حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَكِّيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ ثَنَا عِيسَى بْنُ سِنَانٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْنَا نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ رَأَيْتُنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الركعتين قَبْلَ الْمَغْرِبِ؟ فَقُلْنَ: لَا، غَيْرَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: صَلَّاهُمَا عِنْدِي مَرَّةً، فَسَأَلَتْهُ مَا هَذِهِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: "نَسِيت الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، مُعْضَلٌ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَأَلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، قَالَ: فَنَهَاهُ عَنْهَا، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ، لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الخصوم: أخرج الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ1" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ"، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الِاعْتِصَامِ"، وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد: قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ"، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ، مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقُلْت لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَانَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، قَالَ: أَتَيْت عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، فَقُلْت: أَلَا أُعْجِبُك مِنْ أَبِي تَمِيمٍ، رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ! فَقَالَ عُقْبَةُ: إنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: فَمَا يَمْنَعُك الْآنَ؟! قَالَ: الشُّغْلُ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"
__________
1 البخاري في "باب كم بين الأذان والاقامة" ص 87، واللفظ الآخر له في "التهجد" ص 157، وفي "الاعتصام" ومسلم في "فضائل القرآن" ص 278، وأبو داود في "باب الصلاة قبل المغرب" ص 189 بلفظيه، وابن ماجه في "باب ما جاء في الركعتين قبل المغرب" ص 82. والترمذي في "باب ما جاء في الصلاة قبل المغرب" ص 26.
2 في "باب الصلاة إلى الاسطوانة" ص 72، ومسلم في "باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، ص 278 ج 1.
3 في "التهجد في باب الصلاة قبل المغرب" ص 158.(2/141)
حَدِيثَ أَنَسٍ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إلَّا عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ، وَعَارَضَهَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، إلَّا الْمَغْرِبَ"، انْتَهَى. وَالْخُصُومُ يُجِيبُونَ: بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمُثْبِتِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّافِي، مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ الْإِثْبَاتِ أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ1" فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ، إلَّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا رَكْعَتَانِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، كَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الشمائل" عن عبيد عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ عَنْ قَرْثَعٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ، يُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" بِلَفْظِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ، وَقَالَ: أَبْوَابُ السَّمَاءِ تُفْتَحُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: عُبَيْدَةُ بْنُ مَعْتَبٍ الضَّبِّيُّ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْمُنْذِرِيُّ عَزْوَهُ إلَى التِّرْمِذِيِّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَيِّدَهُ "بِالشَّمَائِلِ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا عُبَيْدَةُ بِهِ، وَفِي لَفْظِهِ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِيهِنَّ تَسْلِيمٌ فَاصِلٌ؟ قَالَ: "لَا"، وَهَذَا هُوَ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فِي "الشَّمَائِلِ".
طَرِيقٌ آخَرُ لَهُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ3" حَدَّثَنَا بُكَيْر بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ. وَالشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، فَسَأَلَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِي تِلْكَ السَّاعَةِ خَيْرٌ، قُلْت: أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَتَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ؟ فَقَالَ: لَا"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ" وَضَعَّفَهُ، فَقَالَ: وَعُبَيْدَةُ بْنُ مُعَتِّبٍ لَيْسَ مِمَّنْ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ، وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو مُوسَى4
__________
1 قلت: الحديث أخرجه الدارقطني: ص 99 عن سليم بن عامر عن أبي عامر الخبايري عن عبد الله بن الزبير، وقال محشيه في "نسخة صحيحة": سليم بن عامر أبي عامر الخبايري، قلت: رجال الدارقطني ثقات، وأخرجه ابن نصر المروزي في "قيام الليل" ص 26، وفيه سليم بن عامر أبي عامر.
2 "كتاب التطوع في باب الأربع قبل الظهر" ص 187، والترمذي في "الشمائل في باب صلاة الضحى" ص 21، وابن ماجه في "باب أربع الركعات قبل الظهر" ص 82، وأحمد في "مسنده" ص 416 ج 5، والطحاوي: ص 196، والبيهقي في "السنن" ص 488 ج 2.
3 ص 58.
4 وأخرجه أحمد. ص 418 ج 5 عن يحيى بن آدم عن شريك به، وأخرجه البيهقي في "سننه" ص 489 ج 2 من طريق شريك، وسفيان عن الأعمش بإسناده.(2/142)
ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ فَذَكَرَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ: لَا يُسَلِّمُ بَيْنَهُنَّ، انْتَهَى. وَتَكَلَّمَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ" وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ. وَأَحْمَدَ، كَمَا تَقَدَّمَ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ1" خِلَافُهُ، أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَتْ: كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ، وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ، وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ، وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ، فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا، يُسْمِعُنَا، مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ، كَانَ يُوتِرُ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام، "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِيهِ، فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةَ النَّهَارِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي خَطَأٌ، وَقَالَ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى": إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، إلَّا أَنَّ جَمَاعَةً
__________
(1) أخرج مسلم في "قيام الليل" ص 257 ج 1 في حديث طويل رواه عن سعيد عن قتادة عن زرارة عن سعد ابن هشام عن عائشة، ولفظه: يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم، فيصلي التاسعة، فيقعد، ثم يسلم، لكن أخرج النسائي في "باب كيف الوتر بثلاث" ص 248 هذا الحديث بهذا الاسناد، ولفظه: كان لا يسلم في ركعتي الوتر، اهـ. فالجمع بينهما أن الركعة الثامنة في السياق الطويل هي الثانية من ثلاث ركعات الوتر، ذكرت في السياق الطويل، مع ست ركعات قيام الليل، أو المراد بالقعود، القعود الطويل للذكر والتحميد والدعاء، دون قعود التشهد، وأن المراد بالتسليم التسليم المسموع، هو التسليم لايقاظ أمهات المؤمنين للصلاة، دون تسليم الصلاة على أن النسائي روى الحديث في "باب قيام الليل: ص 237 عن سعيد باسناده، ولفظه: يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيذكر الله عز وجل، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين، وهو جالس بعد ما سلم، ثم يصلي ركعة، اهـ.
2 أخرجه أبو داود في "باب صلاة النهار" ص 190، والطيالسي: ص 261، والترمذي في "باب ما جاء في أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" ص 76، والنسائي في "باب كيف صلاة الليل" ص 246، وابن ماجه في "باب صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" ص 94، والطحاوي: ص 197، والدارقطني: ص 160، والبيهقي: 487، وذكر تصحيحه عن البخاري، ونقل صاحب "الجوهر" تضعيفه عن ابن معين، وضعف زيادة: النهار، وأحمد. وغيره من أهل العلم، قاله ابن تيمية في "فتاواه" ص 55 ج 2،وأطال في تضعيفه ببيان شاف، والله أعلم.(2/143)
مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ خَالَفُوا الْأَزْدِيَّ فِيهِ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ النَّهَارَ: مِنْهُمْ سَالِمٌ. وَنَافِعٌ. وَطَاوُسٌ، ثُمَّ سَاقَ رِوَايَةَ الثَّلَاثَةِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النَّهَارِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابن حبان في "صحيحهما"، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ "صَحِيحِهِ": أحدهما: فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، مُحْتَجًّا بِهِ فِي حَدِيثِ: مَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ، فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا، إنَّهَا فِي تَسْلِيمَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ شُغْلٌ، فَرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ،" ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: "فَإِنْ كَانَ لَهُ شُغْلٌ"، إلَى آخِرِهِ، مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، فَفَصَلَهُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ هَذَا، صَحِيحٌ هُوَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ" عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْعُمَرِيِّ إلَّا الْحُنَيْنِيُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" عَنْ إسْحَاقَ الْحُنَيْنِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ الْحُنَيْنِيُّ1 عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي "كِتَابِهِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ": حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْجَلَّابُ3 بِهَمْدَانَ ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا أُبَيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى. وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِ عِلَّةً، يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكَلَامُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "تَارِيخِ أَصْبَهَانَ4" عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، مَحْبُوبِ بْنِ مَسْعُودٍ، الْبَصْرِيِّ، الْبَجَلِيِّ ثَنَا عَمَّارُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ: أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ
__________
1 والحنيني ضعيف "دراية" ص 120.
2 ص 160، قال الحافظ في "الدراية" في سنده نظر.
3 في نسخة "الخلال".
4 في "ترجمة محبوب بن مسعود البجلي" كذا في "الدراية".(2/144)
ثَنَا أَبِي عَنْ ابن أبي ذئب الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى. وَلِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي التَّطَوُّعِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ مِنْ اللَّيْلِ؟ قَالَ: "يُصَلِّي أَحَدُكُمْ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى مِنْ اللَّيْلِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ رَبِّهِ بْنَ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ، فَذَكَرَهُ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ فِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ، وَحَدِيثُ اللَّيْثِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا، قُلْت: قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ أَجِدْهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعُجَابِ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" مِنْ حَدِيثِ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ، فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يَأْوِي إلَى فِرَاشِهِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِي آخِرِهِ: حَتَّى قُبِضَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ أَبُو دَاوُد: فِي سَمَاعِ زُرَارَةَ مِنْ عَائِشَةَ نَظَرٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَحْفُوظَةُ عِنْدِي، فَإِنَّ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ، قَالَ: سَمِعَ زُرَارَةُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. وَهَذَا مَا صَحَّ لَهُ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ زُرَارَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4". وَالنَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى" عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: سَأَلْتهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ قَطُّ، فَدَخَلَ عَلَيَّ، إلَّا صَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ سِتًّا، وَسَكَتَ عَنْهُ.
__________
1 في "باب التخشع في الصلاة" ص 50، وأحمد: ص 211، وحسن إسناده أبو حاتم في "العلل" ص 132.
2 في "باب صلاة النهار" ص 190، وابن ماجه في "باب صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" ص 132، وأحمد: ص 167 ج 4، والطيالسي: ص 195.
3 في "باب صلاة الليل" ص 197.
4 في "باب الصلاة بعد العشاء" ص 192، والبيهقي في "سننه" ص 472 من طريق أبي داود.(2/145)
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ1" حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ رَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ بِسَجْدَةٍ، ثُمَّ نَامَ، حتى يصلي بَعْدَهَا صَلَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2" لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ كَانَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلدَّوَامِ، فَلِذَلِكَ أَخَّرْنَاهُ، أَخْرَجَهُ فِي "كِتَابِ الْعِلْمِ فِي بَابِ السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ.
حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِهَا الْمُتَقَدِّمِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي الضُّحَى. قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ4" مِنْ حَدِيثِ مُعَاذَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ، كَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ: وَيَزِيدُ مَا شَاءَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فروخ حدثنا طبيب بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَتْ عمرة: سمعت أم المؤمنين عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِكَلَامٍ، انْتَهَى. وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا، وَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
__________
1 ص 4 ج 4، وأخرج الطبراني من حديث أنس رفعه: وأربع بعد العشاء كعدلهن ليلة القدر، ومثله عن ابن عباس. وابن عمر، مع زيادة، لكن فيها كلها ضعف، قال الهيثمي في "الزوائد" ص 230 ج 2: راجعه، وأخرج الدارقطني من حديث أبي، موقوفاً، نحوه.
2 قلت: أخرجه في "العلم" ص 22، وفي "الصلاة في باب من يقوم عن يمين الإمام بحذائه" ص 97.
3 في"باب جواز النافلة قائماً وقاعداً" ص 252، قلت: أخرج البيهقي في "سننه" ص 477 عن شريح عن عائشة، قالت: ما صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء قط، فدخل على، إلا صلى أربع ركعات، أو ست ركعات.
4 في "باب استحباب صلاة الضحى" ص 249.
5 في "باب تحريض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قيام الليل، والنوافل" ص 152، ومسلم في: ص 248.(2/146)
عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ، فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ، وَمَا سَبَّحَ1 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُبْحَةِ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا، انْتَهَى. وَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْت عَائِشَةَ، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: لَا، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ، انْتَهَى. فَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ فِي الْإِنْكَارِ عَنْ رُؤْيَتِهَا وَمُشَاهَدَتِهَا. وَفِي الْآخَرِ بِغَيْرِ الْمُشَاهَدَةِ، إمَّا مِنْ خَبَرِهِ عليه السلام، أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ إنْكَارُهَا، أَيْ مُوَاظِبًا عَلَيْهَا، وَمُعْلِنًا بِهَا، وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْكَارُ إنَّمَا هُوَ لِصَلَاةِ الضُّحَى الْمَعْهُودَةِ عِنْدَ النَّاسِ، عَلَى الَّذِي اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، مِنْ صَلَاتِهَا ثَمَانَ رَكَعَاتٍ، وَأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ، فَيُصَلِّيهَا مَرَّةً أَرْبَعًا، وَمَرَّةً سِتًّا، وَمَرَّةً ثَمَانِيَةً، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَقَدْ رَأَى جَمَاعَةٌ أَنْ يصلي فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، لِيُخَالِفَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْفَرَائِضِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ". قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَنَّاهُ، وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ بِصَرِيحٍ فِيهِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ حَدِيثُ: الْمُسِيءُ صَلَاتَهُ، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ3" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لَهُ: "إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ"، وَفِي آخِرِهِ: "ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا"، وَحَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ4، وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ: "إذَا اسْتَقْبَلْت الصَّلَاةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْت"، وَفِي آخِرِهِ، "ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ"، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِتَمَامِهِ فِي حَدِيثِ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ مَعَهَا"، وَهُوَ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، لَيْسَ فِيهِ: "ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 وأخرج أحمد في "مسنده" ص 155 ج 2 من حديث ابن عمر أنه قال: بدعة، وكذا البخاري في "باب كم اعتمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 238، ومسلم في "باب بيان عدد عمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 409 ج 1.
2 في"باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة" ص 170 قلت: قال الحافظ في "الفتح" ص 209 ج 2: قد أنكر الدارقطني على مسلم، وقال: إن المحفوظ عن أبي أسامة وقفه، كما رواه أصحاب ابن جريج.
3 البخاري في "باب وجوب القراءة للامام والمأموم" ص 105، ومسلم في "باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة" ص 170 ج 4.
4 ص 340 ج 4، وروى أبو داود عن أبي سعيد عن أبي هريرة، وفيه: ثم افعل ذلك في صلاتك كلها، اه، وأخرجه الدارمي، في: ص 158، وفيه: فوصف الصلاة هكذا: أربع ركعات حتى فرغ، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ص 241 ج 1 بلفظ الدارمي، إلا أنه لم يذكر أربع ركعات.(2/147)
قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَعَائِشَةَ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَا: اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ غَرِيبٌ1.
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ "يَعْنِي الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ"، قُلْت: يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا التِّرْمِذِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأولى مالا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ، مِثْلُهَا"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ، مِثْلُهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُصَلَّى عَلَى إثْرِ صَلَاةٍ مِثْلُهَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ، قُلْت: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: قَدْ صَلَّيْت، إنِّي قَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَلَفْظُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نُعِيدَ صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ إذَا رَوَى عَنْ
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 122: عن عائشة، لم أجد.
2 أخرجه البخاري في "باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب" ص 107، ومسلم في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 185، وأبو داود في "باب ما جاء في القراءة في الظهر" ص 123، والنسائي في "باب القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العصر" ص 153، وابن ماجه في "باب الجهر بالآية أحياناً" ص 60، وليس فيه متعلق، والله أعلم.
3 في "باب إذا صلى في جماعة، ثم أدرك جماعة يعيد" ص 93، والنسائي في "باب سقوط الصلاة عمن صلى مع الإمام في المسجد جماعة" ص 138، والطحاوي في: ص 187، وابن حزم في "المحلى" من طريق الطحاوي: ص 232 ج 4، وصححه، وفي: ص 259 ج 2 من طريق أبي داود، وصححه، وفي: ص 125 أيضاً، وأخرجه أحمد في "مسنده" ص 41 ج 2، وص 19 ج 2، والدارقطني: ص 159، والبيهقي: ص 303 ج 2.(2/148)
غَيْرِ أَبِيهِ، فَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَلَا تَخْلُو مِنْ انْقِطَاعٍ وَإِرْسَالٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُحْتَجَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا، انْتَهَى. قِيلَ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ" قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَيْ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعِدْهَا ابْنُ عُمَرَ، لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ1": قَالَ مَالِكٌ: ثَنَا نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَيَّتَهمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ ذَلِكَ إلَيْك، إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ، يَجْعَلُ أَيَّهمَا شَاءَ، انْتَهَى. رَوَاهُ فِي "الْمُوَطَّأِ"، قَالَ: وَهَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ مَكْتُوبَةَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ"، إنَّمَا أَرَادَ بِهِ كِلْتَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ، أَوْ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، فَلَا يُعِيدُهَا أُخْرَى، ثُمَّ أَسْنَدَ2 عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَامَ يُصَلِّي الظُّهْرَ، فَقَالَ: "أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَصَلَّى مَعَهُ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمَا فَعَلَا، وَكَانَا قَدْ صَلَّيَا بِالْجَمَاعَةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَدَعْوَى مَنْ ادَّعَى نَسْخَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بَاطِلَةٌ، لَا يَشْهَدُ بِهَا لَهُ تَارِيخٌ، وَلَا سَبَبٌ، وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، فَهُوَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ إعَادَةِ الْفَرِيضَةِ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كَيْفَ أَنْتَ، إذَا كَانَ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْت: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ، فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَك نَافِلَةٌ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ، لَمْ يَقُلْ: عَنْ وَقْتِهَا، وَفِي لَفْظٍ: وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْت، فَلَا أُصَلِّي، وَفِي لَفْظٍ: "صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً"، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ4 عَنْهُ عليه السلام، قَالَ: "إنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً"، مُخْتَصَرٌ، مِنْ حَدِيثِ التَّطْبِيقِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": لَمْ يُخْرِجْ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا، انْتَهَى.
__________
1 وفي "السنن" ص 3 2 ج 2.
2 أي البيهقي في "المعرفة" وأما في "السنن" فذكر حديث أبي سعيد تعليقاً، والله أعلم، وأسنده الترمذي في "باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلى فيه" ص 30، وحسنه الدارمي في: ص 165، وأبو داود في "باب الجمع في المسجد مرتين" ص 92.
3 في "باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها" ص 231 ج 1.
4 حديث ابن مسعود أخرجه مسلم في "باب الندب إلى وضع الأيدي على الرُّكب" ص 202 ج 1.(2/149)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه، قَالَ: شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا، فَجِيءَ بِهِمَا، تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، قَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: "فَلَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ. وَالْبَيْهَقِيِّ: وَلْيَجْعَلْ الَّتِي صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ نَافِلَةً، وَقَالَا: إنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ، مَرْدُودَةٌ، لِمُخَالَفَتِهَا الثِّقَاتِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نُوحِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ السُّوَائِيِّ، بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: إذَا جِئْت الصَّلَاةَ، فَوَجَدْت النَّاسَ، فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَإِنْ كُنْت صَلَّيْت، تَكُنْ لَك نَافِلَةً، وَهَذِهِ مَكْتُوبَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا مُسْلِمًا عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، فَقَالَ: "مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَأَمَّا الْفَرْضُ، فَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ فِيهِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَنْقُصْ ثَوَابُهُ، انْتَهَى. قُلْت: يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْجِهَادِ" عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ4 فِي "بَابِ مَا يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْإِقَامَةِ"، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ"، قَالَ: فَأَتَيْته، فَوَجَدْته جَالِسًا، فَوَضَعْت يَدِي على رأسه، فقال: "مالك يَا عَبْدَ اللَّهِ"؟ قَالَ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّك قُلْتَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ"، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا، قَالَ:
__________
1 في "باب من صلى في منزله، ثم أدرك الجماعة يصلي معهم" ص 92، والنسائي في "باب إعادة الفجر مع الجماعة لمن صلى وحده" ص 137، والترمذي في "باب ما جاء، يصلي الرجل وحده، ثم يدرك الجماعة" ص 30، والطحاوي: ص 213، والدارقطني: ص 159، والدارمي: ص 165، والحاكم: ص 245، والبيهقي: ص 301 ج 2.
2 ص 92، والدارقطني: ص 103.
3 البخاري "قبيل التهجد في باب صلاة القاعد" ص 150".
4 ص 420.
5 في "باب جواز النافلة قائماً وقاعداً" ص 253(2/150)
"أَجَلْ! وَلَكِنِّي لَسْت كَأَحَدٍ مِنْكُمْ". انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ ثَوَابِي فِي النَّفْلِ قَاعِدًا، كَثَوَابِي قَائِمًا، هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ، يُومِئُ إيمَاءً، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ2 إلَى خَيْبَرَ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: عَمْرُو بْنُ يَحْيَى لَا يُتَابَعُ عَلَى قَوْلِهِ: عَلَى حِمَارٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، انْتَهَى. قِيلَ: وَقَدْ غَلَّطَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَغَيْرُهُ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى فِي ذَلِكَ، وَالْمَعْرُوفُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَعَلَى الْبَعِيرِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: يومئ إيماءً، لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ3، وَشَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ ذَكَرَ فِيهِ: يوميء بِرَأْسِهِ، وَعَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ4، وَلَمْ أَجِدْ لَفْظَ الْإِيمَاءِ إلَّا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ فِي "الْإِمَامِ" عَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ كَانَ وجهه، يوميء بِرَأْسِهِ، فَلْيُنْظَرْ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَ: أَخْرَجَاهُ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": تَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِ "الْإِيمَاءِ" فِيهِ، لَكِنْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَيْنَمَا توجهت يوميء، وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ هُوَ. وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يسبح، يوميء بِرَأْسِهِ، قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَكْتُوبَةِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ فِعْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قُلْت: هَذَا تَقْصِيرٌ مِنْهُ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 فِي "صَلَاةِ الْمُسَافِرِ" بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: اسْتَقْبَلْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْته يُصَلِّي عَلَى
__________
1 في "باب جواز النافلة على الدابة في السفر" ص 244، وأبو داود في "السفر في باب التطوع على الراحلة في السفر" ص 180 واللفظ له.
2 وفي مسلم "موجه" بدل: متوجه.
3 السياق الذي ذكره صاحب "الهداية" من حديث ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر، انتهى. الحديث فيه إلى قوله: خيبر، وليس فيه: يوميء إيماءً، أما لفظ الإِيماء برأسه، فهو في "البخاري" ص 149 من طريق سالم عن ابن عمر، وفيه: يسبح على ظهر راحلته، حيث كان وجهه يوميء برأسه، اهـ وليس هذا في سياق مسلم الذي ذكره المؤلف، لكن في "البخاري" سياق آخر. نبا نظر الزيلعي عنه، وهو في "باب الوتر في السفر" ص 136 عن نافع عن ابن عمر، كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في السفر على راحلته، حيث توجهت به، يوميء إيماءً، الخ.
4 قلت: هو في البخاري في "باب من تطوع في السفر" ص 149، ولم أجد في مسلم.
5 في "باب صلاة التطوع على الحمار" ص 149، ومسلم في "باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر" ص 245.(2/151)
حِمَارٍ، وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ "يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ"، فَقُلْت: رَأَيْتُك تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ، لَمْ أَفْعَلْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ، عَلَى حِمَارٍ، يُصَلِّي، يُومِئُ إيمَاءً، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَهَذَا لَفْظُ الْكِتَابِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي النَّوَافِلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فِي كُلِّ وَجْهٍ، يُومِئُ إيمَاءً، وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَجِئْت، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، نَحْوَ الْمَشْرِقِ، السُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ، نَزَلَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، انْتَهَى.(2/152)
فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَاظَبُوا عَلَيْهَا "يَعْنِي التراويح". قلت: الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الْعُذْرَ، فِي تَرْكِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ فِي "التَّهَجُّدِ" عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: قَدْ رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ، إلَّا أَنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ فِي "كِتَابِ الصِّيَامِ": فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ عليه السلام قَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنْ الْقَابِلَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُ،
فَقَالَ: خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوِتْرِ، وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القارئ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ
__________
1 في "الصوم في باب فضل من قام رمضان" ص 269، وفي "التهجد" ص 152، ومسلم في "باب الترغيب في قيام رمضان" ص 259.
2 وابن نصر في "قيام الليل" ص 90، وص 114، وفيه: من تكلم فيهن تقدم من قبل، وأخرجه الطبراني في "الصغير" ص 108.(2/152)
مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ، فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْت هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: "نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هذه، والتي ينامون عنها أفضل عن الَّتِي يَقُومُونَ"، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ، انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُرِكَتْ إلَى زمان عمر، دليل أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، والله أعلم، رواه الْبُخَارِيُّ1 أَيْضًا، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ2 نَحْوُهُ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحْوُهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ3، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
أَحَادِيثُ الْعِشْرِينَ رَكْعَةً: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه"، وعنه البيقي4 مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً، سِوَى الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْفَقِيهُ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ"، فَقَالَ: وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ، وَهُوَ مَعْلُولٌ، بِأَبِي شَيْبَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ، جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، ثُمَّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ، كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟، قَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5. وَمُسْلِمٌ فِي "التَّهَجُّدِ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا6: كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ، وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً: مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ7 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ، رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ أَنَّ الْجُمْلَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.
__________
1 في "الصيام في باب فضل من صام رمضان" ص 269.
2 أخرجه أبو داود في "باب قيام شهر رمضان: ص 202، والترمذي: ص 99، وابن ماجه: ص 95، والنسائي في "التهجد" ص 238.
3 في "التهجد في باب قيام شهر رمضان" ص 238.
4 في "السنن الكبرى" ص 496 ج 2.
5 في "باب قيام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل في رمضان وغيره" ص 154، ومسلم في "باب صلاة الليل"، ص 254.
6 أخرجه مسلم في: ص 255، واللفظ له، والبخاري في "باب كيف صلاة الليل" ص 153 بمعناه.
7 أخرجه في "باب ما يقرأ في ركعتي الفجر" ص 156.(2/153)
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ1": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ السُّنَنِ2 لَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ بِزِيَادَةٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ3" عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي "الْمُوَطَّأِ": بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ: بِأَنَّهُمْ قَامُوا بِإِحْدَى عَشْرَةَ، ثُمَّ قَامُوا الْعِشْرِينَ، وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ، قَالَ: وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ "يَعْنِي عَنْ التَّرَاوِيحِ" ذَكَرَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ4 رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَعُرْوَةَ. وَغَيْرِهِمَا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ثَنَا فَهْدٌ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثَنَا يُونُسُ. وَفَهْدٌ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى مَنْزِلِهِ، فَلَا يَقُومُ مَعَ النَّاسِ، ثَنَا يُونُسُ ثَنَا أَنَسٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت أَبِي5. وَسَالِمًا. وَنَافِعًا يَنْصَرِفُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ، ولا يقومون مَعَ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ، وَبَيْنَ الْوِتْرِ، لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ6.
قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلَّى الْوِتْرُ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
__________
1 قلت: وفي "شرح المهذب" ص 32 ج 4.
2 قلت: رواه في "السنن" ص 496 ج 2، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن فنجويه الدينوري بالدامغان حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني أنبأ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا علي بن الجعد أنبأ ابن أبي ذئب عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد، قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرءُون بالئين، وكانوا يتوكئون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام، اه، رجال هذا الاسناد كلهم ثقات، ذكرها "المحقق النيموي الهندي" في "آثار السنن" ص 54 ج 2 رجلاً رجلاً.
3 في "باب قيام رمضان" ص 40، والبيهقي في "السنن" ص 496 ج 2 من طريق مالك.
4 في "شرح الآثار" ص 207.
5 قلت: في "الطحاوي" رأيت القاسم. وسالماً. ونافعاً، الحديث، وليس فيه أبي، والله أعلم.
6 أخرجه محمد بن نصر المروزي في "صلاة الليل" "دراية" ص 123 قلت: في "قيام الليل له" ص 92: أن أبياً كان يروحهم قدر ما يتوضأ المتوضئ، ويقضي حاجته، اهـ.(2/154)
باب إدراك الفريضة
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ، أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ، يُرِيدُ الرُّجُوعَ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" بِمَعْنَاهُ حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَحَدٌ بَعْدَ النِّدَاءِ، إلَّا مُنَافِقٌ، إلَّا أَحَدٌ أَخْرَجَتْهُ حَاجَةٌ، وَهُوَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرُوهُ، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ مُسْنَدٌ، وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، وَقَالَ: لا تختلفون فِي ذَلِكَ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَزَادَ فِيهِ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَلَا تَخْرُجُوا حَتَّى تُصَلُّوا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَدِيثُ الْوَعِيدِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ، قُلْت: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ4: الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "بَابِ الْإِمَامَةِ"، مَعَ غَيْرِهِ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ
__________
1 في "أواخر أبواب الأذان" ص 54.
2 أخرجه مسلم في "باب فضل صلاة الجماعة"، ص 232، والترمذي في "الأذان في باب كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان" ص 38، وأبو داود في "باب الخروج من المسجد بعد الأذان" ص 86، وابن ماجه قبل "أبواب المساجد" ص 54، والنسائي في "باب التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذان: ص 111.
3 وأحمد في "مسنده" ص 537 ج 2، ولفظه: ثم قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة، فلا يخرج أحدكم حتى يصلي، اهـ، وكذا الطيالسي في "مسنده" ص 337.
4 قد تقدم هذا الحديث من قبل، وأخرجه مسلم في "باب فضل الجماعة" ص 232، من حديث ابن مسعود.(2/155)
وَالنَّوَافِلِ الْمَنْزِلُ، هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ حُجْرَةً مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَالِيَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ أُنَاسٌ، وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً، فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا الْبَابَ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: "مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ"؟! وَفِي آخِرِهِ: "فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ، مُخْتَصَرًا، فلفظ أبو دَاوُد: "صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْآخَرِينَ: "أَفْضَلُ صَلَاتِكُمْ، فِي بُيُوتِكُمْ، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي "الْعِلْمِ الْمَشْهُورِ": وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ يَرَى صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنَّهَا لَا تُقَامُ جَمَاعَةً بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَخَذَ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عُمَرَ، أَنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَبِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ، قَالَ: فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ رواه في "صحيحه" صَحَّحَ فِيهِ مِنْ سَقِيمٍ، وَمَرَّضَ مِنْ صَحِيحٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ هَذَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْهُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَيُنْظَرُ الصَّحِيحَانِ.
فَائِدَةٌ: قَدْ يُعَارَضُ هَذَا الْحَدِيثُ3 بِحَدِيثِ: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدِي هَذَا"، يَدُلُّ عَلَى لَفْظِ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمِ: "صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا"، وَنَظِيرُ هَذَا، حَدِيثُ: "عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4. وَمُسْلِمٌ فِي "الْحَجِّ" عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، مَعَ حَدِيثِ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ، مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالُوا: يَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ
__________
1 في "الصلاة في باب صلاة الليل" ص 101، وفي "الأدب في باب ما يجوز من الغضب والتشديد لأمر الله" ص 903، كأنه أخذ منه، ومسلم في "باب الحث على صلاة الليل، وإن قلت" ص 266، والنسائي في "أوائل قيام الليل" ص 237، وأبو داود في "باب فضل التطوع في البيت" ص 211، والترمذي قبل "الوتر في باب فضل التطوع في البيت" ص 59، والطحاوي: ص 206.
2 أخرجه أبو داود في "باب قيام شهر رمضان" ص 202، والترمذي في "الصوم في باب قيام شهر رمضان" ص 99، والنسائي في "التهجد باب قيام شهر رمضان" ص 238، وابن ماجه في "الصلاة باب قيام شهر رمضان" ص 95، والطحاوي: ص 206.
3 قلت: لم تتحرر لي هذه العبارة، قال العيني في "البناية" ص 882: فان قلت: يعارض هذا قوله عليه السلام: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام" قلت: يحمل هنا على الفرض، أي صلاة مفروضة في مسجدي هذا، يدل عليه لفظ أبي داود: "صلاة المرء"، الحديث، اهـ.
4 في "باب عمرة في رمضان" ص 239، وكذا في مسلم: ص 409.(2/156)
الْبُخَارِيُّ فِي "الْعِيدَيْنِ1" عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، فَيُحْمَلُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِ عَلَى الصَّوْمِ. وَالصَّلَاةِ فَقَطْ، وَيُسْتَأْنَسُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا، مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يُعْدَلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ3 فِي "الصَّوْمِ" إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ4: لَمْ يُرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ، وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى، فَإِنَّ بَعْضَ الْحُفَّاظِ، قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ لَمْ تَعْلَمْ بِصِيَامِهِ عليه السلام، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ لِتِسْعِ نِسْوَةٍ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ صِيَامُهُ فِي نَوْبَتِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ: لَمْ يُرَ، مبنية للفاعل، لتتفق الروايتين، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْمُثْبِتِ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ النَّافِي، وَقِيلَ: إذَا تَسَاوَيَا فِي الصِّحَّةِ، يُؤْخَذُ بِحَدِيثِ هُنَيْدَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ هُنَيْدَةَ عَنْ امْرَأَةٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَأَوَّلُ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ، وَالْخَمِيسَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هُنَيْدَةَ، فَرُوِيَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أُمَّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، مُخْتَصَرًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَالْحَدِيثُ وَرَدَ بِقَضَائِهَا، تَبَعًا لِلْفَرْضِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ذِي مِخْبَرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ
__________
1 "باب فضل العمل في أيام التشريق" ص 132.
2 في "الصوم في باب العمل في أيام العشر" ص 94، وابن ماجه في "باب صيام العشر" ص 125.
3 أخرجه مسلم قبيل "الحج في باب صوم عشر ذي الحجة" ص 372، وأبو داود في "الصيام في باب بعد باب صيام العشر" ص 338، والترمذي في "باب صيام العشر" ص 94، وكذا ابن ماجه: ص 125.
4 لم أر هذا اللفظ، لا في مسلم. ولا في السنن، إلا ما ذكر الترمذي بلا سند، والآخر لمسلم: لم يصم العشر.
5 في "باب صوم العشر" ص 338، والنسائي في "باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر" ص 328، وأحمد في "مسنده" ص 271 ج 5، وص 288 ج 6، وص 423 ج 6.(2/157)
حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّلُولِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَأْخُذْ كُلُّ إنْسَانٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ"، قَالَ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ، انْتَهَى.
فَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ، وَتَأْتُونَ الْمَاءَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ"، إلَى أَنْ قَالَ: فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: "احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا"، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ، ثُمَّ قَالَ: "ارْكَبُوا" فَرَكِبْنَا، فَسِرْنَا، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِمِيضَأَةٍ، كَانَتْ مَعِي، فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: "احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَك، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ"، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مِنْ غَدَاةٍ، فَلْيُصَلِّ مَعَهَا مِثْلَهَا"، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2". وَلَمْ يُتَابَعْ خَالِدٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعَهُ، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الصَّحِيحُ فِيهِ: "فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدَاةِ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا"، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَكِنْ حَمَلَهُ خَالِدٌ عَلَى الْوَهْمِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "أَيَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الرِّبَا، وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ"، كَمَا سَيَأْتِي، وَنَسَبَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" الْوَهْمَ فِيهِ لِلرَّاوِي عَنْ خَالِدٍ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَيْهَقِيّ، فَلْيُرَاجَعْ، وَسُمَيْرٌ: "بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ"، وَرَبَاحٌ: "بِالْمُوَحَّدَةِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي مِخْبَرٍ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" مِنْ حَدِيثِ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ صُلَيْحٍ عَنْ ذِي مِخْبَرٍ الْحَبَشِيِّ4 وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ "يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وضوءً لَمْ يَلْثَ مِنْهُ التُّرَابُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: "أَقِمْ الصَّلَاةَ"، ثُمَّ صَلَّى، وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْأَذَانِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ
__________
1 في "باب قضاء الصلاة الفائتة" ص 238، والنسائي قبل "الأذان" ص 102، والطحاوي: ص 234
2 في "المواقيت في باب من نام عن صلاة أو نسيها" ص 70، والبيهقي في "السنن" ص 217 ج 2
3 في "المواقيت" ص 71، وأحمد: ص 91 ج 4.
4 في "مسند أحمد" ذي مخمر.
5 في "المواقيت في باب من نام عن صلاة أو نسيها" ص 70، وأحمد في "مسنده" ص 444 ج 4، وص 441 ج 4، والحاكم في "المستدرك" ص 274، والطحاوي: ص 233 ج 1، والدارقطني: ص 147.(2/158)
بْنِ حُصَيْنٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِزِيَادَةٍ فِيهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ سماع الحسن عن عِمْرَانَ، وَإِعَادَتُهُ الرَّكْعَتَيْنِ، لَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَيْسَ فِي سَمَاعِ، الحسن، من عمران، فقال ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَيْضًا إنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْأَذَانِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: "مَنْ يكلأنا اللَّيْلَةَ؟ " فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَاسْتَقْبَلَ مَطْلَعَ الشَّمْسِ، فَمَا أَيْقَظَهُمْ إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَقَامُوا، فَأَذَّنَ بِلَالٌ، وَصَلَّوْا الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّوْا الْفَجْرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى. وَالْفَضْلُ بْنُ سُهَيْلٍ3، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ يحيى بن سعيد عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بِلَالٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ ثَنَا أبي عن عتبة أبي عَمْرٍو عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فقال: "من يكلأنا اللَّيْلَةَ؟ " فَقُلْت: أَنَا، فَنَامَ، وَنَامَ النَّاسُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ هَذِهِ الْأَرْوَاحَ عَارِيَّةٌ فِي أَجْسَادِ الْعِبَادِ، يَقْبِضُهَا وَيُرْسِلُهَا إذَا شَاءَ، فَاقْضُوا حَوَائِجَكُمْ عَلَى رِسْلِكُمْ"، فَقَضَيْنَا حَوَائِجَنَا عَلَى رِسْلِنَا، وَتَوَضَّأْنَا، وَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسٍ إلَّا عُتْبَةُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ4" أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْبُخَارِيُّ، الْمُقْرِي بِالْكُوفَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: عَرِّسْ بِنَا
__________
1 في "المواقيت" ص 70.
2 في "أواخر المواقيت" ص 102، وأحمد في "مسنده" ص 81 ج 4، والطحاوي: ص 234.
3 في نسخة "سهل".
4 ص 109.(2/159)
يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "مَنْ يُوقِظُنَا؟ " فَقُلْت: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنِمْتُ، وَنَامُوا، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ فِي رُءُوسِنَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ، وَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرُ، انْتَهَى. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَيْقَظَنَا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ، فَهَكَذَا لِمَنْ نَامَ، أَوْ نَسِيَ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا حَرْبِيُّ بْنُ حَفْصٍ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنِمْنَا عَنْ الصَّلَاةِ، صَلَاةِ الْغَدَاةِ، حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ، كَمَا كَانَ يُؤَذِّنُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّلُولِيِّ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ1" أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ يزيد2 بْن أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ، وَاسْمُهُ: "مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ السَّلُولِيُّ"، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَسْرَيْنَا لَيْلَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ، نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ، وَنَامَ النَّاسُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ عَلَيْنَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا مَا هُوَ كَائِنٌ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام، فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ: "صَلُّوهَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ الْمَدِينِيِّ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ سِيلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَدْعُوهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ4، وَيُقَالُ: عَبَّادُ بْنُ إسْحَاقَ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِثَبْتٍ، وَلَا بِقَوِيٍّ، وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: سَأَلَتْ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا لَمْ يَحْمَدُوهُ فِي مَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا، فَنَفَوْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ،
__________
1 في "آخر المواقيت" ص 102 والطحاوي: ص 269.
2 بالياء، وهو الصواب، وفي النسائي: "بريد" بالباء الموحدة مصغراً، وهو خطأ.
3 في "التطوع في باب تخفيف ركعتي الفجر" ص 186، والطحاوي ص 176.
4 قلت: أما ما ذكر من توثيق عبد الرحمن هذا، فهو صحيح، إلا أنه أخطأ في النسبة. والكنية، فان عبد الرحمن بن إسحاق الذي روى حديث الطرد، هو عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث بن كنانة، العامري، القرشي المدني، أخرج له مسلم، واستشهد به البخاري، ووثقه ابن معين، وأما أبو شيبة الواسطي، فهو عبد الرحمن بن إسحاق ابن سعد بن الحارث، أبو شيبة الواسطي الأنصاري، ويقال: الكوفي، رجل آخر، روى حديث وضع اليدين تحت السرة، وهو ضعيف، والله أعلم.(2/160)
فَأَمَّا رِوَايَاتُهُ، فَلَا بَأْسَ بِهَا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، وَابْنُ سِيلَانَ "بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، بَعْدَهَا آخِرُ الْحُرُوفِ سَاكِنَةٌ، وَآخِرُهُ نُونٌ"، وَاسْمُهُ: عَبْدُ رَبِّهِ، هَكَذَا جَاءَ مُسَمًّى فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَقِيلَ: هُوَ جَابِرُ بْنُ سِيلَانَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد: وَابْنُ سِيلَانَ، هَذَا هُوَ عَبْدُ رَبِّهِ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ ابْنِ سِيلَانَ، وَلَا يُدْرَى أَهُوَ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سِيلَانَ، أَوْ جَابِرُ بْنُ سِيلَانَ؟ فَجَابِرُ بْنُ سِيلَانَ يَرْوِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْفَرَضِيِّ: رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَعَلَى هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فِي "الْإِسْنَادِ" جَابِرًا، وَهُوَ غَالِبُ الظَّنِّ، وَعَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سِيلَانَ أَيْضًا مَدَنِيٌّ، سَمِعَ أَبَا هريرة، روى عَنْهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ. وَابْنُ الْفَرَضِيِّ. وَغَيْرُهُمَا، وَأَيُّهُمَا كَانَ، فَحَالُهُ مَجْهُولٌ، لَا يُعْرَفُ، وَأَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ، هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: عَبَّادُ الْمُقْرِي، قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: سَأَلْت عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: رَوَى أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: تَقَدَّمَ بَعْضُهَا أَوَّلَ الْبَابِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهَا، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 عَنْهَا أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْهَا5 أَيْضًا، قَالَتْ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ قَائِمًا، وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ النِّدَاءَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" عَنْ هَدِيَّةَ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ
__________
1 في "باب استحباب ركعتي الفجر" ص 251 ج 1، والنسائي في "باب المحافظة على الركعتين قبل الفجر" ص 253، والترمذي في "باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل" ص 56، والطحاوي: ص 177، والحاكم: ص 253، وصححه.
2 ص 251 ج 1، ولم أر في البخاري هذه اللفظة، فلينظر.
3 في "التهجد في باب تعاهد ركعتي الفجر" ص 156، وأبو داود. ص 185، ومسلم: ص 251.
4 في "باب الركعتين قبل الظهر" ص 157، وأبو داود: ص 185.
5 البخاري في "التهجد في باب المداومة على ركعتي الفجر" ص 155.(2/161)
عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَسَأَلَهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي، وَيَدَعُ، وَلَكِنِّي لَمْ أَرَهُ يَتْرُكُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فِي سَفَرٍ، وَلَا حَضَرٍ، وَصِحَّةٍ وَلَا سَقَمٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا فُضَيْلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا تَتْرُكُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ"، مُخْتَصَرٌ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ، لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا1.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَاظَبَ عَلَيْهَا "يَعْنِي السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِالْجَمَاعَةِ" قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ عليه السلام تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الرَّوَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّوَافِلِ، إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْفَرْضِ، بَعْدَ الشَّمْسِ.
__________
1 قال الحافظ في "الدراية: لم أجده".(2/162)
بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ، فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا، ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا، ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ،"
قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ3 التَّرْجُمَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَلْيُعِدْ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفَعَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ، وَوَهِمَ فِي رَفْعِهِ، وَزَادَ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَكَذَا، رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ. وَمَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ أَسْنَدَهُ غَيْرُ أَبِي إبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَوَقَفَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى.
__________
2 ص 162، وصوب وقفه، والبيهقي: ص 221 ج 2، والطحاوي: ص 270، قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقات، إلا أن شيخ الطبراني، محمد ابن هشام المستملي، لم أجد من ذكره، اهـ.
3 إسماعيل بن إبراهيم بن بسام الترجماني، لا بأس به "تقريب".(2/162)
أَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ: فَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأِ1" عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ فَهُوَ فِي "سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ" عَنْهُ2 ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "الْكُنَى" عَنْ التَّرْجُمَانِيِّ مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ: رَفْعُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيِّ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو دَاوُد. وَأَحْمَدُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ" عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: رَفْعُهُ خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": رَفَعَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَعِينٍ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مِيزَانِهِ" تَوْثِيقَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ إنَّهُ خَسَّافٌ قَصَّابٌ , رَوَى عَنْ الثِّقَاتِ أَشْيَاءَ مَوْضُوعَةً , وَذَكَرَ مِنْ مَنَاكِيرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ": لَا أَعْلَمُ رَفَعَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَرْجُو أَنَّ أَحَادِيثَهُ مُسْتَقِيمَةٌ، لَكِنَّهُ يَهِمُ، فَيَرْفَعُ مَوْقُوفًا، وَيَصِلُ مُرْسَلًا، لَا عَنْ تَعَمُّدٍ، انْتَهَى. فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُ الْوَهْمَ فِي رَفْعِهِ لِسَعِيدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُهُ لِلتَّرْجُمَانِيِّ، الرَّاوِي عَنْ سَعِيدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 عَنْهُ مَرْفُوعًا: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا"، زَادَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: فَلْيُصَلِّهَا حِينَ تَذَكَّرَهَا، الْحَدِيثَ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ4". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي جُمُعَةَ حَبِيبِ بْنِ سِبَاعٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَنَسِيَ الْعَصْرَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "هَلْ رَأَيْتُمُونِي صَلَّيْتُ الْعَصْرَ"؟، قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتَهَا، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ،
__________
1 ومن طريق مالك، الطحاوي في: ص 270، والبيهقي: ص 222 ج 2.
2 ص 162، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي صدوق: له أوهام "تقريب".
3 البخاري في "المواقيت في باب من نسي صلاة، فليصلها إذا ذكر" ص 84، ومسلم قبل "صلاة المسافرين" ص 241، وأبو داود في "المواقيت في باب من نام عن صلاة، أو نسيها" ص 70، وكذا النسائي في "باب من نسي صلاة" ص 100، وكذا ابن ماجه في "باب من نام عن صلاة أو نسيها" ص 50، وكذا الترمذي في "باب الرجل ينسى الصلاة" ص 25، والطحاوي: ص 270
4 ص 106 ج 4، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 324 ج 1: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه: ابن لهيعة، وفيه ضعف، اهـ.(2/163)
وَنَقَضَ الْأُولَى، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ" بِابْنِ لَهِيعَةَ فَقَطْ، وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": ابْنُ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، هُوَ: ابْنُ أَبِي زِيَادٍ الْفِلَسْطِينِيُّ، صَاحِبُ حَدِيثِ: الصُّوَرِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، لَكِنْ أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن عوف، هو: القارئ، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَكَانَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى دِيوَانِ فِلَسْطِينَ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْفَائِتَةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ عليه السلام: "فو الله إنْ صَلَّيْتُهَا، فَنَزَلْنَا إلَى بَطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَوَضَّأْنَا، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَصَلَّيْنَا بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ،" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 وَمُسْلِمٌ، وَبِحَدِيثِ صَلَاتِهِ عليه السلام يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيهِمَا، بَلْ هُمَا ظَاهِرَانِ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَقَضَاهُنَّ مُرَتِّبًا، ثُمَّ قَالَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قال: قال عبد بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ3، انْتَهَى. وَوَهِمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فينقل كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ كِتَابِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، ذَكَرَهُ فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ مِنْ "كِتَابِهِ: أَوَّلِهَا: فِي "الطَّهَارَةِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ". وَثَانِيهَا: فِي "الصَّلَاةِ فِي بَابِ الرَّجُلِ تَفُوتُهُ الصَّلَوَاتُ، بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ؟ "، ثُمَّ فِي "بَابِ مَا جَاءَ فِي مِقْدَارِ الْقُعُودِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ"، ثُمَّ فِي "الزَّكَاةِ
__________
1 في "المواقيت في باب قضاء الصلوات الأولى فالأوْلى" ص 84، ومسلم في "باب الدليل لمن قال: صلاة الوسطى، هي صلاة العصر" ص 227 ج 1.
2 في "المواقيت في باب الرجل تفوته الصلاة، بأيتهن يبدأ" ص 25، وكذا النسائي في "آخر المواقيت" ص 102، وفي "الأذان" ص 107، وص 108، والطيالسي: ص 44.
3 لكن الحاكم قال في "المستدرك" ص 111 ج 2: قد اختلف مشائخنا في سماع أبي عبيدة من أبيه.(2/164)
فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ"، ثُمَّ فِي "التَّفْسِيرِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ"، وَلَفْظُهُ فِي الْجَمِيعِ: وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي "بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِحَجَرَيْنِ"، وَفِي "بَابِ زَكَاةِ الْبَقَرِ" سَنَدُهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْت أَبَا عُبَيْدَةَ، هَلْ تَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا؟، انْتَهَى. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَدْرَكَهُ عَلَى صِغَرٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى فِي بَابِ صَفِّ الْقَدَمَيْنِ": وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ فِيمَا رَأَيْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. وَلِوَلَدِهِ أَبِي عبيدة سبع سِنِينَ، وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلِوَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ست سِنِينَ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: أَمَّا الثَّوْرِيُّ. وَشَرِيكٌ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: إنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَقِيَ أَبَاهُ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ، فَقَالَ مَرَّةً: إنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا مِنْ أَبِيهِمَا، وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ. وَمِنْ عَلِيٍّ، وَجَزَمَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي "الْأَطْرَافِ" بِسَمَاعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، دُونَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، اسْمُهُ: عَامِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ وَجَدْت1 الشيخ محي الدِّينِ فِي "الْخُلَاصَةِ" قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "بَابِ إخفاء التشهد": أبا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَقِيلَ: وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ في "باب الوتر": أبا عُبَيْدَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي "بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ"، وَكَذَلِكَ فِي "بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ"، وَكَذَلِكَ فِي "بَابِ الْجَنَائِزِ".
طَرِيقٌ آخر: أخرجه َبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ، سَوَاءٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْعِشَاءَ أَيْضًا مِنْ الْفَوَائِتِ، فَإِنَّهُ قَالَ: شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا: الْعِشَاءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَلَّاهَا عليه السلام فِي وَقْتِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا أَخَّرَهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ لَهُ سَمَّاهَا الرَّاوِي فَائِتَةً مَجَازًا، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ،
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: "ثُمَّ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، لَيْسَ هُوَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَجْوَدَ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْأَذَانِ2" عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ثَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: "فَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ3" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ
__________
1 قال البيهقي في "سننه الكبرى" ص 403 إن أبا عبيدة لم يدرك أباه، اهـ.
2 في "باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة" ص 88.
3 وروى الطحاوي: ص 190، والدارمي: ص 188، وأحمد: ص 49 ج 3، وص 25 ج 3، وص 67 ج 3، والنسائي في "باب الأذان للفائت من الصلاة" ص 107.(2/165)
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، حِينَ لَقِينَا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر بلالاً، فأقام، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الْعِشَاءَ، إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا يُوَضِّحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعِشَاءَ لَا تُعَدُّ مِنْ الْفَوَائِتِ إلَّا مَجَازًا، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَوَاتِ فِي حَالِ الْخَوْفِ، قَالَ فِي "الشِّفَاءِ": وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْخَوْفِ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ، فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ قَالَ: "مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ غَيْرُكُمْ"، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ ضَعِيفٌ، وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمُتَقَدِّمُ أَوَّلَ الْبَابِ1، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" حَدِيثُ بَطْحَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ" بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ"، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَا سَمِعْته عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" هَكَذَا، قَالَ: مَا عَرَفْنَا لَهُ أَصْلًا، انْتَهَى.
__________
1 حديث جابر تقدم عن قريب "في الفائتة".(2/166)
بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قبل السلام، قلت: خرجه الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ2 أَنَّ النَّبِيَّ
__________
(1) أخرجه البخاري في "الصلاة في باب من لم ير التشهد الأول واجباً" ص 115، ومسلم في "باب السهو في الصلاة والسجود" ص 211، وأبو داود في "باب من قام عن ثنتين، ولم يتشهد" ص 155، والنسائي في "السهو في باب ما يفعل من قام عن ثنتين ناسياً، ولم يتشهد، ص 181،(2/166)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلَاعِيِّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ سَالِمٍ الْعَنْسِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ نُفَيْرٍ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مِنْ الرُّوَاةِ، عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": انْفَرَدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ2، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَادَ، أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْت، كَذَا. وَكَذَا، قَالَ: فَثَنَى رِجْلَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنَبَّهْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنِّي إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّم، ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ"، وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ فِيهِ، بِالْوَاوِ، وَلَفْظُهُ: وَيُسَلِّمُ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، وَأَمَّا النَّسَائِيّ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: "وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ"، إلَى آخِرِهِ، بِالْجُمْلَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسَافِعٍ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ شَيْبَةَ
__________
والترمذي في "باب ما جاء في سجدتي السهو قبل السلام" ص 51، وحسنه، وابن ماجه "فيمن قام من ثنتين ساهياً" ص 85، والطحاوي: ص 254.
1 في "باب من نسي أن يتشهد وهو جالس" ص 156، وابن ماجه في "باب من سجدهما بعد السلام" ص 86، والطيالسي: ص 134، وأحمد في "مسنده" ص 280 ج 5.
2 قال الحافظ في "التقريب": صدوق في أهل بلده، فخلط في غيرهم، قال في "الجوهر" روى إسماعيل هذا الحديث عن شامي، وهو عبد الله الكلاعي.
3 البخاري في "المساجد في باب التوجه إلى القبلة" ص 58، واللفظ له، إلا أنه ترك قوله: ثم يسلم، اختصاراً من الشيخ، أو خطأ من الناسخ، والله أعلم، وليس هذا اللفظ في مسلم أخرجه في "باب السهو في الصلاة" ص 212، وأبو داود في "باب إذا صلى خمساً" ص 153، والنسائي في "السهو في باب التحري" ص 184، وابن ماجه في "باب من سجدهما بعد السلام" ص 86.
4 في "باب من قال: بعد التسليم" ص 155، والنسائي في "باب التحري" ص 185، وأحمد: ص 205 ج 1 والبيهقي: ص 336 ج 1: وقال الحافظ في "الدراية" ص 125: صححه ابن خزيمة.(2/167)
أَخْبَرَهُ عَنْ عُتْبَةَ1 بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ شَكَّ فِي صلاته، فليسجد سجدتين بعد ما يُسَلِّمُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قِيلَ: وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَعُقْبَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ عُتْبَةُ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَمُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ، وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَأَبُو حَاتِمٍ. والدارقطني.
الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ2" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: صَلَّيْتَ خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سَلَّمَ، انْتَهَى. وَلَمْ يَقُلْ مسلم: بعد ما سَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَالْكَلَامِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ مِنْهَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ نَسِيتَ؟ إلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْهُ أنه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْخِرْبَاقُ. فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، فَقَالَ: "أَصَدَقَ هَذَا؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ. فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّعُودِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ: قُومُوا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَسَلَّمَ، سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ، انْتَهَى. سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي
__________
1 عتبة "بالتاء" ويقال "بالقاف" والأول أرجح، كذا في "التقريب".
2 البخاري في "السهو في باب إذا صلى خمساً" ص 163، ومسلم في: ص 212، والنسائي: ص 185، وأبو داود في "باب إذا صلى خمساً" ص 153، والترمذي في "باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام" ص 52، وابن ماجه: ص 85.
3 في "السهو" ص 164، ومسلم في "باب السهو في الصلاة" ص 213، واللفظ له، وأبو داود في "باب السهو في السجدتين" ص 192، والنسائي في "باب ما يفعل من سلم من اثنتين ناسياً، وتكلم" ص 182، والترمذي: ص 52، وابن ماجه: ص 86.
4 ص 214، وابن جارود: 128.
5 في "باب من نسي أن يتشهد، وهو جالس" ص 155، والترمذي في "باب ما جاء في الإمام ينهض من الركعتين ناسياً" ص 48.(2/168)
"مُخْتَصَرِهِ". وَالْمَسْعُودِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ1" نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ2، قَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: صَحِيحٌ، عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ3" حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ السَّرْحِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبِي عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صَلَاةً، فَسَهَا فِيهَا، فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا، وَقَالَ: أَمَا إنِّي، لَمْ أَصْنَعْ إلَّا كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصْنَعُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ4"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْمَغْرِبَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ، فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ فَوْرِي، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لِلَّهِ أَبُوك! مَا مَاطَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ: فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ، فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ "يَعْنِي حَدِيثَ ثَوْبَانَ الْمُتَقَدِّمَ": لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ وَرَدَتْ فِي السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ، مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا، أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى ما استيقن، ثم سجد سَجْدَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ6" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَانُ، فَلَبَّسَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ"، زَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ،
__________
1 ص 323، والطحاوي: ص 256.
2 أخرجه الحاكم في "المستدرك" ص 325.
3 ص 87.
4 لم أجد ترجمة ابن الزبير في "الطبقات" فليراجع، والحديث أخرجه البيهقي: ص 360 ج 2 عن حماد بن زيد باسناده، وأخرجه الطحاوي: ص 256.
5 في "السهو في الصلاة" ص 211، وابن جارود: ص 126، وغيرهما.
6 البخاري في "السهو" ص 164، وكذا مسلم: ص 210، وأبو داود في "باب من قال: يتم على أكثر ظنه" ص 155، وابن ماجه في "باب ما جاء في سجدتي السهو قبل السلام" ص 86، والنسائي في "باب التحري" ص 185، والترمذي في "باب فيمن يشك في الزيادة والنقصان" ص 53، والزيادة في أبي داود. وابن ماجه فقط، والدارقطني: ص 144.(2/169)
وَهُوَ: قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَفِي لَفْظٍ: قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ لِيُسَلِّم، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كُنْت فِي صَلَاةٍ، فَشَكَكْت، فِي ثَلَاثٍ، أو أربع، وأكبر طنك عَلَى أَرْبَعٍ، تَشَهَّدْتَ، ثُمَّ سَجَدْتَ سَجْدَتَيْنِ، وَأَنْتَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ، ثُمَّ تَشَهَّدْتَ أَيْضًا، ثُمَّ تُسَلِّمُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، وَاحِدَةً صَلَّى، أَمْ ثِنْتَيْنِ، فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ، ثِنْتَيْنِ صَلَّى، أَوْ ثَلَاثًا، فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ، ثَلَاثًا صَلَّى، أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ3": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، فَطَائِفَةٌ: رَأَتْ السَّجْدَةَ بَعْدَ السَّلَامِ، عَمَلًا بِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ4، وَقَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ. وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى. وَالثَّوْرِيُّ. وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ. وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ، أَخْذًا بِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَزَعَمُوا أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ بُحَيْنَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَأَخْذًا بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ صَلَّى بِهِمْ، فَنَسِيَ، فَقَامَ، وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا كَانَ آخِرَ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ5" مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ لفظ: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَقَالَ الْحَازِمِيُّ: وَتَابَعَ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ عَلَيْهِ ابْنُ لَهِيعَةَ. وَبَكْرُ بْنُ الْأَشَجِّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، ثَنَا طَرِيفُ بْنُ حَارِثٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، قَبْلَ السَّلَامِ، وَبَعْدَهُ، وَآخِرُ الْأَمْرَيْنِ، قَبْلَ السَّلَامِ، ثُمَّ أَكَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ، قَالَ: وَصُحْبَةُ مُعَاوِيَةَ مُتَأَخِّرَةٌ، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ أَحَادِيثَ
__________
1 ص 154.
2 الترمذي ص 53، وصححه، وابن ماجه: ص 86، وأحمد: ص 193، والحاكم في "المستدرك" ص 325، على شرط مسلم، وقال الحافظ في "التلخيص" ص 113: وهو معلول، ثم ذكر العلة.
3 ص 85.
4 وبحديث ابن مسعود عن البخاري في "باب التوجه نحو القبلة حيث كان" ص 58 من قوله عليه السلام في حديث طويل: "إذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين"، اهـ. قال الحازمي في "الاعتبار": هذا حديث صحيح، متفق عليه، أخرجاه في "الصحيح" من حديث منصور، وله في "الصحاح" طرق، اهـ.
5 في "باب ما يفعل من نسي شيئاً من صلاته" ص 186.(2/170)
السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَبَعْدَهُ، كُلَّهَا ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ، وَفِيهَا نَوْعُ تَعَارُضٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ، تَقَدُّمُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ هَذَا مُنْقَطِعٌ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، وَلَا يُعَارَضُ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَحَادِيثِ عَلَى التَّوَسُّعِ، وَجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ. الْمَذْهَبُ الثَّالِثِ: أَنَّ السَّهْوَ إذَا كَانَ فِي الزِّيَادَةِ كَانَ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ، أخذاً بحديث ذي اليدين، وإذا كان في النقصان، كان قبل السلام، أَخْذًا بِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. الْقَوْلِ الرَّابِعِ: أَنَّهُ إذَا نَهَضَ مِنْ ثِنْتَيْنِ , سَجَدَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ , وَإِذَا كَانَ فِي النُّقْصَانِ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ , أَخْذًا بِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ , وَكَذَا إذَا شَكَّ , فَرَجَعَ إلَى الْيَقِينِ , أَخْذًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ , وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ , أَخْذًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَكَذَا إذَا شَكَّ , وَكَانَ مِمَّنْ يَرْجِعُ إلَى التَّحَرِّي , أَخْذًا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ , فَإِنَّهُ احْتِيَاطٌ , فَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ قَالَهُ فِي نَظِيرِ كُلِّ وَاقِعَةٍ عَنْهُ. انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ ادَّعَى نَسْخَ السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، ثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ عليه السلام سَجَدَ فِيمَا قَبْلَ السَّلَامِ، وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا أَخْبَرَنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلَمْ يَدْرِ، أَزَادَ، أَمْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ يُسَلِّمُ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَمُعَاوِيَةُ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا، زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ: مُنْقَطِعٌ، وَأَحَادِيثُ السُّجُودِ: قَبْلُ. وَبَعْدُ، ثَابِتَةٌ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَتَقْدِيمُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انتهى1.
__________
1 الاستدراك: أغفل الإمام المخرج أحاديث التشهد في السهو، وتبعه العيني: وابن الهمام، ولم يذكرا من ذلك شيئاً، وقد قال في "الهداية": ثم يتشهد، ثم يسلم، قلت: روى الترمذي في "باب التشهد في سجدتي السهو" ص 52، وأبو داود في "باب سجدتي السهو، فيهما تشهد وتسليم" ص 156، وابن حزم في "المحلى" من طريق أبي داود: ص 170 ج 4، وابن جارود في "المنتقى" ص 129، كلهم عن محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن عبد الله الأنصاري، والحاكم في "المستدرك" ص 323 عن محمد بن إدريس الحنظلي عن الأنصاري، وأخرج البيهقي في "سننه" ص 354 ج 2، من طريق الحاكم عن الأشعث عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمران بن حصين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم، فنسى فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم، اهـ. سكت عنه أبو داود. وابن حزم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، على شرط الشيخين وأخرج مسلم الحديث عن إسماعيل بن إبراهيم. وعبد الوهاب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران ابن حصين، رفعه، وفيه: ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم، اهـ. وقد تقدم، وروى الطحاوي في ص 252 عن ربيع المؤذن عن يحيى بن حسان حدثنا وهيب حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، قال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا صلى أحدكم، فلم يدر، أثلاثاً صلى، أم أربعاً، فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب، فليتمه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتي السهو، ويتشهد ويسلم"، ورجاله ثقات، وأخرج أبو داود في "باب من قال: يتم على أكثر ظنه" ص 154، والدارقطني: ص 145، والبيهقي: ص 356 ج 2 عن أبي عبيدة عن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إذا كنت في صلاة، فشككت، في ثلاث أو أربع، وأكبر ظنك على أربع، تشهدت، ثم سجدت سجدتين، وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضاً، ثم تسلم"، اهـ. قال أبو داود: رواه عبد الواحد(2/171)
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَالْقُنُوتِ. وَالتَّشَهُّدِ. وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا مَرَّةً، قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ التَّرْكُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَدِيثُ نَهْيِهِ عليه السلام عَنْ الْبُتَيْراءِ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّمْهِيدِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ الْفَرَجِ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قِبْطِيَّةُ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ثَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْبُتَيْراءِ، أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَاحِدَةً، يُوتِرُ بِهَا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَهْمُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": لَيْسَ دُونَ الدَّرَاوَرْدِيِّ مَنْ يُغْمَضُ عَنْهُ، وَالْحَدِيثُ شَاذٌّ، لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْرَفْ عَدَالَةُ رُوَاتِهِ، وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْوَهْمُ، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: لَيْسَ دُونَ الدَّرَاوَرْدِيِّ مَنْ يُغْمَضُ عَنْهُ، فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ شَيْخَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، هُوَ: ابْنُ الْفَرَضِيِّ الْإِمَامُ الثِّقَةُ الْحَافِظُ، وَالْحَسَنُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَلَامَةَ البراري، أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ1، يُعْرَفُ، بِقِبْطِيَّةَ، قَالَ فِيهِ ابْنُ يُونُسَ: كَانَ ثِقَةً حَافِظًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَالْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَسَّرَ الْبُتَيْرَاءَ: أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ رَكْعَتَيْنِ يُتِمُّ إحْدَاهُمَا رُكُوعًا وَسُجُودًا، وَلَا يُتِمُّ الْأُخْرَى، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ الْحَكَمِ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ، مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ وِتْرِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، هَلْ تَعْرِفُ وِتْرَ النهار؟ قلت: نعم، هو الْمَغْرِبُ، قَالَ: صَدَقْت، وَوِتْرُ الليل واحدة، بذلك أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: هِيَ الْبُتَيْرَاءُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ، لَيْسَ تِلْكَ الْبُتَيْرَاءَ، إنَّمَا الْبُتَيْرَاءُ: أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ، يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَقِيَامَهَا، ثُمَّ يَقُومُ فِي الْأُخْرَى، وَلَا يُتِمُّ لَهَا رُكُوعًا وَلَا سُجُودًا وَلَا قِيَامًا، فَتِلْكَ الْبُتَيْرَاءُ، انْتَهَى. وَهَذَا إنْ صَحَّ، فَفِي حَدِيثِ النَّهْيِ مَا يَرُدُّ هَذَا، وَتَفْسِيرُ رَاوِي الْحَدِيثِ، يُقَدَّمُ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
__________
عن حصيف، ولم يرفعه، ووافق عبد الواحد أيضاً سفيان. وشريك. وإسرائيل، واختلفوا في الكلام في متن الحديث، ولم يسندوه، وروى الطحاوي: ص 256، وأحمد: ص 429 ج 1، والبيهقي: ص 345 ج 1 عن أبي عبيدة عن عبد الله، قال: السهو أن يقوم في قعود أو يقعد في قيام، أو يسلم في الركعتين، فإنه يسلم، ثم يسجد سجدتي السهو، ويسلم، اهـ. قلت: أبو عبيدة عن أبيه مرسل، والله أعلم.
1 إن كان هذا هو الذي في "التذكرة" ص 136 ج 2، فهو أبو علي الحسن بن سليمان البصري، المعروف "بقبطية" الحافظ.(2/172)
فِي الوتر عند الطَّحَاوِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ، ضَعِيفٌ، وَمُرْسَلٌ، وَلَمْ أَجِدْهُ1.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، أَنَّهُ كَمْ صَلَّى، فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ"،
قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ فِي الَّذِي لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، أَثَلَاثًا. أَوْ أَرْبَعًا، قَالَ: يُعِيدُ حَتَّى يَحْفَظَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: أَمَّا أَنَا إذَا لَمْ أَدْرِ كم، فَإِنِّي أُعِيدُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ. وَشُرَيْحٍ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَقَالَ عليه السلام: "مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ" الصَّوَابَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ"، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مُطْلَقًا، فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَيَأْخُذُ بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ3. وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْآتِيَيْنِ، وَعِنْدَنَا: إنْ كَانَ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَإِلَّا فَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَحُجَّتُنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا، رَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ4. وَالْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، دُونَ لَفْظِ: التَّحَرِّي، وَرَوَاهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، دُونَ لَفْظِ: التَّحَرِّي، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أو من دونه، فأدرج فِي الْحَدِيثِ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إنَّ مَنْصُورَ5 بْنَ الْمُعْتَمِرِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَثِقَاتِهِمْ، وَقَدْ رَوَى الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا، وَفِيهَا لَفْظُ: التَّحَرِّي، مُضَافًا إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَوَاهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ، كَمِسْعَرٍ. وَالثَّوْرِيِّ. وَشُعْبَةَ. وَوُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ. وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ. وَجَرِيرٍ. وَغَيْرِهِمْ6، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا خِلَافُ الْجَمَاعَةِ، قُلْنَا: عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّحَرِّيَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ. الثَّانِي: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، مَعْنَاهُ، فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَقَصَهُ، فَيُتِمَّهُ، فَيَكُونُ التَّحَرِّي أَنْ يُعِيدَ مَا شَكَّ فِيهِ، وَيَبْنِيَ عَلَى حَالٍ يَسْتَيْقِنُ فِيهَا، قَالَ: وهو عندي كلام عربي
__________
1 أي لم يعزه النووي إلى أحد من أرباب الأصول، ولم يجد الشيخ في كتاب حديث محمد بن كعب، والله أعلم.
2 في "باب التوجه إلى نحو القبلة" ص 58: ومسلم في "السهو" ص 211.
3 أخرجه مسلم في "باب السهو في الصلاة" ص 211، وقد تقدم، وكذا حديث عبد الرحمن تقدم تخريجه عن قريب.
4 حديث الحكم بن عتيبة، عند البخاري: ص 58، وحديث الأعمش، عند مسلم: ص 213، وحديث إبراهيم بن سويد، عند مسلم: ص 212.
5 قلت: تابع منصوراً أبو حصين على لفظ التحري، عند الطبراني.
6 كل هؤلاء، عند مسلم: ص 212.(2/173)
مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، إلَّا أَنَّ الْأَلْفَاظَ قَدْ تَخْتَلِفُ، لِسَعَةِ الْكَلَامِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي مَعْنَاهُ وَاحِدٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَقَالَ عليه السلام: "مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، أَثْلَاثًا صَلَّى، أَمْ أَرْبَعًا، بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، وَاحِدَةً صَلَّى، أَمْ ثِنْتَيْنِ، فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ، أَثْلَاثًا صَلَّى، أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: "إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، وَاحِدَةً صلى، أم ثنتان، فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ. وَالثَّلَاثِ، فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلَاثِ. وَالْأَرْبَعِ، فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ لِيُتِمّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، حَتَّى يَكُونَ الْوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ، ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَلَفْظُهُ": فَلَمْ يَدْرِ، أَثْلَاثًا صَلَّى، أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيُتِمَّ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ خَيْرٌ مِنْ النُّقْصَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَإِنَّ فِيهِ عَمَّارَ بْنَ مَطَرٍ الرَّهَاوِيَّ، وَقَدْ تَرَكُوهُ، انْتَهَى. وَعَمَّارٌ لَيْسَ فِي السُّنَنِ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، كَمْ صَلَّى، فَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، حَتَّى إذَا اسْتَيْقَنَ أَنْ قَدْ أَتَمَّ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ وِتْرًا، شَفَعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَفْعًا، كَانَ ذَلِكَ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ3 فِي "أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ" عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلَمْ يَدْرِ، كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَةً، يُحْسِنُ رُكُوعَهَا، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، مِنْ ذِكْرِ الرَّكْعَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 الترمذي في "باب فيمن يشك في الزيادة والنقصان" ص 53، وصححه، وابن ماجه: ص 86، وأحمد: ص 93 ج 1، والحاكم في "المستدرك" ص 325، وقال: على شرط مسلم، وقال الحافظ في "التلخيص" ص 113: هو معلول، ثم بين العلة فيه، وقال: فإنه من رواية ابن إسحاق عن مكحول عن كريب، وقد رواه أحمد في "مسنده" عن ابن علية عن ابن إسحاق عن مكحول مرسلاً، قال ابن إسحاق: فلقيت حسين بن عبد الله، فقال لي: هل أسنده لك؟ قلت: لا، فقال: ولكنه حدثني أن كريباً حدثه به، وحسين ضعيف جداً، اهـ.
2 ص 211.
3 ص 322.(2/174)
بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام، لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى الْجَنْبِ، تُومِئُ إيمَاءً،" قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا مُسْلِمًا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ"، زَادَ النَّسَائِيّ: فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَمُسْتَلْقِيًا، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، انْتَهَى. وَوَهِمَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، فَقَالَ، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ كَذَلِكَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ2 "عَقِيبَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ".
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِلَّا أَوْمِئْ بِرَأْسِكَ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ مَرِيضًا، فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ، فَأَخَذَهَا، فَرَمَى بِهَا، فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ، فَرَمَى بِهِ، وَقَالَ: صَلِّ عَلَى الْأَرْضِ إنْ اسْتَطَعْت، وَإِلَّا فَأَوْمِئْ إيمَاءً، وَاجْعَلْ سُجُودَك أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِك، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ إلَّا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي وِسَادَةٍ مَرْفُوعَةٍ إلَى جَبْهَتِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً عَلَى الْأَرْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، وَكَانَ ثِقَةً عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا مَا ذَكَرَ فِيهِ السَّمَاعَ، أَوْ كَانَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3، الْحَدِيثَ.
__________
1 أخرجه البخاري: ص 150: والحاكم في "المستدرك" ص 315، وأبو داود في "باب صلاة القاعد" ص 144، والترمذي في "باب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم" ص 49 ج 1، وابن ماجه في "باب صلاة المريض" ص 87)
2 ص 150 ج 1.
3 قلت: وفي "السنن الكبرى" ص 306 ج 2، وأعله أبو حاتم: ص 113 بالوقف، لكن الظاهر من كلامه أن أبا أسامة أيضاً تابع الثوري في الرفع، والله أعلم: وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 148 ج 1: ورجال البزار رجال الصحيح، اهـ. وقال في "الدراية" ص 127: رجاله ثقات، اهـ.(2/175)
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي شَبَابٌ، الْعُصْفُرِيُّ، ثَنَا سَهْلٌ أَبُو غِيَاثٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ1 عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ مَرِيضًا، فَذَكَرَهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط2" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّرَّاجُ ثَنَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا قُرَّانُ بْنُ تَمَّامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْجُدَ فَلْيَسْجُدْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَلَا يَرْفَعْ إلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ: وَلْيَكُنْ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَى قَفَاهُ، يُومِئُ إيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعُرَنِيِّ ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ، أَوْمَأَ، وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا، رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" بِالْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، وَقَالَ: كَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الشِّيعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ بِصَدُوقٍ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، قَالَ: وَحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَلَا يُشْبِهُ حَدِيثُهُ حَدِيثَ الثِّقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَقْلُوبَاتِ، وَيَأْتِي عَنْ الْأَثْبَاتِ بِالْمَرْوِيَّاتِ، انْتَهَى. وَحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ، هُوَ: ابْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُلْت لِأَبِي: مَا تَقُولُ فِيهِ؟ فَحَرَّكَ يَدَهُ وَقَلَّبَهَا "يَعْنِي تَعْرِفُ، وَتُنْكِرُ؟! "، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، إلَّا أَنِّي وَجَدْت فِي حَدِيثِهِ بَعْضَ النُّكْرَةِ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ،
__________
1 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 148: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه: حفص بن سليمان المنقري، وهو متروك، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه، والصحيح أنه ضعفه، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، اهـ. قال الحافظ في "التقريب": حفص بن سليمان المنقري ثقة، من السابعة، اهـ.
2 رواه البيهقي في "السنن" ص 306: عن مالك عن نافع عن ابن عمر موقوفاً، وقال: كذلك رواه جماعة عن نافع عن ابن عمر موقوفاً، ورواه عبد الله بن عامر الأسلمي عن نافع مرفوعاً، وليس بشيء، وقد روى من وجه آخر عن ابن عمر موقوفاً، اهـ. ثم ذكر الوجه الآخر، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 149 ج 2، وقد ذكره المرفوع: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله موثقون، وليس فيهم كلام يضر، والله أعلم، اهـ.(2/176)
مَادًّا رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُ، وَيَقُولُ: يُصَلِّي عَلَى جَنْبِهِ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ، وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَنَا.
قَوْلُهُ: ثُمَّ الزِّيَادَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ، عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ، هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. قُلْت: "يعني بالزيادة"، الزيادة عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ فِي الْإِغْمَاءِ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، وَأَفَاقَ نِصْفَ اللَّيْلِ فَقَضَاهُنَّ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ عَمَّارٍ، وَلَوْ ثَبَتَ، فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلَيْهِ إن رواية يَزِيدَ مَوْلَى عَمَّارٍ مَجْهُولٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيَّ، كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُضَعِّفُهُ. وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يَرَيَانِ بِهِ بَأْسًا، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ غَرِيبَةٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عن أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ شَهْرًا، فَلَمْ يَقْضِ مَا فَاتَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ، وَرَوَى إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ2 فِي "أَوَاخِرِ كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِ الله بن نَافِعٍ، قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَأَفَاقَ، فَلَمْ يَقْضِ مَا فَاتَهُ، وَاسْتَقْبَلَ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ "الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يُغْمَى عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، قَالَ: يَقْضِي، انْتَهَى. حَدِيثٌ احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ. وَمَالِكٌ عَلَى سُقُوطِ الصَّلَاةِ بِالْإِغْمَاءِ، قَلَّتْ، أَوْ كَثُرَتْ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَأَلَتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُغْمَى عَلَيْهِ، فَيَتْرُكَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: "لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ، إلَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ، فَيُفِيقُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِ"، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، قَالَ أَحْمَدُ، فِي الْحَكَمِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ: أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَا مَأْمُونٍ، وَكَذَّبَهُ الْجُوزَجَانِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ الْجُنَيْدِ. والدارقطني، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: تَرَكُوهُ، وَبَقِيَّةُ السَّنَدِ كُلِّهِ إلَى الْحَكَمِ مُظْلِمٌ، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: يَقْضِي مَا فاته من الصلاة، قَلَّتْ، أَوْ كَثُرَتْ، وَلَا تَسْقُطُ، وَتَوَسَّطَ أَصْحَابُنَا، فَقَالُوا: يَسْقُطُ مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، سِوَى مَا دُونَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 ص 195،ومن طريقه، البيهقي في "السنن" ص 388 ج 1، وسكت عنه، قال في "الجوهر": سكت عنه، وسنده ضعيف، اهـ.
2 روى الدارقطني في "سننه" ص 195، عن عبيد الله، نحوه.
3 ص 195، والبيهقي: ص 388، وضعف الحكم، والذي دونه، وهو أبو الحسين، قال: هو عبد الله ابن حسين بن عطاء بن يسار، ذكره البخاري في "التاريخ" وقال: فيه نظر(2/177)
بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ
قَوْلُهُ: وَالسَّجْدَةُ فِي "حم السَّجْدَةِ"، عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} فِي قَوْلِ عُمَرَ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ لِلِاحْتِيَاطِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ فِي آخِرِ الْآيَتَيْنِ مِنْ "حم السَّجْدَةِ"، عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} ، انْتَهَى. وَزَادَ فِي لَفْظٍ: وَأَنَّهُ رَأَى رَجُلًا سَجَدَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ عَجِلْتَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "وَالسَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا، وَعَلَى مَنْ تَلَاهَا"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا، انْتَهَى. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ1، وَقَالَ عُثْمَانُ: إنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ، انْتَهَى. وَهَذَا التَّعْلِيقُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُثْمَانَ مَرَّ بِقَاصٍّ، فَقَرَأَ سَجْدَةً، لِيَسْجُدَ مَعَهُ عُثْمَانُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ، ثُمَّ مَضَى، وَلَمْ يَسْجُدْ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أخرج مُسْلِمٌ فِي "الْإِيمَانِ2" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ، أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدَ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ، وَأَبَيْتُ، فَلِيَ النَّارُ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ وُجُوبِ السُّجُودِ، بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَسْجُدْ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ3"، وَبِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ4: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟، قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ، أَخْرَجَاهُ عَنْ طَلْحَةَ، نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ5 عَنْ الشَّافِعِيِّ.
الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ6" عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سَجْدَةً، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَنَزَلَ، فَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: "عَلَى رِسْلِكُمْ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا، إلَّا أَنْ نَشَاءَ"، فَلَمْ يَسْجُدْ وَمَنَعَهُمْ أَنْ
__________
1 في "أبواب سجود القرآن" ص 146.
2 في "باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة" ص 61.
3 البخاري في "أبواب سجود القرآن" ص 146، ومسلم في "باب سجود التلاوة" ص 215.
4 أخرجه البخاري في "الإيمان في باب الزكاة في الإسلام" ص 11، ومسلم في "باب بيان الصلوات التي هي أركان الاسلام" ص 30.
5 قلت: استدل به في "كتاب الأم" ص 119.
6 في "سجود القرآن" ص 71.(2/178)
يَسْجُدُوا، انْتَهَى. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1" بِسَنَدٍ آخَرَ، فَقَالَ فِي "بَابِ مَنْ لَمْ يَرَ السُّجُودَ وَاجِبًا": وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى إذَا جَاءَ "السَّجْدَةَ" نَزَلَ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَزَادَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ السُّجُودَ عَلَيْنَا، إلَّا أَنْ نَشَاءَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ، بِلَفْظِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، سَوَاءً، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا مُعَلَّقًا، فَلْيُرَاجَعْ2.
قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ، كَبَّرَ، وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ، وَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ، وَلَا سَلَامَ، هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قلت: غريب، وأخر ج أَبُو دَاوُد3 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِسَجْدَةٍ، كَبَّرَ، وَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا مَعَهُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ الْحَسَنِ. وَعَطَاءٍ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُسَلِّمُونَ فِي "السَّجْدَةِ"، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: إذَا قَرَأَ الرَّجُلُ "السَّجْدَةَ"، فَلْيُكَبِّرْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، وَإِذَا سَجَدَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: لَيْسَ فِي السُّجُودِ تَسْلِيمٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْحَجِّ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ ثَنَا مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ سَمِعْت عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟، قَالَ: "نَعَمْ، فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا، فَلَا يَقْرَأْهُمَا" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ نَكْتُبْهُ مُسْنَدًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ، إنَّمَا نُقِمَ عَلَيْهِ اخْتِلَاطُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، انْتَهَى.
__________
1 في "أبواب سجود القرآن" ص 146.
2 قلت: هذا الحديث أسنده البخاري في "باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود" ص 147 عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج، مثل حديث عبد الرزاق سنداً ومتناً، ولم أر التعليق الذي عزاه الشيخ إلى البخاري، سوى هذا المسند، فلعل في نسخة البخاري عند الشيخ سقطاً، والله أعلم.
3 في "باب الرجل يستمع السجدة، وهو راكب" ص 207.
