَمْسًا، وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعَ ثَمَنِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ، وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ.
قَوْلُهُ: وَهَكَذَا قَضَى فِيهِ عُمَرَ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَيْهِ: أَنَّ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعَ ثَمَنِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوهاب الثقفي عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعُ ثَمَنِهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَضَى عُمَرُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ ثَمَنِهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَتَانِي عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ أَنَّ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعَ ثَمَنِهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ عَلِيٍّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ الرُّبْعُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ نَخَسَ دَابَّةً عَلَيْهَا رَاكِبٌ، فَصَدَمَتْ آخَرَ فَقَتَلَتْهُ، أَنَّهُ عَلَى النَّاخِسِ، لَا عَلَى الرَّاكِبِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِجَارِيَةٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ، فَمَرَّ عَلَى
__________
1 في الجنايات والحدود ص 353، وص 378.
2 قال الهيثمي في مجمع الزوائد ص 298 ج 6: رواه الطبراني، وفيه أبو أمية بن يعلى، وهو ضعيف، انتهى.(4/388)
رَجُلٍ وَاقِفٍ عَلَى دَابَّةٍ، فَنَخَسَ رَجُلٌ الدَّابَّةَ، فَرَفَعَتْ رِجْلَهَا، فَلَمْ يُخُطِ عَيْنَ الْجَارِيَةِ، فَرُفِعَ إلَى سَلْمَانَ بْنِ أبي رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ، فَضَمَّنَ الرَّاكِبَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: عَلَى الرَّجُلِ، إنَّمَا يُضَمِّنَ النَّاخِسَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ بِهِ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ.(4/389)
بَابُ جنَايَةِ الْمَمْلُوكِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ
قوله: اختلف الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم في العبد الجاني، هل يَدْفَعُ، أَوْ يَفْدِي، أَوْ يُبَاعُ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حُصَيْنٍ الْحَارِثِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا جَنَى العبد ففي رقبته، ويخبر مَوْلَاهُ، إنْ شَاءَ فَدَاهُ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَنْقُصُ فِي الْعَبْدِ عَشْرَةٌ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ آلَافٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا عَنْ النَّخَعِيّ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالَا: لَا يَبْلُغُ بِدِيَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ، انْتَهَى.(4/389)
فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ السَّلُولِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ النَّخَعِيّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ رضي الله عنهم أجمعين.(4/389)
بَابُ الْقَسَامَةِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام لِلْأَوْلِيَاءِ: "فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ
__________
1 عند البخاري في الأدب في باب إكرام الكبير ص 908 ج 2، وعند مسلم في القسامة ص 54 ج 2، وعند أبي داود في الديات في باب القسامة ص 265 ج 2، وعند الترمذي في القسامة ص 183 ج 1، وعند ابن ماجه في الديات في باب القسامة ص 196، وعند النسائي في القسامة ص 236.(4/389)
بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَيِّصَةَ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى إذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ، ثُمَّ إذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا، فَدَفَنَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ، وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْكُبْرَ الْكُبْرَ"، يُرِيدُ السِّنَّ، وَفِي لَفْظٍ: "كَبِّرْ كَبِّرْ"، فَصَمَتَ، وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ، وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، فَقَالَ لَهُمْ: "أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ"؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نَشْهَدْ؟ وَفِي لَفْظٍ1: "يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ"؟ قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ، كَيْفَ نَحْلِفُ، قَالَ: "فَيَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ"، قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، وَفِي لَفْظٍ2: كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، قَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَمَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَالَا فِيهِ: "أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ"، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى، فَبَدَأَ بِقَوْلِهِ: "تُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا"، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ، وَمُسْلِمًا أَخْرَجَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَبِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْبِدَايَةِ بِالْأَنْصَارِ، انْتَهَى. وَرِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ3 وَلَفْظُهُ: "أَفَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا، يَحْلِفُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ"؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِهِمْ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟ قَالَ: "فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ"، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ مَتْنَهُ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْيَهُودِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ5 عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَحَجَّاجُ
__________
1 عند أبي داود في القسامة ص 265 ج 2، وعند مسلم في القسامة ص 56 ج 2.
2 عند النسائي في القسامة ص 237 ج 2.
3 عند البيهقي في السنن ص 119 ج 8.
4 عند الترمذي في الأحكام في باب ما جاء في أن البينة على المدعي، واليمين علة المدعى عليه ص 172 ج 1.
5 عند الدارقطني في الأقضية ص 517، وأخرج أيضاً عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن شريح عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث.(4/390)
بْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْهُ، وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ أَحَالَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى بَابِ الدَّعْوَى وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الدَّعْوَى الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَهُوَ حَدِيثٌ آخر، غير هَذَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ شَطْرَ الْحَدِيثِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، رَوَوْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ1 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبَاقِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 فِي الرَّهْنِ وَفِي الشَّهَادَاتِ وَفِي التَّفْسِيرِ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْقَضَاءِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ عليه السلام بَدَأَ بِالْيَهُودِ فِي الْقَسَامَةِ، وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ، لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قاال: كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتِيلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وُجِدَ فِي جُبٍّ لِلْيَهُودِ، قَالَ: فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ بِالْيَهُودِ، فَكَلَّفَهُمْ قَسَامَةَ خَمْسِينَ، فَقَالَتْ الْيَهُودُ: لَنْ نَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: "أَفَتَحْلِفُونَ"؟ فَأَبَتْ الْأَنْصَارُ أَنْ تَحْلِفَ، فَأَغْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ دِيَتَهُ، لِأَنَّهُ قُتِلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ بِهِ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ، وأحاديث مرسلة.
فالمسند مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ3 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ؟ قَالُوا: الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ، الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ يَعْنِي الْأَنْصَارَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَاحِبُنَا
__________
1 عند مسلم في أوائل الأقضية ص 74 ج 1.
2 عند البخاري في الرهن باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ص 342 ج 1، وفي الشهادات في باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود ص 327 ج 1، وفي تفسير آل عمران في باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} ص 653 ج 2، وعند أبي داود في القضاء في باب اليمين على المدعى عليه ص 154 ج 2، وعند الترمذي في الأحكام باب ما جاء في أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه ص 172 ج 1، وعند ابن ماجه في الأحكام في باب البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه وعند النسائي في أدب القضاة في باب عظة الحاكم على اليمين ص 310 ج 2.
3 عند البخاري في القسامة ص 1019 ج 2، وعند مسلم فيها: ص 57، مختصراً.(4/391)
كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَنَا، فَخَرَجَ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَإِذَا نَحْنُ بِهِ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "بِمَنْ تَظُنُّونَ"؟ قَالُوا: نَرَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ، فَأَرْسَلَ إلَى الْيَهُودِ، فدعاهم، فقال: "أنتم قَتَلْتُمْ هَذَا"؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: "أَتَرْضَوْنَ نَفَلَ خَمْسِينَ مِنْ الْيَهُودِ مَا قَتَلُوهُ"؟ فَقَالُوا: مَا يُبَالُونَ أَنْ يقتلوه أجمعين، ثم ينفلون، قَالَ: "أَفَتَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ"؟ قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ، فَوَدَاهُ عليه الصلاة والسلام، مِنْ عِنْدِهِ، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدِّيَاتِ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُشَيْرٍ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا، وَقَالُوا لِلَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا؟ قَالُوا: مَا قَتَلْنَا، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، فَانْطَلَقُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إلَى خَيْبَرَ، فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلًا، فَقَالَ لَهُمْ: "تَأْتُونِي بِالْبَيِّنَةِ2 عَلَى مَنْ قَتَلَهُ"؟ قَالُوا: ما لنا ببينة، قَالَ: "فَيَحْلِفُونَ"؟ قَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ، فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ أَعْنِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد3 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلْيَهُودِ، وَبَدَأَ بِهِمْ: "يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا"، فَأَبَوْا، فَقَالَ للأنصار: "اسْتَحْلِفُوا"؟ قَالُوا: نَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةً عَلَى يَهُودَ، لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: مَا مَنَعَك عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ؟ قَالَ: مُرْسَلٌ، وَالْقَتِيلُ أَنْصَارِيٌّ، والأنصاريون بِالْعِنَايَةِ أَوْلَى بِالْعِلْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، انْتَهَى.
__________
1 عند البخاري في القسامة ص 1019 ج 2، وأخرجه مسلم أيضاً: ص 56 ج 2.
2 قال صاحب الجوهر النقي ص 120 ج 8، وأخرج أبو داود بسند حسن عن رافع بن خديج، قال: أصبح رجل من الأنصار مقتولاً بخيبر، فانطلق أولياؤه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكروا ذلك له، فقال: " ألكم شاهدان يشهدان على قاتل صاحبكم"؟ إلى قوله: قال: "فاختاروا منهم خمسين، فاستحلفهم"، فأبوا، الحديث، وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن القاسم بن عبد الرحمن الهذلي الكوفي، قال: انطلق رجلان من أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب، فوجدوا قد صدر عن البيت، فقال: إن ابن عم لنا قتل، ونحن إليه شرع سواء في الدم، وهو ساكت عنهما، فقال: شاهدان ذوا عدل يحثان به على من قتله، فتقيدكم منه، وهذا هو الذي تشهد له الأصول الشرعية، من أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، فكان الوجه ترجيح هذه الأدلة على ما يعارضها، انتهى.
3 عند أبي داود في القسامة في باب ترك القود بالقسامة ص 266 ج 2، ولم أجده في البخاري، وقال الحافظ ابن حجر في الدراية: وروى أبو داود من طريق الزهري، اهـ، فعلم أنه ليس في البخاري.(4/392)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ يَهُودَ قَتَلَتْ مُحَيِّصَةُ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ لِقَسَامَتِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا خَمْسِينَ رَجُلًا، أَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنْ قَتْلِهِ، فَنَكَلَتْ يَهُودُ عَنْ الْأَيْمَانِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي حَارِثَةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا خَمْسِينَ رَجُلًا أَنَّ يَهُودَ قَتَلَتْهُ غِيلَةً، وَيَسْتَحِقُّونَ بِذَلِكَ الَّذِي يَزْعُمُونَ، فَنَكَلَتْ بَنُو حَارِثَةَ عَنْ الْأَيْمَانِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى بِعَقْلِهِ عَلَى يَهُودَ، لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَفِي دِيَارِهِمْ، انْتَهَى. وَفِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَيَأْتِيَانِ فِي حَدِيثِ الْجَمْعِ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ.
الْمَرَاسِيلُ: فِيهِ عَنْ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
فَحَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِيَهُودِ، فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا، فَرَدَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْأَنْصَارِ، فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقْلَ عَلَى يَهُودَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ دِيَارٍ، أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَإِنْ نَكَلُوا أُحْلِفَ الْمُدَّعُونَ، وَاسْتَحَقُّوا، فَإِنْ نَكَلَ الْفَرِيقَانِ، كَانَتْ الدِّيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَدَأَ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْقَسَامَةِ بِالْأَيْمَانِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ1.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ: " تُبْرِئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا" , قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ السِّتَّةُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِيَادٍ، قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ سَهْلٍ2 لَيْسَ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ،
__________
1 قال الهيثمي في مجمع الزوائد ص 261 ج 6: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، انتهى. وعند البيهقي في السنن في القسامة ص 125 ج 8.
2 قال في الدراية أما حديث ابن سهل، فإن كان المراد قصته، فالحديث من مسند سهل بن أبي حثمة في الصحيحين، وغيرهما وليس ذلك فيه، وإن كان المراد غيره، فلاأدري، وكذلك لا أعرف المراد بابن زياد، انتهى.(4/393)
وَحَدِيثُ ابْنِ زِيَادٍ غَرِيبٌ، وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَامِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الدَّمِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُقِدَ تَحْتَ اللَّيْلِ، فجاءت الأنصار يوم خيبر، فَقَالُوا: إنَّ صَاحِبَنَا يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: "أَتَعْرِفُونَ قَاتِلَهُ"؟ قَالُوا: لَا، إلَّا أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اخْتَارُوا مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا، فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ"، ثُمَّ خُذُوا الدِّيَةَ مِنْهُمْ، فَفَعَلُوا، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إلَّا مِنْ أَبِي كُرَيْبٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَامِينَ1 هَذَا، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُجِدَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ قَتِيلًا فِي دَالِيَةِ نَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ خِيَارِهِمْ، فَاسْتَحْلَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ، وَلَا عَلِمْت قَاتِلًا، ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ، فَقَالُوا: لَقَدْ قَضَى بِمَا فِي نَامُوسِ مُوسَى، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِالْكَلْبِيِّ، وَقَدْ خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ هَذِهِ رِوَايَةَ الثِّقَاتِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ، والقسامة على وداعة، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَسُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ وداعة، وَشَاكِرٍ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يَقِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوَجَدُوهُ إلى وداعة أَقْرَبَ، فَأَحْلَفَهُمْ عُمَرُ خَمْسِينَ يَمِينًا، كُلُّ رَجُلٍ مَا قَتَلْتُ، وَلَا عَلِمْتُ قَاتِلًا، ثُمَّ أَغْرَمَهُمْ الدِّيَةَ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَيْمَانُنَا دَفَعَتْ عَنْ أَمْوَالِنَا، وَلَا أَمْوَالُنَا دَفَعَتْ عَنْ أَيْمَانِنَا، فَقَالَ عُمَرُ: كَذَلِكَ الْحَقُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ قَالَ وُجِدَ قتيل بين وداعة، وَأَرْحَبَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ، بِنَحْوِهِ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ عُمَرَ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ صَفْوَانَ
__________
1 قال الدارقطني: الأصح أن اسم أبيه آمين بمد الهمزة كذا في اللسان.
2 عند الدارقطني في السنن في الحدود ص 518، وعند الدارقطني في الجنايات والحدود ص 359 وعند البيهقي في السنن في القسامة ص 125 ج 8.(4/394)
بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا حَجَّ عُمَرُ حَجَّتَهُ الْأَخِيرَةَ الَّتِي لَمْ يَحُجَّ غَيْرَهَا، غُودِرَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتِيلًا فِي بَنِي وَادِعَةَ، فبعث إليهم، وذلك بعد ما قَضَى النُّسُكَ وَقَالَ لَهُمْ: هَلْ عَلِمْتُمْ لِهَذَا الْقَتِيلِ قَاتِلًا مِنْكُمْ؟ قَالَ الْقَوْمُ: لَا، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُمْ خَمْسِينَ شَيْخًا، فَأَدْخَلَهُمْ الْحَطِيمَ، فَاسْتَحْلَفَهُمْ بِاَللَّهِ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَرَبِّ هَذَا الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ، أَنَّكُمْ لَمْ تَقْتُلُوهُ، وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا، فَحَلَفُوا بِذَلِكَ، فَلَمَّا حَلَفُوا قَالَ: أَدُّوا دِيَتَهُ مُغَلَّظَةً فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ، أَوْ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ دِيَةٌ، وَثُلُثُ دِيَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ سِنَانٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا تُجْزِئُنِي يَمِينِي مِنْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا قَضَيْتُ عَلَيْكُمْ بِقَضَاءِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذُوا دِيَتَهُ دَنَانِيرَ، وَثُلُثُ دِيَةٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عُمَرُ بْنُ صُبَيْحٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِعُمَرَ بْنِ صُبَيْحٍ، وَقَدْ خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ هَذِهِ رِوَايَةَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ1 عَنْ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بين خيوان، ووداعة، أَنْ يُقَاسَ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ أَخْرَجَ إلَيْهِ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا، حَتَّى يُوَافُوهُ مَكَّةَ، فَأَدْخَلَهُمْ الْحِجْرَ، فَأَحْلَفَهُمْ، ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، فَقَالُوا: مَا دَفَعَتْ أَمْوَالُنَا عَنْ أَيْمَانِنَا، وَلَا أَيْمَانُنَا عَنْ أَمْوَالِنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: كَذَلِكَ الْأَمْرُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ عُمَرُ: حَقَنْتُمْ دِمَاءَكُمْ بِأَيْمَانِكُمْ، وَلَا يُطَلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: سَافَرْتُ خيوان، ووداعة أربعة عشر سَفْرَةً، وَأَنَا أَسْأَلُهُمْ عَنْ حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقَتِيلِ، وَأَنَا أَحْكِي لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ، فَقَالُوا: هَذَا شَيْءٌ مَا كَانَ بِبَلَدِنَا قَطُّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ2 وَنَحْنُ نَرْوِي بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ، فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا، قَالَ: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا"، وَإِذْ قَالَ: تُبْرِئُكُمْ فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِمْ غَرَامَةٌ، فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ الْأَنْصَارَ أَيْمَانَهُمْ، وَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى يَهُودَ وَالْقَتِيلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ شَيْئًا، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لَمَّا قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَافَى إلَيْهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، حَتَّى يُتِمَّ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ، وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِنَقْصٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِي مَلِيحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ، حَتَّى وَفَّوْا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
__________
1 وعند البيهقي في السنن في القسامة ص 124 ج 8.
2 كلام الشافعي هذا مذكور في السنن الكبرى للبيهقي: ص 142 ج 8.(4/395)
فِي مُصَنَّفِهِ بِتَغْيِيرٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَحْلَفَ امْرَأَةً خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى مَوْلًى لَهَا أُصِيبَ، ثُمَّ جَعَلَ عليه دِيَةً. انْتَهَى.
حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِي الْبَابِ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْقَسَامَةِ أَنْ يَحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدَدٌ يَبْلُغُ الْخَمْسِينَ، رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ، بَالِغًا مَا بَلَغُوا، انْتَهَى.
أَثَرٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ الْأَسَدِيُّ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ أَبُو بَكْرٍ أَنْ افْحَصْ لي عن دوادي، وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُ قَتْلِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى الْمُهَاجِرِ: أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ فِي وِثَاقٍ، فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ فِي وثاق، فلما دخل جَعَلَ قَيْسٌ يَتَبَرَّأُ مِنْ قَتْلِ دَاوُدِيٍّ، وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ، فَأَحْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ خَمْسِينَ يَمِينًا، عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُودَةً عَلَيْهِ، بِاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ عَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ بِتَمَامِهِ فِي قِصَّةِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ.
قَوْلُهُ: وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، قُلْت: حَدِيثُ شُرَيْحٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، بَلَغَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: جَاءَتْ قَسَامَةٌ، فَلَمْ يُوَفُّوا خَمْسِينَ، فَرَدَّدَ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةَ، حَتَّى أَوْفَوْا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: إذَا كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ رَدَدْتَ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ النَّخَعِيّ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: إذَا لَمْ تَبْلُغْ الْقَسَامَةُ، كَرَّرُوا حَتَّى يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، نَحْوَهُ سَوَاءً، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أُتِيَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَأَمَرَ أَنْ تُذَرَعَ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ أَبِي إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيِّ، وَاسْمُهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ حَيَّيْنِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاسَ، إلَى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ، فَوُجِدَ أَقْرَبَ إلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ بِشِبْرٍ، قَالَ الْخُدْرِيِّ: كأني أَنْظُرَ إلَى شِبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى دِيَتَهُ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا بِلَفْظِ: فَأَلْقَى دِيَتَهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا، وَأَعَلَّاهُ بِأَبِي إسْرَائِيلَ، فَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ
__________
1 عند البيهقي في السنن ص 126 ج 8، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ص 290 ج 6: رواه أحمد، والبزار، وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف، انتهى.(4/396)
عَنْ قَوْمٍ، وَوَثَّقَهُ عَنْ آخَرِينَ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: أَبُو إسْرَائِيلَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَبُو إسْرَائِيلَ، قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَكَانَ يَسُبُّ عُثْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ الصَّبِيِّ بْنِ أَشْعَثَ بْنِ سَالِمٍ السَّلُولِيِّ، سَمِعْت عَطِيَّةَ الْعَوْفِيَّ عَنْ الْخُدْرِيِّ بِهِ، وَلَيَّنَ الصُّبَيّ هَذَا، وَقَالَ: إنَّ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ مَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا، وَرَوَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ أَبُو إسْرَائِيلَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا كُتِبَ إلَيْهِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ بين وداعة، وَأَرْحَبَ، كَتَبَ بِأَنْ يَقِيسَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، فَوَجَدَ الْقَتِيلَ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ، فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، قَالَ: وُجِدَ قَتِيلٌ بِالْيَمَنِ بَيْنَ وَادِعَةَ، وَأَرْحَبَ، فَكَتَبَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَيْهِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ قِسْ مَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ، فَخُذْهُمْ بِهِ، قَالَ: فَقَاسُوا، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى وَادِعَةَ، فَأَخَذْنَا، وَأَغْرَمْنَا، وَأَحْلَفْنَا، فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أتحلفنا، وتعزمنا؟! قَالَ: نَعَمْ، فَأَحْلَفَ مِنَّا خَمْسِينَ رَجُلًا بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ، وَلَا عَلِمْتُ قَاتِلًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام جَعَلَ الْقَسَامَةَ، وَالدِّيَةَ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ، وَكَانُوا سُكَّانًا بِهَا، قُلْت: تَقَدَّمَ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَقَرَّ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ، قُلْتُ: أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ لَمْ يَكُونُوا سُكَّانًا، وَإِنَّمَا كَانُوا مُلَّاكًا، وَالصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ كُلُّهَا عَنْوَةً وَأَنَّهَا قُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، إلَّا حِصْنَيْنِ مِنْهَا، يُسَمَّى أَحَدُهُمَا: الْوَطِيحَةَ، وَالْآخَرُ: السَّلَالِمَ، فَإِنَّ أَهْلَهُمَا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ مَا عندهم، وَيَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ فِي أَرْضِهِمْ، وَيَعْمَلُونَ فِيهَا عَلَى نِصْفِ الْخَارِجِ، فَفَعَلَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ مَتَى شَاءَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، مِلْكًا لَهُمْ، إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي فَتْحِ الصُّلْحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اسْتَمَرُّوا كَذَلِكَ، إلَى زَمَانِ عُمَرَ، فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَقَدْ ذَكَرَ الكصنف فِي بَابِ الْغَنَائِمِ أَنَّهُ عليه السلام قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ.(4/397)
كِتَابُ الْمَعَاقِلِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ لِلْأَوْلِيَاءِ: "قُومُوا فَدُوهُ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجَنِينِ، وَتَقَدَّمَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَأَصْرَحُ فِي اللَّفْظِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْعَشِيرَةِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ أَنْ يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ، وَأَنْ يَفْدُوا عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلَ قُرَيْشٍ عَلَى قُرَيْشٍ، وَعَقْلَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْأَنْصَارِ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْعُقُولِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى امْرَأَةٍ، يَطْلُبُهَا فِي أَمْرٍ، فَقَالَتْ: يَا وَيْلَهَا مَا لَهَا، وَلِعُمَرَ، فَبَيْنَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ، اشْتَدَّ بِهَا الْفَزَعُ، فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ، فَدَخَلَتْ دَارًا، فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا، فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ، فَاسْتَشَارَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ، إنَّمَا أَنْتَ وَالٍ، وَمُؤَدِّبٌ، قَالَ: وَصَمَتَ عَلِيٌّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، مَاذَا تَقُولُ؟ قَالَ: إنْ قَالُوهُ بِرَأْيِهِمْ، فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ، وَإِنْ قَالُوا فِي هَوَاكَ، فَلَمْ يَنْصَحُوا لَكَ، أَرَى أَنَّ دِيَتَهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ أَنْتَ أَفْزَعْتهَا، فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا بِسَبَبِهِ، قَالَ: فَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا أَنْ يَضْرِبَ دِيَتَهُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَأَخَذَ عَقْلَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، لِأَنَّهُ خَطَأٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، جَعَلَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَسَنٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: عُمَرُ أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ عَشْرَةً عَشْرَةً فِي عطيات الْمُقَاتِلَةِ، دُونَ النَّاسِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَا: أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْعَطَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفَرَضَ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَخْرَجَ فِي كِتَابِ الْأَوَائِلِ مِنْ الْمُصَنَّفِ أَيْضًا حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْفَرَائِضَ، وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَعَرَّفَ الْعُرَفَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ النَّخَعِيّ، وَالْحَسَنِ، إنَّمَا قَالَا: الْعَقْلُ عَلَى أَهْلِ(4/398)
الدِّيوَانِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الدِّيَةَ فِي الْأَعْطِيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، قُلْت: تَقَدَّمَا فِي الْجِنَايَاتِ.
قَوْلُهُ: لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ، وَلَا امْرَأَةٌ، قُلْت: غَرِيبٌ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ، عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ"، قُلْت: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عَبَّاسٍ، مَوْقُوفًا عليه، وَمَرْفُوعًا، فَالْمَوْقُوفُ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْمَرْفُوعُ غَرِيبٌ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ: أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ النَّخَعِيّ قَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، وَلَا يُعْقَلُ الْعَمْدُ، وَلَا الصُّلْحُ، وَلَا الِاعْتِرَافُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَرْبَعَةٌ لَيْسَ فِيهِنَّ عَقْلٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً: الْعَمْدُ وَالِاعْتِرَافُ، وَالصُّلْحُ، وَالْمَمْلُوكُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: الْعَمْدُ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ، وَالِاعْتِرَافُ، وَالصُّلْحُ، لَا تَحْمِلُهُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ، هُوَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْعِشْرِينَ الدِّيَاتِ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَوْجَبَ أَرْشَ الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْجَنِينِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ.(4/399)
كِتَابُ الْوَصَايَا
مدخل
...
كتاب الوصايا
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ، فَضَعُوهَا حَيْثُ شِئْتُمْ أَوْ قَالَ: حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَمِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ.(4/399)
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، إلَّا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ وَإِنْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، فَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ مُعَاذٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثَنَا عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ، لِيَجْعَلَهَا لَكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَذَكَرَهُ.
وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَأَعْلَى مَنْ رَوَاهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ طَرِيقًا غَيْرَ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَضَمْرَةُ مَعْرُوفَانِ، وَقَدْ اُحْتُمِلَ حَدِيثُهُمَا، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِهِ.
وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْأَيْلِيِّ، مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ الصنابجي، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ مَوْتِكُمْ، زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ"، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ السُّلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ السُّلَمِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَاكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ"، انْتَهَى.
__________
1 عند ابن ماجه في الوصايا ص 199.
2 عند الدارقطني في سننه في النوادر ص 488.(4/400)
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ سَعْدٍ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ" , بَعْدَ مَا نَفَى وَصِيَّتَهُ بِالْكُلِّ، وَالنِّصْفِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا، وَإِنَّمَا تَرِثُنِي ابْنَتِي، أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَبِالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَبِالثُّلُثِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّ صَدَقَتَك مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ نَفَقَتَك عَلَى عِيَالِك صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُك مِنْ مَالِك صَدَقَةٌ، وَإِنَّك أَنْ تَدَعَ أَهْلَك بِخَيْرٍ"، أَوْ قَالَ: "بِعَيْشٍ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فِي بَابِ قَوْلِهِ عليه السلام: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ"، وَفِي الْمَغَازِي، وَفِي الْفَرَائِضِ وَفِي الْوَصَايَا، وَفِي كِتَابِ الْمَرْضَى وَفِي كِتَابِ الطِّبِّ، وَفِي الدَّعَوَاتِ، وَالْبَاقُونَ فِي الْوَصَايَا، وَقَوْلُهُ: أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ، عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ فِي الْوَصَايَا وَمَنْ عَدَاهُ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْكُلَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الثُّلُثَيْنِ، فَمَا بَعْدَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءً حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت لَهُ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْت: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْت: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 فِي الْفَضَائِلِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَمَرِضْتُ، فَأَرْسَلْتُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَانِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَقْسِمُ مَالِي حَيْثُ شِئْت، قَالَ: فَأَبَى، قُلْت: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: فَأَبَى، قُلْت: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: وَسَكَتَ، فَكَانَ بَعْدُ الثُّلُثُ جَائِزًا، مُخْتَصَرًا.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَفَسَّرُوهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَبِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هند عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 قلت: أخرجه في الجنائز في باب رثاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سعد بن خولة ص 173 ج 1، وفي الوصايا في باب أن يترك ورثته أغنياء، خير من أن يتكففوا الناس ص 383 ج 1، وفي بدء الخلق في باب قوله عليه السلام: "اللهم امض لأصحابي هجرتهم" ص 560 ج 1، وفي المغازي في باب حجة الوداع ص 632 ج 2، وفي النفقات في باب فضل النفقة على الأهل ص 806 ج 2، وفي كتاب المرضى في باب وضع اليد على المريض ص 845، وص 846 ج 1، وفي الدعوات في باب الدعاء برفع الوباء والوجعص 943 ج 2، وفي الفرائض في باب ميراث البنات ص 997 ج 2، وعند مسلم في الوصية ص 40 ج 2.
2 عند مسلم في مناقب سعد بن أبي وقاص ص 281 ج 2، ولم أجده في البخاري في مظانه، فليراجع.
3 عند الدارقطني في الوصايا ص 488، وعند البيهقي في السنن في الوصايا ص 271 ج 6.(4/401)
قَالَ: "الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرُهُ بِلَفْظِ: الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ بِلَفْظِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: لَا يَعْرِفُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ عُمَرَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمِصِّيصِيِّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ، وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ دَاوُد بن أبي هند مَوْقُوفًا، وَزَادَ: ثُمَّ تَلَا: {غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ} ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ رَوَوْهُ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ، فَوَقَفُوهُ: مِنْهُمْ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، وَلَفْظُهُ: فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدِ الْأَعْلَى: الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ1, وَفِي الْبَاقِي: الضِّرَارُ.
حَدِيثٌ فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُدَّانِيِّ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ الرَّجُلَ، لَيَعْمَلُ أَوْ الْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ"، قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} حَتَّى بَلَغَ: {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَهْرٍ بِمَعْنَاهُ، وَرَوَاهُ كَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَعَنْهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً، فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَخُتِمَ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، فيدخل الجنة، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ، إلَى آخِرِهِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 فِي الْأَقْضِيَةِ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ لقاتل وصية" , انتهى. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: مُبَشِّرٌ مَتْرُوكٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَقَالَ: لَا يَرْوِيهِ عَنْ حَجَّاجٍ غَيْرُ
__________
1 قلت: ولفظهما: الحيف والضرار في الوصية من الكبائر، كما في تفسير الطبري.
2 عند أبي داود في الوصايا في باب كراهية الإضرار في الوصيات ص 40 ج 2، وفي الترمذي في الوصايا ص 34 ج 2.
3 عند ابن ماجه في الوصايا في باب في الحيف في الوصية ص 198.
4 عند الدارقطني في الأقضية ص 525.(4/402)
مُبَشِّرٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، مَنْسُوبٌ إلَى الْوَضْعِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ: مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ، كَذِبٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُمَحِيِّ.
فَحَدِيثُ أبي أمامة: أخرجه أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ: مَا رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّامِيِّينَ فَصَحِيحٌ، وَمَا رَوَاهُ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَهَذَا رَوَاهُ عَنْ شَامِيٍّ ثِقَةٍ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. فَالتِّرْمِذِيُّ عن أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَلَفْظُهُ، فَلَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَلَا نَعْلَمُ لِعَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدِيثًا آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرِهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِي بَعْدَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ لِي، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ مَغَانِمِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَزِنُ هَذِهِ الْوَبَرَةَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أطرافه: وكذلك رواه خماعة عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ هَمَّامٌ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ قَتَادَةَ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: ابْنَ غَنْمٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ليث بن أبي مسلم، وَأَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، وَمَطَرٌ عَنْ شَهْرٍ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ
__________
1 عند أبي داود في الوصايا في باب ما جاء في الوصية للوارث ص 40 ج 2، وعند الترمذي في الوصايا فيه 34 ج 2، وعند ابن ماجه فيه: ص 199.
2 عند الترمذي في الوصايا ص 34 ج 2، وعند ابن ماجه فيه: ص 199، وعند النسائي في الوصايا ص 131 ج 2 عن شعبة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة، وعن عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن قتادة عن عمرو بن خارجة به.(4/403)
عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَحَدِيثُ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي أَوَاخِرِ السِّيرَةِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْهُ عَنْ شَهْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَشَيْخُنَا الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ فِي تَرْجَمَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ السَّاحِلِيُّ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، هَكَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مَزِيدٍ الْبَيْرُوتِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، شَيْخٍ بِالسَّاحِلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: إنِّي لَتَحْت نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْفَرَائِضِ2 عَنْ يُونُسَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَيُونُسُ بْنُ راشد قاضي حران، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ مُرْجِئًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَهُ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَقَدْ وَصَلَهُ يُونُسُ بْنُ رَاشِدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ سَهْلِ بْنِ عَمَّارٍ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ"، انْتَهَى. وَسَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ كَذَّبَهُ الْحَاكِمُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، الْحَدِيثَ. لَيْسَ فِيهِ: إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، وَلَيَّنَ حَبِيبًا هَذَا، وَقَالَ: أَرْجُو أَنَّهُ مُسْتَقِيمُ الرِّوَايَةِ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْهَرَوِيِّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِأَحْمَدَ هَذَا، وَقَالَ: هُوَ أَخُو يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، وَأَكْبَرُ مِنْهُ، وَأَقْدَمُ مَوْتًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
__________
1 عند ابن ماجه في الوصايا ص 199، وعند الدارقطني في الفرائض 454.
2 عند الدارقطني في الفرائض ص 466 عن يونس بن راشد عن عطاء، وعن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس، مرفوعاً.
3 عند الدارقطني في الفرائض ص 466.(4/404)
وَحَدِيثُ زَيْدٍ، وَالْبَرَاءِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءِ، قَالَا: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، وَنَحْنُ نَرْفَعُ غُصْنَ الشَّجَرَةِ عَنْ رَأْسِهِ، فَقَالَ: "إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِي، وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِي، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَلَيْسَ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بموسى هذا، وقاال: إنَّ حَدِيثَهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ نَاصِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، الْوَلَدُ لِمَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ نَاصِحٍ هَذَا عَنْ النَّسَائِيّ، وَمَشَّاهُ هُوَ، وَقَالَ: إنَّهُ مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا1 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ.
وَحَدِيثُ خَارِجَةَ بْنِ عَمْرٍو: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَمْرٍو2 الْجُمَحِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَأَنَا عِنْدَ نَاقَتِهِ: "لَيْسَ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ، قَدْ أَعْطَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى بْنِ نَجِيحٍ3 الطَّبَّاعُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَيُرْوَى فِيهِ: إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
__________
1 قلت: وعند الدارقطني أيضاً في الفرائض ص 466 عن عاصم بن ضمرة عن علي مرفوعاً "الدين قبل الوصية، ولا وصية لوارث" انتهى.
2 قال الحافظ ابن حجر في الدراية ص 378: وأخرجه الطبراني من وجه آخر، فقال: عن خارجة بن عمرو، وهو مقلوب، انتهى. فالصواب عن عمرو بن خارجة، كما عند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
3 إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي أبو يعقوب بن الطباع نزيل أذنة، روى عنه أحمد، وأبو خيثمة، والدارمي، والذهلي، ويعقوب بن شيبة، والحارث بن أبي أسامة، وجماعة، انتهى تهذيب ص 245 ج 1.(4/405)
فَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ، الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَلَا يَثْبُتُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 فِي أَوَاخِرِ الزَّكَاةِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَتْ قَدْ صَلَّتْ إلَى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ4 فِي بَابِ الصَّدَقَةِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَوَاهُ عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، فَلَمْ يُسْنِدْهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَجَازَ وَصِيَّةَ يَفَاعٍ، وَهُوَ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ، قُلْت: رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ5 فِي الْقَضَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو
__________
1 عند أحمد في مسند أبي أيوب الأنصاري ص 416 ج 5.
