أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَوْمٍ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ، وَالْأَضْحَى، وَالْفِطْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. وَقَالَ: انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ1 وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ بِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ أَبُو عَبَّادٍ أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَعَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَرَاهِيَةُ الصَّوْمِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَحُجَّتُهُمْ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ2 عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَقِيَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ الْعَلَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، قَالَ: وَسَأَلْت عَنْهُ ابْنَ مَهْدِيٍّ فَلَمْ يُصَحِّحْهُ: وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ، وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ، قَالَ أَحْمَدُ: وَالْعَلَاءُ ثِقَةٌ، لاينكر مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا هَذَا، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ فِيهِ: فَكُفُّوا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَرُوِيَ3: فَأَمْسِكُوا، رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ، فَكُفُّوا، قَالَ: وَبَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، وَلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ فَرْقٌ، فَإِنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ نَهْيٌ لِمَنْ كَانَ صَائِمًا عَنْ التَّمَادِي فِي الصَّوْمِ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ نَهْيٌ لِمَنْ كَانَ صَائِمًا، وَلِمَنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا عَنْ الصَّوْمِ بَعْدَ النِّصْفِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْتَارُ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ يَوْمَ الشَّكِّ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، فَأَخْتَارُ أَنْ يَصُومَهُ، انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ4، وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِ يَوْمَ الشَّكِّ تَطَوُّعًا، قُلْت: غَرِيبٌ،
__________
1 لفظ البيهقي: "هو غير قوي".
2 الترمذي في "باب كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان" ص 92 ج 1، وأبو داود في "باب كراهية ذلك" ص 326، وابن ماجه في "باب النهي أن يتقدم رمضان بيوم ص 120، بلفظ: فلا صوم حتى يأتي رمضان.
3 رواه الدارمي في "مسنده" ص 220.
4 أخرج البيهقي في "سننه الكبرى" ص 211 ج 4 عن عبد الله بن أبي موسى، مولى بني نصر أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن اليوم الذي يشك فيه الناس، فقالت: لأن أصوم من شعبان أحب إلى من أن أفطر رمضان، اهـ. وأخرج نحوه عن أسماء بنت أبي بكر، وأبي هريرة، وأخرج الشافعي في "كتاب الأم" ص 80 ج 2(2/441)
وَفِي "التَّحْقِيقِ" لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مَذْهَبُ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ أَنَّهُ يَجِبُ صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا حَالَ دُونَهُ غَيْمٌ أَوْ نَحْوُهُ، قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لا يسمى يوم الشك، بَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ حُكْمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ".قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا، وَالْمَعْرُوفُ هَذَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَأَتَى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى: وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ: صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ: مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَى آخِرِهِ، وَوَهَمَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ فِي "الْغَايَةِ" فَعَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ. وَمُسْلِمٌ لَمْ يَرْوِهِ، وَالْبُخَارِيُّ إنَّمَا ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَلَّدَ سِبْطَ ابْنَ الْجَوْزِيِّ فِي ذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي "تَارِيخِ بَغْدَادَ2 فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآدَمِيِّ" ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: تَابَعَ الْآدَمِيُّ عَلَيْهِ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الطَّبَرَانِيَّ عَنْ وَكِيعٍ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ وَكِيعٍ، فَلَمْ يُجَاوِزْ بِهِ عِكْرِمَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى
__________
ومن طريقه الدارقطني: ص 223 عن فاطمة بنت الحسين أن رجلاً شهد عند عليٍّ على رؤية الهلال، فصام، وأمر الناس أن يصوموا، وقال: أصوم يوماً من شعبان، أحب إليَّ أن أفطر يوماً من رمضان، اهـ. قال الحافظ في "التلخيص" ص 197: فيه انقطاع، اهـ.
1أبو داود في "باب كراهية صوم يوم الشك" ص 426، والترمذي: ص 86، والنسائي: ص 306، وابن ماجه: ص 120، والطحاوي: ص 356، والحاكم: ص 423، والدارقطني: ص 227، والبخاري: ص 256 تعليقاً، والدارمي: ص 212.
2 "تاريخ بغداد" ص 397 ج 2.
3 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 203 ج 3: رواه البزار، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري، وهو ضعيف، قلت: تقدم الحديث في الحديث السادس، ورواه الدارقطني: ص 227، بإسناد آخر، وقال الواقدي: غيره أثبت منه.(2/442)
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى عَنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ السَّنَةِ: يَوْمِ الْأَضْحَى. وَيَوْمِ الْفِطْرِ: وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَالْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ"، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قَدَامَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ، فَلْيَصُومُوا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِسِمَاكٍ، وَالْبُخَارِيُّ احْتَجَّ بِعِكْرِمَةَ، انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ2: جَاءَ لَيْلَةَ رَمَضَانَ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: رَأَيْت الْهِلَالَ يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ وَتَابَعَ زَائِدَةَ عَلَى إسْنَادِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، وَحَازِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، فَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَحَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ يَرْوُونَهُ عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ حَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ"3 وَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ أَيْضًا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"4 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ بِهِ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَالَ فِيهِ: فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنْ تَقُومُوا، وَأَنْ تَصُومُوا، وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِيَامَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ أَيْضًا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ5 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مُسْنَدًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ6، لِأَنَّ سِمَاكًا كَانَ يُلَقَّنُ
__________
1 تقدم في ص 435 في الحديث الثاني.
2 الدارقطني: ص 228، وأبي داود: ص 327، والترمذي: ص 87.
3 والدارقطني: 227.
4 أبو داود في "سننه" ص 327، والحاكم في "المستدرك" عن عثمان بن سعيد ص 424 ج 1، وعنهما البيهقي: ص 212 ج 4.
5 ص 300.
6 قال: وهذا، الخ، لم أجد في المطبوعة، والله أعلم. أقول: لعل هناك سقطاً في المطبوعة، وهذه العبارة موجودة، في نسخة الدار أيضاً "البجنوري".(2/443)
فَيَتَلَقَّنُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَثْبَتُ فِي سُفْيَانَ مِنْ الْفَضْلِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: رِوَايَةَ زَائِدَةَ1، وَحَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَجَلِيِّ مِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ الْفَضْلِ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَدْ رَأَيْت ابْنَ الْمُبَارَكِ يَرْوِي كَثِيرًا مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ فَيُوقِفُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْته، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَسَنَدُ الْحَاكِمِ وَارِدٌ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْأَيْلِيِّ ثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: شَهِدْت الْمَدِينَةَ وَبِهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى وَالِيهَا فَشَهِدَ عِنْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ شَهَادَتِهِ، فَأَمَرَاهُ أَنْ يُجِيزَهُ، وَقَالَا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ هِلَالِ رَمَضَانَ قَالَا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْإِفْطَارِ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْأَيْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَفْصٌ هَذَا، هو حفص بن عمرو بْنِ دِينَارٍ الْأَيْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ، وَأَمَّا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ الْعَدَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْفَرْخِ، فَرَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَ هُوَ هَذَا.
الْآثَارُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كُنْت مَعَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْبَقِيعِ، نَنْظُرُ إلَى الْهِلَالِ، فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْت؟ قَالَ: مِنْ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: أَهْلَلْت؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، إنَّمَا يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ3 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
__________
1 رواية زائدة، عند أبي داود، والنسائي، ورواية حازم بن إبراهيم، عند الدارقطني، ورواية أبي عاصم، عند الحاكم أيضاً.
2 أبو داود في "باب شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان" ص 327، والحاكم: ص 423، والدارقطني ص 227.
3 الشافعي في "كتاب الأم" ص 80 ج 2.(2/444)
بْنِ عمر وابن عُثْمَانَ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بنت حسن أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، فَصَامَ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا، وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِمَالِكٍ رضي الله عنه فِي "الشَّاهِدَيْنِ": اُسْتُدِلَّ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: "لَا يُصَامُ وَلَا يُفْطَرُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَدَلِيِّ أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ خَطَبَنَا، فَقَالَ: عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَنْسُكَ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ، وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا، فَسَأَلْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْحَارِثِ مَنْ أَمِيرُ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، ثُمَّ لَقِيَنِي بَعْدُ، فَقَالَ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ.(2/445)
بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام، لِلَّذِي أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا: "تِمَّ عَلَى صَوْمِك، فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك"، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَكَلْت وَشَرِبْتُ نَاسِيًا، وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَطْعَمَك وَسَقَاك"، انْتَهَى. وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَلَفْظُ الْبَاقِينَ: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْت نَاسِيًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتِمَّ صَوْمَك، فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك"، انْتَهَى. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي لَفْظٍ: "وَلَا قَضَاءَ عَلَيْك"، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ، وَزَادَ فِيهِ: "فَلَا يُفْطِرْ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"، وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: "فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ:
__________
1 البخاري في "باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً" ص 259، ومسلم في "باب أكل الناسي وشربه لا يفطر" ص 364، وأبو داود في "باب من أكل ناسياً" ص 333، والترمذي في "باب الصائم يأكل ويشرب ناسياً" ص 90، وابن ماجه في "باب من أكل ناسياً" ص 122.
2 "المستدرك" ص 430، والبيهقي من جهة الحاكم: ص 229 ج 4.(2/445)
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1: تَفَرَّدَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ2: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ثَنَا بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ دِينَارٍ عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَأَكَلَتْ مَعَهُ، وَمَعَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَنَاوَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرْقًا، فَقَالَ: "ياأم إسْحَاقَ أَصِيبِي مِنْ هَذَا"، فَأَصَبْتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ، أَنِّي صائمة، فبرهت يَدِي3، لَا أُقَدِّمُهَا وَلَا أُؤَخِّرُهَا، فَقَالَ عليه السلام: "أَتِمِّي صَوْمَك، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك"، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، غَيْرُ مُخَرَّجٍ فِي "السُّنَنِ"، وَبَعْضُ رُوَاتِهِ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَبَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يَرْوِي عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ حَكِيمِ ابْنَةِ دِينَارٍ، وَرَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "التَّارِيخِ": بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ، قَالَ لَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ: ثَنَا بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ، سَمِعْتُ مَوْلَاتَهَا أُمَّ إسْحَاقَ الْعَنَزِيَّةَ، قَالَتْ: هَاجَرْتُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ".قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ.
فَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ. وَالْقَيْءُ. وَالِاحْتِلَامُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَوَاهُ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، لَا يُحْتَجُّ بِمَا يَتَفَرَّدُ بِهِ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ
__________
1 وفي "السنن" ص 229 ج 4.
4 الترمذي في "باب الصائم يذرعه القيء" ص 90، قلت: سأل ابن أبي حاتم أباه، وأبا زرعة عن حديث أبي سعيد، رواه عبد الرحمن. وأسامة عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد، فقالا: هذا خطأ، ورواه الثوري عن زيد عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الصحيح ذكره في "العلل" ص 240 ج 1.
2 أحمد في "المسند" ص 367 ج 6 بطوله
3 في "المسند" فرددت يدي
2 ص 264 ج 4.(2/446)
كَانَ يَقْلِبُ الْأَخْبَارَ، وَهُوَ لَا يعلم، حتى كثر فِي رِوَايَتِهِ مِنْ رَفْعِ الْمَوْقُوفَاتِ، وَإِسْنَادِ الْمُرْسَلَاتِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى. قُلْتُ: رَوَاهُ مُرْسَلًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ مُسْنَدًا، قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يُعْرَفُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَذَكَرْنَاهُ عَنْ أَخِيهِ أُسَامَةَ، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْإِخْوَةِ، وَهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُسَامَةُ وَلَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ إلَّا مِنْ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّسَائِيّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ": هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عِيسَى بْنِ سَاسَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بن حبان أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ. وَالْحِجَامَةُ. وَالِاحْتِلَامُ"، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِهَا إسْنَادًا، وَأَصَحِّهَا، إلَّا أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: سُلَيْمَانُ بن حبان صَدُوقٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، فَإِنَّهُ أُتِيَ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، قَالَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَا عَنْهُ إلَّا سُلَيْمَانَ هَذَا، انْتَهَى.
__________
1 الدارقطني ص 239 عن هشام بن سعد صدوق، تكلموا في حفظه، كذا في "التلخيص" ص 190.
2 قال الحافظ في "التلخيص" ص 190: هو حديث معلول، وقال في "الزوائد" ص 170 ج 3: رواه البزار بإسنادين، وصحح أحدهما، وظاهره الصحة، اهـ.(2/447)
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَوْهَبٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي عَدِيٍّ التُّرْكِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ. وَالْقَيْءُ. وَالِاحْتِلَامُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ثَوْبَانَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ، وَلَا مَنْ احْتَلَمَ، وَلَا مَنْ احْتَجَمَ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مُشِيرًا إلَى هَذَا الْحَدِيثِ: وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلم من أصحاب النبي عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ" الْحَدِيثَ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الثَّوْرِيِّ نَحْوُ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، والدارقطني، وَغَيْرُهُمْ. وَالْمَحْفُوظُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" فِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَوْلَادُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الثَّلَاثَةُ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُسَامَةُ عَنْ أَبِيهِمْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَحَدَّثَ بِهِ شَيْخٌ يُعْرَفُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ الشَّامِيِّ وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ، قَالَ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ هِشَامٍ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ قَاءَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ"،قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ ذَا شَيْءٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ. حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ4 عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام إلَّا مِنْ حَدِيثِ
__________
1 بسند ضعيف في "ترجمة محمد بن الحسن بن قتيبة".
2 أبو داود في "باب الصائم يحتلم نهاراً في رمضان، ص 330 ج 1.
3 أبو داود في "باب الصائم يستقىء عامداً" ص 331، والترمذي في "باب من استقاء عامداً" ص 90، وابن ماجه في "باب الصائم يقيء" ص 122.
4 حديث أبي هريرة، عند الترمذي، والطحاوي: ص 347، وغير واحد.(2/448)
عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: لَا أُرَاهُ مَحْفُوظًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ1، وَثَوْبَانَ، وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَاءَ فَأَفْطَرَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، فَقَاءَ، فَضَعُفَ، فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ، هَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، وَزَادَ إسْحَاقُ: قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ: زَعَمَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنَّ هِشَامًا وَهِمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ بِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ بِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ"4 مَوْقُوفًا على ابن عمر: أنا نَافِعَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشافعي في "مسنده"، ووقفه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَعَلَى عَلِيٍّ، وَالْمُفَسَّرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ5 مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَرْزُوقٍ قَالَ: سَمِعْت فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فَدَعَا بِإِنَاءٍ، فَشَرِبَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا يَوْمٌ كُنْتَ تَصُومُهُ، قَالَ: "أَجَلْ، وَلَكِنِّي قِئْتُ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى
__________
1 حديث أبي الدرداء، عند أحمد: ص 277 ج 5، والطحاوي: ص 348، وحديث ثوبان. عند الطحاوي ص 348، وحديث فضالة، عند ابن ماجه: ص 122، وأحمد: ص 21 ج 6، والطحاوي ص 348، والدارقطني: ص 238.
2 الحاكم: ص 427، والدارقطني ص 240، وأحمد: ص 498 ج 2، وابن جارود في "المنتقى" ص 198.
3ابن ماجه: ص 122، والحاكم في "المستدرك" ص 426.
4 "الموطأ" للإِمام محمد: ص 182، والطحاوي: ص 348.
5 ابن ماجه: ص 122، وأحمد: ص 21 ج 6، والطحاوي: ص 348، والدارقطني: ص 238.(2/449)
الْمَرْأَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ يَعْنِي فِي الْجِمَاعِ لِأَنَّ "مَنْ" تُطْلَقُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ أَحْمَدُ، وَالْحَدِيثُ لَمْ أَجِدْهُ، وَلَكِنْ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِمَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبِهِ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، انْتَهَى. قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَّقَ التَّكْفِيرَ بِالْإِفْطَارِ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ يَحْيَى الحماني حدثنا هشيم عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ الَّذِي أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، انْتَهَى. قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ، أَكْلًا، أوشرباً، أَوْ جِمَاعًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ: لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْجِمَاعِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ3، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْجِمَاعِ، قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوِ الْعِشْرِينَ رَجُلًا، ذَكَرَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ4، فَقَالُوا فِيهِ: إنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ5: وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُقَيَّدَةً بِالْوَطْءِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، لِزِيَادَةِ حِفْظِهِمْ، وَأَدَائِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ، كَيْفَ! وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوَ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً،
__________
1 قلت: حديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم في "باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم" ص 355، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 328، كلاهما عن ابن جريج عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة، ومالك في "موطأه" ص 90، وأبو داود في "باب كفارة من أتى أهله في رمضان" ص 332، والدارمي: ص 217 والدارقطني: ص 251، والشافعي في "كتاب الأم": ص 84 ج 2، كلهم عن مالك عن ابن شهاب به، ولم أجد حديث أبي هريرة هذا في البخاري، والله أعلم.
2 الدارقطني: ص 243.
3 قلت: هو في البخاري في "باب إذا جامع في رمضان" ص 259، وفي مسلم: ص 355.
4 روى عن بعض منهم مقيدة في: ص 224 ج 4، وسمى آخرين، ولم يرو عنهم، وأكثر الدارقطني ص 251 في ذكر أسماء من وافق مالكاً وتابعه، كابن جريج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعدّ منهم ثلاثة عشر رجلاً، ومن خالفه، وروى مقيدة بالوطء، وعدّ منهم واحداً وثلاثين راوياً، وبعض منهم له، كالروايتين، والله أعلم.
2 البيهقي في "سننه الكبرى" ص 225.(2/450)
قَالَ مَا أَجِدُهَا، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ، قَالَ: مَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي هَذَا الْبَابِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ كِفَايَةٌ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، وَأَهْلَكْتُ، فَقَالَ: "مَاذَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، قَالَ: لَا أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي هَذِهِ، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَقَالَ: وَهَلْ جَاءَنِي مَا جَاءَنِي إلَّا مِنْ الصَّوْمِ، فَقَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَقَالَ: لَا أَجِدُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُؤْتَى بِفَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ ويروى بفرق فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَقَالَ: فَرِّقْهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَيْسَ بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّي، وَمِنْ عِيَالِي، فَقَالَ: كُلْ أَنْتَ وَعِيَالُك يُجْزِئُك، وَلَا يُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك".
قُلْت: أَخْرَجَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اجْلِسْ، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرَقِ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ2 وَفِي لَفْظٍ: أَنْيَابُهُ، وَفِي لَفْظٍ: نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "وَطِئْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ نَهَارًا"، وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّأِ"3: "أَصَبْت أَهْلِي، وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ"، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: زَادَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ هذا رخصة له خاصة، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ له بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ، وَفِي لَفْظٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"4: احْتَرَقْت، مَوْضِعَ هَلَكْت، وَفِيهِمَا مَا يَدُلُّ لِجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْعَامِدِ، لِأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ هَالِكٍ، وَلَا مُحْتَرِقٍ، عَلَى أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ، التَّصْرِيحُ بِالْعَمْدِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"5 عَنْ سَعِيدِ
__________
1 البخاري في "الصوم في باب إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء" ص 259، ومسلم: ص 355، وأبو داود: ص 333، والترمذي في "باب كفارة الفطر في رمضان" ص 90، وابن ماجه في "باب كفارة من أفطر يوماً من رمضان" ص 121.
2 حتى بدت ثناياه، عند أبي داود، وأنيابه، عند البخاري، ومسلم، ونواجذه، عند البخاري: ص 899، وص 993.
3 "الموطأ" ص 90 في حديث سعيد بن المسيب.
4 قلت: هذا اللفظ في البخاري في كتاب المحاربين في باب من أصاب ذنباً دون الحدِّ" ص 1007، وفي مسلم في "الصيام" ص 355، في حديث عائشة، ولم أجد في شيء منهما في حديث أبي هريرة، وحديث عائشة فيهما، مع حديث أبي هريرة، في باب واحد، فلعل البصر طغى، أو أراد حديث عائشة، كما في حديث "الموطأ" ذكر لفظ حديث ابن المسيب، وهو بصدد حديث أبي هريرة، والله أعلم.
2 قلت: أخرج الدارقطني في "سننه" ص 251 عن سعد بن أبي وقاص، قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أفطرت يوماً في شهر رمضان متعمداً، الحديث، وفيه: محمد بن عمر الواقدي، وهو ضعيف،(2/451)
بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْت فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، الْحَدِيثَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"1 عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام يَنْتِفُ شَعْرَهُ، وَيَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَيَقُولُ: هَلَكَ الْأَبْعَدُ، فَذَكَرَهُ، وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" مُسْنَدًا3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ ثَنَا رَوْحٌ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ يَلْطِمُ وَجْهَهُ، وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ، الْحَدِيثَ. وَفِي الْكِتَابِ: هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، وَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ: إلَّا هَلَكْت فَقَطْ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَرُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، وَاسْتَدَلَّ بِهَا بَعْضُهُمْ عَلَى مُشَارَكَةِ الْمَرْأَةِ إيَّاهُ فِي الْجِنَايَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَأَصْحَابُ سُفْيَانَ لَمْ يَرْوُوهَا عَنْهُ، إنَّمَا ذَكَرُوا قَوْلَهُ: هَلَكْت فَقَطْ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا حَدَّثَنِي أَنَّ الْمُعَلَّى بْنَ مَنْصُورٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَرْفَ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالْمُعَلَّى لَيْسَ بِذَلِكَ الْقَوِيِّ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي ثَوْرٍ ثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، الْحَدِيثَ. ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِقَوْلِهِ: وَأَهْلَكْت، وَهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَفِيهِ: هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ضَعَّفَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ: وَأَهْلَكْت، وَقَالَ: إنَّهَا أُدْخِلَتْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْأَرْغِيَانِيِّ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بِالْإِسْنَادِ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَوَاهُ كَافَّةُ أَصْحَابِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ دُونَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَكَانَ
__________
لكن تابعه أبو أويس، قال الهيثمي في "الزوائد" ص 168 ج 3: رواه البزار، وفيه الواقدي، وفيه كلام كثير، وقد وثق، اهـ، وقال الهيثمي: عن ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إني أفطرت يوماً من رمضان، قال: "من غير عذر ولا سفر؟ " الحديث، رواه الطبراني، وأبو يعلى، وفي "الأوسط والكبير" ورجاله ثقات، اهـ. وقال: عن أبي هريرة: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إني أفطرت يوماً من رمضان متعمداً، ووقعت على أهلي فيه، الحديث. قال: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة مدلس، اهـ.
1 "الموطأ" ص 90، وعند البيهقي: ص 227 ج 4، وفي: ص 225 ج 4 عن غيره، وفي: ص 226 أيضاً.
2 والبيهقي في "السنن" ص 226 ج 4 عن سعيد بن أبي مريم أنبأنا الجبار بن عمر عن ابن شهاب به بمعناه، وعن الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن سعد عن الزهري به بمعناه، وأحمد في "مسنده، ص 208 ج 2 عن الحجاج باسناده، ورواه أحمد: ص 516 ج 2، قال: حدثنا روح حدثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن أعرابياً جاء يلطم وجهه، وينتف شعره، الحديث، فليراجع، وظنى أن محمداً في إسناد أحمد مصحف، والله أعلم.
3 بإسناد جيد "تلخيص" ص 195.(2/452)
شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَسْتَدِلُّ عَلَى كَوْنِهَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَيْضًا خَطَأً، بِأَنَّهُ نَظَرَ1 فِي "كِتَابِ الصَّوْمِ" تَصْنِيفِ الْمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، فَوَجَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَأَنَّ كَافَّةَ أَصْحَابِ سُفْيَانِ رَوَوْهُ دُونَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ: إنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً، دَعْوَى لَمْ يَقُمْ لَهُ عَلَيْهَا بُرْهَانٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَهُوَ أَيْضًا دَعْوَى، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: تُجْزِئُك، وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك، لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَلَا رِوَايَةَ: الْفَرْقِ بِالْفَاءِ، وَالْفَرْقُ: هُوَ الزِّنْبِيلُ، قِيلَ: يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي "الصَّوْمِ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَى بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَقَالَ: "كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِك، وَصُمْ يَوْمًا، وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفُ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": طُرُقُ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، وَلَيْسَ فِيهَا: صُمْ يَوْمًا، وَلَا مِكْتَلَةُ التَّمْرِ3، وَلَا الِاسْتِغْفَارُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ مُرْسَلًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الْمُرْسَلُ فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَذَكَرَهُ، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "كُلْهُ، وَصُمْ يَوْمًا، مَكَانَ مَا أَصَبْت"، مُخْتَصَرٌ. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ4 فِي هَذَا الْحَدِيثِ: "فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْك"، وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ تَقَعْ لَهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ نَقَلَ عَنْهُ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَنَّهُ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَيْنٌ عَلَيْهِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا، أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"5 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَزِينٍ الْبَكْرِيِّ، قَالَ:
__________
1 قال في "الجوهر" أبو ثور فقيه معروف جليل المقدار، أخرج عنه مسلم في "صحيحه" فلا يترك روايته لسقوطها في حظ رجل مجهول، وقد تأيدت روايته بالطريق الذي ذكره البيهقي أولاً، وربما أخرجه ابن الجوزي في "التحقيق" من طريق الدارقطني حدثنا النيسابوري حدثنا محمد بن عزيز حدثني سلامة بن روح عن عقيل عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة، فذكر الحديث، وفيه هلكت وأهلكت، وسلامة هذا أخرج له ابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم في"المستدرك"، وقال ابن حبان: مستقيم، وذكر البيهقي في "الخلافيات" أن ابن خزيمة رواه عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أهلكت يا رسول الله، هكذا بإثبات الألف.
2 أبو داود: ص 332، والدارقطني: ص 252.
3 في نسخة الدار "وليس فيها صوم، ولا مكيلة التمر" "البجنوري".
4 الدارقطني: ص 251 من حديث علي، وكذا في "التلخيص" ص 196، وضعف إسناده.
5 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 167 ج 3: رواه أبو يعلى، وفيه من لم أعرفه، اهـ قلت: لعله سلمى البكرتية، قال الحافظ في "التقريب": لا تعرف، اه، وبقية رجاله ثقات.(2/453)
حَدَّثَتْنَا مَوْلَاةٌ لَنَا، يُقَالُ لَهَا: سَلْمَى مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، هَلْ مِنْ كِسْرَةٍ؟ " فَأَتَيْته بِقُرْصٍ، فَوَضَعَهُ فِي فِيهِ، وَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ هَلْ دَخَلَ بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ؟! " كَذَلِكَ قُبْلَةُ الصَّائِمِ، إنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ، وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَوَقَفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1، قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَلَا يَثْبُتُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ: الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: وَقَدْ نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَإِلَى الصَّوْمِ فِيهِ. قُلْت: أَمَّا لصوم، فَأَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ: "مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ4 أَيْضًا عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: "مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ"، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَتَصُومُ صِبْيَانُنَا الصِّغَارُ، فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا5 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟ " قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ عليه السلام: "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ" وَصَامَهُ عليه السلام، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ، انْتَهَى.
__________
1 البيهقي: ص 261 ج 4
2 البخاري في "باب الحجامة والقيء" ص 260.
3 البخاري في "باب صيام يوم عاشوراء" ص 268. ومسلم في "باب صوم يوم عاشوراء" ص 359.
4 البخاري في "باب صوم الصبيان" ص 263، ومسلم: ص 360 ج 1.
5 البخاري: ص 268، وص 481، ومسلم: ص 359.(2/454)
وَأَخْرَجَاهُ1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَاهُ2 عَنْ مُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ"، انْتَهَى. وَلِمُسْلِمٍ3 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ، وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ، وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ، انتهى. ولمسلم4 عن الْحَكَمَ بْنَ الْأَعْرَجِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، قَالَ: إذَا رَأَيْت هِلَالَ الْمُحَرَّمِ، فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْت: هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حِينَ صَامَ عليه السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ عليه السلام: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ عليه السلام. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ، فَقَالَ: "لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ"، فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، قَالَ: "وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ"، فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ: "لَيْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَوَّانَا لِذَلِكَ"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، فَقَالَ: "ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُد عليه السلام"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْت فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْت، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ"، قَالَ: فَقَالَ: "صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إلى رمضان صَوْمُ الدَّهْرِ"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ"، قَالَ مُسْلِمٌ" وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ، لِمَا نَرَاهُ وَهَمًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ: فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ"، فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْوَرَّاقُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ ثَنَا جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اكْتَحَلَ بِالْإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ أَبَدًا"، انْتَهَى. قَالَ: الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، فَجُوَيْبِرٌ ضَعِيفٌ، وَالضَّحَّاكُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الْبَيْهَقِيّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَنَقَلَ عَنْ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَضَعَهُ قَتَلَةُ، الْحُسَيْنِ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَجُوَيْبِرٌ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكٌ، وَأَمَّا أَنَّ الضَّحَّاكَ لَمْ
__________
1 البخاري في "باب وجوب صوم رمضان" ص 254، ومسلم: ص 358.
2 البخاري: ص 268، ومسلم: ص 358.
3 مسلم: ص 358.
4 مسلم: ص 359.
5 مسلم في "باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر" 368.(2/455)
يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُشَاشٌ، قَالَ: سَأَلْت الضَّحَّاكَ، هَلْ رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: لَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: لَمْ يَلْقَ الضَّحَّاكُ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا لَقِيَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَأَخَذَ عَنْهُ التَّفْسِيرَ، انْتَهَى.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" عَنْ أَبِي طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْعُشَارِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ النَّوْشَرِيُّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ثَنَا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ تِلْكَ السَّنَّةَ كُلَّهَا"، انْتَهَى. وَقَالَ1: فِي رِجَالِهِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى تَفْضِيلٍ، فَدُسَّ عَلَيْهِ فِي أَحَادِيثِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2 أَبِي عَاتِكَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: اشْتَكَتْ عَيْنِي، أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَأَبُو عَاتِكَةَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": حَدِيثٌ وَاهٍ جِدًّا، وَأَبُو عَاتِكَةَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، واسمه: طريف بن سليمان، ويقال: سليمان بْنُ طَرِيفٍ3 قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ الرَّازِيُّ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ بَقِيَّةَ ثَنَا الزُّبَيْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: اكْتَحَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الزُّبَيْدِيَّ فِي سَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، الثِّقَةُ الثَّبْتُ، وَذَلِكَ وَهَمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيُّ، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، وَلَكِنَّ الرَّاوِيَ
دَلَّسَهُ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَلَيْسَ هُوَ بِمَجْهُولٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، بَلْ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الزُّبَيْدِيُّ الْحِمْصِيُّ، وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَلَكِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 175: ومن حديث أبي هريرة بسند لين فيه أحمد بن منصور الشونيزي، فكأنه أدخل عليه، وهو إسناد مختلق لهذا المتن قطعاً، اهـ، قلت. فليراجع، أهو النوشري، أو الثونيزي، أو الشيرازي.
2 الترمذي في "باب الكحل للصائم" ص 91 ج 1.
3 في نسخة الدار اسمه طريف بن سلمان، ويقال سلمان بن طريف "البجنوري"
4 ابن ماجه في "باب السواك والكحل للصائم" 122، والبيهقي: ص 262 ج 4.(2/456)
ضَعْفِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "كِتَابِهِ" فَرَّقَ بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَهُمَا وَاحِدٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ عُتْبَةَ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ الضَّبِّيُّ أَبُو مُعَاذٍ الْبَصْرِيُّ صَالِحُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ اكْتِحَالِ الصَّائِمِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ معبد بن هودة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَمَعْبَدُ، وَابْنُهُ النُّعْمَانُ كَالْمَجْهُولِينَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ يَعْنِي الدَّهْنَ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَهُوَ الْقَبْضَةُ، قُلْت: وَفِيهِ أَثَرَانِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَالْآخَرُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ3 فِي "كِتَابِ الصَّوْمِ" عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مروان بن سالم المفقع، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إذَا أَفْطَرَ، قَالَ: "ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تعليقاً4
__________
1 أبو داود في "باب الكحل عند النوم" ص 330.
2 أبو داود في "باب الكحل عند النوم" ص 330.
3 أبو داود في "باب القول عند الافطار" ص 328، والدارقطني: ص 240، وقال: إسناده حسن، والدارقطني: ص 240، والحاكم: ص 422، وقال: على شرط الشيخين.
4 قوله: ذكره البخاري تعليقاً، فقال: وكان ابن عمر، الخ، الظاهر منه أن البخاري ذكر طرف أخذ اللحية فقط، وذكره بلا إسناد، قلت: قال البخاري في "باب تقليم الأظفار" ص 875 ج 6: حدثنا محمد بن منهال، قال: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "خالفوا المشركين، ووفروا اللحى، واحفوا الشوارب"، وكان ابن عمر إذا اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه، اهـ. هذا الموضع هو الذي أشار إليه الحافظ المخرج، وقال الحافظ في "الفتح" ص 296 ج 10: قوله: وكأن ابن عمر هو موصول بالسند المذكور إلى نافع، وقد أخرجه مالك في "الموطأ" ص 155 عن نافع، بلفظ: كان ابن عمر إذا(2/457)
فَقَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا حَجَّ، أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ، انْتَهَى. وَجَهِلَ1 مَنْ قَالَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا: ذكره، وَلَا يُقَالُ: رَوَاهُ، وَيُنْظَرُ، فَإِنَّ عَبْدَ الْحَقِّ ذَكَرَهُ فِي "الطَّهَارَةِ فِي الْمَوْصُولِ".
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، وَوَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا جَاوَزَ الْقَبْضَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ2 فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عُمَرَ" أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ يَقُصُّ مَا تَحْتَ الْقَبْضَةِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَيُّوبَ، مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: كان أبي هُرَيْرَةَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْقَبْضَةِ، انْتَهَى.
وَيُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ حَدِيثُ: وَأَعْفُوا اللِّحَى، وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "أَحْفُوا أَيْ اقْطَعُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ خَيْرِ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: مُجَالِدٌ غَيْرُهُ أَثْبَتُ مِنْهُ، انْتَهَى.
__________
حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه، اهـ. وهذا لفظ العينى أيضاً في "العمدة" ص 285 ج 10، وقال القسطلاني في "إرشاد الساري" ص 371 ج 8: هو موصول بالسند إلى نافع فقط، ولقد تردد الحافظ المخرج نفسه فيه، فإنه قال: ينظر، فإن عبد الحق ذكره في الموصول، فقوله: جهل من قال: رواه البخاري، ليس كما ينبغي، والله أعلم.
1 قلت: حديث أبي هريرة: إذا قرأ فأنصتوا، ذكره مسلم في: 174 تعليقاً، وقال ابن تيمية في "فتاواه": ص 142 ج 2: وقبله جده في "المتنقى" ص 107 ج 2، وابن قدامة في "المغني" ص 605 ج 1، "وصاحب المشكاة" في: ص 79، كلهم قالوا: رواه مسلم، وأمثال هذا كثير في "الكشاف" ولكن الرجل ليس في أهل الفن، وقال الحاكم: ص 58 ج 3 لحديث معلق أخرجه البخاري، فقال: قال يونس.
2 ابن سعد في "الطبقات" ص 131 ج 4 القسم الأول.
3 البخاري في "اللباس في باب إعفاء اللحى" ص 875، ومسلم في "الطهارة في باب خصال الفطرة" ص 129.
4 ابن ماجه في "باب السواك والكحل للصائم" ص 122، والدارقطني: ص 248، والبيهقي 273 ج 4) (1) ابن ماجه في "باب السواك والكحل للصائم" ص 122، والدارقطني: ص 248، والبيهقي 273 ج 4.(2/458)
أَحَادِيثُ الْبَابِ: مِنْهَا حَدِيثُ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ"، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَمَّمَ كُلَّ صَلَاةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهَا صَلَوَاتُ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستاك وهو صائم، مالا أَعُدُّ وَلَا أُحْصِي، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَالْجُوزَجَانِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَهُوَ مُغَفَّلٌ، وَقَالَ الْعِجْلِيّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَعَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا، قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا نَعْلَمُ مَالِكًا رَوَى عَنْ إنْسَانٍ ضَعِيفٍ مَشْهُورٍ بِالضَّعْفِ إلَّا عَاصِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَرْوِي عَنْهُ حَدِيثًا وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَهُوَ أَصْلُحُ مِنْ عَاصِمٍ، وَعَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، وَهُوَ أَصْلَحُ مِنْ عَمْرٍو، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَ عَنْ أَحَدٍ يُتْرَكُ حَدِيثُهُ إلَّا عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ أَبِي الْمُخَارِقِ الضُّمَيْرِيَّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ حدثنا بكر بن حنيش عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ: سَأَلَتْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَتَسَوَّكُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَيَّ النَّهَارِ أَتَسَوَّكُ؟ قَالَ. أَيَّ النَّهَارِ شِئْت، غَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً، قُلْت: إنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ عَشِيَّةً، وَيَقُولُونَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَخُلُوفُ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أنه لابد أَنْ يَكُونَ بِفِي الصَّائِمِ خُلُوفٌ، وَإِنْ اسْتَاكَ، وَمَا كَانَ بِاَلَّذِي يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُنْتِنُوا أَفْوَاهَهُمْ عَمْدًا، مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْءٌ، بَلْ فِيهِ شَرٌّ، إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلَاءٍ، لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، قَالَ: وَكَذَا الْغُبَارُ3 فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
__________
1أبو داود في "باب السواك للصائم" ص 329 ج 1، وكذا الترمذي: ص 91، وأحمد: ص 445 ج 3، والدارقطني: ص 248، والبيهقي: ص 272 ج 4.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 165 ج 3، وفيه بكر بن خنيس، وهو ضعيف، وقد وثقه ابن معين في روايته، اهـ.
3 في "الزوائد" قلت: كذا الغبار، بدل قوله: قال: وكذا الغبار، فليراجع.(2/459)
حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 فِي "الْجِهَادِ" عَنْ أَبِي عَبْسٍ إنَّمَا يُؤْجَرُ فِيهِ مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ، وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا2 فَأَمَّا مَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَلَاءِ عَمْدًا فَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ، انْتَهَى. قُلْت: وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَنْ تَكَلَّفَ الدَّوَرَانَ، وَكَثْرَةَ الْمَشْيِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "وكثرة الخطا إلَى الْمَسَاجِدِ"، وَمَنْ يَصْنَعُ فِي طُلُوعِ الشَّيْبِ فِي شَعْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ" إنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِمَا مَنْ بُلِيَ بِهِمَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ الْخُوَارِزْمِيَّ، قَالَ: سَأَلَتْ عَاصِمًا الْأَحْوَلَ، أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَرَاهُ أَشَدَّ رُطُوبَةً مِنْ الْمَاءِ، قُلْت: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: عَمَّنْ رَحِمَك اللَّهُ؟ قَالَ: عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُوَارِزْمِيَّ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ عَاصِمٍ بِالْمَنَاكِيرِ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ كَذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِابْنِ مَيْسَرَةَ، وَقَالَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَرَفْعُهُ بَاطِلٌ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ حَدِيثِ كَيْسَانَ أَبِي عَمْرٍو الْقَصَّارِ5 عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ خَبَّابُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ، وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا يَبِسَتْ شفتاه كانت له نور يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله: كَيْسَانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ كَيْسَانَ
__________
1 قوله: أخرجه البخاري في "الجهاد" عن أبي عبس، قلت: هذا القول أدرجه الشيخ في حديث معاذ، وحديث: من اغبرت قدماه، أخرجه البخاري في "باب من اغبرت قدماه في سبيل الله" ص 394، وفي الجمعة أيضاً.
2 في "الزوائد بعد قوله: محيصاً، قال: نعم.
3 البيهقي: ص 272 ج 4، والدارقطني: ص 248.
4 الدارقطني: ص 249، والبيهقي: 273 ج 4)
5 في الدارقطني، و"التقريب" القصار، وفي البيهقي: القصاب ... أقول: في نسخة الدار أيضاً "القصاب" "البجنوري".. فليراجع، وكذا في "الدراية" ص 177.(2/460)
عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: كَيْسَانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ1، وَيَزِيدُ بْنُ بِلَالٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ " قَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: "لَيْسَ مِنْ الْبَرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ"، انْتَهَى. وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ، انْتَهَى. وَرُوِيَ: "لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ" وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ، رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، فَذَكَرَهُ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الشَّافِعِيِّ رضي الله تعالى عنه فِي قَوْلِهِ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصِحُّ عَنْ الشافعي، ولا يحكى عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ فِي صِيَامِ مَنْ اسْتَضَرَّ بِالصَّوْمِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ فِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ عليه السلام: "هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، قَالَ: "أُولَئِكَ الْعُصَاةُ" وَهَذَا أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَضَرَّ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فِيهِ أَيْضًا، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي"، وَفِيهِ: وَكَانَ أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَأَمَّا حَدِيثُ: الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ
__________
1 وثقه ابن حبان، وضعفه غيره "زوائد" ص 165 ج 3.
2 البخاري في "باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن ظلل عليه واشتد الحر" الخ: ص 261، ومسلم في "باب جواز الفطر والصوم للمسافر" ص 356.
3 أحمد في "مسنده" ص 434 ج 5 حدثنا عبد الرزاق أنا معمر به.
4 ابن ماجه في "باب الافطار في السفر" ص 121، وذكره ابن حزم في "المحلى" ص 258 ج 6، وقال: أسامة بن زيد الليثي لا نراه حجة لنا، ولا علينا، اهـ.(2/461)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْمَدَنِيِّ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ1، وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَوْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا لَكَانَ خُرُوجُ النَّبِيِّ عليه السلام حِينَ خَرَجَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْفِطْرِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ، وَالْآخِرُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَهُ، وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، زَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثْلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الْمَدَنِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ الْقُرَشِيُّ، يَرْوِي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيد، وهو لابأس بِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَرْفَعُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، وَعُقَيْلٌ مِنْ رِوَايَةِ سَلَامَةَ بْنِ رَوْحٍ عَنْهُ. وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مَبْرُورٍ عَنْهُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْهُ، وَالْبَاقُونَ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، رَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ"3: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الصَّحِيحُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. قُلْت: وَفِي سَمَاعِ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ نَظَرٌ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْقَطَّانِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ4 فِي "الصَّوْمِ" عَنْ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانُ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدِّثْنِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْته مِنْ أَبِيك، سَمِعَهُ أَبُوك مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنَ أَبِيك وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ نَعَمْ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَفَضَّلَهُ عَلَى الشُّهُورِ، وَقَالَ: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
__________
1 روى عن ابن أبي ذئب النسائي في: ص 316 موقوفاً.
2 البخاري في "غزوة الفتح" ص 613، ومسلم في "الصوم" ص 355.
3 "العلل" ص 239.
4 النسائي في "الصوم في باب ثواب من قام رمضان وصامه، ص 308.(2/462)
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ نَحْوَهُ، وَهَكَذَا نَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْبُخَارِيُّ لِلِانْقِطَاعِ1، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَوْلَا ضَعْفُ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانُ الْحَرَّانِيِّ وَكَانَ ثِقَةً لَثَبَتَ سَمَاعُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ، فَجُمْلَةُ أَحَادِيثَ2 يَرْوِيهَا عَنْهُ مُعَنْعَنَةٌ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ مرفوعاً، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ3، وَابْنِ عُمَرَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى4 فِي الصَّوْمِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا حَجَّاجٌ الْأَحْوَلُ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كل يوم مد مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. وَلَمْ يُخْرِجْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي "أَطْرَافِهِ".
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر، قال: لايصلين أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ إنْ كُنْتَ فَاعِلًا تَصَدَّقْتَ عَنْهُ، أَوْ أَهْدَيْتَ، انْتَهَى. وَفِي "الْإِمَامِ" رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ فِي "كِتَابِهِ" أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَحُجَّنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَتَصَدَّقْتُ، وَأَعْتَقْتُ، وَأَهْدَيْتُ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأِ" بَلَاغٌ، قَالَ ابْنُ مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ رضي الله عنهم بِالْمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا يَصُومُ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي عَنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَعْمَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.
__________
1 في نسخة الدار هكذا: لما سئل عن حديث أبي سلمة عن ابن عوف، قال: ولم يعرض البخاري للانقطاع "البجنوري".
2 في نسخة الدار "لجملة أحاديث" الخ، ولعله أجدر بالمقام "البجنوري".
3 وعن عائشة أيضاً، ذكره ابن التركماني في "الجوهر" ص 257 ج 3 عن "مشكل الآثار" للطحاوي، وقال: سند صحيح، اهـ، ولكن بعض ألفاظه يخالف ما في "المشكل" المطبوع، راجعه من: ص 142، واللفظ الذي استدل به ابن التركماني، هو عند ابن حزم في "المحلى" ص 4 ج 7
4 النسائي بإسناد صحيح "دراية" ص 177، وذكره البيهقي في "سننه" ص 257 ج 4 تعليقاً، وقال صاحب "الجوهر": إسناده على شرط الشيخين، إلا محمد بن الأعلى، فإنه على شرط مسلم، اهـ. وروى الطحاوي في "المشكل" ص 141 ج 3 عن يزيد بن زريع به.(2/463)
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1 عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ: "يُطْعَمُ عَنْهُ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابن عمر موقوف، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" بِأَشْعَثَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": الْمَحْفُوظُ مَوْقُوفٌ، هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي لَيْلَى كَثِيرُ الْوَهَمِ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ نَافِعٍ عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر. من قَوْلُهُ:
ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ، فَلْيُطْعَمْ عنه كل يوم مسكيناً مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ مَرْفُوعًا، قَالَ فِي الَّذِي يَمُوتُ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ، وَلَمْ يَقْضِهِ: يُطْعَمُ عَنْهُ، لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ فِيهِ: نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: هَذَا فِي النَّذْرِ، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّيَّ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَةً عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ"، أَخْرَجَاهُ أَيْضًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّذْرِ أَيْضًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْهُ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ
وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، فَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّك"، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ":
__________
1 الترمذي في "باب ما جاء في الكفارة" ص 90، وأخرج ابن ماجه: ص 127 في "باب من مات وعليه صيام رمضان قد فرط فيه" حدثنا محمد حدثنا قتيبة حدثنا عبثر عن أشعث عن محمد بن سيرين عن نافع عن ابن عمر، قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من مات وعليه صيام شهر، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين" اهـ، قال في "الجوهر": هذا سند صحيح.
2 البيهقي: ص 254 ج 4.
3 البخاري في "باب من مات وعليه صوم" ص 262، ومسلم في "باب قضاء الصوم عن الميت" ص 362، وأبو داود في "باب فيمن مات وعليه صيام" ص 333 ج 1، خلا قوله: قاله أحمد بن حنبل.(2/464)
حَمَلَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يُطْعَمُ عَنْهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَا يُصَامُ، قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ تَجْرِي فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا، وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا، لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِبْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "النَّذْرِ وَالْأَيْمَانِ"1 مُصَرَّحًا فِيهِ بِالنَّذْرِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَنَجَّاهَا اللَّهُ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ بِنْتُهَا، أَوْ أُخْتُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ"، قُلْت: اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى إبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ لِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ طَعَامًا، وَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخُوك تَكَلَّفَ وَصَنَعَ لَك طَعَامًا، وَدَعَاك، أَفْطِرْ، وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ ثَنَا عَلِيُّ بن سعيد الرزاي حدثنا عمرو بن خليف4 بْنِ إسْحَاقَ بْنِ مِرْسَالٍ الْخَثْعَمِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَمِّي إسْمَاعِيلُ بْنُ مِرْسَالٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً، فدعا النبي عليه السلام وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أُتِيَ بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "مَا لَكَ"؟ قَالَ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عليه السلام: "تَكَلَّفَ أَخُوك وَصَنَعَ طَعَامًا، ثُمَّ تَقُولُ: إنِّي صَائِمٌ؟! كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ"، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ فِي الصَّوْمِ5 وَفِي الْأَدَبِ" عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهُ: كُلْ، فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ،
__________
1 في "باب قضاء النذر عن الميت" ص 113 ج 2.
2 الطيالسي: ص 293، والدارقطني: ص 237.
3 الدارقطني: ص 237.
4 كذا في نسخة الدار أيضاً، ولكن في نسخة الدارقطني المطبوعة "عمرو بن خلف".
5 البخاري في "الصوم" ص 264، وفي "الأدب" ص 906 بإسناد واحد.(2/465)
فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ له سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ: قَالَ: فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا، وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا، وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا. فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ عليه السلام، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عليه السلام: "صَدَقَ سَلْمَانُ"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ مِنْ التَّطَوُّعِ لِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِذِكْرِ الْقَضَاءِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّوْمِ بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ"، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَدَبِ بَابَ صُنْعِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ".
أَحَادِيثُ الْفِطْرِ فِي التطوع أخرج أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْت أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَرَتْنِي إلَيْهِ حَفْصَةُ، وَكَانَتْ ابْنَةَ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، قَالَ: "اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ زُمَيْلٍ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَى صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَ هَذَا، وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمَعْمَرٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزِيَادٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ، فَقُلْت لَهُ: أَحَدَّثَك عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ سَمِعْت فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ نَاسٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَذَكَرَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لِزُمَيْلٍ سَمَاعٌ عَنْ عُرْوَةَ، وَلَا لِيَزِيدَ مِنْ زُمَيْلٍ، وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَزُمَيْلٌ مَجْهُولٌ، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمَا اسْتِحْبَابًا، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: عَنْ جَرِيرِ بْنِ
حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ، الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
__________
1 أبو داود في "باب من رأى عليه القضاء" ص 340، والبيهقي: ص 281 ج 4، راجع له "الجوهر" ص 279 ج 4.
2 الترمذي في "باب إيجاب القضاء عليه" ص 92 ج 1 عن جعفر بن برقان، والطحاوي: ص 354 عن عبد الله بن عمر العمري، والبيهقي: ص 280 ج 4 عن جعفر، وصالح بن أبي جعفر، قال: وهكذا رواه سفيان بن حسين عن الزهري، اهـ، أي عن عروة عن عائشة.
3 والطحاوي في "شرح الآثار" ص 355 ج 1، وابن حزم في "المحلى" ص 270 ج 6، وقوى أمره.(2/466)
فِي "مُصَنَّفِهِ"1 حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ، الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عن خصيف عن سيعد بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ كَانَتَا صَائِمَتَيْنِ، الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَصْبَحَتْ عائشة، وحفصة صائمتين، الحديث. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَحَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَرَوَاهُ أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"3 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ، قَالَ: ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَكِّيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُهْدِيَتْ لِعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ هَدِيَّةٌ، وَهُمَا صَائِمَتَانِ، فَأَكَلَتَا مِنْهَا، فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ، وَلَا تَعُودَا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا صَامَتْ تَطَوُّعًا، فَأَفْطَرَتْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَأَعَلَّهُ بالضحاك بن حمرة.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ4 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَعَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا، فَأَفْطَرَ، فَسَأَلَ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى.
__________
1 وملك في "الموطأ" ص95 عن الزهري أن عائشة، وحفصة، الحديث مرسل، ومن طريق مالك، والطحاوي: ص354
2 وابن أبي حاتم في "العلل: ص 256، راجعه.
3 قال في "الزوائد" ص 202: رواه الطبراني في"الأوسط" وفيه محمد بن أبي سلمة المكي، وقد ضعف بهذا الحديث، اهـ.
4 قلت: لم يعز هذا الحديث إلى أحد ممن خرجه، وقال الحافظ في "الدراية" ص 178: وروى ابن أبي شيبة عن أنس بن سيرين، الخ، وأخرج الطحاوي باسناده ص 356 عن أنس بن سيرين، قال: صمت يوم عرفة، فجهدني الصوم، فأفطرت، فسألت عن ذلك عبد الله بن عمر، فقال: اقض يوماً آخر مكانه، اهـ.(2/467)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"1 عَنْ وَكِيعٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: "يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قَالَ: " فَإِنِّي صَائِمٌ"، قَالَتْ: فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَّأَتْ لَك شَيْئًا، قَالَ: " مَا هُوَ": قُلْتُ: حَيْسٌ، قَالَ: " هَاتِيهِ"، فَجِئْتُهُ بِهِ، فَأَكَلَ، وَقَالَ: "قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا"، قَالَ طَلْحَةُ: هُوَ ابْنُ يَحْيَى، فَحَدَّثْت بِهِ مُجَاهِدًا، فَقَالَ: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ عليه السلام يَوْمًا، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا لَا، قَالَ: "فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ"، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: "أَدْنِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحَتْ صَائِمًا"، فَأَكَلَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَكَلَ. وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ2. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْبَاهِلِيِّ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ مَنْ خَالَفَهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، انْتَهَى. وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ مِنْ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو الْبَاهِلِيُّ. وَكَلَامُ النَّسَائِيّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ نَفْسِهِ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بِهِ، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"3، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْت سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَامَّةَ مَجَالِسِهِ، لَا يَذْكُرُ فِيهِ: سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، فَذَكَرَهُ فِيهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ4، وَشُعْبَةُ، وَوَكِيعٌ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَهُ: سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، أَيْ تَطَوُّعًا، وَجَعَلَهُ بِمَثَابَةِ قَضَائِهِ عليه السلام الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، حِينَ شَغَلَهُ عَنْهُمَا الْوَفْدُ، وَجَعَلَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ5 حَدِيثَ عُمَرَ لَمَّا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُ
__________
1 مسلم في "باب جواز صوم النافلة بنية من النهار" ص 364، قلت: هذه الطريق أخرجها مسلم عن أبي كامل عن عبد الواحد عن طلحة، والطريق الثاني عن ابن أبي شيبة عن وكيع عن طلحة، ففي قول الحافظ المخرج بعض غفلة، والله أعلم.
2 صحح هذه الزيادة أبو محمد بن عبد الحق، كذا في "البناية" ص 1356 ج 2.
3 وفي "السنن الكبرى" ص 275 ج 4 عن الطحاوي عن المزني عن الشافعي، ورواه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 355.
4 راجع طرقهم من النسائي: ص 320.
5 لفظ الشافعي رحمه الله في "كتاب الأم" ص 88 ج 2، كما أمر عمر أن يقضى نذراً في الجاهلية، وهو على معنى إن شاء الله، اهـ.(2/468)
عليه السلام أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى إذَا كَانَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ. وَهُوَ صَائِمٌ رَفَعَ إنَاءً فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، وَفِي لَفْظٍ: فَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمَّا كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ لِعُذْرِ السَّفَرِ، كَانَ لَهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ، كَمَا فَعَلَ عليه السلام، فَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ، وَفِي سَنَدِهِ اخْتِلَافٌ، وَفِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ، قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ2، قَالَ: أُخْرِجَتْ عِسَاسٌ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ، وَعَلَى السَّمَاءِ سَحَابٌ، فَظَنُّوا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ، فَأَفْطَرُوا، وَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ تَجَلَّى السَّحَابُ، فَإِذَا الشَّمْسُ طَالِعَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَجَانَفْنَا مِنْ إثْمٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ جَبَلَةَ3 بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ، وَقُرِّبَ إلَيْهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَ بَعْضُ الْقَوْمِ، وَهُمْ يَرَوْنَ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، ثُمَّ ارْتَقَى الْمُؤَذِّنُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللَّهِ إنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ لَمْ تَغْرُبْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ فَلْيُتِمَّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ لَهُ: إنَّمَا بَعَثْنَاك دَاعِيًا، وَلَمْ نَبْعَثْك رَاعِيًا، وَقَدْ اجْتَهَدْنَا، وَقَضَاءُ يَوْمٍ يَسِيرٌ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"4 أَخَبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: أَفْطَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَصْحَابُهُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ظَنُّوا أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ، قَالَ: فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَعَرَّضْنَا بِجَنَفٍ، نُتِمُّ هَذَا الْيَوْمَ، ثُمَّ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"5 عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى
__________
1 قلت: حديث أم هانئ هذا أخرجه الترمذي في "باب إفطار الصائم المتطوع" ص 92، والحاكم في "المستدرك" ص 439، وأحمد في "مسنده" ص 343 ج 6، والطيالسي في: ص 225، والدارقطني ص 335، والبيهقي: ص 276 ج 4، قال صاحب "الجوهر": هذا الحديث مضطرب إسناداً ومتناً، ثم ذكر وجهه، اهـ. قال الدارقطني: إنما سمعه سماك عن ابن أم هانئ عن أبي صالح عن أم هانئ، اهـ، أبو صالح هو بازام مولى أم هانئ، ضعيف مدلس، قاله في "التقريب" ولم أجد الحديث في أبي داود، ولا في النسائي، والله أعلم.
2 والبيهقي: ص 217 ج 4 مع زيادة.
3 والبيهقي: ص 217 ج 4، وفيه عن صهيب أيضاً نحوه.
4 "كتاب الآثار" ص 45.
2 البخاري في "باب إذا أفطر في رمضان، ثم طلعت الشمس" ص 263.(2/469)
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ، قَالَ: لابد مِنْ الْقَضَاءِ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْت هِشَامًا، قَالَ: لَا أَدْرِي، أَقَضَوْا أَمْ لَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَالسِّوَاكُ"، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الْعَبَّادَانِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا، وَذَكَرَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي "الْأَفْرَادِ" رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا، بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قُلْت: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كُنْت أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
__________
1البخاري في "باب بركة السحور" ص 257، ومسلم في "باب فضل السحور" ص 350، والترمذي فيه: ص 89، والنسائي في "باب الحث على السحور" ص 303، وابن ماجه في "باب السحور" ص 122.
2 قال في "الزوائد ص 105 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير" مرفوعاً وموقوفاً على أبي الدرداء، والموقوف صحيح، والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه، اهـ. وفيه: ص 105 ج 2 عن ابن عباس، قال: سمعت نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة" رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، اهـ. وقال في: ص 155 ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله الصحيح، اهـ. وأخرج عن ابن عمر نحوه، وقال فيه يحيى بن سعد: ضعيف، اهـ. وروى البيهقي في "السنن" ص 238 ج 4 حديث ابن عباس، وضعفه.
3 البخاري في "باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر" ص 257، ومسلم في "باب فضل السحور" ص 350.
4 البخاري في "المواقيت" باب وقت الفجر" (577) .(2/470)
حَدِيثُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"1 عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْنَا الْهِلَالَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْهِلَالِ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْته؟ قُلْت: نَعَمْ، رَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْت: أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله فِي "الْمَعْرِفَةِ": يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِانْفِرَادِ كُرَيْبٌ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَجَعَلَ طَرِيقَهُ طَرِيقَ الشَّهَادَاتِ، فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِ قَوْلَ الْوَاحِدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ عليه السلام: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ"، وَيَكُونَ ذَلِكَ قَوْلَهُ، لَا فَتْوَى مِنْ جِهَتِهِ، أَخْذًا بِهَذَا الْخَبَرِ، انْتَهَى. وَأَجَابَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بِقَوْلِ كُرَيْبٌ وَحْدَهُ، وَبِهِ نَقُولُ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وُجُوبُ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ جَوَابُ الْأَوَّلِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِهِمَا فِي عَدَمِ قَبُولِ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: " دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 فِي "كِتَابِ الطِّبِّ" وَالنَّسَائِيُّ فِي "كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ" عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، قَالَ: قُلْت لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْهُ، دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك". زَادَ التِّرْمِذِيُّ: فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَالْكَذِبُ رِيبَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ". وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشافعي ابن بنت الإمام
__________
1 مسلم في "باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم" ص 348، والبيهقي: ص 251 ج 4.
2 قوله: أخرجه الترمذي، كذا قال الحافظ في "الدراية والفتح" ص 25 ج 4، والعيني في "البناية والعمدة" ص 398 ج 5، والسيوطي في "الصغير" وصاحب "المشكاة" فيه، ولكني لم أفز به فيه، وأخرجه النسائي في "الأشربة في باب الحث على ترك الشبهات" ص 333 ج 2، والدرامي ص 337 مختصراً، وأخرجه أحمد في "مسنده" ص 200 ج 1، والطيالسي: ص 163، وعند البيهقي: ص 335 ج 5 مطولاً.(2/471)
الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ ثَنَا عمي إبراهيم الشَّافِعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْمَكِّيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، فَدَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ" وَهُوَ مُجَلَّدٌ وَسَطٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَرِوَايَةُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: وَمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ، فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعَلِمَهُ، فكَذلك فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: "تِمَّ عَلَى صَوْمِك، فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك"، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ.
قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَهُ، الْحَدِيثَ، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَلَهُ طُرُقٌ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي طُرُقِهِ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ثَوْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، فَذَكَرْت لَهُ الِاضْطِرَابَ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، فَإِنَّ أَبَا قِلَابَةَ رَوَى الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا: رَوَاهُ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَكَذَلِكَ ذَكَرُوا عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ، وَحَدِيثُ شَدَّادٍ صَحِيحَانِ، انْتَهَى.
حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ
__________
1 أبو داود في "باب الصائم يحتجم" ص 329 بأسانيد صحيحة، وإسناد أبي داود على شرط مسلم، كذا في "المجموع شرح المهذب" ص 350 ج 6، وابن ماجه: ص 122، والحاكم، وصححه: ص 427 ج 1، وابن جارود: ص 198، والدارمي: ص 218، والطحاوي: ص 349، والبيهقي: ص 266 ج 4.
2 أبو داود في: ص 330 بأسانيد صحيحة "شرح المهذب" والطحاوي: ص 349، وأخرجه ابن ماجه ص 122 عن أبي قلابة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والدارمي: ص 218، عن عبد الله بن يزيد عن أبي الأشعث عن أبي أسماء عن شداد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والحاكم في "المستدرك" ص 429 ج 1.(2/472)
أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ مَرَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْفَتْحِ عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ بِالْبَقِيعِ، لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ الصِّحَّةِ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ1، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَاسْتَقْصَى النَّسَائِيُّ طُرُقَهُ، وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى"، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثَ: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ ابْنِ رَاهْوَيْهِ2، أَنَّهُ قَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: وَالْمُسْتَحْجِمُ.
حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَذَكَرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى4. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي الْبَابِ أَصَحَّ مِنْهُ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ قَارِظٍ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بإِساد صَحِيحٍ، فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ مَعْمَرٌ إذًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ5: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي بَاطِلٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: هُوَ غَلَطٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ أَضْعَفُهَا، انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ "التَّنْقِيحِ".
حَدِيثُ أَبِي مُوسَى: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"6، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ
__________
1 قوله: وصححه أحمد، وابن المديني، الظاهر أنه عطف على قوله: ظاهر الصحة، وهذا هو الموافق للواقع، لكن السياق يأباه، وقوله: واستقصى النسائي طرقه، عطف على قوله: رواه ابن حبان.
2 وعن أبي يعقوب أنه حكم بالصحة.
3 الترمذي في "باب كراهية الحجامة للصائم" ص 96، وبهذا الإِسناد أحمد في "مسنده" ص 465 ج 3، والحاكم في "المستدرك" ص 428 ج 1، والبيهقي في "السنن" ص 265 ج 4، كلهم عن عبد الرزاق.
4 أي قول الترمذي.
5 أبو حاتم في "العلل" ص 249، راجعه.
6 "المستدرك" ص 430 ج 1، وابن جارود: ص 198، والطحاوي: ص 349، والبيهقي: ص 266 ج 4، وراجع "العلل" ص 234.(2/473)
عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: رَفْعُهُ خَطَأٌ، وَقَدْ وَقَفَهُ حَفْصٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حَفْصٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدِيثُ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى خَطَأٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ، إنَّمَا هُوَ بَكْرٌ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ.
حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: مِنْهُمْ الْحَسَنُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَحْتَجِمُ فِي ثَمَانَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، وَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: ثُمَّ قَالَ: وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ كَانَ قَدْ اخْتَلَطَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ غَيْرَ هَذَيْنِ، عَلَى اخْتِلَافِهِمَا عَلَيْهِ فِيهِ، انْتَهَى. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَحْمَدَ رَوَاهُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ ذريق عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، سَوَاءً، وَفِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" لِلتِّرْمِذِيِّ، قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ: حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَصَحُّ، أَوْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ؟ فَقَالَ: مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَصَحُّ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"3: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُسَامَةَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ التَّيْمِيُّ4، فَأَثْبَتَ رِوَايَتَهُمْ جَمِيعًا، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَامَّةِ هَؤُلَاءِ، وَلَا لَقِيَهُ عِنْدَنَا مِنْهُمْ ثَوْبَانُ، وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ، وَأُسَامَةُ، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ تَابَعَ أَشْعَثَ عَلَى رِوَايَتِهِ أَحَدٌ.
حَدِيثُ بِلَالٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعَلَاءِ أَيُّوبَ بْنِ مِسْكِينٍ، وَيُقَالُ:
__________
1 والطحاوي: ص 349، وأحمد في "مسنده" ص 480 ج 3.
2 أحمد في "مسنده" ص 4474 ج 3.
3 روى البيهقي عن المديني قوله هذا، وذكر فيه ثوبان، ولم يذكر ابن سنان، والله أعلم.
4 التيمي يريد به سليمان، قال في حديثه: عن الحسن عن غير واحد من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث، فقد أخرج حديثه البيهقي في "السنن" ص 265 ج 4.
5 والبيهقي في "السنن" ص 265، وأحمد: ص 210 ج 5.
6 قلت: رواه أحمد في "مسنده" ص 12 ج 6 عن أبي العلاء عن قتادة عن سلمة بن حوشب عن بلال، فانظره.(2/474)
ابْنُ أَبِي مِسْكِينٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ بِلَالٍ مَرْفُوعًا، كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ هَمَّامٌ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرٍ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، فَرَوَاهُ عَنْ شَهْرٍ، فَأَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَوْبَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمْ بُكَيْر بْنُ أَبِي السُّمَيْطِ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ مِقْدَادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا تَابَعَ اللَّيْثَ، وَلَا بُكَيْر بْنَ أَبِي السُّمَيْطِ عَلَى رِوَايَتِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: إنَّ بِلَالًا مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ شَهْرٌ، انْتَهَى.
حَدِيثُ عَلِيٍّ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا1 مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَفَهُ أَبُو الْعَلَاءِ، ثم أخرجه عن أبي العلاء عَنْ قَتَادَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي ذُرَيْعٍ عَنْ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، فَوَقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: جَمِيعُ مَا يَرْوِيهِ الْحَسَنُ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ، وَإِنَّمَا يُرْوِي عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ.
حَدِيثُ عَائِشَةَ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ2 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَلَيْثٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ شَيْبَانُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ فَوَقَفَهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ كَذَلِكَ أَيْضًا.
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَفَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ خَلَّادٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَأَمَّا أَنَا فَلَوْ احْتَجَمْت مَا بَالَيْت أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَرَوَاهُ
عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَدَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالنَّضْرُ
__________
1 رواه البزار، والطبراني في "الأوسط" وفيه الحسن، وهو مدلس، ولكنه ثقة "زوائد" ص 169.
2 رواه أحمد: ص 157 ج 6، وص 258 ج 6 كذلك، ورواه الطحاوي عن أبي الأحوص عن ليث به ص 349، وعن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة مرفوعاً.
3 ابن ماجه: ص 122.(2/475)
بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَعَطَاءٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ: وَخَالَفَهُ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ: وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، لِمُتَابَعَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِ أَحَدٌ إلَّا أَكَلَ الرِّبَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ"، اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنْ صَحَّ سَمَاعُهُ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ جَامِعِهِ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ قَرَأَ {حم الدُّخَانَ} فِي لَيْلَةِ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ": الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. مَعَ أَنِّي وَجَدْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو حُرَّةَ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْهُ بِهِ مَرْفُوعًا، وَخَالَفَهُ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو قَطَنٍ، فَرَوَيَاهُ عَنْهُ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ مَرْفُوعًا، وَخَالَفَهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، فَرَوَاهُ عَنْ يُونُسَ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ ثَنَا قطر عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: "وَالْمُسْتَحْجِمُ"، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ فَأَرْسَلَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حدثنا قطر عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا،
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ قَبِيصَةَ بِهِ مُسْنَدًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ قَبِيصَةَ، وَرَوَاهُ مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ قَبِيصَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ فِي "كِتَابِهِ" عَنْ قطر عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ. وَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ وَهَمٌ،
__________
1 قال الهيثمي: ص 169 ج 3: رواه البزار، والطبراني في "الكبير" ورجال البزار موثقون، إلا أن قطر بن خليفة فيه كلام، وهو ثقة.
2 البيهقي: ص 266 ج 4.(2/476)
انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، انْتَهَى.
حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ1 فِي "مُعْجَمِهِ".
حَدِيثُ أَنَسٍ: فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهُ.
حَدِيثُ جَابِرٍ: فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ" عَنْ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَطَرٍ إلَّا سَلَّامٍ أَبُو الْمُنْذِرِ، انْتَهَى.
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عن نفع عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِالْحَسَنِ هَذَا، وَجَعَلَهُ مِنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ يَرْوِيهِ كَذَلِكَ غَيْرُهُ، وَهُوَ عِنْدِي مِمَّنْ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَلَكِنَّهُ يَهِمُ وَيَغْلَطُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ".
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ مِنْ أَحَادِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ" وَهُوَ جُزْءٌ لَطِيفٌ، جُمْلَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَرَقَةً: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا دَاوُد بن زبرقان عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ بِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زُرَارَةَ الرَّقِّيِّ ثَنَا دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحُصَيْبِ عَنْ مُصْعَبٍ بِهِ.
حَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَعَلَّهُ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ: بِدَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ، قَالَ: وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ.
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى بَصْرِيٌّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَطَاءٍ2 ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ عليه السلام على رجلين يحجم أحدهم الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ، وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ، انْتَهَى.
__________
1 الطبراني في "الكبير" والبزار، وفيه يعلى بن عباد، وهو ضعيف "زوائد" ص 169 ج 3.
2 معاوية بن عطاء ذكره الذهبي في "الميزان" وذكر هذا الحديث بهذا الإسناد من منكراته.(2/477)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُقْتَصِرًا عَلَى: احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رُوِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: "احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ" وَالثَّانِي: "احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ". وَالثَّالِثُ: "احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ". وَالرَّابِعُ: احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ"، وَهَذَا الرَّابِعُ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَأَمَّا احْتِجَامُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَمَّا احْتِجَامُهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ3، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُمَا، قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ: صَائِمٌ، إنَّمَا هُوَ مُحْرِمٌ، قُلْت: مَنْ ذَكَرَهُ؟ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ خُثَيْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ قَالَ أَحْمَدُ: فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَذْكُرُونَ صِيَامًا، وَقَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ حَدِيثَ مِقْسَمٍ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ صَائِمًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، قَالَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"4 سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكَّى5 يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ يَقُولُ: ثَبَتَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفْنَا بِأَنَّهُ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ رُبَّمَا يَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ ثَوْبَانَ: وَحَدِيثُ شَدَّادٍ، وَحَدِيثُ رَافِعٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ عليه السلام
__________
1 البخاري في "باب الحجامة والقيء للصائم" ص 260، والترمذي: ص 96.
2 قلت: لم أجد في الترمذي في مظانه، وهو عند ابن سعد: ص 143 القسم الثاني وابن جارود في: ص 199، وأحمد: ص 244 ج 1، وص 286 ج 1، احتجم بالقاحة، وهو صائم، اهـ، رويا عن شعبة، وروى الطيالسي عن شعبة: ص 353، والطحاوي: ص 351 عن ابن أبي ليلى عن الحكم به، احتجم صائماً محرماً، وأحمد: ص 248 ج 1، وابن سعد: ص 143 ج 1 القسم الثاني عن الحجاج عن الحكم به، وزاد: فغشى عليه، فلذلك كره الحجامة للصائم، اهـ. والقاحة: اسم موضوع بين مكة والمدينة، على ثلاثة مراحل منها.
3 وأبو حاتم في "العلل" ص 230، وقال: خطأ فيه شريك.
4 "المستدرك" ص 429 ج 1.