4 ص 206، والترمذي: ص 75 ج 1، وأحمد: ص 155 ج 4، والحاكم في "المستدرك" ص 390 ج 2، و221 ج 1.(2/179)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْحَارِثِ عن سعيد العقبي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ: مِنْهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا، وَقَالَ: قَدْ احْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِأَكْثَرِ رُوَاتِهِ، وَلَيْسَ فِي عَدِّ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَتَمَّ مِنْهُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنَيْنٍ فِيهِ جَهَالَةٌ2، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنَيْنٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَذَلِكَ لِجَهَالَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ الْحَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ الْعُتَقِيِّ، وَهُوَ رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ لَا يَصِحُّ، قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ تَصْحِيفٌ فِي اسْمِهِ، وَفِي نَسَبِهِ، فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ منين، وَإِنَّمَا هُوَ: مُنَيْنٌ "بِنُونَيْنِ. وَمِيمٍ مَضْمُومَةٍ"، وَقَالَ فِيهِ: مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وصوابه من عبد بني كلالة3: هَكَذَا هُوَ فِي "كِتَابِ أَبِي دَاوُد وَتَارِيخِ الْبُخَارِيِّ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا4، وَلَا يَصِحُّ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ5" عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ السُّوَرِ بِسَجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ6 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ. وَابْنِ عُمَرَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَأَبِي مُوسَى. وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ.
أَحَادِيثُ السُّجُودِ فِي {ص} : احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ، بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7 عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي {ص} ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": انْفَرَدَ بِهِ حَفْصٌ، وَخَالَفَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَفْصٍ. وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
__________
(11) في "سجود القرآن" ص 206، وابن ماجه في "سجود القرآن" ص 75، والحاكم في "المستدرك" ص 223 ج 1.
2 قال في "الدراية" ص 128: عبد الله بن منين مجهول، اهـ.
3 قلت: قال أبو داود: عبد الله بن منين من بني عبد كلال، وكذا في ابن ماجه، وفي الدارقطني في "نسخة" بني عبد كلالة، فليراجع.
4 قال الحافظ في "الدراية": كأنه يشير إلى حديث عقبة، اهـ.
5 "باب ما جاء في سجود القرآن" ص 71.
6 في "المستدرك في تفسير الحج" ص 390 ج 2، قلت: والطحاوي عنهم أيضاً، سوى ابن مسعود. وابن عباس: ص 212.
7 ص 156، وقال الحافظ في "الدراية": رواته ثقات، اهـ.(2/180)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ1" أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمِيُّ2 ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ بن عَمْرِو بْنِ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي {ص} ، وَقَالَ: سَجَدَهَا نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُد تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا" انْتَهَى. أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ ذَرٍّ بِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3" عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: رَأَيْت رُؤْيَا، وَأَنَا أَكْتُبُ سُورَةَ {ص} فَلَمَّا بَلَغْت "السَّجْدَةَ"، رَأَيْت الدَّوَاةَ وَالْقَلَمَ، وَكُلَّ شَيْءٍ يَحْضُرُنِي، انْقَلَبَ سَاجِدًا، قَالَ: فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْجُدُهَا، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ"، اخْتِلَافًا.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلْقَائِلِينَ: بِأَنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ، لَا تِلَاوَةٍ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي {ص} ، قَالَ ابْنُ عباس: وليست مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَرَأَ {ص} ، فَلَمَّا مرّ بالسجود نزل، فَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا مَعَهُ، وَقَرَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ6 لِلسُّجُودِ، فَلَمَّا رَآنَا، قَالَ: "إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ، أَرَاكُمْ قَدْ اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ"، فَنَزَلَ، فَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ {ص} " وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ , وَلَمْ يُخْرِجَاهُ انْتَهَى. وَعِنْدِي أَنَّهُمَا حُجَّةٌ لَنَا , قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " الْخُلَاصَةِ ": سَنَدُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ , قَالَ: وَتَشَزَّنَا "مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقٍ، ثُمَّ شِينٌ مُعْجَمَةٌ، ثُمَّ زَايٌ مُشَدَّدَةٌ، بَعْدَهَا نُونٌ" تَهَيَّأْنَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ السُّجُودِ فِي "الِانْشِقَاقِ": أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ7 عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
__________
1 في "سجود القرآن" ص 152، قال الحافظ في "الدراية" ص 128: رواته ثقات، اهـ.
2 في نسخة "القسمي")
3 ص 84 ج 3، وص 78 ج 3، وأخرجه البيهقي في "سننه" ص 320 ج 2، وفيه: فأخبرته، فأمر بالسجود فيها، قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، اهـ. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ص 42 ج 2، وقال الذهبي في "تلخيصه": على شرط مسلم.
4 في "سجود القرآن" ص 146.
5 في "أبواب السجود" ص 207، وأخرجه الحاكم في "تفسير {ص} " ص 432 ج 2، وفي "كتاب الجمعة" ص 214 ج 1، وصححه، والدارمي في "السجود" ص 179، والدارقطني: ص 156، والبيهقي: ص 318 ج 2.
6 في نسخة ك "تشزنا".
7 البخاري: ص 146، ومسلم: ص 215 ج 1، والنسائي: ص 152، وأبو داود: ص 206، وابن ماجه: ص 75: "وموطأ مالك" ص 71.(2/181)
قَرَأَ {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ، فَقُلْت: مَا هَذِهِ السَّجْدَةُ؟! قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُهَا، لَمْ أَسْجُدْ، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ، وَأَخْرَجُوا إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْهُ أَيْضًا، قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} {واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"، مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ لَهُمْ {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ فِي تَرْكِ السُّجُودِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ الْمَهْدِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَجَدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى عشر سَجْدَةً، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ "الْأَعْرَافَ وَالرَّعْدَ وَالنَّحْلَ وَبَنِي إسْرَائِيلَ وَمَرْيَمَ وَالْحَجَّ وَالْفُرْقَانَ وَالنَّمْلَ وَالسَّجْدَةَ وص وحم * السَّجْدَةَ"، انْتَهَى. وَعُثْمَانُ بْنُ فَائِدٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَوَهَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ": وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً، وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ، مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": إسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَيُرْوَى مُرْسَلًا، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَجَدَ فِي {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، وَإِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرٌ، قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَأَبُو قُدَامَةَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ رَآهُ يَسْجُدُ فِي {الِانْشِقَاقِ - وَالْقَلَمِ} ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ: وَأَبُو قُدَامَةَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حَنْبَلٍ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَدُوقٌ، وَعِنْدَهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ: كَانَ شَيْخًا صَالِحًا، وَكَثُرَ وَهْمُهُ، وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ كَانَ سيء الْحِفْظِ، حَتَّى كَانَ يُشَبَّهُ فِي سُوءِ الْحِفْظِ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَدْ عِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ إخْرَاجُ حَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ3" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي "الْمُفَصَّلِ" سَجْدَةٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ، قَالَا: لَيْسَ فِي "الْمُفَصَّلِ" سَجْدَةٌ، انْتَهَى.
__________
(25) ص 75، قال الحافظ في "الدراية": قال أبو داود: إسناده واحد، اهـ.
2 في "السجود" ص 246.
3 قال الحافظ: إسناده صحيح.(2/182)
بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "يَمْسَحُ الْمُقِيمُ كَمَالَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ، قَوْلُهُ: عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ1 أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ رَأَى خُصًّا، فَقَالَ: لَوْلَا هَذَا الْخُصُّ لَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْت: وَمَا الْخُصُّ؟ قَالَ: بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا2 أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وِقَاءَ بْنِ إيَاسٍ3 الْأَسَدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ، وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى الْكُوفَةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى الْقَرْيَةِ، فَقُلْنَا لَهُ: أَلَا تُصَلِّي أَرْبَعًا؟ قَالَ: لَا، حَتَّى نَدْخُلَهَا، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّحِيحِ4" تَعْلِيقًا مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، فَقَالَ: وَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَقَصَرَ، وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْكُوفَةُ، قَالَ: لَا، حَتَّى نَدْخُلَهَا، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا5 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بُيُوتِ الْمَدِينَةِ، وَيَقْصُرُ إذَا رَجَعَ حَتَّى يَدْخُلَهَا، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ، فِي بَلْدَةٍ، أَوْ قَرْيَةٍ خَمْسَةَ يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، قَصَرَ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمَا6، قَالَا: إذَا قَدِمْتَ بَلْدَةً، وَأَنْتَ مُسَافِرٌ، وَفِي نَفْسِك أَنْ تُقِيمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَكْمِلْ الصَّلَاةَ بِهَا، وَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ، فَاقْصِرْهَا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا عَمْرُو بْنُ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ إذَا أَجْمَعَ عَلَى إقَامَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَتَمَّ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي
__________
(1) في نسخة: "عن".
2 قلت: والبيهقي: ص 146 ج 3.
3 وقاء ابن إياس "بكسر الواو، بعدها قاف، بعدها مدة" كذا في "فتح الباري" ص 469 ج 2.
4 البخاري في "باب يقصر إذا خرج من موضعه" ص 148.
5 أي عبد الرزاق، وأحمد في "مسنده" ص 45 ج 2، وص 99 ج 2، وص 124 ج 2.
6 كذا قال الحافظ في "الدراية" والعيني في "البناية". وابن الهمام في "الفتح" وإني لم أجد هذا الأثر في "شرحه" في مظانه، والله أعلم، وعزا الترمذي إلى ابن عمر، أنه قال: من أقام خمسة عشر يوماً أتم الصلاة.(2/183)
"كِتَابِ الْآثَارِ1" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذا كنت مسافر فَوَطَّنْتَ نَفْسَكَ عَلَى إقَامَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَتْمِمْ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي، فَاقْصِرْ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَقَدَّرَهَا الشَّافِعِيُّ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ نَوَاهَا صَارَ مُقِيمًا، وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ أَنَسٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ. قُلْت: كَمْ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ2، وَلَا يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَزَمُوا عَلَى السَّفَرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. أَوْ الثَّالِثِ، وَاسْتَمَرَّ بِهِمْ ذَلِكَ إلَى عَشْرٍ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ نَوَوْا الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَجْلِ قَضَاءِ النُّسُكِ، نَعَمْ كَانَ يَسْتَقِيمُ هَذَا لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ فِي قَضِيَّةِ الْفَتْحِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3، وَكَانَ فِي الْفَتْحِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، أَقَامَ بِمَكَّةَ4 عَامَ الْفَتْحِ. وَالْآخَرُ: حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ، وَكَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ5، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": حَدِيثُ أَنَسٍ يُخْبِرُ عَنْ مُدَّةِ مُقَامِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْأَحَدِ، وَبَاتَ بِالْمُحَصَّبِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَعْمَرَتْ عَائِشَةُ مِنْ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ طَافَ عليه السلام طَوَافَ الْوَدَاعِ، سَحَرًا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَخَرَجَ صَبِيحَتَهُ، وَهُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَغَيْرُهُ، فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ مُدَّةِ مُقَامِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ زَمَنِ الْفَتْحِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد. وَالْبَيْهَقِيِّ6 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَإِسْنَادُهَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ7 لَهُمَا مُرْسَلَةٍ ضَعِيفَةٍ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ8 لَهُمَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِيَ
__________
1 "كتاب الآثار باب الصلاة في السفر".ص34.
2 البخاري في "المغازي في باب مقام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة زمن الفتح" ص 615، وفي "التقصير" ص 147، ومسلم في "صلاة المسافرين" ص 243 ج 1، وفي رواية له "إلى الحج" وأبو داود في "باب متى يتم المسافر" ص 180 ج 1، والنسائي في "كتاب التقصير" ص 211، وص 212، والترمذي: ص 71، وابن ماجه: ص 76.
3 البخاري في "المغازي" ص 615، وفي "التقصير" ص 147، وابن ماجه في "باب كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة" ص 76، والبيهقي: ص 150 ج 3، وفيه التصريح بزمن الفتح.
4 هو عند أحمد في: ص 315 ج 1.
5 وهو صريح في بعض الطرق، عند مسلم.
6 أبو داود في "باب متى يتم المسافر" ص 180، والبيهقي: ص 151 ج 3 من طريق أبي داود. وأحمد: ص 315، وفيه أقام بمكة عام الفتح.
7 أبو داود: ص 180، والبيهقي: ص 151 ج 3، والنسائي: ص 212، وابن ماجه: ص 76، والطحاوي: ص 242، كلهم مسنداً.
8 أبو داود: ص 181، والبيهقي: ص 151 ج 3.(2/184)
أَيْضًا ضَعِيفَةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ: بِأَنَّ مَنْ رَوَى تِسْعَةَ عَشَرَ، عَدَّ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَمَنْ رَوَى سَبْعَةَ عَشَرَ، تَرَكَهُمَا، وَمَنْ رَوَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، عَدَّ أَحَدَهُمَا، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرَ، وَكَانَ يَقْصُرُ"، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، قُلْت: رواه عن عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ1" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: اُرْتُجَّ عَلَيْنَا الثَّلْجُ، وَنَحْنُ بآذربيجان ستة أشهر من غَزَاةٍ، وَكُنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا سَنَدٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ2 أَيْضًا، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، بِبَعْضِ بِلَادِ فَارِسٍ، سَنَتَيْنِ، فَكَانَ لَا يَجْمَعُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ، نَحْوَهُ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَقَامَ بِالشَّامِّ شَهْرَيْنِ مَعَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3، قَالَ النَّوَوِيُّ: وفي مسنده عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ".
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ4" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْمُثْنَى5 بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّا نُطِيلُ الْقِيَامَ بِخُرَاسَانَ، فَكَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ أَقَمْت عَشَرَ سِنِينَ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ6" أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكُنَّا نُصَلِّي أَرْبَعًا، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ7 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامُوا بِرَامَهُرْمُزَ
__________
(15) وفي "السنن" ص 152 ج 3، قال الحافظ في "الدراية": إسناده صحيح، وأحمد في "مسنده" ص 83 ج 2، نحوه.
2 والبيهقي: ص 152 ج 3.
3 البيهقي في "الكبرى" ص 152 ج 3.
4 قلت: على إسناد الصحيح.
5 المثنى بن سعيد عن أبي جمرة، نصر بن عمران، كذا في "البناية" ص 968، وهو الصحيح.
6 وأخرج الطحاوي: ص 244، بمعناه مطوّلاً.
7 البيهقي في "السنن" ص 152 ج 3.(2/185)
تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ1، وَفِيهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، مُسْنَدَةٌ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا، يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: غَيْرُ مَعْمَرٍ لَا يُسْنِدُهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ مَعْمَرٌ بِرِوَايَتِهِ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ. وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، لَا يَقْدَحُ فِيهِ تَفَرُّدُ مَعْمَرٍ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ حَافِظٌ، فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ3" أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ4" عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، فَنَحْنُ إذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: سَبْعَ عَشْرَةَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تِسْعَ عَشْرَةَ. وَسَبْعَ عَشْرَةَ، وَأَصَحُّهَا عِنْدِي5: تِسْعَ عَشْرَةَ، وَهِيَ الَّتِي أَوْدَعَهَا الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، فَأُخِذَ مَنْ رَوَاهَا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَهُوَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَاهُ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ6": وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، فَمَنْ رَوَى تِسْعَ عَشْرَةَ، عَدَّ يَوْمَ الدُّخُولِ، وَيَوْمَ الْخُرُوجِ، وَمَنْ رَوَى سَبْعَ عَشْرَةَ، لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَمَنْ رَوَى ثَمَانِ عَشْرَةَ، عَدَّ أَحَدَهُمَا، قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ7 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 قال الحافظ في "الدراية": صحيح.
2 أبو داود في "باب إذا أقام بأرض العدو يقصر" ص 181، والبيهقي في "السنن" ص 152 ج 3، وقال: تفرد معمر، الخ، ولحديث جابر شاهد من حديث أنس، عند الطبراني في "الأوسط" ذكره في "الزوائد" ص 158 ج 2، لكن فيه متروك.
3 والبيهقي في "سننه" ص 152.
4 البخاري في "أبواب التقصير" ص 147، وفي "المغازي" ص 615، وأبو داود في: ص 180 ج 1، بلفظ: سبع عشرة.
5 أصحها عندي إلى قوله: انتهى، من كلام البيهقي في "سننه" ص 151 ج 3 أيضاً، لعل في العبارة سقطاً، فليراجع النسخة الصحيحة، فليكن "قال البيهقي في السنن".
6 قلت: وفي "السنن" ص 151 ج 3 أيضاً، إلى قوله: من روى ثمان عشرة، عد أحدهما.
7 حديث محمد بن إسحاق تقدم عن قريب، وذكرت هنا من أخرجه مسنداً.(2/186)
أَقَامَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، فَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حِينَ صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُسَافِرٌ: "أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، يَقُولُ: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ، صَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ. وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَلَفْظُ الطَّيَالِسِيِّ: قَالَ: مَا سَافَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا قَطُّ، إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَرْجِعَ، وَشَهِدْت مَعَهُ حنين، وَالطَّائِفَ، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، حَجَجْت مَعَهُ، وَاعْتَمَرْت، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ حَجَجْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَاعْتَمَرْت، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، ثُمَّ حَجَجْت مَعَ عُثْمَانَ، وَاعْتَمَرْت، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ، انْتَهَى. وزاد فيه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: وَشَهِدْت مَعَهُ الْفَتْحَ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ فِيهِ: وَحَجَجْت مَعَ عُثْمَانَ سَبْعَ سِنِينَ، مِنْ إمَارَتِهِ، فَكَانَ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّاهَا بِمِنًى أَرْبَعًا، انْتَهَى.
أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ2" عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ الظُّهْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَصْحَابَهُ رضوان الله عليهم كَانُوا يُسَافِرُونَ، وَيَعُودُونَ إلَى أَوْطَانِهِمْ، مُقِيمِينَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ جَدِيدٍ3، قُلْت: لَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا
__________
1 أبو داود في "باب متى يتم المسافر: ص 180، والترمذي في "باب التقصير في السفر" ص 71، لكن بغير هذا السياق، كأنه اختصر من سياق الطيالسي، وأخرجه الطيالسي: ص 115، والطحاوي: ص 242، وأحمد في "مسنده" ص 430 ج 4، وص 431 ج 4، وص 432 ج 4، وص 440 ج 4، والبيهقي: ص 135 ج 3، وص 153 ج 3، وتعلق بعضهم بعلي بن زيد بن جدعان.
2 "الموطأ في باب المسافر إذا كان إماماً، أو وراء إمام" ص 52.
3 أخرجه الطحاوي: ص 242 عن أبي عباس، فقال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من عند أهله، لم يصل الا ركعتين حتى يرجع إليهم، اهـ وأحمد: ص 45 ج 2 عن ابن عمر أيضاً، وتقدم في: ص 308، وأخرج البيهقي عنه: ص 156 ج 3 موقوفاً، إذا أتيت أهلك، أو ماشيتك، فأتم الصلاة، اهـ.(2/187)
وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا دَخَلَ مِصْرَهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ، قُلْت: يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَنَسٍ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ، قِيلَ: كَمْ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ عليه السلام أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: غَزَوْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْت الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، يَقُولُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ، صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ بِمَكَّةَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، فَأَتَاهُ بِلَالٌ بِوُضُوئِهِ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَتَوَضَّأَ، وَأَذَّنَ بِلَالٌ، فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فاه، ههنا وههنا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: "حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ"، قَالَ: ثُمَّ أُرْكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ، لَا يَمْنَعُ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ، أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ2" عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ. وَمَعَ عُمَرَ، كُلُّهُمْ صَلَّى حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ، إلَى أَنْ رَجَعَ إلَيْهَا، رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسِيرِ، وَفِي الْمُقَامِ بِمَكَّةَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْقَصْرِ، رُخْصَةٌ، أَوْ عَزِيمَةٌ: اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ عَزِيمَةٌ، بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ3"، وَفِي لَفْظٍ: قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ، فَأَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى، انْتَهَى. زَادَ فِي لَفْظٍ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْت لِعُرْوَةِ: فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ؟، قَالَ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَتْ: فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، فَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأَوَّلِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ بَعْدَ الْمَنَاقِبِ، فِي "بَابِ مِنْ أَيْنَ
__________
1 حديث أبي جحيفة هذا أخرجه مسلم في "باب سترة المصلي" ص 196، وأما البخاري، فأخرجه في اثني عشر موضعاً، ولم أجد في شيء منها ما يتعلق بغرض المخرج، والله أعلم.
2 وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 156 ج 2: رواه أبو يعلى. والطبراني في "الأوسط" ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.
3 أخرجه البخاري في "أول كتاب الصلاة" ص 51، وفي "التقصير في باب القصر إذا خرج من موضعه" ص 148، وقبل "المغازي في باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه" ص 560، وأخرجه مسلم في "كتاب المسافرين" ص 341 ج 1(2/188)
أَرَّخُوا التَّارِيخَ"، وَهَذَا الرِّوَايَةُ تَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ زِيَادَةَ الصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ1، انْتَهَى. وَأَجَابَ الْخَصْمُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ لَا رِوَايَةٌ، وَبِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْمَفْرُوضِ الْأَوَّلِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، بِلَفْظِ: افْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، كَمَا افْتَرَضَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ3. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ، قَالَ: صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَلَمْ يَقْدَحْهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ اعْتَرَضَهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ4" بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، فَقَالَ: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَوَّى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، بِأَنَّ ابْنَ مَاجَهْ أَخْرَجَهُ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مُسْلِمًا حَكَمَ فِي "مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ" بِسَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ عُمَرَ، فَقَالَ: وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَقَدْ حَفِظَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ5 مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ
__________
1 قلت: قد تقدم في "المواقيت" ص 223 حديث أبي مسعود، وفي: ص 225، حديث أنس، فيهما أربع ركعات: الظهر. والعصر. والعشاء، قبل الهجرة.
2 في "كتاب المسافرين" 241، والنسائي في "باب كيف فرضت الصلاة" ص 79، وأحمد في "مسنده" ص 355 ج 1.
3 في "باب عدد صلاة العيد" ص 232، والطحاوي: ص 245، وابن ماجه في "باب تقصير الصلاة في السفر" ص 76، وأحمد: ص 37 ج 1، والطيالسي: ص 20 ج 10.
4هذا الحديث رواه النسائي في "الجمعة في باب عدد صلاة الجمعة أيضاً" ص 209، وفي آخره، قال: أبو عبد الرحمن بن أبي ليلى، لم يسمع من عمر، اهـ.
5 قلت: يؤيده أيضاً ما عند الطحاوي: ص 209، صلى بنا عمر، وفي: ص 245 خطبنا عمر، ولكن للتأويل فيها مجال، وأصرح منه ما رواه الدارقطني في "سننه" ص 232، أبو بكر النيسابوري حدثنا محمد بن علي الوراق حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن عبد الأعلى عن ابن أبي ليلى، قال: كنت عند عمر، فأتاه راكب، فزعم أنه رأى الهلال، الحديث، ورواه ابن سعد في "طبقاته" ص 75 ج 6، عن مالك بن إسماعيل عن إسرائيل به، قال: كنت جالساً عند عمر، الحديث، وراجع "مسند أحمد" ص 32 ج 1 أيضاً، ورواه البيهقي في "سننه" ص 248 ج 4 عن ورقاء عن عبد الأعلى عن عبد الرحمن، قال كنت، الحديث، وأما الزيادة التي رواها ابن ماجه. والبيهقي في "السنن" ص 199 ج 3 فهي من رواية محمد بن بشر عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، وروى الحديث الثوري. ومحمد بن طلحة بن مصرف. وشريك عن زبيد، ولم يذكروا كعباً، وسأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، وقال: قال أبي: الثوري أحفظ، ذكره في "العلل" ص 138 ج 1، والله أعلم.(2/189)
فِي "مسنده" عن الحنين بْنِ وَاقِدٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَهُ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى مَكَّةَ، فَاسْتَقْبَلَنَا أَمِيرُ مَكَّةَ، الْحَدِيثَ، بَلْ صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانَا، وَنَحْنُ ضُلَّالٌ، فَعَلَّمَنَا، فَكَانَ فِيمَا عَلَّمَنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، انْتَهَى. قَالَ فِي "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": هَكَذَا عَزَاهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى" لِلنَّسَائِيِّ، ولم أجد فِيهِ فِي "قَصْرِ الصَّلَاةِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَدِينِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُتِمُّ لِلصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، كَالْمُقْصِرِ فِي الْحَضَرِ"، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِأَنَّ بَقِيَّةَ مُدَلِّسٌ، وَشَيْخُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُفْلِسِ، وَكَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُفْلِسِ هَذَا، بِآخَرَ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ بْنِ المفلس الخماني، وَهُوَ كَذَّابٌ وَضَّاعٌ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ في رواته مجهول، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ. وَأَحْمَدُ. وَمَالِكٌ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْت لعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": فَاقْبَلُوا رُخْصَتَهُ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
1 حديث آخر، أخرجه الطحاوي: ص 194 عن علي يقول: فرض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع صلوات: صلاة الحضر، أربع ركعات. وصلاة السفر ركعتين. وصلاة الكسوف ركعتين. وصلاة المناسك ركعتين، اه، وفي إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف.
2 في "باب صلاة المسافر" ص 241 ج 1، وأبو داود في "باب صلاة المسافر" ص 177 ج 1، والنسائي في "التقصير" ص 211، وابن ماجه: ص 76، والترمذي في "تفسير النساء" ص 128 ج 2، وأحمد: ص 25 ج 1، وص 36 ج 1.
3 أبو داود في "الصيام في باب اختيار الفطر" ص 334، والترمذي في "الصوم في باب الرخصة في الافطار للحبلى" ص 89، والنسائي في "باب ذكر وضع الصيام عن المسافر" ص 316 ج 1، وابن ماجه في "باب الافطار للحامل والمرضع" ص 121، والطحاوي: ص 246، وأحمد: ص 347 ج 4.(2/190)
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ يَتَغَدَّى، فقال: "أدن، فكلْ، فَقُلْتُ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: إذَنْ أُخْبِرْك عَنْ الصَّوْمِ، إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ، وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحَامِلِ. وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ"، فيالهف نَفْسِي أَنْ لَا أَكُونَ طَعِمْتُ مِنْ طَعَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا يُعْرَفُ لِأَنَسٍ هَذَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ الْعَلَاءِ بْن زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، حَتَّى إذَا قَدِمَتْ مَكَّةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي، أَنْتَ وَأَمِّي قَصَرْتَ، وَأَتْمَمْتُ، وَأَفْطَرْتَ، وَصُمْتُ، قَالَ: "أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ"، وَمَا عَابَ عَلَيَّ، انْتَهَى. وَالْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثقات مالا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، كَذَا قَالَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ" أَيْضًا، فَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ عَائِشَةَ بِهِ، وَلَفْظُهُمَا، قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ، فَأَفْطَرَ، وَصُمْتُ، وَقَصَرَ، وَأَتْمَمْتُ، فَقُلْت: بِأَبِي وَأَمِّي أَنْتَ، الْحَدِيثَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَذَكَرَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" أَنَّ هَذَا الْمَتْنَ مُنْكَرٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي رَمَضَانَ قَطُّ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ4 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلُّهُنَّ
__________
1 في باب المقام الذي يقصر بمثله" ص 213، والبيهقي: ص 142 ج 3، وقال ابن القيم في "الهدى" ص 130: ناقلاً عن شيخه ابن تيمية: هذا الحديث كذب على عائشة، ولم تكن عائشة تصلي بخلاف صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسائر الصحابة، وهي تشاهدهم يقصرون، وتتم هي وحدها بلا موجب، وكيف: وهي القائلة: فرضت الصلاة ركعتين، فزيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر، فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله، وتخالف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأصحابه؟!، قال الزهري لعروة لما حدثه عن أبيه عنها بذلك: فما شأنها كانت تتم الصلاة؟ فقال: تأولت كما تأول عثمان، فإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حسن فعلها، وأقرها عليه، فما للتأويل وجه، ولا يصح أن يضاف إتمامها إلى التأويل، مع هذا التقدير، اهـ، قلت: قد تكلم الحافظ ابن تيمية على هذا الحديث في "فتاواه" ص 409 ج 2، وقال ابن قيم في "الهدى" ص 170: هذا الحديث غلط، فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعتمر في رمضان قط، وعمره مضبوطة العدد. والزمان، ونحن نقول: يرحم الله أم المؤمنين، ما اعتمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان قط، وقد قالت عائشة: لم يعتمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا في ذي القعدة، رواه ابن ماجه. وغيره، اهـ.
2 ص 242، والبيهقي: ص 142 ج 3.
3 قال البيهقي: من قال: عن أبيه في هذا الحديث، فقد أخطأ، اهـ.
4 البخاري في "باب كم اعتمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 239، ومسلم في "باب بيان عدد عمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 409.(2/191)
فِي ذِي الْقِعْدَةِ، إلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": فِي هَذَا الْحَدِيثِ إشْكَالٌ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَدْرَكَ عَائِشَةَ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُرَاهِقٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي الصوم، وَيُتِمُّ، وَيُفْطِرُ، وَيَصُومُ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ. وَدَلَّهُمْ بْنِ صَالِحٍ. وَالْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ، وَثَلَاثَتُهُمْ ضُعَفَاءُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ، فَقُلْت لَهَا: لَوْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَتْ: يَا ابْنُ أَخِي إنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ يُعَارَضُ هَذَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ فِي آخَرِ الْأَمْرِ، كَمَا أَخْرَجَاهُ3 مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ سَالِمٍ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ بِمِنًى: وَغَيْرُهُ رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ رَكْعَتَيْنِ، صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْجَمْعِ بَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ4 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا5، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ،
__________
1 الدارقطني: ص 242، والبيهقي: ص 141 ج 3، والطحاوي: ص 241 عن مغيرة بن زياد عن عطاء.
2 البخاري في "باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلوات وقبلها" ص 149، ومسلم في "صلاة المسافرين" ص 242، واللفظ له، وفي رواية له عن ابن عمر أنه قال: وعثمان له ثمان سنين، أو ست سنين.
3 البخاري في "التقصير في باب الصلاة بمنى" ص 147، ومسلم: ص 243 من رواية نافع، ومسلم من رواية سالم أيضاً، والبخاري: ص 225 من رواية عبيد الله عن أبيه، وكذا مسلم.
4 البخاري في "التقصير في باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس" 150، ومسلم في "باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر" ص 245.
5 قوله: لهما "أي البخاري. ومسلم" وإني لم أجد هذه الألفاظ إلا في مسلم فقط، فلينظر، والله أعلم.(2/192)
حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يجمع بنيهما، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَعْجَلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ إذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، انْتَهَى. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْت سَعِيدًا لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: رِوَايَةُ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، رَوَاهَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَجُمْهُورُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ، وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، قَالَ: قُلْت: فَمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِأَصْحَابِنَا: أَسْنَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَنَا فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَنَشُ بْنُ قَيْسٍ ثِقَةٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": لَمْ يُتَابَعْ الْحَاكِمُ عَلَى تَوْثِيقِهِ، فَقَدْ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيُّ. والدارقطني، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ5: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِحَنَشٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" وَقَالَ: حَنَشُ بْنُ قَيْسٍ
__________
1 في "باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر" ص 246.
2 ص 167 ج 3.
3 مسلم: ص 246 ج 1.
4 الترمذي في "باب الجمع بين الصلاتين" ص 26، والحاكم في "المستدرك" ص 275، والبيهقي ص 169 ج 3، والدارقطني: ص 152، وقال: حنش هذا، أبو علي الرحبي متروك، اهـ. وقال الذهبي في "مختصره" قلت: بل ضعفوه، اهـ.
5 ص 169 ج 3.(2/193)
الرَّحَبِيُّ، أَبُو عَلِيٍّ، وَلَقَبُهُ: "حَنَشٌ"، كَذَّبَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ، وَتَرَكَهُ ابْنُ مَعِينٍ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، انْتَهَى. قَالَ: وَأَبُو الْعَالِيَةِ لَمْ يَسْمَعْ1 مِنْ عُمَرَ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عَامِلٍ لَهُ: ثَلَاثٌ مِنْ الْكَبَائِرِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ. وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ. وَالنُّهْبَى، قَالَ: وَأَبُو قَتَادَةَ أَدْرَكَ عُمَرَ، فَإِذَا انْضَمَّ هَذَا إلَى الْأَوَّلِ صَارَ قَوِيًّا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعُذْرُ يَكُونُ بِالسَّفَرِ. وَالْمَطَرِ، وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ2" الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، لَا أَنَّهُ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَوَّى ذَلِكَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا، إلَّا بِجَمْعٍ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، بِجَمْعٍ، وَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ وَقْتِهَا، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ4أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقِظَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ، حَتَّى يَدْخُلَ وقت صلاة أخرى"، أخرجه مُسْلِمٌ، قَالَ: وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ،، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إلَى ذَلِكَ؟، قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَّا، وَلَا مِنْهُمْ، بِجَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ، قَالَ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْأُولَى، وَتَعْجِيلِ الْأُخْرَى، قَالَ: وَأَمَّا عَرَفَةُ، وَجَمْعٌ فَهُمَا مَخْصُوصَانِ بِهَذَا الْحُكْمِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 أبو العالية، أسلم بعد موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، ودخل على أبي بكر، وصلى خلف عمر، وإن مسلماً حكى الاجماع على أنه يكفي لاتصال السند المعنعن كون الشخصين في عصر واحد، وكذا الكلام في رواية أبي قتادة عن عمر، فإنه أدركه، كذا في "الجوهر النقي".
2 ص 96.
3 البخاري في "الحج في باب متى يصلي الفجر بجمع" ص 228، ومسلم فيه في "باب استحباب زيادة التغليس لصلاة الصبح يوم النحر" ص 417، والطحاوي: ص 97، وأبو داود في "الحج _في باب الصلاة بجمع" ص 274، واللفظ له.
4 أخرجه مسلم في "باب قضاء الصلاة الفائتة" ص 239، في حديث طويل، والطحاوي: ص 98.(2/194)
بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا فِطْرَ، وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ"،قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا وَجَدْنَاهُ موقوفاً على عليّ، رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ1" حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ، وَلَا أَضْحَى، إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، أَوْ مَدِينَةٍ عَظِيمَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ2 أَيْضًا، أنبأنا الثوري عن زبيد الأيامي بِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا تَشْرِيقَ، وَلَا جُمُعَةَ، إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ شُعْبَةَ عن زبيد الأيامي بِهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زُبَيْدٍ بِهِ: وَهَذَا إنَّمَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا، فَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يُرْوَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ، فَصَلِّ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ"،قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ4" عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِيدَانَ6 "بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ" السُّلَمِيُّ، قَالَ: شَهِدَتْ الْجُمُعَةَ، مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَكَانَتْ خُطْبَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَذَكَرَ عَنْ عُمَرَ. وَعُثْمَانَ نَحْوَهُ، قَالَ: فما رأيت أحد عَابَ ذَلِكَ، وَلَا أَنْكَرَهُ،
__________
1 قال الحافظ في "الدراية": إسناده ضعيف، قلت: الحارث متكلم فيه.
2 قال الحافظ في "الدراية": إسناده صحيح.
3 البيهقي في "السنن" ص 179 ج 3 عن الثوري، وأخرجه الطحاوي في "المشكل" ص 54 ج 2، قال: حدثنا إبراهيم حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن زبيد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي، قال: لا جمعة، ولا تشريق إلا في مصر جامع، اهـ. ورواه عن إبراهيم بن مرزوق حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن زبيد اليامي، سمعت سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي، قال: لا جمعة، ولا تشريق إلا في مصر من الأمصار، اهـ وقال ابن حزم في "المحلى" ص 53 ج 5: فقد صح عن علي رضي الله عنه، لا جمعة، ولا تشريق إلا في مصر جامع، اهـ
4 في "باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس" ص 123، وفي "الأوسط للطبراني" من حديث جابر، كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا زالت الشمس صلى الجمعة، وإسناده حسن "تلخيص" ص 134.
5 في "كتاب الجمعة" ص 283.
6 "سيدان" كذا في الأصل، وقيل: سندان "بالنون بعد السين".(2/195)
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ ابْنِ سِيدَانَ1.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ بِدُونِ الْخُطْبَةِ، قُلْت: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" عَلَى وُجُوبِ الْخُطْبَةِ بِهَذَا، مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي".
قَوْلُهُ: وَهِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ: بِهِ، وَرَدَتْ السُّنَّةُ "يَعْنِي الْخُطْبَةَ،"،قُلْت: يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ3، قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ، وَكَثُرَ النَّاسُ أَمَرَ بِالْأَذَانِ الثَّانِي عَلَى الزَّوْرَاءِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَذَانَ لَا يَكُونُ إلَّا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْأَذَانُ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلْخُطْبَةِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ، وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ4، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَسَمِعْت أَبَاك يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيَانِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، سَمِعْته يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ"، قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: "يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَرِ"، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ، بِهِ جَرَى التَّوَارُثُ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ5 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ، ثُمَّ يَقُومُ، كَمَا يَفْعَلُونَ الْآنَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ6 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ، فَيَخْطُب قَائِمًا، فَمَنْ حَدَّثَك أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا، فَقَدْ كَذَبَ، وَقَدْ، وَاَللَّهِ صَلَّيْت مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ صَلَاةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد7 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ،
__________
1 قال الحافظ في "الفتح" ص 321 ج 2: وذكر حديث عبد الله. ورواته ثقات، إلا عبد الله ابن سيدان، وهو "بكسر المهملة، بعد تحتانية ساكنة: فإنه تابعي كبير، إلا أنه غير معروف العدالة، قال ابن عدي: شبه المجهول، وقال البخاري: لا يتابع على حديثه، بل عارضه ما هو أقوى منه، ثم ذكر من عمل أبي بكر. وعمر. وعلي، على خلاف حديث ابن سيدان بأسانيد صحيحة.
2 في "السنن" ص 196، ثم إسند عن الزهري، أنه قال: بلغنا أنه لا جمعة إلا بخطبة، ومن لم يخطب صلى أربعاً، وعن إبراهيم نحوه، اهـ.
3 في "باب الأذان يوم الجمعة".
4 مسلم في "كتاب الجمعة" ص 281، قوله: قال: أي أبو بردة.
5 البخاري في "باب الخطبة قائماً" وفي باب القعدة بين الخطبتين" ص 125، وص 127، ومسلم: ص 283.
6 ص 283
7 في "باب الجلوس إذا صعد المنبر" ص 163.(2/196)
قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، كَانَ يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ، فَلَا يَتَكَلَّمُ، وَيَقُومُ، فَيَخْطُبُ، انْتَهَى. وَالْعُمَرِيُّ فِيهِ مَقَالٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْدَأُ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ، قَامَ، فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ جَلَسَ شَيْئًا يَسِيرًا، ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ، حَتَّى إذَا قَضَاهَا اسْتَغْفَرَ اللَّهَ، ثُمَّ نَزَلَ، فَصَلَّى، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ إذَا قَامَ أَخَذَ عَصَا، فَتَوَكَّأَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَفِي هَذَا الْمُرْسَلِ، وَفِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ جُلُوسُهُ عليه السلام عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقَوِّي الْآخَرَ.
قَوْله: وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى الطَّهَارَةِ، لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا مُتَوَارَثٌ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
قَوْلُهُ: عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَارْتُجَّ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ، وَصَلَّى، قُلْت: غَرِيبٌ، وَاشْتُهِرَ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَارْتُجَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَكَان مَقَالًا، فَإِنَّكُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ، أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ، وَسَتَأْتِي الْخُطْبَةُ بَعْدَ هَذَا، وَالسَّلَامُ، وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، فَقَالَ: رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَارْتُجَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، إنَّ أَوَّلَ كُلِّ مَرْكَبٍ صَعْبٌ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا، وَأَنْتُمْ إلَى إمَامٍ عَادِلٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَائِلٍ، وَإِنْ أَعِشْ تَأْتِكُمْ الْخُطْبَةُ عَلَى وَجْهِهَا، وَيَعْلَمُ اللَّهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: يُقَالُ: اُرْتُجَّ عَلَى فُلَانٍ، إذَا أَرَادَ قَوْلًا، فَلَمْ يَصِلْ إلَى إتْمَامِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي الْجُمُعَةِ بِثَلَاثٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ مُعَاوِيَةَ ابن سعيد التجيب. وَالْوَلِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَالْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ كُلٍّ قَرْيَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا إلَّا ثَلَاثَةً، وَرَابِعُهُمْ إمَامُهُمْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَؤُلَاءِ مَتْرُوكُونَ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ مَتْرُوكٌ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُ الزُّهْرِيِّ مِنْ الدَّوْسِيَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": لَا يَصِحُّ فِي عَدَدِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ، انْتَهَى.
__________
1 ص 165(2/197)
حَدِيثُ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ1 أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ الرَّبِيعِ ابن بدر بن عَلِيلَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده عمر بْنِ جَرَادٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ. وَالْبَيْهَقِيُّ. وَالْعُقَيْلِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ2، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، تَرَحَّمْ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ: فَقُلْت لَهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ، قُلْت: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ، انْتَهَى. وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ، لَكِنْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ5، فَصَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ، فَإِنَّ ابْنَ إسْحَاقَ، إذَا ذَكَرَ سَمَاعَهُ، وَكَانَ الرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةً اسْتَقَامَ الْإِسْنَادُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَاكِمِ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَمَرْدُودٌ، لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى ابْنِ إسْحَاقَ، وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ مُسْلِمٌ إلَّا مُتَابَعَةً، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ، فَصَاعِدًا، جُمُعَةٌ. وَأَضْحَى. وَفِطْرٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا مَرِيضٍ، وَلَا أَعْمَى، لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثًا. وَفِيهِ أَحَادِيثُ: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ7" أَخْبَرَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُرَيْمِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ، إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ. أَوْ امْرَأَةٌ. أَوْ صَبِيٌّ. أَوْ مَرِيضٌ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَطَارِقٌ رَأَى
__________
1 في "باب الاثنان جماعة" ص 69، والطحاوي: ص 182 والدارقطني: ص 105، والبيهقي: ص 69، وضعفه الحاكم في "المستدرك" ص 334 ج 4.
2 حديث أنس، عند البيهقي: ص 69 ج 3.
3 الدارقطني: ص 105، وفيه متروك، وعند أحمد في "مسنده" ص 254 ج 5، وص 269 ج 5 من حديث أبي أمامة، أن رجلاً صلى مع رجل، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هذان جماعة"، اهـ.
4 في "باب الجمعة في القرى" ص 160، والبيهقي: ص 176 ج 3.
5 البيهقي: ص 176 ج 5) عن يونس بن بكير، والحاكم في "المستدرك" ص 281 عن جرير عن ابن إسحاق، وصرحا بالتحديث.
6الدارقطني ص 164، والبيهقي: ص 177 ج 3.
7 في "الجمعة للمملوك والمرأة" ص 160، والحاكم في "المستدرك" ص 288، والبيهقي: ص 172 ج 3، والدارقطني" ص 164.(2/198)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ1": وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ حُجَّةٌ، وَالْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ "الصَّحِيحَيْنِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ هُرَيْمِ بْنِ سُفْيَانَ بِهِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّا بِهُرَيْمِ بْنِ سُفْيَانَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا مُوسَى، وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ يُعَدُّ فِي الصَّحَابَةِ، انْتَهَى. وَهُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، قَدْ رواه، ليس فيه: أبا مُوسَى، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَلْيُنْظَرْ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ2": هَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرْسَالٌ، فَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ، وَطَارِقٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَمِمَّنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَلِحَدِيثِهِ شَوَاهِدُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ الْحَكَمِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى صَبِيٍّ. أَوْ مَمْلُوكٍ. أَوْ مُسَافِرٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ4" عَنْ الْحَكَمِ أَبِي عَمْرٍو بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: الْمَرْأَةِ. وَالْمَرِيضِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ5 أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. أَوْ ذِي عِلَّةٍ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إلَّا عَلَى مَرِيضٍ. أَوْ مُسَافِرٍ. أَوْ امْرَأَةٍ. أَوْ صَبِيٍّ. أَوْ مَمْلُوكٍ"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
__________
1 وقال في "شرح المهذب" ص 483 ج 4، هذا الذي قاله أبو داود لا يقدح في صحة الحديث، لأنه إن ثبت عدم سماعه يكون مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند أصحابنا، وجميع العلماء، إلا أبو إسحاق الأسفرايني، اه، قلت: هذا خلاف ما قاله الحافظ في "الفتح" ص 2 ج 7: إن الخلاف بين الجمهور، وبين أبي إسحاق في قبول مرسل الصحابي الذي سمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، وأما الصاحب الذي لم يسمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فمرسله كمراسيل سائر التابعين، يقبله من يقبل مراسيلهم، وبرده من يرد مراسيلهم، والله أعلم.
2 البيهقي في "سننه" ص 183 ج 3.
3 البيهقي: ص 183 ج 3.
4 وابن أبي حاتم في "العلل" ص 212 ج 1، وقال: قال أبو زرعة: هذا حديث منكر، اهـ.
5 البيهقي: ص 184 ج 3.
6 الدارقطني: ص 164، والبيهقي: ص 184 ج 3، وفيه ابن لهيعة، وهو متكلم فيه، ومعاذ بن محمد الأنصاري لا يعرف، كذا في "الجوهر".(2/199)
حَدِيثُ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ2 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ، فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَغَدَا أَصْحَابُهُ، وَقَالَ: أَتَخَلَّفُ، فَأُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى عليه السلام، رَآهُ، فَقَالَ لَهُ: "مَا مَنَعَك أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِك"؟ قَالَ: أَرَدْت أَنْ أُصَلِّيَ مَعَك، ثُمَّ أَلْحَقَهُمْ، قال: "لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْضِ، مَا أَدْرَكْت فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعُ الْحَكَمُ عَنْ مِقْسَمٍ إلَّا خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تفرد به شعبة3، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ4" عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ لِسَفَرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 فِي "الْأَذَانِ وَالْجُمُعَةِ". وَمُسْلِمٌ فِي "أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ". وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْمَسَاجِدِ". وَالنَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَلَفْظُهُمْ الْجَمِيعُ6 فِيهِ: وَأَتِمُّوا، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ7". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا: "وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا"، قَالَ مُسْلِمٌ: أَخْطَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلَا أَعْلَمُ رَوَاهَا عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَحْدَهُ: فَاقْضُوا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ: وَاقْضُوا إلَّا ابْنَ عُيَيْنَةَ وَحْدَهُ، وَأَخْطَأَ، انْتَهَى. وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ، فَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ8" عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
__________
1 في "الجمعة في باب السفر يوم الجمعة" ص 69، والبيهقي في "السنن" ص 178 ج 3.
2 أي فيما بعث زيداً. وجعفراً.
3 قال البيهقي ص 187 ج 3: "والحجاج ينفرد، قلت: هو الصواب، وشعبة ليس له ذكر في هذا الحديث، وهو أمير المؤمنين في هذا الأمر، وأن له شأناً، ينفرد به.
4 والبيهقي عنه في "السنن" ص 187 ج 3، وقال: منقطع.
5 في "الأذان في باب ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" ص 88، وفي "الجمعة في باب المشي إلى الجمعة" ص 124، ومسلم في "باب استحباب إتيان الصلاة بوقار" ص 220، وأبو داود في "باب السعي إلى الصلاة" ص 91، والترمذي في "باب المشي إلى المساجد" ص 44، وابن ماجه في "المساجد في باب المشي إلى الصلاة" ص 56.
6 لم أجد في النسائي بهذا اللفظ، فلينظر.
7 ص 238، والنسائي في "السنن في الامامة في باب السعي إلى الصلاة" ص 138، ولكن أخرجه الدارمي في: ص 152، وفيه: أتموا.
8 في "مسند أحمد" ص 270 ج 2، ولكن اختلف عليه فيه.(2/200)
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَقَالَ: "فَاقْضُوا"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "كِتَابِهِ الْمُفْرَدُ1 فِي الْأَدَبِ" مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: "فَاقْضُوا"، وَمِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، نَحْوَهُ، وَمِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْمُسْتَخْرَجِ3" عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، نَحْوَهُ، فَقَدْ تَابَعَ ابْنَ عُيَيْنَةَ جَمَاعَةٌ، وَبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ بَوْنٌ، مِنْ جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ، فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: "فَأَتِمُّوا"، مَنْ قَالَ: إنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَأْمُومُ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: "فَاقْضُوا" مَنْ قَالَ: إنَّمَا يُدْرِكُهُ هُوَ آخَرُ صَلَاتِهِ، قَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ، أَنَّ الْقَضَاءَ هُوَ الْإِتْمَامُ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ} ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ4: "صَلِّ مَا أَدْرَكَتْ، وَاقْضِ مَا سَبَقَك"، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هريرة، قال: "آتوا الصَّلَاةَ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ، وَاقْضُوا مَا سَبَقَكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو رَافِعٍ6: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَمَّا أَبُو ذَرٍّ فَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرُوِيَ عَنْهُ، " فَأَتِمُّوا"، وَرُوِيَ عَنْهُ، "فَاقْضُوا"، انْتَهَى كَلَامُهُ7.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، فَلَا صَلَاةَ، وَلَا كَلَامَ"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَفْعُهُ وَهْمٌ فَاحِشٌ، إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ، انْتَهَى. وَعَنْ
__________
1 رواه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 231 ج 1 عن الليث عن ابن الهاد عن ابن شهاب، نحوه.
2 سليمان بن كثير.
3 ورواه الطحاوي في "شرح الاثار" ص 231 ج 1 عن محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن الزهري به، وأحمد في "مسنده" ص 532 ج 2 عن حماد عن ابن أبي ذئب عن الزهري، نحوه، والطيالسي في "مسنده" ص 307 عن ابن أبي ذئب، به.
4 ص 220 عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة، وكذا الطحاوي: ص 231، ومسند "أحمد" ص 427 ج 2.
5 ص 92 عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وأحمد: في "مسنده" ص 382 ج 2، وص 386 ج 2، والطحاوي: ص 231.
6 أبو رافع عن أبي هريرة أخرج حديثه أحمد في "مسنده" ص 489، وكذا قال همام بن منبه، عن أبي هريرة: "ما فاتكم فاقضوا" رواه أحمد في "مسنده" ص 318 ج 2، وروى أحمد في "مسندهط ص 282 ج 2 عن عمر بن سلمة عن أبي هريرةن بلفظ: "وليقض ما سبقه"، اهـ.
7 قلت: روى الطحاوي في "شرح الآثار" ص 231 ج 1 حديث أنس بلفظ: "واقض ما سبق به منها"، وأحمد في "مسنده" ص 106 ج 3، وص 243 ج 3، وص 252 ج 3، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 31 ج 2: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله موثقون، وله طريق رجاله رجال الصحيح، اهـ. وروى الطبراني في "الأوسط" حديث أبي قتادة، بلفظ: "وليقض ما فاته"، وقال في "الزوائد: رجاله رجال الصحيح، وهو متفق عليه بلفظ: "ما سبقكم فأتموا"، اهـ(2/201)
مَالِكٍ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ1"، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ2 عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ3 أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الصَّلَاةَ. وَالْكَلَامَ، بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَا صَلَاةَ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ فِي الرَّجُلِ يَجِيءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ: يَجْلِسُ، وَلَا يُصَلِّي، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا قُلْت لِصَاحِبِك: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" أَخْبَرَنَا مُحْرِزُ بن يسار بْنُ سَلَمَةَ الْعَدَنِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {تَبَارَكَ} ، وَهُوَ قَائِمٌ، فَذَكَّرَنَا بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَأَبُو ذَرٍّ يَغْمِزُ لِي، فَقَالَ: مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ؟ إنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا إلَّا الْآنَ، فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا، قَالَ: سَأَلْتُك مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ، فَلَمْ تُخْبِرْنِي؟ فَقَالَ أُبَيٍّ: لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك الْيَوْمَ، إلَّا مَا لَغَوْتَ، فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "صَدَقَ أُبَيٍّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ5" ثَنَا مصعب عن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ بن، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ6" بِسَنَدٍ آخَرَ، فَقَالَ: ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَذَكَرَ سُورَةً، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِأُبَيٍّ: مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: مَا لَك من صلاتك إلا لَغَوْتَ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "صَدَقَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ7" فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ إلَى جَنْبِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، أَوْ كَلَّمَهُ بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَظَنَّ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهَا مَوْجِدَةٌ، فَلَمَّا انْفَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَا أُبَيّ، مَا مَنَعَك أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ؟ قَالَ: لَا، بَلْ لَمْ تَحْضُرْ مَعَنَا
__________
1 "موطأ للامام محمد" ص 135.
2 قال العيني في "البناية" ص 1012 ج 2: أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا نمير عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس. وابن عمر أنهما كانا يكرهان الكلام، والصلاة بعد الجمعة بعد خروج الامام، اهـ.
3 أخرج الطحاوي: ص 217 عن عطاء، قال: كان ابن عمر. وابن عباس يكرهان الكلام إذا خرج الإمام يوم الجمعة، اهـ.
4 البخاري في "باب الانصات يوم الجمعة" ص 127، ومسلم في "الجمعة" ص 281 ج 1، وأبو داود في "باب الكلام والامام يخطب" ص 165، والنسائي في "العيدين في باب الانصات للخطبة" ص 234، وص 207 أيضاً، والترمذي في "باب كراهية الكلام والامام يخطب، ص 67، وابن ماجه في "باب الاستماع للخطبة والانصات لها" ص 79، والطحاوي: ص 215.
5 أحمد في "مسنده" ص 143 ج 5.
6 رواه البزار، قلت: وأخرجه: ص 215، والبيهقي: ص 220 ج 3 عن حماد بإسناده، وقال في "الزوائد" ص 185: رواه البزار، وفيه محمد بن عمرو، وقد حسن الترمذي حديثه، وفيه اختلاف.
7 قال في "الزوائد" ص 185 ج 2: رواه أبو يعلى. والطبراني في "الأوسط" بنحوه، وفي "الكبير"، باختصار، ورجال أبي يعلى ثقات، اهـ.(2/202)
الْجُمُعَةَ، قَالَ: وَلِمَ؟! قَالَ: سَأَلْتَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: "صَدَقَ أُبَيٌّ، أَطِعْ أُبَيًّا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَنِ1" فَجَعَلَ بَيْنَ أَبِي ذَرٍّ. وَأُبَيٍّ، قَالَ: وَرُوِيَتْ بَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَأُبَيٍّ، انْتَهَى. وَيُشْكِلُ 2عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ، حَدِيثُ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ3 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْت يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: "صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا"، وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: وَقَالَ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا"، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ4"، وَقَالَ لَهُ: "لَا تَعُدْ لِمِثْلِ ذَلِكَ"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُرِيدُ الْإِبْطَاءَ لَا الصَّلَاةَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ، بِنَحْوِهِ، فَأَمَرَهُ بِرَكْعَتَيْنِ مِثْلِهِمَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْصَتَ لَهُ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيِّ ثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُمْ، فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ"، وَأَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: أَسْنَدَهُ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ، وَوَهَمَ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، "أَصَلَّيْت"؟ قَالَ: لَا، قَالَ: "قُمْ فَصَلِّ"، ثُمَّ انْتَظَرَهُ حَتَّى صَلَّى، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا الْمُرْسَلُ هُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَمَرَهُ "يَعْنِي سُلَيْكًا" أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ يَخْطُبُ، أَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، ثُمَّ عَادَ إلَى خُطْبَتِهِ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، اسْمُهُ: نَجِيحٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ الثَّالِثِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَهَذَا
__________
1 البيهقي في "السنن" ص 219 ج 3، والحاكم في "المستدرك" ص 287 ج 1، وصححه شرطهما، وقال الذهبي: ما أحسب عطاءً أدرك أبا ذر رضي الله عنه، اهـ والطيالسي في "مسنده" ص 312.
2 حديث جابر هذا من الأحاديث التي انتقدها عليه الدارقطني، قال الحافظ في "المقدمة" ص 353: قال الدارقطني: وأخرجا جميعاً حديث شعبة عن عمرو عن جابر: "إذا جاء أحدكم والإِمام يخطب، فليصل ركعتين" وقد رواه ابن جريج وابن عيينة. وحماد بن زيد. وأيوب. وورقاء. وحبيب بن يحيى، كلهم عن عمرو أن رجلا دخل المسجد، فقال له: صليت؟ قلت: هذا يوهم أن هؤلاء أرسلوه، وليس كذلك، وإنما أراد الدارقطني أن شعبة خالف هؤلاء الجماعة في سياق المتن، واختصره، وهم أوردوا على حكاية قصة الداخل، وأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصلاة ركعتين، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، وهي قصة محتملة للخصوص، وسياق شعبة يقتضي العموم، في حق كل داخل، اهـ.
3 البخاري في "باب من جاء والإِمام يخطب، صلى ركعتين خفيفتين" ص 127، ومسلم: ص 287، وأبو داود في "باب إذا دخل الرجل والإِمام يخطب" ص 166، والنسائي في "باب يوم الجمعة لمن جاء والإِمام يخطب" ص 207، وفي ص 208، والترمذي في باب في الركعتين، إذا جاء الرجل والإِمام يخطب" ص 67، وابن ماجه في "باب من دخل المسجد والإِمام يخطب" ص 79، والطحاوي: ص 214.
4 والدارقطني: ص 169.(2/203)
الْجَوَابُ يَرُدُّهُ مَا فِي الْحَدِيثِ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ1، أَوْ قَدْ خَرَجَ، فَلِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ البخاري. ومسلم2، هكذا يروى الْقِصَّةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ شُرُوعِهِ عليه السلام فِي الْخُطْبَةِ، وَقَدْ بَوَّبَ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى" عَلَى حَدِيثِ سُلَيْكٍ "بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ"، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابر، قال: جاء سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "أَرَكَعْت رَكْعَتَيْنِ"؟، قَالَ: لَا، قَالَ: "قُمْ فَارْكَعْهُمَا"، انْتَهَى. وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي غَيْرِ سُلَيْكٍ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ3 ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَخَلَ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُمْ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا، وَإِذَا جَاءَ أحدكم، والإمام يخطب، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَلْيُخَفِّفْهُمَا"، انْتَهَى. وَالنُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ4 بَدْرِيٌّ، وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، قَالَ: وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ5 الْمَالِينِيُّ فِي "كِتَابِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُصَلُّونَ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَأَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، اسْمُهُ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ كِتَابَهُ الْكَامِلَ قَالَ: وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ لَمْ يَرَ كِتَابَهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، انْتَهَى. وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ6" أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، مِنْ وَلَدِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي فِي زَمَنِ عُمَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ، وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَطَعْنَا الصَّلَاةَ، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ وَيُحَدِّثُونَا، وَرُبَّمَا نَسْأَلُ الرَّجُلَ الَّذِي يَلِيهِ عَنْ سُوقِهِ وَمَعَاشِهِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ خَطَبَ، وَلَمْ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، مُخْتَصَرًا.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ جَلَسَ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ، بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا هَذَا الْأَذَانُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ
__________
1 هذا الحديث أخرجه الذهبي في "التذكرة" ص 41 ج 4 من رواية أبي قتادة، بزيادة: قبل أن يجلس، وقال: صحيح، متفق على أن الأمر به أمر ندب، اهـ.
2 البخاري في "التهجد في باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى" ص 156، ومسلم: ص 287، وأبو داود: ص 166.
3 أورده في ترجمة أحمد بن يحيى الحلواني "تلخيص".
4 نعمان بن قوقل، في الصحابة اثنان غيره، ذكر الحافظ في "الاصابة" هذا الحديث، وقال: أخرج الطبراني في "ترجمة الذي قبله" أي البدري وقال عندي أنه بهذا أليق، اه، أي بالذي هو غير بدري.
5 أبو سعيد، أو أبو سعد، فليراجع.
6 قال الحافظ في "الدراية" ص 132: إسناده جيد، اهـ.(2/204)
الْجَمَاعَةُ1 إلَّا مُسْلِمًا عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوَّلُهُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُثْمَانَ، وَكَثُرَ النَّاسُ، زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ، عَلَى الزَّوْرَاءِ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: النِّدَاءَ الثَّانِيَ، وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ: عَلَى دَارٍ فِي السُّوقِ يُقَالُ لَهَا: الزَّوْرَاءُ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: إنَّ الَّذِي زَادَ التَّأْذِينَ الثَّالِثَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنٌ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، انْتَهَى. وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، بِلَفْظِ: كَانَ النِّدَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ، عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعَامَّةِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ، عَلَى الزَّوْرَاءِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّمَا جُعِلَ ثَالِثًا، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُسَمَّى أَذَانًا، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي بَابِ رَجْمِ الْحُبْلَى" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَلَسَ عُمَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ3، قَامَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
أَحَادِيثُ السَّلَامِ عِنْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ: فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ، وَأَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ، أَمَّا الْمُسْنَدَةُ: فَعَنْ جَابِرٍ. وَابْنِ عُمَرَ.
أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ ابْنِ خَالِدٍ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ5: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط6" مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ مِنْبَرِهِ مِنْ الْجُلُوسِ، فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ تَوَجَّهَ إلَى النَّاسِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ
__________
1 البخاري في "باب الأذان يوم الجمعة" ص 124، وأبو داود في "باب النداء يوم الجمعة" ص 162، والنسائي في "باب الأذان للجمعة" ص 207، والترمذي في "باب الأذان يوم الجمعة" ص 68، وكذا ابن ماجه: ص 80.
2 ص 1009.
3 في نسخة "المؤذنون".
4 في "باب الخطبة يوم الجمعة" ص 79، والبيهقي في "السنن" ص 204، وابن سعد في "طبقاته" ص 10 ج 1، الحصة الثانية.
5 في "العلل" ص 205 ج 1.
6 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 184 ج 2: فيه عيسى بن عبد الله الأنصاري، وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات، اهـ.(2/205)
ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ1" وَأَعَلَّهُ بِعِيسَى، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهُوَ إذًا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ مالا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، لَا يَحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُرْسَلَةُ: فَعَنْ الشَّعْبِيِّ. وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.
فَمُرْسَلُ عَطَاءٍ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، انْتَهَى.
وَأَمَّا مُرْسَلُ الشَّعْبِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا أَبُو أُمَامَةَ ثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ"، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ يَفْعَلُونَهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" ثَنَا دَاوُد بْنُ رُشَيْدٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَا: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ؟، قَالَ: لَا، قَالَ: فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا"، انْتَهَى.
حَدِيثُ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ مِنْ قَبْلِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ3"، وَزَادَ فِيهِ: وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا، وَسَنَدُهُ وَاهٍ جِدًّا، فَمُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ مَعْدُودٌ فِي الْوَضَّاعِينَ، وَحَجَّاجٌ. وَعَطِيَّةُ ضَعِيفَانِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ أَنْبَأَ سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيِّ ثَنَا غِيَاثُ بْنُ بَشِيرٍ عن خصيف بن أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ الْقَصْعَرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ ثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَزَادَ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِهِنَّ رَكْعَةً، انْتَهَى.
__________
1 في ترجمة عيسى بن عبد الله الأنصاري "تلخيص".
2 في "باب من دخل المسجد والإِمام يخطب" ص 79.
3 في؟ الزوائد" ص 195 بلفظ: وبعدها أربعاً لا يفصل بينهن، اهـ.(2/206)
وَلَمْ يذكر الشيخ محي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي الْبَابِ غَيْرَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1، ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الصَّلَاةِ"، وَذَكَرَ أَيْضًا حَدِيثَ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، انْتَهَى. وَسُنَّةُ الْجُمُعَةِ ذَكَرَهَا صَاحِبُ "الْكِتَابِ فِي الِاعْتِكَافِ" فَقَالَ: السُّنَّةُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ، وَأَشَارَ إلَيْهَا فِي إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ، فَقَالَ: وَلَوْ أُقِيمَتْ، وَهُوَ فِي الظُّهْرِ. أَوْ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ3 أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ4 فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ" أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ صَافِيَةَ، قَالَتْ: رَأَيْت صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ رضي الله عنها، صَلَّتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْجُمُعَةِ، ثُمَّ صَلَّتْ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَمَّا السُّنَّةُ الَّتِي بَعْدَهَا، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ5 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي لَفْظٍ: كَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ6 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنْ عَجِلَ بِكَ7 شَيْءٌ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَيْنِ إذا رجعت"، انتهى.
__________
1 البخاري في "الأذان في باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء" ص 87، ومسلم "قبل صلاة الخوف" ص 278.
2 في "باب الصلاة بعد الجمعة" ص 167.
3 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 195 ج 2: عن قتادة أن ابن مسعود كان يصلي بعد الجمعة ست ركعات، رواه الطبراني في "الكبير" وقتادة لم يسمع من ابن مسعود، وعن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: كان عبد الله بن مسعود يعلمنا أن نصلي أربع ركعات بعد الجمعة، حتى سمعنا قول علي: صلوا ستاً، قال أبو عبد الرحمن: فنحن نصلي ستاً، قال عطاء: أبو عبد الرحمن يصلي ركعتين، ثم أربعاً، رواه الطبراني في "الكبير"، وعطاء بن السائب ثقة، ولكنه اختلط، وروى الطحاوي: ص 199، والشافعي في "كتاب الأم" ص 123 عن علي: من كان مصلياً بعد الجمعة، فليصل ستاً، اهـ.
4 ص 360.
5 قبل "كتاب العيدين" ص 288، وأبو داود في "باب الصلاة بعد الجمعة" ص 167، والنسائي في "باب صلاة الامام بعد الجمعة" ص 210 ج 2، والترمذي في "باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها" ص 69، وابن ماجه في "باب الصلاة بعد الجمعة" ص 80.
6 مسلم في آخر "كتاب الجمعة" ص 288، وأبو داود: ص 168، والنسائي في "باب عدد الصلاة بعد الجمعة في المسجد" ص 210، مختصراً، وكذا الترمذي: ص 69، وابن ماجه: ص 80.
7 قوله: "فإن عجل بك" الخ، قال البيهقي ص 240 ج 3: قال أحمد بن سلمة: الكلام الآخر في الحديث من قول(2/207)
بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ مُوَاظَبَتِهِ عليه السلام عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، مِنْ غَيْرِ تَرْكِهِ مَرَّةً، قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 فِي "الْإِيمَانِ" عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ"، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ"، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ"، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَكَانَ يَغْتَسِلُ فِي الْعِيدَيْنِ، قُلْت: هُمَا حَدِيثَانِ: فَالْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ:2عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، قَالَ: وَقَالَ مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ، حَتَّى يَأْكُلَ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ، حَتَّى يُصَلِّيَ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: حَتَّى يَرْجِعَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ:
__________
سهيل، رواه مسلم بهذه الزيادة عن عمرو الناقد عن عبد الله بن إدريس، اه، وظني أن هذا القول مدرج عن أبي صالح، فليراجع.
1 البخاري في "الإيمان في باب الزكاة من الاسلام" ص 11، ومسلم في "الايمان في باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الاسلام" ص 30 ج 1.
2 في "العيدين في باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج" ص 130 ج 1.
3 الترمذي في "العيدين في باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج" ص 71، وابن ماجه في "باب الأكل يوم الفطر قبل أن يخرج" ص 127، والحاكم في "المستدرك" ص 294 ج 1، والدارقطني ص 180، والبيهقي في "الكبرى" ص 283 ج 3، والطيالسي: ص 109، وأحمد: ص 352 ج 5، وص 360 ج 5.(2/208)
لَا أَعْرِفُ لِثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَثَوَابُ بْنُ عُتْبَةَ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُجَرَّحْ بِشَيْءٍ يَسْقُطُ بِهِ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَزَادَ: حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي صَحِيحٌ، فَإِنَّ ثَوَابَ بْنَ عُتْبَةَ الْمَهْرِيَّ، بَصَرِيٌّ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، رَوَى عَنْهُ عَبَّاسٌ. وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَزِيَادَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا صَحِيحَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِالزِّيَادَةِ1.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ " حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ الْأَوْدِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَ الْفِطْرِ، حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَوْمَ النَّحْرِ، حَتَّى يَرْجِعَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الِاغْتِسَالِ فِي الْعِيدَيْنِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الطَّهَارَةِ".
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ لَهُ جُبَّةُ فَنَكٍ، أَوْ صُوفٍ، يَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" مِنْ طَرِيق الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةٍ فِي كُلِّ عِيدٍ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط3" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ ثَنَا أَبِي ثَنَا سَعْدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ4" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدٌ أَحْمَرُ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ. وَالْجُمُعَةِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلَا يُكَبِّرُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى "يَعْنِي جَهْرًا فِي عِيدِ الْفِطْرِ" وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ، اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى، وَلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى، لِأَنَّهُ يَوْمُ تَكْبِيرٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْفِطْرُ،
قُلْت: لَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ5. ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْر. وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى
__________
1 رواه أحمد في "مسنده" ص 28 ج 3 عن أبي سعيد، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفطر يوم الفطر قبل أن يخرج، اهـ.
2 البيهقي: ص 280 ج 3، وكتاب "الأم" ص 206.
3 الطبراني في "معجمه الوسط" قال الهيثمي في "الزوائد" ص 198 ج 1: رجاله ثقات، اهـ.
4 وفي "السنن" ص 280 ج 3.
5 الدارقطني: ص 180، والبيهقي: ص 279 ج 3.(2/209)
ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ، لَمْ يَذْكُرْ: الْجَهْرَ، وَقَالَ: غَرِيبُ الْإِسْنَادِ. وَالْمَتْنِ، ثُمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَالْمَرْفُوعُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ ثَنَا الزُّهْرِيُّ ثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، فَقَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، فِي مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ أَبِي الطَّاهِرِ الْمَقْدِسِيَّ: كَانَ يُغْرِبُ، وَيَأْتِي بِالْأَبَاطِيلِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَكْذِبُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، رَوَى عَنْ الْمُوَقَّرِيِّ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَأَبُو الطَّاهِرِ. وَالْمُوَقَّرِيُّ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى، قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ، فَصَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَصَحَّحَهُ، وَأَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَدُوقٌ، صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ فَحُشَ خَطَؤُهُ، وَانْفَرَدَ بِالْمَنَاكِيرِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرَ الْمَتْنِ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ
__________
1 ص 298 ج 1.
2 "الموقري" كذا في "تهذيب التهذيب والخلاصة" وقال فيه: حصن بالبقاء.
3 البخاري في آخر "كتاب العيدين" ص 135، ومسلم: ص 291، وأبو داود في "باب الصلاة بعد صلاة العيد" ص 171، والنسائي في "باب الصلاة قبل العيدين وبعدهما" ص 135، وكذا الترمذي: ص 70 وكذا ابن ماجه ص 93.
4 الترمذي في "باب لا صلاة قبل العيدين، ولا بعدهما" ص 70، والحاكم في "المستدرك" ص 295 ج 1 وأحمد في "مسنده".
5 ابن ماجه في "الصلاة قبل العيدين وبعدهما" ص 93، وأحمد في "مسنده" ص 26 ج 3، وص 40 ج 3، وقال: فإذا قضى صلاته صلى ركعتين، اه، والحاكم في "المستدرك" ص 297 ج 1، وصححه، ولفظه: إذا رجع من المصلى صلى ركعتين، اهـ.(2/210)
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ: الْكَرَاهَةُ فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً، وَقِيلَ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ: لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَفْعَلْهُ،
قُلْت: هَذَا يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ، لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُطْلَقٌ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الرَّاوِيَ هُنَاكَ أَخْبَرَ أَنَّهُ شَاهَدَهُ فِي الْمُصَلَّى لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا، وَقَدْ يَكُونُ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ، وَالشَّمْسُ عَلَى قِيدِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ. قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ. وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِيدِ مِنْ حِينِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ "بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ"، قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ عِيدِ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، فَأَنْكَرَ إبْطَاءَ الْإِمَامِ، وَقَالَ: إنْ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ، وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: روى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ، حِينَ شَهِدُوا بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ، قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ2، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بشر جعفر بن وَحْشِيَّةَ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: أُغْمِيَ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَخْرُجُوا إلَى عِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ فِيهِ: أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا صَبَحُوا يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ، انْتَهَى. وَلَكِنْ يُحْمَلُ اللَّفْظُ الْمُجْمَلُ، عَلَى اللَّفْظِ الْمُعَيَّنِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ
__________
1 أبو داود في "باب وقت الخروج إلى العيد" ص 168، وابن ماجه في "باب وقت صلاة العيدين" ص 94، والحاكم في "المستدرك" ص 295 ج 1، وقال: على شرط البخاري.
2 أبو داود في "باب إذا لم يخرج الإِمام للعيد من يومه" ص 171، والنسائي في "باب الخروج إلى العيدين من الغد" ص 231، وابن ماجه في "الصيام في باب الشهادة على رؤية الهلال" ص 120، والدارقطني: ص 233، والطحاوي: ص 226، والبيهقي: ص 316 ج 3، وصححه النووي في "شرح المهذب" ص 27 ج 5، وقال صححه البيهقي، وقال الحافظ في "التلخيص": وصححه ابن المنذر. وابن السكن. وابن حزم.(2/211)
سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ ثَنَا شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمُومَةً لَهُ شَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجُوا الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ، فَرَوَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ. وَهُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِنْدِي أَنَّهُ حَدِيثٌ يَجِبُ النَّظَرُ فِيهِ، وَلَا يُقْبَلُ، إلَّا أَنْ تَثْبُتَ عَدَالَةُ أَبِي عُمَيْرٍ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ كَبِيرُ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا حَدِيثَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، لَمْ يَرْوِهَا عَنْهُ غَيْرُ أَبِي بِشْرٍ، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا عَرَفَ مِنْ حَالِهِ مَا يُوجِبُ قَبُولَ رِوَايَتِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، الْمُخْتَلَفِ فِي ابْتِغَاءِ مَزِيدِ الْعَدَالَةِ عَلَى إسْلَامِهِمْ، وَقَدْ ذكر الباوردي حَدِيثَهُ هَذَا، وَسَمَّاهُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَبْدَ اللَّهِ، وَهَذَا لَا يَكْفِي فِي التَّعْرِيفِ بِحَالِهِ، وَفِيهِ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِ أَبِي عُمَيْرٍ كَوْنُ عُمُومَتِهِ لَمْ يُسَمَّوْا، فَالْحَدِيثُ جَدِيرُ بِأَنْ لَا يُقَالُ فِيهِ: صَحِيحٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَعُمُومَةُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحَابَةٌ. لَا يَضُرُّ جَهَالَةُ أَعْيَانِهِمْ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ، وَاسْمُ أَبِي عُمَيْرٍ عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِ أَنَسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1 عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ. فَقَامَ أَعْرَابِيَّانِ، فَشَهِدَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاَللَّهِ، لَأَهَلَّا الْهِلَالُ أَمْسِ عَشِيَّةً، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ: الصَّحَابَةُ كلهم ثقات2،
__________
(2) أبو داود في "الصيام في باب شهادة رجلين في رؤية هلال شوال" ص 326، والدارقطني: ص 232، وص 233، والحاكم في "المستدرك" ص 297 ج 1، والبيهقي: ص 250 ج 4.
2 قال العراقي في "الايضاح" ص 58: إذا صح الاسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فروى البخاري أنه حجة، وإن لم يسم ذلك الرجل، وروى الأثرم عن أحمد أنه صحيح، وحكاه الحافظ عبد الكريم الحلبي الحنفي عن أكثر العلماء، وذكر ابن الصلاح أن الجهالة بالصحابي غير قادحة، لأن الصحابة كلهم عدول، وفرق أبو بكر الصيرفي بين أن يرويه التابعي عنه معنعناً، وبين أن يصرح بالسماع، فإن الأول لا يقبل، لتطرق احتمال عدم اللقاء والتدليس، بخلاف الثاني، وقال العراقي: هو حسن متجه، وعليه يحمل كلام من أطلق قبوله، اهـ، مختصراً، قلت: لا سيما على مذهب البخاري، فإنه لا يكفي عنده إمكان اللقاء، بل ثبوته، والذي نرى من صنيع الإِمام أبي محمد بن حزم في "المحلى" أنه لا يفرق بين الصحابي. وغيره إذا لم يسم، ويقل في كليهما: إنه مجهول، فإنه روى في: ص 338 ج 7 عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين، قال: قلت: يا رسول الله، هل أحد أحق بشيء؟ الحديث، وقال: قال أبو محمد: هذا رجل مجهولَ، لا يدري أصدق في ادعائه الصحبة أم لا، اهـ، وروى في: ص 416 ج 4 عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار، قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنازة، الحديث، وقال: قال أبو محمد: هذا لا بحجة لهم: أول ذلك: أنه عن رجل لا يدري أصحت صحبته أم لا، اهـ. قلت: هذا متجه أيضاً، لأن الراوي إذا قال: أخبرني ثقة لا يكون حجة، لتطرق احتمال أن يكون الثقة عنده، غير الثقة عند غيره، وكم من راوٍ انفرد فيه بعضهم بالتوثيق، فليكن هذا منه، فقوله: عن رجل من أصحاب النبي(2/212)
سُمُّوا، أَوْ لَمْ يُسَمَّوْا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" وَسَمَّى الصَّحَابِيَّ، فَقَالَ: عَنْ رِبْعِيٍّ بن خراش عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطَيْهِمَا، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَثَلَاثًا بَعْدَهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ. وَسُورَةً، وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا بَعْدَهَا، وَيُكَبِّرُ رَابِعَةً، يَرْكَعُ بِهَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ1 وَهُوَ قَوْلُنَا، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، تِسْعًا تِسْعًا: أَرْبَعٌ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَيَرْكَعُ. وَفِي الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ، فَإِذَا فَرَغَ، كَبَّرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ رَكَعَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ2 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا، وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنْ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَلْ الْأَشْعَرِيَّ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: سَلْ عَبْدَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَقْدَمُنَا، وَأَعْلَمُنَا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثم يكبر، فَيَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ، فَيَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى.
__________
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاً، فان قلت: فرق بينهما، لأن التوثيق يختلف فيه، لأنه شهادة علمي، وليس كذلك، قوله: عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن مبناه الحسن، قلت: هذا قول من لم يمارس كتب الرجال، وطبقات أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن اختلافهم في هذا ليس بأقل من اختلافهم في ذلك، وكأيّن من رجل يظنه بعضهم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو فيه خاطئ، يخالفه غيره، وههنا شيء آخر وهو أن من رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمع منه، وكذا من رآه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صباه، ولم يكن يميز، هما رجلان من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يقبل مرسل الأول من يرد المراسيل بغير مراسيل الصحابة، ذكره الحافظ في "الفتح" ص 2 ج 7، وكذا الثاني، ذكره السخاوي في "فتح المغيث" ص 63، فما يدري أن الرجل الذي أبهمه التابعي من أي نوع من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وللبيهقي ههنا مسلك آخر: أنه روى في "سننه الكبرى" ص 83 ج 1 عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أنس، حديث: اللمعة، وقال: هو مرسل، اهـ، وروى في: ص 183 ج 3 عن طارق بن شهاب عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث: زمِن لا يلزمه الجمعة، وقال: هذا الحديث، وإن كان فيه إرسال، فهو مرسل جيد، فطارق من خيار التابعين، وممن رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمع منه، اهـ، وروى: ص 190 ج 1 عن حميد بن عبد الرحمن، قال: لقيت رجلاً صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما صحب أبو هريرة أربع سنين، قال: نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث، وقال: هذا الحديث رواته ثقات، إلا أن حميداً لم يسم الصحابي الذي حدثه، فهو المرسل، إلا أنه مرسل جيد، لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة قبله، اهـ، فإن كل ما ذكرت من أقواله، وما ذكره الإِمام المخرج من قوله مشكل، لأنه إن اكتفى بقول التابعي في ثبوت صحبة الرجل الذي لم يسمه، فما معنى الارسال بعده؟ لا سيما في قوله: لقيت رجلاً صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع سنين، وإن لم يكف، فما معنى قوله: إنه مرسل جيد، لأن الرجل مجهول، بعد، فالموافق للأدلة، قول ابن حزم، والله أعلم.
وقال البيهقي في: ص 249 ج 4: وتمامه عمومة له من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلهم ثقات، سموا أو لم يسموا.
1 قال الحافظ في "الدراية": وكذا رواه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح، اهـ.
2 ذكره ابن حزم في "المحلى" ص 83 ج 6، وقال: هذا إسناد في غاية الصحة، اهـ.(2/213)
طَرِيقٌ آخَرُ 1: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا التَّكْبِيرَ فِي الْعِيدَيْنِ، تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ: خَمْسٌ فِي الْأُولَى. وَأَرْبَعٌ فِي الْآخِرَةِ، وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ. وَأَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ الطَّبَرَانِيُّ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"2: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ، فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ: تِسْعُ تَكْبِيرَاتٍ: فِي الْأُولَى خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَفِي الثَّانِيَةِ يَبْدَأُ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، مَعَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ نَحْوُ هَذَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ الْمَرْفُوعَةِ3: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَائِشَةَ، جَلِيسٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ. وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى. وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى5: كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: صَدَقَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَذَلِكَ كُنْت أُكَبِّرُ فِي الْبَصْرَةِ، حَيْثُ كُنْت عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي
__________
1 طريق آخر: رواه الطحاوي في: ص 40، حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا هشام ابن أبي عبد الله عن حماد عن إبراهيم عن علقمة بن قيس، قال: خرج الوليد بن عقبة على ابن مسعود. وحذيفة والأشعري رضي الله عنهم، فقال: إن العيد غداً، فكيف التكبير؟ فقال ابن مسعود: يكبر تكبيرة، ويفتتح به الصلاة، ثم يكبر بعدها ثلاثاً، ثم يقرأ، ثم يكبر تكبيرة، يركع بها، ثم يسجد، ثم يقوم، فيقرأ، ثم يكبر ثلاثاً، ثم يكبر تكبيرة، يركع بها، فقال الأشعري. وحذيفة: صدق أبو عبد الرحمن، اهـ، صحح الحافظ ابن كثير إسناد هذا الحديث في "التفسير".
2 الترمذي في "باب التكبير في العيدين" ص 70.
3 قلت: من الأحاديث المرفوعة في الباب، ما رواه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 400 ج 2 على ابن عبد الرحمن. ويحيى بن عثمان، قالا: حدثنا عبد الله بن يوسف عن يحيى بن حمزة، قال: حدثني الوضين بن عطاء أن القاسم أبا عبد الرحمن حدثه، قال: حدثني بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: صلى بنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عيد، فكبر أربعاً أربعاً، ثم أقبل علينا بوجهه، حين انصرف، فقال: "لا تنسوا كتكبير الجنازة" وأشار بأصبعه، وقبض إبهامه، قال الطحاوي: هذا حديث حسن الاسناد، وعبد الله بن يوسف. ويحيى بن حمزة. والوضين. والقاسم، كلهم أهل رواية، معروفون بصحة الرواية، اهـ، قلت: رجال الحديث كلهم معروفون، إلا وضين، ابن عطاء، قال الحافظ المخرج: ص 101 ج 1: وثقه أحمد، وقال ابن معين: لا بأس به، اهـ، ووثقه غير واحد، ومر الحافظ في "الفتح" ص 401 ج 2 على إسناد الطحاوي في "شرح الآثار" ص 164 ج 1، فيه وضين ابن عطاء هذا، فقال: إسناده قوي، اهـ. وقال في "التهذيب": قال أحمد بن حنبل. وابن معين. ودحيم: ثقة، قال أبو داود: صالح الحديث، وقال ابن عدي: ما أدري بحديثه بأساً، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال الساجي: عنده حديث واحد منكر، غير محفوظ، اهـ.
4 أبو داود في "باب التكبير في العيدين" ص 170، والطحاوي: ص 400 ج 4، وأحمد: ص 416 ج 4، والبيهقي: ص 289 ج 3.
5 أخرج الطحاوي في "الجنازة" ص 287 من حديث ابن مسعود موقوفاً، قال: التكبير في العيدين أربع، كالصلاة على الميت، اهـ، رجاله ثقات، وقال في "الزوائد": رواه الطبراني في "التكبير" ورجاله ثقات، اهـ.(2/214)
"مُخْتَصَرِهِ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِأَصْحَابِنَا، ثُمَّ أَعَلَّهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ، وَأَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ، قَالَ: وَلَيْسَ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَلَكِنْ أَبُو عَائِشَةَ1، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ: مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لا أعرف حاله، انْتَهَى.
