وَاشْرَبُوا"، قُلْت: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ؟ قَالَ: لَا، لَمْ يَزَلْ الْأَذَانُ عِنْدَنَا بِلَيْلٍ، وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر: قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَزَلْ الصُّبْحُ يُنَادَى بِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّا لَمْ نَرَ يُنَادَى لَهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ وَقْتُهَا، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَوْ كَانَ حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَائِدَةٌ، وَكَيْفَ يَأْمُرُهُ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ؟ وَقَالَ الْأَثْرَمُ: وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ خَطَأٌ مِنْهُ، وَأَصْلُ الْحَدِيثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُؤَذِّنًا يُقَالُ لَهُ: مَسْرُوحٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَسْعُودٌ أَذَّنَ بِلَيْلٍ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ حَدِيثَ حَمَّادٍ هَذَا: وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ أَحْمَدُ بن حنبل: أرأيت الرَّجُلَ يَغْمِزُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَ فِي السِّنِّ سَاءَ حِفْظُهُ، فَلِذَلِكَ تَرَكَ الْبُخَارِيُّ الِاحْتِجَاجَ بِحَدِيثِهِ، وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ اجتهد في أمره، أخرج مِنْ أَحَادِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ مَا سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ، وَمَا سِوَى حَدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ، فَلَا يَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ حديثاً، أخرجها الشَّوَاهِدِ دُونَ الِاحْتِجَاجِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِمَا يُخَالِفُ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جُمْلَتِهَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْإِمَامُ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنْبَأَ أَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ1 عَنْ الْحَسَنِ2 أَنَّهُ سَمِعَ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ بِلَيْلٍ، فَقَالَ: علوج تبارى3 الدُّيُوكَ، وَهَلْ كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بعد ما يَطْلُعُ الْفَجْرُ؟ وَلَقَدْ أَذَّنَ بِلَالٌ بِلَيْلٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ، فَنَادَى: إنَّ الْعَبْدَ قد نام، فوِجد بلال وَجْدًا شَدِيدًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ عَامِرِ بْنِ مُدْرِكٍ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، فَوَجَدَ بِلَالٌ وَجْدًا شَدِيدًا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهَمَ فِيهِ عَامِرُ بْنُ مُدْرِكٍ، وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مُؤَذِّنٍ لِعُمَرَ، يقل له: مستروح أَذَّنَ قَبْلَ الصُّبْحِ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ، انْتَهَى.
__________
1 هو طريف بن شهاب ضعيف.
2 أبو بكر نا أبو خالد عن أشعث عن الحسن، قال: أذن بلال بلبل، فأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينادي: نام العبد: فنادى: نام العبد، وهو يقول:
ليت بلالاً لم تلده أمه ... وابتل من نضح دم جبينه
قال: وبلغنا أنه أمره أن يعيد الأذان. مصنف ابن أبي شيبة ص 149.
3 في نسخة تنادى.
4 ص 91.(1/286)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْعَدَ، فَيُنَادِيَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، فَفَعَلَ، وَقَالَ: لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ جَبِينِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَة. وَغَيْرُهُ، يُرْسِلُهُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ بِلَالًا، وَلَا يَذْكُرُ إسْنَادًا، وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ1، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيِّ ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَذَّنَ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ، فَرَقَى، وَهُوَ يَقُولُ: لَيْتَ بِلَالًا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ جَبِينِهِ، يُرَدِّدُهَا حَتَّى صَعِدَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَذَّنَ حِينَ أَضَاءَ الْفَجْرُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ مَجْرُوحٌ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ رَمَيْنَا حَدِيثَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَكْذِبُ، وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، قَالَ عَفَّانَ: أَحَادِيثُهُ كُلُّهَا مَقْلُوبَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا لَيْسَ الْحَدِيثُ مِنْ صِنَاعَتِهِ، فَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ الْمَنَاكِيرُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا إسماعيل بن عباس عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: كُنَّا لَا نُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى نَرَى الْفَجْرَ، وَكَانَ يَضَعُ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ2، انْتَهَى. وَبِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بِلَالٍ نَحْوُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ يَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ أَذَّنَ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنَّ ابْنَ إسْحَاقَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ، وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ الضَّعْفُ إلَّا مِنْ جِهَةِ مُعَارَضَةِ غَيْرِهِ لَهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَالتَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فِي سَائِرِ الْعَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَاَلَّذِي يُقَالُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: إنَّهُ حَسَنٌ، انْتَهَى. والله أعلم.
__________
1 أي ثم أخرج مرسلا وقال: المرسل أصح.
2 قال الحافظ في الدراية ص 64 بإسناد ضعيف.
3 أبو داود في باب الأذان فوق المنارة، ص 84، قال الحافظ في الدراية إسناده حسن وأخرج أبو داود: ص 86 عن شداد عن بلال أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له "لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر، هكذا": ومد يديه عرضاً، قال أبو داود: شداد مولى عياض، لم يدرك بلالاً، اهـ.(1/287)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلِ2، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَعَائِشَةَ، قَالَا: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ: بِلَالٌ. وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يؤذن ابن أم مَكْتُومٍ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ4 عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ آذَانُ بِلَالٍ مِنْ سُحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ"، أَوْ قَالَ: "يُنَادِي بِلَيْلٍ: لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ، وَيَنْتَبِهَ نَائِمُكُمْ، وَلَيْسَ الْفَجْرُ5 أَنْ يَقُولَ: وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ فَرَفَعَهَا إلَى فَوْقَ، وَطَأْطَأَ إلَى أَسْفَلَ، حَتَّى يَقُولَ: هَكَذَا"، وَقَالَ زُهَيْرٌ: بِسَبَّابَتَيْهِ: إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ أَحَادِيثَ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ خَطَأً، عَلَى ظَنِّ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ6 لَا يَغُرَّنَّكُمْ آذَانُ بِلَالٍ، فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ سُوءًا وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَحَدِيثٌ أَخْرَجَهُ هُوَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: "إنَّك تُؤَذِّنُ إذَا كَانَ الْفَجْرُ سَاطِعًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ الصُّبْحَ إنَّمَا الصُّبْحُ هَكَذَا: مُعْتَرِضًا"، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ بِطُلُوعِ مَا يَرَى أَنَّهُ الْفَجْرُ، وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ بِفَجْرٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ: فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"، قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا مِقْدَارُ مَا يَنْزِلُ هَذَا، وَيَصْعَدُ هَذَا، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ آذَانِهِمَا مِنْ الْقُرْبِ مَا ذَكَرْنَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْصِدَانِ وَقْتًا وَاحِدًا، وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ، لَكِنْ بِلَالٌ يُخْطِئُهُ، وَيُصِيبُهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ الْجَمَاعَةُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت.
وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ لهذا التأويل بحديث الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ7 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ8 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ خَالِدٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
__________
1 في باب أذان الأعمى ص 86، ومسلم في الصوم - في باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر ص 349.
2 قال ابن حزم: وهذا حق، إلا أنه كما ذكرنا من أنه لم يكن أذان الصلاة محلى ص 119 - ج 3، قال: ولم يأت في شيء من الآثار التي احتجوا بها ولا غيرها: أنه عليه السلام اكتفى بذلك الأذان لصلاة الصبح، بل في كلها، وغيرها أنه كان هنالك أذان آخر بعد الفجر.
3 البخاري في الصيام - في باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال" ص 157، ومسلم: ص 350، واللفظ له.
4 في باب الأذان قبل الفجر ص 87، واللفظ له، ومسلم: ص 350.
5 لفظ البخاري هكذا: ليس أن يقول الفجر.
6 هو حديث أنس.
7 في باب من روى النهي عن الأذان قبل الوقت ص 383.
8 هذا خطأ، فإن الحاكم في السند المتقدم على هذا الحديث.(1/288)
بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ " قَالَ: اسْتَيْقَظْت وَأَنَا وَسْنَانٌ، فَظَنَنْت أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَادِيَ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا: إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ1، ثُمَّ أَقْعَدَهُ إلَى جَنْبِهِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، انْتَهَى. وَبِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ جَدِّهِ شَيْبَانُ، قَالَ: تَسَحَّرْتُ، ثُمَّ أَتَيْت الْمَسْجِدَ، فَاسْتَنَدَتْ إلَى حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَتَسَحَّرُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبُو يَحْيَى؟ " قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: "هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ"، قُلْت: إنِّي أُرِيدَ الصِّيَامَ، قَالَ: "وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ، وَلَكِنْ مُؤَذِّنُنَا هَذَا فِي بَصَرِهِ سُوءٌ"، - أَوْ قَالَ: شَيْءٌ، - "وَأَنَّهُ أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى2.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ،3 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمنعكم مِنْ سُحُورِكُمْ آذَانُ بِلَالٍ، وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنَّ الْفَجْرَ الْمُسْتَطِيرَ فِي الْأُفُقِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ أَوَّلُ أَذَانِ الصُّبْحِ أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذَّنْت، فَجَعَلْت أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ إلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: "لَا"، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَلَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ، فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ لَهُ: "إنَّ أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ"، انْتَهَى. وَزِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ، هُوَ زِيَادُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، وَثَّقَهُ الْعِجْلِيّ. وَابْنُ حِبَّانَ، قَالُوا: فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ، قُلْنَا: قَدْ قَوَّى أَمْرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَغَيْرُهُ، وَرَأَيْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يُقَوِّي أَمْرَهُ، وَيَقُولُ: هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، نَحْنُ لَا نَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ.
فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ"، وَكَانَ بِلَالٌ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَرَى الْفَجْرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ5. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ6 عَنْ خُبَيْبِ
__________
1 في البيهقي إن العبد قد رقد.
2 قال الهيثمي: ص 153 - ج 3، رواه الطبراني في الكبير - والأوسط وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة. والثوري، وفيه كلام، وقال الحافظ في الدراية ص 64: إسناده صحيح.
3 حديث سمرة تقدم، وذكرت هناك مخارجه.
4 أبو داود ص 83، والترمذي: ص 28، وابن ماجه: ص 53، والطحاوي: ص 85، وتقدم في ص 147.
5 والنسائي في المجتبى - في باب هل يؤذنا جميعاً أو فرادى؟ ص 105.
6 ص 433 - ج 6.(1/289)
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمَّتِهِ أُنَيْسَةَ بِنْتِ خُبَيْبِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَذَّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا. وَإِذَا أَذَّنَ بِلَالٌ، فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تَشْرَبُوا"، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ"، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَهَذَا الْخَبَرُ لَا يُضَادُّ بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام جَعَلَ الْأَذَانَ بَيْنَ بِلَالٍ وابن مَكْتُومٍ نَوَائِبَ، فَأَمَرَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ بِلَيْلٍ، فَإِذَا نَزَلَ بِلَالٌ صَعِدَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَأَذَّنَ فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا جَاءَتْ نَوْبَةُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ بَدَأَ فَأَذَّنَ بِلَيْلٍ، فَإِذَا نَزَلَ صَعِدَ بِلَالٌ، فَأَذَّنَ فِي الْوَقْتِ، فَكَانَتْ مَقَالَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ بلال يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ" فِي وَقْتِ نَوْبَةِ بِلَالٍ، وَكَانَتْ مَقَالَتُهُ: إن ابن مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فِي وَقْتِ نَوْبَةِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ: "إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا، وَأَقِيمَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا، وَصَاحِبٌ لِي، وَفِي رِوَايَةٍ: وَابْنُ عَمٍّ لِي، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: وَابْنُ عُمَرَ2 قَالَ: فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْصِرَافَ، قَالَ لَنَا: "إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ، وَمُسْلِمٌ فِي الْإِمَامَةِ، وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ فِي الْأَذَانِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فيه: لابني أبي ملكيكة غَلَطٌ، وَصَوَابُهُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، وَصَاحِبٌ لَهُ - أَوْ ابْنُ عَمٍّ لَهُ - أَوْ ابْنُ عُمَرَ، عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ، وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى الصَّوَابِ3 فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى: لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُرَادُ بِهِمَا الْوَاحِدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} ، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا، وَقَالَ عليه السلام لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ. وَابْنِ عُمَرَ: "إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا"، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا، انْتَهَى لَفْظُهُ.
__________
1 البخاري في ص 90، وفي الجهاد في باب سفر الاثنين ص 399، ومسلم في الصلاة - في باب من أحق بالإمامة ص 236، وأبو داود في باب من أحق بالإمامة ص 94، وابن ماجه في باب من أحق بالإمامة ص 70، والنسائي في الإمامة ص 126، وفي الأذان - في باب أذان المنفردين في السفر ص 104، و108، والترمذي في باب أذان السفر ص 28.
2 كذا في: ص 196 - ج 2، والدراية ص 290، ولم أقف عليه في النسائي، والله أعلم.
3 كذا قال ابن الهمام في الفتح ص 178 - ج 1، ولفظه: الصواب مالك بن الحويرث. وابن عم له، وقد ذكره المصنف في الصرف على الصواب، اهـ. وقال المخرج: ص 196 - ج 2 في كتاب الصرف الحديث الرابع: قال عليه السلام لمالك بن الحويرث. وابن عمر: "إذا سافرتما فأذنا وأقيما" ثم ذكر من أخرجه، وكذا صاحب الفتح ذكر الحديث في كتاب الصرف كأنه متن هو بصدد شرحه، أما على ما في النسخة المطبوعة في الهند، فالحوالة غير رائجة، فإن الحديث ليس له في كتاب الصرف أثر، ولا أثارة، والله أعلم.(1/290)
مَا جَاءَ فِي حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ. وَعَمَّارٌ. وَعُمَرُ ابْنَيْ أَبِي سَعْدِ2 بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ أَجْدَادِهِمْ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي بِالصُّبْحِ، فَيَقُولُ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، وَتَرَكَ حَيَّ عَلَى خَيْرِ العمل، فقال الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ هَذَا اللَّفْظُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عَلَّمَ بِلَالًا، وَأَبَا مَحْذُورَةَ. وحن نَكْرَهُ الزِّيَادَةَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرِجَالُهُ يُحْتَاجُ إلَى كَشْفِ أَحْوَالِهِمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ أَحْيَانًا إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ عَلَى إثْرِهَا: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوُهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ3 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، رُبَّمَا زَادَ فِي أَذَانِهِ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَذَانُ - الْحَيِّ - يَكْفِينَا يَعْنِي حِينَ صَلَّى فِي دَارِهِ بِغَيْرِ آذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَعَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدَ صَلَّوْا بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، قَالَ سُفْيَانُ: كَفَتْهُمْ إقَامَةُ الْمِصْرِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ4 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي دَارِهِ بِغَيْرِ إقَامَةٍ، وَقَالَ: إقَامَةُ الْمِصْرِ تَكْفِينَا، انْتَهَى. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ الْأَسْوَدَ. وَعَلْقَمَةَ كَانَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فِي الدَّارِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَصَلَّى بِهِمْ بِغَيْرِ آذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، وَقَامَ وَسَطَهُمْ، الْحَدِيثُ، وَسَيَأْتِي، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ - فِي الْأَذَانِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ. وَعَلْقَمَةَ، قَالَا: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ فِي دَارِهِ، فَقَالَ: أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ.؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: قُومُوا فَصَلُّوا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِآذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، انْتَهَى.
ذِكْرُ الطَّهَارَةِ فِي الْأَذَانِ، أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ6 عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى
__________
1 في الأذان - في باب ما روي في حي على خير العمل ص 424 - ج 1.
2 قلت: في البيهقي بدل أبي سعد حفص فلعل أبا سعد هو حفص، والله أعلم.
3 قلت: في البيهقي: عبد الله بن عمر، وفي ابن أبي شيبة ص 145 - ج 1: أبو أسامة نا عبيد الله عن نافع، قال: كان ابن عمر ربما زاد في أذانه حيَّ على خير العمل، اهـ.
4 قلت: مراسيل النخعي صحيحة، كما في الطحاوي: ص 133، والدراية ص 16، والدارقطني ص 361، والبيهقي: ص 148 - ج 1، وأطال ابن القيم على ذلك في الهدى ص 354 - ج 2، ص 204 - ج 4.
5 ص 447 - ج 1.
6 في باب كراهية الأذان بغير وضوء ص 28.(1/291)
عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ"، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ أبي هُرَيْرَةَ: لَا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ إلَّا مُتَوَضِّئٌ، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالزُّهْرِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ1 الْحَافِظُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هارون القروي2 حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! إنَّ الْأَذَانَ مُتَّصِلٌ بِالصَّلَاةِ، فَلَا يُؤَذِّنُ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ"، انْتَهَى.
ذِكْرُ الْقِيَامِ فِي الْأَذَانِ، أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام: "قُمْ يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ"، وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ثَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ ثَنَا عُمَيْرُ بْنُ عِمْرَانَ الْعَلَّافُ3 ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَقٌّ وَسُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ أَنْ لَا يُؤَذِّنَ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ، وَلَا يُؤَذِّنُ إلَّا وَهُوَ رَاكِبٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأَذَانِ مِنْ السُّنَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الرُّكُوبُ، أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ، قَالَ: كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَقَالَ لِي: "يَا أَخَا صُدَاءٍ! أَذِّنْ"، وَأَنَا عَلَى رَاحِلَتِي، فَأَذَّنْت، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ4 عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا فِي سَفَرٍ، فَأَذَّنَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ نَزَلُوا فَصَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ، فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ، وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ5: ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَيَنْزِلُ، فَيُقِيمُ.
ذِكْرُ الْأَذَانِ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ، أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام: "لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ رِجَالًا فَيَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ بِالصَّلَاةِ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد6، وَكَذَا قَوْلُهُ: فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ، وَقَوْلُهُ: فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَقَوْلُهُ: فَقَامَ عَلَى جُدُرِ حَائِطٍ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد7 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ محمد بن حعفر بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي
__________
1 وأخرجه البيهقي في سننه ص 392 من حديث حارث بن عتبة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه، قال: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر، ولا يؤذن إلا وهو قائم، اهـ. وهذا هو المناسب لما هو بصدد إثباته، والله أعلم.
2 وفي نسخة الفروي.
3 في نسخة العارف.
4 في السنن، ص 362 - ج 1 عن عبد الوهاب ثنا إسماعيل عن الحسن، فذكره.
5 أسند البيهقي في سننه ص 362 أن ابن عمر كان يؤذن على راحلته، اهـ. وفي رواية. ربما أذن على راحلته الصبح، ثم يقيم بالأرض، اهـ.
6 قلت: أما كلمة على الآطام. وعلى المسجد ففي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أصحابه عند أبي داود في باب كيف الأذان ص 81، وأما جذم الحائط ففي حديثه عن عبد الله بن زيد عند الطحاوي ص 79، والدارقطني: ص 89، والبيهقي: 421.
7 في باب الأذان فوق المنارة ص 84.(1/292)
مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ يَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ أَذَّنَ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارَةِ، وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ فَوْقَ الْبَيْتِ، انْتَهَى.
مَا جَاءَ فِي اسْتِحْبَابِ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِ موضوع الْأَذَانِ، أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا: "ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ"، وَتَقَدَّمَ: مِنْ السُّنَّةِ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارَةِ، وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ.
مَا جَاءَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ مُؤَذِّنًا، فِيهِ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا" قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَالْبَلَاءُ فِيهِ مِنْ سَلَّامٍ. أو زَيْدٍ. أَوْ مِنْهُمَا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: سَلَّامٍ مَتْرُوكٌ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ فِيهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُؤَذِّنًا، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَالْمُعَلَّى هَذَا، قَالَ فِيهِ يَحْيَى: هُوَ مِنْ الْمَعْرُوفِينَ بِالْكَذِبِ وَوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُهُ مَوْضُوعٌ، انْتَهَى. قال فيالإمام: لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عن شعبة بن الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، سَمِعْت أَذَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ مَثْنَى مَثْنَى، وَأَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ، وَكَذَلِكَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ، لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ الشَّعْبِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ نَقْلًا عَنْ الْحَاكِمِ، أَوْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ: الرِّوَايَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِيمَا بَلَغَنَا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنَ حَمْزَةَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَتْ ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَلِي مَا شِئْت، فَسَأَلَتْ، فَأَعْطَاهَا مَا سَأَلَتْ، قَالَ الْحَاكِمُ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ تُصَرِّحُ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ صَاحِبَ الرُّؤْيَا، وَلَا أَدْرَكَ أَيَّامَهُ، فَتَصِيرُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُرْسَلَةً، وَلِذَلِكَ تركها الشيخان في صحيحهما قَالَ الشَّيْخُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا إرْسَالًا، فَإِنَّ أَبَا عُثْمَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَيْسَ فِي طَبَقَةِ مَنْ يَرْوِي عَنْ(1/293)
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُشَافَهَةً وَلِقَاءَا، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ1 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، فَصَرَّحَ فِيهِ بِسَمَاعِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ2، وَفِي عِلَلِ التِّرْمِذِيِّ الْكَبِيرِ سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ إسْحَاقَ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ. وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي قِصَّةِ الْأَذَانِ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ مُحَمَّدًا سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ: إنَّ مُحَمَّدًا سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَأَيْضًا فَالْبَيْهَقِيُّ قَدْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِدِيَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ أَبِي بِالْمَدِينَةِ3 سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
وَحَدِيثُ الْأَسْوَدِ 4 أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُثَنِّي الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ بِلَالٍ، وَقَالَ مِثْلُهُ، لَمْ يُسَقْ لَفْظُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ بِلَالٍ مُرْسَلٌ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ لَمْ يُدْرِكْ أَذَانَ بِلَالٍ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُثَنِّي الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ5 بِلَفْظِ: سَمِعْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ مَثْنَى وَيُقِيمُ مَثْنَى، وَاعْتَرَضَ الْحَاكِمُ بِأَنَّ الْأَسْوَدَ بن يزيد. وسويد بنغفلة لَمْ يُدْرِكَا بِلَالًا وَأَذَانُهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَكَوْنُ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَذَانَ بِلَالٍ فِي عَهْدِهِ عليه السلام صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَأَدَّى الزَّكَاةَ لِمُصَدِّقِهِ عليه السلام، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ خُرُوجَ بِلَالٍ إلَى الشَّامِ كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، كَمَا رَوَاهُ حَفْصُ6 بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِلَالٌ إلَى أَبِي بكر، فقال: يا خليقة رَسُولِ اللَّهِ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ أَفْضَلَ عَمَلِ الْمُؤْمِنِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَرْبِطَ نَفْسِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ
__________
1 ثقة من الثالثة.
2 في باب كيف الأذان ص 78، وابن سعد في طبقاته ص 87 - ج 3 من القسم الثاني، من المجلد الثالث، والدارمي في الأذان ص 140.
3 كذا أسند ابن سعد في طبقاته ص 87 - ج 3 من القسم الثاني، من طريق الواقدي.
4 أخرجه الطحاوي: ص 80، والدارقطني: ص 90 من حديث عبد الرزاق أنا معمر عن حماد عن إبراهيم عن الأسود: أن بلالاً كان يثني الأذان، ويثني الإقامة، اهـ.، والدارقطني: ص 90 من حديث عد الرزاق أنا الثوري عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن بلال، قال: كان أذانه وإقامته مرتين مرتين اهـ. قلت: لم أجد عن إبراهيم عن بلال مثله، والله أعلم.
5 في باب الإقامة ص 80.
6 حديث حفص عند الدارقطني: ص 87 بغير هذا السياق، لكن فيه استأذن بلال عمر رضي الله عنه في الخروج للجهاد، قال له عمر: إلى من أدفع الأذان يا بلال؟ قال: إلى سعد، فإنه أذن لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقباء فدعى عمر سعداً، فقال: "الأذان إليك، وإلى عقبك من بعدك"، الحديث. وفيه دلالة على أن بلالاً أذن لأبي بكر، ثم لعمر، ثم استأذن في الخروج للجهاد، والله أعلم.(1/294)
حَتَّى أَمُوتَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْشُدُك اللَّهَ، وَحَقِّي وَحُرْمَتِي، فَقَدْ كَبُرَ سِنِّي وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، فَقَامَ بِلَالٌ مَعَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى هَلَكَ، فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْشُدُك اللَّهَ، وَحَقِّي، وَحُبِّي أَبَا بَكْرٍ، وَحُبِّهِ إيَّايَ، فَقَالَ بِلَالٌ: ما أنا بغافل، فَقَالَ: إلَى مَنْ يُدْفَعُ الْأَذَانُ؟ فَقَالَ: إلَى سَعْدٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ شَيْخٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَفْصُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَذَّنَ بِلَالٌ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ فِي زَمَانِ عُمَرَ، فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يَقْتَضِيَانِ اسْتِمْرَارَ أَذَانِ بِلَالٍ حَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ، مَعَ أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَى فِي سُنَنِهِ مَا يُخَالِفُ هَذَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ عليه السلام أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الشَّامِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَكُونُ عِنْدِي، فَقَالَ: إنْ كُنْت أَعْتَقْتنِي لِنَفْسِك فَاحْتَبِسْنِي، وَإِنْ كُنْت أَعْتَقْتنِي لِلَّهِ فَذَرْنِي أَذْهَبْ إلَى اللَّهِ، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَذَهَبَ إلَى الشَّامِ فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ، وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِالسَّمَاعِ، وَشَرِيكٌ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَةِ، وَصَحَّحَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْإِمَامِ مُلَخَّصًا.(1/295)
بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ" قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْحَيْضِ1 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة الحائض إلَّا بِخِمَارٍ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعَنْهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَلَفْظُهُمَا: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرَأَةٍ قَدْ حَاضَتْ إلَّا بِخِمَارٍ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي أَوَّلِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَظُنُّهُ لِخِلَافٍ فِيهِ عَلَى قَتَادَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ"، انْتَهَى. وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، فَقَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ
__________
1 في الصلاة - في باب المرأة تصلي بخمار ص 101، والترمذي في باب لا يقبل الله صلاة الحائض إلا بخمار ص 50، وابن ماجه في الحيض - في باب إذا حاضت المرأة لم تصل إلا بخمار ص 48، والحاكم في باب لا يقبل الله صلاة الحائض إلا بخمار ص 251 - ج 1، والبيهقي في ص 233 - ج 2.(1/295)
بْنُ رهوايه، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: حَدِيثُ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ يَرْوِيهِ قَتَادَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عن محمد عَائِشَةَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَتَادَةَ، فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ هَكَذَا، مُسْنَدًا مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ بُسْرٍ، فَرَوَيَاهُ عَنْ قَتَادَةَ موقوفاً، ورواه أيوب السخيتاني. وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مُرْسَلًا عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ حَدَّثَتْهُمَا بِذَلِكَ، وَرَفَعَا الْحَدِيثَ، وَقَوْلُ أَيُّوبَ. وَهِشَامٍ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ. وَالصَّغِيرِ1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ الْقَلْزَمِيُّ - بِمَدِينَةِ قَلْزَمَ - ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَيْلِيُّ ثنا عمرو بن هشام السَّرُوتِيُّ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ امْرَأَةٍ صَلَاةً حَتَّى تُوَارِيَ زِينَتَهَا، وَلَا مِنْ جَارِيَةٍ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ حَتَّى تَخْتَمِرَ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ إلَّا عَمْرُو بن هشام، تَفَرَّدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "عَوْرَةُ الرجل ما بيت سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ"، وَيُرْوَى: مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ. قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَوَّارِ بْنِ دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ، وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ، فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ مِنْ الْعَوْرَةِ"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ3، وَلَفْظُهُ: فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ في ضعفاءه، وَلَيَّنَ سَوَّارَ بْنَ دَاوُد، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَسَوَّارُ بْنُ دَاوُد أَبُو حَمْزَةَ الْبَصْرِيُّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: شَيْخٌ بَصْرِيٌّ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ أَخْرَجَهُ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَلَيَّنَ الْخَلِيلَ بْنَ مُرَّةَ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُنْكَرِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 - فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ
__________
1 ص 190.
2 في باب متى يؤمر الغلام بالصلاة ص 77.
3 ص 187 - ج 2، والبيهقي في أبواب لبس المصلي: ص 229 - ج 3.
4 ص 568 - ج 3.(1/296)
أَحْمَدَ بْنِ الْمِقْدَامِ ثَنَا أَصْرَمُ بْنُ حَوْشَبٍ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ وَاصِلٍ الضَّبِّيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قُلْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: حَدِّثْنَا بِمَا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا تُحَدِّثْنَا عَنْ غَيْرِك، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا بَيْنَ السرة والركبة عَوْرَةٌ"، مُخْتَصَرٌ، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَظُنُّهُ مَوْضُوعًا، فَإِنَّ إسْحَاقَ بْنَ وَاصِلٍ مَتْرُوكٌ، وَأَصْرَمَ بْنَ حَوْشَبٍ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، انتهى.
حديث آخر، أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَمَا أَسْفَلَ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ"، انتهى. وقوله: يروى: مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَيْهِ، غَرِيبٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: وَقَالَ عليه السلام: "الركبة من العورة"،ى قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ منصور الْفَزَارِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ عليه السلام: "الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ: النَّضْرُ بْنُ مَنْصُورٍ وَاهٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ هَذَا ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وأبو حاتم الرازي، وأعاد الْمُصَنِّفُ فِي الْكَرَاهِيَةِ2 عَنْ أبي هريرة، ولم نجده عَنْهُ، وَفِي الْإِمَامِ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: عُقْبَةُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَالنَّضْرُ بْنُ مَنْصُورٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قَالَ: وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ جِهَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْحَاقَ الْقَاضِي عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "السُّرَّةُ مِنْ الْعَوْرَةِ"، قَالَ: وَهَذَا مُعْضِلٌ مُرْسَلٌ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَزَا خَيْبَرَ، قَالَ: فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، وَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُهُ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ، قَالَ: "اللَّهُ أكير، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" قَالَهَا ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ4: فَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
1 ص 85، والبيهقي: ص 229- ج2.
2 سيأتي في الزيلعي في كتاب النكاح.
3 في باب ما يذكر في الفخذ ص 53، أما مسلم فلم أجد فيه حسر.
4 في رواية عند مسلم في النكاح - في باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها ص 458 - ج 1، وفي الجهاد - في باب غزوة خيبر ص 111 – ج1(1/297)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ، قَالَ: فَدَخَلَ، فَتَحَدَّثَ فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْت وَسَوَّيْت عَلَيْك ثِيَابَك، فَقَالَ: "أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ"، انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عليه السلام غَطَّى فَخِذَهُ بِسُرْعَةٍ لَمَّا انْكَشَفَ. وَالثَّانِي: لَمْ يَجْزِمْ الرَّاوِي بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ أَخَذَ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ" 3، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا4، قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ. وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ، سَمِعْنَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَان قَدْ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَدَخَلَ عُثْمَانُ فَغَطَّاهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ سَوَّارِ بْنِ دَاوُد الصَّيْرَفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَفِيهِ: وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ". قَالَ الشَّيْخُ: وَسَوَّارُ بْنُ دَاوُد رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: ثِقَةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَمَا أَسْفَلَ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ: وَسَعِيدٌ. وَعَبَّادٌ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الرَّضَاعِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ
__________
1 في فضل عثمان ص 277 - ج 2.
2 في فضل أبي بكر ص 516.
3 أي خاصم غيره.
4 ذكر البخاري تعليقاً في فضل عثمان ص 522.
5 في باب متى يؤمر الغلام بالصلاة ص 77.(1/298)
السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ إلَى مُوَرِّقٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ بِهِ، وَزَادَ: وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَقْرَبَ مِنْهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدَيْنِ أَيْضًا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَلَفْظُ: مَسْتُورَةٌ لَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ - في كِتَابُ اللِّبَاسِ1 عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "يَا أَسْمَاءُ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لم يَصْلُحُ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفِّهِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مُرْسَلٌ، خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمَعَ هَذَا فَخَالِدٌ مَجْهُولُ الْحَالِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِيهِ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ مَوْلَى بَنِي نَضْرٍ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ فِيهِ مَرَّةً: عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، بَدَلَ: عَائِشَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ الْجَارِيَةَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إلَى الْمِفْصَلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عُقْبَةَ الْأَصَمِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، قَالَتْ: مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعُقْبَةُ الْأَصَمُّ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ لَهُ عَوْرَةٌ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3 قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ يُفَرِّجُ مَا بَيْنَ فَخِذَيْ الْحَسَنِ وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
حَدِيثٌ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ جَعَلَ قَدَمَيْ الْمَرْأَةِ عَوْرَةً، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ محمد بن زيد عن مُهَاجِرٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ لَهَا إزَارٌ، قَالَ: "إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظهور قدميها"، انتهى. ورواه الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ5 وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ6، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ:
__________
1 في باب ما تبدي المرأة من زينتها ص 213 - ج 2.
2 في باب عورة المرأة ص 225 - ج 2.
3 قال البيهقي: إسناده ليس بالقوي تلخيص.
4 في باب كم تصلي المرأة ص 101، والبيهقي ص 232 - ج 2.
5 في باب تصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار الخ ص 250 - ج 1.
6 وأقره على ذلك الذهبي في مختصره.(1/299)
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مَقَالٌ، وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلِطَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. وَبَكْرُ بْنُ مُضَرَ. وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ قَوْلِهَا: لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي رَفْعِهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَابَعَهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ وَهْبٍ1، فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ. وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. وَابْنُ لَهِيعَةَ. وأبو عسال2 مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. والدراوردي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّهُ غَلِطَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَلْقِي عَنْك الخمار يا دفار، أتشبهين بِالْحَرَائِرِ؟!،
قُلْت: غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه ضَرَبَ أَمَةً لِآلِ أَنَسٍ رآها مقنعة، فَقَالَ: اكْشِفِي رَأْسَك لَا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى الْإِمَاءَ عَنْ الْجَلَابِيبِ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: ضَرَبَ عَقِيلَةَ أَمَةَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ في الجلباب، أن تتجلب، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَتْهُ، قَالَتْ: خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مُخْتَمِرَةٌ مُتَجَلْبِبَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؟ فَقِيلَ لَهُ: جَارِيَةٌ لِفُلَانٍ، رَجُلٌ مِنْ بَيْتِهِ، فَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تُخَمِّرِي هَذِهِ الْأَمَةَ وَتُجَلْبِبِيهَا حَتَّى هَمَمْت أَنْ أَقَعَ بِهَا، لَا أَحْسِبُهَا إلَّا مِنْ الْمُحْصَنَاتِ؟! لَا تُشْبِهُوا الْإِمَاءَ بِالْمُحْصَنَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: الْآثَارُ بِذَلِكَ عَنْ عُمَرَ صَحِيحَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ المختار بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَةٌ قَدْ كَانَ يَعْرِفُهَا لِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ، أَوْ الْأَنْصَارِ، وَعَلَيْهَا جِلْبَابٌ مُتَقَنِّعَةٌ بِهِ، فَسَأَلَهَا، عَتَقْتِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ فَمَا بَالُ الْجِلْبَابِ؟! ضَعِيهِ عَلَى رَأْسِك، إنَّمَا الْجِلْبَابُ عَلَى الْحَرَائِرِ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَلَكَّأَتْ فَقَامَ إلَيْهَا بِذَلِكَ بِالدُّرَّةِ، فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهَا
__________
1 عند البيهقي: ص 232 - ج 2.