5 في نسخة الدار "محمد بن جعفر المولى" "البجنوري".(2/478)
احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ لَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ1 أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمَحَاجِمَ مَعَ إفْطَارِ الصَّائِمِ، فَحَجَمَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ: كَمْ خَرَاجُك؟ قَالَ: صَاعَانِ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ عليه السلام عَنْهُ صَاعًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ ابْنَ حِبَّانَ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ وَقْتَ الْإِفْطَارِ، فَكَانَ مُفْطِرًا بِالْحِجَامَةِ، فَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا لَا يَصْلُحُ2 جَوَابًا ثَانِيًا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ غَيْرُ نَاجِحٍ لِمَنْ يَتَأَمَّلُهُ، وَمِنْ الْخُصُومِ مَنْ ادَّعَى نَسْخَ أَحَادِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَقَلَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ"3، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمَاعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا، وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِمًا قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِجَامَةَ النَّبِيِّ عليه السلام عَامَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَحَدِيثُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ" فِي الْفَتْحِ، سَنَةَ ثَمَانٍ، قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِسَنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَا ثَابِتَيْنِ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَوَى: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ: إنَّهُ عليه السلام مَرَّ بِهِمَا، وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلًا، وَالْفِطْرُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى سُقُوطِ الْأَجْرِ، كَمَا رَوَى: مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"، انْتَهَى. أَيْ سَقَطَ أَجْرُهُ، وَكَمَا رُوِيَ: أَنَّ رَجُلًا تَكَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: لَا جُمُعَةَ لَك، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "صَدَقَ" أَيْ سَقَطَ أَجْرُك بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"4 مِنْ حَدِيثٍ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَأَلَ
__________
1 قال في "الزوائد" ص 169: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح، اهـ. قال ابن أبي حاتم في "العلل" ص 255 ج 1: وسألت أبي فقال: حديث منكر، ولا يصح سماع جعفر بن برقان من أبي الزبير، اهـ.
2 في نسخة الدار "وهذا يصلح جواباً ثانياً" الخ، ولعله ههنا أجود، وإن كان لكليهما وجهة الصحة، والله أعلم، وعلمه أتم "البجنوري".
3 وفي "السنن" ص 268، أقول: جواب الشافعي إنما ينهض بهما عند التصريح بالرؤية، وإلا فقد قال المخرج في "باب الامامة" في أحاديث الخصوم بعد الحديث الرابع والستين: ص 249 ج 1: إن جميع مسموعاته سبعة عشر حديثاً، اهـ وقال ابن حزم في "الفصل" ص 138 ج 4: قد وجدنا مسند جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، لكل واحد منهما أزيد من ألف وخمسمائة، اهـ. وروى عنه حديث الافطار أيضاً، كما في "الزوائد" ص 169 ج 3.
4 البخاري في "باب الحجامة والقئ للصائم" ص 260، وأخرج أبو داود في: ص 330 عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه، قال النووي في "شرح المهذب": ص 349 ج 6: إسناده على شرط البخاري، ومسلم.(2/479)
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ هَذَانِ"، ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ عليه السلام بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ، وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لِأَنَّهُ شَاذُّ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا سَالِمًا مِنْ الشُّذُوذِ، وَالْعِلَّةِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَا هُوَ فِي الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ، وَلَا فِي الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ أَشَدَّ احْتِيَاجٍ، وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ فِي الدُّنْيَا إلَّا الدَّارَقُطْنِيّ، رَوَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ بِهِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَاهُ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا لَرَوَاهُ النَّاسُ فِي " كُتُبِهِمْ " , وَخُصُوصًا الْأُمَّهَاتِ " كَمُسْنَدِ " أَحْمَدَ , " وَمُصَنَّفِ " ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ , " وَمُعْجَمِ " الطَّبَرَانِيِّ , وَغَيْرِهِمَا , ثُمَّ إنَّ خَالِدَ بْنَ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُثَنَّى، وَإِنْ كَانَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي خَالِدٍ: لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، مُفْرِطُ التَّشَيُّعِ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: كَانَ مُعْلِنًا بِسُوءِ مَذْهَبِهِ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا ابْنُ الْمُثَنَّى، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْآجُرِّيُّ: سَأَلْت أَبَا دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ: لَا أُخَرِّجُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَقَالَ السَّاجِيُّ: فِيهِ ضَعْفٌ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيثٍ، وَقَالَ الْمَوْصِلِيُّ: رَوَى مَنَاكِيرَ، وَذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى أَكْثَرِ حَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ الدَّارِعُ ثَنَا أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، وَكَانَ ضَعِيفًا مُنْكَرَ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابُ الصَّحِيحِ إذَا رَوَوْا لِمَنْ تُكَلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَدَعُونَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَيَنْتَقُونَ مَا وَافَقَ فِيهِ الثِّقَاتِ2، وَقَامَتْ شَوَاهِدُهُ عِنْدَهُمْ، وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ثَابِتٍ، أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَرَوَاهُ بِخِلَافِهِ، كَمَا هُوَ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ"،
__________
1 الدارقطني: ص 239، وعند البيهقي: ص 268 ج 4، والحازمي: ص 109.
2 كانت العبارة ههنا في "النسخة المطبوعة القديمة" وفي "نسخة الدار" وغيرها، أيضاً هكذا: "فإنهم يتفون من حديثه ما تفرد به، ويدعون ما وافق فيه الثقات" ولما كانت هي مختلة المراد، أصلحناها كما تراه الآن "البجنوري".(2/480)
ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قُتِلَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَهِيَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَحَدِيثُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَانَ عَامَ الْفَتْحِ، بَعْدَ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، انْتَهَى كَلَامُ "صَاحِبِ التَّنْقِيحِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَى النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بن سليمان سمعت حميد الطَّوِيلَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، وَرَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِ الطَّبَرَانِيِّ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ، اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ" عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، قَالَ: لِأَنَّ ظَاهِرَ الرُّخْصَةِ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ النَّهْيِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ"2 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُد الْوَاسِطِيُّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ، إلَّا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": حَدِيثُ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ هَذَا خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا أَصَحُّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"3، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ الْعَسْكَرِيُّ4 عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ بعد ما قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ
__________
1 والدارقطني في "السنن" ص 239، وقال: كلهم ثقات، وغير معتمر يرويه موقوفاً.
2 ورواه عن إسحاق به الدارقطني: ص 239، وقال: كلهم ثقات، اهـ، ثم رواه عن الأشجعي عن سفيان به عن أبي سعيد، قال: رخص للصائم في الحجامة والقبلة، اهـ. ووثق الأشجعي أيضاً، وروى ابن حزم في "المحلى" ص 204 ج 6 عن النسائي من طريق سفيان، وحميد مرفوعاً، وقال: والمسندان له عن خالد، وحميد ثقتان، فقامت به الحجة، والرخص لا تكون إلا بعد نهي، فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول، اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" ص 155 ج 4 لحديث أبي سعيد: إسناده صحيح، اهـ.
3 قال في "الزوائد" ص 170 ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه أبو طريف سفيان، وهو ضعيف، وقد وثقه ابن عدي، اهـ.
4 في نسخة س وكذا في نسخة الدار "السكري".(2/481)
وَالْمَحْجُومُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ إلَّا أَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ1، وَاسْمُهُ: طَرِيفٌ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو حَمْزَةَ الْعَسْكَرِيُّ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ فِي إسْنَادِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ أَعْنِي حَدِيثَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَبِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ كَثِيرَةِ الِاضْطِرَابِ، وَهِيَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الصِّحَّةِ، مَعَ عَدَمِ سَلَامَتِهِ مِنْ مُعَارِضٍ أَصَحَّ مِنْهُ، أَوْ نَاسِخٍ لَهُ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَيَقُولُ بِهِ لَمْ يَلْتَزِمْ صِحَّتَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ الْأَشْدَقِ" بِإِسْنَادِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنَا أَذْهَبُ إلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شيء صحيح لوقف ِنْدَهُ , وَقَوْلُهُ: أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَافِعٍ , لَا يَقْتَضِي صِحَّتُهُ , بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفًا مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ، لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ، قَالَ: وَلَمَّا بَلَغَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ هَذَا الْكَلَامُ، قَالَ: إنَّ هَذَا مُجَازَفَةٌ، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: هُوَ ثَابِتٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ2، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، قَالَ: وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِبَعِيدٍ، وَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ "مُسْنَدَ أَحْمَدَ"، "وَمُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ"، "وَالسُّنَنَ الْكَبِيرَ لِلنَّسَائِيِّ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الرَّبِيعُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ"، زَادَ إسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: "إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ فَقَدْ أَفْطَرَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ" أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِي أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ بَكْرٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَانَا صَائِمَيْنِ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ عليه السلام الصَّلَاةَ، قَالَ: "أَعِيدَا وُضُوءَكُمَا وَصَلَاتَكُمَا، وَامْضِيَا فِي صَوْمِكُمَا، وَاقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ"، قَالَا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "اغْتَبْتُمَا فُلَانًا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3 أَيْضًا أَخْبَرَنَا أبو علي الروزباري أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ
__________
1 ضعيف كذا في "الدراية" ص 180.
2 ذكر البيهقي في "سننه الكبرى" ص 266 ج 4 باباً ذكر فيه بعض ما بلغه عن الحفاظ في تصحيح هذا الحديث.
3 أي في "شعب الإيمان".(2/482)
ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ السَّمْحِ ثَنَا غِيَاثُ بْنُ كَلُوبٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ عليه السلام عَلَى رَجُلَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ حَجَّامٍ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلًا، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. قَالَ: غِيَاثٌ مَجْهُولٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى وَهُوَ بَصْرِيٌّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ1 بْنُ عَطَاءٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَرَّ عليه السلام عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ، وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ2 فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ3 ثَنَا بَقِيَّةُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ، وَيَنْقُضْنَ الْوُضُوءَ: الْكَذِبُ. وَالنَّمِيمَةُ. وَالْغِيبَةُ. وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ. وَالْيَمِينُ الْكَاذِبُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: سَعِيدٌ كَذَّابٌ، وَمِنْ سَعِيدٍ إلَى أَنَسٍ كُلُّهُمْ مَطْعُونٌ فِيهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"4: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ"، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ أَبِي: إنَّ هَذَا كَذِبٌ، وَمَيْسَرَةُ كَانَ يَفْتَعِلُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى5.
قَوْلُهُ: لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ6 عَنْ عُبَيْدٍ، قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، أَمَّا يَوْمُ الأضحى، فيأكلون مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ، وَأَمَّا يَوْمُ
__________
1 معاوية بن عطاء ذكره الذهبي في "الميزان" وذكر هذا الحديث بهذا الاسناد من منكراته.
2 حديث آخر: رواه البيهقي في "سننه الكبرى" ص 286 ج 4 عن يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث عن ثوبان، قال: مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل وهو يحتجم عند الحجام، وهو يقرض رجلاً، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفطر الحاجم والمحجوم" اهـ. ورواه الطحاوي: ص 349 ج 1 عن أبي الأشعث، قوله: قال: إنما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفطر الحاجم والمحجوم" لأنهما كان يغتابان، اهـ. قلت: يزيد بن ربيعة متروك، وحكم علي بن المديني بأنه حديث باطل، قاله الحافظ في "الفتح" ص 155 ج 4.
3 فليراجع، لعل الصواب: سعيد بن عنبسة، والله أعلم، وفي هذا الاسناد جابان من رجال اللسان متروك، ذكر الحافظ حديثه هذا بهذا الاسناد فيه.
4 "كتاب العلل" ص 258، قال: ميسرة بن عبد ربه كان يفتعل الحديث، اهـ.
5 قوله: وميسرة، الخ، هذه الزيادة من نسخة الدار "البجوري".
6 أخرجه البخاري في "باب الصوم يوم الفطر"، و"باب صوم يوم النحر" ص 267 من حديث عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، ومسلم في "باب تحريم صوم يومي العيد" ص 360، ومن حديث عائشة أيضاً.(2/483)
الْفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامَيْنِ: صِيَامِ يَوْمِ الْأَضْحَى، وَصِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: سَمِعْته يَقُولُ: لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ"،قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ1، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ خَلْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أَيَّامَ مِنًى صَائِحًا يَصِيحُ: "أَنْ لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ"، وَالْبِعَالُ: وِقَاعُ النِّسَاءِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ فِي الضَّحَايَا" عَنْ سَعِيدِ بن سلام العطاء ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ الْخُزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدَيْلُ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى: أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ، انْتَهَى. وسعيد هذ رَمَاهُ أَحْمَدُ بِالْكَذِبِ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا رَبِيعَةُ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ الزُّرَقِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيَّامَ مِنًى أُنَادِي: "أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ" انْتَهَى. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ضَعِيفٌ.
__________
1 ومن حديث سعد بن أبي وقاص، أخرجه الطحاوي: ص 428، وقال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أنادي أيام منى: إنها أيام أكل وشرب وبعال، اهـ. ومن حديث جدة مسعود بن الحكم الأنصاري أخرجه البيهقي في "السنن" ص 298 ج 4 حدثت أنها رأت وهي بمنى، في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكباً يصيح: أيها الناس: "إنها أبام أكل وشرب ونساء وبعال وذكر الله تعالى"، اهـ. قال الحافظ في "التلخيص" ص 191: أخرجه النسائي من طريق مسعود بن الحكم عن أمه، اهـ.
2 الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن، كذا في "الزوائد" ص 203 ج 3، وفيه إبراهيم، وهو ضعيف، كذا في "التقريب".
3 الدارقطني: ص 252.(2/484)
وَحَدِيثُ أُمِّ خَلْدَةَ الأنصاري: فرواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ1 عَنْ مُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ2 عَنْ أُمِّهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا يُنَادِي أَيَّامَ مِنًى: "إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ"، انْتَهَى. زَادَ إسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي النِّكَاحَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَنَادَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: "أَلَا إنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنِكَاحٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"3 عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أكل وشرب"، وزاد فِي طَرِيقٍ آخَرَ: وَذِكْرِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ نَحْوَهُ، وَوَقَعَ لشيخنا علاء الدين ههنا تَصْحِيفٌ قَبِيحٌ، فَقَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ نُبَيْشَةَ، وَهُوَ قَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ4 مِنْ رِوَايَةِ نُبَيْشَةَ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَعُقْبَةِ بْنِ عَامِرٍ، وَبِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، خَرَّجَهَا جَمَاعَةٌ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهَا: مِنْهَا مَا هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ مَعَهُمَا: وَذِكْرِ اللَّهِ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ: وَصَلَاةٍ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: بِعَالٍ، وَهِيَ لَفْظٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 ضعيف "التلخيص" ص 191.
2 أخرجه الطحاوي في: ص 429 عن عمر بن خلدة عن أمه، قال الحفاظ في "الدراية" ص 180، بعد ذكره حديث ابن عباس عن عمر بن خلدة، عن أمه نحوه، اهـ قلت: لعل أم خلدة في الزيلعي مصحف عن أمه خلدة، والله أعلم.
3 أخرج مسلم في "باب تحريم صوم أيام التشريق" ص 360 من حديث نبيشة، وكعب.
4 قلت: روى الطحاوي: ص 428، وغيره من حديث علي، وعبد الله بن حذافة، ورجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ص 335 "عقبة بن عامر" وبشر بن سحيم، ومعمر بن عبد الله، والحكم: أيام أكل وشرب، ومع زيادة: ذكر الله، عن عائشة، وأبي هريرة، ونبيشة، وأم مسعود الزرقي، وأم الفضل، وزيادة: بعال، بدله عن سعد، وخلدة، رضوان الله عليهم أجمعين، وذكرت في تخريج أحاديث الطحاوي من رواه غيره من أرباب الأصول، والله أعلم.(2/485)
بَابُ الِاعْتِكَافِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ، انْتَهَى. إلَّا ابْنَ مَاجَهْ2 فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَسَافَرَ عَامًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَلَفْظُهُمَا: وَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا، الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْد عَنْ سُفْيَانَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، أَوْ مِنْ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُوَيْدٌ ضَعِيفٌ، لَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَقَالَ: الشَّيْخَانِ لَمْ يَحْتَجَّا بِسُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، انْتَهَى. وَسُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي "الْكَمَالِ" قَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ: سَأَلْت هُشَيْمًا، فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ: أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً، وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ، إلَّا لما لابد مِنْهُ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ لَا يَقُولُ
فِيهِ: قَالَتْ: السُّنَّةُ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ،
__________
1 البخاري في "باب الاعتكاف في العشر الأواخر" ص 271، ومسلم في "الاعتكاف": ص 317، وأبو داود: ص 341.
2 وابن ماجه: ص 127، وأبو داود: ص 341.
3 الدارقطني: ص 247، والبيهقي: ص 317 ج 4.
4 الحاكم في "المستدرك" ص 440 ج 1.
5 أبو داود في "باب المعتكف يعود مريضاً" ص 342.(2/486)
وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ" عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ، وَفِيهِ قَالَتْ: السُّنَّةُ فِي الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَصُومَ، وَقَالَ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحِ" دُونَ قَوْلِهِ: وَالسُّنَّةُ فِي الْمُعْتَكِفِ، إلَى آخِرِهِ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فِي "السُّنَنِ"1، وَ"الْمَعْرِفَةِ". وَقَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ" وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجَا الْبَاقِيَ لِاخْتِلَافِ الْحُفَّاظِ فِيهِ: مِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَوْلُ عَائِشَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ عَائِشَةَ، فَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: الْمُعْتَكِفُ لَا يَشْهَدُ جِنَازَةً، وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ2، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَشِّرٍ ثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ حدثنا القاسم بن معن عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ. ثُمَّ اعْتَكَفْنَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَلَا يَتَّبِعَ جِنَازَةً، وَلَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً، وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَيَأْمُرُ مَنْ اعْتَكَفَ أَنْ يَصُومَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: وسنَّة عن اعْتَكَفَ أَنْ يَصُومَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّ السُّنَّةَ لِلْمُعْتَكِفِ، إلَى آخِرِهِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ وَهَمَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَشِّرٍ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلُ عن عمر بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَيْلَةً، أَوْ يَوْمًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اعْتَكِفْ وَصُمْ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ، والدارقطني: فَأَمَرَهُ
أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: الشَّيْخَانِ لَمْ يَحْتَجَّا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَمْرٍو، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ،
__________
1 البيهقي في "السنن" ص 315 ج 4.
2 في نسخة الدار "إلا بصيام" [البجنوري] .
3 الدارقطني: ص 247.
4 أبو داود في "باب المعتكف يعود للمريض" ص 342، والدارقطني: ص 247، والبيهقي: ص 316 ج 4، والحاكم في "المستدرك" ص 439 ج 1، قال في "التقريب": عبد الله بن بديل صدوق يخطئ، اهـ.(2/487)
لِأَنَّ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرٍو لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الصَّوْمَ: مِنْهُمْ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَابْنُ بُدَيْلُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ بْنِ وَرْقَاءَ، وَيُقَالُ: ابْنُ بشر الخزاعي، رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ رَوَى عَنْهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيثُ تُنْكَرُ عَلَيْهِ، فِيهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَتْنِ، أَوْ فِي الْإِسْنَادِ، ثُمَّ يَرْوِي لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ ذَكَرَ فِيهِ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ إلَّا مِنْ رِوَايَتِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ "الثِّقَاتِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"1 لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الصَّوْمَ، وَلَفْظُهُمَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَيْلَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْفِ بِنَذْرِك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ كَذَلِكَ، حَتَّى أَبُو دَاوُد، كُلُّهُمْ أَخْرَجُوهُ فِي "الْأَيْمَانِ وَالنَّذْرِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ اعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَنْ اعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ أَسِيد بْنِ عَاصِمٍ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: الْمُعْتَكِفُ يَصُومُ، انْتَهَى. وَفِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ"3 أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَا: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، فَذَكَرَ تَعَالَى الِاعْتِكَافَ مَعَ الصِّيَامِ، قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، قَالَا: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَيُنْظَرُ الْأَسَانِيدُ فِيهِ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي "صَحِيحَيْهِمَا" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي
نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَيْلَةً، فَقَالَ لَهُ: أَوْفِ بِنَذْرِك، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ، أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً
__________
1 البخاري في "الاعتكاف" ص 272، وفي "الفيء" ص 445، ومسلم في: ص 50 ج 2، وفي لفظ لهما: يوماً، والنسائي: ص 147 ج 2، وأبو داود: ص 114 ج 2، والترمذي: ص 186، وابن ماجه: ص 155، وفي "الاعتكاف" ص 128.
2 ص 318 ج 4.
3 ص 101.
4 ص 246.(2/488)
فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ، سَأَلَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "أَوْفِ بِنَذْرِك"، فَاعْتَكَفَ عُمَرُ لَيْلَةً، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ ثَابِتٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَلَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أَنَّهُ عُورِضَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا، فَقَالَ: أَوْفِ بنذرك، لأنه عَنْهُ جَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ نَذَرَ نَذْرَيْنِ فَيَكُونَ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهُمَا حَدِيثًا مُسْتَقِلًّا. الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، إذْ لَا ذِكْرَ لِلصَّوْمِ فِيهِ، قَالَ: وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ فِي الشِّرْكِ أَنْ يَعْتَكِفَ، وَيَصُومَ، فَأَمَرَهُ عليه السلام بَعْدَ إسْلَامِهِ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ذِكْرُ الصَّوْمِ فِيهِ غَرِيبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَعَنْهُ أَيْضًا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ بَشِيرٍ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَذَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِنَذْرِهِ، لَا بِكَوْنِهِ شَرْطًا في سحة الِاعْتِكَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالُوا فِيهِ: لَيْلَةً، وَكَذَلِكَ قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ3 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: وَمَعْمَرٌ عن أيوب: يوم، بَدَلَ: لَيْلَةً، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْلَى، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَعْرَفُ بِأَيُّوبَ مِنْ غَيْرِهِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْيَوْمَ مَعَ اللَّيْلَةِ، أَوْ الليلة مع اليوم، وحيئنذ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْقَوِيُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ أَنَّ الصِّيَامَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ، فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَعَ الصِّيَامِ، وَغَالِبُ اعْتِكَافِ النَّبِيِّ عليه السلام وَأَصْحَابِهِ إنَّمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي دُخُولِ يَوْمِ الْفِطْرِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْعَشْرِ الَّذِي اعْتَكَفَ ثَانِيَ يَوْمِ الْفِطْرِ، بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ، فَلَمَّا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ السُّوسِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
__________
1 أما البخاري فلم أجد فيه، وأما مسلم فرواه في: ص 50 ج 2 عن أيوب، ومحمد بن إسحاق عن نافع، وشعبة عن عبيد الله عن نافع، والله أعلم.
2 الدارقطني ص 248، والبيهقي: ص 317 ج 4.
3 كذا قال البيهقي في "السنن" ص 317 ج 4، كأنهما غافلان عما في البخاري في "الجهاد" ص 445 من رواية حماد بن زيد عن أيوب يوماً.
4 ص 247.(2/489)
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَمِّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَيُرَاجَعُ سَنَدُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفَعَهُ هَذَا الشَّيْخُ، وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَالشَّيْخُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا أَعْرِفُهُ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ: يَرْوِي عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُوَقَّرِيِّ، رَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ سَهْلٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيِّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، فَلَا أَدْرِي أَهُمْ ثَلَاثَةٌ، أَمْ اثْنَانِ، أَمْ وَاحِدٌ، وَالْحَالُ فِي الثَّلَاثَةِ مَجْهُولَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1 وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ: اجْتَمَعْت أَنَا، وَابْنُ شِهَابٍ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ عَلَى امْرَأَتِي اعْتِكَافُ ثَلَاثٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَكُونُ اعْتِكَافٌ إلَّا بِصَوْمٍ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْ عُمَرَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ أَبُو سُهَيْلٍ. فَانْصَرَفْت فَوَجَدْت طَاوُسًا وَعَطَاءً، فَسَأَلَتْهُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ طَاوُسٌ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامًا، إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: ذَلِكَ رَأْيٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَقْفَهُ، وَقَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، وقال: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ زُرَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ2 أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُعْتَكِفُونَ؟! قَالَ: فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت، أَوْ حَفِظُوا وَنَسِيت؟ قَالَ: أَمَا أَنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَنِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ
__________
1 ص 391 ج 4.
2 إبراهيم لم يدرك حذيفة.(2/490)
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: السُّنَّةُ فِيمَنْ اعْتَكَفَ أَنْ يَصُومَ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّ أَبْغَضَ الْأُمُورِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِدَعُ، وَإِنَّ مِنْ الْبِدَعِ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الدُّورِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَرَرْت عَلَى أُنَاسٍ عُكُوفٍ بَيْنَ دَارِك، وَدَارِ أَبِي مُوسَى، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ"، أَوْ قَالَ: "فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. وَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَعَلَّك نَسِيت وَحَفِظُوا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ: الْمُعْتَكِفُ لَا يَخْرُجُ إلا لما لابد مِنْهُ"، وَتَقَدَّمَ3 فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَا يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ إلا لما لابد مِنْهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ لَهُ مَأْوًى إلَّا الْمَسْجِدَ يَعْنِي فِي الِاعْتِكَافِ، قُلْت: هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَالنُّصُوصِ الْمُتَطَابِقَةِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ"، إلَى أَنْ قَالَ: "وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
__________
1 البيهقي: ص 316، انقلب المتن هنا، أو هناك، فإن في البيهقي، لعلك نسيت، وحفظوا من قول ابن مسعود فقط، فليراجع، وذكر أيضاً نحوه الهيثمي في "الزوائد" ص 173 ج 3 من حديث حذيفة عن الطبراني في "الكبير" وقال: رجاله رجال الصحيح، اهـ.
2 أخرجه مسلم في "الحيض في باب الاضطجاع مع الحائض" ص 142، وأبو داود في "الاعتكاف في باب المعتكف يدخل البيت لحاجته" ص 341، والترمذي في "باب المعتكف يخرج لحاجة أم لا" ص 99 وابن ماجه: ص 128 مختصراً، والبخاري بمعناه في "باب المعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة" ص 272.
3 في الحديث الثاني حديث أبي داود: ص 462، بلفظ: السنة أن لا يخرج، الخ.(2/491)
فَحَدِيثُ وَاثِلَةَ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ ثَنَا عُتْبَةُ بْنُ يَقْظَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ2 عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَنَا3 صِبْيَانَكُمْ، وَمَجَانِينَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ، وَبَيْعَكُمْ، وَخُصُومَاتِكُمْ، وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ، وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَاِتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ، وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ": بَعْدَ رِوَايَتِهِ حَدِيثَ: "لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيك، فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَك"، عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ سَمِعَ مَكْحُولٌ مِنْ وَاثِلَةَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ، وَيُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "الزُّهْدِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ. وَوَاثِلَةَ، قَالُوا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا"، وَأَعَلَّاهُ بِالْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ: فَرَوَاهُ عبد الرزاق "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَكْحُولٍ4 عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، سَوَاءً. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُعَاذٍ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ فِي بَابِ الْمَسَاجِدِ"، رَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ"، الْحَدِيثَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: يَرْوِيه مُوسَى عَنْ عُمَيْرٍ، قَالَ الْبَزَّارُ. لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي "مُسْنَدِ الْبَزَّارِ"، وَلَعَلَّهُ عَثَرَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ5 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
__________
1 "باب ما يكره في المساجد" ص 55.
2 في نسخة الدار "عن أبي سعيد الشامي".
3 في نسخة الدار "مساجدكم "البجنوري".
4 مكحول لم يسمع من معاذ "زوائد" ص 26 ج 2.
5النسائي في "باب النهي عن البيع والشراء في المسجد" ص 117 ج 1، والترمذي في "باب كراهية البيع والشراء" الخ: ص 43 ج 1، وأبو داود في "الجمعة في باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة" ص 191 وابن ماجه في "باب ما يكره في المساجد" ص 55، والطحاوي: ص 407 ج 2، وأحمد: ص 179 ج 2.(2/492)
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ ضَالَّةٌ، أَوْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ، وَنَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالنَّسَائِيُّ رَوَاهُ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" بِتَمَامِهِ، وَفِي "السُّنَنِ" اخْتَصَرَهُ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، مَرْفُوعًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا رَبَّحَ اللَّهُ تِجَارَتَك، وَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْك"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي "مُسْلِمٍ"2، وَمَا وَجَدْته، فَلْيُرَاجَعْ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ زَيْدِ بن جبير عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خِصَالٌ لَا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ: لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا، وَلَا يُشْهَرُ فِيهِ سِلَاحٌ، وَلَا يُنْبَضُ4 فِيهِ بِقَوْسٍ، وَلَا يُنْشَرُ فِيهِ نَبْلٌ، وَلَا يُمَرُّ فِيهِ بِلَحْمٍ نِيءٍ، وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ، وَلَا يُتَّخَذُ سُوقًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِزَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَأَعَلَّهُ بِزَيْدٍ، وَدَاوُد، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَأَعَلَّهُ بِزَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى.
__________
(6) الترمذي في "البيوع في باب النهي عن البيع في المسجد" ص 158، والحاكم في "المستدرك" ص 159 ج 2.
2 قلت: طرف الضالة فقط، رواه مسلم في: ص 210 ج 1 عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله عن أبي هريرة.
3 ص 55
4 هكذا، في نسخة الدار أيضاً، ولعله من قولهم: "أنبض الرامي بالوتر، إذا جذبه، ثم أرسله ليرن" كما في "الأقرب" وفي نسخة مخطوطة أخرى، وفي نسخة ابن ماجه المطبوعة في الهند "ولا يقبض" وهو أيضاً صحيح، ويناسب المقام، كما لا يخفى، والله أعلم.(2/493)
المجلد الثالث
كتاب الحج
مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْحَجِّ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قِيلَ لَهُ: الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ، أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: "لَا، بَلْ مَرَّةً، فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ" 1، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِمَا"2 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ يَزِيدَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: "لَا، بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا لِسُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُجْمَعُ حَدِيثُهُمْ، انْتَهَى. وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ الْوَاسِطِيُّ يَرْوِي عَنْ الزُّهْرِيِّ الْمَقْلُوبَاتِ، وَإِذَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِ أَشْبَهَ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ صَحِيفَةَ الزُّهْرِيِّ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَأْتِي بِهَا عَلَى التَّوَهُّمِ، وَالْإِنْصَافُ فِي أَمْرِهِ تَنَكُّبُ مَا رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالِاحْتِجَاجُ بِمَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: قَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ،
__________
1 طريق أخرى: أخرج أحمد في "مسنده" ص 292 - ج 1، وص 301 - ج 1، وص 323 - ج 1، وص 325 - ج 1 عن شريك عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "على كل مسلم حجة، ولو قلت: كل عام لكان" اهـ. والطيالسي: ص 348 أيضاً، وذكر الدارمي: ص 226، وأخرج الدارقطني: ص 255 بلفظ آخر بمعناه، ذكره المخرج في: ص 469.
2 أبو داود في "ابتداء المناسك" ص 248، وابن ماجه في "باب فرض الحج" ص 213، والحاكم في "المستدرك" ص 441 - ج 1، وأحمد: ص 352 - ج 1.(3/1)
وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، فَرَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، كَمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي سِنَانٍ أَيْضًا بِنَحْوِ ذَلِكَ.
أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ حُمَيْدٍ: فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَمُوسَى بْنُ سَلَمَةَ، وَعَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ الْيَحْصُبِيُّ مَجْهُولَا الْحَالِ، فَالْحَدِيثُ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ"، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَوْ قُلْتهَا لَوَجَبَتْ، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَنْ زَادَ فَتَطَوُّعٌ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، سَوَاءً، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا 5 عَنْ سَهْلِ بْنِ عَمَّارٍ الْعَتَكِيِّ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ - وَسَقَطَ مِنْهُ رَجُلَانِ: سُفْيَانُ، وَالزُّهْرِيُّ - عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَلَهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا طَرِيقَانِ، إلَّا أَنَّهُمَا وَاهِيَانِ جِدًّا، فَأَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِمَا، وَجَهِلَ مَنْ عَزَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَقَلَّدَهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَالْمُقَلِّدُ ذَهَلَ، وَالْمُقَلَّدُ جَهِلَ، وَاَللَّهُ أعلم بالصواب.
__________
1 النسائي: ص 1 - ج 2، والدارقطني: ص 280
2 أحمد في "مسنده" ص 255 - ج 1، والدارقطني: ص 280، والحاكم في "المستدرك" ص 293، والبيهقي في: سننه" ص 326 - ج 4، والدارمي: ص 226.
3 ص 470 - ج 1.
4 الدارقطني: 280، والحاكم في "المستدرك" ص 470 - ج 1، مع بعض اختصار، وأحمد: ص 370 - ج 1.
5 الحاكم في "المستدرك" ص 293 - ج 2، وليس فيه سقوط(3/2)
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، فَحُجُّوا"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ قُلْت: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ. فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ منه2: "ذروني ما تركتكم"، إلَى آخِرِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالُوا: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: "لَا، وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} الْآيَةَ، انْتَهَى 4 قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. قَالَ مُحَمَّدٌ - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ -: وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 5 - فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" بِالِانْقِطَاعِ، وَلَكِنْ أَعَلَّهُ بِعَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، رُبَّمَا رَفَعَ الْحَدِيثَ، وَرُبَّمَا وَقَفَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 مسلم في "باب فرض الحج مرة في العمر" ص 432، وأحمد: ص 580 - ج 2، والبيهقي: ص 326 - ج 4.
2 البخاري في "الاعتصام - في باب الاقتداء بسنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 1082، ومسلم في "الفضائل - في باب توقير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 262، ولفظ البخاري: دعوني، وأحمد: ص 508 - ج 2.
3 الترمذي في "باب كم فرض الحج" ص 100، وأحمد في "مسنده" ص 113 - ج 1، وابن ماجه في "باب فرض الحج" ص 213.
4 عن أبي أمامة قال: قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس، فقال: "إن الله كتب عليكم الحج"، فقام رجل من الأعراب، فقال: أفي كل عام؟ فعلق كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغضب، ومكث طويلاً، ثم مكث، فقال: "من هذا السائل"؟ فقال الأعرابي: أنا يا رسول الله، فقال: "ويحك، يؤمنك أن أقول: نعم؟! والله لو قلت نعم لوجبت، لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض من شيء، وحرمت عليكم مثل خف البعير أوقعتم"، فأنزل الله عز وجل عند ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية، رواه الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن جيد "زوائد" ص 204 - ج 3
5 "المستدرك" ص 294 - ج 3(3/3)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ أَبِي وَاقَدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "هَذِهِ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ"، انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ: أَيْ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصْرِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَابْنُ أَبِي وَاقَدٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ وَلَا حَالٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": قَدْ عُرِفَ اسْمُهُ مِنْ سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ أَبِي وَاقَدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ"، فَقَالَ: وَاقِدُ بْنُ أَبِي وَاقَدٍ اللَّيْثِيُّ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ، فَقَالَ: "لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ"، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا، وَلَوْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا عُذِّبْتُمْ، انْتَهَى. وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ الْمَسْعُودِيُّ الْكُوفِيُّ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِيهِ، وَاسْمُ أَبِيهِ كُنْيَتُهُ، وَأَبُو سُفْيَانَ: طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْفَوْرِ فِي الْحَجِّ وَالتَّرَاخِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَالشَّافِعِيِّ رحمهما الله عَلَى التَّرَاخِي، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَأَحْمَدُ يَقُولُ بِالْفَوْرِ أَيْضًا، وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ: مَنْ كُسِرَ وَأُعْرِجَ، فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. ثُمَّ قَالَ: وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ مَا رَوَوْا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ الْحَجِّ، فَلْيَفْعَلْ"، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا الَّذِي رُوِيَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبْدَأَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ الْحَجِّ فَلْيَفْعَلْ"، وَهَذَا هُوَ التَّمَتُّعُ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ نَزَلَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 3 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ لَهُ عليه السلام فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ: الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحَجَّ4، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ التَّوْحِيدَ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيكُ
__________
1 في "أول المناسك" ص 248، واقد بن أبي واقد، ذكره ابن مندة في الصحابة، وكناه أبا مرواح، وقال: قال أبو داود: له صحبة "التهذيب" وأخرجه البيهقي: ص 327 - ج 4.
2 ابن ماجه في "باب فرض الحج" ص 213.
3 ص 264 - ج 1، وابن هشام: ص 339 - ج 2.
4 أقول: النصوص المشهورة التي يستدل بها لفريضة الحج ثلاث: الأول: ما استدل به الحافظ المخرج، هو حديث ضمام بن ثعلبة، أخرجه في "مسنده" ص 264 - ج 1، وابن هشام في "سيرته" ص 339 - ج 2،==(3/4)
بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٌ، فَقَالَ فِيهِ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدٍ: ضِمَامًا فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ، قَالُوا: وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَجَّ وَجَبَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، فَقَدْ أَخَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى سَنَةِ عَشْرٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ، قَالَ: وَجَوَابُ هَذَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ ضِمَامًا قَدِمَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، فَإِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، فَعَنْ تَأْخِيرِهِ عليه السلام إيَّاهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ نَبِيَّهُ عليه السلام أَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَحُجَّ، وَكَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْإِدْرَاكِ، قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ الْحَنَفِيُّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، وَكَانَتْ لَهُ أَعْذَارٌ: مِنْهَا الْفَقْرُ، وَمِنْهَا الْخَوْفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِنْهَا الْخَوْفُ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ،
__________
= وقال السهيلي: هو الذي قال فيه طلحة بن عبيد الله: جاءنا أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس، الحديث، قلت: حديث طلحة رواه البخاري في "الايمان - في باب الزكاة من الاسلام" ص 11، ومسلم في "بيان الصلاة التي هي أحد الأركان" ص 30 - ج 1، وليس فيهما إلا الصلاة، والزكاة، والصوم، وروى البخاري حديث أنس في "باب القراءة والعرض على المحدث": ص 15، ومسلم: ص 31 - ج 1، وفيه: زعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال النووي في "شرحه لمسلم": إن هذا الرجل ضمام بن ثعلبة، اهـ. وظاهر كلام البخاري أن الحديث الذي فيه ذكر الحج هو طريق أنس الذي فيه التصريح بالاسم، بأنه ضمام بن ثعلبة، فما قال ابن القيم في "الهدى" ص 46 - ج 3: فالظاهر أن هذه اللفظة مدرجة من بعض الرواة، اهـ. ظن منه ليس بصحيح، وروى ابن سعد في "الطبقات" ص 43 - ج 1 - في القسم الأول - من المجلد الأول، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن بسرة عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس، قال: بعثت بنو سعد ابن بكر في رجب سنة خمس: ضمام بن ثعلبة، الحديث، قال الحافظ في "الفتح" ص 300 - ج 3: هذا يدل - إن ثبت - على تقدمه سنة خمس، أو وقوعه فيها، اهـ. إنما قال: إن ثبت، لأن الواقدي فيه كلام مشهور، قال الحافظ المغلطائي في "سيرته" ص 57، في حوادث سنة خمس: وفي هذه السنة فرض الحج، وقيل: سنة ست، وقيل: سنة سبع، وقل: سنة ثمان، ورجحه جماعة من العلماء، وقيل: غير ذلك، اهـ.
والثاني: ما قال الحافظ في "الفتح" ص 300 - ج 3: ثم اختلف في سنته، فالجمهور على أنها سنة ست، لأنها نزل فيها قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، وهذا يبنى على أن المراد بالاتمام، ابتداء الفرض، ويؤيد ذلك قراءة علقمة، ومسروق، وإبراهيم النخعي بلفظ: "وأقيموا" أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم، اهـ. قلت: نزول {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ} سنة ست عام الحديبية.
والثالث: ما قال البخاري في "الصحيح - باب وجوب الحج وفضله" {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قال العيني في "العمدة" ص 477 - 4: أشار بذكر هذه الآية الكريمة أن وجوب الحج قد ثبت بهذه الآية عند الجمهور، وقيل: ثبت وجوبه لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، والأول أظهر، اهـ. وقال ابن القيم في "الهدى" ص 175 - ج 1: ولما نزل فرض الحج بادر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحج من غير تأخير، فإن فرض الحج تأخر إلى سنة تسع، أو عشر، وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} ، فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية، فليس فيها فريضة الحج، وإنما فيها الأمر بإتمامه، وإتمام العمرة بعد الشروع فيها، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء، فإن قيل: من أين لكم تأخير نزول فرضه، إلى التاسعة، أو العاشرة؟ قيل: لأن صدر سورة - آل عمران - نزل عام الوفود، وفيه قدم وفد نجران على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدر سورة - آل عمران - اهـ. وقال النووي في "شرح مسلم" ص 34 - ج 1: نزلت فريضة الحج سنة تسع، اهـ. وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في "المنهاج" ص 118 - ج 2: وفيها نزل صدر - آل عمران - وفيها فرض الحج، وهي سنة الوفود، اهـ. وبعض التفصيل في "التلخيص" ص 201.(3/5)
وَمِنْهَا غَلَبَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَكَّةَ، وَكَوْنُهُمْ يَحُجُّونَ وَيُظْهِرُونَ الشِّرْكَ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ: فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَخَّرَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِمَنْعِ حُجَّاجِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَوْ حَجَّ لَاخْتَلَطَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ كَالْعُذْرِ، فَلَمَّا أُمِرَ بِمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْحَجِّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ فَنَادَى: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، ثُمَّ حَجَّ عِنْدَ زَوَالِ مَا يُكْرَهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الْحَجَّ لِئَلَّا يَقَعَ فِي غَيْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ جِهَةِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانَتْ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ، حَتَّى يَدُورَ التَّحْرِيمُ عَلَى جَمِيعِ الشُّهُورِ، فَوَافَقَتْ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ ذَا الْقِعْدَةِ، ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مُطَوَّلًا، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ لَا نُفَيْعٍ، وَهُوَ الأسدي القرشي، ذكره ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: وَقَدْ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد1 هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، كِلَاهُمَا عَنْ كُرَيْبٌ، وَأَمَّا رِوَايَةُ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ الَّتِي ذَكَرَهَا، فَلَا أَعْرِفُ لَهَا سَنَدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ2.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، وَلَوْ عَشْرَ حِجَجٍ، ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ3، ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ"، قُلْت: رَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ هَاجَرَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ الصَّوَابُ وَقْفُهُ، تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ5 مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ شُعْبَةَ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" مُسْتَدْرِكًا عَلَى الْبَيْهَقِيّ، قُلْت: رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي جَمْعِهِ لِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شريج أبي عمر النقال الْخُوَارِزْمِيَّ عَنْ
__________
1 في "المساجد - في باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد" ص 76.
2 قلت: رواه ابن سعد في "الطبقات" في النوع الثاني، من الجزء الأول: ص 44 - ج 1 أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن سبرة عن شريك به، قلت: الواقدي من أركان التاريخ، لكن الكلام فيه مشهور
3 قوله: عشر حجج، قال الحافظ في "الدراية" ص 181: لم أجد بذكر عشر حجج في - الصبي - اهـ. قلت: هذا اللفظ عند الطيالسي في "مسنده" ص 243، ولو أن صبياً حج عشر حجج، ثم احتلم كانت عليه حجة إن استطاع سبيلاً، الحديث، رواه عن جابر.
4 "المستدرك" ص 481، والبيهقي: ص 179 - ج 5، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 206 - ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح، اهـ.
5 فليراجع، فان الحاكم رواه عن عفان، وأبي الوليد، ومحمد بن كثير عن شعبة، كراوية ابن منهال عن يزيد عن شعبة، مرفوعاً.(3/6)
يَزِيدَ بْنِ زريع به مرفوعاً، فزاد التَّفَرُّدُ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ الحارث بن شريج رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَأَظُنُّ أَنَّ الْحَارِثَ سَرَقَ مِنْهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَلَا أَعْلَمُ يَرْوِيه عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ غَيْرَهُمَا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَجَمَاعَةٌ عَنْ شُعْبَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" بِسَنَدِ1 الْمَرْفُوعِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: احْفَظُوا عَنِّي، وَلَا تَقُولُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، إلَى آخِرِهِ، وَالْمَوْقُوفُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ، فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ، فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ، فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ، فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ ضَعِيفٌ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"2 عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: لَوْ حَجَّ صَغِيرٌ حَجَّةً لَكَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى إذَا بَلَغَ، إنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا، وَلَوْ حَجَّ الْمَمْلُوكُ عَشْرًا لَكَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ إذَا أُعْتِقَ، إنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا: الرِّوَايَةُ عَنْ حَرَامٍ حَرَامٌ، وَوَافَقَهُمَا، وَقَالَ: عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ مَنَاكِيرُ.
حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَك أَجْرٌ، انْتَهَى. وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَجَّ بِي أَبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ إلَى الْحَجِّ، فَقَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ،
__________
1 في النسخ المخطوطة - في الدار وغيرها - "شبه" [البجنوري] .
2 والطيالسي في "مسنده" ص 243 باللفظ الذي أنكره الحافظ، راجع ترجمة حرام بن عثمان من "الميزان".
3 مسلم في "باب صحة حج الصبي" ص 431 - ج 1.
4 قال الحافظ في "الفتح" ص 59 - ج 12: قد تقدم في الترجمة النبوية، أنه كان ابن ست سنين، قلت: أخرجه البخاري، والترمذي في "باب حج الصبي" ص 112.(3/7)
وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْحَاجُّ؟ قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ، فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "التَّفْسِيرِ"، وَفِي "الْحَجِّ"، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجُنَيْدِ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَدْ تَابَعَ إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ، وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ غَرِيبٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَرُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَرَوَيْنَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ صَحِيحَةٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَفِيهِ قُوَّةٌ لِهَذَا السَّنَدِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ"، قَوْلُهُ فِيهِ قُوَّةٌ، فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الطَّرِيقَ إذَا كَانَ وَاحِدًا، وَرَوَاهُ الثِّقَاتُ مُرْسَلًا، وَانْفَرَدَ ضَعِيفٌ بِرَفْعِهِ أَنْ يُعَلِّلُوا الْمُسْنَدَ بِالْمُرْسَلِ، وَيَحْمِلُوا الْغَلَطَ عَلَى رِوَايَةِ الضَّعِيفِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِضَعْفِ الْمُسْنَدِ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَقْوِيَةً لَهُ؟! قَالَ: وَاَلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ: وَالْمُرْسَلُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا هِشَامٌ ثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: زَادٌ وَرَاحِلَةٌ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا الْهَشِيمُ ثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ
__________
1 الترمذي في "باب إيجاب الحج بالزاد والراحلة" ص 100 مختصراً، وابن ماجه في "باب ما يوجب الحج" ص 214.
2 الخوزي - بضم الخاء، وسكون الزاي - قال في "الميزان" كان يسكن - شعب الخوز - بمكة.
3 الدارقطني: ص 255، والبيهقي: ص 327، وص 330 - ج 4.(3/8)
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ، قَالَ: وَهَذِهِ إسْنَادٌ فِي "صَحِيحِهِ" إلَّا أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الزاد والراحلة مُسْنَدًا، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَأَمَّا الْمُسْنَدُ فَإِنَّمَا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي "سُنَنِهِ"1 أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ المصفر ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْمُصْفَرُّ ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ 2 فِي "سُنَنِهِ"، حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِيهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ" يَعْنِي قَوْلَهُ: {مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} ، انْتَهَى. قَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَهِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ حُصَيْنِ بْنِ الْمُخَارِقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ كُلَّ عَامٍ؟ قَالَ: "لَا، بَلْ حَجَّةٌ"، قِيلَ: فَمَا السَّبِيلُ إلَيْهِ؟ قَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى. وَدَاوُد، وَحُصَيْنٌ كِلَاهُمَا ضَعِيفَانِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى. قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ: وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" بِالْإِسْنَادَيْنِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} قَالَ: "السَّبِيلُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَأَعَلَّهُ بِعَتَّابٍ، وَقَالَ: إنَّ فِي حَدِيثِهِ وَهْمًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ": وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد
__________
1 ص 255.
2 ابن ماجه في "باب ما يوجب الحج" ص 214.
3 ص 442 - ج 1، والدارقطني: ص 254 - ج 1.
4 الدارقطني: ص 254، والبيهقي في "السنن" ص 330 - ج 4.(3/9)
الْحَفَرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ عليه السلام عَنْ السَّبِيلِ، فَقَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَوْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، بِلَفْظِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ اللَّيْثِيُّ تَرَكُوهُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ بُهْلُولِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سليمان عن إبراهيم عن عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِنَحْوِهِ، وَبُهْلُولُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِنَحْوِهِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَالْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفَانِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ خَرَّجَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو، بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِيهَا إسْنَادٌ يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، قُلْت: يُشِيرُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 1 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أهل اليمين يَحُجُّونَ، وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ - وَفِي رِوَايَةٍ - مَكَّةَ، سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ومن حديث أبي أمامة.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَعْبَدًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تَحُجَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ: رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا، وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ، قَالَ: "ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، وَلَفْظُهُ، قَالَ: "لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم".
__________
1 البخاري في "الحج - في باب قول الله {وَتَزَوَّدُوا} الآية، ص 206(3/10)
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا، لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ سَفَرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ تَحُجَّ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ ثَنَا أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ ثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ صَدَقَةَ أَبُو حَمَّادٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ التَّمِيمِيِّ مَوْلَى زِيَادٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَنْ تَحُجَّ إلَّا مَعَ زوج، أو ذو مَحْرَمٍ"، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا، إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَوْقَ ثَلَاثٍ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَخْرَجَا عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: ثَلَاثًا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: فَوْقَ ثَلَاثٍ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، وَأَخْرَجَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ"، وَفِي لَفْظٍ يَوْمٍ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: بَرِيدًا، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَالْحَاكِمِ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ" ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ الناس يقولون: ثلاثة أيام، قَالَ: وَهَمُوا، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي التَّوْقِيتِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذي محرم"، لم يُوَقِّتْ فِيهِ شَيْئًا، وَاسْمُ السَّفَرِ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَبَايُنٌ وَلَا اخْتِلَافٌ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عليه السلام قَالَهَا فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ، بِحَسْبِ الْأَسْئِلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ تَمْثِيلًا لِأَقَلِّ الْأَعْدَادِ، وَالْيَوْمُ الْوَاحِدُ أَوَّلُ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ، وَالِاثْنَانِ أَوَّلُ الْكَثِيرِ وَأَقَلُّهُ، وَالثَّلَاثُ أَوَّلُ الْجَمْعِ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي قِلَّةِ الزَّمَنِ لَا يَحِلُّ لَهَا فِيهِ السَّفَرُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ، فَكَيْفَ بِمَا زَادَ؟! وَقَدْ وَرَدَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْخُدْرِيِّ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ: "لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مَعَ زَوْجٍ، أو ذو مَحْرَمٍ " فِي الْكَرَاهِيَةِ.(3/11)
فَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قرن، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا 2 عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ". وَفِي لَفْظٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ: "وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ 3 قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، انْتَهَى.
مَا جَاءَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" 4 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْت - أَحْسَبُهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ الْجُحْفَةُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ"، انْتَهَى. وَهَذَا شَكَّ الرَّاوِي فِي رَفْعِهِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ لِلْأُفُقِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ"، انْتَهَى. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَيْسَ فِيهَا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، إلَّا أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ الْخُوزِيَّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"6، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، وَحَجَّاجٌ أَيْضًا لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
__________
1 البخاري: ص 206 في "باب مهلّ أهل مكة للحج والعمرة" ومسلم: ص 375 في "باب مواقيت الحج.
2 مسلم: ص 375.
3 البخاري: ص 206.
4 مسلم: ص 375.
5 ابن ماجه في: ص 215 في "باب مواقيت أهل الآفاق".
6 الدارقطني: ص 262 في "باب المواقيت".(3/12)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" 1 عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. لِأَبِي دَاوُد، وَزَادَ فِيهِ النَّسَائِيّ: بَقِيَّةَ الْمَوَاقِيتِ، وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"2، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ عَلَى أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ زُرَارَةَ بْنِ كَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو السَّهْمِيَّ، قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمِنًى. أَوْ بِعَرَفَاتٍ، وَقَدْ طَافَ بِهِ النَّاسُ4، قَالَ: فَتَجِيءُ الْأَعْرَابُ، فَإِذَا رَأَوْا وَجْهَهُ، قَالُوا: هَذَا وَجْهٌ مُبَارَكٌ، قَالَ: وَوَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ مَنْ هُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، فَقُلْت لَهُ: مَنْ حَدَّثَك بِهَذَا؟ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلَى ذَلِكَ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ، فَرَوَوْهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ عَوْفٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ5، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عمر، وعمرو بن دينار، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 6 عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ: الْعَقِيقَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَالْعَقِيقُ أَقْرَبُ إلَى الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يُحْرِمُ مِنْ الْعَقِيقِ، قَالَهُ ابْنُ المنذر، انتهى.
__________
1 أبو داود في: ص 250، في "باب المواقيت" والنسائي: ص 5 - ج 2 في "باب ميقات أهل مصر".
2 كما في "تهذيب التهذيب" ص 367 - ج 1.
3 أخرجه أبو داود في: ص 250 في "باب في المواقيت" وأيضاً الدارقطني في "باب المواقيت" ص 262، والبيهقي في "باب ميقات أهل العراق" ص 28 - ج 5، لكن ليس في أسانيدها - واسطة أبي زرارة - بل فيها عن زرارة بن كريم، أن الحارث بن عمرو السهمي حدثه.
4 في البيهقي، وأبي داود: "أطاف، بدل: طاف".
5 أسامة بن زيد، كما في البيهقي: ص 26 - ج 5، وكذا في نسخة - الدار - أيضاً، وكان قبله في المطبوع "أسامة بن زيد.
6 أبو داود في "باب المواقيت" ص 250، والترمذي: ص 103 في "باب ما جاء في مواقيت الاحرام لأهل الآفاق".(3/13)
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا عَهِدَ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ - فِي صَلَاتِهِ عليه السلام مِنْ اللَّيْلِ"، وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي "كِتَابِ التَّمْيِيزِ": لَا نَعْلَمُ لَهُ سَمَاعًا 1 مِنْ جَدِّهِ، وَلَا أَنَّهُ لَقِيَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ، وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ جَدِّهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ 2 أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا بِتَمَامِهِ، وَفِيهِ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لِعَطَاءٍ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يُوَقِّتْ ذَاتَ عِرْقٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ مَشْرِقٍ يَوْمئِذٍ، فَقَالَ: كَذَلِكَ سَمِعْنَا أَنَّهُ عليه السلام وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ طَاوُسٍ، قَالَ: لَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ عِرْقٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ مَشْرِقٍ حِينَئِذٍ، فَوَقَّتَ النَّاسُ، ذَاتَ عِرْقٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا كَمَا قَالَ طَاوُسٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 3 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنًا، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. وَالْحَجَّاجُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاضْطِرَابَ مِنْ الْحَجَّاجِ، فَإِنَّ مَنْ دُونَهُ وَمَنْ فَوْقَهُ ثِقَاتٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" قَالَ: "بَابُ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ"، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ: قرن، وَهِيَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وأنا إذا أردنا قرن، شَقَّ عَلَيْنَا،
__________
1 في - نسخة الدار -: "لا يعلم له سماع" [البجتوري] .
2 في "كتاب الأم" ص 118 - ج 1.
3 في "باب المواقيت" والبيهقي في "الكبرى - في باب ميقات أهل العراق" ص 28 - ج 5.(3/14)
قَالَ اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ لَمْ يَبْلُغْهُ تَوْقِيتُ النَّبِيِّ عليه السلام: ذَاتَ عِرْقٍ، إنْ كَانَتْ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ ثَابِتَةً، فَوَافَقَ تَحْدِيدُهُ تَوْقِيتَ النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": الْمِصْرَانِ: هُمَا الْبَصْرَةُ، وَالْكُوفَةُ، وَحَذْوُهَا: أَيْ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا، قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مُجْتَهَدٌ فِيهَا لَا مَنْصُوصَةً، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَتَجَاوَزْ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "لَا تَجَاوَزُوا الْوَقْتَ إلَّا بِإِحْرَامٍ"، انْتَهَى1. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ يَرُدُّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"2، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، وَكَانَ جَابِرٌ هَذَا هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ، وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا فُضَيْلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إذَا جَاوَزَ الْوَقْتَ فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ رَجَعَ إلَى الْوَقْتِ فَأَحْرَمَ، فَإِنْ خَشِيَ إنْ رَجَعَ إلَى الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ، وَيُهْرِيقُ لِذَلِكَ دَمًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ عليه السلام: "اُقْتُلُوهُ"، انْتَهَى. زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ عليه السلام يَوْمَئِذٍ فِيمَا نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مُحْرِمًا، انْتَهَى. وَاَلَّذِي وَجَدْته فِي "الْمُوَطَّأِ"4، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا، انْتَهَى
__________
1 رواه الشافعي أيضاً موقوفاً على ابن عباس من غير هذا الطريق، كذا في كتاب "الأم" ص 118 - ج 2 في "باب تفريع المواقيت".
2 ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" من طريق الشافعي في "باب من مر بالميقات يريد حجاً" الخ: ص 29 - ج 5، والشافعي في "الأم" ص 118 - ج 2 في "باب تفريع المواقيت".
3 رواه البخاري: ص 614 - ج 2 في "باب أين ركز النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراية يوم الفتح" ومسلم ص 439 - ج 1 في "باب دخول مكة بغير إحرام" والنسائي في "باب دخول مكة بغير إحرام".
4 رواه مالك في "الموطأ في جامع الحج" وفي الطحاوي: ص 195 - ج 2.(3/15)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ - بِغَيْرِ إحْرَامٍ. انْتَهَى. وَبَوَّبَ لَهُ "بَابَ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ فِي "الْمُوَطَّأِ".
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، قَالَ: وَإِتْمَامُهُمَا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، قُلْت: حَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي التَّفْسِيرِ"2 مِنْ حَدِيثِ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ الْمُرَادِيِّ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَوْلِ الله عزوجل: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَقَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3، وَقَالَ: وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَحَدِيثُ مَسْعُودٍ غَرِيبٌ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ، وَالتَّاسِعُ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وَأَمَرَ أَخَا عَائِشَةَ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، قُلْت: الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابر، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى، قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطَحِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَهْلَلْنَا مِنْ الْبَطْحَاءِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 5 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً، إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرَحَلْنَا إلَى مِنًى أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 6 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِقِينَ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، إلَى أَنْ قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الصَّدَرِ أَمَرَ - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَذَهَبَ بِهَا إلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، فَقَضَى اللَّهُ عُمْرَتَهَا وَحَجَّهَا، مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ7، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ، وَلَمْ أَعْتَمِرْ، فَقَالَ: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ اذْهَبْ بِأُخْتِك، فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ"، فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَتِهِ، فَاعْتَمَرَتْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ - يَعْنِي حَدِيثَ التَّنْعِيمِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ ثَوْبَيْهِ بِالتَّنْعِيمِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى.
__________
1 مسلم: ص 439 - ج 1، والنسائي: ص 299 - ج 2 في "باب لبس العمائم والسواد" وأيضاً في "باب دخول مكة بغير إحرام" والطحاوي في "معاني الآثار - في باب دخول الحرم هل يصلح بغير إحرام".
2 رواه في " التفسير" ص 276 - ج 2.
3 رواه في "السنن الكبرى - في باب من استحب الاحرام من دويرة أهله".
4 في "باب وجوه الاحرام" ص 392 - ج 1، والطحاوي في "باب طواف الحاج المحرم المحرم" الخ ص 399 - ج 2.
5 في "باب جواز التمتع في الحج والقران" ص 408 - ج 1.
6 أخرجه البخاري في "باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي" ص 240، ومسلم في "باب بيان وجوه الاحرام" ص 388.
7 في "باب الحج على الرحل" ص 206 - ج 1.(3/16)
بَابُ الْإِحْرَامِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ عليه السلام تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مِسْكِينٍ أَبِي غَزِيَّةَ الْمَدِينِيِّ الْقَاضِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَلَفْظُهُمَا: اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ بِسَنَدِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي غَزِيَّةَ، قَالَ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ضَعْفٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَإِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يُصَحِّحْهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَالرَّاوِي عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيُّ، أَجْهَدْت نَفْسِي فِي مَعْرِفَتِهِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطبراني "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ السِّمْسَارُ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرَوِيْهِ الْهَرَوِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا خَرَجَ إلَى مَكَّةَ اغْتَسَلَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ - يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ - مِمَّنْ جَمَعَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ حَدِيثَهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" 4 عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ، انْتَهَى.
__________
1 الترمذي في "باب الاغتسال عند الاحرام: "ص 102 - ج 1.
2 الدارقطني في "الحج" ص 256 - ج 2.
3 في "باب إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم" ص 447 - ج 1.
4 في "باب صحة إحرام النفساء" ص 385 - ج 1.(3/17)
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَيْضًا 1 فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا 2 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ نَفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أبي شبية فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَغْتَسِلَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني فِي " سُنَنِهِ". 3 وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اتَّزَرَ، وَارْتَدَى عِنْدَ إحْرَامِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 4 عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ، إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وقلد بدنه، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، الحديث.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 5 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 6: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى وبيض الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مفرق رسول الله صلى عليه وسلم وَهُوَ يُلَبِّي، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 7: قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا 8 عَنْ
__________
1 رواه مسلم في "باب حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 394 - ج 1.
2 في "باب صحة إحرام النفساء".
3 الدارقطني في "باب الاغتسال للإحرام ولدخول مكة" ص 256 - ج 2، والحاكم في "باب أن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم" ص 447 - ج 1.
4 في "باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر" ص 209 - ج 1.
5 البخاري في "باب من تطيب، ثم اغتسل، وبقى أثر الطيب" ص 41 - ج 1.
6 جميع طرق مسلم مروية في "في باب استحباب الطيب قبل الإحرام" ص 378 - ج 1، إلا أن لفظ: كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأسود عن عائشة، بل عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، كما في "باب الطيب عند الاحرام للبخاري" ص 208، ومسلم في "بابه".
7 البخاري في "باب الطيب في الرأس واللحية" ص 877 - ج 1.
8 مسلم في "باب استحباب الطيب قبل الاحرام" ص 378، والبخاري في "باب من تطيب، ثم اغتسل وبقي أثر الطيب" ص 41 - ج 1.(3/18)
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ يَتَطَيَّبُ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا، فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَحُ طِيبًا، لَأَنْ أَطَّلِيَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إلَيَّ مَنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ، فَدَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ، وَأَخْبَرْتهَا بِقَوْلِهِ، فَقَالَتْ: أَنَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 1: قَالَتْ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا، يَنْضَحُ طِيبًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْهَا، قَالَتْ: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ عليه السلام، فَلَا يَنْهَانَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: "أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِك مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك"، زَادَ الْبُخَارِيُّ 3 فِي لَفْظٍ مُعَلَّقٍ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَرَادَ الْإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 4 وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ، فَقَالَ لَهُ: اغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: اغْسِلْ عَنْك الصُّفْرَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ5: اغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ، وَأَثَرَ الصُّفْرَةِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِطِيبٍ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا يَضُرُّهُ بَقَاؤُهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَهُ بِقَوْلِهِ عليه السلام: "اغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ"، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ زَعْفَرَانٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ، وَقَدْ نَهَى الرَّجُلَ عَنْ التَّزَعْفُرِ، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ خَوَاصِّهِ عليه السلام، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ رُئِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ 6 مُحْرِمًا وَعَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الرُّبِّ مِنْ الْغَالِيَةِ، وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِنْ الطِّيبِ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَعَدَّ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ، انْتَهَى. قُلْت: رِوَايَةُ الزَّعْفَرَانِ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ" 7 رَوَى حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ دَعَاهُ عليه السلام،
__________
1 مسلم في "باب استحباب الطيب" ص 379 - ج 1، والبخاري: ص 41 - ج 1 في "باب إذا جامع، ثم عاد" الخ.
2 البخاري في "باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب" ص 208 - ج 1، ومسلم في "باب ما يباح للمحرم بحجة أو عمرة" ص 373 - ج 1.
3 البخاري: ص 208.
4 البخاري: ص 208.
5 البخاري في "باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج" ص 241.
6 رواه الشافعي في "الأم" ص 129 - ج 2 في "باب الطيب للاحرام" والبيهقي أيضاً من طريق الشافعي.
7 أحمد في "مسنده" ص 224 - ج 4.(3/19)
فَقَالَ لَهُ: "اخْلَعْ عَنْك هَذِهِ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْك هَذَا الزَّعْفَرَانَ، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِك كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك"، الْحَدِيثَ.
حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّزَعْفُرِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 فِي "اللِّبَاسِ" عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أن النبي عليه السلام نَهَى عَنْ التَّزَعْفُرِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَقَالَ: عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ ثِقَةٌ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ أَبُو سُفْيَانَ الرُّوَاسِيُّ أَيْضًا ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ 3 بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَحُ طِيبًا، عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ اغْتَسَلَ، ثُمَّ رَدَّهُ الْحَازِمِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ أَصَابَهُنَّ، وَكَانَ عليه السلام كَثِيرًا مَا يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ إصَابَةٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ عائشة: قلَّ يوم وإلا رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَيْنَا، فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ دُونَ الْوِقَاعِ، فَإِذَا جَاءَ إلَى الَّتِي هِيَ يَوْمُهَا يَبِيتُ عِنْدَهَا، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اغْتَسَلَ، فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ عَيْنِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، أَوْ يَقُولُ: إنَّهَا طَيَّبَتْهُ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ الْغُسْلِ، لِأَنَّ وَبِيصَ الشَّيْءِ بَرِيقُهُ وَلَمَعَانُهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَمْرُ النَّبِيِّ عليه السلام الْأَعْرَابِيَّ بِغَسْلِ الطِّيبِ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْجِعْرَانَةِ، وَهُوَ سَنَةُ ثَمَانٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَنَّهَا طَيَّبَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ هُوَ نَاسِخُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ سَنَةُ عَشْرٍ، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ 4 عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ فَاغْسِلْهُ، فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَلَوْ بَلَغَهُ لَرَجَعَ إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَزَادَ: فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْحَاجُّ: الشَّعِثُ التَّفِلُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى بِذِي حليفة بِرَكْعَتَيْنِ عِنْدَ إحْرَامِهِ،
__________
1 البخاري: ص 869 - ج 2، ومسلم: ص 198 - ج 1.
2 رواه في "باب في خضاب الصفرة" ص 226 - ج 2.
3 ذكره الطحاوي في "باب التطيب عند الاحرام" ص 367 - ج 1.
4 رواه مالك في "باب ما جاء في الطيب في الحج" ص 127.(3/20)
قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ جَابِرٍ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلَكِنْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 1 فِي "بَابِ التَّلْبِيَةِ" عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 2 فِي "بَابِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ خَصِيفِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، مُخْتَصَرٌ. وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَابْنُ إسْحَاقَ، وَخُصَيْفٌ فِيهِمَا مَقَالٌ: وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، انْتَهَى. وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ".
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَبَّى فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ - يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ -.
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ 4 عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا خَصِيفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه سلام أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، انتهى. وقال: حديث حسن غريب، لا نعرف أحداً رواه غير عبد السلام بن حرب، انتهى. قال فِي "الْإِمَامِ": وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، وَخُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيُّ ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَوْ لَبَّى بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنَّ أَحَادِيثَ: أَنَّهُ لَبَّى بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَاضِحٌ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 5 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 6 عَنْ سَالِمٍ عَنْهُ: قَالَ: مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ - يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ - مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ أَرَ
__________
1 مسلم: ص 376.
2 أبو داود: ص 253.
3 الحاكم في "باب كان لا ينزل منزلاً إلا ودعه بركعتين" ص 447.
4 الترمذي في "باب ما جاء متى أحرم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 113 - ج 1، والنسائي في "باب العمل بالإهلال" ص 17 - ج 2.
5 البخاري في "باب من أهل حين استوت به راحلته" ص 210، ومسلم في "باب بيان أن الأفضل أن يحرم حين تنبعث به راحلته متوجهاً إلى مكة لا عقب الركعتين" ص 377.
6 البخاري في "باب الاهلال عند مسجد ذي الحليفة، ص 208، ومسلم: ص 376.(3/21)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ، مُخْتَصَرٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، مُخْتَصَرٌ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد 2 مَا يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَحَدِيثُ: أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: عَجِبْت لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِهِ حِينَ أَوْجَبَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةً وَاحِدَةً، فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَحَفِظَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أهل، وأدرك ذلك أَقْوَامٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا، فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى عليه السلام، فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَهَلَّ فِي مُصَلَّاهُ إذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَابْنُ إسْحَاقَ فِيهِ مَقَالٌ، وَكَذَلِكَ خَصِيفٌ4، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"5: كَانَ فَقِيهًا صَالِحًا، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخْطِئُ كَثِيرًا، وَالْإِنْصَافُ فِيهِ قَبُولُ مَا وَافَقَ فِيهِ الْأَثْبَاتَ، وَتَرْكُ مَا لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي إدْخَالِهِ فِي الثِّقَاتِ، وَكَذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَتَرَكَهُ آخَرُونَ، انْتَهَى.
قوله: وهو إجابة الدعاء الْخَلِيلِ عليه السلام عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْقِصَّةِ - يَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ - قُلْت: فِيهِ آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 6 فِي فَضَائِلِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَنَى إبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَلَا إنَّ ربكم قد
__________
1 البخاري في "باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح" ص 209.
2 ص 246 - ج 1.
3 ص 451 - ج 1.
4 ليس في النسخة المطبوعة من "المستدرك" تضعيف "خصيف".
5 ووثقه ابن سعيد، والنفيلي، والبخاري، كما في "تهذيب التهذيب".
6 ص 552 - ج 2.
(*) هنا تمت الحواشي لمولانا [عبد العزيز السهالوى] ، وما بعده للعبد الأحقر [محمد يوسف الكاملفوري] عفا الله عنه(3/22)
اتَّخَذَ بَيْتًا، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَحُجُّوهُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ من حجر، أو شجرة، أَوْ مَدَرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ضَعِيفٌ1 إلَّا مَا كَانَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، إلَّا حَدِيثَيْنِ سَمِعَهُمَا شُعْبَةُ بِآخِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، قَالَ: رَبِّ قَدْ فَرَغْت، فَقَالَ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: رَبِّ! وَمَا يُبَلِّغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ، وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، قَالَ: رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، حَجُّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُمْ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ؟!، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قلت لا بن عَبَّاسٍ: أَتَدْرِي كَيْفَ كَانَتْ التَّلْبِيَةُ؟ إنَّ إبْرَاهِيمَ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ النَّاسَ بِالْحَجِّ، فَرُفِعَتْ لَهُ الْقُرَى، وَخَفَضَتْ الجبال رؤوسها، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابُوهُ، مُخْتَصَرٌ. وَفِيهِ قِصَّةٌ.
آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أبي إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَمَّا أُمِرَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ قَامَ عَلَى الْمَقَامِ، فَارْتَفَعَ الْمَقَامُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى مَا تَحْتَهُ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابَهُ النَّاسُ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَامَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام عَلَى هَذَا الْمَقَامِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ: فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ، فَلَا يُنْقِصُ عَنْهُ، قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّلْبِيَةِ مَنْقُولًا بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ، فَقَدْ رَوَى حَدِيثَ التَّلْبِيَةِ عَائِشَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ فِيهِ: وَالْمُلْكَ لَك، لَا شَرِيكَ لَك.
__________
1 كذا في " تهذيب التهذيب - في ترجمة عطاء بن السائب".(3/23)
فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 1 عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنِّي لَأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك"، انْتَهَى. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ لِلشَّيْخَيْنِ، فَإِنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَصْلًا.
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن زيد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَتْ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 3 وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ"، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ، انْتَهَى. وَمَوْجُودَةٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، خَلَا الزِّيَادَةَ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ: كَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم زَادُوا عَلَى الْمَأْثُورِ - يَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ - قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليبك اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك"، قَالَ:4 وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَتِهِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 5 هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْك لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ"، مُخْتَصَرٌ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، يُرِيدُ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَهِلَ مَنْ قَالَ: - يَعْنِي الْمَذْكُورَ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، لِأَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَصْلًا، وَلَا خَرَّجَ فِي التَّلْبِيَةِ
__________
1 في "باب التلبية" ص 210.
2 في "باب كيف التلبية" ص 17 - ج 2.
3 ص 363.
4 القائل هو الطحاوي، كما تقدم آنفاً.
5 ص 376 - ج 1.(3/24)
غَيْرَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا عَقِيبَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الْمِهْرَانِيِّ عَنْ عبد الرحمن بن زيد، قَالَ: حَجَجْنَا فِي إمَارَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ، وَفِي آخِرِهِ: وَزَادَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي تَلْبِيَتِهِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ عَدَدَ التُّرَابِ، وَمَا سَمِعْته قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا بَعْدَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ".