الْأَحَادِيثُ الْمَوْقُوفَةُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ": حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَشْعَثَ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ تِسْعًا، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"3، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ ثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: شَهِدْت ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْبَصْرَةِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، قَالَ: وَشَهِدْت الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَسَأَلْت خَالِدًا كَيْفَ كَانَ فِعْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَفَسَّرَ لَنَا كَمَا صَنَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَالثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، سَوَاءٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَخَمْسًا بَعْدَهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ. يُكَبِّرُ خَمْسًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، وَفِي رِوَايَةٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا فِي الثَّانِيَةِ، وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرٍ بَيَّنَهُ الْخُلَفَاءُ،
قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ: سَبْعًا فِي الْأُولَى. وَسِتًّا فِي الْآخِرَةِ، بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، كُلُّهُنَّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهِ، نَحْوَهُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمِ5 عَنْ حَجَّاجٍ. وَعَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا حُمَيْدٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: سَبْعًا فِي الْأُولَى. وَخَمْسًا فِي الآخرة، انتهى. وكأنه رِوَايَةَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ هَذِهِ، هِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا، بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَكَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، فالجملة اثني عَشَرَ تَكْبِيرَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُ هَذَا، وَيُوَافِقُ مَذْهَبَنَا، فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"6 حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ الله بن الحارث،
__________
1 أبو عائشة الأموي مولاهم، جليس أبي هريرة، مقبول من الثانية "تقريب".
2 هو ابن عبد الملك الحمراني، ثقة.
3 والطحاوي: 401 عن خالد الحذاء، بإسناده.
4 رواه الطحاوي: ص 401 عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس، وفيه: ستاً في الآخرة، بعد القراءة، اهـ.
5 قلت: بهذا الاسناد أخرج الطحاوي في "شرح الآثار" ص 401 ج 2، والبيهقي: ص 219 ج 3 عن زائدة عن عبد الملك: ثنتي عشرة تكبيرة، وقال: هذا إسناد صحيح.
6 والطحاوي في "شرح الآثار" بهذا الاسناد: ص 401 ج 2، وباسناد آخر: حدثنا إبراهيم بن مرزوق(2/215)
قَالَ: صَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ عِيدٍ، فَكَبَّرَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ: خَمْسًا فِي الْأُولَى. وَأَرْبَعًا فِي الْآخِرَةِ، وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: وَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْمَرْفُوعَةِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ بِخَمْسٍ، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي مَوْضِعَيْنِ، قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ. وَابْنُ عُمَرَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو، وَالطُّرُقُ إلَيْهِمْ فَاسِدَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ" أَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا2، فَقِيلَ: عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَالِاضْطِرَابُ فِيهِ مِنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَضَعَّفَهُ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ غَيْرَ ابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أبو داود، وبان مَاجَهْ3 أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطائفي
__________
حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا شعبة حدثنا قتادة. وخالد الحذاء عن عبيد الله بن الحارث، أنه صلى خلف ابن عباس في العيد، فكبر أربعاً، ثم قرأ، ثم كبر، فرفع، ثم قام في الثانية، فقرأ، ثم كبر ثلاثاً، ثم كبر، فرفع، اهـ، قال ابن حزم في "المحلى" ص 83 ج 5: هذا إسناد في غاية الصحة، اهـ. قال الحافظ في "الدراية": روى عبد الرزاق من طريق عبد الله بن الحارث، قال: شهدت ابن عباس كبر في صلاة العيد، بالبصرة، تسع تكبيرات، ووإلى بين القراءتين، قال: وشهدت المغيرة فعل مثل ذلك، وإسناده صحيح، اهـ.
1 أبو داود في "باب التكبير في العيدين" ص 170. وابن ماجه في "باب كم يكبر الإِمام في صلاة العيدين" ص 92. والحاكم في "المستدرك" ص 298 ج 1. والطحاوي: ص 399 ج 2: والدارقطني: ص 181، و"مسند" أحمد ص 701 ج 6.
2 وقال الطحاوي في "شرح الآثار" ص 399 ج 2: أما حديث ابن لهيعة فبين الاضطراب، مرة يحدث عن عقيل، ومرة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب، ومرة عن خالد بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب، ومرة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة. وأبي واقد رضي الله عنه، وقد ذكرناه كله في هذا الباب.
وبعد: فمذهبهم في ابن لهيعة ما قد شرحناه في غير موضع، اهـ ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب، ويونس عن الزهري، عند الدارقطني: ص 180، وعنه عن يونس عن الزهري في "الأوسط" قاله الحافظ في "التلخيص" وعنه عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب، وعنه عن عقيل عن ابن شهاب، وعنه عن خالد بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب، الثلاثة عند الطحاوي: ص 399، وقال الحافظ في "التلخيص": هو في "الأوسط" عن يونس. وابن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة، عند أحمد في "مسنده" ص 37 ج 2، ولفظه: سبعاً قبل القراءة، وخمساً بعد القراءة، اهـ.
3 أبو داود: ص 170. وابن ماجه: ص 92. والدارقطني: ص 181. و"المنتقى": ص 137. وأحمد: ص 180 ج 2. والبيهقي: ص 215 ج 3، قال الطحاوي: ص 398 ج 2، عبد الله بن عبد الرحمن ليس(2/216)
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ، سَبْعٌ فِي الْأُولَى. وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا"، انْتَهَى. زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ، سِوَى تكبيرة الصلاة، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَالطَّائِفِيُّ هَذَا ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ1: مِنْهُمْ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ": سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ2، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ، وَبِهِ أَقُولُ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ. وَالطَّائِفِيُّ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي التَّصْحِيحِ، فَقَوْلُهُ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ "يَعْنِي أَشْبَهَ مَا فِي الْبَابِ" وَأَقَلَّ ضَعْفًا، وَقَوْلُهُ: وَبِهِ أَقُولُ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، أَيْ، وَأَنَا أَقُولُ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَشْبَهُ مَا فِي الْبَابِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَدْ عُهِدَ مِنْهُ تَصْحِيحُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ، لَيْسَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا، قَالَ: وَنَحْنُ، وَإِنْ خَرَجْنَا عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَلَكِنْ أَوْجَبَهُ، أَنَّ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ مَتْرُوكٌ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَضَرَبَ عَلَى حَدِيثِهِ فِي الْمُسْنَدِ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ، وَالطَّائِفِيُّ ضَعَّفَهُ نَاسٌ: مِنْهُمْ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي "الْعِلْمِ الْمَشْهُورِ": وَكَمْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"
__________
عندهم بالذي يحتج بروايته، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ليس بسماع، اهـ قلت: أيسر ما قيل في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إن فيه تدليساً، ذكرت ما يتعلق به في: ص 58.
1 قال النسائي ليس بالقوي، وكذا قال أبو حاتم، قال ابن عدي: أما سائر حديثه فعن عمرو بن شعيب، وهي مستقيمة، فهو ممن يكتب حديثه، قلت: ثم خلطه بمن بعده، فوهم "ميزان".
2 في "تهذيب التهذيب" عن البخاري: فيه نظر، اهـ.
3 الترمذي في "باب التكبير في العيدين" ص 70. وابن ماجه: ص 92. والدارقطني: ص 181. والطحاوي: ص 399. والبيهقي: ص 286 ج 3.(2/217)
مِنْ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ، وَأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ: مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، فَإِنَّ الْحَسَنَ عِنْدَهُمْ مَا نَزَلَ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحِيحِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، إلَّا مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ فِي "عِلَلِهِ" الَّتِي فِي آخِرِ كِتَابِهِ "الْجَامِعِ": وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ عِنْدَنَا مَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ، وَلَمْ يَكُنْ شَاذًّا، وَلَا فِي إسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٌ: لَيْسَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أَخَذَ مَالِكٌ فِيهَا بِفِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ، مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعًا، قَبْلَ الْقِرَاءَة. وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ4. وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَعَلَهُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ، رَوَاهُ مَالِكٌ
__________
1 ابن ماجه: ص 92. والحاكم في "المستدرك" ص 607 ج 3، راجعه، قلت: عبد الرحمن بن سعد ضعيف، قاله في "التقريب" وقال في "الجوهر": منكر الحديث، وسعد بن عمار مستور، والحديث مضطرب، راجع له "الجوهر".
2 الدارقطني: ص 181. والدارمي: ص 199، في كليهما عن عبد الرحمن بن سعد، المتقدم، عن عبد الله بن محمد بإسناده، وكذا البيهقي: ص 288 ج 3، قلت: عبد الله هذا، هو عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد القرظ، كما في "البيهقي" ذكره الشيخ في "الأذان" ص 138 أيضاً، فضمير جده، إما يعود إلى عبد الله، فالحديث مرسل، أو إلى محمد، وجده سعد القرظ، وأياً ما كان، ليس هذا الحديث حديثاً آخر غير الذي قبله، فقول الشيخ: حديث آخر، ليس كما ينبغي، فلعل من هذا، ظن بعض من كتب على الترمذي، من أهل عصرنا، ما ظن، فذكره من مسانيد عمار، والله أعلم.
3 الدارقطني: ص 181، ورواه الطحاوي: ص 399 عن فرج بن فضالة عن عبد الله بن عامر الأسلمي، عن نافع به، وقال: عبد الله بن عامر عندهم ضعيف، وإنما أصل الحديث عن ابن عمر نفسه، ثم أخرجه كذلك، قلت: كأن فرج بن فضالة اضطرب فيه أيضاً، وذكر ابن أبي حاتم في "العلل" ص 207 الحديث الموقوف، وقال: قال أبي: هذا خطأ، وروى هذا الحديث عن أبي هريرة، أنه كان يكبر، اهـ.
4 في "الموطأ" ص 63 موقوفاً، و"مسند أحمد" ص 357 مرفوعاً من قوله عليه السلام، وفيه: خمساً بعد القراءة، اهـ. وفي إسناده ابن لهيعة. والطحاوي: ص 399 ج 2 من طريق مالك. وصخر بن جويرية.(2/218)
فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: شَهِدْت الْأَضْحَى. وَالْفِطْرَ، مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ1: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ2" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى. وَالْفِطْرِ. وَالِاسْتِسْقَاءِ، سَبْعًا فِي الْأُولَى. وَخَمْسًا فِي الْأُخْرَى، وَيُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
__________
1حديث آخر: رواه البيهقي في "سننه" ص 292 ج 3 عن جابر بن عبد الله، قال: مضت السنة أن يكبر في العيدين سبعاً، وخمساً، يذكر الله ما بين كل تكبيرتين، اهـ، قال صاحب "الجوهر": في سنده من يحتاج إلى كشف حاله، وفيه أيضاً على بن عاصم، قال: يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب، وقال يحيى: ليس بشيء، وكان أحمد سيء الرأي فيه، وقال النسائي: متروك، قلت: ذكره الطحاوي في "شرح الآثار" ص 402 ج 2 باسناد صحيح عن جابر، أنه قال: عشر تكبيرات مع تكبيرة الصلاة، اهـ.
حديث آخر: ذكره في "الزوائد" ص 204 ج 2 عن عبد الرحمن بن عوف، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخرج له العنزة في العيد، حتى يصلي إليها، وكان يكبر ثلاث عشرة تكبيرة، وكان أبو بكر. وعمر يفعلان ذلك، اهـ. قلت: في إسناده حسن بن حماد البجلي، يحتاج إلى كشف حاله، قال الشوكاني في "النيل": هو لين الحديث، اهـ، وقال الحافظ في "التلخيص": صحح الدارقطني إرساله، اهـ.
حديث آخر: رواه البيهقي في "سننه" ص 348 ج 3، والدارقطني: ص 189، والحاكم في "المستدرك" ص 316، وصححه عن محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن طلحة عن ابن عباس، قال: سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين، إلا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلب رداءه وصلى ركعتين، وكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسة تكبيرات، اهـ. قال في "التعليق المغني": في تصحيحه نظر، لأن محمد بن عبد العزيز هذا، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال ابن القطان: وأبوه عبد العزيز مجهول الحال، فاعتل الحديث بهما، اهـ.
حديث آخر: أخرج الطحاوي في "شرح الآثار" ص 399 ج 2 عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أبي واقد الليثي. وعائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالناس يوم الفطر. والأضحى، في الأولى: سبعاً. وفي الثانية خمساً، اهـ. قلت: فيه ابن لهيعة، قال الحافظ في "التلخيص": ضعيف، اهـ، وقد اضطرب في إسناده، وقال: أبو حاتم: هذا حديث باطل بهذا الاسناد، اهـ.
حديث آخر: موقوف: أخرجه في "زيادات أحمد" ص 73 عبد الله، حدثني سريح بن يونس حدثنا محبوب بن محرز بياع القوارير كوفي ثقة، كذا قال سريح، عن إبراهيم بن عبد الله "يعني ابن فروح" عن أبيه، قال: صليت خلف عثمان العيد، فكبر سبعاً، وخمساً، اهـ. قلت: محبوب بن محرز لين الحديث، وشيخه إبراهيم من رجال اللسان يحتاج إلى كشف حاله.
2 قلت: ذكر الحديث ابن حزم في "المحلى" ص 83 ج 6، وقال: إلا أن في الطريق إبراهيم بن أبي يحيى، وهو أيضاً منقطع، اهـ.. قلت: محمد هذا، هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولم ير هو، ولا أبوه على ابن أبي طالب رضي الله عنه.(2/219)
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: حَدِيثُ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ، وَذَكَرَ مِنْهَا تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ. قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "صِفَةِ الصَّلَاةِ"، وَلَيْسَ فِيهِ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ.
قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ، بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ. قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ، فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ، وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثوبه، يلقي يه النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ، مُخْتَصَرٌ، وَذَهِلَ الْمُنْذِرِيُّ، فَعَزَاهُ لِلنِّسَائِيِّ، وَتَرَكَ الْبُخَارِيَّ. وَمُسْلِمًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى. وَيَوْمَ الْفِطْرِ، فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ، ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ، وَكَانَ يَقُولُ: تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ، انْتَهَى. بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ4، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ
__________
1 البخاري في "باب الخطبة قبل العيد" ص 131. ومسلم في "كتاب العيدين" ص 289 ج 1.
2 البخاري في "باب موعظة الإِمام النساء" ص 133. ومسلم: ص 289، وأبو داود في "باب الخطبة" ص 169 ج 1، والنسائي في "باب قيام الإِمام للخطبة متوكئاً على إنسان" ص 233.
3في "العيدين" ص 290. وأبو داود في "العيدين في باب الخطبة" ص 169، مختصراً وليس فيه: متعلق، والنسائي في "باب استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة" ص 233 عن عياض عن أبي سعيد، وكذا ابن ماجه في "باب ما جاء في الخطبة في العيدين" ص 92.
4 "البخاري في باب الخروج إلى المصلى بغير منبر" ص 131.
5 أبو داود في "باب الجلوس للخطبة" ص 170، وقال: هذا مرسل. والنسائي في "باب التخيير بين الجلوس للخطبة يوم العيدين" ص 233، وابن ماجه في "باب انتظار الخطبة بعد الصلاة" ص 93.(2/220)
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: حَضَرْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِنَا الْعِيدَ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ قَضَيْنَا الصَّلَاةَ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ، فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ، فَلْيَذْهَبْ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: غَلِطَ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى فِي إسْنَادِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ ثَنَا أَبُو بَحْرٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ فِي العيدين خطبتين، فيفصل بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ ضَعِيفٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَكْرِيرِ الْخُطْبَةِ شَيْءٌ2، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ، وَشُهِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْهِلَالِ، بَعْدَ الزَّوَالِ، صَلَّى الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ، لِأَنَّ هَذَا تَأْخِيرٌ بِعُذْرٍ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ أَبِي عُمَيْرٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ مِنْ الْبَابِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي، مِنْ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُمْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمْ هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحُوا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَخْرُجُوا إلَى عِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَابْنُ مَاجَهْ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَنْ ثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى، حَتَّى يَرْجِعَ، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": فَيَأْكُلُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَصَحَّحَ الزِّيَادَةَ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ "يَعْنِي فِي عِيدِ الْأَضْحَى"،
__________
1 ابن ماجه في "باب ما جاء في الخطبة في العيدين" ص 92.
2 قوله: لم يثبت في تكرير الخطبة، الخ: قلت: أخرج ابن ماجه في "باب الخطبة في العيدين" ص 92 عن جابر، قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فطر أو أضحى، فخطب قائماً، ثم قعد قعدة، ثم قام، اهـ. قال الحافظ في "الدراية": إنه يرد قول النووي: إنه لم يرد في تكرير الخطبة يوم العيد شيء، اهـ.
3 قد تقدم الحديث، بعد الحديث الثالث، في الباب.(2/221)
قُلْت: كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ، كَمَا تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي "أَوَائِلِ الْبَابِ"، وَهَذَا غَرِيبٌ، لَمْ أَجِدْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الَّذِي وَجَدْنَا مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، كَالْفِطْرِ، كَذَلِكَ نُقِلَ "يَعْنِي فِي عِيدِ الْأَضْحَى".
قُلْت: إنَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: كَالْفِطْرِ مُجَرَّدَ الْعَدَدِ، فَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحَى إلَى الْبَقِيعِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: "إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ"، انْتَهَى. وَإِنْ أَرَادَ عَدَدَ التَّكْبِيرِ، وَتَرْكَ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا، وَبَعْدَهَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فِي عِيدِ الْفِطْرِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ، لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ ذَلِكَ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى صَلَّاهَا مِنْ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ، وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُوَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا، لَكِنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لِمُخَالَفَةِ الْمَنْقُولِ.
قُلْت: الْمَنْقُولُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عِيدَ الْأَضْحَى فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ غَيْرُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ.
__________
1 البخاري في "باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد" ص 133، وعند مسلم في "الأضاحي" ص 154 ج 2، وليس فيه: صلى ركعتين، والله أعلم، وأخرج البيهقي: ص 311 ج 3 بسياق البخاري، وقال: رواه البخاري، وأخرجه مسلم من حديث شعبة عن زبيد، قلت: طريق شعبة أيضاً مختصر، ليس فيه صلاة الركعتين.(2/222)
فَصْلٌ فِي تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ
قَوْلُهُ: وَيَبْدَأُ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَخْتِمُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَخْتِمُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فَأَخَذَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ أَخْذًا بِالْأَكْثَرِ، إذْ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَأَخَذَ هُوَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْذًا بِالْأَقَلِّ، لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في "مصنفه"2 ثم حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُكَبِّرُ بَعْدَ
__________
2 قال في "الدراية": إسناده صحيح، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ص 299 بهذا الإسناد.(2/222)
الْعَصْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "الْآثَارِ"1 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَذَكَرَهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ2 أَيْضًا، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، يَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عن غيلان بن جابر عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، بِأَسَانِيدَ عِدَّةٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، إلَى الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ الْمَرْفُوعَةِ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ الْخَرَّازِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ الْمُؤَذِّنُ ثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَمَّارٍ، قَالَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ "بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَكَانَ يُكَبِّرُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَيَقْطَعُهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، لَا أَعْلَمُ فِي رُوَاتِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْجَرْحِ، وَقَدْ رَوَى فِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَغَيْرِهِ، فَأَمَّا مِنْ فِعْلِ عُمَرَ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. فَصَحِيحٌ، ثُمَّ سَاقَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: إنَّهُ خَبَرٌ وَاهٍ، كَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ، وَسَعِيدَ: إنْ كَانَ الْكُرَيْزِيُّ، فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، حِينَ يُسَلِّمُ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو
__________
1 "كتاب الآثار" ص 36 "باب التكبير أيام التشريق".
2والطبراني في "الكبير" قاله الهيثمي في "الزوائد" ص 197 ج 2، وقال: رجاله موثقون، اهـ. وقال الحافظ في "الدراية": إسناده صحيح.
3 الدارقطني: ص 182، وروى البيهقي عن ابن عمر، إلى صلاة الفجر، وعن ابن عباس إلى صلاة العصر، من آخر أيام التشريق، وقال: روى الوافدي بأسانيده عن عثمان. وابن عمر. وزيد بن ثابت. وأبي سعيد الخدري.
4 "المستدرك" ص 299، والدارقطني: ص 183 من طريقين واهيين، وتقدم في: ص 44 ما عليه.
5ص 182.(2/223)
بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: عَلَى مَكَانِكُمْ، وَيَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، فَيُكَبِّرُ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: جابر الجعفي سيء الحال، وعمر بْنُ شِمْرٍ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، بَلْ هُوَ مِنْ الْهَالِكِينَ، قَالَ السَّعْدِيُّ: عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ زَائِغٌ كَذَّابٌ، وَقَالَ الْفَلَّاسُ: وَاهٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، زَادَ أَبُو حَاتِمٍ: وَكَانَ رَافِضِيًّا، يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، رَوَى فِي "فَضَائِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ" أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ الْحَدِيثُ، إلَّا بِعَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ. وَأُسَيْدُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَا: عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَمَّارٍ، وَرَوَاهُ مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَى مَحْفُوظُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ، فَأَسْقَطَ مِنْ الْإِسْنَادِ، عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ، وَهَكَذَا رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: نَائِلُ بْنُ نَجِيحٍ، وَقُرِنَ بِأَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، وَزَادَ فِي "الْمَتْنِ" كَيْفِيَّةَ التَّكْبِيرِ، انتهى كلامه. ملخصاً مُحَرَّرًا.
قَوْلُهُ: وَالتَّكْبِيرُ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً وَاحِدَةً: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ عليه السلام، قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ مَأْثُورًا عَنْ الْخَلِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَأْثُورًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا شَرِيكٌ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي إسْحَاقَ: كَيْفَ كَانَ يُكَبِّرُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ؟ قَالَ: كَانَا يَقُولَانِ: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كانوا يكبروا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَحَدُهُمْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.(2/224)
أَحَادِيثُ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا 1: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا، فَصَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُصَلِّ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ.
أَثَرٌ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: صَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ الْعِيدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رُحْنَا إلَى الْجُمُعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا، فصلينا وُحدنا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
أَثَرٌ آخَرُ: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمَ عِيدٍ، فَقَالَ: يا أيها النَّاسُ، إنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي، فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَدْ أَذِنْت لَهُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ4.
__________
1 روى أبوداود. وابن ماجه. والحاكم حديث أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً، أنه قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه عن الجمعة، وإنا مجمعون، وفي إسناده بقية، رواه شعبة عن مغيرة الضبي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح به، وتابعه زياد بن عبد الله البكائي، عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح، وصحح الدارقطني إرساله لرواية حماد عن عبد العزيز عن أبي صالح، وكذا صحح ابن حنبل إرساله، ورواه البيهقي من حديث سفيان بن عيينة عن عبد العزيز موصولاً، مقيداً بأهل العوالي، وإسناده ضعيف، ووقع عند ابن ماجه عن أبي صالح عن ابن عباس، بدل: أبي هريرة، وهو وهم، نبه هو عليه، ورواه أيضاً من حديث ابن عمر، وإسناده ضعيف، كذا في "التلخيص" ص 146
2 أبو داود في "كتاب الجمعة في باب إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة"ص 160، والنسائي في "العيدين في باب الرخصة عن التخلف في الجمعة لمن شهد العيد" ص 235، وابن ماجه في "باب إذا اجتمع العيدان في يوم واحد" ص 94، والحاكم في "المستدرك" ص 288، وصححه قلت: فيه أياس بن أبي رملة، وهو مجهول.
3 أبو داود: ص 160، والنسائي: ص 236، و"المستدرك" ص 296، وصححه على شرطهما.
4 البخاري في "الأضاحي في باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها" ص 835.(2/225)
بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ5" عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ، فَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ"، ثُمَّ قَامَ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، هُوَ أَدْنَى مِنْ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ:
__________
5 مسلم: ص 296، واللفظ له.(2/225)
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَا2 نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: لَمَّا انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَى عَنْ الشَّمْسِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا، وَلَا سَجَدْتُ سُجُودًا كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ قَطُّ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ3، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ، فَأَطَالَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ، فَأَطَالَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ، فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، مُخْتَصَرٌ، وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ4 بِحَدِيثِ أَسْمَاءَ، مُبِينًا فِيهِ الصَّلَاةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، يُبَيِّنُ فِيهِ الصَّلَاةَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ "الثَّلَاثُ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ"، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ، بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، نَحْوَهُ6، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ7 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى فِي الْكُسُوفِ، فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، قَالَ: وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ8: صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَلَكِنَّهُ أَحَالَ عَلَى مَا قَبْلَهُ.
__________
1 البخاري في "باب صلاة الكسوف جماعة" ص 143، ومسلم في "كتاب الكسوف" ص 298.
2 البخاري: ص 143، ومسلم: ص 299 ج 1.
3 مسلم: ص 297 ج 1، وأبو داود: ص 174.
4 البخاري: ص 144، ومسلم: ص 298.
5 مسلم: ص 297، وأبو داود: ص 174.
6 ص 296.
7 ص 299.
8ص 299.(2/226)
وَأَمَّا حَدِيثُ "الْخَمْسُ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ"، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ، وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَفَعَلَ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو حَتَّى تَجَلَّى كُسُوفُهَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ، فِيهِ مَقَالٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ حَدِيثٌ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ "فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ"، قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنَّمَا وَجَدْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَعَلَّهُ تَصَحَّفَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الشَّمَائِلِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ، ثُمَّ رَكَعَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، وَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، زَادَ النَّسَائِيُّ: مِنْ الْقِيَامِ. وَالرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ. وَالْجُلُوسِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ مِنْ أَجْلِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، انْتَهَى. وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُنْذِرِيِّ حِينَ قَالَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَنْ يُقَيِّدَهُ "بِالشَّمَائِلِ"، بَلْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ لِعَطَاءٍ حَدِيثًا مَقْرُونًا بِأَبِي بِشْرٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ: هُوَ ثِقَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَغَيْرُهُ بَيْنَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، رَوَى عَنْهُ فِي الِاخْتِلَاطِ، إلَّا شُعْبَةَ. وَسُفْيَانَ، انْتَهَى.
قُلْت: وَأَصْحَابُ السُّنَنِ أَخْرَجُوهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَطَاءٍ خَلَا النَّسَائِيَّ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَلَيْسَ مَتْنُهُ بِصَرِيحٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ،
__________
1 أبو داود في "الكسوف في باب من قال: أربع ركعات" ص 174، والحاكم في "المستدرك" ص 333، وقال: رواته صادقون، قال ابن حزم في "المحلى" ص 100 ج 5، بعد أن روى أحاديث الركوع، والركوعين إلى خمس ركوعات، كل هذا في غاية الصحة، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمل به من صاحب. أو تابع، اهـ.
2 أبو داود في "باب من يركع ركعتين" ص 176 من طريق حماد بن سلمة، والنسائي في "باب القول في السجود في صلاة الكسوف" ص 222 من طريق شعبة، والترمذي في "الشمائل" ص 23 عن جرير عن عطاء، والحاكم في "المستدرك" ص 329، وأحمد: ص 198 ج 2، كلاهما من طريق سفيان، وصححه الحاكم، والطحاوي: ص 194 عن حماد بن سلمة، والثوري، وغيرهما، وقال العراقي في "التقييد والايضاح" ص 392: عن يحيى بن معين، قال: حديث سفيان. وشعبة. وحماد بن سلمة عن عطاء بن السائب مستقيم، اهـ.(2/227)
وَلَفْظُهُ: قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ، فَأَطَالَ، قَالَ سَمِعْته، وَأَحْسَبُهُ قَالَ فِي السُّجُودِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ. عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا. وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضَيْنِ لَنَا، حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ، قِيدَ رُمْحَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، فِي عَيْنِ النَّاظِرِ مِنْ الْأُفُقِ، اسْوَدَّتْ، حَتَّى آضَتْ، كَأَنَّهَا تَنُّومَةٌ، فَقَالَ أَحَدُنَا لِصَاحِبِهِ: انْطَلِقْ بنا إلى المسجد، فو الله لَيُحْدِثَنَّ شَأْنُ هَذِهِ الشَّمْسِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ حَدَثًا، قَالَ: فَدَفَعْنَا، فَإِذَا هُوَ بَارِزٌ، فَاسْتَقْدَمَ، فَصَلَّى بِنَا، فَقَامَ، كَأَطْوَلِ مَا قَامَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قِطُّ، لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ، كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا، ثُمَّ سَجَدَ بِنَا، كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَافَقَ تَجَلِّي الشَّمْسِ جُلُوسَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ. وَالْقَمَرُ، فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2.وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَيُنْظَرُ لَفْظُهُمَا، وَتَكَلَّمُوا فِي سَمَاعِ أَبِي قِلَابَةَ3 مِنْ النُّعْمَانِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ": قَالَ أَبِي: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: أَبُو قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مُرْسَلٌ، قَالَ أبي: قد أدرك أبي قِلَابَةَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَسَمِعَ مِنْهُ، أَوْ لَا، وَقَدْ رَوَاهُ عَفَّانَ4 عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ النُّعْمَانِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيِّ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ
__________
1 أبو داود في "باب من قال: أربع ركعات" ص 175، والنسائي في "الكسوف" ص 218، والحاكم في "المستدرك" ص 330 بطوله، وقال: على شرطهما، وأحمد: ص 16 ج 5.
2ص 271 ج 4، وص 277 ج 4 عن عفان، والحاكم في "المستدرك" ص 332، وقال في "التلخيص": صححه ابن عبد البر، اهـ.
3 فإن قيل: إن أبا قلابة روى هذا الحديث عن رجل عن قبيصة العامري، قلنا: نعم، فكان ماذا؟! وأبو قلابة أدرك النعمان، فروى هذا الخبر عنه، ورواه أيضاً عن آخر، فحدث بكلتا روايتيه، ولا وجه للتعلل بمثل هذا أصلاً، ولا معنى له "محلى" ص 98 ج 5.
4 روى أحمد في "مسنده" ص 267 ج 4 عن عفان، الخ، فليراجع، ورواه عبيد الله بن عمرو عن أيوب عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير، أو غيره، كما في "الطحاوي" ص 195 ج 1.(2/228)
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَسْأَلُ عَنْهَا، حَتَّى انْجَلَتْ، قَالَ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. إلَّا أَنَّهُ بِزِيَادَةِ رَجُلٍ بَيْنَ أَبِي قِلَابَةَ. وَالنُّعْمَانِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"1 عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، حَتَّى انْتَهَى إلَى الْمَسْجِدِ، وَثَابَ النَّاسُ إلَيْهِ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، فَانْجَلَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: "إنَّ الشَّمْسَ. وَالْقَمَرَ. آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمَا لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ2، وَقَالَ فِيهِ: فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، كَمَا تُصَلُّونَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ فِيهِ: فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مِثْلَ صَلَاتِكُمْ فِي الْكُسُوفِ، وَوَهَمَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ"، فَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ "لِلصَّحِيحَيْنِ"، وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُنْت أَرْمِي بِأَسْهُمٍ لِي بِالْمَدِينَةِ، فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ، فَنَبَذْتُهَا، وَقُلْت: وَاَللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ إلَى مَا حَدَثَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، قَالَ: فَانْتَهَيْت إلَيْهِ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ، وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ، وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا، فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا، قَرَأَ سُورَتَيْنِ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ، رَافِعٌ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ، وَيَحْمَدُ، وَيُهَلِّلُ، إلَى آخِرِهِ، وَظَاهِرُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَكَلَّفُوا لِلْجَوَابِ عَنْهُمَا، فَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ: وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ "يَعْنِي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَرُكُوعَانِ"، انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَسَكَتَ عَنْ الْأُخْرَى، وَفِي هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ إخْرَاجُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ النَّسَائِيّ: كَمَا تُصَلُّونَ. وَابْنِ حِبَّانَ: مِثْلَ صَلَاتِكُمْ، يَرُدُّ ذَلِكَ، وَتَأَوَّلَهُ الْمَازِرِيُّ، عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ تَطَوُّعٍ لَا كُسُوفٍ، فَإِنَّهُ إنَّمَا صَلَّى بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَابْتِدَاؤُهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ لَا يَجُوزُ، وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ بِمُخَالَفَتِهِ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، قَالَ: بل يحمل قوله: فاتهيت إلَيْهِ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي الصَّلَاةِ، كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَأَتَيْته، وَهُوَ قَائِمٌ فِي
__________
1 البخاري: 145، والنسائي 221.
2 النسائي في "باب الأمر بالدعاء في الكسوف" ص 223، ولفظه: كما تصلون، اهـ. وكذا الطحاوي: ص 195، وأخرجه النسائي: ص 221، ولفظه: مثل صلاتكم هذه، وذكر كسوف الشمس، والحاكم في "المستدرك" ص 335، ولفظه، إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ركعتين بمثل صلاتكم هذه في كسوف الشمس، اهـ، قلت: الظرف في حدث الحاكم يتعلق بصلى وكذا في حديث ابن حبان.
3 مسلم: ص 299، وأبو داود: ص 176، والحاكم: ص 329 ج 1(2/229)
الصَّلَاةِ، وَكَانَتْ السُّورَتَانِ بعد الانجلاء، وهذا لابد مِنْهُ، جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ مَا ذكر الْمَازِرِيُّ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ وَرَدَ فِي أَبِي دَاوُد1 عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى تَجَلَّتْ الشَّمْسُ. قَالَ: وَهُوَ مُعْتَمَدٌ قَوِيٌّ لِلْكُوفِيِّينَ2، غَيْرَ أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَصَحُّ، وَأَشْهُرُ، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ بَيْنَ الْجَوَازِ، وَذَلِكَ هُوَ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَقَدْ غَفَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ: فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ فَزِعًا، يَجُرُّ ثَوْبَهُ، وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ انْجَلَتْ، فَقَالَ: "إنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا، كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ"، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مُوسَى، وَلَمْ يَسُقْ الْمَتْنَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا عَلَّلَاهُ بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ4 عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ5 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَبِيصَةَ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُعَلِّلُ حَدِيثًا رَوَاهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" بِسَنَدٍ آخَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ أَنَّ جَدَّهُ عُبَيْدَ الله بن الوزاع حَدَّثَهُ حَدِيثَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ، وَنَحْنُ مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بِالْمَدِينَةِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، سَوَاءٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، سَقَطَ بَيْنَ أَبِي قِلَابَةَ. وَقَبِيصَةَ رَجُلٌ، وَهُوَ: هِلَالُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ هِلَالًا ثِقَةٌ، انْتَهَى.
__________
1 أبو داود في "باب من قال: يركع ركعتين" ص 176، والطحاوي: ص 195، وأحمد: ص 267 ج 4.
2قال ابن عبد البر في "التمهيد": ومن أحسن حديث ذهب إليه الكوفيون حديث أبي قلابة عن النعمان، كذا في "الجوهر" وقال النووي في "المجموع" ص 63 ج 5: إسناده صحيح، وحسن.
3 أبو داود في "باب من قال: أربع ركعات" ص 175، والحاكم في "المستدرك" ص 333، والنسائي: ص 219، وأحمد ص 61 ج 5.
4 ريحان بن سعيد، قال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال البرديجي: حديث ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس منكر "الجوهر".
5 عباد بن منصور ضعفه غير واحد، وقال الحافظ في "التقريب": صدوق، رمي بالقدر، وكان يدلس، وتغير بآخره، اهـ.(2/230)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1: وَسِيَاقُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِرَكْعَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِخْبَارُ عَنْ صَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام يَوْمَ الْكُسُوفِ، يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمَ، وَقَدْ أَثْبَتَ جَمَاعَةٌ مِنْ حُفَّاظِ الصَّحَابَةِ عَدَدَ رُكُوعِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ2، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": كُلُّ مَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ، وَقَوْلُهُ: مِثْلَ صَلَاتِنَا، أَوْ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ، ظَنٌّ مِنْ الرَّاوِي، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ خُسُوفِ الْقَمَرِ: تَقَدَّمَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا"، وَفِي لَفْظٍ: "فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ"، أَخْرَجَاهُ3 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخْرَجَاهُ5 أيضا حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَالْحَاكِمُ6 مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: "فَأَيُّهُمَا انْخَسَفَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ"، وَلِلْبَيْهَقِيِّ7 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: "فَإِذَا خَسَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَصَلُّوا"، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"8 عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدِ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ. وَالْقَمَرِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. انْتَهَى. وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، سَكَتَ عَنْهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" ثُمَّ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ، وَقَالَ: إنَّ ثَابِتَ بْنَ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدَ صَدُوقٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا9 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ. وَالْقَمَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ10: فِيهِ سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ، ولا أعرف حاله، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَسْنُونَ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ11 عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ الشَّمْسَ. وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رأيتموها فَادْعُوَا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْكَشِفَ"، انْتَهَى.
__________
1 ص 334 ج 3.
2وكذا من روى، في كل ركعة ثلاث ركعات، وأكثر "الجوهر".
3 البخاري في "باب خطبة الإِمام في الكسوف" ص 142، ومسلم ص 296، حديث ابن عمر أخرجه "البخاري" ص 142، ومسلم: ص 299.
4 حديث جابر أخرجه مسلم: ص299
5 البخاري في باب"الصلاة" في كسوف الشمس" ص142 ومسلم:299
6 ص 332 ج 1.
7 ص 337 ج 3.
8 الدارقطني ص 188، وقال الحافظ في "التلخيص": وفي إسناده نظر، وهو في مسلم، بدون ذكر: القمر، اهـ.
9 ص 188.
10 وقال الحافظ في "التلخيص" ذكر القمر فيه مستغرب، اهـ.
11 البخاري في "باب الدعاء في الكسوف" ص 145، ومسلم: ص 300 ج 1.(2/231)
وَلِلْبُخَارِيِّ1 عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَلِمُسْلِمٍ2 عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَهُ أَيْضًا3 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، "فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفًا فَاذْكُرُوا اللَّهَ حَتَّى تَنْجَلِيَ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "صَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ"، وَلَهُ أَيْضًا4مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّمَا الشَّمْسُ. وَالْقَمَرُ آيات مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ"، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5 عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو حَتَّى تَجَلَّى كُسُوفُهَا، مُخْتَصَرٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ، اخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِيهِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِي رَكْعَتَيْ الْكُسُوفِ بِالْقِرَاءَةِ،
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ6 عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قراءته فَرَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فِي رَكْعَتَيْنِ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، انْتَهَى. لَمْ يَقُلْ فِيهِ مُسْلِمٌ: ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَلِلْبُخَارِيِّ7 مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد8 وَلَفْظُهُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، فَجَهَرَ بِهَا "يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، فَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ،
__________
1 البخاري في "باب الصلاة في كسوف الشمس" ص 141 ج 1.
2 مسلم: ص 299.
3 مسلم: ص 296.
4 مسلم: ص 297.
5 أبو داود في "باب من قال: أربع ركعات" ص 174 ج 1.
6 البخاري في "باب الجهر بالقراءة في الكسوف" ص 145، ومسلم: ص 296.
7 قلت: حديث أسماء لم اجده في البخاري، وعز إليه العيني في "البناية". وابن الهمام في "الفتح". والحافظ في "الدراية" أيضاً.
8 أبو داود في "باب القراءة في صلاة الكسوف" ص 175. والترمذي في "باب القراءة في الكسوف" ص 73، كلاهما من حديث عائشة، دون أسماء.(2/232)
وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ يُفَسِّرُ1 لَفْظَ "الصَّحِيحَيْنِ" بِخُسُوفِ الْقَمَرِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ. وَسَمُرَةُ الْإِخْفَاءَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ.
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2، وَكَذَلِكَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حدثنا حسن بن مُوسَى الْأَشْيَبِ أَنْبَأَ ابْنُ لَهِيعَةَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُسُوفَ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِيهَا حَرْفًا مِنْ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ عِكْرِمَةَ" مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّيْت إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ، فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ قِرَاءَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ عَدَدٌ، وَرِوَايَتُهُمْ تُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ عليه السلام قَرَأَ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، هَكَذَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا قَرَأَ، إذْ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِغَيْرِهِ، وَيَدْفَعُ حَمْلَهُ عَلَى الْبَعْدِ، رِوَايَةُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ: صَلَّيْت إلَى جَنْبِهِ، وَيُوَافِقُ أَيْضًا رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ، وَيُوَافِقُ أَيْضًا حَدِيثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ3، وَإِنَّمَا الْجَهْرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَطْ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ حَافِظًا، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ، مِنْ الْوَاحِدِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ، وَهُوَ الَّذِي، أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا قَرَأَ، إذْ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِغَيْرِهِ، هَكَذَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ
عَنْهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: يُخْفِي الْقِرَاءَةَ، لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ لَعُلِمَ مَا قَرَأَ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الْإِسْرَارِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى قَوْلِ عَائِشَةَ4 فِي حَدِيثٍ آخَرَ، فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ،
__________
1 هذا التفسير فسر به النووي في "المجموع" ص46 –ج5
2 ص 293، وص 350، والطحاوي: ص 197، والبيهقي: ص 335 ج 3.
3 البخاري في "باب صلاة الكسوف جماعةط ص 143، ومسلم: ص 298، وبهذا اللفظ أخرج أبو داود في: ص 175: من حديث أبي هريرة أيضاً.
4 أبو داود في "باب القراءة في صلاة الكسوف" ص 175.(2/233)
قَالَ: فَقِيلَ: فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَهَرَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ قَدْ جَاءَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَلَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ عليه السلام جَمَعَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى": يُحْمَلُ حَدِيثُ الْإِخْفَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ، لِمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ مَبْسُوطَةٍ: أَتَيْنَا، وَالْمَسْجِدُ قَدْ امْتَلَأَ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الْإِخْفَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ يَحْمِلُوهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ قَدْ يَنْسَى الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ الْمَقْرُوءَ بِعَيْنَيْهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ذَاكِرٌ لِقَدْرِهِ، فَيَقُولُ: قَرَأَ فُلَانٌ نَحْوَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ قَدْ سَمِعَ مَا قَرَأَ، ثُمَّ نَسِيَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: بَيْنَمَا أَنَا، وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضَيْنِ لَنَا، حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي "أَوَّلِ الْبَابِ"، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، وَاخْتَصَرَهُ الْبَاقُونَ، وَلَفْظُهُمْ: قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفٍ، لَا يسمع له صوتاً، انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ: فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ , مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مُطَوَّلًا. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد , وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" مُطَوَّلًا. وَمُخْتَصَرًا، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ سَمُرَةُ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ إبْطَالُ هَذَا.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: " إذَا رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَفْزَاعِ شَيْئًا، فَارْغَبُوا إلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ"،
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ"2 مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا، وَأَخْرَجَا أَيْضًا3 عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ، وَأَخْرَجَا أَيْضًا4 عَنْ عَائِشَةَ: "وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَكَبِّرُوا. وَادْعُوا. وَصَلُّوا".
__________
(4) أبو داود في "باب من قال: أربع ركعات" ص 175، والنسائي: ص 219، والترمذي في "باب كيف القراءة في الكسوف" ص 730، وابن ماجه في "باب ما جاء في صلاة الكسوف" ص 91، والحاكم: ص 334 ج 7، مختصراً، وص 330، مطولاً، والطحاوي: ص 197.
2 البخاري: ص 145، ومسلم: ص 300.
3 البخاري في "باب الذكر في الكسوف" ص 145، ومسلم: ص 299.
4 البخاري في "باب الصدقة في الكسوف" ص 142، ومسلم: ص 196.(2/234)
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "فَاذْكُرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفِرُوهُ"، قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ. وَدُعَائِهِ. وَاسْتِغْفَارِهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": الْمُرَادُ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّلَاةُ، لِأَنَّهَا تشمل عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، فَسُمِّيَتْ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَة تَأْخِيرُهَا عَنْ الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ3 فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ". وَالنَّسَائِيُّ فِي "كِتَابِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قيل: يارسول اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: "جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَرْوِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُنْقَطِعٌ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِيثِهِ عَنْ جَابِرٍ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إنَّهُ مُتَّصِلٌ، وَزَعَمَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَكَذَلِكَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ عَبَّاسُ الدُّورِيُّ: قُلْت لِيَحْيَى: سَمِعَ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ: سَمِعَ مِنْ جَابِرٍ؟ قَالَ: لَا، هُوَ مُرْسَلٌ، كَانَ مَذْهَبُ يَحْيَى أَنَّهُ يُرْسِلُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: "يَا مُعَاذُ، وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّك، أُوصِيَك، يَا مُعَاذُ! لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله فِي "تَارِيخِهِ الْوَسَطِ فِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ": قَالَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ: ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ. وَدَاوُد بْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ
وَرَّادٍ، مَوْلَى الْمُغِيرَةِ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ، فَافْزَعُوا
__________
1 البخاري في "باب الذكر في الكسوف" ص 145، ومسلم ص 299.
2 قلت: لم أر هذا اللفظ في "الصحيح" من حديث ابن عمر، إنما هو من حديث ابن عباس، في "باب صلاة الكسوف" ص 144، وفي "بدء الخلق وغيرهما" والله أعلم.
3 الترمذي في "الباب التاسع من باب عقد التسبيح باليد" ص 188.
4 أبو داود في "آخر كتاب الصلاة في باب الاستغفار" ص 220، والحاكم في "المستدرك" ص 373، على شرطهما.(2/235)
إلَى الصَّلَاةِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ1 فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ"، وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ عَلَى أَنَّ خُسُوفَ الْقَمَرِ لَيْسَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، وَإِنَّمَا يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مُطَابَقَةٌ.
قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الْكُسُوفِ خُطْبَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، قُلْت: هَذَا غَلَطٌ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ"2 مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ: ثُمَّ انْصَرَفَ بَعْدَ أَنْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ، فَقَامَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْت لَمْ أَرَهُ إلَّا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أَوْحَى إلَى أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ، مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُك بِهَذَا الرَّجُلِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، أَوْ الْمُوقِنُ، فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّك كُنْت لَمُؤْمِنًا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ، أَوْ الْمُرْتَابُ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرَى، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلًا فَقُلْته"، وَأَخْرَجَا3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: "إنِّي رَأَيْت الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ، مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ منك شيئاً قط"، وأخرجا أَيْضًا4 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ قَالَ: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ، أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَإِنِّي رَأَيْت فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الْجَنَّةِ، حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ فِي صَلَاتِي، وَلَقَدْ رَأَيْت جَهَنَّمَ، يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْت، وَرَأَيْت فِيهَا "عَمْرَو بْنَ لُحِيٍّ" وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ"، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ جَابِرٍ: وَلَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْت، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا،
وَحَتَّى رَأَيْت فِيهَا "صَاحِبَ الْمِحْجَنِ"، يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ، قَالَ: إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأَيْت فِيهَا "صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ" الَّتِي رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا وَعَطَشًا، ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ،
__________
1 البخاري في "باب خطبة الإِمام في الكسوف" ص 142، ومسلم: ص 296.
2 البخاري في "الجمعة في باب من قال في الخطبة في الثناء: أما بعد" ص 126، ومسلم: ص 298، ولم أر فيهما، أن الشمس. والقمر آيتان من آيات الله إلى عباده، ولا بهذا السياق، والله أعلم.
3 البخاري في "باب صلاة الكسوف جماعة" ص 124، ومسلم: ص 298، واللفظ له.
4البخاري في "باب الصدقة في الكسوف" ص 142، وفي غيره قطعة قطعة، ومسلم: ص 296.
5 مسلم: ص 298.(2/236)
وَذَلِكَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْت، حَتَّى قُمْت فِي مَقَامِي، وَلَقَدْ مَدَدْت يَدِي، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إلَيْهِ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ لَا أَفْعَلَ، ما مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ، إلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ"، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ1 فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أُنْشِدُكُمْ بِاَللَّهِ، إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَصَّرْتُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ رَبِّي، لَمَا أَخْبَرْتُمُونِي ذَلِكَ"، قَالَ: فَقَامَ رِجَالٌ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَلَّغْت رِسَالَاتِ رَبِّك، وَنَصَحْت لِأُمَّتِك، وَقَضَيْت الَّذِي عَلَيْك، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: "فَإِنَّ رِجَالًا يَزْعُمُونَ أَنَّ كُسُوفَ هَذِهِ الشَّمْسِ، وَكُسُوفَ هَذَا الْقَمَرِ، وَزَوَالَ هَذِهِ النُّجُومِ عَنْ مَطَالِعِهَا، لِمَوْتِ رِجَالٍ عُظَمَاءَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا آيَاتٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يَعْتَبِرُ بِهَا عِبَادُهُ، فَيَنْظُرُ مَنْ يُحْدِثُ لَهُ مِنْهُمْ تَوْبَةً، وَاَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت مُنْذُ قُمْت أصلي ما أنتم لا قوه فِي أَمْرِ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، وَأَنَّهُ وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا، آخِرُهُمْ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ، وَأَنَّهُ مَتَى يَخْرُجُ، فَسَوْفَ يَزْعُمُ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَنْ آمَنَ بِهِ، وَصَدَّقَهُ، وَاتَّبَعَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مِنْ عَمَلٍ سَلَفَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ، وَكَذَّبَهُ لَمْ يُعَاقَبْ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفَ، وَأَنَّهُ سَوْفَ يَظْهَرُ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا، إلَّا الْحَرَمَ. وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَنَّهُ يَسُوقُ النَّاسَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيُحْصَرُونَ حَصْرًا شَدِيدًا، قَالَ فَيُصْبِحُ فِيهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَقْتُلُهُ، وَجُنُودَهُ، حَتَّى إنَّ جِذْمَ الْحَائِطِ، وَأَصْلَ الشَّجَرَةِ لَيُنَادِي: يَا مُسْلِمُ، هَذَا كَافِرٌ، تَعَالَ، فَاقْتُلْهُ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَرَوْا أُمُورًا يَتَفَاقَمُ شَأْنُهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، فَتَتَسَاءَلُونَ بَيْنَكُمْ، هَلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا شَيْئًا؟، ثُمَّ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ الْمَوْتُ"، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"2 فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَامَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: "لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ، حَتَّى لَوْ شِئْت لَتَعَاطَيْتُ قِطْفًا مِنْ قُطُوفِهَا، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، حَتَّى جَعَلْت أُلْقِيهَا، حَتَّى خِفْت أَنْ يَغْشَاكُمْ، فَجَعَلْت أَقُولُ: أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ، وَأَنَا فِيهِمْ، أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا يعذبهم، وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَرَأَيْت فِيهَا "الْحِمْيَرِيَّةَ السَّوْدَاءَ" صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ، كَانَتْ حَبَسَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَرَأَيْت فِيهَا صَاحِبَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَا دَعْدَعٍ يُدْفَعُ فِي النَّارِ بِقَصَبَتِهِ، وَرَأَيْت "صَاحِبَ الْمِحْجَنِ" مُتَّكِئًا فِي النَّارِ عَلَى مِحْجَنِهِ"، وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَقْصِدْ الْخُطْبَةَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ دَفْعًا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الشَّمْسَ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، وَإِخْبَارًا بِمَا رَآهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَاسْتَضْعَفَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَقَالَ: إنَّ الْخُطْبَةَ لَا يَنْحَصِرُ مَقَاصِدُهَا فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، سِيَّمَا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَبَدَأَ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْخُطْبَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ، وَذَكَرَ، وَقَدْ
__________
1 أحمد في "مسنده" ص 16 ج 5، والحاكم في "المستدرك" ص 330 ج 1.
2 والنسائي من حديث ابنه عبد الله: ص 218، بمعناه.(2/237)
يَتَّفِقُ دُخُولُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَقَاصِدِهَا، مِثْلُ ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكَوْنِهِمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، بَلْ هُوَ كَذَلِكَ جَزْمًا، انْتَهَى. قُلْت: وَصُعُودُ الْمِنْبَرِ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ1. وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَفْظُهُمْ: ثُمَّ انْصَرَفَ بَعْدَ أَنْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ، فَقَامَ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، الْحَدِيثَ، وَبِمَذْهَبِنَا، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنَّ الْخُطْبَةَ لَا تُسَنُّ فِي الْكُسُوفِ، وَأَجَابُوا بِمَا أَجَابَ بِهِ أَصْحَابُنَا، نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
__________
1 النسائي في "باب القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف" ص 222 من حديث عائشة، وأحمد في "مسنده" ص 354 ج 6 من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، بلفظ آخر.(2/238)
بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَسْقَى، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ2.قُلْت: أَمَّا اسْتِسْقَاءَهُ عليه السلام، فَصَحِيحٌ ثَابِتٌ، وَأَمَّا إنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ، فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ اسْتَسْقَى، وَلَمْ يُصَلِّ، بَلْ غَايَةُ مَا يُوجَدُ ذِكْرُ الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الشَّيْءِ عَدَمُ وُقُوعِهِ، فَهَذَا كَمَا رُدَّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إيجَابِهِ الْعُمْرَةَ، بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3 أَمَرَ الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَقْضِيَ الْحَجَّ عَنْ أَبِيهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ عَنْهُ، فَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله، بِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ، وَلَكِنْ حَفِظَ الرَّاوِي بَعْضَهُ وَنَسِيَ بَعْضَهُ، أَوْ حَفِظَهُ كُلَّهُ، وَلَكِنْ أَدَّى الْبَعْضَ، وَتَرَكَ الْبَعْضَ، يَقَعُ ذَلِكَ بِحَسَبِ السُّؤَالِ وَالْحَاجَةِ، وَاَللَّهُ أعلم، فما ذُكِرَ فِيهِ الِاسْتِسْقَاءُ دُونَ الصَّلَاةِ، مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ4 عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ
اللَّهَ يُغِثْنَا5، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا"، قَالَ أَنَسٌ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ،
__________
2 يعني في ذلك الاستسقاء، فلا يرد أنه غير صحيح، كما قال الإِمام الحافظ الزيلعي، المخرج، ولو تعدى نظره إلى سطر، حتى رأى قوله في جوابهما، قلنا: فعله مرة، وتركه أخرى، فلم يكن سنة، لم يحمله على النفي مطلقاً. وإنما يكون سنة ما واظب عليه، كذا في "فتح القدير" ص 437 ج 1.
3 أخرج البخاري في "أول المناسك" ص 205 حديث الخثعمية، من رواية ابن عباس رضي الله عنه.
4 البخاري في "باب الاستسقاء في خطبة الجمعة" ص 238، ومسلم في "الاستسقاء" ص 293.
5 في نسخة "يغيثنا".(2/238)
مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَمْ يَزَلْ الْمَطَرُ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكُهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ. وَالظِّرَابِ. وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ. وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ"، قَالَ: فَانْقَلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَهْوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ1، فَقَامَ إلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ. أَوْ غَيْرُهُ، وَفِي لَفْظٍ2: ثُمَّ جَاءَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقَ، وَفِي لَفْظٍ3: ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ، وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، أَنَّ الْقَائِلَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ شَكٌّ وَتَرَدُّدٌ، وَمِمَّا وَرَدَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ مَعَ الِاسْتِسْقَاءِ، مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فصلى بهم ركعتين، حوَّل رِدَاءَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَدَعَّى وَاسْتَسْقَى، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، انْتَهَى. زَادَ الْبُخَارِيُّ5: فِيهِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ، كَصَلَاةِ الْعِيدِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ6 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ، قَالَ: أرسلني الوليد بن عتبة وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلَهُ عَنْ اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْتَذِلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ. وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"7: رِوَايَةُ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ
__________
1 في "باب الاستسقاء على المنبر" ص 138.
2 عند البخاري في "باب رفع الناس أيديهم مع الإِمام" ص 140.
3 عند البخاري في "باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء" ص 138.
4 البخاري في "الاستسقاء" ص 137، ومسلم فيه: ص 293، وأبو داود فيه: ص 171، والنسائي فيه: ص 224، والترمذي: ص 72، كأن اللفظ له، وابن ماجه: ص 91.
5 البخاري في "باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء" ص 139، والنسائي: ص 224، وأبو داود: ص 171، والترمذي: ص 72.
6 أبو داود في "الاستسقاء" ص 172، والنسائي في "باب كيف صلاة الاستسقاء" ص 226، والترمذي في "الاستسقاء" ص 73، وابن ماجه فيه: ص 91، والحاكم في "المستدرك" ص 327، والطحاوي: ص 191.
7 وقال الحافظ في "الدراية": وقلت: وهم من زعم أن إسحاق لم يسمع من ابن عباس، اهـ.
* تأخر(2/239)
فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَمِيرٌ مِنْ الْأُمَرَاءِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلَهُ عَنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا فِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ. وَهِشَامٌ، هُوَ: ابْنُ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ، فَنَسَبَهُ بِجَدِّهِ، وَتَرَكَ اسْمَ أَبِيهِ، فَإِنَّ الْبَاقِينَ، قَالُوا: عَنْ هِشَامِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَرْسَلَنِي، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ": كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ صَاحِبُ الْأَذَانِ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، بَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ، وَالْأَوَّلُ كُوفِيٌّ، انْتَهَى. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" فِي هَذَا الْحَدِيثِ: جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله، لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله احْتَجَّ بِقَوْلِهِ: كَصَلَاةِ الْعِيدِ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهَا تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَنِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي مَرْوَانُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنْ سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ، فَقَالَ: سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدَيْنِ، إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَيَسَارَهُ عَلَى يَمِينِهِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَقَرَأَ "بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى"، وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، وَكَبَّرَ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ضَعْفُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا، قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كتاب الضعفاء": يروى عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضَلَاتِ، وَيَنْفَرِدُ بِالطَّامَّاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، حَتَّى سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ: مُحَمَّدٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ. وَعِمْرَانُ، بَنُو عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُوهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَاعْتَلَّ الْحَدِيثُ بِهِمَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الطبراني
__________
1 والحاكم في "المستدرك" ص 326، سواء بسواء، والنسائي في "باب كيف صلاة الاستسقاء" ص 326، وكذا الدارقطني: ص 189.
2 البخاري في "باب تحويل الرداء" ص 137، ومسلم: ص 293.
3 ص 326، والدارقطني: ص 189، والبيهقي: ص 348 ج 3.(2/240)
فِي "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ دَاوُد بْنِ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أ، س بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُكَبِّرْ فِيهِمَا إلَّا تَكْبِيرَةً، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَوَى فِيهِ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ ثَنَا أُبَيٌّ حدثنا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عن محمد بن عبيد اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُسُوفَ، قَالَ: لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، قُلْت: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، ثُمَّ خَطَبَنَا، وَدَعَا اللَّهَ، وَحَوَّلَ وَجْهُهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ صَدُوقٌ، لَكِنْ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ كَبِيرٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، بِلَفْظِ: فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، إلَى آخِرِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قالت: شكى النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي
الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ، وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ"، ثُمَّ قَالَ:
__________
1 ابن ماجه في "باب ما جاء في صلاة الاستسقاء" ص 91، والبيهقي: ص 347 ج 3، والطحاوي: ص 192.
2 ص 41 ج 4، والدارقطني: ص 189.
3 أبو داود في "باب رفع اليدين في الاستسقاء" ص 172، والحاكم في "المستدرك" ص 328.(2/241)
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، "اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ، وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْت لَنَا قُوتًا وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ، حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ. ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَلَمْ يَأْتِ عليه الصلاة والسلام مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ، إلَى الْكِنِّ، ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَهَذَا كَلَامٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَالْمَوْعِظَةِ. وَالدُّعَاءِ، سِيَّمَا، وَقَدْ قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد: أَنَّهُ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ الْعَكْسُ، وَلَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِمَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، أَنَّ الْخُطْبَةَ تُسَنُّ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تُسَنُّ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ إسْحَاقَ بْنِ كِنَانَةَ1 الْمُتَقَدِّمَ، وَفِيهِ: فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ، قُلْنَا: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ خَطَبَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَيْنِ، كَمَا يَفْعَلُ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَكِنَّهُ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً، فَلِذَلِكَ نَفَى النَّوْعَ، وَلَمْ يَنْفِ الْجِنْسَ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ، فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدْفَعُ تَأْوِيلَ الْخُطْبَةِ، بِأَنَّهَا كَانَتْ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ الِاسْتِسْقَاءُ فِي ضِمْنِهَا إجَابَةً لِلسَّائِلِ، كَمَا تَقَدَّمَ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: دَخَلَ رجل المسجد يوم جمعة، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: فَاسْتَسْقَى، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ: وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَلِلْبُخَارِيِّ2 عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ،
قَالَ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ، وفي لفظه لِأَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ"3: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد4، قَالَ: اسْتَسْقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا، فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ، قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَزَادَ أَحْمَدُ5: وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ، قَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا اللَّفْظُ
__________
1 أي بحديث ابن عباس رضي الله عنه، وتقدم قريباً.
2 البخاري في "باب الاستسقاء في المصلى" ص 140، وأحمد: ص 40 ج 4.
3 أحمد: ص 41 ج 4
4 أبو داود في "باب صلاة الاستسقاء ص 171,والحاكم: ص 327, وأحمد: ص41- ج4, وفيه: وقلبها عليه الأيمن على الأيسر, والأيسر على الأيمن
5 أحمد: ص 41- ج4.(2/242)
فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّ الْقَلْبَ غَيْرُ التَّحْوِيلِ، وَلَكِنَّ الثَّوْبَ إذَا كَانَ لَهُ طَرَفَانِ، كَالْكِسَاءِ. وَنَحْوِهِ، يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَلْبِ، وَالتَّحْوِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله: وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ1 أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، مُشْكِلٌ، لِأَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَأَيْضًا فَالْقَوْمُ قَدْ حَوَّلُوا بِحَضْرَتِهِ عليه الصلاة والسلام، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيرُ الشَّارِعِ حُكْمٌ، كَمَا وَرَدَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"2 فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ عليه السلام حَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَفَاؤُلًا، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ هَيْئَةٍ إلَى هَيْئَةٍ، وَتَحَوُّلٌ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِانْتِقَالِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، وَتَحَوُّلِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ، قُلْت: قَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي "مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ"3 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَصَحَّحَهُ، وَفِيهِ: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" وَفِي الطُّوَالَاتِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَكِنْ قَلَبَ رِدَاءَهُ، لِكَيْ يَنْقَلِبَ القحط إلى الخصب، وَفِي "مُسْنَدِ" إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ4: لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ.
__________
1راجع "فتح القدير" ص 440 ج 1، فإن لصاحبه على الحافظ المخرج مؤاخذة، وليست بصحيحة، والله أعلم.
2 ص 41 ج 4.
3 "المستدرك" ص 326 ج 1، والدارقطني عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا: ص 189.
4 وفي "مسند أحمد" ص 41 ج 1، قال أبو عبد الرحمن: قلب الرداء حتى تحوّل السنة، ويصير الغلاء رخصاً، اهـ.(2/243)
باب صلاة الخوف
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ "يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ": طَائِفَةً: خَلْفَهُ. وَطَائِفَةً: عَلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِتِلْكَ الطَّائِفَةِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي خَلْفَهُ، إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَتَشَهَّدَ، وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُسَلِّمُوا، وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى، فَصَلَّوْا رَكْعَةً وسجدتين، وُحدانان بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَتَشَهَّدُوا، وَسَلَّمُوا، وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، بِقِرَاءَةٍ، وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ خَصِيفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ
__________
1 أبو داود: في "الخوف في باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة" الخ: ص 184، والطحاوي: ص 184.(2/243)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامُوا صَفًّا خلفه، وصفاً مُسْتَقْبِلُ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ، فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ، وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلَاءِ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ هَؤُلَاءِ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا، فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَرَجَعَ أُولَئِكَ إلَى مَقَامِهِمْ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ، لَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَخُصَيْفٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَيُمْكِنُ مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ1، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، كَانَ قَضَاؤُهُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَبْقَى الْإِمَامُ كَالْحَارِسِ وَحْدَهُ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مسعود، كان قضاءهم مُتَفَرِّقًا عَلَى صِفَةِ صَلَاتِهِمْ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَأَصْحَابُهُ، غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ نَصُّ أَشْهَبَ، مِنْ أَصْحَابِنَا، خِلَافَ مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَأَبُو يُوسُفَ، وَإِنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا فِي زَمَانِنَا، فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا رَوَيْنَا. قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا يُنْكِرُ شَرْعِيَّتَهَا بَعْدَ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَتَبِعَ أَبَا يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْمُزَنِيّ، وَمُسْتَنَدُهُمْ خُصُوصُ الْخِطَابِ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِي قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ} الْآيَةَ، وَلِأَنَّ فِيهَا أَفْعَالًا مُنَافِيَةً لِلصَّلَاةِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الْخِطَابِ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الِاتِّبَاعِ وَالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" وَالْأَفْعَالُ الْمُنَافِيَةُ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَهُ عليه الصلاة والسلام، قُلْت: قَدْ وَرَدَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام، لَا مِنْ فِعْلِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي بَابِ قوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن يوسف أبا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ
__________
1 البخاري في "أبواب صلاة الخوف" ص 128.
2 البخاري في "التفسير في باب قوله عز وجل: {فإِن خفتم فرجالاً أو ركباناً} الآية" ص 650 ج 2.(2/244)
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ، قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ. وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، بَيْنَهُمْ. وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، وَلَا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا، عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ، إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: قَالَ: يَقُومُ الْإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَتَقُومُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ، وَوُجُوهُهُمْ إلَى الْعَدُوِّ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، وَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ إلَى مَقَامِ أُولَئِكَ، وَيَجِيءُ أُولَئِكَ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، فَهِيَ لَهُ ثِنْتَانِ، وَلَهُمْ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَرْكَعُونَ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَفَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا آثَارٌ: مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُمْ غَزَوْا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ كَابُلَ فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ الْخَوْفِ "يَعْنِي بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ" ذَكَرَهُ عَقِيبَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي الْآثَارِ الَّتِي عَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ صَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فِي زَمَانِهِ3.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى الظُّهْرَ بِطَائِفَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ،
__________
1 الترمذي في "باب صلاة الخوف" ص 74، وابن ماجه: ص 90 ج 3.
2 أبو داود في "باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة" الخ: ص 184.
3 روى أبو داود: ص 184، أن عبد الرحمن بن سمرة صلى بكابل صلاة الخوف، وروى الطحاوي. ص 183، والنسائي. وأبو داود. وأحمد. وغيرهم، أن سعيد ابن العاص، وحذيفة: صليا بطبرستان صلاة الخوف وروى البيهقي في: ص 252 ج 3 عن أبي موسى، أنه صلى بأصبهان صلاة الخوف وعن علي أنه صلى المغرب صلاة الخوف ليلة الهرير.(2/245)
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، قَالَ: كُنَّا إذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَهُ، فَاخْتَرَطَهُ، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟! قَالَ: "اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْك"، قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن فَأَغْمَدَ السَّيْفَ، وَعَلَّقَهُ، قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ، انْتَهَى. وَلَمْ يَصِلْ الْبُخَارِيُّ سَنَدَهُ بِهِ، فَقَالَ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي2 فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ": وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَقَالَ: أَخْرَجَاهُ3، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ. وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي "كِتَابَيْهِمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ" مَعَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَصَلَ سَنَدَهُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، عَقِيبَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا: وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ، كَأَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَقَالَ مَنْ قَلَّدَهُ الشَّيْخُ: وَلِأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ وَهْمٌ، أَمَّا النَّسَائِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصْلًا، لَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَمَّا أَبُو دَاوُد، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَهَذَا هو حديث الكتاب، فإن فِيهِ ذِكْرُ الظُّهْرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ لَيْسَ صَرِيحًا، فَلِذَلِكَ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ5، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يحمله عليه،
__________
1 مسلم في "صلاة الخوف" ص 279.
2 البخاري: ص 593.
3 وكذا وهم صاحب "المشكاة" حيث قال: متفق عليه.
4 أبو داود في "باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين" ص 184، وقد تقدم الحديث: ص 56 من هذا الجزء.
5 قال النووي في "شرح مسلم" ص 279: معناه صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وسلم، وسلموا، وبالثانية كذلك، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متنفلاً، وهم مفترضون، اهـ، وقال الحافظ في "التلخيص" ص 140: أورده الشافعي. والنسائي. وابن خزيمة عن طريق الحسن عن جابر، وفيه: أنه سلم من الركعتين أوّلاً، ثم صلى ركعتين بالطائفة الأخرى، اهـ. قلت: تقدم: ص 92 ج 1 أن الحسن روى عن جابر أحاديث، ولم يسمع منه، اهـ، وروى(2/246)
وَمِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام فِي غَيْرِ حُكْمِ سَفَرٍ، وَهُمْ مُسَافِرُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَقِيلَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بالمتنفل، وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الْفَرْضِ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ عليه السلام كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ. فَاخْتَارَ الْإِتْمَامَ، وَاخْتَارَ لِمَنْ خَلْفَهُ الْقَصْرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ فِي حَضَرٍ، بِبَطْنِ نَخْلَةَ، عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ خَوْفٌ، فَخَرَجَ مِنْهُ مُحْتَرِسًا، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ يَتَقَوَّى هَذَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ، بِبَطْنِ نَخْلَةَ1، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحَاصِرًا لِبَنِي مُحَارِبٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إلَّا أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ شَيْخَ الشَّافِعِيِّ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ، ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يُحْفَظْ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ خَوْفٍ قَطُّ فِي حَضَرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَرْبٌ قَطُّ فِي حَضَرٍ إلَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَلَمْ يَكُنْ آيَةُ الْخَوْفِ نَزَلَتْ بَعْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ2 حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ الْمَذْكُورَ، قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، حَتَّى نُهِيَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ. وَالْمَغَازِي، أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ: ذَاتُ الرِّقَاعِ. وَبَطْنُ نَخْلٍ. وَعُسْفَانُ. وَذِي قَرَدٍ، فَحَدِيثُ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3 عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ
__________
الطحاوي في "شرح اآثار" ص 187 عن قتادة عن اليشكري عن جابر، وقال البخاري. وابن معين: إن قتادة لم يسمع من اليشكري، ومنهم ابن حزم في "المحلى" ص 226 ج 4.
1بطن نخل جمع نخلة قرية قريبة من المدينة، موضعها على أربعة أميال من المدينة "وفاء الوفاء ص 261، فليراجع "الفتح" ص 325 ج 7.
2 الطحاوي: ص 186، وقال قبله بسطرين: يجوز أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاها كذلك، لأنه لم يكن في سفر يقصر في مثله الصلاة، وهكذا نقول إذا حضر العدو في مصر، اهـ.
3 عند البخاري في "غزوة ذات الرقاع" ص 592 ج 2، ومسلم: ص 279، ولكن فيهما عمن صلى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخرج البخاري فقط حديث سهل عن طريق آخر، دون طريق مالك عن يزيد.(2/247)
صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ بَطْنِ نَخْلَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلٍ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ عُسْفَانَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، زَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" بِلَفْظِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَيَّاشٍ، قَالَ: وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ مُجَاهِدٍ مِنْ أَبِي عَيَّاشٍ، وَحَدِيثُ ذِي قَرَدٍ3 أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ4 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِذِي قَرَدٍ، الْحَدِيثَ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ5 فِي "الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عن وهب بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ: أَوَّلُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، ثُمَّ صَلَّاهَا بَعْدُ بِعُسْفَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُ سِنِينَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ: يَوْمَ الْخَنْدَقِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ فَعَلُوهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ. قَالَ: لِأَنَّهُ عليه السلام شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ مَعَ الْقِتَالِ لَمَا تَرَكَهَا، قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ صَلَاةِ الْخَائِفِينَ، مَتَى لَمْ
__________
1 النسائي في "صلاة الخوف" ص 230، والطحاوي: ص 188، والطيالسي: ص 240، وأحمد: ص 374.
2 أبو داود في "باب صلاة الخوف" ص 181، والنسائي في "صلاة الخوف" ص 231، والطحاوي: ص 188، والبيهقي: ص 256، وقال: إسناده صحيح، وأحمد: ص 59 ج 4، وغيرهم.
3 قرد "بفتح القاف والراء" هو موضع على نحو يوم من المدينة، مما يلي بلاد غطفان "فتح الباري" ص 324 ج 7.
4 النسائي في "صلاة الخوف" ص 328، والطحاوي ص 182، والحاكم في "المستدرك" ص 335، وقال: على شرطهما.
5 قال البخاري في "صحيحه" تعليقاً: ص 592 ج 2 عن جابر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بأصحابه في الخوف في الغزوة السابعة "غزوة ذات الرقاع" اهـ. وروى أحمد في "مسنده" ص 348 ج 3 عن جابر، قال: غزا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ست مرار قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة، اهـ. لكن فيه ابن لهيعة، وفيه كلام، وعند الطحاوي: ص 188، والنسائي: ص 231، والحاكم في "المستدرك" ص 337 ج 1، وغيرهم من حديث أبي عياش، أن القصر نزل بعسفان، وروى أحمد في "مسنده" ص 522 ج 2 من حديث أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل بين ضجنان. وعسفان، وأن جبريل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن يقسم أصحابه، الحديث، وروى الطحاوي: ص 187 من حديث جابر، قال: حتى إذا كنا بنخل، ثم ذكر قصة الصلاة، وقال: ففي يومئذ أنزل الله عز وجل إقصار الصلاة، اهـ، قال في "وفاء الوفاء" ص 381 ج 1: حتى نزل نخلاً، وهي غزوة ذات الرقاع، اهـ.(2/248)
يَتَهَيَّأْ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَيُؤَخِّرُوهَا إلَى أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِتَأْخِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ "فِي شَرْحِهِ": قِيلَ: إنَّهَا شُرِعَتْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَهِيَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: إنَّهَا شُرِعَتْ فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ صَلَاةَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ1، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا". وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ". والدرامي فِي "سُنَنِهِ". وَالشَّافِعِيُّ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي "الشِّفَا": وَالصَّحِيحُ أَنَّ حَدِيثَ الْخَنْدَقِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ، انْتَهَى.
__________
1النسائي في "باب الأذان للفائت من الصلوات" ص 107 من حديث أبي سعيد، والطحاوي: ص 190، والدارمي: ص 188، وأحمد: ص 25 ج 3، وص 49 ج 3، وص 68 ج 3، والطيالسي: ص 295.(2/249)
بَابُ الْجَنَائِزِ
قَوْلُهُ: إذَا اُحْتُضِرَ الرَّجُلُ وُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ، عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ، وَالْمُخْتَارُ فِي بِلَادِنَا الِاسْتِلْقَاءُ، لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ، قُلْت: لَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا وَيَسْتَأْنِسُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ"، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ فِي "الدُّعَاءِ"، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا آوَى إلَى فِرَاشِهِ. نَامَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ"، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ". وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرَّبِيعِ ابْنِ أَخِي الْبَرَاءِ، عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى تَحْتَ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ. الْحَدِيثَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الشَّمَائِلِ"، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقِبْلَةِ.
__________
2 البخاري في "الوضوء في باب من بات على الوضوء" ص 38، ومن فعله في الدعاء "باب النوم على الشق الأيمن" ص 934، ومسلم في "باب الدعاء عند النوم" ص 348 ج 2، وابن ماجه في "الدعاء في باب ما يدعو به إذا آوى إلى فراشه" ص 285، وليس فيه متعلق، والترمذي في "الشمائل في باب صفة نوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 18.(2/249)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1 عَنْ أُمِّ سَلْمَى، قَالَتْ: اشْتَكَتْ فَاطِمَةُ شَكْوَاهَا الَّذِي قُبِضَتْ فِيهِ، فَكُنْتُ أُمَرِّضُهَا، فَأَصْبَحَتْ يَوْمًا، كَأَمْثَلِ مَا رَأَيْتُهَا، وَخَرَجَ عَلِيٌّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّهْ، اُسْكُبِي لِي غُسْلًا، فَاغْتَسَلَتْ، كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُهَا تَغْتَسِلُ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمُّهُ، أَعْطِنِي ثِيَابِي الْجُدُدَ، فَأَعْطَيْتهَا، فَلَبِسَتْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ، قَدِّمِي لِي فِرَاشِي وَسَطَ الْبَيْتِ، فَفَعَلْتُ، وَاضْطَجَعَتْ، فَاسْتَقْبَلَتْ الْقِبْلَةَ، وَجَعَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ، إنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ، وَقَدْ تَطَهَّرْتُ، فَلَا يَكْشِفْنِي أَحَدٌ، فَقُبِضَتْ مَكَانَهَا، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ2 بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلْمَى، فَذَكَرَهُ، سَوَاءً، بِزِيَادَةٍ: قَالَتْ: فَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَخْبَرْتُهُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِهِ، نَحْوَهُ، هَكَذَا وَقَعَ فِي "مُسْنَدِ أُمِّ سَلْمَى"، وَصَوَابُهُ: سَلْمَى، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي رَتَّبَ فِيهِ أَسْمَاءَ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" عَلَى الْحُرُوفِ: الصَّوَابُ سَلْمَى، وَهِيَ زَوْجَةُ أَبِي رَافِعٍ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَهَا، بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، حَدِيثَيْنِ فِي الْمُسْنَدِ، وَسَمَّاهَا سَلْمَى، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَبُو رَافِعٍ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَوَشَتْهُ امرأتان، كل واحدة منها، اسْمُهَا "سَلْمَى" إحْدَاهُمَا: أُمُّهُ. وَالْأُخْرَى: زَوْجَتُهُ، فَأُمُّهُ سَلْمَى، مَوْلَاةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ خَادِمًا لَهُ، رَوَى جارية بن محمد بن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ"، وَأَمَّا زَوْجَتُهُ سَلْمَى، فَهِيَ مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَهِدَتْ خَيْبَرَ، وَوَلَدَتْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ، كَاتِبَ عَلِيٍّ رضي الله عنه، انْتَهَى.
وَفِي حَاشِيَةٍ عَلَيْهِ: وَلِأَبِي رَافِعٍ امْرَأَةٌ أُخْرَى اسْمُهَا "سَلْمَى" تَابِعِيَّةٌ، لَا صُحْبَةَ لَهَا، وَرَوَى عَنْهَا الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَفِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيِّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أمه سلمى، فذكره بفظ أَحْمَدَ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: فَجَاءَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَكْشِفُهَا أَحَدٌ، فَدَفَنَهَا بِغُسْلِهَا ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ": وَقَدْ رَوَاهُ نُوحُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، أَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ فَمَجْرُوحٌ، شَهِدَ بِكَذِبِهِ مَالِكٌ. وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ. وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ. وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: يُحَدِّثُ عَنْ الْمَجْهُولِينَ بِأَحَادِيثَ بَاطِلَةٍ، وَأَمَّا عَاصِمٌ، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا نُوحُ بْنُ يَزِيدَ. وَالْحَكَمُ، فَكِلَاهُمَا شِيعِيٌّ، وَأَيْضًا فَالْغُسْلُ
__________
1 ص 461 ج 6.
2قلت: في "المسند" عبد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، فليراجع.(2/250)
إمَّا أَنْ يَكُونَ لِحَدَثِ الْمَوْتِ، فَكَيْفَ تَغْتَسِلُ قَبْلَ الْحَدَثِ؟! هَذَا مِمَّا لَا يُنْسَبُ إلَى عَلِيٍّ. وَفَاطِمَةَ، بَلْ يُنَزَّهُونَ عَنْ مِثْلِ هَذَا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، إلَّا أَنَّهُ زَادَ: ثُمَّ إنَّ أَحْمَدَ. وَالشَّافِعِيَّ يَحْتَجَّانِ فِي جَوَازِ غُسْلِ الرَّجُلِ زَوْجَتِهِ، بِأَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها، رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ". وَنُوحُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُؤَدِّبُ، صَدُوقٌ ثِقَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَمَاهُ بِالتَّشَيُّعِ، وَالْحَكَمُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: قَدَرِيٌّ صَدُوقٌ، انْتَهَى.
قُلْت: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَمُنْقَطِعٍ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ هَيْئَةُ الِاضْطِجَاعِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّ فَاطِمَةَ لَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ، أَمَرَتْ عَلِيًّا فَوَضَعَ لَهَا غُسْلًا، فَاغْتَسَلَتْ، وَتَطَهَّرَتْ، وَدَعَتْ بِثِيَابِ أَكْفَانِهَا، فَلَبِسَتْهَا، وَمَسَّتْ مِنْ الْحَنُوطِ، ثُمَّ أَمَرَتْ عَلِيًّا أَنْ لَا تُكْشَفَ إذَا هِيَ قُبِضَتْ، وَأَنْ تُدْرَجَ كَمَا هِيَ فِي أَكْفَانِهَا، فَقُلْت لَهُ: هَلْ عَلِمْت أَحَدًا فَعَلَ نَحْوَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ1، وَكَتَبَ فِي أَطْرَافِ أَكْفَانِهِ: يَشْهَدُ كَثِيرُ بن عباس أن لاإله إلَّا اللَّهُ انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي غُسْلِ عَلِيٍّ لِفَاطِمَةَ، رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "كِتَابِ الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها"، قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْمَخْزُومِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أُمِّهِ، أُمِّ جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا أَسْمَاءُ إنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُفْعَلُ بِالنِّسَاءِ، إنَّهُ يُطْرَحُ عَلَى الْمَرْأَةِ الثَّوْبُ فَيَصِفُهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُرِيك شَيْئًا رَأَيْتُهُ بِالْحَبَشَةِ؟ فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَلَوَتْهَا، ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْبًا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ، يُعْرَفُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الرَّجُلِ، فَإِذَا أَنَا مِتَّ فَاغْسِلِينِي أَنْتِ. وَعَلِيٌّ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ غَسَّلَهَا عَلِيٌّ. وَأَسْمَاءُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ فَاطِمَةَ أَوْصَتْ أَنْ يُغَسِّلَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ. وَأَسْمَاءُ، فَغَسَّلَاهَا، وَيُنْظَرُ. وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي "الْخُلَاصَةِ" لِلشَّافِعِيِّ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3، وَأَحْمَدُ، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَقِيعِ، وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَقُولُ: وَارَأْسَاهُ، فَقَالَ: بَلْ أَنَا يَا عَائِشَةُ، "وَارَأْسَاهُ"، ثُمَّ قَالَ: "مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتَّ قَبْلِي،
__________
1 كثير بن عباس، راجع له البخاري: ص 142 أنه صحابي صغير.