2 في نسخة س غسان.(1/300)
حَتَّى أَلْقَتْهُ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَضْرِبُ الْإِمَاءَ أَنْ يَتَقَنَّعْنَ، وَيَقُولُ: لَا تَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رَوَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً، صَلَّوْا قُعُودًا بِإِيمَاءٍ،
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ1، قَالَ: الَّذِي يُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ. وَاَلَّذِي يُصَلِّي عُرْيَانًا يُصَلِّي جَالِسًا، انتهى. أخبرنا إبراهيم عن محمد بن إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ صَلَاةِ الْعُرْيَانِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ صَلَّى جَالِسًا، وَإِنْ كَانَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ صَلَّى قَائِمًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: إذَا خَرَجَ نَاسٌ مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً فَأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ صَلَّوْا قُعُودًا، وَكَانَ إمَامُهُمْ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ يُومِئُونَ إيماءاً.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ". قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ: فِي أَوَّلِهِ - وَفِي آخِرِ الْأَيْمَانِ - وَفِي أَوَّلِ الْعِتْقِ - وَفِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ - وَفِي أَوَّلِ النِّكَاحِ - وَفِي أَوَاخِرِ الْأَيْمَانِ - وَفِي أَوَّلِ الْحِيَلِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ2. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْجِهَادِ. وَأَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاقِ. وَالنَّسَائِيُّ فِي الطَّهَارَةِ - وَفِي الْإِيمَانِ - وَفِي الطَّلَاقِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الزُّهْدِ كُلُّهُمْ بِلَفْظِ إنَّمَا، مُسْلِمٌ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْجِهَادِ، وَمُطَابَقَتُهُ لِلْجِهَادِ أَنَّهُ أَخْرَجَ بَعْدَهُ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: نَرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. انْفَرَدَ بِهِمَا مُسْلِمٌ دُونَ الْبُخَارِيِّ، وَرَوَاهُ بِلَفْظِ الْكِتَابِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْهُ: فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، ثُمَّ فِي النوع الرابع والعشرون مِنْهُ.
__________
1 قال الحافظ في الدراية ص 67: إسناد حديث ابن عباس. وعلي ضعيف.
2 في باب قوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات" ص 140 - ج 3، والترمذي في باب من يقاتل رياءاً وللدنيا ص 198 - ج 1 وأبو داود في باب ما عنى به الطلاق والنيات ص 307، والنسائي في باب النية في الوضوء ص 24: وفي باب النية في اليمين ص 144 - ج 2، وفي الطلاق - في باب الكلام إذا قصد به فيما يحتمله معناه ص 104، وابن ماجه في باب النية ص 321، والدارقطني: ص 19، وأحمد في مسنده ص 25، وص 43 - ج 1، والطيالسي: ص 9، وابن جارود: ص 38، والبيهقي: ص 41، وص 215 - ج 1.(1/301)
ثُمَّ فِي أَوَّلِ النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ مِنْهُ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إنَّمَا فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بدون إنما، وعزاه البخاري. وَمُسْلِمٍ، وَهَذَا مِنْهُ تَسَاهُلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ، لِلتَّذْكِرَةِ، وَالْمُسْتَطْرَفِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ لِلْمَعْرِفَةِ - لِلْحَافِظِ ابْنِ مَنْدَهْ قَالَ فِيهِ: وَمَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ1 وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَنَسِ بن مالك. وأبو هُرَيْرَةَ. وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَعُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السُّلَمِيُّ. وَهِلَالِ بْنِ سُوَيْد. وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَعُقْبَةَ بن عامر. وأبو ذَرٍّ. وَعُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ عَلْقَمَةَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. وَذُو الْكَلَاعِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ. وَوَاصِلُ بْنُ عُمَرَ الْجُذَامِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ. وَبَاشِرَةُ بْنُ سُمَيْرٍ2. وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: وَرَوَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَتَابَعَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ التَّيْمِيِّ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلْقَمَةَ. وَمُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ ثَلَثَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ رَجُلًا، كُلَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، يَطُولُ ذِكْرُهُمْ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُسْنَدِ الْخُدْرِيِّ: حَدِيثٌ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ" أَخْطَأَ فِيهِ نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ - فِي تَرْجَمَةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَاوَرْدِيُّ ثَنَا نوح بن حبيب القوسي ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي راود عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"، إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ عَبْدُ الْمَجِيدِ، وَصَحَّحَهُ، وَمَشْهُورُهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي راود عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
__________
1 قلت: أما السياق ومصادفة اللفظ مع الصحة، فلا إخال، وأما المعنى فنعم، كما أشار إليه الحافظ، حيث قال في الفتح ص 9 - ج 1: إنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية، كحديث عائشة، وأم سلمة عند مسلم يبعثون على نياتهم وحديث ابن عباس ولكن جهاد ونية وحديث أبي موسى من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله متفق عليهما، وحديث ابن مسعود رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته أخرجه أحمد، وحديث عبادة من غزا وهو لا ينوي إلا عقالاً، فله ما نوى أخرجه النسائي، إلى غير ذلك مما يتعسر حصره، اهـ.
2 وفي نسخة س ياسر بن سمىّ.(1/302)
وَلَمْ يُتَابَعْ عليه، وإنما رواه الحفاظ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سُئِلَ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ العزيز بن أبي راود عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، إنَّمَا هُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: ثُمَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا فَفَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا، قُلْت: اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إصَابَةُ الْعَيْنِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قِبَلِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ الْقِبْلَةُ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إصَابَةُ الْجِهَةِ، بِحَدِيثِ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ، وَهَذَا رَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَابْنُ عُمَرَ، فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأخنس عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَقَوَّاهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَيُّوبَ ثَنَا عَبْدُ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ ثِقَةٌ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُجَبَّرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُجَبَّرٍ ثِقَةٌ4، وَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ
__________
1 في باب قول الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} ص 57 من حديث ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومسلم في الحج - في باب استحباب دخول الكعبة للحاج ص 429 - ج 1 عن ابن عباس عن أسامة فما عزاه إلى البخاري فيه مسامحة.
2 في الصلاة - في باب إن ما بين المشرق والمغرب قبلة ص 45.
3 في أواخر أبواب الأذان - في باب ما بين المشرق والمغرب قبلة ص 205 - ج 1 عن يعقوب بن يوسف عن شعيب بإسناده، وأخرجه البيهقي في السنن - في باب من طلب باجتهاده جهة القبلة ص 9 - ج 2، رواية يعقوب بن يوسف عن شعيب بإسناده ورواية محمد بن عبد الرحمن بن محبر عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً قبلها، وقال: تفرد بالأول ابن محبر، وتفرد بالثاني يعقوب بن يوسف، والمشهور رواية الجماعة: حماد بن سلمة. وزائدة بن قدامة. ويحيى بن سعيد القطان. وغيرهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر قوله، اهـ. ثم أخرج كذلك، وأخرج الدارقطني الروايتين كلتيهما.
4 قال الذهبي: ولكن وقفه جماعة رووه عن عبيد الله، وصححه أبو حاتم الرازي موقوفاً على عبد الله، اهـ. قلت: قال في العلل ص 184: حديث ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ما بين المشرق والمغرب قبلة" قال أبو زرعة: هذا وهم، الحديث حديث ابن عمر موقوفاً، اهـ.(1/303)
لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْقِبْلَةُ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ1، قَالَ: إذَا جَعَلْت الْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِك وَالْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِك، فَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رَوَى الصَّحَابَةُ تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، فَحَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَعِيدٍ السَّمَّانِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، قَالَ: فَتَغَيَّمَتْ السَّمَاءُ وَأَشْكَلَتْ عَلَيْنَا الْقِبْلَةُ، فَصَلَّيْنَا، وَأَعْلَمْنَا، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} الْآيَةَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَلَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ السَّمَّانِ، وَهُوَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَزَادَ فِيهِ، فَقَالَ: قَدْ مَضَتْ صَلَاتُكُمْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِأَشْعَثَ. وَعَاصِمٍ، فَأَشْعَثُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ. وَأَشْعَثُ السَّمَّانُ سيء الْحِفْظِ، يَرْوِي الْمُنْكَرَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَقَالَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَأَظَلَّ لَنَا غَيْمٌ، فَتَحَيَّرْنَا فَاخْتَلَفْنَا فِي الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى حِدَةٍ، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَعْلَمَ مَكَانَهُ، فَذَكَرْنَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ لَنَا: "قَدْ أَجْزَأَتْ صَلَاتُكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِرُوَاتِهِ كُلِّهِمْ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا جَرْحٍ، وَقَدْ تَأَمَّلْت كِتَابَيْ الشَّيْخَيْنِ فَلَمْ يُخَرِّجَا فِي هَذَا الباب شيئاً، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ يُكَنَّى أَبَا سُهَيْلٍ، وَهُوَ وَاهٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا، وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
__________
1 جعل الترمذي: ص 46 هذا القول قول ابن عمر رضي الله عنه، والله أعلم، وفي علل ابن أبي حاتم ص 121 أن عبد الله بن عمرو قال: إذا جعلت المشرق، إلى قوله: ما بينهما قبلة، ثم قال: قال أبي: روى هذا الحديث المسعودي عن القاسم عن عبد الله بن عمر، وهذا أشبه، اهـ.
2 في الصلاة - في باب الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم ص 46، وابن ماجه في باب من يصلي لغير القبلة، وهو لا يعلم ص 73، واللفظ له، والدارقطني: ص 101.
3 المستدرك 206 والدارقطني: ص 101.(1/304)
بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ، قَالَ: وَجَدْت فِي كِتَابِ أَبِي ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيُّ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً كُنْت فِيهَا، فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ، فَلَمْ نَعْرِفْ الْقِبْلَةَ، فَصَلَّوْا، وَخَطُّوا خُطُوطًا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا، وَطَلَعَتْ الشَّمْسُ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْخُطُوطُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَلَمَّا قَفَلْنَا مِنْ سَفَرِنَا سَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَكَتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الْآيَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً: حَيْثُ تَوَجَّهَ بِك بَعِيرُك، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّةُ هَذَا الِانْقِطَاعُ فِيمَا بَيْنَ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبِيهِ، وَالْجَهْلُ بِحَالِ أَحْمَدَ الْمَذْكُورِ، وَمَا مَسَّ بِهِ أَيْضًا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيَّ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أبي خثيمة. وَغَيْرُهُ، انْتَهَى.
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْحَدِيثِ إسْنَادًا صَحِيحًا، وذلك لأن عاصم عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ. وَمُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيَّ. وَمُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ كُلَّهُمْ ضُعَفَاءُ، وَالطَّرِيقُ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيِّ غَيْرُ وَاضِحٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْوِجَادَةِ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى. وقال ابن الفطان فِي كِتَابِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفَانِ، وَهُمَا حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ يَرْوِيهِمَا جَابِرٌ: أَحَدُهُمَا: كَانَ فِي غَزْوَةٍ كَانَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْآخَرُ: سَرِيَّةٌ بَعَثَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِلَّةُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ عِلَّةِ الْآخَرِ، قَالَ: وَأَخْطَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ حَيْثُ جَعَلَهُمَا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لَوْ صَحَّتَا، بِأَنَّ السَّرِيَّةَ كَانَتْ جَرِيدَةً جَرَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَسْكَرِ، فَمَرَّ فِيهَا جَابِرٌ، وَاعْتَرَاهُمْ مَا ذُكِرَ، وَلَمَّا قَفَلُوا مِنْهَا إلَى عَسْكَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ، أَوْ تَكُونُ الْجَرِيدَةُ لَمْ تَجْتَمِعْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي الْمَدِينَةِ، حَتَّى يَكُونَ قَوْلُهُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً صَادِقِينَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُرْوَى مِنْ وَجْهٍ يثبت، انتهى.
الحديث السابع: رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ3 عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءَ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا4 أَيْضًا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
__________
1 بفتح العين وسكون الراء المهملة، وفتح الزاء المعجمة بعدها تقريب.
2 أخرجه البيهقي في سننه ص 11 - ج 2.
3 في باب ما جاء في القبلة ص 58، ومسلم في المساجد - في باب تحويل القبلة ص 200.
4 مسلم في باب تحويل القبلة ص 200، واللفظ له، والبخاري في باب التوجه نحو القبلة ص 57.(1/305)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتْ {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} فنزلت بعد ما صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَحَدَّثَهُمْ بِالْحَدِيثِ، فَوَلَّوْا وُجُوهَهُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: سِتَّة عَشَرَ شَهْرًا، وَسَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَتْ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَّا إنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ عليه السلام يُعْجِبُهُ أَنْ يَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رُكُوعٌ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ، قِبَلَ الْبَيْتِ، مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ3 فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، انْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ - فِي بَابِ الْإِيمَانِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْوَاقِدِيُّ - ثَنَا عُمَرُ بْنُ صَالِحٍ عن صالح مولى التوءَمة، قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: صَلَّيْت الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصُرِفَتْ الْقِبْلَةُ إلى بالبيت، وَنَحْنُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَاسْتَدَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَدَرْنَا مَعَهُ، انْتَهَى.
__________
1 مسلم في باب تحويل القبلة ص 200.
2 في الإيمان - في باب الصلاة من الإيمان ص 10، وابن سعد في طبقاته ص 5 - ج 2.
3 في لفظ آخر للبخاري في أخبار الآحاد ص 1077.(1/306)
بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: " إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي، فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ
__________
4 في الصلاة - في باب التشهد ص 146، وأحمد: ص 422، والدارقطني: ص 135، والبيهقي: ص 174 - ج 2، والطيالسي: ص 36، والدارمي: ص 160، والطحاوي: ص 162، كلهم عن زهير.(1/306)
فِي الصَّلَاةِ، فَذَكَرَ مِثْلَ دُعَاءِ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ: إذَا قُلْت هَذَا1، أَوْ قَضَيْت هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ هُنَاكَ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَامِ، هَلْ هُوَ فَرْضٌ أَوْ لا، قل مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن دكين اللائي3. وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَا: ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ بِهِ، فَذَكَرَ التَّشَهُّدَ بِحُرُوفِهِ، وَفِي آخِرِهِ، فَإِذَا قُلْت هَذَا، فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك، إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تحرمها التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ صَدُوقٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْض أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَإِسْحَاقُ. وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ مُقَارَبُ الْحَدِيثِ، وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ. وَأَبِي سَعِيدٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ"، الْحَدِيثَ، قَالَ: وَهَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُرْسَلٌ، انْتَهَى.
__________
1 في فتح القدير ص 193 - ج 1، وأو، بدل: أو.
2 والدارقطني في سننه ص 135 عن أبي خيثمة عن زهير بإسناده، وفي آخره قال عبد الله: فإذا قلت ذلك، فقد قضيت ما عليك من الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد اهـ.
3 وفي نسخة - س - الملائي.
4 في الصلاة - في باب تحريم الصلاة وتحليلها ص 98، والترمذي في باب مفتاح الصلاة الطهور ص 3، وابن ماجه في الطهور ص 24 وأحمد: ص 123 - ج 1، وص 129 - ج 1، والدارمي: ص 63، والدارقطني: ص 138، وص 145 والبيهقي: ص 173 - ج 2، وص 379 - ج 2، والطحاوي: ص 161، وابن أبي شيبة: ص 155 – ج1.(1/307)
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ1 مِنْ حَدِيثِ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ أَبِي سُفْيَانَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ أَجْوَدُ إسناد، أَوْ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَشْهَرُ إسْنَادًا، لَكِنَّ الشَّيْخَيْنِ أَعْرَضَا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَقِيلٍ أَصْلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَأَعَلَّهُ بِأَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، عَلَى أَنَّ فِي الْآخَرِ لِينًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ الْوَاقِدِيُّ4. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مِسْكِينٍ قَاضِي الْمَدِينَةِ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ بِهِ، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ مِسْكِينٍ، وَقَالَ: إنَّهُ يَسْرِقُ، وَيَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ5 حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى يُوسُفَ السُّلَمِيُّ6 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى رَفْعِ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ فِي أَحَادِيثِ صِفَةِ صَلَاتِهِ عليه السلام: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ7 عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أن يركع، وبعد ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، انْتَهَى.
__________
1 في الصلاة - في باب تحريم الصلاة وتحليلها، وابن ماجه في الطهور ص 24، والدارقطني: ص 140، وابن أبي شيبة: ص 155.
2 في باب مفتاح الصلاة الوضوء ص 132 - ج 1 عن سعيد الثوري عن أبي نضرة به.
3 في باب مفتاح الصلاة الطهور ص 138.
4 الواقدي ضعيف.
5 وابن أبي شيبة: ص 155 عن أبي خالد الأحمر عن ابن كريب عن أبيه عن ابن عباس قوله نحوه.
6 وهو أبو هرمز ضعيف ذاهب الحديث زوائد ص 104 - ج 2.
7 البخاري في باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى ص 102، ومسلم في باب رفع اليدين حذو المنكبين ص 168 - ج 1.(1/308)
وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِتَمَامِهِ، أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا مُسْلِمًا.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يرفع يديه إذا افتح الصَّلَاةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ فِي الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ ثَنَا فُلَيْحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: اشْتَكَى، أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ غَابَ، فَصَلَّى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ افْتَتَحَ، وَحِينَ رَكَعَ، وَبَعْدَ أَنْ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَحِينَ سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قِيلَ لَهُ: قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى صَلَاتِك، فَقَالَ: مَا أُبَالِي، إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا يُصَلِّي، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبَيْهَقِيُّ إخْرَاجَ الْحَدِيثِ فِي الْجُمْلَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَفْظُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَحِين سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: أَنَّهُ جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ افْتَتَحَ، وَحِينَ رَكَعَ، وَبَعْدَ أَنْ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابٌ يُكَبِّرُ، وَهُوَ يَنْهَضُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا مُسْلِمًا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا حُمَيْدٍ
__________
1 في باب رفع اليدين في افتتاح الصلاة إلى أين يبلغ بهما ص 115، قلت: وأخرجه أبو داود بهذا الإسناد في باب، بعد باب افتتاح الصلاة ص 116، وكذا الترمذي في الدعوات - في باب - بعد باب الدعاء - عند افتتاح الصلاة بالليل ص 179 - ج 2، والدارقطني: ص 107، ومسند أحمد ص 93، وكلهم قالوا: أي الصلاة المكتوبة، وكذا ابن ماجه في باب رفع اليدين إذا ركع ص 62.
2 في باب جهر الإمام بالتكبير ص 18 - ج 2، وأخرجه الحاكم في المستدرك ص 223 - ج 1، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا السياق.
3 البخاري مختصراً في باب سنة الجلوس ص 114، وأبو داود في افتتاح الصلاة ص 113 واللفظ له، وفي باب من ذكر التورك في الرابعة ص 145، والترمذي في باب ما جاء في وصف الصلاة ص 40، وابن ماجه في باب إتمام الصلاة ص 75، وص 62، والنسائي في باب الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة ص 186 مختصراً، والدارمي في باب صفة صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 163، وابن جارود في صفة صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 101.(1/309)
السَّاعِدِيَّ، فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: ولم؟! فو الله مَا كُنْت بِأَكْثَرِنَا لَهُ تَبَعَةً، وَلَا أَقْدَمِنَا لَهُ صُحْبَةً، قَالَ: بَلَى، قَالُوا: فَاعْرِضْ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كبر حَتَّى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَلَا يَصُبُّ رَأْسَهُ وَلَا يُقْنِعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَهْوِي إلَى الْأَرْضِ، فَيُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَيَقْعُدَ عَلَيْهَا وَيَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ إذَا سَجَدَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعُ، وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَيَقْعُدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إلَى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، حَتَّى إذَا كَانَتْ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، قَالُوا: صَدَقْت، هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، وَضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ1 بِمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَفِي الْجُلُوسِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ2 عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يركع، وبعد ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ3: إنَّمَا كَانَ رَفْعُهُمْ الْأَيْدِي إلَى الْمَنَاكِبِ لِعِلَّةِ الْبَرْدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ لَمَّا رَوَى الرَّفْعَ إلَى الْأُذُنَيْنِ، قَالَ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَعَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ، فَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَنَاكِبِ، قَالَ: فَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ الْمَنَاكِبِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، وَتَتَّفِقُ الْآثَارُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رَوَى وَائِلُ، وَالْبَرَاءُ، وَأَنَسٌ، رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَا أُذُنَيْهِ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ4 عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ. وَمَوْلًى لَهُمْ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يديه حتى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ، وَصَفَّهُمَا حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى
__________
1 في شرح الآثار ص 153، وأعله أبو حاتم بالإرسال.
2 البخاري في الصلاة - في باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى ص 102، ومسلم في استحباب رفع اليدين حذو المنكبين ص 168.
3 في باب رفع اليدين في افتتاح الصلاة أين يبلغ بهما.
4 في باب وضع اليمنى على اليسرى تحت صدره ص 173 - ج 1.(1/310)
عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ، بَيَّنَ كَفَّيْهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ1. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا. والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَ إبْهَامَاهُ حِذَا أُذُنَيْهِ، انْتَهَى. زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا2 مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْعَطَّارِ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ مِفْصَلٍ مِنْهُ، وَانْحَطَّ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى سَبَقَتْ رُكْبَتَاهُ يَدَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَفْصٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ3 ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك. إلَى آخِرِهَا، وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِقَوْلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لِأَنَّهُ هُوَ المعقول، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، انْتَهَى. وَطُولَهُ فِي بَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ4، فَرَوَاهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ، فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُقْنِعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَاعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا،
__________
1 في المسند ص 303 - ج 4، والدارقطني: ص 110، والطحاوي: ص 115،وص 132.
2 ص 326 - ج 1، والدارقطني: ص 132 في باب ذكر الركوع والسجود، وأخرجه البيهقي في باب وضع اليدين قبل الركبتين ص 99 - ج 2.
3 الظاهر منه أن الدارقطني أخرج حديث محمد بن الصلت بعد حديث العلاء، وليس كذلك، بل حديث محمد بن الصلت ذكره الدارقطني: ص 113 في باب دعاء الاستفتاح.
4 الترمذي في باب ما جاء في وصف الصلاة ص 40، مع بعض الاختصار، وشيء من المغايرة في الألفاظ، وابن ماجه في باب رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع ص 63، وفي باب افتتاح الصلاة ص 58 أيضاً، وقال الحافظ في الفتح ص 180 - ج 2: أخرجه ابن ماجه، وصححه ابن خزيمة. وابن حبان، اهـ.(1/311)
ثُمَّ يَهْوِي إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إبْطَيْهِ، وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ، وَاعْتَدَلَ حَتَّى يرجع كُلُّ عُضْوٍ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ نَهَضَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ صَنَعَ كَذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ مُتَوَرِّكًا، ثُمَّ يُسَلِّمُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيُنْظَرُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ عَزَاهُ فِي التَّحْقِيقِ إلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ1.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "وَعَلَيْك السَّلَامُ ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلَّمَنِي، فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّهُ لَا يَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيُكَبِّرُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 لَكِنْ بِلَفْظِ: ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ، فِي الْأَوَّلِ، وَقَالُوا فِي الْبَاقِي: ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَهَذَا عَكْسُ لَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا في معجمه حدثنا حمد بْنُ إدْرِيسَ الْمِصِّيصِيِّ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْفَرَّاءُ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ4 عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ الشمالي5 رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا
__________
1 قلت: فيما عزاه ابن الجوزي إلى البخاري مسامحة، فإن حديث أبي حميد هذا بطوله ليس في الصحيح إلا في موضع واحد في باب سنة الجلوس ص 114، وألفاظه ليس هكذا، والله أعلم.
2 قال الهيثمي في الزوائد ص 104 - ج 2: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، اهـ.
3 أخرجه أبو داود في باب من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ص 132 - ج 1، والنسائي في باب الرخصة في ترك الذكر في الركوع ص 161 - ج 1، وفي باب الرخصة في ترك الذكر في السجود ص 170، وباب أقل ما يجزئ به الصلاة ص 194، والترمذي في باب وصف الصلاة ص 40.
4 قال الهيثمي في الزوائد ص 102: رواه الطبراني في الكبير وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي، وهو ضعيف، اهـ.
5 في نسخة اليماني.(1/312)
إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا تُخَالِفْ آذَانَكُمْ، ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَإِنْ لَمْ تَزِيدُوا عَلَى التَّكْبِيرِ أَجَزَاكُمْ انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ ثَنَا أَبِي عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، {وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ} ، إلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَصَحَّحَ الْبَزَّارُ إسْنَادَهُ1، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَتَعْيِينُ لَفْظِ: اللَّهُ أَكْبَرُ فِي الِافْتِتَاحِ شَيْءٌ عَزِيزٌ فِي الْحَدِيثِ لَا يَكَادُ يُوجَدُ حَتَّى إنَّ ابْنَ حَزْمٍ أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ مَا عُرِفَ قَطُّ2 قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَزَّارِ الْمَذْكُورَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا نَحْوَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ. وَالطَّبَرَانِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ".
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ، وَأَقِيمُوهَا، وَسُدُّوا الْفُرَجَ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، فَإِذَا قَالَ إمَامُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَإِنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ، وَشَرَّهَا الْمُؤَخَّرُ، وَخَيْرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُؤَخَّرُ، وَشَرَّهَا الْمُقَدَّمُ" مُخْتَصَرٌ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ زَيْدٍ السُّوَائِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُوجَدُ فِي غَالِبِ نسخ أبي داود، وإنما وَجَدْنَاهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ
__________
1 قال الحافظ في التلخيص ص 81: إسناده على شرط مسلم، اهـ. وكذا في الفتح ص 180 - ج 2.
2 قال ابن حزم في المحلى ص 234 - ج 3: وقد ادعى بعضهم أن في الحديث: إذا قمت إلى الصلاة فقل: الله أكبر، قال علي: وهذا باطل ما عرف قط، ولو وجدناه صحيحاً لقلنا به، اهـ.
3 في باب كيفية التكبير ص 16 - ج 2، وكذا الحديث الذي بعده.
4 في باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ص 117، وأحمد: ص 110.(1/313)
رِوَايَةِ ابْنِ دَاسَةَ1. وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْزُهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ إلَيْهِ، وَلَا ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى2 إلَّا لِمُسْنَدِ أَحْمَدَ فَقَطْ. وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَمْ يَعْزُهُ إلَّا لِلدَّارَقُطْنِيِّ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ عَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد إلَّا عَبْدَ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَزْوِ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَعَقَّبَهُ مِنْ جِهَةِ التَّضْعِيفِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بْنُ إسْحَاقَ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حَنْبَلٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَزِيَادُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا لَا يُعْرَفُ، وَلَيْسَ بِالْأَعْسَمِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ3، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ فِي سُنَنِهِمَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: لَا يَثْبُتُ إسْنَادُهُ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ الْوَاسِطِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ - وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إسْحَاقَ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ4، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ السُّنَّةِ يَدْخُلُ فِي الْمَرْفُوعِ عِنْدَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَطْلَقَهَا غَيْرُهُ مَا لَمْ يُضِفْ إلَى صَاحِبِهَا، كَقَوْلِهِمْ: سُنَّةُ الْعُمَرَيْنِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ، رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ5 مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حجر، قال: صليت
__________
1 قال صاحب العون ص 275 - ج 1: ورواية علي المذكورة في الباب ليست إلا في نسخة ابن الأعرابي، اهـ. قلت: فهي في رواية ابن داسة. وابن الأعرابي كليهما، والله أعلم، قال صاحب درهم الصرة نقلاً عن أطراف المزني: إن حديث من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة أخرجه أبو داود عن محمد بن محبوب عن حفص بن غياث عن عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد عن وهب بن عبد الله أبي جحيفة الشوائي عن علي رضي الله عنه، لكن هذا الحديث واقع في رواية أبي سعيد بن الأعرابي. وابن داسة. وغير واحد عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم، انتهى ما ذكره المزني، اهـ.
2 الذين اشتهروا بهذه الكنية من أهل العلم ثلاثة: فخر الدين بن تيمية، وهو المتقدم. وعبد السلام بن تيمية صاحب المنتقى وإياه يريد المخرج. وحفيده أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، وهو المشتهر في مشارق الأرض ومغاربها، صاحب التصانيف الكبثيرة: منها المنهاج وغيره، قلت: هو في النسخ الموجودة عندنا هذا الحديث معزو إلى أبي داود أيضاً، راجع له نيل الأوطار ص 78 - ج 2.
3 ص 110 - ج 1، والدارقطني: ص 107، والبيهقي: ص 31 - ج 2.
4 هذا تهور منه، كما هو دأبه في أمثال هذه المواقع، وإلا فقد قال الحافظ ابن حجر في القول المسدد ص 35: وحسن له الترمذي حديثاً مع قوله: إنه تكلم فيه من قبل حفظه، وصحح الحاكم من طريقه حديثاً، وأخرج له ابن خزيمة من صحيحه آخر، ولكن قال: وفي القلب من عبد الرحمن شيء.
5 قوله: روى ابن خزيمة في صحيحه من حديث وائل بن حجر، قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ. حديث وائل هذا ذكره كثير من أهل العلم، وعزوه إلى ابن خزيمة مع سكوت عن نسبة التصحيح، وصرح بعضهم بهذا أيضاً، كالشوكاني، وهو الذي لم ير هذا الكتاب قط، لأنه من الكتب التي ندرت، ثم افتقدت، فلم يسمع لها عين ولا أثر، إلا ما يسمع في مكتبة ليدن أن فيها مجلدين من صحيح ابن خزيمة، ولم يفز به من(1/314)
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ النَّوَوِيُّ فِي الْبَابِ
__________
= المحدثين إلا شرذمة قليلة: منهم البيهقي، فإنه قال في السنن الكبرى ص 93 - ج 1: قال الشيخ: وهذه الزيادة أي زيادة {رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} في هذا الحديث لم أجدها إلا في رواية ابن خزيمة، وهو إمام وقد رأيته في نسخة قديمة لكتاب ابن خزيمة ليس فيه هذه الزيادة، ثم ألحقت بخط آخر بحاشيته، فالأشبه أن تكون ملحقة بكتابه من غير علمه، والله أعلم، اهـ. ومنهم الحافظ أبو الفضل ابن حجر حيث يقول في التلخيص ص 127: إني راجعت صحيح ابن خزيمة فوجدته أخرج عن أبي هريرة من أدرك من الصلاة ركعة الحديث، ووجدنا ابن القيم ينقل حديثاً بإسناده حيث قال في بدائع الفوائد ص 104 - ج 4: الذي وقع في صحيح البخاري وأكثر كتب الحديث: "وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته"، ووقع في صحيح ابن خزيمة والنسائي بإسناد الصحيحين من رواية جابر، ورواية ابن خزيمة عن موسى بن سهل الرملي، صدقه أبو حاتم الرازي، وباقي الإسناد على شرطهما، اهـ. ونظن منه أنه مطلع على أصل الكتاب، ثم الذي نرى من كلام ابن خزيمة على كل حديث - على ما ينقل الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. وفتح الباري. وغيرهما. والنووي في شرح المهذب، وغيره - أن صحيح ابن خزيمة ليس كالصحيحين. وأبي داود. والنسائي، بل دأبه كدأب الترمذي. والحاكم، يتكلم على كل حديث بما يناسبه، يصححه إن رأى ذلك، وإليه الاشارة في فتح المغيث ص 14، وكم في كتاب ابن خزيمة أيضاً من حديث محكوم منه بصحة، وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن، اهـ. وقد يذكر فيه التردد، كما قال الحافظ في القول المسدد لحديث رواه ابن خزيمة من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، ولكن قال في آخره: في القلب من عبد الرحمن شيء، وقد يسند الحديث، ويسكت، كما يسكت الترمذي. والحاكم، وربما يسكت، والحديث ضعيف، قال الزيلعي ص 325: حديث آخر أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة - في الصلاة وعدها آية، اهـ. وهذا الحديث هو الذي أخرجه الحاكم في المستدرك ص 232 - ج 1 من طريق ابن خزيمة، وفيه عمر بن هارون، قال الذهبي: أجمعوا على ضعفه، وقال النسائي: متروك، اهـ. وحديث وائل هذا رواه البيهقي في سننه ولم يروه إلا من طريق مؤمل بن اسماعيل فقط، ولو كان له طريق أقوى من هذا عند ابن خزيمة لما كان البيهقي يترك الأقوى، ويأتي بالأضعف، وهو زعيم الشوافع في إبراز دلائل مذهبه، وذكره الحافظ في بلوغ المرام - والدراية - والتلخيص - وفتح الباري وعزاه إلى ابن خزيمة، ولم ينقل في شيء منها تصحيحه، ولم يصححه من عند نفسه أيضاً، وقد أكثر من ذكر تصحيحات ابن خزيمة في بلوغ المرام بل قلما نجد حديث غير الصحيحين له مساغ في الصحة ذكره في بلوغ المرام ثم لم يعقب بتصحيح ابن خزيمة له، وهذا هو الأكثر، أو الترمذي. أو الحاكم. أو غيرهما، وإلا فمن عند نفسه إن رأى ذلك.
وكذلك النووي استدل به للشوافع في الخلاصة - وشرح المهذب - وشرح مسلم ولم ينقل تصحيحه من ابن خزيمة، ولم يصححه هو بنفسه، مع أنه يصحح أمثال حديث حجاج بن أبي زينب في هذا الباب، وهو متكلم فيه، فاستدلاهما بحديث وائل بن حجر على مذهبهما، ثم سكوتهما عن التصحيح يهتدي به من رزق الهداية إلى أن فيه شيئاً يمنعهم عن الحكم بالصحة، والله أعلم.