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ غَرِيبٌ عَنْهُ، لَكِنَّهُ رَوَى زِيَادَةً مَرْفُوعَةً فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ عليه السلام: لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِي عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَهَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه سلم، فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ: قَالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ، وَالنَّبِيُّ عليه السلام يَسْمَعُ، فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ، بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَمْ يصب الْمُنْذِرِيُّ، إذْ قَالَ عَقِيبَهُ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالزِّيَادَةِ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّدُ أَصْحَابَ "الْأَطْرَافِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ" 1 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَزِيدُ فِي التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الشَّافِعِيُّ 2 ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٍ الْأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يُظْهِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شريك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَك، لَا شَرِيكَ لَك"، قَالَ: حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ، كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُوَ فِيهِ، فَزَادَ فِيهَا: "لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ"، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَسِبْت أَنَّ ذَاكَ يَوْمُ عَرَفَةَ، انْتَهَى وَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ الْإِمَامِ.
__________
1 لم أجد ترجمة الحسن بن علي في النسخة المطبوعة من "الطبقات" بليدن، والله أعلم.
2 أخرجه الشافعي في كتاب "الأم" ص 133 - ج 2.(3/25)
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ أَصَابَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ حَلَالٌ، وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام لِأَصْحَابِهِ: "هَلْ أَشَرْتُمْ، هَلْ دَلَلْتُمْ، هَلْ أَعَنْتُمْ"؟؟؟ فَقَالُوا: لَا، قَالَ: "إذًا فَكُلُوا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسِيرٍ لَهُمْ بَعْضُهُمْ مُحْرِمٌ، وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ، قَالَ: فَرَأَيْت حِمَارَ وَحْشٍ، فَرَكِبْت فَرَسِي، وَأَخَذْت الرُّمْحَ فَاسْتَعَنْتهمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَاخْتَلَسْت سَوْطًا مِنْ بَعْضِهِمْ، وَشَدَدْت عَلَى الْحِمَارِ، فَأَصَبْته، فَأَكَلُوا منه، فأشفقوا، قال: فسأل عَنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ: هَلْ أَشَرْتُمْ، هَلْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا، وَتُنْظَرُ بَقِيَّةُ الْأَرْبَعَةِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ - يَعْنِي الْقَمِيصَ، وَالسَّرَاوِيلَ، وَالْعِمَامَةَ، وَالْقَلَنْسُوَةَ، وَالْخُفَّيْنِ - إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ، قَالَ: "لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْأَخْفَافَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا وَرْسٌ"، انْتَهَى. زَادُوا - إلَّا مُسْلِمًا، وَابْنَ مَاجَهْ -: " وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ، وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ"، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: - وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ - مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَأُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ، وَوَقْفِهِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفْتِيَ الرَّاوِي بِمَا يَرْوِيه، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُنَا قَرِينَةٌ مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ
__________
1 عند مسلم: ص 380 - ج 1، وعند البخاري: ص 245 - ج 1، وأبو داود: ص 256 - ج 1، والنسائي ص 25 - ج 2، واللفظ له، والترمذي في "باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم" ص 116 - ج 1، وابن ماجه في "باب الرخصة في ذلك إذا لم يصد له" ص 230 - ج 1
تنبيه: قال الأثرم كنت أسمع أصحاب الحديث يتعجبون من هذا الحديث، ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة مجاوزة الميقات بلا إحرام، ولا يدرون ما وجهه حتى رأيته مفسراً في حديث عياض عن أبي سعيد، قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأحرمنا، فلما كان مكان كذا وكذا إذا نحن بأبي قتادة - كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه في شيء قد سماه - فذكر حديث الحمار الوحشي، كذا في "التلخيص الحبير" ص 225 - ج 1.
2 عند البخاري: ص 248 - ج 1 في "باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة" الخ، ومسلم: ص 372، والنسائي في "باب النهي عن لبس البرانس في الاحرام" ص 8 - ج 2، وأبو داود في "باب ما يلبس المحرم" ص 253، والترمذي في "باب ما جاء فيما لا يجوز للمحرم لبسه" ص 115 - ج 1، وابن ماجه في "باب ما يلبس المحرم من الثياب" ص 216 - ج 1.(3/26)
دَالَّةٌ عَلَى عَكْسِهِ، وَهِيَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَرَدَ إفْرَادُ النَّهْيِ عَنْ النِّقَابِ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مُجَرَّدًا عَنْ الِاشْتِرَاكِ مَعَ غَيْرِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "الْمُحْرِمَةُ لَا تَنْتَقِبُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ"، انْتَهَى. الثَّانِي: أَنَّهُ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ النِّقَابِ، وَالْقُفَّازَيْنِ مُبْدَأً بِهِمَا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا أَيْضًا يَمْنَعُ الْإِدْرَاجَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ، وَالنِّقَابِ، وَمِسَاسِ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ مِنْ الثِّيَابِ، وَتَلْبَسُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا، أَوْ خَزًّا، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ قَمِيصًا، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ مَا خَلَا ابْنَ إسْحَاقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ1، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، إلَى آخِرِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2، وَيُنْظَرُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهِ هُنَا لِلشَّافِعِيِّ، أَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ، وَأَعَادَهُ قُبَيْلَ الْقِرَانِ، أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَطِّي رَأْسَهَا.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ 3 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ، قَالَ: "خَمِّرُوهُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِلَّتُهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، كَانَ كَثِيرَ الْغَلَطِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ، قَالَ: لَكِنَّهُ جَاءَ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، وَأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ الْأَزْدِيِّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ"، انْتَهَى. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ صَدُوقٌ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" لِأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ 5 مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ حبير عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الَّذِي وُقِصَ: "خَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ"، قَالَ: وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، وأبو حاتم. وأخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "الْعِلَلِ" عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ
__________
1 قال ابن الهمام في "الفتح" ص 142، وأنت علمت أن ابن إسحاق حجة.
2 عند البيهقي: ص 47 - ج 5، والدارقطني في "سننه" ص 286 - ج 2.
3 الدارقطني: ص 287 - ج 2.
4 ص 287.
5 في كتاب "الأم - في كتاب الجنائز" ص 239 - ج 1.(3/27)
عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى. قَالَ: وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ 2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ رضي الله عنه بِالْعَرْجِ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ فِي ثَوْبٍ صَائِفٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام فِي مُحْرِمٍ تُوُفِّيَ: "لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ في ثوبيه، وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: الْوَجْهَ، قَالَ الْحَاكِمُ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ "عُلُومِ الْحَدِيثِ": وَذِكْرُ الْوَجْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْحِيفٌ مِنْ الرُّوَاةِ، لِإِجْمَاعِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَلَى رِوَايَتِهِ: وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، انْتَهَى. وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى مُسْلِمٍ لَا إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ كَثِيرُ الْأَوْهَامِ، وَأَيْضًا فَالتَّصْحِيفُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحُرُوفِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَأَيُّ مُشَابَهَةٍ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فِي الْحُرُوفِ؟ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَذْكُرَ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ الْوَجْهِ، فَكَيْفَ! وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا - أَعْنِي الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ - وَالرِّوَايَتَانِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَفِي لَفْظٍ: اقْتَصَرَ عَلَى الْوَجْهِ، فَقَالَ: وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَفِي لَفْظٍ: جَمَعَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، فَقَالَ: وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وجهه، وفي لفط: اقْتَصَرَ عَلَى الرَّأْسِ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَنْ يَكْشِفُوا وَجْهَهُ، حَسِبْته قَالَ: وَرَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ، وَهُوَ يُهِلُّ، انْتَهَى. وَمِثْلُ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ التَّصْحِيفِ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه السلام: "الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، 4 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْحَاجُّ؟ قَالَ: "الشَّعِثُ التَّفِلُ". وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ: "أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ"، قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
__________
1 عند مالك في "الموطأ - في باب تخمير المحرم وجهه" ص 126.
2 البيهقي في: ص 54 - ج 5، وابن حزم في "المحلى" ص 91 - ج 7.
3 عند مسلم في "باب ما يفعل بالمحرم إذا مات" ص 384، والنسائي في "باب تخمير المحرم وجهه ورأسه" ص 12 - ج 2.
4 عند ابن ماجه في "باب ما يوجب الحج" ص 214 - ج 1، والترمذي في "تفسير سورة آل عمران" ص 129 - ج 2.(3/28)
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " لَا يَلْبَسْ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا وَرْسٌ"، قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "لَا تَلْبَسْ الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ، فَيَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلَا وَرْسٌ "، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 1 حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ثَنَا أبو معاوية "ح" وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَلْبَسُوا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا" - يَعْنِي فِي الْإِحْرَامِ - قَالَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ: وَرَأَيْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، وَهُوَ يَتَعَجَّبُ مِنْ الْحِمَّانِيُّ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَذَا عِنْدِي، ثُمَّ وَثَبَ مِنْ فَوْرِهِ فَجَاءَ بِأَصْلِهِ، فَخَرَّجَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كَمَا ذَكَرَهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، فَكَتَبَهُ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالُوا فِي الثَّوْبِ يَكُونُ فِيهِ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ فَغُسِلَ: إنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا أَنْ يُحْرِمَ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَطَاءٍ نَحْوَهُ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ عليه السلام بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ يُلْبَسُ، إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الرَّدْعِ، وَهُوَ الْبَلُّ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الرَّدْعُ: مَا يَبُلُّ الْقَدَمَ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ الْغَسْلُ مِنْ ذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ3، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ بِزَعْفَرَانٍ قَدْ غُسِلَ، فَلَيْسَ لَهُ نَفْضٌ، وَلَا رَدْعٌ"، انْتَهَى.
__________
1 عند الطحاوي في "باب لبس الثوب الذي قد مسه ورس أو زعفران في الاحرام" ص 369.
2 عند البخاري في "باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر" ص 209 - ج 1.
3 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 219 - ج 3: رواه أبو يعلى، والبزار، وفيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله، وهو ضعيف.(3/29)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ "فِي الْمُعَصْفَرِ": رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ، وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ، مُعَصْفَرًا، أَوْ خَزًّا، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصًا، أَوْ خُفًّا، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، إلَى قَوْلِهِ: وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" كَذَلِكَ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فلم ينه شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ، فلبس المزعفرة التي يردع عَلَى الْجِلْدِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 2 عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟! فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هو مدر، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي النَّاسُ بِكُمْ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ: إنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 3 عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ4، وَهُوَ يَصْبُبُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَاءً: اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي، فَقَالَ يَعْلَى: أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي، إنْ أَمَرْتنِي صَبَبْت، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اُصْبُبْ عَلَيَّ، فَلَنْ يَزِيدَهُ الْمَاءُ إلَّا شَعَثًا، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" 5 أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
__________
1 "عند مالك" ص 126، ولفظه: مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تلبس المعصفرات المشبعات، وهي محرمة، ليس فيها زعفران.
2 عند مالك في "باب لبس الثياب المصبغة في الإحرام" ص 126.
3 عند مالك في "باب غسل المحرم" ص 125.
4 يعلى بن أمية، ومثله في "فتح القدير" ولكن في "الموطأين" و"الدراية" يعلى بن منية، وحرره في هوامش "الموطأ" للإمام محمد، أن منية أمه، واسم أبيه: أمية بن عبيدة بن همام، وهو صحابي مات سنة بضع وأربعين، قاله الزرقاني.
5 أخرجه البيهقي من طريق الشافعي: ص 63 - ج 5.(3/30)
عَطَاءُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى أَخْبَرَهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَغْتَسِلُ إلَى بَعِيرٍ، وَأَنَا أَسْتُرُ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، إذْ قَالَ عُمَرُ: يَا يَعْلَى اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي؟ فَقُلْت: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا يَزِيدُ الْمَاءُ الشَّعْرَ إلَّا شَعَثًا، فَسَمَّى اللَّهَ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَالشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: تَعَالَ أُنَافِسْك فِي الْمَاءِ، أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا فِيهِ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ عبيد اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ، فَأَرْسَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ مُسْتَتِرٌ بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْت: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُك كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يصب عَلَيْهِ: اُصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ أَبُو أَيُّوبَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ "الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ" نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ 2 أَنَّهُ اسْتَدَلَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَنْ لَا يُقَرَّبَ طِيبًا، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"3 حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"4 عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِهِ، قَالَ: الْمُحْرِمُ يَشُمُّ الرَّيْحَانَ، وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا 5 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الْمُحْرِمُ، وَيَغْسِلَ ثِيَابَهُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ.
__________
1 عند البخاري في "باب الاغتسال للمحرم" ص 248 - ج 1، ومسلم في "باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه" ص 383 - ج 1.
2 ذكره البيهقي في "السنن الكبرى" ص 70 - ج 5، والشافعي في "كتاب الأم - في كتاب الجنائز - في باب ما يفعل بالمحرم إذا مات" ص 239 - ج 1.
3 أخرجه البيهقي: ص 63 - ج 5.
4 عند الدارقطني: ص 261، والبيهقي: ص 63 - ج 5.
5 حديث ابن عمر، وجابر كلاهما عند البيهقي: ص 64 - ج 5.(3/31)
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُضْرَبُ لَهُ فُسْطَاطٌ فِي إحْرَامِهِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الصَّلْتُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بِالْأَبْطَحِ، وَأَنَّ فُسْطَاطَه مَضْرُوبٌ، وَسَيْفَهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "بَابِ الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاحَ"، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْأَثَرِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ، وَالْفُسْطَاطِ، وَالْمَحْمِلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَوَافَقَ هُنَا الشَّافِعِيَّ فِي ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ أَحْمَدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَاسْتَدَلَّ لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 قَالَتْ: حَجَجْت مَعَ النَّبِيِّ عليه السلام حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ، وَبِلَالًا، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا، ثُمَّ سَمِعْته يَقُولُ: "إنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ، - حَسِبْتهَا قَالَتْ: أَسْوَدُ - يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ عليه السلام مِنْ الشَّمْسِ، الْحَدِيثَ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ: فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا رَفَعَ الثَّوْبَ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّمْسِ، لَا أَنَّهُ رَفَعَهُ عَلَى رأسنه وَظَلَّلَهُ بِهِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ، فإن التظليل على رأسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالشَّمْسُ فِي الصَّيْفِ عَلَى الرؤوس، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّظْلِيلُ عَلَى رَأْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَأَنَّهُ ذَهَلَ عَنْ لَفْظِ مُسْلِمٍ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ عليه السلام يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ، وَرَأَيْته فِي غَيْرِ كِتَابِ "التَّنْقِيحِ"، نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ رحمه الله، قَالَ: لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّمْيُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَعَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، أَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، أَوْ الثَّالِثِ، فَيَكُونُ حينثذ قَدْ حَلَّ عليه السلام مِنْ إحْرَامِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ أَلْفَاظُهُ، فَإِنْ وَرَدَ: حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، صَحَّ الِاحْتِجَاجُ، لَكِنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّظْلِيلِ مِنْ الْحَرِّ أَوْ الشَّمْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" كَذَلِكَ بِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، 2 فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، الْحَدِيثَ، وَنَمِرَةُ: - بِفَتْحِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ - مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 3 حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى
__________
1 عند مسلم: ص 419.
2 عند مسلم: ص 394 في حديث جابر.
3 عند البيهقي: ص 70 - ج 5.(3/32)
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، 1 قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ، فَكَانَ يَطْرَحُ النِّطَعَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَيَسْتَظِلُّ بِهِ - يَعْنِي وَهُوَ مُحْرِمٌ - انْتَهَى.
قَوْله: وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ لَقِيَ رَكْبًا، وَبِالْأَسْحَارِ، لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُلَبُّونَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 2 حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ، قَالَ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا هَبَطُوا وَادِيًا، أَوْ عَلَوْهُ، وَعِنْدَ الْتِقَاءِ الرِّفَاقِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ سِتٍّ: دُبُرَ الصَّلَاةِ، وَإِذَا اسْتَقْبَلَتْ بِالرَّجُلِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا صَعِدَ شَرَفًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: تُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاطِنَ: فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَحِينَ يَصْعَدُ شَرَفًا، وَحِينَ يَهْبِطُ وَادِيًا، وَكُلَّمَا اسْتَوَى بِك بَعِيرُك قَائِمًا، وكلما لَقِيت رُفْقَةً، انْتَهَى. وَعُزِيَ إلَى ابْنِ نَاجِيَةَ فِي "فَوَائِدِهِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ إذَا لَقِيَ رَكْبًا، أَوْ صَعِدَ أَكَمَةً، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَةِ، وَآخِرِ اللَّيْلِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" وَلَمْ يَعْزُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ" فَالْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: إرَاقَةُ الدَّمِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ، قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: مَنْ الْحَاجُّ؟ قَالَ: "الشَّعِثُ التَّفِلُ"، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْعَجُّ وَالثَّجُّ"، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ الْمَكِّيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بِالْعَجِّ: التَّلْبِيَةَ، وَالثَّجِّ: نَحْرَ الْبُدْنِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
__________
1 هكذا في نسخة - الدار - أيضاً، وفي نسخة أخرى "عبد الله بن عياش بن ربيعة" [البجنوري] .
2 قال الحافظ ابن حجر في "الدراية" ص 188: إسناده صحيح، وابن سابط تابعي، فمراده بالسلف الصحابة، ومن هو أكبر منه من التابعين، اهـ والرواية الثانية من خيثمة، وهو من التابعين، ولم يذكر السادسة.
3 عند الترمذي في "تفسير سورة آل عمران" ص 129 - ج 2 وابن ماجه: ص 214 - ج 1.(3/33)
فِي "تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْحَجِّ - فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْحَجَّ"، وَقَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ": وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 1 فِي "بَابِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّلْبِيَةِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "بَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْعَجُّ وَالثَّجُّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عم الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام. وَأَخْطَأَ فِيهِ ضِرَارٌ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ أَخْطَأَ، قَالَ: وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ - وَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ ضِرَارِ بْنِ صُرَدَ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ - فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ، فَقُلْت: قَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ أَيْضًا مِثْلَ رِوَايَتِهِ، فَقَالَ: لَا شَيْءَ، إنَّمَا رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَأَيْته يُضَعِّفُ ضِرَارَ بْنَ صُرَدَ، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي خَطَّأَهَا أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ هِيَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا رَبِيعَةُ عَنْ عُثْمَانَ، وَالضَّحَّاكِ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مِيزَانِهِ" عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَرْبُوعٍ، فَقَالَ: مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَهَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ الْبَزَّارَ قَالَ فِي "مُسْنَدِهِ" عَقِيبَ ذِكْرِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ قَدِيمٌ3، حَدَّثَ عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَغَيْرُهُمَا، وَأَظُنُّ أَنَّ الَّذِي
__________
1 عند الترمذي في "باب ما جاء في فضل التلبية والنحر" ص 114 - ج 1، وابن ماجه في "باب رفع الصوت بالتلبية" ص 215 - ج 1.
2 عند الحاكم في: ص 451 - ج 1.
3 أي أدرك الجاهلية، كما في "تهذيب التهذيب - في ترجمة عبد الرحمن بن يربوع".(3/34)
أَوْقَعَ الذَّهَبِيَّ فِي ذَلِكَ كَوْنُ الْمِزِّيِّ فِي "كِتَابِهِ" لَمْ يَذْكُرْ رَاوِيًا عَنْهُ غَيْرَ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَكَثِيرًا مَا وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، وَالضَّحَّاكِ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا: عَنْ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَقَالَ أَهْلُ النَّسَبِ1: إنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَمَنْ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَدْ وَهَمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انتهى.
وأما حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "أَفْضَلُ الْحَجِّ، الْعَجُّ وَالثَّجُّ، وَالْعَجُّ: الْعَجِيجُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: نُحُورُ الدِّمَاءِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الثَّانِي بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ سَوَاءً.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ" مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَإِسْحَاقُ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ أَيْضًا، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، وَإِسْحَاقُ مَدَنِيٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ 2 عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي، وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ، أَوْ قَالَ: بِالتَّلْبِيَةِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا، انْتَهَى.
__________
1 قال ابن سعد في "طبقاته" ص 111 - ج 5: عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم ويكنى عبد الرحمن أبا محمد، توفي في سنة تسع ومائة، وهو ابن ثمانين سنة، وكان ثقة في الحديث، انتهى مختصراً.
2 بل أخرجه أصحاب الكتب الأربعة كما في "الدراية".
3 عند البخاري: ص 210 - ج 1.(3/35)
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْجِهَادِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الصَّلَاةِ"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: كَانَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ، فَقَالَ: "وَاِتَّخِذُوا" الْحَدِيثَ. وَرَوَى أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" 2 حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لَمْ يَلْوِ عَلَى شَيْءٍ، وَلَمْ يُعَرِّجْ، وَلَا بَلَغَنَا أَنَّهُ دَخَلَ بَيْتًا، وَلَا لَوَّى بِشَيْءٍ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَبَدَأَ بِالْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ، وَهَذَا أَجْمَعُ فِي حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ كُلِّهَا، انْتَهَى. وَاسْتَشْهَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ 3 رَأَيْت النَّبِيَّ عليه السلام حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ.
هَذَا، وَلَيْسَ فِيهِ مَقْصُودٌ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ السَّبْعِ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَاسْتَشْهَدَ هَذَا الْجَاهِلُ بِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، الْحَدِيثَ، وَالْآخَرُ لَيْسَ فِيهِ مَقْصُودٌ، أَوْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْمَقْصُودِ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ 4 أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ، لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُذْهِبُ بِالرِّقَّةِ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَأَيْت فِي "كتاب ابن المغلس" قَالَ: وَذَكَرَ هُشَيْمِ عَنْ يحيى عن بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عن أبيه عن عُمَرَ كَانَ إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْك السَّلَامُ، حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ، انْتَهَى. قَالَ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا
__________
1 عند البخاري في "باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة" الخ، ص 219 - ج 1، وعند مسلم: ص 405.
2 وكذا البيهقي في "السنن الكبرى" ص 77 - ج 5.
3 عند مسلم: ص 411، والبخاري: ص 218.
4 عند البيهقي: ص 79 - ج 5.(3/36)
أَبُو الْأَحْوَصِ أن يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، إلَى آخِرِهِ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ 1 عَنْ الْحَكَمِ بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ يَعْقُوبَ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: سَمِعْت مِنْ عُمَرَ كَلِمَةً، مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ سَمِعَهَا غَيْرِي، سَمِعْته يَقُولُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ شَاهِدٌ لِسَمَاعِ سَعِيدٍ مِنْ عُمَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ، أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا"، وَهَذَا مُعْضِلٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَسْت أَكْرَهُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَلَا أَسْتَحِبُّهُ، وَلَكِنَّهُ عِنْدِي حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ نَهَارًا مِنْ كُدًى، فَلَمَّا رَأَى الْبَيْتَ، قَالَ: " اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ، أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَبِرًّا"، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمَّا انْتَهَى إلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَهُ، وَهُوَ مُضْطَبِعٌ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، إيمَانًا بِاَللَّهِ، وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ"، وَحَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ 2 عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيمَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْأَسْوَدِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ، فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ، قُلْت: أَمَّا ابْتِدَاؤُهُ عليه السلام بِالْحَجَرِ فَهُوَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 3 أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَأَمَّا التكبير والتهليل، فلم أجده، لَكِنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ 4
__________
1 عند البيهقي: ص 73 - ج 5: وفيه قال العباس: قلت ليحيى: من إبراهيم بن طريف هذا؟ قال: يمامي، قلت: فمن حميد بن يعقوب هذا؟ قال: روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري.
2 أخرجه الحاكم: ص 455 - ج 1، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
3 عند مسلم: ص 400.
4 عند البخاري في "باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه" ص 219.(3/37)
فِي حَدِيثِ الْبَعِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه السلام طَافَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَهِلَ مَنْ عَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، فَإِنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ لَيْسَ فِيهِ التَّكْبِيرُ، وَلَفْظُهُ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ1، قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا التَّهْلِيلُ فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ 2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ لَهُ: "يَا عُمَرُ إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ، فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه الصلاة والسلام " لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ" وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِلَامَ الْحَجَرِ، قُلْت: تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ عليه السلام الْحَجَرَ، ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ، فَبَكَى طَوِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي، فَقَالَ: "يَا عمر ههنا تُسْكَبُ الْعُيُونُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" وَلَكِنَّهُ فِي "مِيزَانِهِ" أَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ، وَنَقَلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "كِتَابَيْهِمَا"4 وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": هُوَ قَلِيلُ الرِّوَايَةِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَمُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ، وَالرَّازِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ، وَالْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"5 لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشَّفَتَيْنِ، أَخْرَجُوهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: "إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 عند مسلم: ص 413، والبخاري في "باب استلام الركن بالمحجن" ص 218.
2 عند البيهقي: ص 80 - ج 5، وعند أحمد في "مسنده" ص 28 - ج 1.
3 عند ابن ماجه في "باب استلام الحجر" ص 217 - ج 1.
4 راجع "تهذيب التهذيب" ص 384 - ج 9، وص 385 - ج 9.
5 مسلم: ص 412 - ج 1، والبخاري في "باب الرمل في الحج والعمرة" ص 218.(3/38)
يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 1 بِزِيَادَةٍ فِيهِ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَاسْمُهُ: عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا مِنْ إمَارَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَتَى الْحَجَرَ فَقَبَّلَهُ، وَاسْتَلَمَهُ، وَقَالَ: "إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك"، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ لَيَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَلَوْ عَلِمْت تَأْوِيلَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَعَلِمْت أَنَّهُ كَمَا أَقُول، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فَلَمَّا أَقَرُّوا أَنَّهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُمْ الْعَبِيدُ كَتَبَ مِيثَاقَهُمْ فِي رَقٍّ، ثُمَّ أَلْقَمَهُ فِي هَذَا الْحَجَرِ، وَأَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ وَشَفَتَانِ، يَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاهُ بِالْمُوَافَاةِ، فَهُوَ أَمِينُ اللَّهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا أَبْقَانِي اللَّهُ بِأَرْضٍ لَسْت فِيهَا يَا أَبَا الْحَسَنِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْتَجَّا بِأَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": وَأَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ سَاقِطٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، فَقَالَ: رَأَيْته عليه السلام يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" فِي آخِرِ مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ رَجُلٍ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: "إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، ثُمَّ قَبَّلَهُ"، قَالَ: ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَوَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك، انْتَهَى. وَهَذَا مَتْنٌ غَرِيبٌ، وَتُرَاجَعُ بَقِيَّةُ إسْنَادِهِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ لِعُمَرَ: " إنَّك رَجُلٌ أَيِّدٌ تُؤْذِي الضَّعِيفَ، فَلَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، وَلَكِنْ إنْ وَجَدْت فُرْجَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ"، قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيِّ 3 وَاسْمُهُ: وَقْدَانُ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخَنَا بِمَكَّةَ فِي إمَارَةِ الْحَجَّاجِ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ لَهُ: إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
__________
1 عند الحاكم في "المستدرك" ص 457 بمعناه.
2 عند البخاري في "باب تقبيل الحجر".
3 أبو يعفور العبدي الكوفي الكبير، ويقال: اسمه واقد، ولقبه: وقدان، ثقة، وقال ابن معين، وعلي ابن المديني ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، كذا في "تهذيب التهذيب" ص 123 - ج 11.(3/39)
فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا السُّفْيَانَانِ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَمِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ، ومن حديث أم عمارة.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يستلم الركن بمحجن، انْتَهَى. وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ2 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، أَوْ لِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ إلَى قَوْلِهِ: لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، وَيُرَاجَعُ.
وَحَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْهُ، وَاسْمُهُ: عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ عليه السلام يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ صَفِيَّةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: لَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، قَالَتْ: وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِ، انْتَهَى. وَصْفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ أَخْرَجَ لَهَا الْبُخَارِيُّ حَدِيثًا فِي "صَحِيحِهِ"، وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِصَحَابِيَّةٍ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالْبَرْقَانِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ السَّكَنِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "الصَّحَابَةِ"، وَقِيلَ: لَهَا رُؤْيَةٌ، كَمَا فِي الحديث.
وحديث آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 5 عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ عليه السلام يَخْطُبُ عَامَ الْفَتْحِ،
__________
1 عند البخاري في "باب استلام الركن بالمحجن" ص 218، ومسلم: ص 413، وأبي داود في "باب الطواف الواجب" ص 259 - ج 1، وابن ماجه في "باب من استلم الركن بمحجنه" ص 217، والنسائي في "باب استلام الركن بالمحجن" ص 38 - ج 2.
2 عند مسلم: ص 413 - ج 1، وأبي داود في "باب الطواف الواجب" ص 259، والنسائي في "باب الطواف بين الصفا والمروة على الراحلة" ص 41 - ج 2.
3 لم أجده في "كتاب الحج" من البخاري، والله أعلم.
4 عند مسلم: ص 413، وعند أبي داود عن أبي الطفيل عن ابن عباس: ص 259 - ج 1، وابن ماجه في "باب من استلم الركن بمحجنه" ص 217 - ج 1.
5 عند ابن ماجه في "باب فضل مكة" ص 231.(3/40)
غَيْرَ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، وَفِيهِ مَقَالٌ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِطَوَافِهِ عليه السلام رَاكِبًا، فَقِيلَ: لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَا1 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَك يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قُلْت: مَا قَوْلُك: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنْ الْخُدُورِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ، مُخْتَصَرٌ، وَقِيلَ: كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ، وَرَدَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ، انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَيْسَ بِنَاجِحٍ، لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي "عَنْهُ" إلَى الرُّكْنِ، انْتَهَى. قِيلَ: إنَّهُ كَانَ بِهِ شِكَايَةٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَضَعَّفَ ابْنَ أَبِي زِيَادٍ، وَقَالَ: إنَّهُ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَشْتَكِي لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهَا، انْتَهَى. قُلْت: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي كِتَابِ "الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عن حماد بن أبي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَعَ عِكْرِمَةَ، فَجَعَلَ حَمَّادٌ يَصْعَدُ الصَّفَا، وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُهُ، وَيَصْعَدُ حَمَّادٌ الْمَرْوَةَ، وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُهُ، فَقَالَ لَهُ حَمَّادٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلَا تَصْعَدُ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ؟ فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ طَوَافُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حَمَّادٌ: فَلَقِيت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّمَا طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ شَاكٍ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنٍ، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَصْعَدْ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" إلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ: "بَابُ الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا"3، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا اشْتَكَتْ، فَقَالَ لَهَا عليه السلام: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، قَالَتْ: فَطُفْت وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا،
__________
1 أخرجه مسلم في "باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة" ص 411.
2 عند أبي داود في "باب الطواف الواجب" ص 259، ورواه البيهقي في "باب الطواف راكباً" ص 100 - ج 5، وقال: وهذه زيادة تفرد بها، والله أعلم، وقد بين جابر بن عبد الله الأنصاري، وابن عباس في رواية أخرى عنه، وعائشة بنت الصديق معنى طوافه راكباً، اهـ.
3 عند البخاري في "باب المريض يطوف راكباً" ص 221، والرواية الثانية في: ص 220، وعند مسلم: ص 413 - ج 1.(3/41)
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، فَقَالَ لَهَا عليه السلام: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِك، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ"، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ، وَابْنُ قَانِعٍ فِي "مُعْجَمَيْهِمَا"، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُدَامَةَ الثَّقَفِيِّ ثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ حَوْلَ الْبَيْتِ، فَإِذَا ازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى الْحَجَرِ اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِحْجَنٍ بِيَدِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَغَوِيّ: لَا أَعْلَمُ رَوَى هَذَا غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ اسْمُهُ: سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ. وَأَبُوهُ طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ، سَكَنَ الْكُوفَةَ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَحَادِيثَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُدَامَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُنْذِرِيُّ1: رِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، خَلَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُدَامَةَ الثَّقَفِيَّ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ، قال: إن فيه نظر، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ عُمَارَةَ: فَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: شَهِدْت عُمْرَةَ القضية مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْت قَدْ شَهِدْت الْحُدَيْبِيَةَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام حَتَّى انْتَهَى إلَى الْبَيْتِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، وَقَدْ صُفَّ لَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ مُضْطَبِعًا بِثَوْبِهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُخْتَصَرٌ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ، فَطَافَ سبع أَشْوَاطٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام مَكَّةَ بَدَأَ بِالْحَجَرِ الأسود، فاستلمه، تم مَضَى عَلَى يَمِينِهِ،
__________
1 سعد بن طارق، قال أحمد، وابن معين، والعجلي: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، ويكتب حديثه، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عبد البر: لا أعلمهم يختلفون في أنه ثقة عالم، كذا في "تهذيب التهذيب" ص 473 - ج 3، وقال الهيثمي: ولم أعرف محمد بن عبد الرحمن: ص 244 - ج 3.
2 عند البخاري في "باب الرمل في الحج والعمرة" ص 218 - ج 1، ومسلم: ص 412.
3 عند مسلم في "باب حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 400 - ج 1.(3/42)
فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَعِنْد الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ بَدَأَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ.
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ، وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ، وَهُوَ سُنَّةٌ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَزَادَ فِيهِ فَاضْطَبَعُوا وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ أَخْضَرَ، انْتَهَى. وَالتِّرْمِذِيُّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ يَعْلَى بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَبِالْإِسْنَادَيْنِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ".
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: فَإِنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، قَالَتْ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِجْرِ، أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْت: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: "إنَّ قَوْمَك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ"، قُلْت: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا، قَالَ: " فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْت أَنْ أُدْخِلَ الْحِجْرَ بِالْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 4 عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ وَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ
__________
1 عند أبي داود في "باب الاضطباع في الطواف" ص 259 - ج 1.
2 عند أبي داود في "باب الاضطباع في الطواف" ص 259 - ج 1، والترمذي في "باب ما جاء أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف مضطبعاً" ص 117، وابن ماجه في "باب الاضطباع" ص 218، لكن في رواية الترمذي، وابن ماجه بزيادة عبد الحميد ابن جبير بن شيبة بين ابن جريج، وابن يعلى.
3 عند مسلم: ص 431.
4 عند أبي داود في "باب الصلاة في الكعبة" ص 277، وعند الترمذي في "باب ما جاء في الصلاة في الحجر" ص 119، ولكن إسناده علقمة ابن أبي علقمة عن أبيه، بدل: عن أمه.(3/43)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ: صَلِّي فِي الْحِجْرِ إذَا أَرَدْت دُخُولَ الْبَيْتِ، فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ، فَإِنَّ قَوْمَك اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ، فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَعَلْقَمَةُ هَذَا هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ بِلَالٍ مَوْلَى عَائِشَةَ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ، احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأُمُّهُ - حَكَى الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ - أَنَّ اسْمَهَا مَرْجَانَةُ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ" مَالِكٍ1، وَالْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أُبَالِي فِي الْحِجْرِ صَلَّيْت، أَوْ فِي الْبَيْتِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ وَقْفُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ وَرَائِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ، وَيَمْشِي فِيمَا بَقِيَ عَلَى هِينَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، اتَّفَقَ رُوَاةُ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا 4 عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ لِي: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ حِينَ يَقْدَمُ، يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 5 عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعًا، ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ وَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، الْحَدِيثَ. وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ6، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ، ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
__________
1 في "مجمع الزوائد" مثله عن عائشة موقوفاً، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح: ص 247 - ج 3.
2 عند الحاكم في "المستدرك" ص 460 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة" ص 223 - ج 1، وعند مسلم: ص 410.
4 عند البخاري في "باب استلام الحجر" ص 218، وعند مسلم: ص 411.
5 عند أبي داود في "باب الدعاء في الطواف" ص 260 - ج 1.
6 عند مسلم: ص 411 - ج 1.(3/44)
قَوْلُهُ: وَكَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ، حِينَ قَالُوا: أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عليه السلام وَبَعْدَهُ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، وَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قد وهنتهم؟! أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ، مُخْتَصَرٌ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 3 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: فِيمَ الرَّمَلَانِ وَكَشْفُ الْمَنَاكِبِ، وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 5 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام اضْطَبَعَ فَاسْتَلَمَ وَكَبَّرَ وَرَمَلَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، كَانُوا إذَا بَلَغُوا الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ وَتَغَيَّبُوا عَنْ قُرَيْشٍ مَشَوْا، ثُمَّ يَطْلُعُونَ عَلَيْهِمْ، فَيَرْمُلُونَ، تَقُولُ قُرَيْشٌ: كَأَنَّهُمْ الغزلان، قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: فَكَانَتْ سُنَّةً، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 6 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ بِالْبَيْتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قُلْت: مَا صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟! قَالَ: صَدَقُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ، وَكَذَبُوا لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عليه السلام مَكَّةَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنْ الْهُزَالِ، وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ عليه السلام أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثًا، وَيَمْشُوا أَرْبَعًا، مُخْتَصَرٌ.
الحديث الثالث والعشرين: قال المنصف رحمه الله: وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ
__________
1 عند البخاري في "باب كيف كان بدء الرمل" ص 218، ومسلم: ص 412.
2 عند البخاري في "باب الرمل في الحج والعمرة" ص 218.
3 عند مسلم: ص 412.
4 عند أبي داود في "باب في الرمل" ص 260، وابن ماجه في "باب الرمل حول البيت" ص 218.
5 عند أبي داود في "باب في الرمل" ص 260.
6 عند مسلم: ص 411.(3/45)
هُوَ المنقول في زمن النَّبِيِّ عليه السلام، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ 2 أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ، وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ بِنَحْوِهِ، سَوَاءً، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ مُسْلِمٌ، وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِلشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي "كِتَابَيْهِمَا" - الْجَمْعُ بَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ - وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى": حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ خَلَفٌ فِي "أَطْرَافِهِ" مِنْ مُفْرَدَاتِ مُسْلِمٍ، وَعَزَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" لِمُسْلِمٍ فَقَطْ 4 وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ لَا حَدِيثَ جَابِرٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 5 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ ثَلَاثًا مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 6 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ
__________
1 عند مسلم: ص 411، وأبو داود في "باب في الرمل" ص 260، والنسائي في "باب كم يسعى" ص 37 - ج 2، وابن ماجه في "باب الرمل حول البيت" ص 217.
2 عند مسلم: ص 217.
3 عند مسلم: ص 217، والنسائي في "باب الرمل من الحجر إلى الحجر" ص 38 - ج 2، وابن ماجه: ص 217 والترمذي فيه: ص 117، ومالك في "موطأه" ص 142.
4 وكذا في "السنن الكبرى" حيث قال: رواه مسلم في "الصحيح" عن عبد الله بن عمر بن أبان.
5 عند أحمد ص 455 - ج 5.
6 عند البخاري في "باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين" ص 218، وعند مسلم: ص 412، والنسائي في "باب استلام الركنين في كل طواف" ص 38، وابن ماجه: ص 217، وأبي داود في "باب استلام الأركان" ص 258.(3/46)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ فِي الْبَيْتِ إلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اسْتِلَامَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِ غَيْرُ سُنَّةٍ، بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَتِيقٍ عَنْ عَبْدِ الله بن بابيه عَنْ بَعْضِ بَنِي يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: كُنْت مَعَ عُمَرَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، قَالَ يَعْلَى: وَكُنْت مِمَّا يَلِي الْبَيْتَ، فَلَمَّا بَلَغْت الرُّكْنَ الْغَرْبِيَّ الَّذِي يَلِي الْأَسْوَدَ مَرَرْت 2 بَيْنَ يَدَيْهِ لأسلم، فَقَالَ لِي: مَا شَأْنُك؟ قُلْت: أَلَا نَسْتَلِمُ هَذَيْنِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَطُفْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أَرَأَيْته يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ - يَعْنِي الْغَرْبِيَّيْنِ -؟، قُلْت: لَا، قَالَ: أَفَلَيْسَ لَك فِيهِ أُسْوَةٌ؟ قُلْت: بَلَى، قَالَ: فَانْفُذْ عَنْك، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "وَلْيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طَافَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ، فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعًا، ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 4 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ5: "بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ"، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: إنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفْ عليه السلام أُسْبُوعًا قَطُّ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ثَنَا مُنْذِرٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ فِي "فَوَائِدِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ مَهْدِيٍّ
__________
1 عند مسلم: عن أبي الطفيل البكري عن ابن عباس: ص 412.
2 كذا في - نسخة الدار - أيضاً، وفي نسخة أخرى "وحدرت".
3 عند البخاري في "باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة" الخ ص 219 - ج 1، وعند مسلم: ص 410.
4 عند البخاري في "باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة" ص 223.
5 البخاري: ص 220.(3/47)
الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ الْقَاضِي ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الشَّامِيُّ ثَنَا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَعَ كُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، لَا يُجْزِئُ مِنْهُمَا تَطَوُّعٌ وَلَا فَرِيضَةٌ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ، سَوَاءً. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْ حَدِيثِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَعِنْدَنَا هِيَ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، بِمَعْنَى أَمَرَ وَأَوْجَبَ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمَّا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، قُلْت: فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ"1 أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَضَى طَوَافَهُ وَرَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، انْتَهَى. هُوَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ2، وَلْنَذْكُرْهُ بِرُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ عُمْدَةٌ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنْ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ، فَقُلْت: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِك يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْت، فَسَأَلْته، وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْت: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: " اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي"، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ
__________
1 عند مالك في "باب الاستلام في الطواف" ص 142.
2 عند مسلم: ص 394، وعند أبي داود في "باب صفة حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 262 - ج 1، والدارمي: ص 234.(3/48)
نَظَرْتُ إلَى مَدَى بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَقَرَأَ: {وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُ ذِكْرَهُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ: {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ"، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي رَمَلَ، حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا، بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ"، وقدم علي من اليمين بِبُدْنِ النَّبِيِّ عليه السلام فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ، لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْته أَنِّي أَنْكَرْت ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: " صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ " قَالَ: قُلْت: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُك، قَالَ: "فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ"، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قدم بِهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه من اليمين، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه السلام مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إلَّا النَّبِيَّ عليه السلام، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ، فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(3/49)
وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ مِنْ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْت فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَلَّغْت، وَأَدَّيْت، وَنَصَحْت، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلَى السَّمَاءِ، وَيَنْكُتُهَا إلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-"، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ1 لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنْ الْحِبَالِ2، أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ، وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ، أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ، إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ، يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثم سلك طريق الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا سَبْعَ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ،
__________
1 قوله: شنق - بتخفيف النون، بعد الشين - أي ضم وضيق الزمام.
2 الحبال هنا - بالحاء المهملة المكسورة - جمع حبل وهو التل اللطيف من الرمل الضخم - كذا في النووي -[البجنوري] .(3/50)
رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: "انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْت مَعَكُمْ"، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِي، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبَزَّارُ، وَالدَّارِمِيُّ، فِي "مَسَانِيدِهِمْ" قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، فَنَحَرَ لِكُلِّ سَنَةٍ مِنْ سِنِيهِ بَدَنَةً، وَأَمَرَ عَلِيًّا بِالْبَاقِي، فَنَحَرَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَتَى الْبَيْتَ فَلْيُحَيِّهِ بِالطَّوَافِ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا1.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَعِدَ الصَّفَا حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ قَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو اللَّهَ، قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، فَبَدَأَ بالصفا، فرمى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: وَالرَّفْعُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ - فِي الدُّعَاءِ"2 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَخِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْك حَذْوَ مَنْكِبَيْك، وَنَحْوَهُمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ، وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْك جَمِيعًا، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عن سفيان عن عباس بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِابْنِ لَهِيعَةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةً الْقَعْنَبِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
__________
1 قال الحافظ في "الدراية": لم أجده ص 192.
2 جميع أحاديث أبي داود في هذه المسألة في "الدعاء" ص 209 - ج 1.(3/51)
بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا، فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ"، قَالَ أَبُو دَاوُد: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ، وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "الدُّعَاءِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الصَّلَاةِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الدَّعَوَاتِ"، وَابْنُ مَاجَهْ 1 فِي "الدُّعَاءِ" عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إلَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَرْفَعْهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي "الدَّعَوَاتِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى الْجُهَنِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يحطمها حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": حَمَّادُ بْنُ عِيسَى الْجُهَنِيِّ يَرْوِي الْمَقْلُوبَاتِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا معمولة لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ، قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ، فَلَيْسَ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ، بَلْ فِيهَا أَنَّهُ غَرِيبٌ، قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه السلام رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، ذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ، وإنما خَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وهو يسمى باب الصفاء، لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا، لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا،
__________
1 عند أبي داود: ص 209 - ج 1، والترمذي: ص 200 - ج 2، وابن ماجه في "باب رفع اليدين عند الدعاء" ص 284.
2 وعند مسلم في "باب ذكر خروج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصفا من الباب الذي يخرج منه" ص 40 - ج 2.(3/52)
ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا مِنْ الْبَابِ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْهُ، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سُنَّةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ"1 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ زُنْبُورٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بن عمر عن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي بِطَبَرِيَّةَ ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا، فَارْتَقَى الصَّفَا، فَقَالَ: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ قَرَأَ {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الْآيَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ نَكْتُبْهُ إلَّا عَنْ الشَّيْخِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَحْمُودٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ محمد الطلحي ثنا سهل أَبُو عَمْرٍو ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا، وَهُوَ يَقُولُ: "نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ، وَالصَّوَابُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَقْصُودُ.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَرَجَ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَزَلَ مِنْ الصَّفَا وَجَعَلَ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ، وَسَعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، مَشَى حَتَّى صَعِدَ الْمَرْوَةَ، فَطَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي رَمَلَ، حَتَّى إذَا صَعِدَ مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إذَا كَانَ آخِرُ
__________
1 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 248 - ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه عبد الرحمن بن عبد الله أبو القاسم العمري، قال أحمد: كان كذاباً.(3/53)
الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثَانِ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرُ الْأَشْوَاطِ، وَهِيَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا عَنْ عَائِشَةَ 3 فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَى أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ صَالِحٍ مولى التوءَمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: السُّنَّةُ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ الصَّفَا، ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ بَطْنَ الْمَسِيلِ، فَإِذَا جَاءَهُ سَعَى حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ، ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ"، قُلْت: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَهِيَ: أَبْدَأُ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، أَوْ: نَبْدَأُ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَمَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"4، وَالثَّانِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ5، فَهِيَ ابْدَءُوا، وَهَذَا هُوَ حَدِيثُ الْكِتَابِ، وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي "سُنَنِهِمَا" وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ عَزَا لَفْظَ الْأَمْرِ لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ هَذَا مِنْ الْمُحَدِّثِ لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ إنَّمَا يَنْظُرُ فِي الْإِسْنَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ مِنْ الْفَقِيهِ، لِأَنَّ وَظِيفَتَهُ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَلْفَاظِ، فَالْمُحَدِّثُ إذَا قَالَ: أَخْرَجَهُ فُلَانٌ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِعَيْنِهَا، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ عَلَى ذِكْرِ طَرَفِ الْحَدِيثِ، فَعَلَى الْفَقِيهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ بِحَدِيثٍ، عَلَى حُكْمٍ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ اللَّفْظَةُ الَّتِي تُعْطِيهِ مَوْجُودَةً فِيهِ، حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ احْتَجَّ بِهَذِهِ
__________
1 عند البخاري في "باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة" ص 219، وعند مسلم: ص 410.
2 عند مسلم: ص 405، وعند البخاري في "باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة" ص 223 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب وجوب الصفا والمروة" ص 222، وعند مسلم: ص 414.
4 عند الترمذي في "باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا" ص 117، وعند أبي داود في حديث جابر: ص 262، وعند ابن ماجه في "باب حجة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 228، و"موطأ مالك - في باب البدء بالصفا في السعي" ص 145.
5 عند النسائي في "باب القول بعد ركعتي الطواف" في حديث جابر: ص 39 - ج 2، والبيهقي: ص 94 - ج 5، وعند الدارقطني: ص 270.(3/54)
اللَّفْظَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، وَقَدْ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "شَرْحِ الْإِلْمَامِ"، وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ رحمه الله إذْ أَهْمَلَ ذِكْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، مُعْتَمِدًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فَإِنَّهُ خِلَافُهُ، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ غَيْرَهُ، فَأَهْمَلَاهُ، وَقَالَ فِي "الْإِمَامِ": الْحَدِيثُ وَاحِدٌ، وَمَخْرَجُهُ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ الْوُجُوبُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ أَيْضًا مَعَ ضَمِيمَةِ قَوْلِهِ عليه السلام: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ لَنَا: " خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنَى لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ تَمْلِكَ الْعَبْدَرِيَّةِ، وَمِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النظر الْأَزْدِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّمَلِ، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ: فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ2، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِابْنِ الْمُؤَمَّلِ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ، الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المؤمل العائذي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ 3 - إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - قَالَتْ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا
__________
1 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد - في باب ما جاء في السعي" ص 248 - ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه المفضل بن صدقة، وهو متروك.
2 عند أحمد: ص 421 - ج 6، والدارقطني من طريق الشافعي: ص 270، والبيهقي من طريق الشافعي: ص 98 - ج 5، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 247 - ج 3: رواه أحمد، والطبراني في "الكبير" وفيه عبد الله بن المؤمل، وثقة ابن حبان، وقال: يخطئ، وضعفه غيره.
3 قوله: تجزأة، قال في القاموس - في مادة: ج ز -: وحبيبة بنت أبي تجزأة - بضم التاء، وسكون الجيم - صحابية، اهـ. فما وقع في بعض النسخ من رسمها: شجرأة - بالشين، قبل الجيم، وبالراء المهملة، بعدها - تحريف لا يعول عليه، كذا في هوامش "فتح القدير" ص 157 - ج 2.(3/55)
وَالْمَرْوَةِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ يَسْعَى، حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، وَهُوَ يَقُولُ: "اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" أَيْضًا فِي "الْفَضَائِلِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُبَيْهٍ عَنْ جَدَّتِهِ صَفِيَّةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ بِنَحْوِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ أَيْضًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَخْطَأَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَوْ شَيْخُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ مَوْضِعَ ابْنِ مُحَيْصِنٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي حُسَيْنٍ، وَالْآخَرُ: أَنَّهُ أَسْقَطَ صَفِيَّةَ بِنْتَ شَيْبَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِنْدِي أَنَّ الْوَهْمَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، فَإِنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ إمَامٌ كَبِيرٌ، وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثِقَةٌ، وابن المؤمل سيء الْحِفْظِ: وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا1، فَأَسْقَطَ عَطَاءً مَرَّةً، وَابْنَ مُحَيْصِنٍ أُخْرَى، وَصْفِيَّةَ بِنْتَ شَيْبَةَ أُخْرَى، وَأَبْدَلَ ابْنَ مُحَيْصِنٍ، بِابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ أُخْرَى، وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ عَبْدَرِيَّةً تَارَةً، وَيَمَنِيَّةً أُخْرَى، وَفِي الطَّوَافِ تَارَةً، وَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أُخْرَى، وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى سُوءِ حِفْظِهِ، وَقِلَّةِ ضَبْطِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنِي مَعْرُوفُ بْنُ مُشْكَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَنِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ اللَّاتِي أَدْرَكْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَ: دَخَلْنَا دَارَ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، فَرَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَمَعْرُوفُ بْنُ مُشْكَانَ بَانِي كَعْبَةِ الرَّحْمَنِ، صَدُوقٌ لَا نَعْلَمُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَمَنْصُورٌ هَذَا ثِقَةٌ، مُخْرَجٌ لَهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ تَمْلِكَ الْعَبْدَرِيَّةِ: فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"3 عَنْ مِهْرَانَ بْنِ أَبِي عُمَرَ ثَنَا سُفْيَانُ ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ تَمْلِكَ الْعَبْدَرِيَّةِ، قَالَتْ: نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا فِي غُرْفَةٍ لِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهُوَ يَقُولُ:
__________
1 وقال ابن الهمام في "الفتح" ص 751 - ج 2، مجيباً عما قال ابن القطان، وهذا لا يضر بمتّن الحديث، إذ بعد تجويز المتقنين له لا يضره تخليط بعض الرواة، وقد ثبت من طرق عديدة: منها طريق الدارقطني عن ابن المبارك: أخبرني معروف بن مشكان، أخبرني منصور بن عبد الرحمن عن أخته صفية، قالت: أخبرني نسوة من بني عبد الدار اللاتي أدركن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلن: دخلنا دار ابن أبي حسين فرأينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف، الخ، قال: صاحب "التنقيح": إسناده صحيح، وراجع بقية ما قال ابن الهمام.
2 عند الدارقطني. ص 270.
3 عند البيهقي في: ص 98 - ج 5، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 148 - ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه المثنى بن الصباح، وقد وثقه ابن معين في رواية، وضعفه جماعة.(3/56)
"أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا"، انْتَهَى. تَفَرَّدَ بِهِ مِهْرَانُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدٍ الْحَضْرَمِيِّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْأَوْدِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ"، انْتَهَى. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ" فِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ"، الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَهُوَ مُقَارِنٌ فِعْلَهُ، وَالْآخَرُ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا غَيْرُ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ، نَحْوُ مَا رَوَتْهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ أبي تجزأة، قَالَتْ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ يَسْعَى، وَهُوَ يَقُولُ: "اسْعَوْا فَإِنَّ، اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ"، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ: الْحَجُّ عَرَفَةَ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ قَوْلٍ، وَالْأَوَّلُ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَفِيهِ أَيْضًا إخْبَارُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا، فَكَانَ أَوْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ 2 فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ بَرَّةَ بنت أبي تجزأة، قَالَتْ: لَمَّا انْتَهَى النَّبِيُّ عليه السلام إلَى السَّعْيِ، قالت: "أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ، فَاسْعَوْا". قَالَتْ: فَسَعَى حَتَّى رَأَيْت إزَارَهُ انْكَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ عِيَاضٍ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 3 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ، فَمَنْ نَطَقَ فِيهِ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ 4 عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، بِلَفْظِ الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ، مِثْلُ الصَّلَاةِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ طَاوُسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا
__________
1 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 148 - ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه المثنى بن الصباح، وفيه كلام، كما مر.
2 عند البيهقي من طريق الواقدي: ص 98 - ج 5، وفيه منصور بن صفية عن أمه عن عزيزة بنت أبي تجزأة، وفي الهامش بسرة، أو برة، كما في "الاصابة".
3 عند الحاكم في "المستدرك - في باب أن الطواف مثل الصلاة" ص 459 - ج 1.
4 عند الترمذي في "باب قبيل كتاب الجنائز" ص 128.(3/57)
مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1 بِسَنَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَفَعَهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": هَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، أَمَّا الْمَرْفُوعُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ2: أَحَدُهَا: رِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، رَوَاهَا عَنْهُ جَرِيرٌ، وَفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، وَسُفْيَانُ، أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ. الْوَجْهُ الثَّانِي: رِوَايَةُ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ3، رَوَاهَا عَنْهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". الْوَجْهُ الثَّالِثُ: رِوَايَةُ الْبَاغَنْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، فَأَمَّا طَرِيقُ عَطَاءٍ، فَإِنَّ عَطَاءً مِنْ الثِّقَاتِ، لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَجَمِيعُ مَنْ رَوَى عَنْهُ رَوَى عَنْهُ فِي الِاخْتِلَاطِ، إلَّا شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَا سَمِعَ مِنْهُ جَرِيرٌ وَغَيْرُهُ، فَلَيْسَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ، وَأَمَّا طَرِيقُ لَيْثٍ فَلَيْثٌ رَجُلٌ صَالِحٌ صَدُوقٌ يُسْتَضْعَفُ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ، مِثْلُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَعَلَّ اجْتِمَاعَهُ مَعَ عَطَاءٍ يُقَوِّي رَفْعَ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا طَرِيقُ الْبَاغَنْدِيِّ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ لَمَّا ذَكَرَهَا قَالَ: وَلَمْ يَصْنَعْ الْبَاغَنْدِيُّ شَيْئًا في رفعه بهذه الرِّوَايَةِ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطبراني في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، لَا أَعْلَمُهُ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "الطَّوَافُ صَلَاةٌ، فَأَقِلُّوا فِيهِ الْكَلَامَ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ، قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا
__________
1 وكذلك عند البيهقي في "السنن" من طريق الحاكم: ص 78 - ج 5.
2 كلها مذكورة في "السنن" للبيهقي: ص 87 - ج 5.
3 عند البيهقي في "السنن" ص 87 - ج 5.
4 عند الترمذي في "باب ما جاء في الخروج إلى منى، والمقام بها" ص 119، وابن ماجه في "باب الخروج إلى منى" 222 - ج 1.(3/58)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ تَكَلَّمُوا فِيهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: قُلْت لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْءٍ عَقَلْته عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى، قُلْت: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَ: بِالْأَبْطَحِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ: وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَيَبْدَأُ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً - يَعْنِي قَبْلَ الصَّلَاةِ - ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَفْظُهُ: فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إذا زاغت الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فصلى العصر، ولم يصلي بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ رَافِعًا يَدَيْهِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالصُّبْحَ بِمِنًى، ثُمَّ يَغْدُوَ إلَى عَرَفَةَ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يُفِيضَ فَيُصَلِّيَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَوْ حَيْثُ قَضَى اللَّهُ، ثُمَّ يَقِفَ بِجَمْعٍ، حَتَّى إذَا أَسْفَرَ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ، إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: "يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ": أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ
__________
1 عند مسلم في: ص 422.
2 ص 461.
3 عند أبي داود في "باب الخروج إلى عرفة" مختصراً ص 265 - ج 1، وقال الحافظ في "الدراية" ص 193: وابن إسحاق لم يحتج بما ينفرد به من الأحكام، فضلاً عما إذا خالفه من هو أثبت منه، والله أعلم.(3/59)
رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَالْمُسْلِمُونَ، وَأَعَلَّهُ هُوَ، وَابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ بِابْنِ إسْحَاقَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا خَرَجَ وَاسْتَوَى عَلَى نَاقَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَقَدْ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ بالجمع بين الصلاتين - بين الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ - قَالَ: وَفِيمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَذَّنَ، فَأَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قام، فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، قُلْت: هُوَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، ثُمَّ أَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أَتَى الْمَوْقِفَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا لِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عرفة، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ وَادِي مُحَسِّرٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم.
فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عرفة، وكل مزدلفة مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ إلَّا مَا وَرَاءَ الْعَقَبَةِ"، انْتَهَى. وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ أَحْمَدُ يَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
__________
1 عند ابن ماجه في "باب الموقف بعرفات" ص 222.(3/60)
وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1 حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ عُرَنَةَ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى الْأَشْدَقَ لَمْ يُدْرِكْ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَذَكَرَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ بِهِ، بِلَفْظِ أَحْمَدَ سَوَاءً، قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وهو رَجُلٌ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ هُوَ الصَّوَابُ، مَعَ أَنَّ ابْنَ أَبِي حُسَيْنٍ لَمْ يَلْقَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّا لَا نَحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ، إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَكَذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ، وَبَيَّنَّا الْعِلَّةَ فِيهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيِّ ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ عباد الرواسي ثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ، لَيْسَ فِيهِ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي "كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ" عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا كَذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بطن عرفة، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَيُرَاجَعُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِلَفْظِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يَرْوِيه بِهَذَا الْإِسْنَادِ
__________
1 عند أحمد: ص 82 - ج 4 عن أبي المغيرة، وأبي اليمان عن سعيد بن عبد العزيز.
2 قال الهيثمي ص 251 - ج 3: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في "الكبير" إلا أنه قال: وكل فجاج مكة منحر، ورجاله موثقون.(3/61)
إلَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، ثُمَّ أَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ فَرَاهِيجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، نحوه سواء، وأعله يزيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَنُقِلَ عَنْ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، كُلَّمَا أَتَى حَبَلًا من الحبال أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا، حَتَّى تَصْعَدَ، ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي "الصَّوْمِ" عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ عليه السلام يَوْمَ عَرَفَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، قُلْت: هُوَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام: " خَيْرُ الْمَوَاقِفِ مَا اسْتَقْبَلْت بِهِ الْقِبْلَةَ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ في "المستدرك - كِتَابِ الْأَدَبِ" عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ 1 هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا، وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَإِنَّمَا الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ، وَلَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ، وَاقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ بِالثِّيَابِ، وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ نَزَلَ
__________
1 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 59 - ج 8 في حديث ابن عباس. رواه الطبراني، وفيه هشام بن زياد أبو المقدام، وهو متروك.(3/62)
وَحْدَهُ، وَمَنَعَ رِفْدَهُ، وَجَلَدَ عَبْدَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ يَبْغُضُ النَّاسَ، أَوْ يَبْغُضُونَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ لَمْ يُقِلْ عَثْرَةً، وَلَمْ يَقْبَلْ مَعْذِرَةً، وَلَمْ يَغْفِرْ ذَنْبًا، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ، إنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام، قَامَ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي إسْرَائِيلَ لَا تَتَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ الْجَاهِلِ فَتَظْلِمُوهَا، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تُكَافِئُوا ظَالِمًا بِظُلْمٍ، فَيَبْطُلُ فَضْلُكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، يَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْأَمْرُ ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَاتَّبِعُوهُ، وَأَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَأَمْرٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكِلُوهُ إلَى عَالِمِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: وَهِشَامُ بْنُ زِيَادٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهِشَامُ بْنُ زِيَادٍ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ ثَنَا أَبِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيُّ عن قاسم بْنِ عُرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَذَكَرَ بِنَحْوِهِ، بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا"، وَأَعَلَّاهُ بِهِشَامِ بْنِ زِيَادٍ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: إنَّ الضَّعْفَ عَلَى رِوَايَاتِهِ بَيِّنٌ، انْتَهَى. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ طَرِيقٌ يَثْبُتُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ مِمَّنْ أُجْمِعَ عَلَى ضَعْفِهِ، وَتَرْكِ حَدِيثِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَصَالِحٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ سَرَقَهُ مِنْ هِشَامٍ، فَإِنَّهُ بِهِ أَشْهَرُ، وَبِهِ يُعْرَفُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ أَيْضًا عَنْ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بِهِ، وَضَعَّفَ تَمَّامًا عَنْ جَمَاعَةٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بِهِ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ: قَالَ فِي عِيسَى هَذَا: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" وَالطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ 1 بْنِ أبي حمزة النصيبيني عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ"، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وأعله بحمزة النصيبيني، وَقَالَ: إنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "تَارِيخِ أَصْبَهَانَ - فِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ"
__________
1 قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه حمزة بن أبي حمزة، وهو متروك.(3/63)
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً: خبر الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو يَوْمَ عَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ، كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَيْته عليه السلام يَدْعُو بِعَرَفَةَ يَدَاهُ إلَى صَدْرِهِ، كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَادَةَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، مَادًّا يَدَيْهِ، كَالْمُسْتَطْعِمِ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ الْفَضْلِ إلَّا هَذَا الطَّرِيقَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" وَأَعَلَّهُ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ مديني، يكنى أبا عبيد اللَّهِ، يَرْوِي عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَنْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ قَالَ: هو مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا جَاوَزَ الْمِقْدَارَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَإِنْ وَرَدَ الْآثَارُ بِبَعْضِ الدَّعَوَاتِ، قُلْت:.........2.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ، إلَّا فِي الدِّمَاءِ، وَالْمَظَالِمِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ عَنْ أَبِيهِ كنانة عن أبي عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ، فَأُجِيبَ: إنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُمْ، مَا خَلَا الْمَظَالِمَ، فَإِنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، قَالَ: " رَبِّ إنْ شِئْت أَعْطَيْت الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ، وَغَفَرْت لِلظَّالِمِ"، فَلَمْ يُجِبْهُ عَشِيَّتَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ، فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ: فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إنَّ هَذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْت تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَك، أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّك؟ قَالَ: "إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ اسْتَجَابَ دُعَائِي، وَغَفَرَ لِأُمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْت مِنْ جَزَعِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" وَعَبْدُ اللَّهِ 4 بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي "مُسْنَدِ أَبِيهِ"، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ
__________
1 عند البيهقي: ص 711 - ج 5.
2 لم توجد العبارة ههنا في الأصول.
3 عند ابن ماجه في "باب الدعاء بعرفة" ص 222 - ج 1.
4 عند أحمد في: ص 14 - ج 4، بمعناه.(3/64)
فِي "مُسْنَدِهِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ في "الكامل"، وأعله بكنانة، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كِنَانَةُ رَوَى عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كِنَانَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَسْلَمِيٌّ يَرْوِي عن أبيه، وروى عن ابْنُهُ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، فَلَا أَدْرِي التَّخْلِيطَ فِي حَدِيثِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَبِيهِ، وَمِنْ أَيِّهِمَا كَانَ، فَهُوَ سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ بِمَا رَوَى، وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَا أَتَى مِنْ الْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ 1 فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدبري حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَمَّنْ سَمِعَ قَتَادَةَ يَقُولُ: ثَنَا خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَغَفَرَ لَكُمْ، إلَّا التَّبَعَاتِ فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، فَادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَإِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ عَلَى جِبَالِ عَرَفَاتٍ يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ اللَّهُ بِهِمْ، فَإِذَا نَزَلَتْ الْمَغْفِرَةُ دَعَا هُوَ وَجُنُودُهُ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ"، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَالرَّاوِي عَنْ قَتَادَةَ مَجْهُولٌ، وَخِلَاسٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ أَيُّوبُ: لَا تَرْوُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ صَحَفِيٌّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ يُلَبِّي حَتَّى أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ، فَلَمَّا رَمَاهَا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: هَذِهِ عرفة، وعرفة كُلُّهَا مَوْقِفٌ، ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ خَلْفَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ، الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ عَنْ عَلِيٍّ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى.
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 194: قلت: وفي الباب عن ابن عمر في "تفسير الطبري".
2 عند مسلم ص 415 - ج 1، والبخاري في "باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي جمرة العقبة" ص 228 - ج 1، وابن ماجه في "متى يقطع الحاج التلبية" ص 224 - ج 1.
3 عند أبي داود في "باب الدفعة من عرفة" ص 266 - ج 1، وابن ماجه في "باب الموقف بعرفات" ص 222، والترمذي في "باب ما جاء أن عرفة كلها موقف" ص 120 - ج 1.(3/65)
حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: كُنْت رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وَقَعَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": هَذَا إسْنَادٌ حسن، وانفرد بِهِ أَبُو دَاوُد، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ كَانُوا يَدْفَعُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ عَلَى رُءُوسِهَا، وَإِنَّمَا نَدْفَعُ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مُنْبَسِطَةً، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ: فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا سَمَاعُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا كَمَا يَتَوَهَّمُهُ رَعَاعُ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُ رُؤْيَةً بِلَا سَمَاعٍ، وَذَكَرَ أَحَادِيثَ أُخْرَى فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَكُونَ الشَّمْسُ، كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَمِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَكُونَ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ , نَدْفَعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ , هَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَالشِّرْكِ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ تَابِعِيٌّ سَمِعَ عَائِشَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ عَنْهُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، فَإِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، وَذَكَرَ أَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "الْمُهَذَّبِ" عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، انْتَهَى. قُلْت: لَيْسَ مَا قَالَهُ أَبُو إسْحَاقَ سَهْوًا، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 3 مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
__________
1 عند أبي داود في "باب الدفعة من عرفة" ص 266 - ج 1.
2 وسند الحديث في النسخة المطبوعة من السنن هكذا: ورواه عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن محمد بن قيس ابن مخرمة، الخ. وليس في سنده الشافعي، ولا شيخه مسلم بن خالد.
3 سنده: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا عبد الرحمن بن المبارك العنسي ثنا عبد الوارث، الخ. ولم أجد في "المستدرك" هذا الحديث في مظانه، وفي "مجمع الزوائد" ص 355 - ج 3 عن المسور بن مخرمة، الخ. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح.(3/66)
وَقَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" فَقَالَ: يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَطَبَ بِعَرَفَةَ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَزِيزٍ الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ حَتَّى تُعَمِّمَ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَتَصِيرَ فِي رُءُوسِهَا كَعَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُفِيضُ حَتَّى تَغْرُبَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى يَقُولُونَ: أَشْرَقَ ثَبِيرٌ، فَلَا يُفِيضُونَ حَتَّى تصير الشمس على رُءُوسِ الْجِبَالِ كَعَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يُفِيضُ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَمْشِي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي الطَّرِيقِ - يَعْنِي طَرِيقَ الْمُزْدَلِفَةِ - عَلَى هِينَتِهِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى رَأْسَهَا لِيُصِيبَ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: "أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ"، كُلَّمَا أَتَى جَبَلًا مِنْ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا 2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأُسَامَةُ رِدْفَهُ، قَالَ أُسَامَةُ: فَمَا زَالَ يَسِيرُ عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى أَتَى جَمْعًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ 3 - وَكَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ عليه السلام - أَنَّهُ قَالَ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ، وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا: " عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ"، وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ، حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، وَهُوَ مِنْ مِنًى، قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ"، وَقَالَ: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: " هَذِهِ عَرَفَةُ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ"، ثُمَّ أَفَاضَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: "أيها الناس، عليكم بالسكينة"، الْحَدِيثَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
__________
1 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 255 - ج 3: قلت: في "الصحيح" بعضه رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه جعفر بن ميسرة الأشجعي، وهو ضعيف.
2 عند مسلم: ص 417.
3 عند مسلم في "باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر" ص 415 - ج 1.(3/67)
قَوْله: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها دَعَتْ بِشَرَابٍ بَعْدَ إفَاضَةِ الْإِمَامِ فَأَفْطَرَتْ، ثُمَّ أَفَاضَتْ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَدْعُو بِشَرَابٍ فَتُفْطِرُ، ثُمَّ تُفِيضُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ عِنْدَ هَذَا الْجَبَلِ - يَعْنِي قُزَحَ - وَكَذَا عُمَرُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ2، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: " هَذِهِ عَرَفَةُ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ"، ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: " أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ السكنية"، ثُمَّ أَتَى جَمْعًا، فَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى قُزَحَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 3 عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ حِينَ وَقَفَ، مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْهِلَالِيُّ ثَنَا يُونُسُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ بِجَمْعٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى قُزَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الْمَوْقِفُ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، ثُمَّ دَفَعَ حِينَ أَسْفَرَ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عُمَرَ غَرِيبٌ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ - يَعْنِي بِالْمُزْدَلِفَةِ -، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، الْحَدِيثَ. وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا4
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 502: وإسناده صحيح.
2 عند أبي داود في "باب الدفعة من عرفة" ص 266، وعند الترمذي في "باب ما جاء أن عرفة كلها موقف" ص 120 - ج 1.
3 هذا حديث ملفق من حديث عطاء عن جابر، وابن عباس: ص 474 - ج 1، والله أعلم.
4 وعند البخاري في "باب من جمع بينهما، ولم يتطوع" ص 227 - ج 1.(3/68)
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ، جَمَعَ النَّبِيُّ عليه السلام بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَلَا عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُخَالِفَانِ لِلْأَوَّلِ، وَلِمَا يَأْتِي بَعْدُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ فَتَوَضَّأَ، وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ، قُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ أَمَامَك"، فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الله بن زيد عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا قَيْسٌ 2 عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ، صَوَابُهُ: حَازِمٌ، عَنْ عَدِيٍّ بِهِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَدِيٍّ بِهِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُضَيْلٍ الرُّؤَاسِيِّ ثنا محمد بن سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ 3 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْإِقَامَةِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: جَمِيعًا، خَرَّجَهُ فِي "الْمَغَازِي".
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَفَضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَلَمَّا بَلَغْنَا جَمْعًا صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَجَعَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَكَانَ ابْنِ عُمَرَ، ابْنَ عَبَّاسٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أَسْنَدَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ،
__________
1 عند البخاري في "باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة" ص 227، وعند مسلم: ص 416.
2 وعند الطحاوي أيضاً عن قيس عن غيلان بن جامع: ص 410 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب من جمع بينهما ولم يتطوع" ص 227، وبزيادة جميعاً في "حجة الوداع" ص 633، وعند مسلم: ص 417.
4 عند مسلم: ص 417.(3/69)
وَحَسَّانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ ذِكْرُ الْأَذَانِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 1 عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ، فَلَمْ يَكُنْ يَفْتُرُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ، حَتَّى أَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، أَوْ أَمَرَ إنْسَانًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا، فَقَالَ: الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِنَا الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عِلَاجُ بْنُ عَمْرٍو بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 2 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلًا، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ - أَرَى - فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ: لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إلَّا مِنْ زُهَيْرٍ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ في هَذَا الْيَوْمِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا، صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ، وَالْفَجْرُ حِينَ بَزَغَ 3 الْفَجْرُ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، كُلُّ صَلَاةٍ وَحْدَهَا، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالْعَشَاءُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ: المغرب، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ"، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ، فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ"، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَلَفْظُهُ قَالَ: فَلَمَّا أَتَى جَمْعًا أَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ أَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ 4 نَحْوَهُ، وَلَمْ يُحْسِنْ
__________
1 في "باب الصلاة بجمع" ص 267.