2 الدارقطني: ص 194، والبيهقي: ص 396 ج 3، قال في "الجوهر": في مسنده من يحتاج إلى كشف حاله، اهـ
3 ابن ماجه في "الجنازة في باب غسل الرجل امرأته" ص 107، وأحمد: ص، والدارقطني: ص 192، والبيهقي: ص 396 ج 3، قال النووي في "شرح المهذب" ص 133 ج 5: إسناده ضعيف، فيه محمد بن إسحاق صاحب المغازي، وهو مدلس، وإذا قال المدلس: عن، لا يحتج به، اهـ(2/251)
فَغَسَّلْتُكِ. وَكَفَّنْتُكِ. وَصَلَّيْتُ عَلَيْك. وَدَفَنْتُكِ؟، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ. فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِي الْمُبَاشَرَةَ، فَقَدْ يَأْمُرُ بِغُسْلِهَا. الثَّانِي: أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ، انْتَهَى. وَاسْتَشْهَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ نُعَيْمِ عن حماد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قدم الْمَدِينَةِ، سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، فَقَالُوا: تُوُفِّيَ، وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَصَابَ الْفِطْرَةَ"، ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِي تَوْجِيهِ الْمُحْتَضَرِ غَيْرَهُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ غَيْرَهُ، وَهَذَا الِاسْتِشْهَادُ غَيْرُ طَائِلٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِ التَّوْجِيهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُجَرَّدُ التَّوْجِيهِ فَقَطْ، وَمُجَرَّدُ التَّوْجِيهِ فِيهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْوَصَايَا". وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْمُحَارَبَةِ" عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ أَبَاهُ عُمَيْرَ بْنَ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ، وَكَانَ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: "هُنَّ تِسْعٌ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ. وَالسِّحْرُ. وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ. وَأَكْلُ الرِّبَا. وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ. وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ. وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ. وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ. وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ، أَحْيَاءً. وَأَمْوَاتًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: رِجَالُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي "الصَّحِيحِ"، إلَّا عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ سِنَانٍ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سِنَانٍ حِجَازِيٌّ، لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ3 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ ثَنَا طَيْسَلَةُ، سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ عَنْ الْكَبَائِرِ، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "هُنَّ سَبْعٌ"، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَمَدَارُهُ عَلَى أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَاضِي الْيَمَامَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: إنَّهُ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" لَهُ بَابٌ فِي تَوْجِيهِ الْمُحْتَضَرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ
__________
1 "المستدرك" ص 354، والبيهقي: ص 384 ج 3، وفي "الحصن الحصين" ص 178، بلفظ: "فإذا حضره الموت وجه إلى القبلة" عزاه إلى "المستدرك" فليراجع.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 59، وص 259 ج 4، وصححه، ولم يذكر السحر، وأبو داود في "الوصايا في باب التشديد في أكل مال اليتيم" ص 41 ج 2، والنسائي في "المحاربة في باب ذكر الكبائر" ص 164 ج 2، مختصراً، والبيهقي: ص 408 ج 3.
3 أخرجه البغوي في "الجعديات" وفي سنده طيسلة، وهو ابن علي، وأخرجه البيهقي: ص 409 ج 3 عن حسين بن محمد عن أيوب بن عتبة.(2/252)
غَيْرَ أَثَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: يُسْتَقْبَلُ بِالْمَيِّتِ الْقِبْلَةُ، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ نَحْوَهُ، بِزِيَادَةِ: عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، مَا عَلِمْتُ أَحَدًا تَرَكَهُ مِنْ مَيِّتِهِ، انْتَهَى1.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَعَائِشَةَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ. وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ. وَابْنِ عُمَرَ2.
أَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْهُ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا عَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد4. وَالْحَاكِمِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْهُ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءً، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ6 فِي "كِتَابِ الدُّعَاءِ" لَهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ"، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَأَسْنَدَ عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ مُجَاهِدٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: ذَكَرَهُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ وَكِيعٌ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْته مِنْ أَبِيك؟ قَالَ: فَذَهَبَ وَتَرَكَنِي، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ فِيهِ: كَانَ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَرَهُ، وَيُجِيبُ عَنْ كُلِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ، فَاسْتَحَقَّ النزاع، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ7 أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ
__________
1 ولأحمد. والنسائي. والترمذي من حديث عبد الله بن زيد، كان إذا نام وضع يده اليمنى تحت خده، وفي الباب عن ابن مسعود، عند النسائي. والترمذي. وابن ماجه، وعن حفصة، عن أبي داود، وعن حذيفة، عند الترمذي، وعن أبي قتادة، رواه الحاكم. والبيهقي في "الدلائل" بلفظ: كان إذا عرّس، وعليه ليل توسد يمينه، وأصله في مسلم "تلخيص" ص 152.
2 وابن مسعود، عند الطبراني، قال في "الزوائد" ص 323 ج 2: إسناده حسن، اهـ.
3 مسلم في "أوائل الجنائز" ص 300، وأبو داود في "باب التلقين" ص 88 ج 2، والنسائي في "باب تلقين الميت" ص 258، والترمذي في "باب تلقين المريض" ص 117، وابن ماجه في "باب تلقين الميت" ص 105.
4 أبو داود في "الجنائز في باب التلقين" ص 88 ج 2.
5 مسلم في "أوائل الجنائز" ص 300، وابن ماجه في "باب تلقين الميت" ص 105.
6 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 323 ج 2: رواه البزار، وفيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف، اهـ.
7 حديث عائشة، رواه النسائي في "الجنائز في باب تلقين الميت" ص 259 عن إبراهيم بن يعقوب بإسناده.(2/253)
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ عن يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ مَكْحُولٍ" مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُحْضُرُوا مَوْتَاكُمْ، وَلَقِّنُوهُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَبَشِّرُوهُمْ بِالْجَنَّةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ مِنْ ابْنِ آدَمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَصْرَعِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَمُوتُ عَبْدٌ حَتَّى يَأْلَمَ كُلُّ عِرْقٍ مِنْهُ عَلَى حِيَالِهِ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" لَهُ، وَهُوَ مُجَلَّدٌ وَسَطٌ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ السَّبِيعِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ. وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْلِمٌ يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ1"،
قَوْلُهُ: "فَإِذَا مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ"، بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، قُلْت: تَغْمِيضُ الْبَصَرِ، فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ. فَأَغْمَضَهُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ"، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، رَبَّ الْعَالَمِينَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ قَزَعَةَ بْنِ سُوَيْد عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ، فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ، فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ، وَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: لَا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ إلَّا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْد، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ، وَاحْتَمَلُوا حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" بِقَزَعَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ، فَاحِشَ الْوَهْمِ، حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ شَدِّ اللَّحْيَيْنِ غَرِيبٌ.
__________
1 ابن ماجه في "سننه" ص 105 مع زيادة.
2 مسلم في "أوائل الجنائز" ص 300، والطبراني في "الأوسط" عن أبي بكرة، إلا أن فيه مجهول، قاله في "الزوائد" ص 330.
3 ابن ماجه في "الجنائز في باب ما جاء في تغميض الميت" ص 106، وأحمد: ص 125 ج 4، و"المستدرك ص 352 ج 1.(2/254)
فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قال عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ1.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 فِي "الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ" عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 فِي "الصَّلَاةِ" عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَرْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
وَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَفِيهِ قِصَّةُ.
قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْغُسْلَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، قُلْت: رَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ آدَم عليه الصلاة والسلام رَجُلًا أَشْعَرَ، طِوَالًا، آدَم، كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، نَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ بِحَنُوطِهِ، وَكَفَنِهِ مِنْ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا مَاتَ غَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ، وَالسِّدْرِ ثَلَاثًا، وَجَعَلُوا فِي الثَّالِثَةِ كَافُورًا، وَكَفَّنُوهُ فِي وِتْرِ ثِيَابٍ، وَحَفَرُوا لَهُ لَحْدًا، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: هَذِهِ سُنَّةُ وَلَدِ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَسَنِ5 عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
__________
1 هو حديث ابن مسعود، عند ابن ماجه: ص 83.
2 البخاري في "آخر الدعوات في باب: لله مائة اسم إلا واحداً" ص 949، ومسلم في "كتاب الذكر والدعاء في باب أسماء الله تعالى" ص 342 ج 2.
3 أبو داود في "باب استحباب الوتر" ص 207، والنسائي في "باب الأمر بالوتر" ص 246، والترمذي في "باب أن الوتر ليس بحتم" ص 160، وابن ماجه في "باب ما جاء في الوتر" ص 83، وأحمد في "مسنده" ص 110 ج 1، وص 143، وص 148.
4 لم أجد طريق ابن إسحاق في "المستدرك" ولا في غيره، والله أعلم.
5 الحاكم في "المستدرك" ص 344، والبيهقي في "السنن" ص 404 ج 3، وابن سعد في "الطبقات" ص 11 ج 1 في القسم الأول، كلهم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتى به، ورواه أحمد "مسنده" ص 136 ج 5 عن حماد عن سلمة عن الحسن به.(2/255)
مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَفِيهِ: فَقَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ، هَذِهِ سُنَّتُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ، فَكَذَاكُمْ فَافْعَلُوا، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، لِأَنَّ عُتَيَّ بْنَ ضَمْرَةَ لَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ الْحَسَنِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" الْأَوَّلَ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ فِي بَابِ حَدِيثِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ" أَخْرَجَاهُ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لَهُنَّ فِي حَقِّ ابْنَتِهِ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ2، وَحَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، يُغْسَلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ، قَالَ: وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"4 أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعُونَ كَبِيرَةً، وَمَنْ كَفَّنَهُ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَمَنْ حَفَرَ لَهُ قَبْرًا حَتَّى يَجُنَّهُ، فَكَأَنَّمَا أَسْكَنَهُ مَسْكَنًا حَتَّى يُبْعَثَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَلُولٍ الْمِصْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ"، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ5 عَنْ السَّرِيِّ بْنِ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَلِيُّ غَسِّلْ الْمَوْتَى، فَإِنَّهُ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا غُفِرَ لَهُ سَبْعُونَ مَغْفِرَةً، لَوْ قُسِمَتْ مَغْفِرَةٌ مِنْهَا عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ لَوَسِعَتْهُمْ"، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَقُولُ مَنْ يُغَسِّلُ مَيِّتًا؟ قَالَ: يَقُولُ: "غُفْرَانَك يَا رَحْمَنُ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْغُسْلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ6" عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، وَحَنَّطَهُ،
__________
1 البخاري في "الجنائز في باب كيف كفن المجرم" ص 169، ومسلم في "الحج في باب ما يفعل بالمحرم إذا مات" ص 384.
2 البخاري في "الجنائز في باب ما يستحب أن يغسل وتراً" ص 167، ومسلم في "الجنائز" ص 305، وأبو داود في "باب كيف غسل الميت" ص 92 ج 2، والترمذي في "باب غسل الميت" ص 118، والنسائي في "باب غسل الميت وتراً" ص 266.
3 أبو داود: ص 93 ج 2.
4 والبيهقي في "السنن" ص 395 ج 3 عن المقرى باسناده، بسياق قريب من هذا، وكذا في "المستدرك" ص 354، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 21 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، اهـ. وقال الحافظ في "الدراية" ص 140: إسناده قوي.
5 في نسخة "النصيبيني".
6 ابن ماجه في "باب ما جاء في غسل الميت" ص 106، قال الحافظ: إسناده واهٍ، اهـ.(2/256)
وَحَمَلَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا رَأَى، خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، انْتَهَى. وَعَمْرُو بْنُ خَالِدٍ هَذَا مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ، وَقَدْ غَسَّلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَمَرَ بِتَغْسِيلِ ابْنَتِهِ، وَغَسَّلَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَالنَّاسُ يَتَوَارَثُونَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مَاتَ، فَدُفِنَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ إلَّا الشُّهَدَاءَ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ الْخَبَّازِيِّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغُسْلَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثَمَانِيَةُ حُقُوقٍ"، وَذَكَرَ مِنْهَا غُسْلَ الْمَيِّتِ، فَهَذَا حَدِيثٌ مَا عَرَفْتُهُ، وَلَا وَجَدْتُهُ، وَاَلَّذِي وَجَدْنَاهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ1" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: "رَدُّ السَّلَامِ. وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ. وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ. وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ. وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: خَمْسٌ2 يَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ"، فَزَادَ: وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ، وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ثَلَاثُونَ حَقًّا، لَا بَرَاءَةَ لَهُ مِنْهَا، إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْعَفْوِ: يغفر له ذلته. وَيَرْحَمُ عِتْرَتَهُ3. وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ. وَيُقِيلُ عَثْرَتَهُ. وَيَقْبَلُ مَعْذِرَتَهُ. ويرد غيبته. ويديم نصحته. وَيَحْفَظُ خُلَّتَهُ. وَيَرْعَى ذِمَّتَهُ. وَيَعُودُ مَرَضَهُ. وَيَشْهَدُ مِيتَتَهُ. وَيُشَمِّتُ عَطْسَتَهُ. وَيُرْشِدُ ضَالَّتَهُ. وَيَرُدُّ سَلَامَهُ. وَيُطَيِّبُ كَلَامَهُ. وَيَبَرُّ إنْعَامَهُ. وَيُصَدِّقُ إقْسَامَهُ. وَيَنْصُرُهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. وَيُوَالِيهِ. وَلَا يُعَادِيهِ. وَيُحِبُّ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُ مِنْ الشَّرِّ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَدَعُ مِنْ حُقُوقِ أَخِيهِ شَيْئًا حَتَّى الْعَطْسَةَ، يَدَعُ تَشْمِيتَهُ عَلَيْهَا، فَيُطَالِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقْضَى لَهُ بِهَا عَلَيْهِ"، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْبِدَايَةُ بِالْمَيَامِنِ، قُلْت: فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ4، وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ5 أَيْضًا، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَتْ: لَمَّا غَسَّلْنَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَنَا وَنَحْنُ نُغَسِّلُهَا: "ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا"، انْتَهَى. وَابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ هِيَ: زَيْنَبُ زَوْجُ أَبِي الْعَاصِ، وَهِيَ أَكْبَرُ بَنَاتِهِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَنَا عليه السلام: "اغْسِلْنَهَا وِتْرًا"، الْحَدِيثَ، وَقَدْ جَاءَ
__________
1 البخاري في "أوائل الجنائز" ص 166، ومسلم في "كتاب السلام في باب من حق المسلم على المسلم رد السلام" ص 213 ج 2.
2 هذا اللفظ لم أجد في البخاري، والله أعلم.
3 في نسخة الدار "عبرته"، ولعله أصوب "البجنوري".
4 تقدم تخريجه في "الوضوء"، في الحديث الرابع عشر: ص 34 ج 1.
5 تقدم تخريجه آنفاً.(2/257)
فِي "سُنَنِ" أَبِي دَاوُد1. وَ"مُسْنَدِ" أحمد. و"تاريخ الْبُخَارِيِّ الْوَسَطِ" أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ، أَخْرَجُوهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي نُوحُ بْنُ حَكِيمٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، يُقَالُ لَهُ: دَاوُد، قَدْ وَلَدَتْهُ2 أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَى بنت قائف3 الثَّقَفِيَّةِ، قَالَتْ: كُنْت فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِقْوَ، ثُمَّ الدِّرْعَ، ثُمَّ الْخِمَارَ، ثُمَّ الملحفة، ثم أردجت بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ، قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ، مَعَهُ كَفَنُهَا، يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَفِيهِ مَنْ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي زَيْنَبَ، لِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ تُوُفِّيَتْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ بِبَدْرٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَنُوحُ بْنُ حَكِيمٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: دَاوُد، فَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، فَإِنَّ دَاوُد بْنَ أَبِي عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، رَجُلٌ مَعْرُوفٌ، يَرْوِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ. وَابْنِ عُمَرَ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ، وقيس بن سعد. وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مَكِّيٌّ ثِقَةٌ، قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَلَا يَجْزِمُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ هُوَ، وَمُوجِبُ التَّوَقُّفِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وُصِفَ فِي الْإِسْنَادِ، بِأَنَّهُ وَلَدَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ كَانَ لَهَا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ قَدِمَتْ بِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَدَتْهَا مِنْ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، الْمُفْتَتِنُ بِدِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، الْمُتَوَفَّى هُنَالِكَ، وَاسْمُ هَذِهِ الْبِنْتِ: حَبِيبَةُ، فَلَوْ كَانَ زَوْجُ حبيبة هذه، أبو عَاصِمِ بْنَ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ دَاوُد الْمَذْكُورَ ابْنُهُ مِنْهَا، فَهُوَ حِينَئِذٍ لِأُمِّ حَبِيبَةَ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُنْقَلْ، بَلْ الْمَنْقُولُ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّ زَوْجَ حَبِيبَةَ هَذِهِ، هُوَ دَاوُد بْنُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، كَذَا قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ. وَغَيْرُهُ، فَدَاوُد الَّذِي لِأُمِّ حَبِيبَةَ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ، لَيْسَ دَاوُد بْنَ أَبِي عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، إذْ لَيْسَ أَبُو عَاصِمٍ زَوْجًا لِحَبِيبَةَ، وَلَا هُوَ بِدَاوُد بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ4 الَّذِي هُوَ زَوْجُ حَبِيبَةَ، فَإِنَّهُ لَا وِلَادَةَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ هُوَ. فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
قُلْت: يَبْقَى عَلَى هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"5 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بماء سدر، وَاجْعَلْنَ فِي
__________
1 أبو داود في "باب كفن المرأة" ص 94 ج 2، وأحمد: ص 380 ج 6.
2 قيل: ولدته، بمعنى ربته، وهذا سائغ، قال صاحب "العون"، منه قول الله عز وجل، في الإنجيل، لعيسى عليه السلام: أنت وليي، وأنا ولدتك بالتشديد، أي ربيتك، اهـ.
3 في نسخة "قانف".
4 قال ابن سعد في "طبقاته" ص 68 ج 8: تزوج حبيبة، داود بن عروة بن مسعود الثقفي
5 ابن ماجه في "باب غسل الميت" ص 106.(2/258)
الْآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ، فَآذِنَنِّي، فَلَمَّا فرغن، آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ، وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، رِجَالُهُ مُخْرَجٌ لَهُمْ فِي الْكُتُبِ، وَفِي "كِتَابِ الصَّحَابَةِ" لِابْنِ الْأَثِيرِ، قَالَ: زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَكْبَرِ بَنَاتِهِ، وَأُمُّهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، تُوُفِّيَتْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ، وَنَزَلَ عليه السلام فِي قَبْرِهَا، وَأُخْتُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ1 شَقِيقَتُهَا، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ الَّتِي غَسَّلَتْهَا أُمُّ عَطِيَّةَ، وَحَكَتْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا يُقَوِّي مَا ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ، قُلْت: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عبد الرحمن الرواسي ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ، وَقَالَ: هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا3 عَنْ صَدَقَةَ بْنِ مُوسَى ثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: إذَا أَنَا مِتَّ، فَاجْعَلُوا فِي آخِرِ غُسْلِي كَافُورًا، وَكَفِّنُونِي فِي بُرْدَيْنِ. وَقَمِيصٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي قِصَّةِ آدَمَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ4، وَصَحَّحَهُ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ، فَأَوْتِرُوا"، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ5 الْمُخَرَّجِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، قَالَ لَهُنَّ عليه الصلاة والسلام: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كافرواً"، وَفِي حَدِيثِ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ6. وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَفِي لَفْظِهِ: وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّطَيُّبَ لِلْمَيِّتِ كَانَ مَسْنُونًا عِنْدَهُمْ، وَأَنَّ الْمَعْرُوفَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ الْحَنُوطُ وَالطِّيبُ.
__________
1 روى ابن سعد في "طبقاته" ص 25 عن الواقدي عن مالك بن أبي الرجال عن أبيه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، قالت: غسلها نساء من الأنصار فيهن أم عطية، اهـ.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 361، والبيهقي في "السنن" ص 405 ج 3، وابن سعد في "طبقاته" ص 68 ج 2، القسم الثاني.
3 الحاكم في "المستدرك" ص 361، والبيهقي في "سننه" ص 405 ج 3، وابن سعد في "طبقاته" ص 68 ج 2، القسم الثاني.
4 الحاكم في "المستدرك" 578 ج 3.
5 تقدم حديث أم عطية في "أوائل هذا الفصل".
6 تقدم ذكر هذا الحديث أيضاً في أوائل الفصل.(2/259)
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، يُقَالُ لَهُ: زِيَادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يُوضَعُ الْكَافُورُ عَلَى مَوَاضِعِ سُجُودِ الْمَيِّتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ امْرَأَتَهُ مِسْكًا، فَقَالَ: إذَا مِتَّ فَطَيِّبُونِي بِهِ، فَإِنَّهُ يَحْضُرُنِي خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، لَا يَنَالُونَ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، يَجِدُونَ الرِّيحَ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ. أَنَّهُ لَمَّا غَسَّلَ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَعَا بِكَافُورٍ، فَجَعَلَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَفِي يَدَيْهِ، وَرَأْسِهِ، وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَدْرِجُوهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ2 فِي الطِّيبِ عَنْ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "إنَّ أَطْيَبَ طِيبِكُمْ الْمِسْكُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْجَنَائِزِ" وَبَوَّبَا عَلَيْهِ "بَابَ الطِّيبِ لِلْمَيِّتِ"، وَلَمْ أَعْرِفْ مُطَابِقَتَهُ لِلْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟!، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَأَتْ امْرَأَةً يَكُدُّونَ رَأْسَهَا بِمُشْطٍ، فَقَالَتْ: عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟!، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ3"، أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ. وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا هشيم أخبرنا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْمَيِّتِ، يُسَرَّحُ رَأْسُهُ، فَقَالَتْ: عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟! قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ: نَصَوْت الرَّجُلَ أَنْصُوهُ نَصْوًا، إذَا مَدَدْت نَاصِيَتَهُ، فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْرِيحِ الرَّأْسِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْذِ بِالنَّاصِيَةِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ، فَذَكَرَهُ.
__________
1 البيهقي. ص 405 ج 3.
2 قوله: أخرج مسلم، الخ، قلت: أما مسلم، فأخرجه قبل "كتاب الشعر" ص 239 ج 2، وأما أبو داود، فأخرجه في "الجنائز في باب المسك للميت" ص 94 ج 2، والنسائي في "باب المسك" ص 270 ج 1، والبيهقي: ص 405 ج 3، والترمذي في "باب ما جاء في المسك عن الميت" ص 118.
3 ص 39.(2/260)
فَصْلٌ فِي التَّكْفِينِ
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
__________
1 البخاري في "باب الثياب البيض للكفن" 169، ومسلم: ص 305 مع الزيادة التي رواها إسحاق بن راهويه، وأبو داود في "باب الكفن" ص 93 ج 2، والنسائي في "باب كفن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 268، والترمذي في "باب ما جاء في كم كفن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 119، وابن ماجه، فيه: ص 107.(2/260)
ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: قَالَتْ: فَأَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّهَا اشْتَبَهَتْ عَلَى النَّاسِ، لِأَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لِيُكَفَّنَ بِهَا، فَلَمْ يُكَفَّنْ فِيهَا، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، فَأَخَذَ الْحُلَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَجْعَلُهَا كَفَنِي، ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ لَرَضِيَهَا لِرَسُولِهِ، فَبَاعَهَا، وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى أَصْحَابِنَا فِي عَدَمِ الْقَمِيصِ، عَلَى أَنَّ مَالِكًا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْدُودٍ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثَةُ الْأَثْوَابُ زِيَادَةً عَلَى الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، وَالشَّافِعِيُّ يَجْعَلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِأَصْحَابِنَا1 حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ نَاصِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصٍ. وَإِزَارٍ. وَلِفَافَةٍ، انْتَهَى. وَضُعِّفَ نَاصِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّسَائِيّ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: هُوَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سننه"2 عن يزيد بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ، انْتَهَى. وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ضَعِيفٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحُلَّةُ إزَارٌ. وَرِدَاءٌ، وَلَا تَكُونُ الْحُلَّةُ إلَّا مِنْ ثَوْبَيْنِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"3 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَةٍ. وَقَمِيصٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ4 نَحْوَهُ.
الْأَحَادِيثُ الْمُخَالِفَةُ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ نَجْرَانِيٍّ. وَرَيْطَتَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"5 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ ابْنَ عَقِيلٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ
__________
1 ويستدل للتكفين في القميص بحديث جابر، في قصة عبد الله بن أبيّ، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى ابنه القميص الذي كان على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكفنه فيه "التلخيص الحبير".
2 أبو داود في "باب الكفن" ص 93 ج 2، وابن سعد: ص 67 ج 2، القسم الثاني، والبيهقي ص 400 ج 3
3 "كتاب الآثار باب غسل الميت" ص 39، و"طبقات ابن سعد" ص 67، القسم الثاني.
4 وابن سعد في "طبقاته" ص 67 ج 2، القسم الثاني.
5 وأحمد بن حنبل في "مسنده" ص 94 ج 1، وص 102 ج 1، وابن سعد في "طبقاته" ص 67 ج 2، القسم الثاني.(2/261)
بْنِ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ عَقِيلٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ فَقَطْ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَأَعَلَّهُ أَيْضًا بِابْنِ عَقِيلٍ، وقال: إنه كان ردئ الْحِفْظِ، فَيَأْتِي بِالْخَبَرِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتِهِ اسْتَحَقَّ الْمُجَانَبَةَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ سَادَاتِ النَّاسِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَقَالَ: قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ غُنْدَرٍ، وَوَكِيعٍ. وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَخَافُ أَنْ يَكُونَ تَصَحَّفَ عَلَى بَعْضِ رُوَاةِ "كِتَابِ الْكَامِلِ" لَفْظُ: دُفِنَ بِكُفِّنَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، قُلْت: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْيَمَنِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا اُحْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه تَمَثَّلْتُ بِهَذَا الْبَيْتِ:
أَعَاذِلُ! مَا يُغْنِي الْحِذَارُ عَنْ الْفَتَى، ... إذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا، وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قُولِي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} ، ثُمَّ قَالَ: اُنْظُرُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ، فَاغْسِلُوهُمَا، ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْهُمَا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ": حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا ضَمْرَةُ عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ، قَالَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ، ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّمَا أَبُوك أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إمَّا مَكْسُوٌّ، أَحْسَنَ الْكِسْوَةِ أَوْ مَسْلُوبٌ أَسْوَأَ السَّلَبِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِمَا: اغْسِلُوهُمَا، وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا نَشْتَرِي لَك جَدِيدًا، قَالَ: لَا، إنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ2 عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ: يَقُولُ: أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ: إمَّا عَائِشَةَ.
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 141: إسناده صحيح.
2 قلت: إِسناده صحيح.(2/262)
وَإِمَّا أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، بِأَنْ تَغْسِلَ ثَوْبَيْنِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِمَا، وَيُكَفَّنُ فِيهِمَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوْ ثِيَابًا جُدُدًا؟، قَالَ: الْأَحْيَاءُ أَحَقُّ بِذَلِكَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"1 أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ كُنْت أُصَلِّي فِيهِمَا، وَاغْسِلُوهُمَا، فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلِ، وَالتُّرَابِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ2 ثَنَا مَعْمَرٌ بِسَنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَمَتْنِهِ، وَذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" بَلَاغًا، فَقَالَ: بَلَغَنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ قَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ، وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، وَفِي "الْبُخَارِيِّ"3 خِلَافُ هَذَا، أَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ لَهَا: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ، قَالَ: فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَنَظَرَ إلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ، فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا، وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ، فَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، قَالَتْ: إنَّ هَذَا خَلَقٌ، قَالَ: إنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ، إنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ، فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: الردع "بالمهملات" الأثر والمهلمة "بِضَمِّ الْمِيمِ. وَفَتْحِهَا. وَكَسْرِهَا" صَدِيدُ الْمَيِّتِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "التَّعَالِيقِ".
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: "الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ"، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، "وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ"، وَفِي لَفْظٍ: "فِي ثَوْبَيْهِ".
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى اللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ، قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي نُوحُ بْنُ حَكِيمٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، يُقَالُ لَهُ دَاوُد: وَلَدَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ليلى بنت قائف الثَّقَفِيَّةِ، قَالَتْ: كُنْت فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا: الحقا، ثُمَّ الدِّرْعَ، ثُمَّ الْخِمَارَ، ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ، ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ، قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ، مَعَهُ كَفَنُهَا
__________
1 ابن سعد في "طبقاته" ص 146 ج 3، القسم الأول
2 ابن سعد: ص 67 ج 3 الأولى.
3 البخاري في "الجنائز في باب موت يوم الاثنين" ص 186.
4 تقدم في: ص 256.
5 أبو داود في "باب كفن المرأة" ص 94 ج 2، وأحمد: ص 380 ج 6، تقدم في: ص 258.(2/263)
يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَفِيهِ مَنْ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، قَالَ: وَالْحِقَا "بِكَسْرِ الْحَاءِ" مَقْصُورٌ، وَلَعَلَّهُ لُغَةٌ فِي "الْحِقْوِ"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ حِينَ اُسْتُشْهِدَ، كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى، لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا: مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ نَمِرَةَ، فَكُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ، بَدَا رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْإِذْخِرِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْمَنَاقِبِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "الْجَنَائِزِ".
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِ ابْنَتِهِ وِتْرًا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالثَّمَانِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ قُطَيَّةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوا ثَلَاثًا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ: "فَأَوْتِرُوا"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: "جَمِّرُوا كَفَنَ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا"، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، وَلَا أَظُنُّهُ إلَّا غَلَطًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَكَأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ بَنَاهُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ: إنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، فَالْحُكْمُ لِلْوَقْفِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحُكْمَ لِلرَّفْعِ، لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ، وَلَا شَكَّ فِي ثِقَةِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ، أَنَّهَا قَالَتْ عِنْدَ مَوْتِهَا: إذَا أَنَا مِتَّ فَاغْسِلُونِي، وَكَفِّنُونِي، وَأَجْمِرُوا ثِيَابِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. أَوْ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"3 عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَزَادَ: وَحَنِّطُونِي، وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ.
__________
1 البخاري في "باب إذا لم يجد كفناً إلا ما يوارى رأسه" ص 170، ومسلم: ص 305، والنسائي في "باب القميص في الكفن" ص 269، وأبو داود في "باب كراهية المغالات في الكفن" ص 93، والترمذي في "مناقب مصعب" ص 225 ج 2.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 355، ولفظه: إذا أجمرتم الميت فأوتروا، ورواه مسلم في "الطهارة" ص 124 عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: إذا استجمر أحدكم، فليوتر، اهـ ورواه البيهقي: ص 403 ج 3.
3 مالك في "الموطأ في باب النهي أن يتبع الجنازة بنار" ص 78، ومن طريق مالك، البيهقي 405 ج 3.(2/264)
فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَرَدْنَا الْبَقِيعَ إذَا هُوَ بِقَبْرٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: فُلَانَةَ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ:"أَلَا آذَنْتُمُونِي بِهَا"؟!، قَالُوا: كُنْتَ قَائِلًا صَائِمًا، قَالَ: "فَلَا تَفْعَلُوا، لَا أَعْرِفَنَّ مَا مَاتَ مِنْكُمْ مَيِّتٌ، مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ، فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ رَحْمَةٌ"، قَالَ: ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ، فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفَضَائِلِ" وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ2 ثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ قَدْ دُفِنَتْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"3 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أمامة بن سهيل بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ مِسْكِينَةً مَرِضَتْ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرَضِهَا، فَقَالَ: "إذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي بِهَا" فَخَرَجُوا بِجِنَازَتِهَا لَيْلًا، فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أُخْبِرَ بِشَأْنِهَا، فَقَالَ: "أَلَمْ آمُرُكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا"؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَكَ لَيْلًا، أَوْ نُوقِظَكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ4 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: "أَفَلَا آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ"، فَأَتَى قَبْرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ5 أَيْضًا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ، فَصَفَّهُمْ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا، قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ
مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِيهِ: "وَإِنِّي أُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ"، وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمُوهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه السلام صَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ6، فَلَوْ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَزَجَرَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ7 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
__________
1 وأحمد في "مسنده" ص 388 ج 4، والحاكم في "المستدرك" ص 591 ج 3، والنسائي في "باب الصلاة على القبر" ص 284، وابن ماجه فيه: ص 111، والطحاوي: ص 295 ج 1، مختصراً، والبيهقي: ص 48 ج 4.
2 أحمد: ص 130 ج 3.
3 "باب التكبير على الجنائز" ص 79.
4 البخاري في "باب الصلاة على القبر" ص 178، وفي "باب كنس المسجد" ص 65، ومسلم: 309.
5 البخاري: ص 178، ومسلم: ص 309.
6 وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية، لا ينهض دليلا للاصالة "فتح الباري" ص 165 ج 3.
7 البخاري أخرجه في ثلاثة مواضع مختصراً، ليس فيه، ثم قال: وأخرجه مسلم: ص 310 بهذه الزيادة، والله أعلم.(2/265)
أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ. أَوْ رَجُلٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ عَلَى أَهْلِهَا ظُلْمَةً، وَإِنِّي أُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ "يَعْنِي ابْنَ عُبَادَةَ" مَاتَتْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مَوْصُولًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمَشْهُورُ الْمُرْسَلُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ وَضْعِ الْمَوْتَى لِلصَّلَاةِ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 عَنْ مَسْلَمَةً بْنِ مَخْلَدٍ، قال: كنا بمصر، فجاؤونا بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَجَعَلُوا لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ، فَقَالَ مَسْلَمَةُ: سُنَّتُكُمْ فِي الْمَوْتِ، سُنَّتُكُمْ فِي الْحَيَاةِ، قَالَ: فَجَعَلُوا النِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالرِّجَالَ أَمَامَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَالْقَاسِمِ. وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالُوا: النِّسَاءُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ3: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جَنَائِزِ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَقَدَّمَ النِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَالرِّجَالَ يَلُونَ الْإِمَامَ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ، وَكَذَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَكَذَا عَنْ عُثْمَانَ5، وَكَذَا عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ6 أَنَّهُ صَلَّى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ. وَزَيْدِ بْنِ عُمَرَ، فَجَعَلَ زَيْدًا مِمَّا يَلِيهِ، وَجَعَلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بَيْنَ يَدَيْ زَيْدٍ، وَفِي النَّاسِ الْحَسَنُ. وَالْحُسَيْنُ. وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ. وَالنِّسَاءِ، جُعِلَ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالنِّسَاءُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ، جُعِلَ الْحُرُّ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالْعَبْدُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد7 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمَّارِ، قَالَ: شَهِدْت جِنَازَةَ أُمِّ كُلْثُومٍ. وَابْنِهَا، فَجُعِلَ الْغُلَامُ مما يلي الإِمام، فأنكرت ذَلِكَ، وَفِي الْقَوْمِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَبُو سَعِيدٍ. وَأَبُو قَتَادَةَ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالُوا: هَذِهِ السُّنَّةُ، قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ: وَكَانَ فِي الْقَوْمِ الْحَسَنُ. وَالْحُسَيْنُ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَابْنُ عُمَرَ. ونحواً من ثمانين
__________
1 الترمذي في "باب الصلاة على القبر" ص 123، والبيهقي: ص 48 ج 4.
2 ابن أبي شيبة في "الجزء الثالث" ص 123.
3 قلت: قال: في "المبسوط" ص 65 ج 2: وإن كانت رجالاً ونساءً، يوضع الرجال مما يلي الإِمام، والنساء مما يلي القبلة، ومن العلماء من قال على عكس هذا، الخ، فليراجع، فإن كلام الحافظ المخرج يخالف مافي "المبسوط" والله أعلم. وكذا في "الفتح" ص 465 ج 1 وكتاب "الآثار" لأبي يوسف.
4 ابن أبي شيبة: ص 122 ج 4.
5 وكذا الطحاوي عنه: ص 288.
6 وأخرج البيهقي في: ص 380 ج 4 عن ابن عمر، أنه صلى على زيد بن عمر، وأمه أم كلثوم، فجعل الرجل مما يلي الإِمام، والمرأة من خلفه، الحديث.
7 أبو داود في "باب إذا حضر جنائز الرجال والنساء، من يقدم" ص 99، والنسائي في "باب اجتماع جنازة صبي وامرأة" ص 380، والبيهقي: ص 33 ج 4، قال النووي في "المجموع" ص 224 ج 5: إسناده صحيح(2/266)
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ ابْنَ عُمَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ، رِجَالٍ. وَنِسَاءٍ، فَجَعَلَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَجَعَلَ النِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَصَفَّهُمْ صَفًّا وَاحِدًا، وَوُضِعَتْ جِنَازَةُ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ، وَهِيَ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ: زَيْدُ بْنُ عُمَرَ، وَالْإِمَامُ يَوْمَئِذٍ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَفِي النَّاسِ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأَبُو سَعِيدٍ. وَأَبُو قَتَادَةَ، فَوُضِعَ الْغُلَامُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أنه عليه السلام كَبَّرَ أَرْبَعًا فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ2". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْفُرَاتِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخِرُ مَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ3، وَكَبَّرَ عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى عُمَرَ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَلِيٍّ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى الْحَسَنِ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَتْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى آدَمَ أَرْبَعًا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْفُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ4". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخِرُ جِنَازَةٍ صَلَّى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عُمَرَ الْخَرَّازُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، إلَّا أَنَّ اجْتِمَاعَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَلَى الْأَرْبَعِ، كَالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ5 الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "تَارِيخِ أَصْبَهَانَ فِي تَرْجَمَةِ الْمُحَمَّدِيِّينَ" حَدَّثَنَا
__________
1 البيهقي: ص 33 ج 4، وأخرجه النسائي في "باب جنائز الرجال والنساء" ص 280، إلا أن فيه في الناس ابن عمر، والباقي سواء، وأخرجه الدارقطني: ص 194، قال النووي في "المجموع" إسناده حسن، وأخرجه ابن جارود في "المنتقى" ص 267 باسناد صحيح.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 386، والدارقطني: ص 191.
3 روى أحمد في "مسنده" ص 336 ج 3 عن الحسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كبروا على موتاكم بالليل والنهار، أربع تكبيرات"، اه، ابن لهيعة فيه كلام. وأبو الزبير مدلس، والله أعلم، وذكره ابن حجر في "التلخيص" ص 159 بطوله، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط".
4 ص 37 ج 4، قال في "الزوائد". والطبراني في "الأوسط": والنضر متروك.
5 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 35 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه نافع أبو هرمز، وهو ضعيف، اهـ، قال الحافظ في "اللسان": أحمد بن يونس حدثنا نافع بن هرمز عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر، الحديث، وضعفه.(2/267)
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ عِمْرَانَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا نَافِعٌ أَبُو هُرْمُزَ ثَنَا عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ كَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، إلَى أَنْ خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَبِي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ يَأْتِي عَنْ الثِّقَاتِ بِمَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، إلَّا فِيمَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ حِفْظٍ وَإِتْقَانٍ، قَبْلَ أَنْ ظَهَرَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: صَلَّى عُمَرُ عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْته يَقُولُ: لَأُصَلِّيَنَّ عَلَيْهَا، مِثْلَ آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِثْلِهَا، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ. وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفَانِ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ2 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أن الناس كان يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسًا. وَسِتًّا. وَأَرْبَعًا، حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرُوا كَذَلِكَ فِي وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ثُمَّ وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: إنَّكُمْ مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ! مَتَى تَخْتَلِفُونَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ بَعْدَكُمْ، والناس حديث عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجْمِعُوا عَلَى شَيْءٍ يُجْمِعُ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، فَأَجْمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَنْ يَنْظُرُوا إلَى آخِرِ جِنَازَةٍ كَبَّرَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُبِضَ، فَيَأْخُذُونَ، وَيَتْرُكُونَ مَا سِوَاهُ، فَنَظَرُوا فَوَجَدُوا آخِرَ جِنَازَةٍ كَبَّرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ إبْرَاهِيمَ. وَعُمَرَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ، فَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ فِي "الِاسْتِذْكَارِ" عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ قَاسِمٍ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعًا. وَخَمْسًا. وَسِتًّا. وَسَبْعًا، فَثَمَانِيًا، حَتَّى جَاءَهُ مَوْتُ النَّجَاشِيِّ، فَخَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، ثُمَّ ثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ حَمْزَةَ
__________
1 الدارقطني: ص 192، والحازمي: ص 95.
2 كتاب "الآثار في باب الصلاة على الجنازة" ص 40.(2/268)
أَنْبَأَ فُرَاتُ بْنُ السائب أنبأ بْنُ مِهْرَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: آخِرُ مَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ: وَكَبَّرَ عَلَى عَلِيٍّ يَزِيدُ1 بْنُ الْمُكَفِّفِ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، أَرْبَعًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْقَاضِي الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا شَيْبَانُ الْأَيْلِيُّ أَنَا نَافِعٌ أَبُو هُرْمُزَ ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَكَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ أَرْبَعًا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا، انْتَهَى. قَالَ: وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ، وَقَدْ رُوِيَ: آخِرُ صَلَاتِهِ كَبَّرَ أَرْبَعًا، مِنْ عِدَّةِ رِوَايَاتٍ، كُلُّهَا ضعيفة، وكذلك جعل بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَمْرَ عَلَى التَّوَسُّعِ، وَأَنْ لَا وَقْتَ وَلَا عَدَدَ2، وَجَمَعُوا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، قَالُوا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَضِّلُ أَهْلَ بَدْرٍ عَلَى غيره، وَكَذَا بَنِي هَاشِمٍ، فَكَانَ يُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ خَمْسًا، وَعَلَى مَنْ دُونَهُمْ أَرْبَعًا، وَأَنَّ الَّذِي حَكَى آخِرَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَلَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَدِيثَ النَّجَاشِيِّ نَاسِخًا، فَإِنَّ حَدِيثَ النَّجَاشِيِّ مُخَرَّجٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَاهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ، وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، قَالُوا: وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَمَوْتُ النَّجَاشِيِّ كَانَ بَعْدَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمُدَّةٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ، فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الْمَنْسُوخَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِالتَّأْخِيرِ مِنْ الْآخَرِ، قُلْنَا: قَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ أَبِي أَوْفَى. وَجَابِرٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ سِتًّا، فَلِأَنَّهُ كَانَ بَدْرِيًّا، وَالْبَدْرِيُّونَ يُزَادُونَ فِي التَّكْبِيرِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا3" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ سِتًّا، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا، فَقَالَ: إنَّهُ بَدْرِيٌّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ4" حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ":
__________
1 في الحازمي: ص 96 يزيد بن أبي مكنف، فليراجع، وفي كتاب "الأم" ص 156 ج 7 ابن المكفف، وكذا عند ابن أبي شيبة: ص 131 ج 3، وكذا في "البيهقي" ص 37 ج 4، و"المحلى" ص 178 ج 5، وكذا عند المؤلف: ص 363، والطحاوي: ص 288.
2 روى البيهقي: ص 37 ج 4 عن ابن مسعود، قال: ليس على الميت من التكبير وقت، كبر، ما كبر الإمام، فإذا انصرف الإمام انصرف، اهـ.
3 روى الحاكم في "المستدرك" ص 409 ج 3 عن عبد الرزاق بإسناده، وكذا ابن حزم في "المحلى" ص 126 ج 5، والبيهقي: ص 36 ج 4. وابن أبي شيبة: ص 114 ج 3 عن يزيد بن أبي زياد عن ابن مغفل، مع زيادة
4 البخاري في "تاريخه الصغير" ص 43، ولم يذكر أنه كان بدرياً، وروى في "صحيحه"(2/269)
وَرَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ1. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرِ سِتًّا، وَعَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا، وَعَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ الْعَلِيِّ بْنِ سَلْعٍ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ بِهِ.
قَوْلُهُ: وَالْبُدَاءَةُ3 بِالثَّنَاءِ، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا سُنَّةُ الدُّعَاءِ.
__________
ص 571 ج 2، في "المغازي" من غير هذا الطريق، ولم يذكر العدد.
1 الطحاوي: ص 287، والدارقطني ص 191، والبيهقي: ص 37 ج 4.
2 ابن أبي شيبة: ص 115 ج 3.
3 الاستدراك بالأحاديث المتعلقة بالقراءة على الجنازة:
1 عن أم عفيف، قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ بفاتحة الكتاب، رواه الطبراني في "الكبير" وفيه عبد المنعم أبو سعيد، وهو ضعيف "زوائد" ص 33 ج 3.
2 عن أمر شريك، قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، رواه ابن ماجه: ص 109، وفي إسناده ضعف يسير، قاله الحافظ في "التلخيص".
3 عن أسماء بنت يزيد، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا صليتم على الجنازة، فاقرأوا بفاتحة الكتاب" رواه الطبراني في "الكبير" وفيه معلى بن حمران، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله موثقون، وفي بعضهم كلام؟ زوائد" ص 32 ج 3، اهـ، قال ابن القيم في "الهدى" يذكر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أمر أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، ولا يصح إسناده، اهـ.
4 عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، رواه الترمذي: ص 122، وابن ماجه: ص 108، وإبراهيم بن عثمان أبو شيبة ضعيف جداً.
5 عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر على ميت أربعاً، وقرأ بأم الكتاب بعد التكبيرة الأولى، رواه الشافعي في كتاب "الأم" ص 239 ج 1، ومن طريقه الحاكم في "المستدرك" ص 358 عن إبراهيم ابن أبي يحيى، وهو متروك عن عبد الله بن محمد بن عقيل فيه كلام، وقد تغير بآخره.
6 عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ على الجنازة أربع مرات: الحمد لله رب العالمين، رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه: ناهض بن القاسم، لم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات، قاله في؟ الزوائد" ص 33.
7 وعن ابن عباس، قال: أتى بجنازة، فتقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقرأ بأم القرآن، فجهر بها، ثم كبر الثانية فدعا للميت، فقال: "اللهم اغفر له، وارحمه، وارفع درجته"، ثم كبر الرابعة، فدعا للمؤمنين. والمؤمنات، ثم سلم، رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو ضعيف "زوائد" ص 32 ج 3.
8 عن طلحة، قال: صليت خلف عبد الله بن عباس، فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنها سنة، رواه البخاري: ص 178، وأبو داود: ص 100 ج 2، والترمذي: ص 122، والنسائي: ص 281، قال الحافظ في "التلخيص" ص 160، رواه أبو يعلى في "مسنده" وزاد: وسورة، وقال النووي: إسناده صحيح، ورواه البيهقي في "السنن" ص 38 ج 4، وقال: رواه إبراهيم بن حمزة عن إبراهيم بن سعد، وقال في الحديث: فقرأ بفاتحة الكتاب. وسورة، وذكر السورة فيه غير محفوظ، اهـ، قال ابن التركماني في "الجوهر": بل هو محفوظ رواه النسائي عن الهيثم بن أيوب عن إبراهيم في "المنتقى" ص 264 عن سليمان بن داود الهاشمي، وعن إبراهيم بن زياد عن إبراهيم بن سعد، بلفظ النسائي، وإبراهيم بن حمزة ثقة، روى عنه البخاري. وأبو داود. وغيره، وتابعه الهيثم. وسليمان. وابن زياد، وهم ثقات: وروى ابن جارود عن زيد بن طلحة التيمي، قال: سمعت ابن عباس رحمه الله=(2/270)
__________
=قرأ على جنازة فاتحة الكتاب. وسورة، وجهر بالقراءة، وقال: إنما جهرت لأعلمكم أنها سنة، والإمام كفاها، اهـ، قال الشافعي في كتاب "الأم" ص 240 ج 1: وأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقولون: السنة، إلا لسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن شاء الله تعالى، اهـ.
قلت: الاختلاف في رفع الحديث بلفظ السنة معروف، وقد قال علي رضي الله عنه: جَلد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين. وأبو بكر أربعين. وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة، اهـ "مسلم" ص 72 ج 2، ومذهب الشافعية: أن قراءة الفاتحة فرض عندهم، بلا خلاف، قاله النووي في "شرح المهذب" ص 233 ج 5، فقد خالفوا نص ما استدلوا به من وجهين: في إيجابهم الفاتحة، وفيه أنه سنة، قال ابن التركماني في "الجوهر": ثم إن الحديث لا يدل على فرضية قراءة الفاتحة، ولم يصرح أنها سنة له عليه السلام، فيحتمل أن يكون رأيه، أو رأي غيره من الصحابة، وهم مختلفون فتعارضت آراؤهم.
وحكى الماوردي عن بعض أصحابهم أن في قول ابن عباس هذا احتمالاً، بل أراد أن يخبرهم بهذا القول: أن القراءة سنة، أو نفس الصلاة سنة، ومذهب الحنفية أن القراءة في الصلاة على الجنازة لا تجب، ولا تكره، ذكره "القدوري" في "التجريد" اهـ، وفي تفريقهم بين الفاتحة. والسورة، وقد أوضحنا لك أن زيادة السورة صحيحة ثابتة، رواته الثقات الأثبات: إبراهيم بن حمزة. وسليمان بن داود الهاشمي. وإبراهيم بن زياد. والهيثم بن أيوب، كلهم عن إبراهيم ابن سعد عن أبيه عن طلحة بن عبد الله عن ابن عباس، وروى زيد بن طلحة عن ابن عباس نحوه، وذكر السورة أيضاً.
فإن قيل: المراد بالسنة في حديث ابن عباس الطريقة المسلوكة أعم من أن تكون واجبة، أو مستحبة، قلنا: فلا حرج إذاً، ونقول: هذا تأويل سائغ، لا بأس فيه، إذا احتيج إليه، لنص آخر، وأما ههنا، فما الداعي لهم إلى هذا، وأي حديث هو، فإن استدلوا بقوله عليه السلام: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وأرادوا بالصلاة أعم من ذات الركوع والسجود، ومن صلاة الجنازة، فهو نوع من الاجتهاد، إن صح، فابن عباس أحق به منهم، فلعل قوله: إنه سنة مبنى على هذا الاجتهاد، فلا يمكن لهم حينئذ أن يستدلوا بحديث ساغ للراوي أن يقوله اجتهاداً، وقد خالفه غيره، وأولوه بتأويل غيرهم أسعد منهم، أن يأولوه بغير ما أولوه، وقد قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" ص 376 ج 3، أخرج عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق حماد عن أبي ضمرة عن ابن عباس، قال: قلت له: كيف أصلي في الكعبة؟ قال: كما تصلي على الجنازة، تسبح وتكبر، ولا تركع، ولا تسجد، ثم عند أركان البيت سبح. وكبر. وتضرع. واستغفر، ولا تركع، ولا تسجد، وسنده صحيح.
9 وعن سعيد بن أبي سعيد، قال: صلى بنا ابن عباس على جنازة، فجهر بالحمد لله، ثم قال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة، رواه الحاكم: ص 258، وقال: صحيح على شرط مسلم عن شرحبيل بن سعد، قال: حضرت عبد الله بن عباس صلى بنا على جنازة بالأبواء، وكبر، ثم قرأ بأم القرآن، رافعاً صوته، ثم صلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: اللهم هذا عبدك، وفيه: ثم انصرف، فقال: يا أيها الناس، إني لم أقرأ علناً جهراً، قاله في "الفتح" إلا لتعلموا أنها سنة، رواه الحاكم في "المستدرك" ص 359. والبيهقي في "السنن" ص 42 ج 2.
10 عن محمد بن عمرو بن عطاء أن المسور بن مخرمة صلى على الجنازة، فقرأ في التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب. وسورة قصيرة، رفع بهما صوته، فلما فرغ قال: لا أجهل أن تكون هذه الصلاة عجماء، ولكن أردت أن أعلمكم أن فيها قراءة، ذكره ابن حزم في "المحلى" ص 129 ج 5 تعليقاً.
11 عن أبي أمامة أن رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره أن السنة في الصلاة على الجنازة، أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب، سراً في نفسه، ثم يختم الصلاة في التكبيرات الثلاث، رواه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 288 ج 1، والشافعي في كتاب "الأم" ص 239 ج 1، والبيهقي في "السنن" ص 39 ج 4 عن أبي أمامة عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه النسائي في "السنن" ص 281، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" ص 129 ج 5، ورواه ابن جارود في "المنتقى" ص 265، ولم يذكروا رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال النووي في "شرح المهذب" ص 233 ج 1: رواه النسائي بإسناد على شرط الصحيحين، وقال: أبو أمامة هذا صحابي، اهـ.(2/271)
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ فِي "الصَّلَاةِ". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الدَّعَوَاتِ" عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي هَانِئٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجَنْبِيِّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجِلَ هَذَا"، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدَهُ بِمَا شَاءَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ نُسَخَ السُّنَنِ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا اللَّفْظِ: لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ، وَلَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ، وَقَوْلُهُ: فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ. وَتَحْمِيدِ اللَّهِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ بِتَحْمِيدِ الله، فإن القاضي عياش فِي "الشِّفَا" سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ فِيهِ: بِتَحْمِيدِ اللَّهِ، قَالَ: وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا السَّنَدِ: بِتَمْجِيدِ اللَّهِ، وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا فَاتَهُ، إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ، قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا، فَالْمُسْنَدُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ.
فَحَدِيثُ مُعَاذٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 فِي الْأَذَانِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: أُحِيلَتْ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةً، حَتَّى لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ لِحِينِ الصَّلَاةِ،" إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا إنِّي قَدْ رَأَيْت مِثْلَ الَّذِي رَأَى، لَكِنْ لَمَّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إذَا جاء يسأل، فخبر بِمَا سُبِقَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ. وَرَاكِعٍ. وَقَاعِدٍ. وَمُصَلٍّ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قَالَ
__________
12- عن الضحاك بن قيس الدمشقي، نحو حديث أبي أمامة، رواه الشافعي في كتاب "الأم" ص 240 ج 1، وقال: ضحاك بن قيس رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنسائي في "السنن" ص 281، والبيهقي في "السنن" ص 39 ج 4، وابن حزم في "المحلى" ص 129 ج 5، قال الحافظ في "الاصابة": إسناده صحيح، ورواه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 288 عن الضحاك عن حبيب بن مسلمة نحوه، هو عند الحاكم في "المستدرك" ص 366 أيضاً، ولكن لم يذكر الفاتحة، ذكره الحافظ في "التلخيص" ص 160 أيضاً، فليراجع
13- عن جابر بن عبد الله، قال: ما أباح لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أبو بكر، ولا عمر في شيء ما أباحوا في الصلاة على الميت، يعني لم يوقت، ابن ماجه: ص 109، وأحمد في "مسنده" ص 357 ج 3، وانتهى حديثه، إلى قوله: ولا عمر، قال الحافظ في "التلخيص" ص 161: "باح" أي جهر، والله أعلم.
1 أبو داود في "باب الدعاء" ص 215 ج 1، والترمذي في "الدعوات في باب، بعد باب جامع الدعوات" ص 186 ج 2، وأحمد: ص 18 ج 6، والنسائي في "باب التمجيد، والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 189، والبيهقي: ص 147، والحاكم في "المستدرك" ص 230، وص 268.
2أبو داود في "باب كيف الأذان" ص 82، وأحمد في "مسنده" ص 246، والبيهقي في "سننه" ص 296، مختصراً، وتقدم في: ص 266 ج 1.(2/272)
عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي بِهَا حُصَيْنٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، حَتَّى جاء معاذ، فأشاروا إلَيْهِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إلَّا كُنْت عَلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً، كَذَلِكَ فَافْعَلُوا"، مُخْتَصَرٌ، قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": قَالَ الْمُزَنِيّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ أَنْ يُسْتَنَّ بِهَذِهِ السُّنَّةِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ فِعْلَ مُعَاذٍ، فَإِنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا يُسَنُّ، وَلَيْسَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ الْمُزَنِيّ رحمه الله، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِهِ عليه السلام، إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ، سَأَلَهُمْ فأومأوا إلَيْهِ بِاَلَّذِي سُبِقَ بِهِ، فَيَبْدَأُ لِيَقْضِيَ مَا سَبَقَ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ مُعَاذٌ، وَالْقَوْمُ قُعُودٌ فِي صَلَاتِهِمْ، فَقَعَدَ، فَلَمَّا فَرَغَ عليه الصلاة والسلام، قَامَ، فَقَضَى مَا كَانَ سُبِقَ بِهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاقْتَدُوا بِهِ، إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ، وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ بِصَلَاتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ، فَلْيَقْضِ مَا سُبِقَ بِهِ"، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ مُعَاذٍ نَظَرٌ، تَقَدَّمَ فِي "الْأَذَانِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ صلاته سألهم، فأومأوا إلَيْهِ بِاَلَّذِي سُبِقَ بِهِ، فَيَبْدَأُ، فَيَقْضِي مَا سُبِقَ بِهِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ مُعَاذٌ، وَالْقَوْمُ قُعُودٌ فِي صَلَاتِهِمْ، فَقَعَدَ، فَلَمَّا فَرَغَ عليه السلام، قَامَ، فَقَضَى مَا كَانَ سُبِقَ بِهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ، فَاقْتَدُوا بِهِ، إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ"، الْحَدِيثَ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْمُرْسَلُ، فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَاءَ الرَّجُلُ، وَقَدْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ، أَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ فَصَلَّى مَا فَاتَهُ، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى جَاءَ يَوْمًا مُعَاذُ بن جبل، فأشاروا إلَيْهِ، فَدَخَلَ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ مَا قَالُوا، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: "قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ، فَاقْبَلُوا"، انْتَهَى. الْوَجْهُ الْآخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. قَالَ: الرَّجُلُ إذَا جَاءَ، وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ، سَأَلَ، فَإِذَا أُخْبِرَ بِشَيْءٍ سُبِقَ بِهِ صَلَّى الَّذِي سُبِقَ بِهِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَأَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ، فَدَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَسْأَلْ، فَلَمَّا فَرَغَ عليه الصلاة والسلام، قَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، فَجَعَلَ الْقِصَّةَ فِي مُعَاذٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ
__________
1 المسند: 5/233(2/273)
كَذَلِكَ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ على أن ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ، فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ، فَأَتِمُّوا، أَوْ فَاقْضُوا"، انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَصَلَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الصُّبْحَ، أَخْرَجُوهُ2 إلَّا التِّرْمِذِيَّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ: فَصَلَّيْنَا مَعَهُ الَّتِي أَدْرَكْنَا، ثُمَّ قَضَيْنَا الَّتِي سَبَقَنَا بِهَا.
قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ رَأْسِهِ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسَطِهَا، لِأَنَّ أَنَسًا فَعَلَ كَذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ السُّنَّةُ، قُلْنَا: تَأْوِيلُهُ إنَّ جِنَازَتَهَا لَمْ تَكُنْ مَنْعُوشَةً، فَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ نَافِعٍ4 أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: كُنْت فِي سِكَّةِ الْمِرْبَدِ5 فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ مَعَهَا نَاسٌ كَثِيرٌ، قَالُوا: جِنَازَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (21) فَتَبِعْتهَا، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ كِسَاءٌ رَقِيقٌ، وَعَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةٌ تَقِيهِ مِنْ الشَّمْسِ، فَقُلْت: مَنْ هَذَا الدِّهْقَانُ؟ قَالُوا: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: فَلَمَّا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ، قَامَ أَنَسٌ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَأَنَا خَلْفَهُ، لَا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، لَمْ يُطِلْ، وَلَمْ يُسْرِعْ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، الْمَرْأَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ، فَقَرَّبُوهَا، وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ، فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلَاتِهِ عَلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إلَى أَنْ قَالَ: قَالَ أَبُو غَالِبٍ: فَسَأَلْت عَنْ صَنِيعِ أَنَسٍ فِي قِيَامِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، فَحَدَّثُونِي6 أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ النُّعُوشُ، وَكَانَ يَقُومُ الْإِمَامُ حِيَالَ عَجِيزَتِهَا يَسْتُرُهَا مِنْ الْقَوْمِ، مُخْتَصَرٌ، مِنْ لَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ. وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ رَجُلٍ، فَقَامَ حِيَالَ رَأْسِهِ، فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ، فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَكَذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ
__________
1 البخاري في "الأذان في باب ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" ص 88، ومسلم في "باب إتيان الصلاة بوقار وسكينة" ص 220.
2 أخرجه مسلم في "باب المسح على الخفين" ص 124، وفي الصلاة في "باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام" ص 180 ج 1، وأبو داود في "باب المسح على الخفين" ص 22، وأحمد في "مسنده" ص 224 ج 4، وص 246 ج 4.
3 إن نافعاً هو أبو غالب.
4 أبو داود في "باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه" ص 99 ج 2، والترمذي فيه: ص 123، وابن ماجه في "باب ما جاء، أين يقوم الإِمام إذا صلى على جنازة" ص 108، وأحمد: ص 118 ج 3، وص 204 ج 3.
5 في نسخة "المرمد".في نسخة "عمير".
6 ظاهر هذا التأويل يرده ما في سياق أبي داود "عليها نعش أخضر" أجاب عنه العيني في "البناية" راجعه.(2/274)
الْجِنَازَةِ مَقَامَك مِنْ الرَّجُلِ، وَقَامَ مِنْ الْمَرْأَةِ مَقَامَك مِنْ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ، فَقَالَ: احْفَظُوا، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" وَنَافِعٌ أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ الْخَيَّاطُ الْبَصْرِيُّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّ الْمَرْأَةَ أَنْصَارِيَّةٌ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهَا قُرَشِيَّةٌ، وَلَعَلَّهَا كانت من قريش، وبالخلف مِنْ الْأَنْصَارِ، أَوْ عَكْسَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ لِلْخُصُومِ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: صَلَّيْت وَرَاءَ النَّبِيِّ عليه السلام عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا لِلصَّلَاةِ وَسَطَهَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا أَجْرَ لَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التوءَمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ"، وَلَفْظَةُ ابْنِ مَاجَهْ: فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ الْخَطِيبُ: الْمَحْفُوظُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَرُوِيَ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ: فَلَا أَجْرَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ: فَلَا أَجْرَ لَهُ، خَطَأٌ فَاحِشٌ، وَالصَّحِيحُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ، وصالح مولى التوءَمة، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ لِضَعْفِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ خَاصَّةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" بِلَفْظِ: فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَعَدَّهُ مِنْ مُنْكَرَاتِ صَالِحٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرْوِي عَنْهُ، وَيَنْهَى عَنْهُ، وَإِلَى مَالِكٍ3 أَنَّهُ قَالَ: فِيهِ ضَعْفٌ، وَأُسْنِدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: ثِقَةٌ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ، من سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ثَبْتٌ حُجَّةٌ،
__________
1 البخاري في "الجنائز في باب أين يقوم الإِمام من المرأة والرجل" ص 177، ومسلم، ص 311.
2 أبو داود في "باب الصلاة على الجنائز في المسجد" ص 98 ج 2، وابن ماجه في "باب الصلاة على الجنائز في المسجد" ص 110، وابن أبي شيبة: ص 152 ج 3، وأحمد: ص 444 ج 2، وص 455 ج 2، والطحاوي: ص 284، والبيهقي: ص 51 ج 4، وقال ابن قيم في "الهدى" ص 140 ج 1: هذا الحديث حسن، فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه، وسماعه منه قديم، قبل اختلاطه، فلا يكون اختلاطه موجباً لرد ما حدث به قبل الاختلاط، اهـ.
3 قال أحمد بن حنبل: كان مالك أدركه، وقد اختلط، فمن سمع منه فذلك، وقد روى عنه أكابر أهل المدينة، وهو صالح الحديث، ما أعلم به بأساً، وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: سمعت ابن معين، يقول: صالح مولى التوءَمة ثقة حجة، قلت له: إن مالكاً ترك السماع منه، قال: إن مالكاً إنما أدركه بعدما كبر وخرف، والثوري إنما أدركه بعدما خرف، وسمع منه أحاديث منكرات، ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف، وقال الجوزجاني: تغير أخيراً، فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول، لسنه. وسماعه القديم، قال ابن عدي: لا بأس به إذا روى عنه القدماء، مثل ابن أبي ذئب. وابن جريج. وزياد بن سعد "تهذيب".(2/275)
وَمِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُ حَدِيثِهِ مِنْ قَدِيمِهِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّهُ بَاطِلٌ، وَكَيْفَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ؟!، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صالح مولى التوءَمة، وَهُوَ مِمَّا يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ صَالِحٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ أَصَحُّ، وصالح مولى التوءَمة مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ، كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَجْرَحُهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أُجِيبُ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدِهَا: أَنَّهُ ضَعِيفٌ، لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحٌ مَوْلَى التوءَمة، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ. وَالثَّالِثِ: أَنَّ اللَّامَ فِيهِ، بِمَعْنَى: عَلَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أَيْ فَعَلَيْهَا، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَالْخَطَّابِيُّ. وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالُوا: وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَوْلَى التوءَمة، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ، وَمُعْظَمُ مَا جَرَحُوهُ بِهِ الِاخْتِلَاطُ، لَكِنْ قَالُوا: إنَّ سَمَاعَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنْهُ كَانَ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ الْمَسْجِدَ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ، سُهَيْلٍ. وَأَخِيهِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: صَلَاتُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ مَنْسُوخَةٌ، وَآخِرُ الْفِعْلَيْنِ مِنْهُ عليه السلام التَّرْكُ، لِإِنْكَارِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ عَلَى عَائِشَةَ، وَلَوْ عَلِمُوا خِلَافَهُ لَمَا أَنْكَرُوهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ نَسْخُ حَدِيثِ عَائِشَةَ، لَذَكَرَهُ يَوْمَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فِي الْمَسْجِدِ، وَيَوْمَ صَلَّى عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الْمَسْجِدِ، وَلَذَكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى عَائِشَةَ أَمْرَهَا بِإِدْخَالِهِ الْمَسْجِدَ، أَوْ ذَكَرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ حِينَ رَوَتْ فِيهِ الْخَبَرَ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْجَوَازِ، فَلَمَّا رَوَتْ فِيهِ الْخَبَرَ سَكَتُوا، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وَلَا عَارَضُوهُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ شَهِدُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا، وَفِي تَرْكِهِمْ الْإِنْكَارَ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ صَالِحٍ، مولى التوءَمة، فَيُتَأَوَّلُ عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ، أَوْ تَكُونُ اللَّامُ، بِمَعْنَى: عَلَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ إسْمَاعِيلَ
__________
1 في "الجنائز في باب جواز الصلاة على الميت في المسجد" ص 312، وأبو داود في "باب الصلاة على الجنازة في المسجد" ص 98 ج 2، والطحاوي: ص 284، والنسائي: ص 279، وابن ماجه: ص 110، والترمذي: ص 123، مختصراً.
2 في "سننه" ص 52 ج 4.(2/276)
بْنِ أَبَانَ الْغَنَوِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ الْغَنَوِيُّ مَتْرُوكٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": سَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ1"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ. وَمَعْمَرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: رَأَى رِجَالًا يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِيُصَلُّوا عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟!، وَاَللَّهِ مَا صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" كَمَا تَرَى.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: "إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ"،قُلْت رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابن عباس.
حديث جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطِّفْلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ. أَخْرَجَهُ فِي "الْجَنَائِزِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ، قَالَ: وَقَدْ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا، وَكَأَنَّهُ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مُعَنْعَنًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْهُ5، وَهُوَ عِلَّةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ غَيْرُهُ أَوْثَقُ مِنْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "الْفَرَائِضِ" عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ، بِلَفْظِ: إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَوَرِثَ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ قَالَ النَّسَائِيُّ: وَلِلْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ. وَالْمَتْنِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا6، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ
__________
1 روى ابن أبي شيبة: ص 151 من الجزء الثالث عن حفص عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: ما صلي على أبي بكر إلا في المسجد، اهـ، ثم قال في "الجوهر": رجاله ثقات، قلت: ولد عروة لست خلون من خلافة عثمان، وقيل: في آخر خلافة عمر سنة 23، فالسند منقطع
2 "الموطأ في باب الصلاة على الجنائز في المسجد" ص 78.
3 الترمذي في "باب ترك الصلاة على الطفل حتى يستهل" ص 123.
4 "المستدرك" ص 363.
5 قال سعيد بن أبي مريم: حدثنا الليث، قال: جئت أبا الزبير، فدفع لي كتابين، فسألته، أسمعت هذا كله عن جابر؟ قال: لا، فيه ما سمعت، وفيه ما لم أسمع، قلت: فأعلمه لي ما سمعت منه، فأعلم لي على هذا الذي عندي، والله أعلم "طبقات المدلسين" ص 21.
6الحاكم في "المستدرك" ص 348 ج 4 من طريق مغيرة بن مسلم.(2/277)
ابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ يُعْرَفُ "بِعَلِيلَةَ" ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ. وَغَيْرُهُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا3 عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا النَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَوَرِثَ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَلَا يُورَثُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، نَحْوَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَطَاءٍ. وَأَبِي الزُّبَيْرِ، فَرَوَاهُ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَطَاءٍ5، فَرَفَعَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْهُ6، فَوَقَفَهُ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، فَرَفَعَهُ، وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" تَعْلِيقًا مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ: الطِّفْلُ إذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ، انْتَهَى. وَهَذَا التَّعْلِيقُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"7 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ8" عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي السِّقْطِ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ، فَإِذَا اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَعُقِلَ، وَوَرِثَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوَرَّثْ، وَلَمْ يُعْقَلْ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا فِي "تَرْجَمَةِ شَرِيكٍ الْقَاضِي" حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَوَرِثَ، انْتَهَى. وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى أَنَّ الطِّفْلَ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَالِكٌ مَعَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ9 عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَخْبَرَنِي
__________
1 ابن ماجه في "الفرائض في باب إذا استهل المولود ورث" ص 202، وفي "الجنائز في باب الصلاة على الطفل" ص 109.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 349 ج 4.
3 لم أجد في "المستدرك" لكن في البيهقي: ص 8 ج 4 عن الحاكم باسناد مختصر.
4البيهقي: ص 8 ج 4، والدارمي في "الفرائض" ص 407 موقوفاُ.
5 ومحمد بن راشد عن عطاء، عند الطحاوي: ص 293، ووقفه.
6 أي عن عطاء.
7 ابن أبي شيبة في "مصنفه" ص 125 ج 3.
8 والدارمي في "الفرائض" ص 407 عن أبي نعيم عن شريك به.
9 أبو داود في "باب المشي أمام الجنازة" ص 97 ج 2، والترمذي في "باب الصلاة على الأطفال" ص 122، والنسائي فيه: ص 276، وابن ماجه فيه: 109، والحاكم في "المستدرك" ص 355، وص 363، والطحاوي: ص 292، والطيالسي: ص 96.(2/278)
أَبِي عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ" 1، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي مسنده اضْطِرَابٌ سَيَأْتِي فِي الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، الْحَدِيثِ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا عَلَى أَطْفَالِكُمْ، فَإِنَّهُمْ مِنْ أَفْرَاطِكُمْ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: الْبَخْتَرِيُّ ضَعِيفٌ، وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يُمْكِنُ حَمْلُ الْأَطْفَالِ عَلَى مَنْ اسْتَهَلَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ صَلَاتِهِ عليه السلام عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ. وَأَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ، فَالْمُسْنَدَةُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَأَنَسٍ. وَالْخُدْرِيِّ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ شَبِيبٍ الْبَاهِلِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "إنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ، وَلَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، وَلَعَتَقَتْ أَخْوَالُهُ الْقِبْطُ، وَمَا اُسْتُرِقَّ قِبْطِيٌّ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ4" حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ، وَمَاتَ، وَهُوَ ابْنُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: وَكَوْنُهُ صَلَّى عَلَيْهِ، هُوَ أَشْبَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى آخِرِهِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبَرَاءَ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ5" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ بِهِ مُرْسَلًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ6" حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر ثَنَا مُحَمَّدُ بن عبيد الله القواريري7 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى
__________
1 وفي "المستدرك" بالعافية والرحمة.
2 ابن ماجه في "باب ما جاء في الصلاة على الطفل" ص 109.
3 ابن ماجه في "باب الصلاة على ابن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 110، وإبراهيم بن عثمان ضعيف.
4 أحمد في "مسنده" ص 283 ج 4، والبيهقي: ص 9 ج 4.
5 وكذا الطحاوي: ص 292 ج 1.
6 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 35 ج 3: رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن عبد الله العزرمي، وهو ضعيف.
7 في "التهذيب" محمد بن عبد الله العزرمي الفزاري عن عطاء، وهو ابن عجلان.(2/279)
ابنه إبْرَاهِيمَ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ1، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الصَّيْرَفِيُّ الْكُوفِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ2 بْنُ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أبي بصرة3 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ أَبِي يَعْلَى سَوَاءً. وَأَمَّا الْمُرْسَلَةُ: فَعَنْ الْبَهِيِّ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَقَاعِدِ، انْتَهَى. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ لَيْلَةً، انْتَهَى. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ4"، وَرَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هَذِهِ الْآثَارُ مُرْسَلَةٌ، وَهِيَ تَشُدُّ الْمَوْصُولَ، وَرِوَايَاتُ الْإِثْبَاتِ أَوْلَى مِنْ رِوَايَاتِ التَّرْكِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"5 عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَيْضًا6 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى عَلَيْهِ بِالْبَقِيعِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ التَّرْكِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"7 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ. وَالْبَزَّارُ. وَأَبُو يَعْلَى فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ مُرْسَلَ عَطَاءٍ، وَقَالَ: هَذَا أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَحْسَنَ8 إيصَالًا، وَاعْتَلَّ هُوَ. وَغَيْرُهُ مِمَّنْ سَلَّمَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِعِلَلٍ ضَعِيفَةٍ: مِنْهَا شَغْلِ النَّبِيِّ
__________
1 ابن سعد في "طبقاته" ص 90 ج 1، القسم الأول، وفي رواية أنس: سئل عن الصلاة، فقال: لا أدري، وهي في "مسند أحمد" ص 281 ج 3 أيضاً.
2 رواه البزار، قال في "الزوائد" ص 35 ج 3، رواه البزار. والطبراني في "الأوسط" وفيه عبد الرحمن بن مالك، وهو متروك.
3 أبو بصرة. أو أبو نضرة، فليراجع. (أقول في نسخة دار الكتب المصرية "أبو نضرة" "المصحح البجنوري نزيل القاهرة".) .
4 أبو داود في "باب الصلاة على الطفل" ص 98، والبيهقي: ص 9 ج 4، عن أبي داود بإسناده، اهـ.
5 ابن سعد ص 90 ج 1.
6 ابن سعد: ص 92، القسم الأول.
7أبو داود في "باب الصلاة على الطفل" ص 98،-ج2 وأحمد في مسنده" ص267-ج6 والطحاوي: ص292-ج1 قأل ابن القيم في الهدى"ص143 قال أحمد في رواية –حنبل: هذا حديث منكر جدا، ووهى ابن إسحاق، اهـ
8 وصححه ابن حزم في "المحلى".(2/280)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ اسْتَغْنَى بِفَضِيلَةِ1 بُنُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ، كَمَا اسْتَغْنَى الشُّهَدَاءُ بِفَضِيلَةِ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي نَبِيٌّ عَلَى نَبِيٍّ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَكَانَ نَبِيًّا2، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَإِنْ مَاتَ الْكَافِرُ، وَلَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ، بِذَلِكَ أُمِرَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي حَقِّ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ، قَدْ مَاتَ، قَالَ: "اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاك، ثُمَّ لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي"، فَذَهَبْت فَوَارَيْتُهُ، وَجِئْتُهُ، فَأَمَرَنِي، فَاغْتَسَلْت، وَدَعَا لِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ4. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَأَبُو يَعْلَى. وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْغُسْلُ وَالْكَفَنُ، إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: فَأَمَرَنِي، فَاغْتَسَلْتُ، فَإِنَّ الِاغْتِسَالَ شُرِعَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يُشْرَعْ مِنْ دَفْنِهِ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ. وَغَيْرُهُ
مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، إلَّا عَلَى الِاغْتِسَالِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، فَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا أُخْبِرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ بَكَى، ثُمَّ قال لي: "اذهب فاغسله، وَكَفِّنْهُ، وَوَارِهِ"، قَالَ: فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: "اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ"، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ أَيَّامًا، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الْآيَةَ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"6 الْحَدِيثَ بِسَنَدِ السُّنَنِ، قَالَ: إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الْكَافِرَ قَدْ مَاتَ، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ قَالَ: "أَرَى أَنْ تُغَسِّلَهُ، وَتَجُنَّهُ"، وَأَمَرَهُ بِالْغُسْلِ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"7 مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيَّ عَنْ
__________
1 لو كان هذا صحيحاً لم يصل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا على المجنون، ولا على كافر أسلم، ثم مات، متصلاً، من غير اقتراف ذنب "شرح المهذب".
2 ولكن بحديث ضعيف، رواه ابن ماجه، وأما الصحيح في البخاري، فهو أثر، وروى من بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 أبو داود في "باب الرجل يموت له قرابة مشرك" ص 102 ج 3، والنسائي في "باب مواراة المشرك" ص 283، وفي "الطهارة في باب الغسل من مواراة المشرك" ص 41، وابن سعد: ص 79، القسم الأول، والبيهقي: ص 398 ج 3.
4 أحمد في "مسنده" ص 97 ج 1، وابن أبي شيبة: ص 95، وص 142، الجزء الثالث.
5 ابن سعد في "طبقاته" ص 78 ج 1، القسم الأول، والبيهقي في "سننه" ص 305 بإسناد آخر، وضعفه.
6 ابن أبي شيبة: ص 142، الجزء الثالث، وفيه "تحنطه".
7 وأحمد في "مسنده" ص 103، وص 129، والبيهقي: ص 304 ج 1، وقال النووي "في شرح المهذب" ص 258 ج 5: حديث علي ضعيف، اهـ.(2/281)
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: "اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَلَا تُحْدِثُ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي"، قَالَ: فَوَارَيْته، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، قَالَ: "اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ"، فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَدَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمُرَ النَّعَمِ أَوْ سُودَهَا، قَالَ: وَكَانَ عَلِيٌّ إذَا غَسَّلَ مَيِّتًا اغْتَسَلَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1. وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ. وَابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ، بِلَفْظِ السُّنَنِ، زَادَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا، قَالَ: اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْوُسْطَى"2، ثُمَّ قَالَ: وَنَاجِيَةُ بْنُ كَعْبٍ لَا يعلم روى عنه روى غَيْرُ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ. وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا مِنْ طُرُقٍ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَأَسَانِيدُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَبَعْضُهَا مُنْكَرٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَبَسَطَ الْبَيْهَقِيُّ الْقَوْلَ فِي طُرُقِهِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ، قَالَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَا: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، شَيْخُ الْبُخَارِيِّ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا ثَابِتًا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ. وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَمِنْ الْحِجَامَةِ. وَغُسْلِ الْمَيِّتِ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4 بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَنْعِهِ الْمُسْلِمَ غَسْلَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَدَفْنِهِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَّ تُوُفِّيَتْ، وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَحْضُرَهَا، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "ارْكَبْ دَابَّتَكَ، وَسِرْ أَمَامَهَا، فَإِنَّك إذَا كُنْتَ أَمَامَهَا لَمْ تَكُنْ مَعَهَا"، انْتَهَى. وَهَذَا مَعَ ضَعْفِهِ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، كَمَا تَرَاهُ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِخُصُومِهِ بِحَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا أَيْضًا مَمْنُوعٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ فِيهِ حَدِيثُ النَّجَاشِيِّ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ6 مِنْ
__________
1 الطيالسي: ص 19، وابن جارود في "المنتقى" ص 269.
2 البيهقي في "الكبرى" ص 304 ج 1.
3 أبو داود في "باب الغسل من غسل الميت" ص 94 ج 4، والترمذي فيه: ص 118، والبيهقي: ص 301.
4 أبو داود: ص 94 ج 2.
5 الدارقطني: ص 192، وقال: أبو معشر ضعيف.
6 البخاري في "باب التكبير على الجنازة أربعاً" ص 178، من حديث أبي هريرة، وجابر، وكذا مسلم: ص 309.(2/282)
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكُنْت فِي الصَّفِّ الثَّانِي. أَوْ الثَّالِثِ، انْتَهَى. وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ أَجْوِبَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ لَهُ سَرِيرُهُ، فَرَآهُ، فَتَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، كَمَيِّتٍ رَآهُ الْإِمَامُ، وَلَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُونَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ يُثْبِتُهُ، وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ، انْتَهَى.
قُلْت: وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ تُوُفِّيَ، فَقُومُوا صَلُّوا عَلَيْهِ"، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا، وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إلَّا أَنَّ جِنَازَتَهُ2 بَيْنَ يَدَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ3 لِأَنَّهُ مَاتَ بِأَرْضٍ لَمْ يُقَمْ فِيهَا عَلَيْهِ فَرِيضَةُ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ ثَمَّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى غَائِبٍ غَيْرِهِ، وَقَدْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَهُمْ غَائِبُونَ عَنْهُ، وَسَمِعَ بِهِمْ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، إلَّا غَائِبًا وَاحِدًا وَرَدَ أَنَّهُ طُوِيَتْ لَهُ الْأَرْضُ حَتَّى حَضَرَهُ، وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيّ، رَوَى حَدِيثَهُ الطَّبَرَانِيُّ4 فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ". وَ"كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا نُوحُ بْنُ عَمْرِو5 بْنِ حُوَيٍّ السَّكْسَكُ6 ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ، فنزل عليه جبرئيل، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيّ
__________
1 وروى أحمد في "مسنده" ص 446 ج 4 عن عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا حرب بن شداد حدثنا يحيى ابن أبي كثير، أن أبا قلابة حدثه أن أبا المهلب حدثه أن عمران بن حصين حدثه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، إلى قوله: فصلى عليه، وما نحسب الجنازة إلا موضوعة بين يديه، اهـ، قال في "العرف الشذى": إسناد ابن حبان جيد، قلت: رجال أحمد ثقات، من رجال الصحيحين.
2 هكذا في "الجوهر" ص 51 ج 4، و"نيل الأوطار" ص 43 ج 4.
3 قال في "الهدى" ص 143: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إذا مات ببلد لم يصل عليه فيه: صلى عليه صلاة الغائب، كما صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النجاشي، لأنه مات بين الكفار، ولم يصل عليه، وأن من صلى عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب، لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على الغائب، وتركه، وفعله. وتركه سنة، هذا له موضع، وهذا له موضع، اهـ، قال ابن تيمية في "المنهاج" ص 27 ج 3: وكذلك النجاشي، هو إن كان ملك النصارى، فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما معه نفر منهم، ولهذا لما مات لم يكن أحد يصلي عليه، فصلى عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة.
4 قال في "الزوائد" ص 38 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير والأوسط" وفيه نوح بن عمر، قال ابن حبان: يقال: إنه سرق هذا الحديث، قلت: ليس هذا بضعف في الحديث، وفيه بقية وهو مدلس، وليس فيه علة غير هذا، اهـ.
5 كذا في "الاصابة" و"الجوهر" وفي "الزوائد": عمر، والله أعلم.
6 في نسخة دار الكتب المصرية "نوح بن عمير بن حوى السكسكي".(2/283)
مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، أَتُحِبُّ أَنْ أَطْوِيَ لَك الْأَرْضَ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَرَفَعَ لَهُ سَرِيرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَخَلْفَهُ صَفَّانِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فِي كُلِّ صَفٍّ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ رجع، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبرئيل: "بِمَ أَدْرَكَ هَذَا؟ " قَالَ: بِحُبِّ سُورَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، قراءته إيَّاهَا جَائِيًا، وَذَاهِبًا، وَقَائِمًا، وَقَاعِدًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيّ"، قَالَ: وَيُقَالُ: اللَّيْثِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْعَلَاءُ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَصْرِيُّ ثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ هِلَالٍ الْمُزَنِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ1 عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَبِسَنَدِ ابْنِ سَعْدِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2، وَضَعَّفَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَالْعَلَاءُ هَذَا ابْنُ زَيْدٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ يَزِيدَ، اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَابْنُ عَدِيٍّ. وَأَبُو حَاتِمٍ هُوَ مُنْكَرٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ، وَغَائِبَانِ آخَرَانِ، وَهُمَا: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَرَدَ أَنَّهُ أَيْضًا كُشِفَ لَهُ عَنْهُمَا، أَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي"، فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بمئونة، جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكُشِفَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ، فَهُوَ يَنْظُرُ إلَى مَعْرَكَتِهِمْ، فَقَالَ عليه السلام: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَمَضَى حَتَّى اُسْتُشْهِدَ"، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لَهُ، وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُوَ يَسْعَى"، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَمَضَى حَتَّى اُسْتُشْهِدَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لَهُ، وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَهُوَ يَطِيرُ فِيهَا بِجَنَاحَيْنِ حَيْثُ شَاءَ"، مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.
__________
1 ابن أبي ميمونة هو عطاء بن أبي ميمونة.