2 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ص 116 ج 3: رواه أحمد، والطبراني في الكبير وفيه حجاج بن أرطأة، وفيه كلام، انتهى.
3 في المستدرك في الزكاة ص 406 ج 1، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ص 116 ج 3: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح، انتهى.
4 في كتاب الأموال في باب الصدقات ص 353.
5 عند مالك في الموطأ في الأقضية في باب جواز وصية الضعيف والصغير والمصاب والسفيه ص 318.(4/406)
بْنَ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: ههنا غُلَامًا يَفَاعًا، لَمْ يَحْتَلِمْ، مِنْ غَسَّانَ، وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ، وَهُوَ ذُو مَالٍ، وَلَيْسَ له ههنا إلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ، فَلْيُوصِ لَهَا، فَأَوْصَى لَهَا بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ: بِئْرُ جُشَمَ، قَالَ عمر: فَبِيعَتْ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَابْنَةُ عَمِّهِ هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، انْتَهَى. قال البيهقي1 وعمر بْنُ سُلَيْمٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، إلَّا أَنَّهُ مُنْتَسِبٌ لِصَاحِبِ الْقِصَّةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ2 الْغَسَّانِيَّ أَوْصَى، وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، أَوْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ، بِبِئْرٍ لَهُ، قُوِّمَتْ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَأَجَازَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصِيَّتَهُ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بكر بن عمر بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَوْصَى غُلَامٌ بِنَا لَمْ يَحْتَلِمْ، لِعَمَّةٍ لَهُ بِالشَّامِ بِمَالٍ كَثِيرٍ، قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَازَ وَصِيَّتَهُ، انْتَهَى.
__________
1 راجع السنن للبيهقي: ص 282 ج 6.
2 قال البيهقي في السنن ص 282 ج 6: والخبر منقطع، فعمرو بن سليم الزرقي لم يدرك عمر، اهـ. قال الحافظ ابن حجر في الدراية ص 379: فظهر بهذا أي من رواية الثوري عن يحيى بن سعيد أن عمرو بن سليم هو الغساني، ليس هو الزرقي، فظن البيهقي أنه الزرقي، فقال: لم يدرك عمر، إلا أنه منتسب لصاحب القصة، انتهى.(4/407)
بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي معجمه الوسط3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِي قيس عن هذيل بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّدُسَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو قَيْسٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَعْمَشُ، وَغَيْرُهُمْ، انْتَهَى. وَلَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ: أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ لِرَجُلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمًا مِنْ مَالِهِ، فَمَاتَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَدْرِ مَا هُوَ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَهُ السُّدُسَ مِنْ مَالِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ إلَّا الْعَرْزَمِيُّ، وَلَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّصِلًا، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
__________
3 قال الهيثمي: ص 213 ج 4: رواه البزار، وفيه محمد بن عبيد الله العرزمي، انتهى. وأخرج الهيثمي: ص 211 ج 4، وروى الطبراني في الكبير عن عمراان بن حصين أن رجلاً من الأعراب أعتق ستة مملوكين له، وليس له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغضب، وقال: لقد هممت أن لا أصلي عليه، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيحين، انتهى. ذكرت هذا الحديث ههنا لمعنى الحيف في الوصية، اهـ..(4/407)
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَقَالَ الْعَرْزَمِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَأَبُو قَيْسٍ لَهُ أَحَادِيثُ يُخَالَفُ فِيهَا، وَاسْمُ أَبِي قَيْسٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْإِمَامُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ كَلَامِ التَّابِعِينَ وَهُوَ آخِرُ الْكِتَابِ فِي تَرْجَمَةِ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْعَبَّاسُ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: السَّهْمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السُّدُسُ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَذَكَرَ فِي التَّنْقِيحِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ الْحَسَنِ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: لَهُ السُّدُسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، انْتَهَى.
بَابُ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ
[خَالٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ](4/408)
فصل: في الوعيد على ترك الزكاة أو الحج
...
فَصْلٌ
قَوْلُهُ: ثُمَّ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ لِمَزِيَّتِهِمَا عَلَيْهَا فِي الْقُوَّةِ، إذْ قَدْ جَاءَ فِيهَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الْكَفَّارَةِ، قُلْتُ: أَمَّا حَدِيثُ الْوَعِيدِ فِي تَرْكِ الزَّكَاةِ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عن زيد بن سلم عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا ردت أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إمَّا إلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إلَى النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ إبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لها بقاع قرقر، فتطأه بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مر عليه أولادها، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يوم كان مقداره أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إمَّا إلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إلَى النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَنْطَحُهُ بقرونها، وتطأه بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ"، الْحَدِيثُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ
__________
1 عند مسلم في الزكاة ص 318 ج 1، واللفظ له، ولم أجده في البخاري بهذا السند والمتن، والله أعلم.
2 عند البخاري في الزكاة في باب إثم مانع الزكاة ص 118 ج 1.(4/408)
يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي شِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ"، ثُمَّ تَلَا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الْآيَةُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَوَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَخَالَفَ فِي الْإِسْنَادِ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ، وَرِوَايَةُ مَالِكٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ الصَّحِيحَةُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بقاع قرقر، تطأه ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ، وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إلَّا تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، وَيُقَالُ: هَذَا مَالُك الَّذِي كُنْت تَبْخَلُ بِهِ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لا بد مِنْهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، وَجَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ سَمِعَا شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ، إلَّا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، حَتَّى يُطَوِّقَ عُنُقَهُ"، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الْآيَةُ، انْتَهَى. وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ حَجَّ بَيْتِ رَبِّهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَلَمْ يَفْعَلْ سَأَلَ الرَّجْعَةَ"، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: اتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، إنَّمَا يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ الْكَافِرُ، فَقَالَ: أَنَا أَقْرَأُ بِهِ عَلَيْك قُرْآنًا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} إلَى آخِرِ السُّورَةِ، ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي جَنَابٍ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو جَنَابٍ الْقَصَّابُ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ، وَلَيْسَ
__________
1 عند مسلم في الزكاة ص 320=ج 1.
2 عند ابن ماجه في الزكاة ص 129.
3 عند الترمذي في تفسير سورة المنافقين ص 171 ج 2.(4/409)
بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالسَّعْدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَامِرٌ الْعُقَيْلِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَأَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ، فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَالشَّهِيدُ، وَعَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ، وَنَصَحَ سَيِّدَهُ، وَفَقِيرٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ: فَسُلْطَانٌ مُسَلِّطٌ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ الْمَالِ لَمْ يُعْطِ حَقَّ مَالِهِ، وَفَقِيرٌ فُجُورٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْبَابِ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: آكِلُ الرِّبَا، وَمُؤْكِلُهُ، وَشَاهِدُهُ، وَلَاوِي الصَّدَقَةِ، مَلْعُونُونَ، عَلَى لِسَانِ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي الْفِتَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عبيد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَنْ يَمْنَعَ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، ولولا البهائم لم تمطروا"، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ أَزْهَرَ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْت الزُّهْرِيَّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَانِعُ الزَّكَاةِ فِي النَّارِ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السَّلَفِيُّ، فِيمَا خَرَّجَهُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ سِنَانٍ مُخْتَلَفٌ فِي اسْمِهِ، وَفِي تَوْثِيقِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْحَجِّ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَلَكَ زَادًا، وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَلَمْ يَحُجَّ، فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ،
__________
1 في المستدرك في الزكاة ص 387 ج 1.
2 في المستدرك في الفتن ص 540 ج 4.
3 عند الترمذي في الحج في باب ما جاء من التغليظ في ترك الحج.(4/410)
وَالْحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: فَلَا يَضُرُّهُ يَهُودِيًّا مَاتَ، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ إسْنَادًا عَنْ عَلِيٍّ إلَّا هَذَا الْإِسْنَادَ، وَهِلَالٌ هَذَا بَصْرِيٌّ، حَدَّثَ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ: عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَغَيْرُهُمَا، وَلَا نَعْلَمُهُ يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ فِي هِلَالٍ: إنَّهُ مَجْهُولٌ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ جَهَالَةَ الْحَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابَيْهِمَا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهِلَالٌ هَذَا لَمْ يُنْسَبْ، وَهُوَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَيُكْنَى أَبَا هَاشِمٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، وَلَمْ يُرْوَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقٍ أَصْلَحَ مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفُ الْحَارِثِ، وَالْجَهْلُ بِحَالِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ1 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْحَجِّ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا"، انْتَهَى. وَأَرْسَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَلَيْثٌ هَذَا هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عَلَى مَا فِيهِ أَصْلَحُهَا، وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ، فَيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ جِدَةٌ، وَلَمْ يَحُجَّ، فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، ما هم بمسلمين، ماهم بِمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ شَرِيكٍ غَيْرُ يَزِيدَ مُسْنَدًا، قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ أَنْبَأَ شَاذَانُ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ ليث عن سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ إسْنَادًا غَيْرَ قَوِيٍّ، فَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُعَيْمٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ،
__________
1 عند الدارمي في مسنده ص 225.
2 عند البيهقي في السنن ص 334 ج 4.(4/411)
فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَرِيكٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، فَذَكَرَهُ، هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ، مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْ عُمَرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عرزم، وَيُقَالُ: عَرْزَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: قال عمر، انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقُطَامِيِّ ثَنَا أَبُو الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ وَجَعٍ حَابِسٍ، أَوْ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ، أَوْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، فَلْيَمُتْ، أَيَّ الْمِلَّتَيْنِ شَاءَ: إمَّا يَهُودِيًّا، وَإِمَّا نَصْرَانِيًّا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقُطَامِيِّ قَالَ الْفَلَّاسُ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رَوَى عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنُسْخَةٍ مَوْضُوعَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْوَسِيطِ أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ أَحْمَدَ الصُّوفِيُّ أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي مُوسَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ الْفَرَحِ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمِ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ لَمْ يَحُجَّ، وَلَمْ يُحَجَّ عَنْهُ، لَمْ يُقْبَلْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَلٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ، بِسَنَدِ الدَّارِمِيِّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ، فَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ لَا يَرَى تَرْكَهُ مَأْثَمًا، وَلَا فِعْلَهُ بِرًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.(4/412)
بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ، إلَّا فِي الْمَسْجِدِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 كِلَاهُمَا فِي الصَّلَاةِ
__________
1 عند الدارقطني في الصلاة في باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه إلا من عذر ص 161، وعند الحاكم في المستدرك في الصلاة ص 246 ج 1.(4/412)
عَنْ يحيى بن إسحاق بْنِ دَاوُد الْيَمَامِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ، إلَّا فِي الْمَسْجِدِ"، انْتَهَى. سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْيَمَامِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الْجَمَلِ، ضَعِيفٌ، وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيه بِهَذَا الْإِسْنَادِ، لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُكَيْنٍ الشَّقَرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر الْغَنَوِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ سُكَيْنٍ الشَّقَرِيُّ مُؤَذِّنُ مَسْجِدِ بَنِي شَقِرَةَ، ذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءً، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَعُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ الْمُحَارِبِيُّ الْقُرَشِيُّ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى مَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَغَيْرِهِمَا، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ، فَكَيْفَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ؟!، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ لَا يُسَاوِي حَدِيثُهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ هُشَيْمِ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، قِيلَ: وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا، وَيُنْظَرُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الْجِوَارَ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا بَعِيدٌ، وَمَا يُرْوَى فِيهِ ضَعِيفٌ، قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا، وَمُرْسَلًا.
فَالْمُسْنَدُ فِيهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ.
فَحَدِيثُ كَعْبٍ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ السَّفَرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 عند الدارقطني في الصلاة ص 161.(4/413)
رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَزَلْت مَحَلَّةَ بَنِي فُلَانٍ، وَإِنَّ أَشَدَّهُمْ لِي أَذًى أَقْرَبُهُمْ لِي جِوَارًا، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيًّا أَنْ يَأْتُوا بَابَ الْمَسْجِدِ، فَيَقُومُوا عَلَيْهِ، فَيَصِيحُوا: "أَلَا إنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جِوَارٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"، قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: أَرْبَعِينَ دَارًا؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ هَكَذَا، وَأَرْبَعِينَ هَكَذَا، انْتَهَى. وَيُوسُفُ بْنُ السَّفَرِ أَبُو الْفَيْضِ فِيهِ مَقَالٌ.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْجَنُوبِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَقُّ الْجِوَارِ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا، وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَهَكَذَا وَهَكَذَا، يَمِينًا وَشِمَالًا، وَقُدَّامَ وَخَلْفَ"، انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي يَعْلَى رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْجَنُوبِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي صُفْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أوصاني جبرئيل عليه السلام بِالْجَارِ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا، عَشَرَةٌ مِنْ هَاهُنَا , وَعَشَرَةٌ مِنْ هَاهُنَا , وَعَشَرَةٌ مِنْ هَاهُنَا , وَعَشَرَةٌ مِنْ هَاهُنَا"، انْتَهَى. وَقَالَ: في إسناده ضعيف.
وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْوَانَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا هِقْلُ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السَّاكِنُ مِنْ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ"، قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: وَكَيْفَ أَرَبَعُونَ دَارًا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، وَخَلْفَهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ"، انْتَهَى. وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْوَانَ1 هَذَا هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ، وَهُوَ صَدُوقٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا، إكْرَامًا لَهَا، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: هَكَذَا فِي الْكِتَابِ: صَفِيَّةُ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَصَوَابُهُ جَوَيْرِيَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي الْعَتَاقِ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحااق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَقَعَتْ جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ، [لَفْظُ الْوَاقِدِيِّ بِالْوَاوِ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ، قَالَتْ: فَتَخَلَّصَنِي ثَابِتٌ مِنْ ابْنِ عَمِّهِ بِنَخَلَاتٍ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ كَاتَبَنِي ثابت على مالا طَاقَةَ لِي بِهِ، فَأَعِنِّي الْحَدِيثُ رَجَعَ إلَى رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ] فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً مُلَاحَةً، تَأْخُذُ الْعَيْنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَاءَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابَتِهَا، فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ رَأَيْتُهَا، فَكَرِهْتُ مَكَانَهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيرى
__________
1 إبراهيم بن مروان بن محمد بن حسان الطاطري الدمشقي، روى عن أبيه، وعنه أبو داود، وابنه أبو بكر ابن أبي داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: كان صدوقاً، انتهى التهذيب ص 164 ج 1.
2 عند أبي داود في العتق في باب في بيع المكاتب إذا فسحت المكاتبة ص 192 ج 2.(4/414)
سَبِيلَ الَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَقَدْ كَانَ من أمري مالا يَخْفَى عَلَيْك، وَإِنِّي وَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَإِنِّي كَاتَبْت عَلَى نَفْسِي، فَجِئْت أَسْأَلُك فِي كِتَابَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَهَلْ لَك إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ"؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: "أؤدي عنك كتابك، وَأَتَزَوَّجُكِ"؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رسول الله، قال: "قَدْ فَعَلْت"، قَالَتْ: فَتَسَامَعَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ، فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ يَعْنِي مِنْ السَّبْيِ فَأَعْتَقُوهُمْ، وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا، أُعْتِقَ فِي سَبِيلِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفَضَائِلِ1 رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ، وَلَفْظُ الْوَاقِدِيِّ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَخْرَجَ الْخُمُسَ عَنْهُ، ثُمَّ قَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فأعطى الفارسين سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا، فَوَقَعَتْ جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ فِي قِسْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمٍّ لَهَا، يُقَالُ لَهُ: صَفْوَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَذِيمَةَ، فَقُتِلَ عَنْهَا، فَكَاتَبَهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى نَفْسِهَا، عَلَى تِسْعِ أَوْرَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً، لَا يَكَادُ يَرَاهَا أَحَدٌ إلَّا أَخَذَتْ نَفْسَهُ، قَالَتْ: فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي إذْ دَخَلَتْ جَوَيْرِيَةَ تَسْأَلُهُ فِي كِتَابَتِهَا، فَكَرِهْتُ دُخُولَهَا، وَعَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ، سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَوَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَكَاتَبَنِي عَلَى مَا لَا طَاقَةَ لِي بِهِ، وَمَا أَكْرَهَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنِّي رَجَوْتُك صَلَّى اللَّهُ عليك، أعني في فكاكي، فقال: "أو خير مِنْ ذَلِكَ"؟ قَالَتْ: مَا هُوَ؟ قَالَ: "أُؤَدِّي عَنْكِ كتابك، وَأَتَزَوَّجُكِ". قَالَتْ: نَعَمْ يَا رسول الله، قال: "قَدْ فَعَلْتُ"، فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا، وَتَزَوَّجَهَا، وَخَرَجَ، فَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَرَقُّونَ؟! فَأَعْتَقُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَبَلَغُوا مِائَةُ أهل بيت، قال: فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ عَلَى قَوْمِهَا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا، انْتَهَى.
هَكَذَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، وَالْحَاكِمُ نَقَصَ مِنْهُ التَّارِيخَ، وَزَادَ فِيهِ قَوْلَهُ: وَذَلِكَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، وَزَادَ فِيهِ2 مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى: وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ رَأْسَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَسَيِّدَهُمْ،
__________
1 في المستدرك في فضائل جويرية بنت الحارث ص 26 ج 4.
2 قال الحافظ في الدراية ص 381: وأخرجه الحاكم من طريقه، وزاد: كان اسمها برة، فسماها جويرية.(4/415)
وَكَانَتْ ابْنَتُهُ جَوَيْرِيَةَ اسْمُهَا بَرَّةُ، فَسَمَّاهَا عليه السلام جُوَيْرِيَةَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ بَيْتِ بَرَّةَ، وَيُقَالُ1 إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَيُقَالُ: جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي سِيرَتِهِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد وَمَتْنِهِ، سَوَاءً، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ: رَأَيْت عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَقَالَ: عَلِيٌّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَتَّهِمُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ، وَقَالَ لِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَتَلَقَّفُ الْمَغَازِيَ مِنْ ابْنِ إسْحَاقَ، فِيمَا يُحَدِّثُهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَاَلَّذِي يُذْكَرُ عَنْ مَالِكٍ فِي ابْنِ إسْحَاقَ لَا يَكَادُ يَتَبَيَّنُ، وَكَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُولُ: أَخْرَجَ إلَيَّ مَالِكٌ كُتُبَ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ فِي الْمَغَازِي، وَغَيْرِهَا. فَانْتَخَبْتُ مِنْهَا كَثِيرًا، وَقَالَ لِي إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ كَانَ عِنْدَ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ محمد بن إسحاق نحواً مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ فِي الْأَحْكَامِ، سِوَى الْمَغَازِي، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا فِي زَمَانِهِ، وَلَوْ صَحَّ عَنْ مَالِكٍ تَنَاوُلُهُ مِنْ ابْنِ إسْحَاقَ، فَلَرُبَّمَا تَكَلَّمَ الْإِنْسَانُ فَيَرْمِي صاحبه بشئ وَاحِدٍ، وَلَا يَتَّهِمُهُ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بن المنذر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحِ: نَهَانِي مَالِكٌ عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُمَا فِي الْمُوَطَّإِ، وَهُمَا ممن يَحْتَجُّ بِهِمَا، وَلَمْ يَنْجُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ، وَذَلِكَ نَحْوُ مَا يُذْكَرُ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي كَلَامِهِ فِي الشَّعْبِيِّ، وَكَلَامِ الشَّعْبِيِّ فِي عِكْرِمَةَ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَى ذَلِكَ، وَلَا سَقَطَتْ عَدَالَةُ أَحَدٍ إلَّا بِبُرْهَانٍ ثَابِتٍ، وَحُجَّةٍ، وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، قَالَ: سَمِعْت شُعْبَةَ يَقُولُ: مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُحَدِّثِينَ لِحِفْظِهِ، وَرَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ إدْرِيسَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَاحْتَمَلَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: نَظَرْتُ كِتَابَ ابْنِ إسْحَاقَ، فَمَا وَجَدْتُ عَلَيْهِ إلَّا فِي حَدِيثَيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا صَحِيحَيْنِ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ يَدْخُلُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَلَى امْرَأَتِي؟ إنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ، فَجَائِزٌ أَنْ تَكْتُبَ إلَيْهِ فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَرَوْنَ الْكِتَابَ جَائِزًا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا، وَقَالَ لَهُ: "لَا تَقْرَأْ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا"، فَلَمَّا بَلَغَ فَتَحَ الْكِتَابَ، وَقَرَأَهُ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ، وَالْأَئِمَّةُ، يَقْضُونَ بِكِتَابِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ، وَجَائِزٌ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْهَا، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَهِشَامٌ لَمْ يَشْهَدْ، انْتَهَى كَلَامُهُ بحروفه.
__________
1 قال الحافظ في الدراية 381: قال الواقدي: ويقال: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق، اهـ.(4/416)
كِتَابُ الخنثى
كيفية إرث الخنثى
...
كتاب الْخُنْثَى
حَدِيثٌ: سُئِلَ عليه السلام عَنْ الْخُنْثَى كَيْفَ يُورَثُ؟ قَالَ: "مِنْ حَيْثُ يَبُولُ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ، لَهُ قُبُلٌ، وَذَكَرٌ، مِنْ أَيْنَ يُورَثُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ حَيْثُ يَبُولُ"، انْتَهَى1 وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ2 في الفرائض، وعده ابن عدي مِنْ مُنْكَرَاتِ الْكَلْبِيِّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْكَلْبِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو النَّخَعِيّ عَنْ الْكَلْبِيِّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَمْرٍو النَّخَعِيّ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ مِنْ أَضْعَفِ إسْنَادٍ يَكُونُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وقال: البلاء فيه من الكلبي ن وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ كَذَّابُونَ: سُلَيْمَانُ النَّخَعِيّ، وَالْكَلْبِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْفَرَائِضِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ االشعبي عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَرَّثَ خُنْثَى مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ كَثِيرٍ الْأَحْمَسِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ أُتِيَ فِي خُنْثَى، فَأَرْسَلَهُمْ إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: يُورَثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مُغِيرَةَ وَسِمَاكٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ، وَزَادَ، فَإِنْ كَانَا فِي الْبَوْلِ سَوَاءً، فَمِنْ حَيْثُ سَبَقَ، انْتَهَى.
__________
1 قال ابن قتيبة في العارف ص 240: وأول من حكم في الخنثى باتباع المبال عامر بن الظرب العداني، فجرى في الإسلام، انتهى.
2 وفي السنن أيضاً في الفرائض في باب ميراث الخنثى ص 261 ج 6، وأخرج البيهقي في السنن قال: سئل جابر بن زيد عن الخنثى كيف يورث، فقال: يقوم فيدنو من حائط، ثم يبول، فإن أصاب الحائط فهو غلام، وإن سال بين فخذيه، فهو جارية، انتهى.(4/417)
مَسَائِلُ شَتَّى
حَدِيثٌ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّى وَاجِبَ التَّبْلِيغِ مَرَّةً بِالْعِبَارَةِ، وَتَارَةً بِالْكِتَابَةِ إلَى الْغُيَّبِ، قُلْت: أَمَّا تَبْلِيغُهُ عليه السلام بِالْعِبَارَةِ، فَمَعْرُوفٌ، وَأَمَّا بِالْكِتَابَةِ إلَى الْغُيَّبِ فَفِي(4/417)
الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إلَى قَيْصَرَ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إلَى قَيْصَرَ، الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا قَيْصَرُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ، فَإِذَا فِيهِ: "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوك بِدَاعِيَةِ اللَّهِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِك اللَّهُ أَجْرَك مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْت، فإن عليك إثم الأريسين، ويا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" مُخْتَصَرٌ، وَالْكِتَابُ لَمْ يُخْتَصَرْ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَعْنِي الصَّحِيحَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ: "إنَّك تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 فِي الْجِهَادِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ، يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ4 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا يَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ، ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
__________
1 عند البخاري في باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 3 ج 1، وعند مسلم في الجهاد في باب كتب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل ملك الشام 97 ج 2.
2 عند البخاري بهذا اللفظ في الزكاة في باب أخذ الصدقة من الأغنياء، وترد في الفقراء حيث كانوا ص 202 ج 1، وعند مسلم في كتاب الايمان ص 36 ج 1.
3 عند مسلم في الجهاد ص 99 ج 2.
4 عند أبي داود في اللباس في باب من روى أن لا يستنفع بإهاب الميتة ص 214 ج 2، وعند الترمذي في اللباس في باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت ص 219 ج 1، وعند النسائي في الفرع والعتيرة ص 191 ج 2، وعند ابن ماجه في اللباس في باب لبس جلود الميتة إذا دبغت ص 166.(4/418)
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا قُرَّةُ، قَالَ: سَمِعْت يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الله، قال: كنا بالمريد، فَجَاءَ رَجُلٌ أَشْعَثُ الرَّأْسِ بِيَدِهِ قِطْعَةُ أَدِيمٍ أَحْمَرَ، فَقُلْنَا لَهُ: كَأَنَّك مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؟ قَالَ: أَجَلْ، قُلْنَا: نَاوِلْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ الْأَدِيمَ الَّتِي فِي يَدِك، فَنَاوَلَنَاهَا، فَقَرَأْنَاهَا، فَإِذَا فِيهَا: "مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ، إنَّكُمْ إنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَقَمْتُمْ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمْ الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَهْمَ الصَّفِيِّ، أَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"، فَقُلْنَا لَهُ: مَنْ كَتَبَ لَك هَذَا الْكِتَابَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ الشَّاعِرُ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُمِّيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ2 فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنْ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، قَالَ: فَمَا قَرَأَهُ إلَّا رَجُلٌ مِنْهُمْ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، فَهُمْ يُسَمَّوْنَ بَنِي الْكَاتِبِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ " بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، صَاحِبِ مُوسَى، وَأَخِيهِ، وَالْمُصَدِّقِ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى، أَلَا إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لَكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَأَهْلَ التَّوْرَاةِ وَإِنَّكُمْ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ: إنَّ محمداّ رَسُولُ اللَّهِ، وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، إلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَإِنِّي أُنْشِدُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ لِآبَائِكُمْ، حَتَّى أنجاكم مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، إلَّا أَخْبَرْتُمُونَا هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ، فَلَا كُرْهَ عَلَيْكُمْ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ، وَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إلَى اللَّهِ، وَإِلَى نَبِيِّهِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرِّدَّةِ حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ بالبحرين، ليال بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ، مُنْصَرَفَهُ عليه السلام
__________
1 عند أبي داود في الخراج في باب ما جاء في سهم الصفي ص 65 ج 2.
2 وأخرجه ابن سعد أيضاً في الطبقات ص 31 في القسم الثاني، من الجزء الأول، قال: أخبرنا علي بن محمد عن سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن رجل من بني سدوس، الحديث، وزاد: وكان الذي أتاهم بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظبيان بن مرثد السدوسي، انتهى.(4/419)
مِنْ تَبُوكَ، وَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوك إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، أَسْلِمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَك مَا تَحْتَ يَدَيْك، وَاعْلَمْ أَنَّ دِينِي سَيَظْهَرُ إلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ". وَخَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ. فَخَرَجَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ: فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَوْصِ بِهِمْ خَيْرًا"، وَقَالَ لَهُ: "إنْ أَجَابَك إلَى مَا دَعْوَتُهُ إلَيْهِ، فَأَقِمْ حَتَّى يَأْتِيَك أَمْرِي، وَخُذْ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ"، قَالَ الْعَلَاءُ: فَاكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ كِتَابًا يَكُونُ مَعِي، فَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَائِضَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْحَرْثِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، عَلَى وَجْهِهَا، وَقَدِمَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ عَلَيْهِ، فَقَرَأَ الْكِتَابَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مَا دَعَا إلَيْهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَأَكْرَمَ مَنْزِلَهُ. وَرَجَعَ الْعَلَاءُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُ، فَسُرَّ، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: وَجَدْتُ هَذَا الْكِتَابَ فِي كُتُبِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَنَسَخْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، وَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا يَدْعُوهُ فِيهِ إلَى الْإِسْلَامِ، فَكَتَبَ الْمُنْذِرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي قَرَأْتُ كِتَابَك عَلَى أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ1 فَمِنْهُمْ مَنْ أَحَبَّ الْإِسْلَامَ، وَأَعْجَبَهُ، وَدَخَلَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ، وَبِأَرْضِي مَجُوسٌ، وَيَهُودٌ، فَأَحْدِثْ إلَيَّ فِي ذَلِكَ أَمْرًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، سَلَامٌ عَلَيْك، فَإِنِّي أَحْمَدُ إليك الله الذي لاإله إلَّا هُوَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَنْصَحْ، فَإِنَّمَا يَنْصَحُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ رُسُلِي، وَيَتَّبِعْ أَمْرَهُمْ، فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ نَصَحَ لَهُمْ، فَقَدْ نَصَحَ لِي، وَإِنَّ رُسُلِي قَدْ أَثْنَوْا عَلَيْك خَيْرًا، وَإِنِّي شَفَّعْتُك فِي قَوْمِك، فَاتْرُكْ لِلْمُسْلِمِينَ مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، وَعَفَوْتُ عَنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِنَّك مَهْمَا تَصْلُحْ، فَلَنْ نَعْزِلَك عَنْ عَمَلِك، وَمَنْ أَقَامَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ، فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ"، قَالَ: فَأَسْلَمَ الْمُنْذِرُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَمَاتَ قَبْلَ رِدَّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ قَانِعٍ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ: وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ.
كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ: وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا2 مِنْ حَدِيثِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ الله بن حذاقة السَّهْمِيَّ، مُنْصَرِفَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، إلَى كِسْرَى، وَبَعَثَ مَعَهُ كتاباً مختوماً، فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، مَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى كِسْرَى
__________
1 قلت: وفي الطبقات لابن سعد ص 19 في القسم الثاني، من الجزء الأول: وأني قرأت كتابك على أهل هجر. اهـ.
2 وعند ابن سعد في الطبقات مختصراً: ص 16، القسم الثاني، من الجزء الأول.(4/420)
عَظِيمِ فَارِسَ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآمَنَ بِاَللَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَدْعُوك بِدَاعِيَةِ اللَّهِ، فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَإِنْ أَبَيْت، فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الْمَجُوسِ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حذاقة: فَانْتَهَيْتُ إلَى بَابِهِ، فَطَلَبْتُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ، حَتَّى وَصَلْت إلَيْهِ فَدَفَعْت إلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُرِئَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ وَمَزَّقَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، مُخْتَصَرًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَعَثَ بِكِتَابِهِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، قَالَ: فَحَسِبْت أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ، انْتَهَى.
كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ: وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ كِتَابًا، وَأَرْسَلَهُ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فِيهِ: "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، أَسْلِمْ أَنْتَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ، الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ، السَّلَامَ الْمُؤْمِنَ، الْمُهَيْمِنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى ابن مريم، رروح اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ الْبَتُولِ، فَحَمَلَتْ بِهِ، فَخَلَقَهُ مِنْ رُوحِهِ، وَنَفَخَهُ، كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَإِنِّي أَدْعُوك إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، والمولاة عَلَى طَاعَتِهِ، وَأَنْ تَتَّبِعَنِي، وَتُؤْمِنَ بِاَلَّذِي جَاءَنِي، فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَإِنِّي أَدْعُوك وَجُنُودَك إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ، فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى" قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ النَّجَاشِيُّ: بسم الله الرحمن الرحيم، إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، مِنْ أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، سَلَامٌ عَلَيْك يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُ اللَّهِ، الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ عِيسَى، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ عِيسَى لَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرْت ثُفْرُوقًا1 وَإِنَّهُ كَمَا ذَكَرْت، وَقَدْ عَرَفْنَا مَا بُعِثْتَ بِهِ إلَيْنَا، وَقَدْ قَرَّبْنَا ابْنَ عَمِّك، وَأَصْحَابَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ صَادِقًا مُصَدَّقًا، وَقَدْ بَايَعْتُك، وَبَايَعْتُ ابْنَ عَمِّك، وَأَسْلَمْتُ على يديه، لله ررب الْعَالَمِينَ، انْتَهَى.
كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُقَوْقِسِ: وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى الْمُقَوْقِسِ، مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ "بسم الله الرحمن الرحيم: مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى الْمُقَوْقِسِ عَظِيمِ الْقِبْطِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوك بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِك
__________
1 الثفروق بضم الفاء ـ قمع التمرة, أو ما يلتزق به قمعها، جمع ثفاريق، وما له ثفروق شيء، انتهى. قاموس ص 217 ج 3.(4/421)
اللَّهُ أَجْرَك مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْت فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الْقِبْطِ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} "، وَخَتَمَ الْكِتَابَ، فَخَرَجَ بِهِ حَاطِبٌ حَتَّى قَدِمَ الإسكندية، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَك رَجُلٌ زَعَمَ أَنَّهُ الرَّبُّ الْأَعْلَى، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، فَانْتَقَمَ بِهِ، ثُمَّ انْتَقَمَ مِنْهُ، فَاعْتَبِرْ بِغَيْرِك، وَلَا يَعْتَبِرْ غَيْرُك بِك، اعْلَمْ أَنَّ لَنَا دِينًا لَنْ نَدَعَهُ إلَّا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، الْكَافِي بِهِ اللَّهُ مَا سِوَاهُ، إنَّ هَذَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا النَّاسَ، فَكَانَ أَشَدَّهُمْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ، وَأَعْدَاهُمْ لَهُ يَهُودُ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ النَّصَارَى، وَلَعَمْرِي مَا بِشَارَةُ مُوسَى بِعِيسَى، إلَّا كَبِشَارَةِ عِيسَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا دُعَاؤُنَا إيَّاكَ إلَى الْقُرْآنِ، إلَّا كَدُعَائِك أَهْلَ التَّوْرَاةِ، إلَى الْإِنْجِيلِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ أَدْرَكَ قَوْمًا، فَهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ، فَالْحَقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَأَنْتَ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ هَذَا النَّبِيُّ، وَلَسْنَا نَنْهَاك عَنْ دِينِ الْمَسِيحِ، بَلْ نَأْمُرُك بِهِ، فَقَالَ الْمُقَوْقِسُ: إنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ هَذَا النَّبِيِّ، فَرَأَيْتُهُ لَا يَأْمُرُ بِمَزْهُودٍ فِيهِ، وَلَا يَنْهَى عَنْ مَرْغُوبٍ عَنْهُ، وَلَمْ أَجِدْهُ بِالسَّاحِرِ الضَّالِّ، وَلَا الْكَاهِنِ الْكَاذِبِ، وَوَجَدْت مَعَهُ آلَةَ النبوة بإخراج الخبأ، وَالْإِخْبَارِ بِالنَّجْوَى، وَسَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَهُ فِي حُقٍّ مِنْ عَاجٍ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، وَدَفَعَهُ إلَى جَارِيَةٍ لَهُ، ثُمَّ دَعَا كَاتِبًا لَهُ يُكْتَبُ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَكَتَبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بسم الله الرحمن الرحيم، لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ الْمُقَوْقِسِ عَظِيمِ الْقِبْطِ، سَلَامٌ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَك، وَفَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ فِيهِ، وَمَا تَدْعُو إلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيًّا بَقِيَ، وَكُنْت أَظُنُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالشَّامِ، وَقَدْ أَكْرَمْتُ رَسُولَك، وَبَعَثْتُ إلَيْك بِجَارِيَتَيْنِ، لَهُمَا مَكَانٌ فِي الْقِبْطِ عَظِيمٌ، وَبِكِسْوَةٍ، وَبَغْلَةٍ لِتَرْكَبَهَا، وَالسَّلَامُ عَلَيْك، وَدَفَعَ الْكِتَابَ إلَى حَاطِبٍ، وَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَخَمْسَةِ أَثْوَابٍ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى صَاحِبِكَ، وَلَا تَسْمَعْ مِنْك الْقِبْطُ حَرْفًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْقِبْطَ لَا يُطَاوِعُونِي فِي اتِّبَاعِهِ، وَأَنَا أَضِنُّ بِمُلْكِي أَنْ أُفَارِقَهُ، وَسَيَظْهَرُ صَاحِبُك عَلَى الْبِلَادِ، وَيَنْزِلُ بِسَاحَتِنَا هَذِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَارْحَلْ مِنْ عِنْدِي، قَالَ: فَرَحَلْت مِنْ عِنْدِهِ، وَلَمْ أُقِمْ عِنْدَهُ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرْت له ما قاله لِي، فَقَالَ: "ضَنَّ الْخَبِيثُ بِمُلْكِهِ، وَلَا بَقَاءَ لِمُلْكِهِ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: اسْمُهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَاءَ، أَثْبَتَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الصَّحَابَةِ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ، وَكَانَتْ شُبْهَتُهُ فِي إثْبَاتِهِ إيَّاهُ فِي الصَّحَابَةِ، رِوَايَةً رَوَاهَا ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُقَوْقِسُ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ، فَكَانَ يَشْرَبُ فِيهِ، انْتَهَى. قُلْت: عَدَّهُ ابْنُ قَانِعٍ فِي الصَّحَابَةِ، وَرَوَى لَهُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا مِنْدَلٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ(4/422)
النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، وَعَدَّهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ، وَغَلِطَا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا، انْتَهَى.
كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَيْفَرٍ، وَعَبْدٍ ابْنَيْ الْجُلُنْدَى، الْأَزْدِيَّيْنِ، مَلِكَيْ عُمَانَ، مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، إلَى جَيْفَرٍ، وَعَبْدٍ ابْنَيْ الْجُلُنْدَى، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكُمَا بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمَا تَسْلَمَا، فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، لِأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَإِنَّكُمَا إنْ أَقْرَرْتُمَا بِالْإِسْلَامِ، وَلَّيْتُكُمَا، وَإِنْ أَبَيْتُمَا أَنْ تُقِرَّا بِالْإِسْلَامِ، فَإِنَّ مُلْكَكُمَا زَائِلٌ عَنْكُمَا، وَخَيْلِي تَحُلُّ بِسَاحَتِكُمَا، وَتَظْهَرُ نُبُوَّتِي عَلَى مُلْكِكُمَا ". وَكَتَبَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، وَخَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: فَخَرَجْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إلَى عُمَانَ، فَقَدِمْتُ عَلَى عَبْدٍ، وَكَانَ أَسْهَلَ الرَّجُلَيْنِ، فَقُلْت لَهُ: إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْك، وَإِلَى أَخِيك، فَقَالَ: أَخِي الْمُقَدَّمُ عَلَيَّ بِالسِّنِّ وَالْمُلْكِ، أَنَا أُوصِلُك إلَيْهِ، فَيَقْرَأُ كِتَابَك، ثُمَّ سَأَلَنِي أَيْنَ كَانَ إسْلَامِي؟ فَقُلْت لَهُ: عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، وَأَخْبَرْته أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَسْلَمَ، فَقَالَ: مَا أَظُنُّ أَنَّ هِرَقْلَ عَرَفَ بِإِسْلَامِهِ، قُلْت: بلى، قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَك؟ قُلْت: كَانَ النَّجَاشِيُّ يُخْرِجُ خَرْجًا، فَلَمَّا أَسْلَمَ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ سَأَلَنِي دِرْهَمًا وَاحِدًا مَا أَعْطَيْته، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ هِرَقْلَ، قِيلَ لَهُ: أَتَدَعُ عَبْدَك لَا يُخْرِجُ لَك خَرْجًا، وَيَدِينُ دِينًا مُحْدَثًا؟ فَقَالَ: وَمَا الَّذِي أَصْنَعُ؟ رَجُلٌ رَغِبَ فِي دِينٍ، وَاخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ، وَاَللَّهِ لَوْلَا الضَّنُّ بِمُلْكِي، لَصَنَعْت مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ: اُنْظُرْ يَا عَمْرُو مَا تَقُولُ، إنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصْلَةٍ فِي الرَّجُلِ أَفْضَحَ لَهُ مِنْ الْكَذِبِ، فَقُلْت لَهُ: وَاَللَّهِ مَا كَذَبْت، وَإِنَّهُ لَحَرَامٌ فِي دِينِنَا فَقَالَ: وَمَا الَّذِي يَدْعُو إلَيْهِ؟ قُلْت: يَدْعُو إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَالْبِرِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَعَنْ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَعَنْ الزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَعِبَادَةِ الْحَجَرِ وَالْوَثَنِ، وَالصَّلِيبِ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا، لَوْ كَانَ أَخِي يُتَابِعُنِي، لَرَكِبْنَا إلَيْهِ حَتَّى نُؤْمِنَ بِهِ، وَلَكِنَّ أَخِي أَضَنُّ بِمُلْكِهِ، مِنْ أَنْ يَدَعَهُ، قُلْت: إنَّهُ إنْ أَسْلَمَ مَلَّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَخْبَرَ أَخَاهُ بِخَبَرِي، فَدَعَانِي، فَدَخَلْت عَلَيْهِ، وَدَفَعْت إلَيْهِ الْكِتَابَ، فَفَضَّهُ، وَقَرَأَهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى أَخِيهِ، فَقَرَأَهُ مِثْلَهُ، إلَّا أَنَّ أَخَاهُ أَرَقُّ مِنْهُ، وَقَالَ لِي: مَا صَنَعَتْ قُرَيْشٌ؟ قُلْت: مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا وَأَسْلَمَ إمَّا رَاغِبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِمَّا مَقْهُورًا بِالسَّيْفِ، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ، وَعَرَفُوا بِعُقُولِهِمْ مَعَ هِدَايَةِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ضَلَالٍ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ غَيْرَك، وَأَنْتَ إنْ لَمْ تسلم، توطئك الخيل، وتبيد خضرائك، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، قَالَ: دَعْنِي يَوْمًا هَذَا، قَالَ: فَلَمَّا خَلَا بِهِ أَخُوهُ، قَالَ: مَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ؟ وَقَدْ ظَهَرَ أَمْرُ هَذَا الرَّجُلِ، وَكُلُّ مَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ أَجَابَهُ؟ قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ إلَيَّ، وَأَجَابَ هُوَ(4/423)
وَأَخُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ جَمِيعًا، وَخَلَّيَا بَيْنِي وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ، وَالْحُكْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وكانا لي عوناً إلى مَنْ خَالَفَنِي، انْتَهَى1.
كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، مَلِكِ الشَّامِ، مَعَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، هَكَذَا عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ، وَعِنْدَ ابْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ، عِوَضَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ شُجَاعًا إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، وَهُوَ بِغُوطَةِ دِمَشْقَ2 فَكَتَبَ إلَيْهِ، مَرْجِعَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِهِ، وَصَدَّقَ، وَإِنِّي أَدْعُوك إلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، يَبْقَى لَك مُلْكُك". وَخَتَمَ الْكِتَابَ، وَدَفَعَهُ إلَى شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ انْتَهَيْتُ إلَى حَاجِبِهِ، فَقُلْت لَهُ: إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إلَيْهِ، فَقَالَ لِي: إنَّك لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَى يَوْمِ كَذَا، فَأَقَمْتُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَيْنِ، أوثلاثة، وَجَعَلَ حَاجِبُهُ وَكَانَ رُومِيًّا، اسْمُهُ مُرَيٌّ يَسْأَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَدْعُو إلَيْهِ، فَكُنْت أُحَدِّثُهُ، فَيَرِقُّ قَلْبُهُ، حَتَّى يَغْلِبَهُ الْبُكَاءُ، وَقَالَ: إنِّي قَرَأْتُ فِي الْإِنْجِيلِ صِفَةَ هَذَا النَّبِيِّ، وَكُنْتُ أَرَى أَنَّهُ يَخْرُجُ بالشام، وأنا أؤمن بِهِ، وَأُصَدِّقُهُ، وَكَانَ يُكْرِمُنِي، وَيُحْسِنُ ضِيَافَتِي، وَيُخْبِرُنِي عَنْ الْحَارِثِ بِالْيَأْسِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: هُوَ يَخَافُ قَيْصَرَ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الْحَارِثُ يَوْمَ جُلُوسِهِ أَذِنَ لِي عَلَيْهِ، فَدَفَعْتُ إلَيْهِ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ، ثُمَّ رَمَى بِهِ، وَقَالَ: مَنْ يَنْتَزِعُ مِنِّي مُلْكِي، أَنَا سَائِرٌ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ بِالْيَمَنِ جِئْتُهُ، عَلَيَّ بِالنَّاسِ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْتَعْرِضُ3 حَتَّى اللَّيْلِ، وَأَمَرَ بِالْخَيْلِ أَنْ تُنَعَّلَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَك بِمَا تَرَى، وَكَتَبَ إلَى قَيْصَرَ يُخْبِرُهُ خَبَرِي، فَصَادَفَ قَيْصَرَ بِإِيلِيَاءَ، وَعِنْدَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، وَقَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَرَأَ قَيْصَرُ كِتَابَ الْحَارِثِ، كَتَبَ أَنْ لَا تَسِرْ إلَيْهِ، وَالْهُ عَنْهُ، وَوَافِنِي بِإِيلِيَاءَ، قَالَ: وَرَجَعَ الْكِتَابُ، وَأَنَا مُقِيمٌ، فَدَعَانِي، وَقَالَ: مَتَى تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ إلَى صَاحِبِك؟ قُلْت: غَدًا، فَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ، وَوَصَّلَنِي الْحَاجِبُ بِنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ، وَقَالَ لِي: اقْرَأْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنِّي مُتَّبِعٌ دِينَهُ، قَالَ شُجَاعٌ: فَقَدِمْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: "بَادَ مُلْكُهُ"، وَأَقْرَأْته السَّلَامَ، وَأَخْبَرْته بِمَا قَالَ، فَقَالَ عليه السلام: "صَدَقَ"، انْتَهَى.
__________
1 ذكر ابن سعد في الطبقات ص 18 القسم الثاني، من الجزء الأول، قال عمرو بن العاص: فلم أزل مقيماً فيهم حتى بلغنا وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 وفي الطبقات ص 17، القسم الثاني، من الجزء الأول، وهو بغوطة دمشق، وهو مشغول بتهنئة الأنزال والألطاف لقيصر وهو جاء من حمص إلى إيلياء، وفي آخره: ومات الحارث ابن أبي شمر، عام الفتح، انتهى.
3 وفي الطبقات لابن سعد: فلم يزل يفرض.(4/424)
كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1 إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ، مَعَ سَلِيطِ بْنِ عَمْرٍو الْعَامِرِيِّ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، اعْلَمْ أَنَّ دِينِي سَيَظْهَرُ إلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَجْعَلْ لَك مَا تَحْتَ يَدَيْك"، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى سَلِيطٍ أَنْزَلَهُ وَحَيَّاهُ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَتَبَ إلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَحْسَنَ مَا تَدْعُو إلَيْهِ وَأَجْمَلَهُ، وَأَنَا شَاعِرُ قَوْمِي، وَخَطِيبُهُمْ، وَالْعَرَبُ تَهَابُ مَكَانِي، فَاجْعَلْ إلَيَّ بَعْضَ الْأَمْرِ أَتَّبِعْك، وَأَجَازَ سَلِيطًا بِجَائِزَةٍ، وَكَسَاهُ أَثْوَابًا، مِنْ نَسْجِ هَجَرَ، فَقَدِمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، وَقَرَأَ كِتَابَهُ، فَقَالَ: "وَاَللَّهِ لَوْ سَأَلَنِي شَيْئًا بِهِ مِنْ الْأَرْضِ مَا فَعَلْتُ، بَادَ، وَبَادَ مَا فِي يَدَيْهِ"، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الفتح، جاءه جبرئيل عليه السلام بِأَنَّ هَوْذَةَ مَاتَ، فَقَالَ عليه السلام: "أَمَا إنَّ الْيَمَامَةَ سَيَخْرُجُ بِهَا كَذَّابٌ، يَتَنَبَّأُ، يُقْتَلُ بِهَا بَعْدِي"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يَقْتُلُهُ؟ قَالَ: "أَنْتَ وَأَصْحَابُك"، فَكَانَ كَذَلِكَ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ وَالصَّوَابِ. (*)
__________
1 وأخرجه ابن سعد في الطبقات ص 18، القسم الثاني، من الجزء الأول.
(*) قد استراح العبد الأفقر إلى الله محمد يوسف الكاملفوري من كمد الانتهاض لهذا التحرير بفضل الله ومنه، وحسن توفيقه يوم الجمعة بين العصر والمغرب، الرابع والعشرين، من ربيع الآخر سنة 1357 هـ، وذلك حين ناهض عمري خمسة وثلاثين عاماً، غريباً عن الأوطان، بعيد الديار، نزيلاً في المجلس العلمي، الواقع بقرية دابهيل سملك من مضافات سورت، من كورة كجرات.
ولنجعل ختام الكلام في هذا المقام ما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنه السيد الحسن، أن يقوله في آخر الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله على النبي محمد". وعن علي مرفوعاً: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" أخرجه الحاكم وصححه.
ولنقم عن المجلس بكفارته: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.(4/425)
ملاحق
[هذه الملاحق التالية، ليست في الطبعة التي اعتمدناها (مؤسسة الريان للطباعة والنشر - بيروت -لبنان/ دار القبلة للثقافة الإسلامية- جدة - السعودية) ، وإنما ذكرناها هنا لتكون هذه النسخة جامعة لما في النسخ الإلكترونية التي بين أيدينا من مزايا كالتشكيل وموافقة المطبوع، ومقدمات وحواشي المعلقين....](/)
مقدمة ط دار الحديث
[هذه مقدمة أيمن صالح شعبان محقق طبعة دار الحديث، بالقاهرة، أثبتنا منها هنا هذا القدر اليسير، لأن باقيها كله مستل من مقدمة البنوري المثبتة في أول هذا الكتاب]
[ص:5] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِن الْحَمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا.
إِنَّه من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادى لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَحده لَا شريك لَهُ.
وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله.
(يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ) .
(يَا أَيهَا النَّاس تقو ربكُم الذى خَلقكُم من نَفْس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء وَاتَّقوا الله الذى تساءلون بِهِ والارحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا) .
(يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدا يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزا عَظِيما) .
إِن أصدق الحَدِيث كتاب الله، وَخير الْهدى هدى مُحَمَّد وَشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بِدعَة، وكل بِدعَة ضَلَالَة، وكل ضَلَالَة فِي النَّار.
أما بعد: إِن الْحَرَكَة التصنيفية فِي حَيَاة الامة الاسلامية أخذت كثيرا من الاشكال وتطورت من طور آخر.
وَهَذِه حَقِيقَة لَا يقبل دَفعهَا، وَلَا يستساغ إِلَّا قبُولهَا - فَمن عهد النُّبُوَّة إِلَى وقتنا هَذَا والمسيرة العلمية فِي حَيَاة الامة تمر بانماط وأطوار.
وَعَلَى هَذِه الْمسلمَة يكون التَّمْهِيد بَين يدى كتاب: نصب الرَّايَة تَخْرِيج أَحَادِيث الْهِدَايَة فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ فاولا: الْهِدَايَة مُصَنف لشرح الْمَتْن الفهى الْمُسَمَّى " بداية المبتدى " وَكِلَاهُمَا لمصنف وَاحِد هُوَ: عَلَى بن أَبَى بكر بن عبد الْجَلِيل الفرغان، شيخ الاسلام برهَان الدَّين المرغينانى (*) الْعَلامَة الْمُحَقق " صَاحب الْهِدَايَة ".
كَانَ إِمَامًا، فَقِيها، حَافِظًا مُحدثا، مُفَسرًا، جَامعا للعلوم، ضابطا للفنون، متقنا، محققا، نظارا.
[ص:6]
تفقه عَلَى أَئِمَّة عصره، كمفتى الثقلَيْن، نجم الدَّين أَبَى حَفْص عمر النسفى، وَابْنه أَبَى اللَّيْث " أَحْمد النسفى "، والصدر الشَّهِيد " حسام الدَّين عمر "، والصدر السعيد " تَاج الدَّين أَحْمد " " وَأَبَى عَمْرو عُثْمَان البيكندى " تلميذ شمس الائمة السرخسى وَغَيرهم كثير.
فاق شُيُوخه وأقرانه، وأذعنوا لَهُ كلهم، وَلَا سِيمَا بعد تصنيفه لكتاب " الهدايد شرح الْبِدَايَة ": " والبداية " متن فقهى كالمتون الْفِقْهِيَّة المذهبية الَّتِى كَانَ لَهَا دور بارز فِي حفظ الدَّين للامة الاسلامية.
فقد كَانَت الْحَاجة العلمية للامة إبان عصر تدوين الحَدِيث تتمثل فِي تَرْجَمَة الاحاديث وَالْخُرُوج بِنَصّ تعبدي سِيمَا وَقد فترت الهمم وَقل الْحِفْظ وركن الْعلمَاء إِلَى التَّقْلِيد.
فَلَا بُد من طور آخر يلائم حَاجَة الامة فَكَانَ: " النَّص التعبدى المذهبي " أَو " الْمَتْن المذهبي "، بَعْدَمَا توافر الْعلمَاء بالامصار وَكَانُوا أعلاما لَهَا حَتَّى كَانَ يجْتَمع بِالْمَدِينَةِ الْوَاحِدَة مِائَتَان مِنْهُم أَو يزِيد وحصيلة الافراد من الامة - غير الْعلمَاء - مئات من الاحاديث بل أُلُوف - كَانَت حِكْمَة الله وَهُوَ الْخَبِير بانحصار الْعلم فِي أفذاذ معدودين فِي الْمصر الْوَاحِد.
وَكَانَ لهَؤُلَاء الافذاذ الْمَعْدُودين - لتقدير الْعَزِيز الْحَكِيم - دور فِي نشاة الْمذَاهب الاسلامية وانتشارها فِي الامصار، والتمذهب الفقهى الذى ظهر جَلِيلًا فِي وضعهم للمصنفات لمسيرة الْوَاقِع وملاءمته لحَاجَة الامة فِي هَذَا الْوَقْت.
وَبِهَذَا نرَى بنظرة عابرة كَيْفيَّة نشوء " الْمَتْن المذهبي " ونقدر دوره الْهَام فِي حفظ الدَّين للامة.
وباستدارة الزَّمَان دارت المصنفات المستحدثة بعد الْمَتْن المذهبي فِي فلك هَذِه الْمُتُون تَارَة فِي شكل كشف غامض، أَو تَنْقِيح، أَو تذييل أَو شرح أَو ذكر دَلِيل ويغر ذَلِك.
" وَالْهِدَايَة " إِحْدَى المصنفات الَّتِى دارت فِي هَذَا الْفلك لشرح " بداية المبتدى " وَهُنَاكَ شُرُوح عَلَى الْهِدَايَة أَيْضا
__________
(*) " مرغينان " - بِفَتْح الْمِيم -: مَدِينَة من بِلَاد فرغانة - بِفَتْح الْفَاء - وَرَاء الشاش وَرَاء جيحون وسيحون، وَأَيْضًا قَرْيَة من قرَى فَارس.(/)
[هذه كلمة الكوثري في الدفاع عن أبي حنيفة، وهي غير موجودة في طبعتنا هذه أصلا،واستدركناها من مقدمة نسخة برنامج المحدث، وإنما أثبتناها تكميلا للنسخة]
تقدمة (1)
"نصب الرَّايَة" وَكلمَة عَن فقه أهل الْعرَاق
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي أَعلَى منَازِل الْفُقَهَاء، إعلاء يوازن مَا لَهُم من الهمم القعساء، فِي خدمَة الحنيفية السمحة الْبَيْضَاء، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى سيدنَا مُحَمَّد خَاتم الْأَنْبِيَاء، وَسَنَد الأتقياء، ومخرج الْأمة من الظُّلُمَات إِلَى النُّور والضياء، وَعَلَى آله وَصَحبه، السَّادة النجباء، والقادة الأصفياء، شموس الْهِدَايَة، وبدور الاهتداء، الناضري الْوُجُوه، بتبليغ مَا بلغوه من أَدِلَّة الشَّرِيعَة الغراء.
وَبعد: فَإِن كتاب نصب الرَّايَة - لتخريج أَحَادِيث الْهِدَايَة" للْإِمَام الْحَافِظ الْفَقِيه النَّاقِد الشَّيْخ "عبد الله بن يُوسُف الزَّيْلَعِيّ" - أَعلَى الله سُبْحَانَهُ مَنْزِلَته فِي الْجنَّة - كتاب لَا نَظِير لَهُ فِي استقصاء أَحَادِيث الْأَحْكَام، حَيْثُ كَانَ مُؤَلفه لَا يفتر سَاعَة عَن الْبَحْث، وَلَا يعوقه عَن التنقيب عائق، وَلَا يحول دون فحصه تواكل، وَلَا تكاسل، وَلَا يزهده فِي الْأَخْذ عَن أقرانه، وَعَمن هُوَ دونه كبَر النَّفس، وسعته فِي الْعلم، بل طَرِيقَته الدأب، ليل نَهَار، عَلَى نشدان طلبته، أَيْنَمَا وجد ضالته، وَهَذَا الْإِخْلَاص الْعَظِيم، وَهَذَا الْبَحْث الْبَالِغ، جعلا لكتابه من الْمنزلَة فِي قُلُوب الْحفاظ، مَالا تساميه منزلَة كتاب من كتب التَّخْرِيج، وَالْحق يُقَال: إِنَّه لم يدع مطمعاً لباحث وَرَاء بَحثه وتنقيبه، بل اسْتَوْفَى فِي الْأَبْوَاب ذكر مَا يُمكن لطوائف الْفُقَهَاء أَن يَتَمَسَّكُوا بِهِ عَلَى اخْتِلَاف مذاهبهم، من أَحَادِيث، قَلما يَهْتَدِي إِلَى جَمِيع مصادرها أهل طبقته، وَمن بعده من محدثي الطوائف، إِلَّا من أجهد نَفسه إجهاده، وَسَعَى سَعْيه لوُجُود كثير مِنْهَا فِي غير مظانها، بل قلَّ من ينصف إنصافه، فيدون أَدِلَّة الْخُصُوم تدوينه، غير مقتصر عَلَى أَحَادِيث طَائِفَة دون طَائِفَة، مَعَ بَيَان مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا، بغاية النصفة، بِخِلَاف كثير مِمَّن ألفوا فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام فِي الْمذَاهب، فَإنَّك تراهم يغلب عَلَيْهِم التَّقْصِير فِي الْبَحْث، أَو السّير وَرَاء أهواء، وَالتَّقْصِير فِي الْبَحْث، يظْهر الْمَسْأَلَة القوية الْحجَّة بمظهر أَنَّهَا لَا تدل عَلَيْهَا حجَّة، وَالسير وَرَاء هوى، تعصب يأباه أهل الدَّين، وأخطر مَا يغشى عَلَى بَصِيرَة الْعَالم عِنْد النّظر فِي الادلة، هُوَ التعصب المذهبي، فَإِنَّهُ يلبس الضَّعِيف لِبَاس الْقوي، وَالْقَوِي لِبَاس الضَّعِيف، وَيجْعَل الناهض من الْحجَّة داحضاً، وَبِالْعَكْسِ، وَلَيْسَ ذَلِك شَأْن من يخَاف الله فِي أَمر دينه، ويتهيب ذَلِك الْيَوْم الرهيب الَّذِي يُحَاسب فِيهِ كل امْرِئ عَلَى مَا قدمت يَدَاهُ، فَإِذا وجد المتفقه من هُوَ وَاسع الْعلم، غوَّاص لَا يتغلب عَلَيْهِ الْهَوَى، بَين حفاظ الحَدِيث، فليعض عَلَيْهِ بالنواجذ، فَإِن ذَلِك، الكبريت الْأَحْمَر بَينهم، والحافظ الزَّيْلَعِيّ هَذَا، جَامع لتِلْك الْأَوْصَاف حَقًا، وَلذَلِك أَصبَحت أَصْحَاب التخاريج بعده عَالَة عَلَيْهِ، فدونك كتب: الْبَدْر الزَّرْكَشِيّ. وَابْن الملقن. وَابْن حجر. وَغَيرهم، من الَّذين يظنّ بهم أَنهم يحلقون فِي سَمَاء الْإِعْجَاب، ويناطحون السَّحَاب، وقارنها بكتب الزَّيْلَعِيّ، حَتَّى تتيقن صدق مَا قُلْنَا، بل إِذا فعلت ذَلِك رُبمَا تزيد، وَتقول: إِن سَدى تِلْكَ الْكتب ولحمتها، كتب الزَّيْلَعِيّ، إِلَّا فِي التعصب المذهبي، وَكتاب الزَّيْلَعِيّ هَذَا يجد فِيهِ الْحَنَفِيّ صفوة مَا اسْتدلَّ بِهِ أَئِمَّة الْمذَاهب من أَحَادِيث الْأَحْكَام، ويلقى الْمَالِكِي فِيهِ نقاوة مَا خرجه ابْن عبد الْبر فِي "التَّمْهِيد" و "الاستذكار" وخلاصة مَا بَسطه عبد الْحق فِي كتبه، فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام، وَالشَّافِعِيّ يرَى فِيهِ غربلة مَا خرجه الْبَيْهَقِيّ فِي "السّنَن". و"الْمعرفَة". وَغَيرهمَا، وتمحيص مَا ذكره النَّوَوِيّ فِي "الْمَجْمُوع". و"شرح مُسلم" واستعراض مَا يُبينهُ ابْن دَقِيق الْعِيد فِي "الإِلمام". و"الإِمَام". و"شرح الْعُمْدَة"، وَكَذَلِكَ الْحَنْبَلِيّ يلاقي فِيهِ وُجُوه النَّقْد فِي "كتاب التَّحْقِيق" - لِابْنِ الْجَوْزِيّ. و"تَنْقِيح التَّحْقِيق" - لِابْنِ عبد الْهَادِي، وَغير ذَلِك من الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام، بل يجد الباحث فِيهِ سُوَى مَا فِي الصِّحَاح، وَالسّنَن، وَالْمَسَانِيد، والْآثَار، والمعاجم، من أَدِلَّة الْأَحْكَام أَحَادِيث فِي الْأَبْوَاب، من مُصَنف ابْن أبي شيبَة - أهم كتاب فِي نظر الْفَقِيه -، ومصنف عبد الرَّزَّاق، وَنَحْوهمَا، مِمَّا لَيْسَ بمتناول يَد كل باحث الْيَوْم، مَعَ اسْتِيفَاء الْكَلَام فِي كل حَدِيث، من أَقْوَال أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل، وَمن كتب الْعِلَل الْمَعْرُوفَة، وَهَذَا مَا جعل لهَذَا الْكتاب ميزة عظمى بَين كتب التخاريج. وَلَا أُرِيد بِهَذَا، الثَّنَاء عَلَى كِتَابه تثبيط العزائم، وتخدير الهمم، وَلَا إِنْكَار أَنه لَا نِهَايَة لما يفِيض الله سُبْحَانَهُ عَلَى أهل الْعَزِيمَة الصادقة من خبايا الْعُلُوم، وَلَا نفي أَن فِي كتب من بعده بعض فَوَائِد، يشْكر مؤلفوها عَلَيْهَا، ويزداد استقاء أَمْثَالهَا من ينابيعها الصافية، عِنْد مضاعفة السَّعْي، وَصدق الْعَزِيمَة، وَإِنَّمَا قلت مَا قلت، إعطاءٍ لكل ذِي حق حَقه، واجلالاً للْعلم واستنهاضاً للهمم، نَحْو محاولة الِاسْتِدْرَاك، عَلَى مثل هَذَا الْعَالم الْجَلِيل.
وَهَذَا حَافظ وَاحِد من حفاظ الْحَنَفِيَّة، قَامَ بِمثل هَذَا الْعَمَل الْعَظِيم الَّذِي وَقع موقع الإِعجاب الْكُلِّي بَين طوائف الْفُقَهَاء كلهم، فِي عصره، وَبعد عصره، فَمن قلب صَحَائِف هَذَا الْكتاب، ودرس مَا فِي الْأَبْوَاب من الْأَحَادِيث، تَيَقّن أَن الْحَنَفِيَّة فِي غَايَة التَّمَسُّك بالأحاديث، والْآثَار فِي الْأَبْوَاب كلهَا، لَكِن لَا تَخْلُو البسيطة من متعنت يتقوَّل فيهم، إِمَّا جهلا، أَو عصبية جَاهِلِيَّة، فَمرَّة يَتَكَلَّمُونَ فِي أَخذهم بِالرَّأْيِ، عِنْد فقدان النَّص، مَعَ أَنه لَا فقه بِدُونِ رَأْي، وَمرَّة يرمونهم بقلة الحَدِيث، وَقد امْتَلَأت الْأَمْصَار بأحاديثهم، وَأُخْرَى يَقُولُونَ: إِنَّهُم يستحسنون، وَمن اسْتحْسنَ فقد شرَّع، وَأَيْنَ يكون موقع هَذَا الْكَلَام من الصدْق؟! بعد الِاطِّلَاع عَلَى كَلَامهم فِي الِاسْتِحْسَان، وَكَيف يَسْتَطِيع الْقَائِل بِالْقِيَاسِ رد الِاسْتِحْسَان؟ وَالشَّرْع لله وَحده، إِنَّمَا الرَّسُول صلوَات الله عَلَيْهِ - مبِّلغه، وقصارى مَا يعْمل الْفَقِيه فَهْم النُّصُوص فَقَط، فَمن جعل للفقيه حظاً من التشريع، لم يفهم الْفِقْه وَالشَّرْع، بل ضل السَّبِيل، وَجعل شرع الله من الأوضاع البشرية، وحاش لله أَن يَجْعَل للبشر دخلا فِي شَرعه ووحيه.
هَذَا، وَقد رَأَيْت تفنيد تِلْكَ النقولات، بسرد مُقَدمَات فِي الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد، وَفِي الِاسْتِحْسَان الَّذِي يَقُول بِهِ الْحَنَفِيَّة، وَفِي شُرُوط قبُول الأخيار عِنْدهم، وَفِي منزلَة الْكُوفَة من عُلُوم الْقُرْآن، والْحَدِيث، والعلوم الْعَرَبيَّة، وَالْفِقْه، وأصوله، وَكَون الْكُوفَة ينبوع الْفِقْه، المُشرق، من بِلَاد الْمشرق، الْمُنْتَشِر فِي قارات الأَرْض كلهَا، وميزة مَذْهَب أهل الْعرَاق عَلَى سَائِر الْمذَاهب، ومبلغ اتساعهم فِي الْحِفْظ، وَكَثْرَة الْحفاظ بَينهم من أقدم العصور الاسلامية إِلَى عصرنا هَذَا، زِيَادَة عَلَى مَا لَهُم من الْفَهم الدَّقِيق، والغوص فِي الْمعَانِي، وَقد اعْترف لَهُم بذلك كل الْخُصُوم، ونظرة عجلى فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل، والله سُبْحَانَهُ حسبي، وَنعم الْوَكِيل.
__________
(1) تحتوي عَلَى مزية تَخْرِيج الْحَافِظ الزَّيْلَعِيّ عَلَى تخاريج سَائِر حفاظ الحَدِيث، وَكلمَة فِي الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان، وَبَيَان حَقِيقَة الرَّأْي فِي نظر السّلف، وَذكر مزية الْكُوفَة عَلَى سَائِر الْبِلَاد، فِي عهد الصَّحَابَة، وَبعده، قراناً، وَسنة. فقهاً، وتحديثاً، وعربية، وَغَيرهَا، وَذكر الْحفاظ، والمحدثين من الْحَنَفِيَّة فِي العصور الْمُخْتَلفَة، وَكلمَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل. وَهَذِه جَوَاهِر ودرر من الْحَقَائِق الناصعة التاريخية، الَّتِي لَا مجَال للْكَلَام فِيهَا، عِنْد الْبَصِير الْمنصف، وغرر تَقول من الاكابر مَا لَا يتلقاه الا أمثالهم، جاد بهَا قلم الْمُحَقق النظار، المحنك المتبحر، الْأُسْتَاذ الْكَبِير الشَّيْخ "مُحَمَّد زاهد الكوثري" فِي عجلة المستوفز بالتماس "الْمجْلس العلمي" من فضيلته، طَالَتْ حَيَاته فِي عَافِيَة. "البنوري".(/)
الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد
- وَردت فِي الرَّأْي، آثَار تذمه، وآثار تمدحه، والمذموم هُوَ الرَّأْي عَن هوى، والممدوح هُوَ استنباط حكم النَّازِلَة من النَّص، عَلَى طَريقَة فُقَهَاء الصَّحَابَة، وَالتَّابِعِينَ، وتابعيهم، برد النظير إِلَى نَظِيره، فِي الْكتاب، وَالسّنة. وَقد خرَّج الْخَطِيب غَالب تِلْكَ الْآثَار فِي "الْفَقِيه والمتفقه"، وَكَذَا ابْن عبد الْبر، مَعَ بَيَان موارد تِلْكَ الْآثَار. وَالْقَوْل المحتم فِي ذَلِك: إِن فُقَهَاء الصَّحَابَة، وَالتَّابِعِينَ، وتابعيهم، جروا عَلَى القَوْل بِالرَّأْيِ بِالْمَعْنَى الَّذِي سبق "أَعنِي استنباط حكم النَّازِلَة من النَّص"، وَهَذَا من الإجماعات الَّتِي لَا سَبِيل إِلَى إنكارها، وَقد قَالَ الإِمَام أَبُو بكر الرَّازِيّ فِي "الْفُصُول"، بعد أَن سرد مَا كَانَ عَلَيْهِ فُقَهَاء الصَّحَابَة، وَالتَّابِعِينَ من القَوْل بِالرَّأْيِ: "إِلَى أَن نَشأ قوم ذُو جهل بالفقه وأصوله، لَا معرفَة لَهُم بطريقة السّلف، وَلَا توقي للإقدام عَلَى الْجَهَالَة، وَاتِّبَاع الْأَهْوَاء البشعة الَّتِي خالفوا بهَا الصَّحَابَة، ومَن بعدهمْ من أخلافهم، فَكَانَ أول من نَفَى الْقيَاس وَالِاجْتِهَاد فِي أَحْكَام الْحَوَادِث، إِبْرَاهِيم النظَّام، وَطعن عَلَى الصَّحَابَة من أجل قَوْلهم بِالْقِيَاسِ، ونسبهم إِلَى مَا لَا يَلِيق بهم، والى ضد مَا وَصفهم الله بِهِ، وَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِم - بتهوره وَقلة علمه بِهَذَا الشان -، ثمَّ تبعه عَلَى هَذَا القَوْل نفر من الْمُتَكَلِّمين البغداديين، إِلَّا أَنهم لم يطعنوا عَلَى السّلف كطعنه، وَلم يعيبوهم، لكِنهمْ ارتكبوا من المكابرة، وَجحد الضَّرُورَة امراً بشعاً، فِرَارًا من الطعْن عَلَى السّلف، فِي قَوْلهم بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاس، وَذَلِكَ أَنهم زَعَمُوا أَن قَول الصَّحَابَة فِي الْحَوَادِث كَانَ عَلَى وَجه التَّوَسُّط وَالصُّلْح بَين الْخُصُوم لَا عَلَى وَجه قطع الحكم، وإبرام القَوْل، فكأنهم قد حسنوا مَذْهَبهم بِمثل هَذِه الْجَهَالَة، وتخلصوا من الشناعة الَّتِي لحقت النظَّام بتخطئته السّلف. ثمَّ تَبِعَهُمْ رجل من الحشو جهول، يُرِيد - دَاوُد بن عَلّي - لم يدر مَا قَالَ هَؤُلَاءِ، وَلَا مَا قَالَ هَؤُلَاءِ، وَأخذ طرفا من كَلَام النظَّام، وطرفاً من كَلَام متكلمي بَغْدَاد، من نفاة الْقيَاس، فاحتج بِهِ فِي نفي الْقيَاس وَالِاجْتِهَاد، مَعَ جَهله بِمَا تكلم بِهِ الْفَرِيقَانِ، من مثبتي الْقيَاس، ومبطليه، وَقد كَانَ مَعَ ذَلِك يَنْفِي حجج الْعُقُول، وَيَزْعُم أَن الْعقل لَا حَظّ لَهُ فِي إِدْرَاك شَيْء من عُلُوم الدِّين، فَأنْزل نَفسه منزلَة الْبَهِيمَة بل هُوَ أضلّ مِنْهَا، اهـ"، وَأَبُو بكر الرَّازِيّ أَطَالَ النَّفس جدا فِي إِقَامَة الْحجَّة عَلَى حجية الرَّأْي وَالْقِيَاس، بِحَيْثُ لَا يدع أَي مجَال للتشغيب ضد حجيته، فَالرَّأْي بِهَذَا الْمَعْنى، وصف مادح يُوصف بِهِ كل فَقِيه، يُنبئ عَن دقة الْفَهم، وَكَمَال الغوص، وَلذَلِك تَجِد ابْن قُتَيْبَة يذكر فِي "كتاب المعارف" الْفُقَهَاء بعنوان أَصْحَاب الرَّأْي، ويَعدُّ فيهم الْأَوْزَاعِيّ. وسُفْيَان الثَّوْريّ. وَمَالك بن أنس رَضِي الله عَنْهُم، وَكَذَلِكَ تَجِد الْحَافِظ مُحَمَّد بن الْحَارِث الْخُشَنِي، يذكر أَصْحَاب مَالك فِي "قُضَاة قرطبة" باسم أَصْحَاب الرَّأْي. وَهَكَذَا يفعل أَيْضا الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد بن الفرضي فِي "تَارِيخ عُلَمَاء الأندلس"، وَكَذَلِكَ الْحَافِظ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ، يَقُول فِي شرح حَدِيث الدَّاء العضال من "الْمُوَطَّأ" فِي صدد الرَّد عَلَى مَا يرويهِ النقلَة عَن مَالك، فِي تَفْسِير الدَّاء العضال: وَلم يرو مثل ذَلِك عَن مَالك أحد من أهل الرَّأْي من أَصْحَابه "يَعْنِي من أهل الْفِقْه، من أَصْحَاب مَالك" إِلَى غير ذَلِك، مِمَّا لَا حَاجَة إِلَى اسْتِقْصَائِهِ هُنَا.
وَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن تَنْزِيل الْآثَار الْوَارِدَة فِي ذمّ "الرَّأْي عَن هوى" فِي فقه الْفُقَهَاء، وَفِي ردهم النَّوَازِل الَّتِي لَا تَنْتَهِي إِلَى انْتِهَاء تَارِيخ الْبشر، إِلَى الْمَنْصُوص فِي كتاب الله، وَسنة رَسُوله، إِنَّمَا هُوَ هوى بشع، تنبذه حجج الشَّرْع، وَأما تَخْصِيص الْحَنَفِيَّة بِهَذَا الإسم، فَلَا يَصح إِلَّا بِمَعْنى البراعة الْبَالِغَة فِي الاستنباط، فالفقه حَيْثُمَا كَانَ يَصْحَبهُ الرَّأْي، سَوَاء كَانَ فِي الْمَدِينَة أَو فِي الْعرَاق، وَطَوَائِف الْفُقَهَاء كلهم إِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي شُرُوط الِاجْتِهَاد، بِمَا لَاحَ لَهُم من الدَّلِيل، وهم متفقون فِي الْأَخْذ بِالْكتاب، وَالسّنة، والإِجماع، وَالْقِيَاس، وَلَا يقتصرون عَلَى وَاحِد مِنْهَا. وَأما أهل الحَدِيث فهم الروَاة النقلَة، وهم الصيادلة، كَمَا أَن الْفُقَهَاء هم الاطباء، كَمَا قَالَ الْأَعْمَش، فَإِذا اجترأ عَلَى الْإِفْتَاء أحد الروَاة الَّذين لم يتفقهوا، يَقع فِي مهزلة، كَمَا نَص الرامَهُرْمُزِي فِي "الْفَاصِل"، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي "التلبيس"، و"أَخْبَار الحمقى"، والخطيب فِي "الْفَقِيه والمتفقه"، عَلَى نماذج من ذَلِك، فَذكر مدرسة للْحَدِيث هُنَا، مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ (1) ، قَالَ سُلَيْمَان بن عبد الْقوي الطوفي الْحَنْبَلِيّ فِي شرح "مُخْتَصر الرَّوْضَة" - فِي أصُول الْحَنَابِلَة: "وَاعْلَم أَن أَصْحَاب الرَّأْي بِحَسب الإِضافة، هم كل من تصرف فِي الْأَحْكَام بِالرَّأْيِ، فَيتَنَاوَل جَمِيع عُلَمَاء الْإِسْلَام، لِأَن كل وَاحِد من الْمُجْتَهدين لَا يَسْتَغْنِي فِي اجْتِهَاده عَن نظر ورأي، وَلَو بتحقيق المناط، وتنقيحه الَّذِي لَا نزاع فِي صِحَّته، وَإِمَّا بِحَسب العلمية فَهُوَ فِي عرف السّلف "من الروَاة بعد محنة خلق الْقُرْآن"، علم عَلَى أهل الْعرَاق، وهم أهل الْكُوفَة، أَبُو حنيفَة، وَمن تَابعه مِنْهُم وَبَالغ بَعضهم فِي الشنيع عَلَيْهِ واني، والله لَا أرَى إِلَّا عصمته مِمَّا قَالُوهُ، وتنزيهه عَمَّا إِلَيْهِ نسبوه، وَجُمْلَة القَوْل فِيهِ: إِنَّه قطعا، لم يُخَالف السّنة عناداً، وَإِنَّمَا خَالف فِيمَا خَالف مِنْهَا اجْتِهَادًا، بحجج وَاضِحَة، وَدَلَائِل صَالِحَة لائحة، وحججه بَين أَيدي النَّاس مَوْجُودَة، وقلَّ أَن ينتصف مِنْهَا مخالفوه، وَله بِتَقْدِير الْخَطَأ أجر، وَبِتَقْدِير الْإِصَابَة أَجْرَانِ، والطاعنون عَلَيْهِ إِمَّا حساد، أَو جاهلون بمواقع الِاجْتِهَاد، وَآخر مَا صَحَّ عَن الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ إِحْسَان القَوْل فِيهِ، وَالثنَاء عَلَيْهِ، ذكره أَبُو الْورْد من أَصْحَابنَا فِي "كتاب أصُول الدَّين"، اهـ.
وَقَالَ الشهَاب بن حجر الْمَكِّيّ الشَّافِعِي فِي "خيرات الحسان": ص.3:" يتَعَيَّن عَلَيْك أَن لَا تفهم من أَقْوَال الْعلمَاء - أَي الْمُتَأَخِّرين من أهل مذْهبه - عَن أبي حنيفَة، وَأَصْحَابه أَنهم أَصْحَاب الرَّأْي، أَن مُرَادهم بذلك تنقيصهم، وَلَا نسبتهم إِلَى أَنهم يقدمُونَ رَأْيهمْ عَلَى سنة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا عَلَى قَول أَصْحَابه، لأَنهم بُرَآء من ذَلِك، ثمَّ بسط مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبُو حنيفَة، وَأَصْحَابه فِي الْفِقْه، من الْأَخْذ بِكِتَاب الله، ثمَّ بسنَّة رَسُوله، ثمَّ بأقوال الصَّحَابَة، ردا عَلَى من توهم خلاف ذَلِك، وَلَا أنكر أَن هُنَاكَ أُنَاسًا من الروَاة الصَّالِحين، يخصون أَبَا حنيفَة، وَأَصْحَابه بالوقيعة من بَين الْفُقَهَاء، وَذَلِكَ حَيْثُ لَا ينتبهون إِلَى الْعِلَل الفادحة فِي الْأَخْبَار، الَّتِي تَركهَا أَبُو حنيفَة، وَأَصْحَابه، فيظنون بهم أَنهم تركُوا الحَدِيث إِلَى الرَّأْي، وَكَثِيرًا مَا يَعْلُو عَلَى مداركهم وَجه استنباط هَؤُلَاءِ، الحكم من الدَّلِيل، لدقة مداركهم، وجمود قرائح النقَلة، فيطعنون فِي الْفُقَهَاء أَنهم تركُوا الحَدِيث إِلَى الرَّأْي، فَهَذَا النبز مِنْهُم لَا يُؤْذِي سُوَى أنفسهم. وَأما ابْن حزم فقد تَبرأ من الْقيَاس جملَة وتفصيلاً، فحظ أبي حنيفَة، وَأَصْحَابه من شتائمه مثل حَظّ بَاقِي الْأَئِمَّة الْقَائِلين بِالْقِيَاسِ. وَالْقَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ مِمَّن قَامَ بِوَاجِب الرَّد عَلَيْهِ فِي "العواصم والقواصم"، وَلَيْسَ لِابْنِ حزم شبْه دَلِيل، فِيمَا يَدعِيهِ من نفي الْقيَاس، غير المجازفة بِنَفْي مَا ثَبت من الصَّحَابَة فِي حجَّة الْقيَاس، وَغير الاجتراء عَلَى تَصْحِيح رِوَايَات واهية، وَردت فِي رد الْقيَاس، والغريب أَن بعض أَصْحَاب - المجلات - مِمَّن لم ينشأ نشأة الْعلمَاء، اتخذ مجلته منبراً يخْطب عَلَيْهِ الدعْوَة إِلَى مَذْهَب، لَا يدْرِي أَصله وَلَا فَرعه، فألَّف قبل عشر سنوات رِسَالَة فِي "أصُول التشريع الْعَام" وَجمع فِيهَا آراء ابْن حزم فِي نفي الْقيَاس، وآراء بعض مثبتيه، عَلَى طَرِيق غير طَرِيق الْأَئِمَّة المتبوعين، وآراء أُخْرَى لبَعض الشذاذ، يَبْنِي مذْهبه عَلَى مَا يعده مصلحَة فَقَط، وَإِن خَالف صَرِيح الْكتاب وَالسّنة، فَصَارَ بذلك جَامعا لأصول متضادة، تتفرع عَلَيْهَا، فروع متضادة، لَا يجْتَمع مثلهَا، إِلَّا فِي عقل مُضْطَرب، وَمَا هَذَا إِلَّا من قبيل محاولة استيلاد الْبشر من الْبَقر، وَنَحْوه، فترى ابْن حزم يحْتَج فِي نفي الْقيَاس بِحَدِيث "نعيم بن حَمَّاد" الَّذِي سقط نعيم بروايته، عِنْد جمهرة النقاد، وَلَيْسَ ابْن حزم عَلَى علم من ذَلِك! وَهَذَا مِمَّا يعرفهُ صغَار أهل الحَدِيث من المشارقة، وَهُوَ حَدِيث قِيَاس الْأُمُور بِالرَّأْيِ، وَفِي سَنَده أَيْضا "حريز الناصبي"، وان كَانَ الصحافي - المتمهجد! - يَجعله: جَرِيرًا، وَيزِيد عَلَى حجَّة ابْن حزم حجَّة أُخْرَى، وَهِي حَدِيث: سَبَايَا الْأُمَم فِي "ابْن مَاجَه" وَيرَى - الصحافي - أَنه حسن، مَعَ أَن فِي سَنَده "سويداً"، وَفِيه يَقُول ابْن معِين: حَلَال الدَّم. وَأحمد، مَتْرُوك الحَدِيث، وَفِيه أَيْضا ابْن أبي الرِّجَال، وَهُوَ مَتْرُوك، عِنْد النَّسَائِيّ، ومنكر الحَدِيث، عِنْد البُخَارِيّ، وَيتَصَوَّر فريقين من الْفُقَهَاء، أهل رَأْي، وَأهل حَدِيث، وَلَيْسَ لهَذَا أصل بالمرة، وَإِنَّمَا هَذَا خيال بعض متأخري الشذاذ، أخذا من كَلِمَات بعض جهلة النقَلة، بعد محنة أَحْمد، وَأما مَا وَقع فِي كَلَام إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. وَبَعض أهل طبقته من القَوْل: بِأَن أهل الرَّأْي أَعدَاء السّنَن، فبمعنى الرَّأْي الْمُخَالف للسّنة المتوارثة فِي المعتقد يعنون بِهِ الْخَوَارِج، والقدرية، والمشبهة، وَنَحْوهم من أهل الْبدع، لَا بِمَعْنى الِاجْتِهَاد فِي فروع الْأَحْكَام، وَحمله عَلَى خلاف ذَلِك تَحْرِيف للكلم عَن موَاضعه، فَكيف! وَالنَّخَعِيّ نَفسه، وَابْن المسيِّب نَفسه من أهل القَوْل بِالرَّأْيِ فِي الْفُرُوع، رغم انصراف المتخيلين، خلاف ذَلِك. ويحاول ابْن حزم أَن يكذب كل مَا يرْوَى عَن الصَّحَابَة فِي الْقيَاس، لَا سِيمَا حَدِيث عمر، مَعَ أَن الْخَطِيب، وَغَيره يروون عَنهُ بطرق كَثِيرَة، بِأَلْفَاظ مُتَقَارِبَة، وَكَذَا عَن بَاقِي الصَّحَابَة، قَالَ الْخَطِيب، بعد أَن رَوَى حَدِيث معَاذ فِي اجْتِهَاد الرَّأْي فِي "الْفَقِيه والمتفقه": وَقَول الْحَارِث بن عَمْرو عَن أنَاس من أَصْحَاب معَاذ، يدل عَلَى شهرة الحَدِيث، وَكَثْرَة رُوَاته، وَقد عرف فضل معَاذ، وزهده وَالظَّاهِر من حَال أَصْحَابه، الدِّين، والثقة، والزهد، وَالصَّلَاح، وَقد قيل: إِن عبَادَة بن نسى، رَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم عَن معَاذ، وَهَذَا إِسْنَاد مُتَّصِل، وَرِجَاله معروفون بالثقة، عَلَى أَن أهل الْعلم قد تقبلوه، وَاحْتَجُّوا بِهِ، فوقفنا بذلك عَلَى صِحَّته عِنْدهم، اهـ. وَمثله بل مَا هُوَ أَوْفَى مِنْهُ، مَذْكُور فِي فُصُول أبي بكر الرَّازِيّ، وَقد سبقت كَلمته فِي "نفاة الْقيَاس"، وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع بسط لذَلِك، فَليُرَاجع فُصُول أبي بكر الرَّازِيّ. و"الْفَقِيه والمتفقه" - للخطيب، من أَرَادَ معرفَة طرق الرِّوَايَات القاضية عَلَى مجازفات الظَّاهِرِيَّة، وأذيالهم وَلَعَلَّ هَذَا الْقدر كَاف هَاهُنَا.
__________
(1) تَنْبِيه عَلَى رد مَا قَالَه بعض أهل الْعَصْر فِي بعض كتبه. "البنوري".(/)
الِاسْتِحْسَان
- ظن أنَاس مِمَّن لم يمارس الْعلم، وَلم يُؤْت الْفَهم، أَن الِاسْتِحْسَان عِنْد الْحَنَفِيَّة هُوَ الحكم بِمَا يشتهيه الْإِنْسَان، ويهواه ويلذه، حَتَّى فسره ابْن حزم فِي "أَحْكَامه" بِأَنَّهُ مَا اشتهته النَّفس ووافقتها، خطأ، أَو صَوَابا، لَكِن لَا يَقُول بِمثل هَذَا الِاسْتِحْسَان فَقِيه من الْفُقَهَاء، فَلَو كَانَ هَذَا مُرَاد الْحَنَفِيَّة بالاستحسان، لَكَانَ للمخالفين، ملْء الْحق، فِي تقريعهم، وَالرَّدّ عَلَيْهِم، إِلَّا أَن الْمُخَالفين ساءت ظنونهم، وطاشت أحلامهم، ففوَّقوا سهاماً إِلَيْهِم، ترتد إِلَى أنفسهم، وَذَلِكَ لتقاصر أفهامهم عَن إِدْرَاك مرامهم، ودقة مدرك هَذَا الْبَحْث فِي حد ذَاته، وايس بَين الْقَائِلين بِالْقِيَاسِ من لَا يستحسن بِالْمَعْنَى الَّذِي يُريدهُ الْحَنَفِيَّة، وَهَذَا الْموضع لَا يَتَّسِع لذكر نماذج من مَذَاهِب الْفُقَهَاء، فِي الْأَخْذ بالاستحسان، وَإِبْطَال الِاسْتِحْسَان مَا هُوَ إِلَّا سبق قلم من الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ، فَلَو صحت حججه فِي إبِْطَال الِاسْتِحْسَان، لقضت عَلَى الْقيَاس الَّذِي هُوَ مذْهبه، قبل أَن يقْضِي عَلَى الِاسْتِحْسَان.
وَمن الحكايات الطريفة فِي هَذَا الْبَاب، مَا يرْوَى عَن إِبْرَاهِيم بن جَابر، أَنه لما سَأَلَهُ أحد كبار الْقُضَاة فِي عهد المتقي لله العباسي، عَن سَبَب انْتِقَاله من مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَى مَذْهَب أهل الظَّاهِر، جاوبه قَائِلا: "إِنِّي قَرَأت إبِْطَال الِاسْتِحْسَان للشَّافِعِيّ، فرأيته صَحِيحا فِي مَعْنَاهُ، إِلَّا أَن جَمِيع مَا احْتج بِهِ فِي إبِْطَال الِاسْتِحْسَان هُوَ بِعَيْنِه يبطل الْقيَاس، فصح بِهِ عِنْدِي بُطْلَانه"، كَأَنَّهُ لم يرد أَن يَبْقَى فِي مَذْهَب يهد بعضه بَعْضًا، فانتقل إِلَى مَذْهَب يبطلهما مَعًا، لَكِن الْقيَاس، وَالِاسْتِحْسَان كِلَاهُمَا بِخَير، لم يبطل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْمَعْنَى الَّذِي يُريدهُ الْقَائِلُونَ بهما، بل الْخلاف بَين أهل الْقيَاس فِي الِاسْتِحْسَان، لَفْظِي بحت، وأود أَن أسوق بعض كَلِمَات من فُصُول أبي بكر الرَّازِيّ، لتنوير الْمَسْأَلَة، لِأَنَّهُ من أحسن من تكلم فِيهِ بإِسهاب مَفْهُوم - فِيمَا أعلم -، وَهُوَ يَقُول فِي الْفُصُول فِي بحث الِاسْتِحْسَان: "وَجَمِيع مَا يَقُول فِيهِ أَصْحَابنَا بالاستحسان، فَإِنَّهُم قَالُوهُ مَقْرُونا بدلائله وحججه، لَا عَلَى جِهَة الشَّهْوَة، وَاتِّبَاع الْهَوَى، ووجوه دَلَائِل مسَائِل الِاسْتِحْسَان مَوْجُودَة فِي الْكتب الَّتِي عملناها، فِي شرح كتب أَصْحَابنَا، وَنحن نذْكر هُنَا جملَة تُفْضِي بالناظر فِيهَا إِلَى معرفَة حَقِيقَة قَوْلهم فِي هَذَا الْبَاب، بعد تقدمة القَوْل فِي جَوَاز إِطْلَاق لفظ الِاسْتِحْسَان، فَنَقُول: لما كَانَ ماحسَّنه الله تَعَالَى بإقامته الدَّلَائِل عَلَى حسنه، مستحسناً، جَازَ لنا إِطْلَاق لفظ الِاسْتِحْسَان، فِيمَا قَامَت الدّلَالَة بِصِحَّتِهِ، وَقد ندب الله تَعَالَى إِلَى فعاله، وَأوجب الْهِدَايَة لفَاعِله، فَقَالَ عز من قَائِل: {فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اْلقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ، وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ} وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود، وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ "مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا، فَهُوَ عِنْد الله حسن، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ سَيِّئًا، فَهُوَ عِنْد الله سيء"، فَإِذا كُنَّا قد وجدنَا لهَذَا اللَّفْظ أصلا فِي الْكتاب، وَالسّنة، لم يمْنَع إِطْلَاقه فِي بعض مَا قَامَت عَلَيْهِ الدّلَالَة بِصِحَّتِهِ عَلَى جِهَة تَعْرِيف الْمَعْنى وإفهام المُرَاد ... ثمَّ لَيْسَ يَخْلُو العائب للاستحسان من أَن ينازعنا فِي اللَّفْظ، أَو فِي الْمَعْنى، فَإِن نازعنا فِي اللَّفْظ، فاللفظ مُسَلم لَهُ، فليعبر هُوَ بِمَا شَاءَ، عَلَى أَنه لَيْسَ للمنازعة فِي اللَّفْظ وَجه، لِأَن لكل أحد أَن يعبر عَن الْمَعْنى بِمَا عقله من الْمَعْنى، بِمَا شَاءَ من الْأَلْفَاظ، لَا سِيمَا بِلَفْظ يُطَابق مَعْنَاهُ فِي الشَّرْع، وَفِي اللُّغَة، وَقد يعبر الْإِنْسَان عَن الْمَعْنى بِالْعَرَبِيَّةِ تَارَة، وبالفارسية أُخْرَى، فَلَا ننكره، وَقد أطلق الْفُقَهَاء لفظ الِاسْتِحْسَان فِي كثير من الْأَشْيَاء، وَقد رُوِيَ عَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة أَنه قَالَ: "قيسوا الْقَضَاء، مَا صلح النَّاس، فَإِذا فسدوا، فاستحسنوا"، وَلَفظ الِاسْتِحْسَان مَوْجُود فِي كتب مَالك بن أنس، وَقَالَ الشَّافِعِي: أستحسن أَن تكون الْمُتْعَة ثَلَاثِينَ درهما، فَسقط بِمَا قُلْنَا، الْمُنَازعَة فِي إِطْلَاق الِاسْم، أَو مَنعه، وَإِن نازعنا فِي الْمَعْنى، فَإِنَّمَا لم يسلم خصمنا تَسْلِيم الْمَعْنى لنا، بِغَيْر دلَالَة، وَقد اصطحب جَمِيع الْمعَانِي الَّتِي تذكرها، مِمَّا ينتظمه لفظ الِاسْتِحْسَان، عِنْد أَصْحَابنَا، إِقَامَة الدّلَالَة عَلَى صِحَّته، وإثباته بحجته، وَلَفظ الِاسْتِحْسَان يكتنفه مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: اسْتِعْمَال الِاجْتِهَاد، وَغَلَبَة الرَّأْي فِي إِثْبَات الْمَقَادِير، الموكولة إِلَى اجتهادنا وآرائنا، نَحْو تَقْدِير مُتْعَة المطلقات، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَمَتِّعُوهُنَّ، عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقَّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} ، فأوجبها عَلَى مِقْدَار يسَار الرجل وإعساره، ومقدارهما غير مَعْلُوم، إِلَّا من جِهَة أغلب الرَّأْي، وَأكْثر الظَّن، ونظيرها أَيْضا، نفقات الزَّوْجَات، قَالَ الله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهًنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، وَلَا سَبِيل إِلَى إِثْبَات الْمَعْرُوف من ذَلِك، إِلَّا من طَرِيق الِاجْتِهَاد، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً، فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكينَ، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامَاً} ، ثمَّ لَا يَخْلُو الْمثل المُرَاد بِالْآيَةِ، من أَن يكون الْقيمَة، أَو النظير من النَّعَم عَلَى حسب اخْتِلَاف الْفُقَهَاء فِيهِ، وَأيهمَا كَانَ، فَهُوَ موكول إِلَى اجْتِهَاد العَدْلَين، وَكَذَلِكَ أُروش الْجِنَايَات الَّتِي لم يرد فِي مقاديرها نَص، وَلَا اتِّفَاق، وَلَا تعرف إِلَّا من طَرِيق الِاجْتِهَاد، ونظائرها فِي الْأُصُول أَكثر من أَن تحصى، وَإِنَّمَا ذكرنَا مِنْهَا مِثَالا يسْتَدلّ بِهِ عَلَى نَظَائِره، فَسَمَّى أَصْحَابنَا هَذَا الضَّرْب من الِاجْتِهَاد اسْتِحْسَانًا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنى خلاف بَين الْفُقَهَاء، وَلَا يُمكن أحدا مِنْهُم القَوْل بِخِلَافِهِ، وَأما الْمَعْنى الآخر من ضربي الِاسْتِحْسَان، فَهُوَ ترك الْقيَاس، إِلَى مَا هُوَ أولَى مِنْهُ، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون فرع يتجاذبه أصلان، يَأْخُذ الشّبَه من كل وَاحِد مِنْهُمَا، فَيجب إِلْحَاقه بِأَحَدِهِمَا، دون الآخر، لدلَالَة توجبه، فسموا ذَلِك اسْتِحْسَانًا، اذ لَو لم يعرض شبه للْوَجْه الثَّانِي، لَكَانَ لَهُ شبه من الأَصْل الآخرْ، فَيجب إِلْحَاقه بِهِ، وأغمض مَا يَجِيء من مسَائِل الْفُرُوع، وأدقها مسلكاً، مَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل، ووقف هَذَا الْموقف، لِأَنَّهُ مُحْتَاج فِي تَرْجِيح أحد الْوَجْهَيْنِ عَلَى الآخر، إِلَى إنعام النّظر، وَاسْتِعْمَال الْفِكر، والروية فِي إِلْحَاقه بِأحد الْأَصْلَيْنِ دون الآخر فنظير الْفَرْع الَّذِي يتجاذبه أصلان، فَيلْحق بِأَحَدِهِمَا دون الآخر، مَا قَالَ أَصْحَابنَا، فِي الرجل يَقُول لامْرَأَته: إِذا حِضْت، فَأَنت طَالِق، فَتَقول: قد حِضْت: إِن الْقيَاس أَن لَا تصدق حَتَّى يعلم وجود الْحيض مِنْهَا، أَو يصدقها الزَّوْج، إِلَّا أَنا نستحسن، فنوقع الطَّلَاق. قَالَ مُحَمَّد: وَقد ندخلُ فِي هَذَا الِاسْتِحْسَان بعض الْقيَاس، قَالَ أَبُو بكر: أما قَوْله: إِن الْقيَاس أَن لَا تصدق، فَإِن وَجهه أَنه قد ثَبت بِأَصْل مُتَّفق عَلَيْهِ، إِن الْمَرْأَة لَا تصدق فِي مثله فِي إِيقَاع الطَّلَاق عَلَيْهَا، وَهُوَ: الرجل يَقُول لامراته: إِن دخلت الدَّار، فَأَنت طَالِق، وَإِن كلمت زيداُ، فَأَنت طَالِق، فَقَالَت بعد ذَلِك: قد دَخَلتهَا بعد الْيَمين، أَو كلمت زيدا، وكذبها الزَّوْج، إِنَّهَا لَا تصدق، وَلَا تطلق حَتَّى يعلم ذَلِك بِبَيِّنَة، أَو بِإِقْرَار الزَّوْج، فَكَانَ قِيَاس هَذَا الأَصْل يُوجب أَن لَا تصدق فِي وجود الْحيض، الَّذِي جعله الزَّوْج شرطا لإيقاع الطَّلَاق، وكما أَنه لَو قَالَ لَهَا: إِذا حِضْت، فَإِن عَبدِي حر، أَو قَالَ فامرأتي الْأُخْرَى طَالِق، فَقَالَت: حِضْت، وكذبها الزَّوْج، لم يعْتق العَبْد، وَلم تطلق الْمَرْأَة الْأُخْرَى، فقد أخذت هَذِه الْحَادِثَة شبها من هَذِه الْأُصُول الَّتِي ذكرنَا، فَلَو لم يكن لهَذِهِ الْحَادِثَة غير هَذِه الْأُصُول لَكَانَ سَبِيلهَا أَن تلْحق بهَا، وَيحكم لَهَا بحكمها، إِلَّا أَنه قد عرض لَهَا أصل آخر، منع إلحاقها بِالْأَصْلِ الَّذِي ذكرنَا، وَأوجب إلحاقها بِالْأَصْلِ الثَّانِي، وَهُوَ أَن الله تَعَالَى لما قَالَ: {وَلا يَحِلُّ لُهَنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} ، وَرُوِيَ عَن السّلف، أَنه أَرَادَ: من الْحيض وَالْحَبل.
وَعَن أبيّ بن كَعْب أَنه قَالَ: "من الْأَمَانَة أَن ائتمنت الْمَرْأَة عَلَى فرجهَا"، دَلَّ، وعظه إِيَّاهَا، وَنَهْيه لَهَا عَن الكتمان، عَلَى قبُول قَوْلهَا فِي بَرَاءَة رَحمهَا من الْحَبل، وشغلها بِهِ، وَوُجُود الْحيض وَعَدَمه، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْن: {فَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} ، فوعظه وَنَهَاهُ عَن البخس وَالنُّقْصَان، علم أَن الْمرجع إِلَى قَوْله فِي مِقْدَار الدَّيْن، فَصَارَت الْآيَة الَّتِي قدمنَا أصلا فِي قبُول قَول الْمَرْأَة، إِذا قَالَت: أَنا حَائِض، وَتَحْرِيم وَطئهَا فِي هَذِه الْحَال، فَإِنَّهَا إِذا قَالَت: قد طهرت، حل لزَوجهَا قربهَا، وَكَذَلِكَ إِذا قَالَت، وَهِي مُعْتَدَّة: قد انْقَضتْ عدتي، صدقت فِي ذَلِك، وانقطعت رَجْعَة الزَّوْج عَنْهَا، وَانْقِطَاع الزَّوْجِيَّة بَينهمَا. وَكَانَ الْمَعْنى فِي ذَلِك أَن انْقِضَاء الْعدة بِالْحيضِ مَعْنَى يَخُصهَا، وَلَا يعلم إِلَّا من جِهَتهَا، فَيُوجب عَلَى ذَلِك إِذا قَالَ الزَّوْج: إِذا حِضْت، فَأَنت طَالِق، فقد قَالَت: قد حِضْت، أَن تصدق فِي بَاب وُقُوع الطَّلَاق عَلَيْهَا، كَمَا صدقت فِي انْقِضَاء الْعدة، مَعَ إِنْكَار الزَّوْج، لِأَن ذَلِك مَعْنَى يَخُصهَا، أَعنِي أَن الْحيض لَا يعلم وجوده إِلَّا من جِهَتهَا، وَلَا يطلع عَلَيْهِ غَيرهَا، وَلأَجل ذَلِك أَنَّهَا لَا تصدق عَلَى وجود الْحيض، إِذا علق بِهِ طَلَاق غَيرهَا، أَو علق بِهِ عتق العَبْد، لِأَنَّهُ إِنَّمَا جعل قَوْلهَا كالبينة فِي الْأَحْكَام الَّتِي تخصها، دون غَيرهَا، أَلا ترَى أَنهم قَالُوا: إِن الزَّوْج لَو قَالَ: قد أَخْبَرتنِي أَن عدتهَا انْقَضتْ، وَأَن أُرِيد أَن أَتزوّج أُخْتهَا، كَانَ لَهُ ذَلِك، وَلَا تصدق هِيَ عَلَى بَقَاء الْعدة فِي حق غَيرهَا، وَتَكون عدتهَا بَاقِيَة فِي حَقّهَا، وَلَا تسْقط نَفَقَتهَا، فَصَارَ كقولها: قد حِضْت، وَله حكمان: أَحدهمَا: فِيمَا يَخُصهَا، وَيتَعَلَّق بهَا. وانقضاء عدتهَا، وَمَا جَرَى مجْرى ذَلِك، فيجل قَوْله فِيهِ كالبينة، وَالْآخر: فِي طَلَاق غَيرهَا، أَو عتق العَبْد، فَصَارَت فِي هَذِه الْحَال شاهدة، كإخبارها بِدُخُول الدَّار، وَكَلَام زيد إِذا علق بِهِ الْعتْق، أَو الطَّلَاق، اهـ.