2 عند البخاري في "باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما" ص 227 - ج 1،وفي "باب متى يصلى الفجر بجمع"ص 228- ج 1.
3 كذا في - نسخة الدار - أيضاً، وفي نسخة أخرى "يبزغ" [البجنوري] .
4 وأخرجه الطحاوي: ص 409 - ج 1 عن إبراهيم عن الأسود أنه صلى مع عمر بن الخطاب صلاتين مرتين، بجمع كل صلاة بأذان وإقامة، والعشاء بينهما، ثم قال الطحاوي: ما كان من فعل عمر وتأذينه للثانية، لكون الناس تفرقوا لعشائهم، فأذن ليجمعهم، وكذلك نحن نقول، فإذا تفرق الناس عن الإمام لأجل عشاء أو غيره، وكذلك معنى ما روي عن ابن عباس.(3/70)
شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ اسْتَشْهَدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ الْآتِي ذِكْرُهُ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ عَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِأُسَامَةَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ: الصَّلَاةُ أَمَامَك، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: دَفَعَ عليه السلام مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ، فَقُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَك فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ المزدلفة نزل وتوضأ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الصلاة إلَّا لِمِيقَاتِهَا، إلَّا صَلَاتَيْنِ، صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا.
قَوْلُهُ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا، أَيْ قَبْلَ مِيقَاتِهَا الْمُعْتَادِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، لَا أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ غَلَّسَ بِهَا كَثِيرًا، بَيَّنَهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَالْفَجْرَ حِينَ بَزَغَ الْفَجْرُ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ، وَأَخْرَجَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ صَلَّى بِجَمْعٍ الصَّلَاتَيْنِ جمعاً، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا المكان: المغرب، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ"، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا بِتَمَامِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، وَقَفَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ - يَعْنِي الْمُزْدَلِفَةَ - يَدْعُو حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ لِأُمَّتِهِ، حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ. قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، فَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، الْحَدِيثَ.
__________
1 عند البخاري في "باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة" ص 227، وعند مسلم: ص 416.
2 عند البخاري في "باب متى يصلى الفجر بجمع" ص 228، وعند مسلم: ص 412 واللفظ له، وفي رواية جرير عن الأعمش: أول وقتها بغلس.(3/71)
وَقَوْلُهُ: حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، هَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، وَاعْتَذَرَ هَذَا الْجَاهِلُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَرَادَ بِابْنِ عَبَّاسٍ كِنَانَةَ بْنَ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إذَا أُطْلِقَ فَلَا يُرَادُ بِهِ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَلَوْ أَرَادَ كِنَانَةَ لَقَيَّدَهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ التَّابِعِيَّ دُونَ الصَّحَابِيِّ، عِنْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ، وَلَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً بطيئة ثبطة، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، فَأَذِنَ لَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَيْتَنِي كُنْت اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُفِيضُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ , وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ , فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ , فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا 3 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا 4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا رَمَتْ الْجَمْرَةَ، قُلْت لَهَا: إنَّا رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ، قَالَتْ: إنَّا كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَلَسٍ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ 6 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ
__________
1 عند مسلم، واللفظ له: ص 418، والبخاري "باب من قدم ضعفة أهله بليل" ص 228.
2 عند البخاري في "باب من قدم ضعفة أهله بليل" إلخ: ص 227 - ج 1، وعند مسلم: ص 418.
3 عند البخاري: ص 227، وعند مسلم: ص 418.
4 عند البخاري: ص 227، وعند مسلم: ص 418 معناه، واللفظ لأبي داود: ص 268.
5 عند مسلم: ص 418 - ج 1.
6 عند مسلم: ص 418، وعند أبي داود في "باب التعجيل من جمع" ص 268، وعند النسائي في "باب تقديم النساء والصبيان إلى منازلهم" ص 46 - ج 2، وعند الترمذي في "باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل" ص 121 - ج 1.(3/72)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ، وَيَأْمُرُهُمْ لَا يَرْمُونَ الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ 1 عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ عليه السلام بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، الْيَوْمَ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي عِنْدَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ، وَكَانَ قَدْ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ 3 عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ عليه السلام وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَالَ: " مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا هَذِهِ" إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الشَّيْخَانِ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الشَّعْبِيِّ، وَقَدْ وَجَدْنَا عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ، قَالَ: جِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَوْقِفِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْت من جبل طيء، أَكَلَلْت مَطِيَّتِي، وَأَتْعَبْت نَفْسِي، وَاَللَّهِ مَا بَقِيَ جَبَلٌ مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ حَتَّى وَقَفْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ - يَعْنِي صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا - فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ"، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ تَابَعَ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي رِوَايَةِ: هَذِهِ السُّنَّةِ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَعْمَرٍ الدُّؤَلِيُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" الطَّرِيقَ الثَّانِيَ، وَقَالَ: إنَّ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيَّ لَيْسَ بِثِقَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: فِيهَا رَجُلٌ مَتْرُوكٌ، وَآخَرُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى.
__________
1 عند أبي داود في "باب التعجيل من جمع" ص 268 - ج 1.
2 أخرجه البيهقي في "باب من أجاز رميها بعد نصف الليل" ص 133 - ج 5، ولكن لم أجد فيه قوله: إسناده صحيح لا غبار عليه.
3 عند أبي داود في "باب من لم يدرك عرفة" ص 269، والترمذي في "باب ما جاء من أدرك الامام بجمع فقد أدرك الحج" ص 121 - ج 1، وعند النسائي في "باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة" ص 47 - ج 2، وابن ماجه في "باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة الجمع" ص 223.
4 عند الحاكم في: ص 463 - ج 1، وقال: وقد تابع عروة بن المضرس في رواية: هذه السنة، من الصحابة عبد الرحمن بن يعمر الدؤلي.(3/73)
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا مُسْلِمًا - عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: شَهِدْت عُمَرَ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ، فَقَالَ: إنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرَقَ ثَبِيرٌ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ 2: كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا زَمْعَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بِجَمْعٍ، فَلَمَّا أَضَاءَ كُلُّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَفَاضَ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَزَمْعَةُ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: صُوَيْلِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّ حَدِيثَهُ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ" لِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ الدَّفْعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَاسْتَدَلَّ لِأَحْمَدَ فِي جَوَازِهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي الرَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ، وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالِ الدَّفْعُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفِيضُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ".
__________
1 الراوية الأولى عند البخاري في "باب متى يدفع من جمع" ص 228، وعند النسائي في "باب وقت الافاضة من جمع" ص 47 - ج 2، وعند الترمذي في "باب ما جاء أن الافاضة من جمع قبل طلوع الشمس" ص 121 - ج 1، عند أبي داود: ص 268، وابن ماجه في "باب الوقوف بجمع" ص 223.
2 عند البخاري في "باب أيام الجاهلية" ص 541 - ج 1.
3 أقول: لم أجد حديث ابن عباس في "مسند أحمد" بهذا السند، بل إسناده هكذا: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان بن داود ثنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس، الحديث. كذا في: ص 327 - ج 1.(3/74)
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ" 1 مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ 2 بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَحْوَهُ، سَوَاءً.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ 3 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ، فجعل يلطح 4 أَفْخَاذَنَا، وَيَقُولُ: " أَبَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ"، انْتَهَى. وَالْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَعْرُجْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بسبع حصيات، الحديث.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ عليه السلام: " عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ، لَا يُؤْذِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا"، قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِمَا" 5 قَرِيبًا مِنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَرَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ يَسْتُرُهُ، فَسَأَلْت عَنْ الرَّجُلِ، فَقَالُوا: الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَإِذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ6، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى فِي "مَسَانِيدِهِمْ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"7 عَنْ أَشْهَبَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ
__________
1 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 255 - ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه الواقدي ضعفه الجمهور.
2 أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ذكرها ابن حبان في الثقات، وقال: كانت في حجر عائشة، روى عنها عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، قال ابن سعد: روت عن عائشة في "تهذيب التهذيب" ص 398 - ج 12.
3 عند أبي داود في "باب التعجيل من جمع" ص 268 - ج 1، وابن ماجه في "باب من تقدم من جمع لرمي الجمار" ص 224 - ج 1، والنسائي في "باب من رمى جمرة العقبة قبل طلوع الشمس" ص 49 - ج 2.
4 اللطح بالحاء المهملة: الضرب الخفيف.
5 عند أبي داود في "باب رمي الجمار" 270 عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه، وهي أم جندب الأزدية، وعند ابن ماجه في "باب من أين ترمى جمرة العقبة" ص 224 - ج 1.
6 عند أحمد: ص 503 - ج 3.
7 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 257 - ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه ابن لهيعة، وهو حسن الحديث.(3/75)
أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا أَتَى مُحَسِّرًا: "عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ إلَّا ابْنُ لَهِيعَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ أَشْهَبُ، وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ يَحْيَى غَيْرُ إسْمَاعِيلَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ - لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْعَبَّاسَ - وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رُوِيَ فِي "مُسْنَدِهِ" 3 حَدَّثَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ جَمْعٍ: " اُلْقُطْ لِي"، فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: "نَعَمْ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَوْفٍ بِهِ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ التَّكْبِيرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ4، هَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ5،
__________
1 عند مسلم في "باب استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف" ص 420 - ج 1.
2 عند أحمد: ص 219 - ج 1.
3 عند أحمد: ص 215 - ج 1، وسنده: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنا عون، ولعل الصواب ما في التخريج، و"المستدرك" ص 466 - ج 1 حدثنا ابن جعفر ثنا عوف بن أبي جميلة، الخ، وعند ابن ماجه في "باب قدر حصى الرمي" ص 224 - ج 1، وعند النسائي في "باب التقاط الحصى" ص 48 - ج 2.
4 عند مسلم: ص 418، واللفظ له، وعند البخاري في "باب رمي الجمار من بطن الوادي" ص 235 - ج 1.
5 مسلم: ص 419، والبخاري: ص 235، في "باب يكبر مع كل حصاة" وعند أبي داود: ص 271، وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه - سورة البقرة -.(3/76)
عَنْ الْأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْت الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ، وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ: لَا تَقُولُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَقُولُوا: السُّورَةَ التي يذكر فيها البقر، السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ، قَالَ: فَلَقِيت إبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرْته بِقَوْلِهِ، فَسَبَّهُ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَأَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، فَاسْتَعْرَضَهَا، فَرَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، إلَى آخِرِهِ، سَوَاءً، وَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَفَعَهُ، وَيُنْظَرُ مِنْ غَيْرِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ البخاري 1 عند الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَالِمًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ أَمَامَهَا فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ، وَيَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَاهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ: حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ السِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقِفْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَاهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، الْحَدِيثَ، وَلَهُ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ 2 عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَأَغْفَلَ هَذَا الْجَاهِلُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَأَخَذَ يَسْتَشْهِدُ بِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَاةِ الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُ التَّكْبِيرَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ، لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ، قُلْت: كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ
__________
1 عند البخاري في "باب الدعاء عند الجمرتين" ص 236.
2 عند البخاري في "باب إذا رمى الجمرتين يقوم مستقبل القبلة ويسهل".(3/77)
ذَهَلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ ابن مسعود، وإنما ذَكَرَ عَنْهُ: التَّكْبِيرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَفْهُومِهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مِنْ أَوَّلِ حَصَاةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ، ثُمَّ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرُوِيَ فِي "السُّنَنِ"2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: رَمَقْت النَّبِيَّ عليه السلام فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عليه السلام قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَى بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قُلْت: هُوَ مَفْهُومُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، الْحَدِيثَ. وَتَقَدَّمَ صَرِيحًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ.
قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ، لَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ، لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْحَصَى مَرْدُودٌ، هَكَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ، فَيَتَشَاءَمُ بِهِ، قُلْت: فِيهَا أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي يُرْمَى بِهَا كُلَّ عَامٍ، فَتَحْسِبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ، فَقَالَ: "إنَّهُ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ لَيْسَ بِالْمَتْرُوكِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" بِيَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَقَالَ: فِيهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، فَإِنَّ أَبَا فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، والدارقطني، وَغَيْرُهُمَا، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ،
__________
1 وفي "السنن الكبرى - في باب التلبية حتى يرمي جمرة العقبة بأول حصاة، ثم يقطع" ص 137 - ج 5، قال الشيخ: تكبيره مع كل حصاة، كالدلالة على قطعه التلبية بأول حصاة، كما روينا في حديث عبد الله بن مسعود.
2 عند البيهقي في "السنن" ص 137، وهو في "الصحيحين" من حديث ابن عباس: أن أسامة بن يزيد كان ردف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عرفة إلى مزدلفة، ثم أردف الفضل إلى منى، وكلاهما قال: لم يزل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي حتى رمى جمرة العقبة، وفي رواية حتى بلغ الجمرة، ولكن في رواية النسائي: فلم يزل يلبي حتى رمى، فلما رمى قطع التلبية، راجع "تلخيص الحبير" ص 218.
3 عند الحاكم في "باب يرفع ما يقبل من أحجار الرمي" ص 486 - ج 1، وعند الدارقطني: ص 289 - ج 1، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 260 - ج 3: رواه في "الأوسط" وفيه يزيد بن سنان التميمي، وهو ضعيف، وقال الحافظ في "تلخيص الحبير" ص 218 - ج 1: قال البيهقي: وروي عن أبي سعيد موقوفاً، وعن ابن عمر مرفوعاً من وجه ضعيف، ولا يصح مرفوعاً، وهو مشهور عن ابن عباس موقوفاً عليه: ما تقبل منها رفع، وما لم يتقبل ترك، ولولا ذلك لسد ما بين الجبلين، وأخرجه إسحاق بن راهويه.(3/78)
وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْقَيْسِيِّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: مَا يُقْبَلُ مِنْ حَصَى الْجِمَارِ رُفِعَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ الْعَوَّامِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا قُبِلَ حَجُّ امْرِئٍ إلَّا رُفِعَ حَصَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ وَاسِطِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، سَوَاءً، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِوَاسِطَ، وَقَالَ: عَامَّةُ حَدِيثِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قُلْت: فَقَدْ تَابَعَهُ الْعَوَّامُ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبَّاسٍ الْعَامِرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَابَاهُ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي حَصَاةِ الْجِمَارِ: مَا يُقْبَلُ مِنْهُ رُفِعَ، وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ تُرِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ فِطْرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا هَذَا أَنْ نَرْمِيَ، ثُمَّ نَذْبَحَ، ثُمَّ نَحْلِقَ أَوْ نُقَصِّرَ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا ابْنَ مَاجَهْ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى فَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ، وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ"؟ قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ
__________
1 عند أبي داود في "باب الحلق والتقصير" ص 272 - ج 1، والترمذي في "باب ما جاء بأي جانب الرأس يبدأ في الحلق" ص 123، وعند مسلم ص 421، والحلاق معمر بن عبد الله بن نضلة، كما عند الطبراني، وقيل: خراش بن أمية بن ربيعة الكلبي، راجع ابن سعد" 102 - ج 4.
2 عند البخاري في "باب الحلق والتقصير عند الاحلال" ص 233 - ج 1، وعند مسلم: ص 420.(3/79)
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ"، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَالْمُقَصِّرِينَ"، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ، قَالَ: "وَالْمُقَصِّرِينَ"، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 1 عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي" أَنَّهُ عليه السلام قَالَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: فَأَنَا أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام حِينَ فَرَغَ مِنْ نَحْرِ الْبُدْنِ، فَدَخَلَ قُبَّةً لَهُ حَمْرَاءَ، فِيهَا الْحَلَّاقُ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَأَنْظُرُ إلَيْهِ قَدْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ قُبَّتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ"، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ نَافِعٍ أن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ 3 عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَصَّرْت عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام بِمِشْقَصٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد لِحَجَّتِهِ، قَالَ: الْمُنْذِرِيُّ: أَيْ لِعُمْرَتِهِ، فَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ: فِي عُمْرَةٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَالْعُمْرَةُ قَدْ تُسَمَّى حَجًّا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْقَصْدُ، وَقَدْ قَالَتْ: حَفْصَةُ لِلنَّبِيِّ عليه السلام: "مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَأَنْتَ لَمْ تَحْلِلْ مِنْ عُمْرَتِك"، مَعْنَاهُ مِنْ حَجَّتِك، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُكْتَفَى فِي الْحَلْقِ بِرُبُعِ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ، وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 4 - إلَّا ابْنَ مَاجَهْ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ، وَحَلَقَ، نَاوَلَ الْحَالِقَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْآخَرَ، فَقَالَ: احْلِقْ فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: "اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ"، انْتَهَى. وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، فَرَوَاهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَمْ يُعَقِّبْهُ الذَّهَبِيُّ فِي ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُشْعِرُ بِجَمِيعِ الرَّأْسِ، إذْ لَا يُقَالُ: حَلَقَ رَأْسَهُ لِمَنْ حَلَقَ بَعْضَهَا.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: فِيمَنْ رَمَى، ثُمَّ ذَبَحَ ثُمَّ حَلَقَ:
__________
1 عند مسلم: ص 421.
2 عند البخاري: ص 233، وعند مسلم: ص 421.
3 عند البخاري: ص 233.
4 قلت: لم أجد هذا الحديث في البخاري، مع كثرة الاستقراء في مظانه، بل الحديث عند مسلم، كما قال العيني في "العمدة" ص 62 - ج 10، فالعجب من الحافظ، وابن الهمام كيف خفي عليهما، والله أعلم، وعند الحاكم: ص 474 - ج 1.(3/80)
"حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عن الحجاج بْنِ أَرْطَاةَ 1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَمْ يَرَ الزُّهْرِيَّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا رَمَيْتُمْ، وَحَلَقْتُمْ، وَذَبَحْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ! وَالطِّيبُ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ، أَفَطِيبٌ هُوَ أَمْ لَا؟، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ عَشِيَّةَ يَوْمِ النَّحْرِ: إنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ، إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ عَنْهُ إلَّا النِّسَاءَ، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي يَصِيرُ إلَيَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَاءَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَصَارَ إلَيَّ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ، وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي أُمَيَّةَ مُتَقَمِّصِينَ، فَقَالَ عليه السلام لِوَهْبٍ: "هَلْ أَفَضْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ"؟، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "انْزِعْ عَنْك الْقَمِيصَ"؟ فَنَزَعَهُ عَنْ رَأْسِهِ، وَنَزَعَ صَاحِبُهُ قَمِيصَهُ مِنْ رَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا - يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إلَّا النِّسَاءَ - فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا، كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ، حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ: إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ
__________
1 عند أبي داود في "باب رمي الجمار" ص 271، وعند الدارقطني: ص 279، وقوله: قال الدارقطني، لم يروه غير الحجاج بن أرطاة، ليس في النسخة المطبوعة.
2 عند النسائي في "باب ما يحل للمحرم بعد رمي الجمار" ص 51 - ج 2، وعند ابن ماجه في "باب ما يحل للرجل إذا رمى جمرة العقبة" ص 225 - ج 1، واللفظ له.
3 عند أحمد: ص 295 - ج 6، وص 303 - ج 6، وعند الحاكم: ص 489 - ج 1.(3/81)
شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ، إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ، مُخْتَصَرٌ. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَتَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" لِمَالِكٍ أَيْضًا فِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ بِمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مَا حَرُمَ، إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، ثُمَّ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَيْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا، قَالَتْ: طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا حَلَقَ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى وَصَلَّى الظُّهْرَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه السلام أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى، قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى، وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ، انْتَهَى، وَوَهَمَ الْحَاكِمُ، فَرَوَاهُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ، إلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ لِوُجُوهٍ ذَكَرَهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَعَادَهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ": وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ إلَى مِنًى، فَصَلَّى الظُّهْرَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ، وَجَابِرٌ: بَلْ صَلَّى الظُّهْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا هُوَ، لِصِحَّةِ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 5 حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَعَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ، حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ
__________
1 عند البخاري: ص 236 - ج 1 في "باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الافاضة" وعند مسلم: ص 378.
2 وسند الحديث عند مسلم: ص 378: حدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك عن أبي الرجال، قلت: أبو الرجال الأنصاري المدني عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، قال ابن سعد: ثقة، كثير الحديث، وقال البخاري: هو ثبت، راجع "التهذيب" ص 296 - ج 9.
3 عند مسلم في: ص 422.
4 وقال الحاكم: هذا في حديث القاسم عن عائشة، ولم أجد حديث نافع عن ابن عمر في "المستدرك" والله أعلم.
5 وكذا قال في "السنن" ص 144 - ج 5، وقال ابن الهمام ص 180 - ج 2: وإذا تعارضا، ولا بد من صلاة الظهر في أحد المكانين، ففي مكة بالمسجد الحرام أولى، لثبوت مضاعفة الفرائض فيه، الخ.(3/82)
أَصَحُّ إسْنَادًا مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ إسْحَاقَ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَلَى فَرْضِيَّةِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بعدما أَفَاضَتْ، فَقَالَ عليه السلام: " أَحَابِسَتُنَا هِيَ"؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، فَقَالَ عليه السلام: "فلتنفر إذاً"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَهُ ذِكْرٌ إلَّا بِالْمَفْهُومِ، وَلَا وَجَدْته فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ - يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ - بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ النَّحْرِ، وَأَفْضَلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوَّلُهَا، كَمَا فِي التَّضْحِيَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ: أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَعَادَهُ فِي "الْأُضْحِيَّةِ".
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَجَعَ إلَى مِنًى، قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ، فَيَبْدَأُ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي الَّتِي تَلِيهَا مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ، فِيمَا نَقَلَ مِنْ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَسَّرًا، قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ جَابِرٍ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عليه السلام رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ لَا غَيْرُ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ 3 عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا فَيَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا فَيَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، انْتَهَى. وَوَهَمَ الْحَاكِمُ4، فَرَوَاهُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ
__________
1 عند أبي داود في "باب رمي الجمار" ص 271.
2 عند البخاري: ص 237 - ج 1 وعند مسلم: ص 427، واللفظ لمسلم.
3 عند البخاري في "باب إذا رمى الجمرتين يقوم مستقبل القبلة" ص 236 - ج 1.
4 قاله في "المستدرك" بعد ذكر الحديث: ص 478 - ج 1.(3/83)
الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَيُطِيلُ الْقِيَامَ، وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ غَيْرَ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ1، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": يُرِيدُ جَابِرٌ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ لَا رَمْيَ فِيهِ غَيْرُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"2 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا نَرْمِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْجَمْرَتَيْنِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَالْمُرَادُ رَفْعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ، قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ السَّبْعِ مَوَاطِنَ فِي "بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ"، وَفِيهِ الجمرتان.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْته عليه السلام يَفْعَلُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ"، انْتَهَى.
__________
1 عند مسلم: ص 420، وعند أبي داود في "باب رمي الجمار" ص 271، واللفظ له، والترمذي: ص 121، والنسائي في "باب وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر" ص 49 - ج 2.
2 عند مالك: ص 158.
3 قلت: في النسخة المطبوعة من "المستدرك" ص 441 - ج 1 بالسندين، وليس في السند الثاني: "اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج".(3/84)
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر، قَالَ: سَمِعْت سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ فِيهِ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا اخْتِلَافُ نُسْخَةٍ، وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ"1، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَقَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ: مَا أَظُنُّ شَرِيكًا إلَّا ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى حَدِيثِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ"، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يُغْفَرُ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ، بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَيُرَاجَعُ، فَإِنِّي وَجَدْته، رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام صَبَرَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، قُلْت: تَقَدَّمَ لأبي داود عن إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، الْحَدِيثُ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِي مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ - فِي تَقْدِيمِ الرَّمْيِ عَلَى الزَّوَالِ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ: إذَا انْتَفَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ وَالصَّدَرُ، انْتَهَى. فِي "مُسْنَدِ" طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: وَالِانْتِفَاخُ: الِارْتِفَاعُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ومن حديث عمر، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا خَالِدٌ
__________
1 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 211 - ج 3: رواه الطبراني في "الصغير" وفيه شريك بن عبد الله النخعي، وهو ثقة، وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 260 - ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك.(3/85)
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى آخِرِهِ، وَفِيهِ: أَنْ يَرْمُوا الْجِمَارَ، رَوَاهُ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرٍو: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ بَكْرِ بْنِ بَكَّارَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ، وَأَيَّةِ سَاعَةٍ شَاءُوا مِنْ النَّهَارِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ هَذَا إنْ كَانَ هُوَ الْخُوزِيَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟، وَبَكْرُ بْنُ بَكَّارَ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَدُونَ بَكْرِ بْنِ بَكَّارَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ، لَا خَالِدٌ، قَالَ: وَرَوَى الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بإسناد أحسن من هذا.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيِّ، ضَعَّفَهُ قَوْمٌ، وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَأَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: " لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ إلَّا مُصْبِحِينَ"، قَالَ: وَيُرْوَى: حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، قُلْت: الْأَوَّلُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"3 حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا فُضَيْلٍ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَا كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ، وَثَقَلَهُ صَبِيحَةَ جَمْعٍ أَنْ يُفِيضُوا مَعَ أَوَّلِ الْفَجْرِ بِسَوَادٍ، وَلَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ إلَّا مُصْبِحِينَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ثَنَا حَمَّادٌ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ فِي الثَّقَلِ، وَقَالَ: " لَا تَرْمُوا الْجِمَارَ حَتَّى تُصْبِحُوا"، انْتَهَى. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، فَتَقَدَّمَ لِأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ ضُعَفَاءَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَرَوَوْا - إلَّا التِّرْمِذِيَّ -
__________
1 عند الدارقطني: ص 279، وسنده: ثنا أبو الأسود عبيد الله بن موسى بن إسحاق الأنصاري ثنا جعفر بن محمد الشيرازي، الخ.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 260 - ج 3: رواه البزار، وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، وقد وثق.
3 عند الطحاوي في "باب وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء" ص 412 - ج 1.(3/86)
عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةً مِنْ بَنِي عَبْدِ المطلب، على جمرات، فجعل يلطح أفخازنا، وَيَقُولُ: "يَا بَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَالْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أمر ضعفة بين هَاشِمٍ أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، وَيَقُولُ: "أَبَنِيَّ، لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: " إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الرَّمْيُ، إلَى آخِرِهِ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام بَاتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَبُو داود عن إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1، قَالَ: "بَابُ يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ ثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي حَرِيزٌ، أَوْ أَبُو حَرِيزٍ - الشَّكُّ مِنْ يَحْيَى - أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ فَرُّوخَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: إنَّنَا نَتَبَايَعُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ، فَيَأْتِي أَحَدُنَا مَكَّةَ فَيَبِيتُ عَلَى الْمَالِ، فَقَالَ: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاتَ بِمِنًى وَظَلَّ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيت مكة لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ، انْتَهَى. هَذَا أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - وَبِهِ احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَوَجْهُ الْحُجَّةِ الْمَبِيتُ بِمِنًى، لَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَعُمَرُ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مِنًى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا ابْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ
__________
1 عند أبي داود: ص 270 - ج 1.(3/87)
وَرَاءِ الْعَقَبَةِ لَيْلًا بِمِنًى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنَامَ أَحَدٌ أَيَّامَ مِنًى بِمَكَّةَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّجُلُ ثَقَلَهُ إلَى مَكَّةَ، وَيُقِيمَ بِمِنًى حَتَّى يَرْمِيَ، قُلْت: غَرِيبٌ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ تَقَدَّمَ ثَقَلُهُ مِنْ مِنًى لَيْلَةَ نَفْرٍ فَلَا حَجَّ لَهُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفْرِ فَلَا حَجَّ لَهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى: "نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ"، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا، وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي بِذَلِكَ - الْمُحَصَّبَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا: كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً، وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْمُحَصَّبِ، قَالَ نَافِعٌ: قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَالْمُحَصَّبُ - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ - مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى، وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ3، وَهُوَ بَطْحَاءُ مَكَّةَ، وَهُوَ الْأَبْطَحُ، قَالَهُ فِي "الْإِمَامِ" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"4 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنَّمَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُحَصَّبِ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، فَمَنْ شَاءَ نَزَلَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَنْزِلْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ
__________
1 عند البخاري في "باب نزول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة" ص 216 - ج 1، وعند مسلم: ص 423 - ج 1، وحديث قتادة عن أنس، عند البخاري في "باب طواف الوداع" ص 236 - ج 1.
2 عند مسلم في: ص 422.
3 قلت: المحصب قطعة من منى، كما قال الشافعي:
يا راكباً قف بالمحصب من منى ... واهتف لقاطن خيفها والناهض
سمعه من لسان إمام المحدثين، وخاتم المفسرين الشيخ مولانا "محمد أنور الكشميري" قدس سره.
4 عند البخاري في "باب المحصب" ص 237، وعند مسلم: ص 422، وحديث عطاء عن ابن عباس، عند البخاري فيه: ص 237، وحديث أبي رافع، عند مسلم: ص 423.(3/88)
مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى، وَلَكِنْ جِئْت فَضَرَبْت قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "إنَّا نَازِلُونَ غَدًا بِالْخَيْفِ - خَيْفِ بَنِي كنانة - حيث تقاسم المشركين فِيهِ عَلَى شِرْكِهِمْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 1 عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ فِي حَجَّتِهِ، قَالَ: "هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا"؟ ثُمَّ قَالَ: "نَحْنُ نَازِلُونَ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ" - يَعْنِي الْمُحَصَّبَ - وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُؤْوُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ بِمِنًى: "نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ"، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا، وَبَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ"، وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، إلَّا الْحُيَّضَ، وَرَخَّصَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"4، وَزَادَ فِيهِ: فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: أَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَسَأَلْته عَنْ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ تَحِيضُ، قَالَ: لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهَا
__________
1 عند البخاري في "باب إذا أسلم قوم في دار الحرب، ولهم مال وأرضون، فهي لهم" ص 430 - ج 1، وعند مسلم في "باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها" ص 436.
2 عند البخاري في "باب طواف الوداع" ص 236، وعند مسلم فيه: ص 427.
3 عند الترمذي في "باب ما جاء في المرأة تحيض بعد الافاضة" ص 126 - ج 1، وعند الحاكم: ص 476 - ج 1.
4 وعند البيهقي في "السنن" ص 162 - ج 5.(3/89)
بِالْبَيْتِ، فَقَالَ الْحَارِثُ: كَذَلِكَ أَفْتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَرِبْت عَنْ يَدَيْك1 سَأَلْتنِي عَنْ شَيْءٍ سَأَلْت عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَيْ مَا أُخَالِفَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ الْحَارِثِ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ عليه السلام يَقُولُ: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ اعْتَمَرَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ"، فقال له عمر: حزرت مِنْ يَدَيْك، سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تُخْبِرْنَا بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَقَدْ خُولِفَ الْحَجَّاجُ فِي بَعْضِ هَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": سَنَدُ أَبِي داود به حَسَنٌ، وَسَنَدُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: غَرِيبٌ، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: ورخص للنساء الحّيض، وهو مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ.
الْحَدِيثُ الثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَقَى دَلْوًا بِنَفْسِهِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَفْرَغَ بَاقِيَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"3 فِي "بَابِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاضَ نَزَعَ لِنَفْسِهِ بِالدَّلْوِ - يَعْنِي مِنْ زَمْزَمَ - لَمْ يَنْزِعْ مَعَهُ أَحَدٌ، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَفْرَغَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّلْوِ 4 فِي الْبِئْرِ، وَقَالَ: " لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَمْ يَنْزِعْ مِنْهَا أَحَدٌ غَيْرِي"، قَالَ: فَنَزَعَ هُوَ بِنَفْسِهِ الدَّلْوَ الَّتِي شَرِبَ مِنْهَا، لَمْ يُعِنْهُ عَلَى نَزْعِهَا أَحَدٌ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ عليه السلام إلَى زَمْزَمَ، فَنَزَعْنَا لَهُ دَلْوًا، فَشَرِبَ، ثُمَّ مَجَّ فِيهَا، ثُمَّ أَفْرَغْنَاهَا فِي زَمْزَمَ، ثُمَّ قَالَ: " لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْت بِيَدَيَّ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ فِي نِسَائِهِ لَيْلًا، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، وَيُقَبِّلُ طَرَفَ الْمِحْجَنِ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: "انْزِعُوا، فَلَوْلَا أَنْ يُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْت"، أَمَرَ بِدَلْوٍ فَنُزِعَ لَهُ مِنْهَا، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَمَضْمَضَ، ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ، وَأَمَرَ بِهِ فَأُهْرِيقَ فِي زَمْزَمَ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
__________
1 أربت عن يديك، قال في النهاية: أي سقطت آرابك من اليدين خاصة.
2 عند أبي داود في "باب الحائض تخرج بعد الافاضة" ص 274، عند الترمذي في "باب ما جاء: من الحج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت" ص 126، وعند أحمد: ص 416 - ج 3، وص 417 - ج 3.
3 عند ابن سعد: ص 131، من: ص 2 - ج 1.
4 كذا في - نسخة الدار - أيضاً، وفي نسخة "الطبقات" المطبوعة "ما بقي من الدلو" [البجنوري] .(3/90)
يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: " انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ المطلب، فلولا أن يغلبوا النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْت مَعَكُمْ"، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَهَذَا آخِرُهُ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ بِالْمُلْتَزَمِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ، قَالَ: طُفْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ، قُلْت: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: طُفْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، الْحَدِيثَ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فَيَكُونُ شُعَيْبٌ، وَأَبُوهُ مُحَمَّدٌ طَافَا جَمِيعًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"، وَلَفْظُهُمَا فِيهِ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلْزِقُ وَجْهَهُ وَصَدْرَهُ بِالْمُلْتَزَمِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: طَافَ جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَعَ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمَّا كَانَ سَابِعَهَا، قَالَ مُحَمَّدٌ لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟، إلَى آخِرِهِ، وَهَذَا أَصْلَحُ إسْنَادًا مِنْ الْأَوَّلِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ:"مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ مُلْتَزَمٌ"، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هَذَا الْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأِ" بَلَاغًا، قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ الْمُلْتَزَمُ، انْتَهَى.
فَصْلٌ
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
__________
1 عند أبي داود في "باب الملتزم" ص 261 - ج 1، وعند ابن ماجه فيه: 219، والدارقطني: ص 284 - ج 1.(3/91)
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ"، قُلْت: أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ 1 عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا، فَنَادَى: الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ أَيَّامُ مِنًى ثلاثة، {تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ} ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْمُرَ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": بَلْ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ النَّهْيِ 2 عَنْ الْمُزَفَّتِ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي "الصَّحَابَةِ"، وَأَنَّ لَهُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ رَحْمَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ، وَنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَحْمَةُ بْنُ مُصْعَبٍ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الصُّبْحِ تَمَّ حَجُّهُ، وَمَنْ فَاتَهُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ"، انْتَهَى. وَوَجَدْته فِي "الْحِلْيَةِ" لِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ عُبَيْدُ بْنُ عَقِيلٍ، ذَكَرَهُ فِي "تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ".
__________
1 عند أبي داود في "باب من لم يدرك عرفة" ص 269 - ج 1، والترمذي في "باب ما جاء من أدرك الامام بجمع فقد أدرك الحج" ص 120، وعند النسائي في "باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح بمزدلفة" ص 47 - ج 2، وعند أحمد: ص 335 - ج 4، وعند أبي داود الطيالسي: ص 185، وعند الدارقطني: 264.
2 في - نسخة الدار - "حديثاً في النهي" [البجنوري] .
3 عند البيهقي: ص 174 - ج 5، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 255 - ج 3: حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أدرك عرفة قبل طلوع الفجر" الخ، رواه الطبراني في "الكبير - والأوسط" وفيه عمر بن قيس المكي، وهو ضعيف متروك.(3/92)
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ"، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ فِيهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَمْ يُثْبِتْهُ ابْنُ عَدِيٍّ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ"، قُلْت: فِيهِ حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الْمُضَرِّسِ: مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ - فَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا - فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يعمر. تقدم.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: " إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا"، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْإِحْرَامِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"1 عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبِي الْجَمَلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ إحْرَامٌ إلَّا فِي وَجْهِهَا"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": أَيُّوبُ هَذَا ضَعِيفٌ، وَقَدْ خَالَفَهُ جَمَاعَةٌ: كَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَابْنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ، وَغَيْرِهِمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَبُو الْجَمَلِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَالْمَحْفُوظُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الْجَمَلِ مُخْتَلَفٌ، فَقَالَ: أَبُو زُرْعَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، لَا بَأْسَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَدِيثَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ"، وَأَعَلَّاهُ بِأَبِي الْجَمَلِ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى رَفْعِهِ، إنَّمَا يُرْوَى مَوْقُوفًا، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْدَلَتْ عَلَى وَجْهِهَا شَيْئًا، وَجَافَتْهُ عَنْهُ جَازَ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ،
__________
1 عند الدارقطني: ص 286 - ج 1، والبيهقي: ص 47 - ج 5.
2 عند أبي داود في "باب المحرمة تغطي وجهها" ص 254 - ج 1، وعند ابن ماجه في "المحرمة تسدل الثوب على وجهها" ص 216.(3/93)
قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ هُشَيْمِ عَنْ يَزِيدَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ محمد بن فضيل، وعن عبد اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْهُ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ" وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ، فَقَالَ: عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَمَعَ ذلك فيزيد فِيهِ ضَعْفٌ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي "سُنَنِهِ"1، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَخَالَفَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، نَحْوَ الدَّارَقُطْنِيِّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ سَمَاعَ مُجَاهِدٍ مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَأَنْكَرَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَشُعْبَةُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُجَاهِدٌ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلٌ، فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ سَمَاعُهُ مِنْهَا، وَأَخْرَجَا لَهُ 2 عَنْ عَائِشَةَ أَحَادِيثَ فِي بَعْضِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهَا، نَحْوُ مَا رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْت أَنَا، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ الضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: يَا أَبَا عبد الرحمن اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَرْبَعُ عُمَرَ: إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ، وَنَرُدَّ عَلَيْهِ، وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: أَلَا تَسْمَعِينَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إلَى مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرَ: إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَهُوَ مَعَهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "الْحَجِّ"، وَالْبُخَارِيُّ فِي "الْمَغَازِي - فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ - فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ"، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ كَذَلِكَ لَمَا أَخْرَجَهُ، لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ اللِّقَاءَ، وَسَمَاعَ الرَّاوِي مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَصَاعِدًا، وَلَا خِلَافَ فِي إدْرَاكِ مُجَاهِدٍ لِعَائِشَةَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا 3 عَنْ ابن أبي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: حِضْت بِسَرِفَ، فَطَهُرْت بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُجْزِئُ عَنْك طَوَافُك بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجَّتِك"، انْتَهَى. وَمُسْلِمٌ إنَّمَا يَعْتَبِرُ التَّعَاصُرَ، وَإِمْكَانَ السَّمَاعِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، مَعَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْ عَائِشَةَ بِإِسْنَادٍ لَا خِلَافَ فِي اتِّصَالِهِ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أُتِيَ مُجَاهِدٌ بِقَدَحٍ
__________
1 عند الدارقطني: ص 286، وحديث سفيان عن مجاهد عن أم سلمة، عند الدارقطني: ص 287.
2 عند البخاري في "باب عمرة القضاء في "المغازي" ص 610 - ج 2، عند مسلم: ص 409 - ج 1 في "الحج" واللفظ له.
3 عند مسلم: ص 391، ورواية طاوس عند مسلم: ص 390.
4 عند النسائي في "باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل" ص 46.(3/94)
حَزَرْتُهُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا، انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي سَمَاعِهِ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ كَانَ وَاهِمًا، مَاتَتْ عَائِشَةُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، وَوُلِدَ مُجَاهِدٌ فِي سَنَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، ذَكَرَ الدُّورِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ يُنْكِرُ سماع مجاهد من عَائِشَةَ، وَقَالَ الْقَطَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ يُنْكِرُهُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ"، وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يُنْكِرُهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَوَى عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ سَمَاعُ مُجَاهِدٍ مِنْ عَائِشَةَ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ نَفَاهُ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى النِّسَاءَ عَنْ الْحَلْقِ، وَأَمَرَهُنَّ بِالتَّقْصِيرِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَأَنَّهُ حَدِيثٌ مُرَكَّبٌ، فَنَهْيُ النِّسَاءِ عَنْ الْحَلْقِ فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ 1 فِي "الْحَجِّ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الزِّينَةِ"، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ بِهِ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى2. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيه هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ، وَخَالَفَهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَرَوَيَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مُعَلَّى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَمُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ رَوَى عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِأَحَادِيثَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَقَالَ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
__________
1 عند الترمذي في "باب ما جاء في كراهية الحلق للنساء" ص 123 - ج 1 وعند النسائي في "باب النهي عن حلق المرأة رأسها" ص 275 - ج 2.
2 في "تهذيب التهذيب - في ترجمة قتادة" ص 355 - ج 8، وقال الحاكم في "علوم الحديث": لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس، وقد ذكر ابن أبي حاتم عن أحمد بن حنبل مثل ذلك، الخ، وقال أبو حاتم: قتادة عن أبي الأحوص مرسل، وأرسل عن أبي موسى، وعائشة، وأبي هريرة، ومعقل بن يسار.(3/95)
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": يَرْوِي عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَقْلُوبَاتِ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انفرد به، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ ثَنَا رَوْحُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي ميمونة ثَنَا أَبِي عَنْ وَهْبِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْت عُثْمَانَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ لَا نَعْلَمُهُ رَوَى غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا نَعْلَمُ حَدَّثَ عَنْهُ، إلَّا عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، وَرَوْحٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ ثَنَا أَبِي سَمِعْت أَبَا فَزَارَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَبَنَى بِهَا، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، فَدَفَنَهَا فِي الظُّلَّةِ الَّتِي بَنَى بِهَا فِيهَا، فَنَزَلْنَا قَبْرَهَا أَنَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا وَضَعْنَاهَا فِي اللَّحْدِ، مَالَ رَأْسُهَا، فَأَخَذْت رِدَائِي فَوَضَعْته تَحْتَ رَأْسِهَا، فَاجْتَذَبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَأَلْقَاهُ، وَكَانَتْ قَدْ حَلَقَتْ رَأْسَهَا فِي الْحَجِّ، فَكَانَ رَأْسُهَا مُحْجَمًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا أَمْرُهُنَّ بِالتَّقْصِيرِ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ، إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَحَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْبَغْدَادِيُّ - ثِقَةٌ - ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بِهِ، سَوَاءً، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَانْقِطَاعُهُ مِنْ جِهَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ صَفِيَّةَ، فَلَمْ يَعْلَمْ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَوْلُ أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنَا رَجُلٌ ثِقَةٌ - يُكْنَى أَبَا يَعْقُوبَ - وَهَذَا غَيْرُ كَافٍ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ أَبُو يَعْقُوبَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي إسْرَائِيلَ، فَذَاكَ رَجُلٌ تَرَكَهُ النَّاسُ، لِسُوءِ رَأْيِهِ، وَأَمَّا ضَعْفُهُ، فَإِنَّ أُمَّ عُثْمَانَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ لَا يُعْرَفُ حَالُهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا فِي "سُنَنِهِ"2، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ فِي الْمُحْرِمَةِ: تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهَا قَدْرَ السَّبَّابَةِ، انْتَهَى. وَلَيْثٌ هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
__________
1 عند أبي داود في "باب الحلق والتقصير" ص 272.
2 روايات الدارقطني كلها في: ص 177 - ج 1.(3/96)
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً فَقَدْ أَحْرَمَ"، قُلْت: غَرِيبٌ مرفوعاً، وقفه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ قَلَّدَ فَقَدْ أَحْرَمَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ قَلَّدَ أَوْ جَلَّلَ أَوْ أَشْعَرَ فَقَدْ أَحْرَمَ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَلَّدَ، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ أَحْرَمَ، انْتَهَى. وَرَدَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ عبد الرازق فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَيْ جَابِرٍ يُحَدِّثَانِ عَنْ أَبِيهِمَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ عليه السلام جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إذْ شَقَّ قيمصه حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَسُئِلَ، فَقَالَ: " وَاعَدْتهمْ يُقَلِّدُونَ هَدْيَ الْيَوْمِ فَنَسِيت"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، فَقَالَ: وَلِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَقِيلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، مَنْ هُمَا مِنْ الثَّلَاثَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ 2 عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ عليه السلام فِي الْمَسْجِدِ فَقَدَّ قَمِيصَهُ مِنْ جَيْبِهِ، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ رجليه، فنظر القوم إليه، فَقَالَ: " إنِّي أُمِرْت بِبُدْنِي الَّتِي بُعِثْت بِهَا أَنْ تُقَلَّدَ الْيَوْمَ وَتُشْعَرَ، فَلَبِسْت قَمِيصِي وَنَسِيت، فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِجَ قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي"، وَكَانَ بَعَثَ بِبُدْنِهِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَطَاءٍ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، فَكَيْفَ إذَا خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ؟! وَقَدْ تَرَكَهُ مَالِكٌ وَهُوَ جَارُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّائِغِ الْمَكِّيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيّ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ - وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرد الْحَجَّ، فَرَجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْ رَأْسِهِ، فَقَامَ غُلَامُهُ فَقَلَّدَ هَدْيَهُ، فَنَظَرَ إلَيْهِ قَيْسٌ، فَأَهَلَّ، وَخَلَّا شِقَّ رَأْسِهِ الَّذِي رَجَّلَهُ، وَلَمْ يُرَجِّلْ الشِّقَّ الْآخَرَ، انْتَهَى. وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" مُخْتَصَرًا عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ، أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّ - وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ أَنَّ الْبَرْقَانِيَّ أَتَمَّهُ بِلَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ، سَوَاءً، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْجِهَادِ - فِي بَابِ مَا قِيلَ فِي لِوَائِهِ عليه السلام".
__________
1 عند الطحاوي في "باب الرجل يوجه بالهدي إلى مكة" ص 439 - ج 1.
2 كذا في "التهذيب" ص 388 - ج 6.(3/97)
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بِهَا، وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَدْيِ، فَأَنَا فَتَلْت قَلَائِدَهَا بِيَدِي مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدَنَا، ثُمَّ أَصْبَحَ فِينَا حَلَالًا، يَأْتِي مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قُلْت: لَقَدْ رَأَيْتنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعِهْنِ، فَيَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَيَجْلِسُ فِي الْمِصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنَتُهُ، فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يحل الناس، قَالَ: فَسَمِعْت تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا أُحِلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ، أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، ثُمَّ قَلَّدَهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، يُشْكِلُ عَلَيْهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 4 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً إلَى الْبَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا، انْتَهَى. وَلِمُسْلِمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَنَمِ، فَيَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ الجمعة: " فالمتعجل مِنْهُمْ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً،
__________
1 عند البخاري في مواضع عديدة: منها في "باب فتل القلائد للبدن والبقر" ص 230 - ج 1، وعند مسلم: ص 425.
2 عند مسلم: ص 425، واللفظ له، وعند البخاري في "باب تقليد الغنم" ص 230.
3 عند مسلم: ص 425، وعند البخاري في "باب من قلد القلائد بيده" ص 230.
4 عند البخاري في "باب تقليد الغنم" ص 230 - ج 1، وعند مسلم: ص 425، واللفظ له، واللفظ الآخر لمسلم أيضاً في "ص 425.
5 عند البخاري في "باب فضل الجمعة" ص 121 - ج 1، والرواية الثانية: ص 127 - ج 1. وعند مسلم الرواية الأولى: ص 280 - ج 1، والرواية الثانية: ص 282 - ج 1.(3/98)
فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَاَلَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً "، إلَى آخِرِهِ، فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ1، قَالَ: "فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ كَاَلَّذِي يُهْدِي عُصْفُورًا، وَفِي السَّادِسَةِ بَيْضَةً"، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: قَالَ: " فِي الرَّابِعَةِ كَالْمُهْدِي بَطَّةً، ثُمَّ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً، ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الخلاصة": وإسنادهما صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُمَا شَاذَّتَانِ، لِمُخَالَفَتِهِمَا الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيثِ: "كَالْمُهْدِي جَزُورًا"، قُلْت: هَذِهِ اللَّفْظَةُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مُسْلِمٍ 2 وَلَكِنَّ رواية البدن أَصَحُّ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكٌ يَكْتُبُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، مَثَّلَ الْجَزُورَ، ثُمَّ نَزَّلَهُمْ حَتَّى صَغَّرَ إلَى مَثَلِ الْبَيْضَةِ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ وَحَضَرُوا الذِّكْرَ"، انْتَهَى. وَجَهِلَ هَذَا الْجَاهِلُ جَهْلًا فَاحِشًا، فَقَالَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا أَصْلَ لَهَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، فِيمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 روايات النسائي في "باب التبكير إلى الجمعة" ص 206 - ج 1.
2 رواية الجزور، عند مسلم في: ص 283.(3/99)
بَابُ الْقِرَانِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْقِرَانُ رُخْصَةٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "يَا آلَ مُحَمَّدٍ أَهِلُّوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ 3 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَهِلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّةٍ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أخرجه الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 4 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، يقول: " لبيك عمرة وحج"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": مُجِيبًا عَنْهُ أَنَّ أَنَسًا كَانَ حِينَئِذٍ صَبِيًّا، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَفْهَمْ الحال، وغلطه صاحب
__________
3 عند الطحاوي في "باب إحرام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أكان قراناً أم أجاز تمتعاً" ص 379 - ج 1.
4 عند البخاري: ص 232، وعند مسلم عن يحيى بن أبي إسحاق، وحميد الطويل، وعبد العزيز بن صهيب: ص 408.(3/99)
"التَّنْقِيحُ" فَقَالَ: بَلْ كَانَ بَالِغًا بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ كَانَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَسٍ عَشْرُ سِنِينَ، وَمَاتَ وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَاهُ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، قَالَ بَكْرٌ: فَحَدَّثْت بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، فَلَقِيت أَنَسًا فَحَدَّثْته بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ أَنَسٌ: مَا يَعُدُّونَنَا إلَّا صِبْيَانًا، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ بِالْعَقِيقِ: " أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ"، انْتَهَى. زَادَ فِي لَفْظٍ: يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ، انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 2 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، إلَّا التي في حَجَّتِهِ: عُمْرَةٌ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مِنْ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القعدة، وعمرة في حَجَّتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرَ: عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ قَابِلٍ، وَالثَّالِثَةُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ، وَالرَّابِعَةُ مَعَ حَجَّتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ عَمْرٍو، وَعِكْرِمَةَ بِالْعَطْفِ، وَهُوَ وَهَمٌ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا 4 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَدُوقٌ، إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَهِمُ فِي الشَّيْءِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 5 عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
__________
1 عند البخاري في "باب أن العقيق واد مبارك" ص 207، واللفظ الآخر في "المزارعة - في باب بعد باب من أحيا أرضاً مواتاً" ص 314 - ج 1.
2 عند البخاري في مواضع، لكن اللفظ في "المغازي - في باب غزوة الحديبية" ص 597، وعند مسلم: ص 409.
3 عند أبي داود في "باب العمرة" ص 273، وعند الترمذي في "باب كم اعتمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 113.
4 عند الترمذي في "باب كم اعتمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 113.
5 عند ابن ماجه في "باب من قرن الحج والعمرة" ص 219.(3/100)
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، انْتَهَى. وَحَجَّاجٌ هَذَا هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، وَفِيهِ مَقَالٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا دَاوُد بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الْمَلِكِ الزَّرَّادِ يَقُولُ: سَمِعْت النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْت سُرَاقَةَ يَقُولُ: قَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَدَاوُد بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْأَوْدِيُّ عَمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ: كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَبِي دَاوُد، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رَوَاهُ أَخُوهُ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 1 عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ، كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَرَّتَيْنِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اعْتَمَرَ ثَلَاثًا سِوَى الَّتِي قَرَنَهَا بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَهُمْ فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: يَقُولُونَ بِأَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ، وَهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ، وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ بِأَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ، وَهُمْ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا، فَلِلشَّافِعِيِّ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ، انْتَهَى. بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، وَطَوَّلَهُ الْبُخَارِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ عَنْ عبد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَأَفْرَدَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، انْتَهَى. وَالْعُمَرِيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، فَأَعَلَّهُ بِهِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ النَّسَائِيّ فِيهِ: إنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الصَّائِغُ، كَمَا نَسَبَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ مَالِكٍ، رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بعضهم مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، انْتَهَى.
__________
1 أبي داود في "باب العمرة" ص 273.
2 عند البخاري في "باب التمتع والاقران" الخ ص 212 - ج 1، وعند مسلم: ص 389.
3 عند مسلم: ص 404.
4 عند الدارقطني: ص 263.
5 عند مسلم: ص 392.(3/101)
أَحَادِيثُ الْقَائِلِينَ بِأَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ: وَلِأَحْمَدَ، وَمَالِكٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 1 عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى، فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلُلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: اخْتَلَفَ عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إلَى أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: دَعْنَا عَنْك، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ لِمَنْ قَالَ بِالتَّمَتُّعِ، وإنما هُوَ لِمَنْ قَالَ بِالْقِرَانِ، فَإِنَّ عَلِيًّا أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، وَالتَّمَتُّعُ فِي عُرْفِ الصَّحَابَةِ يَدْخُلُ فِيهِ الْقِرَانُ، قَالَ: وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّمَتُّعُ الْخَاصُّ، وَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ عليه السلام مُتَمَتِّعًا التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، بَلْ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ، الرَّابِعَةُ كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِقَوْلِهِ: " لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت"، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْهُ، وَإِنَّمَا اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ عَائِشَةُ وَحْدَهَا، فَتَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ أَحَادِيثُ الْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ ذَكَرَ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ، فَقَالَ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 4 عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ، وَعُمَرُ حَتَّى مَاتَ، وَعُثْمَانُ حَتَّى مَاتَ، رضي الله عنهم، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَعَجِبْت مِنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَنِي أَنَّهُ قَصَّرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ، انْتَهَى. وَلَيْثٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَفِيهِ مَقَالٌ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ شَاهِدَةٍ
__________
1 عند مسلم: ص 403.
2 عند مسلم: ص 402، وعند البخاري: ص 213 - ج 1.
3 عند مسلم: 402 - ج 1.
4 حديث ابن عباس، عند الترمذي في "باب ما جاء في التمتع" ص 114 - ج 1 إلى قوله: وأول من نهى عنه معاوية.(3/102)
أَنَّهُ عليه السلام تَمَتَّعَ، وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ فِيهَا الْأَمْرُ بِالتَّمَتُّعِ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 1 عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَرْضِ قَوْمِي، فَلَمَّا حَضَرَ الْحَجُّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَجَجْت، فَقَدِمْت عَلَيْهِ، وَهُوَ نَازِلٌ بِالْأَبْطَحِ، فَقَالَ لِي: " بِمَ أَهْلَلْت يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ؟ " قَالَ: قُلْت: لَبَّيْكَ بِحَجٍّ كَحَجِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَحْسَنْت"، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ سُقْت هَدْيًا؟ " قُلْت: مَا فَعَلْت، قَالَ: "اذْهَبْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ اُحْلُلْ"، فَانْطَلَقْت فَفَعَلْت مَا أَمَرَنِي، وَأَتَيْت امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي، فَغَسَلْت رَأْسِي بِالْخِطْمِيِّ، وَفَلَتُّ رَأْسِي2، ثُمَّ أَهْلَلْت بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 3 عَنْ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبَّى بِالْحَجِّ وَلَبَّيْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَأَ الدَّبَرْ، وَعَفَا الْأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: "الْحِلُّ كُلُّهُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ، فَأَحْلَلْنَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، قَالَتْ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ أَنْ يَحْلُلْنَ بِعُمْرَةٍ، قُلْت: مَا يَمْنَعُك يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَحِلَّ مَعَنَا؟ قَالَ: "إنِّي قَدْ أَهْدَيْت وَلَبَّدْت، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلُلْ، قُلْنَا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ"، قَالَ: فَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَمَسَسْنَا الطِّيبَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، انْتَهَى.
__________
1 عند البخاري في "باب من أهل في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كإِهلاله" ص 211 - ج 1، وعند مسلم: ص 401 - ج 1.
2 في - نسخة الدار - "وفلته" [البجنوري] .
3 عند مسلم: ص 404.
4 عند مسلم: ص 391.(3/103)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا 1 عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَخَ بِالْحَجِّ صُرَاخًا، حَتَّى إذَا طُفْنَا بِالْبَيْتِ، قَالَ: " اجْعَلُوهَا عُمْرَةً، إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ"، قَالَ: فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً فَحَلَلْنَاهَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ صَرَخْنَا بِالْحَجِّ، وَانْطَلَقْنَا إلَى مِنًى، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ2، وَأَحْمَدُ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ قَدِمُوا مَكَّةَ، وَقَدْ لَبَّوْا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ. فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا طَافُوا بِالْبَيْتِ وَسَعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَكَأَنَّ الْقَوْمَ هَابُوا ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْلَا أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت"، فَحَلَّ الْقَوْمُ وَتَمَتَّعُوا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا فُلَيْحِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَأَهْدَى، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَمَرَ نِسَاءَهُ أَنْ يَحْلُلْنَ، قُلْنَ: مَا لَك أَنْتَ لَا تَحِلُّ؟ قَالَ: " إني قلدت هدي، وَلَبَّدْت رَأْسِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ حَجَّتِي، وَأَحْلِقَ رَأْسِي"، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": هُوَ حَدِيثٌ صحيح على شرط الشيخين.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ"، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": قَالَتْ الْخُصُومُ: فَقَدْ نَقَضْتُمْ أَحَادِيثَكُمْ الْأَوَائِلَ بِهَذِهِ الْأَوَاخِرِ، لِأَنَّكُمْ رَوَيْتُمْ فِي الْأَوَائِلِ أَنَّهُ تَمَتَّعَ، وَفِي الْأَوَاخِرِ أَنَّهُ تَنَدَّمَ، كَيْفَ سَاقَ الْهَدْيَ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَفْسَخَ، وَأَنْتُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ تُصَحِّحُوا الْأَوَائِلَ، فَيَبْطُلَ مَذْهَبُكُمْ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، أَوْ تُصَحِّحُوا الْأَوَاخِرَ، فَيَبْطُلَ احْتِجَاجُكُمْ بِأَنَّ الرَّسُولَ تَمَتَّعَ، ثُمَّ نَتَكَلَّمُ عَلَى أَحَادِيثِكُمْ، فَنَقُولُ: الْأَوَائِلُ مُعَارَضَةٌ بِالْأَوَاخِرِ، فَأَمَّا الْأَوَاخِرُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ أَصْحَابَهُ بِالْفَسْخِ لِفَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ، بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا رَوَيْتُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، فَأَمَرَ بِفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لِيُخَالِفَ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: بَلْ لَنَا خَاصَّةً، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ:
__________
1 عند مسلم: ص 408.
2 عند النسائي في "باب كيف يفعل من أهل بالحج والعمرة" ص 36 - ج 2.(3/104)
الْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ فَلَا يَنْبَغِي رَدُّهَا، وَإِنَّمَا يُتَمَحَّلُ لَهَا، وَالْوَجْهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ اعْتَمَرَ، وَتَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَسَاقَ الْهَدْيَ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْفَسْخِ، لِيَفْعَلُوا مِثْلَ فِعْلِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَحْرَمُوا بِعُمْرَةٍ، وَمَنَعَهُ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى عُمْرَةٍ ثَانِيَةٍ عُمْرَتُهُ الْأُولَى وَسَوْقُهُ الْهَدْيَ، فَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ، وَلَا يُرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ، فَإِنْ قَالُوا: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِسَوْقِ الْهَدْيِ لَا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ؟ قُلْنَا: ذَكَرَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، قُلْنَا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَمَنْ لَمْ يَسُقْهُ، ثُمَّ إنَّهُ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلَّهَا فِي ذِي الْقِعْدَةِ، إلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ، فَفِعْلُهُ هَذَا يَكْفِي فِي الْبَيَانِ لِأَصْحَابِهِ، وَالْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَجُوزُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ الْمُحْتَرَمِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ لِأَجْلِ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْتَمِدُونَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ حَالَ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ: فَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، وَلَا أَقُولُ بِهِ، وَالْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ لَا يُعْرَفُ، وَلَوْ عُرِفَ فَأَيْنَ يَقَعُ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ، يَرَوْنَ الْفَسْخَ، وَلَا يَصِحُّ حَدِيثٌ فِي أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يُفْتِي بِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَشَطْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ: فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ إنَّهُ ظَنٌّ مِنْ أَبِي ذَرٍّ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ سُرَاقَةَ قَالَ: أَلِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: "بَلْ لِلْأَبَدِ"، يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ الْفَسْخِ بَاقٍ عَلَى الْأَبَدِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ وُجُوبَ الْفَسْخِ كَانَ خَاصًّا بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: وَمَا جَمَعَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَدْ اعْتَمَرَ وَتَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَسَاقَ الْهَدْيَ، فَضَعِيفٌ جِدًّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَفْرَدَ، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهُ اعْتَمَرَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَعْتَمِرْ مَعَهُ بَعْدَ الْحَجِّ إلَّا عَائِشَةُ رضي الله عنها، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا، وَسَاقَ الْهَدْيَ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، وَلَمْ يَتَحَلَّلْ لِأَجْلِ الْهَدْيِ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَطَافَ طَوَافَيْنِ(3/105)
وَسَعَى سَعْيَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ضَعْفَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ قَارِنًا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعَى سَعْيًا وَاحِدًا، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَمِعْت النَّبِيَّ عليه السلام، وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ"، وَهَذَا الْآتِي أَتَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ، وَهُوَ ذُو الْحُلَيْفَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، قُلْت: يَعْنِي بِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ: الْقِرَانُ رُخْصَةٌ، وَقَوْلُ الْجَاهِلِيَّةِ تَقَدَّمَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ 1 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَأَ الدَّبَرْ وَعَفَا الْأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، فَقَدْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ، فَقَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: "الْحِلُّ كُلُّهُ"، انْتَهَى. وَرَجَّحَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" 2 أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُفْرِدًا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ، قَالَ: فَإِنَّهُ أَحْسَنُ سِيَاقًا، وَأَبْلَغُ اسْتِقْصَاءً، وَغَيْرُهُ لَمْ يَضْبِطْ ضَبْطَهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ أَحَدَ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ مَكَانًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ أَنَسًا رَوَى أَنَّهُ عليه السلام قَرَنَ، وَابْنُ عُمَرَ رَوَى أَنَّهُ أَفْرَدَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: كُنْت تَحْتَ جِرَانِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلُعَابُهَا بَيْنَ كَتِفَيْ، فَحَدِيثُهُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ 3 - فِي بَابِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ": وَقَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِيمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ عليه السلام، فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: إنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَرَنَ مَعَ حَجِّهِ عُمْرَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلَ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً، وَفِي كُلٍّ رِوَايَةٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ4، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ، وَقَدْ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ،
__________
1 عند مسلم: ص 406، وعند البخاري في "باب التمتع والاقران" ص 212.
2 الوجه الأول، هو التاسع من وجوه الترجيح: ص 11، والثاني هو العاشر من وجوه الترجيح: ص 12.
3 عند ابن سعد في "حجة الوداع" ص 124 في القسم الأول، من الجزء الثاني.
4 عند مسلم: ص 407، وعند أبي داود في "باب إفراد الحج" 249 - ج 1، وعند الترمذي في "باب، قبل باب ما جاء في ذكر فضل العمرة" ص 125 - ج 1.(3/106)
انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، إنَّمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شَيْبَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شَيْبَةَ مَرْفُوعًا، وَتَقْصِيرُ مَنْ قَصَّرَ مِنْ الرُّوَاةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا أَثْبَتَهُ الْحَافِظُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ 1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْت عُمْرَتَنَا هَذِهِ، لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: "لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ، دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِهِ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ شَيْخُنَا الْمُنْذِرِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سُرَاقَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا، وَيَسْعَى سعياً وحداً - يَعْنِي أَنَّ الْعِبَادَتَيْنِ تَتَدَاخَلَانِ - وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ: " إنِّي لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً"، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ عليه السلام أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: " دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ - مَرَّتَيْنِ - لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ".
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوك، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ إذًا أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ، قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت حجاً في عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقَدِيدٍ، فَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَلَمْ يَحْلِقْ، وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ، وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى2.
__________
1 عند النسائي في "باب إباحة فسخ الحج بالعمرة" ص 22 - ج 2، وعند ابن ماجه في "باب التمتع بالعمرة إلى الحج" ص 220، وعند الدارقطني: ص 286.
2 حديث ابن عمر، عند البخاري في مواضع متعددة، ولفظه في: ص 231 - ج 1 في "باب من اشترى الهدي من الطريق"، وعند مسلم: ص 404.(3/107)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَيْضًا 1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا، فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ حَلُّوا. ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ، فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُجْزِئُ عَنْك طَوَافُك: بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك"، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ مُجَاهِدٍ مِنْ عَائِشَةَ كَلَامٌ، تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ "الْحَجِّ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ: مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ أَجْزَأَهُ بِهِمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انتهى.
حديث آخر: أخرج ابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَطُفْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجَّتِهِمْ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْبَرْقَانِيُّ: سَأَلْت الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، فَقَالَ: صَاحِبُ سُنَّةٍ يُخَرَّجُ حَدِيثَهُ، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ الْجَمْعَ بَيْنَ عَطَاءٍ، وطاوس، ومجاهد حسب، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"5: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، يُقَالُ: إنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ عَطَاءً، وَطَاوُسًا عَنْ شَيْءٍ فَيَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَيَرْوِيهِ بِاتِّفَاقِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ لِذَلِكَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 6 حَدَّثَنَا الْبَغَوِيّ حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ،
__________
1 عند البخاري في "باب كيف تهل الحائض والنفساء" ص 211 - ج 1 وعند مسلم: ص 386 - ج 1.
2 عند مسلم: ص 391 في "باب بيان وجوه الاحرام".
3 عند الترمذي في "باب ما جاء أن القارن يطوف طوافاً واحداً" ص 126، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح، تفرد به الدراوردي على ذلك اللفظ، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر، ولم يرفعوه، وهو أصح.
4 عند ابن ماجه في "باب طواف القارن" ص 219.
5 ليث بن أبي سليم، يكنى: أبا بكر مولى عنبسة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، قالوا: وتوفي ليث في خلافة أبي جعفر، مختصراً من ابن سعد: ص 243 - ج 6.
6 عند الدارقطني: ص 273 - ج 1.(3/108)
قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَمَنْصُورٌ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ شِيعِيٌّ، وَدَاوُد مِنْ شُيُوخِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَجَّاجِ 1 بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، انْتَهَى. وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَا طَافَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعْيًا وَاحِدًا لِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، انْتَهَى. وَالرَّبِيعُ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ2: ثَنَا أَبِي عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قال لي منصور: حدثني 3 أَنْتَ يَا حُصَيْنُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ طَافُوا لِحَجَّتِهِمْ وَعُمْرَتِهِمْ طَوَافًا وَاحِدًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ"، هَكَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ، وَالصَّوَابُ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَطَافَ لَهُمَا بِالْبَيْتِ طَوَافًا وَاحِدًا، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ طَوَافًا وَاحِدًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَعَطِيَّةُ أَضْعَفُ مِنْهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ صُبَيَّ بْنَ مَعْبَدٍ لَمَّا طَافَ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ قَالَ لَهُ عُمَرُ: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك، قُلْت: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَقَعْ هَكَذَا، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أبو داود، والنسائي من مَنْصُورٍ، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ الْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ الصُّبَيّ بْنِ معبد الثعلبي، قَالَ: أَهْلَلْت بِهِمَا مَعًا، فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك، انْتَهَى. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ قِصَّةً، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْعَاشِرِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": وَحَدِيثُ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ هَذَا
__________
1 عند الترمذي في "باب ما جاء أن القارن يطوف طوافاً واحداً" ص 126، وحديث ربيع بن صبيح عن عطاء عن جابر، عند الدارقطني: ص 271.
2 حديث علي بن عاصم، عند الدارقطني: ص 272، وحديث عطية عن أبي سعيد، عند الدارقطني في: ص 273 - ج 1.
3 كذا - في نسخة الدار - ولعله أصح، وكان في النسخة المطبوعة للزيلعي، وفي - نسخة الدارقطني مطبوعة أيضاً "حدثني" [البجنوري] .
4 عند أبي داود: ص 250 - ج "باب الاقران"، وعند النسائي في "باب القران" ص 13 - ج 2 وعند ابن ماجه: ص 219 في "باب من قرن الحج والعمرة".(3/109)
حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَصَحُّهُ إسْنَادًا حَدِيثُ مَنْصُورٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ الصَّبِيِّ عَنْ عُمَرَ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى - فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: طُفْت مَعَ أَبِي - وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ - فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ، وَحَدَّثَنِي أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَحَمَّادٌ هنا ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ لَا يَصِحُّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعْت، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ، وَطَافَ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِمَا غَيْرُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ هُوَ قَدْ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ضِدَّ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا وَاَللَّهِ مَا طَافَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا طَوَافًا واحداً، فهاتوا من هَذَا الَّذِي يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدِ الثَّانِي رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوِّمُ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ صَاحِبَ الرَّأْيِ حَدَّثَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: فَذَكَرَهُ، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَنْ هَذَا كَانَ شُعْبَةُ يَشُقُّ بَطْنَهُ مِنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَأَطَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي تَضْعِيفِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ حَفْصِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَحَفْصٌ هَذَا ضَعِيفٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَدِيءُ الْحِفْظِ، كَثِيرُ الْوَهَمِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا فَطَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ: وَعِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ: مُبَارَكٌ3، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ،
__________
1 عند الدارقطني: ص 271، وحديث الحسن بن عمارة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن علي: ص 273.
2 ومثله في "تهذيب التهذيب" ناقلاً عن العقيلي: ص 307 - ج 2.
3 في - نسخة الدار - "مبروك" [البجنوري] .(3/110)
وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو بُرْدَةَ مَتْرُوكٌ، وَمَنْ دُونَهُ فِي الْإِسْنَادِ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْأَزْدِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُقَالُ: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى حَدَّثَ بِهَذَا مِنْ حِفْظِهِ، فَوَهَمَ فِي مَتْنِهِ، وَالصَّوَابُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الطَّوَافِ وَلَا السَّعْيِ، وَيُقَالُ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذِكْرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ، كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَيْرُوزَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الطَّوَافَ وَلَا السَّعْيَ، كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَكِيلُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد ثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ1، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ أَبِي نَصْرٍ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: إذَا أَهْلَلْت للحج وَالْعُمْرَةِ، فَطُفْ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، وَاسْعَ لَهُمَا سَعْيَيْنِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ مَنْصُورٌ: فَلَقِيت مُجَاهِدًا، وَهُوَ يُفْتِي: بِطَوَافٍ وَاحِدٍ لِمَنْ قَرَنَ، فَحَدَّثْته بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَوْ كُنْت سَمِعْته لَمْ أُفْتِ إلَّا بِطَوَافَيْنِ، وَأَمَّا بَعْدُ، فَلَا أُفْتِي إلَّا بِهِمَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 2 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا رَجُلٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ فِي الْقَارِنِ: يَطُوفُ طَوَافَيْنِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَطُوفُ حين تقدم بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ لِلزِّيَارَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ، ثُمَّ يُحْرِمُ لَهُمَا جَمِيعًا، وَيَطُوفُ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِيهِ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَصْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: الْقَارِنُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يَصِحُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، إنَّمَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَلِيٍّ،
__________
1 الأحاديث التي مرت بعد كلام العقيلي كلها عند الدارقطني: ص 273، وص 274.
2 وذكر البيهقي معناه في "السنن" ص 108 - ج 5 في "باب المفرد والقارن يكفيهما طواف واحد وسعي واحد".(3/111)
وَأَبُو نَصْرٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ1، مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى: "مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 2 حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَا فِي الْقَارِنِ: يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، انْتَهَى. ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا قَرَنْت بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطُفْ طَوَافَيْنِ وَاسْعَ سَعْيَيْنِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَنَا النَّهْيُ الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْمَذْهَبِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَهَذَا شَبِيهٌ بِالْمُسْنَدِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ، صَامَ أَيَّامَ مِنًى، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ شَاةٍ - يَعْنِي فِي قَارِنٍ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَتَتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ النَّحْرِ - قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي "الْمَبْسُوطِ" فَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: إنِّي تَمَتَّعْت بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَقَالَ: اذْبَحْ شَاةً، قَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ، قَالَ: سَلْ أَقَارِبَك، قَالَ: مَا هُنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُغِيثُ أَعْطِهِ قِيمَةَ شَاةٍ.