رحم الله ابن القيم نبههما على ما فيه، حيث قال في إعلام الموقعين ص 9 - ج 3: المثال الثاني والستون ترك السنة الصحيحة الصريحة التي روتها الجماعة عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضع يده اليمنى على اليسرى، ولم يقل: على صدره غير مؤمل بن إسماعيل، اهـ.
وأصرح منه ما قال في البدائع ص 91 - ج 3: واختلف في موضع الوضع، فعنه: فوق السرة، وعنه: تحتها، وعنه: أبو طالب سألت أحمد بن حنبل أين يضع يده إذا كان يصلي؟ قال: على السرة أو أسفل، وكل ذلك واسع عنده إن وضع فوق السرة أو عليها أو تحتها، قال علي رضي الله عنه: من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة، عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مثل تفسير علي، إلا أنه غير صحيح، والصحيح صهيب، وعلي، قال في رواية المزني: أسفل السرة بقليل، ويكره أن يجعلها على الصدر، وذلك لما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن(1/315)
غَيْرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ.
__________
= التكفير، وهو وضع اليد على الصدر، مؤمل بن إسماعيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع يده على صدره، فقد روى هذا الحديث عبد الله بن الوليد عن سفيان لم يذكر ذلك، ورواه شعبة، وعبد الواحد لم يذكرا خالفاً، كذا سفيان، اهـ.
فكلام ابن القيم هذا أرشدنا إلى أمور: إن زيادة: على صدره، لم يذكرها إلا مؤمل عن سفيان عن عاصم بن كليب عن وائل بن حجر، وأن مؤمل منفرد من بين جماعة من أصحاب الثوري بهذه الزيادة، وأن ما سواه من أصحاب الثوري، وهي جماعة لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة، فهذه الزيادة عنده، وهم مؤمل، ثم ذكر في بدائع الفوائد أن السنة الصحيحة وضع اليدين تحت السرة، وحديث علي في هذا صحيح، وأن وضع اليدين على الصدر منهي عنه بالسنة، وهي المنهي عن التكفير.
وقد ذكر قبل أن ابن القيم ينقل عن صحيح ابن خزيمة أحاديث بأسانيدها، فلو كان عند ابن خزيمة بإسناد آخر أقوى من هذا لما قال ابن القيم ما قال، ولما سكت الحافظ. والنووي عن التصحيح مع احتياجهما إليه، فمن يدعي أن لرواية ابن خزيمة إسناد آخر غير هذا، فليذكر، لينظر فيه.
وإني لم أطلع على الجماعة الذين رووا عن سفيان، ولم يذكروا زيادة: على صدره سوى عبد الله بن الوليد عند أحمد ص 318 - ج 4، إلا أن سفيان هذا هو الثوري، كان صرح به في الإعلام وهو من علماء الكوفة، مذهبه في هذا مذهب أبي حنيفة، وإسحاق بن راهويه معروف من وضع اليدين تحت السرة، كما صرح به النووي في شرح المهذب ص 313 - ج 3، وابن قدامة في المغني ص 519 - ج 1. وغيرهما، فلو كان عند الثوري حديث الصدر صحيحاً لما خالفه إلى غيره، والله أعلم.
ثم مما يؤيد ابن القيم أن جماعة من أصحاب عاصم رووا هذا الحديث عنه، ولم يذكروا لفظ: على صدره: منهم شعبة عند أحمد: ص 319 - ج 4. وعبد الواحد، عنده: ص 316. وزهير بن معاوية: ص 318. وزائدة، عنده: ص 318. وعند أبي داود: ص 112. والبيهقي: ص 228 - ج 2. وبشر بن المفضل، عند أبي داود: ص 112، وابن ماجه: ص 59. وعبد الله بن إدريس، عند ابن ماجه: ص 59. وسلام بن سليم، عند الطيالسي: ص 137. وخالد بن عبد الله، عند البيهقي: ص 131 - ج 2، ولم يذكر واحد منهم: على صدره.
وكذا روى موسى بن عمير عن عائشة عن وائل، عند أحمد: ص 316 - ج 4. والبيهقي: ص 28 - ج 2. والدارقطني: ص 117. وموسى بن قيس، عند النسائي: ص 141. وعبد الجبار بن علقمة. ومولى لهم، عند مسلم: ص 173. وعبد الجبار عن وائل بن علقمة عن وائل بن حجر، عند أبي داود: ص 112. وعبد الجبار عن أهل بيت وائل، عند البيهقي: ص 26، وعبد الجبار عن أبيه وائل، عند أحمد: ص 318، والدارمي: ص 146. وعبد الجبار. ومولى لهم عن وائل، عند البيهقي: ص 28 - ج 2، وص 71 - ج 2، كلهم ذكروا وضع اليمين على الشمال، ولم يذكر أحد منهم على صدره.
فإن قيل: قال صاحب العون المباركفوري: أن ابن سيد الناس، ذكر حديث وائل في شرح الترمذي وقال: صححه ابن خزيمة، وذكر أن العلامة محمد قائم السندهي: اعترف أن هذا الحديث على شرط ابن خزيمة، قلت: حديث وائل له ألفاظ مختلفة لا شك في صحة بعضها، وإنما الكلام في زيادة: على صدره، والذي صححه ابن خزيمة، وذكر تصحيحه ابن سيد الناس، هو الذي ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح ص 186 - ج 2 أيضاً، قال: وفي حديث وائل عند أبي داود. والنسائي، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ من الساعد، وصححه ابن خزيمة، اهـ. وأما حديث وائل مع زيادة: على صدره، فقال الحافظ في الفتح قد روى ابن خزيمة من حديث وائل: أنه وضعهما على صدره، والبزار: عند صدره، اهـ. ولم يذكر تصحيح ابن خزيمة لهذه الزيادة، لا في الفتح - ولا في التلخيص - ولا في الدراية، وكذا النووي لم يذكر في شرح المهذب - ولا في الخلاصة - ولا في شرح مسلم وكانا أحوج ما يكون إلى نقله، إذا احتجا لمذهبهما، فسكوتهما بيان أن ابن خزيمة لم يصرح بتصحيحه، والله أعلم.(1/316)
أَحَادِيثُ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَأْمُرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا يُنْمَى ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
= وأما من زعم أن إيراده في صحيحه دليل على أنه على شرطه، فهذا أيضاً ليس بصحيح، لأنا أوضحنا لك بالدليل أن دأبه في صحيحه دأب الترمذي. والحاكم، ألا ترى ينقلون التصحيح لكل حديث على حدة، فكما أن سكوت الترمذي. والحاكم لا يدل على الصحة، بل على الضعف فليكن ابن خزيمة كذلك أيضاً، والله أعلم.
فإن قيل: قال الحافظ في الدراية ص 70: حديث وائل بن حجر، قال: صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، أخرجه ابن خزيمة، وهو في مسلم دون: على صدره، اهـ. واستدل به المباركفوري، بأن حديث ابن خزيمة بالإسناد والمتن موجود في مسلم بدون الزيادة: على صدره، وإسناد مسلم صحيح، فليكن إسناد ابن خزيمة كذلك، قلنا: هذه مغلطة وجور عن الطريق، لأنه لو ذكر المتن مع السند، ثم قال: هذا في مسلم لأمكن أن يقال: هذا، وإن لم يكن بينا في هذه الصورة أيضاً، لأنهم يقولون ذلك إذا اتحد المخرج مع باقي الإسناد، وأما إذا لم يمس الإسناد أصلاً، وذكر المتن، فكلا لا يراد به الإسناد في هذه الصورة، انظر إلى ما قال الحافظ في الفتح ص 186 - ج 2: وحديث وائل عند أبي داود. والنسائي، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ من الساعد، وصححه ابن خزيمة، وغيره، وأصله في مسلم بدون الزيادة، اهـ. فإن مفاد هذا القول بعينه مفاد ما استدل صاحب العون، ولكن لم يرد به الحافظ أن إسناد أبي داود. والنسائي هو إسناد مسلم من أوله إلى آخره، ولو سلمنا أن إسناد زيادة حديث وائل هو الإسناد الذي أخرج به مسلم، أصل الحديث. لكان هذا أدّلّ دليل على أن الزيادة غلط، وهم فيه الراوي، ولو ثقة، لأنا على يقين من أن شيخاً واحداً من مسلم. وابن خزيمة لم يكن ليضن بهذه الزيادة عن مسلم، ويذكر عند ابن خزيمة فقط، فإذا طرح مسلم هذه الزيادة، وروى الحديث بدونها فليس هذا إلا لما علم أن الزيادة وهم، غلط فيه الراوي.
قال ابن القيم في الهدى ص 96 - ج 1 مجيباً عن اعتراض على مسلم روايته عمن تكلم فيهم: لا عيب على مسلم في إخراجه حديثه، لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، اهـ. بل قد يشير مسلم في صحيحه إلى ذلك أيضاً، كما قال في ص 151: في حديث حماد زيادة حرف تركنا ذكره، اهـ.
فإن قيل: قال الشوكاني في النيل: واحتجت الشافعية لما ذهبت إليه، مما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وصححه من حديث وائل قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، اهـ.
قلت: لو سكت الشوكاني عن هذا كما سكت الحافظ ابن حجر. والنووي. وغيرهما ممن نقل هذا الحديث لكان أولى به، لأن الحافظ عنده أصل الكتاب، وملأ تصانيفه من تصحيحات ابن خزيمة، فلو صححها ابن خزيمة لنقلها، والشوكاني ليس عنده هذا الكتاب فلعله اشتبه عليه من قول ابن سيد الناس، أو ظن أن كل حديث أورده ابن خزيمة فقد صححه، وكيفما كان فقوله هذا كقوله في حديث ركانة، حيث قال: في ص 193 - ج 6، قال أبو داود: هذا حسن صحيح، وأنا لم نر هذا التصحيح في شيء من نسخ أبي داود، والله أعلم.
فإذا رأى الحديث على مؤمل بن إسماعيل، وهو قد لينه غير واحد، قال الذهبي في الكاشف: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ، وقيل: دفن كتبه، وحدّث حفظاً، فغلط، وقال ابن حجر في التهذيب: قال البخاري: مؤمل منكر الحديث، وقال ابن سعد: ثقة، كثير الغلط، وقال ابن قانع: صالح يخطئ، وقال الدارقطني: ثقة، كثير الخطأ، وقال في التقريب: صدوق سيء الحفظ، فقال ابن التركماني في الجوهر: قلت: مؤمل هذا، قيل: إنه دفن كتبه، فكان يحدث عن حفظه، فكثر خطأه، كذا ذكر صاحب الكمال وفي الميزان قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: كثير الخطأ. وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير، اهـ.
1 ص 104.(1/317)
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَصَفَّهُمَا حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ سَمِعْت أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى3 فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَفِي إسْنَادِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ فِيهِ لِينٌ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ4: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنا معشر الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُمْسِكَ بِأَيْمَانِنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَطَلْحَةُ هَذَا، قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ. والدارقطني. وَابْنُ عَدِيٍّ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ النَّضْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. وَأَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ6 عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ بَيْنَ قَوْلِهِ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِك"، إلَى آخِرِهِ، وَقَوْلِهِ: {وَجَّهْت وَجْهِي} ، إلَى آخِرِهِ.
__________
1 ص 173.
2 في باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ص 117، والنسائي في الإمام إذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه: ص 141، وابن ماجه في باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة ص 59، والدارقطني: ص 107.
3 رواه جابر أيضاً بإسناد الصحيح، عند أحمد. والطبراني قاله في الزوائد ص 104، قلت: حديثه عند الدارقطني أيضاً: ص 107، لكن فيه الحجاج بن أبي زينب أيضاً.
4 وفي شرح المهذب ص 313 - ج 3.
5 في باب أخذ الشمال باليمين في الصلاة ص 106، وقال الهيثمي في الزوائد ص 105 - ج 2: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح، اهـ. قلت: لعل عنده طريقاً آخر.
6 في باب وضع اليمين على الشمال ص 34، وابن ماجه: ص 59، والدارقطني: ص 107.(1/318)
قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
أَمَّا حديث ابن عمر، فأخرج الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ فُلَيْحِ الْمَكِّيُّ ثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: {وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ1، نَقَلَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ تَضْعِيفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ وَالْمُتُونَ، وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ وَالْمَوْقُوفَاتِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ ثَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِمْصِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَجَّهْت وَجْهِي"، إلَى آخِرِهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَقَدْ رُوِيَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، مَرَّةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمَرَّةً عَنْ جَابِرٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَوَجَدْت فِي كِتَابِ الْعِلَلِ - لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ3 قَالَ: سَأَلَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ أُبَيًّا عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَامِعِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ بَيْنَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَيْنَ وَجَّهْت وَجْهِي، إلَى آخِرِهِمَا، قَالَ إسْحَاقُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ، فَقَالَ أُبَيٍّ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ، أَرَى أَنَّ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَدَائِنِيِّ، وَقَدْ كَانَ خَرَجَ إلَى مِصْرَ، فَسَمِعَ مِنْ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ إلَى الْمَدَائِنِ، فَسَمِعَ مِنْهُ النَّاسُ، وَكَانَ يُوصَلُ الْمَرَاسِيلَ، وَيَضَعُ لها أسانيد، فخرح رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى مِصْرَ فَكَتَبَ كُتُبَ اللَّيْثِ هُنَاكَ، ثُمَّ قَدِمَ بِهَا بَغْدَادَ، فَعَارَضُوا بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ، فَبَانَ لَهُمْ أَنَّ أَحَادِيثَ خَالِدٍ مُفْتَعَلَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ عَلِيٍّ مُنْفَرِدًا بِقَوْلِهِ: وَجَّهْت وَجْهِي فَقَطْ، أَخْرَجَهُ فِي التَّهَجُّدِ4 مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ
__________
1 قال في الزوائد ص 107 - ج 2: أخرجه الطبراني في الكبير وفيه عبد الله بن عامر الأسلمي، وهو ضعيف.
2 في باب من روى الجمع بينهما ص 33 - ج 2.
3 ص 147.
4 في باب صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه بالليل ص 263 - ج 1.(1/319)
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: {وَجَّهْت وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، " اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ"، الْحَدِيثَ. وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ: كَانَ إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، قَالَ: {وَجَّهْت وَجْهِي} إلَى آخِرِهِ، وَجَهِلَ بَعْضُ النَّاسِ، فَفَهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ قَوْلَهُ: {وَجَّهْت وَجْهِي} إلَى آخِرِهِ لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَنَّهُ أَرَادَ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ: {وَجَّهْت وَجْهِي} فَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ عَلِيٍّ، وَهَذَا فَهْمٌ فَاسِدٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ الْجَمْعَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ أَعْنِي قَوْلَهُ: {وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي} إلَى آخِرِهِ، وَسُبْحَانَك اللَّهُمَّ، إلَى آخِرِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ اللَّفْظِ، مَعَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 لَمْ يَسْتَدِلَّ لِلْقَائِلِينَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ إلَّا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَبِحَدِيثِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، مِنْ رِوَايَةِ الْخُدْرِيِّ. وَغَيْرِهِ قَالَ: فَلَمَّا جَاءَتْ الرِّوَايَةُ بِهَذَا اسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يَقُولَهُمَا الْمُصَلِّي جَمِيعًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي الْجَمْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، وَقَرَأَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، إلَى آخِرِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ بن الْأَسْوَدُ، قَالَ الْمَرْوَزِيِّ: سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَأَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: ضَعِيفٌ جِدًّا يَتَكَلَّمُونَ فِي حَدِيثِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ3 سَمِعْت أَبِي، وَذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ حُمَيْدٍ بن أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَأَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى حَذْوِ أُذُنَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ لَا بَأْسَ بِهِ،
__________
1 في باب ما يقال بعد تكبيرة الافتتاح ص 117.
2 ص 113 وفي الزوائد ص 107، ج 2، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون.
3 ص 135.(1/320)
كَتَبْت عَنْهُ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ - فِي الدُّعَاءِ1، وَهُوَ مُجَلَّدٌ لَطِيفٌ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ أَنَسُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ ثَنَا أَبُو الْإِصْبَعِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِذِ بْنِ شُرَيْحٍ2 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَقُولُ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخر، روى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ3 بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى رَحْمَوَيْهِ4 ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى الشَّيْبَانِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ5 قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ6 مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، ثُمَّ يَقُولُ: "لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثَلَاثًا"، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلَاثًا، أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ"، ثُمَّ يَقْرَأُ، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ. وَابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ يَقُولُ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، انْتَهَى. لَمْ يَقُولَا فِيهِ: ثُمَّ يَقُولُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الْحَدِيثُ يَقُولُونَ: هُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، الْوَهْمُ مِنْ جَعْفَرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إسْنَادِهِ، كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَتَكَلَّمُ فِي عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا هُوَ ابْنُ نِجَادِ بْنِ رِفَاعَةَ الْبَصْرِيُّ، كُنْيَتُهُ أَبُو إسْمَاعِيلَ، وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد7 عَنْ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ بُدَيْلُ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: "سُبْحَانَك
__________
1 وفي الزوائد ص 107 - ج 2 عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي أذنيه، يقول: "سبحانك اللَّهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون، اهـ.
2 ضعيف.
3 في نسخة محمد.
4 زكريا بن يحيى ثقة. ورحموية لقب زكريا.
5 قال الحافظ في الدراية ص 70: هذه متابعة جيدة لرواية أبي خالد الأحمر، والله أعلم.
6 أبو داود في باب من رأى الاستفتاح بسبحانك ص 119 والترمذي في باب ما يقول عند افتتاح الصلاة ص 33، وابن ماجه في باب افتتاح الصلاة ص 58، والنسائي في باب الذكر من افتتاح الصلاة والقراءة ص 143، وقال الهيثمي في الزوائد: ص 265 - ج 4. رواه أحمد، ورجاله ثقات، اهـ.
7 ص 120.(1/321)
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، لَمْ يَرْوِهِ إلَّا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، وَقَدْ رَوَى قِصَّةَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةٌ عَنْ بُدَيْلُ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ، سَوَاءٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَحَارِثَةُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. وَبِالْإِسْنَادَيْنِ أَعْنِي سَنَدَ أَبِي دَاوُد. وَسَنَدَ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَا أَحْفَظُ فِي قَوْلِهِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك فِي الصَّلَاةِ أَصَحَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ3 أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَقَدْ أَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ4 عَنْ عُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ، انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ شَيْخِنَا عَلَاءِ الدِّينِ كَيْفَ عَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِلْحَاكِمِ. وَالْبَيْهَقِيِّ فَقَطْ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَكَمْ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ هَذَا بِجِيمٍ، وَزَايٍ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ، يَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَائِشَةَ، وَهُوَ يَشْتَبِهُ بِأَبِي الحوراء بمهملتين ربيع بْنِ شَيْبَانُ، يَرْوِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ5 عَنْ عَبْدَةَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَه غَيْرُك، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَعَبْدَةُ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عُمَرَ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: إنَّهُ رَأَى عُمَرَ رُؤْيَةً، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مَعَ غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْعِلَلِ: وَقَدْ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ6 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالَفَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، فَرَوَاهُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ، قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا فِرْدَوْسُ الْأَشْعَرِيُّ ثَنَا مَسْعُودُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْت الْحَكَمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك"، إلَى آخِرِهِ.
__________
1 ص 33، وابن ماجه: ص 59. والدارقطني: ص 113. والطحاوي: ص 117.
2 في باب دعاء افتتاح الصلاة ص 235 - ج 1.
3 كما في الطحاوي - في معاني الآثار ص 117.
4 قال الشافعي رحمه الله تعالى في رسالة أصول الفقه ص 38: فكان الذي نذهب إليه أن عمر لا يعلم الناس على المنبر بين ظهراني أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ما عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ.
5 في باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة ص 147 - ج 1.
6 في نسخة عبيد.(1/322)
حَدِيثٌ آخَرُ، روى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الْمِصِّيصِيِّ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْفَرَّاءُ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ1 عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا تُخَالِفْ آذَانَكُمْ، ثُمَّ قُولُوا: "اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَإِنْ لَمْ تَزِيدُوا عَلَى التَّكْبِيرِ أَجْزَاكُمْ"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ التَّكْبِيرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، وَأَمَّا الِاسْتِعَاذَةُ، فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ عِنْدَنَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ، وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَالتِّرْمِذِيُّ، انْتَهَى. قُلْت: وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصلاة بالتكبير، والقراءة - بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -، انْتَهَى. الْحَدِيثُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ القراءة - بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -، وَلَمْ يَسْكُت، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ3 أَيْضًا، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَيْضًا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ - بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: نُقِلَ فِي الْمَشَاهِيرِ: قِرَاءَةُ بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ بسم الله الرحمن الرحيم، ثُمَّ قَرَأَ: بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ5 صَلَاةً برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انتهى.
__________
1 رواه الطبراني في الكبير وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي، وهو ضعيف زوائد ص 102.
2 في باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ص 194.
3 أي تعليقا في باب ما يقال من تكبيرة الإحرام والقلراءة ص 219، وأخرجه البيهقي قي: ص 196- ج2،وصححه والحاكم في: ص 215، وقال: على شرطهما.
4 في باب ما يقرأبعد التكبير ص 103، ومسلم في باب حجة من قال: لايجهر بالبسملة ص 172.
5 وقد اعترض على ذلك بأنه وصف الصلاة، وقال: أنا أشبهكم، فيحمل على معظم ذلك، وأن العموم قد يخص بقرائن صحيحة، قال الحافظ في الدراية: قلنا: منها ما في النسائي ص 173 - ج 2، فلما رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، الحديث، ومنها ما في مسند أحمد ص 319 - ج 3: يكبر إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وفي ص 502: يكبر كلما رفع وخفض، وقال: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ. وكذا في مسلم ص 169 - ج 1، وكان يرفع يديه في كل خفض ورفع، كما في التلخيص ص 82، وقال: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى أبو داود في الوتر - في باب القنوت في الصلوات عن أبي هريرة، قال: والله لأقربن بكم صلاة برسول الله(1/323)
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَسَيَأْتِي.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَأَبُو خَالِدٍ، قِيلَ: هُوَ الْوَالِبِي الْكُوفِيُّ، وَاسْمُهُ هُرْمُزُ، وَيُقَالُ: هَرِمٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْكُنَى أَبُو خَالِدٍ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، سَمِعْت أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ، وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الَّذِي رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ، رَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، لَا أَعْرِفُهُ، كَذَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْكُنَى تَرْجَمَةَ أَبِي خَالِدٍ هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْأَسْمَاءِ تَرْجَمَةَ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، وَسَمَّاهُ هُرْمُزَ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي إسْمَاعِيلَ: حَدِيثُهُ ضَعِيفٌ، وَيَحْكِيهِ عَنْ مَجْهُولٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ النَّضْرِ الْقُرَشِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ثنا بن عربي ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَرْوِيه غَيْرُ مُعْتَمِرٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَأَبُو خَالِدٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: بسم الله الرحمن الرحيم
__________
= صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح، اهـ. وكذا في النسائي في باب صلاة الظهر ص 164، قال ابن القيم في الهدى ص 70: لا ريب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك، ثم تركه، فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة، اهـ. قال ابن تيمية في رسالته - في خلاف الأمة في العبادات ص 28: وقد روى الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر بها اذا كان بمكة، وأنه لما هاجر إلى المدينة ترك الجهر بها حتى مات، اهـ. وكذا في الفتاوى ص 29 - ج 4 من الاختيارات.
1 ص 232 - ج 1. والنسائي في باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم ص 144. وابن جارود: ص 97، والبيهقي: ص 58 - ج 2، والدارقطني: ص 115، والطحاوي: ص 117.
2 في باب رأي الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
3 في باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم ص 113.(1/324)
فِي صَلَاتِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادٌ عَلَوِيٌّ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: هَذَا إسْنَادٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَسُلَيْمَانُ هَذَا لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: بسم الله الرحمن الرحيم فِي الْفَاتِحَةِ - فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً، انْتَهَى. ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ، وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْجَهْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ يَبْدَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَأَبُوهُ ضَعِيفَانِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَالِحٍ الْأَحْمَرِ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَك بِآيَةٍ، أَوْ بِسُورَةٍ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍّ بَعْدَ سُلَيْمَانَ غَيْرِي"، فَمَشَى، وَتَبِعْتُهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَأَخْرَجَ رِجْلَهُ وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى، فَقُلْت: أَنَسِيَ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "بِأَيِّ شَيْءٍ يُفْتَتَحُ الْقُرْآنُ إذَا افْتَتَحَتْ الصَّلَاةَ؟ " قُلْت: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ "هِيَ هِيَ"، ثُمَّ خَرَجَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَمَّا سَلَمَةُ. وَعَبْدُ الْكَرِيمِ، فَقَالَ أَحْمَدُ. وَيَحْيَى: لَيْسَا بِشَيْءٍ، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَيَزِيدُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ: فَذَكَرَ مِنْهَا: التَّعَوُّذَ. وَالتَّسْمِيَةَ. وَآمِينَ. وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ ثَنَا أَبُو وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي بسم الله الرحمن الرحيم، وَالِاسْتِعَاذَةَ، وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كتاب الآثار حدثنا أبو حنيفة حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ: التَّعَوُّذَ. وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَسُبْحَانَك اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِك. وَآمِينَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنِّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ بِذِكْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ عِوَضَ قَوْلِهِ: سُبْحَانَك
__________
1 ذكر في المهذب حديث أم سلمة، كما ذكره المخرج، وقال النووي في شرحه ص 333 - ج 3: حديث أم سلمة صحيح، رواه ابن خزيمة في صحيحه بمعناه، اهـ.
2 ص 232 - ج 1 من طريق ابن خزيمة. وعمر بن هارون، قال الذهبي في التلخيص: أجمعوا على ضعفه، وقال النسائي: متروك، اهـ. وأخرجه الدارقطني في: ص 1116 عن عمر بن هارون به، وبإسناد ابن خزيمة عند الحاكم ذكر الذهبي في الميزان - في ترجمة عمر بن هارون، وقال: رواه ابن خزيمة في مختصر المختصر.
3 ص 117.(1/325)
اللَّهُمَّ. وَاَللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: خَمْسٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ، فَذَكَرهَا، وَزَادَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِي صَلَاتِهِ بِالتَّسْمِيَةِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1. والدارقطني فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سليمان من الصلاة مالا أُحْصِيهَا: الصُّبْحَ. وَالْمَغْرِبَ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا، وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ أَبِي. قَالَ أَبِي: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ أَنَسٍ، وَقَالَ أَنَسٌ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا2 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَمَّ النَّاسَ جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَبَيَانُ عِلَلِهَا، وَجَمِيعِ طُرُقِهَا، مُسْتَوْفًى، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4. وَمُسْلِمٌ فِي صحيحيهما عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يقرأ بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ5. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ
__________
1 ص 234، والدارقطني: ص 116، وأجاب عن هذا الحديث الحافظ المخرج رحمه الله فيما سيأتي.
2 في باب تكبيرات العيدين سوى الافتتاح ص 299، وقال الذهبي: كأنه موضوع، وأخرج الدارقطني: ص 182 من طريقين واهيين، وأجاب الطحاوي: ص 180.
3 ص 117، فيه ابن سمعان، وهو متروك دارقطني.
4 في باب ما يقرأ بعد التكبير ص 103، ومسلم في باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة ص 172، واللفظ له.
5 في باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ص 144، ولم أجد هنا هذا اللفظ، وإنما هو في مسند أحمد ص 264 - ج 3، والدارقطني: ص 119، والطحاوي: ص 119، وابن جارود: ص 97، وتاريخ الخطيب ص 19 - ج 8.(1/326)
فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ. والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَقَالُوا فِيهِ: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ: وَيَجْهَرُونَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ1. وَابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ. وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ. وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ2: وَكَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَرِجَالُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ
جَمْعٌ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَالْمَذَاهِبُ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ: طَرَفَانِ. وَوَسَطٌ، فَالطَّرَفُ الْأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ، إلَّا فِي سُورَةِ النَّمْلِ، كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ. وَطَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ مُدَّعِيًا أَنَّهُ مَذْهَبُهُ، أَوْ نَاقِلًا لِذَلِكَ رِوَايَةً عَنْهُ. وَالطَّرَفُ الثَّانِي الْمُقَابِلُ لَهُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، أَوْ بَعْضُ آيَةٍ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. ومن وافقه، فد نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ، وَإِنَّمَا يُسْتَفْتَحُ به السُّوَرِ تَبَرُّكًا بِهَا، وَالْقَوْلُ الْوَسَطُ: إنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ، وَإِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ السُّوَرِ، بَلْ كُتِبَتْ آيَةً فِي كُلِّ سُورَةٍ، وَكَذَلِكَ تُتْلَى آيَةً مُفْرَدَةً فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، كَمَا تَلَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ3 مِنْ حَدِيثِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ أنه عليه السلام أغفا إغْفَاءَةً، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: "نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ آنِفًا، ثُمَّ قَرَأَ: {بسم الله الرحمن الرحيم، إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ} إلَى آخِرِهَا، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ4: "إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، هِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} "، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَدَاوُد. وأباعه، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ أَنَّهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ فِي هَذَا الْقَوْلِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَكِتَابَتُهَا سَطْرًا مُفَصَّلًا عَنْ السُّورَةِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ {بسم الله الرحمن الرحيم} وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَعْرِفُ انْقِضَاءَ السُّورَةِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ لِأَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ في الفاتحة قولان، وهما رِوَايَتَانِ
__________
1 ص 144، وكذا في ابن جارود: ص 97، والطحاوي: ص 119.
2 والطحاوي في شرح الآثار ص 119.
3 في باب حجة من قال: البسملة آية من كل سورة سوى براءة ص 172، وأبو داود في باب من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ص 12، والنسائي في باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم ص 143.
4 أخرجه الترمذي في فضل سورة الملك ص 112 - ج 2. وقال: حديث حسن.(1/327)
عَنْ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا، تَجِبُ قِرَاءَتُهَا حَيْثُ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ. وَالثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ كَقِرَاءَتِهَا فِي أَوَّلِ السُّوَرِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ، وَحِينَئِذٍ الْأَقْوَالُ فِي قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ: أحدها: أنه وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ، كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الحديث، بناءاً عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. والثاني: أنه مَكْرُوهَةٌ سِرًّا وَجَهْرًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا جَائِزَةٌ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ مَعَ قِرَاءَتِهَا هَلْ يُسَنُّ الْجَهْرُ بِهَا أَوْ لَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: يُسَنُّ الْجَهْرُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَمَنْ وَافَقَهُ. وَالثَّانِي: لَا يُسَنُّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَالرَّأْيِ. وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَابْنِ حَزْمٍ، وَكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِالْجَهْرِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، قَالَ: وَيَسُوغُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَفْضَلَ لِأَجْلِ تَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، خَوْفًا مِنْ التَّنْفِيرِ، كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاءَ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ لِكَوْنِ قُرَيْشٍ كانوا حدثي عَهْدِ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَخَشِيَ تَنْفِيرَهُمْ بِذَلِكَ، وَرَأَى تَقْدِيمَ مَصْلَحَةِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمَّا أَنْكَرَ الرَّبِيعُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ إكْمَالَهُ الصَّلَاةَ خَلْفَ عُثْمَان، قَالَ: الْخِلَافُ شَرٌّ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ. وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَفِي وَصْلِ الْوِتْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا فِيهِ الْعُدُولُ عَنْ الْأَفْضَلِ إلَى الْجَائِزِ الْمَفْضُولِ مُرَاعَاةً لِائْتِلَافِ الْمَأْمُومِينَ أَوْ لِتَعْرِيفِهِمْ السُّنَّةَ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ.