ثمَّ ضرب أَبُو بكر الرَّازِيّ أَمْثَالًا كَثِيرَة، مِمَّا يكون فِيهِ لقولها حكمان من الْوَجْهَيْنِ، وأجاد فِي ذكر النَّظَائِر، إِلَى أَن أَتَى دور الْكَلَام فِي الْقسم الآخر من الِاسْتِحْسَان، وَهُوَ تَخْصِيص الحكم مَعَ وجود الْعلَّة، وَشَرحه شرحاُ ينثلج بِهِ الصَّدْر، وَلَا يدع شكا لمرتاب، فِي أَن هَذَا الْقسم من الِاسْتِحْسَان، مقرون أَيْضا فِي جَمِيع الْفُرُوع، بِدلَالَة ناهضة، من نَص. أَو إِجْمَاع. أَو قِيَاس آخر يُوجب حكما سواهُ فِي الْحَادِثَة، وَهَذَا الْقدر يَكْفِي فِي لفت النّظر، إِلَى أَن قَول الْخُصُوم فِي الِاسْتِحْسَان بعيد عَن الوجاهة.(/)
شُرُوط قبُول الْأَخْبَار
يرَى الْحَنَفِيَّة قبُول الْخَبَر الْمُرْسل إِذا كَانَ مرسله ثِقَة، كالخبر الْمسند، وَعَلِيهِ جرت جمهرة فُقَهَاء الْأمة، من الصَّحَابَة، وَالتَّابِعِينَ، وتابعيهم، إِلَى رَأس الْمِائَتَيْنِ، وَلَا شكّ أَن إغفال الْأَخْذ بالمرسل - وَلَا سِيمَا مُرْسل كبار التَّابِعين - تَرْكٌ لشطر السُّنَّة. قَالَ أَبُو دَاوُد صَاحب "السّنَن" فِي رسَالَته إِلَى أهل مَكَّة المتداولة بَين أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ: "وَأما الْمَرَاسِيل، فقد كَانَ يحْتَج بهَا الْعلمَاء، فِيمَا مَضَى، مثل سُفْيَان الثَّوْريّ. وَمَالك بن أنس، وَالْأَوْزَاعِيّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي، فَتكلم فِيهِ"، وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: "لم يزل النَّاس عَلَى الْعَمَل بالمرسل، وقبوله، حَتَّى حدث بعد الْمِائَتَيْنِ القَوْل برده" كَمَا فِي "أَحْكَام الْمَرَاسِيل" - للصلاح العلائي، وَفِي كَلَام ابْن عبد الْبر مَا يَقْتَضِي أَن ذَلِك إِجْمَاع، ومناقشة من ناقشهم بِأَنَّهُ يُوجد بَين السّلف من يُحَاسب بعض من أرسل محاسبة غير عسيرة، مناقشة فِي غير محلهَا، لِأَن تِلْكَ المحاسبة إِنَّمَا هِيَ من عدم الثِّقَة بالراوي الْمُرْسل، كَمَا ترَى مثل هَذِه المحاسبة فِي حق بعض المسندين، فَإِذن لَيست الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة إِسْنَاد وإرسال، بل هِيَ مَسْأَلَة الثِّقَة بالراوي، وَالشَّافِعِيّ، لما رد الْمُرْسل، وَخَالف من تقدمه اضْطَرَبَتْ أَقْوَاله، فَمرَّة قَالَ: إِنَّه لَيْسَ بِحجَّة مُطلقًا، إِلَّا مَرَاسِيل ابْن المسيِّب، ثمَّ اضْطر إِلَى رد مَرَاسِيل ابْن المسيِّب نَفسه فِي مسَائِل، ذكرتها فِيمَا علقت عَلَى طَبَقَات الْحفاظ، ثمَّ إِلَى الْأَخْذ بمراسيل الآخرين، ثمَّ قَالَ بحجية الْمُرْسل عِنْد الاعتضاد، وَلذَلِك تَعب أَمْثَال الْبَيْهَقِيّ فِي التَّخَلُّص من هَذَا الِاضْطِرَاب، وركبوا الصعب، وَفِي "مُسْند" الشَّافِعِي نَفسه مَرَاسِيل كَثِيرَة، بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ الَّذِي هُوَ الْمَعْرُوف بَين السّلف، وَفِي "موطأ مَالك"، نَحْو ثَلَاثمِائَة حَدِيث مُرْسل، وَهَذَا الْقدر أَكثر من نصف مسانيد "الْمُوَطَّأ" وَمَا فِي أَحْكَام الْمَرَاسِيل للصلاح العلائي من البحوث فِي الْإِرْسَال، جُزْء يسير، مِمَّا لأهل الشان من الْأَخْذ وَالرَّدّ فِي ذَلِك، وَفِيمَا علقناه عَلَى شُرُوط الْأَئِمَّة الْخَمْسَة، وَجه التَّوْفِيق بَين قَول الْفُقَهَاء بتصحيح الْمُرْسل، وَقَول متأخري أهل الرِّوَايَة بتضعيفه، مَعَ نوع من الْبسط فِي الِاحْتِجَاج بالمرسل، بل البُخَارِيّ نَفسه ترَاهُ يسْتَدلّ فِي كتبه بالمراسيل، وَكَذَا مُسلم فِي الْمُقدمَة، وجزء الدّباغ، وَلَا يتَحَمَّل هَذَا الْموضع لبسط الْمقَال فِي ذَلِك بِأَكْثَرَ من هَذَا. وَمن شُرُوط قبُول الْأَخْبَار عِنْد الْحَنَفِيَّة مُسندَة، كَانَت، أَو مُرْسلَة، أَن لَا تشذ عَن الْأُصُول المجتمعة عِنْدهم، وَذَلِكَ أَن هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء بالغوا فِي استقصاء موارد النُّصُوص من الْكتاب وَالسّنة، وأقضية الصَّحَابَة، إِلَى أَن أرجعوا النَّظَائِر الْمَنْصُوص عَلَيْهَا، والمتلقاة بِالْقبُولِ إِلَى أصل تتفرع هِيَ مِنْهُ، وَقَاعِدَة تندرج تِلْكَ النَّظَائِر تحتهَا، وَهَكَذَا فعلوا فِي النَّظَائِر الْأُخْرَى، إِلَى أَن أَتموا الفحص والاستقراء، فاجتمعت عِنْدهم أصُول - مَوضِع بَيَانهَا، كتب الْقَوَاعِد والفروق - يعرضون عَلَيْهَا أَخْبَار الْآحَاد، فَإِذا ندت الْأَخْبَار عَن تِلْكَ الْأُصُول، وشذت، يعدونها مناهضة لما هُوَ أَقْوَى ثبوتاً مِنْهَا، وَهُوَ الأَصْل المؤصل من تتبع موارد الشَّرْع الْجَارِي مجْرى خبر الكافة، والطَّحَاوِي كثير المراعاة لهَذِهِ الْقَاعِدَة فِي كتبه، ويظن من لَا خبْرَة عِنْده أَن ذَلِك تَرْجِيح مِنْهُ لبَعض الرِّوَايَات عَلَى بَعْضهَا بِالْقِيَاسِ، وَآفَة هَذَا الشذوذ الْمَعْنَوِيّ فِي الْغَالِب، كَثْرَة اجتراء الروَاة عَلَى الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى، بِحَيْثُ تخل بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيّ، وَهَذِه قَاعِدَة دقيقة، يتعرف بهَا البارعون فِي الْفِقْه مَوَاطِن الضعْف، والنتوء فِي كثير من الرِّوَايَات، فيرجعون الْحق إِلَى نصابه بعد مضاعفة النّظر فِي ذَلِك، وَلَهُم أَيْضا مدارك أُخْرَى فِي علل الحَدِيث دقيقة، لَا ينتبه إِلَيْهَا دهماء النقَلة، وللعمل المتوارث عِنْدهم شَأْن يختبر بِهِ صِحَة كثير من الْأَخْبَار، وَلَيْسَ هَذَا الشَّأْن بمختص بِعَمَل أهل الْمَدِينَة، بل الْأَمْصَار الَّتِي نزلها الصَّحَابَة وسكنوها، وَلَهُم بهَا أَصْحَاب، وَأَصْحَاب أَصْحَاب. سَوَاء فِي ذَلِك - وَفِي رِسَالَة اللَّيْث إِلَى مَالك، مَا يُشِير إِلَى ذَلِك -.
وَمن الْقَوَاعِد المرضية، عِنْد أبي حنيفَة أَيْضا اشْتِرَاط اسْتِدَامَة الْحِفْظ من آن التَّحَمُّل إِلَى آن الْأَدَاء، وَعدم الِاعْتِدَاد بِالْحِفْظِ، إِذا لم يكن الرَّاوِي ذَاكِرًا لمرويه، كَمَا فِي "الإِلماع" - للْقَاضِي عِيَاض. وَغَيره، وَكَذَلِكَ اقْتِصَار تسويغ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى عَلَى الْفَقِيه، مِمَّا يرَاهُ أَبُو حنيفَة حتما. وَمن قواعدهم أَيْضا مُرَاعَاة مَرَاتِب الْأَدِلَّة فِي الثُّبُوت، وَالدّلَالَة، فللقطعي ثبوتاً. أَو دلَالَة مرتبته، وللظني كَذَلِك حكمه عِنْدهم، فَلَا يقبلُونَ خبر الْآحَاد إِذا خَالف الْكتاب، وَلَا يعدون بَيَان الْمُجْمل بِهِ فِي شَيْء من الْمُخَالفَة للْكتاب، فَلَا يكون بَيَان الْمُجْمل بِخَبَر الْآحَاد من قبيل الزِّيَادَة عَلَى الْكتاب عِنْدهم، وَإِن أورد بعض المشاغبين مَا هُوَ من قبيل الْبَيَان عَلَى قَاعِدَة الزِّيَادَة، تعنتاً، وجهلاً بالفارق، وَمن قواعدهم أَيْضا رد خبر الْآحَاد فِي الْأُمُور المحتمة الَّتِي تعم بهَا الْبَلْوَى، وتتوفر فِيهَا الدَّوَاعِي إِلَى نقلهَا بطرِيق الاستفاضة، حَيْثُ يعدون ذَلِك مِمَّا تكذبه شَوَاهِد الْحَال، وَاشْتِرَاط شهرة الْخَبَر عِنْد طوائف الْفُقَهَاء. وَيَقُول ابْن رَجَب: إِن أَبَا حنيفَة يرَى أَن الثِّقَات إِذا اخْتلفُوا فِي خبرٍ، زِيَادَة، أَو نقصا، فِي الْمَتْن، أَو السَّنَد، فالزائد مَرْدُود إِلَى النَّاقِص، إِلَى غير ذَلِك من قَوَاعِد رصينة، أَقَامُوا الْحجَج عَلَى كل مِنْهَا، فِي كتب الْأُصُول المبسوطة، فَمن يقبل الحَدِيث عَن كل من دَبَّ وهبَّ، فِي عهد ذيوع الْفِتَن، وشيوع الْكَذِب، بِنَصّ الرَّسُول صلوَات الله عَلَيْهِ، يظنّ بهم أَنهم يخالفون الحَدِيث، لَكِن الْأَمر لَيْسَ كَذَلِك، بل عمدتهم الْآثَار فِي التأصيل، والتفريع، كَمَا يظْهر ذَلِك لمن أحسن الْبَحْث، ووُفق للإجادة فِي الْمُقَارنَة والموازنة، من غير أَن يستسلم للهوى، والتقليد الْأَعْمَى، والله سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُوفق.(/)
منزلَة الْكُوفَة من عُلُوم الِاجْتِهَاد
وَلَا بدَّ هُنَا من استعراض مَا كَانَت عَلَيْهِ الْكُوفَة، من عهد بنائها إِلَى زمن أبي حنيفَة، ليعلم من لَا يعلم وَجه امتيازها عَن بَاقِي الْأَمْصَار، فِي تِلْكَ العصور، حَتَّى أَصبَحت مشرق الْفِقْه الناضج، المتلاطم الْأَنْوَار، فَأَقُول: لَا يخْفَى أَن الْمَدِينَة المنورة زَادهَا الله تَشْرِيفًا - كَانَت مهبط الْوَحْي، ومستقر جمهرة الصَّحَابَة - رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ - إِلَى أَوَاخِر عهد ثَالِث الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، خلا الَّذين رحلوا إِلَى شواسع الْبلدَانِ للْجِهَاد وَنشر الدَّين، وتفقيه الْمُسلمين، وَلما ولي الْفَارُوق رَضِي الله عَنهُ، وافتتح الْعرَاق فِي عَهده، بِيَد سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ، أَمر عمر بِبِنَاء الْكُوفَة، فبنيت سنة 17 هـ، وأسكن حولهَا الفصح من قبائل الْعَرَب، وَبعث عمر رَضِي الله عَنهُ عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ، إِلَى الْكُوفَة، ليعلم أَهلهَا الْقُرْآن، ويفقههم فِي الدَّين، قَائِلا لَهُم: "وَقد آثرتكم بِعَبْد الله عَلَى نَفسِي" وَعبد الله هَذَا مَنْزِلَته فِي الْعلم بَين الصَّحَابَة عَظِيمَة جدا، بِحَيْثُ لَا يَسْتَغْنِي عَن علمه - مثل عمر - فِي فقهه، ويقظته، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ عمر: "كُنَيْفٌ ملئ فقهاً"، وَفِي رِوَايَة "علما"، وَفِيه ورد حَدِيث: "إِنِّي رضيت لأمتي مَا رَضِي لَهَا ابْن أم عبد"، وَحَدِيث: "وتمسكوا بِعَهْد ابْن مَسْعُود"، وَحَدِيث: "من أَرَادَ أَن يقْرَأ الْقُرْآن غضاً، كَمَا أنزل، فليقرأه عَلَى قِرَاءَة ابْن أم عبد"، وَقَالَ النَّبِي صلوَات الله عَلَيْهِ: "خُذُوا الْقُرْآن من أَرْبَعَة"، وَذكر ابْن مَسْعُود فِي صدر الْأَرْبَعَة، وَقَالَ حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ: "كَانَ أقرب النَّاس هَديا، ودلاً، وسمتاً، برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن مَسْعُود، حَتَّى يتَوَارَى منا فِي بَيته، وَلَقَد علم المحفظون من أَصْحَاب مُحَمَّد أَن ابْن أم عبد، هُوَ أقربهم إِلَى الله زلفى"، وَحُذَيْفَة حُذَيْفَة، وَمَا ورد فِي فضل ابْن مَسْعُود، فِي - كتب السّنة - شَيْء كثير جدا، فَابْن مَسْعُود عُني بتفقيه أهل الْكُوفَة، وتعليمهم الْقُرْآن من سنة بِنَاء الْكُوفَة، إِلَى أَوَاخِر خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ، عناية لَا مزِيد عَلَيْهَا، إِلَى أَن امْتَلَأت الْكُوفَة بالقراء، وَالْفُقَهَاء الْمُحدثين، بِحَيْثُ أبلغ بعض ثِقَات أهل الْعلم عدد من تفقه عَلَيْهِ، وَعَلَى أَصْحَابه، نَحْو أَرْبَعَة آلَاف عَالم، وَكَانَ هُنَاكَ مَعَه أَمْثَال سعد بن مَالك - أبي وَقاص - وَحُذَيْفَة، وعمار، وسلمان، وَأبي مُوسَى، من أصفياء الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، يساعدونه فِي مهمته، حَتَّى إِن عَلّي بن أبي طَالب كرم الله وَجهه، لما انْتقل إِلَى الْكُوفَة سُرَّ من كَثْرَة فقهائها، وَقَالَ: "رحم الله ابْن أم عبد، قد مَلأ هَذِه الْقرْيَة علما" وَفِي لفظ: "أَصْحَاب ابْن مَسْعُود، سُرُج هَذِه الْقرْيَة" وَلم يكن بَاب مَدِينَة الْعلم، بِأَقَلّ عناية بِالْعلمِ مِنْهُ، فوالى تفقيههم، إِلَى أَن أَصبَحت الْكُوفَة لَا مثيل لَهَا فِي أَمْصَار الْمُسلمين، فِي كَثْرَة فقهائها، ومحدثيها، والقائمين بعلوم الْقُرْآن، وعلوم اللُّغَة الْعَرَبيَّة فِيهَا، بعد أَن اتخذها عَلّي بن أبي طَالب كرم الله وَجهه، عَاصِمَة الْخلَافَة، وَبعد أَن انْتقل إِلَيْهَا أقوياء الصَّحَابَة، وفقهاؤهم، وبينما ترَى مُحَمَّد بن الرّبيع الجيزي، والسيوطي لَا يستطيعان أَن يذكرَا من الصَّحَابَة الَّذين نزلُوا مصر إِلَّا نَحْو ثَلَاثمِائَة صَحَابِيّ، تَجِد الْعجلِيّ يذكر أَنه توطن الْكُوفَة وَحدهَا، من الصَّحَابَة، نَحْو ألف وَخَمْسمِائة صَحَابِيّ، بَينهم نَحْو سبعين بَدْرِيًّا، سُوَى من أَقَامَ بهَا، وَنشر الْعلم بَين ربوعها، ثمَّ انْتقل إِلَى بلد آخر، فضلا عَن بَاقِي بِلَاد الْعرَاق، وَمَا يرْوَى عَن ربيعَة وَمَالك من الْكَلِمَات البتراء فِي أهل الْعرَاق، لَيْسَ بثبات عَنْهُمَا أصلاُ، وجلَّ مقدارهما عَن مثل تِلْكَ المجازفة، ولسنا فِي حَاجَة هُنَا إِلَى شرح ذَلِك، فنكتفي بِالْإِشَارَةِ، فكبار أَصْحَاب عَلّي. وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا بهَا، لَو دونت تراجمهم فِي كتاب خَاص لأتى كتابا ضخماً، والمجال وَاسع جدا لمن يُرِيد أَن يؤلف فِي هَذَا الْمَوْضُوع، وَقد قَالَ مَسْرُوق بن الأجدع التَّابِعِيّ الْكَبِير: "وجدت علم أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْتَهِي إِلَى سِتَّة: إِلَى عَلّي. وَعبد الله. وَعمر. وَزيد بن ثَابت. وَأبي الدَّرْدَاء. وأبيّ بن كَعْب، ثمَّ وجدت علم هَؤُلَاءِ السِّتَّة انْتَهَى إِلَى عليّ، وَعبد الله"، وَقَالَ ابْن جرير: "لم يكن أحد لَهُ أَصْحَاب معرفون، حرروا فتياه ومذاهبه فِي الْفِقْه، غير ابْن مَسْعُود، وَكَانَ يتْرك مذْهبه، وَقَوله، لقَوْل عمر. وَكَانَ لَا يكَاد يُخَالِفهُ فِي شَيْء من مذاهبه، وَيرجع من قَوْله، إِلَى قَوْله" وَكَانَ بَين فُقَهَاء الصَّحَابَة من يُوصي أَصْحَابه بالإلتحاق إِلَى ابْن مَسْعُود، إِقْرَارا مِنْهُم بواسع علمه، كَمَا فعل معَاذ بن جبل، حَيْثُ أَوْصَى صَاحبه عَمْرو بن مَيْمُون الأودي باللحاق بِابْن مَسْعُود، بِالْكُوفَةِ
وَلَا مطمع هُنَا فِي استقصاء ذكر أَسمَاء أَصْحَاب عَلّي. وَابْن مَسْعُود بِالْكُوفَةِ، وَلَكِن لَا بَأْس فِي ذكر بَعضهم هُنَا، فَنَقُول:
1 - مِنْهُم - عُبَيْدَة بن قيس السَّلمَانِي، الْمُتَوفَّى سنة 72 هـ، كَانَ شُرَيْح إِذا اشْتبهَ عَلَيْهِ الْأَمر فِي قَضِيَّة يُرْسل إِلَى السَّلمَانِي هَذَا يستشيره، كَمَا فِي "الْمُحدث المفاصل" - للرامهرمزي، وَشُرَيْح ذَلِك، الْمَعْرُوف بِكَمَال الْيَقَظَة فِي الْفِقْه، وَأَحْكَام الْقَضَاء.
2 - وَمِنْهُم - عَمْرو بن مَيْمُون الأودي، الْمُتَوفَّى سنة 74 هـ، من قدماء أَصْحَاب معَاذ بن جبل كَمَا سبق، معمر مخضرم، أدْرك الْجَاهِلِيَّة، وَحج مائَة عمْرَة وَحجَّة.
3 - وَمِنْهُم - زر بن حُبَيْش، الْمُتَوفَّى سنة 82 هـ، معمر مخضرم، كَانَ يؤم النَّاس فِي التَّرَاوِيح، وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة، وَهُوَ رِوَايَة قِرَاءَة ابْن مَسْعُود، وَمِنْه أَخذهَا عَاصِم، وَقد رَوَاهَا عَنهُ أَبُو بكر بن عَيَّاش، وفيهَا الْفَاتِحَة. والمعوذتان. وَأما مَا يرْوَى عَن ابْن مَسْعُود من الشواذ، فَلَيْسَ بقرَاءَته، وَإِنَّمَا هِيَ أَلْفَاظ رويت عَنهُ فِي صدد التَّفْسِير. فدوَّنها من دَوَّنها فِي عداد الْقِرَاءَة، كَمَا يظْهر من "فَضَائِل الْقُرْآن" - لأبي عبيد، وَكَانَ زر من أعرب النَّاس، وَكَانَ ابْن مَسْعُود يسْأَله عَن الْعَرَبيَّة.
4 - وَمِنْهُم - أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن حبيب السّلمِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 74 هـ، عرض الْقُرْآن عَلَى عليّ كرم الله وَجهه، وَهُوَ عمدته فِي الْقِرَاءَة، وَقد فرَّغ نَفسه لتعليم الْقُرْآن لأهل الْكُوفَة بمسجدها، أَرْبَعِينَ سنة. كَمَا أخرجه أَبُو نعيم بِسَنَدِهِ، وَمِنْه تلقى السبطان الشهيدان، الْقِرَاءَة بِأَمْر أَبِيهِمَا، وَعَاصِم تلقى قِرَاءَة عليٍّ عَنهُ، وَهِي الْقِرَاءَة الَّتِي يَرْوِيهَا حَفْص عَن عَاصِم، وَقِرَاءَة عَاصِم بالطريقين فِي أقْصَى دَرَجَات التَّوَاتُر فِي جَمِيع الطَّبَقَات، وَعرض السّلمِيّ أَيْضا عَلَى عُثْمَان. وَزيد بن ثَابت.
5 - وَمِنْهُم - سُوَيْد بن غَفلَة الْمذْحِجِي، ولد عَام الْفِيل، فصحب أَبَا بكر، وَمن بعده، إِلَى أَن توفّي بِالْكُوفَةِ سنة 82 هـ.
6 - وَمِنْهُم - عَلْقَمَة بن قيس النَّخعِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 62 هـ، وَعنهُ يَقُول ابْن مَسْعُود: "لَا أعلم شَيْئا إِلَّا وعلقمة يُعلمهُ". وَفِي "الْفَاصِل": حَدثنَا الْحسن بن سهل الْعَدوي، من أهل رامهرمز، حَدثنَا عَلّي بن الْأَزْهَر الرَّازِيّ، حَدثنَا جرير عَن قَابُوس، قَالَ: قلت لأبي، كَيفَ تَأتي عَلْقَمَة، وَتَدَع أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟! فَقَالَ: يَا بني، لِأَن أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يستفتونه، وَله رحْلَة إِلَى أبي الدَّرْدَاء بِالشَّام، والى عمر. وَزيد. وَعَائِشَة بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ مِمَّن جمع عُلُوم الْأَمْصَار.
7 - وَمِنْهُم - مَسْرُوق بن الأجدع، عبد الرَّحْمَن الْهَمدَانِي الْمُتَوفَّى سنة 63 هـ، معمر مخضرم، أدْرك الْجَاهِلِيَّة، وَله رحلات وَاسِعَة فِي الْعلم.
8 - وَمِنْهُم - الْأسود بن يزِيد بن قيس النَّخعِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 74، مُعَمر مخضرم، حج ثَمَانِينَ، مَا بَين حجَّة وَعمرَة وَهُوَ ابْن أخي عَلْقَمَة، وَكَانَ خَال إِمَام أهل الْعرَاق، إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ.
9 - وَمِنْهُم - شُرَيْح بن الْحَارِث الْكِنْدِيّ، مُعَمر مخضرم، وَلَي قَضَاء الْكُوفَة فِي عهد عمر، وَاسْتمرّ عَلَى الْقَضَاء، اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة، إِلَى أَيَّام الْحجَّاج، إِلَى أَن توفّي سنة 80 هـ. وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ عليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه: "قُم يَا شُرَيْح! فَأَنت أقضى الْعَرَب" (1) فناهيك بقاض يكون مَرْضيَّ الْقَضَاء فِي عهد الرَّاشِدين، وَفِي الدولة الأموية طول هَذِه الْمدَّة، وَقد غَذَّى بأقضيته الدقيقة، فقه أهل الْكُوفَة، ودربهم عَلَى الْفِقْه العلمي.
10 - وَمِنْهُم - عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، أدْرك مائَة وَعشْرين من الصَّحَابَة، وَوَلِيَ الْقَضَاء، غرق مَعَ ابْن الْأَشْعَث شَهِيدا، سنة 83 هـ.
__________
(1) وَليكن بَين عَيْنَيْك أَنه قَول من ورد فِيهِ "وأقضاهم عليّ"، نعم إِنَّمَا يعرف ذَا الْفضل من النَّاس ذووه. "البنوري".(/)
وَمِنْهُم
11 - عَمْرو بن شُرَحْبِيل الْهَمدَانِي.
12 - وَمرَّة بن شراحبيل.
13 - وَزيد بن صوحان.
14 - والْحَارث بن قيس الْجعْفِيّ.
15 - وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود النَّخعِيّ.
16 - وَعبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.
17 - وخثيمة بن عبد الرَّحْمَن.
18 - وَسَلَمَة بن صُهَيْب.
19 - وَمَالك بن عَامر.
20 - وَعبد الله بن سَخْبَرَة.
21 - وخلاس بن عَمْرو.
22 - وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
23 - وَعبيد بن نَضْلَة.
24 - وَالربيع بن خَيْثَم.
25 - وَعتبَة بن فرقد.
26 - وصلَة بن زفر.
27 - وَهَمَّام بن الْحَارِث.
28 - والْحَارث بن سُوَيْد.
29 - وزاذان أَبُو عَمْرو الْكِنْدِيّ.
30 - وَزيد بن وهب.
31 - وَزِيَاد بن جرير.
32 - وكرودس بن هَانِئ.
33 - وَيزِيد بن مُعَاوِيَة النَّخعِيّ، وَغَيرهم من أصحابهما، وَأكْثر هَؤُلَاءِ لقوا عمر. وَعَائِشَة أَيْضا، وَأخذُوا عَنْهُمَا، وَهَؤُلَاء كَانُوا يفتون بِالْكُوفَةِ، بِمحضر الصَّحَابَة، فَلَو تلِيَ حَدِيث هَؤُلَاءِ، أَو فقههم عَلَى مَجْنُون لأفاق، فَلَا يَسْتَطِيع من يدْرِي مَا يَقُول، أَن يُوَجه أَي مُؤَاخذَة نَحْو حَدِيث هَؤُلَاءِ، وفقههم، وتليهم طبقَة لم يدركوا عليا، وَلَا ابْن مَسْعُود، وَلَكنهُمْ تفقهوا عَلَى أصحابهما، وجمعوا عُلُوم عُلَمَاء الْأَمْصَار إِلَى علومهم، وَمَا ذكره ابْن حزم، مِنْهُم نبذة يسيرَة فَقَط، وَعدد هَؤُلَاءِ فِي غَايَة الْكَثْرَة، وَأمرهمْ فِي نِهَايَة الشُّهْرَة، ولسنا بسبيل سرد أسمائهم إِلَّا أَنا نلفت الأنظار إِلَى عدد الَّذين خَرجُوا مَعَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث، عَلَى الْحجَّاج الثَّقَفِيّ، فِي دير الجماجم، سنة 83 هـ، من الْفُقَهَاء الْقُرَّاء خَاصَّة من أهل الطبقتين، وَبينهمْ أَمْثَال (آ) - أبي البخْترِي سعيد بن فَيْرُوز. (ب) - وَعبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى. (ج) - وَالشعْبِيّ. (د) - وَسَعِيد بن حبير، قَالَ الْجَصَّاص فِي "أَحْكَام الْقُرْآن" ص 71 - 1: وَخرج عَلَيْهِ من الْقُرَّاء أَرْبَعَة آلَاف رجل، هم خِيَار التَّابِعين، وفقهاؤهم، فقاتلوه مَعَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث، اهـ.
فَإِذا نظرت إِلَى عُلَمَاء سَائِر الْأَمْصَار (1) يعدُّ من أحْسنهم حَالا من يُهَاجر أَبَاهُ، وَمن يقبل جوائز الْحُكَّام، ويساير أهل الحكم، وقَلَّ بَينهم من يخْطر لَهُ عَلَى بَال مقاومة الظُّلم، وبذل كل مرتخص وغال فِي هَذَا السَّبِيل، فبذلك أَصبَحت أَحْوَال الْكُوفَة فِي أَمر الدِّين. والخُلُق. وَالْفِقْه. وَعلم الْكتاب. وَالسّنة. واللغة الْعَرَبيَّة ماثلة أَمَام الباحث الْمنصف، فَيحكم بِمَا تمليه النَّصَفة، فِي الموازنة بَين عُلَمَاء الْأَمْصَار. وَهَذَا مِمَّا يَجْعَل للكوفة مركزاً لَا يسامى عَلَى توالي الْقُرُون، وَلَوْلَا ذَلِك لما كَانَت الْكُوفَة معقل أهل الدَّين، يفر اليها المضطهدون، طول أَيَّام الْجور، فِي عهد الأموية.
وَسَعِيد بن جُبَير وَحده، جمع علم ابْن عَبَّاس إِلَى علمه حَتَّى أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول، حينما رَأَى أهل الْكُوفَة يأتونه ليستفتوه: أَلَيْسَ فِيكُم ابْن أم الدهماء؟ يَعْنِي "ابْن جُبَير"، يذكرهم مَا خصّه الله من الْعلم الْوَاسِع، بِحَيْثُ يُغني علمه أهل الْكُوفَة، عَن علم ابْن عَبَّاس.
وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ من أهل هَذِه الطَّبَقَة، قد جمع أشتات عُلُوم هَاتين الطبقتين، بعد أَن تفقه عَلَى عَلْقَمَة، قَالَ أَبُو نعيم: أدْرك إِبْرَاهِيم أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ، وَعَائِشَة، وَمن بعدهمَا، من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، اهـ.
وعامر بن شرَاحِيل الشعبي، الَّذِي يَقُول عَنهُ ابْن عمر، لما رَآهُ يحدث بالمغازي: "لَهو أحفظ لَهَا مني، وَإِن كنت قد شهدتها مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم"، يفضل أَبَا عمرَان إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ هَذَا، عَلَى عُلَمَاء الْأَمْصَار كلهَا، حَيْثُ يَقُول لرجل حضر جنَازَته، عِنْدَمَا توفّي سنة 95 هـ: "دفنتم أفقه النَّاس"، فَقَالَ الرجل: ومِنَ الْحسن؟ قَالَ: أفقه من الْحسن، وَمن أهل الْبَصْرَة، وَمن أهل الْكُوفَة، وَأهل الشَّام، وَأهل الْحجاز، كَمَا أخرجه أَبُو نعيم بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ. وَأهل النَّقْد يعدون مَرَاسِيل النَّخعِيّ صحاحاً، بل يفضلون مراسيله عَلَى مسانيد نَفسه، كَمَا نَص عَلَى ذَلِك ابْن عبد الْبر فِي "التَّمْهِيد"، وَيَقُول الْأَعْمَش": مَا عرضت عَلَى إِبْرَاهِيم حَدِيثا قطّ إِلَّا وجدت عِنْده مِنْهُ شَيْئا، وَقَالَ الْأَعْمَش أَيْضا: كَانَ إِبْرَاهِيم صيرفي الحَدِيث، فَكنت إِذا سَمِعت الحَدِيث من بعض أَصْحَابنَا عرضته عَلَيْهِ، وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد: كَانَ الشّعبِيّ، وَأَبُو الضُّحَى، وَإِبْرَاهِيم، وأصحابنا يَجْتَمعُونَ فِي الْمَسْجِد، فيتذاكرون الحَدِيث، فَإِذا جَاءَتْهُم فتْيا، لَيْسَ عِنْدهم مِنْهَا شَيْء، رموا بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. وَقَالَ الشّعبِيّ، عَن إِبْرَاهِيم: أَنه نَشأ فِي أهل بَيت فقه، فَأخذ فقههم، ثمَّ جالسنا، فَأخذ صفو حديثنا، إِلَى فقه أهل بَيته، فَإِذا نعيته أنعى الْعلم، مَا خلف بعده مثله، وَقَالَ سعيد بن جُبَير: تستفتوني، وَفِيكُمْ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ؟!، وَمِمَّا أخرجه أَبُو نعيم فِي "الْحِلْية": حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد بن حَيَّان حَدثنَا أَبُو أسيد ثَنَا أَبُو مَسْعُود ثَنَا ابْن الْأَصْبَهَانِيّ ثَنَا عثام عَن الْأَعْمَش، قَالَ: مَا رَأَيْت إِبْرَاهِيم يَقُول بِرَأْيهِ فِي شَيْء قطّ. اهـ. وَمثله فِي "ذمّ الْكَلَام" - لِابْنِ مت، فعلَى هَذَا يكون كل مَا يرْوَى عَنهُ من الْأَقْوَال فِي أَبْوَاب الْفِقْه، فِي "آثَار" أبي يُوسُف. و"آثَار" مُحَمَّد بن الْحسن، و"المُصَنّف" لِابْنِ أبي شيبَة، وَغَيرهَا أثرا من الْآثَار.
وَالْحق أَنه كَانَ يروي وَيرَى، فَإِذا رَوَى فَهُوَ الْحجَّة، واذا رَأَى واجتهد، فَهُوَ الْبَحْر الَّذِي لَا تعكره الدّلاء، لتوفر أَسبَاب الِاجْتِهَاد عِنْده بأكملها، بل هُوَ الْقَائِل: "لَا يَسْتَقِيم رَأْي إِلَّا بِرِوَايَة، وَلَا رِوَايَة إِلَّا بِرَأْي" كَمَا أخرجه أَبُو نعيم بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ، وَهِي الطَّرِيقَة المثلى فِي الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ والرأي.
__________
(1) يُشِير الْأُسْتَاذ الْمُحَقق إِلَى مزية الْكُوفَة وعلمائها، علما، وديانة، وورعاً، وتقوى، وَهَذَا مُهِمّ، فاعلمه.(/)
وَقَالَ الْخَطِيب فِي " الْفَقِيه والمتفقه": أخبرنَا أَبُو بشر مُحَمَّد بن عمر الْوَكِيل أخبرنَا عمر بن أَحْمد بن الْوَاعِظ ثَنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة ثَنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش حَدثنِي الْحسن بن عبيد الله النَّخعِيّ، قَالَ: قلت لإِبراهيم: أكل مَا أسمعك تُفْتِي بِهِ سمعته؟ فَقَالَ لي: لَا، قلت: تُفْتِي بِمَا بِمَا لم تسمع؟!، فَقَالَ: سَمِعت الَّذِي سَمِعت، وَجَاءَنِي مَا لم أسمع، فقسته بِالَّذِي سَمِعت، اهـ. وَهَذَا هُوَ الْفِقْه حَقًا، وبمثل هَذَا الإِمَام الْجَلِيل تفقه حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، شيخ أبي حنيفَة، وَكَانَ حَمَّاد شَدِيد الْمُلَازمَة لإِبراهيم، قَالَ أَبُو الشَّيْخ فِي "تَارِيخ أَصْبَهَان": حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بن هَارُون بن سُلَيْمَان بن يَحْيَى بن سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: حَدثنِي أبي عَن جدي، قَالَ: وَجه إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ حماداً، يَوْمًا يَشْتَرِي لَهُ لَحْمًا بدرهم، فِي زنبيل، فَلَقِيَهُ أَبوهُ رَاكِبًا دَابَّة، وبيد حَمَّاد الزنبيل، فزجره، وَرَمَى بِهِ من يَده، فَلَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيم جَاءَ أَصْحَاب الحَدِيث، والخراسانية يدقون عَلَى بَاب مُسلم بن يزِيد - وَالِد حَمَّاد -، فَخرج إِلَيْهِم فِي اللَّيْل بالشمع، فَقَالُوا: لسنا نريدك، نُرِيد ابْنك حماداً، فَدخل إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا بني! قُم إِلَى هَؤُلَاءِ، فقد علمت أَن الزنبيل أَدَّى بك إِلَى هَؤُلَاءِ، اهـ.