2 قلت: رواه البيهقي في "سننه" ص 50 ج 4 بالاسناد الأول، وقال: العلاء بن يزيد: منكر الحديث، ورواه بالاسناد الثاني، وقال: لا يتابع عليه، سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري، اهـ، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 38 ج 3: محبوب بن هلال، قال الذهبي: لا يعرف. وحديثه منكر، اهـ، ذكر الحافظ بن كثير الطريق الأول في "تفسيره" وقال: العلاء بن محمد متهم بالوضع، وذكر الطريق الثاني، وقال: محبوب بن هلال، قال أبو حاتم الرازي: ليس بالمشهور، ثم قال: روى هذا من طريق أخرى، تركناها اختصاراً، وكلها ضعيفة، اهـ.
وقال ابن قيم في "الهدى" ص 143: روى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على معاوية بن معاوية الليثي، وهو غائب، ولكن لا يصح، لأن في إسناده العلاء بن زياد، قال علي بن المديني، كان يضع الحديث، اهـ.
ذكر الحافظ في "الإصابة" قصة معاذ من حديث أبي أمامة. وأنس. وابن المسيب. والحسن البصري، ثم قال: قال ابن عبد البر: أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية، ولو أنها في الأحكام، لم يكن في شيء منها حجة، ومعاوية ابن مقرن المزني معروف، هو وإخوته، وأما معاوية بن معاوية، فلا أعرفه، اهـ، قال الشوكاني في "النيل": قال الذهبي: لا نعلم في الصحابة معاوية بن معاوية، اهـ.
وقال النووي في "شرح المهذب" ص 253 ج 5: هو حديث ضعيف، ضعفه الحافظ، الخ.(2/284)
أَحَادِيثُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى حَدِيثٌ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1 عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِي فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أنيسة عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" بِأَبِي فَرْوَةَ، وَنَقَلَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ. وَالْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: فَفِيهِ عِلَّةٌ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْلَى الرَّاوِيَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا الْقَطَوَانِيُّ الْأَسْلَمِيُّ، هَكَذَا صُرِّحَ بِهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَهُمْ آخَرُ فِي طَبَقَتِهِ "يُكَنَّى أَبَا الْمُحَيَّا" ذَاكَ ثِقَةٌ، وَلَيْسَ هُوَ هَذَا، انْتَهَى. قُلْت: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي أَبِي فَرْوَةَ: كَثِيرُ الْخَطَأِ، لَا يُعْجِبُنِي الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ الْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُ3، انْتَهَى. وَسَكَتَ عنه، ولكن أَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِالْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ، وَقَالَ: إنَّهُ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي ضُعَفَاءِ ابْنِ حِبَّانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَإِذَا انْصَرَفَ سَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَفَعَهُ عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ، وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ، فَرَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَلَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ "الْمُفْرَدِ4 فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ" شَيْئًا فِي هَذَا الْبَابِ، إلَّا حَدِيثًا مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثًا مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنهم، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 الترمذي في "باب ما جاء في رفع اليدين على الجنازة" ص 127 ج 1، والدارقطني: ص 102.
2 الدارقطني: ص 192.
3 قال بان حزم في "المحلى" ص 128 ج 5: العجب من قول أبي حنيفة: يرفع الأيدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة، ولم يأت قط عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنعه في سائر الصلوات، وقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اه، قلت: هذه النسبة منه أعجب.
4 البخاري في "جزء رفع اليدين" ص 35 باسناد صحيح، وابن أبي شيبة: ص 111 ج 4.(2/285)
فَصْلٌ فِي حمل الجنائز
...
فصل في حَمْلِ الْجِنَازَةِ
قَوْلُهُ: فَإِذَا حُمِلَ الْمَيِّتُ عَلَى سَرِيرِهِ1 أَخَذُوا بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ، بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، قُلْت: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِب السَّرِيرِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، إنْ شَاءَ، فَلْيَتَطَوَّعْ، وَإِنْ شَاءَ، فَلْيَدَعْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ3 وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ بِهِ، بِلَفْظِ: فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِب السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ رحمه الله فِي "كِتَابِ الْآثَارِ4"، أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ بِهِ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ حَمْلُ الْجِنَازَةِ بِجَوَانِب السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ، انْتَهَى. قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْدَأَ الرَّجُلُ، فَيَضَعَ يَمِينَ الْمَيِّتِ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ يَضَعَ يَمِينَ الْمَيِّتِ الْمُؤَخَّرَ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْمُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ فَيَضَعَهُ عَلَى يَسَارِهِ، ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُؤَخَّرَ الْأَيْسَرَ فَيَضَعَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ5. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي جِنَازَةٍ، فَحَمَلَ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الْمُهَزَّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: مَنْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ، فَقَدْ قَضَى الَّذِي عَلَيْهِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ، يَضَعَهَا السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عنقه، والثاني على أعلا صَدْرِهِ، لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ هَكَذَا حُمِلَتْ، قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ لِازْدِحَامِ الْمَلَائِكَةِ
__________
1 قال ابن حزم في "المحلى" ص 168: ومن طريق ابن أبي شيبة: ص 103 ج 3 عن يحيى بن سعيد، وهو القطان عن ثور عن عامر بن جشيب. وغيره من أهل الشام، قالوا: قال أبو الدرداء: من تمام أجر الجنازة أن يشيعها، من أهلها وأن يحملها بأركانها الأربع، وأن يحثوا في القبر، اهـ، قال صاحب "الجوهر" ص 20 ج 4: هذا سند صحيح، اهـ، حدثنا حميد عن مندل عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: إن استطعت، فابدأ بالقائمة التي تلي يده اليمنى، ثم أطف بالسرير، وإلا فكن قريباً منه، كذا في ابن أبي شيبة: ص 103
2 ابن ماجه في "باب ما جاء في شهود الجنازة" ص 107، وابن أبي شيبة: ص 103 ج 3، والبيهقي في "السنن" ص 19 ج 4، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
3 الطيالسي: ص 24.
4 ص 40.
5 ص 103 ج 3.(2/286)
عَلَيْهِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ شُيُوخٍ مِنْ بَنِي الْأَشْهَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ بَيْتِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنْ الدَّارِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ رحمه الله: وَالدَّارُ تَكُونُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" إلَّا بِغَيْرِ سَنَدٍ، وَلَفْظُهُ: قَالَ2: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَعْدٍ، فَغُسِّلَ، ثُمَّ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، ثُمَّ حُمِلَ عَلَى السَّرِيرِ، حَمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِهِ حَتَّى رُفِعَ مِنْ دَارِهِ، إلَى أَنْ خَرَجَ، مُخْتَصَرٌ. وَأَمَّا ازْدِحَامُ الْمَلَائِكَةِ فِي جِنَازَتِهِ، فَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ3 أَيْضًا أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: "لَقَدْ شَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَمْ يَنْزِلُوا إلَى الْأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً، ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ4"، وَذَكَرَ فِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافًا، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ، وَلَا جَعَلَهُ مُنْكَرًا، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، إلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ سَعْدٌ رَجُلًا جَسِيمًا، فَلَمْ نَرَ أَخَفَّ مِنْهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تَحْمِلُهُ"، مُخْتَصَرٌ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ5" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيِّ ثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ عَنْ ابْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: تُوُفِّيَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَشَهِدْنَاهُ، فَلَمَّا خَرَجَ سَرِيرُهُ مِنْ حُجْرَتِهِ إذَا حَسَنُ بْنُ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهم بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ عَمُودَيْ السَّرِيرِ، لِيَقِفَ
مَكَانَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَسَأَلَهُ بَنُو جَابِرٍ، أَلَا خَرَجْت، فَخَرَجَ، وَجَاءَ الْحَجَّاجُ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ، وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وُضِعَ،
__________
1 ابن سعد في "طبقاته" ص 10 ج 3، القسم الثاني: قال النووي في "شرح المهذب" ص 269 ج 5: ذكره البيهقي في كتاب "المعرفة" وأشار إلى تضعيفه، اهـ، قلت: الواقدي ضعيف، وشيوخ إسماعيل مجاهيل.
2 كذا في "الطبقات" عن الواقدي: ص 11 ج 3 بغير سند، إلا أن فيه: ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاضر، ولم يذكر الأمر، اهـ.
3 ابن سعد في "طبقاته" ص 9 ج 3، القسم الثاني، قال الحافظ في "الدراية" إسناده صحيح، اهـ، والنسائي: ص 289 ج 1.
4 "علل ابن أبي حاتم كتاب السير" ص 326، فليراجع.
5 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 31 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وأبو الحويرث، وثقه ابن حبان، وضعفه مالك. وغيره، اهـ، قلت: أبو الحويرث هو عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري الزرقي أبو الحويرث المدني.(2/287)
وَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ، ثُمَّ جَاءَ إلَى الْقَبْرِ، فَنَزَلَ حَسَنُ بْنُ حَسَنٍ فِي قَبْرِهِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ أَنْ يَخْرُجَ لِيَدْخُلَ مَكَانَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَسَأَلَهُ بَنُو جَابِرٍ، فَخَرَجَ فَدَخَلَ الْحَجَّاجُ الْحُفْرَةَ، حَتَّى فَرَغَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ الْأَوْسَطِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثَنَا عَاصِمُ بْنُ سُوَيْد سَمِعْت جَدِّي مُعَاوِيَةَ بْنَ مَعْبَدٍ، قَالَ: شَهِدْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا مَاتَ، فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا، وَزَادَ فِيهِ وَكُنْيَتُهُ: "جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ الْمَدَنِيُّ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ أُسَيْد بْنُ حُضَيْرٍ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَحَمَلَهُ عُمَرُ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ حَتَّى وَضَعَهُ بِالْبَقِيعِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنْبَأَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: رَأَيْت سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فِي جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاضِعًا السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ، قَائِمًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَحْمِلُ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرٍ، سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ2 رضي الله عنه أَيْضًا، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمِّهِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه يَحْمِلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، وَاضِعًا السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا3 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَائِمًا بَيْنَ قَائِمَتَيْ السَّرِيرِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَيْضًا، أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ شُرَحْبِيلَ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَحْمِلُ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرٍ، الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"4 أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَهُوَ5 يَوْمَئِذٍ عَامِلُ الْمَدِينَةِ، حَمَلَ سَرِيرَ حَفْصَةَ
__________
1 قلت: وفي "مسند الشافعي" ص 264 ج 6 على هامش كتاب "الأم" ولفظه: رأيت عثمان بن عفان يحمل بين عمودي سرير أمه، فلم يفارقه حتى وضعه، اه، وفي رواية المسند: إسحاق بن يحيى، وهو ضعيف.
2 قلت: وفي "السنن" ص 20 ج 4، كلها سوى أثر عثمان، وكذا الشافعي في كتاب "الأم" ص 231، قال النووي في "شرح المهذب: ص 269 ج 5: والآثار المذكورة عن الصحابة رواها الشافعي. والبيهقي بأسانيد ضعيفة، إلا أثر سعد بن أبي وقاص، فصحيح، والله أعلم، اهـ.
3 بعض أصحابنا، الخ، في إسناده مجهول، وما تقدم عن ابن عمر في الأخذ بالجوانب الأربعة من حديث ابن أبي شيبة، قال ابن التركماني في "الجوهر": سنده صحيح، مع شرط مسلم.
4 "طبقات ابن سعد" ص 60 ج 8.
5 ليس هذا في النسخة المطبوعة من الطبقات.(2/288)
بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنْ عِنْدِ دَارِ أَبِي حَزْمٍ، إلَى دَارِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَحَمَلَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَارِ الْمُغِيرَةِ إلَى قَبْرِهَا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ1 أَنْبَأَنَا إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ حَمَلَ سَرِيرَ أُمِّهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَتَّى وَضَعَهَا بموضع الْجَنَائِزِ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهَا، وَدَعَا لَهَا.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ، فَقَالَ: "مَا دُونَ الْخَبَبِ"2، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى الْجَابِرِ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ، فَقَالَ: "مَا دُونَ الْخَبَبِ، إنْ يَكُنْ خَيْرًا يعجل إليه، وإن يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ، وَالْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَا تَتْبَعُ، لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَيَقُولُ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قِيلَ لِيَحْيَى: مَنْ أَبُو مَاجِدٍ هَذَا؟ فَقَالَ: طَائِرٌ طَارَ، فَحَدَّثَنَا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَأَبُو مَاجِدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَلَهُ حَدِيثَانِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَيَحْيَى الْجَابِرُ، وَيُقَال: الْمُجْبَرُ، ثِقَةٌ، يُكَنَّى: أَبَا الْحَارِثِ، وَهُوَ كُوفِيٌّ، رَوَى لَهُ شُعْبَةُ. وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَغَيْرُهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَبُو مَاجِدٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ جِدًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى فِي "مَسَانِيدِهِمْ".
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْأَرْبَعَةُ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ5 فِي الْفَضَائِلِ" عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عُيَيْنَةَ
__________
1 والبيهقي في "السنن" ص 20 ج 4، عن الشافعي عن الثقة من أصحابه عن إسحاق بإسناده، وإسحاق ضعيف. 2 أخرج الحاكم في "المستدرك" ص 564 ج 3، أن أبا سعيد الخدري أوصى ابنه عبد الرحمن، وأن مما أوصى به: وليكن مشيك خبباً، اهـ.
3 أبو داود في "باب الاسراع بالجنازة" ص 97، والترمذي في "باب المشي خلف الجنازة" ص 120، والطحاوي: ص 277، وأحمد: ص 394، وص 419، وص 415، و432 موقوفاً.
4 أبو داود: ص 97 ج 2، والترمذي في "باب الاسراع بالجنازة" ص 120، وصححه، والنسائي في "باب السرعة بالجنازة" ص 270 ج 1، وابن ماجه في "باب ما جاء في شهود الجنازة" ص 107، والطحاوي: ص 276، قلت: هذا الحديث أخرجه الشيخان أيضاً: البخاري في "باب السرعة بالجنازة" ص 176. ومسلم في "الجنائز" ص 306، ولا أدري لم أغفلهما الحافظ المخرج رحمه الله تعالى.
5 أخرجه الحاكم في "فضل عبد الرحمن بن بكرة": ص 445 ج 3، وعثمان بن أبي العاص: ص 446 ج 3(2/289)
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: فَكُنَّا نَمْشِي مَشْيًا خَفِيفًا، قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو بَكْرَةَ سَوْطَهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: وَاَلَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ أَبِي الْقَاسِمِ، لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّا لَنَكَادُ أَنْ نَرْمُلَ بِهَا رَمَلًا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فِي جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ، بِسَرِفٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ مَيْمُونَةُ، إذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوا، وَلَا تُزَلْزِلُوا، مُخْتَصَرٌ، فَالْمُرَادُ بِهِ شِدَّةُ الْإِسْرَاعِ، لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ الِانْفِجَارُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "النِّكَاحِ"، وَبَقِيَّتُهُ: فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ تِسْعُ نِسْوَةٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ، قَالَ عَطَاءٌ: الَّتِي لَا يَقْسِمُ لَهَا صفية بنت حبي، انْتَهَى. وَزَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ عَطَاءٌ: وَكَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا، مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ، رضي الله عنها، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْمَشْيِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ حَدِيثُ أَبِي مَاجِدٍ، تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ، وَلَا تَتْبَعُ، لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ناب بن عمر حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ، وَلَا نَارٍ، وَلَا يُمْشَى بَيْنَ يَدَيْهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ"، وَمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "الْعِلَل الْمُتَنَاهِيَةِ" بِأَنَّ فِيهِ رَجُلَيْنِ مَجْهُولَيْنِ.
__________
وفي "الجنائز" ص 355، وصححه، كأن سياق الحافظ المخرج ملفق منهما، وأبو داود: ص 97 ج 2، والنسائي في "باب السرعة بالجنازة" ص 271 ج 1، وابن أبي شيبة: ص 102، وأحمد: ص 36 ج 5، والطيالسي: ص 120، والطحاوي: ص 276 ج 1.
1 أخرجه البخاري في "النكاح في باب كثرة النساء" ص 758 ج 2، ومسلم في "النكاح في باب جواز هبتها نوبتها لضرتها" حتى 473، والحاكم: ص 33 ج 4، والبيهقي: ص 22 ج 4، واللفظ له. وأورد العيني في "البناية" حديث ابن عباس هذا في صورة السؤال، ثم قال: أما قول ابن عباس، فإنه أراد بالرفق الرفق في كيفية الحمل، لا في كيفية المشي، اهـ. والله أعلم، وهذا كما في حديث أبي موسى، عند أحمد: ص 403 ج 4، قال: مروا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازة يسرعون بها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليكون عليكم السكينة"، اهـ. أي السكينة عن إزعاج الجنازة لرواية أخرى، عند أحمد: ص 306 ج 4، قال: مرت برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جنازة تمخض مخض الزق، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "القصد"، اهـ ورواه أبو داود. والطيالسي: ص 71.
2 أبو داود في "باب اتباع الميت بالنار" ص 96 ج 1، وأحمد: ص 528 ج 2، وأحمد: ص 532 ج 2.(2/290)
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 فِي فَضَائِلِ مَارِيَةَ" أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشَى خَلْفَ جِنَازَةِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام حَافِيًا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ2" حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْحِمْصِيِّ الْعَطَّارِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ السَّعْدِيُّ، وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخُو فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ ضَعِيفٌ، أَضْعَفُ مِنْ أَخِيهِ فُلَيْحِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُطَّرِحِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ علي بن زيد عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سَأَلَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، الْمَشْيُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ أَمْ أَمَامَهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا، كَفَضْلِ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى التطوع، فقال أَبُو سَعِيدٍ: أَبِرَأْيِك تَقُولُ، أَمْ شَيْءٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَغَضِبَ، وَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ، بَلْ سَمِعْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَلَا اثْنَيْنِ، وَلَا ثَلَاثٍ، حَتَّى عَدَّ سَبْعًا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إنِّي رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ يَمْشِيَانِ أَمَامَهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمَا، لَقَدْ سَمِعَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا سَمِعْتُهُ، وَإِنَّهُمَا وَاَللَّهِ لَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَكِنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ وَيَتَضَايَقُوا، فَأَحَبَّا أَنْ يُسَهِّلَا عَلَى النَّاسِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِمُطَّرِحٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ: الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "الْعِلَل الْمُتَنَاهِيَةِ": عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ، وَالْقَاسِمُ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ، فِي حَدِيثٍ، فَهُوَ مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كتاب الضعفاء": عبد اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ مُنْكَرُ
الْحَدِيثِ جِدًّا، يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَإِذَا رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ أَتَى بِالطَّامَّاتِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي إسْنَادِ خَبَرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَمَتْنُهُ مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ. وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُ قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكُلُّ حَدِيثِهِ عِنْدِي ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
__________
1 الحاكم في "المستدرك" ص 40 ج 4، إلا أني لم أجد من ذكر الشيخ الحاكم وأباه، وبقية رجاله ثقات، وفيه محمد بن مصفى بن بهلول الحافظ، مدلس تدليس التسوية، صدوق له أوهام، وبقية بن الوليد صدوق، كثير التدليس، ومحمد بن زياد هو الألهاني ثقة.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 31 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه سليمان بن سلمة الجنائزي، وهو ضعيف.(2/291)
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا1 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا مَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ إلَّا خَلْفَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ قُرْبَانًا، وَإِنَّ قُرْبَانَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَوْتَاهَا، فَاجْعَلُوا مَوْتَاكُمْ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ: جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ، وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، وَهِيَ تُحِبُّ أَنْ يَحْضُرَهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: "ارْكَبْ دَابَّتَك، وَسِرْ أَمَامَهَا، فَإِنَّك إذَا كُنْت أَمَامَهَا، لَمْ تَكُنْ مَعَهَا"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو مَعْشَرٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ إبْرَاهِيمَ3 بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ ثَنَا أَبُو بَكْرَةَ عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُسْمَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ، إلَّا قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مُبْدِيًا، وَرَاجِعًا، انْتَهَى. وَضَعَّفَ إبْرَاهِيمَ هَذَا، وَجَعَلَهُ مِنْ مُنْكَرَاتِهِ. وَأَعَادَهُ فِي "تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ"، وَضَعَّفَهُ تَضْعِيفًا يَسِيرًا.
الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت فِي جِنَازَةٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَمْشِيَانِ أَمَامَهَا، وَعَلِيٌّ يَمْشِي خَلْفَهَا، فَقُلْت لِعَلِيٍّ: أَرَاك تَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَهَذَانِ يَمْشِيَانِ أَمَامَهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمَا أَنَّ فَضْلَ الْمَشْيِ خَلْفَهَا عَلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا، كَفَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْفَذِّ، وَلَكِنَّهُمَا أَحَبَّا أَنْ يُيَسِّرَا عَلَى النَّاسِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ5
__________
1 قال الحافظ في "الدراية": مرسل صحيح.
2 ص 192.
3 هو إبراهيم بن أحمد الحراني الضرير.
4 وعلق ابن حزم في "المحلى" ص 165 ج 5 عن عبد الرزاق بإسناده، قلت: رواته ثقات، وزائدة ابن أوس، هو زائدة بن أوس بن خراش، ذكره ابن حبان في الثقات، وروى أحمد في "مسنده" ص 97 ج 1، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 279 عن ابن يسار عن علي، بمعنى حديث بن أبزى، قال الهيثمي في "الزوائد" ص 31 ج 3: رجاله ثقات، اه، قال الحافظ في "الفتح" ص 147 ج 3: إسناده حسن، وهو موقوف، له حكم المرفوع، اه، وفي سند عبد الرزاق عروة بن الحارث أبو فروة ثقة، وزائدة بن أوس ذكره ابن حبان في الثقات، وسعيد بن عبد الرحمن ثقة، وأبوه صحابي صغير.
5 ابن أبي شيبة: ص 100 ج 3، والطحاوي: ص 279، والبيهقي: ص 25 ج 4 عن زائدة(2/292)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: كُنْت فِي جِنَازَةٍ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ"1 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ، وَأَنَا مَعَهُ، فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ السُّنَّةُ فِي الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ، أَمَامَهَا، أَوْ خَلْفَهَا؟ فَقَالَ: وَيْحَك يَا نَافِعُ، أَمَا تَرَانِي أَمْشِي خَلْفَهَا؟!، انْتَهَى2.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ثَنَا أَبُو كَرْبٍ أَوْ أَبُو حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ: كُنْ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلَائِكَةِ، وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ، مُخْتَصَرٌ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ4 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ سُفْيَانَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ5،
__________
ابن خراش عن ابن أبزى بإسناده، وزائدة بن خراش، هو زائدة بن أوس بن خراش، قلت: رجال الطحاوي. والبيهقي كلهم ثقات، وفي رجال ابن أبي شيبة يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي أبو عبد الله، مولاهم الكوفي، ضعيف، وبقية رجاله ثقات.
1 والطحاوي في "شرح الآثار" ص 279: عن أبي بكر بن أبي مريم به، قال الحافظ في "الدراية": أبو بكر بن أبي مريم ضعيف، اهـ.
2 حديث آخر: روى الطحاوي في "شرح الآثار" ص 279 عن عبد الله بن شريك، قال: سمعت الحارث بن أبي ربيعة سأل عبد الله بن عمر عن أم ولد له نصرانية ماتت، فقال له ابن عمر: نأمر بأمرك، وأنت بعيد منها، ثم تسير أمامها، فان الذي يسير أمام الجنازةن ليس معها، اه، رواته ثقات، ورواه ابن شيبة في: ص 142 ج 3، مختصراً.
حديث آخر: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب، قال: ماتت أم رجل من ثقيف، وهي نصرانية، فسئل ابن مغفل، فقال: إني أحب أن أحضرها، ولا أتبعها، قال: اركب دابة، وسر أمامها غلوة، فإنك إذا سرت أمامها فلست معها، رواه ابن أبي شيبة: ص 142 ج 3 اختلط عطاء، وسمع منه جرير بآخره.
3 ابن أبي شيبة: ص 103 ج 3، وفيه عبيد الله، وأبو كريب بالتصغير، وبالواو بين أبي كرب. وأبي حرب، دون: أو، فليراجع.
4 أبو داود في "باب المشي أمام الجنازة" ص 97 ج 2، والنسائي في "باب مكان الماشي من الجنازة" ص 275، والترمذي في "باب المشي أمام الجنازة" ص 120، وابن ماجه فيه: ص 108، وأحمد: ص 8 ج 2.
5 قال الحافظ في "التلخيص" ص 156، قلت: وهذا لا ينفى عنه الوهم، فانه ضابط، لأنه سمعه منه عن سالم عن أبيه، والأمر كذلك، إلا أن فيه إدراجاً، لعل الزهري أدمجه، إذا حدث به ابن عيينة، وفصله بغيره، وقد اوضحته في المدرج بأتم من هذا، اهـ.(2/293)
سَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ1، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَرَوَى مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ بْنُ يزيد، وَمَالِكٌ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ. قَالَ: وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ رحمه الله: وَسَمِعْت يَحْيَى بْنَ مُوسَى يَقُولُ: سَمِعْت عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رضي الله عنهما: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا مُرْسَلًا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَرَى ابْنَ جُرَيْجٍ أَخَذَهُ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ رحمه الله2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، رضي الله عنهم، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: أَخْطَأَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا3 عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ، وَهِمَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَخَالَفَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه، فَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ: وَإِنَّمَا أَتَى عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ عليه السلام، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، فَقَوْلُهُ: وَكَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إلَى آخِرِهِ، مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، لَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْحُفَّاظُ عَنْ الزُّهْرِيِّ ثَلَاثَةٌ: مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، فَإِذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى قَوْلٍ أَخَذْنَا بِهِ، وَتَرَكْنَا قَوْلَ الْآخَرِ، انْتَهَى كَلَامُ النَّسَائِيّ. قُلْت: وَبِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ النَّسَائِيُّ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"4 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَرَأْت عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ: ثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْ الْجِنَازَةِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَبُو بَكْرٍ، وعمر يمشون أمامها، قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: هَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلٌ،
__________
1 زياد بن سعد، عند النسائي: ص 275، والترمذي، وقوله: غير واحد عن الزهري، كابن أخ الزهري، عند أحمد: ص 122، وكمنصور. وبكر بن وائل، عند النسائي. والترمذي.
2 حديث أنس، أخرجه الترمذي: ص 120، وابن ماجه: ص 108، والطحاوي: ص 278.
3 روى الطحاوي عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أن عبد الله بن عمر كان يمشي أمام الجنازة، قال: وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذلك. وأبو بكر. وعمر. وعثمان بن عفان. اهـ.
4 "مسند أحمد" ص 37 ج 2، وص 140 ج 2، وأحمد في "مسنده" ص 37 ج 2 حدثنا عبد الرزاق. وابن بكر، قالا: أخبرنا جريج، قال: قال ابن شهاب، الخ، وص 140 ج 2، حدثنا حجاج حدثنا ليث حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد الله أخبره، أن عبد الله بن عمر كان يمشي بين يدي الجنازة، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث، وكذا عند الطحاوي عن عقيل، ويونس.(2/294)
وَحَدِيثُ سَالِمٍ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، كَأَنَّهُ وَهَمَ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا أَبِي بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عن أبيه به، بِلَفْظِ السُّنَنِ، وَزَادَ فِيهِ ذِكْرَ عُثْمَانَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ عُثْمَانُ عَنْ النَّسَائِيّ أَيْضًا.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ، يُقَدِّمُهُمْ أَمَامَ جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ3 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مولى التوءَمة، قَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَأَبَا قَتَادَةَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا أَسِيد رضي الله عنهم يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْقَائِلِينَ بِالتَّفْضِيلِ: ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه إلَى أَنَّ أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمَاشِي، وَخَلْفَهَا أَفْضَلُ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ4 عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَاشِي يَمْشِيَ أَمَامَهَا قَرِيبًا عَنْهَا، عَنْ يَمِينِهَا، أَوْ عَنْ يَسَارِهَا" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، انْتَهَى. وَفِي سَنَدِهِ اضْطِرَابٌ، وَفِي مَتْنِهِ أَيْضًا.5، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد أَخْرَجَهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: وَأَحْسَبُ أَنَّ أَهْلَ زِيَادٍ6 أَخْبَرُونِي أَنَّهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "الرَّاكِبُ" إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَبِهَذَا السَّنَدِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1. وَابْنُ مَاجَهْ، لَيْسَ فِيهِ: عَنْ أَبِيهِ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ: عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ سمع المغيرة، فذكره. والله الموفق.
__________
1 وروى أحمد في "مسنده" ص 122 ج 2 عن ابن أخي ابن شهاب عن الزهري عن سالم عن أبيه، وزاد فيه ذكر عثمان.
2 والبيهقي في "السنن الكبير" ص 24 ج 4، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 278.
3 قلت: روى ابن أبي شيبة: ص 100 ج 3 عن وكيع عن مسعر عن عدي بن ثابت عن أبي حازم، قال: رأيت أبا هريرة، وأبا قتادة، وابن عمر، وأبا أسيد يمشون أمام الجنازة، اه، وأخرجه البيهقي: ص 24 ج 4 عن أبي وهب عن ابن أبي ذئب عن صالح، أنه رأى أبا هريرة، الحديث.
4أبو داود في "باب المشي أمام الجنازة" ص 97 ج 2، والنسائي في باب "مكان الراكب من الجنازة" ص 275، وص 276، والترمذي في "باب الصلاة على الطفل" ص 122 ج 1 ابن ماجه في "باب ما جاء في شهود الجنائز" ص 108، وأحمد: ص 247، وص 248، وص 249، وص 252، والحاكم في "المستدرك" ص 355، وصححه، وص 363 ج 1، والطحاوي: ص 278، وابن أبي شيبة: ص 101 ج 3.
5 ولفظ أبي داود: والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعند النسائي. وغيره: والماشي حيث شاء منها.
6 أخرجه الطيالسي في "مسنده" ص 96، وفيه: قال: ولا أعلمه إلا مرفوعاً، الخ، وفي لفظ: لا أراه إلا مرفوعاً، اهـ. وأخرج ابن أبي شيبة في: ص 124 ج 3، هذا الحديث منقطعاً، وفيه قال يونس: وأهل زياد يرفعونه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا لا أحفظه، اهـ.(2/295)
فَصْلٌ فِي الدَّفْنِ
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيُّ، فِيهِ مَقَالٌ3، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَرَاهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَجْلِهِ، كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ، وَوَصَفَهُ بِالِاضْطِرَابِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ، ربما رَفَعَ الْحَدِيثَ، وَرُبَّمَا وَقَفَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَالَ أَحْمَدُ رضي الله عنه: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، حَدَّثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، بِأَشْيَاءَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ: رضي الله عنه، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ زَاذَانَ"، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ سُفْيَانُ النوري، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ. وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَأَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ، وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ"5 عَنْ أَبِي جَنَابٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام جَلَسَ عَلَى شَفِيرِ قَبْرٍ، فَقَالَ: "أَلْحِدُوا، وَلَا تَشُقُّوا، فَإِنَّ اللَّحْدَ لَنَا، وَالشَّقَّ لِغَيْرِنَا"، وَفِيهِ
__________
1 قلت: حوالة النسائي غير رائجة، فليراجع.
2 أبو داود في "باب اللحد" ص 102 ج 2، والنسائي في "باب اللحد والشق" ص 283، والترمذي في "باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللحد لنا والشق لغيرنا" ص 124، وابن ماجه في "باب استحباب اللحد" ص 112، وأخرجه ابن سعد في "طبقاته" ص 72 ج 3، القسم الثاني، بلفظ: والشق لأهل الكتاب، والبيهقي ص 408 ج 3.
3 وصححه ابن السكن "تلخيص" ص 163.
4 وابن ماجه في "باب استحباب اللحد" ص 112، وأحمد: ص 362 ج 5، بلفظ: والشق لأهل الكتاب، والطيالسي: ص 92، وابن أبي شيبة: ص 127 ج 3، والبيهقي: ص 408 ج 3، وأبو اليقظان هو: عثمان بن عمير البجلي.
5 أحمد: ص 359 ج 4، وله طريق آخر، عند أحمد: ص 357 ج 5، رواه عن عفان عن حماد بن سلمة عن الحجاج عن عمرو بن مرة عن زاذان به، وأبو جناب الكلبي مدلس.(2/296)
قِصَّةٌ، وَالْأَوَّلُ مَعْلُولٌ بِأَبِي الْيَقْظَانِ، وَاسْمُهُ: عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ الْبَجَلِيُّ، وَفِيهِ مَقَالٌ. وَالثَّانِي: مَعْلُولٌ بِأَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ، وَفِي الْآخَرِ مَقَالٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ1 فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا الشَّحَّامُ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا"، انتهى. والله الموفق.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَلْحَدُ، وَالْآخَرُ: يَضْرَحُ، فَقَالُوا: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا، وَنَبْعَثُ إلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ تَرَكْنَاهُ، فَأُرْسِلَ إلَيْهِمَا، فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ، فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ عليه السلام، انتهى. حدثنا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ الطُّفَيْلِ الْمُقْرِي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقُرَشِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها3، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي اللَّحْدِ وَالشَّقِّ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا تَصِيحُوا4 عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. فَأَرْسَلُوا إلَى الشَّقَّاقِ، وَاللَّاحِدِ، فَجَاءَ اللَّاحِدُ، فَلُحِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دُفِنَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"5 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ثَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْحِدَ لَهُ، وَلِأَبِي بَكْرٍ، وَلِعُمَرَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"6 أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" سنده ضعيف، اهـ.
2 ابن ماجه في "باب ما جاء في الشق" ص 113، قال الحافظ في "التلخيص" ص 163: إسناده حسن.
3 أحمد في "مسنده" ص 24 ج 2 عن وكيع عن العمري عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألحد له لحد، اهـ.
4 في نسخة دار الكتب المصرية "لا تصخبوا" "أحمد رضا البجنوري".
5 ابن أبي شيبة في "مصنفه" ص 127 عن حجاج عن نافع به، وأحمد في "مسنده" ص 24 ج 2 عن العمري عن نافع به، ولم يذكر، أبا بكر، ولا عمر.
6 ابن ماجه في "باب ذكر وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفنه" ص 118، واللفظ لابن هشام في آخر "سيرته" ص 375 ج 2، رواه عن ابن إسحاق بإسناده، بل كأنه ملفق، والبيهقي: ص 408 ج 3، مختصراً، ورواه ابن سعد في "طبقاته" ص 74 ج 3، القسم الثاني، عن داود بن الحصين عن عكرمة به، مختصراً، إلى قوله: فألحد له، قال الحافظ في "الدراية" في إسناده ضعف، وقال في "التقريب": حسين بن عبد الله ضعيف.(2/297)
الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ، كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَلْحَدُ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ. وَلِلْآخَرِ: اذْهَبْ إلَى أَبِي طَلْحَةَ، اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِك1، فَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ"، فَرَفَعَ فِرَاشَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَحَفَرَ له تحته، ثم دُعي النَّاسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 يُصَلُّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا، دَخَلَ الرِّجَالُ، حَتَّى إذَا فَرَغُوا، أَدْخَلَ النِّسَاءَ، حَتَّى إذَا فَرَغَ النِّسَاءُ، أَدْخَلَ الصِّبْيَانَ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ، فَدُفِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَسَطِ اللَّيْلِ، لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَقُثَمُ أَخُوهُ، وَشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلَى وَهُوَ أَبُو لَيْلَى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنْشُدُك اللَّهَ، وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه: انْزِلْ، وَكَانَ شُقْرَانُ مَوْلَاهُ، أَخَذَ قَطِيفَةً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَدَفَنَهَا فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَك، فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ سَلًّا، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إدْخَالِهِ عليه السلام، قُلْت: رَوَى الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ"3 أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ4. وَغَيْرُهُ عن ابن جريج عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، وَالنَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا5 عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي النَّضْرِ6 لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رضي الله عنهم، انْتَهَى.
__________
1 قوله: "اللهم خِر لرسولك" هذا اللفظ ليس في السيرة، بل هو في ابن ماجه.
2 في نسخة "ثم دخل الناس على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
3 الشافعي في كتاب "الأم" ص 242، قوله: أخبرنا الثقة. قال في "الجوهر": أخبرنا الثقة، ليس بتوثيق، وعمرو بن عطاء ضعفه يحيى. والنسائي، قال الحافظ في "التلخيص" قيل: الثقة ههنا، مسلم بن خالد.
4 مسلم بن خالد الزنجي ضعيف، والحديث من جهة عمران معضل، قاله في "الجوهر".
5 مجهول، ومع ذلك، الحديث مرسل.
6 كذا في البيهقي: ص 54 ج 4، وفي كتاب "الأم" ص 242: ابن النضر، فليراجع.
(*) أقول: في نسخة "الدار" أيضاً "أبو النضر" "البجنوري عفا الله عنه"(2/298)
وَمِنْ طريق الشافعي، رواه الْبَيْهَقِيُّ1، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إدْخَالِهِ عليه السلام، فَمِمَّا وَرَدَ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ، مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يُسَلَّ سَلًّا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، وَعَزَاهُ لِمَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَإِنَّمَا هُوَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، قَالَ: لِأَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ إنَّمَا يَرْوِي عَنْ النَّخَعِيّ لَا التَّيْمِيِّ، وَلَعَلَّ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الِاسْمِ، وَاسْمِ الْأَبِ، وَالْبَلَدِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الرُّوَاةِ، مِنْ فَوْقٍ، وَمِنْ أَسْفَلَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، انْتَهَى. قُلْت: صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، فَقَالَ: عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: وَرُفِعَ قَبْرُهُ، حَتَّى يُعْرَفَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"3. وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أُخِذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَأُلْحِدَ لَهُ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا، انْتَهَى. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ تَضْعِيفُ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: هُوَ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إسْحَاقَ ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخِذَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَاسْتُلَّ اسْتِلَالًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَلَا يُتَصَوَّرُ إدْخَالُهُ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ الْقَبْرَ فِي أَصْلِ الْحَائِطِ، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، هُوَ: السَّبِيعِيُّ، قَالَ: أَوْصَانِي الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ،
__________
1 البيهقي في "سننه الكبرى" ص 54 ج 4، وقال: والذي ذكره الشافعي أشهر في أرض الحجاز، اهـ. قلت: قال الشافعي في كتاب "الأم": هو من الأمور العامة التي يستغنى فيها عن الحديث، اهـ.
2 ابن أبي شيبة: ص 130 ج 3.
3 أخرجه البيهقي في "سننه" ص 54 ج 4 عن ابن عدي حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا أبو بردة في منزله حدثنا علقمة بن مرثد عن ابن بريدة، الحديث، وقال أبو بردة: هذا عمر بن يزيد التيمي الكوفي، وهو ضعيف.
4 ابن ماجه في "باب ما جاء في إدخال الميت القبر" ص 112، قال الحافظ في "الدراية": فيه عطية، وهو ضعيف.
5 أبو داود في "باب كيف يدخل الميت قبره" ص 102 ج 2، وابن أبي شيبة: ص 130 ج 3، والبيهقي في "سننه" ص 54 ج 4.(2/299)
وَقَالَ: هَذَا مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ كَالْمُسْنَدِ لِقَوْلِهِ: مِنْ السُّنَّةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ مِنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدًا، وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً، انْتَهَى. وَمِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ2 فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَشْعَثِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مِهْرَانَ ثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، وَيُسَلُّ سَلًّا"، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ3" حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كُنْت مَعَ أَنَسٍ رضي الله عنه فِي جِنَازَةٍ، فَأَمَرَ بِالْمَيِّتِ، فَأُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَدْخَلَ مَيِّتًا مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام، دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا، فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، فَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ: "رَحِمَكَ اللَّهُ، إنْ كُنْتَ لَأَوَّاهًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ"، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَمَاعًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله: فيه نظر. والله أعلم.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"5 عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَبَّرَ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُكَفِّفِ أَرْبَعًا، وَأُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ وَلْيَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، وَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ، يَقُولُ وَاضِعُهُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، كَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَعَ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيَّ فِي الْقَبْرِ، قُلْتُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي "الْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ"، وَهُوَ وَهْمٌ، فَإِنَّ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيَّ تُوُفِّيَ بَعْدَ
__________
1 ابن ماجه في "باب إدخال الميت القبر" ص 112، وقال الحافظ: إسناده ضعيف.
2 قال الحافظ في "الدراية": إسناده ضعيف.
3 ابن أبي شيبة: ص 130 ج 3، قال الحافظ في "الدراية": إسناده صحيح، لكنه موقوف على أنس، اهـ.
4 الترمذي في "باب ما جاء في الدفن بالليل" ص 125، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ص 131 ج 3.
5 ابن أبي شيبة: ص 131 ج 3، وقال ابن حزم في "المحلى" ص 178 ج 5: صحيح.(2/300)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ، وَكَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي "تَارِيخِهِ"، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الرِّدَّةِ" لَهُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَنَسٍ الصُّفْرِيُّ1 عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: كَانَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ رَجُلًا مِنْ الْيَمَامَةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ قَدْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، إلَى أَنْ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ نَسِيبَةَ بِنْتَ كَعْبٍ، وَيَدُهَا مَقْطُوعَةٌ، فَقُلْتُ لَهَا: مَتَى قُطِعَتْ يَدُكِ؟ قَالَتْ: يَوْمَ الْيَمَامَةِ، كُنْت مَعَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إلَى حَدِيقَةٍ، فَاقْتَتَلُوا عَلَيْهَا سَاعَةً، حَتَّى قَالَ أَبُو دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَاسْمُهُ: سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ: احْمِلُونِي عَلَى التِّرْسَةِ، حَتَّى تَطْرَحُونِي عَلَيْهِمْ، فَأَشْغَلُهُمْ، فَحَمَلُوهُ عَلَى التِّرْسَةِ، وَأَلْقَوْهُ فِيهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قَتَلُوهُ رحمه الله، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ، وَأَنَا أُرِيدُ عَدُوَّ اللَّهِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، فَعَرَضَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَضَرَبَنِي، فقطع يدي، فو الله مَا عَرَّجْتُ عَلَيْهَا، وَلَمْ أَزَلْ حَتَّى وَقَعْتُ عَلَى الْخَبِيثِ مَقْتُولًا، وَابْنِي يَمْسَحُ سَيْفَهُ بِثِيَابِهِ، فَقُلْت لَهُ: أَقَتَلَتْهُ يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أُمَّاهُ، فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْرًا، قَالَ: وَابْنُهَا، هُوَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْنَبَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، كَمْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ؟ قَالَ: سِتُّمِائَةٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ. وَالْأَنْصَارِ. وَغَيْرُ ذَلِكَ، ثُمَّ عَقَدَ "بَابًا فِي أَسْمَائِهِمْ"، وَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيَّ، سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَفِي "مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي دُجَانَةَ" أَسْنَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، قَالَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ: فَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ2 مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إذَا دَخَلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ، قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ"، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، بِلَفْظِ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ"، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ في فِي
"صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ4"، بِلَفْظِ: "إذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي قُبُورِهِمْ، فَاقْرَءُوا لَهُمْ5: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَهَمَّامُ
__________
1 نسخة الدار "الظفري" من البجنوري عفا الله عنه".
2 ابن ماجه في "باب ما جاء في إدخال الميت القبر" ص 363، والترمذي في "باب ما يقول إذا أدخل الميت قبراً" ص 124.
3 أبو داود في "باب الدعاء للميت إذا وضع في القبر" ص 102 ج 2.
4 الحاكم في "المستدرك" ص 366، والبيهقي: ص 55 ج 3، وابن جارود في "المنتقى" ص 269، إلا أن فيه سنة رسول الله، بدل: ملة رسول الله.
5 في نسخة "الدار": فقولوا "المصحح البجنوري".(2/301)
بْنُ يَحْيَى ثَبْتٌ مَأْمُونٌ، إذَا أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُعَلَّلُ بِمَنْ وَقَفَهُ، وَقَدْ وَقَفَهُ شُعْبَةُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، إلَّا أَنَّ شُعْبَةَ، وهشام الدَّسْتُوَائِيَّ رَوَيَاهُ عَنْ قَتَادَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمَوْقُوفِ: هُوَ الْمَحْفُوظُ، قُلْت: قَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ مَرْفُوعًا، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي قَبْرِهِ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَرَوَى الطبراني في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا سَوَّارُ بْنُ سَهْلٍ الْمَخْزُومِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، أَعْنِي لَفْظَ الْحَاكِمِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بِشْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ3 حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي اللَّجْلَاجُ أَبُو خَالِدٍ: يَا بُنَيَّ إذَا أَنَا مِتَّ فَأَلْحِدْنِي، فَإِذَا وَضَعْتَنِي فِي لَحْدِي، فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ شِنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ اقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِي بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ، وَخَاتِمَتِهَا فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَيُوَجِّهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْت: غَرِيبٌ، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ
عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: "هِيَ التِّسْعُ"، فَذَكَرَ مِنْهَا: اسْتِحْلَالَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، ثُمَّ قَالَ: "قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا"، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ"، وَقَالَ: قَدْ احْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِرُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ، غَيْرِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ5، فَأَمَّا عُمَيْرُ بْنُ قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ صَحَابِيٌّ، وَابْنُهُ عُبَيْدٌ مُتَّفَقٌ عَلَى
__________
1 قلت: ورواه ابن أبي شيبة: ص 131 ج 3 حدثنا وكيع عن هشام عن قتادة به مرفوعاً، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا وضعتم موتاكم في قبوركم، فقولوا: بسم الله، وعلى سنة رسول الله"، أبو خالد الأحمر عن حجاج عن نافع عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وضع الميت في القبر، قال: "بسم الله، وبالله، وعلى سنة رسول الله".
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 44 ج 3: رجاله موثقون، ورواه البيهقي في "سننه" ص 56 ج 4 عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه، أنه قال لبنيه، الحديث، وفي آخره: رأيت ابن عمر يستحب ذلك، اهـ.
3 في نسخة "الدار" حدثنا بشر بن إسماعيل "المصحح البجنوري".
4 أخرجه أبو داود في "الوصايا في باب التشديد في أكل مال اليتيم" ص 41 ج 2، والنسائي في "المحاربة في باب ذكر الكبائر" ص 164 ج 2، مختصراً، والحاكم في "المستدرك" ص 59 ج 1، وص 259 ج 4، وصححه، والبيهقي: ص 408 ج 3.
5 لجهالته، ووثقه ابن حبان، كذا في "مختصر الذهبي".(2/302)
إخْرَاجِهِ، وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَابِ، وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: "إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ، وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ"، الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا1، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقِبْلَةِ، وَلَهُ نَظِيرٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَنْفُضْهُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، وَلْيُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ رَبِّي، اللَّهُمَّ بِك وَضَعْت جَنْبِي، وَبِك أَرْفَعُ، اللَّهُمَّ إنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا حَفِظْت بِهِ عِبَادَك الصَّالِحِينَ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ اللَّبِنُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"3 فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْحِدَ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا، رُفِعَ قَبْرُهُ مِنْ الْأَرْضِ نَحْوَ شِبْرٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ، وَلُحِدَ لَهُ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: غَسَّلْت النَّبِيَّ عليه السلام، فَذَهَبْت أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَيِّتِ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، إلَى أَنْ قَالَ: وَأُلْحِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْدًا، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَا مِنْهُ غَيْرَ اللَّحْدِ، انْتَهَى. وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 نَصْبَ اللَّبِنِ أَيْضًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ *مِنْ قَصَبٍ،
__________
1 في أول "باب الجنائز".
2 البخاري في "الدعوات في باب بعد باب التعوذ والقراءة عند النوم" ص 935 ج 2، ومسلم في "كتاب الذكر والدعاء في باب الدعاء عند النوم" ص 349 ج 2، ملفق.
3 قال الحافظ في "التلخيص" ص 165: والبيهقي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عنه.
4 الحاكم في "المستدرك" ص 362 ج 1.
5 أي من حديث سعد بن أبي وقاص، لا من حديث علي.
*أي حزمة.(2/303)
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ1" حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ2" أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ "قَالَ: أَوْصَى أَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ الْهَمْدَانِيُّ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى لَحْدِهِ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ، وَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، قَالَ: فَضَمُّوا أَرْبَعَةَ حَرَادِيَّ3 بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَجَعَلُوهَا لَحْدًا. انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ عليه السلام جُعِلَ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّمَا جَعَلَهَا شُقْرَانُ بِرَأْيِهِ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا عَلِمُوا بِفِعْلِهِ، وَفِي رِوَايَةِ لِلتِّرْمِذِيِّ إشَارَةٌ إلَى هَذَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ، وَمَنْ شَاهَدَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَنَّمٌ، قُلْتُ: الْأَوَّلُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رضي الله عنهما فِي "كِتَابِ الْآثَارِ5" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ وَتَجْصِيصِهَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ6" عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ سُفْيَانَ التَّمَّارَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ عليه السلام مُسَنَّمًا، انْتَهَى. وَهُوَ مِنْ
مَرَاسِيلِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِ ابْنِ دِينَارٍ التَّمَّارِ إلَّا قَوْلَهُ هَذَا، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَلَفْظُهُ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: دَخَلْت الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ قَبْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ مُسَنَّمَةً، انْتَهَى. وَعَارَضَهُ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ7"، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد8 عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْت: يَا أُمُّهُ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةً وَلَا لَاطِيَةً، مَبْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا:
__________
1 ابن أبي شيبة: ص 133 ج 3.
2 ابن سعد في "طبقاته" ص 73 ج 6، وابن أبي شيبة، مختصراً.
3 "الحرادى" ما يلقى على خشب السقف من أطنان القصب، الواحد حردى "كذا في المغرب" وفي نسخة "الدار" هرادى "بالهاء" والمعنى واحد. "البجنوري".
4 مسلم في "الجنائز" ص 311.
5 أخرجه البخاري في "الجنائز في باب ما جاء في قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 186 ج 1، وابن أبي شيبة: ص 134.
6 "كتاب الآثار" ص 42.
7 وفي "شرح المهذب ص 297 ج 5، بمعنى ما في "الخلاصة".
8 أبو داود في "باب تسوية القبر" ص 103 ج 2، والحاكم في "المستدرك" ص 369 ج 1.(2/304)
إنَّهُ كَانَ أَوَّلًا، كَمَا قَالَ الْقَاسِمُ، مُسَطَّحًا، ثُمَّ لَمَّا سَقَطَ الْجِدَارُ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ جُعِلَ مُسَنَّمًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَيْضًا فِي "الْآثَارِ1" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ عليه السلام. وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، نَاشِزَةً مِنْ الْأَرْضِ، عَلَيْهَا فَلْقٌ مِنْ مَدَرٍ أَبْيَضَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ عَمْرِو بن شمة2 عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْت ثَلَاثَةً كُلَّهُمْ لَهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ عليه السلام أَبٌ: سَأَلْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ. وَسَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَسَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قُلْت: أَخْبِرُونِي عَنْ قُبُورِ آبَائِكُمْ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَكُلُّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا مُسَنَّمَةٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْقُبُورَ تُسَطَّحُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيٌّ: أَبْعَثُك عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْته، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا، فَأَمَرَ فَضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ": وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْقُبُورِ بِالْبِنَاءِ الْحَسَنِ الْعَالِي، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"3 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَدْفِنُوا مَوْتَاكُمْ بِاللَّيْلِ، إلَّا أَنْ تُضْطَرُّوا" انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ4، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَطَبَ يَوْمًا، فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ، فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلًا، فَزَجَرَ النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ، حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ رَجُلٌ إلَى ذَلِكَ، وَقَالَ عليه السلام: "إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ"، انْتَهَى. وَفِي "الْمَغَازِي" لِلْوَاقِدِيِّ5 عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما، قَالَتْ: مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا
__________
1 "كتاب الآثار" ص 42.
2 في نسخة "الدار" عمرو بن شمر "البجنوري".
3 ابن ماجه في "باب ما جاء في الأوقات التي لا يصلى فيها على الميت ولا يدفن" ص 110.
4 مسلم: ص 306، وأبو داود في "باب في الكفن" ص 93 ج 2.
5 وابن سعد في "الطبقات" ص 79 ج 2، القسم الثاني، عن الواقدي، قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة به.(2/305)
صَوْتَ الْمِسَاحِيِّ فِي السَّحَرِ، لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الدَّفْنُ قَبْلَ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ1: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ، الْحَدِيثَ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَتَحَرَّى الدَّفْنَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، دُونَ غَيْرِهَا، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الدَّفْنُ بِاللَّيْلِ، وَيَدْفَعُ تَفْسِيرَ النَّوَوِيِّ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ دُفِنُوا لَيْلًا، فَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فِي "الْبُخَارِيِّ"2 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه، قَالَ لَهَا: فِي كَمْ كُفِّنَ النَّبِيُّ عليه السلام، إلَى أَنْ قَالَتْ: فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَى نَاسٌ فِي الْمَقْبَرَةِ نَارًا، فَأَتَوْهَا، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: "نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ"، وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَاتَ إنْسَانٌ كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ، فَدَفَنُوهُ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي"؟ قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ وَالظُّلْمَةُ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَشُقَّ عَلَيْك، فَأَتَى قَبْرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا فِيهِمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ5 عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا نُوَرَّثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ"، وَأَبَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَهَجَرَتْهُ: وَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ صَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه، وَدَفَنَهَا لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ جِهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا مَاتَتْ اسْتَنْكَرَ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ، مُخْتَصَرٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "الْجِهَادِ".
__________
1 حديث عقبة بن عامر تقدم في "فصل الأوقات المكروهة" ص 250، راجعه.
2 البخاري في "باب موت يوم الاثنين" ص 186.
3 أبو داود في "باب الدفن بالليل" ص 95 ج 2، والحاكم في "المستدرك" ص 368 ج 1.
4 البخاري في "باب الأذن بالجنازة" ص 167، قوله: فصففنا، الخ، في: ص 176 ج 1.
5 البخاري في؟ غزوة خيبر" ص 609، ومسلم في "الجهاد في باب حكم الفىء" ص 91 ج 2.(2/306)
بَابُ الشَّهِيدِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام فِي "شُهَدَاءِ أُحُدٍ":"زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ. وَدِمَائِهِمْ، وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي تَرْكِ غُسْلِ الشُّهَدَاءِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1"، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ، وَيَقُولُ: "أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ"، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا، قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: "أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ، زَادَ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ رحمهما الله: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ اللَّيْثَ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ، انْتَهَى. وَلَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ تَفَرُّدُ اللَّيْثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، بَلْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا عِيسَى بْنُ عَاصِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ النَّوَوِيُّ بِعَطَاءٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ، أَوْ فِي حَلْقِهِ، فَمَاتَ، فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ، كَمَا هُوَ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": سَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا
__________
1 البخاري في "باب الصلاة على الشهيد" ص 179، والنسائي في "باب ترك الصلاة عليهم" ص 277، وأبو داود في "باب الشهيد يغسل" ص 91 ج 2 واللفظ له، والترمذي في "باب ترك الصلاة على الشهيد" ص 123، وابن ماجه في "باب الصلاة على الشهيد" ص 110.
2 أبو داود في "باب الشهيد يغسل" ص 91 ج 2، وكذا الحديث الذي بعده.
3 النسائي في "باب مواراة الشهيد في دمه" ص 282، وأحمد: ص 431 ج 5 والشافعي في كتاب "الأم" ص 237 والبيهقي ص 11 ج 4 وابن إسحاق في "السيرة" ص 142 ج 2.(2/307)
يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْرَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، فَقَالَ: "إنِّي شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ، زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ"، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ.
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1 فِي الْمَغَازِي، فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ"، وَمُسْلِمٌ فِي "فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، انْتَهَى. زَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، فَقَالَ: "إنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَلَسْت أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ تَنَافَسُوا فِي الدُّنْيَا، وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلَكُوا، كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ"، قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ لَآخِرِ مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، انْتَهَى. زَادَ ابْنُ حِبَّانَ: ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلُ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الدُّعَاءِ، وَمِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَوْلُهُ فِيهِ: صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، يَدْفَعُهُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ، لِأَنَّهُ عليه السلام قَصَدَ بِهَا التَّوْدِيعَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي "الصَّحِيحِ"، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ2 أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ رحمه الله فِي "صَحِيحِهِ": الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الدُّعَاءُ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الصَّلَاةِ لَلَزِمَ مَنْ يَقُولُ بِهَا، أَنْ يُجَوِّزَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ بِسِنِينَ، فَإِنَّ وَقْعَةَ أُحُدٍ كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ بِسَبْعِ سِنِينَ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَدْ نَاقَضَ ابْنُ حِبَّانَ هَذَا فِي أَحَادِيثِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: زَعَمَ أَئِمَّتُنَا أَنَّ بِلَالًا أَثْبَتَهَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ نَفَاهَا، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَهَذَا شَيْءٌ يَلْزَمُنَا فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَغَيْرَهُ رَوَوْا أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَيْهِمْ، وَجَابِرٌ رَوَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَكُونُ عليه السلام
قَصَدَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنَوِّرَ عَلَيْهِمْ قُبُورَهُمْ، كَمَا وَرَدَ فِي الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ، أَوْ رَجُلٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ عَلَى أَهْلِهَا ظُلْمَةً، وَإِنِّي أُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ"، انْتَهَى.
__________
1 البخاري في "الجنائز في باب الصلاة على الشهيد" ص 189، ومسلم في "الفضائل في باب إثبات الحوض لنبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 250 ج 2.
2 البخاري في "باب غزوة أحد" ص 578 ج 2.
3 البخاري في "باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن" ص 178، ومسلم: ص 309 ج 1.(2/308)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ أَبِي حَمَّادٍ الْحَنَفِيِّ، وَاسْمُهُ: الْمُفَضَّلُ بْنُ صَدَقَةَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: فَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ حِينَ قَامَ النَّاسُ مِنْ الْقِتَالِ، فَقَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُهُ عِنْدَ تِلْكَ الشَّجَرَاتِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، فَلَمَّا رَآهُ وَرَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ، شَهِقَ وَبَكَى، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَرَمَى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، ثُمَّ جِيءَ بِحَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ جِيءَ بِالشُّهَدَاءِ، فَيُوضَعُونَ إلَى جَانِبِ حَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُرْفَعُونَ، وَيُتْرَكُ حَمْزَةُ، حَتَّى صَلَّى عَلَى الشُّهَدَاءِ كُلِّهِمْ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: أَبُو حَمَّادٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ3 ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ النِّسَاءُ يَوْمَ أُحُدٍ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ يُجْهِزْنَ عَلَى جَرْحَى الْمُشْرِكِينَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ، وَجِيءَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَوُضِعَ إلَى جَنْبِهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ، وَتُرِكَ حَمْزَةُ، ثُمَّ جِيءَ بِآخَرَ، فَوُضِعَ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ، وَتُرِكَ حَمْزَةُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 عَنْ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ مَسْعُودٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ ثَنَا أُسَامَةُ6 بْنُ زَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام مَرَّ بِحَمْزَةَ، وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ غَيْرِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ غَيْرِهِ إلَّا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ7، وَلَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله
__________
1 الحاكم في "المستدرك" ص 199 ج 3، وليس فيه ذكر الصلاة، ولا تعقب الذهبي، بل صححه، فليراجع، قلت: ثم وجدت الحوالة في "الجهاد" ص 119 ج 2، فيه ذكر الصلاة، وكلام الذهبي على أبي حماد أيضاً، والعجب من الذهبي يتكلم على أبي حماد ههنا، وسكت عنه في: ص 197 ج 3، وصحح حديثه في: ص 199 ج 3، وقال الحافظ في "اللسان": قال ابن عدي: ما أرى بحديثه بأساً، وكان أحمد بن محمد بن شعيب يثني عليه ثناءاً تاماً، وقال الأهوازي: كان عطاء بن مسلم يوثقه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه، وقال البغوي: كوفي صالح الحديث، وابن عقيل، هو: عبد الله بن محمد بن عقيل.
2 وابن سعد في "طبقاته" ص 9 ج 3، وأحمد في "مسنده" ص 463 سمع ابن سلمة عن عطاء قبل الاختلاط، صرح به العراقي في "التقييد" ص 392.
3 لم يصرح في "المسند" بأنه ابن سلمة، ولكن في "الطبقات حماد بن سلمة".
4 ورواه ابن سعد من طريق عمرو بن عاصم الكلابي، قال: نا همام عن عطاء بن السائب عن الشعبي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر الحديث.
5 أبو داود في "باب الشهيد يغسل" ص 91 ج 2، والدارقطني في "السير" ص 474، والحاكم في "المستدرك" ص 365 ج 1.
6 الليثي صدوق بهم "تقريب".
7 قلت: تابعه روح بن عبادة، عند الحاكم.(2/309)
فِي "التَّحْقِيقِ": وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَزِيَادَةٌ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" من جهة أبو دَاوُد، وَقَالَ: الصَّحِيحُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى الشُّهَدَاءِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ: وَعِلَّتُهُ ضَعْفُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى" وَأَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ فِي أُسَامَةَ، وَقَالَ: وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صَحَّحَهَا وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ حَدِيثُ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَأْخُذُ مِنْ طُولِ لِحْيَتِهِ وَعَرْضِهَا، وَحَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فِي الْأَوْقَاتِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ. وَرَوْحٍ عَنْ أُسَامَةَ بِهِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن أبي عتبة أَوْ غَيْرِهِ عَنْ الْحَكَمِ بن عتبة عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عباس رضي الله عنهم، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ قَتْلَى أُحُدٍ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ جَعَلَ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ، فَيُوضَعُ، وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، وَكَانَتْ الْقَتْلَى يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَنِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ "فَهُيِّئَ لِلْقِبْلَةِ، ثُمَّ كَبَّرَ عَلَيْهِ سَبْعًا، ثُمَّ جَمَعَ إلَيْهِ الشُّهَدَاءَ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ: ثُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِمْ حَتَّى وَارَاهُمْ، سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ، فَقَالَ: وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ لم يصلِّ عليهم أصح، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: أُتِيَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَ يصلي على عشرة، عَشَرَةٍ، وَحَمْزَةُ كَمَا هُوَ يُرْفَعُونَ وَهُوَ كَمَا هُوَ مَوْضُوعٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ": وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله بِأَنَّ مَا حَكَاهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ إنَّمَا هُوَ فِي يَزِيدَ3
__________
1 الدارقطني في "السير" ص 474.
2 "المستدرك في معرفة الصحابة" ص 198 ج 3، والبيهقي في "السنن" ص 12 ج 4، وابن سعد في "الطبقات" ص 8 ج 3، الجزء الأول، والطحاوي: ص 290، وابن ماجه في "باب الصلاة على الشهداء أو دفنهم" ص 110، واللفظ للدارقطني: ص 474 عن محمد ابن كعب عن ابن عباس.
3 الدمشقي.(2/310)
بْنِ زِيَادٍ، وَأَمَّا رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَهُوَ الْكُوفِيُّ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ: ابْنُ زِيَادٍ1، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ عَلَى لِينِهِ، وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَرَوَى لَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أعلم تَرَكَ حَدِيثَهُ، وَقَدْ جَعَلَهُمَا2 فِي "كِتَابِهِ" الَّذِي فِي الضُّعَفَاءِ وَاحِدًا، وَهُوَ وَهْمٌ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ بِاللَّفْظِ الَّذِي قَبْلَهُ، سَوَاءٌ، ثُمَّ قَالَ: وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا ضَعِيفٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي "السِّيرَةِ"4 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ رضي الله عنه فَجِيءَ بِبُرْدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، وَكَبَّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى يُوضَعُونَ إلَى حَمْزَةَ، يُصَلِّي عَلَيْهِمْ، وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً، مُخْتَصَرٌ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، إنْ كَانَ هُوَ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، فَهُوَ ضَعِيفٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، فَهُوَ مَجْهُولٌ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ صَلَّى عَلَى شَهِيدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ مَغَازِيهِ، إلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَا فِي مُدَّةِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: قَدْ وَرَدَ مُصَرَّحًا فِيهِ بِالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ الزَّبِيدِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ5 عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ أَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَتْلَى، فَرَأَى مَنْظَرًا سَاءَهُ، فَرَأَى حَمْزَةَ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ، وَاصْطُلِمَ أَنْفُهُ، وَجُدِعَتْ أُذُنَاهُ، فَقَالَ: "لَوْلَا أَنْ يَحْزَنَ النِّسَاءُ، أَوْ يَكُونَ سُنَّةً بَعْدِي6 لَتَرَكْته، حَتَّى يَحْشُرَهُ اللَّهُ فِي بُطُونِ السِّبَاعِ، وَالطَّيْرِ، وَلَمَثَّلْت بِثَلَاثِينَ7 مِنْهُمْ مَكَانَهُ"، ثُمَّ دَعَا بِبُرْدَةٍ، فَغَطَّى بِهَا وَجْهَهُ، فَخَرَجَتْ رِجْلَاهُ، فَغَطَّى بِهَا رِجْلَيْهِ، فَخَرَجَ رَأْسُهُ، فَغَطَّى بِهَا رَأْسَهُ، وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ، ثُمَّ قَدَّمَهُ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ جَعَلَ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ إلَى جَنْبِهِ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، ثُمَّ يُرْفَعُ، وَيُجَاءُ بِالرَّجُلِ الْآخَرِ، فَيُوضَعُ، وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ
__________
1 بخلاف الدمشقي فإنه يقال فيه: يزيد بن زياد أيضاً.
2 أي ابن الجوزي.
3 ص 474.
4 ابن هشام ص 142 ج 2، على هامش "الروض الأنف" للسهيلي.
5 قلت: ورواه الدارقطني في "السير" ص 474، عن إسماعيل بن عياش عن عبد الملك بن أبي عتبة، أو غيره عن الحكم بن عتيبة به، قال الدارقطني: إسماعيل مضطرب الحديث عن غير الشاميين.
6 في نسخة الدار "لولا أن يخرج النساء فيكون سنة بعدي" "من المصحح البجنوري".
7 في "الدارقطني" بسبعين، والله أعلم.(2/311)
صَلَاةً، وَكَانَتْ الْقَتْلَى سَبْعِينَ، فَلَمَّا دُفِنُوا. وَفَرَغَ مِنْهُمْ، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} الْآيَةَ، فَصَبَرَ عليه السلام، وَلَمْ يَقْتُلْ، وَلَمْ يُعَاقِبْ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"1 عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ عَشَرَةً عَشَرَةً2 فِي كُلِّ عَشَرَةٍ حَمْزَةُ رضي الله عنه حتى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً3، انْتَهَى. وَحُصَيْنٌ، هُوَ: ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الثِّقَاتِ، الْمُخَرَّجُ لَهُمْ فِي "الصَّحِيحَيْنِ". وَابْنُ مَالِكٍ الْغِفَارِيُّ، اسمه: غزوان، وهو تَابِعِيٌّ، رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ إرْسَالِهِ لَا يَسْتَقِيمُ، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، فإن الشافعي، قَالَ4: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً، إذَا كَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ، وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ، وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ إنَّمَا كَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ شَهِيدًا، فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِمْ عَشَرَةً عَشَرَةً، فَالصَّلَاةُ إنَّمَا تَكُونُ سَبْعَ صَلَاةٍ، أَوْ ثَمَانِيًا، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ سَبْعُونَ صَلَاةً؟!، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَلَا يُعَرَّجُ بِمَا يَرْوِيهِ ابْنُ إسْحَاقَ إذَا لَمْ يذكر اسم روايه، لِكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ
__________
(24) أبو داود في "المراسيل" ص 46، ولفظه: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد بحمزة، فوضع، وجيء بتسعة، فصلى عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرفعوا، وترك حمزة، ثم جيء بتسعة، فوضعوا، فصلى عليهم سبع صلوات، حتى صلى على سبعين، وفيهم حمزة، على كل صلاة صلاها، اهـ، وليس فيه إشكال، وكذا عند الطحاوي في "شرح الآثار" ص 290، والدارقطني: ص 193، وابن أبي شيبة: ص 116 ج 3، رجاله ثقات، وأما عند البيهقي: ص 12 ج 4، ولفظ المخرج عنده فقط، ففيه الاشكال، وروى ابن سعد في "الطبقات" ص 9 ج 3: أخبرنا وكيع. وفضل بن دكين عن شريك عن حصين عن أبي مالك، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على قتلى أحد عشرة عشرة، يصلي على حمزة مع كل عشرة، اهـ، وفي: ص 34 ج 2، أخبرنا أبو المنذر البزاز حدثنا سفيان الثوري عن حصين عن أبي مالك، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على قتلى أحد، اهـ.
2 قلت: اجتمع في حديث أبي مالك أمران، وهما عند البيهقي فقط، أشكل بسببهما تأويل الحديث: الأول: أنه عليه السلام صلى على قتلى أحد عشرة عشرة، في كل عشرة حمزة. الثاني: هو أن عدد الصلاة على حمزة كانت سبعين، وهذا لا يرد على أكثر روايات هذا الحديث، الخالية عن هذا الجمع، ولا على أحاديث أخرى، كما قال المخرج، وللحديث تأويل آخر، وللشافعي عليه إشكال آخر، ذكرهما في "كتاب الأم" ص 237، قال: وإن كان عنى سبعين تكبيرة، فنحن وهم نزعم أن التكبير على الجنائز أربع، فهي إذا كانت تسع صلوات، تكون ستاً وثلاثين تكبيرة، فمن أين جاءت أربع وثلاثون؟! ينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحيي على نفسه، اهـ، قلت: إن كان مراد الإِمام، بأن الأمر استقر على أربع تكبيرات في الجنائز، فمسلم، وهذا لا يرد التأويل، لأنه ثبت أنه عليه السلام كبر على الجنائز ثلاثاً. وأربعاً. وخمساً. وأكثر من ذلك، وفي جنازة حمزة كان يكبر تسعاً، وإن أراد أنه عليه السلام لم يكبر على جنازة أكثر من أربع تكبيرات قط، وأنه وإننا متفقان على هذا، فهذا ليس بصحيح، والله أعلم.
وقال الحافظ في "التلخيص" ص 159: وأجيب: المراد أنه صلى على سبعين نفساً. وحمزة معهم كلهم، فكأنه صلى عليه سبعين صلاة، اهـ.
3قال الذهبي في "مختصر السنن": كذا قال، ولعله سبع صلوات، إذ شهداء أحد سبعون، أو نحوها، "عمدة" ص 172 ج 4.
4 في كتاب "الأم" ص 237.(2/312)
عَنْ الضُّعَفَاءِ الْمَجْهُولِينَ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَتَانِ غَلَطًا، لِمُخَالَفَتِهِمَا الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ كَانَ قَدْ شَهِدَ الْقِصَّةَ، وَأَمَّا مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، فَكَأَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَدَعَا لَهُمْ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى نَسْخٍ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ1 عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام عَلَى أَعْرَابِيٍّ أَصَابَهُ سَهْمٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ حَيًّا حَتَّى انْقَطَعَتْ الْحَرْبُ، وَنَحْنُ نُصَلِّي عَلَى الْمُرَيَّثِ2، وَعَلَى الَّذِي يُقْتَلُ ظُلْمًا فِي غَيْرِ مَعْرَكٍ، انْتَهَى. قُلْت: يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَعَلَى آخَرَ مَعَهُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ. وَغَيْرِهِ وَأَمَّا كَوْنُ شُهَدَاءِ أُحُدٍ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا فَمُسَلَّمٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ، نَقْلًا عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"3: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ رَجُلًا، مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ. وَشِمَاسُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ الْأَسَدِيُّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلًا: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ"4 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ5 عند شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ التَّابِعِيِّ6 أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ
__________
1 قاله البيهقي في "السنن" ص 16 ج 4 بمعناه.
2 "المريث" كذا في نسخة الدار، وكان صحح قبله في المطبوع "الموتى" ولعل الأول هو الأنسب بالمقام "البجنوري".
3 ابن سعد في "الطبقات" ص 9 ج 3، القسم الأول.
4 أبو داود في "المراسيل" ص 46.
5 النسائي في "باب الصلاة على الشهيد" ص 377، والطحاوي: ص 291، ورواته ثقات، وإسناده صحيح، والحاكم في "المستدرك" ص 595 ج 3، والبيهقي: ص 15 ج 4، وقال: يحتمل أنه بقي حياً حتى انقطعت الحرب، ثم مات.
6 قوله: شداد بن الهاد التابعي، ظني أنه مصحَّف الأصل: الليثي، لأن شداد بن الهاد هذا من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، معروف، ذكره الحاكم في "المستدرك" ثم روى حديثه هذا. ولعل التصحيف من قديم، فإن الشوكاني الذي عدة اجتهاده الزيلعي، تم "التلخيص" قال في "النيل" ص 37 ج 4: أما حديث شداد ابن الهاد فهو مرسل، لأن شداداً تابعي، اهـ. وقد صرح الحافظ في غير موضع من "الفتح" أن ابنه عبد الله صحابي: وهو ابن أخت ميمونة رضي الله عنهما، قلت: إن شداداً سلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانت عنده سلمى بنت عميس، خلف عليها بعد حمزة رضي الله عنه، قاله الحاكم. وابن سعد: ص 209 ج 8، فولدت له عبد الله ابن شداد، وأعجب من قول الشوكاني، ما قال النووي في "شرح المهذب" ص 265 ج 5، فإنه قال مثله، فلعل الزيلعي تبع النووي، وتبعهما الشوكاني، والغلط من النووي، ثم الزيلعي، ويؤيده هذا عده حديث شداد في عداد المراسيل، ولولا الخطأ منه، لذكره فيما قبل، حيث ذكر الموصولات، والله أعلم.(2/313)
جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ عليه السلام.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَطَاءٍ1 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى بَدْرٍ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ أَبِي أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْهَزِيمَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْوَاقِدِيُّ رحمه الله فِي "كِتَابِ فَتُوحِ الشَّامِ" حَدَّثَنِي رُوَيْمُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ الْوَاقِصِيِّ عَنْ سَيْفٍ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ الْيَشْكُرِيِّ قَالَ: كُنْت فِي الْجَيْشِ الَّذِي وَجَّهَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إلَى أَيْلَةَ، وَأَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا نَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ وَانْكَشَفَ الْقِتَالُ، لَمْ يَكُنْ هَمُّ الْمُسْلِمِينَ إلَّا افْتِقَادَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَفَقَدُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ نَفَرًا: مِنْهُمْ سَيْفُ بْنُ عَبَّادٍ الْحَضْرَمِيُّ. وَنَوْفَلُ بْنُ دَارِمٍ2. وَسَالِمُ بْنُ دُوَيْمٍ. وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِأُمِّهِ , وَاغْتَمَّ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِفَقْدِهِمْ اغْتِمَامًا شَدِيدًا , فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّهَارُ أَمَرَ عَمْرٌو النَّاسَ بِجَمْعِ الْغَنَائِمِ، وَأَنْ يُخْرِجُوا إخْوَانَهُمْ مِنْ بَيْنِ الرُّومِ، وَبَنِي الْأَصْفَرِ، فَالْتَقَطُوهُمْ، مِائَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِدَفْنِهِمْ، وَكَانَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تِسْعَةُ آلَافِ رَجُلٍ، وَأَرْسَلَ عَمْرٌو إلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما كِتَابًا، فِيهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ، إنِّي وَصَلْت إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ، وَلَقِينَا عَسْكَرَ الرُّومِ، مَعَ بِطْرِيقٍ يُقَالُ لَهُ: رُومَاسُ3 فِي مِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِالنَّصْرِ، وَقَتَلْنَا مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا، وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، أكرمهم الله بالشهاة4، انتهى.
__________
1 قلت: وفي مراسيل أبو داود: ص 46 عن عطاء نحوه، إلا أن فيه أحد، بدل: بدر، ولم يذكر إسناده، اهـ.
2 في نسخة "الدار" نوفل بن ذارم "البجنوري".
3 في نسخة "رويس" وفي نسخة الدار "روميس" "البجنوري".
2 حديث آخر: ذكره المغلطاي في "السيرة" ص 81، ولفظه: قال ابن ماجشون، لما سئل كم صلى عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة؟ قال: اثنتان وسبعون، كحمزة، فقيل له: من أين لك هذا؟ قال: من الصندوق الذي تركه مالك بخطه عن نافع عن ابن عمر، اهـ.
حديث آخر: أخرجه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 290 حدثنا فهد حدثنا يوسف بن بهلول حدثنا عبد الله بن إدريس عن ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه يعني عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر يوم أحد بحمزة، فسجى ببردة، ثم صلى عليه، فكبر تسع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يصفون، ويصلى(2/314)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رضي الله عنه.
وَحَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا، وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى.
قوله: لأن شهداء أحد ما كان كلهم قتيل السيف والسلاح
قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ حَنْظَلَةَ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ جُنُبًا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ
__________
1 عليهم. وعليه معهم، اهـ. قلت: رجاله كلهم ثقات، إلا ابن إسحاق، فإنه مختلف فيه، ومدلس، إلا أنه صرح بالتحديث.
حديث آخر: عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على قتلى أحد، فكبر تسعاً تسعاً، ثم سبعاً سبعاً، ثم أربعاً أربعاً، حتى لحق الله، رواه الطبراني في "الكبير والأوسط" وإسناده حسن، "زوائد" ص 35 ج 3.
حديث آخر: أخرجه أبو داود في "باب الرجل يموت بسلاحه" ص 351 عن أبي سلام عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: طلب رجل من المسلمين رجلاً من جهينة، فضربه فأخطأه، وأصاب نفسه بالسيف، فابتدره أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجدوه قد مات، فلفه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثيابه، ودمائه، وصلى عليه، اهـ. مختصراً، قال الشوكاني: الحديث سكت عنه أبو داود. والمنذري، وفي إسناده سلام بن أبي سلام، وهو مجهول، قال أبو داود، بعد إخراجه عن سلام المذكور: إنما هو زيد بن سلام عن جده أبي سلام، اهـ. وزيد ثقة، انتهى قول الشوكاني: ص 26 ج 4 في "النيل". قلت: ليراجع نسخ أبي داود، قال الشوكاني: أما حديث سلام، فلم أقف للمانعين من الصلاة على جوابه، لأنه قتل في المعركة بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسماه شهيداً، وصلى عليه.
حديث آخر: أخرجه البيهقي: ص 16 ج 4 أن عامراً رجع إليه سلاحه، فقتله، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنه شهيد"، فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمسلمون، اهـ: مختصراً، وبعض رواته فيه كلام، ولى فيه تأمل آخر.
حديث آخر: روى ابن سعد عن عبد الله بين نمير عن الأشعث بن سوار عن أبي إسحاق السبيعي، أن علياً صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة رضي الله عنهما، وكبر عليهما تكبيراً واحداً، خمساً. أو ستاً. أو سبعاً. والشك من أشعث، ورواه البيهقي: ص 17 ج 4 عن الأشعث عن الشعبي، ولم يذكر التكبير.
حديث آخر: قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أنا الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة أن علياً صلى على عمار، ولم يغسله، كذا في "طبقات ابن سعد" ص 187 ج 3، وص 188 ج 3، القسم الأول
حديث آخر: ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد الله بن دينار الأسلمي عن أبيه، قال: لما حج معاوية، إلى قوله: فتقدم جبير بن مطعم فصلى عليه أي عثمان كذا في "طبقات ابن سعد" ص 52 ج 3 القسم الأول روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، قال: صلى الزبير على عثمان "تلخيص" ص 171.
(38) أبو داود في "باب الشهيد يغسل" ص 91 ج 2، والترمذي في "باب ما جاء في قتلى أحد" ص 121، وقال: حسن غريب، والدارقطني في "السير" ص 474، والحاكم في "المستدرك" ص 365 ج 1، كلهم عن أسامة.=(2/315)
ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 فِي "كِتَابِ الْفَضَائِلِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ، وَقَدْ قُتِلَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الثَّقَفِيُّ: "إنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ"، فَاسْأَلُوا صَاحِبَتَهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ3، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَلَيْسَ عِنْدَهُ4: فَاسْأَلُوا صَاحِبَتَهُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": وَصَاحِبَتُهُ هِيَ زَوْجَتُهُ، جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَكَانَتْ قَدْ ابْتَنَى بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَرَأَتْ فِي مَنَامِهَا، كَأَنَّ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ، فَدَخَلَ، وَأُغْلِقَ دُونَهُ، فَعَرَفَتْ أَنَّهُ مَقْتُولٌ مِنْ الْغَدِ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ دَعَتْ بِرِجَالٍ مِنْ قَوْمِهَا، وَأَشْهَدَتْهُمْ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ الْقَتْلَى، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهَذَا الْخَبَرِ تَعَلَّقَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الشَّهِيدَ يُغَسَّلُ إذَا كَانَ جُنُبًا، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ صَحِيحٌ، نَقَلَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْهُ فِي "الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ حَنْظَلَةَ"5، وَزَادَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، بِمَاءِ الْمُزْنِ، فِي صِحَافِ الْفِضَّةِ"، قَالَ أَبُو أَسِيد السَّاعِدِيُّ: فَذَهَبْنَا إلَيْهِ، فَوَجَدْنَاهُ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، فَرَجَعْت، فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إلَى زَوْجَتِهِ، فَذَكَرَتْ أَنَّهُ خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْوَاقِدِيِّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي"، قَالَ: وَكَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، تَزَوَّجَ جَمِيلَةَ بِنْتَ6 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا لَيْلَةَ قِتَالِ أُحُدٍ، بَعْدَ أَنْ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصْبَحَ جُنُبًا، وَأَخَذَ سِلَاحَهُ، وَلَحِقَ بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَرْسَلَتْ إلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ قَوْمِهَا، فَأَشْهَدَتْهُمْ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ بِهَا، فَسَأَلُوهَا، فَقَالَتْ: رَأَيْت فِي لَيْلَتِي، كَأَنَّ السَّمَاءَ فُتِحَتْ، ثُمَّ أُدْخِلَ، وَأُغْلِقَتْ دُونَهُ، فَعَرَفَتْ أَنَّهُ مَقْتُولٌ مِنْ الْغَدِ، وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَلَمَّا انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ، اعْتَرَضَ حَنْظَلَةُ لِأَبِي سُفْيَانَ، يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَحَمَلَ
__________
2 "المستدرك" ص 204 ج 3، ومن طريقه البيهقي: ص 150 ج 4.
3 الهائعة، كذا في "المستدرك والسيرة" لابن هشام. والبيهقي، وفي السهيلي: الهاتفة، وفي "التلخيص" الهاتف.
4 قوله ليس عنده، لا أدري ما المراد، لأن السؤال عن الصحابة موجود في الحديث.
5 لم أجد في "الطبقات" ترجمة حنظلة بن أبي عامر، والله أعلم.