هَذَا تَحْرِيرُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ اعْتَمَدَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ عَلَى وُجُوبِ قرائتها، وَكَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ بِكِتَابَةِ الصَّحَابَةِ لَهَا فِي الْمُصْحَفِ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَهَذَا أَقْوَى الْأَدِلَّةِ فِيهِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ جَرَّدُوا الْقُرْآنَ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ، وَاَلَّذِينَ نَازَعُوهُمْ دَفَعُوا هَذِهِ الْحُجَّةَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَالُوا: إنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَاطِعٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا قَاطِعًا لَكَفَرَ مُخَالِفُهُ، وَقَدْ سَلَكَ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَغَيْرُهُ هَذَا الْمَسْلَكَ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ بِخَطَإِ الشَّافِعِيِّ فِي جَعْلِهِ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، مُعْتَمِدِينَ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْقُرْآنِ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ، ولا تواتر ههنا، فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِنَفْيِ كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ مُقَابَلَةٌ بِمِثْلِهَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: بَلْ يُقْطَعُ بِكَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ، كَمَا قَطَعْتُمْ بِنَفْيِ كَوْنِهَا مِنْهُ، وَمِثْلُ هَذَا النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ قُرْآنٌ، فَإِنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ آيَةِ وَآيَةٍ يَرْفَعُ الثِّقَةَ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامَ اللَّهِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ كَتَبُوا(1/328)
الْمَصَاحِفَ نقلوا إلينا مَا كَتَبُوهُ بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْتُبُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، فَإِنْ قَالَ الْمُنَازِعُ: إنْ قَطَعْتُمْ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ فَكَفِّرُوا النَّافِيَ، قِيلَ لَهُمْ: هَذَا مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، إذَا قَطَعْتُمْ بِنَفْيِ كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَكَفِّرُوا مُنَازِعَكُمْ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى نَفْيِ التَّكْفِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ، مَعَ دَعْوَى كثير من الطائفيين الْقَطْعَ بِمَذْهَبِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ قَطْعِيًّا عِنْدَ شَخْصٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا ادَّعَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ عِنْدَهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قطعياً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ قي يَقَعُ الْغَلَطُ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي الْقَطْعَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْقَطْعِ، كَمَا يَغْلَطُ فِي سَمِعَهُ. وَفَهْمِهِ. وَنَقْلِهِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِ، بَلْ كَمَا يَغْلَطُ الْحِسُّ الظَّاهِرُ فِي مَوَاضِعَ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: الْأَقْوَالُ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ: طَرَفَانِ. وَوَسَطٌ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَلَّذِي اجتمع على الْأَدِلَّةُ هُوَ الْقَوْلُ الْوَسَطُ، وَهُوَ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّوَرِ، بَلْ تُكْتَبُ قَبْلَ السُّورَةِ، وَتُقْرَأُ كَمَا قَرَأَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ، فِي قَوْلِهِ: فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ} : اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ آيَةً فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ لِكَوْنِهَا لَمْ تُذْكَرْ هُنَا، قَالَ: وَأُجِيبُ عَنْهُ: أَنَّ الْبَسْمَلَةَ أُنْزِلَتْ فِي وَقْتٍ آخَرَ، كَمَا نَزَلَ بَاقِي السور فِي وَقْتٍ آخَرَ، انْتَهَى. وحجة الخصوم المانععين مِنْ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ أَحَادِيثُ: أَقْوَاهَا حَدِيثُ أَنَسٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ في صحيحهما مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بسم الله الرحمن الرحيم، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يَذْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ1. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَقَالُوا فِيهِ: وَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ: وَيَجْهَرُونَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ. وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ: فَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمَةِ. وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ. وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ. وَالطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: فَكَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَرِجَالُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
__________
1 لعله قي سننه الكبرى والله أعلم.(1/329)
وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ طُرُقٌ أُخْرَى دُونَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ، وَفِيهَا مَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَكُلُّ أَلْفَاظِهِ تَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ يصدق بعضها بعضً، وَهِيَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ: - فَالْأَوَّلُ: 1كَانُوا لَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالثَّانِي:2فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ أَوْ يَقْرَأُ: بسم الله الرحمن الرحيم. وَالثَّالِثُ3: فلم يكونوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم: وَالرَّابِعُ4: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالْخَامِسُ5: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالسَّادِسُ6: فَكَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالسَّابِعُ7: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقُرْآنَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْخَطِيبُ، وَضَعَّفَ مَا سِوَاهُ لِرِوَايَةِ الْحُفَّاظِ لَهُ عَنْ قَتَادَةَ، وَلِمُتَابَعَةِ غَيْرِ قَتَادَةَ لَهُ عَنْ أَنَسٍ فِيهِ، وَجَعَلَهُ اللَّفْظَ الْمُحْكَمَ عَنْ أَنَسٍ، وَجَعَلَ غَيْرَهُ مُتَشَابِهًا، وَحَمَلَهُ عَلَى الِافْتِتَاحِ بِالسُّورَةِ لَا بِالْآيَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْأَلْفَاظِ الْمُنَافِيَةِ بِوَجْهٍ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُنَاقِضًا لَهَا؟، فَإِنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ الِافْتِتَاحُ بِالْآيَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ جَهْرًا أَوْ سِرًّا، فَكَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ؟!، وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: "لَا يَذْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم. فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا" لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْجَهْرِ، لِأَنَّ أَنَسًا إنَّمَا يَنْفِي مَا يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِانْتِفَائِهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ مَعَ الْقُرْبِ عُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْهَرُوا، وَأَمَّا كَوْنُ الْإِمَامِ لَمْ يَقْرَأْهَا فَهَذَا لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ سُكُوتٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ سِرًّا، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا عَلَى عَدَمِ قِرَاءَتِهَا مَنْ لَمْ يَرَ هُنَا سُكُوتًا كَمَالِكٍ. وَغَيْرِهِ، لَكِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ8 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ
__________
1 عند أحمد: ص 278 - ج 3.
2 عند أحمد: ص 177 - ج 3، والطحاوي: ص 119، والدارقطني: ص 119، والانصاف - لابن عبد البر ص 22.
3 عند الطحاوي: ص 119، والبيهقي: ص 52 - ج 2، الانصاف ص 25.
4 الطحاوي: ص 119، وابن جارود: ص 97، وذكر سماع قتادة عن أنس، والنسائي: ص 144، والدارقطني: ص 119، وفي النسائي: ص 144: فلم يسمعنا قراءة {بسم الله الرحمن الرحيم} والانصاف ص 22، وص 23.
5 أحمد: ص 179 - ج 3، وص 275 - ج 3، والدارقطني: ص 119، وفي مسند أحمد ص 264 - ج 3، وابن جارود: ص 97، والدارقطني: ص 119 بلفظ: فلم يجهروا {ببسم الله الرحمن الرحيم} ، والانصاف ص 23، وص 24.
6 الطحاوي: ص 119، وقال في الزوائد ص 108 - ج 2: رواه الطبراني في الكبير - والأوسط ورجاله موثقون: وقال الحافظ في الفتح ص 189: رواية الحسن عن أنس عند ابن خزيمة بلفظ: كانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم، اهـ.
7 عند أحمد: ص 168 - ج 3، وفي الصحاح. والسنن. وغيرهما القراءة، بدل: القرآن، وفي مسند أحمد ص 289 كانوا يستفتحون القراءة بعد التكبير بالحمد لله رب العالمين في الصلاة، اهـ. وعند مسلم: ص 172 زيادة: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها، اهـ. وكذا عند أحمد: ص 223 - ج 3، وفي الانصاف لا يقرؤون، اهـ.
8 البخاري في باب ما يقرأ بعد التكبير ص 103، ومسلم في باب ما يقال: بين تكبيرة الإحرام والقراءة ص 219.(1/330)
مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، إلَى آخِرِهِ، وَفِي السُّنَنِ1 عَنْ سَمُرَةَ. وَأُبَيُّ. وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ كَانَ يَسْكُتُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ سُكُوتٌ لَمْ يُمْكِنْ أَنَسًا أَنْ يَنْفِيَ قِرَاءَتَهَا فِي ذَلِكَ السُّكُوتِ، فَيَكُونُ نَفْيُهُ لِلذِّكْرِ. وَالِاسْتِفْتَاحِ. وَالسَّمَاعِ، مُرَادًا بِهِ الْجَهْرَ بِذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ، وَقَوْلُهُ: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ، وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلْقِرَاءَةِ سِرًّا، وَلَا عَلَى نَفْيِهَا، إذْ لَا عِلْمَ لِأَنَسٍ بِهَا حَتَّى يُثْبِتَهَا أَوْ يَنْفِيَهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ2: إنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ3، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْقِرَاءَةِ السَّرِيَّةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِخْبَارٍ أَوْ سَمَاعٍ عَنْ قُرْبٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنْهُمَا، وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى: فَكَانُوا يُسِرُّونَ4 كَأَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ بِالْمَعْنَى مِنْ لَفْظِ لَا يَجْهَرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَيْضًا فَحَمْلُ الِافْتِتَاحِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى السُّورَةِ لَا الْآيَةِ مِمَّا تَسْتَبْعِدُهُ الْقَرِيحَةُ وَتَمُجُّهُ الْأَفْهَامُ الصَّحِيحَةُ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعِلْمِ الظَّاهِرِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ، كَمَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْفَجْرَ رَكْعَتَانِ. وَأَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعٌ. وَأَنَّ الرُّكُوعَ قَبْلَ السُّجُودِ. وَالتَّشَهُّدَ بَعْدَ الْجُلُوسِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِي نَقْلِ مِثْلِ هَذَا فَائِدَةٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ أَنَسًا قَصَدَ تَعْرِيفَهُمْ بِهَذَا، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ مَنْ يَقُولُ: فَكَانُوا يَرْكَعُونَ قَبْلَ السُّجُودِ، أَوْ فَكَانُوا يَجْهَرُونَ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَالْفَجْرِ، وَيُخَافِتُونَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَيْضًا فَلَوْ أُرِيدَ الِافْتِتَاحُ بِسُورَةِ الْحَمْدِ لَقِيلَ: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. أَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، أَوْ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي تَسْمِيَتِهَا عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. وَلَا عَنْ أَحَدٍ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْحَمْدِ فَقَطْ فَعُرِفَ متأخر، يقولن: فُلَانٌ قَرَأَ الْحَمْدَ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟!، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ السُّورَةَ، إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَأَنَّى لِلْمُخَالِفِ ذَلِكَ؟!، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ5 عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ الِاسْتِفْتَاحَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ السُّورَةِ، قُلْنَا: هَذَا مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى، وَالصَّحِيحُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، أَخْبَرَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
__________
1 أبو داود في باب السكتة عند الافتتاح ص 120، والترمذي في باب ما جاء في السكتتين ص 34، والنسائي في باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة ص 142.
2 عند أحمد: ص 166 - ج 3، وقريب منه في: ص 190 - ج 3، وفي الدارقطني: ص 120.
3 قال ابن عبد البر في الانصاف ص 26: الذي عندي أنه من حفظه عنه حجة على من سأله حين نسيناه، اهـ.
4 هي عند الطحاوي: ص 119.
5 عند الدارقطني: ص 120.(1/331)
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ ذَلِكَ، هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَاطِفًا لَهُ عَلَى حَدِيثِ قَتَادَةَ، وَهَذَا اللَّفْظُ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحِ هُوَ الثَّابِتُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّفْظُ الْآخَرُ: إنْ كَانَ مَحْفُوظًا، فَهُوَ مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الِافْتِتَاحِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ كَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَعَامَةَ الْحَنَفِيِّ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ ثَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: بسم الله الرحمن الرحيم، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! إيَّاكَ وَالْحَدَثَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَبْغَضَ إلَيْهِ الْحَدَثُ فِي الْإِسْلَامِ يَعْنِي مِنْهُ، قَالَ: وَصَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ. وَمَعَ عُمَرَ. وَمَعَ عُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا، فَلَا تَقُلْهَا أَنْتَ، إذَا صَلَّيْت فَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَغَيْرُهُمْ. وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ لَا يَرَوْنَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَدْ ضَعَّفَ الْحُفَّاظُ هَذَا الْحَدِيثَ، وأنكروا عَلَى التِّرْمِذِيِّ تَحْسِينَهُ، كَابْنِ خُزَيْمَةَ. وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. وَالْخَطِيبِ، وَقَالُوا: إنَّ مَدَارَهُ عَلَى ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالُوا: كَانَ أَبُونَا إذَا سَمِعَ أَحَدًا مِنَّا يَقُولُ: بسم الله الرحمن الرحيم يَقُولُ: أَيْ بُنَيَّ! صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُ: بسم الله الرحمن الرحيم، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ إمَامٍ، فَجَهَرَ بسم الله الرحمن الرحيم، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قُلْت: مَا هَذَا؟! غُيِّبَ عَنَّا هَذِهِ الَّتِي أَرَاك تَجْهَرُ بِهَا؟! فَإِنِّي قَدْ صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمْ يَجْهَرُوا بِهَا، انْتَهَى. فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهُمْ: أَبُو نَعَامَةَ الْحَنَفِيُّ، قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَمَاهُ بِبِدْعَةٍ فِي دِينِهِ وَلَا كَذِبٍ فِي رِوَايَتِهِ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، وَهُوَ أشهر من أن
__________
1 في باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ص 33، والنسائي في باب الترك أيضا ص 144، وابن ماجه في باب افتتاح القراءة، ص 59، والطحاوي: ص 119.
2 ص 54- ج 5، ولعل فيه تصحيفا، فإن فيه: عن ابن عبد الله(1/332)
يُثْنَى عَلَيْهِ. وَأَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ، وَهُوَ إنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهِ، مَا تَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّى1 ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَزِيدَ، كَمَا هُوَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَقَطْ، فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَبَنُوهُ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُمْ: يَزِيدُ. وَزِيَادٌ. وَمُحَمَّدٌ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُمَا يَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ هَؤُلَاءِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَشْهُورِينَ بِالرِّوَايَةِ، وَلَمْ يَرْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَدِيثًا مُنْكَرًا لَيْسَ لَهُ شَاهِدٌ وَلَا مُتَابِعٌ حَتَّى يُجَرَّحَ بِسَبَبِهِ، وَإِنَّمَا رَوَوْا مَا رَوَاهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ، فَأَمَّا يَزِيدُ فَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ، فَرَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ إمَامٍ يَبِيتُ غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، وَزِيَادٌ أَيْضًا رَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "لَا تَحْذِفُوا، فَإِنَّهُ لَا يُصَادُ له صَيْدٌ، وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَلَكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ"، انْتَهَى.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَقْسَامِ الصَّحِيحِ، فَلَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ يُحْتَجُّ بِهِ، لَا سِيَّمَا إذَا تَعَدَّدَتْ شَوَاهِدُهُ وَكَثُرَتْ مُتَابَعَاتُهُ، وَاَلَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَتَرَكُوا الِاحْتِجَاجَ بِهِ لِجَهَالَةِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَدْ احْتَجُّوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، بَلْ احْتَجَّ الْخَطِيبُ بِمَا يَعْلَمُ هُوَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَلَمْ يُحْسِنْ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَضْعِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ، إذْ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَعَامَةَ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَتْنِ السُّنَنِ: هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو نَعَامَةَ قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ، وَأَبُو نَعَامَةَ. وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، فَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِمَا صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَقَوْلُهُ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو نَعَامَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ. وَأَبُو سُفْيَانَ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَوْلُهُ: وَأَبُو نَعَامَةَ. وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِمَا صَاحِبَا الصَّحِيحِ، لَيْسَ هَذَا لَازِمًا فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا، فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ حَسَنٌ، وَالْحَسَنُ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْجَهْرِ عِنْدَهُمْ كَانَ مِيرَاثًا عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَارَثُهُ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ، وَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةَ دَائِمَةٌ صباحاً ومساءاً، فَلَوْ كَانَ عليه السلام يُجْهَرُ بِهَا دَائِمًا لَمَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَلَا اشْتِبَاهٌ، وَلَكَانَ مَعْلُومًا بِالِاضْطِرَارِ، وَلَمَا قَالَ أَنَسٌ: لَمْ يَجْهَرْ بِهَا عليه السلام وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ ذَلِكَ أَيْضًا، وَسَمَّاهُ حَدَثًا، وَلَمَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي مِحْرَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَامِهِ عَلَى تَرْكِ الجهر، يتوارثه آخِرُهُمْ عَنْ أَوَّلِهِمْ، وَذَلِكَ جَارٍ عِنْدَهُمْ مَجْرَى الصَّاعِ وَالْمُدِّ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ،
__________
1 وكذا هو مسمى عند أحمد في مسنده ص 85- ج 4.(1/333)
لِاشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَكَمْ مِنْ إنْسَانٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَاعٍ وَلَا مُدٍّ، وَمَنْ يَحْتَاجُهُ يَمْكُثُ مُدَّةً لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَظُنُّ عَاقِلٌ أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. وَأَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صحيحه1 عن بدليل بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى إرَادَةِ اسْمِ السُّورَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ تُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَظَاهِرِهِ إلَى مَجَازِهِ، إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عَائِشَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَجْهَرُ، قُلْنَا: يَكْفِينَا أَنَّهُ حَدِيثٌ أَوْدَعَهُ مُسْلِمٌ صَحِيحَهُ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ اسْمُهُ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ ثِقَةٌ كَبِيرٌ لَا يُنْكَرُ سَمَاعُهُ مِنْ عَائِشَةَ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَبُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، مُجْمَعٌ عَلَى عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ، وَتَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ الْجَهْرِ فَكَذِبَ بِلَا شَكٍّ، فِيهِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، وَهُوَ كَذَّابٌ دَجَّالٌ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَمِنْ الْعَجَبِ الْقَدَحُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِالْبَاطِلِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ السُّورَةِ فَلَا يُجْهَرُ بِهَا، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْت أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَقَالَ: "أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ} "، ثُمَّ قَالَ: "لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً فِي الْقُرْآنِ"، قُلْت: مَا هِيَ؟ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ"، فَأَخْبَرَ أَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَلَوْ كَانَتْ الْبَسْمَلَةُ آيَةً مِنْهَا لَكَانَتْ ثَمَانِيًا، لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ، وَمَنْ جَعَلَ الْبَسْمَلَةَ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَقُولَ: هِيَ بَعْضُ آيَةٍ، أَوْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ} إلَى آخِرِهَا، آيَةً وَاحِدَةً.
حَدِيثٌ آخَرُ، وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} "، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
__________
1 في باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به، ص 194- ج 1، والإنصاف لابن عبد البر، ص 9، والبيهقي: ص 172 – ج 2.
2 في أوائل التفسير، ص 642.
3 الترمذي في فضل سورة الملك، ص 112 – ج 2، والحاكم في المستدرك، ص 497 – ج 2، وص 565 – ج 1.(1/334)
حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ في مسدركه وَصَحَّحَهُ، وَعَبَّاسٌ الْجُشَمِيُّ، يُقَالُ: إنَّهُ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْنَا، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ ثَلَاثُونَ آيَةً بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعَادِّينَ، وَأَيْضًا فَافْتِتَاحُهُ بِقَوْلِهِ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ1: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ ثَنَا الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَا جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَلَا أَبُو بَكْرٍ. وَلَا عُمَرُ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، لَكِنَّهُ شَاهِدٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ، وَالْحَضْرَمِيُّ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بِمُطَيِّنٍ، وَشَيْخُهُ ابْنُ الْعَلَاءِ: هُوَ أَبُو كُرَيْبٌ الْحَافِظُ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ مُسْتَدْرِكًا عَلَى الْخَطِيبِ، قَالَ: وَقَدْ أَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ. والدارقطني. وَالْبَيْهَقِيُّ. وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَآخَرُونَ، وَلِلْقَائِلِينَ بِالْجَهْرِ أَحَادِيثُ: أَجْوَدُهَا حَدِيثُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، قَالَ: صَلَّيْت وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ بسم الله الرحمن الرحيم، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، حَتَّى قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، قَالَ: آمِينَ، وَفِي آخِرِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ2، فَقَالَ: بَابُ الْجَهْرِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكِيمِ ثَنَا شُعَيْبٌ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَهُ شَوَاهِدُ، وَقَالَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُجْمَعٌ عَلَى عَدَالَتِهِمْ، مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ
__________
1 أحكام القرآن - للجصاص ص 15: حديث آخر عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم هزأ منها المشركون، وقالوا: محمد يذكر إله اليمامة، وكان مسيلمة يتسمى: الرحمن الرحيم فلما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا يجهر لها، رواه الطبراني في الكبير - والأوسط. ورجاله موثقون، اهـ. زوائد ص 108 - ج 2.
2 ص 144، والحاكم: ص 232 - ج 1، والدارقطني: ص 115، والبيهقي: ص 58 - ج 2، وص 46 - ج 2، وابن جارود: ص 97، والطحاوي: ص 117.(1/335)
وُجُوهِ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْبَسْمَلَةِ فِيهِ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُمْ ثَمَانُمِائَةٍ مَا بَيْنَ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْ ثِقَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا، فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَتَيْنِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَرَوَاهُ مُسْلِمُ2 بِنَحْوِ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَأَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ فِي رَفْعِهِ وَخَفْضِهِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ كَانَ يَفْعَلُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ، كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا، وَكَانَ يَقِفُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ هُنَيْهَةً، وَكَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ كَذَلِكَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَسَعِيدُ بْنُ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيُّ صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قَوْلِ أَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيِّ فِيهِ: ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْأَزْدِيَّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَالنَّسَائِيُّ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلتَّسْمِيَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَلَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ذِكْرٌ، وَهَذَا مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ وَهْمٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَاهَا نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، بَلْ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْبَلُ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُهَا، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، فَتُقْبَلُ إذَا كَانَ الرَّاوِي الَّذِي رَوَاهَا ثِقَةً حَافِظًا ثَبْتًا، وَاَلَّذِي لَمْ يَذْكُرْهَا مِثْلُهُ، أَوْ دُونَهُ فِي الثِّقَةِ، كَمَا قَبِلَ النَّاسُ زِيَادَةَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَوْلَهُ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَاحْتَجَّ بِهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَتُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لِقَرَائِنَ تَخُصُّهَا، وَمِنْ حَكَمَ فِي ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا فَقَدْ غَلِطَ، بَلْ كُلُّ زِيَادَةٍ لَهَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا، فَفِي مَوْضِعٍ
__________
1 في باب يهوي بالتكبير ص 110.
2 في باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع ص 169.
3 في باب رفع اليدين مداً ص 141، والبيهقي: ص 27 - ج 2، وص 195 - ج 2، والحاكم: ص 215 - ج 1، مختصراً، وصححه، والطيالسي: ص 313(1/336)
يُجْزَمُ بِصِحَّتِهَا، كَزِيَادَةِ مَالِكٍ، وَفِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهَا، كَزِيَادَةِ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ فِي حَدِيثِ: جُعِلَتْ الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، وَكَزِيَادَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَفِي مَوْضِعٍ يجزم بخطأ الزيادة، كَزِيَادَةِ مَعْمَرَ، وَمَنْ وَافَقَهُ، قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ، وَكَزِيَادَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ - ذَكَرَ الْبَسْمَلَةَ - فِي حَدِيثِ قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعْمَرُ ثِقَةً. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفًا، فَإِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَغْلَطُ، وَفِي مَوْضِعٍ يغلب على الظن خطأها، كَزِيَادَةِ مَعْمَرٍ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَسُئِلَ هَلْ رَوَاهَا غَيْرُ مَعْمَرٍ؟ فَقَالَ: لَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ فِيهِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرٍ فِي ذَلِكَ، وَالرَّاوِي عَنْ مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَفِي مَوْضِعٍ يَتَوَقَّفُ فِي الزِّيَادَةِ، كَمَا فِي أَحَادِيثَ كثيرة، وزياد نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ التَّسْمِيَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُتَوَقَّفُ فِيهِ، بَلْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ ضَعْفُهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ قَالَ بِالْجَهْرِ، لِأَنَّهُ قَالَ: فَقَرَأَ، أَوْ فَقَالَ: بسم الله الرحمن الرحيم، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قِرَاءَتهَا سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَإِنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَسَرَّ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ لَمْ يُعَبَّرْ عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة الفاتحة وَالْبَسْمَلَةِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، وَلَقَالَ: فَأَسَرَّ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ، وَالصَّلَاةُ كَانَتْ جَهْرِيَّةً بِدَلِيلِ تَأْمِينِهِ، وَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِينَ، قُلْنَا: لَيْسَ لِلْجَهْرِ فِيهِ تَصْرِيحٌ وَلَا ظَاهِرٌ يُوجِبُ الْحُجَّةَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَدَّمُ عَلَى النَّصِّ الصَّرِيحِ الْمُقْتَضِي لِلْإِسْرَارِ، وَلَوْ أُخِذَ الْجَهْرُ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ لَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَقَرَأَ بسم الله الرحمن الرحيم، ثُمَّ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: فَقَرَأَ، أَوْ قَالَ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْبَرَ نُعَيْمًا بِأَنَّهُ قَرَأَهَا سِرًّا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا مِنْهُ فِي مُخَافَتَةٍ لِقُرْبِهِ منه، كما ورى عَنْهُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِفْتَاحِ، وَأَلْفَاظِ الذِّكْرِ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، فَلِمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ إذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ: "وَجَّهْت وَجْهِي"، إلَى آخِرِهَا، وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت"، وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِذَا تَشَهَّدَ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ"، إلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَمَاعُ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلًا عَلَى الْجَهْرِ، وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَأَيْضًا فَلَوْ سَاغَ التَّمَسُّكُ عَلَى الْجَهْرِ
__________
1 في التهجد في باب صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعائه بالليل، ص 263.(1/337)
بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: فَقَرَأَ، لَسَاغَ لِمَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَمْ يَسْكُتْ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بسم الله الرحمن الرحيم لَيْسَتْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَقَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا قَرَأَ فاتحة الكتاب، والذي اسْتَحَبُّوا الْجَهْرَ بِهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، اسْتَحَبُّوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا انْتَفَى بِهَذَا أَنْ يَكُونَ قَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ قَرَأَهَا فِي الْأُولَى، وَعَارَضَ هَذَا حَدِيثَ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى لِاسْتِقَامَةِ طَرِيقِهِ، وَفَضْلِ صِحَّتِهِ عَلَى حَدِيثِ نُعَيْمٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ الِاسْتِفْتَاحَ بالسورة لا الآية، قُلْنَا: هَذَا فِيهِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَسُوغُ إلَّا لِمُوجِبٍ، وَأَيْضًا فَلَوْ أَرَادَ اسْمَ السُّورَةِ لَقَالَ: بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. أَوْ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، أَوْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي تَسْمِيَتِهَا عِنْدَهُمْ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ2 مَرْفُوعًا: أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ3 مَرْفُوعًا: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ"، وَفِي رِوَايَةٍ: بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِجُمْلَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ اسْتِفْتَاحَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ دُونَ الْبَسْمَلَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ أَصْرَحُ دَلَالَةً مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَمَقَادِيرَهَا وَهَيْئَتَهَا، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ يَكْفِي فِي غَالِبِ الْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ، دُونَ الْبَسْمَلَةِ، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ثَابِتٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ مَقْصُودُهُ الرَّدَّ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ، فَفِي صِحَّتِهَا عَنْهُ نَظَرٌ، فَلْيَنْصَرِفْ إلَى الصَّحِيحِ الثَّابِتِ دُونَ غَيْرِهِ، وَمِمَّا يَلْزَمُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ عَنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ4، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ انْتَصَبَ قَائِمًا حَتَّى يَقُولَ القائل: فد نَسِيَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ مَكَثَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، فَهَذَا أَنَسٌ قَدْ أَخْبَرَ بِشَبَهِ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُطِيلُ رَكْعَتَيْ الِاعْتِدَالِ
__________
1 في باب ما يقال بين تكبيرة الاحرام والقراءة ص 219 بلفظ: وحدثت عن يحيى بن حسان. ويونس. وغيرهما، الخ، وكأنه تعليق، وأخرجه الحاكم في مستدركه ص 215، وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والبيهقي: في ص 196 - ج 2، وقال: هو حديث صحيح، وأخرجه الطحاوي: ص 118 عن حصين بن نصر عن يحيى بإسناد مسلم.
2 في تفسير سورة الحجر ص 683.
3 أخرجه البخاري في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم ص 104، ومسلم في باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ص 169 - ج 1.
4 البخاري في باب المكث بين السجدتين ص 113، ومسلم في باب اعتدال الأركان ص 189.(1/338)
وَالْفَصْلِ إلَى غَايَةٍ يُظَنُّ بِهِ النِّسْيَانُ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَالشَّافِعِيَّةُ يَكْرَهُونَ إطَالَتَهُمَا، وَعِنْدَهُمْ وَجْهَانِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهَا، فَهَلَّا كَانَ حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ إطَالَتِهِمَا مَعَ صِحَّتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا كَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ وَالْجَهْرِ بِهَا، مَعَ عِلَّةِ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَأَيْضًا، فَيَلْزَمُهُمْ1 أَنْ يَقُولُوا بِالْجَهْرِ بِالتَّعَوُّذِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عن صالح بن أَبِي صَالِحٍ2، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ رَافِعًا صَوْتَهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ إذَا فَرَغَ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ: رَبّنَا إنَّا نَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَهَلَّا أَخَذُوا بِهَذَا، كَمَا أَخَذُوا بِجَهْرِ الْبَسْمَلَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ3، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تُزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، وَكَيْفَ يُظَنُّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّشْبِيهَ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4، قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "قَسَّمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: فَنِصْفُهَا لِي. وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ اللَّهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ اللَّهُ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بن عبد الرحمن عن أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فذكره، وعن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا لَابْتَدَأَ بِهَا، لِأَنَّ هَذَا مَحِلُّ بَيَانٍ وَاسْتِقْصَاءٍ لِآيَاتِ السُّورَةِ، حَتَّى إنَّهُ لَمْ يُخِلَّ مِنْهُمَا بِحَرْفٍ، وَالْحَاجَةُ إلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَمَسُّ لِيَرْتَفِعَ الْإِشْكَالُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ الْعَلَاءِ هَذَا قَاطِعُ تَعَلُّقِ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَلَا أَعْلَمُ حَدِيثًا فِي سُقُوطِ الْبَسْمَلَةِ أَبْيَنَ مِنْهُ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بأمرين: أَحَدُهُمَا: قَالَ: لَا يُعْبَأُ بِكَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ، فَإِنَّ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ، فَقَالَ: النَّاسُ يَتَّقُونَ حَدِيثَهُ، لَيْسَ حَدِيثُهُ بِحُجَّةٍ، مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ بِذَاكَ، هُوَ ضَعِيفٌ، رُوِيَ عَنْهُ جَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ انْفَرَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ،
__________
1 في نسخة فلزمهم.
2 وفي نسخة عن أبي صالح.
3 البخاري في باب القراءة في الفجر ص 106، ومسلم في باب وجوب قراءة الفاتحة ص 170.
4 حديث أبي هريرة هذا أخرجه في صحيحه - في باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ص 169.(1/339)
الثَّانِي: قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فقد جاء إلى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ ذِكْرُ التَّسْمِيَةِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا أُمَّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَامٍّ"، فَقُلْت: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إنِّي رُبَّمَا كُنْت مَعَ الْإِمَامِ، قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي، فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ: "قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: فَنِصْفُهَا لي. ونصفها لَهُ، يَقُولُ عَبْدِي إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ: {بسم الله الرحمن الرحيم} فَيَذْكُرُنِي عَبْدِي، ثُمَّ يَقُولُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَأَقُولُ: "حَمِدَنِي عَبْدِي" إلَى آخِرِهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَعْفٌ، وَلَكِنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَرَادَ السُّورَةَ لَا الْآيَةَ، وَهَذَا الْقَائِلُ حَمَلَهُ الْجَهْلُ، وَفَرْطُ التَّعَصُّبِ عَلَى أَنْ تَرَكَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَضَعَّفَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُوَافِقٍ لِمَذْهَبِهِ، وَقَالَ: لَا يُعْبَأُ بِكَوْنِهِ فِي مُسْلِمٍ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ الْعَلَاءِ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ، كَمَالِكٍ. وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَشُعْبَةَ. وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ. وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ. وَالْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ. وَغَيْرِهِمْ. وَالْعَلَاءُ نَفْسُهُ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، كَمَا سَيَأْتِي ثَنَاءُ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ انْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ ابْنُ سَمْعَانَ، وَهُوَ كَذَّابٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَا فِي الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ. وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ الَّتِي يَرْوِي فِيهَا غَرَائِبَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ عَقِيبَةُ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ فِي عِلَلِهِ وَأَطَالَ فِيهِ الْكَلَامَ، وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ الْعَلَاءِ جَمَاعَةٌ أَثْبَاتٌ يَزِيدُونَ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ الْبَسْمَلَةَ، وَزَادَهَا ابْنُ سَمْعَانَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَحَسْبُك بِالْأَوَّلِ قَدْ أَوْدَعَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّ الْعَلَاءَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَمِنْ أبي السائب، ولهذا يَجْمَعُهُمَا تَارَةً، وَيُفْرِدُ أَبَاهُ تَارَةً، وَيُفْرِدُ أَبَا السَّائِبِ تَارَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَزِيَادَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي حَدِيثِ الْعَلَاءِ بَاطِلَةٌ قَطْعًا، زَادَهَا ابْنُ سَمْعَانَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فِيهِ: لَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ، وَحَدَّثَ عَنِّي بِأَحَادِيثَ لَمْ أُحَدِّثْهُ بِهَا، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَسُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ كَذَّابًا، وَقِيلَ لِابْنِ إسْحَاقَ: إنَّ ابْنَ سَمْعَانَ يَقُولُ: سَمِعْت مُجَاهِدًا، فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَنَا وَاَللَّهِ أَكْبَرُ مِنْهُ مَا رَأَيْت مُجَاهِدًا، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي عَمَّنْ لَمْ يَرَهُ، وَيُحَدِّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، كَانَ مِنْ الْكَذَّابِينَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: سَكَتُوا عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا شَيْءَ، وَأَيْضًا، انتهى. فَلَا رَيْبَ(1/340)
أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ، وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ كَانُوا أَعْلَمَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشَدَّ تَحَرِّيًا لَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ اصحابة لَا يَرَوْنَ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي جَامِعِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ تَرْكَ الْجَهْرِ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَغَيْرُهُمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَكَيْفَ يُعَلَّلُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ؟! وَهَلَّا جَعَلُوا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ عِلَّةً لِلضَّعِيفِ، وَمُخَالَفَةَ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ لِنُعَيْمٍ مُوجِبًا لِرَدِّهِ؟، إذْ مُقْتَضَى الْعِلْمِ أَنْ يُعَلَّلَ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ.
الْأَحَادِيثُ الَّتِي استدل به الْخَطِيبُ: فَمِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَمَّ النَّاسَ جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1. وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فَقَالَا فِيهِ: قَرَأَ2، عِوَضَ: جَهَرَ، وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، لِأَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ بِشَيْءٍ، وَخَالَفَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، فَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَمُجَرَّدُ الْكَلَامِ فِي الرَّجُلِ لَا يُسْقِطُ حَدِيثَهُ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَذَهَبَ مُعْظَمُ السُّنَّةِ، إذْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، بَلْ خُرِّجَ فِي الصَّحِيحِ لِخَلْقٍ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِمْ، وَمِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضبعي. والحارث بن عبد الْإِيَادِيُّ3. وَأَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ الْحَبَشِيُّ. وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ. وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الحرثاني. وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَلَكِنْ صَاحِبَا الصَّحِيحِ رحمهما الله إذَا أَخْرَجَا لِمَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَقُونَ مِنْ حَدِيثِهِ4 مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ، وَظَهَرَتْ شَوَاهِدُهُ، وَعُلِمَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا، وَلَا يَرْوُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، سِيَّمَا إذَا خَالَفَهُ الثِّقَاتُ، كَمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ لِأَبِي أُوَيْسٍ حَدِيثَ: قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، بَلْ
__________
1 الدارقطني: ص 115، وفيه: افتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وفي رواية: إذا أمّ قرأ، وكذا البيهقي: ص 47 - ج 2، وفيه: قرأ.
2 وهو المحفوظ عن أبي أويس دراية ص 73.
3 في نسخة الأباري.