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخ، قبيل هَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن الْحسن، قَالَ: سَمِعت ابْن خَالِي عبيد بن مُوسَى، يَقُول سَمِعت جدتي، تَقول عَن جدَّتهَا الْكُبْرَى عَاتِكَة، أُخْت حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: قَالَت: كَانَ النُّعْمَان ببابنا يندف قطننا، ويشري لبننا وبقلنا، وَمَا أشبه ذَلِك، فَكَانَ إِذا جَاءَ الرجل يسْأَله عَن الْمَسْأَلَة، قَالَ: مَا مسألتك؟ قَالَ: كَذَا. وَكَذَا، قَالَ: الْجَواب فِيهَا، كَذَا، ثمَّ يَقُول: عَلَى رِسلك، فَيدْخل إِلَى حَمَّاد، فَيَقُول لَهُ: جَاءَ رجل، فَسَأَلَ عَن كَذَا، فأجبته بِكَذَا، فَمَا تَقول أَنْت؟ فَقَالَ: حدثونا بِكَذَا، وَقَالَ أَصْحَابنَا، كَذَا، وَقَالَ: إِبْرَاهِيم كَذَا، فَيَقُول: فأروي عَنْك؟ فَيَقُول: نعم، فَيخرج فَيَقُول: قَالَ حَمَّاد، كَذَا، اهـ. هَكَذَا كَانَت مُلَازمَة بَعضهم لبَعض، وخدمة بَعضهم لبَعض، أَوَان الطّلب، وَبِهَذَا نالوا بركَة الْعلم. وَقد أخرج ابْن عدي فِي "الْكَامِل" بطرِيق يَحْيَى بن معِين عَن جرير عَن مُغيرَة، قَالَ: قَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: "لقِيت قَتَادَة، وطاوساً، ومجاهداً، فصبيانكم أعلم مِنْهُم، بل صبيان صِبْيَانكُمْ أعلم مِنْهُم" إِنَّمَا قَالَه هَذَا تحديثاً بِالنعْمَةِ، وردا عَلَى بعض شُيُوخ الرِّوَايَة، مِمَّن لم يُؤْت نَصِيبا من الْفِقْه، حَيْثُ كَانَ يُفْتِي فِي مَسْجِد الْكُوفَة، غَلطا، وَيَقُول: لَعَلَّ هُنَاكَ صبياناً يخالفوننا، فِي هَذِه الْفَتَاوَى، وماذا يُفِيد تقدم السن فِي الرِّوَايَة لمن حرم الدِّرَايَة، وَيُرِيد بالصبيان التلاميذ، وَقد أخرج ابْن عدي فِي "الْكَامِل" بطرِيق يَحْيَى بن معِين عَن ابْن إِدْرِيس عَن الشَّيْبَانِيّ عَن عبد الْملك بن إِيَاس الشَّيْبَانِيّ، أَنه قَالَ: قلت لإِبراهيم: من نسْأَل بعْدك؟ قَالَ: حماداً، اهـ، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان هَذَا، توفّي سنة 120.
وَقَالَ العقييلي: حَدثنَا أَحْمد بن مَحْمُود الْهَرَوِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمُغيرَة الْبَلْخِي، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَصْبَهَانِيّ، قَالَ: لما مَاتَ إِبْرَاهِيم اجْتمع خَمْسَة من أهل الْكُوفَة، فيهم عمر بن قيس الماصر، وَأَبُو حنيفَة، فَجمعُوا أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم، وجاؤوا إِلَى الحكم بن عتيبة، فَقَالُوا: إِنَّا قد جَمعنَا أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم، نَأْتِيك بهَا، وَتَكون رئيسنا. فَأَبَى عَلَيْهِم الحكَم، فَأتوا حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، فَقَالُوا، فأجابهم، اهـ، وَبِهَذَا الْقدر نكتفي من أنباء هَذِه الطَّبَقَة، لِكَثْرَة رجالها، وتشعب أنبائها، مُقْتَصرا عَلَى سَوْق خبريْن، مِمَّا يدل عَلَى اتساع الْكُوفَة فِي الرِّوَايَة والدراية، فِي تِلْكَ الطَّبَقَة.(/)
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الرامَهُرْمُزِي فِي "الْفَاصِل": حَدثنَا الْحُسَيْن بن نَبهَان ثَنَا سُهَيْل بن عُثْمَان ثَنَا حَفْص بن غياث عَن أَشْعَث عَن أنس بن سِيرِين، قَالَ: أتيت الْكُوفَة فَرَأَيْت فِيهَا أَرْبَعَة آلَاف يطْلبُونَ الحَدِيث، وَأَرْبَعمِائَة قد فقهوا، اهـ. وَفِي أَي مصر من أَمْصَار الْمُسلمين، غير الْكُوفَة، تَجِد مثل هَذَا الْعدَد الْعَظِيم للمحدثين، وَالْفُقَهَاء. وَفِي هَذَا مَا يدل عَلَى أَن الْفَقِيه مهمته شاقة جدا، فَلَا يكثر عدده كَثْرَة عدد النقلَة. وَقَالَ الرامَهُرْمُزِي أَيْضا: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن معدان حَدثنَا مَذْكُور بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ، قَالَ: سَمِعت عَفَّان يَقُول - وَسمع قوما يَقُولُونَ: نسخنا كتب فلَان، ونسخنا كتب فلَان -، فَسَمعته يَقُول: نرَى هَذَا الضَّرْب من النَّاس لَا يفلحون، كُنَّا نأتي هَذَا فنسمع مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْد هَذَا، ونسمع من هَذَا مَا لَيْسَ عِنْد هَذَا، فقدمنا الْكُوفَة فَأَقَمْنَا أَرْبَعَة أشهر وَلَو أردنَا أَن نكتب مائَة ألف حَدِيثا لكتبناها، فَمَا كتبنَا إِلَّا قدر خمسين ألف حَدِيث، وَمَا رَضِينَا من أحد إِلَّا مالأمة (1) ، إِلَّا شَرِيكا، فَإِنَّهُ أَبَى علينا، وَمَا رَأينَا بِالْكُوفَةِ لحاناً مجوزاً، اهـ.
أنظر، مصرا يكْتب بهَا - مثل - عَفَّان - فِي أَرْبَعَة أشهر. خمسين ألف حَدِيث! مَعَ هَذَا التروي (2) ، ومسند أَحْمد أقل من ذَلِك بِكَثِير، أيعد مثل هَذَا الْبَلَد قَلِيل الحَدِيث؟! عَلَى أَن أَحَادِيث الْحَرَمَيْنِ مُشْتَركَة بَين عُلَمَاء الْأَمْصَار فِي تِلْكَ الطَّبَقَات، لِكَثْرَة حجهم، وَكم بَينهم من حج أَرْبَعِينَ حجَّة وَعمرَة، وَأكْثر، وَأَبُو حنيفَة وَحده، حج خمْسا وَخمسين حجَّة، وَأَنت ترَى البُخَارِيّ يَقُول: وَلَا أحصي مَا دخلت الْكُوفَة فِي طلب الحَدِيث، حينما يذكر عدد مَا دخل بَاقِي الْأَمْصَار، وَلِهَذَا أيضاُ دلَالَته فِي هَذَا الصدد.
وَمِمَّا يدل عَلَيْهِ الْخَبَر السَّابِق، بَرَاءَة عُلَمَاء الْكُوفَة من اللّحن الَّذِي اكتظت بِهِ بِلَاد الْحجاز، وَالشَّام، ومصر فِي ذَلِك الْعَهْد، وَأَنت تَجِد فِي كَلَام ابْن فَارس مدافعته عَن مَالك فِي ذَلِك، وَقَول اللَّيْث فِي ربيعَة، تَجدهُ فِي"الْحِلْية" وَقَول أبي حنيفَة فِي نَافِع، تَجدهُ فِي - كتاب - ابْن أبي الْعَوام، والكلمة الَّتِي تروى عَن أبي حنيفَة، (3) بِدُونِ سَنَد مُتَّصِل، عَلَى أَن وَجههَا فِي الْعَرَبيَّة ظَاهرا جدا، عَلَى فرض ثُبُوتهَا عَنهُ، وَقد توسع الْمبرد فِي - اللحَنة - أنباء اللاحنين من أهل الْأَمْصَار، سُوَى بِلَاد الْعرَاق، وَقد نقل مَسْعُود بن شيبَة جملَة من ذَلِك فِي "التَّعْلِيم"، عَلَى أَن مصر كَانَت تعاشر القبط، وَالشَّام يساكن الرّوم، وَكَانَ الْحجاز يطرقه كل طَارق من الْأَعَاجِم، وَلَا سِيمَا بعد عهد كبار التَّابِعين، مَعَ عدم وجود أَئِمَّة بهَا للغة، يحفظونها من الدخيل. واللحون، وَأما الْكُوفَة، وَالْبَصْرَة، ففيهما دونت الْعَرَبيَّة، فَأهل الْكُوفَة راعوا تدوين جَمِيع اللهجات الْعَرَبيَّة، فِي عهد نزُول الْوَحْي، ليستعينوا بذلك عَلَى فهم أسرار الْكتاب وَالسّنة، ووجوه الْقِرَاءَة، وَأهل الْبَصْرَة انتهجوا مَسْلَك التخير من اللهجات، مَا يحِق أَن يتَّخذ لُغَة الْمُسْتَقْبل، فأحد المسلكين لَا يُغني عَن الآخر.
فَعلم بذلك مَرْكَز الْكُوفَة فِي الْفِقْه. والْحَدِيث. واللغة، وَأما الْقُرْآن، فالأئمة الثَّلَاثَة، من السَّبْعَة، كوفيون، وهم: 1 - عَاصِم. 2 - وَحَمْزَة. 3 - وَالْكسَائِيّ، وزد خلفا، الْعَاشِر، من بَين الْعشْرَة، وَقد سبق بَيَان قِرَاءَة عَاصِم.
__________
(1) يُرِيد: لم نرض فِي قبُول حَدِيث أحد، أَو رِوَايَته، إِلَّا مَا تَلقاهُ الْأمة، انْظُر إِلَى هَذَا الشَّرْط الصعب، ثمَّ إِلَى هَذَا الاستكثار، وَهَذَا مُهِمّ، فاعلمه. "البنوري".
قَالَ فِي لِسَان الْعَرَب: واللأم الإتفاق، وَقد تلاءم الْقَوْم والتأموا: اجْتَمعُوا وَاتَّفَقُوا، وتلاءم الشيئانإذا اجْتمعَا واتصلا، وَيُقَال: التأم الْفَرِيقَانِ وَالرجلَانِ إِذا تصالحا واجتمعا، اهـ. فَلْينْظر هَذَا الْمَعْنى فَهُوَ يُفِيد عدم قبُول الْأَخْبَار إِلَّا مَا ورد من عدَّة طرق مَقْبُولَة.
(2) وَعَفَّان هَذَا، هُوَ: عَفَّان بن مُسلم الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ، شيخ البُخَارِيّ، وَأحمد، وَإِسْحَاق، وخلائق، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ ابْن الْمَدِينِيّ: كَانَ إِذا شكّ فِي حرف من الحَدِيث تَركه، كَذَا فِي "التَّقْرِيب"، وَيَقُول أَبُو حَاتِم: إِمَام ثِقَة، متقن متين، وَيَقُول ابْن عدي: أوثق من أَن يُقَال فِيهِ شَيْء، كَذَا فِي "خُلَاصَة التذهيب" "البنوري".
(3) يُرِيد بهَا الْأُسْتَاذ كلمة "أَبَا قبيس" وَسمعت مِنْهُ أَن المُرَاد بِهِ خشيَة الجزار، يقطع عَلَيْهَا اللَّحْم، فِي حوار أهل الْكُوفَة عندئذ، لَا الْجَبَل الْمَعْرُوف بِمَكَّة، زَادهَا الله تكريماً.(/)
طَريقَة أبي حنيفَة فِي التفقيه
- ولسنا نَخُوض هُنَا فِي عباب تَرْجَمَة أبي حنيفَة النُّعْمَان، وَفِي كتب الْأَئِمَّة مَا يغنينا عَن ذَلِك، فدونك كتاب "أبي الْقَاسِم بن أبي الْعَوام، الْحَافِظ". وَكتاب "أبي عبد الله الْحُسَيْن الصيمرمي". و"كتاب الْحَارِثِيّ، المندمج فِي كتاب الْمُوفق الْمَكِّيّ". و"جُزْء ابْن الدخيل" الَّذِي نقل ابْن عبد الْبر غَالب مَا فِيهِ فِي "الانتقاء"، وَكَانَ ابْن الدخيل راوية الْعقيلِيّ، فألف جُزْء فِي فَضَائِل أبي حنيفَة، ردا عَلَى الْعقيلِيّ، حَيْثُ أَطَالَ لِسَانه فِي فَقِيه الْملَّة، وَأَصْحَابه البررة، شَأْن الجهلة الأغرار، وتبرؤً مِمَّا خطته يَمِين الْعقيلِيّ، مِمَّا يُجَافِي الْحَقِيقَة، فَسَمعهُ حكم بن الْمُنْذر البلوطي الأندلسي من ابْن الدخيل بِمَكَّة، وسَمعه مِنْهُ ابْن عبد الْبر، فساق غَالب مَا فِيهِ من المناقب فِي "تَرْجَمَة أبي حنيفَة" من الانتقاء، وَمَا يذكرهُ ابْن عبد الْبر عَن البُخَارِيّ كَانَ من تَمام النَّصفة، أَن ينظر فِي سَنَده، وَكَذَا مَا يرويهِ إِبْرَاهِيم بن بشار عَن ابْن عُيَيْنَة، وَأما ابْن الْجَارُود، فقد ثَبت رد شَهَادَته عِنْد قَاضِي الْمُسلمين، فَلَو أَشَارَ إِلَى ذَلِك كُله لأحسن صنعا.
وَالْحَاصِل أَنه لم يتَكَلَّم فِيهِ أحد بِحجَّة، كَمَا شرحنا ذَلِك أوسع شرح، فِيمَا رددنا بِهِ عَلَى الْخَطِيب فِي هَذَا الصدد، وَإِنَّمَا نتكلم هُنَا عَن طرف من أَحْوَاله، مِمَّا يُنبئ عَن طَرِيقَته فِي التفقيه.
فَأَقُول: هُوَ أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت النُّعْمَان بن الْمَرْزُبَان، الْفَارِسِي الأَصْل، لم يَقع عَلَيْهِ رق أصلا، وَإِسْمَاعِيل بن حَمَّاد مُصدق فِي ذَلِك، وَقد قَالَ الصّلاح بن شَاكر الكتبي فِي "عُيُون التواريخ": قَالَ مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ: مَا وَلِيَ الْقَضَاء من أَيَّام عمر بن الْخطاب إِلَى الْيَوْم "يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ" مثل إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد، فَقيل لَهُ: وَلَا الْحسن الْبَصْرِيّ؟ قَالَ: والله، وَلَا الْحسن الْبَصْرِيّ، وَكَانَ عَالما، زاهداً، عابداً، ورعاً. اهـ. أمثله لَا يصدق فِي نسبه؟! وَقد حدث الطَّحَاوِيّ فِي "مُشكل الْآثَار": ص 54 - 4 عَن بكار بن قُتَيْبَة عَن عبد الله بن يزِيد المقريء: "أتيت أَبَا حنيفَة، فَقَالَ لي: من الرجل؟. فَقلت. رجل مَنَّ الله عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ لي: لَا تقل هَكَذَا، وَلَكِن وَال بعض هَذِه الْأَحْيَاء، ثمَّ انتم إِلَيْهِم، فَإِنِّي كنت أَنا كَذَلِك" فَعلم أَن ولاءه كَانَ وَلَاء الْمُوَالَاة، لَا وَلَاء الْعتْق، وَلَا وَلَاء الْإِسْلَام، {وماذا بعد الْحق إِلَّا الضلال} ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي "المنتظم": لَا يخْتَلف النَّاس فِي فهم أبي حنبفة، وفقهه، كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ، وَابْن الْمُبَارك، يَقُولَانِ: أَبُو حنيفَة أفقه النَّاس، وَقيل لمَالِك: هَل رَأَيْت أَبَا حنيفَة؟ فَقَالَ: رَأَيْت رجلا، لَو كلمك فِي هَذِه السارية أَن يَجْعَلهَا ذَهَبا، لقام بحجته، وَقَالَ الشَّافِعِي: النَّاس عِيَال فِي الْفِقْه عَلَى أبي حنيفَة اهـ، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي " تَرْتِيب المدارك": قَالَ اللَّيْث لمَالِك: أَرَاك تعرق؟، فَقَالَ مَالك: "عرقت مَعَ أبي حنيفَة، إِنَّه لفقيه يَا مصري"، اهـ. وَقد ذكرت وُجُوه استمداد بَاقِي الْمذَاهب من مذْهبه رَضِي الله عَنهُ، فِي "بُلُوغ الْأَمَانِي"، فَلَا أُعِيد الْكَلَام هُنَا، وَكَانَ أجلى مميزات مَذْهَب أبي حنيفَة، أَنه مَذْهَب شُورَى، تلقنه جمَاعَة عَن جمَاعَة، إِلَى الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، بِخِلَاف سَائِر الْمذَاهب، فَإِنَّهَا مَجْمُوعَة آراء لأئمتها.
قَالَ ابْن أبي الْعَوام: حَدثنِي الطَّحَاوِيّ، كتب إليّ ابْن أبي ثَوْر، قَالَ: أَخْبرنِي، نوح أَبُو سُفْيَان، قَالَ لي الْمُغيرَة بن حَمْزَة: كَانَ أَصْحَاب أبي حنيفَة الَّذين دَوَّنوا مَعَه الْكتب أَرْبَعِينَ رجلا، كبراء الكبراء، اهـ. وَقَالَ ابْن أبي الْعَوام أَيْضا: حَدثنِي الطَّحَاوِيّ، كتب إِلَيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي ثَوْر "الرعيني" حَدثنِي سُلَيْمَان بن عمرَان حَدثنِي أَسد بن الْفُرَات، قَالَ: كَانَ أَصْحَاب أبي حنيفَة الَّذين دَوَّنوا الْكتب أَرْبَعِينَ رجلا، فَكَانَ فِي الْعشْرَة الْمُتَقَدِّمين: أَبُو يُوسُف، وَزفر بن الْهُذيْل، وَدَاوُد الطَّائِي، وَأسد بن عَمْرو، ويوسف بن خَالِد السَّمْتِي" أحد مَشَايِخ الشَّافِعِي": وَيَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَكْتُبهَا لَهُم ثَلَاثِينَ سنة، اهـ. وَبِهَذَا السَّنَد إِلَى أَسد بن الْفُرَات، قَالَ: قَالَ لي أَسد بن عَمْرو: كَانُوا يَخْتَلِفُونَ عِنْد أبي حنيفَة فِي جَوَاب الْمَسْأَلَة، فَيَأْتِي هَذَا بِجَوَاب، وَهَذَا بِجَوَاب، ثمَّ يرفعونها إِلَيْهِ، ويسألونه عَنْهَا، فَيَأْتِي الْجَواب من كثب - أَي من قرب -، وَكَانُوا يُقِيمُونَ فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَيَّام، ثمَّ يكتبونها فِي الدِّيوَان، اهـ. قَالَ الصيمرمي: حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْهَاشِمِي، ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ ثَنَا عَلّي بن مُحَمَّد النَّخعِيّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْبَلْخِي حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد الْخَوَارِزْمِيّ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: كَانَ أَصْحَاب أبي حنيفَة يَخُوضُونَ مَعَه فِي الْمَسْأَلَة، فَإِذا لم يحضر عَافِيَة - ابْن يزِيد القَاضِي -، قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تَرفعُوا الْمَسْأَلَة حَتَّى يحضر عَافِيَة، فَإِذا حضر عَافِيَة وَوَافَقَهُمْ، قَالَ أَبُو حنيفَة: أثبتوها، وَإِن لم يوافقهم، قَالَ أَبُو حنيفَة، لأخرى سواهَا، اهـ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين فِي "التَّارِيخ"، و"الْعِلَل": رِوَايَة الدوري عَنهُ فِي - ظاهرية دمشق -: قَالَ أَبُو نعيم "الْفضل بن دُكَيْن" سَمِعت زفر يَقُول: كُنَّا نَخْتَلِف إِلَى أبي حنيفَة، ومعنا أَبُو يُوسُف، وَمُحَمّد بن الْحسن، فَكُنَّا نكتب عَنهُ، قَالَ زفر: فَقَالَ يَوْمًا أَبُو حنيفَة، لأبي يُوسُف: "وَيحك يَا يَعْقُوب، لَا تكْتب كل مَا تسمع مني، فَإِنِّي قد أرَى الرَّأْي الْيَوْم، وأتركه غَدا، وَأرَى الرَّأْي غَدا، وأتركه فِي غده"، اهـ. انْظُر كَيفَ كَانَ ينْهَى أَصْحَابه عَن التدوين الْمسَائِل، إِذا تعجل أحدهم بكتابتها قبل تمحيصها كَمَا يحب، فَإِذا أحطت خَبرا، بِمَا سبق علمت صدق مَا يَقُوله الْمُوفق الْمَكِّيّ: ص 133 - 2، حَيْثُ قَالَ، بعد أَن ذكر كبار أَصْحَاب أبي حنيفَة: وضع أَبُو حنيفَة مذْهبه شُورَى بَينهم، لم يستبد فِيهِ بِنَفسِهِ دونهم، اجْتِهَادًا مِنْهُ فِي الدَّين، ومبالغة فِي النَّصِيحَة لله، وَرَسُوله، وَالْمُؤمنِينَ. فَكَانَ يلقِي الْمسَائِل مَسْأَلَة مَسْأَلَة، وَيسمع مَا عِنْدهم، وَيَقُول مَا عِنْده، ويناظرهم شهرا، أَو أَكثر، حَتَّى يسْتَقرّ أحد الْأَقْوَال فِيهَا، ثمَّ يثبتها أَبُو يُوسُف فِي الْأُصُول، حَتَّى أثبت الْأُصُول كلهَا، وَهَذَا يكون أولَى وأصوب، وَإِلَى الْحق أقرب، والقلوب إِلَيْهِ أسكن، وَبِه أطيب، من مَذْهَب من انْفَرد، فَوضع مذْهبه بِنَفسِهِ، وَيرجع فِيهِ إِلَى رَأْيه، اهـ.
وَمن هَذَا يظْهر أَن أَبَا حنيفَة لم يكن يحمل أَصْحَابه عَلَى قبُول مَا يلقيه عَلَيْهِم، بل كَانَ يحملهم عَلَى إبداء مَا عِنْدهم، إِلَى أَن يَتَّضِح عِنْدهم الْأَمر، كوضح الصُّبْح، فيقبلون مَا وضح دَلِيله، وينبذون مَا سَقَطت حجَّته، وَكَانَ يَقُول مَا مَعْنَاهُ: لَا يحل لأحد أَن يَقُول بقولنَا، حَتَّى يعلم من أَيْن قُلْنَا، وَهَذَا هُوَ سر ظُهُور مذْهبه فِي الْخَافِقين، ظهوراً لم يعْهَد لَهُ مثيل، وَهُوَ السَّبَب الْأَصْلِيّ لبراعة المتفقهين عَلَيْهِ، وكثرتهم، إِذْ طَرِيقَته تِلْكَ هِيَ الطَّرِيقَة المثلى، فِي التدريب عَلَى الْفِقْه، وتنشئة الناشئين، وَلذَلِك يَقُول ابْن حجر الْمَكِّيّ فِي "خيرات الحسان" ص 26: "قَالَ بعض الْأَئِمَّة: لم يظْهر لأحد من أَئِمَّة الْإِسْلَام الْمَشْهُورين، مثل مَا ظهر لأبي حنيفَة، من الْأَصْحَاب. والتلاميذ، وَلم ينْتَفع الْعلمَاء، وَجَمِيع النَّاس، بِمثل مَا انتفعوا بِهِ، وبأصحابه فِي تَفْسِير الْأَحَادِيث المشتبهة، والمسائل المستنبطة، والنوازل، وَالْقَضَاء، وَالْأَحْكَام"، اهـ. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق النديم فِي "الفهرست": و"الْعلم برا وبحراً، وشرقاً وغرباً، بعدا وقرباً تدوينه لَهُ، رَضِي الله عَنهُ. وَقَالَ الْمجد بن الْأَثِير فِي "جَامع الْأُصُول" مَا مَعْنَاهُ: لَو لم يكن لله فِي ذَلِك سر خَفِي، لما كَانَ شطر هَذِه الْأمة من أقدم عهد إِلَى يَوْمنَا هَذَا، يعْبدُونَ الله سُبْحَانَهُ عَلَى مَذْهَب هَذَا الإِمَام الْجَلِيل، وَلَيْسَ أحد من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَلَى مَذْهَب هَذَا الإِمَام، حَتَّى يُرْمَى بالتحزب لَهُ، رَضِي الله عَنهُ.
وَالْحَاصِل: أَن من خَصَائِص هَذَا الْمَذْهَب كَون تدوين الْمسَائِل فِيهِ عَلَى الشورى، والمناظرات المديدة، وتلقي الْأَحْكَام فِيهِ من جمَاعَة، عَن جمَاعَة، إِلَى أوَّل نبع غزير فياض فِي الْفِقْه، فِي عهد جمهرة فُقَهَاء الصَّحَابَة، واستمرار سعي الْجَمَاعَة فِي تَبْيِين أَحْكَام النَّوَازِل، جمَاعَة بعد جمَاعَة، إِلَى مَا شَاءَ الله سُبْحَانَهُ كَذَلِك، بِحَيْثُ يتمشى الْمَذْهَب مَعَ حاجات العصور، ومقتضيات الرقي الحضاري فِي الْبشر.
وَلذَا ترَى ابْن خلدون يَقُول عَن مَذْهَب مَالك مَا لَفظه: وَأَيْضًا فالبداوة كَانَت غالبة عَلَى الْمغرب، والأندلس، وَلم يَكُونُوا يعاونون الحضارة الَّتِي لأهل الْعرَاق (1) فَكَانُوا إِلَى أهل الْحجاز أميل، لمناسبة البداوة، وَلِهَذَا لم يزل الْمَذْهَب الْمَالِكِي غضاً عِنْدهم، وَلم يَأْخُذهُ تَنْقِيح الحضارة وتهذيبها، اهـ. "مُقَدّمَة - علم الْفِقْه"، فَإِذا كَانَ مَذْهَب مَالك الَّذِي عَاشَ الأندلس تَحت حكمه طوال قُرُون، هَكَذَا فِي نظر ابْن خلدون، فَمَا ظَنك بِمَا سواهُ من الْمذَاهب الَّتِي لم تعاشر الحضارة فِي أَحْكَامهَا مُدَّة طَوِيلَة؟
وَأما قِرَاءَة أبي حنيفَة، فَهِيَ قِرَاءَة عَاصِم المنتشرة فِي الْآفَاق، وللقرآن الْمنزلَة الْعليا عِنْده فِي الِاحْتِجَاج، حَيْثُ يعد عموماته قَطْعِيَّة، وَقد علم الْخَاص وَالْعَام خَتمه الْقُرْآن فِي رَكْعَة، عَلَى قلَّة من فعل هَذَا من السّلف، وَمَا ينْسب إِلَيْهِ من الْقرَاءَات الشاذة، فِي بعض - كتب التَّفْسِير -، غير ثَابت عَنهُ أصلا، فَلَا حَاجَة لتكلف توجيهها، كَمَا فعل الزَّمَخْشَرِيّ، والنسفي فِي "تفسيرهما"، بل تِلْكَ الْقرَاءَات مَوْضُوعَة عَلَيْهِ، كَمَا ذكره الْخَطِيب فِي "تَارِيخه"، والذهبي فِي "طَبَقَات الْقُرَّاء"، وَابْن الْجَزرِي فِي "الطَّبَقَات" أَيْضا، وواضعها الْخُزَاعِيّ، قَالَ الذَّهَبِيّ فِي "الْمِيزَان - فِي تَرْجَمَة أبي الْفضل، مُحَمَّد بن جَعْفَر الْخُزَاعِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 407": ألف كتابا فِي قِرَاءَة أبي حنيفَة، فَوضع الدَّارَقُطْنِيّ خطه، بِأَن هَذَا مَوْضُوع، لَا أصل لَهُ، وَقَالَ غَيره: لم يكن ثِقَة، اهـ. وَأما كَثْرَة حَدِيثه فتظهر من حججه المسرودة فِي أَبْوَاب الْفِقْه، والمدونة فِي تِلْكَ المسانيد السَّبْعَة عشر، لكبار الْأَئِمَّة من أَصْحَابه، وَسَائِر الْحفاظ، وَكَانَ مَعَ الْخَطِيب عِنْدَمَا حل دمشق، مُسْند أبي حنيفَة، للدارقطني، ومسند أبي حنيفَة، لِابْنِ شاهين، وهما زائدان عَلَى السَّبْعَة عشر الْمَذْكُورَة، وَقَالَ الْمُوفق الْمَكِّيّ ص 96 - 1: قَالَ الْحسن بن زِيَاد: كَانَ أَبُو حنيفَة يروي أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث: أَلفَيْنِ لحماد. وألفين لسَائِر المشيخة، اهـ. وَأَقل مَا يُقَال فِي مسَائِله: إِنَّهَا تبلغ ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ألفا، وَكَانَت مشايخه بِكَثْرَة بَالِغَة. وَأما قُوَّة أبي حنيفَة فِي الْعَرَبيَّة، فَمَا يدل عَلَيْهَا نشأته فِي مهد الْعُلُوم الْعَرَبيَّة، وتفريعاته الدقيقة عَلَى الْقَوَاعِد الْعَرَبيَّة، حَتَّى ألف أَبُو عَلّي الْفَارِسِي، والسيرافي، وَابْن جني كتبا فِي شرح آرائه الدقيقة فِي الْأَيْمَان فِي "الْجَامِع الْكَبِير" إِقْرَارا مِنْهُم بتغلغل صَاحبهَا فِي أسرار الْعَرَبيَّة وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة.
__________
(1) انْظُر هَذَا لَيْسَ بقول حَنَفِيّ، وَلَا كُوفِي، بل قَول مؤرخ جليل، مغربي محتداً، مالكي الْمَذْهَب نشأة قَاضِي مصر.(/)
بعض الْحفاظ، وكبار الْمُحدثين من أَصْحَابه، وَأهل مذْهبه
- 1 - الإِمَام زفر بن الْهُذيْل الْبَصْرِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 158 هـ، ذكره ابْن حَيَّان بِالْحِفْظِ والإتقان فِي "كتاب الثِّقَات"، وَهُوَ من أجلِّ أَصْحَاب الإِمَام. وَله "كتاب الْآثَار".
- 2 - الإِمَام الْحَافِظ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان الْهَرَوِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 163، مترجم فِي "طَبَقَات الْحفاظ"، كَانَ صَحِيح الحَدِيث مكثراً.
- 3 - الإِمَام اللَّيْث بن سعد، الْمُتَوفَّى سنة 175، عدّه كثير من أهل االعلم حنفياً، وَبِه جزم القَاضِي زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ، فِي "شرح البُخَارِيّ". وَأخرج ابْن أبي الْعَوام بِسَنَدِهِ عَن اللَّيْث أَنه شهد مجْلِس أبي حنيفَة بِمَكَّة، وَقد سُئِلَ فِي ابْن يُزَوجهُ أَبوهُ بِصَرْف مَال كثير، فيطلقها، وَيَشْتَرِي لَهُ جَارِيَة، فيعتقها، فَأَوْصَى أَبُو حنيفَة السَّائِل أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ جَارِيَة تقع عَلَيْهِ عين الابْن، ثمَّ يُزَوّجهَا إِيَّاه، فَإِن طَلقهَا رجعت مَمْلُوكَة لَهُ، وَإِن أعْتقهَا لم يجز عتقه، قَالَ اللَّيْث: فوالله مَا أعجبني صَوَابه، كَمَا أعجبني سرعَة جَوَابه، وَكَانَ اللَّيْث من الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين.
- 4 - الإِمَام الحاقظ الْقَاسِم بن معن المَسْعُودِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 175، كَانَ من أروى النَّاس للْحَدِيث وَالشعر، وأعلمهم بالفقه والعربية، وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحسن يسْأَله عَن الْعَرَبيَّة، وَهُوَ من أجلِّ أَصْحَاب أبي حنيفَة، رَاجع "طَبَقَات الْحفاظ" - للذهبي، و"الْجَوَاهِر المضيئة": لِلْحَافِظِ الْقرشِي.
- 5 - الإِمَام أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم القَاضِي، ذكره الذَّهَبِيّ فِي "طَبَقَات الْحفاظ"، وَترْجم لَهُ فِي جُزْء، وَقَالَ ابْن جرير: كَانَ فَقِيها، عَالما، حَافِظًا، وَكَانَ يعرف بِحِفْظ الحَدِيث، كَانَ يحضر الْمُحدث، فيحفظ خمسين وَسِتِّينَ حَدِيثا، ثمَّ يقوم فيمليها عَلَى النَّاس، وَكَانَ كثير الحَدِيث، اهـ. وَوَصفه بِالْحِفْظِ الْبَالِغ ابْن الْجَوْزِيّ فِي "أَخْبَار الْحفاظ". وَابْن حبَان قبله فِي "كتاب الثِّقَات" - لَهُ توفّي سنة 182، "وَكتاب الأمالي" - لَهُ وَحده، يُقَال: إِنَّه فِي ثَلَاثمِائَة جُزْء، وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة.
- 6 - يَحْيَى ابْن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، الْحَافِظ الثبت الْفَقِيه، الْمُتَوفَّى سنة 182، كَانَ من أجلِّ أَصْحَاب أبي حنيفَة، تَرْجَمته فِي "طَبَقَات الْحفاظ" - للذهبي، "والجواهر المضيئة".
- 7 - عبد الله بن الْمُبَارك، الْمُتَوفَّى سنة 181، كتبه تحتوي عَلَى نَحْو عشْرين ألف حَدِيث، وَكَانَ ابْن الْمهْدي يفضله عَلَى الثَّوْريّ، قَالَ يَحْيَى بن آدم: إِذا طلبت الدَّقِيق من السَّائِل، فَلم أَجِدهُ فِي كتب ابْن الْمُبَارك، أَيِست مِنْهُ اهـ.، وَهُوَ من أخص أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَقد قوَّله بعض الروَاة، مَا لم يقلهُ فِي حق أبي حنيفَة، كَمَا فعلوا مثل ذَلِك، فِي كثير من الْعلمَاء سواهُ.
- 8 - الإِمَام مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 189 كَانَ كثير الحَدِيث، تَرْجَمته فِي "بُلُوغ الْأَمَانِي". و"الْآثَار" - و"الْمُوَطَّأ"، و"الْحجَّة عَلَى أهل الْمَدِينَة"، مِمَّا يقْضِي لَهُ بالبراعة فِي الحَدِيث، رغم أنوف الْجَاهِلين، بمقداره الْعَظِيم.
- 9 - حَفْص بن غياث القَاضِي، كتبُوا عَنهُ أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث من حفظه، توفّي سنة 194، رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 10 - وَكِيع بن الْجراح، الْمُتَوفَّى سنة 197، قَالَ الذَّهَبِيّ: كَانَ يُفْتِي بقول أبي حنيفَة، قَالَ أَحْمد: عَلَيْكُم بمصنفات وَكِيع.
- 11 - يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان الْبَصْرِيّ، إِمَام الْجرْح وَالتَّعْدِيل، الْمُتَوفَّى سنة 198، قَالَ الذَّهَبِيّ: كَانَ يُفْتِي بِرَأْي أبي حنيفَة. رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 12 - الْحَافِظ الْقدْوَة الْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي، الْمُتَوفَّى سنة 204، كَانَ عِنْده نَحْو اثْنَي عشر ألف حَدِيث من ابْن جريح، مِمَّا لَا يسمع الْفَقِيه جَهله، وَقَالَ يَحْيَى بن آدم: مَا رَأَيْت أفقه مِنْهُ، وتقولات بعض الروَاة فِيهِ، كتقولهم فِي الإِمَام نَفسه، رَاجع "الْجَوَاهِر".
- 13 - الْحَافِظ مُعلى بن مَنْصُور الرَّازِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 211، جمع بَين الْإِمَامَة فِي الْفِقْه والْحَدِيث. رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 14 - الْحَافِظ عبد الله بن دَاوُد الْخُرَيْبِي، الْمُتَوفَّى سنة 213، إِمَام قدوة فِي الْفِقْه والْحَدِيث، رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 15 - أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ عبد الله بن يزِيد الْكُوفِي، الْمُتَوفَّى سنة 213، من المكثرين عَن أبي حنيفَة، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 16 - أَسد بن الْفُرَات القيرواني، الْمُتَوفَّى سنة 213، مِمَّن جمع بَين الطَّرِيقَة العراقية، والحجازية فِي الْفِقْه، والْحَدِيث.