__________
1 قال صاحب "الجوهر النقي - في تزييف قول البيهقي": وذكر أبو عمر في "التمهيد" حديث أبي نصر عن علي، ثم قال: وروى الأعمش هذا الحديث عن إبراهيم، ومالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن أذينة، قال: سألت علياً، فذكره، وهذا أيضاً إسناد جيد، وفي "المحلى" رويناه من طريق منصور بن زاذان عن الحكم بن عتيبة، ومن طريق ابن سمعان عن ابن شبرمة، كلاهما عن علي، وفي "المحلى" أيضاً: روينا من طريق منصور بن زاذان عن زياد بن مالك، ومن طريق سفيان عن أبي إسحاق السبيعي، كلاهما عن ابن مسعود، قال: على القارن طوافان وسعيان، ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن عمرو بن الأسود عن الحسن بن علي، قال: إذا قرنت بين الحج والعمرة فطف طوافين، واسع سعيين، فظهر بهذا إفساد جعل البيهقي ذلك الإسناد أصح ما روي في الطوافين عن علي، هذا ما قال في: ص 108، وص 109 - ج 5 على هامش "السنن".
2 قال ابن التركماني في "الجوهر النقي" قلت: ورجال هذا السند ثقات، وزياد بن مالك ذكره ابن حبان في الثقات: ص 108 - ج 5 من هامش "السنن".
3 عند البخاري في "باب صيام أيام التشريق" ص 268 - ج 1 في "الصوم"، وقال ابن الهمام في "الفتح" ص 209 - ج 2: فعلى أصلنا لو صح رفعه لم يعارض النهي العام لو وازنه، فكيف! وذلك أشهر، وعلى أصلهم لا يخص ما لم يجزم برفعه وصحته، والمرسل عندهم من قبيل الضعيف لو تحقق، فكيف! وإنما ذكره الشافعي بلاغاً، وغيره موقوفاً، ولو تم على أصلهم لم يلزمنا اعتباره، انتهى.(3/112)
بَابُ التَّمَتُّعِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، وَيَدْخُلَ مَكَّةَ فَيَطُوفَ بِهَا، وَيَسْعَى، وَيَحْلِقَ، أَوْ يُقَصِّرَ، وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْرِدَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ. وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ , وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ , فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلِيُقَصِّرْ وَلْيَحْلُلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَلْيَهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ"، وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوك، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، إذَنْ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت عُمْرَةً حَتَّى إذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ، قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَمَعْت حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ، حَتَّى قَدِمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ 3 عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ
__________
1 عند البخاري في "باب من ساق البدن معه" ص 229 - ج 1، وعند مسلم في "باب وجوب الدم على المتمتع" ص 403.
2 عند البخاري في "باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها" ص 231 - ج 1.
3 في - نسخة الدار - "فلم يزل" [البجنوري] .(3/113)
يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ النَّبِيُّ عليه السلام، انْتَهَى. وَالِاسْتِشْهَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَوْلَى مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله احْتَجَّ بِهِ عَلَى مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُعْتَمِرِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلِقُوا، أَوْ يُقَصِّرُوا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَصَّرْت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَرْوَةِ، أَوْ رَأَيْته يُقَصِّرُ عَنْهُ عَلَى الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ" قَوْلُهُ: قَصَّرْت، يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُتَمَتِّعًا، لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يُقَصِّرُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ عليه السلام حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا وَرَدَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَقِيلَ: إنَّمَا كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ عُمْرِهِ عليه السلام، قِيلَ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مَعَ أَبِيهِ، فَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: رَأَيْته يُقَصِّرُ عَنْهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ عُمْرِهِ عليه السلام، وَأَمَّا لَفْظُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَا عَلِمْت أَنِّي قَصَّرْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصِ أَعْرَابِيٍّ عَلَى الْمَرْوَةِ لِحَجَّتِهِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: لِحَجَّتِهِ، أَيْ لِعُمْرَتِهِ، فَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ فِي عُمْرَةٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَالْعُمْرَةُ قَدْ تُسَمَّى حَجًّا، لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْقَصْدُ، وَقَدْ قالت للنبي عليه السلام: مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَأَنْتَ لَمْ تَحْلِلْ مِنْ عُمْرَتِك؟ قِيلَ: تُرِيدُ مِنْ حَجَّتِك، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ حِينَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ، انْتَهَى.
__________
1 عند البخاري في "باب تقصير المتمتع بعد العمرة" ص 233 - ج 1.
2 عند البخاري في "باب الحلق والتقصير عند الاحلال" ص 233، وعند مسلم في "باب جواز تقصير المعتمر من شعره" ص 408 - ج 1، ولفظ أبي داود في "باب الاقران" ص 251 - ج 1، وعند النسائي في "باب أن يقصر المعتمر" ص 41 - ج 2.
3 عند الترمذي في "باب متى يقطع التلبية في العمرة" ص 124، وعند أبي داود في "باب متى يقطع المعتمر التلبية" ص 252 - ج 1، وص 253 - ج 1، وعبد الملك ابن أبي سليمان اسمه ميسرة أبو محمد، أحد الأئمة، قال ابن مهدي: كان شعبة يعجب من حفظه، وقال ابن عيينة عن الثوري: حدثني الميزان عبد الملك ابن أبي سليمان، وقال ابن المبارك عبد الملك ميزان، كذا في "تهذيب التهذيب" ص 397 - ج 6.(3/114)
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَهَمَّامٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وفيه مقال، ولم يصب الْمُنْذِرِيُّ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِلتِّرْمِذِيِّ، فَإِنَّ لَفْظَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَفْظَ أَبِي دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ، فَهُمَا حَدِيثَانِ، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ أَصْحَابَ "الْأَطْرَافِ" إذْ جَعَلُوهَا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ: " ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ"، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَبَّى - يَعْنِي فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ - حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سَاقَ الْهَدَايَا مَعَ نَفْسِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: تَقَدَّمَ قَبْلُ "بَابُ الْقِرَانِ"، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا أَحَالَ، فَقَالَ: فَإِنْ كَانَ بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى مَا رَوَيْنَا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ "بَابِ الْقِرَانِ" أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ لِبُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بِهَا، وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا. وَلَوْ اسْتَدَلَّ هُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ أَوْلَى، أَخْرَجُوهُ - إلَّا الْبُخَارِيَّ -1 عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ، وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ، وَفِي لَفْظٍ: بِبَدَنَةٍ، فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ أَتَى بِرَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا قَعَدَ عَلَيْهَا وَاسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَحْرَمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَهَدَايَاهُ تُسَاقُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْت: تَقَدَّمَ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، إلَى آخِرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ فِي الْإِشْعَارِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام طَعَنَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ
__________
1 عند مسلم في "باب إشعار البدن وتقليده عند الاحرام" ص 407 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء في إشعار البدن" ص 122 - ج 1، وعند أبي داود في "باب الاشعار" ص 244 - ج 1، واللفظ له.(3/115)
مَقْصُودًا، وَفِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ اتِّفَاقًا، قُلْت: رِوَايَةُ الطَّعْنِ فِي الجانب الأيمن أخرجها مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَةٍ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْبُخَارِيِّ 1 الْإِشْعَارَ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْأَيْمَنِ، وَلَا بِالْأَيْسَرِ، وَلَفْظُهُ: قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ عليه السلام الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، وَأَمَّا رِوَايَةُ الطَّعْنِ فِي الْأَيْسَرِ، فَرَوَاهَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ أَشْعَرَ بَدَنَتِهِ فِي شِقِّهَا الْأَيْسَرِ، ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ بِإِصْبَعِهِ، فَلَمَّا عَلَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ الْبَيْدَاءَ لَبَّى، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "كِتَابِ التَّمْهِيدِ": رَأَيْت فِي "كِتَابِ ابْنِ عُلَيَّةَ" عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ بَدَنَةً مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي مُنْكَرٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمَعْرُوفُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ: فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، لَا يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُشْعِرُ بُدْنَهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، انْتَهَى. وَهَكَذَا أَوْرَدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مَعْزُوًّا إلَى ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ تَصَحَّفَ فِيهِ: الْأَيْمَنَ، بِالْأَيْسَرِ، وَأَيْضًا، فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ ابْنَ عُلَيَّةَ إلَّا الْإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ: إسْمَاعِيلُ، وَرِبْعِيٌّ، وَإِسْحَاقُ، وَالْمَشْهُورُ الْفَقِيهُ مِنْهُمْ: إسماعيل بن إبرهيم بْنِ سَهْمٍ، وَعُلَيَّةُ أُمُّهُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ طَبَقَتُهُ، أَنْ يَرْوِيَ بِهَذَا النُّزُولِ، فَإِنْ قَدَّرْنَاهُ هُوَ فَأَبُوهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ مِقْسَمٍ لَا أَعْرِفُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ، وَحَالُهُ مَجْهُولٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَخْرَجَهُ مالك في "موطأه"2. عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنْ الْمَدِينَةِ يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ، وَيُشْعِرُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ، مُخْتَصَرٌ.
__________
1 عند البخاري في "باب من أشعر وقلد بذي الحليفة" ص 229 - ج 1، وحديث عائشة في: ص 230 في ذلك الباب.
2 عند مالك في "الموطأ - في باب العمل في الهدي حين يساق" ص 147، وفي "الموطأ" للإمام محمد بن حسن: ص 56 أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان يشعر بدنته في الشق الأيسر، إلا أن تكون صعاباً مقرنة، فإذا لم يستطع أن يدخل بينها أشعرها من الشق الأيمن، الخ.
قال محمد: وبهذا نأخذ، التقليد أفضل من الاشعار، والاشعار حسن، والاشعار من الجانب الأيسر، إلا أن تكون صعاباً مقرنة لا يستطيع أن يدخل بينها، فليشعرها من الجانب الأيسر والأيمن، وفي "العمدة" ص 35 - ج 9: =(3/116)
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ الْإِشْعَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، قُلْت: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ الْمَدِينَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ عليه السلام الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، انْتَهَى.
__________
= وقال ابن قدامة: وعن أحمد من الجانب الأيسر، لأن ابن عمر فعله، وبه قال مالك، وحكاه ابن حزم عن مجاهد يقول: كانوا يستحبون الاشعار من الجانب الأيسر، الخ.
وقال الحافظ الإمام فضل الله التوربشتي الحنفي في "شرحه على المصابيح". قلت: وقد كان هذا الصنيع - إشعار الهدي - معمولاً به قبل الإسلام، وذلك لأن القوم كانوا أصحاب غارات لا يتناهون عن الغصب والنهب، ولا يتماسكون عنه، وكانوا مع ذلك يعظمون البيت، وما أهدي إليه، ولا يرون التعرض لمن حجه أو اعتمره، فكانوا يعلمون الهدايا بالاشعار والتقليد، وذلك بأن يقلدوها نعلاً، أو عروة، أو مزادة، أو لحاء شجرة، لئلا يتعرض لها متعرض، فلما جاء الله بالاسلام أقر ذلك، لغير المعنى الذي ذكرناه، بل ليكون مشعراً بخروج ما أشعر عن ملك من يتقرب إلى الله تعالى، وليعلم أنه هدي، فإن نفر لم يركب، ولم يحلب، ولم يختلط بالأموال، ولم يتصرف فيه، كما يتصرف في اللقطة، وإن عطب لم يؤكل منه، إلا على الوجه الذي شرع.
هذا، وقد اختلف في الاشعار بالطعن، وباسالة الدم، فرآه الجمهور، ونفر عنه نفر يسير، وقد صادفت بعض علماء الحديث يشدد في النكير على من يأباه، حتى أفضى به مقاله إلى الطعن فيه، والادعاء بأنه عاند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قبول سنته، ويغفر الله لهذا الفرح بما عنده، كيف سوغ الطعن في أئمة الاجتهاد، وهم لله يكدحون، وعن سنة نبيه يتناضلون؟! فأنى يظن بهم ذلك! أو لم يدر أن سبيل المجتهد غير سبيل الناقل، وأن ليس للمجتهد أن يتسارع إلى قبول النقل والعمل به إلا بعد السبك والاتقان، وتصفح العلل والأسباب، فلعله علم من ذلك ما لم يعلمه، أو فهم منه ما لم يفهمه، وأقصى ما يرى به المجتهد في قضية يوجد فيها حديث مخالف أن يقال: لم يبلغه الحديث، أو بلغه من طريق لم ير قبوله، مع أن الطاعن لو قيض له ذوقهم فألقى إليه القول من معدنه وفي نصابه، وقال: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساق بعض هديه من ذي الحليفة، وساق بعضه من قديد، وأتى عليّ رضي الله عنه ببعضها من اليمن، وجميع ما ساق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى البيت: إما ست وثلاثون، أو سبع وثلاثون بدنة، والاشعار لم يذكر إلا في واحدة منهما، وقد روي أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى هديه من قديد، وقديد: قرية بين مكة والمدينة، وبينها وبين ذي الحليفة مسافة بعيدة، أفلا يحتمل أن يتأمل المجتهد في فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيرى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أقام الاشعار في واحدة، ثم تركه في البقية، حيث رأى الترك أولى، لاسيما والترك آخر الأمرين، أو اكتفى عن الاشعار بالتقليد، لأنه يسد مسده في المعنى المطلوب منه، والاشعار يجهد البدنة، وفيه ما لا يخفى من أذية الحيوان، وقد نهى عن ذلك قولاً، ثم استغنى عنه بالتقليد، ولعله مع هذه الاحتمالات رأى القول بذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حج، وقد حضره الجم الغفير، ولم يرو حديث الاشعار إلا شرذمة قليلون، رواه ابن عباس، ولفظ حديثه على ما ذكرناه، رواه المسور بن مخرمة، وفي حديثه ذكر الاشعار من غير تعرض للصيغة، ثم إن المسور وإن لم ينكر فضله وفقهه، فإنه ولد بعد الهجرة بسنتين، وروته عائشة، وحديثها ذلك أورده المؤلف في هذا الباب، ولفظ حديثها: فتلت قلائد بدن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرم عليه شيء كان أحل له، ولم يتعلق هذا الحديث بحجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما كان ذلك عام حج أبو بكر رضي الله عنه، والمشركون يومئذ كانوا يحضرون الموسم، ثم نهوا، وروي عن ابن عمر أنه أشعر الهدي، ولم يرفعه، فنظر المجتهد إلى تلك العلل والأسباب، ورأى على كراهة الاشعار جمعاً من التابعين، فذهب إلى ما ذهب يسارع في العذر قبل مسارعته في اللوم، وإلا أسمع نفسه: * ليس بعشك فادرجي*، والله يغفر لنا ولهم، ويجيرنا من الهوى، فإنه شريك العمى، انتهى.(3/117)
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَشْعَرَ بَدَنَةً مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَزَادَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ1 قَالَ: وَسَمِعْت أَبَا السَّائِبِ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ وَكِيعٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ: أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ مُثْلَةٌ، قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: الْإِشْعَارُ مُثْلَةٌ، فَرَأَيْت وَكِيعًا غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ لَك: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُولُ قَالَ إبْرَاهِيمُ؟! مَا أَحَقَّك بِأَنْ تُحْبَسَ، ثُمَّ لَا تَخْرُجَ حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ قَوْلِك هَذَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَتَلْت قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا، وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلًّا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، قُلْت: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِشْعَارَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إنَّ حَدِيثَ الْإِشْعَارِ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَة، وَإِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ، فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ، انْتَهَى. وَكَانَ جماعة من العلماء فهموا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ النَّسْخَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ"، فَقَالَ: النَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ كَانَ بِإِثْرِ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَحَدِيثُ الْإِشْعَارِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكَيْفَ يَكُونُ النَّاسِخُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَنْسُوخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ، وَفِي آخِرِهِ: قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ 3 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ عليه السلام أَعْيُنَ أُولَئِكَ، لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ4، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ، انْتَهَى. هَكَذَا عَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِلْبُخَارِيِّ، وَيُنْظَرُ.
__________
1 عند الترمذي في "باب ما جاء في إشعار البدن" ص 122 - ج 1.
2 عند البخاري في "باب قصة عكل وعرينة" ص 206 - ج 2.
3 عند مسلم في "باب حكم المحاربين والمرتدين" ص 58.
4 حديثا عبد الله بن عمر، وعبد الله بن يزيد الأنصاري، عند البخاري في "كتاب الصيد - في باب ما يكره من المثلة" ص 829 - ج 2.(3/118)
حَدِيثٌ آخَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ - فِي كِتَابِ الْجِهَادِ"1 حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ هَيَّاجِ بْنِ عِمْرَانَ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَعَنَ مَنْ يُمَثِّلُ بِالْحَيَوَانِ، وفي لفظه: نَهَى أَنْ يُمَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مَوْلًى لِجُهَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا هَمَّامٌ ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ هَيَّاجِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُثُّ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ حمزة بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ الْأَحْنَفِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: جَاءَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ مَعَ جِوَارٍ لَهَا، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهَا، فَقَالَتْ: أَهَهُنَا الْحَجَّاجُ؟ قِيلَ لَهَا: لَا، قَالَتْ: إذَا جَاءَ فَقُولُوا لَهُ: يَأْمُرُ لَنَا بِهَذِهِ الْعِظَامِ - يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ - فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، وَأَخْبِرُوهُ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَهُوَ الْحَجَّاجُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ فِي قِتْلَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَفِي آخِرِهَا، قَالَ: وَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ مُلْجِمٍ عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ أَنْ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى قَرْنِهِ وَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَكْتُوفًا قَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ،
__________
1 في "باب النهي عن المثلة" ص 6 - ج 2.(3/119)
مَا الَّذِي حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت؟ أَلَمْ أُحْسِنْ إلَيْك. أَلَمْ أَفْعَلْ مَعَك كَذَا وَكَذَا وَكَذَا؟!، ثُمَّ قَالَ لِلْحَسَنِ: إنْ بَقِيت رَأَيْت فِيهِ رَأْيِي، وَإِنْ هَلَكْت مِنْ ضَرْبَتِي هَذِهِ، فَاضْرِبْهُ ضَرْبَةً، وَلَا تُمَثِّلْ بِهِ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ عِيسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُوسَى بْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ. وَعَائِذِ بْنِ قُرْطٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُمَثِّلُوا بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ رُوحٌ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ الْحَضْرَمِيِّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: لَمَّا أُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْزِعْ ثَنِيَّتَهُ يُدْلَعُ لِسَانُهُ، فَلَا يقوم عليك حطيباً أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أُمَثِّلُ بِهِ، فَيُمَثِّلَ اللَّهُ بِي، وَلَوْ كُنْت نَبِيًّا، وَلَعَلَّهُ يَقُومُ مَقَامًا لَا تَكْرَهُهُ". فَقَامَ سُهَيْلٌ حِينَ جَاءَهُ وَفَاةُ النَّبِيِّ عليه السلام بِخُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، كَأَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يُرِيدُ حَيْثُ قَالَ عليه السلام: " لَعَلَّهُ يَقُومُ مَقَامًا لَا تَكْرَهُهُ"، مُخْتَصَرٌ. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ وَسْمُ إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَالْمَنْقُولُ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا كَرَاهَتُهُ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ. وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، عَمَلًا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: غَدَوْت بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْته فِي يَدِهِ الْمِيسَمَ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَإِشْعَارُ النَّبِيِّ عليه السلام لِصِيَانَةِ الْهَدْيِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهِ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: " لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمَا سُقْت الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْت مِنْهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَرَجْنَا نَصْرُخُ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَقَالَ: " لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت جَعَلْتهَا عُمْرَةً، وَلَكِنْ سُقْت الْهَدْيَ، وَقَرَنْت بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت"، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى إذَا كَانَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ: "لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً"، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِعَامِنَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ(3/120)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ". وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ عليه السلام فَمَا نَدْرِي أَشَيْءٌ بَلَغَهُ مِنْ السَّمَاءِ، أَمْ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ؟ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ أَحِلُّوا، فَلَوْلَا الْهَدْيُ الَّذِي مَعِي فَعَلْت كَمَا فَعَلْتُمْ" قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ التَّابِعِينَ: إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ، قُلْت: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ: أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فِي "أَحْكَامِهِ".
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، قُلْت: الْعَبَادِلَةُ فِي اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَفِي اصْطِلَاحِ غَيْرِهِمْ أَرْبَعَةٌ: فَأَخْرَجُوا ابْنَ مَسْعُودٍ، وَأَدْخَلُوا ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَزَادُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَغَلَّطُوا صَاحِبَ الصِّحَاحِ إذْ أَدْخَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَأَخْرَجَ ابْنَ الْعَاصِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ تَقَدَّمَتْ وَفَاتُهُ، وَهَؤُلَاءِ عَاشُوا حَتَّى اُحْتِيجَ إلى عملهم، وَيَلْتَحِقُ بِابْنِ مَسْعُودٍ كُلُّ مَنْ سُمِّيَ بِعَبْدِ اللَّهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ رَجُلًا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} قَالَ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْحَجُّ شَوَّالُ، إلَى آخِرِهِ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، انْتَهَى. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، فَقَالَ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ".
__________
1 عند الدارقطني في "الحج" ص 258، وكذا حديثا ابن مسعود، وابن الزبير.(3/121)
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسحاق أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا.
وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِنَحْوِهِ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّمَا أَرَادَ مَنْ قَالَ: أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، أَنَّ هَذِهِ الْأَشْهُرُ لَيْسَتْ أشهر العمرة، وإنما هِيَ لِلْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُ الْحَجِّ قَدْ انْقَضَى بِانْقِضَاءِ أَيَّامِ مِنًى، انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسِيد الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَوَّابٍ الْهُنَائِيُّ ثَنَا حُصَيْنُ بْنُ الْمُخَارِقِ ثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} : " شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي "تَفْسِيرِهِ" بَعْدَ أَنْ عَزَاهُ لِابْنِ مَرْدُوَيْهِ فِي "تَفْسِيرِهِ": هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، فَإِنَّ حُصَيْنَ بن المخرق اُتُّهِمَ بِالْوَضْعِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ 1 لَمَّا حَاضَتْ بِسَرِفَ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْت، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبكي، فقال: " مالك أَنُفِسْت؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: " حَتَّى تَغْتَسِلِي"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْحَيْضِ"، وَفِي "الضَّحَايَا"، وَأَخْرَجَا أَيْضًا 2 عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ عَائِشَةُ، حَتَّى إذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْحِلُّ كُلُّهُ"، قَالَ: فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ وَتَطَيَّبْنَا، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: " مَا شَأْنُك؟ " قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي حِضْت، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: " إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ"، فَفَعَلَتْ، وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: " قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجَّتِك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
__________
1 عند البخاري في "الحيض - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت" ص 44 - ج 1، وعند مسلم في "باب وجوه الاحرام" ص 388 - ج 1.
2 عند مسلم في "باب وجوه الاحرام" ص 391 - ج 1، واللفظ له، وعند البخاري في "باب تقضي الحائض المناسك كلها" ص 224 - ج 1.(3/122)
إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْت. قَالَ: "فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ"، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: قَالَ: فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ تَنْسُكَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ، وَلَا تُصَلِّيَ حتى تطهر، وقال فيها أَيْضًا: فَاعْتَمَرَتْ عُمْرَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَجِّ، وَقَالَ أَيْضًا: وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ عليه السلام، وَطَلْحَةُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 1 عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابن عباس عن النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: الْحَائِضُ، وَالنُّفَسَاءُ إذَا أَتَتَا عَلَى الْمَوْقِفِ تَغْتَسِلَانِ وَتُحْرِمَانِ، وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد: حَتَّى تَطْهُرَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَخُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَوْنٍ، ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْحَائِضُ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِ الطَّوَافِ الصَّدْرِ، قُلْت: أخرجه الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "الْحَيْضِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَخَّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ - يَعْنِي بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ أَوَّلًا: إنَّهَا لَا تَنْفِرُ، ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: تَنْفِرُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَهُنَّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، إلَّا الْحُيَّضَ، وَرَخَّصَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
__________
1 عند أبي داود في "باب الحائض تهل بالحج" ص 243 - ج 1، واللفظ له: وعند الترمذي في "باب ما جاء ما تقضي الحائض من المناسك" ص 126 - ج 1.
2 عند مسلم في "باب وجوب طواف الوداع" ص 427 - ج 1، وعند البخاري في "باب طواف الوداع" ص 236 - ج 1، وفي "الحيض - في باب المرأة تحيض بعد الافاضة" ص 47، وقال الحافظ في "الدراية" ص 206: وفي الباب عن زيد بن ثابت، وأم سلمة، انتهى.
3 عند الترمذي في "باب ما جاء في المرأة تحيض بعد الإفاضة" ص 126 - ج 1، وعند الحاكم: ص 476 - ج 1 عن ابن عباس، قال: كان الناس ينفرون من منى إلى وجوههم، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون آخر عهدهم بالبيت، ورخص للحائض، الخ.(3/123)
باب الجنايات
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْحِنَّاءُ طِيبٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ - فِي الْحَجِّ" عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: "لَا تَطَيَّبِي وَأَنْتِ مُحْرِمَةٌ، وَلَا تَمَسِّي الْحِنَّاءَ، فَإِنَّهُ طِيبٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 1 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ خَوْلَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَطَيَّبِي وَأَنْتِ مُحْرِمَةٌ، وَلَا تَمَسِّي الْحِنَّاءَ فَإِنَّهُ طِيبٌ"، انْتَهَى. وَعَزَاهُ السُّرُوجِيُّ فِي "الْغَايَةِ" إلَى النَّسَائِيّ، وَلَفْظُهُ: نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ التَّكَحُّلِ، وَالدُّهْنِ، وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ: "الْحِنَّاءُ طِيبٌ"، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي "بَابِ الْعِدَّةِ" بِزِيَادَةٍ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ مِنْ عُذْرٍ فَهُوَ إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ بِثَلَاثَةِ أصواع مِنْ الطَّعَامِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، وكلمة "أو" للتخيير، قد فَسَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ، وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرِهِ، وَالْقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: "أَيُؤْذِيك هَوَامُّك هَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْلِقْ رَأْسَك، وَأَطْعِمْ فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ" - وَالْفَرْقُ: ثَلَاثَةُ أَصْوُعٍ - أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ اُنْسُكْ نَسِيكَةً، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: " احْلِقْ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا أَيُّ شَيْءٍ افْتَدَى حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ؟ قَالَ: ذَبَحَ بَقَرَةً، وَفِي لَفْظٍ: فَقَالَ لِي: " هَلْ عِنْدَك فَرْقٌ تَقْسِمُهُ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ؟ "، -وَالْفَرْقُ: ثَلَاثَةُ آصُعٍ-، "أَوْ اُنْسُكْ شَاةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ"، فَقُلْت:
__________
1 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 218 - ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام، وقال الحافظ المارديني في "الجوهر": قال أبو حنيفة الدينوري، وغيره من أهل اللغة: الحناء من أنواع الطيب، وقال الهروي في "الغريبين في الحديث" سيد رياحين الجنة الفاغية، قال الأصمعي: هو نور الحناء، وفي الحديث أيضاً عن أنس كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه الفاغية.
2 عند مسلم في "باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى" ص 382 - ج 1، واللفظ له، وعند البخاري في "الطب - في باب الحلق من الأذى" ص 850 - ج 2.(3/124)
يَا رَسُولَ اللَّهِ، خِرْ لِي، قَالَ: "أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ"، وَفِي لَفْظٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعْت؟ قَالَ: ذَبَحْت شَاةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمًا، فَقَمَلَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ عليه السلام، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ، فَدَعَا الْحَلَّاقَ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ عِنْدَك نُسُكٌ؟ " قَالَ: مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ خَاصَّةً: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} ، ثُمَّ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: قَعَدْت إلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} فَقَالَ كَعْبٌ: فِي نَزَلَتْ، كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي، فَحُمِلْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: " مَا كُنْت أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْك مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟ " فَقُلْت: لَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} قال: " صوم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، نِصْفَ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ"، قَالَ: فَنَزَلَتْ فِي خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً، انْتَهَى.
فَصْل
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سُئِلَ عَمَّنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ، قَالَ: "يُرِيقَانِ دَمًا، وَيَمْضِيَانِ فِي حَجِّهِمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنْبَأَ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ، أَوْ زَيْدُ بْنُ نُعَيْمٍ - شَكَّ أَبُو تَوْبَةَ - أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَسَأَلَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "اقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ بِلَا شَكٍّ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ نُعَيْمٍ مَجْهُولٌ، وَيَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ ثِقَةٌ، وَقَدْ شَكَّ أَبُو تَوْبَةَ، وَلَا يُعْلَمُ عَمَّنْ هُوَ مِنْهُمَا، وَلَا عَمَّنْ حَدَّثَهُمْ بِهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، فَهُوَ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَسَأَلَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا: " أَتِمَّا حَجَّكُمَا، ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى، فَإِذَا كُنْتُمَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا، فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا، وَلَا يَرَى وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ أَتِمَّا نُسُكَكُمَا"
__________
1 عند مسلم في: ص 382 - ج 1 وعند البخاري في "الحج - في باب الإطعام في الفدية نصف صاع" ص 244 - ج 1.(3/125)
وَأَهْدِيَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَفِي هَذَا: أَنَّهُ أَمَرَهُمَا بِالتَّفَرُّقِ فِي الْعَوْدَةِ لَا فِي الرُّجُوعِ، وَحَدِيثُ الْمَرَاسِيلِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْهُ، قَالَ: وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ بِابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ 1 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا الْأَزْدِيَّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عمر إن رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ عُمَانَ، أَقْبَلَا حَاجَّيْنِ، فَقَضَيَا الْمَنَاسِكَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِمَا إلَّا الْإِفَاضَةُ، وَقَعَ عَلَيْهَا، فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ. فَقَالَ: لِيَحُجَّا عَامًا قَابِلًا، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ عَنْ رَجُلٍ غشى امرأته بعد ما رَمَى الْجَمْرَةَ، وَحَلَقَ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، قَالَ: عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - يَعْنِي الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ - فَمَنْ جمع قَبْلَ الْوُقُوفِ، قُلْت: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 2 أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، فَقَالُوا: يُنَفِّذَانِ تَوَجُّهَهُمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَالْهَدْيُ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: فَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، انْتَهَى. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ 3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ بُكَيْر عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ بَلَاغٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي مُحْرِمٍ بِحَجَّةٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ: يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ مِنْ حَيْثُ كَانَا أَحْرَمَا، وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يُتِمَّا حَجَّهُمَا، قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ الْمُحْرِمِ يُوَاقِعُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَقَالَ: يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا، ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا، فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجَّا وَأَهْدَيَا، وَتَفَرَّقَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُمَا، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَسَأَلَهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ، فَأَشَارَ لَهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ، قَالَ: فَذَهَبْت معه، فسأله عن المحرم وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ، قَالَ: بَطَلَ حَجُّهُ، قَالَ: فَيَقْعُدُ؟، قَالَ: لَا، بَلْ يَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ، فَيَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَابِلٌ حَجَّ، وَأَهْدَى، فَرَجَعَا
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 208: أخرجه سعيد بن منصور، وغيره، وروى ابن أبي شيبة عن حميد عن ابن عمر نحوه.
2 في "الموطأ - في باب هدي المحرم إذا أصاب أهله" ص 148.
3 أخرجه البيهقي بلاغ، مالك في "السنن" ص 167 - ج 5، وكذا حديث عمر، وحديث يزيد بن يزيد بن جابر، قال: سألت مجاهداً أيضاً: ص 167 - ج 5.
4 أخرجه البيهقي: ص 167 - ج 5.(3/126)
إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَأَخْبَرَاهُ، فَأَرْسَلَنَا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ شُعَيْبٌ: فَذَهَبْت مَعَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَا، انْتَهَى. وَعَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو من ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ، فَإِذَا حَجَّا من قبل تَفَرَّقَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُمَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إنِّي وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَجِّكُمَا، امْضِيَا لِوَجْهِكُمَا، وَعَلَيْكُمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، فَإِذَا انتهيت إلى مكان الَّذِي وَاقَعْت فِيهِ فَتَفَرَّقَا، ثُمَّ لَا تَجْتَمِعَا حَتَّى تَقْضِيَا حَجَّكُمَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بن خرشيد أَنَّ رَجُلًا اسْتَفْتَى جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ1، وَالْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ أَهَلَّا بِالْحَجِّ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَا: يُتِمَّانِ حَجَّهُمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَيْسَرَةٍ أَهْدَى جَزُورًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ"، تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ": مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ، وَهُوَ بِمِنًى، قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ: مَنْ طَافَ طَوَافَ الزيادة جُنُبًا، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رفيق عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ قَضَى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَالَ: عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ الْفُضَيْلِ، وَسَلَّامٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَجُلٌ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ، بَعِيدُ الشُّقَّةِ، قَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ، قَضَيْت الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي، فَقَالَ: بَدَنَةٌ، وَحَجٌّ مِنْ قَابِلٍ، انْتَهَى.
__________
1 قال البيهقي في "السنن" ص 168 - ج 5: وروينا عن جابر بن زيد أبي الشعثاء، الخ.(3/127)
فَصْلٌ
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "بَابِ الْإِحْرَامِ"، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، وَأَحْمَدُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثَيْنِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا حَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ عليه السلام: "اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي"، الثَّانِي: أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكُنْت أَفَضْت يَوْمَ النَّحْرِ - يَعْنِي الطَّوَافَ -؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْفِرِي إذًا"، قَالَ: فَمَنَعَ مِنْ الطَّوَافِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، قَالَ: فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ: إنَّمَا مَنَعَ لِأَجْلِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، قُلْنَا: الْمَنْقُولُ حُكْمٌ، وَسَبَبٌ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالسَّبَبِ، فَلَمَّا تَعَرَّضَ لِلطَّوَافِ لَا لِلْمَسْجِدِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَأَلْت حَمَّادًا، أَوْ مَنْصُورًا عَنْ الرَّجُلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا، قَالَ: وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ ابْنِ بِشْرٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: حَاضَتْ امْرَأَةٌ، وَهِيَ تَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ سُنَّةَ طَوَافِهَا.
قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا أَنَّ عَلَيْهِ بَدَنَةً، قُلْت: غَرِيبٌ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ - يَعْنِي فِي الْإِفَاضَةِ - مِنْ عَرَفَاتٍ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، فَلَمْ يَزَلْ عليه السلام وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ عليه السلام أَفَاضَ منها حين غربت الشمس، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ، قَالَ: كُنْت رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَقَعَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ، تقدم أَيْضًا عِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ مِثْلَ عَمَائِمِ الرِّجَالِ، وَإِنَّا نَدْفَعُ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ حَتَّى تُعَمَّمَ الشَّمْسُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَفِيضُ حَتَّى تَغِيبَ، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الرُّكَيْنِ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: إذَا سَقَطَتْ الشَّمْسُ فَأَفِضْ، انْتَهَى.(3/128)
قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، قُلْت: هَكَذَا هُوَ فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَصَحُّ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سَلَّامٍ بْنُ مُطِيعٍ أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ حَجِّهِ، أَوْ أَخَّرَهُ، فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ، نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"1 حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ عن إبراهيم بن المهاجر بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ ثَنَا الْخَصِيبُ ثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَدُ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، أَنَّهُ مَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ شَيْءٍ، قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ إلَّا قَالَ: لَا حَرَجَ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي تَقْدِيمِ مَا قَدَّمُوا، وَلَا تَأْخِيرِ مَا أَخَّرُوا، مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ الدَّمَ، وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي فَعَلُوهُ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ عليه السلام كَانَ عَلَى الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ فِيهِ، كَيْفَ هُوَ، فَعَذَرَهُمْ لِجَهْلِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ فِي الْمُسْتَأْنَفِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مَنَاسِكَهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى الذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سُئِلَ عَنْ الذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَقَالَ: لَا حَرَجَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَيْضًا 2 عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمِنًى، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أَرَى أَنَّ الذَّبْحَ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَذَبَحْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: " ارْمِ وَلَا حَرَجَ"، قَالَ: فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَدَّمَهُ رَجُلٌ قَبْلَ شَيْءٍ، إلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشَرَةَ مِائَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، قَالَ: وَسَارَ النَّبِيُّ عليه السلام حَتَّى إذَا كَانَ
__________
1 في "باب تقديم نسك على نسك" 424 - ج 1.
2 عند البخاري في "الحج - في باب الفتيا على الدابة عند الجمرة" ص 234 - ج 1، وعند مسلم في "باب جواز تقديم الذبح على الرمي" الخ: ص 421 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب" ص 378 - ج 1.(3/129)
بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: اُكْتُبْ: هَذَا مَا قَضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَصَّ الْخَبَرَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيك مِنَّا رَجُلٌ، - وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِك - إلَّا رَدَدْته إلَيْنَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام لِأَصْحَابِهِ: "قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا"، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "الْحَجِّ": وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجُ الْحَرَمِ1، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "الشَّهَادَاتِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْقَابِلَ، وَسَيَأْتِي فِي "باب الإِحصار". إن شاء الله تعالى.
فَصْلٌ
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: وَاسْتَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ، وَهِيَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالذِّئْبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، قلت: اعلم أن ههنا حَدِيثَيْنِ: حَدِيثًا فِي جَوَازِ قَتْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِلْمُحْرِمِ، وَحَدِيثًا فِي جَوَازِ قَتْلِهَا فِي الْحَرَمِ، فَهُمَا حَدِيثَانِ مُتَغَايِرَانِ، لَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ، جَوَازُ قَتْلِ الْحَلَالِ لَهَا فِي الْحَرَمِ، وَلَا مِنْ جَوَازِ قَتْلِ الْحَلَالِ لَهَا خَارِجَ الْحَرَمِ، جَوَازُ قَتْلِ الْمُحْرِمِ لَهَا، فَثَبَتَ أَنَّهُمَا حُكْمَانِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَسَيَأْتِي الْحُكْمُ الْآخَرُ فِي "الْحَدِيثِ الْحَادِي عَشَرَ"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، فَذَكَرَهُمَا، فَدَلَّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ، لِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ وَهَمَ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ بِأَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْحُكْمِ الْآخَرِ، بَلْ فِي أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَنْ بَوَّبَ عَلَى أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ، فَسَاقَ أَحَادِيثَ الْحُكْمِ الْآخَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَاقَ أَحَادِيثَ الْحُكْمَيْنِ، وَالْبَابُ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ غير مرضي لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
__________
1 وأجاب الحنفية: أن بعض الحديبية من الحرم، كما ذكره الزمخشري في "الكشاف"، وقد روى الطحاوي من حديث الزهري عن عروة عن المسور أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بالحديبية خباؤه في الحل، ومصلاه في الحرم، ولا يجوز في قول أحد من العلماء لمن قدر على دخول شيء من الحرم أن ينحر هديه خارج الحرم، وروى البيهقي من حديث يونس عن الزهري عن عروة بن الزبير عن مروان، والمسور بن مخرمة، قالا: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية في بضع عشرة من أصحابه، الحديث بطوله، وفيه: وكان مضطربه في الحل، وكان يصلي في الحرم، انتهى. والمضطرب: هو البناء الذي يضرب، ويقام على أوتاد مضروبة في الأرض، انتهى كلام العيني مختصراً.
2 عند مسلم في "باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم" ص 381 - ج 1.
3 عند مسلم في ذلك الباب: ص 381 - ج 1، وعند البخاري في "باب ما يقتل المحرم من الدواب" ص 246 - ج 1، وحديث زيد بن جبير، عند البخاري: ص 246 - ج 1 فيه، وعند مسلم في ذلك الباب: ص 382 - ج 1.(3/130)
"خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "بَدْءِ الْخَلْقِ - وَفِي الْحَجِّ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الْحَجِّ"، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْكَلْبَ العقور، والفأرة، والعقرب، والحديا، وَالْغُرَابَ"، زَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: وَالْحَيَّةَ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ، قَالَ: "يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ: الْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ، وَالْفُوَيْسِقَةَ، وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَالْحِدَأَةَ، وَالسَّبُعَ الْعَادِيَ، وَيَرْمِي الْغُرَابَ، وَلَا يَقْتُلُهُ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ السَّبُعِ الْعَادِي، وَقَالَ فِيهِ: حَسَنٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَإِنَّمَا لَمْ يُصَحِّحْهُ مِنْ أَجْلِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، انْتَهَى. وَالْغُرَابُ الْمَنْهِيُّ عَنْ قَتْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُحْمَلُ عَلَى الَّذِي لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ، وَيُحْمَلُ الْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ عَلَى الْأَبْقَعِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكِتَابِ، بِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْغُرَابُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ: الْحَيَّةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، انْتَهَى. وَوَرَدَ الْحَدِيثُ غَيْرُ مقيد بالحرم والإِحارم، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَاسِقٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، انْتَهَى. لَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ: كُلُّهَا فَاسِقٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا"، فَذَكَرَهُنَّ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": زَادَ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: سَمِعْت النَّبِيَّ عليه السلام، وَأَمَّا رِوَايَةُ الذِّئْبِ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ الذِّئَابِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْغُرَابِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَزَادَ فِيهِ، قِيلَ لَهُ: فَالْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ، فَقَالَ: كَانَ يُقَالُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْحَجَّاجُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
__________
1 عند أبي داود في "باب ما يقتل المحرم من الدواب" ص 256 - ج 1، والترمذي فيه: ص 114 - ج 1.
2 عند النسائي في "باب ما يقتل المحرم من الدواب، قتل الكلب العقور" ص 25 - ج 2، وعند ابن ماجه في "باب ما يقتل المحرم" ص 230 - ج 1، وكذا عند مسلم في رواية الغراب الأبقع.
3 عند البخاري في "باب ما يقتل المحرم من الدواب" ص 246 - ج 1، وعند مسلم في "باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب" ص 381 - ج 1.
4 عند الدارقطني: عن وبرة، ونافع عن ابن عمر: ص 261.(3/131)
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ: الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ، وَالذِّئْبُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرَهُ. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَلَمْ يُعِلَّهُ بِشَيْءٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، مُقْتَصِرًا فِيهِ عَلَى - الذِّئْبِ - وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الذِّئْبَ، وَكُلَّ عَدُوٍّ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ، انْتَهَى. قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "غَرِيبِهِ": الْكَلْبُ الْعَقُورُ اسْمٌ لِكُلِّ عَاقِرٍ، حَتَّى اللِّصَّ الْمُقَاتِلَ، وَعَلَى هَذَا فَيَسْتَقِيمُ قِيَاسُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْخَمْسَةِ، مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا عَدَمُ إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، تَأْكِيدًا لِلْخَاصِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} : قُلْنَا: قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُؤَخَّرُ الذِّكْرِ مُتَوَسِّطًا، هَكَذَا فِي "الصَّحِيحِ" وَغَيْرِهِ، وَأَيْضًا فَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد ذِكْرُ الْكَلْبِ مِنْ غَيْرِ وَصْفِهِ بِالْعَقُورِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَيَوَانُ الْخَاصُّ، لَا كُلُّ عَاقِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ السَّرَقُسْطِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ الْأَسَدُ، وَسَنَدُهُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ سِيلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، هَلْ أَشَرْتُمْ، هَلْ دَلَلْتُمْ، تَقَدَّمَ فِي "الْإِحْرَامِ". قَوْلُهُ: وَقَالَ عَطَاءٌ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَعَطَاءٌ هَذَا كَأَنَّ ابْنَ أَبِي رَبَاحٍ صَرَّحَ بِهِ فِي "الْمَبْسُوطِ" وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي" عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ، فَكَانَ إجْمَاعًا، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَالصَّحَابَةُ أَوْجَبُوا النَّظِيرَ مِنْ حيث الخلقة، قُلْت: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ 1 أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِعِنَاقٍ، وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ".
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، ومن جِهَتِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ رضي الله عنهم قَالُوا فِي النَّعَامَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ: بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا نَقُولُ: إنَّ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ
__________
1 عند مالك في "باب فدية ما أصيب من الطير والوحش" ص 161 - ج 1.(3/132)
بِالْقِيَاسِ لَا بِهَذَا الْأَثَرِ، فَإِنَّ هَذَا الْأَثَرَ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:1 وَسَبَبُ عَدَمِ ثُبُوتِهِ أَنَّ فِيهِ ضَعْفًا وَانْقِطَاعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ، قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، فَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا عَلِيًّا، وَلَا زَيْدًا، وَكَانَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ صَبِيًّا، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ احْتِمَالِهِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ مَعَ انْقِطَاعِ حَدِيثِهِ هَذَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهِ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قضى في اليربوع بحفرة، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 3 أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ، بَقَرَةٌ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ مُحْرِمًا أَصَابَ ظَبْيًا بِذَبْحِ شَاةٍ عَفْرَاءَ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي الْيَرْبُوعِ حَمَلٌ، انْتَهَى. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الْحَمَلَ وَلَدُ الضَّأْنِ الذَّكَرِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلَ عَنْ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مُهِلِّينَ فَوَجَدْنَا أَعْرَابِيًّا مَعَهُ ظَبْيٌ، فَابْتَعْته مِنْهُ، فَذَبَحْته، وَأَنَا نَاسٍ لِإِهْلَالِي، فَأَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: ائْتِ بَعْضَ إخْوَانِك فَلْيَحْكُمُوا عَلَيْك، فَأَتَيْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعِيدَ بْنَ مَالِكٍ، فَحَكَمَا عَلَيَّ تَيْسًا أَعْفَرَ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 4 أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْرٍ الْبَصْرِيِّ
__________
1 عند البيهقي في "السنن - في باب فدية النعام" ص 182 - ج 5.
2 أخرجه البيهقي في "السنن" ص 182 - ج 5، وأيضاً عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن مسعود، ثم قال البيهقي: وهاتان الروايتان عن ابن مسعود رضي الله عنه مرسلتان، توكد إحداهما الأخرى.
3 وأخرجه البيهقي في "السنن" عن الشافعي عن سعيد عن إسرائيل به: ص 182 - ج 5.
4 وأخرجه البيهقي في "باب قتل المحرم الصيد عمداً أو خطأ" ص 180 - ج 5، ومثله في "الزوائد" للهيثمي: ص 232 - ج 3، وقال: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات، وعند مالك في "باب فدية ما أصيب من الطير والوحش" ص 161.(3/133)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي أَصَبْت ظَبْيًا، وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَمَا تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ: تعال حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ، قَالَ: فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ، فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ، حَتَّى دَعَا رَجُلًا، فَحَكَمَ مَعَهُ! فَلَمَّا سَمِعَهُ عُمَرُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَقْرَأُ "سُورَةَ الْمَائِدَةِ"؟ قَالَ: لَا، قَالَ: لَوْ أخبرتني أنك تقرأها لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا، إنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} ، فَأَنَا عُمَرُ، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ 1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي حَمَامَةِ الْحَرَمِ شَاةٌ، وَفِي بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ، وَفِي النَّعَامَةِ جزور، وفي البقرة بقرة، وَفِي الْحِمَارِ بَقَرَةٌ.
أَثَرٌ آخَرُ مَرْفُوعٌ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ: "فِي الضَّبُعِ إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ كَبْشٌ، وَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "الضَّبُعُ صَيْدٌ، وَفِيهِ شَاةٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَلَيْسَ عِنْدَ الْبَاقِينَ: وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْأَطْعِمَةِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "الْحَجِّ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"4، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ فِيهِ: كَبْشٌ مُسِنٌّ، وَضَعَّفَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَإِنَّمَا ضَعَّفَهَا لِأَنَّ فِي السَّنَدِ إسْحَاقُ بْنُ إسْرَائِيلَ شَيْخُ شَيْخِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَدْ تَرَكَ حَدِيثَهُ جَمَاعَةٌ، وَرَفَضُوهُ
__________
1 عند البيهقي في "باب فدية النعام، وبقر الوحش، وحمار الوحش، ص 182 - ج 5، وعند الدارقطني: ص 267.
2 عند الدارقطني: ص 266، وص 267، وفيه قال: والجفرة التي قد ارتعت.
3 عند أبي داود في "الأطعمة - في باب أكل الضبع" ص 177 - ج 2، وعند الترمذي في "باب ما جاء في الضبع يصيبها المحرم" ص 177 - ج 1.
4 عند الدارقطني: ص 266، وليس في النسخة المطبوعة زيادة: كبش مسن، وعند البيهقي في "باب فدية الضبع" ص 183 - ج 5، وفي رواية إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر، وفيها كبش سمين، ثم قال البيهقي: وحديث ابن أبي عمار حديث جيد تقوم به الحجة، وأخرجه الحاكم: ص 453 - ج 1 بزيادة: عن إبراهيم الصائغ عن جابر، وقال، إبراهيم بن ميمون الصائغ زاهد عالم، أدرك الشهادة رضي الله عنه، وقال الذهبي في "تلخيصه": صحيح.(3/134)
بِرَأْيٍ كَانَ فِيهِ، انْتَهَى. رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ إسْحَاقُ بْنُ إسْرَائِيلَ، أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ ثَنَا حَسَّانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ الصَّائِغُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الضَّبُعُ صَيْدٌ، فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ كَبْشٌ مُسِنٌّ، وَيُؤْكَلُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْزَى هَذَا الْحَدِيثُ هُنَا إلَّا لِأَبِي دَاوُد فَقَطْ، وَيُعْزَى لِلْبَاقِينَ فِي "كِتَابِ الذَّبَائِحِ" فَإِنَّ فِي أَلْفَاظِهِمْ: قُلْت: آكُلُهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ"، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَتَفَرَّدَ أَبُو دَاوُد بِذِكْرِ الْكَبْشِ، هَذَا تَحْرِيرُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.
قَوْلُهُ: وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِي أَنَّ فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتَهُ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَغَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ أَنَّ رَجُلًا أَوْطَأَ بَعِيرَهُ بَيْضَ النَّعَامِ، فَسَأَلَ عَلِيًّا، فَقَالَ: عَلَيْك لِكُلِّ بَيْضَةٍ ضِرَابُ نَاقَةٍ، أَوْ جَنِينُ نَاقَةٍ، فَانْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: "قَدْ قَالَ مَا سَمِعْت، وَعَلَيْك فِي كُلِّ بَيْضَةٍ صِيَامُ يَوْمٍ، أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنُهُ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ، وَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ البيهقي، قال: وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا"، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الثَّانِي 3: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ خَصِيفٍ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ عُمَرَ، رَوَيَاهُ أَيْضًا، فَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا وَكِيعٌ، وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَطَاوُسٍ.
__________
1 عند البيهقي.
2 أخرجه البيهقي في "باب بيض النعامة يصيبها المحرم" ص 208 - ج 5.
3 أخرجه البيهقي فيه: ص 208 - ج 5 عن أبي خيثمة عن خصيف به.(3/135)
أَحَادِيثُ فِي الْبَابِ مَرْفُوعَةٌ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 1 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنَهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى بِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، فَقَالَ: فِيهِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، وهو ضعبف، قَالَ: وَالرَّاوِي عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ، وَهُوَ كَذَّابٌ، بَلْ قِيلَ فِيهِ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْ الْكَذِبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنُهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: أَبُو الْمُهَزِّمِ ضَعِيفٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَهُوَ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ، انْتَهَى. وَفِي "التنقيح": وأبو الْمُهَزِّمِ اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ يخطئ كثيراً، واتهم، فلم كَثُرَ فِي رِوَايَتِهِ مُخَالَفَةُ الْأَثْبَاتِ تُرِكَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ"، قُلْت: لَمْ يَذْكُرْهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، وَأَحَالَ عَلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا، أَعْنِي حَدِيثَ جَوَازِ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ، وَهَذَا خَطَأٌ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، بَلْ هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ، وَهُوَ جَوَازُ قَتْلِهَا فِي الْحَرَمِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "الْحَيَّةُ"، عِوَضُ: الْعَقْرَبِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ 3: "أَرْبَعٌ كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا"، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الذِّئْبَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، قُلْت: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 4 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْقَعْقَاعِ
__________
1 عند البيهقي: ص 208 - ج 5، وعند الدارقطني: ص 267 - ج 1.
2 عند الدارقطني: ص 268.
3 لفظ: الحية، ولفظ: أربع كلهن فواسق، عند مسلم في بابه: ص 381 - ج 1.
4 عند الطحاوي في "باب ما يقتل المحرم من الدواب" ص 384 - ج 1.(3/136)
بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ - يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْعَقْرَبُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ" - إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: "وَالْحَيَّةُ، وَالذِّئْبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُمَرَ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ، فَقَالَ كَعْبٌ: دِرْهَمٌ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: إنَّك لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ، لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ مَرَّتْ بِهِ جَرَادَةٌ فَضَرَبَهَا بِسَوْطِهِ، ثُمَّ أَخَذَهَا فَشَوَاهَا، فَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ، وَأَنَا أَحْكُمُ عَلَى نَفْسِي فِي هَذَا دِرْهَمًا، فَأَتَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرَ: إنَّكُمْ يَا أَهْلَ حِمْصَ أَكْثَرُ شَيْءٍ دَرَاهِمَ، تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ كَعْبًا سَأَلَ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ الْجَرَادِ يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ، فَقَالَ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " الضَّبُعُ صَيْدٌ، وَفِيهِ الشَّاةُ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَتَلَ سَبُعًا، وَأَهْدَى كَبْشًا، وَقَالَ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ2، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ صَيْدٍ مَا لَمْ يصده أو يصاد 3 لَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يصاد لَكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ لَا نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ:
__________
1 في "باب فدية من أصاب شيئاً من الجراد وهو محرم" ص 162.
2 وفي "العرف الشذي" لشيخ الاسلام خادم المحدثين مولانا "السيد محمد أنور" رحمه الله تعالى، وفي أكثر كتبنا أنه لو ابتدأ السبع بالصولة على المحرم، فقتله المحرم لا شيء عليه، ولو ابتدأ المحرم بقتل السبع فعليه جزاء، ولا يجاوز الشاة، انتهى.
3 في - نسخة الدار - "أو يصيد" [البجنوري] .
4 عند الترمذي في "باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم" ص 116 - ج 1، وعند أبي داود في "باب لحم الصيد للمحرم" ص 256، وعند النسائي في "باب إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال" ص 25 - ج 2.(3/137)
هَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ" 1: وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى عنه مالك، انتهى. رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ3، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مُتَّصِلًا مُسْنَدًا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا لَا يُعَلِّلُ حَدِيثَ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَيَعْقُوبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإسكندراني. فَإِنَّهُمْ وَصَلُوهُ وَهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ جِهَةِ الشَّافِعِيِّ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ مُتَّصِلًا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَابْنُ يَحْيَى أَحْفَظُ مِنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَلَكِنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ ثِقَةٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ فِيمَا قِيلَ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "الْمَرَاسِيلِ": سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَامَّةٌ أَحَادِيثُهُ مَرَاسِيلُ، لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، وَأَنَسًا، وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، أَوْ مَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُمْ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ، وَقَالَ فِي "كِتَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ": قَالَ أَبِي: وَجَابِرٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: بِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَوْ يُصَادَ لَكُمْ بِأَمْرِكُمْ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ، قَالَ: قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ بِذَلِكَ فَقَطْ، وَلَمْ يَقُلْ: هَلْ صِيدَ لِأَجْلِكُمْ؟.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 4 عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِيُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ هَذَا، وَضَعَّفَهُ عَنْ
__________
1 بل قال عقيب هذا الحديث أيضاً: والمطلب لا نعرف له سماعا عن جابر، وراجع "التهذيب" ص 178 - ج 10.
2 في "باب حلة لحم الصيد للمحرم ما لم يصيده أو يصاد له، ص 452 - ج 1.
3 ورواية سليمان بن بلال، ومالك بن أنس، ويحيى بن عبد الله بن سالم، ويعقوب بن عبد الرحمن كلهم عن عمرو بن أبي عمرو، عند البيهقي في "السنن" ص 190 - ج 5 وكذا عند الدارقطني: ص 285.
4 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 230 - ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف.(3/138)
الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَغْلَظَ فِيهِ الْقَوْلَ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْد حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، بِهِ سَوَاءً.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ خَالِدٍ الْعُثْمَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّيْدُ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ مَا لَمْ يَصِدْهُ، أَوْ يُصَدْ لَهُ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عُثْمَانُ هَذَا عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَكُلُّ أَحَادِيثِ عُثْمَانَ هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: مِنْهَا حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 - إلَّا أَبَا دَاوُد - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ، أَنَّهُ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ عليه السلام حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عليه السلام، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: " إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ لِمَا ظَنَّ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ، أَوْ تَرَكَهُ عَلَى التَّنَزُّهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ 2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: يَا زَيْدُ، هَلْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ إلَيْهِ عُضْوُ صَيْدٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَقَالَ: إنَّا حُرُمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 3 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ نَوْفَلٍ - وَكَانَ خَلِيفَةَ عُثْمَانَ عَلَى الطَّائِفِ - صَنَعَ لِعُثْمَانَ طَعَامًا فِيهِ مِنْ الْحَجَلِ، وَالْيَعَاقِيبِ، وَلَحْمِ الْوَحْشِ، فَبَعَثَ إلَى عَلِيٍّ، فَجَاءَهُ الرَّسُولُ، وَهُوَ يَخْبِطُ لا باعر لَهُ، فَجَاءَ، وَهُوَ يَنْفُضُ الْخَبْطَ عَنْ يَدَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: كُلْ، فَقَالَ: أَطْعِمُوهُ قَوْمًا حَلَالًا، فَإِنَّا حُرُمٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنْشُدُ مَنْ كان ههنا مِنْ أَشْجَعَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إلَيْهِ رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"4، لَمْ يَقُلْ: أَنْشُدُ مَنْ كان ههنا، إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ
__________
1 عند البخاري في "باب إذا أهدى للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل: ص 246 - ج 1، وعند مسلم في "باب تحريم الصيد المأكول البري" ص 379 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء في كراهية لحم الصيد للمحرم" ص 116 - ج 1، وعند النسائي في "باب ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد" ص 24 - ج 2.
2 عند النسائي في "باب ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد" ص 24 - ج 2، وعند أبي داود في "باب لحم الصيد للمحرم" ص 256 - ج 1.
3 عند أبي داود في "باب لح الصيد للمحرم" ص 256 - ج 1.
4 أخرجه الطحاوي في "باب لحم الصيد الذي يذبحه الحلال" ص 389 - ج 1، وص 390 - ج 1.(3/139)
مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَقَدْ خَالَفَ عَلِيًّا فِي ذَلِكَ عُمَرُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ: ثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ اسْتَفْتَاهُ فِي لَحْمِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِ، قَالَ: فَلَقِيت عُمَرَ، فَأَخْبَرْته بِمَسْأَلَةِ الرَّجُلِ، فَقَالَ: بِمَا أَفْتَيْته؟ قُلْت: بِأَكْلِهِ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفْتَيْته بِغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَوْتُك بِالدِّرَّةِ، إنَّمَا نُهِيت أَنْ تَصْطَادَهُ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِمَاسٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فِي لَحْمِ الصَّيْدِ يَصِيدُهُ الْحَلَالُ، ثُمَّ يُهْدِيهِ لِلْمُحْرِمِ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، قَالَ: وَأَمَّا مَعْنَى الْآيَةِ، فَمَعْنَاهُ: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ، بِدَلِيلِ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآية، ولم يقل: لاتأكلوا، قَالَ: وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الصَّيْدَ يُحَرِّمُهُ الْإِحْرَامُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَيُحَرِّمُهُ الْحَرَمُ عَلَى الْحَلَالِ، وَكَأَنَّ مَنْ صَادَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ في الحرام، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْحَرَمُ لَا يَمْنَعُ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ الَّذِي صِيدَ فِي الْحِلِّ، كَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّيْدِ الْحَيِّ، كَانَ النَّاظِرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ الْإِحْرَامُ أَيْضًا، يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الصَّيْدُ الْحَيُّ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لَحْمُهُ، إذَا تَوَلَّى الْحَلَالُ ذَبْحَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ1، وَالشَّافِعِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ الْمُحْرِمِ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ، وَأَحْمَدُ مَعَ مَالِكٍ فِي تَحْرِيمِهِ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِأَحْمَدَ بِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَمِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا تَذَاكَرُوا لَحْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، فَقَالَ عليه السلام: " لَا بَأْسَ بِهِ"، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"، أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: تَذَاكَرْنَا لَحْمَ الصَّيْدِ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ، وَالنَّبِيُّ عليه السلام نَائِمٌ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ عليه السلام، فقال: "فيما تَتَنَازَعُونَ؟ " فَقُلْنَا: فِي لَحْمِ الصَّيْدِ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ، فَأَمَرَنَا بأكله، انتهى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خُسْرو الْبَلْخِيّ فِي "مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ" عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ الصَّيْدَ صَفِيفًا، وَكُنَّا نَتَزَوَّدُهُ، وَنَأْكُلُهُ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ فِي "كِتَابِ فَضَائِلِ أَبِي حَنِيفَةَ"، وَاخْتَصَرَهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"2،
__________
1 انتهى كلام الطحاوي.
2 أخرجه مالك في "الموطأ - في باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد" ص 135.(3/140)
فَقَالَ: مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ يَتَزَوَّدُ صَفِيفَ الظِّبَاءِ فِي الْإِحْرَامِ، انْتَهَى. قَالَ فِي "الصِّحَاحِ": الصَّفِيفُ مَا يُصَفُّ من اللحم على الجمر لينشوي.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" 1 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَنَحْنُ حُرُمٌ، فَأُهْدِيَ إلَيْهِ طَيْرٌ، وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ، فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ، وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ، فَلَمَّا انْتَبَهَ أُخْبِرَ، فَوَافَقَ مَنْ أَكَلَهُ، وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَسْت أُنْكِرُ سَمَاعَ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ، فَمَرَّةٌ رَوَاهُ عَنْهُ، وَمَرَّةٌ رَوَاهُ عَنْ مُعَاذٍ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَوَّدَ إسْنَادَهُ وَوَصَلَهُ، إلَّا ابْنَ جُرَيْجٍ، وَلَا نَعْلَمُهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ أَيْضًا: حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"2، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، قَالَ: فَانْصَرَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةٌ، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ: خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، حَتَّى تَلْقَوْنِي، قَالَ: فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ، إلَّا أَبُو قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ، إذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلْنَا، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، فَقُلْنَا: نَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا، فَقَالَ: " هَلْ مَعَكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ"، أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: " فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: 3 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: فَأَهَلُّوا بِعُمْرَةٍ غَيْرِي، قَالَ: فَاصْطَدْت حِمَارَ وَحْشٍ، فَأَطْعَمْت أَصْحَابِي وَهُمْ مُحْرِمُونَ، ثُمَّ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْبَأْتُهُ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْ لَحْمِهِ، فَقَالَ: " كُلُوهُ"، وَهُمْ مُحْرِمُونَ، انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ4، قَالَ: "مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ "، فَقُلْت: نَعَمْ، فَنَاوَلْته الْعَضُدَ، فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، ذَكَرَهُ فِي "الْأَطْعِمَةِ - فِي الْهِبَةِ" قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَقَالَ:
__________
1 عند مسلم في "باب تحريم الصيد للمحرم" ص 381 - ج 1.
2 عند البخاري في "باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال" ص 246 - ج 1، وعند مسلم في "باب تحريم الصيد المأكول البري" ص 380 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب إذا رأى المحرمون صيداً فضحكوا، ففطن الحلال" ص 245 - ج 1، وعند مسلم في "باب تحريم الصيد" ص 381 - ج 1.
4 عند البخاري في "كتاب الهبة - في باب من استوهب من أصحابه شيئاً" ص 350 - ج 1.(3/141)
"هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟ " قَالُوا: مَعَنَا رِجْلُهُ، قَالُوا: فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابِي، وَلَمْ أُحْرِمْ أَنَا، فَرَأَيْت حِمَارَ وَحْشٍ، فَحَمَلْت عَلَيْهِ، فَاصْطَدْته، فَذَكَرْت شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرْت لَهُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْت، وَأَنِّي إنَّمَا اصْطَدْته لَك، فَأَمَرَ النَّبِيُّ عليه السلام أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ، حِينَ أَخْبَرْته أَنِّي اصْطَدْته لَهُ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: قَوْلُهُ: اصْطَدْته لَك، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مَعْمَرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ غَلَطٌ، فَإِنَّ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَكَلَ مِنْهُ، وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ3: قُلْت: هَذِهِ الْعَضُدُ قَدْ شَوَيْتهَا وَأَنْضَجْتهَا، فَأَخَذَهَا فَنَهَشَهَا عليه السلام، وَهُوَ حَرَامٌ، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ أَفْنَاءِ الرَّوْحَاءِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ إذَا حِمَارٌ مَعْقُورٌ فِيهِ سَهْمٌ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ عليه السلام: "دَعُوهُ، فَيُوشِكُ صَاحِبُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ"، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ، هُوَ الَّذِي عَقَرَ الْحِمَارَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ رَمْيَتِي، فَشَأْنُكُمْ بِهِ، فَأَمَرَ عليه السلام أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ
__________
1 وأخرجه البيهقي في "السنن - في باب ما لا يأكل المحرم من الصيد" ص 190 - ج 5، وقال البيهقي: قال علي: قال لنا أبو بكر: قوله: اصطدته لك، وقوله: لم يأكل منه، لا أعلم أحداً ذكر في هذا الحديث غير معمر، ثم قال: وقد روينا عن أبي حازم بن دينار عن عبد الله بن أبي قتادة في هذا الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل منها، وتلك الرواية أودعها صاحبا الصحيح - كتابيهما - دون رواية معمر، وإن كان الإسنادان صحيحين، والله أعلم، ثم قال البيهقي: ص 194 - ج 5، بعد ما ذكر حديث الحارث خليفة عثمان رضي الله عنه على الطائف، وتأويل هذين المسندين ما ذكره الشافعي رحمه الله في تأويل حديث من روى في قصة الصعب بن جثامة أنه أهدي إليه من لحم حمار، وأما علي، وابن عباس فإنهما ذهبا إلى تحريم أكله على المحرم مطلقاً، وقد خالفهما عمر، وعثمان، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم، وغيرهم، ومعهم حديث أبي قتادة، وجابر، والله أعلم.
2 عند ابن ماجه في "باب الرخصة في ذلك إذا لم يصد له" ص 230، وعند الدارقطني: ص 285، وعند أحمد في "مسند أبي قتادة" ص 304 - ج 5.
3 عند أحمد في "مسند أبي قتادة" ص 306 - ج 5.
4 عند الطحاوي في "باب لحم الصيد الذي يذبحه الحلال" ص 388، ولكن المخرج رحمه الله لفق فيه.(3/142)
الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَكَّةَ قَامَ النَّبِيُّ عليه السلام فِيهِمْ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وأنها أحلت سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ بَقِيَتْ حَرَامًا 2 إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا، إلَّا لِمُنْشِدٍ"، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ عليه السلام: "إلَّا الْإِذْخِرَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ: "إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ، إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا"، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ، وَلِبُيُوتِهِمْ، فقال: "إلا الْإِذْخِرَ"، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رَوَى الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم كَانُوا يُحْرِمُونَ، وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ، وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ إرْسَالُهَا، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، هُوَ قَالَ: كُنَّا نَحُجُّ، وَنَتْرُكُ عِنْدَ أَهْلِنَا أَشْيَاءَ مِنْ الصَّيْدِ، مَا نُرْسِلُهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَلِيًّا رَأَى مَعَ أَصْحَابِهِ دَاجِنًا مِنْ الصَّيْدِ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ، فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِرْسَالِهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: حَدِيثُ: "لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا".
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: اسْتَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِذْخِرَ، تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا الْبَابِ بَابَيْنِ، لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ: "بَابُ مُجَاوَزَةِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ"، و"بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ" وَبَعْدَهُمَا "باب الإِحصار"، نذكره.
__________
1 حديث أبي هريرة عند البخاري في "كتاب اللقطة - في باب كيف تعرف اللقطة" ص 328 - ج 1، وعند مسلم في "باب تحريم مكة، وتحريم صيدها وخلاها وشجرها" ص 438 - ج 1.
2 في - نسخة الدار - "ثم هي حرام" [البجنوري] .
3 وأما حديث ابن عباس، فعند مسلم: ص 438 - ج 1، وعند البخاري في "الحج - في باب لا ينفر صيد الحرم" ص 247 - ج 1.(3/143)
بَابُ الْإِحْصَارِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام حَلَقَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ مُحْصَرًا بِهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ، قُلْت: تَقَدَّمَ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "الشَّهَادَاتِ"1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْقَابِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا، وَلَا يُقِيمَ فِيهَا إلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْهُ2، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ عليه السلام هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُحْصِرَ النَّبِيُّ عليه السلام، فَحَلَقَ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا، وَحَلَقَ أَصْحَابُهُ، تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ4، وَمَرْوَانَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا، إلَى أَنْ قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بَدَنَةً، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا، الْحَدِيثَ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 5 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَّامٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر حَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْر عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَمَّا حَبَسَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةٍ عَنْ الْبَيْتِ، نَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ رَجَعُوا حَتَّى اعْتَمَرُوا الْعَامَ الْقَابِلَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، قُلْت: ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ لَا غَيْرُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانُوا عُمَّارًا، قُلْت: تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" أَيْضًا عَلَى مَالِكٍ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
__________
1 بهذا اللفظ، عند البخاري في "كتاب الصلح في باب الصلح مع المشركين" ص 372 - ج 1.
2 بهذا اللفظ عند البخاري في "الحج - في باب النحر قبل الحلق في الحصر" ص 243 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب إذا أحصر المعتمر" ص 243 - ج 1.
4 عند البخاري في "كتاب الشروط - في باب الشروط في الجهاد" ص 377 - ج 1.
5 عند الطحاوي في "باب حكم المحصر بالحج" ص 431 - ج 1.(3/144)
فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا، فَقَالَ: إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"1 حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ شَدَّادٍ الْعَبْدِيُّ صَاحِبُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: لُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ، فَذَكَرْنَاهُ لِابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: يَبْعَثُ بِهَدْيٍ، وَيُوَاعِدُ أَصْحَابَهُ مَوْعِدًا، فَإِذَا نُحِرَ عَنْهُ حَلَّ، انْتَهَى. وَبِهِ إلَى جَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
__________
1 في "باب المحصر بالحج" ص 432، وفي سنده: علي بن معبد بن شداد العبدي أبو الحسن، نزيل مصر صاحب محمد بن الحسن، روى عنه "الجامع الكبير والصغير" وكان يذهب مذهب أبي حنيفة، ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: مستقيم الحديث، وقال الحاكم: هو شيخ من جلة المحدثين، كذا في "تهذيب التهذيب" ص 315 - ج 7.(3/145)
بَابُ الْفَوَاتِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: " مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ، فَقَدْ فَاتَهُ الحج، فليحل بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ عَنْ رَحْمَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ ابن لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ، وَنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيُحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، انْتَهَى. وَرَحْمَةُ بْنُ مُصْعَبٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِيسَى التَّمِيمِيِّ النَّهْشَلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ بِهَا وَالْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيُحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ عِيسَى النَّهْشَلِيُّ، قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ، وَكَثُرَ وَهْمُهُ، حَتَّى خَالَفَ الْأَثْبَاتَ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ضَعِيفًا، لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ.
__________
2 كلا الحديثين، عند الدارقطني في: ص 264 "كتاب الحج".(3/145)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: الْقَائِلِينَ بِهَدْيِ الْفَوَاتِ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ هَدْيِ الْفَوَاتِ بِثَلَاثَةِ آثَارٍ:
أَحَدُهَا: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ1 مِنْ جِهَتِهِ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ النَّحْرِ مِنْ الْحَاجِّ، وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيَأْتِ الْبَيْتَ، فَلْيَطُفْ بِهِ سَبْعًا، وَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا والمروة، ثُمَّ لْيَحْلِقْ، أَوْ يُقَصِّرْ إن شاء، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَنْحَرْ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، فَلْيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ، ثُمَّ لِيَرْجِع إلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَلْيَحُجَّ إنْ اسْتَطَاعَ، وَلْيُهْدِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، انْتَهَى.
الْأَثَرُ الثَّانِي: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ 2 عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إذَا كَانَ بِالْبَادِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْت، فَإِذَا أَدْرَكَك الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، فَاحْجُجْ، وَاهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، انْتَهَى.