4 قال ابن القيم في الهدى ص 96: مجيباً عما عيب على مسلم إخراج حديث من تكلم فيه: ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه، لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة، ومن ضعفه جميع أحاديث سيء الحفظ، فالأولى: طريقة الحاكم وأمثاله، والثانية: طريقة ابن حزم وأمثاله، وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن، والله المستعان، اهـ.(1/341)
رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَثْبَاتِ، كَمَالِكٍ. وَشُعْبَةَ. وَابْنِ عُيَيْنَةَ، فَصَارَ حَدِيثُهُ مُتَابَعَةً، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ رَاجَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ اسْتَدْرَكَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ فَتَسَاهَلُوا فِي اسْتِدْرَاكِهِمْ، وَمِنْ أَكْثَرِهِمْ تَسَاهُلًا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرَكِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، وَفِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الرَّاوِي مُحْتَجًّا بِهِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي أَيِّ حَدِيثٍ، كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِهِ، لِمَا بَيَّنَّاهُ، بَلْ الْحَاكِمُ كَثِيرًا مَا يَجِيءُ إلَى حَدِيثٍ لَمْ يُخَرَّجْ لِغَالِبِ رواية فِي الصَّحِيحِ، كَحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيَقُولُ فِيهِ: هَذَا حديث على شرط الْبُخَارِيِّ يَعْنِي لِكَوْنِ الْبُخَارِيِّ أَخْرَجَ لِعِكْرِمَةَ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ، وَكَثِيرًا مَا يُخَرِّجُ حَدِيثًا بَعْضُ رِجَالِهِ لِلْبُخَارِيِّ، وَبَعْضُهُمْ لِمُسْلِمٍ، فَيَقُولُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ، وَرُبَّمَا جَاءَ إلَى حَدِيثٍ فِيهِ رَجُلٌ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ عَنْ شَيْخٍ مُعَيَّنٍ لِضَبْطِهِ حَدِيثَهُ وَخُصُوصِيَّتِهِ بِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ عَنْ غَيْرِهِ لِضَعْفِهِ فِيهِ، أَوْ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ حَدِيثَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيُخَرِّجُهُ هُوَ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْخِ، ثُمَّ يَقُولُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، أَوْ الْبُخَارِيِّ. أَوْ مُسْلِمٍ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ، لِأَنَّ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ إلَّا فِي شَيْخٍ مُعَيَّنٍ، لَا فِي غَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَهَذَا كَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ. وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، فَإِنَّ خَالِدًا غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ فِي حَدِيثٍ يَرْوِيهِ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى: هَذَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ كَانَ مُتَسَاهِلًا، وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ إلَى حَدِيثٍ فِيهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَوْ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، وَغَالِبُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، فَيَقُولُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. أَوْ الْبُخَارِيِّ. أَوْ مُسْلِمٍ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ فَاحِشٌ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كِتَابَهُ الْمُسْتَدْرَكَ تَبَيَّنَ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ الْعِلْمُ الْمَشْهُورُ: وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَحَفَّظُوا مِنْ قَوْلِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْغَلَطِ ظَاهِرُ السَّقْطِ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُ، وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي أُوَيْسٍ هَذَا لَمْ يُتْرَكْ لِكَلَامِ النَّاسِ فِيهِ، بَلْ لِتَفَرُّدِهِ به، ومخافة الثِّقَاتِ لَهُ، وَعَدَمِ إخْرَاجِ أَصْحَابِ الْمَسَانِيدِ. وَالْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ. وَالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ، وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبَسْمَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ خَالِدِ1 بْنِ إلْيَاسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "علمني جبرئيل الصَّلَاةَ، فَقَامَ فَكَبَّرَ لَنَا، ثُمَّ قَرَأَ:
__________
1 متروك دراية.(1/342)
بسم الله الرحمن الرحيم فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ"، انْتَهَى. وَهَذَا إسْنَادٌ سَاقِطٌ، فَإِنَّ خَالِدَ بْنَ إلْيَاسَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: رَوَى عَنْ الْمَقْبُرِيِّ. وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ، وَتَكَلَّمَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَصَوَّبَ وَقْفَهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُكْرَمٍ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي نُوحُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَرَأْتُمْ الْحَمْدَ، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ. وَأُمُّ الكتاب. والسبع المثاني، وبسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحَدُ آيَاتِهَا"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ: ثُمَّ لَقِيت نُوحًا فَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى: رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الحميد بن جعفر، هو ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُضَعِّفُهُ، وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ، وَنُوحٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ، وَلَئِنْ سَلِمَ فَالصَّوَابُ فِيهِ الْوَقْفُ، كَمَا هُوَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ نُوحُ بْنُ أَبِي بِلَالٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أبي هريرة مرفوعاً، رواه أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. وَأَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ نُوحِ بن أبي بلال عن المقبري عن أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا مَوْقُوفٌ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، إذْ لَا يَقُولُ الصَّحَابِيُّ: إنَّ الْبَسْمَلَةَ - أَحَدُ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ - إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، أَوْ دَلِيلٍ قَوِيٍّ ظَهَرَ لَهُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهَا حُكْمُ سَائِرِ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، قُلْت: لَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأها فظنها من الفاتحة، قال: "إنَّهَا إحْدَى آيَاتِهَا"، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ النِّزَاعَ وَقَعَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ لَهَا حُكْمَ سَائِرِ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا وَسِرًّا، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهَا آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ قَبْلَ السُّورَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْهَا، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "هِيَ إحْدَى آيَاتِهَا"، وَقِرَاءَتُهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى مَحِلِّ النِّزَاعِ، فَلَا يُعَارَضُ بِهِ أَدِلَّتُنَا الصَّحِيحَةُ الثَّابِتَةُ. وَأَيْضًا
__________
1 ص 116.(1/343)
فَالْمَحْفُوظُ الثابت عن سعيد المقري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، هَذَا، مَعَ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَلَكِنْ وَثَّقَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَلَيْسَ تَضْعِيفُ مَنْ ضَعَّفَهُ مِمَّا يُوجِبُ رَدَّ حَدِيثِهِ، وَلَكِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يغلط، والظاهر أن غلط هَذَا الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ الْخَطِيبُ: وَقَوْلُ الْخَصْمِ: إنَّ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو هُرَيْرَةَ، غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ الْخَرَّازِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ الْمُؤَذِّنُ ثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، ولا أَعْلَمُ فِي رُوَاتِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْجَرْحِ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَقَالَ: هَذَا خَبَرٌ وَاهٍ، كَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَسَعِيدٌ إنْ كَانَ الْكُرَيْزِيَّ3 فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّهُ أَمْثَلُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، قُلْت: وَفِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ السَّعْدِيُّ: غَيْرُ ثِقَةٍ، رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ. وَالْأَرْبَعَةُ، وَتَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَلَعَلَّهُ أُدْخِلَ عَلَيْهِ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَسِيد بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَمَّارٍ نَحْوَهُ، وَعَمْرُو بْنُ شِمْرٍ. وجابر الجعفيان، كِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لَكِنْ عَمْرٌو أَضْعَفُ مِنْ جَابِرٍ، قَالَ الْحَاكِمُ: عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ كَثِيرُ الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ جَابِرٍ. وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ جَابِرٌ مَجْرُوحًا، فَلَيْسَ يَرْوِي تِلْكَ الْمَوْضُوعَاتِ الْفَاحِشَةَ عَنْهُ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ فِيهَا عَلَيْهِ، وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ زَائِغٌ كَذَّابٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني. وَالْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ رَافِضِيًّا يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، وَكَانَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، وَأَمَّا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، فَقَالَ فِيهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا رَأَيْت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ،
__________
1 في تفسير الحجر ص 683، والترمذي في فضل القرآن - في باب فضل فاتحة الكتاب ص 111 - ج 2.
2 في العيدين - في باب تكبيرات العيد سوى الافتتاح ص 299 - ج 1، الدارقطني: ص 182 من طريقين واهيين.
3 في نسخة الكوبري.(1/344)
مَا أَتَيْتُهُ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ إلَّا أَتَانِي فِيهِ بِأَثَرٍ، وَكَذَّبَهُ أَيْضًا أَيُّوبُ. وَزَائِدَةُ. وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ. وَالْجُوزَجَانِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ، وَقَدْ احْتَمَلَهُ النَّاسُ، وَرَوَوْا عَنْهُ عَامَّةُ مَا جَرَّحُوا بِهِ، أَنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ، كَانَ يَقُولُ: إنَّ عَلِيًّا يَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ، انْتَهَى. وَأُسَيْدُ بْنُ زَيْدٍ أَيْضًا كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا: ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَنَاكِيرَ، وَيَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَيُحَدِّثُ بِهِ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ عليه السلام يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ جَمِيعًا: الْفَاتِحَةِ. وَاَلَّتِي بَعْدَهَا، وَعِيسَى هَذَا وَالِدُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْمُتَّهَمِ بِوَضْعِ حَدِيثِ ابن عمر، وهو وَضَّاعٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ رَوَى عَنْ آبَائِهِ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً لَا يَحِلُّ الاحتجاج بها.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَهُ ثَلَاثُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ1، وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِسَالِمٍ هَذَا، وَهُوَ ابْنُ عَجْلَانَ الْأَفْطَسُ، وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِشَرِيكٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ صَرِيحٍ. وَلَا صَحِيحٍ، فَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ صَرِيحٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ: فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ الْوَاقِعِيَّ2 كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، قَالَهُ إمَامُ الصَّنْعَةِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ يَكْذِبُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيثُهُ مَقْلُوبَاتٌ، وفي الْحَاكِمِ: احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِشَرِيكٍ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَى لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ لَا فِي الْأُصُولِ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ أَبَا الصَّلْتِ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدِي بِصَدُوقٍ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي عَنْهُ، وَأَمَّا أَبُو زُرْعَةَ فَإِنَّهُ ضَرَبَ عَلَى حَدِيثِهِ، وَقَالَ: لَا أُحَدِّثُ عَنْهُ، وَلَا أَرْضَاهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَافِضِيٌّ خَبِيثٌ، اُتُّهِمَ بِوَضْعِ الْإِيمَانُ إقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِمَّا سَرَقَهُ أَبُو الصَّلْتِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَلْزَقَهُ بِعَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ،
__________
1 قال الذهبي في مختصره: كذا قال المصنف وابن حبان: كذبه غير واحد، ومثل هذا لايخفى على المصنف، اهـ.
2 في نسخة الواقفي.(1/345)
وَزَادَ فِيهِ: إنَّ الْجَهْرَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ غَيْرَ أَبِي الصَّلْتِ رَوَاهُ عَنْ عَبَّادٍ، فَأَرْسَلَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ - الرَّحْمَنَ - فَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إلَى إلَهِ الْيَمَامَةِ، فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْفَاهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، انْتَهَى. وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ: أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ أَنْبَأَ شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ، وكان المشركون يهزؤون، مُكاءاً وَتَصْدِيَةً، وَيَقُولُونَ: يَذْكُرُ إلَهَ الْيَمَامَةِ يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ، وَيُسَمُّونَهُ - الرَّحْمَنَ -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك} الْآيَةَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَزَادَ فِيهِ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، قَالَ: فَخَفَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ الصَّابُونِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ طلحة اليروبع ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَرَأَ: بسم الله الرحمن الرحيم هَزَأَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ، وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ يَذْكُرُ إلَهَ الْيَمَامَةِ، إلَى آخِرِهِ، مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ جَهْرًا لَا فِي الْبَسْمَلَةِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفٍ بِمَكَّة، كَانَ إذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِنْ سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ. وَمَنْ أَنْزَلَهُ. وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك} أَيْ بقراءتك، فيسب الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِك {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا2 عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ رَابِعٌ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَإِسْمَاعِيلُ لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَأَبُو خَالِدٍ أَحْسَبُهُ الْوَالِبِيَّ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ3 بِهَذَا السَّنَدِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَكُلُّهُمْ قَالُوا فِيهِ: كَانَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ
__________
1 في تفسير- بني إسرائيل ص 686.
2 في تصسر- بني إسرائيل ص 687.
3 في باب من رأى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ص 33، والدارقطني: ص 114، وفيه: يستفتح القراءة.(1/346)
هَذَا، وَقَالَ: حَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَيَرْوِيه عَنْ مَجْهُولٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَبُو خَالِدٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَأَبُو خَالِدٍ هَذَا سُئِلَ عَنْهُ أَبُو زُرْعَةَ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، وَقِيلَ: هُوَ الْوَالِبِيُّ، وَاسْمُهُ هُرْمُزُ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْت إسْمَاعِيلَ بْنَ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ: بسم الله الرحمن الرحيم فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي يَجْهَرُ بِهَا، انتهى. هكذا رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّمَا هُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ مِنْ الرُّوَاةِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ الْجَهْرِ، فَإِنَّمَا رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَهُ طَرِيقٌ خَامِسٌ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عن عمرو بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَتَّى قُبِضَ، انْتَهَى. وَهَذَا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ حَفْصٍ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ لَهُ حَدِيثًا2 عَنْهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ" ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْمَكِّيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ الْخَطِيبُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ طُرُقًا أُخْرَى، لَيْسَتْ صَحِيحَةً. وَلَا صَرِيحَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَتَوَجَّهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الطَّعْنُ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ لَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْمُعَارِضِ، فَكَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ؟. وَصِحَّةُ الْإِسْنَادِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثِقَةِ الرِّجَالِ، وَلَوْ فُرِضَ ثِقَةُ الرِّجَالِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ، حَتَّى يَنْتَفِيَ مِنْهُ الشُّذُوذُ وَالْعِلَّةُ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَتْنِهِ لَفْظُ الِاسْتِفْتَاحِ لَا لَفْظُ الْجَهْرِ، الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: جَهَرَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ مَرَّةً، لَأَنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا اسْتِمْرَارُهُ فَيَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ بِهَا فَبَاطِلٌ، كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعُ: أنه روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قِرَاءَةُ الْأَعْرَابِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ3 وَيُقَوِّي هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ تِلْمِيذِ
__________
1 في السنن الكبرى ص 47- ج 2.
2 في باب من طلب باجتهاده جهة القبلة ص 10- ج 2.
3 في شرح الآثار ورواه البزار من طريق آخر، وفيه أبو سعيد البقال، وهو ثقة مدلس، وقد عنعنه، وبقية رجاله رجال الصحيح، قاله في الزوائد.(1/347)
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَعْرَابِيٌّ إنْ جَهَرْتُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ سَادِسٌ: لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بن رشد بن خيثم عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَيْثَمٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا فِيهِمَا، انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا لَا يصح، وسعيد بن خيثم تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ. وَغَيْرُهُ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ أَحْمَدَ بْنِ رشد بن خيثم، فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَلَهُ أَحَادِيثُ أَبَاطِيلُ، ذَكَرَهَا الطَّبَرَانِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَرَوَى لَهُ الْخَطِيبُ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ حَدِيثًا مَوْضُوعًا، هُوَ الَّذِي صَنَعَهُ بِسَنَدِهِ إلَى الْعَبَّاسِ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لَهُ: "أَنْتَ عَمِّي، وَصِنْوُ أَبِي، وَابْنُك هَذَا أَبُو الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي: مِنْهُمْ السَّفَّاحُ. وَمِنْهُمْ الْمَنْصُورُ. وَمِنْهُمْ الْمَهْدِيُّ"، مُخْتَصَرٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ هُوَ ابْنُ عُقْدَةَ الْحَافِظُ، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ، رَوَى فِي الْجَهْرِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً عَنْ ضُعَفَاءَ. وَكَذَّابِينَ. وَمَجَاهِيلَ، وَالْحَمْلُ فِيهِمَا عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بكر. وعمر، فكانوا يجرون بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَطُّ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو طَاهِرٍ الْهَاشِمِيُّ، وَقَدْ كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ مَنْ رَوَى مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الثِّقَةِ الْمَشْهُورِ الْمُخَرَّجِ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا فِي رِوَايَتِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ شَيْخُ الدَّارَقُطْنِيِّ تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: هُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: سَأَلْت الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالَ عَنْهُ، فَقَالَ: ضَعِيفٌ، وَأَمَّا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَلَيْسَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الرامهرمزي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُحَدِّثِ الْفَاصِلِ حَدِيثًا مَوْضُوعًا لِأَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، هُوَ الْمُتَّهَمُ بِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ الْوَادِعِيُّ ثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْعَلَوِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي"، قُلْنَا: مَنْ خُلَفَاؤُك؟ قَالَ: "الَّذِينَ يَرْوُونَ أَحَادِيثِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ"، انْتَهَى. وَأَبُو عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَضَّاعٌ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْخَطِيبِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ زياد الأسدي عن يُونُسَ(1/348)
بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ. وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ. وَخَلْفَ عُمَرَ حَتَّى قُبِضَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِهَا فِي السُّورَتَيْنِ، فَلَا أدع الجهر حَتَّى أَمُوتَ، انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، وَعُبَادَةُ بْنُ زِيَادٍ الْأَسَدِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الشِّيعَةِ، وَقَالَ الْحَافِظُ مُحَمَّدٌ النَّيْسَابُورِيُّ: هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى كَذِبِهِ، وَشَيْخُهُ يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، فَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ مَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ عِنْدِي بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، وَمُسْلِمُ بْنُ حِبَّانَ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالصَّوَابُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ لِلْفَاتِحَةِ وَلِلسُّورَةِ، وَقَدْ يَجْهَرُ بِهَا أَحْيَانَا، أَوْ لِتَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ النُّعْمَانِ بن بشير أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ الضَّبِّيِّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمّني جبرئيل عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، بَلْ مَوْضُوعٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ الضَّبِّيُّ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَقَدْ فَتَّشْت عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا أَصْلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا عَمِلَتْهُ يَدَاهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَسُكُوتُ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَالْخَطِيبِ. وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ رِوَايَتِهِمْ لَهُ قَبِيحٌ جداً، ولم يعلق ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا عَلَى فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، وَهُوَ تَقْصِيرٌ منه، وإذ لَوْ نُسِبَ إلَيْهِ لَكَانَ حَدِيثًا حَسَنًا، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ السَّعْدِيِّ فِيهِ: هُوَ زَائِغٌ غَيْرُ ثِقَةٍ، ليس هَذَا بِطَائِلٍ، فَإِنَّ فِطْرَ بْنَ خَلِيفَةَ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَحْيَى بن الْقَطَّانُ. وَابْنُ مَعِينٍ.
حَدِيثٌ آخر عن االحكم بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ إسْحَاقَ الْحَمَّارُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبٍ ثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ - وَكَانَ بَدْرِيًّا - قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَصَلَاةِ الْغَدَاةِ. وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ الْمُنْكَرَةِ، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: أحدهما: أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُمَيْرٍ لَيْسَ بَدْرِيًّا، وَلَا فِي الْبَدْرِيِّينَ أَحَدٌ اسْمُهُ الْحَكَمُ بْنُ عُمَيْرٍ، بَلْ لَا يُعْرَفُ لَهُ صُحْبَةٌ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ حَبِيبٍ الرَّاوِي عَنْهُ لَمْ يَلْقَ صَحَابِيَّا، بَلْ هُوَ مَجْهُولٌ(1/349)
لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: الْحَكَمُ بْنُ عُمَيْرٍ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً لَا تُذْكَرُ سماعاً ولا لقاءاً، روى ابْنُ أَخِيهِ مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، سَمِعْت أَبِي يَذْكُرُ ذَلِكَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ شَيْخٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ الْحَكَمَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَقَالَ فِي نِسْبَتِهِ: الثُّمَالِيُّ، ثُمَّ رَوَى لَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَكُلُّهَا مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْهُ، وَرَوَى لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ حَدِيثًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا هَذَا الْحَدِيثَ، وَالرَّاوِي عَنْ مُوسَى هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْحَاقَ الصِّينِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ صُنْعَهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ رَوَوْا نُسْخَةَ مُوسَى عَنْ الْحَكَمِ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْحَدِيثَ فِيهَا، كَبَقِيَ بْنِ مَخْلَدٍ. وَابْنِ عَدِيٍّ. وَالطَّبَرَانِيِّ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ - فِيمَا عَلِمْنَا - الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْخَطِيبُ، وَوَهَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْحَاقَ، وَتَبِعَهُ الْخَطِيبُ، وَزَادَ وَهْمًا ثَانِيًا، فَقَالَ: الضَّبِّيُّ بِالضَّادِ والباء، وإنما الصِّينِيُّ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الصلاة بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَعَدَّهَا آيَةً2 الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ آيَتَيْنِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثَلَاثَ آيَاتٍ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَعُمَرُ بْنُ هَارُونَ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْته شَاهِدًا، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْجَهْرِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ سِرًّا فِي بَيْتِهَا لقربها منه. والثاني: أَنَّ مَقْصُودَهَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ كَانَ يُرَتِّلُ قِرَاءَتَهُ حَرْفًا حَرْفًا، وَلَا يَسْرُدُهَا، وَقَدْ رَوَاهُ هُوَ أَعْنِي الْحَاكِمَ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَصَفَتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَرْفًا حَرْفًا، قِرَاءَةً بَطِيئَةً، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَحْفُوظَ فِيهِ وَالْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصلاة، وإما قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ زِيَادَةٌ مِنْ
__________
1 ص 232.
2 قال النووي في شرح المهذب ص 346، قال أبو محمد: لما وقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذه المقاطيع أخبر عنه أن عند كل مقطع آية، لأنه جمع عليه أصابعه، فبعض الرواة حين حدث بهذا الحديث نقل ذلك، زيادة في البيان، وفي عمر بن هارون هذا كلام بعض الحفاظ، إلا أن حديثه أخرجه ابن خزيمة في صحيحه اهـ.
3 في أبواب الوتر - باب كيف يستحب الترتيل في القراءة ص 214، والنسائي في الصلاة - في باب تزيين القرآن بالصوت ص 158، وفي صلاة الليل - في باب ذكر صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 242، والترمذي في أبواب القراءة ص 116 - ج 2.(1/350)
عُمَرَ بْنِ هَارُونَ، وَهُوَ مَجْرُوحٌ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَذَّبَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ: قَدِمَ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ مَكَّةَ بَعْدَ مَوْتِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَزَعَمَ أَنَّهُ رَآهُ وَحَدَّثَ عَنْهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ صَالِحٌ: جَزَرَةُ، كَانَ كَذَّابًا. وَسُئِلَ عَنْهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، فَضَعَّفَهُ جِدًّا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضِلَاتِ، وَيَدَّعِي شُيُوخًا لَمْ يَرَهُمْ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، بمثل حديث عمرو بْنِ هَارُونَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عن ابن مُلَيْكَةَ بِهِ بِلَفْظِ السُّنَنِ، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ اخْتَلَفَ الَّذِينَ رَوَوْهُ فِي لَفْظِهِ، فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِمُتَابَعَةِ غِيَاثٍ لِعُمَرَ بْنِ هَارُونَ، لِشِدَّةِ ضَعْفِ ابْنِ هَارُونَ. الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام جَهَرَ بِهَا مَرَّةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ إمَامٍ يَجْهَرُ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ دَائِمًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ شَكٌّ، وَلَمْ يَحْتَجْ أَحَدٌ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَكَانَ مِنْ جِنْسِ جَهْرِهِ عليه السلام بِغَيْرِهَا، وَلَمَا أَنْكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ، وَعَدَّهُ حَدَثًا، وَلَكَانَ الرِّجَالُ أَعْلَمَ بِهِ مِنْ النِّسَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ2 والدارقطني فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا لَا أُحْصِيهَا: الصُّبْحَ. وَالْمَغْرِبَ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا، وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أَبِي، وَقَالَ أَبِي: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أَنَسٍ، وَقَالَ أَنَسٌ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فِي الصَّلَاةِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، انْتَهَى. وَفِي الصَّلَاةِ زَادَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيٍّ، فَكُلُّهُمْ كانوا يجهرون ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِهِ شَاهِدًا، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَمَا اسْتَحَى الْحَاكِمُ يُورِدُ فِي كِتَابِهِ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ، فَأَنَا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَاَللَّهِ إنَّهُ لَكَذِبٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: سَقَطَ مِنْهُ لَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَقِيلَ
__________
1 ص 117، والحاكم في المستدرك ص 234، أي بدون قوله: فعدها آية فيها
2 ص 233، والدارقطني: ص 116.(1/351)
عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ عَنْهُ: عَنْ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَقِيلَ عَنْهُ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَفِيهِ الْجَهْرُ، كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَتَوْثِيقُ الْحَاكِمِ لَا يُعَارِضُ مَا يَثْبُتُ فِي الصَّحِيحِ خِلَافُهُ، لِمَا عُرِفَ مِنْ تَسَاهُلِهِ، حَتَّى قِيلَ: إنَّ تَصْحِيحَهُ دُونَ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ. والدارقطني، بَلْ تَصْحِيحُهُ كَتَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ، وَأَحْيَانًا يَكُونُ دُونَهُ، وَأَمَّا ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فَتَصْحِيحُهُمَا أَرْجَحُ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ بِلَا نِزَاعٍ، فَكَيْفَ تَصْحِيحُ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، كَيْفَ! وَأَصْحَابُ أَنَسٍ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ يَرْوُونَ عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ، حَتَّى إنَّ شُعْبَةَ سَأَلَ قَتَادَةَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْت أَنَسًا يَذْكُرُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَخْبَرَهُ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ الْمُنَافِي لِلْجَهْرِ، وَنَقَلَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ: مَا سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَأَرْفَعِ دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَإِنَّ قَتَادَةَ أَحْفَظُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَإِتْقَانُ شُعْبَةَ وَضَبْطُهُ هُوَ الْغَايَةُ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا مِمَّا يُرَدُّ بِهِ قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَى حَدِيثَ أَنَسٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَفَهِمَ مِنْ هَذَا نَفْيَ قِرَاءَتِهَا، فَرَوَاهُ مِنْ عِنْدَهُ، فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ عِلْمًا بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَلْفَاظِهِمْ الصَّرِيحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ. وَبِأَنَّهُمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ مِنْ الْغَايَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْمُجَازَفَةَ، أَوْ أَنَّهُ مُكَابِرٌ صَاحِبُ هَوًى، فَيَتْبَعُ هَوَاهُ، وَيَدَعُ مُوجِبَ الدَّلِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْخَطِيبِ عَنْ ابْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عن عمه الْعُمَرِيِّ. وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْفَرِيضَةِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: سَقَطَ مِنْهُ لَا كَمَا رَوَاهُ الْبَاغَنْدِيُّ1. وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الْجَهْرُ فَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ قَطُّ، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ مَالِكًا رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قُمْت وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ لَا يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَالْعُمَرِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ لم يكونوا يقرؤون، قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ فِي رَفْعِهِ ذَلِكَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ مَالِكٍ، فَصَارَ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الْخَطِيبُ خَطَأً عَلَى خَطَأٍ، وَالصَّوَابُ فِيهِ عَدَمُ الرَّفْعِ. وَعَدَمُ الْجَهْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ، وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ طُرُقًا أُخْرَى: فِيهَا الْجَهْرُ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسٍ،
__________
1 في نسخة الباعدي كما في الدارية ص 74.(1/352)
كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ بسم الله الرحمن الرحيم بِمَدِّ بِسْمِ اللَّهِ وبمد الرحمن ويمد الرَّحِيمِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْهُ2 أَيْضًا، قَالَ: " نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ: {بسم الله الرحمن الرحيم، إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ} " إلَى آخِرِهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ أَصْلًا، وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ3 أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْرَأُ: {بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يُقَطِّعُهُمَا حَرْفًا حَرْفًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ - الرَّحْمَنَ - فَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إلَهَ الْيَمَامَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْفَائِهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَالْمُرْسَلُ إذَا وُجِدَ لَهُ مَا يُوَافِقُهُ، فَهُوَ حُجَّةٌ بِاتِّفَاقٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ، مَوْقُوفٌ، وَلَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ صَلَاةً فَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَبَدَأَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، حَتَّى قَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُكَبِّرْ حِينَ يَهْوِي، حَتَّى قَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَاهُ مَنْ سَمِعَ ذَاكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ. وَالْأَنْصَارِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مَكَانِهِ: يَا مُعَاوِيَةُ، أَسَرَقْت الصَّلَاةَ، أَمْ نَسِيتَ؟! أَيْنَ بسم الله الرحمن الرحيم، وَأَيْنَ التَّكْبِيرُ إذَا خَفَضْت، وَإِذَا رَفَعْتَ؟! فَلَمَّا صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ قَرَأَ: بسم الله الرحمن الرحيم لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَكَبَّرَ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَقَدْ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ هَذَا فِي إثْبَاتِ الْجَهْرِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: هُوَ أَجْوَدُ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بن خيثم، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، أَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُهُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِيهِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ لَيَّنُوهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اضْطَرَبَ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ الضَّعْفِ، أَمَّا فِي إسْنَادِهِ فغن ابن خيثم تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَنَسٍ،
__________
1 في أواخر التفسير ص 754
2 في باب من قال: البسملة آية من أول السورة ص 172.
3 عند الحاكم في المستدرك ص 232- ج 1.
4 ص 233- ج 1.(1/353)
وَتَارَةً يَرْوِيه عَنْ إسماعيل ين عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ1، وَقَدْ رَجَّحَ الْأُولَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ لِجَلَالَةِ رَاوِيهَا، وَهُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِيَةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خيثم أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَزَادَ ذِكْرَ الْجَدِّ كَذَلِكَ، رَوَاهُ عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَهِيَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْأُولَى عِنْده، وَعِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالثَّانِيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَتَارَةً يَقُولُ: صَلَّى، فَبَدَأَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَتَارَةً يَقُولُ: فَلَمْ يَقْرَأْ بسم الله الرحمن الرحيم حِينَ افْتَتَحَ الْقُرْآنَ، وَقَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَتَارَةً يَقُولُ: فَلَمْ يَقْرَأْ بسم الله الرحمن الرحيم لِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمِثْلُ هَذَا الِاضْطِرَابِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ مِمَّا يُوجِبُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ ضَبْطِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا. وَلَا مُعَلَّلًا، وَهَذَا شَاذٌّ مُعَلَّلٌ، فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ عَنْ أَنَسٍ، وكيف يروي أن سمع حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ هَذَا مُحْتَجًّا بِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَنَسٍ الْمَعْرُوفِينَ بِصُحْبَتِهِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِمَّا يَرُدُّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ هَذَا أَنَّ أَنَسًا كَانَ مُقِيمًا بِالْبَصْرَةِ، وَمُعَاوِيَةُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ أَنَّ أَنَسًا كَانَ مَعَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا تَرْكُ الْجَهْرِ بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا أَصْلًا، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: مَا سَمِعْت الْقَاسِمَ يَقْرَأُ بِهَا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ صحيح أنه كان يَجْهَرُ بِهَا إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَلَهُ مَحْمَلٌ، وَهَذَا عَمَلُهُمْ يَتَوَارَثُهُ آخِرُهُمْ عَنْ أَوَّلِهِمْ، فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَا هُوَ شَبَهُهُمْ؟! هَذَا بَاطِلٌ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَوْ رَجَعَ إلَى الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، كَمَا نَقَلُوهُ، لَكَانَ هَذَا مَعْرُوفًا مِنْ أَمْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ الَّذِينَ صَحِبُوهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْهُمْ، بَلْ الشَّامِيُّونَ كُلُّهُمْ خُلَفَاءَهُمْ وَعُلَمَاءَهُمْ، كَانَ مَذْهَبُهُمْ تَرْكَ الْجَهْرِ بِهَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ الْجَهْرِ بِهَا فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. وَالْأَوْزَاعِيُّ إمَامُ الشَّامِ، وَمَذْهَبُهُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، لَا يقرأها سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَالَ مُعَاوِيَةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ لَمَا تَرَكَهَا حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ رَعِيَّتُهُ أَنَّهُ
__________
1 وهاتان الروايتان عند الدارقطني: ص 117، وعند الشافعي في كتاب الأم ص 93- ج 1، وعند البيهقي: ص 49- ج 2.(1/354)
لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ مَنْ تَدَبَّرَهَا عَلِمَ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ هَذَا بَاطِلٌ، أَوْ مُغَيَّرٌ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَدْ يُتَمَحَّلُ فِيهِ، وَيُقَالُ: إنْ كَانَ هَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَحْفُوظًا، فَإِنَّمَا هُوَ إنْكَارٌ لِتَرْكِ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ، لَا لِتَرْكِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَرْكَ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ كَانَ مَذْهَبَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأُمَرَائِهِمْ عَلَى الْبِلَادِ، حَتَّى إنَّهُ كَانَ مَذْهَبَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّكْبِيرِ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَحِينَ يَسْجُدُ بَعْدَ الْقُعُودِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ تَرْكَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا صَرِيحٌ صَحِيحٌ، بَلْ فِيهَا عَدَمُهُمَا، أَوْ عَدَمُ أَحَدِهِمَا، وَكَيْفَ تَكُونُ صَحِيحَةً، وَلَيْسَتْ مُخَرَّجَةً فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّحِيحِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ، وَلَا السُّنَنِ، الْمَشْهُورَةِ؟! وَفِي رِوَايَتِهَا الْكَذَّابُونَ. وَالضُّعَفَاءُ. وَالْمَجَاهِيلُ الَّذِينَ لَا يُوجَدُونَ فِي التَّوَارِيخِ، وَلَا فِي كُتُبِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، كَعَمْرِو بْنِ شِمْرٍ. وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ. وَحُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ. وَعَمْرِو بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ. وَأَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ. وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ. وَابْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ، الْمُلَقَّبِ بِجِرَابِ الكذب. وعمرو بْنِ هَارُونَ الْبَلْخِيّ. وَعِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيِّ. وَآخَرُونَ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِمْ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعَارَضَ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ: وَمِنْهُمْ قَتَادَةُ الَّذِي كَانَ أَحْفَظَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَيَرْوِيهِ عَنْهُ شُعْبَةُ الْمُلَقَّبُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وَتَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَحَدٌ بِحُجَّةٍ إلَّا مَنْ رَكِبَ هَوَاهُ، وَحَمَلَهُ فَرْطُ التَّعَصُّبِ عَلَى أَنْ عَلَّلَهُ، وَرَدَّ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَلِفَةً، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَمَا بَيَّنَّا، وَعَارَضَهُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَوْضُوعِ، أَوْ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الضَّعِيفِ، وَمَتَى وَصَلَ الْأَمْرُ إلَى مِثْلِ هَذَا، فَجُعِلَ الصَّحِيحُ ضَعِيفًا، وَالضَّعِيفُ صَحِيحًا، وَالْمُعَلَّلُ سَالِمًا مِنْ التَّعْلِيلِ، وَالسَّالِمُ مِنْ التَّعْلِيلِ مُعَلَّلًا سَقَطَ الْكَلَامُ، وَهَذَا لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَاَللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَمَا تَحَلَّى طَالِبُ الْعِلْمِ بِأَحْسَنَ مِنْ الْإِنْصَافِ وَتَرْكِ التَّعَصُّبِ، وَيَكْفِينَا فِي تَضْعِيفِ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ إعْرَاضُ أَصْحَابِ الْجَوَامِعِ الصَّحِيحَةِ، وَالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ، وَالْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا فِي حُجَجِ الْعِلْمِ، وَمَسَائِلِ الدِّينِ، فَالْبُخَارِيُّ رحمه الله مَعَ شِدَّةِ تَعَصُّبِهِ وفرط تحمله عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يُودِعْ صَحِيحَهُ مِنْهَا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَلَا كَذَلِكَ مُسْلِمٌ رحمه الله، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا حَدِيثَ أَنَسٍ الدَّالِّ عَلَى الْإِخْفَاءِ، وَلَا يُقَالُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ: إنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا أَنْ يُودِعَا فِي صَحِيحَيْهِمَا كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، يَعْنِي فَيَكُونَانِ قَدْ تَرَكَا أَحَادِيثَ الْجَهْرِ فِي جُمْلَةِ مَا تَرَكَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا سَخِيفٌ أَوْ مُكَابِرٌ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ(1/355)
الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ مِنْ أَعْلَامِ الْمَسَائِلِ وَمُعْضِلَاتِ الْفِقْهِ، وَمِنْ أَكْثَرِهَا دَوَرَانًا فِي الْمُنَاظَرَةِ وَجَوَلَانًا فِي الْمُصَنَّفَاتِ، وَالْبُخَارِيُّ كَثِيرُ التَّتَبُّعِ لِمَا يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ السُّنَّةِ، فَيَذْكُرُ الْحَدِيثَ، ثُمَّ يُعَرِّضُ بِذِكْرِهِ، فَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كَذَا وَكَذَا، يُشِيرُ بِبَعْضِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَيُشَنِّعُ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يُخْلِي كِتَابَهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ: بَابُ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِيمَانِ، ثُمَّ يَسُوقُ أَحَادِيثَ الْبَابِ، وَيَقْصِدُ الرَّدَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ؟ قَوْلَهُ: إنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ، مَعَ غُمُوضِ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَمَسْأَلَةُ الْجَهْرِ يَعْرِفُهَا عَوَامُّ النَّاسِ وَرُعَاعُهُمْ، هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ، بَلْ يَسْتَحِيلُ، وَأَنَا أَحْلِفُ بِاَللَّهِ، وَبِاَللَّهِ لَوْ اطَّلَعَ الْبُخَارِيُّ عَلَى حَدِيثٍ مِنْهَا مُوَافِقٍ بِشَرْطِهِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ شَرْطِهِ لَمْ يُخْلِ مِنْهُ كِتَابَهُ، وَلَا كَذَلِكَ مُسْلِمٌ رحمه الله، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَهَذَا أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. مَعَ اشْتِمَالِ كُتُبِهِمْ عَلَى الْأَحَادِيثِ السَّقِيمَةِ، وَالْأَسَانِيدِ الضَّعِيفَةِ لَمْ يُخَرِّجُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَلَوْلَا أَنَّهَا عِنْدَهُمْ وَاهِيَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ لَمَا تَرَكُوهَا، وَقَدْ تَفَرَّدَ النَّسَائِيّ مِنْهَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ أَقْوَى مَا فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ، وَالْجَوَابَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْهَا: حَدِيثَ عَلِيٍّ, وَمُعَاوِيَةَ، وَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُهُ، وَبَاقِيهَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ التي مَجْمَعُ الْأَحَادِيثِ الْمَعْلُولَةِ، وَمَنْبَعُ الأحاديث الغريبة، وقد بَيَّنَّاهَا حَدِيثًا حَدِيثًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: - فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ. وَالطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عُمَرَ رضي الله عنه، فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَكَانَ أَبِي1 يَجْهَرُ بِهَا، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَثَرُ مُخَالِفٌ لِلصَّحِيحِ الثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْهَرُ، كَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ، وَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا عَدَمَ الْجَهْرِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ2 بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ. وَعَلِيٌّ لَا يَجْهَرَانِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ عمر، فيحمل أي أَنَّهُ فَعَلَهُ مَرَّةً، أَوْ بَعْضَ أَحْيَانٍ، لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيًّا كَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. انْتَهَى. وَهَذَا بَاطِلٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْوَقَّاصِيُّ، أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: كَذَّابٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْأَشْيَاءَ الْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
__________
1 وكان أبي أي قال سعيد: وكان أبي الخ. كما في الدراية.