- 17 - مكي بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي، شيخ خُرَاسَان، الْمُتَوفَّى سنة 215، من المكثرين عَن أبي حنيفَة، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 18 - أَبُو نعيم فضل بن دُكَيْن، الْمُتَوفَّى سنة 219، من المكثرين عَن أبي حنيفَة، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 19 - الإِمَام عِيسَى بن أبان الْبَصْرِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 221، "كتاب الْحجَج الْكَبِير" - لَهُ، و"كتاب الْحجَج الصَّغِير" - لَهُ، مِمَّا يشْهد لَهُ بالبراعة فِي الحَدِيث، رَاجع - "الصيمرمي"، و"ابْن أبي الْعَوام"، و"الْجَوَاهِر".
- 20 - الْحَافِظ الثبت عَلّي بن الْجَعْد، الْمُتَوفَّى سنة 230، إِمَام جليل فِي الْفِقْه والْحَدِيث، والجعديات لَهُ من أقدم الْكتب المحفوظة بدار الْكتب المصرية، رَاجع "الطَّبَقَات"، والجواهر.(/)
- 21 - يَحْيَى بن معِين إِمَام الْجرْح وَالتَّعْدِيل، الْمُتَوفَّى سنة 233، سمع "الْجَامِع الصَّغِير" من مُحَمَّد بن الْحسن، وتفقه عَلَيْهِ، وَسمع الحَدِيث من أبي يُوسُف، وَفِي "عُيُون التواريخ": كَانَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَأحمد، وَابْن أبي شيبَة، وَإِسْحَاق يتأدبون مَعَه، ويعرفون لَهُ فَضله، ورث من أَبِيه ألف ألف دِرْهَم، فأنفقها جَمِيعًا عَلَى الحَدِيث، وَكتب بِيَدِهِ سِتّمائَة ألف حَدِيث. وَقَالَ أَحْمد: كل حَدِيث لَا يعرفهُ يَحْيَى فَلَيْسَ بِحَدِيث، وَرَأَيْت تَارِيخه - رِوَايَة الدوري - فِي ظاهرية دمشق، وتختلف الرِّوَايَات عَنهُ فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل، ويعده الذَّهَبِيّ، حنفياً، صُلْباً فِي جزئه الَّذِي أَلفه فِي الَّذين تكلم فيهم من الثِّقَات، بل متعصباً لأهل مذْهبه، وَمَعَ ذَلِك ترَى بعض الروَاة لَا يَأْبَى أَن يقوّله (1) كَلِمَات قاسية فِي كثير من أَصْحَاب أبي حنيفَة، ولله فِي خلقه شؤون.
- 22 - مُحَمَّد بن سَمَّاعَة التَّمِيمِي، الْمُتَوفَّى سنة 233، وَفِي "عُيُون التواريخ": وَهُوَ من الْحفاظ الثِّقَات، صَاحب اختيارات فِي الْمَذْهَب، وَرِوَايَات، وَله مصنفات. قَالَ ابْن معِين: لَو كَانَ أهل الحَدِيث يصدقون كَمَا يصدق ابْن سَمَّاعَة فِي الرَّأْي، لكانوا فِيهِ عَلَى نِهَايَة، رَاجع "الْجَوَاهِر".
- 23 - الْحَافِظ الْكَبِير إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الْبَلْخِي الْبَاهِلِيّ الماكياني، الْمُتَوفَّى سنة 239، كَانَ مقاطعاً لقتيبة بن سعيد، لِأَنَّهُ آذاه عِنْد مَالك، فَقَالَ: هَذَا مرجئ، فأقامه من مَجْلِسه، وَمَا سمع من مَالك غير حَدِيث وَاحِد، وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَفِي ذَلِك عِبْرَة، رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 24 - أَبُو اللَّيْث الْحَافِظ عبد الله بن سُرَيج بن حجر البُخَارِيّ، الْمُتَوفَّى فِي حُدُود سنة 258، هُوَ من أَصْحَاب أبي حَفْص الْكَبِير البُخَارِيّ، كَانَ يحفظ عشرَة آلَاف حَدِيث، وَكَانَ عَبْدَانِ يجله، ذكره غُنْجَار فِي "تَارِيخ بُخَارَى"، وَلم يذكر وَفَاته، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 25 - الإِمَام مُحَمَّد بن شُجَاع الثَّلْجِي، الْمُتَوفَّى سنة 266، وَهُوَ ساجد فِي صَلَاة الْعَصْر، وَقَالَ الْمُوفق الْمَكِّيّ: إِنَّه ذكر فِي تصانيفه نيِّفاً وَسبعين ألف حَدِيث، وَله "الْمَنَاسِك" فِي نيِّف وَسِتِّينَ جزءٍ، وَله "تَصْحِيح الْآثَار" كَبِير جدا، وَله "الرَّد عَلَى المشبهة"، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي "النبلاء": كَانَ من بحور الْعلم اهـ، تكلم فِيهِ بعض الروَاة بتعصب، رَاجع تَرْجَمته فِي "فهرست ابْن النديم" و"الْجَوَاهِر المضيئة"، وَفِيمَا كتبناه عَلَى تَبْيِين كذب المفتري، وتكملة الرَّد عَلَى - نونية - ابْن الْقيم.
- 26 - الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى البرتي، الْمُتَوفَّى سنة 280، تفقه عَلَى أبي سُلَيْمَان الْجوزجَاني، وَكَانَ يُجِله إِسْمَاعِيل القَاضِي، وَله - مُسْند أبي هُرَيْرَة -. رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 27 - أَبُو الْفضل عبيد الله بن وَاصل البُخَارِيّ، الْمُتَوفَّى شَهِيدا سنة 282، وَهُوَ مُحدث بخاري، وَأخذ عَنهُ الْحَارِثِيّ، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 28 - الْحَافِظ إِبْرَاهِيم بن معقل النَّسَفِيّ، مصتف "الْمسند الْكَبِير" - وَا"لتفسير "، الْمُتَوفَّى سنة 295، حدث الصَّحِيح عَن البُخَارِيّ، قَالَ المستغفري: كَانَ فَقِيها، حَافِظًا، بَصيرًا باخْتلَاف الْعلمَاء، عفيفاً، صيناً، رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 29 - أَبُو يعْلى أَحْمد بن عَلّي بن الْمثنى الْموصِلِي، صَاحب "الْمسند الْكَبِير". و"المعجم"، الْمُتَوفَّى سنة 307، أَخذ عَن عليّ بن الْجَعْد وطبقته، قَالَ أَبُو عَلّي الْحَافِظ: لَو لم يشْتَغل أَبُو يعْلى بكتب أبي يُوسُف عَلَى بشر بن الْوَلِيد، لأدرك بِالْبَصْرَةِ سُلَيْمَان بن حَرْب، وَأَبا دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَهَذَا مِمَّا يدل عَلَى أَن كتب أبي يُوسُف بِكَثْرَة بَالِغَة، وَلَوْلَا ذَلِك لما حَال سَماع كتبه، دون علو سَنَد أبي يعْلى، مَعَ تسرع الْمُحدثين فِي السماع، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 30 - الْحَافِظ أَبُو بشر الدولابي مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمَّاد، الْمُتَوفَّى سنة 310، وَهُوَ مؤلف "الكنى". وَغَيره من الْكتب الممتعة، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تكلمُوا فِيهِ، مَا تبين من أمره إِلَّا خير. فَقَوْل ابْن عدي: ابْن حَمَّاد مُتَّهم فِي نعيم، إِسْرَاف فِي القَوْل، كَمَا هُوَ شَأْنه، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 31 - الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد الطَّحَاوِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 321، فِي غَايَة من الاتساع فِي الْحِفْظ، وَمَعْرِفَة الرِّجَال، وَالْفِقْه، توسع الْبَدْر الْعَيْنِيّ فِي تَرْجَمته فِي رجال مَعَاني الْآثَار، وشيوخ الطَّحَاوِيّ الثَّلَاثَة: (ا) - بكار بن قُتَيْبَة (ب) - وَابْن أبي عمرَان (ج) - وَأَبُو حَازِم، كلهم من كبار حفاظ الحَدِيث.
- 32 - الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْعَوام، السَّعْدِيّ، الْمُتَوفَّى فِي حُدُود سنة 335، لَهُ ذكر فِي"طَبَقَات الذَّهَبِيّ - فِي تَرْجَمَة النَّسَائِيّ"، والطَّحَاوِي، وَأبي بشر الدولابي، وَكتابه فِي فَضَائِل أبي حنيفَة، فِي مُجَلد ضخم، و - مُسْند أبي حنيفَة -، لَهُ، من أهم المسانيد السَّبْعَة عشر، وحفيده مترجم فِي "قُضَاة مصر"، و"الْجَوَاهِر".
- 33 - الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الْحَارِثِيّ البُخَارِيّ، الْمُتَوفَّى سنة.34، لَهُ مَنَاقِب أبي حنيفَة، وَله مُسْند أبي حنيفَة أَيْضا أَكثر فِيهِ جدا من سَوْق طرق الحَدِيث، وَقد أَكثر ابْن مندة الرِّوَايَة عَنهُ، وَكَانَ حسن الرَّأْي فِيهِ، وَقد تكلم فِيهِ أنَاس بتعصب، وَأكْثر مَا يرمونه بِهِ إكثاره من الرِّوَايَة عَن النجيرمي، أباء بن جَعْفَر، فِي مُسْند أبي حنيفَة، وَلم ينتبهوا إِلَى أَن رِوَايَته عَنهُ لَيْسَ فِي أَحَادِيث ينْفَرد هُوَ بهَا، بل فِيمَا لَهُ مشارك فِيهِ، كَمَا فعل مثل ذَلِك التِّرْمِذِيّ فِي مُحَمَّد بن سعيد المصلوب، والكلبي، لَكِن قَاتل الله التعصب، يُعمي ويُصم. رَاجع "الْجَوَاهِر"، و" تَعْجِيل الْمَنْفَعَة".
__________
(1) أَي يدعيها عَلَيْهِ افتراءً، يُقَال: قوَّله مَا لم يقل، أَي ادّعاه عَلَيْهِ، كَذَا فِي "مُخْتَار الصِّحَاح".(/)
- 34 - الْحَافِظ أَبُو الْحُسَيْن عبد الْبَاقِي بن قَانِع القَاضِي، صَاحب التصانيف، الْمُتَوفَّى سنة 351، قَالَ الْخَطِيب: عَامَّة شُيُوخنَا يوثقونه. قَالَ الْحسن بن الْفُرَات: حدث بِهِ بِهِ اخْتِلَاط قبل وَفَاته بِسنتَيْنِ.
- 35 - الْحَافِظ الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن عَلّي الرَّازِيّ الْجَصَّاص، الْمُتَوفَّى سنة 370، كَانَ إِمَامًا فِي الْأُصُول، وَالْفِقْه، والْحَدِيث. كَانَ جيد الاستحضار لأحاديث أبي دَاوُد، وَابْن أبي شيبَة وَعبد الرَّزَّاق، وَالطَّيَالِسِي: يَسُوق بِسَنَدِهِ مَا شَاءَ مِنْهَا فِي أَي مَوضِع شَاءَ، وَكتابه "الْفُصُول فِي الْأُصُول" وشروحه عَلَى مُخْتَصر الطَّحَاوِيّ، وَالْجَامِع الْكَبِير، وَكتابه فِي "أَحْكَام الْقُرْآن" مِمَّا يقْضِي لَهُ بالبراعة الَّتِي لَا تلْحق، وَقُوَّة مَعْرفَته بِالرِّجَالِ تظهر من كَلَامه فِي أَدِلَّة الْخلاف.
- 36 - الْحَافِظ مُحَمَّد بن المظفر بن مُوسَى الْبَغْدَادِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 379، وَهُوَ مؤلف مُسْند أبي حنيفَة، وَكَانَ الدَّارَقُطْنِيّ يُجِله، وَهُوَ من أَعْيَان الْحفاظ، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 37 - الْحَافِظ أَبُو نصر أَحْمد بن مُحَمَّد الكلاباذي، الْمُتَوفَّى سنة 378، مؤلف رجال البُخَارِيّ، وَكَانَ الدَّارَقُطْنِيّ يرْضَى فهمه، وَهُوَ كَانَ أحفظ من كَانَ بِمَا وَرَاء النَّهر فِي زَمَانه، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 38 - أَبُو حَامِد أَحْمد بن الْحُسَيْن الْمروزِي، الْمَعْرُوف بِابْن الطَّبَرِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 367، كَانَ متقناً فِي الحَدِيث وَالرِّوَايَة، رَاجع "الْجَوَاهِر".
- 39 - الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم طَلْحَة بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الْمعدل الْبَغْدَادِيّ، صَاحب مُسْند أبي حنيفَة، الْمُتَوفَّى سنة 380.
- 40 - الْحَافِظ أَبُو الْفضل السُّلَيْمَانِي أَحْمد بن عَلّي البيكندي، شيخ مَا وَرَاء النَّهر، الْمُتَوفَّى سنة 404، وَعنهُ أَخذ جَعْفَر المستغفري، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 41 - غُنْجَار الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد االبخاري، الْمُتَوفَّى سنة 412، صَاحب تَارِيخ بُخَارَى. رَاجع "الطَّبَقَات".
- 42 - الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس جَعْفَر بن مُحَمَّد المستغفري، صَاحب المصنفات، الْمُتَوفَّى سنة 432، رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 43 - الْحَافِظ أَبُو سعد السمان إِسْمَاعِيل بن عَلّي بن زَنْجوَيْه الرَّازِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 445، كَانَ إِمَامًا فِي الحَدِيث، وَالرِّجَال، وَفقه أبي حنيفَة، عَلَى بدعته، رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 44 - الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عبيد الله بن عبد الله النَّيْسَابُورِي الْحَاكِم، الْمُتَوفَّى سنة 490، رَاجع "الطَّبَقَات"، و"الْجَوَاهِر".
- 45 - الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي، الْمُتَوفَّى سنة 491، تخرج بالمستغفري، قَالَ أَبُو سسعد: لم يكن فِي زَمَانه فِي فنه مثله فِي الشرق والغرب، لَهُ كتاب "بَحر الْأَسَانِيد، من صِحَاح المسانيد"، فِي ثَمَانمِائَة جُزْء، جمع فِيهِ مائَة ألف حَدِيث، وَلَو رتب وهذب، لم يَقع فِي الْإِسْلَام مثله، رَاجع "الطَّبَقَات".
- 46 - مُسْند هراة نصر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الزَّاهِد بَقِيَّة المسندين، الْمُتَوفَّى سنة 510.
- 47 - مُسْند سَمَرْقَنْد إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التنوخي النَّسَفِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 518.
- 48 - الْمُحدث أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن خسرو الْبَلْخِي، صَاحب "مُسْند أبي حنيفَة". الْمُتَوفَّى سنة 522، يَأْخُذهُ ابْن حجر بروايته الْمسند لقَاضِي المارستان، قَائِلا: إِنَّه لَا مُسْند لَهُ، لَكِن تِلْمِيذه السخاوي يرويهِ عَن التدمري عَن الْمَيْدُومِيُّ عَن النجيب عَن ابْن الْجَوْزِيّ عَن الْجَامِع قَاضِي المارستان، فَبِهَذَا ظهر تهور ابْن حجر.
- 49 - الْحَافِظ أَبُو حَفْص ضِيَاء الدِّين عمر بن بدر بن سعيد الْموصِلِي، الْمُتَوفَّى سنة 622.
- 50 - أَبُو الْفَضَائِل الْحسن بن مُحَمَّد الصغاني، الْمُتَوفَّى سنة 650، كَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة، وَالْفِقْه، والْحَدِيث. لَهُ "الْعباب"، و"الحكم"، و"مَشَارِق الْأَنْوَار".
- 51 - الْمُحدث الجوال أَبُو مُحَمَّد عبد الْخَالِق بن أَسد الدِّمَشْقِي، صَاحب المعجم، الْمُتَوفَّى سنة 564.
- 52 - مُسْند الشَّام تَاج الدِّين أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 613.
- 53 - الإِمَام الْمسند أَبُو عَلّي الْحسن بن الْمُبَارك الزبيدِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 629.
- 54 - الإِمَام الْمُحدث الْجمال أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الظَّاهِرِيّ، الْمُتَوفَّى سنة 696، خرج مشيخة للفخر البُخَارِيّ فِي خَمْسَة أَجزَاء. رَاجع "الطَّبَقَات"، و "الْجَوَاهِر".
- 55 - الْمُحدث أَبُو مُحَمَّد عَلّي بن زَكَرِيَّا بن مَسْعُود الْأنْصَارِيّ المنبجي، مؤلف "اللّبَاب - فِي الْجمع بَين السّنة وَالْكتاب"، وشارح آثَار الطَّحَاوِيّ، الْمُتَوفَّى فِي حُدُود سنة 698، وَابْنه مُحَمَّد مَذْكُور فِي "الْجَوَاهِر المضيئة"، و"الدُّرَر الكامنة".
- 56 - الشَّمْس السرُوجِي أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْغَنِيّ شَارِح الْهِدَايَة، الْمُتَوفَّى سنة 701.(/)
- 57 - عَلَاء الديِّن عَلّي بن بلبان الْفَارِسِي، شَارِح تَلْخِيص الخلاطي، ومؤلف الْإِحْسَان فِي تَرْتِيب صَحِيح ابْن حبَان، توفّي سنة 731.
- 58 - الْمُحدث الْكَبِير ابْن المهندس مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن غَنَائِم، الشُّرُوطِي، الْمُتَوفَّى سنة 733.
- 59 - الْحَافِظ قطب الدِّين عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور الْحلَبِي، شَارِح البُخَارِيّ فِي عشْرين مجلداً، ومؤلف - الاهتمام بتلخيص الْإِلْمَام -، و - الْقدح الْمُعَلَّى فِي الْكَلَام، عَلَى بعض أَحَادِيث الْمُحَلَّى -، توفّي سنة 735، رَاجع ذيل الْحُسَيْنِي عَلَى "الطَّبَقَات".
- 50 - الْحَافِظ أَمِين الدَّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الواني، الْمُتَوفَّى سنة 735، رَاجع "ذيل السُّيُوطِيّ".
- 51 - الْحَافِظ الشَّمْس السرُوجِي مُحَمَّد بن عَلّي بن أيبك، الْمُتَوفَّى سنة 744، رَاجع الذيول.
- 52 - الْحَافِظ عَلَاء الدِّين عَلّي بن عُثْمَان المارديني، مؤلف "الْجَوْهَر النقي"، الْمُتَوفَّى سنة 749، بِهِ تخرج الْجمال الزَّيْلَعِيّ، والزين الْعِرَاقِيّ، وَعبد الْقَادِر الْقرشِي، رَاجع الذيول.
- 53 - الْحَافِظ ابْن الواني عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، الْمُتَوفَّى سنة 749، رَاجع "الْحُسَيْنِي".
- 54 - الْحَافِظ جمال الدَّين عبد الله بن يُوسُف الزَّيْلَعِيّ، مؤلف "نصب الرَّايَة"، الْمُتَوفَّى سنة 762.
- 55 - الْحَافِظ عَلَاء الدَّين مغلطاوي البكجري، الْمُتَوفَّى سنة 762، رَاجع "ذيل ابْن فَهد".
- 56 - الْحَافِظ عبد الْقَادِر الْقرشِي، الْمُتَوفَّى سنة 775، رَاجع الذيول.
- 57 - الْمجد إِسْمَاعِيل البلبيسي صَاحب - مُخْتَصر أَنْسَاب الرشاطي -، الْمُتَوفَّى سنة 802.
- 58 - الْعَلامَة جمال الدَّين يُوسُف بن مُوسَى الْمَلْطِي، صَاحب "المعتصر"، الْمُتَوفَّى سنة 803 هـ.
- 59 - الْعَلامَة شمس الدَّين مُحَمَّد بن عبد الله الديري، مؤلف "الْمسَائِل الشَّرِيفَة فِي أَدِلَّة مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة"، الْمُتَوفَّى سنة 827.
- 70 - الْمُحدث أَبُو الْفَتْح أَحْمد بن عُثْمَان بن مُحَمَّد الكلوتاي، الْكرْمَانِي، الْمُتَوفَّى سنة 835، مكثر جدا من رِوَايَة الْكتب الْكِبَار، وسماعها، وإسماعها، رَاجع "الضَّوْء اللامع".
- 71 - الْمُحدث عز الدَّين عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن الْفُرَات، الْمُتَوفَّى سنة 851، من الْمُحدثين المكثرين، أَصْحَاب الْأَسَانِيد الْعَالِيَة، رَاجع "الضَّوْء اللامع".
- 72 - الْحَافِظ الْبَدْر الْعَيْنِيّ مَحْمُود بن أَحْمد، الْمُتَوفَّى سنة 855، تَرْجَمته تَرْجَمَة وَاسِعَة، فِي أول "عُمْدَة الْقَارِي" - من الطبعة المنيرية.
- 73 - كَمَال الديِّن بن الْهمام مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد صَاحب "فتح الْقَدِير"، الْمُتَوفَّى سنة 861.
- 74 - سعد الدَّين بن الشَّمْس الديري صَاحب "تَكْمِلَة شرح الهدداية" - للسروجي، الْمُتَوفَّى سنة 768 هـ.
- 75 - تَقِيّ الدَّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشمني، الْمُتَوفَّى سنة 872، شَرحه عَلَى "الْوِقَايَة" الْمُسَمَّى - بِكَمَال الدِّرَايَة - يدل عَلَى يَده الْبَيْضَاء فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام.
- 76 - الْحَافِظ الْعَلامَة، قَاسم بن قطلوبغا، الْمُتَوفَّى سنة 879، تَخْرِيجه لأحاديث "الِاخْتِيَار".
ولأحاديث "أصُول البزودي". وَسَائِر مَا أَلفه فِي الحَدِيث وَالْفِقْه، تدل عَلَى عظم شَأْنه فِي الحَدِيث، وَالْفِقْه. رَاجع "الضَّوْء اللامع".
- 77 - شمس الدِّين مُحَمَّد بن عَلّي، الْمَعْرُوف بِابْن طولون الدِّمَشْقِي، الْمُتَوفَّى سنة 953، هُوَ من المكثرين فِي الحَدِيث وَالْفِقْه، لَهُ من المؤلفات مَا يُقَارب خَمْسمِائَة مؤلف.
- 78 - عَلّي المتقي بن حسام الدَّين الْهِنْدِيّ، صَاحب "كنز الْعمَّال" فِي - تَرْتِيب الْجَامِع الْكَبِير - للسيوطي، قَالَ أَبُو الْحسن السُّبْكِيّ: لَهُ منَّة عَلَى السُّيُوطِيّ، توفّي سنة 975.
- 79 - ملك الْمُحدثين الشَّيْخ مُحَمَّد بن طَاهِر الفتني الكجراتي، مؤلف "مجمع الْبحار"، و"تذكرة الموضوعات"، و"الْمُغنِي"، وَغَيرهَا من المؤلفات الممتعة، فِي الحَدِيث وغريبه، توفّي سنة 987 شَهِيدا.
- 80 - الْمُحدث عَلّي بن سُلْطَان مُحَمَّد الْقَارِي الْهَرَوِيّ الْمَكِّيّ، الْمُتَوفَّى سنة 1014، شَرحه عَلَى الْمشكاة، وَشَرحه عَلَى مُخْتَصر الْوِقَايَة، من الْكتب المهمة فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام، تخرج عَلَى القطب النهروالي. وَعبد الله السندي.
- 81 - الْمُحدث أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يُونُس الشلبي، الْمُتَوفَّى سنة 1027.
- 82 - مُحدث الْهِنْد عبد الْحق بن سيف الدَّين الدهلوي، مؤلف - اللمعات شرح الْمشكاة - و - التِّبْيَان فِي أَدِلَّة مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة النُّعْمَان -، توفّي سنة 1052، أَخذ عَن عبد الْوَهَّاب المتقي، تلميذ عَلّي المتقي، وَعَن عَلّي الْقَارِي، أَخذ عَنهُ مُحَمَّد حُسَيْن الخافي، وَعنهُ حسن العجيمي.(/)
- 83 - الْمُحدث أَيُّوب بن أَحْمد بن أَيُّوب الخلوتي الدِّمَشْقِي، الْمُتَوفَّى سنة 1071.
- 84 - الْمُحدث حسن بن عَلّي العجيمي الْمَكِّيّ، الْمُتَوفَّى سنة 1113، وأسانيد مروياته فِي "كِفَايَة المستطلع" فِي مجلدين.
- 85 - أَبُو الْحسن الْكَبِير، ابْن عبد الْهَادِي السندي، الْمُتَوفَّى سنة 1139، صَاحب "الْحَوَاشِي عَلَى الْأُصُول السِّتَّة"، و"مُسْند أَحْمد".
- 86 - الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ بن إِسْمَاعِيل النابلسي، مؤلف "ذخائر الْمَوَارِيث - فِي أَطْرَاف الْأُصُول السَّبْعَة"، الْمُتَوفَّى سنة 1143.
- 87 - الْمُحدث مُحَمَّد بن أَحْمد عقيلة، الْمَكِّيّ الْمُتَوفَّى سنة 1150، لَهُ "المسلسلات - وعدة أثبات - والدر المنظوم - فِي خمس مجلدات - فِي تَفْسِير الْقُرْآن بالمأثور - وَالزِّيَادَة وَالْإِحْسَان فِي عُلُوم الْقُرْآن"، هذب بِهِ "الإتقان"، وَزَاد كثيرا من عُلُوم الْقُرْآن، وغالب مؤلفاته فِي مكتبة عَلّي باشا الْحَكِيم، باصطنبول، أَخذ عَن العجيمي، وَغَيره.
- 88 - الشَّيْخ عبد الله بن مُحَمَّد الأماسي، شرح البُخَارِيّ، وَسَماهُ: "نجاح الْقَارِي - فِي شرح البُخَارِيّ" فِي ثَلَاثِينَ مجلداً، وَشرح - صَحِيح مُسلم - فِي سبع مجلدات، وَسَماهُ: "عناية الْمُنعم بشرح صَحِيح مُسلم"، بلغ فِيهِ إِلَى شطر مُسلم، الْمُتَوفَّى سنة 1167.
- 89 - مُحَمَّد بن الْحسن الْمَعْرُوف، بِابْن همات، مؤلف "تحفة الرَّاوِي - فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْبَيْضَاوِيّ"، الْمُتَوفَّى سنة 1175.
- 90 - السَّيِّد مُحَمَّد المرتضى الزبيدِيّ، شَارِح "الْإِحْيَاء" ومؤلف "عُقُود الْجَوَاهِر المنيفة - فِي أَدِلَّة مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة"، الْمُتَوفَّى سنة 1205.
- 91 - الْمُحدث الْفَقِيه مُحَمَّد هبة الله البعلي، مؤلف "حديقة الرياحين - فِي طَبَقَات مَشَايِخنَا المسندين". ومؤلف "التَّحْقِيق الباهر فِي شرح الْأَشْبَاه والنظائر" فِي خمس مجلدات ضخام، الْمُتَوفَّى سنة 1224.
- 92 - صَاحب "رد الْمُحْتَار" الْعَلامَة مُحَمَّد أَمِين بن السَّيِّد عمر الْمَشْهُور "بِابْن عابدين"، الْمُتَوفَّى سنة 1252، صَاحب المؤلفات الْمَشْهُورَة، وَأَسَانِيده ومروياته فِي ثبته الْمَشْهُور باسم "عُقُود اللآلي - فِي الْأَسَانِيد العوالي".
- 93 - الشَّيْخ مُحَمَّد عَابِد السندي صَاحب "حصر الشارد" و"طوالع الْأَنْوَار" - عَلَى الدّرّ الْمُخْتَار" فِي سِتَّة عشر مجلداً ضخماً، وشارح "مُسْند أبي حنيفَة" فِي مجلدات، سَمَّاهُ: "الْمَوَاهِب اللطيفة"، الْمُتَوفَّى سنة 1257.
- 94 - الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ المجددي، الْمُتَوفَّى سنة 1296، أسانيده فِي "اليانع الجني".
- 95 - الشَّيْخ مُحَمَّد عبد الْحَيّ اللكنوي، أعلم أهل عصره بِأَحَادِيث الْأَحْكَام، الْمُتَوفَّى سنة 1304، إِلَّا أَن لَهُ بعض آراء شَاذَّة، لَا تقبل فِي الْمَذْهَب، واستسلامه لكتب التجريح من غير أَن يتعرف دخائلها، لَا يكون مرضياً عِنْد من يعرف مَا هُنَاكَ.(/)
- 96 - شيخ مَشَايِخنَا، الشَّيْخ الْمُحدث أَحْمد ضِيَاء الدَّين بن مصطفى الكمشخانوي، الْمُتَوفَّى سنة 1311 ألَّف "راموز أَحَادِيث الرَّسُول" فِي مُجَلد ضخم، وَشَرحه "لوامع الْعُقُول" فِي خَمْسَة مجلدات، وَله نَحْو خمسين مؤلفاً سُوَى ذَلِك.
وَفِي الْهِنْد عُلَمَاء بارعون فِي الحَدِيث من أهل الْمَذْهَب، لَا مجَال لاستقصائهم، كثَّر الله أمثالهم، وَهَذِه نبذة يسيرَة من محدثي الْحَنَفِيَّة، سردنا أسمائهم هُنَا، ليدل الْقَلِيل عَلَى الْكثير، رَحِمهم الله (1) .
__________
(1) تَكْمِلَة وتذييل:
نظرا إِلَى تعرض الْأُسْتَاذ الْجَلِيل "الكوثري" إِلَى ذكر طَائِفَة من الْمُحدثين بِالْهِنْدِ، أَحْبَبْت أَن أذيل هَذَا الْمَوْضُوع بِذكر عدَّة من الْمُحدثين إِلَى يَوْمنَا هَذَا، وسلكت مسلكته فِي الِاقْتِصَار فِي تراجمهم بسطر أَو سطرين، واعتنيت بِذكر من لَهُ تصنيف فِي الحَدِيث، أَو شهرة لَهُ فِيهِ، بترتيب الاستحضار من غير تَرْتِيب الوفيات، أَو الطَّبَقَات، فِي جلْسَة وَاحِدَة، وبالله التَّوْفِيق.
- 1 - الْمُحدث الشَّيْخ مُحَمَّد حَيَاة السندي، الْمُتَوفَّى سنة 1163 بِالْمَدِينَةِ.
- 2 - الْمُحدث الْمُحَقق الشَّيْخ هَاشم بن عبد الغفور السندي، وَله مؤلفات مثل "فَاكِهَة الْبُسْتَان" و"تَرْتِيب صَحِيح البُخَارِيّ عَلَى تَرْتِيب الصَّحَابَة". وَغَيرهمَا.
- 3 - الشَّيْخ الْمُحدث أَبُو الطّيب السندي، صَاحب "الْحَوَاشِي عَلَى الْأُصُول السِّتَّة" معاصر الشَّيْخ أبي الْحسن السندي، الْمُتَوفَّى فِي حُدُود سنة 1140 هـ.
- 4 - الشَّيْخ مُحَمَّد معِين السندي، من تلامذة الشاه ولي الله الدهلوي، وَمن كبار شُيُوخ الشَّيْخ هَاشم، وَالشَّيْخ مُحَمَّد حَيَاة الْمَذْكُورين، الْمُتَوفَّى فِي حُدُود 1180 هـ
- 5 - الْمُحدث الإِمَام الشاه ولي الله الدهلوي، الْمُتَوفَّى سنة 1176 هـ، إِمَام نهضة الحَدِيث فِي الْهِنْد، صَاحب "حجَّة الله الْبَالِغَة" و"إِزَالَة الخفاء" و"الانصاف". و"عقد الْجيد"، و"الْمُصَفَّى. والمسوي - شرحي الْمُوَطَّأ" - لمَالِك، و"الارشاد إِلَى مهمات علم الْإِسْنَاد" و"شرح تراجم صَحِيح البُخَارِيّ" و"الانتباه فِي سلاسل أَوْلِيَاء الله".
وَالْقسم الثَّانِي من "الانتباه" فِي أَسَانِيد كتب الحَدِيث وَالْفِقْه، وفوائد سامية من الحَدِيث، وَهَذَا الْقسم غير مطبوع، مَوْجُود بِمَكَّة - عِنْد الشَّيْخ عبيد الله الديوبندي - وَغَيرهَا من المؤلفات الجليلة، وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي إِسْنَاد محدثي ديوبند.
- 6 - الْمُحدث الشَّيْخ مُحَمَّد أفضل السيالكوتي، ثمَّ الدهلوي، شيخ الشاه ولي الله الدهلوي فِي الحَدِيث، وتلميذ الْمُحدث الشَّيْخ عبد الله بن سَالم الْمصْرِيّ الْمَكِّيّ.
- 7 - الْمُحدث الْحجَّة الشاه عبد الْعَزِيز بن الشاه ولي الله الدهلوي، الْمُتَوفَّى 1239 هـ، صَاحب "بُسْتَان الْمُحدثين"، و"العجالة النافعة" فِي مهمات علم الحَدِيث، و"تحفة الاثنا عشرِيَّة" وَغَيرهَا.
- 8 - الْمُحدث الْكَبِير الشَّيْخ القَاضِي ثَنَاء الله المظهري الفانيفتي، من تلامذة الشاه ولي الله الدهلوي، كَانَ الشاه عبد الْعَزِيز يُسَمِّيه "بيهقي الْعَصْر" لَهُ تَفْسِير عَظِيم، لَا نَظِير لَهُ فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام، وأدلتها، لم يطبع كُله، وَله كتاب "منار الْأَحْكَام" لم يطبع، وَغَيرهمَا.
- 9 - الشاه عبد الْقَادِر بن الشاه ولي الله الدهلوي، الْمُتَوفَّى فِي حُدُود سنة 1230 هـ.
- 10 - الشاه رفيع الدَّين بن الشاه ولي الله الدهلوي، الْمُتَوفَّى فِي حُدُود سنة 1235 هـ.
- 11 - الْمُحدث الشَّيْخ عبد الْحَيّ الدهلوي، من أكبر تلامذة الشاه عبد الْعَزِيز.
- 12 - الْمُحدث مُسْند الْهِنْد، الشَّيْخ مُحَمَّد إِسْحَاق بن بنت الشاه عبد الْعَزِيز الدهلوي، الْمُتَوفَّى سنة 1262 هـ.
- 13 - الشَّيْخ مُحَمَّد يَعْقُوب أَخُو الشَّيْخ مُحَمَّد إِسْحَاق الدهلوي، توفّي سنة 1282 هـ.
- 14 - الشَّيْخ عبد القيوم بن بنت الشاه عبد الْعَزِيز، أَخذ من الشَّيْخ مُحَمَّد إِسْحَاق، توفّي سنة 1299.
- 15 - الشَّيْخ الْمُحدث مُحَمَّد إِسْمَاعِيل الدهلوي، اسْتشْهد فِي الْجِهَاد مَعَ الْكفَّار سنة 1246.
- 16 - الْمُحدث الشَّيْخ أَحْمد عَلّي السهانفوري، الْمُتَوفَّى سنة 1297 هـ، صَاحب شرح جيد حافل، عَلَى صَحِيح البُخَارِيّ.
- 17 - الشَّيْخ الْعَارِف الْمُحدث مُحَمَّد قَاسم النانوتوتي الديوبندي، الْمُتَوفَّى سنة 1297، مؤسس دَار الْعُلُوم "بديوبند"، مَرْكَز الثقافة الدِّينِيَّة والعلمية بِالْهِنْدِ، صَاحب التصانيف الْعَالِيَة.
- 18 - الشَّيْخ الْمُحدث، الشَّيْخ رشيد أَحْمد الكنكوهي، الديوبندي، الْمُتَوفَّى سنة 1323 هـ، صَاحب التآليف السامية.