الْأَثَرُ الثَّالِثُ: رَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ، كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك، وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا، وَاقْصُرُوا، وَارْجِعُوا، فَإِذَا جَاءَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: "مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُرْسَلٌ وَضَعِيفٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ: - يَعْنِي يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ - قُلْت: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ
__________
1 عند البيهقي في "باب ما يفعل من فاته الحج" ص 174 - ج 5، وقال الحافظ في "الدراية" ص 211: حديث ابن عمر موقوف صحيح.
2 كلا الأثرين، عند مالك في "الموطأ - في باب هدي من فاته الحج" ص 149.
3 عند البيهقي في "السنن" - في باب العمرة في أشهر الحج" ص 346 - ج 4.(3/146)
مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَلَّتْ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ الْبَحْرُ - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ - خَمْسَةُ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، اعْتَمِرْ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مَا شِئْته، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ أَبِي يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرِيضَتَانِ، لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِمَا بَدَأْت"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: الصَّحِيحُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى. فِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ ضَعَّفُوهُ، وَلَكِنْ لَهُمْ آخَرُ فِي طَبَقَتِهِ ثِقَةٌ، وَقَالَ فِيهِ الْمَكِّيُّ أَيْضًا، فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْضَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ: خَرَقْنَا حَدِيثَهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ زَيْدٍ مَوْقُوفًا، قَالَ: وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَأَنْ تَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" لَيْسَ فِيهِمَا: وَتَعْتَمِرُ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِيهَا شُذُوذٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِنَّمَا قَالَ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِهِ" الْمُخَرَّجُ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ الْحَافِظُ فِي "صَحِيحِهِ"، وَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ طُولٌ، ذَكَرَ فِيهِ الْإِيمَانَ، وَالْإِسْلَامَ، وَالْإِحْسَانَ، وَهُوَ حَدِيثُ جِبْرِيلَ عليه السلام، وَفِي آخِرِهِ: وَمَا عَرَفْته حَتَّى وَلَّى، وَلَمْ يَعْزُهُ الشَّيْخُ بِشَيْءٍ، وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ" لِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي "سُنَنِهِ" كَذَلِكَ.
__________
1 عند الدارقطني في "الحج" ص 282، وعند الحاكم في "باب الحج والعمرة فريضتان" ص 481 - ج 1، وقال الذهبي: الصحيح موقوف، وعند البيهقي في "السنن - في باب من قال بوجوب العمرة" ص 351 - ج 4، وروى الموقوف أيضاً الدارقطني بعد المرفوع.
2 عند الدارقطني في "الحج" ص 281.(3/147)
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: "اُحْجُجْ عَنْ أَبِيك، وَاعْتَمِرْ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:1 حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِي إيجَابِ الْعُمْرَةِ حَدِيثًا أَصَحَّ مِنْ هَذَا، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، إذْ الْأَمْرُ فِيهِ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ فِعْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: سَبَقَهُ إلَى هَذَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ" فَقَالَ: وَفِي دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ نَظَرٌ، فَإِنَّهَا صِيغَةُ أَمْرٍ لِلْوَلَدِ، بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ وَيَعْتَمِرَ، لَا أَمْرٍ لَهُ بِأَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَحَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ عَنْ أَبِيهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَا يَكُونُ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِيهَا لِلْوُجُوبِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَابْنُ لَهِيعَةَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"3، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: " عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 4 مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ حَبِيبٍ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا ذِكْرُ الْعُمْرَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا فِي "التَّحْقِيقِ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 5 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِيهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ
__________
1 عند الترمذي في باب بعد باب الحج عن الشيخ الكبير والميت" ص 24 - ج 1، وعند الحاكم في "باب الحج عن الغير" ص 481 - ج 1، وعند البيهقي في "باب من قال بوجوب العمرة" ص 350 - ج 4، ونقل كلام أحمد.
2 عند البيهقي: ص 350 - ج 4.
3 عند ابن ماجه في "باب الحج جهاد النساء" 214.
4 عند البخاري في "باب جهاد النساء" ص 402 ج 1 عن معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
5 عند الدارقطني في "الحج" ص 283.(3/148)
الْحَجُّ الْأَصْغَرُ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد 1 هَذَا قَالَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ: إنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ، مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، فَمَنْ زَادَ بَعْدَهَا شَيْئًا فَهُوَ خَيْرٌ وَتَطَوُّعٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأُخْبِرْت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِ الْحَجِّ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ 2 أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ إلَّا أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِنَّ عُمْرَتَهُمْ طَوَافُهُمْ، فَلْيَخْرُجُوا إلَى التَّنْعِيمِ، ثُمَّ لِيَدْخُلُوهَا، فَوَاَللَّهِ ما دخلها رسول الّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُنَاظَرَةِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ: الْوُجُوبُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْحَجِّ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ عليه السلام الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَقْضِيَ الْحَجَّ عَنْ أَبِيهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: قَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ فِي الْحَدِيثِ، فَيُحْفَظُ بَعْضُ الْحَدِيثِ دُونَ بَعْضٍ، وَقَدْ يُحْفَظُ كُلُّهُ، فَيُؤَدِّي بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ السُّؤَالِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ، وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الْحَجُّ فَرِيضَةٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 3 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى الْخُشَنِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ إسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
__________
1 قال الحافظ في "تهذيبه ص 190 - ج 4 - في ترجمة سليمان بن داود الخولاني الدمشقي الداراني": قلت: أما سليمان بن داود الخولاني فلا ريب في أنه صدوق، لكن الشبهة دخلت على حديث الصدقات من جهة أن الحكم بن موسى غلط في اسم والد سليمان، فقال: سليمان بن داود، وإنما هو سليمان بن أرقم، والله أعلم.
2 كلا الحديثين: عند الحاكم: ص 471 - ج 1، وأما قوله عليه السلام: "العمرة الحج الأصغر" قال أبو بكر الرازي: معناه أن الحج ينوب عن العمرة لوجود أفعالها فيه، وزيادة، ولو أراد وجوبها، كالحج، لم يدخل أحدهما في الآخر، كما لا يقال: دخلت الصلاة في الحج، وقال الخطابي: معناه فرضها ساقط بالحج، وهو معنى دخولها فيه، فهو دليل على عدم الوجوب، كذا في "الجوهر النقي على هامش السنن": ص 352 - ج 4.
3 في "باب العمرة" ص 221، وعند الترمذي في "باب ما جاء في العمرة أواجبة هي أم لا" 125 - ج 1.(3/149)
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ مُتَكَلِّمٌ فِيهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ؟ قَالَ: "لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا غَيْرُ، قَالَ شَيْخُنَا الْمُنْذِرِيُّ: وَفِي تَصْحِيحِهِ لَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تَرَكَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَضَعَّفَاهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَفَعَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَعُبَيْدُ اللَّهِ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمِصْرِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ غَيْرُهُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ضَعِيفٌ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "الْمِيزَانِ": وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ نُوحٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَابْنِ عَدِيٍّ، وَابْنِ مَعِينٍ، قَالَ: وَهَذَا يُعْرَفُ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَلَعَلَّ أَبَا عِصْمَةَ سَرَقَهُ مِنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَوَى عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثَنَا جَرِيرٌ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ2: هَذَا كَذِبٌ، مِنْ بَلَايَا عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ، رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاهَانُ ضَعِيفٌ، وَأَوْهَمَ ابْنُ قَانِعٍ أَنَّهُ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ: بِأَنَّ عَبْدَ الْبَاقِي بْنَ قَانِعٍ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ، وَقَوْلُهُ فِي أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ: إنَّهُ ضَعِيفٌ، لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَرَوَى
__________
1 في "الحج" ص 283.
2 كلام ابن حزم هذا مذكور في "المحلى" في: ص 37، وص 38 - ج 7.(3/150)
عَنْهُ جَمَاعَةٌ مَشَاهِيرُ، قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: أَبُو صَالِحٍ مَاهَانُ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ عَمَّارٌ الذَّهَبِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبُو إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ إسْحَاقَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّيْخُ: وَرَوَاهُ ابْنُ قَانِعٍ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَحِيرٍ الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَمِنْ دُونِ سَالِمٍ ثَلَاثَةٌ مَجَاهِيلُ لَا يُعْرَفُونَ، قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: " مَنْ مَشَى إلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَحَجَّةٍ، وَمَنْ مَشَى إلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ، فَأَجْرُهُ كَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ"، وَأَعَلَّهُ بِضَعْفِ الْقَاسِمِ، قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ مَجْهُولٌ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُهُ: حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ 1 مَجْهُولٌ، عَجِيبٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَبُو مُعِيدٍ - بِيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ - شَامِيٌّ مَشْهُورٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَى عَنْهُ الْوَضِينُ بْنُ عَطَاءٍ، وَزَيْدُ بْنُ يَحْيَى، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَيُرْوَى عَنْ مَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَنَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، انْتَهَى: مِنْ "الْإِمَامِ".
__________
1 حفص بن غيلان أبو معيد مصغراً، قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" ص 419 - ج 2، قلت: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم: من ثقات الشاميين الذين يجمع حديثهم.(3/151)
بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ نَفْسِهِ، وَالْآخَرُ: عَنْ أُمَّتِهِ، مِمَّنْ أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَهِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَلَاغِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بن أسيد العفاري، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
فَحَدِيثُ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 2 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ شهد له بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
__________
2 عند ابن ماجه في "باب الأضاحي" ص 232.(3/151)
أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الطبراني في "معجمه الوسط" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ الْقِتْبَانِيُّ ثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ - فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ" عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَقَرَّبَ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ مِنْك، وَلَك، اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ"، ثُمَّ قَرَّبَ الْآخَرَ، فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك، وَلَك، اللَّهُمَّ هَذَا عَمَّنْ وَحَّدَك مِنْ أُمَّتِي"، انْتَهَى. وَقَالَ: مَشْهُورٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ عليه السلام يَوْمَ النَّحْرِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: {إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي} الْآيَةَ، " اللَّهُمَّ لَك، وَمِنْك، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأُمَّتِهِ، بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ"، ثُمَّ ذَبَحَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، إلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ فِي مَتْنِ الْحَاكِمِ قَوْلَهُ: أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 أَتَمَّ مِنْهُمْ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة أنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَتَى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَأَضْجَعَ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، ثُمَّ أَضْجَعَ الْآخَرَ، وَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا".
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ خَصِيَّيْنِ، وَقَالَ: أَحَدُهُمَا عَمَّنْ شَهِدَ لِلَّهِ
__________
1 عند أبي داود في "باب ما يستحب من الضحايا" ص 30 - ج 2، وعند ابن ماجه في "أبواب الأضاحي" ص 232، وعند الحاكم: ص 467 - ج 1.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 22 - ج 4: رواه أبو يعلى، وإسناده حسن.(3/152)
بِالتَّوْحِيدِ، وَلَهُ بِالْبَلَاغِ، وَالْآخَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَفَانَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا" 1 وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ" عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ أَتَى بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ، فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُولُ: " عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ، فَمَكَثْنَا سِنِينَ لَيْسَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي، قَدْ كَفَاهُ اللَّهُ الْمُؤْنَةَ وَالْغُرْمَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، لَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَهُ مَنَاكِيرُ، وَابْنُ عَقِيلٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنَ أَسِيدٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْفَضَائِلِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَرِّبُ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَيَذْبَحُ أَحَدَهُمَا، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، وَيُقَرِّبُ الْآخَرَ، فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي ممن شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَلِي بِالْبَلَاغِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَاسْمُهُ: زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَقَالَ عِنْدَ الْأَوَّلِ: "عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، وَقَالَ عِنْدَ الثَّانِي: "عَمَّنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي مِنْ أُمَّتِي"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، قَرَّبَ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك، هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ"، ثُمَّ قَرَّبَ الْآخَرَ فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك، هَذَا عَمَّنْ وَحَّدَك مِنْ أُمَّتِي"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ أبي سحم الْمُبَارَكِ بْنِ سُحَيْمٍ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"4: سَأَلْت
__________
1 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 22 - ج 4: رواه البزار، وأحمد بنحوه، ورواه الطبراني في "الكبير" بنحوه، وإسناد أحمد، والبزار حسن.
2 قال الهيثمي في: ص 22 - ج 4: رواه أبو يعلى، والطبراني في "الكبير - والأوسط" من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن جده، ولم يدركه، ورجاله رجال الصحيح.
3 في "الصيد والذبائح" ص 545.
4 ص 39 - ج 2، وفي كلام الحافظ المخرج اختصار.(3/153)
أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ ابْنِ عَقِيلٍ، فَإِنَّهُ لَا يَضْبِطُ حَدِيثَهُ، وَاَلَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مِنْ وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ، فَقَالَ فِي أَحَدِهِمَا: "اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: "اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَنْهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ مَرَّةً: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَقُلْ: أَوْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ عَنْهُ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ حج الضرورة عَنْ الْغَيْرِ: اُسْتُدِلَّ عَلَى جواز حج الضرورة عَنْ الْغَيْرِ، وَحَجِّ النَّفْلِ قَبْلَ الْفَرْضِ، بِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"، وَأَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، والباقون عن أخيه الفاضل بن عباس عن امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، قَالَ: حُجِّي عَنْهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ عليه السلام رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ نُبَيْشَةَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمُلَبِّي عَنْ نُبَيْشَةَ، هَلْ حَجَجْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَذِهِ عَنْ نُبَيْشَةَ، وَحُجَّ عَنْ نَفْسِك، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "مَنْ شُبْرُمَةُ؟ " قَالَ: أَخٌ لِي، قَالَ: "هَلْ حَجَجْتَ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَحُجَّ عَنْ نَفْسِك، ثُمَّ اُحْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ"، قَالَ: وَقَدْ رَجَعَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ ذَلِكَ، وَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ، مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: " مَنْ شُبْرُمَةُ؟ " إلَى آخِرِهِ. قَالَ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
__________
1 عند الدارقطني: ص 276.(3/154)
حَدِيثُ الْمَانِعِينَ: وَهُوَ حَدِيثُ شُبْرُمَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سَمِعَ رَجُلًا، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَقَوْلُهُ: اجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِك أَمْرُ وُجُوبٍ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ حَجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ أَمْرُ إبَاحَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ ضَعِيفَةٍ، أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ أَيْضًا قَدْ أُعِلَّتْ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَحَدِيثُ شُبْرُمَةَ عَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا، وَاَلَّذِي أَسْنَدَهُ ثِقَةٌ، فَلَا يَضُرُّهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَصْحَابُ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ، فَقَوْمٌ يَرْفَعُونَهُ: مِنْهُمْ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَوْمٌ يَقِفُونَهُ: مِنْهُمْ غُنْدَرٌ، وَحُسْنُ بْنُ صَالِحٍ، وَالرَّافِعُونَ ثِقَاتٌ، فَلَا يَضُرُّهُمْ 2 وَقْفُ الْوَاقِفِينَ، إمَّا لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا مَا لَمْ يَحْفَظْ أُولَئِكَ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْوَاقِفِينَ رَوَوْا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَأْيَهُ، وَالرَّافِعِينَ رَوَوْا عَنْهُ رِوَايَتَهُ، وَالرَّاوِي قَدْ يُفْتِي بِمَا يَرْوِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": وَعَلَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الِاخْتِلَافُ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، فَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ يَرْفَعُهُ، وَهُوَ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَتَابَعَهُ عَلَى رَفْعِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: أَصَحُّ وَأَثْبَتُ النَّاسِ سَمَاعًا مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَرَوَاهُ غُنْدَرٌ عَنْ سَعِيدٍ، فَوَقَفَهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، وَفِيهِ مَعَ زِيَادَةِ الْوَقْفِ اسْتِبْعَادُ تَعَدُّدِ الْقَضِيَّةِ، بِأَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَفِي زَمَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى سِيَاقٍ وَاحِدٍ، وَاتِّفَاقِ لَفْظٍ، وَالثَّانِي الْإِرْسَالُ، فَإِنَّ سَعِيدَ بن المنصور رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَوَاهُ أَيْضًا حَدَّثَنَا هُشَيْمِ أَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: حَدَّثَنَا، وَلَا سَمِعْت، وَهُوَ إمَامٌ فِي التَّدْلِيسِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُفْلِسِ فِي "كِتَابِهِ": وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِالْبَصْرَةِ، فَيَجْعَلُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يُسْنِدُهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِالْكُوفَةِ، فَيَجْعَلُ الْكَلَامَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام قَالُوا أَيْضًا: فَقَتَادَةُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: حَدَّثَنَا، وَلَا سَمِعْت، وَهُوَ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ، قَالُوا: وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ
__________
1 عند أبي داود في "باب الرجل يحج عن غيره" ص 252 - ج 1.
2 ومثله في البيهقي في "باب من ليس له أن يحج عن غيره" ص 336 - ج 4.(3/155)
هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ 1 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي لَيْلَى، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ عَائِشَةَ، وَأَرْسَلَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، قَالُوا: فَالْخَبَرُ بِذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ تَابَعَ عَبْدَةَ بْنَ سُلَيْمَانَ عَلَى رَفْعِهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَعِيدٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حُيَيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ 2 مَوْقُوفًا، وَلَمْ يَذْكُرْ عَزْرَةَ فِي إسْنَادِهِ3، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ سَعِيدَ بن جبير حدثه، وكذلك مَعْدُودٌ فِي أَوْهَامِهِ، فَإِنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَلْقَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فِيمَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ: ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ، لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، فَإِنَّهُ عليه السلام، قَالَ فِيهِ: "حُجِّي عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرِي"، قُلْت: هَذَا وَهْمٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْخَثْعَمِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الِاعْتِمَارِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"، ورواه أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ مِنْ حَدِيثِ أخيه الفضل بن عباس، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، قَالَ: حُجِّي عَنْهُ، وكذلك فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: هَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ 4 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ عليه السلام، فَالْبَعْضُ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ الْفَضْلِ، وَالْبَعْضُ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يُحَسِّنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،
__________
1 عند الدارقطني: ص 276، وحديث ابن قلابة عن ابن عباس، عند البيهقي في "باب من ليس له أن يحج عن غيره" ص 337 - ج 4.
2 في - نسخة الدار - "عن سعيد به" [البجنوري] .
3 قال البيهقي: ص 336، وعزرة هذا هو عزرة بن يحيى، وقال صاحب "الجوهر النقي": قلت: عزرة الذي روى عن سعيد بن جبير، وروى عنه قتادة هو عزرة بن عبد الرحمن الخزاعي، كذا ذكره البخاري في "تاريخه" وابن أبي حاتم، وابن حبان، وصاحب الكمال، وليس في كتاب أبي داود أحد يقال له: عزرة بن يحيى، ولا في بقية الكتب الستة، وترجم المزي في "أطرافه" لهذا الحديث، وقال: عزرة بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي - تقييد المهمل - للنسائي، وروى مسلم عن قتادة عن عزرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن سعيد بن جبير في "كتاب اللباس" قال البخاري: عزرة بن عبد الرحمن الخزاعي كوفي عن سعيد بن جبير، الخ.
4 عند أبي داود في "باب الرجل يحج عن غيره" ص 256، وعند البخاري في "باب حج المرأة عن الرجل" ص 350 - ج 1، وعند مسلم في "باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم" ص 431 - ج 1.(3/156)
قَالَ التِّرْمِذِيُّ1: وَسَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَقَالَ لِي: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنْ الْفَضْلِ، وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كُرَيْبٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَوْفٍ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْحَجُّ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحُجَّ إلَّا مُعْتَرِضًا، فَصَمَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: " حُجَّ عَنْ أَبِيك"، انْتَهَى. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلَةٌ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ سِيرِينَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: "حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ"، انتهى. وقال التِّرْمِذِيُّ3: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَاسْمُ أَبِي رَزِينٍ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 4 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيِّ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فَقَالَ عليه السلام: "أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته، أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهُ؟ " فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "حُجَّ عَنْهُ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" وَعَبْدُ الْعَزِيزِ 5 بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
__________
1 عند الترمذي في "باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت" ص 124 - ج 1.
2 عند ابن ماجه "باب الحج عن الميت" ص 214 - ج 1، وقوله: ولا يستطيع أن يحج إلا معترضاً، أي مشقوقاً عليه.
3 عند الترمذي في "باب بعد باب الحج عن الشيخ الكبير والميت" ص 124 - ج 1.
4 قال الهيثمي ص 282 - ج 3: رواه أحمد، والطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات.
5 عبد العزيز بن عبد الصمد العمي أبو عبد الصمد البصري الحافظ، قال عمرو بن علي: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول يوم مات: ما مات لكم منذ ثلاثين سنة شبهه، أو مثله، أو أوثق منه، كذا في "تهذيب التهذيب" ص 347 - ج 6.(3/157)
أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ حَدَّثَ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، وَوَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ أَيْضًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ" أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَرَوَى لَهُ فِي "صَحِيحِهِ"، وَيُوسُفُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ زُرَيْقٍ سَمِعْت عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ عَنْ أَبِي الْغَوْثِ بْنِ الْحُصَيْنِ الْخَثْعَمِيِّ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَتَمَالَكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَتَرَى أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: " نَعَمْ حُجَّ عَنْهُ"، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِنَا، وَلَمْ يُوصِ بِحَجٍّ، أَفَيُحَجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتُؤْجَرُونَ، قَالَ: وَيُتَصَدَّقُ عَنْهُ وَيُصَامُ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
أَحَادِيثُ الْحَجِّ عن الميت: أخرجه الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: "اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ"، انْتَهَى. وفي لفظ فِي "الْحَجِّ": إنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ، وَرَوَاهُ فِي "كِتَابِ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ"، قَالَ: أتى رجل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ، بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: " فَاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريدة عن أبيه أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي ماتت ولم تحج، أوَ أحج عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَزَادَ فِيهِ: الصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْغَوْثِ بْنِ حُصَيْنٍ - رَجُلٌ مِنْ الْفَرْعِ - أَنَّهُ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجَّةٍ كَانَتْ عَلَى أَبِيهِ، مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، فَقَالَ عليه السلام: "حُجَّ عَنْ أَبِيك"، قَالَ عليه السلام: وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ يُقْضَى عَنْهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"3 والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: هَلَكَ أَبِي، وَلَمْ يَحُجَّ، فَقَالَ: " أَرَأَيْت
__________
1 في "كتاب الاعتصام - باب من شبه أصلاً معلوماً بأصل مبين" ص 1088 - ج 2.
2 في "باب الحج عن الميت" ص 214 - ج 1.
3 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 282 - ج 3: رواه البزار والطبراني في "الأوسط - والكبير" وإسناده حسن، وعند الدارقطني: ص 272 - ج 1.(3/158)
لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته عَنْهُ، أَيُتَقَبَّلُ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْهُ، انْتَهَى. وَحَمَّادُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ أَحْمَدُ: شَيْخٌ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ إدْخَالَهُ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، قَالَ الشَّيْخُ: وَعَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ ثَلَاثَةٌ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، أَحَدُهُمْ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَالثَّانِي: مُؤَذِّنُ مَسْجِدِ صَنْعَاءَ، وَالثَّالِثُ: التَّمِيمِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 1 عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْبَصْرِيُّ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرْتُ امْرَأَةَ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ الْجُهَنِيِّ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ عليه السلام أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، أَفَيُجْزِئُ عَنْ أُمِّهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهَا؟ فَقَالَ عليه السلام: نَعَمْ، لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّهَا دَيْنٌ فَقَضَتْهُ عَنْهَا، أَلَمْ يَكُنْ يجزئ عنها؟ فلتحجج عَنْ أُمِّهَا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: " إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ"، الْحَدِيثَ. قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْوَصَايَا"، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْأَحْكَامِ 2 - فِي الْوَقْفِ" مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا مَاتَ ابن آدم انقطع إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ عِلْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يدعوا لَهُ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، كُتِبَتْ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ"، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ سَبَلَانُ ثَنَا أَبُو معاوية بْنُ إسْحَاقَ عَنْ جَمِيلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ خَرَجَ حَاجًّا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْحَاجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أجر المعتمر إلَى
__________
1 عند النسائي في "باب الحج عن الميت الذي لم يحج" ص 3 - ج 2 قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" ص 320 - ج 11: وقال شعبة: قال أبو إسحاق: سمعت أبا إياس يقول: ما بالبصرة أحد أحب إلي من أن ألقى الله تعالى بمثل عمله من أبي التياح، وذكره ابن حبان في الثقات.
2 عند مسلم في "الوصايا - في باب ما يلحق الانسان من الثواب بعد موته" ص 41 - ج 2، وعند أبي داود في "الوصايا - في باب ما جاء في الصدقة عن الميت" ص 42 - ج 2، وعند النسائي في "باب فضل الصدقة عن الميت" ص 132 - ج 2، وعند الترمذي في "الوقف" ص 177 - ج 1.(3/159)
يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ، كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْغَازِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ" - لَهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ1 الْفِلَسْطِينِيِّ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِسَنَدِ أَبِي يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيِّ، سَوَاءً.
__________
1 هلال بن أبي ميمونة، ويقال: هلال بن علي بن أسامة، وهلال ابن أبي هلال العامري مولاهم المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات" كذا في "تهذيب التهذيب" ص 82 - ج 11.(3/160)
بَابُ الْهَدْيِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سُئِلَ عَنْ الْهَدْيِ، فَقَالَ: "أَدْنَاهُ شَاةٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ وَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "المعرفة" من طريق الشافعية أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عن عَطَاءً، قَالَ: أَدْنَى مَا يُهْرَاقُ مِنْ الدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ شَاةٌ، مُخْتَصَرٌ. وَاسْتَشْهَدَ لَهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْته عَنْ الْهَدْيِ، فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شَاةٌ، أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، قَالَ: وكان ناساً كَرِهُوهَا، فَنِمْت، فَرَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إنْسَانًا يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ، وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَتَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْته، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "بَابِ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ"2، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ الْهَدْيِ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ حَدِيثِ الْكِتَابِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَكَلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ، وَحَسَا مِنْ الْمَرَقَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا - يَعْنِي عَلِيًّا، وَالنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى أَحْمَدُ3، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوداع مئة بدنة، ونحر مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَدَنَةً، ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ
__________
2 ص 228، وعند مسلم في "باب جواز العمرة في أشهر الحج" ص 407 - ج 1.
3 قلت: حديث ابن عباس في "مسند أحمد" ص 260 - ج 1 لكن سنده هكذا، قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن أبي إسحاق، قال: حدثني رجل عن عبد الله ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس، الحديث.(3/160)
مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَقَالَ لَهُ: اقْسِمْ لَحْمَهَا وَجِلَالَهَا وَجُلُودَهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا تُعْطِ جَزَّارًا مِنْهَا شَيْئًا، وَخُذْ لَنَا مِنْ كُلِّ بَعِيرٍ بِضْعَةً مِنْ لَحْمٍ، ثُمَّ اجْعَلْهَا فِي قِدْرٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى نَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَنَحْسُوَ مِنْ مَرَقِهَا، فَفَعَلَ، انْتَهَى. وَهُوَ سَنَدٌ ضَعِيفٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعَثَ الْهَدَايَا عَلَى يَدَيْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ لَهُ: لَا تَأْكُلْ أَنْتَ، وَلَا رُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا، قُلْت: حَدِيثُ نَاجِيَةَ لَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ: لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا رُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا، كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 1 مِنْ حَدِيثِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ، قَالَ: إنْ عَطِبَ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. ثُمَّ وَجَدْته فِي "الْمَغَازِي" لِلْوَاقِدِيِّ، ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ وَائِلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَحَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ آخَرُونَ، فَقَالَ: وَكُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ، فَذَكَرَ الْقَضِيَّةَ، وَفِيهَا أَنَّهُ عليه السلام اسْتَعْمَلَ عَلَى هَدْيِهِ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ بِهَا، قَالَ: وَكَانَتْ سَبْعِينَ بَدَنَةً، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ، وَقَالَ نَاجِيَةُ الْأَسْلَمِيُّ: عَطِبَ مَعِي بَعِيرٌ مِنْ الْهَدْيِ، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْوَاءِ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: " انْحَرْهَا وَاصْبُغْ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك مِنْهَا شَيْئًا، وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ"، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَى فِي آخِرِ الْكِتَابِ: حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كُنْت عَلَى هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت مَا عَطِبَ مِنْهَا كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "انْحَرْهُ، وَأَلْقِ قَلَائِدَهُ فِي دَمِهِ، لَا تَأْكُلْ أَنْتَ"، إلَى آخِرِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى: مِنْهَا حَدِيثُ ذُؤَيْبٍ أَبِي قَبِيصَةَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ بِالْبُدْنِ مَعَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: "إنْ عَطِبَ منها شيئاً فَخَشِيت عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي "تَارِيخِهِ - فِي بَابِ الصَّحَابَةِ - فِي تَرْجَمَةِ ذُؤَيْبٍ" وَقَالَ:
__________
1 عند أبي داود في "باب الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ" ص 245 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به" ص 123 - ج 1، وعند ابن ماجه في "باب الهدي إذا عطب" ص 231.
2 عند مسلم في "باب ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق" ص 427، وعند ابن ماجه في "باب الهدي إذا عطب" ص 231.(3/161)
سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: قَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكْ سِنَانَ بْنَ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ مُعَنْعَنٌ فِي مُسْلِمٍ، وَابْنِ مَاجَهْ، إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا ذَكَرَ لَهُ شَوَاهِدَ، - وَلَمْ يُسَمِّهِ فِيهَا ذُؤَيْبًا، بَلْ قَالَ: رَجُلًا - وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً، وبعث معه بثمان عشر بَدَنَةً، فَقَالَ: أَرَأَيْت إنْ أُزْحِفَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْهَا، قَالَ: "تَنْحَرُهَا، ثُمَّ تَصْبُغُ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْهَا عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِك، أَوْ قَالَ: مِنْ أَهْلِك وَرُفْقَتِك"، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: وبعث معه بستة عشر بَدَنَةً، وَهُوَ لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَضِيَّتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: عِوَضَ رَجُلًا، فُلَانًا الْأَسْلَمِيَّ، وَلَمْ أَجِدْ فِي الْحَدِيثَيْنِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِمَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي الْإِحْصَارِ، وَلَا أَنَّ الْبَعْثَ كَانَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ شَارِحِي - مُسْلِمٍ - لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ عليه السلام مَعِي بِهَدْيٍ، وَقَالَ: "إذَا عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اضْرِبْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ صَفْحَتَهُ، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَهْلُ رُفْقَتِك، وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ"، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانِيُّ: بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ، وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ عليه السلام عَنْ الْهَدْيِ يَعْطَبُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ: انْحَرْهُ، إلَى آخِرِهِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَمِثْلُهُ لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ، إلَّا أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَلِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا فَرَّقَهُمَا ابْنُ عَسَاكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ تَرْجَمَةِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ فِي "أَطْرَافِهِ" فَجَعَلَهُمَا حَدِيثَيْنِ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَالصَّوَابُ مَا فَعَلَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي "أَطْرَافِهِ" فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ قَلَّدَ ابْنَ عَسَاكِرَ، فَلَمْ يَعْزُهُ فِي "مُخْتَصَرِ السُّنَنِ" لِابْنِ مَاجَهْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً، فِيمَا أَرَى، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ، انْتَهَى. فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ.
__________
1 عند أحمد في " ص 187 - ج 4، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 228 - ج 3: رواه أحمد، والطبراني في "الكبير" بنحوه، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة، ولكنه مدلس.
2 عند أبي داود في "باب الصلاة بجمع" ص 268 - ج 1، وعند ابن ماجه في "باب الذبح" ص 225.(3/162)
وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْحَدِيثِ فِي "مُسْلِمٍ" أَخْرَجَهُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "نحرت ههنا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ".
وَأَمَّا حَدِيثُ أبي هريرة: فأخرجه أَبُو دَاوُد فِي "الصَّوْمِ" 1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ، وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ: أَبُو زُرْعَةَ لَمْ يَلْقَ أَبَا هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: لَا نَعْلَمُهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الحصين عن عكرمة عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَهَدْيُهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ: "هَذَا الْمَنْحَرُ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، فَنَحَرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام نَحَرَ الْإِبِلَ، وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، الْحَدِيثَ، وَذَبَحَ الْبَقَرَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ قَالُوا ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ، مُخْتَصَرٌ. وَذَبَحَ الْغَنَمَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْته وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ أَحَادِيثُ "الْحَجِّ - وَالْأَضَاحِيِّ - وَالذَّبَائِحِ".
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا، وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ اليد اليسرى، قلت: أخرجه الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَنَحْنُ مَعَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ بَدَنَاتٍ قِيَامًا، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَمُسْلِمٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِمِنًى، فَمَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ، وَهِيَ بَارِكَةٌ، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كُنْت عَلَى هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا بَلَغْنَا مَنْزِلَ رَسُولِ اللَّهِ
__________
1 في "باب إذا أخطأ القوم الهلال" ص 318 - ج 1.
2 عن البخاري في "باب ذبح الرجل البقر عن نسائه" ص 231 - ج 1، وعند مسلم في "باب بيان وجوه الاحرام" ص 389 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب نحر الإبل مقيدة" ص 231 - ج 1، وحديث زياد ابن جبير عن ابن عمر، عند البخاري في "باب نحر الإبل المقيدة" ص 231 - ج 1، وعند مسلم في "باب استحباب نحر الإبل قياماً مقيدة" ص 424 - ج 1.(3/163)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَرْسَلَ إلَيَّ: أَنْ سُقْ الْهَدْيَ إلَى النَّحْرِ، قَالَ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْحَرُ الْهَدْيَ بِيَدِهِ، وَأَنَا أُقَدِّمُهَا إلَيْهِ، تَمْشِي عَلَى ثَلَاثٍ قَوَائِمَ، وَهِيَ مَعْقُولَةُ وَاحِدَةٍ، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابن الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا، انْتَهَى. وَجَهِلَ مَنْ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَالْحَدِيثُ مِنْ مُسْنَدِ جَابِرٍ، كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ "الْأَطْرَافِ"، وَكُتُبِ الْأَحْكَامِ وَغَيْرُهُمْ، لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد: الْقَائِلِ: وَأَخْبَرَنِي، هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَيَكُونُ ابْنُ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْ تَابِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَسْنَدَهُ، وهو أبو الزُّبَيْرِ، وَالْآخَرُ: أَرْسَلَهُ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مُرْسَلًا عَنْ ابْنِ سَابِطٍ فَقَطْ، مَفْصُولًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاعْتَرَضَ هَذَا الْجَاهِلُ أَيْضًا عَلَى صَاحِبِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: وَلَوْ اسْتَدَلَّ عَلَى عَقْلِ يَدِهَا الْيُسْرَى بِفِعْلِ النَّبِيِّ عليه السلام لَكَانَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، فَيَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَهَا قَائِمًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا، وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا، مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، انْتَهَى. فَعَقْلُ الْيَدِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَنَحَرَ نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ، وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، الْحَدِيثَ. وَتَقَدَّمَ فِيهِ أَيْضًا: وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ جِمَاعُ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَنَحَرَ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا بَقِيَ مِنْهَا، مُخْتَصَرٌ. وَهُوَ مُسْنَدٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ قَرِيبًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
__________
1 عند أبي داود في "باب كيف تنحر البدن" ص 246 - ج 1.
2 ما تقدم من حديث أحمد غير هذا الحديث سنداً ومتناً، وذكر هذا الحديث أحمد في "مسنده" ص 314 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئاً" ص 232 - ج 1.(3/164)
أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا، فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلَالِهَا فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ جُلُودِهَا فَقَسَمْتهَا.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام لِعَلِيٍّ: "تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وخطامها، فلا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا"، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، قال: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا، وَفِي لَفْظٍ: إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا، لُحُومَهَا وَجِلَالَهَا وَجُلُودَهَا فِي الْمَسَاكِينِ، وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا، انْتَهَى. وَلَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا، وَقَالَ فِيهِ: أَهْدَى النَّبِيُّ عليه السلام، مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلَالِهَا فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتهَا، انْتَهَى. قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "غَرِيبِهِ": جِزَارَتُهَا - بِضَمِّ الْجِيمِ، وَكَسْرِهَا - فَبِالْكَسْرِ الْمَصْدَرُ، وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعُنُقِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْجَزَّارِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا فِي أَجْرِهِمْ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَك، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ 2 عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْته رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ عليه السلام، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَاقُونَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: " ارْكَبْهَا"، فَقَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: " ارْكَبْهَا وَيْلَك"، والثانية، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، انْتَهَى. وَصَاحِبُ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ الْهَدْيِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، قَالَ: وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا، قُلْت: قَدْ وَرَدَ اشْتِرَاطُ الْحَاجَةِ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" أَخْرَجَهُ عَنْ مَعْقِلٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، سَأَلْت جَابِرًا عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا"، وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ عليه السلام يَقُولُ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْتَ إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهَا،
__________
1 عند البخاري في "مواضع" ص 232 - ج 1، وعند مسلم في "باب الصدقة بلحوم الهدايا وجلودها وجلالها، وأن لا يعطى الجزار منها" ص 423، ص 424.
2 حديث أنس، عند البخاري في "باب ركوب البدن" ص 229 - ج 1، وبهذا اللفظ في "البخاري - في باب تقليد النعل" ص 230 - ج 1، وعند مسلم في "باب جواز ركوب البدنة" ص 426 - ج 1.(3/165)
وَصَبَغَ نَعْلَهَا بِدَمِهَا، وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهَا، وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ وَلَا غيره من الأغنياء، وبذلك أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيَّ، قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ نَاجِيَةَ فِي "الْحَدِيثِ الثَّالِثِ"، وَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ: وَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ رَفِيقِك، ثُمَّ وَجَدْنَاهُ فِي "الْمَغَازِي" لِلْوَاقِدِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْحَدِيثِ الثَّالِثِ"، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ ذُؤَيْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِعًى بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ، وَقَالَ: إذَا عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اضْرِبْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ ولا أهل رفيقك، وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: تَطَوُّعٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ سُلَيْمِ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَشَّابِ1 حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَدَنَةِ التَّطَوُّعِ: "إذَا عَطِبَتْ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَرَمَ فَانْحَرْهَا، وَاغْمِسْ يَدَك فِي دَمِهَا، وَاضْرِبْ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا، فَإِنْ أَكَلْت مِنْهَا عَظَّمْتهَا"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِسُلَيْمٍ هَذَا، وَأَسْنَدَ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: هُوَ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ"2 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَهُ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا فَيَعْطَبُ، قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، قال: "ينحرها، ثُمَّ يُلَطِّخُ نَعْلَهَا بِدَمِهَا، ثُمَّ يَضْرِبُ بِهِ جَنْبَيْهَا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْحَافِظُ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي "فَوَائِدِهِ" حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْحَلَبِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُعَافَى بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: "مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً طَوْعًا، فَعَطِبَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلٌ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" مِنْ جِهَةِ تَمَّامٍ، وَسَكَتَ عنه.
__________
1 سليم بن مسلم الخشاب المكي، قال ابن معين: جهمي خبيث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئاً، وقال ابن عدي: لا أعلم للمتقدمين فيه كلاماً، إلى آخر كلامه، واختلف في - سين - سليم، فقيل: بفتحها، وقيل: بالتصغير، وقال أبو حاتم في "ترجمة سليم": منكر الحديث، ضعيف الحديث، هكذا في "لسان الميزان" ص 113 - ج 3.
2 قال الهيثمي في "الزوائد - في باب ما يعطب من الهدي والأكل منه" ص 228 - ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" مرفوعاً وموقوفاً باختصار عن المرفوع، وفي إسناد الجميع: محمد بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ.(3/166)
كِتَابُ النكاح
مدخل
...
كتاب النِّكَاحِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ - إلَّا ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ -: سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن عبد الوهاب الحجبي عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ الرَّقِّيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَلَا يَصِحُّ فِي ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُ هَذَا الْخَبَرِ1، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ 2 أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ الْبَصْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَغَايَا اللَّاتِي يَنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ يُوسُفُ: رَفَعَ عَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي "التَّفْسِيرِ"، وَوَقَفَهُ فِي "كِتَابِ الطَّلَاقِ"، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ سَعِيدٍ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ، هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: لَا نِكَاحَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، انْتَهَى. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، كُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي "أَحَادِيثِ الْوَلِيِّ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْبَغَايَا، الْحَدِيثَ، وَلِمَالِكٍ فِي ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ حَدِيثٌ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ 3 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنْ يَزِيدَ
__________
1 قال ابن حزم في "المحلى" ص 465 - ج 9: ولا يصح في هذا الباب شيء غير هذا السند، وفي هذا كفاية لصحته.
2 عند الترمذي "باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة" ص 142 - ج 1.
3 عند الترمذي في "باب ما جاء في إعلان النكاح" ص 140 - ج 1، وقال: عيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في هذا الحديث، وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن أبي نجيح - التفسير - ثقة، وعند ابن ماجه في "باب إعلان النكاح" ص 138، واللفظ لفظه، ولفظ الترمذي: أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف، انتهى.(3/167)
بْنِ هَارُونَ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ.(3/168)
فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ 1 فِي "كِتَابِ الشَّهَادَاتِ" عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ، فَقَالَ: "إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا - إلَّا ابْنَ مَاجَهْ - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ 2: أَنَّ عَمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ - يُسَمَّى: أَفْلَحَ - اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ، فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا: "لَا تَحْتَجِبِي مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبَاقِينَ: مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَفِي لَفْظٍ: مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انكح أختي، قال: "أوتحبين ذَلِكَ؟ قُلْت: نَعَمْ، لَسْت لَك بِمُخْلِيَةٍ، وَأُحِبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي خَيْرِ أُخْتِي، قَالَ: فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، قُلْت: فَإِنِّي أُخْبِرْت أَنَّك تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ، وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ"، زَادَ الْبُخَارِيُّ:
__________
1 عند البخاري في "باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض" ص 360 - ج 1، وعند مسلم في "كتاب الرضاع" ص 467 - ج 1.
2 عند البخاري في "باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع" ص 788 - ج 2، وعند مسلم في "الرضاع" ص 467 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" ص 248 - ج 1، وعند أبي داود في "باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" ص 280 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} " ص 764 - ج 2، وعند مسلم في "باب الرضاع" ص 468 - ج 1.(3/168)
قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا حِينَ أَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أهله بشرحبية، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيت؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الطَّلَاقِ" 1 وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "النِّكَاحِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ الضَّحَّاكَ بْنَ فَيْرُوزَ، فَحَدَّثَ عَنْ أبي فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ، فَقَالَ عليه السلام: "طَلِّقْ أَيَّتَهمَا شِئْت"، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: "اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت"، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ، اسْمُهُ: الدَّيْلَمُ بْنُ هَوْشَعٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ عَنْ ابْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي لهب الجيشاني عن أبي خراش الرُّعَيْنِيِّ عَنْ الدَّيْلَمِيِّ، نَحْوَهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ 2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُمْ - خَلَا مُسْلِمًا - عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى على الكبرى"، اتنهى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" كُلُّهُمْ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُسْلِمًا رحمه الله لَمْ يُخَرِّجْهُ هَكَذَا بِتَمَامِهِ، وَلَكِنَّهُ فَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ، فَأَخْرَجَ صَدْرَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا"، انْتَهَى. وَأُخْرِجَ بَاقِيهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا تُنْكَحُ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ، وَلَا بِنْتُ الْأُخْتِ عَلَى الْخَالَةِ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" هَذَا الْحَدِيثَ لِمُسْلِمٍ، لِكَوْنِهِ فَرَّقَهُ، وَهُوَ يَتَسَاهَلُ
__________
1 عند أبي داود في "الطلاق - باب من أسلم وعنده نساء أكثر من أربعة" 305 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان" ص 146 - ج 1، وكلا الحديثين عند ابن ماجه "باب الرجل يسلم وعنده أختان" ص 141.
2 عند أبي داود في "باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء" ص 282 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها" ص 145، وعند النسائي في "تحريم الجمع بين المرأة وخالتها" ص 181 - ج 2، وعند مسلم في "النكاح" ص 452، و453 - ج 1.(3/169)
فِي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَقَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَلَمْ أَجِدْ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ فِيهِ: فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ". قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "النِّكَاحِ"، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ"، وَلَفْظُهُ فِيهِ: وَلَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ فِيهِمْ امْرَأَةٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَعَ إرْسَالِهِ فَفِيهِ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ: كَشَرِيكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْوَاقِدِيُّ - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَكَمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَوْا عَرَضَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، وَبِأَنْ لَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَالْوَاقِدِيُّ مُتَكَلِّمٌ فِيهِ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ" 2 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ"، انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي "بَابِ الْجِزْيَةِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَى المجوس أمسّ منه ههنا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَعَادَهُ فِي "الذَّبَائِحِ".
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ"، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ 3 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يَسْأَلُهُ - وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ - وَهُمَا مُحْرِمَانِ: إنِّي أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ ابْنَةَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ أَبَانُ: سَمِعْت أَبِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ،
__________
1 عند البخاري "باب لا تنكح المرأة على عمتها" ص 766 - ج 2، وحديث الأعرج عن أبي هريرة، عند مسلم: ص 452 - ج 1.
2 عند مالك في "الموطأ - في باب جزية أهل الكتاب" ص 121.
3 عند مسلم "باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته" ص 453 - ج 1.(3/170)
وَلَا يُنْكَحُ"، زَادَ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: وَلَا يَخْطُبْ، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَلَا يُخْطَبُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ الْمُرِّيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَ بِمَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 2 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ محرم، انتهى. وزاد الْبُخَارِيُّ: وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، انْتَهَى. وَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا، قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يَصِلْ سَنَدُهُ بِهِ، ذَكَرَهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 فِي "النِّكَاحِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "الْحَجِّ"، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": إنَّمَا أَرَادَتْ نِكَاحَ مَيْمُونَةَ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تُسَمِّهَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْمُعَارِضَةُ: رَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بنت الحارث عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ5،
__________
1 عند مالك في "الموطأ - باب نكاح المحرم" ص 135.
2 عند البخاري في "الحج - باب تزويج المحرم" ص 248 - ج 1، وفي "عمرة القضاء" ص 611 - ج 2، وليس في رواية البخاري طاوس، بل فيها عطاء، وعكرمة، ومجاهد.
3 وعند مسلم في "النكاح - باب تحريم نكاح المحرم" ص 453 - ج 1، وعند ابن ماجه في "النكاح - في باب المحرم يتزوج" ص 142، وعند أبي داود في "باب تزويج المحرم" ص 255 - ج 1 عن عكرمة، وعند الترمذي في "الحج" عن عكرمة: ص 116 - ج 1، وعند النسائي في "الحج - باب الرخصة في النكاح للمحرم" ص 26 - ج 2، وعند الدارقطني: ص 400.
4 عند مسلم في "باب تحريم نكاح المحرم" ص 454، وعند الترمذي في "الحج - باب ما جاء في الرخصة في ذلك" ص 116 - ج 1، وعند أبي داود "باب المحرم يتزوج" ص 255 - ج 1.
5 قال ابن الهمام في "الفتح" ص 375 - ج 2: وما عن يزيد بن الأصم أنه تزوجها، وهو حلال لم يقو قوة هذا، فإنه مما اتفق عليه الستة، وحديث يزيد لم يخرجه البخاري، ولا النسائي، وأيضاً لا يقاوم بابن عباس حفظاً واتقاناً، ولذا قال عمرو بن دينار للزهري: وما يدري ابن الأصم كذا وكذا - لشيء قاله - أتجعله مثل ابن عباس؟! وما روي عن أبي رافع أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما، لم يخرج في واحد من "الصحيحين"، وإن روي في "صحيح ابن حبان" فلم يبلغ درجة الصحة، ولذا لم يقل فيه الترمذي سوى: حديث حسن، قال: ولا نعلم أحداً أسنده غير حماد عن مطر، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة وهو حلال، فمنكر عنه، لا يجوز النظر إليه بعدما اشتهر، إلى أن كاد يبلغ اليقين عنه في خلافه، =(3/171)
قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي، وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى بِلَفْظِ مُسْلِمٍ. وَفِي لَفْظٍ لَهُ: وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" بَعْدَ أَنْ رَجَعْنَا مِنْ مَكَّةَ، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: وَهَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ 1 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّهُ عليه السلام نَكَحَ مَيْمُونَةَ، وَهُمَا حَلَالَانِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْت لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ، أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ، أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ؟! انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ثَنَا مَطَرٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ، وَبَنَى عَلَيْهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَكُنْت أَنَا الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"
__________
= ولذا بعد أن أخرج الطبراني ذلك عارضه بأن أخرجه عن ابن عباس رضي الله عنه من خمسة عشر طريقاً: أنه تزوجها وهو محرم، وفي لفظ: وهما محرمان، وقال: هذا هو الصحيح، وما أول به حديث ابن عباس بأن المعنى وهو في الحرم، فإنه يقال: أنجد، إذا دخل أرض نجد، وأحرم إذا دخل أرض الحرم، بعيد، ومما يبعده حديث البخاري: تزوجها وهو محرم، وبنى بها وهو حلال.
والحاصل أنه قام ركن المعارضة بين حديث ابن عباس، وحديثي يزيد بن الأصم، وأبان بن عثمان بن عفان، وحديث ابن عباس أقوى منهما سنداً، فإن رجحنا باعتباره كان الترجيح معنا، ويعضده ما قال الطحاوي: روى أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض نسائه وهو محرم، قال: ونقلة هذا الحديث كلهم ثقات يحتج بروايتهم، انتهى: ومحصل كلام الطحاوي في "شرح الآثار" 443 - ج 1، والذين رووا: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها وهو محرم، أهل علم، وأثبت أصحاب ابن عباس: سعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وعكرمة، وجابر بن زيد، وهؤلاء كلهم أئمة فقهاء، يحتج برواياتهم وآرائهم، والذين نقلوا عنهم فكذلك أيضاً، منهم: عمرو بن دينار، وأيوب السختياني، وعبد الله بن أبي نجيح، فهؤلاء أيضاً أئمة يقتدى برواياتهم، ثم قد روي عن عائشة أيضاً ما قد وافق ما روي عن ابن عباس، وروى ذلك عنها من لا يطعن أحد فيه: أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق، فكل هؤلاء أئمة يحتج برواياتهم، فما رووا من ذلك أولى مما روى من ليس كمثلهم في الضبط، والثبت، والفقه، والأمانة، وأما حديث عثمان فإنما رواه نبيه بن وهب، وليس كعمرو ابن دينار، ولا كجابر بن زيد، ولا كمن روى ما يوافق ذلك عن مسروق عن عائشة، ولا لنبيه موضع في العلم، كموضع أحد ممن ذكرنا، فلا يجوز - إن كان كذلك - أن يعارض به جميع من ذكرنا ممن روى بخلاف الذي روى، انتهى كلامه.
ثم أخرج الطحاوي في آخر الباب آثاراً عن ابن مسعود، وابن عباس، وأنس أنهم كانوا لا يرون بأساً أن يتزوج المحرمان، انتهى. وقال شيخنا حجة الإسلام إمام العصر "محمد أنور الكشميري" رحمه الله تعالى - في إملائه على جامع الترمذي - الموسوم "بعرف الشذى" أقول: يلزم عليه [أي قول الترمذي: إنه عليه السلام تزوجها في طريق مكة، وظهر أمر تزويجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال بسرف] أنه عليه السلام تجاوز عن الميقات بلا إحرام، وهو يريد الحج، لأن في الروايات أنه عليه السلام نكح بسرف، وهو بين مكة، وذي الحليفة، وكانت المواقيت مؤقتة، كيف! وفي البخاري في "غزوة الحديبية" ص 600 - ج 2 في حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم: فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي، وأشعر وأحرم منها بعمرة، الحديث، انتهى.
1 عند الطحاوي: ص 442 - ج 1.(3/172)
عَنْ ابْنِ خزيمة بمسنده عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادٍ عَنْ مَطَرٍ1، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ، لِأَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَهَا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَظَهَرَ أَمْرُ تَزْوِيجِهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ بَنَى بِهَا، وَهُوَ حَلَالٌ بِسَرِفَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَمَاتَتْ مَيْمُونَةُ بِسَرِفَ حَيْثُ بَنَى بِهَا، وَدُفِنَتْ بِسَرِفَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ تَعَارُضٌ، وَلَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهَمَ، لِأَنَّهُ أَحْفَظُ وَأَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَيْ دَاخِلٌ فِي الْحَرَمِ، كَمَا يُقَالُ: أَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ، إذَا دَخَلَ نَجْدًا، وَتِهَامَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، فَبَعَثَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَبَا رَافِعٍ، وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى مَكَّةَ لِيَخْطُبَا مَيْمُونَةَ لَهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَأَحْرَمَ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَتَزَوَّجَ بِهَا، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا، ثُمَّ سَأَلَهُ أَهْلُ مَكَّةَ الْخُرُوجَ، فَخَرَجَ حَتَّى بَلَغَ سَرِفَ، فَبَنَى بِهَا، وَهُمَا حَلَالَانِ، فَحَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ نَفْسَ الْعَقْدِ، وَحَكَتْ مَيْمُونَةُ عَنْ نَفْسِهَا الْقِصَّةَ عَلَى وَجْهِهَا، وَهَكَذَا أَخْبَرَ أَبُو رَافِعٍ، وَكَانَ الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ - مَعَ نَهْيِهِ عليه السلام عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَإِنْكَاحِهِ - عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَيْنَاهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حدثنا أحمد بن عمرو البزار ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلَالٌ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ طَرِيقًا 2 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي لَفْظٍ: وَهُمَا حَرَامَانِ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ.
حَدِيثٌ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 3 نَقْلًا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
__________
1 قال الطحاوي: ص 442 - ج 1: إن هذا الأمر إن كان يؤخذ من طريق الاسناد واستقامته، وهكذا مذهبهم، فإن حديث أبي رافع الذي ذكروا فإنما رواه مطر الوراق، ومطر عندهم ليس ممن يحتج بحديثه، وقد رواه مالك، وهو أضبط منه، فقطعه: حدثنا يونس قال: أنا ابن وهب، أن مالكاً حدثه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار، الحديث، انتهى. وذكر هذا الحديث في "الموطأ - في باب نكاح المحرم" ص 135.
2 وأخرج ابن سعد في "طبقاته من ترجمة ميمونة بنت الحارث بن حزن" ص 96، و97 - ج 2 حديث ابن عباس من ستة عشر طريقاً في كتاب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة وهو محرم.
3 عند مالك في "الموطأ" ص 135.(3/173)
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ، وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ 1 فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَعَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ أَجْوِبَةٌ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: لَمْ يَرْوِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا غَيْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ، وَرَوَتْ مَيْمُونَةُ، وَأَبُو رَافِعٍ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَهُمْ أَعْرَفُ بِالْقَضِيَّةِ لِتَعَلُّقِهِمْ بِهِ، وَهُمْ أَضْبَطُ وَأَكْثَرُ، الثَّانِي: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ، وَيُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي الحرام: مُحْرِمٌ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا، قَالَ الشَّاعِرُ:
قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... وَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولًا
أَيْ فِي الْحَرَمِ، انْتَهَى. قُلْت: وَجَدْت فِي "صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ" مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، يَدْفَعُ هَذَا التَّفْسِيرَ، أَوْ يُبْعِدُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَيْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، ثُمَّ أَنْشَدَ الْبَيْتَ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّهُ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ إسْحَاقَ الْمَوْصِلِيِّ، قَالَ: سَأَلَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْأَصْمَعِيَّ بِحَضْرَةِ الْكِسَائِيّ، عَنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ: قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَلَا أَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، وَلَا أَنَّهُ في الحرام، فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَيْحَك، فَمَا مَعْنَاهُ؟ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَمَا أَرَادَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ بِقَوْلِهِ:
قَتَلُوا كِسْرَى بِلَيْلٍ مُحْرِمًا ... فَتَوَلَّى لَمْ يُمَتَّعْ بِكَفَنِ
أَيُّ إحْرَامٍ لِكِسْرَى؟ فَقَالَ الرَّشِيدُ: فَمَا الْمَعْنَى؟ قَالَ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَأْتِ شَيْئًا يُوجِبُ عَلَيْهِ عُقُوبَةً فَهُوَ مُحْرِمٌ، لَا يَحِلُّ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: أَنْتَ لَا تُطَاقُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالثَّالِثُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ عَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: أَنَّ الصَّحِيحَ عند الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمُ الْقَوْلِ إذَا عَارَضَهُ الْفِعْلُ، لِأَنَّ الْقَوْلَ يَتَعَدَّى إلَى الْغَيْرِ، وَالْفِعْلَ قَدْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ": وَالْأَخْذُ بِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَوْلَى، لِأَنَّهُ كَانَ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ مُبَاشِرًا لِلْحَالِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ حَاكِيًا، وَمُبَاشِرُ الْحَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَاكِيهِ، أَلَا تَرَى عَائِشَةَ كَيْفَ أَحَالَتْ عَلَى عَلِيٍّ حين سئلت عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ، وَقَالَتْ: سَلُوا عَلِيًّا، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام "لا ينكح الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ"، قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ
__________
1 قلت: والرجل الذي كان مع أبي رافع اسمه: أوس بن خوتي، كما في "طبقات ابن سعد" ص 94 - ج 8.(3/174)
فِي "سُنَنِهِ 1 - فِي الطَّلَاقِ" مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَيَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ"، انْتَهَى. وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ - فِي سُورَةِ النِّسَاءِ" عِنْدَ قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى ثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا سُفْيَانُ عن هشام الدسوائي عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، قَالَ: وَيُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَمَنْ وَجَدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحْ أَمَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مختصراً عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا يَنْكِحْ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، وَيَنْكِحُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَا يَنْكِحْ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ بُرْدٍ 2 عَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَيَنْكِحُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ"، وَمَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ بسند صحيح عند عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَيَنْكِحُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" والدارقطني3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا نُكِحَتْ الْحُرَّةُ عَلَى
__________
1 عند الدارقطني: ص 441 في "الطلاق" قال الدارقطني: حدثنا أبو بكر النيسابوري نا محمد بن إسحاق، قال: سمعت أبا عاصم يقول: ليس بالبصرة حديث أنكر من حديث مظاهر هذا، انتهى.
2 هو برد بن سنان الشامي، كذا في "التهذيب" ص 290 - ج 10.
3 عند الدارقطني: ص 410، وعند البيهقي في "السنن" عن المنهال ابن عمرو عن زر بن حبيش عن علي: ص 175 - ج 7.(3/175)
الْأَمَةِ فَلِهَذِهِ الثُّلُثَانِ، وَلِهَذِهِ الثُّلُثُ، أَنَّ الْأَمَةَ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو فِيهِ مَقَالٌ، وَعَبَّادٌ الْأَسَدِيُّ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ.
قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَابْنَتِهِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ قُثَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ قُثَمٍ مَوْلَى الْعَبَّاسِ، قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ النَّهْشَلِيَّةَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ" تَعْلِيقًا2، فَقَالَ فِي "بَابِ مَا يَحِلُّ مِنْ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ": قَالَ: وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ. لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ 3 فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ تَزَوَّجَ لَيْلَى امْرَأَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِهَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدِ أن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، وَابْنَتَهُ - يَعْنِي مِنْ غَيْرِهَا - انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: سئل عَنْ ذَلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ سيرين فلم يرى بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ: نُبِّئْت أَنَّ جَبَلَةَ - رَجُلًا كَانَ بِمِصْرَ - جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، يُقَالُ لَهُ: جَبَلَةُ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ، وَابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمَا كَرِهَاهُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: قُلْنَا: ثَبَتَ النَّسْخُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - يَعْنِي نَسْخَ الْمُتْعَةِ - قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 4 عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: إنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ
__________
1 عند الدارقطني في "النكاح" ص 424.
2 ذكره البخاري في "باب ما يحل من النساء وما يحرم" ص 765 - ج 2، وابنة على هذه اسمها: زينب، من فاطمة، وامرأته هي ليلى بنت مسعود.
3 قلت: ذكره ابن سعد في "الطبقات" ص 341 - ج 8 في "ترجمة زينب بنت علي" بإسناد غير هذا، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، قال: حدثني عبد الرحمن بن مهران، الحديث.
4 عن مسلم في "باب نكاح المتعة" ص 452 - ج 1.(3/176)
يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ، يَعْرِضُ بِرَجُلٍ، فَنَادَاهُ: إنَّك لَجِلْفٌ جَافٌّ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِك، فو الله لَئِنْ فَعَلْتهَا لَأَرْجُمَنَّك بِأَحْجَارِك، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللَّهِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ فِي الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ: مَهْلًا، قَالَ: مَا هِيَ؟ وَاَللَّهِ لَقَدْ فُعِلَتْ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا، كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ الدِّينَ، وَنَهَى عَنْهَا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: قَدْ كُنْت اسْتَمْتَعْت فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمَّ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُتْعَةِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْت رَبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَنَا جَالِسٌ، انْتَهَى.
أحاديث التحريم والنسخ: أخرجه مُسْلِمٌ 1 عَنْ إيَاسِ بْنِ مسلمة بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: رَخَّصَ رسول الله عليه وسلم عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا، انتهى. قال البيقهي 2: وَعَامُ أَوْطَاسٍ، وَعَامُ الْفَتْحِ وَاحِدٌ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الْفَتْحِ بِيَسِيرٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتْعَةِ، فَانْطَلَقْت أَنَا وَرَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا، فَقَالَتْ: مَا تُعْطِي؟، فَقُلْت: رِدَائِي، وَقَالَ صَاحِبِي: رِدَائِي، وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي، وَكُنْت أَشَبَّ مِنْهُ، فَإِذَا نَظَرَتْ إلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا، وَإِذَا نَظَرَتْ إلَيَّ أَعْجَبْتُهَا، ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ وَرِدَاؤُك يَكْفِينِي، فَمَكَثَ مَعَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ بِهِنَّ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، فَأَذِنَ لَنَا فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، الْحَدِيثَ. وَفِي لَفْظٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا أيها النَّاسُ، إنِّي كُنْت أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ النِّسَاءِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ: أَلَا إنَّهَا حَرَامٌ، مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، انْتَهَى. وَطَوَّلَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ: ذَكَرَ الْبَيَانَ بِأَنَّ الْمُصْطَفَى
__________
1 عند مسلم في: ص 452.
2 ولفظ البيهقي: ص 204 - ج 7، وعام أوطاس، وعام الفتح واحد، فأوطاس، وإن كانت بعد الفتح، فكانت في عام الفتح بعده بيسير، فما نهى عنه لا فرق بين أن ينسب إلى عام أحدهما، أو إلى الآخر، انتهى.(3/177)
عليه السلام حَرَّمَ الْمُتْعَةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ سَبْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَيْنَا عُمْرَتَنَا قَالَ لَنَا: "اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ"، قَالَ: وَالِاسْتِمْتَاعُ عِنْدَنَا يَوْمَئِذٍ التَّزَوُّجُ، فَعَرَضْنَا بِذَلِكَ النِّسَاءَ أَنْ نَضْرِبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُنَّ أَجَلًا، قَالَ: فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " افْعَلُوا"، فَخَرَجْت أَنَا، وَابْنُ عَمٍّ لِي، مَعِي بُرْدَةٌ وَمَعَهُ بُرْدَةٌ، وَبُرْدُهُ أَجْوَدُ مِنْ بُرْدِي، وَأَنَا أَشَبُّ مِنْهُ، فَأَتَيْنَا امْرَأَةً فَعَرَضْنَا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَأَعْجَبَهَا شَبَابِي، وَأَعْجَبَهَا بُرْدُ ابْنِ عَمِّي، فَقَالَتْ: بُرْدٌ كَبُرْدٍ، فَتَزَوَّجْتُهَا، وَكَانَ الْأَجَلُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا عَشْرًا، فَلَبِثْتُ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ غَادِيًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ قَائِمًا يَخْطُبُ النَّاسَ، وَهُوَ يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي كُنْت أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فِي هَذِهِ النِّسَاءِ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَتَذَاكَرْنَا مُتْعَةَ النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الحازمي في "كتاب النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ"2 عَلَى نَسْخِ الْمُتْعَةِ، وَبِحَدِيثِ عَلِيٍّ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْآتِي.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: إنَّ عَلِيًّا سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَلِينُ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَمُسْلِمٌ فِي "النِّكَاحِ"، وَفِي "الذَّبَائِحِ"، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ - خَلَا أَبَا دَاوُد - قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ" 4: هَذِهِ رِوَايَةٌ مُشْكِلَةٌ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ
__________
1 عند أبي داود في "باب نكاح المتعة" ص 283 - ج 1.
2 ذكره الحازمي في "باب نكاح المتعة" ص 178.
3 عند مسلم في "نكاح المتعة" ص 452 - ج 1، وعند البخاري في "باب نهي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نكاح المتعة أخيراً" ص 767 - ج 2.
4 قال ابن قدامة في "المغنى" ص 572 - ج 7 بعد ما ذكر حديث ربيع بن سبرة: أنه قال: أشهد على أبي أنه حدث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنه في حجة الوداع، وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية، رواه مالك في "موطأه" فقال: واختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين، فقال قوم: في حديث علي تقديم وتأخير، وتقديره: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، ونهى عن متعة النساء، ولم يذكر ميقات النهي عنها، وقد بينه الربيع بن سبرة في حديثه، أنه كان في حجة الوداع: حكاه الإمام أحمد عن قوم، وذكره ابن عبد البر، وقال الشافعي: لا أعلم شيئاً أحله الله، ثم حرمه، ثم أحله، ثم حرمه إلا المتعة، فحمل الأمر على ظاهره، وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرمها يوم خيبر، ثم أباحها في حجة الوداع، ثلاثة أيام، ثم حرمها، ولأنه لا تتعلق به أحكام النكاح من الطلاق، والظهار، واللعان، والتوارث، فكان باطلاً، كسائر الأنكحة الباطلة، انتهى.(3/178)
أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ، وَرُوَاةُ الْأَثَرِ: أَنَّ الْمُتْعَةَ حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، فَقَالَ فِيهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَامَ خَيْبَرَ، وَعَنْ الْمُتْعَةِ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ: أَيْ وَنَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ إذًا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فِي لَفْظِ ابْنِ شِهَابٍ، لَا فِي لَفْظِ مَالِكٍ، لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ وَافَقَهُ عَلَى لَفْظِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: لَمْ أَجِدْ رِوَايَةَ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" إلَّا بِلَفْظِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ، أَنَّ عَلِيًّا سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَلِينُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ1، وَيُنْظَرُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَأَغْرَبُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ: إنَّ ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَالْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ".
وَفِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد 2 مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا: أَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَرِوَايَةُ مَنْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ عَامِ الْفَتْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: رِوَايَةُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَخْرَجَهَا الْحَازِمِيُّ فِي "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ" 3 عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إذَا كُنَّا عِنْدَ الْعَقَبَةِ مِمَّا يَلِي الشَّامَ جَاءَتْ نِسْوَةٌ، فَذَكَرْنَا تَمَتُّعَنَا، وَهُنَّ تَطُفْنَ فِي رِحَالِنَا، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إلَيْهِنَّ، وَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسْوَةٌ تَمَتَّعْنَا مِنْهُنَّ، قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، وَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، وَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، فَتَوَادَعْنَا يَوْمَئِذٍ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَلَمْ نَعُدْ، وَلَا نَعُودُ لَهَا أَبَدًا، فَبِهَا سُمِّيَتْ يَوْمَئِذٍ: ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، انْتَهَى.
__________
1 قلت: لم أجده في "البخاري".
2 عند أبي داود في "نكاح المتعة" ص 283 - ج 1.
3 ذكره الحازمي في "الاعتبار" ص 180.(3/179)
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "حَرَّمَ أَوْ هَدَمَ الْمُتْعَةَ، النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِدَّةُ، وَالْمِيرَاثُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْ يُنْظَرُ فِي أَمْرِهِ، إلَّا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ النَّيْسَابُورِيُّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ رَوَوْا عَنْهُ نَحْوَ الْعَشَرَةِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُتْعَةِ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَلَمَّا أُنْزِلَ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِدَّةُ، وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ نُسِخَتْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ"2 مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ تُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: إنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ، يَعْرِضُ بِرَجُلٍ3، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: إنَّك لَجِلْفٌ جَافٌّ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِك، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتهَا لَأَرْجُمَنَّك بِأَحْجَارِك، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللَّهِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ، فَأَمَرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ: مَهْلًا، قَالَ: مَا هِيَ؟ وَاَللَّهِ لَقَدْ فُعِلَتْ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا، كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ الدِّينَ، وَنَهَى عَنْهَا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: كُنْت اسْتَمْتَعْت فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ": وَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ مُبَاحَةً مَشْرُوعَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أَبَاحَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كُنَّا نغزوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَسْتَخْصِي، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ، إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
__________
1 حديث أبي هريرة المار، وهذه الرواية عند الدارقطني في "النكاح" ص 398.
2 ذكره الحازمي في "الاعتبار - باب نكاح المتعة" ص 171.
3 قال ابن الهمام في "الفتح" ص 386 - ج 2: ولا تردد في أن ابن عباس هو الرجل المعرض به، وكان رضي الله عنه قد كف بصره، فلذا قال ابن الزبير: كما أعمى أبصارهم، الخ.(3/180)
آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ، انْتَهَى. أَوْ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْبَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ، فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ، فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إذَا نَزَلَتْ الْآيَةُ {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَاهُمَا حَرَامٌ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ نَهَاهُمْ عَنْهَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَبَاحَهَا لَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَاتِ، حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي آخِرِ سِنِيهِ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكَانَ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، إلَّا طَائِفَةً مِنْ الشِّيعَةِ، وَيُحْكَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: وَأَمَّا مَا يُحْكَى فِيهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ إبَاحَتَهَا لِلْمُضْطَرِّ إلَيْهَا، بِطُولِ الْغُرْبَةِ، وَقِلَّةِ الْيَسَارِ، وَالْجُدَّةِ، ثُمَّ تَوَقَّفَ، وَأَمْسَكَ عَنْ الْفَتْوَى بِهَا، ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَّابِيِّ ثَنَا ابْنُ السَّمَّاكِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ سَارَتْ بِفُتْيَاك الرُّكْبَانُ، وَقَالَتْ فِيهَا الشُّعَرَاءُ، قَالَ: وَمَا قَالُوا؟ قُلْت: قَالُوا:
قَدْ قُلْت لِلشَّيْخِ لَمَّا طَالَ مَجْلِسُهُ: ... يَا صَاحِ هَلْ لَك فِي فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسِ
هَلْ لَك فِي رُخْصَةِ الْأَطْرَافِ آنِسَةٍ ... تَكُونُ مَثْوَاك حَتَّى مَصْدَرِ النَّاسِ؟
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاَللَّهِ مَا بِهَذَا أَفْتَيْت، وَمَا هِيَ إلَّا كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، لَا تَحِلُّ إلَّا لِلْمُضْطَرِّ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ مُخَالِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُعْتَمِرًا فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمَّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عَنْهُمَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنْ التَّمْرِ، وَالدَّقِيقِ الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا، انتهى.
قوله: وابن عَبَّاسٍ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمْ: فَتَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ، قُلْت: رَوَى التِّرْمِذِيُّ(3/181)
فِي "جَامِعِهِ"1 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُو قَبِيصَةَ بْنِ عُقْبَةَ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْبَلْدَةَ، لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ، فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ، فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إذَا نَزَلَتْ الْآيَةُ {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَاهُمَا فَهُوَ حَرَامٌ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي الْمُتْعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ: حَيْثُ أَخْبَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
__________
1 عند الترمذي في "نكاح المتعة" ص 145 - ج 1، وفيه: "وتصلح له شيئه".(3/182)
بَابُ فِي الْأَوْلِيَاءِ والأكفاء
أَحَادِيثُ الْأَصْحَابِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 2. - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: " الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا"، انْتَهَى. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ شَارَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ، ثُمَّ قَدَّمَهَا بِقَوْلِهِ: أَحَقُّ، وَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهَا حَقًّا، وَجَعَلَهَا أَحَقَّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إلَّا الْمُبَاشَرَةُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي أَنْكَحَنِي رَجُلًا، وَأَنَا كَارِهَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِيهَا: "لَا نِكَاحَ لَك، اذْهَبِي، فَانْكِحِي مَنْ شِئْت"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالْجَوَابُ: إنَّ الْمَوْجُودَ فِي "الصَّحِيحِ" 3 إنَّ أَبَاهَا أَنْكَحَهَا، وَهِيَ
__________
2 عند الترمذي في "باب ما جاء في استئمار البكر والثيب" ص 143 - ج 1، وعند مسلم في "باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت" ص 455 - ج 1، وعند أبي داود في "باب في الثيب" ص 286 - ج 2، وعند النسائي في "باب استئمار الأب البكر في نفسها" ص 77 - ج 2، وعند مالك في "الموطأ - في باب استئذان البكر والأيم في نفسها" ص 189، وقال ابن الهمام في "الفتح" ص 393 - ج 2: والأيم من لا زوج لها، بكراً كانت، أو ثيباً، انتهى.