2 ص 120، وقال في الزوائد ص 108-ج 2: رواه الطبراني في الكبير وفيه: أبو سعد البقال، وهو ثقة، مدلس، اهـ.(1/356)
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَهَذَا أَيْضًا لَا يَثْبُتُ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لَمْ يَلْحَقْ عَلِيًّا، وَلَا صَلَّى خَلْفَهُ قَطُّ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِهِ يَعْقُوبَ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ. وَابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَأَمَّا شَيْخُ الْخَطِيبِ فِيهِ، فَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ الْأَهْوَازِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي عَلِيٍّ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يُرَكِّبُ الْأَسَانِيدَ، وَنَقَلَ الْخَطِيبُ1 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَصَّاصِ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي ابْنَ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ جِرَابَ الْكَذِبِ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحِ بْنِ نَبْهَانَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَابْنِ عباس. وأبي قتادة. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَهَذَا أَيْضًا لَا يَثْبُتُ، وَالْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ هُوَ الْعَرَبِيُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ، أَوْ هُوَ حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، وَانْقَلَبَ اسْمُهُ، وَهُوَ أَيْضًا شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ، أَوْ هُوَ مَجْهُولٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى فَقَدْ رُمِيَ بِالرَّفْضِ وَالْكَذِبِ، وَصَالِحُ بْنُ نبهان مولى التوءَمة، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَالِكٌ. وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَفِي إدْرَاكِهِ لِلصَّلَاةِ خَلْفَ أَبِي قَتَادَةَ نَظَرٌ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَثُرَ الْكَذِبُ فِي أَحَادِيثِ الْجَهْرِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَصْحَابِهِ، لِأَنَّ الشِّيعَةَ تَرَى الْجَهْرَ، وَهُمْ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، فَوَضَعُوا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ، وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَحَدُ أَعْيَانِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَرَى تَرْكَ الْجَهْرِ بِهَا، وَيَقُولُ: الْجَهْرُ بِهَا صَارَ مِنْ شِعَارِ الرَّوَافِضِ، وَغَالِبُ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ نَجِدُ فِي رِوَايَتِهَا مَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى التَّشَيُّعِ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَقَالَ: مَا يَمْنَعُ أُمَرَاءَكُمْ أَنْ يَجْهَرُوا بِهَا إلَّا الْكِبْرُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّ قِرَاءَتَهَا سُنَّةٌ، فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يُسِرُّونَ بِهَا، فَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ قِرَاءَتَهَا بِدْعَةٌ، فَجَهَرَ بِهَا مَنْ جَهَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ لِيُعْلِمُوا النَّاسَ أَنَّ قِرَاءَتَهَا سُنَّةٌ، لَا أَنَّهُ فِعْلُهُ دَائِمًا، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ تَرْكَ الْجَهْرِ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي ذلك فلست بِحُجَّةٍ،
__________
1 في تاريخه ص 219 – ج2.(1/357)
مَعَ أَنَّهَا قَدْ اخْتَلَفَتْ، فَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَهْرُ، وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَرْكُهُ، وَفِي بَعْضِ الْأَسَانِيدِ إلَيْهِمْ الضَّعْفَةُ وَالِاضْطِرَابُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ جَهْرِ مَنْ جَهَرَ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الرُّجُوعُ إلَى الدَّلِيلِ، لَا إلَى الْأَقْوَالِ، وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ مَنْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْجَهْرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَالتَّابِعِينَ. وَغَيْرِهِمْ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمْ غَيْرُهُ كَمَا نَقَلَ الْخَطِيبُ الْجَهْرَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَةِ، وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ. وَعَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ تَرْكُهُ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَغَيْرُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَابْنُ الْمُبَارَكِ. وَأَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الْجَهْرِ بِهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ إنْ اُخْتُلِفَ فِي الْجَهْرِ بِهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَالْخَطِيبُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عدم الجهر، كذلك رَوَى الطَّحَاوِيُّ. وَالْخَطِيبُ. وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَدَمَ الْجَهْرِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَدَمَ الْجَهْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَالْخَطِيبُ عَنْ عِكْرِمَةَ الْجَهْرَ، وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْهُ عَدَمَهُ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ. وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَإِسْحَاقَ الْجَهْرَ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُمَا تَرْكَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالْجَهْرُ بِهَا بِدْعَةٌ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ وَكِيعٌ: كَانَ الْأَعْمَشُ. وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَسُفْيَانُ. وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ. وَعَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ. وَمَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ مَشْيَخَتِنَا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانُوا يُسِرُّونَ الْبَسْمَلَةَ وَالتَّعَوُّذَ فِي الصَّلَاةِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ أَنَّ الْحَسَنَ سُئِلَ عَنْ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فَقَالَ: إنَّمَا بفعل ذَلِكَ الْأَعْرَابُ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ ثَنَا خَصِيفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إذَا صَلَّيْت فَلَا تَجْهَرْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَاجْهَرْ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ.
مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الشافعية، ثم قال: هذه الْأَحَادِيثُ فِي الْجُمْلَةِ لَا تُحَسَّنُ بِمَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالنَّقْلِ أَنْ يُعَارِضَ بِهَا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، وَلَوْلَا أَنْ يعرض للمتفقه شُبْهَةٌ عِنْدَ سَمَاعِهَا فَيَظُنَّهَا صَحِيحَةً لَكَانَ الْإِضْرَابُ عَنْ ذِكْرِهَا أَوْلَى، وَيَكْفِي فِي ضَعْفِهَا إعْرَاضُ الْمُصَنِّفِينَ لِلْمَسَانِيدِ، وَالسُّنَنِ عَنْ جُمْهُورِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْهَا طَرَفًا فِي سُنَنِهِ فَبَيَّنَ(1/358)
ضَعْفَ بَعْضِهَا وَسَكَتَ عَنْ بَعْضِهَا، وَقَدْ حَكَى لَنَا مَشَايِخُنَا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ 721 لَمَّا وَرَدَ مِصْرَ سَأَلَهُ بَعْضُ أَهْلِهَا تَصْنِيفَ شَيْءٍ فِي الْجَهْرِ، فَصَنَّفَ فِيهِ جُزْءًا، فَأَتَاهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَهْرِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَمَّا عَنْ الصَّحَابَةِ: فَمِنْهُ صَحِيحٌ. وَضَعِيفٌ، ثُمَّ تَجَرَّدَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ لِجَمْعِ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ، فَأَزْرَى عَلَى عِلْمِهِ بِتَغْطِيَةِ مَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَنْكَشِفُ، وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَلَهَا وَخَلَلَهَا، ثُمَّ إنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْمِلُ أَحَادِيثَهُمْ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ جَهَرَ بِهَا لِلتَّعْلِيمِ، أَوْ جَهَرَ بِهَا جَهْرًا يَسِيرًا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ، وَالْمَأْمُومُ إذا قرب منه الْإِمَامَ أَوْ حَاذَاهُ سَمِعَ مَا يُخَافِتُهُ، وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ جَهْرًا، كَمَا وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ فَيُسْمِعُهُمْ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَحْيَانَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْجَهْرِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ يُدْعَى - رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ -، فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: إنَّمَا يَدْعُو إلَهَ الْيَمَامَةِ، فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِإِخْفَائِهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْجَهْرِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ فِي ذَلِكَ مَسْلَكَ الْبَحْثِ وَالتَّأْوِيلِ، فَقَالَ: إنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ تُقَدَّمُ عَلَى أَحَادِيثِ الْإِخْفَاءِ بِأَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْإِخْفَاءِ رَوَاهَا اثْنَانِ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المغفل، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ رَوَاهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا. وَالثَّانِي: أَنَّ أَحَادِيثَ الْإِخْفَاءِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ، وَأَحَادِيثَ الْجَهْرِ شَهَادَةٌ عَلَى إثْبَاتٍ، وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُ بِلَالٍ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ عَلَى قَوْلِ أُسَامَةَ. وَغَيْرِهِ: إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، قَالُوا: وَبِأَنَّ أَنَسًا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ إنْكَارُ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ، فَرَوَى أَحْمَدُ2 والدارقطني مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي مَسْلَمَةً، قَالَ: سَأَلْت أَنَسًا أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بسم الله الرحمن، أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: إنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ، أَوْ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَك، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قُلْنَا: أَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، فَالِاعْتِمَادُ عَلَى كَثْرَةِ الرُّوَاةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ صِحَّةِ الدَّلِيلَيْنِ، وأحاديث الجهر ليس فيه صَحِيحٌ صَرِيحٌ، بِخِلَافِهِ حَدِيثُ الْإِخْفَاءِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ ثَابِتٌ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ. وَالْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ. وَالسُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَرَوْنَ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، لِبُعْدِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ عَلَى الْعَدَدِ الْأَكْثَرِ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةً، لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْحُدُودِ، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ، وَإِنْ كَثُرَتْ رُوَاتُهَا لَكِنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ
__________
1 قال ابن تيمية في فتاواه ص 27: من جمع هذا الباب باب جهر التسمية في الصلاة كالدارقطني والخطيب: وغيرهما، فإنهم جمعوا ما روي، وإذا سئلوا عن صحتها قالوا بمبلغ علمهم، كما قال الدارقطني لما دخل مصر، وسئل أن يجمع أحاديث الجهر بها، فجمعها، فقيل له: هل فيها شيء صحيح؟ فقال: أما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا، وأما عن الصحابة: فمنه صحيح. ومنه ضعيف، اهـ.
2 أحمد: ص 166- ج 3، وص 190 – ج3 عن سعيد، وفي ص 273 – ج 3 عن قتادة عن أنس، والدارقطني: ص 120.(1/359)
طُرُقُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ؟ كَحَدِيثِ: الطَّيْرِ1. وَحَدِيثِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ2 وَحَدِيثِ: مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ3، بَلْ قَدْ لَا يُزِيدُ الْحَدِيثَ كَثْرَةُ الطُّرُقِ إلَّا ضَعْفًا، وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ إذَا كَانَتْ الرُّوَاةُ مُحْتَجًّا بِهِمْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، كَتَرْجِيحِ الْأَئِمَّةِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدِيث: الْمُجَامِعِ4 وَذِكْرِهِمْ التَّرْتِيبَ، وَتَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى الْجِمَاعِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّخْيِيرَ، وَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِطْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْجِمَاعِ، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ لَيْسَتْ مُخَرَّجَةً فِي الصِّحَاحِ. وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَمْ يَرْوِهَا إلَّا الْحَاكِمُ. والدارقطني، فَالْحَاكِمُ عُرِفَ تَسَاهُلُهُ وَتَصْحِيحُهُ لِلْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، بَلْ الْمَوْضُوعَةِ، والدارقطني فَقَدْ مَلَأ كِتَابَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ. وَالشَّاذَّةِ. وَالْمُعَلَّلَةِ، وَكَمْ فِيهِ مِنْ حَدِيثٍ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ! وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ فَهِيَ وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي صُورَةِ النَّفْيِ، فَمَعْنَاهَا الْإِثْبَاتُ، بِخِلَافِ حَدِيثِ بِلَالٍ، مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَقْدِيمِ الْإِثْبَاتِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْمُثْبِتَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَأَيْضًا فَالنَّفْيُ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ لِدَلِيلِ الْأَصْلِ، وَالْإِثْبَاتُ يُفِيدُ التَّأْسِيسَ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى. الثَّانِي: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، قَالُوا: لِأَنَّ النَّافِيَ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ، وَأَيْضًا، فَالظَّاهِرُ تَأْخِيرُ النَّافِي عَنْ الْمُثْبِتِ، إذْ لَوْ قُدِّرَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لَكَانَتْ فَائِدَتُهُ التَّأْكِيدَ، لِدَلِيلِ الْأَصْلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِهِ يَكُونُ تَأْسِيسًا، فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّافِيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُثْبِتِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْآمِدِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَقَدْ قَدَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُذَّاقِ: مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ النَّفْيَ عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ، وَأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ5 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ6. وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَقَالُوا فِيهِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ لَمْ
__________
1 حديث الطير أخرجه الترمذي في مناقب علي من حديث أنس بن مالك، وقال: غريب.
2 إن أراد به حديث: أفطر الحاجم والمحجوم، فقد أخرجه الطحاوي: ص 349 من حديث أبي موسى. وعائشة. ومعقل. وثوبان. وشداد بن أوس. وأبي هريرة، وفي السنن عن بعض هؤلاء، وفي المستدرك. وابن جارود. والدارمي أيضاً، وبعض الطرق صححه الحاكم، والله أعلم.
3 حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، أخرجه الترمذي في مناقب علي من حديث أبي سريحة، أو زيد بن أرقم، وقال: حسن غريب ص 213 - ج 2.
4 حديث المجامع: أخرجه البخاري في صحيحه في عشرة مواضع: في الصوم - في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء ص 256، من رواية شعيب. ومنصور. ومعمر. وإبراهيم بن سعد. والأوزاعي. وابن عيينة. وليث، كلهم عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة. وفيها قال رجل: وقعت على امرأتي، وأنا صائم: فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هل تجد رقبة" الحديث، وأخرجه مسلم في الصوم - في باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم من رواية ابن عيينة. ومنصور. وليث مثله، ومن رواية مالك عن الزهري: أن رجلاً أفطر في رمضان، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكفر، الحديث، ومن رواية ابن جريج عنه، أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة، الحديث.
5 في المحاربين - في باب الرجم بالمصلى ص 107.
6 في مسنده ص 323 - ج 3، وأبو داود في الحدود - في باب الرجم ص 260 - ج 2، والترمذي في باب من درأ الحد عن المعترف إذا رجع ص 171 - ج 2، والنسائي في الجنائز - في باب ترك الصلاة على المرجوم ص 278(1/360)
يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا يَوْمئِذٍ، فَمَرْدُودٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَسٍ يَوْمئِذٍ عَشْرُ سِنِينَ، وَمَاتَ، وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ عَشْرَ سِنِينَ، فَلَا يَسْمَعُهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يَجْهَرُ؟ هَذَا بَعِيدٌ، بَلْ مُسْتَحِيلٌ، ثُمَّ قَدْ رُوِيَ هَذَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ! وَهُوَ رَجُلٌ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، وَكَهْلٌ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي زَمَانِهِمْ، وَرِوَايَتِهِ لِلْحَدِيثِ؟!، وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ1، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ البخاري. مسلم، وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ إنْكَارِ أَنَسٍ، فَلَا يُقَاوِمُ مَا يَثْبُتُ عَنْهُ خِلَافُهُ فِي الصَّحِيحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ نَسِيَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، لِكِبَرِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرًا، كَمَا سُئِلَ يَوْمًا عَنْ مسألة، قال: عَلَيْكُمْ بِالْحَسَنِ فَاسْأَلُوهُ، فَإِنَّهُ حَفِظَ، وَنَسِينَا، وَكَمْ مِمَّنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ ذِكْرِهَا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا، لَا عَنْ الْجَهْرِ بِهَا وَإِخْفَائِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ2: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْبَسْمَلَةِ، هَلْ يُجْهَرُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ. أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى الْجَهْرِ بِهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَعُمَرَ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَعَطَاءٍ. وَطَاوُسٍ. وَمُجَاهِدٍ. وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَأَصْحَابُهُ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالُوا: يُسَرُّ بِهَا وَلَا يُجْهَرُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وعمر - في 'حدى الرِّوَايَتَيْنِ - وَعُثْمَانَ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَالْحَكَمِ. وَحَمَّادٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ. وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَقَالَتْ طائفة: لا يقرأها سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَالْأَوْزَاعِيُّ، اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِخْفَاءِ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ، وَأَكْثَرُهَا نُصُوصٌ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَهِيَ وَإِنْ عَارَضَهَا أَحَادِيثُ أُخْرَى، فَأَحَادِيثُ الْإِسْرَارِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُهَا، وَصِحَّةُ سَنَدِهَا، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ لَا تُوَازِيهَا فِي الصِّحَّةِ وَالثُّبُوتِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا وَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ، بِمَا أَخْبَرْنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ، قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ - الرَّحْمَنَ - فَقَالُوا: إن محمداً يدعو إلَهِ الْيَمَامَةِ، فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْفَاهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ يَتَقَوَّى بِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَفَ بِأَوَاخِرِ الْأُمُورِ، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى الْجَهْرِ، فَقَالَ: لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِ وُرُودِ الْأَحَادِيثِ فِي الْجَانِبَيْنِ، وَكُتُبُ السُّنَنِ. وَالْمَسَانِيدُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ الْجَهْرِ آثَارُ الصَّحَابَةِ. وَمَنْ
__________
1 حديث أنس أخرجه الطحاوي: في ص 133، وابن ماجه في باب من يستحب أن يلي الإمام ص 70، والبيهقي في: ص 97 - ج 3، والحاكم: ص 218 - ج 1.
2 في باب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وإخفائه ص 56.(1/361)
بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا، إلَى عَصْرِ الْأُمَّةِ، وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا أَخْبَرَنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارُ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ عَمْرٍو الْكُوفِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَكِّيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَتَّى قُبِضَ، انْتَهَى. قَالَ: وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا ادِّعَاءُ النَّسْخِ فِي كل الْمَذْهَبَيْنِ فَمُتَعَذِّرٌ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَالصِّحَّةُ، وقد فقدناها ههنا، فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْإِخْفَاءِ فَهِيَ أَمْتَنُ، غَيْرَ أَنَّ هُنَا شَيْئًا، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مَأْثُورَةً عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَهَا لَمْ يَسْلَمْ مِنْ شَوَائِبِ الْجَرْحِ، كَمَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَالِاعْتِمَادُ فِي الْبَابِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، لِأَنَّهَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، ثُمَّ الرِّوَايَةُ قَدْ اخْتَلَفَتْ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ، وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ: الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَنَسٍ، رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ. وَيَحْيَى بْنُ السَّكَنِ أبو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ. وَعَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ عَنْ قَتَادَةَ: مِنْهُمْ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ. وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ العطار. وحماد بن مسلمة. وَحُمَيْدَ. وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ. وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ. وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ. وَهَمَّامٌ. وَاخْتُلِفَ عَنْهُمَا فِي لَفْظِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ قَتَادَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَلَى إخْرَاجِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِسَلَامَتِهَا مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كانوا يبدؤون بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ السُّورَةِ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا لا يقرؤون بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الثَّانِي: رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رَوَاهُ كَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. وَحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ. وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ. وَقُرَادُ أَبُو نُوحٍ. وَآدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ موسى. وأبو النصر هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ. وَخَالِدُ بْنُ زيد المرزحي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَكْثَرُهُمْ اضْطَرَبُوا فِيهِ، فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ الْبُخَارِيُّ مِنْ إخْرَاجِهِ، وَهُوَ مِنْ مَفَارِيدِ مُسْلِمٍ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ. وَجُوَيْرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَالَ: بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ، وَقَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ، أَخْرَجَهُ(1/362)
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْهُ مَا أَخْبَرَنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَزَّارُ ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ سَأَلْت أَنَسَ بن مالك أكان رسل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رب العاليمن، أَوْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟، فَقَالَ: إنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَك، قُلْت: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي النَّعْلَيْنِ؟، قَالَ: نَعَمْ. انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ مُخَرَّجَةٌ فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ، كَمَا تَرَى، وَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ وُقُوعُ الِاخْتِلَافِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَمْ مِنْ شَخْصٍ يَتَغَافَلُ عَنْ أَمْرٍ هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ، حَتَّى لَا يُلْقِي إلَيْهِ بَالًا ألبتة، وينتبه لِأَمْرٍ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَيُلْقِي إلَيْهِ بَالَهُ بِكُلِّيَّتِهِ، وَمِنْ أَعْجَبْ مَا اتَّفَقَ لِي أَنِّي دَخَلْت جَامِعًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، لِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْحَدِيثِ، فَحَضَرَ إلَيَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُمْ مِنْ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْجَامِعِ، وَكَانَ إمَامُهُمْ صَيِّتًا يَمْلَأُ الْجَامِعَ صَوْتُهُ، فَسَأَلْتهمْ عَنْهُ، هَلْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوْ يُخْفِيهَا؟ فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْهَرُ بِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُخْفِيهَا، وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَيِّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَهُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالسُّنَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ مَعَهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ2 بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَرِيفٍ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ، وَسُورَةٍ، فِي فَرِيضَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا"، انْتَهَى. بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ إلَى آخِرِهِ، ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَتَحْلِيلِهَا، وَابْنُ مَاجَهْ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَسَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي سُفْيَانَ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَجْلَهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَضَعَّفَ أَبَا سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ عَنْهُ النَّسَائِيّ: إنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَفْظُهُ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالسُّورَةِ، وَفِي لَفْظٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَمَا تَيَسَّرَ. وَفِي لَفْظٍ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِفَاتِحَةِ الكتاب، ومعها غيرها، في لَفْظٍ: وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَلَيَّنَ هُوَ أَبَا سُفْيَانَ، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، وَإِنَّمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْمُتُونِ بِأَشْيَاءَ لَا يَأْتِي بِهَا غَيْرُهُ، وَأَسَانِيدُهُ مُسْتَقِيمَةٌ، انْتَهَى.
__________
1 في أواخر التفسير - في باب مد القراءة ص 754.
2 في باب تحريم الصلاة وتحليلها ص 32، وابن ماجه في باب مفتاح الصلاة الطهور ص 24، الشطر، وفي باب القراءة خلف الإمام ص 61 الشطر الثاني.(1/363)
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِهِ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَمَعَهَا غَيْرُهَا.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلَفْظُهُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَمَا تَيَسَّرَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا يَرْوِيه قَتَادَةُ. وَأَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ أَبُو مَسْلَمَةً عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُ شُعْبَةَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ زَنْبَعَةُ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةً مَرْفُوعًا، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ عَنْ شُعْبَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ2 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَنَا محمد بن الخليل الخشي ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الخشي ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى قَرِيبًا مِنْهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعِدْ صَلَاتَك فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فرجع فصلى كنحو مَا صَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعِدْ صَلَاتَك، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي، قَالَ: "إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْت، فَإِذَا رَكَعْت فَاجْعَلْ رَاحَتَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَامْدُدْ ظَهْرَك، وَمَكِّنْ لِرُكُوعِك، فَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك، فَأَقِمْ صُلْبَك حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إلَى مَفَاصِلِهَا، فَإِذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ لِسُجُودِك، فَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِك الْيُسْرَى، ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ، فِي كُلِّ ركع وَسَجْدَةٍ"،انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ، قَالَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: إذَا قُمْت فَتَوَجَّهْت إلَى الْقِبْلَةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ.
__________
1 في باب من ترك القراءة في صلاته ص 125.
2 قال في الزوائد ص 115 - ج 2: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحسن بن يحيى الخشي، ضعفه النسائي. والدارقطني، ووثقه دحيم. وابن عدي. وابن معين في رواية اهـ.
3 في باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ص 132.(1/364)
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ رَبِيعِ بن بدر، ويعرف بقليله عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَتَيْنِ فَصَاعِدًا"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ الرَّبِيعَ بْنَ بَدْرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ - فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ الْفِرْسَانِيِّ1 عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَشَيْءٍ معها"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَالِكٍ عَلَى رُكْنِيَّةِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ، وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا بِحَدِيثٍ عَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ، انْتَهَى. وَهَذَا مَوْقُوفٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ"، قُلْت: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ3 مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ"، انتهى. ورواه الدارقطني أيضاً بِلَفْظِ: لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ أَيْضًا، وَقَالَ: زِيَادٌ أَحَدُ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: انْفَرَدَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ بِكَوْنِهِ بِلَفْظِ لَا يُجْزِئُ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ: وَكَأَنَّ زِيَادًا رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، انْتَهَى. وَلَمَّا عَزَا بَعْضُ الْجَاهِلِينَ حَدِيثَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إلَى الصَّحِيحَيْنِ أَخَذَ يَتَعَجَّبُ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِ، فَقَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ كَيْفَ عَزَاهُ فِي أَحْكَامِهِ
__________
1 في نسخة العرساني.
2 في باب القراءة في الفجر ومسلم في باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ص 170 - ج 1.
3 البخاري في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم ص 104، ومسلم في باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ص 169، وأبو داود في باب من ترك القراءة في صلاته ص 126، والترمذي في باب لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ص 34، والنسائي في باب ايجاب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة ص 145، وابن ماجه في باب القراءة خلف الإمام ص 60.(1/365)
لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَقَطْ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاَلَّذِي عَزَاهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إنَّمَا هُوَ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ بِهَذَا اللَّفْظِ، بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يجزئ صلاة لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ"، قُلْت: وَإِنْ كُنْت خَلْفَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدَيَّ، وَقَالَ: "اقْرَأْ فِي نَفْسِك"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَمْ يَقُلْ فِي خَبَرِ الْعَلَاءِ هَذَا: لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ، إلَّا شُعْبَةُ، وَلَا عَنْهُ إلَّا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، كَمَا تَرَاهُ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ أَصْحَابِنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1، وَمُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ فَرَدَّ عليه السلام، وَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: "إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا"، انْتَهَى. وَالْخَصْمُ يَحْمِلُ قَوْلَهُ: ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَيْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَهَذَا فِيهِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ قَالَ: "ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا"، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِوُجُوبِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ، وَكَيْفَ لَا يَذْكُرُ لَهُ عليه السلام الْفَاتِحَةَ، وَهُوَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ لَهُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ؟! لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 حَدِيثَ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو3 عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ4 عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: "إذَا قُمْت فَتَوَجَّهْت إلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ، وَإِذَا رَكَعْت فَضَعْ رَاحَتَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَامْدُدْ ظَهْرَك، وَإِذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ بِسُجُودِك، وَإِذَا رَفَعْت فَاقْعُدْ عَلَى فَخِذِك الْيُسْرَى"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَنْ إسْحَاقَ
__________
1 في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم ص 105، ومسلم في باب قراءة الفاتحة في كل ركعة ص 170، والنسائي في باب فرض التكبيرة الأولى ص 141، والترمذي في باب ما جاء في وصف الصلاة ص 40، وأبو داود في باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع، ص 132، وابن ماجه في باب إتمام الصلاة ص 75.
2 في باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ص 133.
3 محمد بن عمرو بن علقمة قد حدث عنه جماعة من الثقات، كل واحد ينفرد عنه بنسخة، ويعزب بعضهم عن بعض.
4 اختلف في هذا الحديث على علي بن يحيى، روى بعضهم عن رفاعة، كما هو عند الطحاوي، والدارمي، والنسائي، وأحمد، والحاكم: ص 241 - ج 1، وروى بعضهم عن علي عن أبيه عن رفاعة، وفي حديث محمد بن عمرو عند أبي داود، هكذا: فإسقاط - عن أبيه - في حديث محمد بن عمرو عزوه إلى أبي داود خطأ، على ما هو في عامة النسخ، وفي بعض النسخ - عن علي عن رفاعة - أيضاً.(1/366)
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بِهِ، أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: "إنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَحْمَدَ اللَّهَ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأَ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْكَعَ"، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بِهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: إذَا أَنْتَ قُمْت فِي صَلَاتِك، فَكَبِّرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْك مِنْ الْقُرْآنِ، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بِهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ فِيهِ: "فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ، ثُمَّ أَقِمْ وَكَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَكَبِّرْهُ، وَهَلِّلْهُ"، وَقَالَ فِيهِ: "وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1 مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ أُنَادِيَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ إلَّا ابْنُ طَهْمَانَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ الْمَعْرُوفِ بِاللَّجْلَاجِ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا أبي حَنِيفَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ اللَّجْلَاجِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْجَرَّاحِ الْكُوفِيُّ ثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بقراءة، ولو بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَوْ غَيْرِهَا"، انْتَهَى. وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ بِاللَّجْلَاجِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَ بِمَنَاكِيرَ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ أَبَاطِيلُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَهُمَا، وَذَكَرَ أَثَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ2، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ، فَقِيلَ لَهُ، قَالَ: كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ والسجود؟ قال: حَسَنًا، قَالَ: فَلَا بَأْسَ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عُمَرَ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ مَوْصُولَةٍ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ. الثَّانِي: عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لَهُ: صَلَّيْت وَلَمْ أَقْرَأْ، فَقَالَ لَهُ: أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَمَّتْ صَلَاتُك، انْتَهَى. قَالَ: وَالْحَارِثُ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى.
__________
1 أخرج أبو داود حديث أبي هريرة هذا من طريق جعفر بن ميمون عن أبي عثمان به في باب من ترك القراءة في صلاته ص 125، وفيه إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب، فما زاد، وأخرجه الحاكم: ص 239 - ج 1، وقال: جعفر بن ميمون من ثقات البصريين، اهـ. وصححه الذهبي.
2 البيهقي في: ص 381 - ج 2 وص 347 - ج 2.(1/367)
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ2: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "آمِينَ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَاجَهْ3 فِيهِ: إذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ، وَزَادَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدعوات4: فإن الملائكة تومِّن، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ، الْحَدِيثَ، وهو عن ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا أَمَّنَ كَتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ غَيْرِ إعْجَابٍ وَلَا سُمْعَةٍ وَلَا رِيَاءٍ، خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُغْفَرُ لَهُ، انْتَهَى. قُلْت: هَذَا التَّفْسِيرُ يَنْدَفِعُ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مالك عن أبي الزياد عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَقُلْهَا الْبُخَارِيُّ. وَغَيْرُهُ5، وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ، نَبَّهَ عَلَيْهَا عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَائِدَةٌ أُخْرَى. وَهِيَ: انْدِرَاجُ الْمُنْفَرِدِ فِيهِ، وَغَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامِ، أَوْ فِي الْمَأْمُومِ، أَوْ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ وَفِي آخِرِهِ: فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا"،قُلْت: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ6، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ: فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
__________
1 البخاري في الدعوات - في باب التأمين ص 947، ومسلم في باب التسميع والتحميد والتأمين ص 176، والنسائي في باب الأمر بالتأمين خلف الإمام ص 147، وأبو داود في باب التأمين وراء الإمام ص 142، والترمذي في باب فضل التأمين، ص 34، وابن ماجه في باب الجهر بالتأمين ص 61.