- 19 - الشَّيْخ الْمُحدث مُحَمَّد يَعْقُوب النانوتوتي الديوبندي، الْمُتَوفَّى فِي حُدُود 1300 هـ.
- 20 - الشَّيْخ فَخر الْحسن الكنكوهي الديوبندي، صَاحب حَاشِيَة جَيِّدَة، عَلَى سنَن أبي دَاوُد من تلامذة الشَّيْخ الكنكوهي.
- 21 - الشَّيْخ أَحْمد حسن الأمروهوي الديوبندي، من تلامذة الشَّيْخ مُحَمَّد قَاسم النانوتوتي.
- 22 - الْمُحدث أستاذ الْعَالم، الشَّيْخ مَحْمُود حسن الديوبندي الْمَدْعُو "بشيخ الْهِنْد"، الْمُتَوفَّى سنة 1339، صَاحب التحقيقات والتصانيف الفائقة فِي الحَدِيث، وَالتَّفْسِير، وَالْكَلَام.
- 23 - الشَّيْخ الْمُحدث ظهير أحسن النيموي، صَاحب "آثَار السّنَن" وعدة رسائل جَيِّدَة، فِي مسَائِل من الحَدِيث.
- 24 - الْمُحدث الْكَبِير إِمَام الْعَصْر مُحَمَّد أنور الكشميري، ثمَّ الديوبندي، الْمُتَوفَّى سنة 1352 هـ، صَاحب المؤلفات الحاوية، عَلَى تحقيقات باهرة، مثل: "فصل الْخطاب"، و"نيل الفرقدين"، و"كشف السّتْر"، وَغَيرهَا.
- 25 - الشَّيْخ الْمُحدث مُحَمَّد أشرف عَلّي التهانوي الديوبندي، الملقب بِحَكِيم الْأمة، بلغ سنه الشريف إِلَى ثَمَانِينَ سنة، جَاوَزت مؤلفاته خَمْسمِائَة مُصَنف، قَلما يَخْلُو فن من تآليفه، طَال بَقَاؤُهُ.
- 26 - الْمُحدث الشَّيْخ حُسَيْن عَلّي الميانوالي، فِي البنجاب، من تلامذة الْمُحدث الشَّيْخ الكنكوهي، وَلَعَلَّ عمره ثَمَانُون سنة، أَو جاوزها، طَال بَقَاؤُهُ.
- 27 - الْمُحدث مُحَقّق الْعَصْر الشَّيْخ شبير أَحْمد العثماني الديوبندي، صَاحب "فتح الملهم - شرح صَحِيح مُسلم" فِي مجلدات ضخام، وَشَيخ الحَدِيث الْيَوْم، بالجامعة الإسلامية - بدابهيل سورت، بلغ عمره الشريف سِتِّينَ عَاما، طَالَتْ حَيَاته.
- 28 - الْمُحدث شيخ الْعَصْر الشَّيْخ حُسَيْن أَحْمد، شيخ الحَدِيث الْيَوْم بدار الْعُلُوم، فِي ديوبند، جَاوز سنه لشريف سِتِّينَ سنة، طَال بَقَاؤُهُ.
- 29 - الْمُحدث الْمُحَقق الشَّيْخ مُحَمَّد كِفَايَة الله الدهلوي، مفتي الدَّار الْهِنْدِيَّة، وَشَيخ الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ الأمنية فِي دهلي، عمره الشريف حوالي سِتِّينَ سنة، طَال بَقَاؤُهُ.
- 30 - الْمُحدث الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الفنجابي، صَاحب "أَطْرَاف البُخَارِيّ" و"حَاشِيَة تَخْرِيج الزَّيْلَعِيّ إِلَى الْحَج"، وَغَيرهمَا، لَهُ تحقيقات فِي الحَدِيث، واشتغال جيد فِي الرِّجَال والطبقات، عمره نَحْو سِتِّينَ سنة.
- 31 - الْمُحدث الشَّيْخ مهْدي حسن الشاهجهانفوري، صَاحب التآليف المفيدة فِي الحَدِيث وَغَيره، وَمن أعظمها "شرح كتاب الْآثَار" - لمُحَمد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ، سنه حوالي سِتِّينَ سنة.
- 32 - الْمُحدث الشَّيْخ مُحَمَّد إِدْرِيس الكاندلوي، شَارِح "مشكاة المصابيح" فِي خمس مجلدات كَبِيرَة، بلغ الْخمسين من عمره.
- 33 - الْمُحدث الشَّيْخ مُحَمَّد زَكَرِيَّا الكاندلوي، شيخ الحَدِيث الْيَوْم بمدرسة مظَاهر الْعُلُوم، فِي سهارنفور، صَاحب "أوجز المسالك - فِي شرح موطأ مَالك، قَارب خمسين عَاما من عمره.
وَغير هَؤُلَاءِ عُلَمَاء يشتغلون بِالْحَدِيثِ درساً وتأليفاً، لَا يَتَّسِع المجال لذكرهم.(/)
= ولصديقنا الأديب الْفَاضِل "مُحَمَّد يُوسُف الكاملفوري" صَاحب "تَكْمِلَة الْحَاشِيَة عَلَى تَخْرِيج الزَّيْلَعِيّ" "قصيدة رائعة فِي ذكر أكَابِر الْمُحدثين فِي الْهِنْد، فِي غابرها وحاضرها، وَلَا أرَى بَأْسا فِي سردها هُنَا، لتَكون بَصِيرَة عَلَى بعض مآثر محدثي الْهِنْد، لمن يُرِيد الْخِبْرَة بهَا، وَهِي هَذِه: (1) .
فلق الصديع، وذرّ نور ذكاء ... وبدا محيّا الصُّبْح بعد مسَاء
وَالْأَرْض مشرقة الربي مخضرّة ... تزهو برونق وَجههَا ورواء
موشيّة الرَّوْض الأريض، كَأَنَّهَا ... خود جلت بمنصة علياء
كَائِن بهَا من رَوْضَة أنف بهَا ... عين معِين، للهدى وعلاء
تجْرِي ينابيع المعارف جمّة ... مِنْهَا كَمَا يجْرِي زلال المَاء
لاسيما - كجرات - خطة. بهجة ... مهد الْعُلُوم، وملتقى الْفُضَلَاء
كَانَت قَدِيما مهبطاً لأماثل ... ومحطة الْفُضَلَاء والحكماء
من بَلْدَة حلّ الحَدِيث تمائماً ... فِيهَا، وشب شبيبة بنماء
مَرْفُوعَة آيَاته، منشورة ... راياته بِالْعِزَّةِ القعساء
وحوت رجال الْعلم أيّ رِجَاله، ... أَعْلَام دين الله ذِي النعماء
غرّ الْوُجُوه، كَرِيمَة أحسابهم، ... شم الأنوف، ذَوي سَناً وسناء
[أَهلا وسهلاً بالذين أودّهم ... وأحبّهم فِي الله ذِي الآلاء:]
مِنْهُم عَلّي بن الحسام المتقي ... متفيهق بِالْعلمِ، كالداماء
أَبْقَى عَلَى الْأَيَّام كنزاً غالياً، ... للعاملين، كدَّرة بَيْضَاء
عِنْد الصبيحة يحمد الْقَوْم السرى ... من بهجة الغبراء والخضراء
والطاهر الفتنىّ، رحْلَة عصره، ... ملىء الكُنَيْفُ بحكمة وبهاء
وَالشَّيْخ عبد الْحق شَارِح سنة، ... فِي صَدره مِصْبَاح كل ضِيَاء
لمعت عَلَى وَجه الدنا لمعاته، ... كَالشَّامَةِ السَّوْدَاء فِي الْحَمْرَاء
أَحْيَا نفوسهمُ مآثر دارسا ... تٍ، (دراسات) قد عفت بِالْجَهْلِ والباساء
[أَهلا بِقوم صالحين ذَوي التقَى، ... غرّ الْوُجُوه، وزين كل ملاء]
طَابَ النسيم ولاحت الْأَنْوَار، ... من كَثْرَة الأزهار والأضواء
طابت نُفُوسهم، فَعم فيوضهم ... غرر الزَّمَان، كشأمة الْحَسْنَاء
فتنقّل الْأَيَّام بعد حياتهم، ... كتنقل الأظلال والأفياء
والدهر ذُو دوَل، كريشة طَائِر، ... ظهرا عَلَى بطن بِكُل فضاء
فتعطلت عَنْهُم مشَاهد حِكْمَة، ... ومشارق الْأَنْوَار بعد ضِيَاء
ركدت نسائمهم، وغاضت أبحر، ... تركُوا الْأَنَام بليلة ليلاء
صَاح الْغُرَاب، وَقد ترحل جيرة، ... فَأطَال فِي تِلْكَ الرسوم بُكَائِي
فَمَضَى عَلَى هَذَا التعطل بُرْهَة، ... اذ جاش روح الله للإِحياء
فَنَشَأَ ولي الله، عصرة عصره، ... بَحر الْحَقَائِق، فَارس العلياء
هُوَ مُسْند الْوَقْت الأغرّ، محجّل، ... وَحَكِيم هذي الأمّة الشُّهَدَاء
من بَيت علم، كَابِرًا عَن كَابر، ... بسيادة، ومجادة، ووفاء
فَأَحبهُ أهل الزَّمَان، وَمثله، ... وضع الْقبُول لَهُ بِكُل سَمَاء
وَقَفاهُ من أنجاله غر الوجو ... هـ، (الْوُجُوه) هم النُّجُوم بليلة طخياء
عبد الْعَزِيز، الحبر، قدوة دهره، ... علم الْهدى، بالإِخوة النجباء
وَالشَّيْخ إِسْمَاعِيل، ذَاك ذبيحنا، ... بَطل، ومقدام لَدَى الهيجاء
نَالَ الشَّهَادَة من سَعَادَة جده، ... متهللاً مُتَبَسِّمًا برضاء
[لَهُم المهابة، وَالْجَلالَة، والنهى، ... وفضائل جلّت عَن الإِحصاء]
[يسعون فِي نشر الحَدِيث بعفَّة، ... وتوقر، وسكينة، وحياء]
فَتَبَسَّمَ الأيّامُ من أنفاسهم، ... كتبسم الْأَنْوَار بالأنواء
فازدانت الدُّنْيَا بأبهج زِينَة، ... عجبا من الصَّفْرَاء والحمراء
__________
(1) الأبيات الْوَاقِعَة بَين القوسين، هِيَ "لِابْنِ دُرَيْد" اللّغَوِيّ.(/)
مَا مِنْهُم، إِلَّا همام قد سما، ... كَالشَّمْسِ ترنوه برأد، ضحاء
فتسلطت بِالْهِنْدِ، عبّاد الْمسـ ... ـيح، (الْمَسِيح) وَذَاكَ خطب مَاله بكفاء
بلغ السُّيُول زبى الْأسود، وَدِيننَا ... أَضْحَى غَرِيبا، فَاقِد الْأَبْنَاء
فتصعدت كلم الدُّعَاء إِلَى السما، ... وتنزلت بَرَكَات ذِي الْأَسْمَاء
بعث الإِله، وسيبه من غيبه، الـ ... ـفاروق، (الْفَارُوق) بَين النُّور والظلماء
هُوَ قَاسم الْخيرَات، والبركات، ... ولسان هذي الْملَّة الْبَيْضَاء
وَصفيه، وخليله، ورفيقه ... الْمولى الرشيد، مجاب كل دُعَاء
كَانَا شهابي كل أكفرعاند، ... أَو ملحد متعنّت عوّاء
لدفاعه ونضاله وطراده، ... وطعانه، وضرابه، ورماء
وتفرسا بفراسة من نوره ... إِن الضلال، سجا بِكُل فنَاء
عزما عَلَى تأسيس جَامِعَة الْهدى، ... فِي ديوبند بعزمة حصداء
لَا يَهْتَدِي للخير إِلَّا خير، ... وموفق، ذُو همة شمَّاء
أَبقوا عَلَى وَجه الزَّمَان مآثراً، ... يفنى الزَّمَان، وَذكرهمْ بِبَقَاء
إِذْ جاهدوا فِي الله حق جهاده، ... سسقياً ورعياً، مَا لَهُم ببواء
فتعطر العَرف الشذي بأرضها، ... كتضوع الْأَنْوَار بالأنداء
فتفجرت أنهارها بمشارق ... ومغارب بالسقي والإِرواء
فتصدر الْمَحْمُود بعد مضائهم ... ركن الْهدى، كالصخرة الصماء
نور الْعِبَادَة، لامع من وَجهه ... فِي كل حَال شدَّة ورخاء
لم يخْش إِلَّا الله مُدَّة عمره، ... فِي كل شَأْن خَوفه ورجاء
لم يلْتَفت نَحْو المطامع لفتة، ... فِي كل طور زعزع ورُخاء
لم يدر إِلَّا الله عدّة صَحبه، ... هُوَ مُنْتَهى الإِسناد فِي الإِملاء
لما دَعَاهُ الله، نَاب مَنَابه، ... الْمُفْرد الْعلم المنيف الشائي
الشَّيْخ أنورنا، الرفيع مكانةً، ... شرقاً وغرباً، مُنْتَهى الأنحاء
وَبَقِيَّة السّلف الْكِرَام، وَحجَّة ... لشيوخه الأمجاد والنبلاء
شمس الْهدى، بدر الدجى، علم التقَى ... كَهْف الورى، هُوَ مأمن الغرباء
ولواذهم، وعياذهم، ومآبهم ... خفض الْجنَاح لطارق أَو جائي
مَيْمُون وَجه، ذُو الشَّمَائِل حلوة، ... ملقى الرّحال، وموسم الْفُضَلَاء
زهداً وتقوى، سيرة وسريرة، ... شمس الْعُلُوم، توسطت بسماء
من فيضه انْشَرَحَ الصُّدُور، وَفتحت ... عُمى الْعُيُون بِسنة وصفاء
محيي لدين الله، سيف صارم ... للكفر والإِلحاد والإِرجاء
علم من الْأَعْلَام، رحْلَة عصره، ... كالبدر يحلو حندس الظلماء
إِذْ خيف أَن يَسْطُو عَلَى نور الْهدى ... كفر المبير، بغارة شعواء
نبضت لَهُ عرق تذب عَن الْحمى ... فِي قطع تِلْكَ البقلة الحمقاء (1)
قد كَانَ معْجزَة، بَقِيَّة أمة ... سلفت، وحاشانا من الإطراء
فبقى عَلَى هَذَا يروي أمة، ... فِي الدَّهْر كل صباحه وَمَسَاء
فَأَصَابَهُ نوب الزَّمَان وضيمه، ... وَكَذَا الْكِرَام دريئة لبلاء
فانحاز عَنْهَا صَابِرًا، فِيمَا دها ... من شدَّة، وملمَّة عمياء
فَدَعَاهُ أهل الْفضل من دابهيل للتـ ... ـحَدِيث، (للتحديث) والإخبار والإنباء
إِذْ وفْق الله الْكِرَام لأمة ... تأسيس جَامِعَة، لريَّ ظلماء
وغدوا عَلَى سنَن الْكِرَام، وقلد الـ ... ـأنباء (الأنباء) فِيهَا سنة الْآبَاء
لبَّى مجيباً بالحبور نداءهم، ... للدّين لَا الدُّنْيَا، ونيل رقاء
فَأَعَادَ للدّين المتين رواءه، ... وبهاؤه، وغضارة النعماء
فَجَرَى عَلَى هَذَا النظام صَنِيعه، ... يسْقِي، ويشفي مُسْند الْإِمْلَاء
فَدَعَاهُ روح الله فِي جناته، ... والبدر مفتقد لَدَى الظلماء
فجزاه رب الْعَرْش أحسن مَا جزى ... للْعَالمين الصفوة الْعلمَاء
فتصدر الشَّيْخ الشهير مفضل، ... شبير أَحْمد ذُو نَثَا، وثناء
هُوَ صنوه، وَخَلِيفَة من بعده ... فِي مُسْند الْأَخْبَار والأنباء
هُوَ ترجمان الْوَحْي حبر زَمَانه، ... وَلَدي الْبَيَان فكوكب الجوزاء
ومفسر الْقُرْآن تَفْسِيرا بديـ ... ـعاً (بديعاً) رائقاً، بلطائف وبهاء
[فمداد مَا يجْرِي بِهِ أقلامه ... أَزْكَى وَأطيب من دم الشُّهَدَاء]
[يَا ناشري علم النَّبِي مُحَمَّد، ... مَا أَنْتُم وسواكم بِسَوَاء]
يَا شارحي علم الحَدِيث وَسنة ... نلتم رضَا فِي جنَّة خضراء
ولشيخنا الْمَحْمُود أَصْحَاب كبا ... رٌ، (كبار) كَالنُّجُومِ، ذَوي سنا وسناء
كالشيخ مَوْلَانَا الرِّضَى، أشرف عَلَى ... خير الْعباد، وأسوة الصلحاء
أوقاته، أنفاسه، حركاته، ... سكناته، للملة الْبَيْضَاء
فِي الزّهْد وَالتَّقْوَى، فُضَيْل زَمَانه، ... وشقيقه الْمَعْرُوف ذُو العلياء
مَلأ البسيطة حِكْمَة ومعارفاً، ... بالوعظ، والتصنيف، والإفتاء
__________
(1) إِشَارَة إِلَى الْفِتْنَة المرزائية القاديانية.(/)
وَخَلِيفَة الْمَحْمُود خير رَفِيقه ... فِي السجْن، عِنْد الْبَأْس وَالضَّرَّاء
مولَى الْكِرَام حُسَيْن أَحْمد ذُو التقَى، ... ملجى ومأوى النَّاس، عِنْد بلَاء
شيخ الحَدِيث، ورحلة فِي وقته، ... رب المآثر قدوة الكملاء
نور التقَى متهلل بجبينه، ... كَالشَّمْسِ ترنوه بِكُل مَرَائي
الْمَاجِد الْمِقْدَام قَائِد أمة، ... ملك القيادة، سيد الزعماء
وَالشَّيْخ مَوْلَانَا السمىّ كِفَايَة ... الله الشهير، وقائد الْعلمَاء
مفتي ديار الْهِنْد، أوحد عصره ... تزهو بِهِ "دهلي" عَلَى الأنحاء
متضلع بسياسة شَرْعِيَّة، ... ومعارف ملية وبهاء
وَالْحَمْد لله الْمُوفق رَحْمَة، ... لتَمام نظم جيد الْإِنْشَاء
يَا رب فَاغْفِر مَا اقترفت من الخطا، ... وأجب بِفَضْلِك مطلبي وَدُعَائِي
عفوا، وعافية، وَرِزْقًا وَاسِعًا، ... علما نفوعاً، حِكْمَة بشفاء(/)
كلمة فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل
- نجد فِي "الضُّعَفَاء" - للعقيلي، و"الْكَامِل" - لِابْنِ عدي، كلَاما كثيرا عَن هوى فِي سادتنا أَئِمَّة الْفِقْه، فَالْأول: لفساد معتقده عَلَى طَريقَة الحشوية. وَالثَّانِي: لتعصبه المذهبي عَن جهل، مَعَ سوء المعتقد، وَسَار من بعدهمَا سيرهما، إِمَّا جهلا، أَو تعصباً، وَلم يؤذ من سلك هَذَا المسلك إِلَّا نَفسه، وَلم يضع من شان أحد إِلَّا من شَأْن نَفسه، انْظُر قَول ابْن عدي فِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى الْأَسْلَمِيّ، شيخ الشَّافِعِي:"نظرت الْكثير من حَدِيثه فَلم أجد لَهُ حَدِيثا مُنْكرا" مَعَ أَنَّك تعلم أَقْوَال أهل النَّقْد فِيهِ، كأحمد. وَابْن حبَان، قَالَ الْعجلِيّ:" مدنِي، رَافِضِي، جهمي، قدري، لَا يكْتب حَدِيثه"، بل كذبه غير وَاحِد من النقاد، وَلَوْلَا أَن الشَّافِعِي كَانَ يكثر مِنْهُ، قدر إكثاره من مَالك، لما سَعَى ابْن عدي فِي تَقْوِيَة أمره، استناداً إِلَى قَول مثل ابْن عقدَة، وَلَا أَدْرِي كَيفَ ينْطَلق لِسَان ابْن عدي بالاستغناء عَن علم مثل مُحَمَّد بن الْحسن، وإمامه لم يسْتَغْن عَن علمه، بل بِهِ تخرج فِي الْفِقْه، لَكِن المتشبع بِمَا لَا يُعْط، يَسْتَغْنِي عَن علم كل عَالم، متغمغماً فِي جهلاته، غير نَاظر إِلَى مَا وَرَاءه وأمامه، وَهَكَذَا مَعَ سَائِر أَئِمَّتنَا كلهم، ألهمهم الله سُبْحَانَهُ مسامحته، وَمن معايب كَامِل ابْن عدي، طعنه فِي الرجل بِحَدِيث، مَعَ أَن آفته الرَّاوِي عَن الرجل، دون الرجل نَفسه، وَقد أقرّ بذلك الذَّهَبِيّ فِي مَوَاضِع من "الْمِيزَان"، وَمن هَذَا الْقَبِيل كَلَامه فِي أبي حنيفَة فِي مروياته الْبَالِغَة - عِنْد ابْن عدي - ثَلَاثمِائَة حَدِيث، وَإِنَّمَا تِلْكَ الْأَحَادِيث من رِوَايَة أباء بن جَعْفَر النجيرمي، وكل مَا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث من المؤاخذات كلهَا، بِالنّظرِ إِلَى هَذَا الرَّاوِي الَّذِي هُوَ من مَشَايِخ ابْن عدي، ويحاول ابْن عدي أَن يلصق مَا للنجيرمي إِلَى أبي حنيفَة مُبَاشرَة، وَهَذَا هُوَ الظُّلم والعدوان، وَهَكَذَا بَاقِي مؤاخذاته، وَطَرِيق فَضَح أَمْثَاله، النّظر فِي أسانيدهم.
وَأما الْعقيلِيّ، فقد نقلنا كلمة الذَّهَبِيّ فِيهِ، فِي مُقَدّمَة انتقاد الْمُغنِي، وَسبق منا الْكَلَام فِيهِ أَيْضا. وَأما كتب البُخَارِيّ فِي الرِّجَال، فَلَيْسَ ثُبُوتهَا مِنْهُ، كثبوت الْجَامِع الصَّحِيح عَلَى أَن النّظر فِي أسانيدها هُوَ الطَّرِيق الوحيد، لتعرف دخائلها، فَإِذا رَأَيْته يروي عَن نعيم بن حَمَّاد، تذكر قَول الدولابي، وَأبي الْفَتْح الْأَزْدِيّ فِيهِ، وَإِذا رَأَيْته يروي عَن الْحميدِي، تذكر كلمة مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم فِيهِ، وَإِذا وجدته يروي عَن إِسْمَاعِيل بن عرْعرة، تبحث عَنهُ فِي كتب الرِّجَال. مَعَ الانتباه إِلَى انْقِطَاع خبر الْحميدِي. وَخبر إِسْمَاعِيل، وَهَكَذَا تفعل فِي بَاقِي الْكتب، وَأما كتاب ابْن حبَان فِي الرِّجَال، فتنظر حَال مُؤَلفه فِي "مُعْجم الْبلدَانِ" - لياقوت فِي (بست) ، وَقد قَالَ الذَّهَبِيّ عَن ابْن حبَان فِي "تَرْجَمَة أَيُّوب بن عبد السَّلَام - من الْمِيزَان": إِنَّه صَاحب تشنيع وتشغيب، وَلَا تنسى كلمة ابْن الْجَوْزِيّ - فِي مَنَاقِب أَحْمد - فِي ابْن الْمَدِينِيّ، وَأما عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، فَكَانَ كثير الطعْن، كثير التراجع، قَالَ أَبُو طَالب الْمَكِّيّ فِي "قوت الْقُلُوب": كَانَ عبد الرَّحْمَن يُنكر الحَدِيث، ثمَّ يخرج بعد وَقت، فَيَقُول: هُوَ صَحِيح، وَقد وجدته، وَعَن ابْن أُخْته أَنه قَالَ: كَانَ خَالِي قد خطّ عَلَى أَحَادِيث، ثمَّ صحّح عَلَيْهَا بعد ذَلِك، وقرأتها عَلَيْهِ، فَقلت: قد كنت خططت عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: نعم، ثمَّ تفكرت، فَإِذا أَنِّي إِذا ضعفتها أسقطت عَدَالَة ناقلها، وَإِن جَاءَنِي بَين يَدي الله تَعَالَى، وَقَالَ لي: لم أسقطت عدالتي؟ رَأَيْتنِي لم يكن لي حجَّة، رَاجع كلمة الْعجلِيّ فِي سُؤَالَات ابْنه، فِي "ابْن مهْدي"، وَأما الْخَطِيب، فتدرس أشعاره الَّتِي نقلهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي "السهْم الْمُصِيب" من خطه، ثمَّ مَا ذكره سبط ابْن الْجَوْزِيّ فِي "مرْآة الزَّمَان" بِشَأْنِهِ (1) حَتَّى تعلم قيمَة كَلَامه فِي الْجرْح. وَكتاب "الْجرْح وَالتَّعْدِيل" - لِابْنِ أبي حَاتِم، فَبعد أَن ترَى فِيهِ كَلَامه فِي البُخَارِيّ شيخ حفاظ الْأمة - تَركه أَبُو زرْعَة. وَأَبُو حَاتِم -، تعلم مبلغ تهوره، فتتروى فِي قبُول مَا يَقُوله من الجروح، وَفِي أَوَائِل مَا علقناه عَلَى شُرُوط الْأَئِمَّة فَوَائِد من الرامَهُرْمُزِي فِي هَذَا الصدد. قَالَ ابْن معِين: رُبمَا نتكلم فِي الرجل، وَقد حط رَحْله فِي دَار النَّعيم من زمن بعيد، وَكم اختلق إِبْرَاهِيم بن بشار الرَّمَادِي عَلَى لِسَان ابْن عُيَيْنَة من الرِّوَايَات؟، وَكم افتروا عَلَى مَالك فِي هَذَا الصدد؟، كَمَا يظْهر من كَلَام أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ فِي "الْمُنْتَقَى - شرح الْمُوَطَّأ" ص 300 - 7، وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان. وَغَيره عَن السَّاجِي: مُخْتَلف فِي الحَدِيث، ضعفه قوم، وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ، بل ترَاهُ كثير الِانْفِرَاد بمناكير الْأَخْبَار عَن مَجَاهِيل، كَمَا تَجِد ذَلِك مِنْهُ بِكَثْرَة فِي تَارِيخ الْخَطِيب. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ فِي حَدِيث ذَكَاة الْجَنِين، عِنْد ذكره كلمة انْفَرد بهَا السَّاجِي: إِنَّه لَيْسَ بمأمون، وَلَا ثِقَة، فَلَا يكون كَلَامه فِي الْعِلَل وَالْخلاف مَوضِع تعويل أصلا. وتعصبه الْبَارِد مِمَّا لَا يُطَاق. وَمن تحامل عَلَى أَئِمَّتنَا، إِمَّا راو جامد، لَا ينتبه إِلَى دقة مدرك أَئِمَّتنَا فِي الْفِقْه، فيطعن فيهم بمخالفة الحَدِيث، وَهُوَ الْمُخَالف للْحَدِيث دونهم، أَو زائغ، صَاحب بِدعَة، يظنّ بهم أَنهم عَلَى ضلال، وَهُوَ الضال الْمِسْكِين. وَمن الطعون مَا يسْقط بِهِ الطاعن بِأول نظرة، حَيْثُ يكون كَلَامه ظَاهر المجازفة، فَإِذا رَأَيْته يَقُول مثلا: "فلَان مَا ولد بِالْإِسْلَامِ أشأم مِنْهُ" لاحظت أَنه لَا شُؤْم فِي الْإِسْلَام، وَإنَّهُ عَلَى تَسْلِيم وجوده فِي غير الثَّلَاث الْوَارِدَة فِي الحَدِيث، لَا تشك أَن دَرَجَات الشؤم تكون متصاعدة، فَالْحكم عَلَى شخص بِأَنَّهُ أشأم المشؤومين بِغَيْر نَص من الْمَعْصُوم، حكم غيبي يبرأ مِنْهُ أهل الدَّين، فَمثل هَذَا الْكَلَام يسْقط قَائِله عَلَى تَقْدِير ثُبُوته عَنهُ، قبل إِسْقَاط الْمَقُول فِيهِ، فمسكين جدا من يسجل مثل هَذَا الهراء فِي شَأْن الْأَئِمَّة القادة، وَأما الطعْن فِي الرجل بِاعْتِبَار أَنه لَيْسَ من بلد الطاعن، أَو لَيْسَ من قومه، أَو لَيْسَ عَلَى مذْهبه، فتعصب بَارِد، يأباه أهل الدَّين، قَالَ الشَّافِعِي فِي "الْأُم": من أبْغض الرجل، لِأَنَّهُ من بني فلَان، فَهُوَ متعصب، مَرْدُود الشَّهَادَة، قَالَ أَبُو طَالب فِي "قوت الْقُلُوب": وَقد يتَكَلَّم بعض الْحفاظ بالإقدام. والجرأة، فيتجاوز الْحَد فِي الْجرْح، وَيَتَعَدَّى فِي اللَّفْظ، وَيكون الْمُتَكَلّم فِيهِ أفضل مِنْهُ، وَعند الْعلمَاء بالله تَعَالَى أَعلَى دَرَجَة، فَيَعُود الْجرْح عَلَى الْجَارِح، اهـ. وَفِي: ص 62 من - الِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ - لِابْنِ قُتَيْبَة مَا يكْشف النقاب عَن وُجُوه مجازفاتهم باسم الْجرْح وَالتَّعْدِيل، بعد محنة أَحْمد، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي "التلبيس": وَمن تلبيس إِبْلِيس عَلَى أَصْحَاب الحَدِيث، قدح بَعضهم فِي بعض، طلبا للتشفي، وَيخرجُونَ ذَلِك مخرج الْجرْح وَالتَّعْدِيل الَّذِي اسْتَعْملهُ قدماء هَذِه الْأمة، للذب عَن الشَّرْع، والله أعلم بالمقاصد، وَدَلِيل خبث هَؤُلَاءِ سكوتهم عَمَّن أخذُوا عَنهُ، اهـ.
وَالْحَاصِل أَن كتب الْجرْح من أَمْثَال مَا سبق، وأمثال تَارِيخ ابْن أبي خثيمَةَ. وَكتاب "المدلسين" - للكرابيسي، لم تدع من لم تغمز فِيهِ، سَوَاء أَكَانَ من الْحفاظ، أم من الْأَئِمَّة الْفُقَهَاء، بِحَيْثُ يجد مثل الصاحب بن عباد أكبر طعن فِي كبار الْحفاظ، وَأهل الحَدِيث فِي تِلْكَ الْكتب، ويؤلف فِي ذَلِك مؤلفاً خَاصّا، وَكَذَلِكَ يفعل بعض الفاتنين فِي أَئِمَّة الدِّين، فَلَا نود أَن نتوسع هُنَا فِي الْبَحْث بِأَكْثَرَ من هَذَا، وَمِمَّا يؤسف لَهُ جدا اسْتِمْرَار هَذَا التعصب الْمَرْدُود، عَلَى توالي الْقُرُون، وَهَذَا الْحَافِظ ابْن حجر، ترَاهُ يسند فِي "لِسَان الْمِيزَان - فِي تَرْجَمَة معمر بن شبيب بن شيبَة": أَنه سمع الْمَأْمُون يَقُول: "امتحنت الشَّافِعِي فِي كل شَيْء، فَوَجَدته كَامِلا، وَقد بقيت خصْلَة، وَهُوَ أَن أسقيه من النَّبِيذ، مَا يغلب عَلَى الرجل الْجيد الْعقل، قَالَ: فَحَدثني ثَابت الْخَادِم أَنه استدعى بِهِ، فَأعْطَاهُ رطلا، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا شربته قطّ، فعزم عَلَيْهِ، فشربه، ثمَّ والى عَلَيْهِ عشْرين رطلا، فَمَا تغير عقله، وَلَا زَالَ عَن حجَّته" ثمَّ يَقُول ابْن حجر: قلت: لَا يخْفَى عَلَى من لَهُ أدنَى معرفَة بالتاريخ أَنَّهَا كذب، اهـ.
ثمَّ تَجِد ابْن حجر يَقُول فِي "توالي التأسيس" ص 56: "وَقَالَ معمر بن شبيب: يَقُول: سَمِعت الْمَأْمُون يَقُول: "امتحنت مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي فِي كل شَيْء فَوَجَدته كَامِلا". مُقْتَصرا عَلَى هَذَا الْقدر من الحَدِيث، مَعَ أَن الْحِكَايَة بأسرها مكذوبة، فَكيف استساغ ابْن حجر الِاحْتِجَاج بِشَطْر الْخَبَر المكذوب فِي إِثْبَات منقبة للشَّافِعِيّ، وَمَا ورد بِسَنَد وَاحِد، إِمَّا أَن يردَّ كُله، أَو يقبل كُله، وَمَا فعله ابْن حجر هُنَا هِيَ الْخِيَانَة بِعَينهَا، وَكم سجل عَلَيْهِ أبر أَصْحَابه إِلَيْهِ من تعصبات بَارِدَة ضد الْحَنَفِيَّة. وَغَيرهم فِي "الدُّرَر الكامنة"، رَاجع - هوامشها - المنقولة من خطّ السخاوي، وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع بسط لسرد مَاله من هَذَا الْقَبِيل. وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا قَالَه فِي "توالي التأسيس": ص 47: وَيدل عَلَى اشتهاره فِي القدماء مَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن، اهـ، وَهُوَ يعلم أَن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن هُوَ: ابْن الْجَارُود الرقي الْكذَّاب الْمَشْهُور، وَلَا عذر لَهُ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ بطريقه، لِأَنَّهُ لَا يعلم أَنه لَا يَتَّقِي رِوَايَة رحْلَة الشَّافِعِي، الظَّاهِرَة الْكَذِب، بطرِيق أَحْمد بن مُوسَى النجار عَن عبد الله بن مُحَمَّد البلوي: كَمَا فعل مثل ذَلِك أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ، وهما يعرفان جَمِيعًا أَن البلوي كَذَّاب، والنجار مثله، لَكِن قَاتل الله التعصب، يفتك بالمتعصبين. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي "الْمِيزَان" عَن النجار هَذَا: حَيَوَان وَحشِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سهل الْأمَوِي حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد البلوي، فَذكر محنة مكذوبة للشَّافِعِيّ، فضيحة لمن تدبرها، اهـ.، وَهِي الرحلة الَّتِي كذبهَا ابْن حجر أَيْضا فِي "مَنَاقِب الشَّافِعِي": ص 71، وَمِمَّا يُؤَاخذ عَلَيْهِ ابْن حجر، ذكره الْبَلْوَى فِي عداد أَصْحَاب الشَّافِعِي، واصفاً لَهُ أَنه من الضُّعَفَاء فَقَط، مَعَ أَنه كَذَّاب مَشْهُور.
وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة فِيمَا نُرِيد لفت النّظر إِلَيْهِ هُنَا، وَصَلى الله عَلَى سيدنَا مُحَمَّد. وَآله، وَصَحبه، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا، وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين
فِي 3 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1357 هـ. 31 يولية سنة 1938 م.
كتبه الْفَقِير إِلَى آلآء مَوْلَاهُ، مُحَمَّد زاهد بن الْحسن بن عَلّي الكوثري، عَفا الله عَنْهُم، وَعَن مشايخهم، وقرابتهم، وَسَائِر الْمُسلمين.
__________
(1) رَاجع ابْن الْجَوْزِيّ فِي "الْخَطِيب" ص 136، وص 137، من الْجُزْء الثَّانِي من "نصب الرَّايَة".(/)