6 كذا في "الطبقات" ص 279 ج 8 "يعني جميلة بنت عبد الله بن أبيّ ابن سلول" بخلاف ما عند السهيلي.(2/316)
عَلَيْهِ الْأَسْوَدُ بْنُ شَعُوبٍ بِالرُّمْحِ، فَقَتَلَهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، بِمَاءِ الْمُزْنِ، فِي صِحَافِ الْفِضَّةِ"،قَالَ أَبُو أَسِيد السَّاعِدِيُّ: فَذَهَبْنَا، فَنَظَرْنَا إلَيْهِ، فَإِذَا رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، قَالَ أَبُو أَسِيد: فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ1 عَنْ الْحَجَّاجِ2 عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُصِيبَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ الْوَاهِبِ، وَهُمَا جُنُبَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "إنَّى رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُمَا" انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سننه3" من حديث أبو شَيْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بِهِ، نَحْوَهُ، وَالسَّنَدَانِ ضَعِيفَانِ، وَخَبَرُ حَمْزَةَ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ رحمه الله فِي "الْمَغَازِي"، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَمْزَةَ، لِأَنَّهُ كَانَ جُنُبًا ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَمْ يُغَسِّلْ الشُّهَدَاءَ"، وَقَالَ: "لُفُّوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، وَجِرَاحِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ، إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي "الْمَغَازِي4" حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ صَاحِبَكُمْ "يَعْنِيَ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ" لَتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَاسْأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟ " فَقَالَتْ: إنَّهُ خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ حِين سَمِعَ الْهَائِعَةَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ"، وَذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي "السِّيرَةِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ" مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةَ، قَالَ: وَيُقَالُ: الْهَائِعَةُ، وَالْهَيْعَةُ: وَهِيَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ عِنْدَ الْفَزَعِ، قَالَ: وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: "خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ، إذَا سَمِعَ هَيْعَةً طَارَ إلَيْهَا"، انْتَهَى. وَأَحْمَدُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما، فِي الْجُنُبِ يُغَسَّلُ، وَمَالِكٌ. وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنهما، مَعَ الصَّاحِبَيْنِ رحمهم الله.
__________
1 أخرج الحاكم في "المستدرك" ص 195 ج 3 عن ابن عباس، قال: قتل حمزة رضي الله عنه جنباً، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غسلته الملائكة"، قال: صحيح، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في "مختصره" فقال: معلى بن عبد الرحمن الواسطي هالك، اهـ، وابن سعد في "الطبقات" ص 9 ج 3 الجزء الأول أخبرنا محمد ابن عبد الله الأنصاري حدثني أشعث، قال: سئل الحسن أيغسل الشهداء؟ قال: نعم، قال: وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لقد رأيت الملائكة تغسل حمزة"، اهـ.
2 قال الحافظ في "التلخيص" ص 59: في إسناد الطبراني حجاج، وهو مدلس.
3 البيهقي: ص 15 ج 4، وقال: أبو شيبة ضعيف.
4 ورواه البيهقي في "السنن" ص 15 ج 4 عن ابن إسحاق عن عاصم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث، وقال: مرسل، وذكره ابن هشام في "السيرة" ص 133 ج 2، بلا إسناد.(2/317)
وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ الْإِمَامُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "آخِرِ كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: خَرَجَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رضي الله عنه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ فَخَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ لَمْ يَغْتَسِلْ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ لَقِيَ حَنْظَلَةَ، أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ، فَسَقَطَ أَبُو سُفْيَانَ عَنْ فَرَسِهِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ حَنْظَلَةُ، وَقَعَدَ عَلَى صَدْرِهِ يَذْبَحُهُ، فَمَرَّ بِهِ جَعْوَنَةُ بْنُ شَعُوبٍ الْكِنَانِيُّ، فَاسْتَغَاثَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ، فَحَمَلَ عَلَى حَنْظَلَةَ، فَقَتَلَهُ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ، وَيَقُولُ:
لَأَحْمِيَنَّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةٍ مثل شعاع الشمس
انتهى.
وَقَوْلُهُ: وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ مَاتُوا عِطَاشًا، وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ، خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ، قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ثَنَا عُثْمَانُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حَسَنَيْنِ1، حَدَّثَنِي ابْنُ سَابِطٍ. وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمِّي، وَمَعِي شَنَّةٌ مِنْ مَاءٍ، فَقُلْت: إنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْته مِنْ الْمَاءِ، وَمَسَحْت بِهِ وَجْهَهُ، فَإِذَا بِهِ يَنْشَعُ2، فَقُلْت: أَسْقِيك؟ فَأَشَارَ: أَنْ نَعَمْ، فَإِذَا رَجُلٌ، يَقُولُ: آهْ فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي: أَنْ انْطَلِقْ بِهِ إلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ، أَخُو عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَأَتَيْته، فَقُلْت: أَسْقِيك؟ فَسَمِعَ آخَرَ، يَقُولُ آهْ، فَأَشَارَ هِشَامٌ: أَنْ انْطَلِقْ بِهِ إلَيْهِ، فَجِئْت، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْت إلَى هِشَامٍ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْت إلَى ابْنِ عَمِّي، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعُمَرِيُّ3 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ الْقُشَيْرِيُّ حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ. وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ. وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ أُثْبِتُوا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَدَعَا الْحَارِثُ بِمَاءٍ يشربه فنظر إليه عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: ارْفَعُوهُ إلَى عِكْرِمَةَ، فَرَفَعُوهُ إلَيْهِ، فَنَظَرَ إلَيْهِ عَيَّاشٌ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: ارْفَعُوهُ إلَى عَيَّاشٍ، فَمَا وَصَلَ إلَى عَيَّاشٍ، وَلَا إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، حَتَّى مَاتُوا وَمَا ذَاقُوا، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ
__________
1 هكذا في نسختي "الدار" وكان قبله في المطبوع "حسين" وفي بعض النسخ "حنين" ولعل الذي أدرجناه الآن في الصلب هو الصحيح "البجنوري".
2 في "أقرب الموارد" نشع الرجل نشوعاً: كرب من الموت، ثم نجا، ونشعاً: شهق. ولعل الثاني هو المراد "البجنوري".
3 في نسخة الدار "المعمري" "البجنوري".(2/318)
فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا التُّسْتَرِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابٌ الْعُصْفُرِيُّ ثَنَا أَبُو وَهْبٍ السَّهْمِيُّ عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه. لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْبُغَاةِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"1 قِصَّةَ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ لَمَّا كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما مَا وَقَعَ بِصِفِّينَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَرَجَعَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، إلَى الْكُوفَةِ: خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَسْكَرُوا بِحَرُورَاءَ، فَلِذَلِكَ سُمُّوا الْحَرُورِيَّةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَخَاصَمَهُمْ، وَحَاجَّهُمْ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ، وَثَبَتَ آخَرُونَ عَلَى رَأْيِهِمْ، ثُمَّ سَارُوا إلَى النَّهْرَوَانِ، فَعَرَضُوا لِلسَّبِيلِ، وَقَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ، فَسَارَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ رضي الله عنه، فَقَتَلَهُمْ بِالنَّهْرَوَانِ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ ذَا الثُّدَيَّةِ، وَذَلِكَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ رَجَعَ عَلِيٌّ إلَى الْكُوفَةِ، فَلَمْ يَزَالُوا يَخَافُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْخَوَارِجِ، حَتَّى قُتِلَ رضي الله عنه، انْتَهَى.
__________
1 ابن سعد في "الطبقات" ص 21 ج 3 القسم الأول ملتقط.(2/319)
بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ. وَأُسَامَةُ. وَبِلَالٌ. وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ رضي الله عنهم، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَكَثَ فِيهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ2، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ: وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، ثُمَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ فَرُوِيَ عَنْهُ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ: عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ3 وَرُوِيَ عَنْهُ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَا4 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَنَزَلَ بِفِنَاءِ
__________
2 كذا في النسخ المخطوطة بالدار وغيرها "البجنوري".
3 البخاري في "باب الصلاة بين السواري في غير جماعة" ص 72.
2 مسلم في "الحج في باب استحباب دخول الكعبة" ص 428(2/319)
الْكَعْبَةِ، وَأَرْسَلَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِالْمِفْتَاحِ، فَفَتَحَ الْبَابَ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ عليه السلام، وَبِلَالٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَأَمَرَ بِالْبَابِ، فَأُغْلِقَ، فَلَبِثُوا فِيهِ مَلِيًّا، وَلِلْبُخَارِيِّ1 رضي الله عنه: فَمَكَثُوا فِيهِ نَهَارًا طَوِيلًا، ثُمَّ فُتِحَ الْبَابُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَادَرْت الْبَابَ، فَتَلَقَّيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجًا، وَبِلَالٌ عَلَى إثْرِهِ، فَقُلْت لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ، كَمْ صَلَّى، انْتَهَى. وَهَذَا الْمَتْنُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَأَخْرَجَا2 عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بِلَالٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ، انْتَهَى. أَخْرَجَا3 هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي "الْحَجِّ"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 فِي "الصَّلَاةِ فِي بَابِ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} " عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَتَى ابْنُ عُمَرَ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْت وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَسَأَلْت بِلَالًا، فَقُلْت: أَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إذَا دَخَلْت، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": هَكَذَا قَالَ، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ كَمْ صَلَّى، انْتَهَى.
الْمُعَارِضُ: أَخْرَجَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ5 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَفِيهَا سِتُّ سَوَارِي، فَقَامَ عِنْدَ سَارِيَةٍ، فَدَعَا، وَلَمْ يُصَلِّ، انْتَهَى. وَبِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قِبَلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ، مُخْتَصَرٌ، وَحَدِيثُ أُسَامَةَ هَذَا رَوَى خِلَافَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ6". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، وَمَكَثْتُ مَعَهُ عُمْرًا لَمْ أَسْأَلْهُ كَمْ صَلَّى، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ يُعَلَّلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْإِرْسَالِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ7. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
__________
1 البخاري في "الجهاد في باب الردف على الحمار" ص 419 ج 1.
2 البخاري في "باب إغلاق البيت" ص 217، ومسلم: ص 428.
3 قلت: أخرج البخاري في "الحج" طريق سالم فقط، والله أعلم.
4 ص 57 ج 1.
5 البخاري في "الصلاة في باب قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} " ص 57، ومسلم في "الحج" ص 429 عن همام عن عطاء به، وفيه حديث أسامة عن ابن جريج عن عطاء.
6 أحمد في "مسنده" ص 204 ج 5، وص 207، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 294 ج 3: رواه أحمد. والطبراني في "الكبير" بمعناه، ورجاله رجال الصحيح، اهـ.
7 قال أحمد في "مسنده" ص 211: وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 293 ج 3: رجاله ثقات.(2/320)
فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، ثُمَّ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَوْ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي أَخِي الْفَضْلُ، وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ عليه السلام حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا دَخَلَهَا وَقَعَ سَاجِدًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ1: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ، مَنْ صَلَّى فِيهَا فَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا خَلْفَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ2 فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": أَخَذَ النَّاسُ بِحَدِيثِ بِلَالٍ، لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ، وَقَدَّمُوهُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ نَفْيٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ الْمُثْبِتِ، وَمَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ بِلَالٍ رضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى، أَيْ دَعَا، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صلى ركعتين، رواه الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَلَكِنَّ رِوَايَةَ بِلَالٍ، وَرِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَتَانِ، وَوَجْهُهُمَا أَنَّهُ عليه السلام، دَخَلَهَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَمْ يُصَلِّ، وَدَخَلَهَا مِنْ الْغَدِ، فَصَلَّى، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَهُوَ مِنْ فَرَائِدِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ عليه السلام الْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ، وَبِلَالٌ خَلْفَهُ، فَقُلْت لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى؟ قَالَ: لَا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ دَخَلَ، فَسَأَلْتُ بِلَالًا، هَلْ صَلَّى؟ قَالَ: نَعَمْ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا4، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ، فَصَلَّى بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ الْقِبْلَةُ"، ثُمَّ دَخَلَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَامَ يَدْعُو، ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ، انْتَهَى. وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُعَكِّرُ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ5: وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ إنْ صَحَّتَا، فَفِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام دَخَلَ الْبَيْتَ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى مَرَّةً، وَتَرَك مَرَّةً، إلَّا أَنَّ
__________
1 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 294 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه ابن إسحاق، وهو ثقة، لكنه مدلس.
2 السهيلي. ص 275 ج 2.
3 الدارقطني: ص 182، والبيهقي: ص 329 ج 2.
4 الدارقطني: ص 183، والبيهقي: ص 329 ج 2، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 294 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه أبو مريم، روى عن صغار التابعين، ولم أعرفه، وبقية رجاله موثقون، وفي بعضهم كلام، اهـ. قلت: هو عبد الغفار بن القاسم ساقط، قاله في "اللسان".
5 البيهقي: ص 329 ج 2.(2/321)
فِي ثُبُوتِ الحديثين نظر، انْتَهَى. قُلْت: وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1، قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ فِي الْحَجِّ، وَدَخَلَهُ عَامَ الْفَتْحِ، وَلَفْظُ إسْحَاقَ: يَوْمَ الْفَتْحِ يَمْحُو صُوَرًا فِيهِ، فَلَمَّا دَخَلَهُ أَمَرَ بِالصُّوَرِ، فَمُحِيَتْ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ: فَلَمَّا نَزَلَ، صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْحَجَرِ. وَالْبَابِ، مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ، انْتَهَى. وَفِي "الْبُخَارِيِّ2 فِي بَابِ مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ" عن ابن عباسن قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ، وَفِيهِ الْآلِهَةُ، وَأَمَرَ بِهَا، فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام، وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ عليه السلام،: "قائلهم اللَّهُ، أَمَا عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهِمَا قَطُّ"، فَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، انْتَهَى. فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّ فِيهِ يَوْمَ الْفَتْحِ، لِأَنَّ إخْرَاجَ الصُّوَرِ مِنْ الْبَيْتِ إنَّمَا كَانَ زَمَنَ الْفَتْحِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عَامَ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ خَبَرِ بِلَالٍ، وَخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى يَوْمِ الْفَتْحِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَهَذَا يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ، أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ فِي الْحَجِّ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَلَفْظُهُمْ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، قُلْت: لَأَلْبَسَنَّ ثِيَابِي، فَلَأَنْظُرَنَّ مَا يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ الْيَوْمَ، فَانْطَلَقْت، فَوَافَيْته قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، فَقُلْت لِعُمَرَ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ فِيهِ مَقَالٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"4 فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ
__________
1 قال الهيمثي في "الزوائد" ص 293 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، قد وثق، اهـ. قلت: وفيه: "لم يدخل البيت عام الفتح، ودخل في الحج" فليراجع.
2 البخاري في "الحج" ص 218، وأبو داود في "الحج" ص 284.
3 أبو داود في "الحج في باب الصلاة في الكعبة" ص 284، وأحمد في "مسنده" ص 431 ج 3.
4 وأخرجه أحمد في "مسنده" ص 411 ج 3، ولكن فيه: "وصلى في قبل الكعبة".(2/322)
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه، قَالَ: حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقَدْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ افْتَتَحَ "سُورَةَ المؤمنين"، فَلَمَّا بَلَغَ ذِكْرَ مُوسَى وَعِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ، فَرَكَعَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ1 فِي "الْمَسَاجِدِ" عَنْ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ. وَالْمَجْزَرَةِ. وَالْمَقْبَرَةِ. وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ. وَفِي الْحَمَّامِ. وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ. وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي زَيْدِ بن جبير مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهُ، وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ: مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، انْتَهَى. وزيد بن جبير اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى ضَعْفِهِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالْأَزْدِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": زَيْدُ بْنُ جبير مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، فَاسْتَحَقَّ التَّنَكُّبَ عَنْ رِوَايَتِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ أَبِي صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا: ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ. وَالْمَقْبَرَةُ. وَالْمَزْبَلَةُ. وَالْمَجْزَرَةُ. وَالْحَمَّامُ. وَعَطَنُ الْإِبِلِ. وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ"، انْتَهَى. وَهَذِهِ الطَّرِيقُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَعِلَّتُهُ أَبُو صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، فَإِنَّهُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَالْحَدِيثُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ،
__________
1 الترمذي في "الصلاة في باب ما جاء في كراهية ما يصلى إليه وفيه" ص 46، وابن ماجه في "المساجد في باب المواضع التي تكره فيها الصلاة" ص 54، والبيهقي: ص 329 ج 2، والطحاوي: ص 224 ج 1.
2 في "المساجد في باب المواضع التي تكره فيها الصلاة" ص 55.(2/323)
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"1: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ بِهِ، وَرَوَاهُ زَيْدُ بن جبير، فَقَالَ: الْإِسْنَادَانِ وَاهِيَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ، فَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ آخَرُونَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي "الصَّحِيحِ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَالْحَمَّامِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ"2 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ، إلَّا الْمَقْبَرَةَ. وَالْحَمَّامَ"، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ، فَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رضي الله عنه عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عن عمرو بْنِ يَحْيَى، فَأَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، فَأَسْنَدَهُ مَرَّةً، وَأَرْسَلَهُ أُخْرَى، وَكَانَ عَامَّةُ روايته الإِرسال، وكأن رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ أَثْبَتَ وَأَصَحَّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مُسْنَدًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَحَاصِلُ مَا أُعِلَّ بِهِ الْإِرْسَالُ، وَإِذَا كَانَ الرَّافِعُ ثِقَةً، فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي "الْخُلَاصَةِ": هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: هُوَ مُضْطَرِبٌ، وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِقَوْلِ الْحَاكِمِ: أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّهُمْ أَتْقَنُ فِي هَذَا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُصَحَّحُ أَسَانِيدُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِاضْطِرَابِهِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ4 عَنْهُ مَرْفُوعًا: "أُعْطِيتُ خَمْسًا، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَيِّبَةً، طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي"، وَفِيهِ "وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ كَافَّةً"، وَفِيهِ: "وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي"، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ5، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ
__________
1 "كتاب العلل" ص 148 ج 1.
2 الترمذي في "باب الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة، والحمام" ص 42، والبيهقي: ص 435 ج 2.
3 الحاكم: ص 251 ج 1، ووافقه الذهبي على التصحيح.
4 البخاري في "التيمم" ص 48، وفي "المساجد في باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جعلت لي الأرض مسجداً"، ص 62 ومسلم في "كتاب المساجد ومواضع الصلاة" ص 199.
5 مسلم في "المساجد" ص 199.(2/324)
صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ. وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا. وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ"، وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه1، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ. وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ. وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ. وَجُعِلَتْ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً. وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ يَسَارِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَضَّلَنِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ قَالَ: أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ، بِأَرْبَعٍ: أَرْسَلَنِي إلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَجَعَلَ لِي الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ الصَّلَاةُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي، فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَا تَصِحُّ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عِلَاجٍ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ثَمَنِهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ، لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً مَا دَامَ عَلَيْهِ، صُمَّتَا، إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا ثلاث، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ رحمه الله: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عِلَاجٍ هَذَا يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، لَا يَشُكُّ السَّامِعُ لَهَا أَنَّهَا صَنْعَتُهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا حَدَّثَ بِهِ نَافِعٌ، وَلَا رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ الشَّامِيِّينَ، حَدَّثَ بِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زُفَرَ عَنْ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوُهُ، سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ": وَهَاشِمٌ مَجْهُولٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنَ زَيْدٍ الدِّمَشْقِيَّ، فَذَاكَ يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ، قَالَ: قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ، انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْقَبُولِ نَفْيُ الصِّحَّةِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ3 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا، "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"، انْتَهَى.
__________
1 مسلم في "المساجد" ص 199.
2 البيهقي: ص 222 ج 1، وفي: ص 433 ج 2. عن يزيد ابن هارون عن سليمان التيمي عن سيار عن أبي أمامة.
3 أخرجه البخاري في "الاعتصام في باب إذا اجتهد العامل، أو الحاكم فأخطأ" ص 1092، تعليقاً، ورواه مسلم في "الأقضية في باب نقض الأحكام الباطلة" ص 77 ج 2.(2/325)
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ بين السواري: احتج أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بن هانىء بْنِ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ، فَصَلَّيْنَا بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 مِنْ طريق أبي دَاوُد ثَنَا هَارُونُ أَبُو مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا نُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ، وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": هكذا وجدته، هَارُونَ أَبُو مَسْلَمَةً، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ3: هَارُونُ بْنُ مَسْلَمَةً، رَوَى عَنْ قَتَادَةَ، سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: شَيْخٌ مَجْهُولٌ، قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ، هَلْ هُوَ هَذَا، أَمْ لَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ إسْنَادُهُمَا صَحِيحَانِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ السَّارِيَةَ تَحُولُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً لَمْ يُجَاوِزْ مَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 أبو داود في "باب الصفوف بين السواري" ص 105 ج 1، والترمذي في "باب كراهية الصف بين السواري" ص 31 ج 1، وقال: حسن صحيح، اه، والنسائي في "باب الصف بين السواري" ص 131 ج 1، والبيهقي: ص 104 ج 3، والحاكم في "مستدركه" ص 210 ج 1، وقال: صحيح.
2 وابن ماجه في "سننه" ص 71 في "باب الصلاة بين السواري في الصف" عن زيد بن أخزم عن أبي داود سواء، وفيه هارون بن مسلم، وأخرجه الطيالسي: ص 144، وفيه هارون أبو مسلم، والبيهقي: ص 104 ج 3، قال الحافظ في "التهذيب": أخرجه ابن خزيمة، والحاكم في "المستدرك".
3 قال الحافظ في "التهذيب" هارون بن مسلم بصري، روى عن قتادة عن معاوية عن أبيه في النهي عن الصلاة بين السواري، وعنه أبو داود الطيالسي، قال أبو حاتم: مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات.(2/326)
كِتَابُ الزكاة
مقدمة
...
كتاب الزَّكَاةِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
فَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 فِي آخِرِ "أَبْوَابِ الصَّلَاةِ" عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُونَ جَنَّةَ رَبِّكُمْ"، قَالَ: قُلْت لِأَبِي أُمَامَةَ: مُنْذُ كَمْ سَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ، وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْإِيمَانِ، وَغَيْرِهِ"، قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِأَحَادِيثَ لِسُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، وَسَائِرُ رُوَاتِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ"2 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَقْدِسِيَّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "أَخْلِصُوا عِبَادَةَ رَبِّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ"، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: فِيهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ رضي الله عنه لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ عليه السلام إلَى الْيَمَنِ، وَفِيهِ: فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ3 عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثُ ضِمَامَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَفِيهِ: قَالَ: أَنْشُدُك بِاَللَّهِ، اللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتُقَسِّمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ نَعَمْ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، وحديث جبرئيل عليه السلام أَخْرَجَاهُ5 عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النبي عليه السلام رجلاً، فَقَالَ:
__________
1 الترمذي في "باب بعد باب فضل الصلاة" ص 78، والحاكم في "المستدرك" ص 9 ج 1.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 45 ج 1: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه يزيد بن مرثد، ولم يسمع من أبي الدرداء، اهـ.
3 البخاري في "أوائل الزكاة" ص 187، ومسلم في الايمان في باب الدعاء إلى الشهادتين" ص 36 ج 1.
4 البخاري في "كتاب العلم في باب القراءة والعرض على المحدِّث" ص 15.
5 البخاري في "الايمان في باب سؤال جبريل" ص 12، ومسلم في "أوائل الايمان" ص 29.(2/327)
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِيمَانُ؟، قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، قَالَ: فَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، قَالَ: فَمَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ"، الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ، وَفِيهِ: قَالَ، وَذَكَرَ لَهُ عليه السلام الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟، قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَوُّعَ"، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ1 مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ، وَحَدِيثُ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ" 2، وَفِيهِ أَحَادِيثُ مَانِعِ الزَّكَاةِ، سَيَأْتِي آخِرَ الْكِتَابِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ المصنف رحمه الله: لابد مِنْ مِلْكِ النِّصَابِ، لِأَنَّهُ عليه السلام قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ، قُلْت: مِنْ شَوَاهِدِ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ3، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنهم.
أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ. وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "إذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ "يَعْنِي فِي الذَّهَبِ" حَتَّى يَكُونَ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهَا ذَلِكَ"، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ: فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، أَوْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، انْتَهَى. قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ عَاصِمٌ، وَالْحَارِثُ. فَعَاصِمٌ وَثَّقَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ عَدِيٍّ، فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي "الْخُلَاصَةِ": وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَوْ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ ضَعْفُ الْحَارِثِ لِمُتَابَعَةِ عَاصِمٍ لَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"5،
__________
1 البخاري في "الايمان في باب الزكاة من الاسلام" ص 11، ومسلم في "بيان الصلوات" ص 30.
2 أخرجه البخاري في "الايمان" ص 6، ومسلم فيه في "باب أركان الاسلام" ص 32، كلاهما من حديث ابن عمر.
3 أخرجه الشيخان: البخاري في "باب ما أدى زكاته، فليس بكنز" ص 189، ومسلم في "أوائل الزكاة" ص 315.
4 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 228 ج 1.
5 وتقدمه ابن حزم "المحلى" ص 70 ج 6، كأن العبارة عبارته، إلى قوله: رواه موقوفاً.(2/328)
هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ ابن وَهْبٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ، فَقَرَنَ أَبُو إسْحَاقَ فِيهِ بَيْنَ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثِ، وَالْحَارِثُ كَذَّابٌ1 وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ، يُجَوِّزُ عَلَيْهِ مِثْلَ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْحَارِثَ أَسْنَدَهُ، وَعَاصِمٌ لَمْ يُسْنِدْهُ، فَجَمَعَهُمَا جَرِيرٌ، وَأَدْخَلَ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَكُلٌّ ثِقَةٌ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، فَلَوْ أَنَّ جَرِيرًا أَسْنَدَهُ عَنْ عاصم، وبيَّن ذلك أخدنا بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا لَا يَلْزَمُ، لِأَنَّ جَرِيرًا ثِقَةٌ، وَقَدْ أَسْنَدَ عَنْهُمَا، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"2 عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: "لَيْسَ فِي مَالِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. وَلَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ3 عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ، وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَرَوَاهُ مُعْتَمِرٌ. وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هُوَ الصَّحِيحُ، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَرَفَعَهُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ غَرَائِبِ مَالِكٍ" عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر، وَأَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّأِ"5 بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ مَوْقُوفًا عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ" مَوْقُوفًا كَذَلِكَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"6 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِلَفْظِ: "مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": حَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ
__________
1 قال الحافظ ابن عبد البر في "كتاب العلم" ص 154 ج 2: لم يبن في الحارث كذب، إنما نقم عليه إفراطه في حب عليِّ، وتفضيله على غيره.
2 قلت: الحديث في "مسند أحمد" ص 148 من زيادة ابنه موقوفاً، وأما مرفوعاً، فلم أره، والله أعلم، وأخرجه الدارقطني: ص 199 أيضاً مرفوعاً، وكذا ابن أبي شيبة موقوفاً
3 الدارقطني: ص 198 مرفوعاً، وفي: ص 199 موقوفاً.
4 قلت: رواه البيهقي: ص 104 عن ابن نمير موقوفاً، وقال: هذا هو الصحيح، وقال: رواه بقية عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله مرفوعاً، وليس بصحيح، اهـ، لعل في العبارة سقط، والله أعلم.
5 "الموطأ" ص 104 "أوائل الزكاة" والشافعي في "كتاب الأم" ص 14 ج 2.
6 الدارقطني: ص 198، والترمذي في "باب لا زكاة على المال المستفاد" ص 81 ج 1.(2/329)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ" يَرْوِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، كَذَا قَالَهُ عَنْهُ مَعْمَرٌ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَشُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَغَيْرُهُمْ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَفَعَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ حَسَّانَ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِحَسَّانَ بْنِ سِيَاهٍ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ ثَابِتٍ غَيْرَهُ، انْتَهَى. وَحَسَّانُ بْنُ سِيَاهٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، لِمَا ظَهَرَ مِنْ خَطَئِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ صَلَاحِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. وَحَارِثَةُ هَذَا ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ رحمه الله فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ مِمَّنْ كَثُرَ وَهْمُهُ، وَفَحُشَ خَطَؤُهُ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ: تَعَلَّقَ الْخَصْمُ، وَهُوَ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَمَالِكٌ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ رحمه الله: وَرَوَاهُ أَيُّوبُ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ بِهِ مَوْقُوفًا.
قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ زَكَاةٌ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.
__________
1 ص 199.
2 ابن ماجه في "باب من استفاد مالا" ص 129، وأبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 413.(2/330)
أَحَادِيثُ زَكَاةِ مَالِ الْيَتِيمِ، أَوْ الصَّغِيرِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: "مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، لِأَنَّ الْمُثَنَّى يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: قَالَ: مَهْمَا سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى2.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إسْحَاقَ ثَنَا مِنْدَلٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ3: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إسْحَاقَ ضَعِيفٌ، وَمِنْدَلٌ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ، وَيُسْنِدُ الْمَوْقُوفَاتِ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، فَلَمَّا فَحُشَ ذَلِكَ مِنْهُ، اسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ ضَعِيفَةٌ، لَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ عِنْدِي بِمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، لِأَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا يَخْلُو مِنْ إرْسَالٍ، أَوْ انْقِطَاعٍ، وَكِلَاهُمَا لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَإِذَا رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَأَرَادَ بِجَدِّهِ مُحَمَّدًا، فَمُحَمَّدٌ لَا صُحْبَةَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ عَبْدَ اللَّهِ، فَشُعَيْبٌ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": النَّاسُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي تَوْثِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ: عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، كَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَعَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ رَاهْوَيْهِ، وَالْحُمَيْدِيَّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، فَمَنْ النَّاسُ بَعْدَهُمْ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ: لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ خَطَأٌ، وَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْعُدُولِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَاءَ
__________
1 الترمذي في "باب الزكاة في مال اليتيم" ص 81، والدارقطني: ص 206، وأبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 428.
2 وقال النووي في "شرح المهذب" ص 239 ج 5: هذا الحديث ضعيف.
3 الدارقطني: ص 206، وكذا ما بعده.(2/331)
رَجُلٌ، فَاسْتَفْتَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: يَا شُعَيْبُ! امْضِ مَعَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ أَثْبَتَ سَمَاعَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: جَدُّهُ الْأَدْنَى مُحَمَّدٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدُّهُ الْأَعْلَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ شُعَيْبٌ، وَجَدُّهُ الْأَوْسَطُ عَبْدُ اللَّهِ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ، فَإِذَا لَمْ يُسَمِّ جَدَّهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدًا، وَاحْتَمَلَ أن يكون عمرواً، فَيَكُونُ فِي الْحَالَيْنِ مُرْسَلًا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ، فَلَا يَصِحُّ الْحَدِيثُ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ الْإِرْسَالِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ سَمَّى فِيهِ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَسَلِمَ مِنْ الْإِرْسَالِ، عَلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الْبُيُوعِ، مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ": لَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ الْحُجَّةَ الظَّاهِرَةَ فِي سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهَا1.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"2 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا الْفُرَاتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ ثَنَا شَجَرَةُ بن عيسى المغافري عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ" انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ثَنَا أَشْعَثُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ صَلْتٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ أَبَا رَافِعٍ أَرْضًا، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو رَافِعٍ بَاعَهَا عُمَرُ رضي الله عنه بِثَمَانِينَ أَلْفًا، فَدَفَعَهَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَكَانَ يُزَكِّيهَا، فَلَمَّا قَبَضَهَا وَلَدُ أَبِي رافع عدوا مالهم، فَوَجَدُوهَا نَاقِصَةً، فَسَأَلُوا عَلِيًّا، فَقَالَ: أَحَسَبْتُمْ زَكَاتَهَا؟ قَالُوا: لَا، فَحَسَبُوا زَكَاتَهَا، فَوَجَدُوهَا سَوَاءً، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَكُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدِي مَالٌ لَا أُزَكِّيهِ؟!، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَشْعَثَ، وَقَالَا: عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
__________
1 اختصر المخرج كلام الحاكم، وسكت على قوله: فلم أقدر عليها، وهذا اختصار قبيح، فإنه ترك بياناً مغيراً، لأن الحاكم ذكر بعده حديثاً استشهد له على سماع شعيب عن جده عبد الله، وقال: هذا حديث رواته ثقات حفاظ، وهو كالأخذ باليد، على صحة سماع شعيب عن جده، اهـ، وقد ذكرت ما يتعلق به في أحاديث "الوضوء من مس الفرج" ص 32.
2 في رواية الطبراني: علي بن سعيد من رجال "اللسان" ص 231 ج 4، قال الدارقطني: ليس بذاك، والفرات بن محمد، قال ابن الحارث: كان ضعيفاً متهماً بالكذب، أو معروفاً، كذا في "اللسان" وعبد الملك بن أبي كريمة ثقة، كذا في "تهذيب التهذيب" ص 418 ج 6.
3 الدارقطني: ص 207، والبيهقي: ص 107 ج 4.(2/332)
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ1: أَنْبَأَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي، وَأَخًا لِي يَتِيمًا فِي حِجْرِهَا، وَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ"، كَمَا تَرَاهُ، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عمر أَنَّهُ كَانَ يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: ابْتَغَوْا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ، قَالَ البيهقي: إسناده صَحِيحٌ3، وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ عُمَرَ. ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا مِحْجَنٍ، أَوْ ابْنَ مِحْجَنٍ وَكَانَ خَادِمًا لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: قَدِمَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَيْفَ مَتْجَرُ أَرْضِك، فَإِنَّ عِنْدِي مَالُ يَتِيمٍ، قَدْ كَادَتْ الزَّكَاةُ تُفْنِيهِ، قَالَ: فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، قَالَ: وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عَنْ عُمَرَ، وَكِلَاهُمَا مَحْفُوظٌ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ4 ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ، فِي الَّذِي يَلِي الْيَتِيمَ، قَالَ: يُعْطِي زَكَاتَهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْأَصْحَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ. وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ"، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَحَمَّادُ الْأَوَّلُ: هُوَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ الثَّانِي: هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْعِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْأَعْمَشُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ
مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ قَلَمُ الْإِثْمِ، أَوْ قَلَمُ الْأَدَاءِ. انْتَهَى. وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي "كِتَابِ الْحَجْرِ".
__________
1 الدارقطني: ص 207، والبيهقي: 107 ج 4.
2 الشافعي في كتاب "الأم" ص 24 ج 2، وص 25، و"الموطأ" ص 106.
3 قال ابن التركماني في "الجوهر" ص 107: كيف يكون صحيحاً، ومن شرائط الصحة الاتصال، وسعيد ولد لثلاث مضين من خلافة عمر، ذكره مالك، وأنكر سماعه منه، وقال ابن معين: رآه، وكان صغيراً، ولم يثبت له سماع منه، اهـ. ثم فيه علل أخرى، راجعه.
4 وابن أبي شيبة عن أبي الزبير عن جابر: ص 25 ج 3، مختصراً.
5 أبو داود في "الحدود في باب المجنون يسرق" ص 256 ج 2، والنسائي في "باب من لا يقع طلاقه من الأزواج" ص 103 ج 2، واللفظ له، وابن ماجه في "باب طلاق المعتوه والصغير" ص 148، وابن جارود: ص 370، والدارمي: ص 399، والطحاوي: 336 ج 1.(2/333)
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ لَيْثِ1 بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَنْ وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ، فَلْيُحْصِ عَلَيْهِ السِّنِينَ، وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ أَخْبَرَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنْ شَاءَ زَكَّى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا أَثَرٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، إلَّا أَنَّهُ يَنْفَرِدُ2 بِإِسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم، قَالَ: لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ مِنْ الْعُبَّادِ يَعْنِي لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ لَكِنْ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، حَتَّى كَانَ لَا يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ بِهِ، فَكَانَ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ، تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ تَرْجَمَ عَلَيْهِ لَيْثُ3 بْنُ أَبِي سُلَيْمِ بْنِ زَنِيمٍ اللَّيْثِيُّ، وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَاشِيَتِهِ" بِخَطِّهِ، فَقَالَ: لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ لَيْسَ هُوَ ابْنَ زَنِيمٍ اللَّيْثِيَّ، فَرَّقَهُمَا إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْبُخَارِيُّ فِي "تَرْجَمَتَيْنِ"، وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "كُتُبِهِمْ". وَابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قُرَشِيٌّ: مَوْلَاهُمْ، وَاللَّيْثِيُّ إنَّمَا هُوَ ابْنُ زَنِيمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الضِّمَارِ، قُلْت: غَرِيبٌ. وَرَوَى أَبُو عبيد القاسم بن سلاح فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ فِي بَابِ الصَّدَقَةِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: إذَا حَضَرَ الْوَقْتُ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ أَدَّى عَنْ كُلِّ مَالٍ، وَعَنْ كُلِّ دَيْنٍ، إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ ضِمَارًا لَا يَرْجُوهُ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ4 رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنهما كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا، فَأَمَرَ بِرَدِّهِ
إلَى أَهْلِهِ، وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ، لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ، أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا زَكَاةُ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا، قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: الضِّمَارُ: الْمَحْبُوسُ عَنْ صَاحِبِهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ أَيُّوبَ وَعُمَرَ.
__________
1 البيهقي في "السنن" ص 108 ج 4، وابن أبي شيبة في "المصنف" ص 25 ج 3، وأبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 452، قال: حدثنا ابن أبي زائدة عن ليث به.
2 في البيهقي "يتفرد".
3 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 127 ج 2، وص 33 ج 3، هو ثقة مدلس، انتهى. وابن زنيم "بالزاي، والنون" مصغراً.
4 مالك في "الموطأ في باب الزكاة في الدَّين" ص 107، ومن طريقه البيهقي في "السنن" ص 150 ج 4.(2/334)
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ1" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: أَخَذَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَالَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الرَّقَّةِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَائِشَةَ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَاهُ وَلَدُهُ، فَرَفَعُوا مَظْلَمَتَهُمْ إلَيْهِ. فَكَتَبَ إلَى مَيْمُونٍ: أَنْ ادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَخُذُوا زَكَاةَ عَامِهِمْ هَذَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مَالًا ضِمَارًا أَخَذْنَا مِنْهُ زَكَاةَ مَا مَضَى، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: عَلَيْهِ زَكَاةُ ذَلِكَ الْعَامِ، انْتَهَى.(2/335)
بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ
فَصْلٌ فِي الْإِبِلِ
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْت: مِنْهَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2"، وَفَرَّقَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مُتَوَالِيَةٍ عَنْ ثُمَامَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ، لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ: "بسم الله الرحمن الرحيم هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلْيُعْطِهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهُ، فَلَا يُعْطِي: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ، مِنْ كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ، فَفِيهَا حِقَّةٌ، طَرُوقَةُ الْجَمَلِ. فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا
__________
1 ابن أبي شيبة: ص 53 ج 3، وأبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 432 عن ميمون بن مهران، مختصراً.
2 هذا الحديث رواه البخاري عن محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري الحنفي قاضي البصرة عن أبيه عن ثمامة عن أنس بن مالك، وكرره في "صحيحه" في أحد عشر موضعاً: في "الزكاة" في ستة مواضع، وفي "الشركة" وفي "الخمس" وفي "اللباس" مرتين، وفي "الحيل" ولم أر أنه كرر سنداً واحداً في "صحيحه هذا التكرار إلا ما في حديث كعب بن مالك في تخلفه عن تبوك، فإنه كرر عشر مرات، وهذا السياق الأول في "باب زكاة الغنم" ص 195، والثاني، ولم أرده من اختصار المخرج رحمه الله، بل هو من الناسخ فأبرزته في الحاشية.(2/335)
بَلَغَتْ يَعْنِي سِتَّةً وَسَبْعِينَ إلَى تسعينن فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ. فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ، طَرُوقَتَا الْجَمَلِ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، فَفِيهَا شَاةٌ. وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، شَاةٌ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ، شَاتَانِ. فَإِذَا زَادَتْ على مائتين إلى ثلثمائة، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ. فَإِذَا زادت على ثلثمائة، فَفِي كُلِّ مِائَةٍ، شَاةٌ. فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةٌ، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا"، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ الثَّانِي 1: عَنْ ثُمَامَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ، إنْ تيسرتا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، ومن بلغت عنده الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إلَّا بِنْتُ لَبُونِ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وَيُعْطِي شَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ الثَّالِثِ 2: عَنْ ثُمَامَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كتب له الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 حَدِيثًا وَاحِدًا، وَزَادَ فِيهِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَكِنْ أَسْنَدَهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخَذْت مِنْ ثُمَامَةَ4 بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
__________
1 "باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض، وليست عنده" ص 195.
2 البخاري في "باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة" ص 196.
3 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 225، والحاكم في "المستدرك" ص 390 ج 19.
4 قال: أخذت، الخ، هذا لفظ حديث حماد بن سلمة، عند أبي، والحاكم روى عنه موسى بن إسماعيل، وروى الطحاوي في "شرح الآثار" ص 416 ج 2 عن أبي بكرة، قال: حدثنا أبو عمر الضرير، قال: حدثنا حماد ابن سلمة، قال: أرسلني ثابت البناني إلى ثمامة بن عبد الله ليبعث إليه كتاب أبي بكر الذي كتبه لأنس حين بعثه مصدِّقاً قال حماد: فدفعه اليِّ، فإذا عليه خاتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا فيه فرائض الصدقات، اهـ. أبو عمر الضرير ثقة، تابع موسى بن إسماعيل، وهو ثقة ثبت.(2/336)
بْنِ أَنَسٍ كِتَابًا، زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَهُ لِأَنَسٍ، فَذَكَرَهُ. وَهَذَا اللَّفْظُ ظَاهِرُهُ الِانْقِطَاعُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَصَرَ بِهِ، فَرَوَاهُ كَذَلِكَ يَعْنِي سَنَدَ أَبِي دَاوُد ثُمَّ إنَّ بَعْضَ مَنْ يَدَّعِي1 مَعْرِفَةَ الْآثَارِ تَعَلَّقَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَأَنْتُمْ لَا تُثْبِتُونَ الْمُنْقَطِعَ. وَإِنَّمَا وَصَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَأَنْتُمْ لَا تَجْعَلُونَ ابْنَ الْمُثَنَّى حُجَّةً، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ يُونُسَ2 بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ، وَقَدْ أَخْرَجْنَاهُ فِي "كِتَابِ السُّنَنِ". وكذلك رواه سريح بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ إمَامٌ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَهُوَ أَتْقَنُ أَصْحَابِ حَمَّادٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ3، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ مِنْ الْحُفَّاظِ أَحَدًا اسْتَقْصَى فِي انْتِقَادِ الرُّوَاةِ مَا اسْتَقْصَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ رضي الله عنهما، مَعَ إمَامَتِهِ فِي مَعْرِفَةِ عِلَلِ الْأَحَادِيثِ وَأَسَانِيدِهَا، وَهُوَ قَدْ اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنَّى4، فَأَخْرَجَهُ فِي "صَحِيحِهِ"، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الشَّوَاهِدِ لَهُ بِالصِّحَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 المراد به الإمام الطحاوي، وقوله: هذا في "شرح الآثار" ص 418 ج 2، ولعل ابن معين تكلم على الحديث أيضاً، قال ابن حزم في "المحلى" ص 21 ج 6: والعجب ممن يعترض في هذا الخبر بتضعيف يحبى بن معين له الحديث حماد بن سلمة هذا، اهـ. ثم تصدى لجوابه، وقال: إنما يؤخذ من كلام ابن معين وغيره، إذا ضعفوا غير مشهور بالعدالة، وأما دعوى ضعف حديث رواته ثقات، أو ادعوا فيه أنه خطأ، من غير أن يذكروا ندليساً، فكلام مطروح مردود، اهـ، وقال ابن التركماني في "الجوهر" ص 89 ج 4: ذكر الدارقطني في "كتاب التتبع على الصحيحين" أن ثمامة لم يسمع من أنس، ولا سمعه عبد الله بن المثنى من ثمامة، وفي "الأطراف" للمقدسي، قيل لابن معين: حديث ثمامة عن أنس في "الصدقات" قال: لا يصح، وليس بشيء، ولا يصح في هذا حديث في الصدقات. قلت: ثم عبد الله بن المثنى متكلم فيه، قال الساجي: ضعيف، منكر الحديث، قال أبو داود: لا أخرج حديثه، وفي "الضعفاء" لابن الجوزي، قال: أبو سلمة كان ضعيفاً في الحديث، اهـ. قلت: ما ذكره عن الدارقطني ذكره الحافظ في "مقدمة الفتح" ص 355، وفي "التلخيص" ص 173، وزاد: ثم روى عن علي بن المديني عن عبد الصمد حدثني عبد الله بن المثنى، قال: دفع إلى ثمامة هذا الكتاب، قال: وحدثنا عفان حدثنا حماد قال: أخذت من ثمامة كتاباً عن أنس، وقال: حماد بن زيد عن أيوب: أعطاني ثمامة كتاباً، انتهى.
2 حديث يونس بن محمد المؤدب أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" ص 186 ج 4، وابن حزم في "المحلى" ص 19 ج 6، وحديث سريج أخرجه ابن حزم في "المحلى" ص 19 ج 6، والنسائي في "باب زكاة الغنم" ص 340 ج 1، لكن فيه سريح "بالمهملة" وظني أنه هو الصحيح، وحديث إسحاق عن نضر بن شميل أخرجه الدارقطني في "سننه" ص 209، والحاكم في "المستدرك" ص 392، وكذلك رواه أبو كامل المظفر بن مدرك، روى عنه النسائي في "سننه" ص 336، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" ص 20 ج 6، ورواه أحمد: ص 11 ج 1 أيضاً.
3 يقول البيهقي هذا، وقد قال نفسه في "السنن" ص 403 ج 2: حماد بن سلمة عن أبي نعامة عن أبي نضرة كل واحد منهم مختلف في عدالته، ولذلك لم يحتج البخاري في "الصحيح" لواحد.
4 ابن المثنى صدوق، كثير الغلط، قاله في "التقريب".(2/337)
وَمِنْهَا كِتَابُ عُمَرَ رضي الله عنه: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، فَلَمَّا قُبِضَ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، وَعُمَرُ حَتَّى قُبِضَ، وَكَانَ فِيهِ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ، أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ينت مَخَاضٍ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حِقَّةٌ إلَى سِتِّينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَجَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌـ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ. وَفِي الشَّاةِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. فَإِذَا زَادَتْ فَشَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ. فَإِذَا زَادَتْ فَثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى ثلثمائة شَاةٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثلثمائة شَاةٍ، فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَةً، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قَسَّمَ الشَّاةَ أَثْلَاثًا: ثُلُثُ خِيَارٍ. وَثُلُثُ أَوْسَاطٍ. وَثُلُثُ شِرَارٍ، وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْوَسَطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الزُّهْرِيُّ الْبَقَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، وَإِنَّمَا رَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ2، انتهى. قال المنذري: وسفيان بْنُ حُسَيْنٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، إلَّا أَنَّ حَدِيثَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيهِ مَقَالٌ، وَقَدْ تَابَعَ سُفْيَانَ بْنَ حُسَيْنٍ عَلَى رَفْعِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ3، وَهُوَ مِمَّنْ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ صَدُوقٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"4، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، إلَّا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخَرِّجَا لَهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرْسَالٌ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَسَيَأْتِي. وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ،
__________
1 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 226، والترمذي في "باب زكاة الابل والغنم" ص 79، ورواه ابن ماجه في "باب صدقة الإبل" ص 130، لكن من طريق سليمان بن كثير، ولم أجده من طريق سفيان، والله أعلم، والبيهقي: ص 88 ج 4، وابن أبي شيبة: ص 9 ج 3.
2 وهو ضعيف في الزهري "دراية".
3 عند ابن ماجه، وهو لين في الزهري أيضاً، كذا في "التلخيص" ص 173، وعند البيهقي: ص 88 ج 4.
4 أحمد في "مسنده" ص 14 ج 2، ص 15 ج 2، والحاكم في "المستدرك" ص 392 ج 1.(2/338)
فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَاخْتَصَرَ مِنْهُ الْغَنَمَ، إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد زِيَادَةً مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَوَعَيْتهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَمِائَةً: فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ، فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَيُّ السِّنِينَ وُجِدَتْ أُخِذَتْ. وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ، فَذَكَرَ حَدِيثَ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَهَذَا مُرْسَلٌ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ": وَمَعْنَى لَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ: أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ. فَإِذَا أَظَلَّهُمَا فَرَّقَا غَنَمَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا شَاةٌ. قَالَ: فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت فِي ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ"، وَتَكَلَّمَ الْحُفَّاظُ في روايته عن الزهرين قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنه: لَيْسَ بِذَاكَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ رحمه الله: هُوَ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، إلَّا فِي الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ صَالِحُ الْحَدِيثِ. وَفِي الزُّهْرِيِّ يَرْوِي أَشْيَاءَ خَالَفَ فِيهَا النَّاسَ، قَالَ: وَقَدْ وَافَقَ سُفْيَانَ بْنَ حُسَيْنٍ عَلَى رَفْعِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ: حَدَّثَنَاهُ ابْنُ صَاعِدٍ عَنْ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ بِذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَوَقَفُوهُ، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ رَفَعَاهُ، انْتَهَى.
وَمِنْهَا كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "الدِّيَاتِ"، وَأَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"(2/339)
النَّسَائِيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى1. وَأَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"2 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ محمد بن عمر بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ، وَالسُّنَنُ، وَالدِّيَاتُ. وَبَعَثَ بِهِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقُرِئَتْ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا: "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كَلَالٍ3، قِيلَ: ذِي رُعَيْنٍ، وَمَعَافِرَ، وَهَمْدَانَ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ رَجَعَ رَسُولُكُمْ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمْسَ اللَّهِ، وَمَا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعُشْرِ، فِي الْعَقَارِ، وَمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَكَانَ سَيْحًا، أَوْ كَانَ بَعْلًا4 فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَمَا سُقِيَ بِالرَّشَا، وَالدَّالِيَةِ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٍ، شَاةٌ إلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إلَى أَنْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ. فَإِنْ زَادَتْ عَلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ. فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ. فَإِنْ زَادَتْ عَلَى سِتِّينَ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ. فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَمَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَاقُورَةً5 تَبِيعٌ، جَذَعٌ، أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَاقُورَةً بَقَرَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ
__________
1 ذكرها في "الديات" ص 251 ج 2، وقد روى يونس عن الزهري مرسلاً، اهـ. ثم أخرجه عن يونس كذلك، وهذا الحديث ذكره الهيثمي في "ألزوائد" ص 71 ج 3، إلى قوله: عافصاً شعره، وقال: بقيته رواه النسائي، وقال: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه سليمان بن داود الحرسي، قلت: وفي "المستدرك" الخولاني، وثقه أحمد، وتكلم فيه ابن معين، وقال أحمد: إن الحديث صحيح، قلت: وبقية رجاله ثقات، اهـ.
2 قوله: أبو داود في "مراسيله" قلت: لم أجد في مراسيل أبي داود أيضاً، وإنما هي أحرف يسيرة فيه معلقة في "الزكاة" ص 14، وص 28 في "الديات" ومراسيل أبي داود المطبوعة إنما هي أوراق معدودة، ذكر الأحاديث المرسلة تعليقاً، جربناه ههنا، وفيما قبل، فلم نجد الحوالة رائجة بتمامها، لعله ملخص مما صنفه أبو داود، والله أعلم.
3 والحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، كذا في "البيهقي" "والزوائد".
4 في "الأقرب" قال الأصمعي: العذى: ما سقته السماء، والبعل: ما شرب بعروقه، وأنشد:
هنالك لا أبالي نخل سقى ... ولا بعل، وإن عظم الاتاء
"البجنوري".
5 الباقور، والباقورة: جماعة البقر، وهما من أسماء الجمع كالباقر "أقرب الموارد" "البجنوري".(2/340)
شَاةً سَائِمَةً، شَاةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا شَاتَانِ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ ثلثمائة. فَإِنْ زَادَتْ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا عَجْفَاءُ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا أَخَذَ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَفِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ , وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ شَيْءٌ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ , وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ، إنَّمَا هِيَ الزَّكَاةُ تُزَكَّى بِهَا أَنْفُسُهُمْ فِي فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ1، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ2، وَلَيْسَ فِي رَقِيقٍ، وَلَا مَزْرَعَةٍ وَلَا عُمَّالِهَا شَيْءٌ، إذَا كَانَتْ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا مِنْ الْعُشْرِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ، وَلَا فَرَسِهِ شَيْءٌ، وَكَانَ فِي الْكِتَابِ: "إنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَتَعَلُّمُ السَّحَرِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ، وَلَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، وَلَا طَلَاقَ قَبْلَ إمْلَاكٍ، وَلَا عَتَاقَ حَتَّى يَبْتَاعَ، وَلَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَشِقُّهُ بَادٍ، وَلَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ عَاقِصًا شَعْرَهُ"، وَكَانَ فِي الْكِتَابِ3" أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ قَوْدٌ، إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ. وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ،4 وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ، أَوْ الرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ"، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَنْبَأَ مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وعن عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عياش بن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ كَذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ5"، كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بِهِ، قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ":
__________
1 قلت: في البيهقي: والزوائد. والحاكم: نزكى بها أنفسهم، ولفقراء المؤمنين.
2 وفي سبيل الله، وابن السبيل، كذا في "المستدرك".
3 قوله: كان في الكتاب، من هنا إلى آخر الحديث في النسائي في "الديات" ص 241 ج 2.
4 في الحاكم. والبيهقي "العينين" وكذا في النسائي: ص 251 ج 2.
5 الحاكم في "المستدرك" ص 395 ج 1 عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود به.(2/341)
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما: كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الصَّدَقَاتِ صَحِيحٌ، قَالَ: وَأَحْمَدُ يُشِيرُ بِالصِّحَّةِ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لَا لِغَيْرِهَا، لِمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَنُسْخَةُ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ تَلَقَّاهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ بِالْقَبُولِ، وَهِيَ مُتَوَارَثَةٌ، كَنُسْخَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد الْخَوْلَانِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ، بَلْ الْمُرَجِّحُ فِي رِوَايَتِهِمَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي "الرِّسَالَةِ": لَمْ يَقْبَلُوهُ حَتَّى ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَحْمَدُ رضي الله عنه: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ1: لَا أَعْلَمُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ أَصَحَّ مِنْهُ، كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعُونَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ، وَيَدَعُونَ آرَاءَهُمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 بِسَنَدِ ابْنِ حِبَّانَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَثْنَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْخَوْلَانِيِّ: مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيَّانِ، وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: وَحَدِيثُهُ هَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ مُرْسَلًا، وَيُوَافِقُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ مِنْ جِهَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ مَوْصُولًا، انْتَهَى.
وَمِنْهَا كِتَابُ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ إلَى حَضْرَمَوْتَ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الرِّدَّةِ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ كِنْدَةَ مُسْلِمِينَ، أَطْعَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي وَلِيعَةَ3 مِنْ كِنْدَةَ أَطْعِمَةً4 مِنْ ثِمَارِ حَضْرَمَوْتَ، وَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ نَقْلَهَا إلَيْهِمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ كِتَابًا، وَأَقَامُوا أَيَّامًا، ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ الْبَيَاضِيُّ الْأَنْصَارِيِّ: سِرْ مَعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَقَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَيْهِمْ، فَسَارَ زِيَادٌ مَعَهُمْ، عَامِلًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَضْرَمَوْتَ عَلَى صَدَقَاتِهَا "الْخُفُّ، وَالْمَاشِيَةُ، وَالثِّمَارُ، وَالْكُرَاعُ، وَالْعُشُورُ"، فَقَالَ زِيَادٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي اُكْتُبْ لِي كِتَابًا لَا أَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا أُقَصِّرُ دُونَهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَكَتَبَ لَهُ: "بسم الله الرحمن الرحيم، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ
__________
1 "الفسوى" كذا في "شذرات الذهب" ص 171 ج 2، "وتذكرة الحفاظ" ص 145 ج 2، والله أعلم. أقول: في نسخة الدار "القسوى" "البجنوري".
2 البيهقي: ص 89 ج 4.
3 بنو وليعة "بالعين المهملة" حيّ من كندة.
4 في نسخة الدار "طعمة" "البجنوري".(2/342)
فِي الصَّدَقَاتِ، فَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ سَائِمَةٍ، شَاةٌ، إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. فَإِذَا زَادَتْ، فَفِيهَا شَاتَانِ، إلَى مِائَتَيْنِ. فَإِذَا زَادَتْ شَاةٌ، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إلَى أَنْ تبلغ ثلثمائة. فَإِذَا زَادَتْ، فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ، شَاةٌ، وَفِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ السَّوَائِمِ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ. فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَفِيهَا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ. فَإِذَا بَلَغَتْ، فَفِيهَا حِقَّةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ. فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ. فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مجتمع بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. وَفِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ، فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ، جَذَعٌ، أَوْ جَذَعَةٌ. وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَسَقَى بِالنِّيلِ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سَقَى بِالْغَرْبِ، نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِذَا بَلَغَتْ رِقَّةُ أَحَدِكُمْ خَمْسَ أَوَاقٍ فَفِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَتَبَ: "إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ عَوْدِ مَا دُونَهَا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَسٍ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِيهِ: فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ، إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، الْحَدِيثَ.
وَأَحْمَدُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا تُسْتَأْنَفُ بَعْدَ الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ، بَلْ تَسْتَقِرُّ عَلَى حَالِهَا، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، كَمَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ. وَالْأُخْرَى كَالشَّافِعِيِّ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَتَبَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ:
فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّحَاوِيُّ1 فِي "مُشْكِلِهِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قُلْت لِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: خُذْ لِي كِتَابَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَأَعْطَانِي كِتَابًا أَخْبَرَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ
__________
1 الطحاوي في "شرح الآثار" ص 417 ج 2، وأبو داود في "المراسيل" ص 14، وابن حزم في "المحلى" ص 33 ج 6.(2/343)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَهُ لِجَدِّهِ، فَقَرَأْته، فَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَرَائِضِ الْإِبِلِ، فَقَصَّ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنَّهُ يعاد إلى فَرِيضَةِ الْإِبِلِ، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهِ الْغَنَمُ، فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ": هَذَا حَدِيثٌ مرسل، قال هبة لله الطَّبَرِيُّ: هَذَا الْكِتَابُ صَحِيفَةٌ لَيْسَ بِسَمَاعٍ، وَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ عَنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَّا مِثْلَ رِوَايَتِنَا رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَبُو أُوَيْسٍ1، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، مِثْلُ قَوْلِنَا، ثُمَّ لَوْ تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَقِيَتْ رِوَايَتُنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، وَهِيَ فِي الصَّحِيحِ، وَبِهَا عَمِلَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ أَخَذَهُ عَنْ كِتَابٍ لَا عَنْ سَمَاعٍ، وَكَذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخَذَهُ عَنْ كِتَابٍ لَا عَنْ سَمَاعٍ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَإِنْ كَانَا مِنْ الثِّقَاتِ، فَرِوَايَتُهُمَا هَذِهِ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْحُفَّاظِ عَنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرِهِ. وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ سَاءَ حِفْظُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَالْحُفَّاظُ لَا يَحْتَجُّونَ بِمَا يُخَالِفُ فِيهِ، وَيَتَجَنَّبُونَ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ، وَخَاصَّةً عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَمْثَالِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ": الْحُفَّاظُ مِثْلُ يَحْيَى الْقَطَّانِ. وَغَيْرِهِ يُضَعِّفُونَ رِوَايَةَ حَمَّادٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: ضَاعَ كِتَابُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، فَكَانَ يُحَدِّثُهُمْ مِنْ حِفْظٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيَدُلُّ عَلَى خَطَأِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ3 بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِخِلَافِهِ، وَأَبُو الرِّجَالِ4 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ رَوَاهُ بِخِلَافِهِ، وَالزُّهْرِيُّ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ رَوَاهُ بِخِلَافِهِ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ5 بْنِ دَاوُد الْخَوْلَانِيِّ عَنْهُ مَوْصُولًا، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ مُرْسَلًا، وَإِذَا كَانَ حديث حماد بن قَيْسٍ مُرْسَلًا وَمُنْقَطِعًا، وَقَدْ خَالَفَهُ عَدَدٌ، وَفِيهِمْ وَلَدُ الرَّجُلِ، وَالْكِتَابُ بِالْمَدِينَةِ بِأَيْدِيهِمْ يَتَوَارَثُونَهُ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، فَنُسِخَ لَهُ، فَوُجِدَ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ قَيْسٍ، مُوَافِقًا لِمَا فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ، وَمَا فِي كِتَابِ عُمَرَ، وَكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّحِيحِ، وَكِتَابُ عُمَرَ أَسْنَدَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ. وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكْتُبْهُ عُمَرُ عَنْ رَأْيِهِ، إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَعَمِلَ بِهِ، وَأَمَرَ عُمَّالَهُ فَعَمِلُوا بِهِ، وأصحاب النبي عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ، وَأَقْرَأَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَأَقْرَأَهُ عَبْدُ اللَّهِ
__________
1 أبو أويس هو عبد الله بن عبد الله بن أويس، قال ابن حزم في "المحلى" ص 14 ج 6: أبو أويس ضعيف.
2 البيهقي في "السنن الكبرى" ص 94 ج 4.
3 كما في رواية الواقدي المتقدمة عن قريب.
4 عند البيهقي: ص 91 ج 4، والحاكم: ص 394.
5 هي عند الحاكم: ص 395 ج 1 والبيهقي: ص 89 ج 4، وقال في "الزوائد" عند الطبراني، وتقدم سياقه في: ص 341 من هذا الجزء.(2/344)
ابْنَهُ سَالِمًا، وَمَوْلَاهُ نَافِعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ حَتَّى قَرَأَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، أَفَمَا يَدُلُّك ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى خَطَأِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؟!، انْتَهَى.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ1 عَنْ خَصِيفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَزِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: فَإِذَا بَلَغَتْ الْعِشْرِينَ وَمِائَةً اُسْتُقْبِلَتْ الْفَرِيضَةُ بِالْغَنَمِ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وعشرينن فَفَرَائِضُ الْإِبِلِ، وَاعْتَرَضَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَمُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ وَزِيَادٍ، وَبَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: وَخُصَيْفٌ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يَسْتَقْبِلُ بِهَا الْفَرِيضَةَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ، قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ"3: الْوَجْهُ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ. وَالثَّانِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ، فَيُقَدَّمُ الَّذِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ: إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ فِي "الصَّحِيحِ" مِنْ رِوَايَةِ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ عَنْ ثُمَامَةَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ عَنْهُمَا جَمَاعَةٌ، كُلُّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ، وَرَوَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي الْإِبِلِ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، كَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ، وَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، مُوَافِقًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ، فَحَدِيثُ أَنَسٍ لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ فِيهِ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ، كَمَا تَرَى. فَالْمَصِيرُ إلَى حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه أَوْلَى لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحُفَّاظِ أَحَالُوا الْغَلَطَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَى عَاصِمٍ، وَإِذَا تَقَابَلَتْ حُجَّتَانِ، فَمَا سَلِمَ مِنْهُمَا مِنْ الْمُعَارِضِ كَانَ أَوْلَى، كَالْبَيِّنَاتِ إذَا تَقَابَلَتْ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَذَلِكَ، انْتَهَى.
__________
1 الطحاوي: ص 418 ج 2.
2 ابن أبي شيبة: ص 11 ج 3، والبيهقي: ص 92 ج 4، قال الحافظ في "الدراية": إسناده حسن، إلا أنه اختلف على أبي إسحاق، اه، وأبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 363.
3 ص 10.(2/345)
فَصْلٌ فِي الْبَقَرِ
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مُعَاذًا رضي الله عنه أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا، أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ، لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ، أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمًا دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمُعَافِرِ، ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ، انْتَهَى. قَالَ الترمذي: حديث حسن، وقد رواه بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مُعَاذًا، وَهَذَا أَصَحُّ، انْتَهَى. وَلَيْسَ عِنْدَ ابْنِ ماجه ذكر الحاكم، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي "بَابِ الْجِزْيَةِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مُسْنَدًا فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَالْمُرْسَلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ3 عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ4، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، فَقَالَ: مَسْرُوقٌ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَخَافُ أَنْ يَكُونَ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَبِي عُمَرَ، إذْ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي عُمَرَ إلَّا خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فَإِنَّهُ رَمَاهُ بِالِانْقِطَاعِ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ. وَهَذَا نَصُّ كَلَامِهِمَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي "التَّمْهِيدِ فِي بَابِ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ": وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ مُعَاذٍ بِإِسْنَادِ مُتَّصِلٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثَنَا مَعْمَرٌ. وَالثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَهُ النَّبِيُّ عليه السلام إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً، الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِي "الِاسْتِذْكَارِ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ": وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ مَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ هَذَا، وَأَنَّ النِّصَابَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَحَدِيثُ طَاوُسٍ هَذَا عَنْ مُعَاذٍ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَالْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذٍ ثَابِتٌ مُتَّصِلٌ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ، فَهَذَا نَصٌّ آخَرُ. وَأَمَّا ابْنُ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ5 أَوَّلَ كَلَامِهِ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَإِنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ6 فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: وَجَدْنَا حَدِيثَ مَسْرُوقٍ إنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ فِعْلَ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، وَمَسْرُوقٌ بِلَا شَكٍّ
__________
1 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 229، والترمذي في "باب زكاة البقر" ص 80 ج 1، والنسائي: ص 339، وكذا ابن ماجه: ص 130، وابن جارود: ص 178.
2 ص 398 ج 1.
3 ص 12 ج 2.
4 أحمد في "مسنده" ص 230 ج 5.
5 "المحلى" ص 11 ج 6.
6 قوله: ثم استدركه في آخر المسألة، أي في "المحلى" ص 16 ج 6، قال علي: ثم استدركنا، فوجدنا حديث مسروق، الخ، بمعنى ما قال الزيلعي.(2/346)
عِنْدَنَا أَدْرَكَ مُعَاذًا بِسِنِّهِ وَعَقْلِهِ، وَشَاهَدَ أَحْكَامَهُ يَقِينًا، وَأَفْتَى فِي أَيَّامِ عُمَرَ، وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ رَجُلٌ كَانَ بِالْيَمَنِ أَيَّامَ مُعَاذٍ، بِنَقْلِ الْكَافَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، كَذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ فِي أَخْذِهِ لِذَلِكَ عَنْ عَهْدِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ الْكَافَّةِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَا أَقُولُ: إنَّ مَسْرُوقًا سَمِعَ مِنْ مُعَاذٍ، إنَّمَا أَقُولُ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يُحْكَمَ بِحَدِيثِهِ عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه بِحُكْمِ حَدِيثِ الْمُتَعَاصِرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُعْلَمْ انْتِفَاءُ اللِّقَاءِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالِاتِّصَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَشَرْطُ الْبُخَارِيِّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنْ يُعْلَمَ اجْتِمَاعُهُمَا، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَهُمَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا لِقَاءَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، لَا يَقُولَانِ فِي حَدِيثِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ مُنْقَطِعٌ، إنَّمَا يَقُولَانِ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُ فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ، فَإِذَنْ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْمُتَعَاصِرَيْنِ إلَّا رَأْيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يُقَالَ: لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَالٌ مَا بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَلَا، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ. وَالْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ أُخْرَى: فَمِنْهَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَهِيَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ وَمِنْهَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ مُعَاذٍ، وَهِيَ عِنْدَ النَّسَائِيّ2، وَمِنْهَا عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَهِيَ فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ"3"، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَرِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعَةٌ، بِلَا شَكٍّ، وَرِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ كَذَلِكَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَطَاوُسٌ عَالِمٌ بِأَمْرِ مُعَاذٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَلْقَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَطَاوُسٌ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ4: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ5، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ، أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ من أبيه، ثم أسنده عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ، هَلْ يَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": لَيْسَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ مُخَالِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"6 عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَعْطَانِي
__________
1 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 228، والنسائي في "باب زكاة البقر" ص 339، وأحمد في "مسنده" ص 247 ج 5، في كلها: عن أبي وائل عن معاذ، وعنه عن مسروق عن معاذ.
2 النسائي ص 339، مقروناً، مع مسروق في رواية، وعن إبراهيم عن مسروق في روايته.
3 "موطأ" ص 110 وعند ابن حزم في "المحلى" ص 6 ج 6 عنه عن ابن عباس، وكذا عند الدارقطني: ص 304، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 75 ج 3 لحديث ابن عباس: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه: ليث بن أبي سليم، وهو ثقة مدلس، اهـ.
4 من أحاديث الباب حديث أنس عند البيهقي: ص 99 ج 4.
5 الترمذي: ص 79، وابن ماجه: ص 130.
6 مراسيل أبي داود: ص 15.(2/347)
سِمَاكُ بْنُ الْفَضْلِ كِتَابًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُقَوْقِسِ، فَإِذَا فِيهِ: وَفِي الْبَقَرِ مِثْلُ مَا فِي الْإِبِلِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ1، قَالَ: فِي خَمْسِ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةٌ، إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ عليه السلام: فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٍ بَقَرَةٌ، أَنَّهُ كَانَ تَخْفِيفًا لِأَهْلِ الْيَمَنِ، ثُمَّ كَانَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ2، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "الْمُصَنَّفِ"3 عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: اُسْتُعْمِلْتُ عَلَى صَدَقَاتِ عَكَّ، فَلَقِيَتْ أَشْيَاخًا مِمَّنْ صَدَقَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اجْعَلْهَا مِثْلَ صَدَقَةِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي ثَلَاثِينَ، تَبِيعٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ، مُسِنَّةٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهَا الشَّيْخُ4 فِي "الْإِمَامِ" بِغَيْرِ إرْسَالٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام لِمُعَاذٍ رضي الله عنه: "لَا تَأْخُذْ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا"، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفَسَّرُوهُ يَعْنِي الْوَقْصَ بِمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ.
قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، قَالُوا: فَالْأَوْقَاصُ؟ قَالَ: مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَسَأَسْأَلُهُ إذَا قَدِمْت عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ، فَقَالَ: "لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ"، قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ، وَالْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا بَقِيَّةَ6 عَنْ المسعودي، وقد رواه الحافظ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا، وَلَمْ يُتَابِعْ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَلَى هَذَا أَحَدٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ
__________
1 قد ذكرت فيما قبل أن نسخة المراسيل المطبوعة، فيها مراسيل ذكرت بلا إسناد، وفيها هذا الحديث في: ص 15 عن جابر بن عبد الله، وليس معه إسناد، وهو موقوف، رواه البيهقي: ص 95 ج 4 عن معمر عن الزهري عن جابر، وقال: موقوف، ومنقطع، وروى ابن حزم في "المحلى" ص 2 ج 6: عن معمر عن الزهري، وقتادة عن جابر من قوله: وكما ذكر المخرج هو المناسب بالمراسيل، إلا أن يراد به الأعم منه، ومن المنقطع، والله أعلم.
2 كذا في "المراسيل" والبيهقي في "السنن" ص 99 ج 3، وفي "المحلى" لابن حزم: ص 3 ج 6 هكذا، ثم كان هذا بعد ذلك لا يروى، اهـ.
3 ابن أبي شيبة: ص 12 ج 3، ومن طريق ابن حزم في "المحلى" ص 3 ج 6.
4 قال الحافظ في "الدراية": إسناده حسن، لأن الجهالة بالصحابة لا تضر، اهـ.
5 الدارقطني: ص 202، والبيهقي: ص 99 ج 4، وابن حزم في "المحلى" ص 6 ج 6.
6 قال الحافظ في "التلخيص" ص 147: لكن المسعودي اختلط، وتفرد بوصله عنه بقية بن الوليد.(2/348)
أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَهَذَا السَّنَدُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يزيد بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ مُعَاذًا، قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ البقرمن كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنْ الثَّمَانِينَ مُسِنَّتَيْنِ، وَمِنْ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتْبِعَةٍ، وَمِنْ الْمِائَةِ مُسِنَّةً وَتَبِيعَيْنِ، وَمِنْ الْعَشَرَةِ وَمِائَةٍ مُسِنَّتَيْنِ وَتَبِيعًا، وَمِنْ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ، أَوْ أَرْبَعَةَ أَتْبِعَةٍ، قَالَ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا، إلَّا أَنْ تَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا، وَزَعَمَ أَنَّ الْأَوْقَاصَ لَا فَرِيضَةَ فِيهَا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ فِي التَّحْقِيقِ": هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ إرْسَالٌ، وَسَلَمَةُ بْنُ أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ غَيْرُ مَشْهُورَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِهِ"، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَعَنَى حَدِيثَ بَقِيَّةَ. وَحَدِيثَ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ بِأَنَّ مُعَاذًا لَمْ يَلْقَ النَّبِيَّ عليه السلام بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْيَمَنِ، بَلْ تُوُفِّيَ عليه السلام قَبْلَ قُدُومِ مُعَاذٍ مِنْ الْيَمَنِ، قَالُوا: وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا، وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً، وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، حَتَّى أَلْقَاهُ، وَأَسْأَلَهُ، فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ عليه السلام قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ، انْتَهَى. وَأُعِلَّ هَذَا بِالِانْقِطَاعِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": طَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ2 فِي "سننه" بسنده وَمَتْنُهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أُتِيَ بِوَقْصِ الْبَقَرِ، فَقَالَ: لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ عليه السلام فِيهِ بِشَيْءٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَهُوَ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ، انْتَهَى. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ3 فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه شَابًّا جَمِيلًا
__________
1 أحمد في "مسنده" ص 240 ج 5.
2 كتاب "الأم" ص 7 ج 2، وأحمد: ص 231 ج 5، وص 230، وعن أبي كامل عن حماد بن زيد عن عمرو به، وفي: ص 231 ج 5 عن عبد الرزاق عن ابن جريج به.
3 هذا السياق الذي ذكره الحافظ المخرج لم أجده في "المستدرك" في مظانه، فكأنه ملفق من حديثي كعب ابن مالك في: ص 273، أوله منه، وآخره من حديث ابن مسعود في: ص 272 ج 3، مع شيء يسير زاده فيه من حديث جابر بن عبد الله: ص 274 ج 3، كلها في فضل معاذ، وراجع "الطبقات" لابن سعد: ص 163 ج 3 القسم الثاني.(2/349)
حَلِيمًا سَمْحًا مِنْ أَفْضَلِ شَبَابِ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُمْسِكُ شَيْئًا: وَلَمْ يَزَلْ يَدَّانُ حَتَّى أَغْرَقَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي الدَّيْنِ، فَلَزِمَهُ غُرَمَاؤُهُ حَتَّى تَغَيَّبَ عَنْهُمْ أَيَّامًا فِي بَيْتِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ، فَجَاءَ وَمَعَهُ غُرَمَاؤُهُ، فَطَلَبُوا حَقَّهُمْ، فَكَلَّمَهُمْ النَّبِيُّ عليه السلام فِيهِ، فَلَوْ تُرِكَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ، لَتُرِكَ مُعَاذٌ مِنْ أَجْلِ النَّبِيِّ عليه السلام، فَخَلَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِهِ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِمْ، فَأَصَابَهُمْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ حُقُوقِهِمْ، وَقَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَانْصَرَفَ إلَى بَنِي سَلِمَةَ، فَمَكَثَ فِيهِمْ أَيَّامًا، ثُمَّ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ: لَعَلَّ اللَّهَ يَجْبُرُك، وَيُؤَدِّي عَنْك دَيْنَك، قَالَ: فَخَرَجَ مُعَاذٌ إلَى الْيَمَنِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ، فَوَافَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِمَكَّةَ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ، اسْتَعْمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، الْتَقَيَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى، فَاعْتَنَقَا، وَعَزَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ. فَرَأَى عُمَرُ مَعَ مُعَاذٍ رَقِيقًا، فَقَالَ لَهُ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أُهْدُوا إلَيَّ، وَهَؤُلَاءِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنِّي أَرَى أَنْ تَأْتِيَ بِكُلِّهِمْ إلَى أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: نَعَمْ، فَلَقِيَهُ مُعَاذٌ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، لَقَدْ رَأَيْتَنِي الْبَارِحَةَ، وَأَنَا أَنْزَوِ إلَى النَّارِ، وَأَنْتَ آخِذٌ بِحُجْزَتِي، وَمَا أَرَانِي إلَّا مُطِيعَك، قَالَ: فَأَتَى بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أُهْدُوا إلَيَّ، وَهَؤُلَاءِ لَك، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّا قَدْ سَلَّمْنَا لَك هَدِيَّتَك، فَخَرَجَ مُعَاذٌ إلَى الصَّلَاةِ، فَإِذَا هُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذٌ: لِمَنْ تُصَلُّونَ؟ قَالُوا: لِلَّهِ، قَالَ: فَأَنْتُمْ لِلَّهِ، فَأَعْتَقَهُمْ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ مُعَاذٍ" عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ عليه السلام مُعَاذًا عَلَى الْيَمَنِ، فَتُوُفِّيَ، وَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ. وَمُعَاذٌ بَاقٍ عَلَى الْيَمَنِ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ3 ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا نَهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيُّ
عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: "يَا مُعَاذُ: مَا هَذَا؟! قَالَ: إنِّي لَمَّا قَدِمْت الْيَمَنَ وَجَدْت الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَسْجُدُونَ لِعُظَمَائِهِمْ، وَقَالُوا: هَذِهِ تَحِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ عليه السلام: كَذَبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ
__________
1 ابن سعد في "الطبقات" ص 122 ج 3 القسم الثاني.
2 وذكره الهيثمي في "الزوائد" ص 310 ج 4، وقال: رواه البزار. والطبراني، وفيه: النهاس بن قهم، وهو ضعيف، اه، قلت: فيه شيء آخر، وهو أن في رواية البزار. والطبراني في "الزوائد": الشام، بدل: اليمن، وهو خلاف المقصود.
3 النرسي منسوب إلى نرس، وهو بالكوفة، عليه عدة قرى.(2/350)
اللَّهِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"، انْتَهَى. فَهَذَا فِيهِ أَنَّ مُعَاذًا رضي الله عنه رَجَعَ مِنْ الْيَمَنِ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ شَيْءٌ"، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ شَيْءٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ "الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ" أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَذِّنُ فِيمَا أجازلنا حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى أَنْبَأَ شُعَيْبٌ ثَنَا سَيْفٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ لَوْذَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُمَّالِهِ عَلَى الْيَمَنِ فِي الْبَقَرِ: "فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ، تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ، مُسِنَّةٌ، وَلَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ شَيْءٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ السِّنَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ "الْأَمْوَالِ"2 حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنْ الثَّمَانِينَ مُسَنَّتَيْنِ، وَمِنْ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتْبِعَةٍ، وَمِنْ الْمِائَةِ مُسِنَّةً وَتَبِيعَيْنِ، وَمِنْ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ، أَوْ أَرْبَعَ أَتَابِيعَ، قَالَ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا آخُذَ مِمَّا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا، وَقَالَ: "إنَّ الْأَوْقَاصَ لَا فَرِيضَةَ فِيهَا"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ بِهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ مُعَاذًا، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ، تَبِيعًا، قَالَ: وَالتَّبِيعُ جَذَعٌ، أَوْ جَذَعَةٌ4، قَالَ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ كَلَامِهِ عليه السلام.
قَوْلُهُ: وَفَسَّرُوهُ "يَعْنِي الْوَقْصَ" بِمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ، قُلْنَا: قَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الصِّغَارُ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 ابن أبي شيبة: ص 13 ج 3.
2 "كتاب الأموال" ص 383.
3 أبو أحمد بن زنجويه هو حميد بن زنجويه، كذا في "التذكرة" ص 118 ج 2، وهكذا سيأتي بعده في عدة مواضع.
4 قلت: هذه الزيادة، عند أبي عبيد في حديث أبي الأسود أيضاً.(2/351)
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ هَلْ تَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَالرَّاوِي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ هُوَ خَصِيفٌ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ حَافِظٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ شَرِيكٌ وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَوَصَلَهُ2، انْتَهَى. قَالَ "فِي الْإِمَامِ": هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي "الْمُنْتَقَى".
حَدِيثٌ آخَرُ: فِي "عِلَلِ الدَّارَقُطْنِيِّ" سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَنَسٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ مُسِنَّةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ"، فَقَالَ: هَذَا يَرْوِيهِ دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَرَفَعَهُ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وهذا مرسل، رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ3 عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ سَوَّارٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ، وَلَكِنْ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ، تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي الْعَوَامِلِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ5 عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ سَلَامَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَعَا بِصَحِيفَةٍ زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِهَا إلَى مُعَاذٍ رضي الله عنه، قَالَ نُعَيْمٌ: فَقُرِئَتْ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَإِذَا فِيهَا مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعُ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"6 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى يَتِمَّ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَتْ
__________
1 الترمذي في "باب زكاة البقر" ص 79، وابن ماجه في "باب صدقة البقر" ص 13، والبيهقي: ص 99 ج 4، وابن أبي شيبة: ص 12 ج 3.
2 أي بوصل أمه.
3 ابن أبي شيبة: ص 13 ج 3.
4 الدارقطني: ص 204.
5 ابن ابي شيبة: ص 13 ج 3.
6 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 227، والبيهقي ص 99 ج 4.(2/352)
مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ، فَلَيْسَ عَلَيْك فِيهَا شَيْءٌ، وَسَاقَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ، وَفِي الْإِبِلِ، فَذَكَرَ صَدَقَتَهَا، كَمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنْ الْغَنَمِ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ إلَى سِتِّينَ، ثُمَّ سَاقَ مِثْلَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ يَعْنِي وَاحِدَةً وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ، إلَّا إنْ شَاءَ الْمُصَدِّقُ. وَفِي النَّبَاتِ: مَا سَقَتْهُ الْأَنْهَارُ أَوْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثِ: الصَّدَقَةُ فِي كُلِّ عَامٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ: مَرَّةً، وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلَا ابْنُ لَبُونٍ، فَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ شَاتَانِ، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 مَجْزُومًا بِهِ، لَيْسَ فِيهِ قَالَ زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ رحمه الله فِي "كِتَابِهِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْنِي رِوَايَةَ الْحَارِثِ، وَإِنَّمَا أَعْنِي رِوَايَةَ عَاصِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَفِيهِ مِنْ الْغَرِيبِ قَوْلُهُ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنْ الْغَنَمِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلَا ابْنُ لَبُونٍ، فَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ شَاتَانِ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ جَاءَ فِي: خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنْ الْغَنَمِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال في صَدَقَةُ الْإِبِلِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٍ شَاةٌ، إلَى
أَنْ قَالَ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، الْحَدِيثَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ.
__________
1 لم أجد حديث زهير هذا بهذا السياق الطويل في الدارقطني في مظانه، إلا مافي: ص 204، فإنه هناك مجزوم به، ولكن متنه مختصر جداً.
2 والدارقطني أيضاً: ص 204، لكنه موصول مختصر "ليس في البقر العوامل صدقة"، وكذا في ابن أبي شيبة: ص 14 ج 3.
3 الدارقطني: ص 208.(2/353)
فَصْل فِي الْغَنَمِ
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ بَيَانِ زَكَاةِ الْغَنَمِ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَنَسٍ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
قَوْلُهُ: وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فِيهِ سَوَاءٌ، لِأَنَّ لَفْظَةَ الْغَنَمِ شَامِلَةٌ لِلْكُلِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ، قُلْت: الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْغَنَمِ، مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ أَنَسٍ، قَالَ: وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعَةُ، وَالثَّنِيُّ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الضَّحَايَا"2 عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ: مُجَاشِعٌ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَعَزَّتْ الْغَنَمُ، فَأَمَرْنَا مُنَادِيًا فَنَادَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مَا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةُ. أَوْ جُهَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْأَضْحَى بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، أَعْطَوْا جَذَعَيْنِ، وَأَخَذُوا ثَنِيًّا، فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ الْجَذَعَةَ تُجْزِئُ مِمَّا تُجْزِئُ مِنْهُ الثَّنِيَّةُ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الضَّحَايَا"، وَصَحَّحَهُ، وَعَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ رضي الله عنه: لَا بَأْسَ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ شُعْبَةَ5 عَنْ سِعْرٍ، قَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ، مُرْتَدِفَانِ، فَقَالَا: إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا إلَيْك لِتُؤْتِيَنَا صَدَقَةَ غَنَمِك، قُلْت:
وَمَا هِيَ؟ قَالَا: شَاةٌ، قَالَ: فَعَمِدْتُ إلَى شَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ مَخَاضًا وَشَحْمًا، فَقَالَا: هَذِهِ شَافِعٌ، وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا، وَالشَّافِعُ: الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا، قُلْت: فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ؟ قَالَا: عَنَاقًا، جَذَعَةً، أَوْ ثَنِيَّةً، فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِمَا عَنَاقًا، فَتَنَاوَلَاهَا، انْتَهَى.