2 هذه الزيادة عند مسلم. وأبي داود.
3 في باب جهر الإمام بالتأمين ص 147، وابن ماجه: ص 61.
4 وابن ماجه في باب الجهر بالتأمين ص 61، والنسائي: ص 147.
5 أخرج البخاري هذا الحديث في الصلاة - في باب فضل التأمين ص 108.
6 الإمام يقول: آمين رواه أحمد في مسنده ص 270 - ج 2، والدارمي: ص 147، والنسائي: ص 147.(1/368)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ1، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا، يَقُولُ: "لَا تُبَادِرُوا الْإِمَامَ، إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} ، فَقُولُوا: آمِينَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 أَيْضًا عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى. أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، وَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، فَقَالَ: "إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فَقُولُوا: آمين يحبكم اللَّهُ"، الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَعْنِي قَوْلَهُ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَذَكَرَ مِنْهَا آمِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. والدارقطني فِي سُنَنِهِ3. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، فَلَمَّا بَلَغَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، قَالَ آمِينَ، وَأَخْفَى بِهَا صَوْتَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ4 فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ، وَلَفْظُهُ: وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ، وَأَخْفَى بِهَا صَوْتَهُ، وَيُقَالُ: إنَّهُ وَهِمَ فِيهِ، لِأَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ. وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ. وَغَيْرَهُمَا رَوَوْهُ عَنْ سَلَمَةَ، فَقَالُوا: وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَطَعَنَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، سَمِعْت حُجْرًا أَبَا عَنْبَسٍ يُحَدِّثُ عَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ، رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ، قَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوَافِقُ رِوَايَةَ سُفْيَانَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ، وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ، وَقَالَ يَحْيَى القطان. ويحيى بن ميعن: إذَا خَالَفَ شُعْبَةُ سُفْيَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ: الْبُخَارِيُّ. وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ، فَقَدْ رُوِيَ مِنْ أوجه: فجهر بها، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: اخْتِلَافُ سُفْيَانَ. وَشُعْبَةَ، فَشُعْبَةُ يَقُولُ: خَفَضَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: رَفَعَ. الثَّانِي: اخْتِلَافُهُمَا فِي حُجْرٌ، فَشُعْبَةُ يَقُولُ: حُجْرٌ أَبُو الْعَنْبَسِ، وَالثَّوْرِيُّ يَقُولُ: حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ، وَصَوَّبَ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو زُرْعَةَ قَوْلَ الثَّوْرِيِّ، وَلَا أَدْرِي لِمَ لَمْ يُصَوِّبَا قَوْلَهُمَا جَمِيعًا حَتَّى يَكُونَ
__________
1 في باب ائتمام الإمام والمأموم ص 177.
2 في باب التشهد في الصلاة ص 174.
3 ص 124.
4 في أوائل التفسير ص 232.(1/369)
حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ أَبَا الْعَنْبَسِ؟! اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو زُرْعَةَ قَدْ عَلِمَا لَهُ كُنْيَةً أُخْرَى. الثَّالِثُ: أَنَّ حُجْرًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، فَإِنَّ الْمَسْتُورَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ، أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مُخْتَلَفٍ فِي قَبُولِ حَدِيثِهِ، لِلِاخْتِلَافِ فِي ابْتِغَاءِ مَزِيدِ الْعَدَالَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَالرَّابِعُ: اخْتِلَافُهُمَا1 أَيْضًا، فَجَعَلَهُ الثَّوْرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حُجْرٌ عَنْ وَائِلٍ، وَجَعَلَهُ شُعْبَةُ مِنْ رِوَايَةِ حُجْرٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ، وَكَأَنَّهُ عَرَفَ مِنْ حَالِ حُجْرٌ الثِّقَةَ، وَلَمْ يَرَهُ مُنْقَطِعًا، بِزِيَادَةِ شُعْبَةَ - عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ - فِي الْوَسَطِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَمَلَ التِّرْمِذِيَّ عَلَى أَنْ حَسَّنَهُ، وَالْحَدِيثُ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْحَسَنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ تَفَقُّهًا، قَالَهُ ابْنُ حِبَّانَ صَرِيحًا2 فَقَالَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ: حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ أَبُو الْعَنْبَسِ الْكُوفِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: حُجْرٌ أَبُو الْعَنْبَسِ، يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ. وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، رَوَى عَنْهُ مَسْلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ عِلَّةً أُخْرَى ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ، هَلْ سَمِعَ عَلْقَمَةُ مِنْ أَبِيهِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حجر، واللفظة لِأَبِي دَاوُد، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَرَأَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: "آمِينَ"، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ فِيهِ: وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ، قَالَ: وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ: حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَأَخْطَأَ فِيهِ شُعْبَةُ فِي مَوَاضِعَ: فَقَالَ: عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ، وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرٌ بْنُ الْعَنْبَسِ، وَيُكَنَّى أَبَا السَّكَنِ، وَزَادَ فِيهِ: عَنْ عَلْقَمَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ عَلْقَمَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلٍ، وَقَالَ:
__________
1 هذه العلة مدفوعة، لأن حجراً سمع الحديث عن علقمة عن وائل، وسمعه من وائل نفسه أيضاً، قال البيهقي: ص 57 - ج 2، قلت: وأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده ص 138: حدثنا شعبة، قال: أخبرني سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجراً أبا العنبس، قال: سمعت علقمة بن وائل يحدث عن وائل. وقد سمعت من وائل، أنه صلى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: "آمين"، خفض بها صوته، اهـ. وفي البيهقي في هذا الحديث، وقد اختصره، قال: أخبرني سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجراً أبا العنبس، قال: سمعت علقمة بن وائل، وقد سمعه من وائل أنه صلى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر الحديث، اهـ.
2 قلت: الذي قاله ابن حبان هو منصوص في رواية الدارقطني: ص 127 عن وكيع. والمحاربي قالا: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس، وهو ابن العنبس عن وائل بن حجر، الحديث، قال الدارقطني: هذا صحيح، قال البيهقي ص 57 - ج 2: وكذلك ذكره محمد بن كثير عن الثوري، أي روى محمد بن كثير هذا الحديث عن الثوري، وقال فيه: حجر أبو العنبس، كما قال شعبة، قلت: رواية ابن كثير هذه عند الدارمي: ص 147، وعند أبي داود في باب التأمين ص 139.(1/370)
وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ: وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ، وَسَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، وَيُقَالُ: الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ الْأَسَدِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى فَجَهَرَ بِآمِينَ، وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، انْتَهَى. وَسَكَتَا عَنْهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ1: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ2 بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَيَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا، قَالَ: آمِينَ، يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَلَا: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ، حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: فَيَرْتَجُّ بِهَا الْمَسْجِدُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَفْظُهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ، وَقَالَ: آمِينَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَيُنْظَرُ أَسَانِيدُهُمْ الثَّلَاثَةُ، وَبِشْرُ بْنُ رَافِعٍ الْحَارِثِيُّ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ أَبُو الْأَسْبَاطِ الْحَارِثِيُّ ضَعِيفٌ، وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ بِشْرٍ، وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَجْلِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا هَارُونُ4 الْأَعْوَرُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ5 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أُمِّ الْحُصَيْنِ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا صَلَّتْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ، فَسَمِعَتْهُ وَهِيَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ، انْتَهَى.
__________
1 النسائي في باب رفع اليدين حيال الأذنين ص 140، ومن طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبيه ص 147.
2 قال النووي في شرح المهذب ص 104 - ج 3: الأئمة متفقون على أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئاً، وقال جماعة منهم: إنما ولد بعد وفاة أبيه بستة أشهر، اهـ.
3 ص 223 من حديث أبي هريرة، وفيه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي ضعيف، وأخرجه الدارقطني: ص 127، وفيه أيضاً إسحاق المذكور، قال أبو حازم: لا بأس به، سمعت ابن معين يثني عليه، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو داود: ليس بشيء، كذبه محدث حمص، محمد بن عوف الطائي ميزان.
4 هارون: هو ابن موسى الأزدي.
5 إسماعيل بن مسلم المكي ضعيف زوائد ص 114 - ج 2.(1/371)
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، قُلْت: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالدَّارِمِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ2 عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ، انْتَهَى. زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي لَفْظِ: إنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتُهُ عليه السلام حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا3 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصلاة كلما ورفع وَوَضَعَ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا التَّكْبِيرُ؟ فَقَالَ: إنَّهَا لَصَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّأِ4 - لِمَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلَاتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَنَسٍ: "إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك"، قُلْت: رواه الطبراني في معجمه الصَّغِيرِ - وَالْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن صالح بن الوليد الترسي ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ حَاتِمٍ الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَذَهَبَتْ بِي أُمِّي إلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِجَالَ الْأَنْصَارِ ونسائهم قَدْ أَتْحَفُوك، وَلَمْ أَجِدْ مَا أُتْحِفُك إلَّا ابْنِي هَذَا، فَاقْبَلْهُ مِنِّي يَخْدُمُك مَا شِئْت، قَالَ: فَخَدَمْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَلَمْ يَضْرِبْنِي ضَرْبَةً قَطُّ، وَلَمْ يَسُبَّنِي، وَلَمْ يَعْبِسْ
__________
1 في باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود، ص 35، والنسائي في باب التكبير للسجود ص 164، وص 172، والطحاوي: ص 130، والدارمي: ص 147، والدارقطني: ص 136.
2 في باب التكبير إذا قام من السجود ص 108.
3 البخاري في تمام التكبير في الركوع ص 108، ومسلم في باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع ص 169.
4 في الموطأ - لمحمد - في باب افتتاح الصلاة ص 87.(1/372)
فِي وَجْهِي، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا بُنَيَّ! إذَا رَكَعْت فَضَعْ كَفَّيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَأَفْرِجْ بَيْنَ أَصَابِعِك، وَارْفَعْ يَدَيْك عَنْ جَنْبَيْك"، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الصُّدَائِيُّ ثَنَا عَبَّادُ الْمُنْقِرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بِهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْعُقَيْلِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ الضُّعَفَاءُ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أبي هشام الآملي1، قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا بُنَيَّ! إذَا تَقَدَّمْت إلَى الصَّلَاةِ فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَارْفَعْ يَدَيْك عَنْ جَنْبَيْك، وَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا بَدَا لَك، وَإِذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَأَفْرِجْ بَيْنَ أَصَابِعِك، وَسَبِّحْ، وَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك، فَأَقِمْ صُلْبَك، وَإِذَا سَجَدْت فَضَعْ عَقِبَيْك تَحْتَ أَلْيَتَيْك، وَأَقِمْ صُلْبَك، حَتَّى تَضَعَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْك مَكَانَهُ، وَلَا تَنْقُرْ نَقْرَ الدِّيكِ، وَلَا تُقْعِ إقْعَاءَ الْكَلْبِ، وَلَا تَبْسُطْ ذِرَاعَيْك بَسْطَ الثَّعْلَبِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ بِكَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَسْنَدَا عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَسٍ، قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: كَثِيرُ بْنُ سُلَيْمٍ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ تَارِيخُ مَكَّةَ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ ثَنَا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَجَاءَهُ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْصَارِيٌّ. وَالْآخَرُ: ثَقَفِيٌّ، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "يَا أَخَا ثَقِيفٍ. سَلْ عَنْ حَاجَتِك، وَإِنْ شِئْت أَخْبَرْتُك عَنْهَا"، قَالَ: فَذَاكَ أَعْجَبُ إلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "جِئْت تَسْأَلُ عَنْ صَلَاتِك"، قَالَ: إي! وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، قَالَ: "فَصَلِّ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ، وَنَمْ وَسَطَهُ، فَإِذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَرَكَعْت، فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَفْصِلِهِ، وَإِذَا سَجَدْت فَأَمْكِنْ جَبْهَتَك مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا تَنْقُرْ، وَصُمْ اللَّيَالِيَ الْبِيضَ: ثَلَاثَ عَشَرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشَرَةَ، وَخَمْسَ عَشَرَةَ"، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَى نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلَانِ، فَذَكَرَهُ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَكَعَ،
__________
1 في نسخة ابن هشام الأيلي.(1/373)
فَوَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فِي حَدِيثِ: الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَإِذَا رَكَعْت فَضَعْ رَاحَتَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ، قَالَ: أَتَيْنَا عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ أَبَا مَسْعُودٍ، فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ بَيْنَ أَيْدِينَا فِي الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ، فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، مُخْتَصَرٌ، وَوَهِمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتِّرْمِذِيِّ، مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ طَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَأَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخْذَيْهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2، فَمَنْسُوخٌ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ3 عَنْ مَصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أَبِي، فَطَبَّقْت بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخْذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي، وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ، دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ4 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ الرُّكَبَ سُنَّةٌ لَكُمْ، فَخُذُوا بِالرُّكَبِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ. وَأَنَسٍ. وَأَبِي حُمَيْدٍ. وَأَبِي أَسِيد. وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً. وَأَبِي مَسْعُودٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ، قُلْت: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ5 أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ محمد بن يوسف الفرياني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَاشِدٍ، قَالَ: سَمِعْت وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ، يَقُولُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ السَّرَّاجُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ، وَإِذَا سَجَدَ وَجَّهَ أَصَابِعَهُ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ6 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ
__________
1 في باب من لا يقيم صلبه في الركوع ص 132، والنسائي في باب مواضع أصابع اليدين في الركوع ص 159، والدارمي: ص 155، والحاكم: ص 224، وصححه، والبيهقي: ص 127 - ج 2.
2 في باب الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع ص 202.
3 في باب وضع الأكف على الركب في الركوع ص 109، ومسلم في: ص 202.
4 في باب وضع اليدين على الركبتين.
5 في باب الركوع في الصلاة ص 62.
6 قال في الزوائد ص 123: رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى، ورجاله موثقون، اهـ.(1/374)
الزَّهْرَانِيُّ ثَنَا سَلَّامٍ الطَّوِيلُ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ وَابِصَةَ سَوَاءٌ، وَرُوِيَ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا صَالِحُ بْنُ زِيَادٍ السُّوسِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عن سعيد بن جهمان عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ وَابِصَةَ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا رَكَعَ لا يصوب رأسه، ولايقنعه، قُلْت: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: سَمِعْته، وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحدهم: أبو قاادة بْنُ رِبْعِيٍّ، يَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ، فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ بِهِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ3 عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَفِيهِ: وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ4 فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَلَا يَصُبُّ رَأْسَهُ، وَلَا يُقْنِعُ.
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ، فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد. وَابْنِ مَاجَهْ، وَلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: قَالَ: "إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَقَالَ
__________
1 قال في الزوائد ص 123: رواه الطبراني في الكبير - والأوسط ورجاله ثقات، اهـ.
2 في باب وصف الصلاة ص 40، وقد تقدم في: ص 163.
3 في باب ما يجمع صفة الصلاة ص 194.
4 حديث أبي حميد ليس في ب، إلا في باب سنة الجلوس في التشهد ص 114 في موضع واحد، ولم أجد أنا فيه هذا اللفظ، والله أعلم، نعم هذا اللفظ في أبي داود في باب افتتاح الصلاة ص 113، سواء بسواء، وفي الدارمي: ص 163، وابن ماجه: ص 75، بدون قوله: ثم يعتدل، تبع الحافظ في الدراية الزيلعي ص 79، وعزاه للبخاري، وعزاه في التلخيص ص 91 إلى أبي داود، والله أعلم.
5 في باب مقدار الركوع والسجود ص 136، والترمذي في باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود ص 35، وابن ماجه في باب التسبيح في الركوع والسجود ص 64، والبيهقي: ص 86 - ج 2.(1/375)
فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ، فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مُرْسَلٌ، عَوْنٌ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، عون لم يلقى عَبْدَ اللَّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: إنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ أَدْنَاهُ أَيْ أَدْنَى الْكَمَالِ، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَمِّهِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ"، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، قَالَ: وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةٍ غَيْرِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ، وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ عُقْبَةَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ، قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَبِحَمْدِهِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَبِحَمْدِهِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ نَخَافُ أَنْ لَا تَكُونَ مَحْفُوظَةً، انْتَهَى. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَيُرَاجَعُ الْمُعْجَمُ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ يَعْنِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي حَدِيثٍ: كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ
__________
1 في باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ص 133، وابن ماجه في باب التسبيح في الركوع والسجود ص 64، والحاكم في تفسير الواقعة ص 477 - ج 2، وقال: صحيح الإسناد، وفي الصلاة ص 225، والطحاوي: ص 138، والطيالسي: ص 135، وأحمد: ص 155 - ج 4، والبيهقي: ص 86 - ج 2.
2 في باب التكبير إذا قام من السجود ص 109، ومسلم في باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع ص 169.
3 في باب ما يقول الإمام، ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع ص 109.
4 في باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح ص 102.(1/376)
رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَفِيهِ: وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ"، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أفى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاءِ والأرض، ومل مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كبر استفتتح، ثُمَّ قَالَ: {وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} ، {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُك، ظَلَمْت نَفْسِي، وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْك، وَكَانَ إذَا رَكَعَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت، وَبِك آمَنْت، ولك أسلمت، خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَعَصَبِي، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ملءَ السماوات وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت، وَبِك آمنت، ولك أسملمت، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلْقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ الزهري عن أنس، فال: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنِ، فَدَخَلْنَا، نَعُودُهُ، فَحَضَرْت الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ4 أَيْضًا إلَّا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عن سمى
__________
1 في باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع ص 190، وأبو داود: ص 130، وابن ماجه: ص 62.
2 في التهجد - في باب صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه بالليل ص 262.
3 البخاري في باب يهوي بالتكبير ص 110، ومسلم في باب ائتمام المأموم بالإمام ص 176، والنسائي في باب الائتمام بالإمام يصلي قاعداً ص 133، وص 128، مختصراً، وأبو داود في باب الإمام يصلي من قعود ص 96، والترمذي في باب إذا صلى الإمام قاعداً فصلوا قعوداً ص 47، وابن ماجه: ص 63 مختصراً.
4 البخاري في باب فضل: اللهم لك الحمد ص 106، ومسلم بغير هذا اللفظ، وبغير هذا اللفظ في باب ائتمام(1/377)
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلَهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَأَحْمَدُ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا قَالَ الْإِمَامُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَأَعْرَابِيٍّ أَخَفَّ الصَّلَاةَ: "قُمْ صَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، وَفِي آخِرِهِ: "وَمَا نَقَصْت مِنْ هَذِهِ شَيْئًا، فَقَدْ نَقَصْت مِنْ صَلَاتِك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ فِي كُتُبِهِمْ، قَالَ أَبُو دَاوُد3: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ عليه السلام، وَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي، قَالَ: "إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا"، قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: "فَإِذَا فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، وَمَا انْتَقَصْت مِنْ هَذَا، فَإِنَّمَا انْتَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَّقِيَّ عَنْ أَبِيهِ عن جده رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
= المأموم بالإمام ص 177، وأبو داود في باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع ص 130، والترمذي - بهذا الباب - ص 36، والنسائي في باب قوله: ربنا لك الحمد ص 162.
1 في باب التشهد في الصلاة ص 147، والنسائي في باب قوله: ربنا لك الحمد ص 162، وفي التشهد ص 175، وفي مبادرة الإمام ص 132، وأبو داود في التشهد ص 147، ومسند أحمد ص 409 - ج 4، وابن ماجه.
2 ص 315 - ج 1.
3 في باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ص 131.(1/378)
فَقَصَّ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ فِيهِ: "فَتَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ، ثُمَّ كَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ"، وَقَالَ فِيهِ: "وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا، قَالَ رِفَاعَةُ: وَنَحْنُ مَعَهُ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ كَالْبَدْوِيِّ، وَصَلَّى، فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "وَعَلَيْك، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "وَعَلَيْك، ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: فَأَرِنِي وَعَلِّمْنِي، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُصِيبُ وَأُخْطِئُ، فَقَالَ: "أَجَلْ، إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ تَشَهَّدْ، فَأَقِمْ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ اعْتَدِلْ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ فَاعْتَدِلْ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ فَاطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ قُمْ، فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وقد وروى عَنْ رِفَاعَةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ2: أَخْبَرَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنُ خَلَّادِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَمٍّ لَهُ بَدْرِيٌّ، قَالَ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كان عليه السلام [ينظر إليه] فِي صَلَاتِهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى كَانَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ، أَوْ الرَّابِعَةِ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ لَقَدْ جَهَدْت، فَأَرِنِي، وَعَلِّمْنِي، قَالَ: "إذَا أَرَدْت أَنْ تُصَلِّيَ، فَتَوَضَّأَ، فَأَحْسِنْ وُضُوءَك، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ، ثُمَّ ارْكَعْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ، حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا، ثُمَّ اُسْجُدْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ، فَإِذَا أَتْمَمْت صَلَاتَك عَلَى هَذَا، فَقَدْ تَمَّتْ، وَمَا انْتَقَصْت مِنْ هَذَا فَإِنَّمَا تَنْقُصُهُ مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الطُّمَأْنِينَةِ، لِأَنَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةً، وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ صَلَاةً، وَأَوْلَى مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ وَصَفَهَا بِالنَّقْصِ، وَالْبَاطِلَةُ إنَّمَا تُوصَفُ بالزوال.
__________
1 في باب وصف الصلاة ص 40.
2 في باب أقل ما يجزئ به الصلاة ص 194، وأخرجه في باب الرخصة في ترك الذكر في الركوع ص 161، وفي باب الرخصة في ترك الذكر في السجود ص 170 من حديث رفاعة(1/379)
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد فِي الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ: وَمَا انْتَقَصَتْ مِنْ هَذَا، فَإِنَّمَا تَنْقُصُهُ مِنْ صَلَاتِك، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ: وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاسْمُ أَبِيهِ كَيْسَانُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 عن أبي معمر الأردي، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يجزئ صلاة من لايقيم الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حديث حسن صحيح، انتهى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ شَيْبَانُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ خَرَجَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَصَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَحَ بِمُؤَخِّرِ عَيْنِهِ إلَى رَجُلٍ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! إنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَالْعِجْلِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعًا وَلَا سُجُودًا، فَلَمَّا انصرف من صلاته دَعَاهُ حُذَيْفَةُ، فَقَالَ لَهُ: مُنْذُ كَمْ صَلَّيْت هَذِهِ الصَّلَاةَ، قَالَ: صَلَّيْتهَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْت لِلَّهِ صَلَاةً، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَوْ مِتّ مِتّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَجَدَ، وَادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ، قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ السُّجُودَ، فَسَجَدَ، فَادَّعَمَ عَلَى كَفَّيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ،
__________
1 البخاري في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم ص 105، ومسلم في باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ص 170، والنسائي في فرض التكبيرة الأولى ص 141، والترمذي في باب وصف الصلاة ص 40.
2 أبو داود في باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع ص 131، وبهذا الباب في الترمذي: ص 36، والنسائي في باب إقامة الصلب في الركوع ص 158، وص 167، وابن ماجه في باب الركوع في الصلاة ص 63، والدارقطني في باب لزوم إقامة الصلب في الركوع والسجود ص 133، والبيهقي في باب الطمأنينة في الركوع ص 88 - ج 2.
3 في باب الركوع في الصلاة ص 63.
4 في ثلاثة مواضع: منها في باب إذا لم يتم الركوع ص 109، وفي كلها: ما صليت، عوض: منذ كم صليت؟ وليس فيها: دعاه حذيفة، والله أعلم.(1/380)
وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ: أَنَّهُ وَصَفَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي تَوْبَةَ عَنْ شَرِيكٍ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٌ عَنْ شَرِيكٍ بِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالْبَيْهَقِيُّ2 وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَجَدَ، وَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ إلَّا مُفَرَّقًا، فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ3 صَدْرَهُ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ بَاقِيَهُ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: رَمَقْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ4 وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ بِهِ، وَلَفْظُهُ: كَانَتْ يَدَاهُ حَذْوَ أُذُنَيْهِ، وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ5 فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، أَخْرَجَهُ عَنْ فُلَيْحِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُمَا: كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ: وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ، وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ، فَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ فَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَأَبُو دَاوُد. وَيَحْيَى الْقَطَّانُ. وَالسَّاجِيُّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَيُكْتَبُ كَلَامُ الذَّهَبِيِّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ يُرْشِدُ إلَى مَذْهَبِنَا، قَالَ: مَنْ وَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَانَتْ يَدَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ6 عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، أَيْنَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ جَبْهَتَهُ إذَا صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ كَفَّيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ7 مَنْ ذَهَبَ فِي رَفْعِ
__________
1 في باب صفة السجود ص 137، والنسائي أيضاً في باب صفة السجود ص 166، والطحاوي: ص 136.
2 ص 115 - ج 2.
3 في باب وضع اليمنى على اليسرى ص 173.
4 ص 151 كلا طرفيه مفرقاً.
5 لم أطلع على هذه الرواية في البخاري لكنه في أبي داود في باب افتتاح الصلاة ص 114، من رواية فليح بن عباس عن أبي حميد، والترمذي في باب السجود على الجبهة والأنف ص 36، والطحاوي: ص 151 مع مغايرة يسيرة، وبدون: لما، وكذا البيهقي: ص 112 - ج 2.
6 ص 105، والترمذي في باب أين يضع الرجل وجهه إذا سجد ص 37، وقال: حسن غريب.
7 قلت: ما قال الطحاوي هو معنى حديث وائل عند ابن جارود في باب صفة صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 107، قال: فوضع رأسه بين يديه على مثل مقدارهما حين افتتح الصلاة، اهـ.(1/381)
الْيَدَيْنِ إلَى أَنَّهُمَا يَكُونَانِ حِيَالَ الْمَنْكِبَيْنِ، يَقُولُ بِهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمَا يَكُونَانِ حِيَالَ الْأُذُنَيْنِ، يَقُولُ بِهِ أَيْضًا فِي السُّجُودِ، وَلَمْ يُجِبْ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِشَيْءٍ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَاظَبَ عَلَى السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ1 فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: ثُمَّ سَجَدَ، فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ2. وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ من حديث الحجاج بن عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ3 قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ مَعَ جَبْهَتِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ أَبِي قُتَيْبَةَ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يُصِيبُ الجبين"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ سُفْيَانَ. وَشُعْبَةَ إلَّا أَبُو قُتَيْبَةَ، وَالصَّوَابُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ في التحقيق: وأبو قُتَيْبَةَ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ، وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الضحاك بن حمزة عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ لَمْ يَلْصَقْ أَنْفَهُ مَعَ جَبْهَتِهِ بِالْأَرْضِ إذَا سَجَدَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ"، وَأَعَلَّهُ بالضحاك بن جمرة، أَسْنَدَ إلَى النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
__________
1 لم أفز برواية البخاري، لكنه في أبي داود في باب افتتاح الصلاة ص 114، وتقدم نحوه في ص 375 عزا إلى البخاري. ولم أجد، وتبع الحافظ ابن حجر في الدراية ص 80 الزيلعي وعزاه للبخاري، وخالفه في التلخيص فعزاه لابن خزيمة، وقال: رواه أبو داود، دون قوله: من الأرض.
2 في باب السجود على الجبهة والأنف ص 36.
3 عبد الجبار، ولم يسمع من أبيه شيئاً.
4 ص 133، وقال في الزوائد: ص 126 - ج 2: عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "من لم يلزق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته"، رواه الطبراني في الكبير - والأوسط ورجاله موثقون، اهـ. وأخرجه الحاكم في المستدرك ص 270 - ج 1، وقال: صحيح على شرط البخاري، وقال: قد وقفه شعبة بن عاصم، ثم أخرج حديث شعبة عن عاصم موقوفاً بالإسناد الأول المرفوع، إلا أنه شعبة، بدل: سفيان.(1/382)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَاشِبِ بْنِ عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ثَنَا مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ تُصَلِّي، وَلَا تَضَعُ أَنْفَهَا بِالْأَرْضِ، فَقَالَ: "يَا هَذِهِ! ضَعِي أَنْفَك بِالْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَا صلاة لمن لم يَضَعُ أَنْفَهُ بِالْأَرْضِ مَعَ جَبْهَتِهِ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَنَاشِبٌ ضَعِيفٌ، وَلَا يَصِحُّ مُقَاتِلٌ عَنْ عُرْوَةَ، انْتَهَى. لَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ إلَّا الْأَوَّلُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ. وَالْيَدَيْنِ. وَالرُّكْبَتَيْنِ. وَأَطْرَافِ القدمين"، انتهى. وفل لَفْظٍ لَهُمْ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْجَدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، فَذَكَرَهَا، قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَالْمَذْكُورُ فِيمَا رُوِيَ الْوَجْهُ فِي الْمَشْهُورِ، قُلْت: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ. وَكَفَّاهُ. وَرُكْبَتَاهُ. وَقَدَمَاهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَعْدٌ. وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَغَيْرُهُمْ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: آرَابٌ، إلَّا الْعَبَّاسُ، انْتَهَى. قُلْت: قَالَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْهُ مَرْفُوعًا: " أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ، وَرُبَّمَا قَالَ: أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ"، انْتَهَى. وَقَالَهَا سَعْدٌ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ4 وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ
__________
1 البخاري في باب السجود على سبعة أعظم ص 112، ومسلم في باب أعضاء السجود ص 193، واللفظ له، وأبو داود في باب أعضاء السجود ص 136، والنسائي في باب السجود على اليدين ص 166، والترمذي في باب السجود على سبعة أعضاء ص 37، وابن ماجه في باب السجود ص 63.
2 الترمذي في باب السجود على سبعة أعضاء ص 37، وابن ماجه في باب السجود ص 64 والنسائي في باب السجود على القدمين ص 165، وص 166، وأبو داود في باب أعضاء السجود ص 136، والطحاوي: ص 150، وحديث عباس صححه أبو حاتم، ذكر ابنه في العلل ص 75.
3 قلت: والذي في المستدرك ص 227 من أنه أخرج حديث ابن عمر في الباب، ثم صححه على شرطهما، ثم قال: إنما اتفقا على حديث محمد بن إبراهيم التيمي عن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: "إذا سجد العبد سجد معه سبعة أعظم" الحديث، اهـ: يستدل منه أنه لم يخرج حديث عباس في المستدرك لأنه يظن أن حديث عباس أخرجاه في الصحيحين، والله أعلم.
4 من طريق عامر بن سعد عن أبيه، وهو وهم، وإنما رواه عامر عن العباس، كذا في الدراية ص 80، وفيه موسى بن محمد بن حيان، ضعفه أبو زرعة، وضبطه الذهبي بالجيم زوائد ص 124 - ج 1.(1/383)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ على سبعة آراب" أيضاً، فَذَكَرَهَا بِلَفْظِ السُّنَنِ، وَزَادَ: أَيُّهَا لَمْ يَضَعْهُ فَقَدْ انْتَقَصَ، انْتَهَى. وَأَخْطَأَ الْمُنْذِرِيُّ إذا عَزَا فِي مُخْتَصَرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِمَا لَفْظَةُ: الْآرَابِ أَصْلًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْعَبَّاسِ: إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ عَزَاهُ جَمَاعَةٌ إلَى مُسْلِمٍ: مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ. وَالْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1. وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ - وَفِي التَّحْقِيقِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَفْظَةَ الْآرَابِ فِي مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَى أَلْفَاظِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ. وَالْمُوَطَّأِ، فَأَنْكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: قَوْلُهُ عليه السلام: "سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ"، قَالَ الْهَرَوِيُّ: الْآرَابُ الْأَعْضَاءُ، وَاحِدُهَا: أَرَبٌ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمْ تفقع عِنْدَ شُيُوخِنَا فِي مُسْلِمٍ، وَلَا هِيَ فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْنَا، وَاَلَّتِي فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ سَبْعَةُ أَعْظُمٍ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ أَحَدَهُمْ سَبَقَ بِالْوَهْمِ، فَتَبِعَهُ الْبَاقُونَ، وَهُوَ مَحَلُّ اشْتِبَاهٍ، فَإِنَّ الْعَبَّاسَ يَشْتَبِهُ بِابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَبْعَةُ آرَابٍ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعَةِ أَعْظُمٍ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ2 بن محرّر. أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، قال ابن محرر: وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ محرر ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ3 - فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْحَافِظُ الصُّوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا لَاحِقُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَيْرُوزَ الْمِصْرِيُّ ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ عَنْ أبيه آدم بْنِ مَنْصُورٍ الْعِجْلِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، انْتَهَى.
__________
1 أخرج البيهقي حديث العباس ص 101 - ج 2، وقال في آخره: رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة.
2 عبد الله بن محرر براء مكررة واهٍ دراية ص 81، وقال ابن أبي حاتم في العلل ص 175: قال أبي: هذا حديث باطل، وابن محرر، ضعيف الحديث.
3 أخرجه أبو نعيم ص 81، وإسناده ضعيف.(1/384)
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمَوَيْةَ الْجَوْهَرِيُّ الْأَهْوَازِيُّ ثَنَا مَعْمَرُ بْنُ سُهَيْلٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ1 عَنْ فَائِدٍ أَبِي الْوَرْقَاءِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. وَضُعِّفَ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ الْجُعْفِيُّ، مِنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْعِلَلُ4 حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ بكير بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ سِيَاهٍ ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ5 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ فِي فَوَائِدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْحُصَيْنِ الطَّرَسُوسِيُّ ثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدِ ثَنَا سُوَيْد6 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ7 عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ، وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى عِمَامَتِهِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ، انْتَهَى.
وَلِلْخَصْمِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عن صالح بن حيوان السَّبَائِيِّ8 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسْجُدُ إلَى
__________
1 في نسخة سعد قال في الزوائد ص 135 - ج 2: سعيد بن عنبسة، إن كان الرازي، فهو ضعيف، وإن كان غيره، فلا أعرفه، اهـ.
2 قلت: وفائد بن عبد الرحمن الكوفي أبو الورقاء العطار متروك، اتهموه، تقريب.
3 ضعف عمرو بن شمر، وجابر الجعفي كذاب فتح القدير ص 214 - ج 1.
4 ص 187 قال: حديث منكر، وحسان بن سياه ضعيف.