3 عند البخاري في "باب إذا زوج بنته وهي كارهة، فنكاحه مردود" ص 771 - ج 2، وقال الحافظ في "الدراية" ص 219: وهذا مرسل جيد، أخرجه سعيد بن منصور، انتهى(3/182)
كَارِهَةٌ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ خَنْسَاءَ بنت خدام، وَأَمَّا قَوْلُهُ: انْكِحِي مَنْ شِئْت، فَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ مُرْسَلًا. هَذَا، وَالْمُرْسَلُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ حُجَّةٌ، فَالْمُرَادُ تَخْيِيرُ الْأَكْفَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ، رَوَاهُ إسْرَائِيلُ، وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ 2 أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَزَيْدُ حُبَابٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ 3 عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي مُرْسَلًا - وَأَسْنَدَهُ 4 بَعْضُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، وَلَا يَصِحُّ، وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"، عِنْدِي أَصَحُّ، لِأَنَّ سَمَاعَهُمْ مِنْ أَبِي إسْحَاقَ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ أَحْفَظَ، وَأَثْبَتَ مِنْ جَمِيعِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنَّ رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ عِنْدِي أَشْبَهُ وَأَصَحُّ، لِأَنَّ شُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيَّ سَمِعَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَسْأَلُ أَبَا إسْحَاقَ أَسَمِعْت أَبَا بُرْدَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ سَمَاعَ شُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَإِسْرَائِيلُ هُوَ ثَبْتٌ فِي أَبِي إسْحَاقَ، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 5 عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى
__________
1 عند الترمذي في "باب ما جاء لا نكاح إلا بولي" ص 141، وعند أبي داود في "باب في الولي" ص 284 - ج 1، وعند ابن ماجه في "باب لا نكاح إلا بولي" ص 136.
2 قلت: واسطة أبي إسحاق بين يونس، وأبي بردة، عند الترمذي، وهي منتفية في رواية أسباط، عند البيهقي في "السنن" والحاكم في "المستدرك".
3 قلت: أبو عبيدة الحداد اسمه: عبد الواحد بن واصل السدوسي البصري، سكن بغداد، وثقه الدارقطني، وابن حبان، وضعفه أحمد، إلا أنه في الجملة قد حمل عنه، ويحتمل لصدقة، انتهى من "التهذيب" ص 440 - ج 6.
4 أي روى شعبة، والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى، ولا يصح - أي ذكر أبي موسى - لأن سفيان أورد هذا الحديث في "مسنده" ولم يذكر فيه أبا موسى، انتهى. من هامش الترمذي.
5 عند الحاكم في "المستدرك" ص 169 - ج 2 في "باب لا نكاح إلا بولي".(3/183)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْخَيْنِ إخْلَاءُ الصَّحِيحَيْنِ مِنْهُ، فَإِنَّ النُّعْمَانَ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ جَمِيعًا، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَدِّهِ، فَوَصَلُوهُ، فَأَمَّا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ الثِّقَةُ الْحُجَّةُ فِي حَدِيثِ جَدِّهِ أَبِي إسْحَاقَ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي وَصْلِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَأَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وأحمد بن الخالد الْوَهْبِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ1، وَطَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ، كُلُّهُمْ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ سَنَدًا، قَالَ: وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ، مِنْهُمْ: الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ رضي الله تعالى عنه، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَرَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ، وَمُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ الْحَارِثِيُّ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، وَزَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: وَقَدْ وَصَلَهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ جَمَاعَةٌ غَيْرُ أَبِي إسْحَاقَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مُسْنَدًا، وَعَنْ أَبِي حُصَيْنٍ 2 عُثْمَانَ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مُسْنَدًا، قَالَ: وَلَسْت أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي عَدَالَةِ يُونُسِ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَبِيهِ مِنْ جِهَةِ أَصْحَابِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وعمران بن الحصين، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَكْثَرُهَا صَحِيحَةٌ، وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنهم، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"،
__________
1 قلت: وعد الحاكم منهم النضر بن شميل، دون عبد الله بن رجاء، وحديث عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عند الطحاوي: ص 5 - ج 2.
2 "أبي حصين" - بفتح الحاء، وكسر الصاد، وبنون تابعي، كذا في "هامش السنن الكبرى" ص 172 - ج 7.
3 عند أبي داود في "باب في الولي" ص 284 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء لا نكاح إلا بولي" ص 141 - ج 1، وفي "المستدرك - في باب السلطان ولي من لا ولي له" ص 168.(3/184)
وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ - فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى"، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَلَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقُلْت لَهُ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى حَدَّثَنَا بِهِ عَنْك، قَالَ: فَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ خَيْرًا، وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهِمَ عَلَيَّ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ الْكِبَارُ مِنْ النَّاسِ، مِنْهُمْ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ1، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْهُ، فَأَنْكَرَهُ، فَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِ هَذَا، وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَضَعَّفَ يَحْيَى رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى. وَحِكَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذِهِ أَسْنَدَهَا الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" أَيْضًا2، فَقَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ ابْنَ شِهَابٍ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَقَدْ أَوْهَمَ هَذَا الْخَبَرَ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ صِنَاعَةَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بِحِكَايَةٍ حَكَاهَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ، لِأَنَّ الضَّابِطَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ يَنْسَاهُ، فَإِذَا سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَلَا يَكُونُ نِسْيَانُهُ دَالًّا عَلَى بُطْلَانِ الْخَبَرِ، وَهَذَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْبَشَرِ صَلَّى فَسَهَا، فَقِيلَ له: أقصرت الصلات أَمْ نَسِيت؟ فَقَالَ: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ"، فَلَمَّا جَازَ عَلَى مَنْ اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِرِسَالَتِهِ فِي أَعَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ حِينَ نَسِيَ، فَلَمَّا سَأَلُوهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ نِسْيَانُهُ دَالًّا عَلَى بُطْلَانِ الْحُكْمِ الَّذِي نَسِيَهُ، كَانَ جَوَازُ النِّسْيَانِ عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أُمَّتِهِ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا بِمَعْصُومِينَ أَوْلَى، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ 3 بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ بِسَمَاعِ الرُّوَاةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَلَا تُعَلَّلُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَدْ يَنْسَى
__________
1 قال الحاكم في "المستدرك" ص 168 - ج 2: وقد تابع أبا عاصم على ذكر سماع ابن جريج من سليمان ابن موسى، وسماع سليمان بن موسى من الزهري عبد الرزاق بن همام، ويحيى بن أيوب، وعبد الله بن لهيعة، وحجاج ابن محمد المصيصي، انتهى. وراجع ما قال الحافظ في "التلخيص الحبير" ص 296.
2 ذكره الطحاوي: ص 5 - ج 2، قال أبو جعفر: وهم يسقطون الحديث بأقل من هذا، وحجاج بن أرطاة لا يثبتون له سماعاً من الزهري، وحديثه عنه عندهم مرسل، وهم لا يحتجون بالمرسل، وابن ليهعة - فهم ينكرون على خصمهم - الاحتجاج بحديثه، الخ.
3 ذكره الحاكم في: ص 168 - ج 2.(3/185)
الثِّقَةُ الْحَافِظُ الْحَدِيثَ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَ بِهِ، وَقَدْ اتَّفَقَ ذَلِكَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: وَذَكَرَ عِنْدَهُ حِكَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"، فَقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ لَهُ كُتُبٌ مُدَوَّنَةٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِيهَا - يَعْنِي حِكَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ - انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ أَعَلَّ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا ضَعَّفَا رِوَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ هَذِهِ، قَالَ: فَهَذَانِ إمَامَانِ قَدْ وَهَّنَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَعَ وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الصَّادِقِ، وَإِنْ نَسِيَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ، الثَّانِي: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها رُوِيَ عَنْهَا مَا يُخَالِفُهُ، فَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ؟! فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْت لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْته، فَاسْتَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"، كَمَا تَرَاهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَنَحْنُ نَحْمِلُ قَوْلَهُ: زَوَّجَتْ - أَيْ مَهَّدَتْ أَسْبَابَ التَّزْوِيجِ - وَأُضِيفَ النِّكَاحُ إلَيْهَا لِاخْتِيَارِهَا ذَلِكَ، وَإِذْنِهَا فِيهِ، ثُمَّ أَشَارَتْ عَلَى مَنْ وَلِيَ أَمْرَهَا عِنْدَ غَيْبَةِ أَبِيهَا حَتَّى عَقْدِ النِّكَاحِ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا أَخْبَرْنَا، وَأُسْنِدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ يُخْطَبُ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا، فَتَشْهَدُ، فَإِذَا بَقِيَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، قَالَتْ لِبَعْضِ أَهْلِهَا: زَوِّجْ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ، وَفِي لَفْظٍ: فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَنْكِحْنَ، قَالَ: إذَا كَانَ مَذْهَبُهَا مَا رُوِيَ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: زَوَّجَتْ، مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَا يُخَالِفُ مَا رَوَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْمُحْتَجِّ بِحِكَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي رَدِّ هَذِهِ السُّنَّةِ، وَهُوَ يَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ يَرُدُّهَا ههنا عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِمِثْلِهِ، وَيَحْتَجُّ أَيْضًا بِرِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ فِي غَيْرِ موضع، ويردها ههنا عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِمِثْلِهِ، فَيَقْبَلُ رِوَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً إذَا وَافَقَتْ مَذْهَبَهُ، وَلَا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُمَا مُجْتَمِعَةً، إذَا خَالَفَتْ مَذْهَبَهُ، وَمَعَهُمَا رِوَايَةُ ثِقَةٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا لِمَذْهَبِهِ بِتَزْوِيجِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أُمَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، قَالَ: وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا بِغَيْرِ وَلِيٍّ لَأَوْجَبَتْ الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا، وَلَمْ تَأْمُرْ غَيْرَهَا، فَلَمَّا أَمَرَتْ بِهِ غَيْرَهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهَا - عَلَى مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ - دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ مَنْ زَعَمَ: إنَّهُ زَوَّجَهَا بِالْبُنُوَّةِ يُقَابَلُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: بَلْ زَوَّجَهَا بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُ،(3/186)
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأُمُّ سَلَمَةَ هِيَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، فَتَزَوُّجُهُ بِهَا كَانَ بِوَلِيٍّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ نِكَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى وَلِيٍّ، وَتَزْوِيجُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَإِنْكَارُ الزُّهْرِيِّ الْحَدِيثَ لَا يَطْعَنُ في روايته، لأن الثقات قَدْ يَرْوِي وَيَنْسَى، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ 1: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُ نَاسًا، ثُمَّ يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِي وَلَا أَعْرِفُهُ، وَرُوِيَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثٌ فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: أَنْتَ حَدَّثْتنِي بِهِ عَنْ أَبِيك، فَكَانَ سُهَيْلُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي، وَقَدْ جَمَعَ الدَّارَقُطْنِيُّ جزءً فِيمَنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الزُّهْرِيَّ نَسِيَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ إسْحَاقَ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ عَنْهُ، فَحَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْهُ، وَحَدِيثُ.. (*) قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَيْسَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، بَلْ هُوَ صَدُوقٌ، وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَلِفَ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، فَرُوِيَ كما تقدم في حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ له"، والحجاج ضعيف، رواه ابْنُ مَاجَهْ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ ثَنَا أَبِي عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ، وَقَالُوا فِيهِ: وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَأَبُوهُ ضَعِيفَانِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْخَصِيبِ عَنْ هِشَامٍ بِهِ مَرْفُوعًا: لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ أَرْبَعَةٍ: الْوَلِيِّ، وَالزَّوْجِ، وَالشَّاهِدَيْنِ، وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا، وَأَبُو الْخَصِيبِ اسْمُهُ: نَافِعُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ زَوَّجَ أُخْتًا لَهُ، فَطَلَّقَهَا الرَّجُلُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَخْطُبُهَا، فَقَالَ: زَوَّجْتُك كَرِيمَتِي فَطَلَّقْتهَا، ثُمَّ أَنْشَأْت تَخْطُبُهَا؟! فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهُ، وَهَوِيَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} ، انْتَهَى.
__________
1 قال البيهقي في "السنن" ص 106 - ج 7: سئل أحمد بن حنبل رحمه الله عن حديث الزهري في "النكاح بلا ولي" فقال روح الكرابيسي: الزهري قد نسيي هذا الحديث، الخ.
2 عند الدارقطني: ص 384.
3 عند البخاري في "النكاح - باب من قال: لا نكاح إلا بولي" ص 770 - ج 2، وهذا اللفظ عند الدارقطني ص 382.
(*) ههنا بياض ثلاثة أسطر في النسخة المخطوطة - الدار - ولم نستدرك السقطة إلى الآن، فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً [البجنوري] .(3/187)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ، وَفِي سماعه عن عِكْرِمَةَ نَظَرٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْهُ، لَكِنَّ الطَّبَرَانِيَّ رَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي يعقوب عن بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَمِيلِ بْنِ الْحَسَنِ الْجَهْضَمِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُزَوِّجْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ الْحُسَيْنِ ثَنَا هِشَامٌ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَجَمِيلٌ، وَمُسْلِمٌ هَذَانِ لَا يُعْرَفَانِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": أَمَّا جَمِيلٌ فَهُوَ ابْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ الْعَتَكِيُّ الْأَهْوَازِيُّ مَشْهُورٌ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُد، وَخَلَفٌ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُ، وَمُسْلِمٌ الْجَرْمِيِّ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرحمن، قال ابن أبي حاتم: هُوَ مِنْ الثِّقَاتِ، رَوَى عَنْ مَخْلَدٍ بْنِ حُسَيْنٍ، وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ رِوَايَةِ مَخْلَدٍ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، قُلْت: تَذَكَّرْت لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ عِنْدَنَا شَيْخٌ يَرْفَعُهُ عَنْ مَخْلَدٍ، وَرَوَاهُ بَحْرُ بْنُ نَضْرٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَحَادِيثَ وَاهِيَةً ضَعِيفَةً، أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الرِّيبُونِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الرَّقِّيِّ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ بَكْرِ بْنِ بَكَّارَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ
__________
1 عند ابن ماجه "باب لا نكاح إلا بولي" ص 136، ولفظه: السلطان ولي من لا ولي له، ليس في هذا الحديث، بل فيما رواه حجاج عن الزهري عن عروة عن عائشة.
2 عند الدارقطني في "النكاح" ص 382.(3/188)
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَهُمَا مَعْلُولَانِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحْرِزٍ، وَفِي الْأَوَّلِ أَيْضًا بَكْرُ بْنُ بَكَّارَ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 عَنْ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ 2 بْنِ مُحَمَّدٍ أَبِي عَلِيٍّ الْكِنْدِيِّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْجَرَّاحِ الْحَسَّانِيُّ ثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ: قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إلَّا أَحْمَدُ هَذَا، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عبيد فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عُمَرَ بن صبيح بْنِ عِمْرَانَ التَّمِيمِيِّ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ الْأَصْبَغِ بْنِ ثُمَامَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، وَضَعَّفَهُ مَعْمَرُ بْنُ صُبَيْحٍ، قَالَ: وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ، فَمَرَّةً رَوَاهُ هَكَذَا، وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ مُقَاتِلٍ عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ مُعَاذٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عن إسماعيل بن يوسف الْبَصْرِيِّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُجَاشِعِيُّ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ هَذَا يَسْرِقُ الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ أَبِي دَاوُد، وَأَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ 3 الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْعَرْزَمِيِّ، فَرُوِيَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَرَّةً كَمَا أَخْبَرْنَا، فَأُسْنِدَ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَمَرَّةً كَمَا أَخْبَرْنَا، فَأُسْنِدَ عَنْهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَهَذِهِ الِاخْتِلَافَاتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى.
__________
1 عند الدارقطني عن ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر الحديث: ص 382.
2 أحمد بن عبد الله بن محمد أبو علي الكندي الخراساني، عرف باللجلاج، قال ابن عدي: له مناكير وأباطيل، وله أشياء يتفرد بها من طريق أبي حنيفة، كذا في "اللسان".
3 محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي أبو عبد الرحمن الكوفي، قال في "الخلاصة": العرزمي - بفتح العين، الزاي بعد الراء الساكنة - كذا في "هامش التهذيب" ص 322 - ج 9.(3/189)
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ النَّصِيبِيُّ ثَنَا حَمْزَةُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فرّق بينهما، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ"، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِي لَفْظِهِ التَّفْرِيقُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ، دُونَ لَفْظِ التَّفْرِيقِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ إجْبَارِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ البالغ عَلَى النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ.
لِأَصْحَابِنَا حَدِيثٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حُسَيْنٍ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمُخَرَّجُ له فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2، وَقَالَ: أَخْطَأَ فِيهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَلَى أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا، وَزَيْدٌ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ" 3 سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثِ حُسَيْنٍ، فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ كَمَا رَوَى الثِّقَاتُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقُلْت لَهُ: الْوَهَمُ مِمَّنْ؟ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ حُسَيْنٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: قَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ حُسَيْنٌ، فَبَرِئَتْ عُهْدَتُهُ، وَزَالَتْ تَبِعَتُهُ، ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ، قال: ورواه أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد هَكَذَا عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَيُّوبَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ خَنْسَاءَ بنت خدام الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا، وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْهُ، فَرَدَّ عليه السلام نِكَاحَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَإِنَّ تِلْكَ ثَيِّبٌ، وَهَذِهِ بِكْرٌ، وَهُمَا ثِنْتَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى
__________
1 عند أبي داود في "النكاح - باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها" ص 288، وعند ابن ماجه "باب من زوج ابنته وهي كارهة" ص 136.
2 ذكره البيهقي في "السنن - باب ما جاء في إنكاح الآباء الأبكار" ص 117 - ج 7.
3 ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" ص 417.(3/190)
أَنَّهُمَا ثِنْتَانِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ بِكْرٍ، وَثَيِّبٍ أَنْكَحَهُمَا أَبُوهُمَا وَهُمَا كَارِهَتَانِ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدِيثَ خَنْسَاءَ، وَفِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا، رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَنْسَاءَ، قَالَتْ: أَنْكَحَنِي أَبِي وَأَنَا كَارِهَةٌ، وَأَنَا بِكْرٌ، فَشَكَوْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لَا تُنْكِحْهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَقَعَ فِي كِتَابِ النَّسَائِيّ أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَتَزَوَّجَتْ خَنْسَاءُ بِمَنْ هَوِيَتْهُ، وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، صَرَّحَ بِهِ فِي "سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ"، فَوَلَدَتْ لَهُ السَّائِبَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ، فَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ فَهِيَ غَيْرُ الْخَنْسَاءِ، رَوَى حَدِيثَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَعَائِشَةُ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد، مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيُطَيِّبَ قَلْبَهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 4 عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ، وَهِيَ بِكْرٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا وَهَمٌ مِنْ شُعَيْبٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: لَمْ يَسْمَعْهُ الْأَوْزَاعِيُّ مِنْ عَطَاءٍ، وَالْحَدِيثُ فِي الْأَصْلِ مُرْسَلٌ لَفْظًا، إنَّمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلٌ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 5 عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِكْرًا، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى6، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَزِعُ النِّسَاءَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ ثَيِّبًا وَأَبْكَارًا بَعْدَ أَنْ يُزَوِّجَهُنَّ الْآبَاءُ إذَا كَرِهْنَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ نَافِعٍ، إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: بَاطِلٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ
__________
1 عند الدارقطني: ص 387.
2 أخرجه النسائي في "الكبرى" عن الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن يزيد بن وديعة عن خنساء، وكذلك أخرجه الطبراني عن ابن المبارك عنه، وهي رواية شاذة، والأول - أي أنها ثيب - أرجح، كذا في هوامش الدارقطني: ص 388.
3 عند مسلم في "النكاح - باب استئذان الثيب في النكاح، والبكر بالسكوت" ص 455 - ج 1.
4 عند الدارقطني: ص 387.
5 عند الدارقطني: ص 388.
6 عند الدارقطني: ص 385.(3/191)
عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: يَرْوِيهِ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ سَمِعَهُ مِنْ نَافِعٍ، وَأَتَى بِهِ بِطُولِهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ عُمَرَ، وَمَنْ قَالَ فِيهِ: عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَقَدْ وَهِمَ، وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ نافع، وفي الْأَحَادِيثِ بَيَانُ أَنَّ التَّزْوِيجَ كَانَ مِنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ أَخِي عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ لِأَبِيهِ، وَهُوَ عَمُّهَا، وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّنْ قَالَ: زَوَّجَهَا أَبُوهَا، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَهُوَ خَالُ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الذِّمَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ أَنْكَحَهُمَا أَبُوهُمَا، وَهُمَا كَارِهَتَانِ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهُمَا، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هَذَا، هُوَ ابْنُ جُوتِيٍّ الطَّبَرِيُّ1، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ عَنْ الذِّمَارِيِّ، فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ مُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ الذِّمَارِيِّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهِمَ فِيهِ الذِّمَارِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَالصَّوَابُ عَنْ يَحْيَى عَنْ الْمُهَاجِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَهُوَ فِي "جَامِعِ الثَّوْرِيِّ"، كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2، وَأَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي مِنْ خَسِيسَتِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ تُعَلِّمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ إلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ 3: هَذَا مُرْسَلٌ، ابْنُ بُرَيْدَةَ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، وَإِنْ صَحَّ، فَإِنَّمَا جَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا لِوَضْعِهَا فِي غَيْرِ كُفْءٍ، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ
__________
1 جوتي - بجيم، ومثناة - إسحاق بن إبراهيم بن جوتي الصنعاني، كذا في "هامش اللسان" ص 344 - ج 1.
2 عند النسائي في "باب البكر يزوجها أبوها وهي كارهة" ص 77 - ج 2، وعند ابن ماجه في "النكاح" ص 136.
3 راجع البيهقي: ص 118 - ج 7، قوله: هذا مرسل، ابن بريدة لم يسمع من عائشة، قال ابن التركماني: قلت: إذا نقل الحكم مع سببه، فالظاهر تعلقه به، وتعلقه بغيره محتاج إلى دليل، وقد نقل الحكم، وهو التخيير، وذكر السبب، وهو كراهية الثيب، ولم يذكر سبب آخر، وابن بريدة ولد سنة خمسة عشرة، وسمع جماعة من الصحابة، وقد ذكر مسلم في - مقدمة كتابه - أن المتفق عليه أن إمكان اللقاء والسماع يكفي للاتصال، ولا شك في إمكان سماع ابن بريدة من عائشة، على أن صاحب "الكمال" صرح بسماعه منها، انتهى. وقال الحافظ في "التهذيب" ص 157 - ج 5: عبد الملك بن بريدة بن الحصيب الأسلمي سمع من عائشة، انتهى.(3/192)
أَيُّوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ الثري ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ، الْحَدِيثَ، سَوَاءٌ، وَيُنْظَرُ مُسْنَدُ أَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَجُمْهُورُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ زَوَّجَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ 1 وَقَوْلهَا: زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ، يَكُونُ ابْنَ عَمِّهَا.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" 2 عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ قَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ: ثَيِّبًا، وَأَبْكَارًا، ثُمَّ خَصَّ الثَّيِّبَ بِأَنَّهَا أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا، مَعَ أَنَّهَا هِيَ وَالْبِكْرُ اجْتَمَعَا فِي ذِهْنِهِ، فَلَوْ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ فِي تَرَجُّحِ حَقِّهَا عَلَى حَقِّ الْوَلِيِّ، لَمْ يَكُنْ لِإِفْرَادِ الثَّيِّبِ بِهَذَا مَعْنًى، وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ: فِي سَائِمَةِ الغنم الزكاة، ففإن قَالُوا: قَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِلَفْظِ: الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَالْأَيِّمُ: هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا، قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْأَيِّمِ أَيْضًا الثَّيِّبُ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْبِكْرَ، عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّيِّبَ، إذْ لَيْسَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ لَيْسَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا، إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ، وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِهِ، ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِهِ - كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ - لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى إجْبَارِ كُلِّ بِكْرٍ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا عُمُومَ لَهُ، فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ هِيَ دُونَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ قَدْ خَالَفَهُ مَنْطُوقُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ، وَالِاسْتِئْذَانُ مُنَافٍ لِلْإِجْبَارِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّفْرِيقُ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ، لِأَنَّ الثَّيِّبَ تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا، فَتَأْمُرُ الْوَلِيَّ بِتَزْوِيجِهَا، وَالْبِكْرُ تُخْطَبُ إلَى وَلِيِّهَا، فَيَسْتَأْذِنُهَا، وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فِي كَوْنِ الثَّيِّبِ إذْنُهَا الْكَلَامُ، وَالْبِكْرُ إذْنُهَا الصُّمَاتُ، لِأَنَّ البكر لما كانت تستحيي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِ نِكَاحِهَا، لَمْ تُخْطَبْ إلَى نَفْسِهَا، وَالثَّيِّبُ تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا لِزَوَالِ حَيَاءِ الْبِكْرِ عَنْهَا، فَتَتَكَلَّمُ بِالنِّكَاحِ، وَتَأْمُرُ وَلِيَّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَلَمْ يَقَعْ التَّفْرِيقُ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ لِأَجْلِ الْإِجْبَارِ، وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انتهى كلامه.
قَالَ أَصْحَابُنَا: يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إجْبَارَ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، لَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ مَرْفُوعًا: " الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ3، وَحَدِيثُ
__________
1 قال ابن الهمام: كيف زوج من غير كفء، وقد كان ابن عمها، انتهى.
2 عند مسلم في "النكاح - باب استئذان الثيب في النكاح" ص 455.
3 عند مسلم في "النكاح" ص 455 - ج 1.(3/193)
خَنْسَاءَ بنت خدام أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، وَكَانَتْ ثَيِّبًا، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهُ، انْتَهَى. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ 1 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ"، انْتَهَى 2. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ صَالِحٌ مِنْ نَافِعٍ، إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ، اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ صَالِحٍ، وَكَأَنَّ مَعْمَرًا أَخْطَأَ فِيهِ، قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ مَعْمَرًا أَخْطَأَ فِيهِ، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَعَلَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فَقَالَ: ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُدْحِضِ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، ثُمَّ ذَكَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ عَنْ نَافِعٍ، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، قَالَ صَالِحٌ: إنَّمَا سَمِعْته مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ" 4، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ:
__________
1 عند أبي داود في "باب في الثيب" ص 286، وعند النسائي "باب استئذان البكر في نفسها" ص 77 - ج 2، وقال ابن قدامة المقدسي في "المحرر": رواه أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم البستي، والدارقطني، انتهى.
2 قال الجصاص الرازي في "أحكام القرآن" ص 475 - ج 1: فقوله: ليس للولي مع الثيب أمر، يسقط اعتبار الولي في العقد، وقوله: الأيم أحق بنفسها من وليها، يمنع أن يكون له حق في منعها العقد على نفسها، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الجار أحق بصقبه"، وقوله لأم الصغير: "أنت أحق به ما لم تنكحي"، فنفى بذلك كله أن يكون له معها حق، ويدل عليه حديث الزهري عن سهل بن سعد في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عليه السلام: ما لي في النساء من أرب، فقام رجل فسأله أن يزوجها، فزوجها، ولم يسألها: هل لها ولي أم لا، ولم يشترط الولي في جواز عقدها، وخطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سلمة فقالت: ما أحد من أوليائي شاهد، فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكرهني"، فقالت لابنها، وهو غلام صغير: قم فزوج أمك، الخ.
3 عند الدارقطني: ص 389 عن إسحاق عن صالح بن كيسان به.
4 قال ابن التركماني في "الجوهر النقي على هامش سنن البيهقي" ص 114 - ج 7: وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ولا تنكح البكر حتى تستأذن" دليل على أن البكر البالغة لا يجبرها أبوها ولا غيره، قال شارح "العمدة": وهو مذهب أبي حنيفة، وتمسكه بالحديث قوي، لأنه أقرب إلى العموم في لفظ البكر، وربما يزاد على ذلك بأن يقال: الاستئذان إنما يكون في حق من له إذن، ولا إذن للصغيرة، فلا تكون داخلة تحت الارادة، ويختص الحديث بالبالغات، فيكون أقرب إلى التناول، وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تنكح البكر حتى تستأذن"، وهو قول عام، وكل من عقد على خلاف ما شرع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو باطل، وليس لأحد =(3/194)
"أَنْ تَسْكُتَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ:"نَعَمْ"، قُلْت: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ، فَتَسْتَحِي، فَتَسْكُتُ، قَالَ: "سُكُوتُهَا إذْنُهَا"، انْتَهَى. وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ فِي "الْإِكْرَاهِ"، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: قَالَتْ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَارِيَةِ يُنْكِحُهَا أَهْلُهَا أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لَا؟ قَالَ: " نَعَمْ تُسْتَأْمَرُ"، قُلْت: فَإِنَّهَا تَسْتَحِي، قَالَ: "ذَلِكَ إذْنُهَا، إذَا هِيَ سَكَتَتْ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ - خَلَا الْبُخَارِيَّ - عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ2: "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ قَرِيبًا.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ"، قُلْت:......... 3
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ4، فَإِنْ
__________
= أن يستثنى من السنة إلا سنة مثلها، فلما ثبت أن أبا بكر الصديق زوج عائشة من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي صغيرة، لا أمر لها، كان ذلك مستثنى منه، انتهى كلامه. وقوله عليه السلام في حديث ابن عباس: "والبكر يستأذنها أبوها"، صريح في أن الأب لا يجبر البكر البالغ، ويدل عليه أيضاً حديث جرير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت له أن أباها زوجها، وهي كارهة، الحديث، فترك الشافعي منطوق هذه الأدلة واستدل بمفهوم حديث: "الثيب أحق بنفسها"، قال: هذا يدل على أن البكر بخلافها، قال ابن رشد: العموم أولى من المفهوم بلا خلاف، لا سيما وفي حديث مسلم: البكر يستأمرها أبوها، وهو نص في موضع الخلاف، وقال ابن حزم: ما نعلم لمن أجاز على البكر البالغة إنكاح أبيها لها بغير أمرها متعلقاً أصلاً، وذهب ابن جرير أيضاً إلى أن البكر البالغة لا تجبر، وأجاب عن حديث: الأيم أحق بنفسها، بأن الأيم من لا زوج له، رجلاً أو امرأة، بكراً أو ثيباً، لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} وكرر ذكر البكر بقوله: والبكر تستأذن، وإذنها صماتها، للفرق بين الاذنين. إذن الثيب، وإذن البكر، ومن أول الأيم، بالثيب أخطأ في تأويله، وخالف سلف الأمة وخلفها في إجازتهم لوالد الصغيرة تزويجها، بكراً كانت، أو ثيباً، من غير خلاف، وفي "التمهيد" ملخصاً، قال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والأوزاعي، والحسن بن حي، وأبو ثور، وأبو عبيد: لا يجوز للأب أن يزوج بنته البالغة بكراً، أو ثيباً إلا بإذنها، والأيم التي لا بعل لها بكراً، أو ثيباً، فحديث: الأيم أحق بنفسها، وحديث: لا تنكح البكر حتى تستأذن، على عمومهما، وخص منهما الصغيرة، لقصة عائشة، انتهى.
1 عند البخاري في "كتاب الاكراه" ص 1027 - ج 2، وعند مسم في "باب استئذان الثيب" ص 455 - ج 1.
2 وفي لفظ لمسلم: "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها".
3 هنا بياض في الأصل الذي بيدنا وفي نسخة الدار أيضاً [البجنوري] .
4 وعن أم سلمة أن جارية زوجها أبوها، وأرادت أن تزوج رجلا آخر، فأتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له، فنزعها من الذي زوجها أبوها، وزجها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الذي أرادت، انتهى. قال الهيثمي في "المجمع" ص 280: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.(3/195)
دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، وَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَكُلُّهَا مَعْلُولَةٌ.
فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "أَلَا لَا تُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" 1 عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْكِحُوا النِّسَاءَ إلَّا الْأَكْفَاءَ، وَلَا يُزَوِّجْهُنَّ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، أَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ مَوْضُوعَةٌ كَذِبٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيُدَلِّسُ عَلَى الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ، وَعَنْ أَبِي يَعْلَى رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ: مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا" وَأَعَلَّاهُ بِمُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَأَسْنَدَ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْوَضْعِ وَالْكَذِبِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ 2: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، وَفِي اعْتِبَارِ الْأَكْفَاءِ أَحَادِيثُ لَا تَقُومُ بِأَكْثَرِهَا الْحُجَّةُ، وَأَمْثَلُهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ: ثَلَاثَةٌ لَا تُؤَخِّرُهَا، وَفِيهِ: وَالْأَيِّمُ إذَا وَجَدَتْ كُفُؤًا، انْتَهَى. قُلْت: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ 3 فِي "الصَّلَاةِ - فِي الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: "يَا عَلِيُّ، ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرْهَا: الصَّلَاةُ إذَا آنَتْ، وَالْجِنَازَةُ إذَا حَضَرَتْ، وَالْأَيِّمُ إذا وجدت لها كفؤاً"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْجَنَائِزِ": حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَمَا أَرَى
__________
1 عند الدارقطني: ص 392 في "النكاح" وعند البيهقي في "السنن - باب في اعتبار الكفاءة" ص 133 - ج 7.
2 راجع "سنن البيهقي - باب اعتبار الكفاءة" ص 132، وص 133 - ج 7.
3 عند الترمذي في "الجنائز - باب تعجيل الجنائز" ص 139 - ج 1.(3/196)
إسْنَادَهُ مُتَّصِلًا، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 1 - فِي النِّكَاحِ" كَذَلِكَ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. إلَّا أَنِّي وَجَدْته، قَالَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ، عَوَّضَ: سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، فَلْيُنْظَرْ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِاشْتِرَاطِهَا، وَلَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي اشْتِرَاطِهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 2: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَصْلُ الْكَفَاءَةِ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ، لِأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا خَيَّرَهَا، لِأَنَّ زَوْجَهَا لم يكن كفؤاً، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" عَلَى اشْتِرَاطِهَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَأَنْكِحُوا الْأَكْفَاءَ"، وَهَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، اسْتَوْفَيْنَاهَا، وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي "كِتَابِ الْإِسْعَافِ - بِأَحَادِيثِ الْكَشَّافِ - فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِأَصْحَابِنَا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْكَفَاءَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي مِنْ خَسِيسَتِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ أَجَزْت مَا صنع أبي، ولكن أَرَدْت أَنْ تُعَلِّمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ إلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، ابْنُ بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ سَوَاءٌ، وَيُنْظَرُ مُسْنَدُ أَحْمَدَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ بعض، بَطْنٌ بِبَطْنٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، رَجُلٌ بِرَجُلٍ"، قُلْت: رَوَى الْحَاكِمُ 3 حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ ثَنَا الصَّغَانِيُّ ثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا بَعْضُ إخْوَانِنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ، إلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا مُنْقَطِعٌ، إذْ لَمْ يُسَمِّ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
__________
1 في "المستدرك" ص 162 - ج 2 عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، قال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح، وتبعه الذهبي في "تلخيصه" فصححه.
2 راجع "سنن البيهقي" ص 132 - ج 7.
3 وعند البيهقي في "السنن - باب اعتبار الصنعة في الكفاءة" ص 134 - ج 7، والصغاني هو محمد بن إسحاق، انتهى.(3/197)
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْأَيْلِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ جريج عن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، مِثْلُهُ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَأَعَلَّهُ بِعِمْرَانَ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِعِمْرَانَ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمَا، وَقَالَ: الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ضَعِيفُهُ جِدًّا، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: النَّاسُ أَكْفَاءٌ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَعَرَبِيٌّ لِعَرَبِيٍّ، وَمَوْلًى لِمَوْلًى، إلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: بَقِيَّةُ مَغْمُوزٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ مَطْعُونٌ فِيهِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ بِهِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَأَعَلَّهُ بِعَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ": وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الطَّرَائِفِيُّ مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ، يَرْوِي عَنْ الْمَجَاهِيلِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" 1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا، انْتَهَى.
__________
1 قال الهيثمي في "المجمع" 275 - ج 4: رواه البزار، وفيه سليمان بن أبي الجون، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح، انتهى.(3/198)
بَاب الْمَهْر
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْكَفَاءَةِ حَدِيثُ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عن عطاء، وعمرو بن دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْكِحُوا النِّسَاءَ إلَّا الْأَكْفَاءَ، وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ1، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ دَاوُد الْأَوْدِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: دَاوُد الْأَوْدِيُّ ضَعِيفٌ، كَانَ يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ، ثُمَّ إنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا فِي "الْحُدُودِ" عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَجُوَيْبِرٌ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ الضَّحَّاكِ بِسَنَدِهِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: لَا يَكَادُ يُعْرَفُ، انتهى كلامه.
حديث الخصوم: أخرج الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْت أَهَبُ لَك نَفْسِي، فَنَظَرَ إلَيْهَا، وَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا، وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ، جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: "هَلْ مَعَك شَيْءٌ؟ " قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " اذْهَبْ إلَى أَهْلِك فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا"، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا وَجَدْت شَيْئًا، فَقَالَ عليه السلام: "اُنْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْت شَيْئًا، وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إزَارِي، فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ
__________
1 قال ابن الهمام في "الفتح" ص 417 - ج 2: ثم وجدنا في "شرح البخاري" للشيخ برهان الدين الحلبي: ذكر أن البغوي قال: إنه حسن، وقال فيه: رواه ابن أبي حاتم من حديث جابر عن عمرو بن عبد الله الأودي بسنده، ثم أوجدنا بعض أصحابنا - قلت: لعله ابن أمير الحاج - صورة السند عن الحافظ قاضي القضاة العسقلاني، الشهير بابن حجر، قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي حدثنا وكيع عن عباد بن منصور، قال: حدثنا القاسم بن محمد، قال: سمعت جابراً رضي الله عنه يقول: قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ولا مهر أقل من عشرة"، الحديث الطويل، قال الحافظ: إنه بهذا الإسناد حسن، ولا أقل منه، انتهى.
2 عند الدارقطني في "النكاح" ص 392.
3 عند البخاري في "النكاح - باب تزويج المعسر" ص 761 - ج 2، وعند مسلم فيه "باب الصداق، وجواز كونه تعليم القرآن" ص 157 - ج 4.(3/199)
عليه السلام: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِك؟! إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك مِنْهُ شَيْءٌ"، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا أُمِرَ بِهِ، فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ لَهُ: "مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا، عَدَّدَهَا، فقال: تقرأهن عَنْ ظَهْرِ قَلْبِك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ جِبْرِيلَ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا يَزِيدُ ثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمِ بْنِ رُومَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا، فَقَدْ اسْتَحَلَّ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ صَالِحِ بْنِ رُومَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَنْ أَسْنَدَهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "الْمِيزَانِ": إسْحَاقُ هَذَا لَا يُعْرَفُ، وَضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ رُومَانَ يُقَالُ: إنَّ اسْمَهُ صَالِحٌ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَنْهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فَقَطْ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ عَلَى نَعْلَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ فَاحِشَ الْخَطَأِ فَتُرِكَ 3.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَدُّوا الْعَلَائِقَ، قِيلَ: مَا الْعَلَائِقُ؟ قَالَ: مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ، وَلَوْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمَعَ إرْسَالِهِ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبُو مُحَمَّدٍ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الضَّعْفِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 4 عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ
__________
1 عند أبي داود في "النكاح - باب قلة المهر" 287 - ج 1.
2 عند الترمذي في "باب ما جاء في مهور النساء" ص 143 - ج 1، وعند ابن ماجه في "باب صداق النساء" ص 137.
3 قال في "الجوهر النقي على هامش البيهقي" ص 239 - ج 7: قلت: أنكر على عاصم بن عبيد الله هذا الحديث، قال: أبو حاتم الرازي منكر الحديث، يقال: ليس له حديث يعتمد عليه، فقال له ابنه: ما أنكروا عليه، فذكر أبو حاتم هذا الحديث، قال: وهو منكر، انتهى.
4 عند الدارقطني في "النكاح" ص 391، وفي سنده أبو هارون العبدي اسمه: عمارة بن جوين - بضم الجيم، وفتح الواو، وسكون التحتانية، وبنون - كذا في هامش "التهذيب" ص 412 - ج 7 عن "المغني".(3/200)
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَضُرُّ أَحَدَكُمْ، بِقَلِيلٍ مِنْ مَالِهِ تَزَوَّجَ أَمْ بِكَثِيرٍ، بَعْدَ أَنْ يُشْهِدَ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَأَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ اسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ، قال حماد بن يزيد: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: والمتعة ثلاثة أَثْوَابٍ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا، وَهِيَ: دِرْعٌ، وَخِمَارٌ، وَمِلْحَفَةٌ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ 1 عَنْ ابْنِ عباس. والله أعلم
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي "سُنَنِهِمْ" 2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ، فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ - امْرَأَةٍ مِنَّا - مِثْلَ مَا قَضَيْت، فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ بِمِصْرَ، وَقَالَ بِحَدِيثِ بِرْوَعَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ 3 عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ، وَقَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: فَقَامَ أُنَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ، وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا 4 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ، وَأَبِي حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أفتى فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، فَمَاتَ عَنْهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَقَالَ: أَقُولُ: إنَّ لَهَا صَدَاقًا كَصَدَاقِ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ، فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ، وَأَبُو سِنَانٍ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ - وَإِنَّ زَوْجَهَا هِلَالُ بْنُ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيُّ - كَمَا قَضَيْت، قَالَ: فَفَرِحَ ابْنُ مَسْعُودٍ
__________
1 عند البيهقي في "السنن - باب التفويض" ص 244 - ج 7.
2 عند الترمذي "باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها" ص 148 - ج 1، قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم، وبه يقول الثوري، وأحمد، وإسحاق، وقال الشافعي: إذا تزوج الرجل امرأة، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها صداقاً حتى مات لها الميراث، ولا صداق لها، وعليها العدة، وقال: ولو ثبت حديث بروع بنت واشق لكانت الحجة فيما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الخ.
3 عند النسائي "باب إباحة التزويج بغير صداق" ص 88 - ج 2، وفي "المستدرك - باب من تزوج ولم يفرض صداقاً" ص 180 - ج 2، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجه.
4 عند أبي داود فيمن تزوج، ولم يسم صداقاً حتى مات: ص 288 - ج 1.(3/201)
فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": أَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ حَدِيثُ قَتَادَةَ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ اسْمَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 1 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 2 بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، سَوَاءٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَمَّوْهُ مَعْقِلَ بْنَ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيَّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3، وَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ أَحْفَظْهُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ، فَمَرَّةً يُقَالُ: مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ، وَمَرَّةً يُقَالُ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ، وَلَا يُسَمَّى، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إسْنَادُهَا صَحِيحٌ، وَفِي بَعْضِهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَشْجَعَ شَهِدُوا بِذَلِكَ، فَإِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ سَمَّى وَاحِدًا، وَبَعْضُهُمْ سَمَّى آخَرَ، وَبَعْضُهُمْ سَمَّى اثْنَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُسَمِّ، وَبِمِثْلِهِ لَا يُرَدُّ الْحَدِيثُ، وَلَوْلَا ثِقَةُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا كَانَ لِفَرَحِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِرِوَايَتِهِ مَعْنًى، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، قَدْ رَوَاهُ، وَذَكَرَ سَنَدَهُ، وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ سَمَّى فِيهِ مَعْقِلَ بْنَ سِنَانٍ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ - وَهُوَ أَحَدُ الْحُفَّاظِ - مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَذَكَرَ سَنَدَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ. وَسَمَّاهُ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْأَشْجَعِيَّ.
__________
1 في "المستدرك" ص 180 - ج 2.
2 وعند ابن ماجه "باب الرجل يتزوج ولا يفرض لها فيموت على ذلك" ص 137، قلت: واسم زوج بروع بنت واشق: هلال بن مرة، ذكره ابن مندة في "المعرفة" وهو في "مسند أحمد" أيضاً، انتهى. من "التلخيص الحبير" ص 311.
3 راجع "سنن البيهقي" من أول "باب أحد الزوجين يموت ولم يفرض لها صداقاً" ص 244 - ج 7، ومن آخره: ص 246 - ج 7، وقال صاحب "الجوهر النقي على هامش البيهقي" ص 247 - ج 7، قلت: أخرجه ابن حبان في "صحيحه" من طريق سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، وكذلك أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وحكى الحاكم في "المستدرك" ص 180 - ج 2 عن شيخه أبي عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ أنه قال: لو حضرت الشافعي رضي الله عنه لقمت على رءوس أصحابه، وقلت: قد صح الحديث، فقل به، وقال الحاكم: إنما حكم شيخنا بصحته، لأن الثقة قد سمى فيه رجلاً من الصحابة، وهو معقل بن سنان، كما في حديث فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله، فصار الحديث على شرط الشيخين، انتهى.(3/202)
فَصْلٌ
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "إلَّا مَنْ أَرْبَى، فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ نَجْرَانَ" حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثنا مجالد ين سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ - وَهُمْ نَصَارَى - أَنَّ مَنْ بَايَعَ مِنْكُمْ بِالرِّبَا فَلَا ذِمَّةَ لَهُ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1 حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا سَعْدَانُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ، فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا: "بسم الله الرحمن الرحيم، هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ نَجْرَانَ - إذْ كَانَ لَهُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ - أَنَّ فِي كُلِّ سَوْدَاءَ، وَصَفْرَاءَ، وَبَيْضَاءَ، وَحَمْرَاءَ، وَثَمَرَةٍ، وَرَقِيقٍ أَلْفَيْ حُلَّةٍ، فِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، عَلَى أَنْ لَا يُحْشَرُوا، وَلَا يُعْشَرُوا، وَلَا يَأْكُلُوا الرِّبَا، فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُمْ الرِّبَا فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ"، مُخْتَصَرٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا غَلَّظَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ الرِّبَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي، مَعَ أَنَّهُمْ يُمَكَّنُونَ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، كَالشِّرْكِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي مَنْعِهِمْ مِنْهُ كَفَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَكْلِ الرِّبَا، ولولا المسلمين لَكَانُوا فِي الرِّبَا كَسَائِرِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْمَعَاصِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 أخرجه في "كتاب الأموال" ص 188، وعند ابن سعد في "طبقاته" ص 36، الثاني - من الأول - ولفظهما: ومن أكل ربا من ذي قبل، فذمتي منه بريئة، الحديث.(3/203)
بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 2 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ بِهِ، وَقَالَ:
__________
2 عند الترمذي "باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده" ص 143 - ج 1، وفي "المستدرك - باب إذا تزوج العبد بغير إذن سيده ص 194 - ج 2.(3/203)
حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. هَكَذَا وَجَدْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ، وَشَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي "أَطْرَافِهِ" إلَّا التَّحْسِينُ فَقَطْ، تَابِعًا لِابْنِ عَسَاكِرَ فِي "أَطْرَافِهِ"، وَكَذَلِكَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" مُقَلِّدًا "لِلْأَطْرَافِ"، كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ، إنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَابِرٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ 1: فَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: عِنْدَ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى.
الطَّرِيقُ الْآخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ عَاهِرًا"، انْتَهَى. وهذه الطريق الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، فَقَالَ: رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ، وَالْحُمَيْدِيَّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ، وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَرَوَاهُ مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ 2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَهِمَا فِي رَفْعِهِ، وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، وَحَجَّاجٌ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا لَهُ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَبْطَلَ صَدَاقَهُ، وضربه حداً، انتهى.
الحديث الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: لِبَرِيرَةَ، حِينَ عَتَقَتْ: "مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِبَرِيرَةَ: "اذْهَبِي، فَقَدْ عَتَقَ مَعَك بُضْعُك"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِبَرِيرَةَ لَمَّا أُعْتِقَتْ: "قَدْ عَتَقَ بُضْعُك مَعَك"، فَاخْتَارِي، انْتَهَى.
__________
1 عند أبي داود "باب نكاح العبد بغير إذن مواليه" ص 284 - ج 1، وعند ابن ماجه "باب تزويج العبد بغير إذن سيده" ص 142.
2 قال ابن قدامة في "المغني" ص 410 - ج 7: وروى الخلال عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً، الحديث.
3 عند الدارقطني: ص 412، وابن سعد في "الطبقات" ص 189 - ج 8، في "ترجمة بريرة" مولاة عائشة.(3/204)
وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَعَتَقَتْ"، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَوْجِهَا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا، وَتُهْدِي لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ"، انْتَهَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "النِّكَاحِ - وَالطَّلَاقِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الْعِتْقِ"، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ كَذَلِكَ فِي "الطَّلَاقِ" - خَلَا التِّرْمِذِيَّ - فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي "الرَّضَاعِ" عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ، هَلْ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا حِينَ خُيِّرَتْ؟ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَهَا الْخِيَارُ فِي الْعَبْدِ، دُونَ الْحُرِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْأَحَادِيثُ فِي أَنَّهُ كَانَ حُرًّا: رَوَى الْجَمَاعَةُ - إلَّا مُسْلِمًا - مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اشْتَرَيْت بَرِيرَةَ لِأَعْتِقَهَا، وَإِنَّ أَهْلَهَا يَشْتَرِطُونَ وَلَاءَهَا، فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، قَالَ: فَاشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا، قَالَتْ: وَخُيِّرَتْ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَقَالَتْ: لَوْ أُعْطِيت كَذَا وَكَذَا مَا كُنْت مَعَهُ، قَالَ الْأَسْوَدُ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، انْتَهَى بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ 2. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَيْته عَبْدًا أَصَحُّ، انْتَهَى. هَكَذَا أَخْرَجَهُ فِي "كِتَابِ الْفَرَائِضِ" عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ: قَالَ الْحَكَمُ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَوْلُ الْحَكَمِ مُرْسَلٌ، انْتَهِي. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: إنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ، وَأَنَّهَا خُيِّرَتْ، فَقَالَتْ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَهُ، وَإِنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي "الرَّضَاعِ" عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "الطَّلَاقِ" أَنَّهَا أَعْتَقَتْ بَرِيرَةَ، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لَهَا زَوْجٌ حُرٌّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَرَوَاهُ فِي "كِتَابِ الْكُنَى" مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا سَأَلَا عَائِشَةَ عَنْ زَوْجِ بَرِيرَةَ، فَقَالَتْ: كَانَ حُرًّا يَوْمَ أُعْتِقَتْ، انْتَهَى.
__________
1 عند البخاري في مواضع منها: في ص 763 - ج 2، وص 795 - ج 2، وعند مسلم في "العتق - باب أن الولاء لمن أعتق" ص 494 - ج 1، وعند أبي داود في "باب المملوكة تعتق وهي تحت حر وعبد" ص 303، وص 403 - ج 1، والترمذي في "باب الرضاع - باب ما جاء في الأمة تعتق ولها زوج" ص 149 - ج 1، والنسائي في "باب خيار الأمة" ص 105 - ج 2.
2 عند البخاري في "الفرائض، باب الولاء لمن أعتق، وباب ميراث السائبة" ص 999 - ج 2، وعند ابن ماجه "باب خيار الأمة إذا أعتقت" ص 151.(3/205)
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ سَمِعْت الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، فَاشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَأُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمٌ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: " هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ"، وَخُيِّرَتْ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ سَأَلْته عَنْ زَوْجِهَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، انْتَهَى. وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي "الْهِبَةِ"2، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: زَوْجُهَا حُرٌّ، قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ سَأَلْته عَنْ زَوْجِهَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، أَحُرٌّ أَمْ عَبْدٌ؟، مُخْتَصَرٌ 3.
أحاديث فِي أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ - إلَّا مُسْلِمًا - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا، يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: "يَا عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ شِدَّةِ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ " فَقَالَ لَهَا عليه السلام: "لَوْ رَاجَعْتِيهِ؟ " قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْمُرُنِي بِهِ؟ فَقَالَ عليه السلام: "إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ"، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْخُلْعِ"4،
__________
1 عند مسلم في "العتاق" ص 494 - ج 1.
2 عند البخاري في "الهبة - باب قبول الهدية" ص 350.
3 قال البيهقي: ص 220 - ج 7: وقد رواه سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن القاسم، فأثبت عنه كون زوجها عبداً، قال صاحب "الجوهر النقي": قلت: شعبة إمام جليل حافظ، وقد روي عن عبد الرحمن أنه كان حراً، فلا يضره نسيان عبد الرحمن وتوقفه، وقد ذكر البيهقي في "كتاب المعرفة - في باب لا نكاح إلا بولي" أن مذهب أهل العلم بالحديث وجوب قبول خبر الصادق، وإن نسي من أخبره عنه، وكيف يعارض شعبة بسماك مع كونه متكلماً فيه، فضعفه الثوري، وابن أبي خيثمة، وأحمد، وعبد الرحمن بن يوسف، وابن المبارك، وشعبة، انتهى مختصراً. وقال ابن الهمام في "الفتح" ص 495 - ج 2: ومنشأ الخلاف الاختلاف في ترجيح إحدى الروايتين المتعارضتين في زوج بريرة، أكان حين أعتقت حراً أو عبداً، وفي ترجيح المعنى المعلل به، أما الأول فثبت في "الصحيحين" من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرها، وكان زوجها عبداً، ولم تختلف الروايات عن ابن عباس، أنه كان عبداً، وثبت في "الصحيحين" أنه كان حراً حين أعتقت، وهكذا روي في "السنن الأربعة" وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والترجيح يقتضي في رواية عائشة ترجيح أنه كان حراً، وذلك أن رواة هذا الحديث عن عائشة ثلاثة: الأسود، وعروة، والقاسم، فأما الأسود فلم يختلف فيه عن عائشة أنه كان حراً، وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان: إحداهما: أنه كان حراً، والأخرى أنه كان عبداً، وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه أيضاً روايتان صحيحتان: إحداهما: أنه كان حراً، والأخرى الشك، انتهى. وروى عبد الرزاق عن سعيد ابن المسيب أنه كان حراً، كما في "الجوهر".
4 عند البخاري في "الخلع - باب شفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زوج بريرة" ص 295 - ج 2، وعند الترمذي في "الرضاع - باب ما جاء في الأمة تعتق ولها زوج" ص 149 - ج 1، وعند أبي داود "باب المملوكة تعتق وهي تحت حر وعبد" ص 303 - ج 1، وعن ابن ماجه "باب خيار الأمة إذا أعتقت" ص 151 - ج 1، وعند النسائي في "القضاء - باب شفاعة الحاكم للخصوم قبل الحكم" ص 310 - ج 2.(3/206)
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الرَّضَاعِ" عَنْ أَيُّوبَ، وَقَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي "الْقَضَاءِ" عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ، هَكَذَا عَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَلَمْ أَجِدْهُ1، فَلْيُرَاجَعْ، لَكِنَّهُ فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، مُحِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ، وَزَادَ: قَالَ: وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ قَطْعًا، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ قَالَ: فَاعِلُهُ مَذْكُورٌ، الثَّانِي: أَنَّ النَّسَائِيّ 2 رَوَاهُ مُصَرِّحًا بِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ عُرْوَةُ: وَلَوْ كَانَ حُرًّا مَا خَيَّرَهَا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ لَهَا عليه السلام: إنْ قَرِبَك فَلَا خِيَارَ لَك، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ 3 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ 4 عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ
__________
1 قلت: أخرج الدارقطني هذه الزيادة: ص 414 من حديث ابن عباس، وفي "حواشي الدارقطني" وهذه الزيادة لم تقع في حديث عائشة في "الصحيحين" لكن أخرج ابن ماجه عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض، وهذا مثل حديث ابن عباس، لكن الحديث الذي أخرجه ابن ماجه على شرط الشيخين، بل هو في أعلى درجات الصحة، انتهى.
2 عند النسائي "باب خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك" ص 106 - ج 2، وزيادة: إن قربك فلا خيار لك، عند أبي داود "باب حتى متى يكون لها الخيار" ص 304 - ج 1، قال صاحب "الجوهر النقي" ص 220 - ج 6: قلت: ذكر ابن حزم أنه روي عن عروة خلاف هذا، فأخرج من طريق قاسم بن أصبغ ثنا أحمد بن يزيد ثنا موسى ابن معاوية ثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت: كان زوج بريرة حراً، قال: [ولو كان حراً لم يخيره] يحتمل أنه من كلام من دون عائشة، وقال الطحاوي: ويحتمل أن يكون من كلام عروة، وقد أخرج ابن حبان هذا الحديث في "صحيحه" فقال: أنا عبيد الله بن محمد الأزدي ثنا إسحاق الحنظلي ثنا جرير بن عبد الحميد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وفي آخره قال عروة: ولو كان حراً ما خيرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك أخرجه النسائي في "سننه" عن الحنظلي" انتهى.
3 عند مسلم "باب بيان أن الولاء لمن أعتق" ص 494 - ج 1، وعند أبي داود: ص 304 - ج 1، وعند النسائي "باب خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك" ص 106 - ج 2.
4 حديث صفية، عند البيهقي في "السنن" ص 223 - ج 7، لكن عند ابن سعد: ص 191 - ج 8 في حديثها أن زوج بريرة كان حراً، انتهى.(3/207)
عَبْدًا، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ1، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ وَجَبَ التَّوْفِيقُ فِيهَا، فَنَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا الْحُرِّيَّةَ تَعْقُبُ الرِّقَّ، وَلَا يَنْعَكِسُ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كان حراً عند ما خُيِّرَتْ، عَبْدًا قَبْلَهُ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَلَا يَنْفِي الْخِيَارَ لَهَا تَحْتَ الْحُرِّ، إذْ لَمْ يَجِئْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا خَيَّرَهَا، لِكَوْنِهِ عَبْدًا، قَالَ: وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا، فَقَدْ رَأَيْنَا الْأَمَةَ فِي حَالِ رِقِّهَا لِمَوْلَاهَا، أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا لِلْحُرِّ والعبد، ورأيناها بعد ما يُعْتِقُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عَلَيْهَا عَقْدَ نِكَاحٍ، لَا لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ، فَاسْتَوَى حُكْمُ مَا إلَى الْمَوْلَى فِي الْعَبِيدِ، وَالْأَحْرَارِ، وَمَا لَيْسَ إلَيْهِ فِيهِمَا، وَرَأَيْنَاهَا إذَا أُعْتِقَتْ بَعْدَ عَقْدِ الْمَوْلَى عَلَيْهَا نِكَاحَ الْعَبْدِ، يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ، فَجَعَلْنَاهُ كَذَلِكَ فِي جَانِبِ الْحُرِّ قِيَاسًا وَنَظَرًا، ثُمَّ أُسْنِدَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ: لِلْأَمَةِ الْخِيَارُ إذَا أُعْتِقَتْ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ قُرَشِيٍّ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ لَهَا: الْخِيَارُ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ طَاوُسٍ كَذَلِكَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ2، قَالَ: تُخَيَّرُ، حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: تُخَيَّرُ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، انْتَهَى.
__________
1 راجع "شرح الآثار - للطحاوي - باب خيار العتق" ص 49 - ج 2، وقال صاحب "الجوهر النقي": وإذا اختلفت الآثار في زوجها وجب حملها على وجه لا تضاد فيه، والحرية تعقب الرق، ولا ينعكس، فثبت أنه كان حراً عند ما خيرت عبداً قبله، ومن أخبر بعبوديته لم يعلم بحريته قبل ذلك، وقال ابن حزم ما ملخصه: إنه لا خلاف أن من شهد بالحرية يقدم على من شهد بالرق، لأن عنده زيادة علم، ثم لو لم يختلف أنه كان عبداً، هل جاء في شيء من الأخبار أنه عليه الصلاة السلام إنما خيرها لأنها تحت عبد؟ هذا لا يجدونه أبداً، فلا فرق بين من يدعي أنه خيرها، لأنه كان عبداً، وبين من يدعي أنه خيرها لأنه كان أسود، فكل من ملكت نفسها تختار، سواء كانت تحت حر أو عبد، وإلى هذا ذهب ابن سيرين، وطاوس، والشعبي، ذكر ذلك عبد الرزاق بأسانيد صحيحة، وأخرجه ابن أبي شيبة عن النخعي، ومجاهد، وحكاه الخطابي عن حماد، والثوري، وأصحاب الرأي، وفي "التهذيب للطبري" وبه قال مكحول، وفي الاستذكار أنه قول ابن المسيب أيضاً، انتهى ملخصاً.
2 وهكذا ذكره ابن قدامة في "المغني" ص 591 - ج 7(3/208)
بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ
قَوْلُهُ: وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ، وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ، ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ، قُلْت: فِي صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ أَحَادِيثُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"3: اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْمُشْرِكِينَ بِحَدِيثِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الزِّنَا،
__________
3 ومثله قال في "السنن" ص 190 - ج 7 في "باب نكاح أهل الشرك وطلاقهم".(3/208)
قَالَ: لأن الناكح لَوْ لَمْ يُحِلَّهَا لَهُ لَمَا جَرَى الْإِحْصَانُ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْيَهُودِيَّيْنِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَيَأْتِي فِي "الْحُدُودِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَرِوَايَتَانِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ، وَسَمِعْت عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ: سَمِعْت يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا أَجْوَدُ إسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ عليه السلام رَدَّهَا لَهُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ وَجْهُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَعَلَّهُ جَاءَ مِنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَمَهْرٍ جَدِيدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بِسَنَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو الْعَاصِ فَرَدَّهَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، انْتَهَى. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا تَطَاوَلَتْ - لِاعْتِرَاضِ سَبَبٍ - حَتَّى بَلَغَتْ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ضَعِيفٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، فَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَحُكِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ3، وَلَا أَعْلَمُ رَوَاهُ مَعَهُ إلَّا مَنْ هُوَ دُونَهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ
__________
1 عند البخاري في مواضع: منها في "الحدود - باب أحكام أهل الذمة" ص 1011 - ج 2، وعند مسلم في "الحدود" ص 69 - ج 2.
2 عند الترمذي "باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما" ص 147 - ج 1، والمخرج تصرف في كلام الترمذي بعض تصرف، وعند ابن ماجه "باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر" ص 146، وعند أبي داود "باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها" ص 304 - ج 1، وفي "المستدرك" من حديث ابن عباس: ص 200 - ج 2.
3 ومحصل ما قال صاحب "الجوهر النقي" ص 188 - ج 7، قلت: في حديث ابن عباس أشياء: منها أن ابن إسحاق فيه كلام، ومنها أن داود بن الحصين فيه لين، قال ابن المديني: ما رواه عن عكرمة فهو منكر، وقال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة، ذكر ذلك الذهبي في "الميزان" ثم قال: أخرجه الترمذي، وقال: لا يعرف وجهه، لعله جاءه من قبل حفظ داود بن الحصين، وكيفما كان فخبر ابن عباس متروك لا يعمل به عند الجميع، وحديث عبد الله بن عمرو في ردها بنكاح جديد تعضده الأصول، وذكر في "الاستذكار" ردها بنكاح جديد، ثم قال: وكذا قال الشعبي، - مع علمه بالمغازي أنه لم يردها إليه إلا بنكاح جديد، وتبين بهذا كله أن قول ابن عباس ردها إليه على النكاح الأول =(3/209)
أَنَّهُ قَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ عِدَّتِهَا، وَأَمَّا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": لَوْ صَحَّ الْحَدِيثَانِ لَقُلْنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً، وَلَكِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ الْحُفَّاظُ، فَتَرَكْنَاهُ، وَأَخَذْنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَادَّعَى بَعْضُ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ1 نَسْخَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِحَدِيثِ
__________
= - إن صح - أراد به على مثل الصداق الأول، وحديث عمرو بن شعيب عندنا صحيح، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه، وهذا يقتضي أن الفرقة تقع بينهما بإسلامهما، فكيف يخالف ابن عباس ما رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة زينب، انتهى. وقال ابن الهمام في "الفتح" ص 511 - ج 2: وأما أبو العاص، فإنما ردها عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنكاح جديد، روى ذلك الترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد، والجمع إذا أمكن أولى من إهدار أحدهما، وهو مجمل قوله: ردها على النكاح الأول على معنى بسبب سبقه مراعاة لحرمته، كما يقال: ضربته على إساءته، وقيل: قوله: ردها على النكاح الأول لم يحدث شيئاً، معناه على مثله لم يحدث زيادة في الصداق والحباء، وهو تأويل حسن، انتهى.
1 قال في "الجوهر النقي" ص 188 - ج 7: وقال ابن حزم: أسلمت زينب أول ما بعث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا خلاف، ثم هاجرت وبين إسلامها وإسلام زوجها أزيد من ثمان عشرة سنة، وولدت في خلال ذلك ابنها علياً، فأين العدة؟ وذكر صاحب "التمهيد" حديث ابن عباس، ثم قال: إن صح فهو متروك منسوخ عند الجميع، ويدل على أنه منسوخ إجماع العلماء على أن أبا العاص كان كافراً، وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة كافر، قال الشعبي: ولا خلاف بين العلماء في الكافرة تسلم، فيأبى زوجها الاسلام حتى تنقضي عدتها أنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد، وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى العمل بحديث عمرو بن شعيب، وأن أحد الحربيين إذا أسلم وخرج إلينا، وبقي الآخر بدار الحرب وقعت الفرقة باختلاف الدارين، لقوله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} فلو كانت الزوجية باقية، كما يقوله الشافعي، كان هو أحق بها، وقال تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} الآية، وقال تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} فأمر برد المهر على الزوج، فلو كانت الزوجية باقية لما استحق البضع، وبدله، وقال تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ولو كان النكاح الأول باقياً لما جاز أن تتزوج، وقال تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} قال ابن عطية: رأيت لأبي علي الفارسي أنه قال: سمعت الفقيه أبا الحسن الكرخي يقول في تفسير قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} : إنه في الرجال والنساء، فقلت له: النحويون لا يرون هذا إلا في النساء، لأن - كوافر - جمع كافرة، فقال: وأيش يمنع هذا؟ أليس الناس يقولون: طائفة كافرة، وفرقة كافرة، فبهت، وقلت: هذا تأييد، انتهى.
وبالجملة عند أبي حنيفة أن الحربية إذا أسلمت وهاجرت ولم يسلم زوجها تبين باختلاف الدارين، ومعنى الاختلاف أن يكون أحدهما من أهل دارنا، إما بإسلام، أو ذمة، والآخر حربياً من أهل دارهم، حتى لو دخل مسلم دارهم بأمان، أو دخل حربي دارنا أو أسلما ثمة، ثم خرج أحدهما إلينا فلا فرقة، انتهى.
فائدة مهمة: قال ابن الهمام في "الفتح" ص 512 - ج 2: واعلم أن بنات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تتصف واحدة منهن قبل البعثة بكفر، ليقال: آمنت بعد أن لم تكن مؤمنة، فقد اتفق علماء المسلمين أن الله تعالى لم يبعث نبياً قط أشرك بالله طرفة عين، والولد يتبع المؤمن من الأبوين، فلزم أنهن لم تكن إحداهن قط إلا مسلمة، نعم قبل البعثة، كان الاسلام اتباع ملة إبراهيم حنيفاً، ومن حين وقعت البعثة لا يثبت الكفر إلا بإنكار المنكر بعد بلوغ الدعوة، ومن أول ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأولاده لم تتوقف واحدة منهن، ثم قال ابن الهمام ص 510 - ج 2: وتباين الدارين بين أبي العاص بن الربيع، وبين زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أظهر، وأشهر، فإنها هاجرت إلى المدينة وتركته بمكة على شركه، ثم جاء وأسلم بعد سنتين، وقيل: ثلاث، وقيل: ثمان، فردها عليه بالنكاح الأول، انتهى.(3/210)
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ أَنَّ أَبَا الْعَاصِ أُخِذَ أَسِيرًا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ، وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ، قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ يَوْمَ بَدْرٍ1، وَإِنَّمَا أسلم بعد ما أَخَذَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا مَعَهُ، فَأَتَى الْمَدِينَةَ، فَأَجَارَتْهُ زَيْنَبُ فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِوَارَهَا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: أَيْ بُنَيَّةُ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يَدْنُ إلَيْك، فَإِنَّك لَا تَحِلِّينَ لَهُ، وَكَانَ هَذَا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الِامْتِحَانِ فِي الْهُدْنَةِ، ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ، بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ بَضَائِعِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَخَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي قِصَّةِ بَدْرٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا أَسَرَهُ يَوْمَ بَدْرٍ أَطْلَقَهُ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ ابْنَتَهُ، وَكَانَتْ بِمَكَّةَ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي، فَإِنْ قَالَ: إنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ سَنَتَيْنِ، وَالْعِدَّةُ لَا تَبْقَى فِي الْغَالِبِ هَذِهِ الْمُدَّةَ، قُلْنَا: النِّكَاحُ كَانَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهِيَ آيَةُ الْمُمْتَحِنَةِ، فلم يؤثر فيه إسْلَامُهَا، وَبَقَاؤُهُ عَلَى الْكُفْرِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ تَوَقَّفَ نِكَاحُهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ كَانَ إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ
__________
1 وفي "الاصابة" ص 122 - ج 4 عن مغازي بن إسحاق عن عائشة، قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رق لها رقة شديدة، وقال للمسلمين: إن رأيتم تطلقوا لها أسيرها، وتردوه عليها، ففعلوا، وساق ابن إسحاق قصته أطول من هذا، وأنه شهد بدراً مع المشركين، وأسر فيمن أسر، ففادته زينب، فاشترط عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرسلها إلى المدينة، وفي "المستدرك" ص 201 - ج 2: فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة إلى مكة بخاتمه، فأرسله إليها على يد الراعي، فعرفته، فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل، قالت: فأين تركته؟ قال: بمكان كذا، فخرجت إليه بليل، فركب وركبت وراءه، وقال عروة في هذا الحديث: وإنما كان ذلك قبل نزول آية {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} قال الذهبي في "تلخيصه": قلت: يريد بقوله: قبل نزول هذه الآية، لأن زيداً كان يدعى ابن محمد، فعلى هذا كان أخاً لزينب، فسافرت معه، انتهى ملخصاً. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما ذممنا مهر أبي العاص"، وأخرج ابن سعد: ص 22 - ج 8 عن الحارث التيمي عن أبيه، قال: خرج أبو العاص بن الربيع إلى الشام في عير لقريش، وبلغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تلك العير قد أقبلت من الشام، فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب، فلقوا العير بناحية العيص في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة، فأخذوها، الحديث، وفي "فتح القدير" ص 511 - ج 2، وروى أنها كانت حاملاً، فأسقطت حين خرجت مهاجرة إلى المدينة، وروعها هبار بن الأسود بالرمح، واستمر أبو العاص على شركه إلى ما قبيل الفتح، فخرج تاجراً إلى الشام، فأخذت سرية المسلمين ماله، وأعجزهم هرباً، ثم دخل بليل على زينب، فأجارته، ثم كلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السرية، فردوا إليه ماله، فاحتمل إلى مكة، فأدى الودائع، وما كان أهل مكة أبضعوا معه، وكان رجلاً أميناً كريماً، فلما لم يبق لأحد عليه علقة، قال يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك الله عنا خيراً، فقد وجدناك وفياً كريماً، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني من الاسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم، وفرغت منها أسلمت، ثم خرج حتى قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انتهى.(3/211)
بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ، بِحَيْثُ يُمْكِنُ عِدَّتُهَا لَمْ تَنْقَضِ فِي الْغَالِبِ1، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَكَابِرِهِمْ 2 فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَلِمَ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى رُجُوعَ الْمُؤْمِنَاتِ إلَى الْكُفَّارِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَقَالَ: رَدَّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ ابْنُ عَبَّاسٍ بِتَحْرِيمِ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْكُفَّارِ حِينَ عَلِمَ بِرَدِّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ: رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيْنَهُمَا فَسْخُ نِكَاحٍ، قَالَ: وَهَذَا فِيهِ سُوءُ ظَنٍّ بِالصَّحَابَةِ، وَرُوَاةِ الْأَخْبَارِ حَيْثُ نَسَبَهُمْ إلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعِهِمْ لَهُ، بَلْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ مَعَاذَ اللَّهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي فِي الشِّرْكِ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَفِي الْإِسْلَامِ تَطْلِيقَةً، فَأَلْزَمَهُ الطَّلَاقَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُوسُفُ مَتْرُوكٌ، وَيَحْيَى ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ، فَرَحَلَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِالْيَمَنِ، وَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَايَعَهُ، فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ 3 ابْنَةُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَمَنَ الْفَتْحِ، فَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ، وَكَانَ بَيْنَ إسْلَامِهِمَا نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ، مُخْتَصَرٌ.