__________
1 البخاري: ص 196.
2 أبو داود في "باب ما يجوز من الضحايا في السن" ص 31 ج 2، وابن ماجه في "باب كم يجزئ من الغنم عن البدنة" ص 234.
3 أحمد في "مسنده" ص 368، والحاكم في "المستدرك" ص 226 ج 4 من طريق أحمد. وغيره.
4 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 229، والنسائي في "باب إعطاء السيد المال بغير اختيار المصدق" ص 341، وأحمد في "مسنده" ص 414 ج 3، و"كتاب الأموال" ص 403.
5 عند النسائي. وأحمد: مسلم بن ثفنة، وكذا في أبي داود رواية.(2/354)
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"1 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ السَّخْلَ، فَقَالُوا: أَتَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ، وَلَا تَأْخُذُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، نَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي، وَلَا نَأْخُذُهَا، وَلَا نَأْخُذُ الْأَكُولَةَ، وَلَا الرُّبَّى، وَلَا الْمَاخِضَ، وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: سَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ "الْأَمْوَالِ"2 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عباس عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ: خُذْ الْجَذَعَ. وَالثَّنِيَّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيَّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بعث مصدِّفاً، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَذَعَةَ. وَالثَّنِيَّةَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْغِذَاءُ: "بِغَيْنٍ مَكْسُورَةٍ3 وَذَالٍ معجمة ممدودة"، وهو الردئ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ، فَصَاعِدًا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ "غَرِيبُ الْحَدِيثِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا إلَّا الثَّنِيُّ، فَصَاعِدًا، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "بَابِ: ثَنَا" مِنْ كِتَابِهِ.
قَوْلُهُ: وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ عُرِفَ نَصًّا "يَعْنِي التَّضْحِيَةَ بِالْجَذَعِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ"، انْتَهَى. وَفِيهِ أَحَادِيثُ سَتَأْتِي فِي "الْأُضْحِيَّةَ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ"، قُلْت: تَقَدَّمَ5 فِي كِتَابِ عَمْرٍو: فِي الشَّاةِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً شَاةٌ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هِنْدٍ الصِّدِّيقِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"7 مِنْ حَدِيثِ سَلَّامٍ
__________
1 مالك في "الموطأ في باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة" ص 113، وعند البيهقي: ص 100 ج 4، والربى: هي الشاة تربى في البيت، لأجل اللبن، وقيل: هي الشاة القريبة العهد بالولادة، والغذاء: جمع غذى، السخلة، والأكولة: هي التي تعزل للأكل.
2 "كتاب الأموال" ص 390.
3 وفي "الموطأ" بغين معجمة، وكذا في "الصراح".
4 مسلم في "باب سن الأضحية" ص 155 ج 2.
5 تقدم كتاب عمرو في "باب صدقة السوائم" ص 383، فليراجع، وفي "الدراية" هو في كتاب عمرو بن حزم، اهـ.
6 ابن ماجه في "باب صدقة الغنم" ص 131، وأبو هند هذا مجهول.
7 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 73 ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" عن محمد بن إسماعيل بن عبد الله عن أبيه، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات، اهـ.(2/355)
أَبِي الْمُنْذِرِ ثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ فِي سُنَّةِ الصَّدَقَاتِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد1 مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ. وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ"، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، إلَى أَنْ قَالَ: "وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ"، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْزُومًا، لَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَقَرِ بِتَمَامِهِ.
__________
1 تقدم حديث أبي داود في الفصل السابق.(2/356)
فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. بِأَلْفَاظِهِمْ السِّتَّةِ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، إذْ لَوْ مَلَكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ، إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ: لَا صَدَقَةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي فَرَسِهِ وَلَا فِي عَبْدِهِ، إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَلِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَوَائِدُ سَتَأْتِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ"، انْتَهَى. قال أبو داود: وروى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ4 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَوَى عَنْهُمَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ الْبَصْرِيِّ ثَنَا الصَّقْرُ
__________
2 البخاري في "باب ليس على المسلم في فرسه صدقة" ص 197، ومسلم في "باب ما فيه الزكاة" ص 316، وأبو داود في "باب صدقة الرقيق" ص 232، والنسائي في "باب زكاة الخيل" ص 342، وابن ماجه في "باب صدقة الخيل والرقيق" ص 131، والترمذي في "باب ليس في
الرقيق والخيل صدقة" ص 80، والدارقطني: ص 214.
3 أبو داود في "زكاة السائمة" بطوله ص 228 ج 1، والترمذي في "باب زكاة الذهب والورق" ص 79 ج 1، وابن ماجه في "باب صدقة الخيل والرقيق" ص 131.
4 حديث الأعمش أخرجه الطحاوي: ص 311، عن أبي إسحاق عن عاصم، وروى الطحاوي عن سفيان بن عيينة، وشريك، وإبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله تعإلى عنه.
5 ص 200.(2/356)
بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي الْجَبْهَةِ صَدَقَةٌ، قَالَ الصَّقْرُ: الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْعَبِيدُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، انْتَهَى. وَالصَّقْرُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": لَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٌ، فَقَلَبَهُ الصَّقْرُ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ، وَهُوَ يَأْتِي بِالْمَقْلُوبَاتِ، انْتَهَى. وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ الرَّاوِي عَنْ الصَّقْرِ هُوَ الْغَسَّانِيُّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ، وَلَا فِي فَرَسِهِ شَيْءٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ بَقِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاذٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ، وَالْكُسْعَةِ، وَالنُّخْعَةِ،" قَالَ بَقِيَّةُ: الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، وَالْكُسْعَةُ: الْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، وَالنُّخْعَةُ: الْمُرَبَّيَاتُ فِي الْبُيُوتِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَبُو مُعَاذٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَقِيلَ: عَنْهُ هَكَذَا، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةُ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بِهِ، وَرَوَاهُ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو سَهْلٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ.
قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُهُ2: فَرَسُ الْغَازِي، هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي كِتَابِ "الْأَسْرَارِ"، فَقَالَ: إنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَدَقَ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَرَادَ فَرَسَ الْغَازِي، قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي كِتَابِ "الْأَمْوَالِ"3 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ
طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْخَيْلِ أَفِيهَا صَدَقَةٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى فَرَسِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ اللَّيْثِ بْنِ حَمَّادٍ الْإِصْطَخْرِي حَدَّثَنَا
__________
1 ص 118 ج 4.
2 قال الجصاص في "أحكام القرآن" ص 189 ج 3: هذا عند أبي حنيفة على خيل الركوب، ألا ترى أنه لم ينف صدقتها إذا كانت للتجارة بهذا الخبر؟! اهـ.
3 قال الحافظ في "الدراية" ص 158: إسناده صحيح.
4 الدارقطني: ص 214، والبيهقي: ص 119 ج 4، قال الهيثمي في "الزوائد" ص 69 ج 3: فيه ليث بن حماد. وعراك، وكلاهما ضعيف.(2/357)
أَبُو يُوسُفَ عن غورك1 بن الحضرمي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ غَوْرَكٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَمَنْ دُونَهُ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يُخَالِفْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَأَبُو يُوسُفَ هَذَا هُوَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ الْقَاضِي2، وَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ، انْتَهَى. وَفِيهِ شَيْءٌ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُ. وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْخَيْلَ، فَقَالَ: "وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا، وَلَا فِي ظُهُورِهَا، فَهِيَ لِذَلِكَ سَتْرٌ"، وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَقَّهَا إعَادَتُهَا وَحَمْلُ الْمُنْقَطِعِينَ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، ثُمَّ نُسِخَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: قَدْ عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ، إذْ الْعَفْوُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَيْءٍ لَازِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ"، وَالْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَبِي صَالِحٍ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ مَانِعِ الزَّكَاةِ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ. وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَلِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُلُ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا، وَلَا فِي رِقَابِهَا. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فِي ظُهُورِهَا وَلَا بُطُونِهَا، الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى عُمَرَ، فَقَالُوا: إنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا خَيْلًا وَرَقِيقًا، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تُزَكِّيَهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُ أَنَا، ثُمَّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَحْسَنَ، وَسَكَتَ عَلِيٌّ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ جِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا بَعْدَك، فَأَخَذَ مِنْ الْفَرَسِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَعَادَهُ قَرِيبًا مِنْهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَالْقِصَّةِ، وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
__________
1 غورك "بالغين المعجمة" كذا في الدارقطني. والميزان، وفي الدارقطني الخضرم، وفي البيهقي الحصرم "بمهملتين" والله أعلم، وفي "الميزان" غورك بن الحضرمي، وفي "الدراية" عورك "بالعين المهملة".
2 أي ليس هو بصاحب لأبي حنيفة.
3البخاري في "المساقاة في باب شرب الناس والدواب من الأنهار" ص 319، ومسلم في "باب إثم مانع الزكاة" ص 319.
4 قلت: حديث أبي صالح عن أبي هريرة هذا هو الذي تقدم فيما استدل به ابن الجوزي آنفاً، فما وجه الإعادة؟.
5 الدارقطني: ص 214، وأعاده في: ص 219، وأخرجه الطحاوي: ص 310، وأحمد في "مسنده: ص 14، إلى قوله: يؤخذون بها بعدك، وكذا الحاكم في "المستدرك" ص 400، وصححه، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 69 ج 3: رواه أحمد. والطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات، اهـ.(2/358)
الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"1 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ الَّتِي يُطْلَبُ نَسْلُهَا: إنْ شِئْت فِي كُلِّ فرس ديناراً وعشرة دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْت فَالْقِيمَةُ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ مِائَتَيْ درهم خمسة دراهم، في كل فرس ذكر أَوْ أُنْثَى، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ يَقُولُ: ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ فَلوص، فَنَدِمَ الْبَائِعُ، فَلَحِقَ بِعُمَرَ، فَقَالَ: غَصَبَنِي يَعْلَى، وَأَخُوهُ فَرَسًا لِي. فَكَتَبَ إلَى يَعْلَى أَنْ الْحَقْ بِي، فَأَتَاهُ، وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: إنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟ مَا عَلِمْت أَنَّ فَرَسًا يَبْلُغُ هَذَا، فَنَأْخُذُ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، وَلَا نَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا، خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، فَقَدَّرَ عَلَى الْخَيْلِ دِينَارًا، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُصَدِّقُ الْخَيْلَ، وَأَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِصَدَقَةِ الْخَيْلِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رَوَى فِيهِ جَوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ حَدِيثًا صَحِيحًا، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ، قَالَ: رَأَيْت أَبِي يُقَيِّمُ3 الْخَيْلَ، ثُمَّ يَرْفَعُ صَدَقَتَهَا إلَى عُمَرَ رضي الله عنه، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ" "يَعْنِي فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ"، قُلْت: الْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ". وَلَيْسَ فِيهِ: الْبِغَالُ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسُئِلَ النَّبِيُّ عليه السلام عَنْ الْحُمُرِ، فَقَالَ: "مَا نَزَلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ"، إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 فِي "بَدْءِ الْخَلْقِ قَبْلَ بَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم"، وَأَعَادَهُ فِي تَفْسِيرِ {إذَا زُلْزِلَتْ} وَأَوَّلُهُ: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ. وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا فِي "الزَّكَاةِ"، وَهُوَ حَدِيثُ مَانِعِ الزَّكَاةِ، وَأَوَّلُهُ: مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي
__________
1 "كتاب الآثار في باب زكاة الدواب والعوامل" ص 47.
2 هو في "الطحاوي" ص 310 ج 1، وروى الشافعي في كتاب "الأم" ص 220 ج 7 أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر أمر أن يؤخذ في الفرس شاتان، أو عشرة، أو عشرون درهما، اهـ. وقال الحافظ في "الدراية": روى الدارقطني في "غرائب مالك" بإسناد صحيح عنه عن الزهري، أن السائب بن يزيد أخبره، قال: رأيت أبي يقيم الخيل" ثم يدفع صدقتها إلى عمر.
3 في "الجوهر" يقوم، وفي "الطحاوي" يقيم.
4 أخرجه البخاري في"المساقاة في باب شرب الناس والدواب من الأنهار" ص 319، وفي "الجهاد" ص 400، وفي "المناقب" ص 514، وفي "التفسير" ص 741 ج 2، وفي "الاعتصام" ص 1093، وأخرجه مسلم في "باب إثم مانع الزكاة" ص 319 ج 1.(2/359)
حَقَّهَا، الْحَدِيثَ، فَعَزَاهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ لِمُسْلِمٍ فَقَطْ، وَكَأَنَّهُمَا اعْتَمَدَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الزَّكَاةِ" فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ هُنَاكَ، وَاخْتَصَرَ مِنْهُ ذِكْرَ الْحُمُرِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ.
فَصْلٌ
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ، وَلَا فِي الْبَقَرَةِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ"،قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَفِي الْعَوَامِلِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ"، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْزُومًا، ليس فيه: قال زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَكُلُّ مَنْ فِيهِ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ، وَلَا أَعْنِي رِوَايَةَ الْحَارِثِ، وَإِنَّمَا أَعْنِي رِوَايَةَ عَاصِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا مِنْهُ تَوْثِيقٌ لِعَاصِمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِسَوَّارٍ، وَنَقَلَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ. وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَغَالِبٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ الرَّازِيُّ: مَتْرُوكٌ.
حَدِيثٌ فِي الْمُثِيرَةِ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سعد
__________
1 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 237، والدارقطني: ص 204، مجزوماً فيها، والبيهقي: ص 116 ج 4.
2 وابن أبي شيبة: ص 14 ج 3، والدارقطني: ص 204، كلاهما عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق به، وكذا في البيهقي: ص 116 ج 4.
3 الدارقطني: ص 204، وقال الحافظ في "الدراية": إسناده حسن، وقال: أخرجه عبد الرزاق موقوفاً، وهو أصح(2/360)
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله: فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا.
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَخُذُوا مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ".قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ1 بَعْضَهُ مُرْسَلًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لِمُصَدَّقِهِ "لا تأخذ من حرزات أَنْفُسِ النَّاسِ شَيْئًا، خُذْ الشَّارِفَ، وَالْبِكْرَ، وَذَوَاتِ الْعَيْبِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادُ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَالشَّارِفُ: الْهَرِمَةُ، وَالْبِكْرُ: الصَّغِيرُ مِنْ الْإِبِلِ، يُؤَدِّي. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"2 أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مُرَّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِغَنَمٍ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَرَأَى مِنْهَا شَاةً حَامِلًا، ذَاتَ ضَرْعٍ عَظِيمٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ؟ فَقَالُوا: شَاةٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا، وَهُمْ طَائِعُونَ، لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ! لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ3 الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"، وَقَالَ: الْحَزَرَاتُ: هِيَ خِيَارُ الْمَالِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ الصُّنَابِحِ الأخمسي، قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ عليه السلام نَاقَةً حَسَنَةً فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ: إنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ، قَالَ: نَعَمْ إذًا، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ مُعَاذٍ رضي الله عنه4 حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ عليه السلام، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فإِن هم أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وكرائم أموالهم، الحديث.
وحديث آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"5: قَرَأْت فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ بِحِمْصَ، عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْحِمْصِيِّ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الغامزي مِنْ غَامِزَةِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ
__________
1 البيهقي: ص 102 ج 4، وابن أبي شيبة: ص 12 ج 3، وروى الطحاوي: ص 314 ج 1 مرسلاً، وعن عروة عن عائشة مسنداً أيضاً بإسناد رجاله ثقات.
2 "الموطأ" ص 115، ومن طريقه أبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 403، ورواه أبو عبيد عن هشيم عن الأنصاري، وابن أبي شيبة عن الأحمر عنه ص 12 ج 3، ولم يذكرا عائشة، والله أعلم.
3 حزرات: جمع حزرة "بالحاء المهملة" وتقديم المنقوطة على الراء، كذا قال ابن الهمام في "الفتح" والحافظ في "الدراية" وهو خيار الأموال.
4تقدم تخريجه في "أوائل الزكاة" أخرجه البخاري في "باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة" ص 196.
5240:2(2/361)
طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ الْهَرِمَةَ، وَلَا الدَّرَنَةَ، وَلَا الْمَرِيضَةَ، وَلَا الشُّرَطَ اللَّئِيمَةَ، وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ، انْتَهَى. وَلَمْ يَصِلْ أَبُو دَاوُد بِهِ سَنَدَهُ، وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَزَّارُ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَحَادِيثِ الْأُصُولِ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "فِي خَمْسٍ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا".قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَأَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا": أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: "فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا"، انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عُمَرَ رضي الله عنه1 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ فِيهِ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَنَسٍ، عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، فِي خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ.
قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا، فَرَوَى مَعْنَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ2 الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكِتَابِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي الصَّدَقَاتِ: أَنَّ الْإِبِلَ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ شَيْءٌ يَعْنِي حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَهَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ، قُلْت: وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِمُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي النِّصَابِ مَعَ الْعَفْوِ، بِظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ أَنَسٍ: مِنْ كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، الْحَدِيثَ. وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، الْحَدِيثَ. وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ غَيْرُ الْوُجُوبِ إلَى النِّصَابِ الْآخَرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ الْأَوَّلَ مُنْسَحِبٌ إلَى الْوُجُوبِ الثَّانِي، وَمَا بَيْنَهُمَا هُوَ الْعَفْوُ.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي مَعَ بَنِي تَغْلِبَ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله عن عبادة بن نعمان التَّغْلِبِيِّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا صَالَحَهُمْ يَعْنِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ، قَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي
__________
1 تقدم كتاب عمر في "فصل في الإِبل" ص 338 من هذا الجزء، وفي ذلك الفصل كتاب أنس أيضاً.
2 أبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 363.(2/362)
الْعَجَمُ، وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا، هَذِهِ فَرْضُ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا: فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَفَعَلَ، فَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ، قَالَ: صَالَحَ عُمَرُ رضي الله عنه بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُضَاعِفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ، وَلَا يَمْنَعُوا فِيهَا أَحَدًا أَنْ يُسْلِمَ، وَلَا أَنْ يَغْمِسُوا أَوْلَادَهُمْ، وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ": حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَذَكَرَهُ. وزاد: أن لَا يُنَصِّرُوا صَغِيرًا، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1 حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هُشَيْمِ ثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَكَلَّمَهُ فِي نَصَارَى بَنِي تغلب، قال: وكان عُمَرُ رضي الله عنه قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، إنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشِي، وَلَهُمْ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ، فَلَا تُعِنْ عَدُوَّك عَلَيْك بِهِمْ، قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ، انْتَهَى. ورواه أبو أحمد بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيّ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ": حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بِهِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْجِزْيَةَ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ2 فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ رضي الله عنه يُحَدِّثُ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، وَكَانَ زِيَادُ يَوْمَئِذٍ حَيًّا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ نِصْفَ الْعُشْرِ، انْتَهَى. وَفِي "الطَّبَقَاتِ" لِابْنِ سَعْدٍ3 زِيَادُ بْنُ حُدَيْرٍ الْأَسَدِيُّ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم، انْتَهَى.
__________
1 "كتاب الأموال" ص 54، وص 28.
2 وأبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 29 عن عبد الرحمن بن المهدي عن شعبة به.
3 ابن سعد: ص 89 ج 6.(2/363)
بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَالْوُقِيَّةُ، أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا".قُلْت: أخرجه الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ4 عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ
__________
4 البخاري في "باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" ص 201، ومسلم في "باب ما فيه الزكاة" ص 315 ج 1.(2/363)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فيما دون خمسة أَوَاقٍ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حَدِيثٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَالْوَقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ فَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوَاقٍ، وَالْأُوقِيَّةُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا"، مُخْتَصَرٌ. وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو فَرْوَةَ الرَّهَاوِيُّ، قَالَ يَحْيَى فِي رِوَايَةِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سُئِلَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْهُ، فَقَالَ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ في "الإِمام": وإن كَانَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"3 عَنْ ابْنِ أَبِي مَسْلَمَةً، قَالَ: سَأَلَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، قُلْت: مَا النَّشُّ؟ قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كتاب إلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنْ خُذْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ نِصْفَ مِثْقَالٍ، قُلْت: وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى أَبِي جَحْشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، وَمِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صدقة، وليس في الخضروات صَدَقَةٌ، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": يُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ وَيَسْرِقُهَا، وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "الْإِمَامِ" مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ وَثَّقَهُمْ5، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ ابْنِ شَبِيبٍ، ولا أعل الحديث به.
__________
1 ص 316.
2 ص 202.
3 مسلم في "النكاح في باب الصداق" ص 458 ج 1.
4 الدارقطني: ص 200.
5 في نسخة "وهو ثقة" وفي نسخة الدار هكذا: من جهة عبد الجبار، إلى آخره، ووثقهم "البجنوري".(2/364)
أَحَادِيثُ الْبَابِ: حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنهما، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: هَاتُوا رُبُعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى يَتِمَّ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، انْتَهَى. ورواه الدارقطني مخروماً، لَيْسَ فِيهِ: أَحْسَبُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "زَكَاةِ الْبَقَرِ"2.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: {إذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا دِرْهَمٍ , وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ , فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ} ، وَقَدْ تَقَدَّمَ3 فِي حَدِيثِ الْحَوْلِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"4 عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ مِنْ الْوَرِقِ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ" انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ"، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي "زَكَاةِ الذَّهَبِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَشِّيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَهُوَ مُسْنَدٌ ضَعِيفٌ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: "وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا
__________
1 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 227.
2 تقدم في "آخر زكاة البقر".
3 تقدم في الحديث الثالث" 328 من هذا الجزء.
4 والحاكم في "المستدرك".
(1) في "باب زكاة السائمة" ص 228.(2/365)
دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ يَعْنِي فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ"، قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ: فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، أَوْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ شُعْبَةُ. وَسُفْيَانُ. وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْحَوْلِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ زُهَيْرٍ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى يَتِمَّ مِائَتَا دِرْهَمٍ. فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، الْحَدِيثَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مَجْزُومًا بِهِ. لَيْسَ فِيهِ: أَحْسَبُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ رحمه الله: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْنِي رِوَايَةَ الْحَارِثِ، وَإِنَّمَا أَعْنِي رِوَايَةَ عَاصِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "زَكَاةِ الْبَقَرِ"1 وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَلَيَّنَ زَيْدَ بْنَ حِبَّانَ، وَقَالَ: لَا أَرَى بِرِوَايَاتِهِ بَأْسًا، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَقَدْ أَسْنَدَ قَوْلَهُ: فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ حِبَّانَ الرَّقِّيِّ، وَأَصْلُهُ كُوفِيٌّ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ عَدِيٍّ فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ جَابِرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ ابْنِ عَدِيٍّ، سَوَاءً قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَأَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِ الْحَدِيثِ، وَأَجْوَدُ مَا رَأَيْت فِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ يُشْبِهُ حَدِيثُهُ حَدِيثَ أَهْلِ الصِّدْقِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه بِنَحْوِهِ وَالْحَجَّاجُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 أَيْضًا، وَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ طُرُقٌ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةٌ دراهم، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شيبة في "مصنفه"5.
__________
1 قد تقدم في "أواخر فصل زكاة البقر".
2 الدارقطني: ص 199.
3 رواه الدارقطني: ص 199.
4 بإسناد صحيح "دراية".
5 وروى ابن أبي شيبة: ص 7 ج 3 عن مجاشع عن ابن عمر، قال: ما زاد على المائتين فبالحساب، وأبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 421: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن ابن سيرين عن خالد عن ابن عمر، قال: في كل مائتين خمسة دراهم، وما زاد فبالحساب، اهـ. وقال في "الدراية": إسناد حديث ابن أبي شيبة صحيح(2/366)
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ1 أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، يَقُولُ فِيهِ بَعْضُهُمْ: إذَا زَادَتْ عَلَى الْمِائَتَيْنِ، فَكَانَتْ زِيَادَتُهَا أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَفِيهَا دِرْهَمٌ، وَيَقُولُ آخَرُونَ: فَمَا زَادَ يَعْنِي إذَا كَانَتْ عَشَرَةً فَفِيهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ2 أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رضي الله عنهم.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: "لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا"، قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا، إذَا كَانَتْ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَخُذْ مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَا تَأْخُذْ مِمَّا زَادَ شَيْئًا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ، فَخُذْ مِنْهَا دِرْهَمًا، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْمِنْهَالُ بْنُ الْجَرَّاحِ هُوَ أَبُو الْعُطُونِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَاسْمُهُ الْجَرَّاحُ بْنُ الْمِنْهَالِ، وَكَانَ ابْنُ إسْحَاقَ يَقْلِبُ اسْمَهُ، إذَا رَوَى عَنْهُ، وَعُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْمِنْهَالُ بْنُ الْجَرَّاحِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَكْذِبُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": كَذَّابٌ، وقال الشيح فِي "الْإِمَامِ": قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَاهِيهِ، لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ جِدًّا.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: "وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ"، قُلْت: فِي "أَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ"، وَرَوَى أَبُو أُوَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ جَدِّهِمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ أَمَّرَهُ عَلَى الْيَمَنِ، وَفِيهِ: الْفِضَّةُ، لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِكِتَابٍ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي "أَحْكَامِهِ"، وَالْمَوْجُودُ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ4 عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمِ، وَغَيْرِهِمْ: وَفِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ
__________
1 وأبو عبيد: ص 420 عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق به، وعن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق به.
2 ابن أبي شيبة: ص 7 ج 3 عن علي، وابن عمر، وإبراهيم، الخ.
3 الدارقطني: ص 200، والبيهقي: ص 135، وقال الحافظ في "الدراية": إسناده ضعيف جداً.
4 تقدم تخريجه في "فصل في الابل في الحديث الرابع" ص 340 من هذا الجزء.(2/367)
دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ شَيْءٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ1 بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنهما: فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"2 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: وَلَّانِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه الصَّدَقَاتِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ عشرين ديناراً نصف دينا، وَمَا زَادَ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَفِيهِ دِرْهَمٌ، وَأَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَبَلَغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَفِيهِ دِرْهَمٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، بِذَلِكَ جَرَى التَّقْدِيرُ فِي دِيوَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطبقات3 في ترجمة بْنِ مَرْوَانَ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ضَرَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ سَنَةَ خمسة وَسَبْعِينَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ضَرْبَهَا، وَنَقَشَ عَلَيْهَا، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ مَثَاقِيلُ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا إلَّا حَبَّةً بِالشَّامِيِّ، وَكَانَتْ الْعَشَرَةُ وَزْنَ سَبْعَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ4 فِي بَابِ الصَّدَقَةِ وَأَحْكَامِهَا": كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كِبَارًا وَصِغَارًا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَأَرَادُوا ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ، وَكَانُوا يُزَكُّونَهَا مِنْ النَّوْعَيْنِ، فَنَظَرُوا إلَى الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ، فَإِذَا هُوَ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ، وَإِلَى الدِّرْهَمِ الصَّغِيرِ، فَإِذَا هُوَ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ, فَوَضَعُوا زِيَادَةَ الْكَبِيرِ عَلَى نُقْصَانِ الصَّغِيرِ , فَجَعَلُوهُمَا دِرْهَمَيْنِ سَوَاءً , كُلُّ وَاحِدٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ , ثُمَّ اعْتَبَرُوهَا بِالْمَثَاقِيلِ , وَلَمْ يَزَلْ الْمِثْقَالُ فِي آبَادِ الدَّهْرِ مَحْدُودًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، فَوَجَدُوا عَشَرَةً مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي وَاحِدُهَا سِتَّةُ دَوَانِيقَ يَكُونُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، سَوَاءً، فَاجْتَمَعْت فِيهِ وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ: إنَّ الْعَشَرَةَ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ. وَأَنَّهُ عَدْلٌ بَيْنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ. وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ،
فَمَضَتْ سُنَّةُ الدَّرَاهِمِ عَلَى هَذَا، وَاجْتَمَعْت عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، فَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ الدِّرْهَمَ التَّامَّ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، فَمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ قِيلَ فِيهِ: زَائِدٌ، أَوْ نَاقِصٌ، وَالنَّاسُ فِي زَكَوَاتِهِمْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ، لَمْ يَزِيغُوا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُبَايَعَاتِ وَالدِّيَاتِ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا.
__________
1 في نسخة الدار "عبد الرحيم" "البجنوري".
2 ص 422.
3 ابن سعد "الطبقات" ص 170 ج 5.
4 "كتاب الأموال" ص 524.(2/368)
فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ
قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ، لِمَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ مُعَاذٍ1 الْمُتَقَدِّمِ فِي زَكَاةِ الْفِضَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ رحمه الله، وَفِيهِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دينار، ومن الأربعين ديناراً دينار، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ مُجَمِّعٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، هَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَنَسَبَهُمَا فِي حَدِيثِهِ، وَابْنُ مُجَمِّعٍ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَا شَيْءَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوَهْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"3 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ النَّخَعِيّ ثَنَا الْعَرْزَمِيُّ4 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ شَيْءٌ، وَفِي الْمِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا نِصْفُ مِثْقَالٍ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ زَكَاةِ الْحُلِيِّ فِيهِ أَحَادِيثُ عَامَّةٌ، وَأَحَادِيثُ خَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: هَاتُوا صَدَقَةَ الرَّقَّةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ5، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الرِّقَةُ: الْفِضَّةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا، نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: وَفِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَدْخُولَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ جَمِيعَهَا. وَأَمَّا الْخَاصَّةُ: فَمِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد6، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ
__________
1 ذكره في الحديث الحادي والعشرين.
2 ابن ماجه في "باب زكاة الورق والذهب" ص 129، ولفظه: من عشرين ديناراً فصاعداً.
3 قال الحافظ في "الدراية": إسناده ضعيف.
4 بفتح المهملة، وسكون راء، فزاي معجمة.
5 أبو داود في "باب زكاة السائمة" ص 228، واللفظ له، إلا أن فيه: الرقة، بدل: الورق، والنسائي في "باب زكاة الورق" ص 343، والترمذي في "باب زكاة الذهب والورق" ص 79، وابن ماجه في "باب زكاة الورق والذهب" ص 129.
6 أبو داود في "باب الكنز ما هو" ص 225، والنسائي في "باب زكاة الحلي" 343، والبيهقي: ص 140 ج 4.(2/369)
عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ عليه السلام، وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسْكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: " أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارًا مِنْ نَارٍ؟! "، قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ1، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": إسْنَادُهُ لَا مَقَالَ فِيهِ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، وَحُمَيْدَ بْنِ مَسْعَدَةَ، وَهُمَا مِنْ الثِّقَاتِ، احْتَجَّ بِهِمَا مُسْلِمٌ، وَخَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ إمَامٌ فَقِيهٌ، احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَكَذَلِكَ حُسَيْنُ بْنُ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمُ احْتَجَّا بِهِ فِي "الصَّحِيحِ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، فَهُوَ مَنْ قَدْ عُلِمَ، وَهَذَا إسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2 أَيْضًا عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَخَالِدٌ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ مُعْتَمِرٍ، وَحَدِيثُ مُعْتَمِرٍ أَوْلَى بالصواب، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَتْ امْرَأَتَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَيْدِيهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُمَا: "أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاةَ هَذَا؟ " قَالَتَا: لَا، فَقَالَ: " أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟! " قَالَتَا: لَا، قَالَ: فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَاهُ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، نَحْوَ هَذَا، وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ قَصَدَ الطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا، وَإِلَّا فَطَرِيقُ أَبِي دَاوُد لَا مَقَالَ فِيهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد: وإنما ضعف الترمذي هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ عِنْدَهُ فِيهِ ضَعِيفَيْنِ: ابْنُ لَهِيعَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَأَلْفَاظُهُمْ: قَالَ لَهُمَا: "فَأَدِّيَا زَكَاةَ هَذَا الَّذِي فِي أَيْدِيكُمَا"، وَهَذَا اللَّفْظُ يَرْفَعُ تَأْوِيلَ مَنْ يَحْمِلْهُ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ شُرِعَتْ لِلزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 قال الحافظ: في "الدراية" ص 161: أبدى له النسائي علة غير قادحة، فإنه أخرجه من رواية معتمر عن حسين عن عمرو، قال: جاءت، فذكره مرسلاً، وقال: خالد أثبت عندنا من معتمر، وحديث معتمر أولى بالصواب، اهـ.
2 النسائي: ص 243، وسقط من النسخة المطبوعة: وحديث معتمر أولى بالصواب.
3 الترمذي في "باب زكاة الحلي" ص 8.(2/370)
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَالْحَجَّاجُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الرَّازِيُّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ فَقُلْت: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَك بِهِنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَفَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ فَقُلْت: لَا، قَالَ: "هُنَّ حَسْبُك مِنْ النَّارِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ بِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ بِهِ، فَنَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ دُونَ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَطَاءٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، لَكِنَّهُ لَمَّا نُسِبَ إلَى جَدِّهِ ظَنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَتَبِعَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي تَجْهِيلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ". وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، فَقَالَ: إنَّهُ لَمَّا نُسِبَ فِي سَنَدِ الدَّارَقُطْنِيِّ إلَى جَدِّهِ خَفِيَ عَلَى الدَّارَقُطْنِيِّ أَمْرُهُ، فَجَعَلَهُ مَجْهُولًا، وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَحَدُ الثِّقَاتِ، وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَبَيَّنَهُ شَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الرَّازِيُّ، وَهُوَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ إمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَرَوَاهُ أَبُو نَشِيطٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَقَالَ فِيهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَطَاءٍ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ، فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ مِنْهُ، أَمْ مِنْ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، وَالْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا3 عَنْ عَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ:
__________
1 أحمد في "مسنده" ص 178 ج 2، وص 204، وص 208، والدارقطني: 206، وابن شيبة: ص 27 ج 3، وفيها: فأديا حق هذا الذي في أيديكما، اهـ.
2 أبو داود في "باب زكاة الحلي" ص 225، والحاكم في "المستدرك" 389 ج 1، والدارقطني: ص 205، والبيهقي: ص 139 ج 4.
3 أبو داود في "باب زكاة الحلي" ص 225، والحاكم في "المستدرك" ص 390، والدارقطني: ص 204، والبيهقي: ص 83 ج 4.(2/371)
"مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فَزَكِّي، فَلَيْسَ بِكَنْزٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ ثَابِتٍ بِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَلَفْظُهُ: إذَا أَدَّيْتِ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1: تَفَرَّدَ بِهِ ثَابِتُ بْنُ عَجْلَانَ، قَالَ فِي "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": وَهَذَا لَا يَضُرُّ، فَإِنَّ ثَابِتَ بْنَ عَجْلَانَ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": رَوَى عَنْ الْقُدَمَاءِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَرَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ النَّسَائِيّ فِيهِ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ فِيهِ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا وَهْمٌ قَبِيحٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُهَاجِرٍ الْكَذَّابَ لَيْسَ هُوَ هَذَا، فَهَذَا الَّذِي يَرْوِي عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ ثِقَةٌ شَامِيٌّ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَدُحَيْمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: كَانَ مُتْقِنًا، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْكَذَّابُ، فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فِي زَمَانِ ابْنِ مَعِينٍ. وَعَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ وَثَّقَهُ ابْنُ معينن وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مُتَابَعَةً، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَقَوْلُ الْعُقَيْلِيِّ فِي ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ تَحَامُلٌ مِنْهُ، إذْ لَا يَمَسُّ بِهَذَا إلَّا مَنْ لَيْسَ مَعْرُوفًا بِالثِّقَةِ. فَأَمَّا مَنْ عُرِفَ بالثقة فانفراده لايضره، وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ، أَكَانَ ثِقَةً؟ فَسَكَتَ، إذْ لَا يَدُلُّ السُّكُوتُ عَلَى شَيْءٍ، وَقَدْ يَكُونُ سُكُوتُهُ لكونه لم يعرف حاله، وَمَنْ عَرَفَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ إمَّا صَدُوقًا، أَوْ صَالِحًا، أَوْ لَا بَأْسَ بِهِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُصْطَلَحَاتِهِمْ، وَلِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ في "كتابه" لم يسمه2 بِشَيْءٍ، وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ أَيْضًا: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. تَحَامُلٌ أَيْضًا، وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ قَبِلَ رِوَايَتَهُ لَيْسُوا مِثْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالَتِي عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَعَلَيْنَا أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَنَا: "أَتُعْطِيَانِ زَكَاتَهُ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: "أَمَا تَخَافَانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ أَسْوِرَةً مِنْ نَارٍ، أَدِّيَا زَكَاتَهُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ رَمَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ بِالْكَذِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَيْثَمٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: أَحَادِيثُهُ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ، وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضِلَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 البيهقي: ص 140 ج 4.
2 في نسخة الدار "لم يمسه بشيء" "البجنوري".
3 أحمد في "مسنده" ص 461 ج 6.(2/372)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْت فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، تَقُولُ: أَتَيْت النَّبِيَّ عليه السلام بِطَوْقٍ فِيهِ سَبْعُونَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ خُذْ مِنْهُ الْفَرِيضَةَ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِثْقَالًا، وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مِثْقَالٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ مَتْرُوكٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَالَ غُنْدَرٌ: هُوَ كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَنَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ، قَالَ أَبُو خَيْثَمٍ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَفِي "الْإِمَامِ"، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي "تَارِيخِ أَصْفَهَانَ فِي بَابِ الشِّينِ" عَنْ شَيْبَانُ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ بِهِ، سَوَاءً.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قُلْت لِلنَّبِيِّ عليه السلام: إنَّ لِامْرَأَتِي حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، قَالَ: "فَأَدِّ زَكَاتَهُ نِصْفَ مِثْقَالٍ"، انْتَهَى ثُمَّ أَخْرَجَهُ2 عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إنَّ لِي حُلِيًّا، وَإِنَّ زَوْجِي خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، أَفَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أَجْعَلَ زَكَاةَ الْحُلِيِّ فِيهِمْ؟، قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْحَدِيثَانِ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُرْسَلٌ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَرَوَى هَذَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، فَإِنَّهُ يُخْطِئُ كَثِيرًا، وَقَدْ خَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ، فَوَقَفَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي "صَحِيحِهِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 أَيْضًا عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو حَمْزَةَ هَذَا مَيْمُونٌ وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حِينَ كَانَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ، فَلَمَّا
__________
1 الدارقطني: ص 205.
2 الدارقطني: ص 205، أخرجه عن قبيصة عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن علقمة، قال في "الجوهر": هذا سند رواته ثقات، والرفع فيه زيادة من الثقة، فوجب قبوله، اهـ.
3 الدارقطني: ص 205.(2/373)
أُبِيحَ لَهُنَّ سَقَطَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، وَحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ، وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِلُبْسِهِ، مَعَ الْأَمْرِ بِالزَّكَاةِ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَيْضًا: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى في أيدي فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ، إنْ كَانَ ذِكْرُ الْوَرِقِ فِيهِ مَحْفُوظًا، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنْ: مُرْ مَنْ قِبَلَك مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ، وَلَا يَجْعَلْنَ الزِّيَادَةَ2 وَالْهَدِيَّةَ بَيْنَهُنَّ تَقَارُضًا، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ"3: هُوَ مُرْسَلٌ.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " مُصَنَّفِهِ " عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةُ. انْتَهَى. مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ , رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ ". أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إلَى خَازِنِهِ سَالِمٍ: أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ حُلِيِّ بَنَاتِهِ كُلَّ سَنَةٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ أَنْ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةُ، زَادَ ابْنُ شَدَّادٍ حَتَّى فِي الْخَاتَمِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُمْ قَالُوا: السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ الزَّكَاةَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ" بِسَنَدِهِ عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَمَا يروى عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ، فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، إنَّمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ مَجْهُولٌ، فَمَنْ احْتَجَّ به مرفوعاً، كان معزّزاً بذنبه4، دَاخِلًا فِيمَا نَعِيبُ بِهِ الْمُخَالِفِينَ، مِنْ الِاحْتِجَاجِ، بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا الْمُنْذِرِيِّ رحمه الله:
__________
1 ابن أبي شيبة: ص 27 ج 3.
2 الزيادة بالدال في المصنف. وفتح القدير، وظني أنه بالراء والله أعلم، وتقارضا، في "فتح القدير" وهو الصواب، وفي النسخة الخطية. وابن أبي شيبة "تعارضنا". أقول: "الزيادة" في نسخة "الدار" أيضاً بالدال "وتقارضنا" بالقاف "البجنوري"
3 وقال الحافظ: بإسناد ضعيف.
4 معرفة السنن والآثار:144:6
* أقول: "الزيادة" في نسخة "الدار" أيضا بالدال- "وتقارضا" بالقاف "البجنوري".(2/374)
وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ مَا يُوجِبُ تَضْعِيفَهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَيَحْتَاجُ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ إلَى ذِكْرِ مَا يُوجِبُ تَعْدِيلَهُ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ1 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَه، وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ2، أَنْبَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ3 أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَلِيَ بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا، فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ، انْتَهَى. كِلَاهُمَا فِي "الْمُوَطَّأِ".
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْحُلِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ خَالِدٍ يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحُلِيِّ، أَفِيهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ جَابِرٌ: لَا، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ؟ فَقَالَ جَابِرٌ: كَثِيرٌ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتَهَا الذَّهَبَ، وَلَا تُزَكِّيهِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفٍ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا لَا يَرَوْنَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةً: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ7، وَأَسْمَاءُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 "موطأ" ص 106، وعند البيهقي: ص 138 ج 4.
2 والبيهقي: ص 138 ج 4 عن نافع به.
3 "موطأ" ص 106، وعند البيهقي: ص 138 ج 4.
4 الدارقطني: ص 206.
5 الشافعي في "كتاب الأم" ص 35 ج 2، وعند البيهقي: ص 138 ج 4.
6 الدارقطني: ص 206، وأخرجه ابن أبي شيبة: ص 27، وفيه ثيابها، والله أعلم.
7 أما عند عائشة فعنده أيضاً، وهما صحيحان، "دراية" ص 162.(2/375)
فَصْلٌ فِي الْعُرُوضِ
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "يُقَوِّمُهَا يَعْنِي عُرُوضَ التِّجَارَةِ فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ مِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ. وَمَوْقُوفَةٌ، فَمِنْ الْمَرْفُوعَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي"سُنَنِهِ"1 عَنْ جعفر بن سعد حدثني خُبَيْبِ
__________
1أبو داود في "باب العروض إذا كانت للتجارة" ص 225، ومن طريقه البيهقي: ص 146 ج 4.(2/375)
بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ، انْتَهَى، سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": خُبَيْبِ هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إلَّا جَعْفَرَ بْنَ سَعْدٍ، وَلَيْسَ جَعْفَرٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مُتَعَقِّبًا عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ، فَذَكَرَ فِي "كِتَابِ الْجِهَادِ": حَدِيثَ: "مَنْ كَتَمَ غَالًّا فَهُوَ مِثْلُهُ"، وَسَكَتَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا عَنْ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، فَهُوَ مِنْهُ تَصْحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": وَسُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ لَمْ يَعْرِفْ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِحَالِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ رَبِيعَةُ، وَابْنُهُ خُبَيْبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" بِهِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالرَّقِيقِ، الرَّجُلِ. وَالْمَرْأَةِ. الَّذِي هُوَ تِلَادُهُ، وَهُمْ عَمَلَةٌ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُمْ، أَنْ لَا يُخْرِجَ عَنْهُمْ الصَّدَقَةَ، وَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ أَوْ تِبْرٍ3 صَدَقَتُهُ، وَمَنْ رَفَعَ دَرَاهِمَ4، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ فِضَّةً، لَا يُعِدُّهَا لِغَرِيمٍ، وَلَا يُنْفِقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَقَالَ الْحَاكِمُ: تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ5 عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، وَقَالَ: كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَانِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَاهُ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ الْكَبِيرِ6" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَسْمَعْ
مِنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، هُوَ يَقُولُ: حَدَّثْت عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَنَسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": ابْنُ جُرَيْجٍ مُدَلِّسٌ، لَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ يَرْجِعُ إلَى عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ،
__________
1 ص 214.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 388، وقال الحافظ في "الدراية": إسناد حسن، اهـ قلت: في النسخة المطبوعة البر "بالراء المهملة".
3 ليس كلمة "تبر" في المستدرك المطبوع (أقول: لم أجد هذا اللفظ في نسسخة "الدار" أيضاً "البجنوري".
4 في "المستدرك" زيادة: "أو تبراً" أيضاً
5 قلت: كذا روى عنه خريجه وتلميذه البيهقي في "السنن" ص 147 ج 4، وهو الصواب، ولكن في النسخة المطبوعة من "المستدرك" ابن جرير، وزهير بن محمد، ومحمد بن بكر، والله أعلم.
6 العلل الكبير 307:1 (97)(2/376)
وَهُوَ مَذْكُورٌ فِيمَنْ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ عَلَى شَرْطِهِمَا؟، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ: وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ، قَالَهَا بِالزَّايِ، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": الْأَوَّلُ: فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ. وَالثَّانِي: فِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": فَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ يَحْيَى2 بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيّ الْمَعْرُوفُ بِبُخْتٍ3 وَهُوَ ثِقَةٌ، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ" فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا الِانْقِطَاعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ بِهِ، وَهَذَا فَاتَ الشَّيْخَ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَدْ ذَكَرَ سَنَدَيْ الدَّارَقُطْنِيِّ، الْإِسْنَادُ الَّذِي فِيهِ عَبْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَصْلَحُ مِنْ إسْنَادِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، مَعَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُعَاوِيَةَ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ. وَلَكِنَّ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ أَشَدُّ ضَعْفًا مِنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَحِلُّ عِنْدِي الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الَّذِي ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، يَرْوِي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَأَمَّا رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ الْجُمَحِيُّ، وَهُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ، رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمَا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي نَقَلْت مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ "كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ" لَيْسَ فِيهِ: الْبَزُّ5 بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَفِيهِ ضَمُّ الْبَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَيَحْتَاجُ إلَى كَشْفِهِ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ مُعْتَبَرٍ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْأُصُولُ عَلَى ضَمِّ الْبَاءِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَسْأَلَةِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي "مُسْنَدِ الدَّارَقُطْنِيِّ" قَالَهَا بِالزَّايِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ": هُوَ بِالْبَاءِ وَالزَّايِ وَهِيَ الثِّيَابُ الَّتِي هِيَ أَمْتِعَةُ الْبَزَّازِ، قَالَ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ صَحَّفَهُ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ غَلَطٌ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ:
وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِ الْحَاكِمِ مَدِينِيٌّ، كُنْيَتُهُ: أَبُو عُمَرَ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ
__________
1 الدارقطني: ص 203، والبيهقي في "السنن الكبير" ص 147 ج 4 من طريقه.
2 قلت: وروى عن محمد بن بكر زهير بن حرب أيضاً، عند الحاكم، كما تقدم، وعند البيهقي: ص 147 ج 4 من طريقه، وهو ثقة ثبت.
3 لقب يحيى: بخت، لأنها كلمة كانت تجري على لسانه "تهذيب".
4 أحمد في "مسنده: ص 1179 ج 5، وفيه: وفي البر صدقتها" بالراء المهملة".
5 قلت: كذلك في النسخة المطبوعة من "المستدرك" في كلتا طريقه طريق سعيد بن أبي سلمة، عنده فقط، وطريق محمد بن بكر عن ابن جريج، عنده. وعند أحمد أيضاً: في البر صدقة "بالراء المهملة" وروى البيهقي عن الحاكم باسناديه في "باب زكاة التجارة" ولفظه: وفي البز صدقة، أي "الزاي المعجمة".(2/377)
مِنْ عمران، وَأَمَّا الْمَوْقُوفَةُ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"1 عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حِبَّانَ، وَكَانَ عَلَى جِوَارِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ، وَسُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَر أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه كَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ اُنْظُرْ مَنْ مَرَّ بِك مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَةِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ، فَدَعْهَا، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَمَنْ مَرَّ بِك مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ، فَدَعْهَا، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا، إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": زُرَيْقٌ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي تَقْدِيمِ الزَّايِ فِيهِ عَلَى الرَّاءِ وَبِالْعَكْسِ، فَقِيلَ: إنَّ أَهْلَ مِصْرَ، وَالشَّامِ يُقَدِّمُونَ الزَّايَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُقَدِّمُونَ الرَّاءَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَهْلُ مِصْرَ، وَالشَّامِ أَعْلَمُ بِهِ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَبْدُ الْغَنِيِّ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ وَزُرَيْقٌ لقب لَهُ، وَاسْمُهُ: سَعِيدٌ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو الْمِقْدَامِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَبِيعُ الْأُدْمَ وَالْجِعَابَ، فَمَرَّ بِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَدِّ صَدَقَةَ مَالِكَ، فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هُوَ فِي الأدم، قال: قوِّمهن ثُمَّ أَخْرِجْ صَدَقَتَهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي كُلِّ مَالٍ يُدَارُ فِي عبيد، أو دواب، أبو بَزٍّ لِلتِّجَارَةِ، تُدَارُ الزَّكَاةُ فِيهِ كُلَّ عَامٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، قَالُوا: فِي الْعُرُوضِ تُدَارُ الزَّكَاةُ كُلَّ عَامٍ، لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الزَّكَاةُ حتى يأتي الشَّهْرُ عَامَ قَابِلٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ، إلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، انْتَهَى.
__________
1 "الموطأ" ص 108، ومن طريقه أبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 533، والشافعي في "كتاب الأم" ص 39 ج 2.
2 الدارقطني: ص 213، والشافعي في "كتاب الأم" ص 39 ج 2، ومن طريق الشافعي البيهقي: ص 147 ج 4.
3 البيهقي: 147 ج 4، ورواه الشافعي في "كتاب الأم" ص 39 ج 2 عن الثقة عن عبيد الله به.(2/378)
بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ
قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ، هَكَذَا أَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه سُعَاتَهُ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْأَيْلَةِ، فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ بِهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ رحمه الله فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"2 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إلَى عَيْنِ التَّمْرِ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا بِهَا لِلتِّجَارَةِ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"3 حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَامَانَ5 الجند يسابوري ثَنَا زُنَيْجٌ أَبُو غَسَّانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى ثَنَا أَشْعَثُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ , وَفِي أَمْوَالِ مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ} . انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يُسْنِدْ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى، تَفَرَّدَ بِهِ زُنَيْجٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ، وَسَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَخُبَيْبُ بْنُ الشَّهِيدِ، وَالْهَيْثَمُ الصَّيْرَفِيُّ، وَجَمَاعَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَرَضَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَإِنْ أَعْيَاكُمْ، فَالْعُشْرُ، قُلْت: غَرِيبٌ.
__________
1 والطحاوي في "شرح الآثار" ص 313 عن ابن عون عن أنس بن سيرين به، وكذا أبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 533.
2 "كتاب الآثار" ص 48.
3 أبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 533.
4 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 70 ج 3: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله ثقات، إلا أنه قال: تفرد به زنيج، ورواه جماعة ثقات، فوقفوه على عمر بن الخطاب، وزنيج: "زاي، ونون، وجيم" مصغراً، كذا في "الزوائد" هو محمد بن عمرو بن بكر الرازي أبو غسان زنيج.
5 في نسخة الدار "محمد بن حابان" "البجنوري".(2/379)
بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، وَالرِّكَازُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْدِنِ، وَعَلَى الْمَالِ الْمَدْفُونِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَهُنَا اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْدِنِ، وَفِيمَا بَعْدُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْكَنْزِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"2 عَنْ حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرِّكَازُ الَّذِي يَنْبُتُ بِالْأَرْضِ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله عَنْ عبد الله بن سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، قِيلَ: وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ، رَوَى أَبُو حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الرِّكَازِ الْعُشُورُ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ. وَابْنُ نَافِعٍ رحمه الله، وَيَزِيدُ كِلَاهُمَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَوَصَفَهُمَا النَّسَائِيّ بِالتَّرْكِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَسَكَتَ الشَّيْخُ عَنْ عِلَّةِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ يُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ، وَيَهِمُ فِي الْآثَارِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَحِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ: هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ: صَدُوقٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فِي حَدِيثِهِ، وَحَدِيثِ أَخِيهِ مِنْدَلٍ بَعْضُ الْغَلَطِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْخَصْمِ الْقَائِلِ بأن في المعدن زكاة دُونَ الْخُمُسِ، بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي
"الْمُوَطَّأِ"3 عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَقْطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ4، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ
__________
1 البخاري "في باب الركاز خمس" ص 203، ومسلم في "الحدود في باب جرح العجماء جبار" ص 73 ج 2، ولفظه: "البئر جرحها جبار، والمعدن جرحها جبار، وفي الركاز خمس "اهـ، وأبو داود في "الديات في باب الدابة تنقح برجلها" ص 283 ج 2، وفي الخراج: ص 83 ج 2، مختصراً.
2 وفي "السنن" ص 152 ج 4، وقال: تفرد به عبد الله بن سعيد، وهو ضعيف جداً، اهـ.
3 "الموطأ في باب زكاة المعادن" ص 105، ومن طريقه أبو عبد في "كتاب الأموال" ص 338.
4 قال أبو عبيد في "كتاب الأموال": القبلية: بلاد معروفة بالحجاز، وهي في ناحية الفرع.(2/380)
لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"، وَقَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي "التَّمْهِيدِ" مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ الشَّيْخُ: وَالْقَبَلِيَّةِ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْفَرْعُ: ضَبَطَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ، وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1: حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، وَمَعَ انْقِطَاعِهِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ رِكَازًا أَيْ كَنْزًا وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ لِمَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ.
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: فَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي آخِرِ الْبُيُوعِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إنْ كُنْت وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ، أَوْ سَبِيلٍ مِيتَاءٍ، فَعَرِّفْهُ، وَإِنْ كُنْت وَجَدْتَهُ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ، أَوْ غَيْرِ سَبِيلٍ مِيتَاءٍ، فَفِيهِ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ3 قَالَ: وَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ الْحُجَّةَ فِي سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ عبد بْنِ عَمْرٍو فَلَمْ أَصِلْ إلَيْهَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ دَاوُد بْنَ شَابُورَ، وَيَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ.
__________
1 "كتاب الأموال" ص 342.
2 الحاكم في "المستدرك في البيوع في باب النهي عن لقطة الحاج" ص 65 ج 2 و"كتاب الأموال" ص 337، والشافعي في "الأم" ص 37 ج 2، والبيهقي: ص 155 ج 4.
3قلت: ذكر الشيخ رحمه الله كلام الحاكم، إلى قوله: لم أصل إليها إلى هذا الوقت، اهـ، واقتصر على هذا القدر، وكذا فيما قبل في موضع، ولم يذكر ما بعده، وهو من تتمة الكلام، لأنه بيان مغير لظاهر ما يفهم من هذا القدر، لأنه ذكر بعده حديثاً فيه التصريح بسماع شعيب عن جده، وقال في آخره: هذا حديث رواته ثقات حفاظ، وهو كالأخذ باليد في صحة سماع شعيب بن محمد بن جده عبد الله بن عمرو، اهـ، قلت: لم يكن هذا من عادته، وما عهدت منه سوى هذا الموضع، والعذر عنه: أن كلام الحاكم هذا كالأخذ باليد، لم يقع في صورة الاستثناء، ولم يتصل بالقول الذي ذكره الشيخ عنه، بل روى الحاكم حديث اللقطة، وقال في آخره: لم أزل أطلب الحجة، فلم أصل إليها، إلى هذا الوقت، ثم ابتدأ برواية حديث آخر، كأنه لا تعلق له بالسابق، ولم يترك في السابق للسامع مطمعاً في خلافه، وقال في آخره: هو كالأخذ باليد، في صحة سماع شعيب عن جده، اهـ. فلعل الشيخ لم يتعد نظره إلى الحديث الثاني، ثم هذا العذر وإن كان مما يروج في أمثالنا، لكن المخرج أعلى محلة من هذا، ويستبعد منه أن يترك بياناً مغيراً، ويورد الكلام ناقصاً.
والظاهر من كلام الحاكم فيما قبله في مواضع: أن ذكره الحديث واستدلاله به على صحة السماع لم يكن في نسخة المخرج، فلعل الحاكم ألحق هذه الزيادة بعد ما انتشرت النسخ في الآفاق والأمصار، تلقاه عن الدارقطني بعده.(2/381)
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَرَوَى الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ رِكَازًا، فَأَتَى بِهِ عَلِيًّا رضي الله عنه، فَأَخَذَ مِنْهُ الْخُمُسَ، وَأَعْطَى بَقِيَّتَهُ لِلَّذِي وَجَدَهُ، فَأُخْبِرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْجَبَهُ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ1.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْعَرَبِ وَجَدَ سَتُّوقَةً فِيهَا عَشْرَةُ آلَافٍ، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ رضي الله عنه، فَأَخَذَ مِنْهَا خُمُسَهَا أَلْفَيْنِ، وَأَعْطَاهُ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ.
آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الله بن بشر الخثعي عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ رَجُلًا سَقَطَتْ عَلَيْهِ جَرَّةٌ مِنْ دَيْرٍ بِالْكُوفَةِ فِيهَا وَرِقٌ، فَأَتَى بِهَا عَلِيًّا3 رضي الله عنه، فَقَالَ اقْسِمْهَا أَخْمَاسًا، ثُمَّ قَالَ: خُذْ مِنْهَا أَرْبَعَةً، وَدَعْ وَاحِدًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: حُمَمَةُ، قَالَ: سَقَطَتْ عَلَيَّ جَرَّةٌ.
آخَرُ: رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ عَنْ هُذَيْلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت كَنْزًا فِيهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا أَرَى الْمُسْلِمِينَ بَلَغَتْ أَمْوَالُهُمْ هَذَا، أَرَاهُ رِكَازَ مَالٍ عَادِيٍّ، فَأَدِّ خُمُسَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَك مَا بَقِيَ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ عُمَرَ الضَّبِّيِّ، قَالَ: بَيْنَا قَوْمٌ عِنْدِي بِسَابُورَ يُثِيرُونَ الْأَرْضَ إذْ أَصَابُوا كَنْزًا، وَعَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الرَّاسِبِيُّ، فَكَتَبَ فِيهِ إلَى عَدِيٍّ، فَكَتَبَ عَدِيٌّ إلَى عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ: خُذُوا مِنْهُمْ الْخُمُسَ، وَدَعُوا سَائِرَهُ لَهُمْ، فَدَفَعَ إلَيْهِمْ الْمَالَ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ الْخُمُسَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عُمَرَ الْكَلَاعِيَّ، وَقَالَ إنَّهُ مَجْهُولٌ، لَا أَعْلَمُ حَدَّثَ عَنْهُ غَيْرُ بَقِيَّةَ، وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَغَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 163: هذا مرسل قوي.
2 البيهقي: ص 57 ج 4، والطحاوي: ص 180 ج 2، والرجل ابن حميد.
3 أخرج أبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 340 حديث علي بمعنى أنه أخذ خمس المعدن، وسماه ركازاً، وعن ابن شهاب: سئل عن المعادن والركاز، فقال: يخرج من ذلك كله الخمس، قال أبو عبيد: هو كذلك عندي في النظر.(2/382)
عَنْ مُحَمَّدِ بن عبيد الْعَرْزَمِيِّ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَضَعْفُ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَالْفَلَّاسِ، وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَيْسَ فِي حَجَرِ اللُّؤْلُؤِ، وَلَا حَجَرِ الزُّمُرُّدِ زَكَاةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ، قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ مِنْ الْعَنْبَرِ الْخُمُسَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَمَّسَ الْعَنْبَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"3 عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَا: فِي الْعَنْبَرِ، وَاللُّؤْلُؤِ الْخُمُسُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ خُمُسٌ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ هُوَ لِلَّذِي وَجَدَهُ، وَلَيْسَ الْعَنْبَرُ بِغَنِيمَةٍ، انْتَهَى.
وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ4، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ وَكَانَ عَامِلًا بِعَدَنَ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَنْبَرِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ، فَالْخُمُسُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِهِ.
وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مُخَالِفٌ: رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"5 أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ رَوْحٍ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عُمَرَ: أَنْ خُذْ مِنْ الْعَنْبَرِ الْعُشْرَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: هَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلَيْسَ يَثْبُتُ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 "بفتح العين. وسكون الراء. والزاي المفتوحة" كذا في "التقريب".
2 ابن أبي شيبة: ص 21 ج 3.
3 "كتاب الأموال" ص 346.
4 وابن أبي شيبة: ص 21 ج 3 عن ابن عيينة عن ابن طاوس به، وعن وكيع عن الثوري به، والشافعي في "كتاب الأم" ص 36 ج 2 عن ابن عيينة عن ابن طاوس به
5 "كتاب الأموال" ص 348.(2/383)
بَابٌ زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: لَيْسَ فِي حَبٍّ، وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ، حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَأَعَادَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ بَدَّلَ: التمر يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْمُثَنَّاةِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد2 فِيهِ: وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ مَخْتُومًا، وَابْنُ مَاجَهْ: وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ صَاعًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ الثَّمَرِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إسْحَاقَ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فيما دون خمسة ذَوْدٍ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4، وَلَفْظُهُ: لَا يَحِلُّ فِي الْبُرِّ وَالتَّمْرِ زَكَاةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلَا يَحِلُّ فِي الْوَرِقِ زَكَاةٌ، حتى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوَاقٍ، وَلَا يَحِلُّ فِي الْإِبِلِ زَكَاةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ ذَوْدٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ،
__________
1 البخاري في"باب زكاة الورق" ص 194، ومسلم في "باب ما فيه الزكاة من الأموال" ص 316، والطحاوي: ص 314.
2 أبو داود في "باب ما تجب فيه الزكاة" ص 224 ج 1، وابن ماجه في "باب الوسق ستون صاعا" ص 133، كلاهما من طريق أبي البحتري عن أبي سعيد، وقال أبو داود: أبو البحتري لم يسمع من أبي سعيد، اهـ.
3 أحمد في "مسنده" ص 402 ج 2، والطحاوي: ص 315، عن ابن المبارك به.
4 الدارقطني: ص 199 من حديث أبي سعيد، ولم أجد من حديث أبي هريرة، والله أعلم.
5 البخاري في "باب العشر فيما يسقى من ماء السماء" ص 201، وأبو داود في "باب صدقة الزرع" ص 233 ج 1، والطحاوي: 315، هو ما نبت من النخيل من أرض يقرب ماؤها، فرسخت عروقها في الماء، فاستغنت عن ماء السماء والأنهار، وغيرها.(2/384)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا1 الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انتهى. رواه أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ: فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَالْأَنْهَارُ، وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي2 أَوْ النَّضْحِ الْعُشْرُ " انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ، وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرَ، وَمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفَ الْعُشْرَ، انْتَهَى. وَلَمَّا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمَ عَقَّبَهُ بِحَدِيثِ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَقَالَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ4، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ. انْتَهَى. وَأَبُو حَنِيفَةَ يُؤَوِّلُ حَدِيثَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، بِزَكَاةِ التِّجَارَةِ، كَمَا فِي الْكِتَابِ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهُ مَنْسُوخًا، وَلَهُمْ فِي تَقْرِيرِهِ قَاعِدَةٌ، ذَكَرَهَا السِّغْنَاقِيُّ نَقْلًا عَنْ "الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ"، قَالَ: إذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: عَامٌّ. وَالْآخَرُ: خَاصٌّ، فَإِنْ عُلِمَ تَقْدِيمُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ خُصَّ الْعَامُّ بِالْخَاصِّ، كَمَنْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: لَا تُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا، فَإِنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لِزَيْدٍ، وَإِنْ عُلِمَ تَأْخِيرُ الْعَامِّ، كَانَ الْعَامُّ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَا تُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا، فَإِنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ، هَذَا مَذْهَبُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ: هَذَا إذَا عُلِمَ التَّارِيخُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ، فَإِنَّ الْعَامَّ يُجْعَلُ آخِرًا، لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ وَهُنَا لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ، فَيُجْعَلُ آخِرًا احْتِيَاطًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَاحْتَجَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رَوَى أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ، أَوْ غَرْبٍ نِصْفُ الْعُشْرِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ"، قَالَ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، أَمَّا أَبُو مُطِيعٍ فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ رضي
الله عنه: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: تَرَكُوا حَدِيثَهُ، وَأَمَّا أَبَانُ فَضَعِيفٌ جِدًّا، ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ.
__________
1 عثرياً: هو ما يشرب بعروقه من غير سقي قبل ما يسيل إليه ماء المطر، وقبل ما يسقى بالعاثور، والعاثور شبه نهر يحفر في الأرض، يسقى به البقول، والنخل، والزرع.
2 السواني: جمع سانية، هي بعير يستقى عليه. والنضح: ما سقى من الآبار بالغرب، أو بالسانية، أي البعير، والمراد سقي النخل والزرع بالبعير، والبقر، والحمر.
3 ابن ماجه في "باب صدقة الزروع والثمار" ص 131.
4 قلت: هذا القول في "البخاري" بعد حديث ابن عمر، وقبل حديث أبي سعيد: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" وكان المناسب كما ذكره الشيخ، فكأن وضع الكلام انقلب في النسخة المطبوعة من موضعه.(2/385)
آثَارٌ عَنْ التَّابِعِينَ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، قَالَ: فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْعُشْرُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا فِي "مُصَنَّفِهِ"1 عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ النَّخَعِيّ: حَتَّى فِي كُلِّ عَشْرِ دَسْتَجَاتِ بَقْلٍ دَسْتَجَةٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَمِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنهم.
أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْخَضْرَاوَاتِ، وَهِيَ الْبُقُولُ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ، وَتَرَكَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذَا الْمُرْسَلِ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَالْبَعْلُ، وَالسَّيْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي التَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالْحُبُوبِ، فَأَمَّا الْقِثَّاءُ، وَالْبِطِّيخُ، وَالرُّمَّانُ، وَالْقَصَبُ، وَالْخَضِرُ3، فَعَفْوٌ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَزَعَمَ أَنَّ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، لَا يُنْكَرُ أَنْ يُدْرِكَ أَيَّامَ مُعَاذٍ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَفِي تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى تَرَكَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، وَمُعَاذٌ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَرِوَايَةُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْهُ أَوْلَى بِالْإِرْسَالِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ
__________
1 ابن أبي شيبة: ص 19 ج 3، والطحاوي: ص 316 ج 1 عن إبراهيم، ومجاهد.
2 "المستدرك" ص 401 ج 1، والدارقطني: ص 201، والبيهقي: ص 129 ج 4.
3 ليس لفظ: "الخضر" في "المستدرك" والله أعلم.(2/386)
مُوسَى، وُلِدَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ سَمَّاهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَقِيلَ: إنَّهُ صَحِبَ عُثْمَانَ مُدَّةً، وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَفِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَمُعَاذٍ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ وَفَاةَ مُوسَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ، فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: عَنْ أَبِيهِ إلَّا الْحَارِثَ بْنَ نَبْهَانَ عَنْ عَطَاءٍ، وَلَا نَعْلَمُ لِعَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِالْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرَهُ، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ، وَوَافَقَهُمْ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ إلَّا مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَصْرِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بِهِ3، وَنَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي أَشَارَ إليه الترمذي، وغيره، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ هَذَا هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، وَهُوَ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، وَلَا يُحْتَجُّ مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا بِمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْأَكَابِرُ: الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَفِي حَدِيثِهِمْ عَنْهُ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1رواه الحاكم: ص 401 ج 1، أيضاً، ورواه البيهقي: ص 128 ج 4.
2 هذا، وما بعده من "سنن الدارقطني" ههنا كله في: ص 200، وص 201.
3 قوله: به، الظاهر منه أن موسى بن طلحة يروى عن أبيه، كما في الرواية التي قبلها، والتي في الدارقطني: عن موسى بن طلحة عن معاذ.(2/387)
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله أيضاً عن الصفر بْنِ حَبِيبٍ، سَمِعْت أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: "لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ"، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْخَيْلِ، وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ، فَقَلَبَهُ هَذَا الشَّيْخُ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ، وَهُوَ يَأْتِي بِالْمَقْلُوبَاتِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي جَحْشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حِين بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِابْنِ شَبِيبٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ في "كتاب الضعفاء": يسرف الْأَخْبَارَ، وَيُقَلِّبُهَا، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ، انْتَهَى. وَالشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" تَرَكَ ذِكْرَ ابْنِ شَبِيبٍ، وَوَثَّقَ الْبَاقِينَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّنْجَارِيِّ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ صَالِحِ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ مِنْ الْخُضْرَةِ زَكَاةٌ" انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِصَالِحٍ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": هُوَ صَالِحُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلَتْ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا يُعْجِبُنِي حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"1: هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، فَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، فَقَالَ: الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ2 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ3: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
__________
1 قلت: روى هذه كلها في "السنن" ص 201.
2 الحارث بن نبهان، عند الدارقطني: ص 201.
3وهشام الدستوائي، عند الدارقطني: ص 201.(2/388)
عليه السلام مُرْسَلٌ، وَرُوِيَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَقِيلَ: عَنْ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ عُمَرَ، وَقِيلَ: عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَقِيلَ: عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلٌ، وَهُوَ أَصَحُّهَا كُلِّهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمَعَهَا قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قَدْ عَلَّلَ الْبَيْهَقِيُّ بِهِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إسْحَاقِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ، وَالْبُقُولِ صَدَقَةٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا أَحَادِيثُ: "إنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي خَمْسَةٍ"، فَكُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، وَفِي مَتْنِهَا اضْطِرَابٌ، فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: إنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ: الْحِنْطَةِ. وَالشَّعِيرِ. وَالتَّمْرِ. وَالزَّبِيبِ. وَالذُّرَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: إنَّمَا سَنَّ، إلَى آخِره، وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَمُعَاذِ بْنِ جبل حين يعثهما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ: لَا تَأْخُذْ الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ. وَالْحِنْطَةِ. وَالزَّبِيبِ. وَالتَّمْرِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: أَنَّهُمَا حِينَ بُعِثَا إلَى الْيَمَنِ، لَمْ يَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهَذَا غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الرَّفْعِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ خَصِيفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْحِنْطَةِ. وَالشَّعِيرِ. وَالتَّمْرِ. وَالزَّبِيبِ. وَالذُّرَةِ، انْتَهَى. مُرْسَلٌ، وَفِيهِ خَصِيفٌ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمْ يَفْرِضْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ: الْإِبِلِ. وَالْبَقَرِ. وَالْغَنَمِ. وَالذَّهَبِ. وَالْفِضَّةِ. وَالْحِنْطَةِ. وَالشَّعِيرِ. وَالتَّمْرِ. وَالزَّبِيبِ، أَرَاهُ قَالَ: وَالذُّرَةِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، فَذَكَرَ: السُّلْتَ، عِوَضَ: الذُّرَةِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: "إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ. وَالشَّعِيرِ. وَالتَّمْرِ. وَالزَّبِيبِ"، وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 ابن ماجه في "باب ما تجب فيه الزكاة" ص 131.
2 "المستدرك" ص 401 ج 1.
3 البيهقي في "السنن" ص 129 ج 4، الروايات كلها.(2/389)
الْحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ"، قُلْت: رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محرز عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ"، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي "مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَهْلِ الْعَسَلِ الْعُشْرُ، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بعبد الله بن محرز، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ، وَلَا يَعْلَمُ، وَيُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ، وَلَا يَفْهَمُ، انْتَهَى.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيِّ أَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ، فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْوَادِيَ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إنْ أَدَّى إلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ، فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ، يَأْكُلُهُ مَنْ شَاءَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"3 حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيُّ عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيِّ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ عليه السلام، فَأَسْلَمْت، وَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لِقَوْمِي مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، فَفَعَلَ، وَاسْتَعْمَلَنِي عَلَيْهِمْ، وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ عليه السلام، وَاسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، قَالَ: يَا قَوْمِ أَدُّوا زَكَاةَ الْعَسَلِ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي مَالٍ لَا يُؤَدَّى
__________
1 أبو داود في "باب زكاة العسل" ص 233، والنسائي في "باب زكاة النحل" ص 346.
2 ابن ماجه في "باب زكاة العسل" ص 132.
3 ابن أبي شيبة: ص 20 ج 3، مختصراً من هذا السياق، وسياق المخرج عن الشافعي: وأبي عبيد في "كتاب الأموال" ص 496.(2/390)
زَكَاتُهُ، قَالُوا: كَمْ تَرَى؟، قُلْت: الْعُشْرُ، فَأَخَذْت مِنْهُمْ الْعُشْرَ، فَأَتَيْت بِهِ عُمَرَ رضي الله عنه، فَبَاعَهُ وَجَعَلَهُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1 أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، فَذَكَرَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، فَقَالَ: عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَعَبْدُ اللَّهِ وَالِدُ مُنِيرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: مُنِيرٌ هَذَا لَا نَعْرِفُهُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ مُنِيرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، يَصِحُّ حَدِيثُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْعَسَلِ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ رَآهُ، فَتَطَوَّعَ لَهُ بِهِ أَهْلُهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَيَّارَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ سَعِيدِ3 بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي نَحْلًا، قَالَ: "أَدِّ الْعُشُورَ"، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِهَا لِي، فَحَمَاهَا لِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ فِيهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ شَيْءٌ يَصِحُّ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ، وَذَكَرَهُ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى"، وَقَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي "الْكَمَالِ": أَبُو سَيَّارَةَ الْمُتَعِيُّ الْقَيْسِيُّ، قِيلَ: اسْمُهُ عَمِيرَةُ بْنُ الْأَعْلَمِ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام حَدِيثًا فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" بِنَحْوِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْعَسَلِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَ قِرَبٍ، لِحَدِيثِ بَنِي سَيَّارَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَلِكَ،
__________
1 الشافعي في "كتاب الأم" ص 33 ج 2، والبيهقي في "السنن" ص 127 ج 4.
2 ابن ماجه في "باب زكاة العسل" ص 132، وأحمد: ص 236، والطيالسي: ص 169، ومن طريقه البيهقي: ص 126 ج 4، وابن أبي شيبة.
3 سعيد، كذا في الأصول كلها، وفي "فتح القدير والدراية" سعد، وفي نسخة "الدار" أيضاً "سعيد".(2/391)
قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَفَّافُ الْمِصْرِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ بَنِي سَيَّارَةَ بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ1 كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ": صَوَابُهُ بَنِي شَبَّابَةَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، ثُمَّ أَلِفٌ، ثُمَّ بَاءٌ أُخْرَى قَالَ: وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ، ذَكَرَهُ فِي "تَرْجَمَةِ شَبَّابَةَ وَسَيَّابَةَ"، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ هَذَا الْجَاهِلُ2: هَكَذَا فِي غَالِبِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، لِحَدِيثِ بَنِي سَيَّارَةَ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا أَبِي سَيَّارَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. قُلْت: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا صَوَابًا مَعَ قَوْلِهِ: كَانُوا يُؤَدُّونَ، بَلْ الصَّوَابُ بَنِي سَيَّارَةَ] عَنْ نَحْلٍ3 كَانَ لَهُمْ الْعُشْرَ، مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً، وَكَانَ يَحْمِي وَادِيَيْنِ لَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه اسْتَعْمَلَ عَلَى مَا هُنَاكَ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِ شَيْئًا، وَقَالُوا: إنَّمَا كُنَّا نُؤَدِّيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ سُفْيَانُ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنَّمَا النَّحْلُ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِزْقًا إلَى مَنْ يَشَاءُ، فَإِنْ أَدُّوا إلَيْك مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْمِ لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ، وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. فَأَدَّوْا إلَيْهِ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَمَى لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"4 حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ الْعَسَلِ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً مِنْ أَوْسَطِهَا، انْتَهَى.
__________
1 في "الدراية. والفتح" فهم "بالفاء" فليراجع
2 قوله: قال هذا الجاهل، قلت: لا أدري ما المراد بالجاهل، ومن أي حرف حرّف هذا، قال ابن الهمام في "الفتح" ص 7 ج 3: قوله: لحديث شبابة: قال في "العناية": في بعض النسخ: أبي سيارة، وهو الصواب، بعد ما ذكر أن صوابه بني شبابة، كما قدمناه، فاستجهله الزيلعي، وقال: كيف يكون صواباً مع قوله: كانوا يؤدون، اهـ، وليس هذا الدفع بشيء، لأنه لو قيل: عن أبي سيارة أنهم كانوا يؤدون لم يحكم بخطأ العبارة، فإنه أسلوب مستمر في ألفاظ الرواة، والمراد منه قومه، كانوا يؤدون، أو أنه مع باقي القوم، بل الصواب أن أبا سيارة هنا ليس بصواب، فإنه ليس في حديث أبي سيارة ذكر القرب، بل ما تقدم من قوله: إن لي نحلاً، فقال عليه السلام: أدّ العثور، لا كما استبعده به، اهـ ما قال ابن الهمام.
3 قوله: عن نحل، مرتبط بقوله: كانوا يؤدون إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله: قال الدارقطني، إلى قوله: بل الصواب بني سيارة، مدرج من الحافظ المخرج، راجع "فتح القدير" ص 6 ج 2.
4 "كتاب الأموال" ص 497.
*أقول: في نسخة أيضاً "فهم" بالفاء "البجنوري".(2/392)
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينِ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "فِي الْعَسَلِ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزُقٍّ زِقٌّ"، انْتَهَى. وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرُ شَيْءٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِصَدَقَةَ هَذَا، وَضَعَّفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ فِي صَدَقَةَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطبراني في "معجمه الوسط"، وَلَفْظُهُ: وَقَالَ: "فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ، فِي كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ شَيْءٌ"، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عن جابر مرفوعاً: "فيما سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، بِلَفْظِ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلًا، الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي، أَوْ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ3 مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدِينِيِّ ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَعَاصِمٌ هَذَا أَثْنَى عَلَيْهِ مَعْنُ بْنُ عِيسَى، فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَمَّا الْحَارِثُ هَذَا، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ مَشْهُورٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَيُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرَ، وَمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفَ
__________
1 الترمذي في "باب زكاة العسل" ص 80، والبيهقي: ص 126 ج 4، وقال: قال أبو عيسى: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال: هو عن نافع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ. وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 77 ج 3: صدقة فيها كلام كثير، وقد وثقه أبو حاتم، وغيره.
2 حديث ابن عمر، وجابر تقدم تخريجهما في الحديث التاسع والعشرين.
3 الترمذي في "باب الصدقة فيما يسقى بالأنهار وغيرها" ص 81.
4 ابن ماجه في "باب صدقة الزروع والثمار" ص131(2/393)
الْعُشْرَ، انْتَهَى. لِأَنَّ مَا خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ وَعَمَّتْ مَنْفَعَتُهُ كَانَ أَحْمَلَ لِلْمُوَاسَاةِ، فَأَوْجَبَ فِيهِ الْعُشْرَ، تَوْسِعَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَجَعَلَ فِيمَا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهُ نِصْفَ الْعُشْرَ، رِفْقًا بِأَهْلِ الْأَمْوَالِ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1 لِأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَعَلَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرَضِينَ الَّتِي تَغُلُّ مِنْ ذَوَاتِ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ، وَاَلَّتِي تَصْلُحُ لِلْغَلَّةِ مِنْ الْعَامِرِ وَالْغَامِرِ، وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَسَاكِنَ، وَالدُّورَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُهُمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَيْئًا، انْتَهَى ذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ.
__________
1 "كتاب الأموال" ص72(2/394)
بَابٌ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَاتِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ
قَوْلُهُ: وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ يَعْنِي عَلَى سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْقُرْآنِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْمُؤَلَّفَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه انْقَطَعَتْ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ"3 فِي قوله تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى4 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ: أَبُو سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يربوع، ومن بني جُمَحَ: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمِنْ بَنِي فَزَارَةَ: عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ بَدْرٍ، وَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَمِنْ بَنِي نَصْرٍ: مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَمِنْ ثَقِيفٍ: الْعَلَاءُ بْنُ حَارِثَةَ، أَعْطَى النَّبِيُّ عليه السلام كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِائَةَ نَاقَةٍ، إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَرْبُوعٍ، وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، فَإِنَّهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ثَنَا الْحُسَيْنُ ثَنَا هِشَامٌ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَقَدْ أَتَاهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنٍ: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
__________
2 ابن أبي شيبة: ص 66 ج 3، قلت: جابر هذا هو الجعفي ضعيف.
3 ص 112 ج 10.
4 كان في "الطبري" عبد الأعلى عن محمد بن ثور عن معمر، لكن رأينا ابن جرير أكثر من هذا الاسناد، وفيه محمد بن عبد الأعلى، أو ابن عبد الأعلى سوى هذا الموضع، فعرفنا أن في "نسخة التفسير" غلط، والله أعلم.(2/394)
يَعْنِي لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ فِي النَّاسِ الْيَوْمَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أَحَدٌ، إنَّمَا كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِمَذْهَبِنَا عَلَى سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ: صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، قَالَ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَى التَّأْلِيفِ.
قَوْلُهُ: وَفِي الرِّقَابِ أَنْ يُعَانَ الْمُكَاتَبُونَ مِنْهَا فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ، قُلْت: رَوَى الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ"1 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّ مُكَاتَبًا قَامَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ حُثَّ النَّاسَ عَلَيَّ، فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى، فَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ: هَذَا يُلْقِي عِمَامَةً، وَهَذَا يُلْقِي مُلَاءَةً، وَهَذَا يُلْقِي خَاتَمًا، ختى أَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ سَوَادًا كَثِيرًا، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ، قَالَ: اجْمَعُوهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَبِيعَ، فَأَعْطَى الْمُكَاتَبَ مُكَاتَبَتَهُ، ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْلَ فِي الرِّقَابِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا الَّذِي قَدْ أَعْطَوْهُ فِي الرِّقَابِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالُوا: {وَفِي الرِّقَابِ} هُمْ الْمُكَاتَبُونَ، انْتَهَى. وَاسْتَشْهَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ2، وَالْحَاكِمُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ، قَالَ: "أَعْتِقْ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ"، قَالَ: أَوَ لَيْسَا وَاحِدًا؟ قَالَ: "لَا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ، أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا"، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ في الْمَقْصُودُ، فَإِنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ تَفْسِيرُ الْآيَةِ لَا تَفْسِيرُ الْفَكِّ، نَعَمْ، الْحَدِيثُ مُفِيدٌ فِي مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْفَكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ رَجُلًا جَعَلَ بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحَاجَّ، قُلْت: اسْتَشْهَدَ لَهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: كَانَ لَنَا جَمَلٌ، فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَهَلْ أُخْرِجَتْ عَلَيْهِ، فإن الحج في سَبِيلِ اللَّهِ، مُخْتَصَرٌ، وَهَذَا لَا يُغْنِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَفْسِيرُ قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْحَدِيثِ لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الغزاة في الحاج، وَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْحَصْرِ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ، فَلَا يَكْفِي فِي الْمَقْصُودِ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 فِي "كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ الْعُمْرَةِ" عَنْ
__________
1 ص 113 ج 10.
2 وأحمد في "مسنده" ص 299 ج 4.
3 أبو داود: ص 279 ج 1.(2/395)
إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَسُولُ مَرْوَانَ الَّذِي أُرْسِلَ إلَى أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو مَعْقِلٍ حَاجًّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَتْ أُمُّ مَعْقِلٍ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ عَلَيَّ حَجَّةً، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ حَتَّى دَخَلَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَلَيَّ حَجَّةً، وَإِنَّ لِأَبِي مَعْقِلٍ بَكْرًا، قَالَ أَبُو مَعْقِلٍ: جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْطِهَا فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، فَأَعْطَاهَا الْبَكْرَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِيهِ رَجُلًا مَجْهُولًا، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَلَفْظُ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَى أُمِّ مَعْقِلٍ يَسْأَلُهَا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَهَا جَعَلَ بَكْرًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّهَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ، فَسَأَلَتْ زَوْجَهَا الْبَكْرَ، فَأَبَى عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا، وَقَالَ: "إنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمِنْ سَبِيلِ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَعْقِلٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَعْقِلٍ أَنَّهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا حَجَّةً، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْقِلِ بْنِ أُمِّ مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ أَسَدُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ، فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَصَابَنَا مَرَضٌ، وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ جِئْتُهُ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ مَعْقِلٍ مَا مَنَعَك أَنْ تَخْرُجِي مَعَنَا؟ " قَالَتْ: لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ، فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: "فَهَلَّا خَرَجْت عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَّا إذَا فَاتَتْك هَذِهِ الْحَجَّةِ مَعَنَا فَاعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهَا الْحَجَّةُ" 2، وَرَوَاهُ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلِك، فَقَالَ: مَا عِنْدِي مَا أُحِجَّكِ عَلَيْهِ، قَالَتْ: أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِك فلان، قال: ذاك حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَمَا إنَّك لَوْ حججتها عَلَيْهِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، مُخْتَصَرٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ مَسْعَدَةَ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: مَاتَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَتَرَكَ بَعِيرًا جَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
__________
1 أحمد في "مسنده" ص 405 ج 6، والحاكم في "المستدرك" ص 482 ج 1 من طريقه.
2 في نسخة الدار كحجة "البجنوري".(2/396)
فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا مَعْقِلٍ هَلَكَ، وَتَرَكَ بَعِيرًا جَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَلَيَّ حَجَّةٌ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ مَعْقِلٍ حُجِّي عَلَى بَعِيرِك، فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ1: ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي طَلِيقٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: طَلَبَتْ مِنِّي أُمُّ طَلِيقٍ جَمَلًا تَحُجُّ عَلَيْهِ، فَقُلْت: قَدْ جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَيْتَنِيهِ لَكَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: "صَدَقَتْ، لَوْ أَعْطَيْتَهَا، لَكَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ بِهِ.
قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَعْنِي جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ، قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَحَدِيثُ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" فِي هَذِهِ الْآيَةِ3 أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ، قَالَ: فِي أَيِّ صِنْفٍ وَضَعْته أَجْزَأَك، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ4 عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةَ، قَالَ: أَيُّمَا صِنْفٍ5 أَعْطَيْته مِنْ هَذَا أَجْزَأَ عَنْك، انْتَهَى. ثَنَا حَفْصٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَرْضَ فِي الصَّدَقَةِ، فَيَجْعَلُهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا6 عَنْ الْحَجَّاجِ بن أرطاة عن المهال بْنِ عَمْرٍو عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَك، انْتَهَى. وَأُخْرَجَ نَحْوَ ذَلِكَ7 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ8، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، قَالَ: وَالْفُقَرَاءُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"9: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ سِوَى صِنْفِ الْفُقَرَاءِ، وَهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وعيينة بن حصين، وَعَلْقَمَةُ
__________
1 كذا في "الصغير" ص 15 "السرح" والله أعلم.
2 ابن أبي شيبة: ص 42 ج 3، وإسناده منقطع.
3 الطبري في "تفسيره" ص 116 ج 10 إسناده حسن.
4 الطبري: ص 115 ج 10.
5 الطبري: ص 115 ج 10، ولفظه: أيما صنف أعطيته من هذا أجزأك، اهـ.
6 الطبري في "التفسير" ص 115 ج 10.
7 أخرج ابن أبي شيبة. ص 42 عنهم، وعن عكرمة، والحسن، وحذيفة، وعمر رضي الله عنهم.
8 حديث معاذ متفق عليه.
9 "كتاب الأموال" ص 58، إلى قوله: فنأمر لك بها.(2/397)
بْنُ عُلَاثَةَ، وَزَيْدُ الخيل، قَسَمَ فِيهِمْ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ آخَرُ، فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ آخَرَ، وَهُمْ الْغَارِمُونَ، فَقَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، حِينَ أَتَاهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً: يَا قَبِيصَةَ أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَك بِهَا، وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ1 بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ، وَلَوْ وَجَبَ صَرْفُهَا إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَى وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، فَالْمُرَادُ بِهَا بَيَانُ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِآيَةِ الْغَنِيمَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام لِمُعَاذٍ: "خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ"،قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "إنَّك تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إلى شهادة لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ , فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ , فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا"، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"3 حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَصَدَّقُوا إلَّا عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إلَيْكُمْ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: كَرِهَ النَّاسُ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ} قَالَ: فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ، وَرَوَى أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ4 النَّسَائِيّ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ": حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْيَهُودِ بِصَدَقَةٍ، فَهِيَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ، انْتَهَى.
__________
1 حديث سلمة أخرجه أحمد في "مسنده" ص 37 ج 4، وأخرجه أبو داود في باب الظهار ص 309 ج 1.
2 البخاري في "أوائل الزكاة" ص 187، ومسلم "في الإيمان" ص 36.
3 ابن أبي شيبة: ص 39، وليس فيه: أشعث.
4 وأبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 613 عن ابن لهيعة عن زهرة بن معبد به.(2/398)
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم.
فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ، سَوِيٍّ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعْدٍ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ2 عَنْ سَعْدٍ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَرَيْحَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ مَجْهُولٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ أَعْرَابِيًّا صَدُوقًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، ثُمَّ رَوَاهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ. وَسَكَتَ عَنْهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَالصَّوَابُ حَدِيثُ إسْرَائِيلَ، وَقَدْ تَابَعَ إسْرَائِيلَ عَلَى رِوَايَتِهِ أَبُو حُصَيْنٍ، فَرَوَاهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْحَاكِمِ.
__________
1 أبو داود في "باب ما يعطى من الصدقة وحد الغنى" ص 238، والترمذي في "باب من لا تحل له الصدقة" ص 83.
2 حديث شعبة، عند الطحاوي: ص 303، روى عنه الحجاج بن منهال موقوفاً، وروى الحاكم في "المستدرك" ص 407 ج 1 عن آدم بن إياس عن شعبة، ورفعه.
3 النسائي في "باب إذا لم يكن له دراهم، وكان له عدلها" ص 363، وابن ماجه في "باب من سأل عن ظهر غنى" ص 133، قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح.
4 ص 407 ج 1.(2/399)
وَأَمَّا حَدِيثُ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ: فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَدْ أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُ رِدَاءَهُ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، قَالَ: "إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"، مُخْتَصَرٌ. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةٌ، فَرَكِبَهُ النَّاسُ، فَقَالَ: "إنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِصَحِيحٍ سَوِيٍّ، وَلَا لِعَامِلٍ قَوِيٍّ"، انْتَهَى. وَالْوَازِعُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ عَلَى قِلَّةِ رِوَايَتِهِ، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْهَا، بَلْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ لِكَثْرَةِ وَهْمِهِ. فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ فِي "تَارِيخِ جُرْجَانَ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ حَاتِمٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ بَهْرَامَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ الثَّقَفِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ يَعْلَى3، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَيَّنَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَوَثَّقَهُ عَنْ شُعْبَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"4 حَدَّثَنَا أحمد بن رشدين ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام نَحْوَهُ، سَوَاءً.
__________
1 الترمذي في "باب من لا تحل له الصدقة" ص 83، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ص 56 ج 3، وفيه جبلة بن جنادة، فليراجع.
2 ص 211.
3 هو إسماعيل بن يعلى.
4 قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام، اهـ.
* أقول: في نسخة "الدار" أيضاً حبشي بن جنادة "من البجنوري".(2/400)
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، سَوَاءً، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَضَعَّفَ أَيْضًا ابْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عدي بن الخباز، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ، فَسَأَلَاهُ، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: "إنْ شِئْتُمَا أعطيتكما، ولاحظ فِيهِمَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مكتسب"، انتهى2. وقال صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: مَا أَجْوَدَهُ مِنْ حَدِيثٍ، هُوَ أَحْسَنُهَا إسْنَادًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِلشَّافِعِيِّ: رضي الله عنه فِي تَخْصِيصِهِ غَنِيَّ الْغُزَاةِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، إلَّا لِخَمْسَةٍ: الْعَامِلِ عَلَيْهَا. أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ. أَوْ غارم. أو غازي فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَأَهْدَاهَا لِغَنِيٍّ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدٍ، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الثَّبْتُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيثُ مُعَاذٍ رضي الله عنه، قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام لِامْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ: "لَك أَجْرَانِ: أَجْرُ الصَّدَقَةِ. وَأَجْرُ الصِّلَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ4
__________
1 أبو داود في "باب من يعطى من الصدقة" ص 238، والنسائي في "باب مسألة القوي المكتسب" ص 363، والطحاوي: ص 303، والدارقطني: ص 211، وابن أبي شيبة: ص 56 ج 3.
2 حديث آخر: رواه أحمد في "مسنده" ص 62 ج 4، وص 375 ج 5 بإسناد واحد، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 303 عن عكرمة بن عمار عن سماك عن رجل من بني هلال، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تصلح الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي"، اهـ قال الهيثمي في "الزوائد" ص 93 ج 3: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، اهـ.
3 أبو داود في "باب من يجوز له أخذ الصدقة، وهو غني" ص 238، وابن ماجه فيه: ص 133.
4 البخاري في "باب الزكاة على الزوج والأيتام" ص 198، ومسلم في "باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين" ص 323، واللفظ له،(2/401)
إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعَاشِرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ" قَالَتْ: فَرَجَعْت إلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْت: إنَّك رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنِّي، وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إلَى غَيْرِكُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: بَلْ ائْتِيهِ، أَنْتِ، قَالَتْ: فَانْطَلَقَتْ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتِي حَاجَتُهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ، قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ رضي الله عنه، فَقُلْنَا لَهُ: أَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِك: أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا، وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ هُمَا؟ " قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَزَيْنَبُ، قَالَ: "أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ " قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ"، انْتَهَى. وَوَهِمَ الْحَاكِمُ، فَرَوَاهُ فِي آخِرِ "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وقولهما: أتجزئ: يدل على زَكَاةِ الْفَرْضِ لَا التَّطَوُّعِ، لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجْزَاءِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ، بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: قَالَ: إنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَزَيْنَبَ، وَبَيْنَهُمَا ابْنُ أَخِي زَيْنَبَ، هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْنَبَ، فَذَكَرَهُ. قُلْت: الْإِسْنَادَانِ عِنْدَ النَّسَائِيّ فِي "عِشْرَةِ النِّسَاءِ"، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ1 فِي "الزَّكَاةِ".
الثَّانِي: قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ سَمِعَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعْنِي قَوْلَهُ: "لَهُمَا أَجْرَانِ"، إلَخْ. وَلَا أَخْبَرَهَا بِلَالٌ بِهِ، لَكِنْ ظَهَرَ أَنَّ زَيْنَبَ سَمِعَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ2، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ
__________
والنسائي في "باب الصدقة على الأقارب" ص 361، وابن ماجه في "باب الصدقة على ذى قرابة" ص 133 مختصراً، والترمذي في "باب زكاة الحلي" ص 81 مختصراً، ليس فيه متعلق، وفي إسناده زيادة، واستدرك به الحاكم في "المستدرك" ص 603 ج 4، وقال: لم يخرجاه بهذه السياقة، وهذا ليس منه بعجيب، لأن له في مئين من الأحاديث مثل هذا، والمتيقظ في هذا الباب صاحبه البيهقي، فإنه لم يقع له مثل هذا، إلا في أقل قليل، كحديث ابن مسعود في وفد جن نصيبين: ص 108، والله أعلم.
1 الترمذي في "باب زكاة الحلي" ص 81، وأما النسائي، فلم أجدَ فيه في "عشرة النساء"، والله أعلم.
2 قلت: حديث أبي سعيد هذا رواه البخاري في "باب الزكاة على الأقارب" ص 197 عن ابن أبي مريم عن محمد بن جعفر به، كأنه خفى هذا على ابن القطان، ورواه البخاري في ثلاثة مواضع غير هذا الموضع،(2/402)
بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَوَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ لَهُنَّ: "تَصَدَّقْنَ"، فَلَمَّا انْصَرَفَ، وَصَارَ إلَى مَنْزِلِهِ جاءته امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّك الْيَوْمَ أَمَرْتَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَعِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ هُوَ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ تُصُدِّقَ1 بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عليه السلام: "صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِمْ"، انْتَهَى.
الثَّالِثُ: قَالَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ خَاصٍّ بِهَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، فَإِنْ حَكَمَ لِغَيْرِهِمَا بِمِثْلِ ذَلِكَ فَمِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، لَا مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا.
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام: "يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ، وَأَوْسَاخَهُمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ2 فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ مَرْفُوعًا: "إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ"، الْحَدِيثَ. وَأَوَّلُهُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: اجْتَمَعَ أَبِي رَبِيعَةُ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا: لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ، قَالَا لِي، وَلِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَرْسِلُوهُمَا، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ، وَأَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ، وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَجِئْنَاك
__________
ومسلم في "الايمان" بهذا الاسناد عن ابن أبي مريم عن محمد بن جعفر، لكنه مختصر، ليس فيه متعلق، وبمعنى هذا الحديث حديث أبي هريرة، رواه أحمد في "مسنده" ص 373، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 308، واستدل به على أن تلك الصدقة كانت تطوعاً، ولكني لم أدر كيف يستدل بهما على أن زينب لم تسمع من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وظني أن لفظ: قلت، سقط من الناسخ، قبل قوله: في حديث آخر، وحديث أبي سعيد ذكره المخرج ردّاً على ابن القطان، أو انقلب نظام كلام على الناسخ حيث أورد الحديث في خلال كلام ابن القطان، ولم يكن كذلك، قال الحافظ في "الدراية" بعد ذكره حديث زينب: وفي الباب عن أبي سعيد عن البزار، اهـ. (أقول: نعم: كان في العبارة ههنا سقط من الناسخ، ولكن استدركناه في التصحيح الأخير، فلم يبق الآن اختلال في نظم الكلام، كما تراه "البجنوري") .
1 في البخاري "تصدقت".
2 في "باب تحريم الزكاة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 344.(2/403)
لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّيَ إلَيْك كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ، قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إنَّمَا هِيَ أوساخ الناس"، أدعو إلَيَّ مَحْمِيَّةَ بْنَ جَزْءٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْأَخْمَاسِ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَتَيَاهُ، فَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَك لِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ فَأَنْكَحَهُ، وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَك لِي، فَأَنْكَحَنِي، وَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنْ الْخُمُسِ: كَذَا وَكَذَا، مُخْتَصَرٌ، تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةً، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ لَهُمَا عليه السلام: "إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ، إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ الْأَيْدِي، وَإِنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ لَمَا يُغْنِيكُمْ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ خَصِيفٍ3 عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ، فَجَعَلَ لَهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ، انتهى. ورواه الطبراني فِي "تَفْسِيرِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ بِهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ، فَجَعَلَ لَهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ، أَتَحِلُّ لِي الصَّدَقَةُ؟ فَقَالَ: "لَا، أَنْتَ مَوْلَانَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي، فَإِنَّك تُصِيبُ مِنْهَا، قَالَ: حَتَّى آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَأَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ: أَسْلَمُ، وَابْنُ أَبِي رَافِعٍ اسْمُهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، انْتَهَى. بَقِيَّةُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، "وَمَوْلَى الْقَوْمِ
__________
1 قال في "الزوائد" ص 91 ج 3: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه حسين بن قيس الملقب بحنش، وفيه كلام كثير، وقد وثقه أبو محصن.
2 ابن أبي شيبة: ص 61 ج 3، وابن جرير في "تفسيره" ص 5 ج 10 عن ابن وكيع به.
3 في المصنف: حصين، وظني أنه ليس بصحيح.
4 أبو داود في "باب الصدقة على بني هاشم" ص 240، والترمذي في "باب كراهية الصدقة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 83، والنسائي في "باب موالي القوم منهم" ص 366، وأحمد في "مسنده" ص 8 ج 6، وص 10 ج 6، والحاكم في "المستدرك" ص 404 ج 1.(2/404)
مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي "الصَّحِيحِ"1 عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: أَتَيْت أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَاتِ، فَرَدَّتْهُ، وَقَالَتْ: حَدَّثَنِي مولى لرسول الله صلى، يُقَالُ لَهُ: مِهْرَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَقِّ يَزِيدَ، وَابْنِهِ معين:
"يَا يَزِيدُ لَك مَا نَوَيْت، وَيَا مَعْنُ لَك مَا أَخَذْت" حِينَ دَفَعَ إلَى مَعْنٍ وَكِيلُ أَبِيهِ يَزِيدَ صَدَقَتَهُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: بَايَعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا، وَأَبِي، وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلِيٌّ، فَأَنْكَحَنِي، وَخَاصَمْت إلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ قَدْ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ، فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لَك مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَك مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ"، انْتَهَى. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يُخَرِّجْ لمعن غَيْرَهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَاهُ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يد غني، فأسبحوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ. وَعَلَى زَانِيَةٍ. وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُك عَلَى سَارِقٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ، فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ.
__________
1 البخاري في "الفرائض في باب مولى القوم من أنفسهم" ص 1000 ج 2.
2 أحمد في "مسنده" ص 448 ج 3، وابن أبي شيبة: ص 60 ج 3، وأحمد في "مسنده" ص 34 ج 4 عن عبد الرزاق عن سفيان بمعناه، وقال: ميمون أو مهران، وأخرجه الطحاوي: ص 300 عن ورقاء عن عطاء بمعناه، وقال: هرمز، أو كيسان.
3 البخاري في "باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يعلم" ص 191. ومسلم في "باب ثبوت أجر المتصدق، وإن وقعت الصدقة في يد فاسق" ص 329.(2/405)
بَابٌ صَدَقَةُ الْفِطْرِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ أَبِي صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَغِيرٍ أو كبير صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قُلْت: رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَلَهُ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: رِوَايَةُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدرابجردي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا هَمَّامٌ ثَنَا بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ "ح" وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ2 الْمُنْقِرِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ: صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، زَادَ عَلِيٌّ فِي حَدِيثِهِ: أَوْ صَاعَ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ اتَّفَقَا: عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ، أَوْ صَاعَ قَمْحٍ، انْتَهَى.
الْوَجْهُ الثَّانِي: رِوَايَةُ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُد أَيْضًا3، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ4، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْعَتَكِيُّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: مُسَدَّدٌ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، أَوْ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ5 عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ لِلَّهِ، زَادَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِهِ: غَنِيٍّ، أَوْ فَقِيرٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
__________
1 أبو داود في "الزكاة في باب من روى نصف صاع من قمح" ص 235.
2 والحاكم في "المستدرك" ص 279 ج 3 عن موسى بن إسماعيل به، وفيه أيضاً ثعلبة بن صعير، وكذا في النسخ المطبوعة من المجتبائية، وصاحب العون، والبذل: ثعلبة بن صعير، بحذف أبي، فراجعه.
3 أبو داود في "باب من روى نصف صاع من قمح" ص 235، والطحاوي في: ص 320 عن مسدد به، والدارقطني ص 223 عن مسدد به، وفيه: صاع من بر أو قمح عن كل رأس.
4تابعه عفان، عند الطحاوي: ص 320، وأحمد في "مسنده" ص 432 في نصف صاع البر.
5 شك حماد، كذا في "مسند أحمد".(2/406)
رحمه الله عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي إسْرَائِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ مَرْفُوعًا: أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ، قَالَ: أَدُّوا عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ: صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، إلَى آخره، ثم أخرجه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، بِنَحْوِ رِوَايَةِ يَزِيدَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: رِوَايَةُ ابْنِ جُرْجَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ جُرْجَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ، فَقَالَ: "إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ بُرٍّ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ"، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ جُرْجَةَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وفرعة بْنُ سُوَيْد، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ شَيْخٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ1، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ: "أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ قَوِيٌّ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: رِوَايَةُ بَحْرِ بْنِ كَنِيزٍ السَّقَّاءِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" عَنْ بَحْرِ بْنِ كثير حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ3 أَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَذْكُرُوا أَبَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، أَمَّا سَنَدُهُ، فَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ النُّعْمَانُ4 بْنُ رَاشِدٍ عَنْهُ
__________
1 توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ابن أربع عشرة سنة.
2 الدارقطني: ص 224، وأحمد في "مسنده" ص 432 ج 5، وأبو داود في "سننه" ص 235.
3 قلت: هذه الرواية مع هذا القول في الحاكم: ص 279 ج 3، في فصل ثعلبة من طريق بكر بن وائل عن الزهري لا من طريق بحر بن كثير، ولكن أسقط الناسخ: عن، فكتب عن بكر بن وائل بن داود الزهري.
4 عند الدارقطني: ص 223.(2/407)
عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ بَكْرُ بْنِ وَائِلٍ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَقِيلَ: عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ: عَنْ عُقَيْلٍ، وَيُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ2 عَنْ سَعِيدٍ مُرْسَلًا، ورواه معمر على الزُّهْرِيِّ3 عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَأَمَّا اخْتِلَافُ مَتْنِهِ فَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ4 عَنْ الزُّهْرِيِّ: صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ5 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ: صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، وَفِي حَدِيثِ الْبَاقِينَ: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ، قَالَ: وَأَصَحُّهَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَحَاصِلُ مَا يُعَلَّلُ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: الِاخْتِلَافُ فِي اسْمِ أَبِي صُعَيْرٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ ثَعْلَبَةُ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَمِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، أَوْ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَبِي داود رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ الْمُتَقَدِّمَةِ , ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , أَوْ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَلَى الشَّكِّ , وَعِنْدَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَفِيهِ الْجَزْمُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يُسَمِّهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ بَكْرٍ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ نَحْوَهُ يَعْنِي نَحْوَ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ عَقِيبَهُ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ راشد الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: صَدَقَةُ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْعَتِيقَةِ الصَّحِيحَةِ، وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد6 عَنْ مُسَدَّدٍ فِيهَا: أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ
__________
1 عند الدارقطني: ص 223.
2 عند الطحاوي: ص 320.
3 عند الطحاوي: ص 320.
4 حديث سفيان بن حسين رواه الحاكم في "المستدرك" ص 410 ج 1، وصححه عن بكر بن الأسود حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رفعه، قلت: بكر بن الأسود قال الدارقطني ص 222: ليس بالقوي، وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري.
5 قلت: حديث النعمان بن راشد روى عنه حماد بن زيد، فاختلف عليه فيه، فروى الدارقطني: ص 223 عن يزيد بن هارون، وسليمان بن حرب، وخالد بن خراش، ومسدد، وروى البيهقي: ص 163 ج 4 عن أبي النعمان عن حماد عنه، وفيه: صاع من قمح.
وروى الدارقطني: ص 223 عن إسحاق بن أبي إسرائيل، والطحاوي: ص 320 والبيهقي: ص 167 ج 4 عن مسدد، والطحاوي في "شرح الآثار" وأحمد في "مسنده" ص 432 ج 5 عن عفان، وأبو داود: ص 235 عن مسدد، وسليمان بن داود العتكي عن حماد عنه، وفيه نصف صاع.
6 وافقه الطحاوي: ص 320 ج 1، فإنه روى عن إبراهيم بن أبي داود كذلك أيضاً.(2/408)
بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ الْجَزْمُ بِثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْجَزْمُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي رِوَايَةِ بَحْرِ بْنِ كَنِيزٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالشَّكُّ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادٍ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، أَوْ عَنْ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِيهِ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا1.
الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: الِاخْتِلَافُ فِي اللَّفْظِ، فَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ"، الْحَدِيثَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِرِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ: صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ، عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُد الْمَكِّيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ حدثنا حماد بن زييد بِهِ عَنْ ابْنِ ثَعْلَبَةَ3 بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ قَمْحٍ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ"، الْحَدِيثَ. وَفِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، قِيلَ: عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": إنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، أَوْ كُلِّ إنْسَانٍ، هَكَذَا رِوَايَةُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، لَمْ يُقِمْ الْحَدِيثَ غَيْرُهُ، قَدْ أَصَابَ الْإِسْنَادَ وَالْمَتْنَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَيُمْكِنُ أَنْ تُحَرَّفَ: رَأْسٌ، إلَى اثْنَيْنِ، وَلَكِنْ يُبْعِدُ هَذَا بَعْضُ الرِّوَايَاتِ، كَالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا: صَاعُ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ، بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ" بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الِاخْتِلَافَ: وَقَدْ رُوِيَ عَلَى الشَّكِّ فِي الِاثْنَيْنِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ4: حَدَّثَنَا عَفَّانَ، قَالَ: سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ نُعْمَانَ بْنِ رَاشِدٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ"، وَشَكَّ حَمَّادٌ: عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ اللَّهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ مُهَنَّا: ذَكَرْت لِأَحْمَدَ حَدِيثَ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ، يَرْوِيهِ مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، قُلْت: مِنْ قِبَلِ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَسَأَلْته عَنْ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، أَهُوَ مَعْرُوفٌ؟ فَقَالَ: وَمَنْ يَعْرِفُ ابْنَ أَبِي صُعَيْرٍ؟ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفٌ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ بْنَ أَبِي صُعَيْرٍ، فَضَعَّفَاهُ جَمِيعًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ دُونَ الزُّهْرِيِّ مَنْ يَقُومُ بِهِ
__________
1 قلت: في رواية الدارقطني: ص 223، عبد الله بن ثعلبة بن صعير، أو عن ثعلبة عن أبيه، فلينظر.
2 الدارقطني: ص 223.
3 قلت: "ابن ثعلبة" ليس في الدارقطني في النسخة المطبوعة.
4 أحمد في "مسنده" ص 432 ج 5.(2/409)
الْحُجَّةُ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: مُعَاوِيَةُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ ضَعِيفٌ، وَقَالَ عَبَّاسٌ عَنْهُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ كَثِيرٌ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ صَدُوقٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، قَدْ احْتَمَلَهُ النَّاسُ، رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، مِثْلُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَوُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلَهُ نُسْخَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي "تَهْذِيبِ الْكَمَالِ": عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ الشَّاعِرُ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَيُقَالُ: ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صُعَيْرٍ، وَأُمُّهُ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ زَمَنَ الْفَتْحِ، وَدَعَا لَهُ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَعَنْ أَبِيهِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، رَوَى عَنْهُ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخُو الزُّهْرِيِّ: وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ ابْنُ أُخْتٍ لَنَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ أَبُو ثَعْلَبَةَ1 بْنُ صُعَيْرٍ شَاعِرًا، كَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ2 بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ ابْنُ عَمِّ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، قِيلَ: إنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ فِي وَفَاتِهِ، وَسِنِّهِ غَيْرُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ": عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، يُكَنَّى: بِأَبِي مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ عليه السلام صَغِيرًا، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، قَالَ: أَنَا أَعْقِلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ مَسَحَ رَأْسِي، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ هَذَا عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، لَا عَلَى مِقْدَارِ الْوَاجِبِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مِنْهَا: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا:
__________
1 في نسخة الدار "كان أبوه ثعلبة" "البجنوري".
2 في نسخة الدار "أبو عبد الله" "البجنوري".
3 البخاري في آخر "الزكاة" ص 204، ومسلم في "باب زكاة الفطر" ص 317.(2/410)
إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ: صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَجَعَلَ لِلنَّاسِ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ سَيَّارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ، وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": لَمْ يُخْرِجْ الشَّيْخَانِ لِأَبِي يَزِيدَ، وَلَا لِسَيَّارٍ شَيْئًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ دَاوُد بْنِ شَبِيبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ السَّعْدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ صَارِخًا بِبَطْنِ مَكَّةَ يُنَادِي: "إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، حَاضِرٍ أَوْ بَادٍ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنهم أَنَّ بَعْضَ الْبَادِيَةِ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ عَلَيْنَا زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَقَالَ: "هِيَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ أَقِطٍ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَفِي إسْنَادِهِ بَعْضُ مَنْ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَمْنَعُ تَأْوِيلَ الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فِي "الصَّحِيحِ" بِالْفَرْضِ التَّقْدِيرِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى"، قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3" حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ
__________
1 أبو داود في "باب زكاة الفطر" ص 234، وابن ماجه في "باب زكاة الفطر" ص 132، والدارقطني في "زكاة الفطر" ص 219، والحاكم في "المستدرك" ص 409، وقال: يزيد بن مسلم الخولاني، وهو وهم، وكذا البيهقي: ص 163 ج 4.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 410، وليس فيه: مدان من قمح، وكذا في البيهقي: ص 172 ج 4، والظاهر من قول البيهقي أن السقوط من الناسخ.
3 أحمد في "مسنده" ص 230 ج 2، وهو في "المعتصر": ص 82 من حديث جابر أيضاً.(2/411)
فِي "صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا"1 فَقَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى"، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"2 بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ3 مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، الْحَدِيثَ. قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"4 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ، لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَإِلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، فَإِنَّ لَفْظَ الْكِتَابِ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ" الْحَدِيثَ. قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ: الْمَجُوسِيِّ، عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، نِصْفَ صَاعٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَقَالَ: زِيَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فِيهِ مَوْضُوعَةٌ، انْفَرَدَ بِهَا سَلَّامٍ الطَّوِيلُ، وَكَأَنَّهُ تَعَمَّدَهَا، وَأَغْلَظَ فِيهِ الْقَوْلَ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَقَالَ فِي "التَّحْقِيقِ": قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ جِدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، كأنه كان المتعمد لها، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ
__________
1 البخاري في "الوصايا" في باب تأويل قوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ص 384.
2 البخاري في "باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى" ص 192، ولم أجد في مسلم.
3 مسلم في "الزكاة في باب بيان أن اليد العليا خير من السفلى" ص 332، والبخاري في "باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى" ص 192.
4 تقدم تخريجه من الشيخين آنفاً.
5الدارقطني: ص 220، والبيهقي: ص 161 ج 4، وقال: إسناده غير قوي، اهـ.(2/412)
بْنِ زرارة، حدثنا عمير الْهَمْدَانِيُّ ثَنَا الْأَبْيَضُ بْنُ الْأَغَرِّ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفَعَهُ الْقَاسِمُ هَذَا، وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": الْقَاسِمُ وَعُمَيْرٌ لَا يُعْرَفَانِ بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، وَكِلَاهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الْمُحَدِّثِينَ، فَإِنَّ وَالِدَ الْقَاسِمِ مَشْهُورٌ1 بِالْحَدِيثِ، وَجَدُّ عُمَيْرٍ هُوَ أبو العريف الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ، وَالْأَبْيَضُ بْنُ الْأَغَرِّ لَهُ مَنَاكِيرُ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": الْأَبْيَضُ بْنُ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلَمْ يُعَرِّفْ بِحَالِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عُمَيْرَ بْنَ عَمَّارٍ، وَفِي الْإِسْنَادِ مَنْ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ رواه الدارقطني2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ آبَائِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِنَحْوِهِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ جَدَّ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى هُوَ جَعْفَرُ الصَّادِقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم، وَجَعْفَرٌ لَمْ يُدْرِكْ الصَّحَابَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ3، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ": يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ رِوَايَةِ أَوْلَادِهِ عَنْهُ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ وَلَدِهِ مَنَاكِيرَ كَثِيرَةً.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ: صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه4، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَالْأَوَّلُ مُنْقَطِعٌ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعَضِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَالْإِجْمَاعُ، انْتَهَى. وَهَذَا الِانْقِطَاعُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَجَدِّ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُخْرَجِ عَنْهُ بِلَفْظِ عَلَى، وَعَنْ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْوُجُوبِ، فَحَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرْوِيٌّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، فَرِوَايَةُ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي "الصَّحِيحَيْنِ"5 بِلَفْظِ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ اخْتَلَفَتْ، فَهِيَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"6 بِلَفْظِ: عَلَى كُلِّ عَبْدٍ،
__________
1 روى عنه مسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم.
2 الدارقطني: ص 220، والبيهقي: ص 161 ج 4.
3 مسلم في "صحيحه" والبخاري في غير صحيحه.
4 الشافعي في "كتاب الأم" ص 53 ج 2، والبيهقي في "السنن" ص 161 ج 4.
5 البخاري: ص 204، ومسلم: ص 317.
6 البخاري: ص 205، ومسلم: ص 317.(2/413)
أَوْ حُرٍّ، وَهِيَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظِ عَنْ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَرِوَايَةُ أَيُّوبَ أَيْضًا فِي مُسْلِمٍ بِلَفْظَةِ عَلَى وَرِوَايَةُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظَةِ عَلَى وَرِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِاللَّفْظَيْنِ، قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ أَيْضًا بِحَدِيثِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَدَقَةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي فَرَسِهِ، وَلَا فِي عَبْدِهِ، إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ"، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1، وَأَمَّا لَفْظُ مُسْلِمٍ فِي "صَحِيحِهِ"2: لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ، إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله فِي "الْمُشْكِلِ"3 عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، يَعُولُ: مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَلَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ، سِيَّمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يُخْرِجُ الرَّجُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، حَتَّى إنْ كَانَ لَيُخْرِجَ عَنْ مُكَاتَبِيهِ مِنْ غِلْمَانِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعُثْمَانُ هَذَا هُوَ الْوَقَّاصِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ5 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، عَلَى كُلِّ النَّاسِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ
الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا6: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ اُشْتُهِرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ رضي الله عنه، حَتَّى قِيلَ:
__________
1 الدارقطني: ص 214.
2 مسلم في "أوائل الزكاة" ص 316، والطحاوي في "مشكل الآثار" ص 81 ج 3، ولفظه: ليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقة، إلا صدقة الفطر في الرقيق، اهـ، وأحمد في "مسنده" ص 420.
3 "مشكل الآثار" ص 82 ج 3.
4 الدارقطني: ص 224.
5 البخاري في "أواخر الزكاة" ص 204، ومسلم في "باب زكاة الفطر" ص 317، وفيهما: على الناس، والترمذي في "باب صدقة الفطر" ص 85.
6 قلت: هذا اللفظ عند مسلم فقط، رواه الضحاك عن نافع عن ابن عمر، ولم أجد في البخاري، فلينظر، وكذا لم أجد لفظ: كل، عندهما في رواية مالك.(2/414)
إنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَا، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ لَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُ فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، غَيْرَ مَالِكٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ لَهُ: زَادَ فِيهِ مَالِكٌ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. قَالَ: فَمِنْهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَحَدِيثُهُ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ1، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، كُلُّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَتَبِعَهَا عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ جَمَاعَةٌ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ2، فَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنْ الثِّقَاتِ سَبْعَةٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِمْ مَنْ مُسَّ، وَهُمْ: عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَالْمُعَلَّى بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ.
فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ: عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ الْمُعَلَّى بْنِ إسْمَاعِيلَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ3 عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ثُمَّ إنَّ النَّاسَ جَعَلُوا عِدْلَ ذَلِكَ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، عَلَى
كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالطَّحَاوِيُّ فِي "مُشْكِلِهِ".
__________
1 بل وعند البخاري: ص 205.
2 روى الدارقطني في: ص 219 عن عبيد الله عن نافع: على كل مسلم، قال: وكذلك رواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبد الله بن عمر، وقال فيه: من المسلمين، وكذلك رواه مالك بن أنس، والضحاك بن عثمان، وعمر بن نافع، والمعلى بن إسماعيل، وعبد الله بن عمر العمري، وكثير بن فرقد، ويونس بن يزيد، وروى عن ابن شوذب عن أيوب عن نافع كذلك، اهـ. ثم روى كذلك عنهم سوى يونس بن يزيد، وأيوب.
3 والدارقطني، إلى قوله: أو عبد.
4 الحاكم: ص 410، والدارقطني: ص 219، وأحمد في "مسنده" ص 66 ج 2، وص 137 ج 2.(2/415)
وَحَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "زَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِنَحْوِهِ، سَوَاءً، قَالَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ": رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ، فَقَالَ فِيهِ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، فَقَالَ فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، لَيْسَ فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، وَلَيْسَ فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَحَدِيثُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "مُشْكِلِهِ"3 عَنْهُ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" أَيْضًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ سَيَّارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَلَمْ يُخْرِجْ الْبُخَارِيُّ، وَلَا مُسْلِمٌ لِأَبِي يَزِيدَ، وَلَا لِسَيَّارٍ شَيْئًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخْرَجَ لَهُمَا، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ احْتَجَّ بِرِوَايَتِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحٌ، انْتَهَى.
__________
1 الحاكم: ص 410 سقط عن المطبوع، وذكره الذهبي في "تلخيصه" والدارقطني: ص 220، والبيهقي: ص 162 ج 4.
2 الدارقطني: ص 220.
3 والطحاوي في "شرح معاني الآثار" ص 330، وفي "المشكل" ص 349 ج 4.
4 تقدم تخرجيه ص 411 من هذا الجزء، ويستدل لهم بحديث ابن عباس المتقدم، رواه الحاكم عن ابن جريج عن عطاء عنه، وفيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواه الدارقطني: ص 220.(2/416)
فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ1 عَنْهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ إذا كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ، أَنْ قَالَ: إنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي لَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْت، قَالَ أَبُو دَاوُد2. وَذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ، أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَذَكَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ: نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، أَوْ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ أَسَاءَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" إذْ قَالَ: زَادَ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، لِأَنَّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، هَكَذَا تَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَحُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، قَالُوا: وَالطَّعَامُ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْحِنْطَةُ، سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ: صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَبُو دَاوُد، أَخْرَجَهُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، وَذَكَرَ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَقَالَ: لَا أُخْرِجُهُ إلَّا مَا كُنْت أُخْرِجُهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ4، أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ؟ فَقَالَ: لَا، تلك قيمة معاوية، لا أَقْبَلُهَا وَلَا أَعْمَلُ بِهَا، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ جَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةً لَنَا مِنْ
جِهَةِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ جَعَلَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْحِنْطَةِ عِدْلَ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"6: هَذَا الْحَدِيثُ مُعْتَمَدُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ هُوَ
__________
1 البخاري: ص204، ومسلم: ص318، واللفظ له، والنسيان: ص348
2 أبو داود في"باب كم يؤدي صدقة الفطر" ص245
3 "المستدرك" ص411-ج1
4 سياق الحديث هكذا: صاعا من تمر أو صاعا من حنطةن او صاعا من شعيرن او صاعا من أقط، فقال له رجل، إلخ
5 الدارقطني: ص222
6 ص318(2/417)
أَطْوَلُ صُحْبَةً مِنْهُ، وَأَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَدْ أَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ، لَا قَوْلٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الطَّعَامَ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْحِنْطَةُ، فَمَمْنُوعٌ، بَلْ الطَّعَامُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَأْكُولٍ، وَهُنَا أُرِيدَ بِهِ أَشْيَاءُ ليست الجنطة مِنْهَا، بِدَلِيلِ مَا جَاءَ فِيهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ1 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالْأَقِطَ، وَالتَّمْرَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وروى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ" بِسَنَدٍ صَحِيحٍ2 مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالشَّعِيرَ، وَلَمْ تَكُنْ الْحِنْطَةُ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِيهِ: أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، فَقَدْ أَشَارَ أَبُو دَاوُد إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي "سُنَنِهِ" وَضَعَّفَهَا، فَقَالَ: وَذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ: أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: وَذِكْرُ الْحِنْطَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا أَدْرِي مِمَّنْ الْوَهْمُ. وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَهُ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْحِنْطَةِ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ خَطَأٌ وَوَهْمٌ، إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ مَعْنًى، انْتَهَى. نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَنْهُ، وَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُ الْحَاكِمِ فِي تَصْحِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَدْخُولَةِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: إنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، قُلْنَا: قَدْ وَافَقَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَلَفْظُ: النَّاسُ لِلْعُمُومِ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَلَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ أَبِي سَعِيدٍ لِذَلِكَ، بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ، سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، أَوْ نَقُولُ: أَرَادَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ تَطَوُّعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْكِتَابِ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ خَطَبَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا. قَالَ: من ههنا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ قُومُوا إلَى إخْوَانِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
__________
1 البخاري في "باب صدقة الفطر قبل العيد" ص 204.
2 في نسخة الدار "في مختصر المسند الصحيح" "البجنوري".
3 أبو داود في "باب من روى نصف صاع من قمح" ص 236، والنسائي في "باب الحنطة" ص 347، وفي الجمعة في "باب حث الامام على الصدقة في الخطبة" ص 234، وأحمد: ص 351، والدارقطني: ص 225.(2/418)
فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ رَأْيَ رُخْصَ السِّعْرِ، فَقَالَ: قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَلَوْ جَعَلْتُمُوهُ صَاعًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ حُمَيْدٍ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَرَى صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَلَى مَنْ صَامَ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. وقال الْحَاكِمُ1: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد الأسفرائيني ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا رَآهُ قَطُّ، كَانَ بِالْمَدِينَةِ أَيَّامَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ. قَالَ: وَقَوْلُ الْحَسَنِ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ، هُوَ كَقَوْلِ ثَابِتٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَمِثْلُ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ، وَكَقَوْلِ الْحَسَنِ: إنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ. وَإِنَّمَا قَوْلُهُ: خَطَبَنَا، أَيْ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": الْحَدِيثُ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ، لَكِنْ فِيهِ إرْسَالًا، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبَّاسٍ عَلَى مَا قِيلَ، وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي حَدِيثٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهَذَا إنْ ثَبَتَ دَلَّ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: لَا يُعْلَمُ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُهُ: خَطَبَنَا أَيْ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَسَنُ شَاهِدًا لِخُطْبَتِهِ، وَلَا دَخَلَ الْبَصْرَةَ بَعْدُ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَطَبَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَالْحَسَنُ دَخَلَ أَيَّامَ صِفِّينَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ السَّعْدِيِّ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ صَارِخًا بِمَكَّةَ صَاحَ: "إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ , وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَّيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُقَيْلِيُّ فِي يَحْيَى هَذَا، وَضَعَّفَهُ، وَكَذَلِكَ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ الْأَزْدِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ
__________
1 وروى البيهقي هذا القول في "سننه" ص 168.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 410 ج 1، وليس هذا اللفظ في النسخة المطبوعة، وكذا في البيهقي: ص 172 ج 4 من طريق الحاكم، لكن الظاهر من قوله "عن عطاء من قوله في المدين" أن الترك من الناسخ، ورواه الدارقطني: ص 221 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فيه: مدان من قمح، ثم عن يحيى بن عباد عن ابن جريج باسناده، وقال: مثله سواء.
3 الدارقطني: ص 221.(2/419)
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى. وَأُعِلَّ بِالْوَاقِدِيِّ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِسَلَّامٍ الطَّوِيلِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ سَالِمِ بْنِ نُوحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: "أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِسَالِمِ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: هُوَ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوقٌ ثِقَةٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِيهِ شَيْءٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عِنْدَهُ غَرَائِبُ، وَأَفْرَادُ، وَأَحَادِيثُهُ مُقَارِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ صَائِحًا، فَصَاحَ: "إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَعَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ ضَعَّفُوهُ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ رَوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرَوَى عَنْهُ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَجْهُولٌ لَا أَعْرِفُهُ، وَذَكَرَ غَيْرُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ مَكِّيٌّ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْعُبَّادِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ، وَيَحْيَى بْنِ جرحة، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَجَمَاعَةٍ، وَرَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعَهِ"، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: يُعْرَفُ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3 كَذَلِكَ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ سَالِمُ بْنُ نُوحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ
__________
1 الدارقطني: ص 224.
2 الترمذي في "باب صدقة الفطر" ص 85، والدارقطني: ص 220.
3 ص 173 ج 4.(2/420)
ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ صَارِخًا يَصْرُخُ، الْحَدِيثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" هَكَذَا مُعْضَلًا، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ صَارِخًا يَصْرُخُ، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهم، قَالَتْ: كُنَّا نُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، بِالْمُدِّ الَّذِي يقتانون بِهِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ، سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ رِوَايَةِ إمَامٍ مِثْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَكَيْفَ يَصِحُّ! وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَعْدِيلَ الصَّاعِ بِمُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مَطْعُونٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ، جَعَلَ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ
__________
1 أحمد في "مسنده" ص 355 ج 6، وص 346 ج 6، والطحاوي: ص 319 ج 1، من وجوه ثلاثة، قال الهيثمي في "الزوائد" ص 81 ج 3: رواه الطبراني، وإسناده له طريق، رجالها رجال الصحيح، اهـ.
2 البخاري: ص 205، ومسلم: ص 317.
3 الدارقطني: ص 222، وص 253، وفيه سليمان ابن موسى صدوق فقيه، في حديثه بعض لين، كذا في "التقريب" وأخرجه البيهقي: ص 168 ج 4، وفيه أيوب بن موسى، وبقية الإسناد سواء، فلينظر.
4 أبو داود في "باب كم يؤدي صدقة الفطر" ص 334، والنسائي في "باب السببت" ص 348 عن حسين بإسناد أبي داود مختصراً، وليس فيه: فلما كان عمر، الخ، والله أعلم.(2/421)
مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تلك الأشياء، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِعَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ التَّوَهُّمِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ إنَّمَا عَدَّلَ الْقِيمَةَ فِي الصَّاعِ مُعَاوِيَةُ، فَأَمَّا عُمَرُ فَإِنَّهُ كَانَ أَشَدَّ اتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ تَكَلَّمَ فِيهِ، فَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَالْمُوَثِّقُونَ لَهُ أَعْرَفُ مِنْ الْمُضَعِّفِينَ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ اسْتِشْهَادًا انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: "نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ مَعْرُوفٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَقَالَ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو إسْحَاقَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ عَنْهُ، فَرَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَيْلَانَ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَوَهَمَ فِي رَفْعِهِ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ أَبُو الْعُمَيْسِ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، وَوَقَفَهُ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرَقْمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ سُلْتٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رِشْدِينَ ثَنَا سَعِيدُ بن عفير حدثنا الفضيل بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِالْفَضْلِ بْنِ مُخْتَارٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"1 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ،
__________
1 مراسيل أبي داود: ص 16، والطحاوي عن شعيب بن الليث عن أبيه به: ص 320.(2/422)
انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا مَعَ إرْسَالِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ تَفْسِيرًا مِنْ سَعِيدٍ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَدْ جَاءَ مَا يَرُدُّ هَذَا، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: كَانَتْ الصَّدَقَةُ تُدْفَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ سَلَمَةَ1 الشَّيْبَانِيُّ بِهِ، قَالَ: كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ هُشَيْمِ2: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَحَضَّ عَلَيْهَا، وَقَالَ: "نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى"، قَالَ الطَّحَاوِيُّ3: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ ثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مَدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا الْمُرْسَلُ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَالشَّمْسِ، وَكَوْنُهُ مُرْسَلًا لَا يَضُرُّ، فَإِنَّهُ مُرْسَلُ سَعِيدٍ، وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4، وَنَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: حَدِيثُ مُدَّيْنِ خَطَأٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْدِيلَ بِمُدَّيْنِ كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهَذَا طَرِيقٌ اسْتِدْلَالِيٌّ غَيْرُ رَاجِعٍ إلَى حَالِ الرُّوَاةِ، وَإِلَّا فَالسَّنَدُ كُلُّهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ اُشْتُهِرَ تَقْوِيَتُهَا، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَوَّلُهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي "أَوَّلِ الْفَصْلِ".
__________
1 ظني أنه عبد الخالق بن سلمة الشيباني المتقدم في رواية الطحاوي أيضاً، والله أعلم.
2 ورواه ابن أبي شيبة: ص 36 ج 3 بهذا الاسناد.
3 لم أطلع على هذه الرواية، لا في "شرح الآثار" ولا في "المشكل" وقال الحافظ في "الدراية" ص 169 بعد ذكر رواية المراسيل، كما ذكره المخرج: تابعه الشافعي عن يحيى بن حسان عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد، اه، وكذا ابن الهمام في "الفتح".
4 وروى البيهقي في "سننه" ص 169 ج 4 أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي أنبأ شافع بن محمد أنبأ أبو جعفر الطحاوي حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن يحيى بن حسان به(2/423)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1، وَصَحَّحَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، وَذِكْرُ الْبُرِّ فِيهِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، قَالَ الْحَاكِمُ2: وَأَشْهَرُ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ الَّذِي عَلَوْنَا فِيهِ، لَكِنِّي تَرَكْته، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ فِي "عُلُومِ الْحَدِيثِ" لَهُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَدَقَةَ رَمَضَانَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالطَّرِيقَانِ ضَعِيفَانِ، فَفِي الْأَوَّلِ: سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِيهِ: كَانَ يَرْوِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ أَشْيَاءَ مَوْضُوعَةً، يَتَخَيَّلُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَنَّهُ كَانَ المتعمد لَهَا، انْتَهَى. وَفِي الثَّانِي: مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، كَانَ أَحْمَدُ يُضَعِّفُهُ، وَلَا يَعْبَأُ بِهِ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" فَقَالَ: أَمَّا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ فَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ ابْنِ حِبَّانَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيثُ غَرَائِبُ حِسَانٌ، وَأَرْجُو أَنَّهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَلَكِنَّهُ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ، فَيَرْفَعُ مَوْقُوفًا، وَيُرْسِلُ مُرْسَلًا، لَا عَنْ تَعَمُّدٍ، وَأَمَّا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، فَقَدْ حَسَّنَ أَمْرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ الْفَلَّاسُ: سَمِعْت عَفَّانَ يَقُولُ: كَانَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ثِقَةً، وَسَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ، فَقَالَ: يُدَلِّسُ كَثِيرًا، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ ثِقَةٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "الْمُشْكِلِ"4 عَنْ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، قَالَ: ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ، نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ: بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ تَابَعَ ابْنَ شَوْذَبٍ عَلَى زِيَادَةِ الْبُرِّ فِيهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
__________
1 "المستدرك" ص 410 ج 1، والدارقطني: ص 223، والبيهقي: ص 166 ج 4.
2 الحاكم في "المستدرك" ص 411 ج 1.
3 الدارقطني: ص 221.
4 "المشكل" ص 337 ج 4.(2/424)
عَنْ أَيُّوبَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً عَلَيْهِمَا، فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَا؟! وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلُوا صِنْفًا مَفْرُوضًا، بِبَعْضِ صِنْفٍ مَفْرُوضٍ مِنْهُ؟!، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ الْمَفْرُوضُ بِمَا سِوَاهُ مِمَّا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ "عُلُومِ الْحَدِيثِ" عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَفِيهِ: أَوْ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ، مُخْتَصَرٌ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي "آخِرِ الْبَابِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ عَنْ بَكْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام حَضَّ عَلَى صَدَقَةِ رَمَضَانَ، عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ: صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: بَكْرُ بْنُ الْأَسْوَدِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَضْعِيفِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إلَّا فِي الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَفِي الزُّهْرِيِّ يَرْوِي أَشْيَاءَ خَالَفَ فِيهَا النَّاسَ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّحِيحِ"، وَرَوَى لَهُ فِي "الْأَدَبِ وَفِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ"، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ"، وَبَكْرُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوقٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُعْطِيَ صَدَقَةَ رَمَضَانَ، عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ: صاعاً في طَعَامٍ، مَنْ أَدَّى بُرًّا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى شَعِيرًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى زَبِيبًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى سُلْتًا، قُبِلَ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ": سَأَلْت أَبِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسحاق الْحُنَيْنِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، انْتَهَى. وَكَثِيرٌ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ،
__________
1 الحاكم في "المستدرك" ص 410 ج 1، والدارقطني: ص 221.(2/425)
وَلَمْ يُوَافَقْ التِّرْمِذِيُّ عَلَى تَصْحِيحِ حَدِيثِهِ فِي مَوْضِعٍ، وَتَحْسِينِهِ فِي آخَرَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ، والدارقطني: مَتْرُوكٌ، وَإِسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ أَيْضًا تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْأَزْدِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَهْبَانَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ"، قَالَ: "وَطَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ: الْبُرُّ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ"، انْتَهَى. وَعُمَرُ بْنُ صَهْبَانَ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُسَاوِي فَلْسًا، وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَالرَّازِيِّ، والدارقطني: مَتْرُوكٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ: صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَقَالَا: الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي "عِلَلِهِ" بِتَمَامِهِ، وَفِي لَفْظَةِ أَيْضًا اخْتِلَافٌ، فَعِنْدَ الْحَاكِمِ هَكَذَا: صَاعٌ، وَفِي "سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ" أَوْ نِصْفُ صَاعٍ.
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ.
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ: مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَأَنَّ رَجُلًا أَدَّى إلَيْهِ صَاعًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ سُلْتٍ، أَوْ زَبِيبٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ، مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ: إنَّمَا زَكَاتُك على سيدك، أن يؤدي عَنْك عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ، انْتَهَى.
__________
1 الحاكم في "المستدرك" ص 141 ج 1، والدارقطني: ص 224، والبيهقي ص 166 ج 4.
2 البيهقي: ص 169 ج 4، ولم يرده، وقال: منقطع، ورواه الطحاوي: ص 321، والدارقطني: ص 225
3 أبو داود في "باب كم يؤدي من صدقة الفطر" ص 234, وقد تقدم عن قريب ولم أجد في النسائي ما يتعلق به, وأخرجه الدارقطني: ص222.(2/426)
وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ1 عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَدُّوا زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ مَوْصُولٌ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا2، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَيْضًا3، قَالَ: عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُك نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ4 عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرُوِيَ أَيْضًا5 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهَذَا الْخَبَرُ الْوَقْفُ فِيهِ مُتَحَقِّقٌ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَإِنَّهُ بَلَاغٌ، لَمْ يُبَيِّنْ مَعْمَرٌ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ سِوَى الْحِنْطَةِ، فَفِيهِ صَاعٌ، وَالْحِنْطَةُ نِصْفُ صَاعٍ، وَأَخْرَجَ6 نَحْوَهُ عَنْ طَاوُسٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ7 عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله: وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَوَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي نِصْفِ صَاعٍ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَّةَ كُلِّ واحد منها في "افي الْخِلَافِيَّاتِ".انْتَهَى.
__________
1 والطحاوي في "شرح الآثار" ص 321 ج 1، وقال البيهقي في: ص 169 ج 4، موصول.
2 قوله: أخرجه الطحاوي أيضاً، قلت: لم أجد حديث علي هذا في النسخة المطبوعة من "شرح الآثار" و"المشكل" وقال في "فتح القدير" ص 39 ج 2: أخرج هو أي الطحاوي، وعبد الرزاق عن علي، ثم ذكر الحديث، وظني أنه تبع الحافظ المخرج.
3 ومن طريقه الدارقطني: ص 225 عن علي، وابن مسعود، وجابر.
4 وابن أبي شيبة: ص 36 ج 3، وعن ابن عباس، وابن مسعود، وعلي، وأسماء، وعبد الله بن شداد، وعن غير واحد من التابعين، وقال ابن حزم في "المحلى" ص 129 ج 6: ومن طريق جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، قالت: كان الناس يعطون زكاة رمضان نصف صاع، فأما إذا وسع الله تعالى على الناس فإني أرى أن يتصدق بصاع، اهـ. هذا الأثر أورده ابن حزم لمن قال: بنصف صاع، وابن أبي شيبة عن جرير به، قالت: إني أحب إذا وسع الله تعالى أن يتموا صاعاً من قمح عن كل إنسان، اهـ، في "باب من قال: صدقة الفطر صاع من قمح" ص 37 ج 3.
5 ومن طريقه الطحاوي: ص 320، والدارقطني: ص 224، والبيهقي: ص 164، وأحمد: ص 270، قال الهيثمي ص 180 ج 3: صحيح موقوف.
6 وابن أبي شيبة نحوه عن طاوس، ومجاهد، والشعبي وابن أبي رباح، وابن القاسم، وسعد بن إبراهيم، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي.
7 الطحاوي: ص 321 عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن عباس، وابن أبي صعير، وابن المسيب، ومجاهد وحكم، وحماد، وابن القاسم.(2/427)
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، وَمَدُّنَا أَكْبَرُ الْأَمْدَادِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي قَلِيلِنَا وَكَثِيرِنَا، وَاجْعَلْ لَنَا مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَفِي تَرْكِ الْمُصْطَفَى عليه السلام الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ قَالُوا: صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ صَاعَ الْمَدِينَةِ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، وَلَمْ نَجِدْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا خِلَافًا فِي قَدْرِ الصَّاعِ، إلَّا مَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ، وَالْعِرَاقِيُّونَ، فَزَعَمَ الْحِجَازِيُّونَ أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَصَحَّ أَنَّ صَاعَ النَّبِيِّ عليه السلام كَانَ خَمْسَةَ أرطال وثلث، إذْ هُوَ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ2، وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ: أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ثَبَتَ عَلَى صِحَّتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ": عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الطَّائِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيُّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، كَمْ وَزْنُ صَاعِ النَّبِيِّ عليه السلام؟ قَالَ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ، أَنَا حَزَرْته3. قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ خَالَفْت شَيْخَ الْقَوْمِ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قُلْت: أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لبعض جلساته: يَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدِّك، وَيَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ عَمِّك، وَيَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدَّتِك، فَاجْتَمَعَتْ أَصْوُعٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: تَحْفَظُونَ فِي هَذِهِ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَخِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مَالِكٌ: أَنَا حَزَرْت هَذِهِ، فَوَجَدْتهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا، قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أُحَدِّثُك بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا عَنْهُ: أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ نِصْفُ صَاعٍ، وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: هَذِهِ أَعْجَبُ مِنْ الْأُولَى، بَلْ صَاعٌ تَامٌّ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، هَكَذَا أَدْرَكْنَا عُلَمَاءَنَا بِبَلَدِنَا هَذَا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ مُظْلِمٌ، وَبَعْضُ رِجَالِهِ غَيْرُ مَشْهُورِينَ، وَالْمَشْهُورُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ4 عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو يُوسُفَ رحمه الله مِنْ الْحَجِّ، فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَيْكُمْ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ أَهَمَّنِي، فَفَحَصْت عَنْهُ، فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَسَأَلْت عن الصاع
__________
1 والبيهقي في "سننه" ص 171 ج 4، وفيه عبد الله بن جعفر المديني، والأعلى، روى عن العلاء، وعبد الله ضعيف، والعلاء هو ابن عبد الرحمن.
2 ولا أعجب من هذا الاستدلال شيء، كذا في "فتح القدير" ص 42 ج 2.
3 قوله: أنا حزرته بالحاء المهملة، وتقديم الزاي المعجمة على الراء المهملة.
4 البيهقي ص 171 ج 4.(2/428)
فَقَالَ: صَاعُنَا هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت لَهُمْ: مَا حُجَّتُكُمْ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَأْتِيك بِالْحُجَّةِ غَدًا، فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَانِي نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ شَيْخًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ الصَّاعُ تَحْتَ رِدَائِهِ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، أَنَّ هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرْت فَإِذَا هِيَ سَوَاءٌ، قَالَ: فَعَيَّرْته، فَإِذَا هُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ، فَرَأَيْت أَمْرًا قَوِيًّا، فَتَرَكْت قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي الصَّاعِ، وَأَخَذْت بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا ناظره، واستدل عليه بالصيعان الَّتِي جَاءَ بِهَا أُولَئِكَ الرَّهْطُ، فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بن سعيد الدرامي: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ: عَيَّرْت صَاعَ النَّبِيِّ عليه السلام، فَوَجَدْته خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ رِطْلٍ بِالتَّمْرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، أَوْ الصَّاعِ الَّذِي يُقْتَاتُ بِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَهُوَ الْحُجَّةُ لِمُنَاظَرَةِ مَالِكٍ، وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الْفِدْيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ لَهُ: "صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا3: فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُطْعِمَ فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِي شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: فَقَوْلُهُ: نِصْفُ صَاعٍ حُجَّةٌ لَنَا، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَالْفَرْقُ: اثْنَا عَشَرَ مُدًّا، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْفَرْقُ: سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَالصَّاعُ ثُلُثُ الْفَرْقِ، خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُث، وَالْمُدُّ: رِطْلٌ وَثُلُثٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ4 عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ، فَأَخْرَجَ إلَيَّ مَنْ أَثِقُ بِهِ صَاعًا، وَقَالَ: هَذَا صَاعُ النَّبِيِّ عليه السلام، فَوَجَدْته خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ: الَّذِي أَخْرَجَهُ لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ مَالِكٌ، وَسَمِعْت أَبَا حَزْمٍ يَذْكُرُ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: هُوَ تَحَرِّي عَبْدِ الْمَلِكِ بِصَاعِ عُمَرَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: هَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ يَعْنِي ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ.قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ 5
__________
1 ص 412 ج 1.
2 البخاري في "باب الاطعام في الفدية نصف صاع" ص 244، ومسلم في "جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى" ص 382.
3 هذا اللفظ في البخاري في "المناسك في باب النسك شاة" ص 234، ومسلم: ص 382 ج 1.
4 الطحاوي: ص 324.
5 ابن أبي شيبة: ص 54 ج 3، وفيه حنشاً، بدل: حسن بن صالح، والباقي سواء، والرواية الثانية: أبو عبيد في "كتاب الأموال" ص 518، أيضاً، قال: حدثني عبد الله بن داود عن على بن صالح به.(2/429)
فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: سَمِعْت حَسَنَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ: صَاعُ عُمَرَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَقَالَ شَرِيكٌ: أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ أَرْطَالٍ، وَأَقَلُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: الْحَجَّاجِيُّ صَاعُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَهَذَا الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ إبراهيم النخعي، قال: غيرنا الصَّاعَ فَوَجَدْنَاهُ حَجَّاجِيًّا، وَالْحَجَّاجِيُّ عِنْدَهُمْ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَعَنْهُ قَالَ: وَضَعَ الْحَجَّاجُ قَفِيزَهُ عَلَى صَاعِ عُمَرَ، قَالَ: فَمَا ذَكَرَاهُ عِيَارٌ حَقِيقِيٌّ، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ مَالِكٌ، مِنْ تَحَرِّي عَبْدِ الْمَلِكِ بِصَاعِ عُمَرَ، لِأَنَّ التَّحَرِّيَ لَا حَقِيقَةَ مَعَهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ: رِطْلَيْنِ، وَيَغْسِلُ بِالصَّاعِ: ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
فَحَدِيثُ أَنَسٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ: رِطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ: ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: رَوَاهُ3 فِي "الطَّهَارَةِ" عَنْ مُوسَى بْنِ نَصْرٍ الْحَنَفِيِّ ثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَنَسٍ، نَحْوَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى بْنُ نَصْرٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ4 فِي "الزَّكَاةِ" عَنْ صَالِحِ بْنِ مُوسَى الطَّلْحِيِّ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، صَاعٌ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، وَفِي الْوُضُوءِ. رِطْلَانِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَنْصُورٍ غَيْرُ صَالِحٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ5 هَذِهِ الْأَسَانِيدَ الثَّلَاثَةَ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 الطحاوي: ص 324.
2 الدارقطني: ص 226، قلت: وأخرج أبو داود في "سننه" ص 13 عن شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جبر عن أنس، قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بإناء يسع رطلين، ويغتسل بالصاع، اهـ. وشريك مختلف فيه.
3 الدارقطني: ص 35.
4 الدارقطني: ص 226، وص 215، مع مغايرة قليلة في السياق، قلت: حديث عائشة هذا حديث آخر غير حديث أنس، وجابر رضي الله عنهم، ففيما عدَّ الشيخ حديث عائشة من طرق حديث أنس في النفس منه شيء، واستدل الطحاوي في "شرح الآثار" ص 322 ج 1 لأبي حنيفة بحديث عائشة، رواه هو، والنسائي في "السنن" ص 46 عن موسى الجهني عن مجاهد، قال: دخلنا على عائشة، فاستسقى بعضنا، فأتى بعس، قالت عائشة: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل بمثل هذا، قال مجاهد: فحزرته فيما أحزر: ثمانية أرطال، تسعة أرطال، عشرة أرطال، اهـ. قال الطحاوي: قالوا: لم يشك مجاهد في الثمانية، إنما شك فيما فوقها، فثبت الثمانية بهذا الحديث، وانتفى ما فوقها، وممن قال بهذا أبو حنيفة، اهـ.
5 البيهقي: ص 171 ج 4.(2/430)
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى بْنِ وَجِيهٍ الْوَجِيهِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ: رِطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ: ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عُمَرَ بْنَ موسى هذا عن الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: إنَّهُ فِي عِدَادِ مَنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ سَفِينَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"3 عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مداً وثلاثاً بِمُدِّكُمْ الْيَوْمَ، فَزِيدَ فِيهِ، فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ4 فِي بَابِ الصَّدَقَةِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ صَاعُ النَّبِيِّ عليه السلام ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، وَمُدُّهُ رِطْلَيْنِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَنَسٍ: لَيْسَ فِيهِ الْوَزْنُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْت: رَوَاهُ الْحَاكِمُ5 أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِهِ "عُلُومِ الْحَدِيثِ" وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَامِلٌ فِي "بَابِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي انْفَرَدَ بِزِيَادَةٍ فِيهَا رَاوٍ وَاحِدٌ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ السَّمْهَرِيُّ6 ثَنَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ
صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، وَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَخْرُجَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُهَا قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْمُصَلَّى، وَيَقُولُ: "أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، انْتَهَى.
__________
1 البخاري في "الطهارة في باب الوضوء بالمد" ص 33، ومسلم في "باب القدر المستحب من الماء" ص 149 ج 1.
2 مسلم: ص 149، والترمذي، وصححه.
3 البخاري في "الاعتصام في باب اتفاق أهل العلم" ص 1090، والنسائي في "الزكاة في باب كم الصاع" ص 348، وليس فيهما: في زمن عمر بن عبد العزيز.
4 "كتاب الأموال" ص 518.
5 وأخرجه البيهقي في "سننه" ص 175 ج 4 عن أبي الربيع حدثنا أبو معشر به، ولم يذكر القمح، وقال: أبو معشر هذا نجيح السندي المديني غيره أوثق منه، اهـ. قلت: ضعفه ابن المديني، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال يحيى، والنسائي، والدارقطني: ضعيف، وكان يحيى بن سعيد يستضعفه
1 في نسخة الدار "السمرى" "البجنورى".، معرفة علوم الحديث ص131.(2/431)
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُخْرِجُهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يَطْعَمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ: "أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحٍ، وَلَفْظُهُ: وَقَالَ: "أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَمَشَّاهُ هُوَ، وَقَالَ: مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.4، وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي "عُلُومِ الْحَدِيثِ" بِزِيَادَةٍ فِيهِ، وَلَمْ يُعَلِّهِ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" إلَّا بِأَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: قَالَ الْبُخَارِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى أَعْنِي حَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالُوا: فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ بعد ما حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ بِشَهْرٍ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجِرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ عليه السلام فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ، وَأَنْ يُخْرَجَ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ مُدَّانِ مِنْ بُرٍّ، وَأَمَرَ بإِخراجها قبل الغد، وإلى الصَّلَاةِ، وَقَالَ: "أَغْنُوهُمْ يَعْنِي الْمَسَاكِينَ عَنْ الطَّوَافِ هَذَا الْيَوْمَ"، انْتَهَى.
__________
1 البخاري: ومسلم: ص 318، والدارقطني: ص 225.
2 ابن أبي شيبة: ص 25 ج 3، والدارقطني: ص 226.
3 الدارقطني: ص 225.
4 قال في "الميزان": قال ابن عدي: وأبو معشر مع ضعفه يكتسب حديثه.
5 ابن سعد في "الطبقات" ص 8 ج 3 القسم الأول وهذا إنجاز وعده في: ص 423، من هذا الجزء، قلت: الواقدي معروف.(2/432)
كتاب الصوم
مقدمة
...
كِتَابُ الصَّوْمِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ"، قُلْت: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَجْمَعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنْ اللَّيْلِ"، وَجَمَعَ النَّسَائِيُّ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد2: وَرَوَاهُ اللَّيْثُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَهُ. وَوَقَفَهُ عَلَى حَفْصَةَ: مَعْمَرٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَيُونُسُ الْأَيْلِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، انْتَهَى. "حَدِيثُ اللَّيْثِ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَحَدِيثُ إسْحَاقَ، عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ"، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمٍ، لَمْ يُذْكَرْ بَيْنَهُمَا الزُّهْرِيُّ، وَبِالطَّرِيقَيْنِ3 رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ4: الصَّوَابُ عِنْدِي موقوف، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ" عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عِنْدَهُمَا مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
__________
1 أبو داود في "الصيام في باب النية في الصوم" ص 340، والنسائي في "باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة" ص 320، والترمذي في "باب لا صيام لمن لم يعزم من الليل: ص 91 ج 1، وابن ماجه في "باب ما جاء في فرض الصوم من الليل" ص 123، وأحمد: ص 287 ج 6، والبخاري في "التاريخ الصغير" ص 67 والطحاوي: ص 325، فليراجعهما.
2 قلت: اندرج كلام المخرج في النسخة المطبوعة سابقاً، في أثناء قول أبي داود بحيث اختل نظام الكلام، وكان حق العبارة هكذا: قال أبو داود: رواه الليث، وإسحاق بن حازم عن عبد الله ابن أبي بكر مثله، ووقفه عن حفصة معمر، والزبيدي، وابن عيينة، ويونس الأيلي، انتهى. حديث ليث، عند الطبراني في "معجمه" وحديث إسحاق، عند ابن ماجه، وأخرجه الترمذي، الخ. أقول: هذا الاختلال غير موجود في نسخة الدار المخطوطة، وقد أزيل عن هذا الطبع، كما تراه "البجنوري".
3 أي طريق سالم، ونافع، والله أعلم.
4 وقال البخاري في "تاريخه الصغير" ص 68، بعد ذكره اختلاف الناقلين: غير المرفوع أصح، اهـ، وقال الطحاوي: ص 325: هذا الحديث لا يرفعه الحفاظ الذين يروونه عن ابن شهاب، ويختلفون عنه فيه اختلافاً يوجب اضطراب الحديث بما هو دونه، اهـ.(2/433)
عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَوَقَفَهُ، وَتَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ، وَجَمَاعَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَقَامَ إسْنَادَهُ وَرَفَعَهُ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى"1: ذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاقِلِينَ لِخَبَرِ حَفْصَةَ، ثُمَّ سَاقَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ مَرْفُوعًا، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمٍ بِهِ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ أَيْضًا مَرْفُوعًا. قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ2 عَنْ حَفْصَةَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مَوْقُوفٌ، وَلَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ، لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَوْلُهُ: ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَلَمْ يَرْوِهِ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"3 إلَّا كَذَلِكَ، مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ4: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ"، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا، قُلْت لَهُ: أَيُّهُمَا أَصَحُّ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَدْرَكَ سَالِمًا، وَرَوَى عَنْهُ، وَلَا أَدْرِي سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْهُ، أَوْ سَمِعَهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ قَوْلُهَا، وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّادٍ ثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ الْمُفَضَّلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَقَرَّهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي "سُنَنِهِ"، وَفِي "خِلَافِيَّاتِهِ"، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّادٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ لَيْسَ
__________
1 قلت: الروايات موجودة في "المجتبى" أيضا
2 ظني أنه هو الصحيح، وفي النسخة المطبوعة: الربيع، بدل: أبيه، فلينظر.
3ص 86.
4 ص 225.
5 الدارقطني: ص 234، والبيهقي: ص 203 ج 4.(2/434)
بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ الْبَصْرِيُّ يَقْلِبُ الْأَخْبَارَ، رَوَى عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثَ: مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ، وَهَذَا مَقْلُوبٌ إنَّمَا هُوَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ، رَوَى عَنْهُ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ سَعْدٍ تَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَجْمَعَ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يُجْمِعْهُ، فَلَا يَصُمْ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِالْوَاقِدِيِّ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، قال بعد ما شَهِدَ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ: "أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" وَقَالَ: إن هذا الحديث لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ: أَنْ تَصُومُوا غَدًا، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 بِلَفْظٍ صَرِيحٍ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ لَيْلَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، قَالَ: أَبْصَرْت الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَلَكِنْ فِيهِ احْتِمَالٌ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، قَالَ: الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: فَيَصُومُوا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُرْسَلًا، وَمُسْنَدًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُرْسَلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَأَنَّ سِمَاكًا إذَا تَفَرَّدَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، لِأَنَّهُ كَانَ يُلَقَّنُ فَيَتَلَقَّنُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْنَدًا ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِعِكْرِمَةَ، وَمُسْلِمٌ بِسِمَاكٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ سِمَاكٌ: وَأَنَّ رَفْعَهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ،
__________
1 الدارقطني: ص 228 من حديث ابن عباس رضي الله عنه، والحاكم في "المستدرك" ص 424 ج 1.
2 أبو داود في "باب شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان" ص 327، والنسائي في "باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان" ص 300، والترمذي في "باب الصوم بالشهادة" ص 87، وابن ماجه في "باب الشهادة على رؤية الهلال" ص 120، و"مشكل الآثار" ص 202 ج 1.(2/435)
فَهُوَ مَرْدُودٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ1، قَالَ: ترائى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَرَأَيْتُهُ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي حَدِيثِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ: أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: " أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ"، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ3: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ، وَلَمْ ينْوِه لَيْلًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": لَمْ يَكُنْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا، فَلَهُ حُكْمُ النَّافِلَةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"4 عَنْ مُعَاوِيَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، فَإِنِّي صَائِمٌ"، فَصَامَ النَّاسُ، قَالَ: وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ مَعْنَاهُ: لَيْسَ مَكْتُوبًا عَلَيْكُمْ الْآنَ، أَوْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَنْ فُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَهُوَ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ عليه السلام بعد ما أَسْلَمَ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ، أَوْ عَشْرٍ، بَعْدَ أَنْ نُسِخَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ، وَرَمَضَانُ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَنَسْخُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"5 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا يَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ"، انْتَهَى. قَالَ: وَأَمَّا تَرْكُ الْأَمْرِ لِقَضَائِهِ: فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْيَوْمَ بِكَمَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، كَمَا قِيلَ فِيمَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي حَدِيثٍ غَرِيبٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"6 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةً عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ أَسْلَمَ أَتَتْ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي عَاشُورَاءَ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ بعد ما يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ: "إنِّي إذًا لَصَائِمٌ"،
__________
1 أخرجه أبو داود: ص 327 ج 1، والمستدرك: ص 423 ج 1.
2 البخاري في "باب إذا نوى بالنهار صوماً" ص 257، ومسلم في "باب صوم عاشوراء" ص 359 ج 1.
3 ص 327.
4 البخاري: ص 268، ومسلم: ص 358.
5 البخاري: ص 268، ومسلم: ص 357.
6 أبو داود في "باب فضل صوم عاشوراء" ص 339، والبيهقي: ص 221 ج 4.(2/436)
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ عليه السلام ذَات يَوْمٍ، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ " فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: "إنِّي إذًا صَائِمٌ"، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: "أَدْنِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا"، فَأَكَلَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ، فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ"، وَفِي لَفْظٍ: "فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ"، وَفِي لَفْظٍ: "فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ يَوْمُ شَكٍّ إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ إلَّا تَطَوُّعًا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ رضي الله عنه، أَنَّهُ يَجِبُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يُسَمَّى يَوْمَ شَكٍّ، قَالَ: وَيَوْمُ الشَّكِّ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ بِأَنْ يَتَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ طَلَبِ الْهِلَالِ، أَوْ يَشْهَدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ يَرُدُّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ، وَنُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم، وَاسْتَدَلَّ لِأَصْحَابِنَا، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ، بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا: حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ الْمُتَقَدِّمِ: "فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ"، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ قَالَ فِي "صَحِيحِهِ" الَّذِي خَرَّجَهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ، فَقَالَ فِيهِ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَشَبَّابَةَ، وَعَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا قَالُوا فِيهِ: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آدَم رَوَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِانْفِرَادِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ بَيْنَ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ وَجْهٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ رَمَضَانُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ، وَلَا يَصِيرُ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا يُؤَوِّلُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ ذِكْرِ شَعْبَانَ، فَقَالُوا: نَحْمِلُهُ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ، فَإِنَّا نَحْتَاجُ إلَى إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، فَإِنَّا وَإِنْ كُنَّا قَدْ صُمْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَلَسْنَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَكِنَّا صُمْنَاهُ حُكْمًا، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى أقرب
__________
1 مسلم في "باب جواز صوم النافلة بنية من النهار" ص 364، والنسائي: ص 319.
2 البخاري في "باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا رأيتم الهلال" الخ: ص 256، ومسلم في "باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال" ص 348.
* في نسخة: ابن إسماعيل(2/437)
مَذْكُورٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. الثَّانِي: أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ مُفَسَّرًا: "إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا"، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ أَنَّ آدَمَ بْنَ أَبِي إيَاسٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ للخبر، فغير قادح في صِحَّةِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام إمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ اللَّفْظَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ أَحَدَهُمَا، وَذَكَرَ الرَّاوِي اللَّفْظَ الْآخَرَ بِالْمَعْنَى، فَإِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ لِلْعَهْدِ أَيْ عِدَّةَ الشَّهْرِ وَالنَّبِيُّ عليه السلام لَمْ يَخُصَّ بِالْإِكْمَالِ شَهْرًا دُونَ شَهْرٍ، إذَا غُمَّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ، إذْ لَوْ كَانَ شَعْبَانُ غَيْرَ مُرَادٍ مِنْ هَذَا الْإِكْمَالِ لَبَيَّنَهُ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْإِكْمَالِ عَقِيبَ قَوْلِهِ: صُومُوا وَأَفْطِرُوا، فَشَعْبَانُ وَغَيْرُهُ مُرَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، فَلَا تَكُونُ رِوَايَةُ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، بَلْ مُبَيِّنَةٌ لَهَا. أَحَدُهُمَا: أَطْلَقَ لَفْظًا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الشَّهْرِ، وَالثَّانِي: ذَكَرَ فَرْدًا مِنْ الْأَفْرَادِ، قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ، فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حبان في "صحيحهما"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَمَامَةٌ أَوْ ضَبَابَةٌ، فَأَكْمِلُوا شَهْرَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ". قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَسِمَاكٌ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" قَالَ: وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ: أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ غُمَّ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْبَانُ، وَرَمَضَانُ، وَغَيْرُهُمَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ" رَاجِعًا إلَى الْجُمْلَتَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أَيْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي صَوْمِكُمْ، أَوْ فِطْرِكُمْ"، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ، وَبَاقِي الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَقْدِرُوا لَهُ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ
__________
1 أبو داود في "باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين" ص 325، والترمذي في "باب: إن الصوم لرؤية الهلال والافطار له" ص 87، والطحاوي: ص 253، وأحمد: ص 226.
2 الطيالسي: ص 348، ومن طريقه البيهقي: ص 208 ج 4.
3 في نسخة الدار "عن عكرمة به" "البجنوري".
4 أبو داود في "باب إذا أغمى الشهر" ص 325، والنسائي في "باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم" ص 301،(2/438)
عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ , ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ , أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"؛ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا1 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، فَذَكَرَهُ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ، فَذَكَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ قَالَ فِيهِ: عَنْ حُذَيْفَةَ غَيْرَ جَرِيرٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ هَذَا ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الصَّحْوِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْغَيْمَ، أَوْ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ، كَمَا سَبَقَ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَإِنَّ تَسْمِيَةَ حُذَيْفَةَ، وَهْمٌ مِنْ جَرِيرٍ، فَظَنَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ هَذَا تَضْعِيفٌ مِنْ أَحْمَدَ لِلْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُرْسَلٍ، بَلْ مُتَّصِلٌ، إمَّا عَنْ حُذَيْفَةَ، وَإِمَّا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَجَهَالَةُ الصَّحَابَةِ غَيْرُ قَادِحَةٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَفَّظُ مِنْ هِلَالِ شعبان مالا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَصُومُ رَمَضَانَ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذِهِ عَصَبِيَّةٌ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَرْضَى مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": لَيْسَتْ الْعَصَبِيَّةُ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِنَّمَا الْعَصَبِيَّةُ مِنْهُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حاتم: سألت عَنْهُ، فَقَالَ: حَسَنُ الْحَدِيثِ، صَالِحُ الْحَدِيثِ. وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَمْ يَرْوِ شَيْئًا خَالَفَ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَكَوْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ كَانَ لَا يَرْضَاهُ، غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ، فَإِنَّ يَحْيَى شَرْطُهُ شَدِيدٌ فِي الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرْوِ إلَّا عَمَّنْ أَرْضَى، مَا رَوَيْت إلَّا عَنْ خَمْسَةٍ. وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، غَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أصحاب الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ، كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
والطحاوي: ص 254 عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذا الدارقطني: وقال: كلهم ثقات، والبيهقي: ص 208، وقال: وصله جرير عن منصور، بذكر حذيفة، وهو ثقة حجة.
1 والترمذي: ص 86 عن البعض فقط.
2 أخرجه أبو داود: ص 325.
3 الدارقطني: ص 227.(2/439)
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ الْأَشْدَقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ، قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ صِيَامًا، وَكَانَ الشَّهْرُ قَدْ أُغْمِيَ عَلَيْنَا، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ عليه السلام، فَأَصَبْنَاهُ مُفْطِرًا، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ صُمْنَا الْيَوْمَ، فَقَالَ "أَفْطِرُوا"، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يُتَمَارَى فِيهِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ مِنْهُ" يَعْنِي مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْخَطِيبُ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كِفَايَةٌ عَمَّا سِوَاهُ، وَشَنَّعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ تَشْنِيعًا كَثِيرًا، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عَلَى ابْنِ جَرَادٍ، لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ تَرَخَّصُوا فِي ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نُسْخَةُ يَعْلَى بْنِ الْأَشْدَقِ عَنْ ابْنِ جَرَادٍ، وَهُوَ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَهُوَ وَعَمُّهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَوَافَقَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا".قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا1.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ".
قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَيَصُومُهُ" 3، انْتَهَى. وَآخِرُ الْحَدِيثِ يَدْفَعُ تَأْوِيلَ صَاحِبِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ لِلشَّافِعِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا، ابْتِدَاءً، أَيْ لَا يُوَافِقُ عَادَةً، ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَصُومُوا رَمَضَانَ فِي غَيْرِ أوانه، ويرده ما وفع فِي لَفْظٍ أَيْضًا: " لَا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ4 بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ"، وَقَدْ جَاءَ بِالتَّصْرِيحِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 172: معناه يخرج من الحديثين الماضي والآتي، والله أعلم.
2 البخاري في "باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم أو يومين" ص 256، ومسلم في "باب وجوب صوم رمضان" ص 348، والترمذي: ص 86، وأبو داود: ص 326، والنسائي: ص 305، وص 307، وابن ماجه: ص 120.
3 كذا في ابن ماجه، وفي نسخة الدار "فيصوم" ولفظ مسلم: "فليصمه" "البجنوري".
4 محط الرد، قوله: بين يدي رمضان.(2/440)