__________
1 قال ابن الهمام في "الفتح" ص 511 - ج 2: وأيضاً يقطع بأن الفرقة وقعت بين زينب وبين أبي العاص بمدة تزيد على عشرة سنين، فإنها أسلمت بمكة في ابتداء الدعوة حين دعا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجته خديجة وبناته، ولقد انقضت المدة التي تبين بها في دار الحرب مراراً، وولدت، ثم قال بعده: وما ذكر في الروايات من قولهم: وذلك بعد ست سنين، أو ثمان سنين، أو ثلاث سنين، فإنما ذلك من حين فارقته بالأبدان، وذلك بعد غزوة بدر، وأما البينونة فقبل ذلك بكثير، لأنها إن وقعت من حين آمنت فهو قريب من عشرين سنة إلى إسلامه، وإن وقعت من حين نزلت: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وهي مكية، فأكثر من عشر، هذا غير أنه كان حابسها قبل ذلك إلى أن أسر فيمن أسر ببدر، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مغلوباً على ذلك قبل ذلك، الخ. وقال شيخنا الحجة السيد "محمد أنور الكشميري" رحمه الله في "إملائه على الترمذي" ص 405: فيحمل ست سنين على ما بعد الهجرة، وأربع سنين على ما بعد بدر، وأسره أولاً، وسنتين على ما بعد أسره ثانياً، عند قفوله من الشام، انتهى.
2 قلت: هذا تعريض إلى ما حكى الطحاوي في "شرح الآثار" ص 150 - ج 2 عن محمد بن الحسن.
3 عند مالك في "الموطأ - باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته" ص 197، وفي "الاصابة" ص 187 - ج 2 عن ابن شهاب، قالوا: إنه هرب يوم فتح مكة، وأسلمت امرأته، وهي ناجية بنت الوليد بن المغيرة قال: فأحضر له ابن عمه عمير بن وهب أماناً من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انتهى.(3/212)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ هُشَيْمِ حَدَّثَنِي الْمَدِينِيُّ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا وَلَدَنِي شَيْءٌ مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا وَلَدَنِي إلَّا نِكَاحٌ كَنِكَاحِ الْإِسْلَامِ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: خَرَجْت مِنْ نِكَاحٍ غَيْرِ سِفَاحٍ، قَالَ فِي "التنفيح": الْوَاقِدِيُّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَفِي الْأَوَّلِ الْمَدِينِيُّ، وَهُوَ إنْ كَانَ وَالِدَ عَلِيٍّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: هُوَ عِنْدِي فُلَيْحِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو الْحُوَيْرِثِ اسْمُهُ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى، قُلْت: لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثًا، وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَمَوْقُوفٌ، فَالْمَوْقُوفُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ 1 - فِي الْجَنَائِزِ" تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى، انْتَهَى. وَالْمَرْفُوعُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ، وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
فَحَدِيثُ عُمَرَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" 2 عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ هَذَا الدِّينَ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى" أَخْرَجَاهُ فِي حَدِيثِ الضَّبِّ الَّذِي كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَشْرَجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَشْرَجٍ، وَأَبُوهُ مَجْهُولَانِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ: فَرَوَاهُ نَهْشَلٌ فِي "تَارِيخِ وَاسِطَ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ أَبِي الأسود الديلي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِيمَانُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى"، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَلَمْ تَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، قُلْت غَرِيبٌ.
__________
1 عند البخاري موقوفاً عن ابن عباس "باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ " ص 180 - ج 1.
2 في "دلائل النبوة" ص 134 في حديث طويل، وعند الطحاوي في "شرح الآثار - باب إسلام أحد الزوجين" عن ابن عباس: ص 150 - ج 2.
3 عند الدارقطني في "النكاح" ص 395.(3/213)
بَابُ الْقَسْمِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: " من كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا فِي الْقَسْمِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إلَى إحداهما جاء يوم القيمامة وَشِقُّهُ مَائِلٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى" وَسَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَحَدِيثُ هَمَّامٍ أَشْبَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَا طَرِيقًا عَنْهُ، إلَّا هَذِهِ الطَّرِيقَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "كِتَابِ تَارِيخِ أَصْبَهَانَ - فِي تَرْجَمَةِ الْمُحَمَّدِينَ"، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن أحمد بن جشنس الْمُعَدَّلُ - وَكَانَ ثِقَةً أَمِينًا - ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَنَسٍ الدَّوْرَقِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَارِثِيُّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ سَوَاءً.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْدِلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ" - يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ -. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ
__________
1 عند الترمذي "باب ما جاء في التسوية بين الضرائر" ص 147 - ج 1، وفي "المستدرك - باب التشديد في العدل بين النساء" ص 186 - ج 2، وقال الحافظ في "الدراية" ص 224: ورجاله ثقات، وصححه ابن حبان، إلا أن البخاري صوب أنه من رواية حماد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا، انتهى. قلت: ومثله قال الترمذي: ص 147 - ج 1.
2 عند الترمذي "باب ما جاء في التسوية بين الضرائر" ص 147 - ج 1، وعند أبي داود " باب في القسم بين النساء" ص 290 - ج 1، وفي "المستدرك" ص 187 - ج 2، قال الحاكم: قال إسماعيل القاضي: يعني القلب، وهذا في العدل بين نسائه.(3/214)
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ" - يَعْنِي الْقَلْبَ - انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ، هَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، الْحَدِيثُ، وَالْمُرْسَلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" 1: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ عَلَى هَذَا، وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومُ: اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَوْ شِئْت أَنْ أَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا، وَلِلْبِكْرِ سَبْعًا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ لَهَا: "لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ، إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك، وَإِنْ سَبَّعْت لَك سَبَّعْت لِنِسَائِي"، انْتَهَى 3.
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حُرَّةً، وَالْأُخْرَى أَمَةً، فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ، وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ، بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" 4 والدارقطني،
__________
1 قاله في "علل أخبار النكاح" ص 425 - ج 1.
2 عند البخاري "باب إذا تزوج البكر على الثيب" ص 785 - ج 2، وعند مسلم "باب القسم بين الزوجات" ص 472 - ج 1، وعند ابن ماجه "باب الاقامة على البكر والثيب" ص 139.
3 قال الطحاوي في "شرح الآثار" ص 17 - ج 2: قالوا: فلما قال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن سبعت لك سبعت لنسائي، أي أعدل بينك وبينهن، فأجعل لكل واحدة منهن سبعاً، كما أقمت عندك سبعاً، كان كذلك أيضاً إذا جعل لها ثلاثاً جعل لكل واحدة منهن كذلك أيضاً، لأنه لو كانت الثلاث حقاً لها دون سائر النساء، لكان إذا أقام عندها سبعاً كان ثلاث منهن غير محسوبة عليها، ولوجب أن يكون لسائر النساء أربع أربع، انتهى.
4 وعند البيهقي "باب الحر ينكح حرة على أمة" ص 299 - ج 7، وعند الدارقطني في "النكاح" ص 409، وفيه المنهال بن عمرو، وثقه ابن معين، والنسائي، والعجلي، وقال الدارقطني: وله عند البخاري حديثان، وقال ابن الهمام في "الفتح" ص 519 - ج 2: وتضعيف ابن حزم هذا الأثر بالمنهال بن عمرو، وابن أبي ليلى ليس بشيء، لأنهما ثبتان حافظان، وقضى به أبو بكر، وعلي رضي الله عنهما، وهو الصحيح من قول إبراهيم، وسعيد بن المسيب، ومسروق، والشعبي، والحسن البصري، وروى عن عطاء، وسعيد بن جبير، ومحمد بن علي بن الحسن، وهو قول عثمان البتي، والشافعي، كذا في "المحلى" ص 66 - ج 10.(3/215)
ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا نَكَحَتْ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ فَلِهَذِهِ الثُّلُثَانِ، وَلِهَذِهِ الثُّلُثُ، إنَّ الْأَمَةَ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. وَالْمِنْهَالُ عن عَمْرٍو فِيهِ مَقَالٌ، وَعَبَّادٌ الْأَسَدِيُّ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْحُرَّةَ إنْ أَقَامَتْ عَلَى ضَرَّاتٍ، فَلَهَا يَوْمَانِ، وَلِلْأَمَةِ يوم، انتهى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ. قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ 1 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، "بِحَدِيثِ الْإِفْكِ".
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، وَيَجْعَلَ يَوْمَ نَوْبَتِهَا لِعَائِشَةَ، قُلْت: مَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ عليه السلام طَلَّقَ سَوْدَةَ، وَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْت امْرَأَةً أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا3 مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ مِنْ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَةٌ، فَلَمَّا كَبِرَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جَعَلْت يَوْمِي مِنْك لِعَائِشَةَ، فَكَانَ عليه السلام يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمُهَا، وَيَوْمُ سَوْدَةَ، انْتَهَى. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي "الْهِبَةِ" عَنْهَا: فَكَانَ عليه السلام يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ، انْتَهَى. وَفِي "مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ سَوْدَةُ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرَقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي هُوَ لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ عَائِشَةُ:
__________
1 عند البخاري في مواضع: منها في "تفسير سورة النور" ص 696 - ج 2، عند مسلم في "كتاب التوبة" "باب في حديث الافك" ص 364.
2 عند مسلم في "النكاح - باب جواز هبتها نوبتها لضرتها" ص 473 - ج 1، واللفظ له، وعند البخاري معناه في "باب القرعة في المشكلات" ص 370 - ج 1، وفي "كتاب الهبة - باب هبة المرأة زوجها" ص 353 - ج 1.
3 قال النووي: المسلاخ - بكسر الميم، والخاء المعجمة - الجلد، ومعناه أن أكون أنا هي، انتهى.(3/216)
فِيهَا وَفِي أَشْبَاهِهَا أَنْزَلَ اللَّهُ {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَحَدِيثُ الْكِتَابِ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيِّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ سَوْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ أَمْسَكَتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَالِي فِي الرِّجَالِ مِنْ حاجة، ولكن وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِك، قَالَ: فَرَاجَعَهَا وَجَعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ.
__________
1 عند البيهقي في "السنن" ص 85 - ج 7، "باب ما يستدل به على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سوى ما ذكرناه من خصائصه - لا يخالف حلاله حلال الناس".(3/217)
كِتَابُ الرَّضَاعِ
كتاب الرضاع
...
كتاب الرضاع
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ، وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ 2 مُفَرَّقًا فِي حَدِيثَيْنِ، فَرَوِيَ صَدْرَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ، وَلَا الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ"، انْتَهَى. وَرَوِيَ بَاقِيه مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْت عَلَيْهَا أُخْرَى، فَزَعَمَتْ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً، أَوْ رَضْعَتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثًا وَاحِدًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ، وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ"، انْتَهَى. رَوَاهُ فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَرَوَى صَدْرَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُسْتَنْكَرُ سَمَاعُ ابْنِ الزُّبَيْرِ 3 لِهَذَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَخَالَتِهِ، لِأَنَّهُ مَرَّةً رَوَى
__________
2 عند مسلم في "كتاب الرضاع" ص 468، وص 469 - ج 1.
3 وأخرج البيهقي: ص 454 - ج 7، قال الربيع: فقلت للشافعي رضي الله عنه: أسمع ابن الزبير من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: نعم، وحفظ عنه، وكان يوم توفي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن تسع سنين، قال البيهقي: هو كما قال الشافعي، إلا أن ابن الزبير رضي الله عنه أخذ هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(3/217)
مَا سَمِعَ، وَمَرَّةً رَوَى عَنْهُمَا، قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ مُسْتَفَاضٌ فِي الصَّحَابَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ"1: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ الطَّاحِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْخُصُومِ: أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ "عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ"3، فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسٌ، وَصَارَ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَحْمَدُ مَعَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّضَاعَ لَا يُحَرِّمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا، وَدَلِيلُهُمَا الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ النِّكَاحِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَلَفْظُهُ: قَالَ: لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَالْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ يَغْلَطُ عَنْ الثِّقَاتِ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعْرَفُ بِهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ مُسْنَدًا، وَغَيْرُ الْهَيْثَمِ يُوقِفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَنَقَلَ كَلَامَهُ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الْهَيْثَمُ هَذَا، وَقَالَ: وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالرَّاوِي عَنْ الْهَيْثَمِ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ بُرْدٍ الْأَنْطَاكِيُّ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ":
__________
1 عند الترمذي في "الرضاع - باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان" ص 148 - ج 1.
2 عند مسلم "باب الرضاعة" ص 469 - ج 1.
3 في "المعتصر" ص 203، فإن قيل: فقد روي عن عائشة أن الخمس رضعات توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهن مما يقرأ من القرآن، فالجواب: أن هذا مما رواه عبد الله بن أبي بكر، وقد خالفه القاسم، ويحيى، وهما أولى بالحفظ منه، لو استوى معهما، فكيف! وهما أعلى مرتبة في العلم والحفظ، مع أنه محال، لأنه يلزم أن يكون بقي من القرآن ما لم يجمعه الراشدون المهديون، ولو جاز ذلك لاحتمل أن يكون ما أثبتوه فيه منسوخاً، وما قصروا عنه ناسخاً، فيرتفع فرض العمل به، ونعوذ بالله من هذا القول وقائليه، مع أن جلة الصحابة على التحريم بقليل الرضاع وكثيره: منهم علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، انتهى. وراجع "مشكل الآثار" ص 6 - ج 3.
4 عند البيهقي في "السنن" ص 462 - ج 7، والدارقطني في "الرضاع" ص 498.(3/218)
وَأَبُو الْوَلِيد بْنُ بُرْدٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ بُرْدٍ، وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالِحٌ، وَالْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ وَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، والعجلي، وَابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَانَ مِنْ الْحُفَّاظِ، إلَّا أَنَّهُ وَهِمَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، هَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. قُلْت: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ، قَالَ: لَا رَضَاعَ إلَّا فِي الْحَوْلَيْنِ فِي الصِّغَرِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
فَحَدِيثُ عَلِيٍّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصُّوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ بِمِصْرَ - سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ - ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ التَّبَّانُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، وَلَا يُتْمَ بَعْدَ حِلْمٍ"، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 1 حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لا رضاع بعد فصال"، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ جُوَيْبِرٍ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد عَنْ الثَّوْرِيِّ بِهِ مَرْفُوعًا، وَأَعَلَّهُ بِأَيُّوبَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، مَرَّةً عَنْ مَعْمَرٍ فَرَفَعَهُ، وَمَرَّةً عَنْ الثَّوْرِيِّ فَوَقَفَهُ، انْتَهَى.
أما حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، وَلَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِحَرَامٍ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا: الرِّوَايَةُ عَنْ حَرَامٍ حَرَامٌ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَمَامَ الدَّلَالَةِ مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} .
__________
1 وعند البيهقي في "السنن - في الرضاع" ص 461 - ج 7، وفيه: قال عبد الرزاق: قال سفيان لمعمر: إن جويبر حدثنا بهذا الحديث، ولم يرفعه، قال معمر: وحدثنا به مراراً ورفعه، انتهى.
2 عند الطيالسي في "مسند جابر بن عبد الله" ص 243، قال: حدثنا اليمان أبو حذيفة، وخارجة بن مصعب، فأما خارجة فحدثنا عن حرام بن عثمان عن أبي عتيق عن جابر، وأما اليمان فحدثنا عن أبي عبس عن جابر، الحديث.(3/219)
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام لِعَائِشَةَ: "لِيَلِجْ عَلَيْك أَفْلَحُ، فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ بْنُ أَبِي الْقُعَيْسِ فَاسْتَتَرْت مِنْهُ، فَقَالَ: تَسْتَتِرِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّك؟، قَالَتْ: قُلْت: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي، قَالَتْ: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ، وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْته، فَقَالَ: إنَّهُ عَمُّك، فَلْيَلِجْ عَلَيْك، انْتَهَى.(3/220)
كِتَابُ الطلاق
السنة في الطلاق
...
كتاب الطَّلَاقِ
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام لِابْنِ عُمَرَ: "إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا، فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً"، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 مِنْ حَدِيثِ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ 2 أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَهِيَ حَائِضٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتْبَعَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عند القرءَين، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ، قَدْ أَخْطَأْت السُّنَّةَ، وَالسُّنَّةُ أن تستقبل الطهر، قتطلق لِكُلِّ قُرْءٍ"، فَأَمَرَنِي فَرَاجَعْتهَا، فَقَالَ: إذَا هِيَ طَهُرَتْ فَطَلِّقْ عِنْدَ ذَلِكَ، أَوْ أَمْسِكْ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا أَكَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ فَقَالَ: " لَا، كَانَتْ تَبِينُ مِنْك، وَتَكُونُ مَعْصِيَةً"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، وَقَالَ: رَمَاهُ أَحْمَدُ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى. قُلْت: لَمْ يُعِلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" إلَّا بِعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ أَتَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِزِيَادَاتٍ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، لَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَطَاءٌ
__________
1 أخرجه الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 336 - ج 4، وعند الدارقطني: ص 431 في "النكاح".
2 شعيب بن رزيق هو الشامي.(3/220)
الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَالِحًا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ، كَثِيرَ الْوَهْمِ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَسَنُ بِسَمَاعِهِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ صَالِحٍ: الْحَسَنُ سَمِعَ مِنْ ابْن عُمَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَقِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ: الْحَسَنُ لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام لِعُمَرَ: "مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا"، وَكَانَ قَدْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضُ، فَتَطْهُرُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ حَائِضٌ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، فَحُسِبَتْ 2 مِنْ طَلَاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّه، كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الطَّلَاقِ - وَفِي التَّفْسِيرِ - وَفِي الْأَحْكَامِ"، والباقون في "الطلاق".
فصل
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: " كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي "الْحَجْرِ" بِلَفْظِ: المعتوه، عوض: المجنون، وأخرجه التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ، إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
__________
1 عند البخاري في "أوائل الطلاق" ص 790 - ج 2، وص 803 - ج 2 في "باب مراجعة الحائض" وفي "كتاب الأحكام - باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان" ص 1060 - ج 2، وفي تفسير "سورة الطلاق" ص 729 - ج 2، وعند مسلم "باب تحريم طلاق الحائض" ص 476 - ج 1.
2 وفي "السنن" للبيهقي: ص 326 - ج 7، وفي رواية شعبة عن أنس بن سيرين، قال: فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: "نعم"، واسم امرأة عبد الله بن عمر آمنة بنت غفار، قاله ابن باطيش، انتهى. كذا في "التلخيص الحبير" ص 316.
3 عند الترمذي "باب ما جاء في طلاق المعتوه" ص 154 - ج 1، وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز إلا أن يكون معتوهاً يفيق الأحيان، فيطلق في حال إفاقته، انتهى.(3/221)
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ1 بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"2 فَقَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: فَذَكَرَهُ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا يَجُوزُ عَلَى الْغُلَامِ طَلَاقٌ حَتَّى يَحْتَلِمَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ: لِأَصْحَابِنَا فِي وُقُوعِهِ حَدِيثٌ، رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"3 أَخْبَرَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا الْغَازِيُّ بْنُ جَبَلَةَ الْجُبْلَانِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ غَزْوَانَ الطَّائِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ نَائِمًا فَقَامَتْ امْرَأَتُهُ، فَأَخَذَتْ سِكِّينًا، فَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ، فَوَضَعَتْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ، فَقَالَتْ: لَتُطَلِّقَنِّي ثَلَاثًا، أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ، فَنَاشَدَهَا اللَّهَ، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ لَهُ ذلك، وقال: " لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ"، انْتَهَى. قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ الْغَازِيِّ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ الْأَصَمِّ الطَّائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ نَائِمًا مَعَ امْرَأَتِهِ، الْحَدِيثُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَكِنَّهُ أَحْسَنُ إسْنَادًا مِنْ الْمُسْنَدِ، فَإِنَّهُ سَالِمٌ مِنْ بَقِيَّةَ، وَمِنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَهُوَ يُرْوَى عَنْ شَامِيٍّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْغَازِيِّ بْنِ جَبَلَةَ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ، وَلَا يَدْرِي مِمَّنْ الْجِنَايَةُ فِيهِ، أَمِنْهُ أَمْ مِنْ صَفْوَانَ الْأَصَمِّ؟، حَكَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ - يَعْنِي الْغَازِيَّ بْنَ جَبَلَةَ - وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ فِي "طَلَاقِ الْمُكْرَهِ"، وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْبُخَارِيُّ: لِصَفْوَانَ الْأَصَمِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي "طَلَاقِ الْمُكْرَهِ" حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ،
__________
1 عابس بن ربيعة النخعي الكوفي روى عن عمر، وعلي، وحذيفة، وعائشة، وعنه أولاده، وإبراهيم بن يزيد النخعي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: أبو نعيم في الصحابة، كذا في "التهذيب" ص 38 - ج 5.
2 في "باب الطلاق في الأغلاق والكره" ص 194.
3 أخرجه ابن حزم في "المحلى - في الطلاق" ص 203 - ج 10، وقال: الغازي بن جبلة مغموز، وفي "اللسان" ص 412 - ج 4، قال ابن عدي: ليس له إلا هذا الحديث الواحد، انتهى.
4 ذكر صاحب "الجوهر النقي في الرد على البيهقي" ص 358 - ج 7، وفي "الاستذكار" كان الشعبي، والنخعي، والزهري، وابن المسيب، وأبو قلابة، وشريح في رواية يرون طلاق المكره جائزاً، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، وكذا ذكرهم ابن المنذر في "الأشراف" إلا أنه ذكر بدل شريح قتادة، ودليل هذا =(3/222)
وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ قَوْلُ الْحَسَنِ: لَيْسَ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ إنَّمَا كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يُكْرِهُونَ الرَّجُلَ عَلَى الْكُفْرِ وَالطَّلَاقِ، فَذَلِكَ الَّذِي لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا مَا صَنَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ بَيْنَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَشُرَيْحٍ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" الشافعي، وَأَحْمَدُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ سَمِعْت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إغْلَاقٍ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: أَظُنُّهُ الْغَضَبُ - يَعْنِي الْإِغْلَاقَ - قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْإِغْلَاقُ الْإِكْرَاهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا بِالْغَضَبِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَضَبَ، وَالْجُنُونَ، وَكُلَّ أَمْرٍ انْغَلَقَ عَلَى صَاحِبِهِ عِلْمُهُ وَقَصْدُهُ، مَأْخُوذٌ مِنْ غَلَقَ الْبَابَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ فِي "الصَّلَاةِ" بِجَمِيعِ طُرُقِهِ، وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 2 عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَابِتٍ الْأَحْنَفِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَدَعَانِي ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا بِسِيَاطٍ مَوْضُوعَةٍ،
__________
= المذهب ما رواه أبو هريرة مرفوعاً: "ثلاث جدّهن جد وهزلهن جدّ: النكاح، والطلاق، والرجعة"، صحح الحاكم إسناده، وقال الترمذي: حسن غريب، والعمل عليه عند أهل العلم، والصحابة، وغيرهم، واحتج الطحاوي: ص 560 - ج 2 بقوله عليه السلام لحذيفة وأبيه حين حلفهما المشركون: نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم، قال: وكما ثبت حكم الوطء في الاكراه، فيحرم به على الواطىء ابنة المرأة، وأمها، فكذا لا يمنع الاكراه وقوع ما حلف عليه، انتهى.
وأخرج ابن حزم: ص 23 - ج 10 أن امرأة سلت سيفاً فوضعته على بطن زوجها، وقالت: والله لأنفذنك، أو لتطلقني، فطلقها ثلاثاً، فرفع ذلك إلى عمر، فأمضى طلاقها، انتهى. وفي "فتح القدير" ص 40 - ج 3 عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أربع مبهمات مقفلات ليس فيهن رد: النكاح، والطلاق، والعتاق، والصدقة، انتهى.
1 عند أبي داود في "الطلاق في غيظ" ص 298 - ج 1، وعند ابن ماجه "باب طلاق المكره والناسي" ص 148، وفي "المستدرك - باب لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" ص 198 - ج 2، إلا أن في سند ابن ماجه عن ثور عن عبيد بن أبي صالح، وفي إسناد أبي داود، والحاكم عن ثور بن يزيد عن محمد بن عبيد بن أبي صالح، وقال الذهبي: قلت: ومحمد بن عبيد لم يحتج به، وقال أبو حاتم: ضعيف.
2 عند مالك في "الموطأ - باب جامع الطلاق" ص 215، واختصره المخرج.(3/223)
وَقَيْدَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ، وَعَبْدَيْنِ قَدْ أَجْلَسَهُمَا، وَقَالَ لِي: تَزَوَّجْت أُمَّ وَلَدِ أَبِي بِغَيْرِ رِضَائِي، فَأَنَا لَا أَزَالَ أَضْرِبُك حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ قَالَ: طَلِّقْهَا وَإِلَّا فَعَلْت، فَقُلْت: هِيَ طَالِقٌ أَلْفًا، فَلَمَّا خَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ، ارْجِعْ إلَى أَهْلِك، فَأَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أخرجه الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 1 عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا تَدَلَّى بِحَبْلٍ فَوَقَفَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى رَأْسِ الْحَبْلِ، وَحَلَفَتْ لَتَقْطَعَنَّهُ، أَوْ لِتُطَلِّقْنِي ثَلَاثًا، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَمَّا ظَهَرَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى أَهْلِك، فَلَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْطَأَ أَبُو عُبَيْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِهِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَقَالَ فِيهَا: فَرَفَعَ إلَى عُمَرَ فَأَبَانَهَا مِنْهُ، وَقَدْ تَنَبَّهَ لَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، فَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بِخِلَافِهِ وَالْخَبَرُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قُدَامَةُ الْجُمَحِيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلَاقٌ، وَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْأَحَادِيثُ فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَنَّ عُمَرَ أَجَازَ طَلَاقَ السَّكْرَانِ بِشَهَادَةِ نِسْوَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ2، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالُوا: يجوز طلاقه، أخرج عَنْ الْحَكَمِ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ فِي سُكْرٍ مِنْ اللَّهِ، فَلَيْسَ طَلَاقُهُ بِشَيْءٍ، وَمَنْ طَلَّقَ فِي سُكْرٍ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ السَّكْرَانِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُجِيزُهُ حتى أَبَانُ بِذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَطَاوُسٍ كَانُوا لَا يُجِيزُونَهُ، وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ سُئِلَا عن طلاق السكران، فقالا: إذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، انْتَهَى.
__________
1 عند البيهقي في "السنن - باب ما جاء في طلاق المكره" ص 357 - ج 7، ولفظه. أن رجلاً تدلى يشتار عسلاً، في زمن عمر بن الخطاب، انتهى.
2 وفي "المحلى" ص 208 - ج 1، وجوزه ميمون بن مهران، وحميد بن عبد الرحمن، وقتادة، وجابر بن زيد، والثوري، والحسن بن حي، والشافعي في أحد قوليه، وقال مالك طلاق السكران ونكاحه وجميع أفعاله جائزة، إلا الردة، وزاد ابن قدامة في "المغني" ص 254 - ج 8، والأوزاعي، وابن شبرمة، وأحمد في رواية: وسليمان بن حرب، انتهى.(3/224)
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ". قُلْت: غريب مرفوعاً، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 1 مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الطَّلَاقُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ، قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا عَلَى عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 2 أَنْبَأَ ابن جريج، كَتَبَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أُمِّ سلمة أن غلاماً طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ، فَاسْتَفْتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ"، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 3 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: وَفِي "الْمُوَطَّإِ" أَيْضًا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ نُفَيْعًا - مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ عَبْدًا - كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ، فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُمَا، فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا، فَقَالَا: حَرُمَتْ عَلَيْك، حَرُمَتْ عَلَيْك، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ.
__________
1 وأخرج البيهقي الآثار كلها: ص 370 - ج 7، وفي رواية عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنه: السنة بالنساء في الطلاق العدة، انتهى. وفي "المحلى" ص 230 - ج 10 عن علي ابن أبي طالب أنه قال: السنة بالنساء - يعني الطلاق والعدة - وفي "الجوهر النقي" ص 370 - ج 7، وفي "الاستذكار"، قال الكوفيون: أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والحسن بن حي: الطلاق والعدة بالنساء، وهو قول علي، وابن مسعود، وابن عباس في روايته، وبه قال إبراهيم، والحسن بن سيرين، ومجاهد، انتهى.
2 وعند ابن حزم في "المحلى" ص 234 - ج 10.
3 عند مالك في "الموطأ - باب ما جاء في طلاق العبد" ص 209، وقال ابن الهمام في "الفتح" ص 42 - ج 3: ونقل أن الشافعي لما قال عيسى بن أبان له: أيها الفقيه إذا ملك الحر على امرأته الأمة ثلاثاً، كيف يطلقها للسنة؟ قال: يوقع عليها واحدة، فإذا حاضت وطهرت، أوقع أخرى، فلما أراد أن يقول: فإذا حاضت وطهرت، قال له: حسبك، قد انقضت عدتها، فلما تحير رجع، فقال: ليس في الجمع بدعة، ولا في التفريق سنة، انتهى.(3/225)
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ مَجْهُولٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا، إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" قَدْ أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" حَدِيثًا آخَرَ، رَوَاهُ مُظَاهِرٌ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، مِنْ آخَرِ - آلِ عِمْرَانَ - انْتَهَى. قُلْت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط"، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَنَقَلَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَ مُظَاهِرٍ هَذَا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِحَدِيثِ: طَلَاقُ الْأَمَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا لَهُ حَدِيثًا آخَرَ، وَمَا أَظُنُّ لَهُ غَيْرَهُمَا، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ حَدِيثَ: طَلَاقُ الْأَمَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" - أَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ - بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ، وَصَحَّحَهُ، ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الطَّلَاقِ"، وَنَقَلَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مِيزَانِهِ" تَضْعِيفَ مُظَاهِرٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَنُقِلَ تَوْثِيقُهُ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ": مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَهُ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ، وَلَا يُعْرَفَانِ إلَّا عَنْهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"2، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ مُظَاهِرٍ هَذَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ - يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ - بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ، فَقَالَ: النَّاسُ يَقُولُونَ: حَيْضَتَانِ، وَإِنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَدْ رواه صغدي بْنُ سِنَانٍ عَنْ مُظَاهِرٍ، فَقَالَ فِيهِ: طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، إنْ ثَبَتَ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا، انْتَهَى.
__________
1 عند أبي داود "باب سنة طلاق العبد" ص 268، وعند الترمذي "باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان" ص 153، وعند الحاكم: ص 25 - ج 2، وصححه الذهبي، وقال الحاكم: مظاهر بن أسلم شيخ من أهل البصرة لم يذكره أحد من متقدمي مشائخنا بجرح، فإذاً الحديث صحيح، انتهى.
2 عند البيهقي في "السنن - باب ما جاء في طلاق العبد" ص 370 - ج 7.(3/226)
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبِيبٍ الْمُسْلِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ نَافِعٌ، وَسَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَأَيْضًا فَعَطِيَّةُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 فَقَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ بِسَنَدِهِ: قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: فَذَكَرْته لِمُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، فَقُلْت: حَدِّثْنِي كَمَا حَدَّثْت ابْنَ جُرَيْجٍ، فَحَدَّثَنِي مُظَاهِرٌ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طلاق الأمة ثنتان، وقرءها حَيْضَتَانِ" قَالَ: وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ من متقدمي مشائخنا بِجَرْحٍ، فَإِذًا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ يُعَارِضُ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ مُعَتِّبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا حَسَنٍ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ اسْتَفْتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فِي مملوك كان تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ أُعْتِقَا بَعْدَ ذَلِكَ، هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَضَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 عَنْ سَلْمِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الرَّجُلِ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَسَلْمُ بْنُ سَالِمٍ، كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُكَذِّبُهُ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
أَثَرٌ: عَنْ عُمَرَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ 4 أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ، وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِحَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَيْنِ، أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ".
__________
1 عند ابن ماجه "باب في طلاق الأمة وعدتها" ص 151 - ج 1، والدارقطني: ص 441 في "النكاح".
2 في "المستدرك - باب طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان" ص 205، وعند أبي داود "باب في سنة طلاق العبد" ص 297 - ج 1، وعند النسائي "باب طلاق العبد" ص 103، وفي سنده عن عمر بن معتب عن الحسن مولى بني نوفل، والصواب عن أبي الحسن، كما في الرواية السابقة عليها.
3 عند الدارقطني قبل "باب المفقود" ص 420.
4 عند البيهقي في "السنن - باب عدة الأمة" ص 425 - ج 7.(3/227)
باب إيقاع الطلاق
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَلَقَدْ أَبْعَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ اسْتَشْهَدَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى ذَوَاتَ الْفُرُوجِ أَنْ يَرْكَبْنَ السُّرُوجَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْفَرْجَ مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي يُعَبَّر بِهِ عَنْ جُمْلَةِ الْمَرْأَةِ، كَالْوَجْهِ، وَالْعُنُقِ، بِحَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِسْنَادِهِ إلَيْهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ: أَجْنَبِيٌّ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ قَلَّدَ هَذَا الْجَاهِلَ، فَالْمُقَلِّدُ ذَهِلَ، وَالْمُقَلَّدُ جَهِلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ: أَخْرَجَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْقُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَوَاتَ الْفُرُوجِ أَنْ يَرْكَبْنَ السُّرُوجَ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي عَلِيٍّ الْقُرَشِيَّ، وَقَالَ: إنَّهُ مَجْهُولٌ يَرْوِي عَنْهُ بَقِيَّةُ، وَرُبَّمَا قَالَ بَقِيَّةُ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ الْمَهْرِيُّ، وَرُبَّمَا قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ الْقُرَشِيُّ، لَا يَنْسِبُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.(3/228)
فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 فِي "الصَّوْمِ" مِنْ حَدِيثِ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا"، وَخَنَسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا - وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ - وَالشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا" - يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ - انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، عَشْرًا، وَعَشْرًا، وَتِسْعًا"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
__________
1 عند البخاري قبل "باب شهراً عيد لا ينقصان، وبعده" ص 256 - ج 1، وعند مسلم الروايات كلها "باب وجوب صوم رمضان" ص 347 - ج 1.
2 عند مسلم في "الصوم - باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم" ص 348 - ج 1.(3/228)
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَقَالَ: " الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا" وَأَمْسَكَ فِي الثَّالِثَةِ إصْبَعًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، فَغَابَ عَنَّا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْنَا مَسَاءَ الثَّلَاثِينَ، فَقُلْت لَهُ: إنَّك حَلَفْت أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، فَقَالَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا"، وَأَمْسَكَ فِي الثَّالِثَةِ الْإِبْهَامَ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي حديث: "الشهر تسعة وَعِشْرُونَ": أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ "شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ"، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَيْ إنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ فِي الْعَدَدِ فَلَا يَنْقُصَانِ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِحُكْمِ الصَّوْمِ، وَالْعِيدِ، وَالْحَجِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَمْ يَعْرِفْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا لِمُسْلِمٍ خَاصَّةً، وَقَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا ذُهُولٌ.(3/229)
بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا، قُلْت: فِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إذَا مَلَّكَهَا أَمْرَهَا فَتَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِي بِشَيْءٍ، فَلَا أَمْرَ لَهَا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ تَخْتَرْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهَا، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" حدثني الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، قَالَا: أَيُّمَا رَجُلٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا وَخَيَّرَهَا، ثُمَّ افْتَرَقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ: فَلَيْسَ لَهَا خِيَارٌ، وَأَمْرُهَا إلَى زَوْجِهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ ضَعِيفٌ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ فِي "الْمَعْرِفَةِ".(3/229)
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ: لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا، انْتَهَى. وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ تَعَلَّقَ بَعْضُ مَنْ يَجْعَلُ لَهَا الْخِيَارَ - وَلَوْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ - بِحَدِيثِ تَخْيِيرِ عَائِشَةَ، وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ": "إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا، فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْك"، وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُخَيِّرْهَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا خَيَّرَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَحْدَثَ لَهَا طَلَاقًا، لقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} .
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: لَا، بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاعْتَبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا مِنْهَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي، فَقَالَ: " إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا، فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك"، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، ثُمَّ قَالَ: " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} إلَى قَوْلِهِ: {أَجْرًا عَظِيمًا} فَقُلْت: فَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْت، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَرْنَاهُ، فَلَمْ يَعْدُدْهُ عَلَيْنَا شَيْئًا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 عند مسلم "باب بيان أن تخييره المرأة لا يكون طلاقاً" ص 479 - ج 1، وعند البخاري في "الطلاق - باب من خير نساءه" ص 792 - ج 2، وفي تفسير "سورة الأحزاب" ص 705 - ج 2.(3/230)
بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: {لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ} ; قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 2 فِي " سُنَنِهِ " عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ , وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ} انْتَهَى.
{حَدِيثٌ آخَرُ} : أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ} انْتَهَى. وَجُوَيْبِرٌ ضَعِيفٌ
__________
2 عِنْد ابْن مَاجَه كلا الْحَدِيثين "بَاب لَا طَلَاق قبل النِّكَاح" ص 148.(3/230)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ: أَيُّ شَيْءٍ أَصَحُّ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِلَفْظِ: " لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 2 - فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ": وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ: "لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ" عَلَى شَرْطِهِمَا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَخْرَجَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ هِلَالٍ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ عَنْ سعدي بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ، فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثَةً، قَالَ: "طَلَّقَ مَا لَا يَمْلِكُ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَأَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ هُوَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ وَضَّاعٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى: كَذَّابٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ ثَنَا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَزْدِيِّ ثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ نَحْوَهُ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَالْوَلِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ الْأَزْدِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ بِنَحْوِهِ، قال في "التنقيح" لابأس بِرِوَايَتِهِ، غَيْرَ أَنَّ طَاوُسًا عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَهُ
__________
1 عند أبي داود "باب في الطلاق قبل النكاح" ص 298 -ج 1، وعند الترمذي "باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح"ص 153 -ج 1
2 الروايات كلها في "المستدرك - في تفسير سورة الأحزاب - باب شواهد حديث: "لا طلاق إلا بعد نكاح" " ص 419، وص 420، وعند الدارقطني في "الطلاق" ص 430، وص 431، وص 432.(3/231)
الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سعدي بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، وَزَادَ وَلَوْ سَمَّيْت الْمَرْأَةَ بِعَيْنِهَا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا وَكِيعٌ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " لَا طَلَاقَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّهُ شَيْخٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْيَمَامِيُّ، مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ1: إنَّمَا لَمْ يُخْرِجْ الشَّيْخَانِ فِي "كتابهما" هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّهُمَا وَجَدَا مَدَارَهُ عَلَى إسْنَادَيْنِ وَاهِيَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالثَّانِي: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمَا الِاسْتِقْصَاءُ فِي طَلَبِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ، انْتَهَى. - يَعْنِي أَسَانِيدَهُ الَّتِي أَخْرَجَهَا -.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ قَرِينٍ ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، قَالَ: قَالَ عَمٌّ لِي: اعْمَلْ لِي عَمَلًا حَتَّى أُزَوِّجَك ابْنَتِي، فَقُلْت: إنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْته، فَقَالَ لِي: " تَزَوَّجْهَا، فَإِنَّهُ لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ"، قَالَ: فَتَزَوَّجْتهَا، فَوَلَدَتْ لِي سَعْدًا وَسَعِيدًا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ
__________
1 قال الحافظ في "التلخيص" ص 319: ومقابل تصحيح الحاكم قول يحيى بن معين لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا طلاق قبل نكاح، وأصح شيء فيه حديث ابن المنكدر عمن سمع طاوساً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" روي من وجوه، إلا إنها عند أهل العلم بالحديث معلولة، انتهى ملخصاً، وفي "فتح القدير" ص 129 - ج 3، بل ضعف أحمد، وأبو بكر بن العربي القاضي شيخ السهلي جميع الأحاديث، وقال: ليس لها أصل في الصحة، ولذا ما عمل بها مالك، وربيعة، والأوزاعي، انتهى.
2 عند الدارقطني في "الطلاق" ص 440.(3/232)
"التَّنْقِيحِ" وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، وَعَلِيُّ بْنُ قَرِينٍ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِنَا، وَمَالِكٌ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمَرْأَةَ فَيَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يَصِحَّ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ الْمُتَقَدِّمُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. فَإِنَّ فِيهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَوْ سَمَّيْت الْمَرْأَةَ بِعَيْنِهَا، إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّخْيِيرِ، وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ، كَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، قُلْت: حَكَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ1، قَالَ: قَوْلُهُ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، هُوَ الرَّجُلُ، يُقَالُ لَهُ: تَزَوَّجْ فُلَانَةَ، فَيَقُولُ: هِيَ طَالِقٌ، فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنَّمَا طَلَّقَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ": أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَكُلُّ أَمَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، هُوَ كَمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: أَوَلَيْسَ قَدْ جَاءَ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ؟ قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ امْرَأَةُ فُلَانٍ طَالِقٌ، وَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ سَالِمٍ، وَالْقَاسِمِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشُّعَبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالْأَسْوَدِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَكْحُولٍ فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ يَوْمَ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، قَالُوا: هُوَ كَمَا قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ الِاسْتِبْرَاءِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ رُوَيْفِعٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ.
أَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: " لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً"، انْتَهَى. ورَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَقَالَ:
__________
1 وفي "الجوهر النقي" ص 319 - ج 7 بعد ما ذكر كلام الزهري، قال: وبهذا قال مكحول، وأبو حنيفة، وأصحابه، وعثمان البتي، وروي عن الأوزاعي، والثوري، وأخرج مالك في "الموطأ" ص 214 في "باب يمين الرجل بطلاق ما لم ينكح" مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وسالم بن عبد الله، وابن شهاب، وسليمان بن يسار، كانوا يقولون: إذا حلف الرجل بطلاق المرأة قبل أن ينكحها، ثم أثم، إن ذلك لازم له إذا نكحها، انتهى.
2 حدثنا الخدري، ورويفع بن ثابت، عند أبي داود في "باب وطء السبايا" ص 293 - ج 1، وفي "المستدرك - في النكاح" ص 195 - ج 2.(3/233)
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" بِشَرِيكٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مُدَلِّسٌ، وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ، انْتَهَى، ذَكَرَهُ فِي "النِّكَاحِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ رُوَيْفِعٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا فِي "النِّكَاحِ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يحل لامرء يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُوطَأَ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ الْحَامِلُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِالْحَيْضَةِ، انْتَهَى.(3/234)
فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ، وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِهِ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ". قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: كَانَ أَيُّوبُ أَحْيَانًا يَرْفَعُهُ، وَأَحْيَانًا لَا يَرْفَعُهُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ: فَقَدْ اسْتَثْنَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لِي: هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ، أَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، اخْتَصَرَهُ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ سُلَيْمَانَ قَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ"، الْحَدِيثُ، وَفِيهِ: "لَوْ قَالَ:
__________
1 عند الترمذي "باب الاستثناء في اليمين" ص 198 ج 1، وعند أبي داود فيه أيضاً: ص 108 - ج 2.
2 عند ابن ماجه في "الكفارات - باب الاستثناء في اليمين" ص 153، ولفظه: من حلف فقال: إن شاء الله، فله ثنياه.(3/234)
إنْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: فَقَدْ اسْتَثْنَى، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: أَخْطَأَ فِيهِ مَعْمَرٌ، وَاخْتَصَرَهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ، إلَى آخِرِهِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْبُخَارِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ الْكَعْبِيِّ 1 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ لِغُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِسْحَاقِ الْكَعْبِيِّ، نَقَلَ شَيْخُنَا شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ تَضْعِيفَهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدًا وَثَّقَهُ، قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ لَهُ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ: مِنْهَا هَذَا، انْتَهَى. قُلْت: لَمْ يَذْكُرْ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ غَيْرَ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالْآخَرُ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُمَيِّزُ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ، حَتَّى تَطْهُرَ الْأَرْضُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ"، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ بِسَنَدَيْهِمَا مُنْكَرَانِ، لَا يَرْوِيهِمَا إلَّا إسْحَاقُ هَذَا، وَلَمْ أَرَ لَهُ مِنْ الْحَدِيثِ إلَّا مِقْدَارَ عَشَرَةٍ، أَوْ أَقَلَّ، وَمِقْدَارُ مَا رَأَيْته مَنَاكِيرُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا خَلَقَ اللَّهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ الْعَتَاقِ، وَلَا أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ، فَمَنْ أَعْتَقَ وَاسْتَثْنَى، فَالْعَبْدُ حُرٌّ، وَلَا اسْتِثْنَاءَ لَهُ، وَإِذَا طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ حُمَيْدٍ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ3: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَمَكْحُولٌ عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": مَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَابْنَ عَيَّاشٍ، وَحُمَيْدَ، وَمَكْحُولٌ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": الْحَمْلُ فِيهِ عَلَى حُمَيْدٍ، تَكَلَّمَ فِيهِ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْأَزْدِيُّ، انْتَهَى.
__________
1 في "التهذيب" ص 252 - ج 1 إسحاق بن نجيح الملطي قال ابن حبان: دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحاً.
2 عند الدارقطني في "الطلاق" ص 439.
3 راجع "السنن الكبرى - باب الاستثناء في الطلاق" ص 361 - ج 7.(3/235)
بَابُ الرَّجْعَةِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْفَرَائِضِ - وَالْحُدُودِ"، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الرَّضَاعِ"، وَالنَّسَائِيُّ، فِي "الطَّلَاقِ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ" أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجُوهُ - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا، قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سعد: أوصاني عُتْبَةُ إذَا قَدِمْتُ مَكَّةَ أَنْ أَنْظُرَ إلَى ابْنِ أمة زمعة، أفأقبضه، فَإِنَّهُ ابْنُهُ؟ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي ابْنُ أَمَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا بَيِّنًا لِعُتْبَةَ، فَقَالَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد 2 فِي "اللِّعَانِ" حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فُلَانًا ابْنِي عَاهَرْت بِأُمِّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا دَعْوَةَ فِي الْإِسْلَامِ، ذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عُثْمَانَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد 3 أَيْضًا حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَبَاحٍ، قَالَ: زَوَّجَنِي أَهْلِي أَمَةً لَهُمْ رُومِيَّةً، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ مِثْلِي، فَسَمَّيْتُهُ عَبْدَ اللَّهِ، ثُمَّ وَقَعْتُ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ مِثْلِي، فَسَمَّيْتُهُ عُبَيْدَ اللَّهِ، ثُمَّ طَبِنَ لَهَا غُلَامٌ، لِأَهْلِي رُومِيٌّ، يُقَالُ لَهُ:
__________
1 عند البخاري "باب الولد للفراش" ص 999 - ج 2، وعند مسلم في "الرضاع - باب الولد للفراش" ص 471 - ج 1، وعند الترمذي فيه: 150 - ج 1، وعند النسائي في "الطلاق - باب إلحاق الولد بالفراش" ص 110 - ج 2.
2 عند أبي داود: "باب الولد للفراش" ص 310 - ج 1.
3 عند أبي داود: ص 310 - ج 1.(3/236)
يُوحَنَّا: فَرَاطَنَهَا بِلِسَانِهِ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، كَأَنَّهُ وَزَغَةٌ مِنْ الْوَزَغَاتِ، فَقُلْت لَهَا: مَا هَذَا؟! قَالَتْ: هَذَا لِيُوحَنَّهْ. فَرَفَعْنَا إلَى عُثْمَانَ، أَحْسِبُهُ قَالَ: مَهْدِيٌّ، قَالَ: فَسَأَلَهُمَا فَاعْتَرَفَا، فَقَالَ لَهُمَا: أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فَجَلَدَهَا وَجَلَدَهُ، وَكَانَا مَمْلُوكَيْنِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْوَصَايَا" 1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، مُخْتَصَرٌ. وَسَيَأْتِي فِي "الْكَفَالَةِ - وَالْوَصَايَا"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 عند الترمذي في "الوصايا - باب ما جاء لا وصية لوارث" ص 34 - ج 2.(3/237)
فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ". قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 2 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ: "لَا، حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْجَمَاعَةُ 3 إلَّا - أَبَا دَاوُد - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي، فَأَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ عليه السلام، وَقَالَ: " أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، الْحَدِيثُ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الشَّهَادَاتِ - وَالطَّلَاقِ"، وَذَكَرَهُ فِي "اللِّبَاسِ"4، وَزَادَ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: عَائِشَةَ، فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً بَعْدَهُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي "الطَّلَاقِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "النِّكَاحِ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ5، كَذَبَتْ، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ، تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى رِفَاعَةَ، فَقَالَ عليه السلام: "فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ تَحِلِّينَ لَهُ حَتَّى يَذُوقَ
__________
2 عند البخاري "باب من أجاز طلاق الثلاث" ص 791 - ج 2، وعند مسلم في "النكاح - باب لا تحل المطلقة لمطلقها حتى تنكح" ص 463 - ج 1.
3 عند مسلم: ص 463 - ج 1، وعند البخاري في "الطلاق - باب من أجاز طلاق الثلاث" ص 791 - ج 2، وفي الشهادات "باب شهادة المختبي" ص 359 - ج 1.
4 ذكره في "اللباس - باب الازار - المهذب" ص 862 - ج 2.
5 ذكره البخاري في "اللباس - باب الثياب الخضر" ص 866 - ج 2.(3/237)
مِنْ عُسَيْلَتِكِ"، قَالَ: وَكَانَ مَعَ رِفَاعَةَ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: " بَنُوك هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: هَذَا، وَأَنْتِ تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ؟! فو الله لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ"، انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ شموال طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ثَلَاثًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا، فَفَارَقَهَا، فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "لَا تَحِلُّ لَك حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ"، انْتَهَى. وَرَوَى الطبراني في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْظَةَ يُقَالُ لَهَا: تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا رِفَاعَةُ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ - ثُمَّ فَارَقَهَا، فَأَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُوَ مِنْهُ إلَّا كَهُدْبَةِ ثَوْبِي، فَقَالَ: "وَاَللَّهِ يَا تَمِيمَةُ لَا تَرْجِعِينَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ رَجُلٌ غَيْرَهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، إلَّا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْمَتْنُ عَكْسُ مَتْنِ الصَّحِيحِ، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا مَرْوَانُ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَكِّيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْعُسَيْلَةُ: هِيَ الْجِمَاعُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 وَالْمَكِّيُّ مَجْهُولٌ.
قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي - سُنَنِ - سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: النَّاسُ يَقُولُونَ: حَتَّى يُجَامِعَهَا، وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: إذَا تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا، فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، وَاسْتُغْرِبَ هَذَا مِنْ سَعِيدٍ، حَتَّى قِيلَ: إنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ، كَمَا اُسْتُغْرِبَ مِنْ الْحَسَنِ، أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِنْزَالَ، نَظَرًا إلَى مَعْنَى الْعُسَيْلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ 3 مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ الْأَوْدِيُّ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الْأَوْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
__________
1 عند مالك في "الموطأ - باب نكاح المحلل، وما أشبهه" ص 192.
2 عند الدارقطني في "النكاح" ص 395 - ج 1، وفي النسخة المطبوعة منه أبو عبد الملك العمي، بدل: عبد الملك المكي، والله أعلم.
3 عند الترمذي "باب ما جاء في المحلل والمحلل له" ص 145 - ج 1، والنسائي "باب إحلال المطلقة ثلاثاً" ص 101 - ج 2.(3/238)
بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ لِأَبِي دَاوُد، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي الْوَاصِلِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد فِيهِ شَكٌّ، فَقَالَ: أَرَاهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 2 عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ سَوَاءٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَائِمٍ، فَإِنَّ مُجَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 3 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قال لِي أَبُو مُصْعَبٍ: مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ، قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مَا أَرَاهُ سَمِعَ مِنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ" 4: سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ اللَّيْثُ مِنْ مِشْرَحٍ شَيْئًا، وَلَا رَوَى عَنْهُ، انْتَهَى. قُلْت: قَوْلُهُ: فِي الْإِسْنَادِ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبٍ: يَرُدُّ ذَلِكَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 مُعَنْعَنًا عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مِشْرَحٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ حَسَّنَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَبُو صَالِحٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مِنْ عِنْدِ ابْنِ مَاجَهْ، فَإِنَّ شَيْخَ ابْنِ مَاجَهْ يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي "تَارِيخِ الْمِصْرِيِّينَ"، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِعِلْمٍ وَضَبْطٍ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ لَهُ
__________
1 عند أبي داود "باب التحليل" ص 284 - ج 1، وعند الترمذي: ص 144 - ج 1، وعند ابن ماجه "باب المحلل والمحلل له" ص 140.
2 عند الترمذي "باب ما جاء في المحلل والمحلل له" ص 145 - ج 1.
3 عند ابن ماجه "باب المحلل والمحلل له" ص 140.
4 انظر "كتاب العلل" ص 411 - ج 1، وقال: لم يسمع الليث من مشرح شيئاً، ولا روى عنه شيئاً، وإنما حدثني الليث بن سعد بهذا الحديث عن سليمان بن عبد الرحمن أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث.
5 عند الدارقطني: ص 395.(3/239)
الْبُخَارِيُّ، وَأَمَّا مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ فَوَثَّقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ وَثَّقَهُ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبِي حَاتِمٍ: لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهَا ابْنُ الْقَطَّانِ، وَلَا غَيْرُهُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا عَامِرٍ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ سَوَاءٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأخنس عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ، سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وعثمان بن محمد الأخنس وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا أَخٌ لَهُ لِيُحِلَّهَا لِأَخِيهِ، هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا، إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى، وَصَحَّحَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَمَّا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ، لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ، فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا، ثُمَّ أَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ مُسْتَدِلًّا بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ، يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، وَفِيهِ أَثَرٌ جَيِّدٌ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، إذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا، ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَأَرَادَ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى كَمْ هِيَ عِنْدَهُ، فَالْتَفَتَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا؟ قَالَ: يَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي الْوَاحِدَةَ، وَالثِّنْتَيْنِ، وَالثَّلَاثَ، وَاسْأَلْ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
__________
1 عند ابن ماجه: ص 140.
2 عند البيهقي في "السنن - باب ما جاء في نكاح المحلل" ص 208 - ج 7.
3 في "المستدرك - باب لعن الله المحلل والمحلل له" ص 199 - ج 2، وقال الحاكم: هذا حديث على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، انتهى.(3/240)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ، ثُمَّ فَارَقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ، قَالَ: هِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ، انْتَهَى. وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ2 يَقُولُ: هِيَ عَلَى مَا بَقِيَ، انْتَهَى.
__________
1 وعنده في "السنن أيضاً - باب ما يهدم الزوج من الطلاق وما لا يهدم" ص 364 - ج 7.
2 وروى البيهقي في "السنن" عن ابن عمر، وابن عباس، وعلي في رواية أنها تكون على طلاق مستقبل، وقال صاحب "الجوهر" ص 365 - ج 7: قلت: وبه قال عطاء، وشريح، وإبراهيم، وميمون بن مهران، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، كذا في "الاستذكار"، انتهى. وقال ابن الهمام في "الفتح" ص 179 - ج 3: فأخذ المشائخ من الفقهاء بقول شبان الصحابة، وشبان الفقهاء بقول مشائخ الصحابة، والترجيح بالوجه، انتهى.(3/241)
بَابُ الْإِيلَاءِ
قَوْلُهُ: عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي "الْإِيلَاءِ" يَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"3 ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَقُولَانِ فِي الْإِيلَاءِ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: آلَى النُّعْمَانُ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَضَرَبَ فَخِذَهُ، وَقَالَ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَاعْتَرِفْ بِتَطْلِيقَةٍ، انْتَهَى. وَفِي "الْمُوَطَّأِ" 4 عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُ هَذَا، مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، قَالُوا: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَهِيَ أَحَقُّ
__________
3 وعند البيهقي في "السنن - باب من قال: عزم الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر" ص 371 - ج 7.
4 عند مالك في "الموطأ - باب الايلاء" ص 201، وقال ابن حزم في "المحلى" ص 45 - ج 10: روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمرو أن علياً قال: إذا مضت الأربعة الأشهر فقد بانت عنه، ولا يخطبها غيره، انتهى.(3/241)
بِنَفْسِهَا، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ 1 عَنْ عَطَاءٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَكْحُولٍ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدِيثَ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَيْمُونِيُّ، قَالَ: ذَكَرْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدِيثَ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ هَذَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ، قَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ خِلَافُهُ، قِيلَ لَهُ: مَنْ رَوَاهُ؟ قَالَ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عُثْمَانَ، أَنَّهُ يُوقَفُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَدِّهَا، مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، انْتَهَى. وَابْنُ إسْحَاقَ صَرَّحَ فِيهِ بالحديث، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، قَالَا: إذَا آلى فلم يفيء حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَبِيصَةَ، وَسَالِمٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر أنه قال: يَقُولُ: الْإِيلَاءُ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَجَلِ، إلَّا أَنْ يُمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يَعْزِمَ بِالطَّلَاقِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ لِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حدثني مالك بن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ، ولا يقع عليها الطَّلَاقُ، حَتَّى يُطَلِّقَ، وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَائِشَةَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَفِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ" أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى هَذَا كَانَ رَأْيُ ابْنِ شِهَابٍ، مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
__________
1 قال في "الجوهر" ص 380 - ج 7: وفي "الأشراف" لابن المنذر، كذا قال ابن عباس، وابن مسعود، وروي ذلك عن عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وقال صاحب "الاستذكار": هو قول ابن عباس، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، ورواية عن عثمان، وابن عمر، وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن، وهو الصحيح عن ابن المسيب، ولم يختلف فيه عن ابن مسعود، وقاله الأوزاعي، ومكحول، والكوفيون، وأبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والحسن بن صالح، وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، ومحمد بن الحنفية، وابن سيرين، وعكرمة، ومسروق، وقبيصة بن ذؤيب، والحسن، والنخعي، وذكره مالك عن مروان بن الحكم، وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، وسالم: إذا مضت المدة فهي تطليقة، انتهى. وزاد ابن حزم عليهم، ابن جريج، وابن أبي ليلى، وعلقمة، والشعبي، انتهى.
2 عند الدارقطني في "الطلاق" ص 452.
3 عند البخاري "باب قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} ص 797 - ج 2.(3/242)
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ شَهْرًا، أَوْ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً - مَا لَمْ يَبْلُغْ الْحَدَّ - فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَقَّتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 عند البيهقي في "السنن - باب الرجل يحلف لا يطأ امرأته أقل من أربعة أشهر" ص 381 - ج 7.(3/243)
بَابُ الْخُلْعِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ"، قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" 2 مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الثَّقَفِيِّ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: تَرَكُوهُ، وَعَنْ النَّسَائِيّ، قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ شُعْبَةَ قَالَ: احْذَرُوا حَدِيثَهُ، وَسَكَتَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، إلَّا أَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَهُ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْهُ، قَالَ: الْخُلْعُ فُرْقَةٌ، وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَهَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَقَالَ: لَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَفِي آخِرِهِ، وَالْخُلْعَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةً، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُمْهَانَ مَوْلَى الْأَسْلَمِيِّينَ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيد، فَأَتَيَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هِيَ تَطْلِيقَةٌ، إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْتَ شَيْئًا، فَهُوَ مَا سَمَّيْتَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3، وَنَقَلَ عَنْ
__________
2 عند الدارقطني: ص 444، وعند البيهقي في "السنن - باب الخلع هل هو فسخ أو طلاق؟ " ص 316 - ج 7.
3 عند البيهقي في "السنن" ص 316 - ج 7.(3/243)
أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ 1 عَنْ جُمْهَانَ هذا، قال: لَا أَعْرِفُهُ، وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِهِ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ2، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، قَالَ: إلَّا أن عبد الرزاق أرسله عَنْ مَعْمَرٍ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، وَقَالَ: الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: الْخُلْعُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، إذْ لَوْ كَانَ طَلَاقًا لَمْ تَعْتَدَّ فِيهِ بِحَيْضَةٍ، قَالَ: وَعَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا هُوَ الْجُنْدِيُّ الْيَمَانِيُّ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَيْسَ بشيء، ورد هذا الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِهِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"3 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ جَاءَتْ هِيَ وَعَمَّتُهَا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ، قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، وَابْنَ شِهَابٍ، كَانُوا يَقُولُونَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ: "أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا"، وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ جِهَتِهَا، قُلْت: رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
فَحَدِيثُ عَطَاءٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْهُ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو زَوْجَهَا، فَقَالَ: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَصْدَقَكِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، وَزِيَادَةً، قَالَ: "أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْوَلِيدُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ، انْتَهَى.
__________
1 قال ابن الهمام في "الفتح" ص 201 - ج 3: وهو جمهان أبو يعلى، أو أبو العلى مولى الأسلميين، ويقال: مولى يعقوب القبطي، يعد في أهل المدينة تابعياً، روى عن سعيد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان، وأبي هريرة، وأم بكرة الأسلمية، روى عنه عروة بن الزبير، وموسى بن عبيد الربذي، وغيرهما، وقال ابن حبان في "الثقات" هو جد جدة علي بن المديني، فهي ابنة عباس بن جمهان، روى له ابن ماجه حديثاً واحداً في "الصوم" عن أبي هريرة: لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم، والصوم نصف الصبر، انتهى.
2 عند أبي داود في "الخلع" ص 303 - ج 1، وعند الترمذي فيه: ص 153، وعند الحاكم في "المستدرك" ص 206 - ج 2، وصححه الذهبي أيضاً.
3 عند مالك في "الموطأ - باب طلاق المختلعة" ص 205.
4 عند الدارقطني: ص 424.(3/244)
وَحَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ كَانَتْ عِنْدَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَكَانَ أَصْدَقَهَا حَدِيقَةً، فَكَرِهَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَعْطَاكِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، وَزِيَادَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا، وَلَكِنْ حَدِيقَتُهُ"، قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخَذَهَا وَخَلَّى سَبِيلَهَا، انْتَهَى. قَالَ: سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ، وَلَا خُلُقٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا، فَقَالَ عليه السلام: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ، وَلَا يَزْدَادَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بِهِ، وَالْحَدِيثُ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ"3 لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الزِّيَادَةِ، أَخْرَجَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ، وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ: وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ عليه السلام: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ عليه السلام: "اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَتْ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ إذَا دَخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ عليه السلام: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْهَا عَلَيْهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِلَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ هَذَا، وَسَمَّاهَا حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا: جَمِيلَةُ، وَتَقَدَّمَ اسْمُهَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، زَيْنَبُ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد 4 مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ سَمَّاهَا: جَمِيلَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 عند الدارقطني: ص 397.
2 عند ابن ماجه "باب المختلعة تأخذ ما أعطاها" ص 149.
3 عند البخاري "باب الخلع وكيف الطلاق" ص 794، وص 795 - ج 2.
4 عند أبي داود "باب الخلع" ص 303 - ج 1.(3/245)
بَابُ الظِّهَارِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام لِلَّذِي وَاقَعَ فِي ظِهَارِهِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ: "اسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 1 عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَقَالَ عليه السلام: " مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ " قَالَ: رَأَيْت خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، وَفِي لَفْظٍ: بَيَاضَ سَاقَيْهَا، قَالَ: "فَاعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ عَنْك"، انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَجُلًا، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْحَكَمِ بِهِ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ هُوَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ الْحَكَمِ بِهِ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بِهِ مُرْسَلًا، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا، وَقَالَ: وَالْمُرْسَلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَعَافِرِيُّ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، مَشْهُورٌ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إنِّي ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي، ثُمَّ وَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ؟! " قَالَ: أَعْجَبَتْنِي، قَالَ: "أَمْسِكْ حَتَّى تُكَفِّرَ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَقَالَ: لَمْ يَحْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَلَا بِالْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، وَالْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ صَدُوقٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سُلَيْمَانَ
__________
1 عند أبي داود "باب في الظهار" ص 302 - ج 1، وعند الترمذي "باب ما جاء في المظاهر يقع قبل أن يكفر" ص 155 - ج 1، وعند ابن ماجه "باب المظاهر يجامع قبل أن يكفر" ص 150، وعند النسائي "باب الظهار" ص 107 - ج 2.
2 في "المستدرك - في الظهار" ص 204 - ج 2.
3 عند الترمذي "باب ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر" ص 155 - ج 1، وعند ابن ماجه فيه: ص 150.(3/246)
بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَمْ أَجِدْ ذِكْرَ الِاسْتِغْفَارِ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأِ"1 مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَفْظُهُ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يُظَاهِرُ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ يَمَسُّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، قَالَ: يَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ، وَيُكَفِّرَ، قَالَ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ ما سمعت، انتهى.
فصل في الكفارة
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ 2 - فِي الْعَتَاقِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ"، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي "كِتَابِ الْمُكَاتَبِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، وَسَهْلِ بْنِ صَخْرٍ: "لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ"، قُلْت: هَكَذَا وَقَعَ فِي "الْهِدَايَةِ"، وَصَوَابُهُ: وَسَلَمَةُ بْنُ صخر، والحديث غريب، عند الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ" فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: " فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ثَلَاثِينَ صَاعًا"، قَالَ: لَا أَمْلِكُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ تُعِينَنِي، فَأَعَانَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَأَعَانَهُ النَّاسُ حَتَّى بَلَغَ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد 3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكُوهُ إلَيْهِ، وَهُوَ يُجَادِلُنِي فِيهِ، وَيَقُولُ: اتَّقِي اللَّهَ، فَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَمِّك، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى أُنْزِلَ الْقُرْآنُ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُك فِي زَوْجِهَا} الْآيَةُ، فَقَالَ عليه السلام: يُعْتِقُ رَقَبَةً، قَالَتْ: لَا يَجِدُ، قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَتْ: إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصُومَ، قَالَ: يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَتْ: لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَ: فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ من التمر، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ. أَحْسَنْتِ، اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمِّك، قَالَ: وَالْعَرَقُ: سِتُّونَ صَاعًا، انْتَهَى. ثم أخرج عن ابن إسحاق بهذا الإِسناد، نحوه، إلا أنه قال: والعرق: مكتل يسع ثلاثين صاعاً، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: الْعَرَقُ زِنْبِيلٌ، يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعًا، انْتَهَى. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ شَاهِدَةٌ لَنَا.
__________
1 عند مالك "باب ظهار الحر" ص 203، وفي ذلك البلاغ أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة، انتهى.
2 عند أبي داود في "العتق - باب المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت" ص 191 - ج 2.
3 عند أبي داود في "الظهار" ص 302 - ج 1.(3/247)
بَابُ اللِّعَانِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِمْ: الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّة تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ". قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ لَا مُلَاعَنَةَ بَيْنَهُمْ: النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْيَهُودِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَقَالَ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " أَرْبَعَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمْ لِعَانٌ: لَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْأَمَةِ لِعَانٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْعَبْدِ لِعَانٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِيَّةِ لِعَانٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِعَانٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْوَقَّاصِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، قَالَ: وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ جِدًّا، وَتَابَعَهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَرَوَى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ - وَهُمَا إمَامَانِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَوْلَهُ: وَلَمْ يَرْفَعَاهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أخرجه عن عمر بْنِ مَطَرٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيد: أَنْ لَا لِعَانَ بَيْنَ أَرْبَعٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ: وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، وَحَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو، وَزَيْدُ بْنُ رُفَيْعٍ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى. وقال البهيقي فِي الْمَعْرِفَةِ3: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ الرَّمْلِيُّ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَرْبَعَةٌ لَا مُلَاعَنَةَ بَيْنَهُمْ: النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ"، إلَى آخِرِهِ، قَالَ: وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ مَعْرُوفٌ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ4،
__________
1 عند ابن ماجه في "اللعان" ص 151.
2 عند الدارقطني في "الحدود" ص 356 - ج 2.
3 وفي السنن له أيضاً في "اللعان" ص 396، وص 397 - ج 7.
4 وفي "الجوهر النقي على البيهقي" ص 397 - ج 7 بعد نقل كلام البيهقي، قلت: عطاء وثقه ابن معين، وأبو حاتم، وغيرهما، واحتج به مسلم في "صحيحه" وابنه عثمان ذكره ابن أبي حاتم في "كتابه" وقال: سألت عنه أبي، فقال: يكتب حديثه، ثم ذكر عن أبيه، قال: سألت دحيماً عنه فقال: لا بأس، فقلت: إن أصحابنا يضعفونه، فقال: وأي شيء حدث عثمان من الحديث واستحسن حديثه؟، وقد تبين بما قلنا أن سند هذا الحديث جيد فلا نسلم قول البيهقي، انتهى.(3/248)
وَابْنُهُ عُثْمَانُ، وَابْنُ زُرَيْعٍ ضَعِيفَانِ، وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَرَوَاهُ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، وَحَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو، وَزَيْدُ بْنُ رُفَيْعٍ ضُعَفَاءُ، وَرَوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ - وَهُمَا إمَامَانِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَوْقُوفًا، وَفِي ثُبُوتِهِ مَوْقُوفًا أَيْضًا نَظَرٌ، فَإِنَّ رَاوِيَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ عَمْرُو بْنُ هَارُونَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَنَحْنُ إنَّمَا نَحْتَجُّ بِرِوَايَاتِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةً، وَانْضَمَّ إلَيْهِ مَا يُؤَكِّدُهُ وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْحَدِيثِ طَرِيقًا صَحِيحًا إلَى عَمْرٍو1، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَلَاعُنِهِمَا، لِأَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ بِالْحَدِيثِ، كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: " الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا"، وَسَيَأْتِي، وَهُوَ قول مالك. والله أعلم.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتهَا، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيُّ جَاءَ إلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَيَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ عليه السلام الْمَسَائِلَ، وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عَاصِمٌ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ الَّتِي سَأَلْته عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاَللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَيَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ عليه السلام: "قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك، وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنًا، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا"، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ
__________
1 قال صاحب "الجوهر النقي" ص 397 - ج 7: قلت: لم يسم الشافعي المجهول، ولا الذي غلط، ولا بينهما البيهقي، وقد روى هذا الحديث عبد الباقي بن قانع، وعيسى بن أبان من حديث حماد بن خالد الخياط عن معاوية ابن صالح عن صدقة أبي توبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عنه عليه السلام، وحماد، ومعاوية من رجال مسلم، وصدقة ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال: روى عنه معاوية بن صالح، وذكره ابن أبي حاتم في "كتابه" انتهى.
2 عند البخاري "باب اللعان ومن طلق بعد اللعان" ص 799 - ج 2، وعند مسلم في "اللعان" ص 488 - ج 1، ورواه أبو داود بزيادة: في اللعان ص 306 - ج 1.(3/249)
عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا عُوَيْمِرٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ فِيهِ: فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَا صُنِعَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً، قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، انْتَهَى. وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِاللِّعَانِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ 1 - أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَّقَ عليه السلام بَيْنَهُمَا، وَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِأُمِّهِ، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" - دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَفْرِيقِهِ عليه السلام فَائِدَةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 2: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَعُوَيْمِرٌ حِينَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَةٌ، فَصَارَ كَمَنْ شَرَطَ الضَّمَانَ فِي السَّلَفِ، وَهُوَ يَلْزَمُهُ، شَرَطَ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ، وَتَفْرِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ تَفْرِيقُ حُكْمٍ لَا لِفُرْقَةِ الزَّوْجِ، وَقَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَالزُّهْرِيِّ فِي الْحَدِيثِ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، أَيْ الْفُرْقَةُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَلِعَانِهِ، قَالَ: وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ قُوتٌ، وَلَا سُكْنَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفَّى عَنْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَوْلُهُ عليه السلام: " لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا"، لَيْسَ مَعْنَاهُ الْفِرْقَةَ، وَلَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْمَهْرِ، وَلِهَذَا فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي؟ قَالَ: " لَا مَالَ لَك، إنْ كُنْت صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 3 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْت هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ فَرْوَةَ بْنِ أَبِي الْمَغْرَاءِ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
__________
1 عند البخاري "باب التفريق بين المتلاعنين" ص 801 - ج 2، وعند مسلم في "اللعان" ص 490 - ج 1.
2 ومثله في "السنن - باب سنة اللعان ونفي الولد" ص 402 - ج 7.
3 عند أبي داود في "اللعان" ص 306 - ج 1.
4 عند الدارقطني: ص 406 - ج 2.(3/250)