5 قال في الزوائد ص 126، عن كثير بن سليم، قال: رأيت أنس بن مالك يسجد على عمامته، رواه الطبراني في الكبير، وكثير بن سليم ضعيف.
6 سويد بن عبد العزيز واه دراية ص 81.
7 ص 106 - ج 2.
8 في نسخة السامي وحيوان بالمعجمة، ويقال: بالمهملة والسبائي بفتح المهملة، والموحدة مقصوراً، كذا في التقريب.(1/385)
جَنْبِهِ، وَقَدْ اعْتَمَّ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَبْهَتِهِ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الحق: صالح بن حيوان لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، مَنْ قَالَ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ فَقَدْ أَخْطَأَ، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ حُجَّةٌ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا قَدْ جَاوَزَ الْمِقْدَارَ، قَالَ: وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، مَدِينِيٌّ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثوبه، فسجد عليه، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ2 فِيهِ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: قال عليه السلام: "وابدأ ضَبْعَيْك"، قُلْت: قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَيُرْوَى وَأُبِدَّ مِنْ الإِبداء، وَهُوَ الْمَدُّ، وَالْأَوَّلُ مِنْ الإِبداء، الْإِظْهَارُ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَا أُصَلِّي لَا أَتَجَافَى عَنْ الْأَرْضِ بِذِرَاعِي، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا تَبْسُطْ بَسْطَ السَّبُعِ. وَادَّعِمْ عَلَى رَاحَتَيْك، وَأُبْدِ ضَبْعَيْك، فَإِنَّك إذَا فَعَلْت ذَلِكَ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْك، انْتَهَى. وَرَفَعَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، بِلَفْظِ: وَجَافِ عَنْ ضَبْعَيْك، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3، وَصَحَّحَهُ كِلَاهُمَا بِتَمَامِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَا تَبْسُطْ بَسْطَ السَّبُعِ"، إلَى آخِرِهِ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى، حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ
__________
1 البخاري في التهجد - في باب بسط الثوب في الصلاة للسجود ص 161 ومسلم في باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت واللفظ لهما، إلا أنهما قالا: أحدنا.
2 هذا اللفظ له في باب السجود على الثوب في شدة الحر ص 56، في كتاب - بعد كتاب التيمم.
3 ص 227.(1/386)
أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى، حَتَّى لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ أَنْ تَمُرَّ تَحْتَ يَدَيْهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَقَالَا فِيهِ: بَهِيمَةٌ بِالْيَاءِ، وَرَأَيْت عَلَى الْبَاءِ ضَمَّةً بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ، تَصْغِيرُ بَهْمَةٍ، وهو الصواب، وفتح الْبَاءِ فِيهِ خَطَأٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ2 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ فِيهِ: بَهِيمَةٌ يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ بِلَفْظِ بَهِيمَةٍ وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَالْبَهْمُ: بِفَتْحِ الْبَاءِ صِغَارُ أَوْلَادِ الضَّأْنِ. وَالْمَعْزِ، وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى أَوْلَادِ الضَّأْنِ، وَخَصَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَوْلَادِ الْمَعْزِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْبَهْمَةُ تَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَفِي قَوْلِهِ عليه السلام لِلرَّاعِي: "مَا وَلَدَتْ؟ " قَالَ: بَهْمَةٌ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلْأُنْثَى، وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ الِاسْتِنْثَارِ، مِنْ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، وَفِيهِ قصة، في الصَّحِيحَيْنِ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُو بَيَاضُ إبْطَيْهِ، انْتَهَى. وَلِأَبِي دَاوُد4 عَنْ أَحْمَرَ بْنِ جَزْءٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، حَتَّى نَأْوِيَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "إذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ، فَلِيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ"، قُلْت: غَرِيبٌ، اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَوْجِيهِ أَصَابِعِ الرَّجُلِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ الْقَاسِمِ بن محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الله بن عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ5 أَنْ يَنْصِبَ الْقَدَمَ
__________
1 في باب الاعتدال في السجود ص 194، وقوله: جافى، ملفق من طريق أخرى.
2 وكذا في السنن ص 114 - ج 2.
3 البخاري في باب يبدي ضبعيه ص 56، ومسلم في باب الاعتدال في السجود ص 192.
4 في باب صفة السجود ص 137، وأحمد: ص 31 - ج 5.
5 قد سها الحافظ المخرج في إسناد هذا الحديث، فإن هذا الحديث له إسناد آخر غير هذا الذي ذكره، صورته هكذا: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا إسحاق بن بكر، قال: حدثني أبي عن عمرو بن الحارث عن يحيى أن القاسم حدثه عن عبد الله، وهو ابن عبد الله بن عمر عن عمر عن أبيه،، قال: سنة الصلاة، الحديث.
وأما الإسناد الذي ذكر الحافظ المخرج، فهو لحديث آخر قبل هذا الحديث في باب كيف الجلوس للتشهد الأول وصورته هكذا: إن من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى، اهـ. فنبا نظره رحمه الله من إسناد إلى آخر لاتحاد أكثر رواتهما، وفيه سهو آخر، وهو أنه ترك يحيى، وهو فيه، ولعله من الناسخين، والله أعلم، راجع النسائي: ص 173 - ج 1.(1/387)
الْيُمْنَى وَاسْتِقْبَالَهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ، وَالْجُلُوسَ عَلَى الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ الِاسْتِقْبَالِ بِأَطْرَافِ الْقَدَمِ الْقِبْلَةَ عِنْدَ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ كُنْت أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضَهُمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى" تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ يَعْنِي فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ،
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا2، قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ، لِمَا رَوَيْنَا، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: "ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَسْتَوِيَ جَالِسًا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُمْ فِيهِ: ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ: ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ: حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيثُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا4 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ إلَى مَسْجِدِنَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لِأُصَلِّيَ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، قَالَ: فَقَعَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْآخِرَةِ، قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْت لِأَبِي قِلَابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلُ شَيْخِنَا هَذَا، وَكَانَ الشَّيْخُ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ
__________
1 في باب سنة الجلوس للتشهد ص 114.
2 قال في الدراية: لم أجده، اهـ.
3 في باب من استوى قاعداً في وتر من صلاته، ثم نهض ص 113.
4 البخاري في باب من صلى بالناس، وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 93.(1/388)
فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد1 فِيهِ: وَالشَّيْخُ هُوَ إمَامُهُمْ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ خَالِدِ بْنِ إيَاسٍ عن صالح مولى التوءَمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَخَالِدُ بْنِ إيَاسٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ إلْيَاسَ، ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِخَالِدٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدَ. وَابْنِ مَعِينٍ، قَالَ: وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَالْأَمْرُ الَّذِي أُعِلَّ بِهِ خَالِدٌ هُوَ مَوْجُودٌ فِي صَالِحٍ، وَهُوَ الِاخْتِلَاطُ، قَالَ: فَإِذَنْ لَا مَعْنَى لِتَضْعِيفِ الْحَدِيثِ بِخَالِدٍ، وَتَرْكِ صَالِحٍ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ اخْتِلَاطَ صَالِحٍ، وَاعْتِبَارَ قَدِيمِ حَدِيثِهِ مِنْ حَدِيثِهِ، وَخَالِدٌ لَا يَعْرِفُ مَتَى أَخَذَ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي التَّحْقِيقِ - لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، قَالَ أَحْمَدُ: خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَلَمْ يَجْلِسْ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَذَا عَنْ عُمَرَ، وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ. وَعَلِيٌّ. وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ. وَأَخْرَجَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عباس، قَالَ: أَدْرَكْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إذَا رَفَعَ أَحَدُهُمْ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى. وَالثَّالِثَةِ نَهَضَ كَمَا هُوَ، وَلَمْ يَجْلِسْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ ابْنِ عباس، عن ابن عمر، وأخرجه الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَجْلِسُ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ السُّجُودَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ. وَابْنَ عَبَّاسٍ. وَابْنَ الزُّبَيْرِ. وَأَبَا سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ يَقُومُونَ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ: هُوَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحٌ، وَعَطِيَّةُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ
__________
1 في باب النهوض في الفرد ص 129، وهذا اللفظ في البخاري أيضاً ص 114.
2 في باب بعد باب كيف النهوض من السجود ص 38.(1/389)
مَوَاطِنَ: تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ. وَتَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ. وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ، وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ فِي الْحَجِّ"،
قُلْتُ: غَرِيبٌ بهذا الفظ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِنَقْصٍ وَتَغْيِيرٍ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "لا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ. وَحِينَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ. وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الصَّفَا. وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الْمَرْوَةِ. وَحِينَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ عشية عرفة. ويجمع. وَالْمَقَامَيْنِ حِينَ2 يَرْمِي الْجَمْرَةَ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ3 أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ أَبُو يَزِيدَ الْجَرْمِيِّ ثَنَا سَيْفُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَنَا وَرْقَاءُ4 عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "السُّجُودُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ: الْيَدَيْنِ. وَالْقَدَمَيْنِ. وَالرُّكْبَتَيْنِ. وَالْجَبْهَةِ. وَرَفْعُ الْأَيْدِي إذَا رَأَيْت الْبَيْتَ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَبِعَرَفَةَ. وَعِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ. وَإِذَا قُمْتَ لِلصَّلَاةِ"، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْأَوَّلَ مُعَلَّقًا فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ5، فَقَالَ: وَقَالَ وَكِيعٌ6: عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ. وَفِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَبِعَرَفَاتٍ. وَبِجَمْعٍ. وَفِي الْمَقَامَيْنِ. وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ"، ثُمَّ قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَغَيْرُ مَحْفُوظٍ، لِأَنَّ أَصْحَابَ نَافِعٍ خَالَفُوا، وَأَيْضًا فَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، وَتَكْبِيرِ الْقُنُوتِ، وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي، لَا يَمْنَعُ رَفْعَهُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ السَّبْعَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ. وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ. وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَالْمَوْقِفَيْنِ. وَعِنْدَ الْحَجَرِ"،
__________
1 قال الهيثمي في الزوائد ص 238 - ج 3: وفي الإسناد الأول محمد بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ، وحديثه حسن إن شاء الله تعالى، وفي الثاني عطاء بن السائب، وقد اختللط، اهـ. قلت: ورقاء من أقران شعبة، وسماع شعبة عن عطاء بن السائب قديم صحيح، على أنه قال ابن حبان: اختلط بآخره، ولم يفحش حتى يستحق أن يعدل به عن مسلك العدول، اهـ.
2 في نسخة حتى - حاشية الطبع القديم.
3 في الجامع الصغير للسيوطي وإذا أقيمت الصلاة، قال شارحه العزيزي: قال الشيخ: الحديث صحيح، اهـ. نيل الفرقدين ص 118.
4 ورقاء: صدوق، في حديثه - عن منصور - لين تقريب.
5 ص 20.
6 قلت: قال البخاري: قال وكيع: عن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، ثم قال: وعن ابن أبي ليلى عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ترفع الأيدي" الحديث، حديث ابن عمر لعله سقط من الناسخ، ولأجله لا يظهر ربط قوله، لأن أصحاب نافع خالفوا، اهـ. بما قبله، والله أعلم.(1/390)
انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مَوْقُوفًا، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، وَإِنَّمَا قَالَ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي، وَلَمْ يَقُلْ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْتُ: رَوَاهُ مَوْقُوفًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ. وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَفِي جَمْعٍ. وَفِي عَرَفَاتٍ. وَعِنْدَ الْجِمَارِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ. وَإِذَا جِئْتَ مِنْ بَلَدٍ. وَإِذَا رَأَيْتَ الْبَيْتَ. وَإِذَا قُمْتَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَبِعَرَفَاتٍ. وَبِجَمْعٍ. وَعِنْدَ الْجِمَارِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ افتتاح الصلاة. واستقبال القبلة. وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَالْمَوْقِفَيْنِ. وَالْجَمْرَتَيْنِ"، وَبِإِسْنَادِهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ. وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَبِعَرَفَاتٍ. وَبِجَمْعٍ. وَفِي الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: تَفَرُّدُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَتَرْكُ الاحتجاج به. وثانيهما: رِوَايَةُ وَكِيعٍ عَنْهُ بِالْوَقْفِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَوَكِيعٌ أَثْبَتُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَثَالِثُهَا: رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَبَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَقَدْ أَسْنَدَاهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ شُعْبَةَ، قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْهَا. وَخَامِسُهَا: عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: إنَّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِيهَا، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ صَحِيحًا، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالرَّفْعِ فِي غَيْرِهَا كَثِيرًا: مِنْهَا الِاسْتِسْقَاءُ. وَدُعَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَفْعُهُ عليه السلام يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ، وَأَمْرُهُ بِهِ، وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رَفْعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ. وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ. وَبِجَمْعٍ. وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ. وَعَلَى الْمَيِّتِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ(1/391)
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرَّةً مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا، وَمَرَّةً مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ ذِكْرِ الْمَيِّتِ، قَالَ: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى1 هَذَا غَيْرُ قَوِيٍّ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ2 أَنَّهُ حَمَلَ مَا رُوِيَ مِنْ الرَّفْعِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلَفْظُهُ فِي الْكِتَابِ: والذي يروى عن الرَّفْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه.
قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، فَقَالَ: وَزَعَمَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّفْعِ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثَيْنِ: رَوَوْا أَحَدَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا رَكَعَ، وَكُلَّمَا رَفَعَ، ثُمَّ صَارَ إلَى افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَالثَّانِي: رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: مَهْ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، قَالَ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لا يرفعان أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّيِّ أنه رأى الزُّبَيْرِ - وَصَلَّى بِهِمْ - يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ. وَحِينَ يَرْكَعُ. وَحِينَ يَسْجُدُ، قَالَ: فَذَهَبْتُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَدِ بِصَلَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَى النَّسْخِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الْمَنْسُوخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ - لِلشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ4 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: إنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّهْوِ، كَبَعْضِ مَا يَسْهُو الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَدَعُ مَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ طَاوُسٍ. وَسَالِمٍ. وَنَافِعٍ. وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ. وَأَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَلَوْ صَحَّتْ رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ لَكَانَتْ رِوَايَةُ هَؤُلَاءِ أَوْلَى، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَاتِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
__________
1 ابن أبي ليلى هذا، هو: محمد بن أبي ليلى ثقة، في حفظه شيء، قاله الدارقطني في سننه ص 46.
2 ابن الزبير، إذا أطلق يراد به عبد الله، وحديثه لم يوجد، فلعل المصنف أراد به عباد بن الزبير الآتي حديثه فيما بعد، والله أعلم.
3 في باب افتتاح الصلاة ص 115.
4 البخاري في باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع ص 102، ومسلم في باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، مع تكبيرة الإحرام، ص 168.(1/392)
أَحَادِيثُ أَصْحَابِنَا: مِنْهَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 وَاعْتَرَضَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي وَضَعَهُ2 فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَدِيثِ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نَرْفَعُ أَيْدِيَنَا فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ"، وَهَذَا إنَّمَا كَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا فِي الْقِيَامِ، فَفَسَّرَهُ رِوَايَةُ عَبْدُ اللَّهُ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ، فَقَالَ: "مَا بال هؤلاء يؤمنون بأيديهم، كأنه أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟!، إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ شِمَالِهِ"، انْتَهَى. وَهَذَا قَوْلٌ مَعْرُوفٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لَكَانَ الرَّفْعُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَيْضًا مَنْهِيًّا عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ رَفْعًا دُونَ رَفْعٍ، بَلْ أَطْلَقَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ هَذِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ3، قَالَ: "مَا بَالُ هَؤُلَاءِ يُسَلِّمُونَ بِأَيْدِيهِمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! "، الْحَدِيثَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُمَا حَدِيثَانِ4 لَا يُفَسَّرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، كَمَا جَاءَ
__________
1 في باب الأمر بالسكوت في الصلاة ص 181، وأبو داود في باب السلام ص 150، والطحاوي: ص 265 في باب الإشارة في الصلاة، وأحمد: ص 93 - ج 5، وص 101 - ج 5، و: ص 107 - ج 5.
2 جزء رفع اليدين: ص 13.
3 في باب السلام بالأيدي في الصلاة ص 176.
4 قلت: سياق الحديثين ظاهر في أن أحدهما: ورد في غير ما ورد فيه الآخر، ولا يمكن أن يكون أحدهما تفسيراً للآخر، لأن الحديث الأول: وهو قوله عليه السلام "أسكنوا في الصلاة" ورد في رفعهم في الصلاة، روى النسائي: ص 176 عن جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن رافعو أيدينا في الصلاة، بخلاف الحديث الثاني: "إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه، ولا يومي بيده"، لأن رفعهم كان عند السلام، وهي حالة الخروج من الصلاة.
والثاني: أن في الحديث الأول كان خروجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البيت، ولم يكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم في تلك الصلاة، روى أحمد في مسنده ص 93 - ج 5 من حديث جابر أنه عليه السلام دخل المسجد فأبصر قوماً قد رفعوا أيديهم، الحديث، بخلاف الحديث الثاني، فإن رفعهم فيه كان خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقوله: كنا إذا صلينا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلنا: السلام عليكم.
الثالث: أن الحديث الأول يدل على أن الرفع كان فعل قوم مخصوصين من المصلين، وهم الذين كانوا إذ ذاك يتنفلون في المسجد، سواء فعل جميع المصلين أو بعضهم، سوى الذين لم يكونوا إذا ذاك في الصلاة، بخلاف الحديث الثاني، فإن الرفع الذي نهى عنه عليه السلام في هذا الحديث كان فعل جميعهم.
والرابع: أن الحديث الثاني يدل على أن رفعهم كان كرفع المصافح عند السلام، ولا يمكن أن يكون هذا هو الرفع في الحديث الأول، لأنهم كانوا فرادى.(1/393)
فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا النَّاسُ رَافِعِي أَيْدِيهِمْ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أيديكم، كأنه أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ"، وَاَلَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ، إنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لمن يرفع يديه أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ حَالَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا فِي وَقْتٍ، كَمَا شَاهَدَهُ، وَرَوَى الْآخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ، كَمَا شَاهَدَهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُعْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَصَلَّى، فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَعَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ أَيْضًا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَعَلْقَمَةُ، فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأُمُورٍ: - مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ2، قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ،
__________
= الخامس: أن الحديث الأول ورد على الرفع، ونهى عنه بلفظ عام، أي اسكنوا في الصلاة بخلاف الثاني، فإنه ورد في الإشارة والإيماء، ونهى عنه بلفظ يختص بحالة السلام.
1 أبو داود في باب من لم يذكر الرفع عند الركوع ص 116، والترمذي في باب رفع اليدين عند الركوع ص 35، والنسائي في باب ترك رفع اليدين للركوع ص 158، وفي باب الرخصة في ذلك ص 161، وأحمد: ص 442 - ج 1.
2 اعلم أن قول ابن المبارك هذا أوقع كثيراً من أهل الحديث في مغلطة، وظنوا أن حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي وحسنه هو الذي قال فيه ابن المبارك: لم يثبت، وهذا ليس بصحيح، لأن الحديث الذي قال فيه ابن المبارك، هو الذي ذكره الترمذي تعليقاً: إنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة، ولفظه عند الطحاوي: أنه عليه السلام كان يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود، هذا الحديث هو الذي يحكي فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولاً يدل على السلب الكلي المناقض للايجاب الجزئي، الذي يثبته حديث ابن عمر، وهذا الحديث رواه الطحاوي في شرح الآثار ص 132، والدارقطني: ص 111، وغيرهما، ولفظه عند الدارقطني عن عبد الله، قال: صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع أبي بكر ومع عمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند التكبيرة الأولى في افتتاح الصلاة، وهذا إن ثبت يناقض حديث ابن عمر، فلهذه النكتة أورده الترمذي عقيب حديث ابن عمر، وضعفه، ولم يورده بعد حديث ابن مسعود الذي رواه من فعله، وأما الحديث الذي حكى به ابن مسعود فعله عليه السلام، بفعله، فهو الذي رواه الترمذي وحسنه، وابن حزم في المحلى ص 88 - ج 4 وصححه. وأحمد. وغيرهم، وهذا لا يعارض حديث ابن عمر، وهو ثابت عند الترمذي، وبين الحديثين بون بائن، وقع في الاشتباه من لم يعط النظر حقه، فجر قول ابن المبارك إلى الحديث الفعلي، وهذا أبعد عن سواء الطريق، وهذا واضح لا سيما في النسخة - التي أفرد فيها بعد قول ابن المبارك باب من لم يرفع يديه إلا في أول مرة كما في نسخة عبد الله بن سالم البصري شيخ الشيخ الشاه ولي الله الدهلوي، الموجودة في =(1/394)
وَثَبَتَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَفَعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْمُبَارَكِ: لَمْ يَسْمَعْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عَلْقَمَةَ، انْتَهَى.
وَمِنْهَا تَضْعِيفُ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ: عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ لم يخرج حديثه الصَّحِيحَ، وَكَانَ يَخْتَصِرُ الْأَخْبَارَ فَيُؤَدِّيهَا بِالْمَعْنَى، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ، ثُمَّ لَا يَعُودُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ فِي الْخَبَرِ، انْتَهَى. وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَدَمُ ثُبُوتِ الْخَبَرِ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ لَا يَمْنَعُ مِنْ النَّظَرِ فِيهِ، وَهُوَ يَدُورُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، قَالَ: وَقَوْلُ شَيْخِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُنْذِرِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يَسْمَعْ عبد الرحمن من عَلْقَمَةَ، فَغَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ، وَقَدْ تَتَبَّعْت هَذَا الْقَائِلَ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَلَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَرَاسِيلِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَقَالَ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ. وَعَلْقَمَةَ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ: إنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، وَكَانَ سِنُّهُ سِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، فَإِذَا كَانَ سِنُّهُ سِنَّ النَّخَعِيّ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ سَمَاعِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى سَمَاعِ النَّخَعِيّ مِنْهُ؟! وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ - فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَن هَذَا، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ. وَعَلْقَمَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ وَكِيعٍ لَا يَصِحُّ، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا النُّكْرُ فِيهِ عَلَى وَكِيعٍ زِيَادَةُ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، وَقَالُوا: إنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَتَارَةً لَمْ يَقُلْهَا، وَتَارَةً أَتْبَعَهَا الْحَدِيثَ، كَأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، إلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَغَيْرُهُ، وَقَدْ اعْتَنَى الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ بِتَضْعِيفِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْتُ: قَدْ تَابَعَ وَكِيعًا عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَأَيْضًا، فَغَيْرُ ابْنِ الْقَطَّانِ يَنْسُبُ الْوَهْمَ فِيهَا لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ لَا لِوَكِيعٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ: نَظَرْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، قَالَ الْبُخَارِيُّ:
__________
= مكتبة بير جهندا - بالسند وفي نسخة الشيخ عبد الحق كما في شرح سفر السعادة ثم أورد بعدها حديث ابن مسعود وحسنه، وذكر من عمل به، وهذا هو الموافق لعادة الترمذي، أنه إذا كان في مسألة اختلاف بين الحجازيين والعراقيين يورد مستدلهما، في أبواب متعاقبة، والله أعلم.(1/395)
وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّ الْكِتَابَ أَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، انْتَهَى. فَجَعَلَ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ سُفْيَانَ، لِأَنَّ ابْنَ إدْرِيسَ خَالَفَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ1: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَكَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، يُقَالُ: وَهَمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ، فَطَبَّقَ، وَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ أحمد مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ، انْتَهَى. فَالْبُخَارِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ جَعَلَا الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ سُفْيَانَ. وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَغَيْرُهُ يَجْعَلُونَ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ وَكِيعٍ، وَهَذَا اخْتِلَافٌ يُؤَدِّي إلَى طَرْحِ الْقَوْلَيْنِ، وَالرُّجُوعِ إلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِوُرُودِهِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ تَضْعِيفُ عَاصِمٍ2، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ، قَالَ فِيهِ: ثِقَةٌ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ: إنَّ حَدِيثَهُ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْهَدْيِ، وَحَدِيثُهُ عَنْهُ عَنْ عَلِيٍّ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ. وَاَلَّتِي يَلِيهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ التَّخْرِيجُ عَنْ كُلِّ عَدْلٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ هُوَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ، وَقَالَ: هُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يُخَرَّجْ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحِ، أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ، وَإِلَّا لَفَسَدَ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ كُلُّهُ مِنْ كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرِكِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ لِلْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا. وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَغَيْرُ حَمَّادٍ يَرْوِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ فِعْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سلمة عن أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ4، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَرَ
__________
1 ص 96.
2 قال ابن معين. والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح، وقال أبو داود: وكان من العباد، وذكر فضله، قال: وكان أفضل أهل الكوفة، وذكره ابن حبان في الثقات، قال أحمد بن صالح المصري: يعد في وجوه الكوفيين الثقات، وفي موضع آخر: هو ثقة مأمون، وقال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد، وقال ابن سعد: كان ثقة يحتج به، وليس بكثير الحديث، قال أحمد: لا بأس بحديثه، كذا في التهذيب.
3 ص 112، والبيهقي: ص 79 - ج 2.
4 في نسخة هو المحفوظ - حاشية الطبع القديم.(1/396)
ابْنَ مَسْعُودٍ، وَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ تَكَلَّمَ فِيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ يَسْرِقُ الحديث من كلم مَنْ يُذَاكِرُهُ، حَتَّى كَثُرَتْ الْمَنَاكِيرُ وَالْمَوْضُوعَاتُ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ الشَّيْخُ: أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ كَانَ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ مِنْ كُلِّ مَنْ يُذَاكِرُهُ، فَالْعِلْمُ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مُتَعَذِّرٌ، وَأَمَّا إنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ، فَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَدِيٍّ: كَانَ إسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ يُفَضِّلُ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ عَلَى جَمَاعَةِ شُيُوخٍ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَأَوْثَقُ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الْكِبَارِ: أَيُّوبُ. وَابْنُ عَوْنٍ. وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ. وَالثَّوْرِيُّ. وشعبة. ابن عُيَيْنَةَ. وَغَيْرُهُمْ، وَلَوْلَا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُوَ دُونَهُمْ، وَقَدْ خُولِفَ فِي أَحَادِيثَ، وَمَعَ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَمِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ ميعن: ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَمِنْ النَّاسِ الْقَائِلِينَ بِالرَّفْعِ مَنْ سَلَكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا مَسْلَكَ الْبَحْثِ وَالْمُنَاظَرَةِ، فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ مَسْعُودٍ نَسِيَ الرَّفْعَ فِي غَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، كَمَا نَسِيَ فِي التَّطْبِيقِ. وَغَيْرِهِ، وَاسْتَبْعَدَ أَصْحَابُنَا هَذَا مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَحَدَّثَهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: صَلَّيْنَا فِي مَسْجِدِ الْحَضْرَمِيِّينَ، فَحَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا سَجَدَ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: مَا أَرَى أَبَاهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ، فَحَفِظَ عَنْهُ ذَلِكَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لم يحفظه، إنما رَفَعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ: أَحَفِظَ وَائِلٌ، وَنَسِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ؟! وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَزَادَ فِيهِ: فَإِنْ كَانَ رَآهُ مَرَّةً يَرْفَعُ، فَقَدْ رَآهُ خَمْسِينَ مَرَّةً لَا يَرْفَعُ، انْتَهَى. ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ2: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْحَاقَ، هَذِهِ عِلَّةٌ لَا يُسَاوَى سَمَاعُهَا، لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَنْ الخلفاء الراشدين، ثم الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ فِي نِسْيَانِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِذَلِكَ مَا يُسْتَغْرَبُ3
__________
1 الدارقطني: ص 109 والبيهقي: ص 81 - ج 2، والطحاوي: ص 132.
2 هو ابن عبد الهادي، تبع البيهقي كما في سننه ص 81 - ج 2، وهو تابع في ذلك أبا بكر بن إسحاق، وهو أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري، الإمام الجليل الضبعي، أحد الأئمة، الجامعين بين الفقه والحديث طبقات الشافعية ص 81 - ج 2.
3 قوله: وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب
أقول: ليس في نسيان ابن مسعود ولا غيره ما يستغرب، لأنه شيء ورثه ابن آدم من أبيه، وقد قال اللَّه تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} لكن النسيان ههنا غريب جداً، لأنه إما يريد به المعنى الأصلي له، وهو ضد الحفظ،، أو يريد به الجهل، وأياً ما أريد به، فهو ههنا مستغرب جداً، لأن رجلاً هو سادس ستة في الإسلام، ولازم النبي =(1/397)
قَدْ نَسِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ بَعْدُ، وَهِيَ الْمُعَوِّذَتَانِ.
__________
= صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كأنه من أهل بيته، يصلى خلفه، ويرى كل يوم يرفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه عند الركوع والرفع منه سبع عشرة مرة في الفرائض، فضلاً عن النوافل، إلى أكثر من عشرين سنة، وهو خلفه في الصف الأول، ويلي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأخذ عنه الصلاة ويقتدي به، ويعمل بعمله، ثم بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي خلف أبي بكر في خلافته، ثم خلف عمر، ويراهما يرفعان أيديهما عند الركوع والرفع منه، ثم ينسى مثل هذا، أو يجهل، وله مذكر كل يوم، عن أمامه، وعلى يمينه، ويساره، وقد عمل به هو مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرين سنة، فليت شعري! إن رجلاً بلغ نسيانه بهذه المثابة، أو يجهل مثل هذه الأمور، فهذا ليس بنسيان، بل هذا الرجل إن كان فدماغه مؤوف، وإلى الله المشتكى فيمن جوز هذا في أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضلاً عن أسبقهم في الإسلام، وألزمهم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صحبة، وأعلمهم بالقرآن، لأجل حديث رواه هو ولم يعمل به من يفتي هذا المجوز به، فإن قيل: إنما نسي ابن مسعود، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يداوم عليه، ولم يواظب على ذلك أبو بكر، ولا عمر، ولا غيرهم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلنا: هذا هو المراد بحديث ابن مسعود، فأي نسيان بعد ذلك؟!.
قوله: وقد نسي من القرآن، وهي المعوذتان،
قلت: ما يدري أبا بكر أن ابن مسعود نسي المعوذتين، والمعروف عن ابن مسعود أنه كان يحفظهما ويحكها عن المصاحف، ويقول: إنما أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتعوذ بهما، وهذا أمر يرجع إلى التوقيف في الكتابة، وهذا كما روي عنه إسقاط الفاتحة من مصحفه بإسناد صحيح، وكأن يقرأ بها في الصلوات كلها، وهذا أفضل أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أبو بكر رضي الله عنه، وكان على هذا الظن في كتابة القرآن جملة واحدة، حتى راجعه عمر في ذلك، وهذا كاتب الوحي زيد بن ثابت لما قيل له في كتابة القرآن جملة واحدة، ثقل عليه كثقل الجبل، فلو قيل: كان ابن مسعود في كتابة المعوذتين والفاتحة على هذا الرأي الذي كان عليه الصديق، وكاتب الوحي في كتابة القرآن جملة واحدة، فأيّ ضرر على ابن مسعود في ذلك؟ مع أن في ثبوت هذا عنه أيضاً نظراً، قد قال ابن حزم في الحلى ص 13 - ج 1: كل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين، وأم القرآن. لم يكونا في مصحفه، فكذب موضوع لا يصح، وإنما صحت عنه قراءة عاصم عن زر بن جيش عن ابن مسعود فيها أم القرآن، والمعوذتان، وقال السيوطي في الاتقان ص 79: قال النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئاً كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل، ليس بصحيح، لوقوع سمع أبي بكر بن إسحاق حديث عبد الله بن عمرو عند الشيخين، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود" فبدأ به، اهـ. وحديث أبي بكر رضي الله عنه، قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سره أن يقرأ القرآن غضاً فليقرأ على قراءة ابن أم عبد"، أحمد: ص 7، والطيالسي: ص 44، وحديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "من أحب أن يقرأ القرآن غريضاً، كما أنزل: فليقرأ قراءة ابن أم عبد"، أحمد،: ص 446 - ج 2، وحديث عمرو بن الحارث قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أحب أن يقرأ القرآن غضاً، فليقرأ على قراءة ابن أم عبد"، أحمد: ص 2279 - ج 4، وحديث ابن عباس، قال: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعرض القرآن كل سنة على جبريل، فلما كانت السنة التي قبض فيها عرضه عليه عرضتين، فكانت قراءة ابن مسعود آخرهن مستدرك ص 230 - ج 2، وقال: صحيح، وحديث أبي ظبيان، قال: قال ابن عباس: أي قراءة تقرأ؟ قلت: القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد، فقال: هي القراءة الآخرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرض عليه القرآن في كل عام، قال: أراه في كل شهر رمضان، فلما كان العام الذي مات فيه عرضه عليه مرتين، فشهد عبد الله ما نسخ وبدل، الطحاوي: ص 209، وأحمد: ص 262، وغيرهما من الأحاديث الصحيحة التي ذكرها =(1/398)
وَنَسِيَ مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَسْخِهِ، كَالتَّطْبِيقِ، وَنَسِيَ كَيْفَ قِيَامُ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ.
__________
= يطول، ثم أراد اتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعمل بوصيته، وظن أن ابن مسعود نسي المعوذتين، لكان الأولى به أن ينساهما كما نسي ابن مسعود، وحاشا ابن مسعود أن ينساهما أو ينكرهما، كما ذكرنا من قبل، وأنه أعلم أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب الله، كما أخبر هو عن نفسه، وصدقه على ذلك أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، البخاري: ص 748.
قوله: ونسي ما اتفق العلماء على نسخه، ونسي قيام الاثنين خلف الإمام اهـ.
أشار به إلى حديث ابن مسعود أخرجه مسلم في صحيحه - في باب الندب على وضع الأيدي على الركب ص 202، عن علقمة، والأسود أنهما دخلا على عبد الله فقال: أصلي من خلفكم؟ فقالا: نعم، فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، ثم ركعنا، فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى، قال: هكذا فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ. وفي رواية: كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ.
قلت: ههنا مسألتين: التطبيق. وقيام الإمام بين الاثنين، وكلاهما ليس من النسيان في شيء، بل فيه التصريح بأنه حفظ سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التطبيق. كأنه ينظر إلى أصابع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. غاية الأمر أنه حفظ سنة، خالفها سنة أخرى، يمكن أن يكون من تنوع العبادات، كالأذان. والإقامة. والتشهد. وتكبيرات العيدين، أو من قبيل الرخصة، كما ظن الشافعي رحمه الله، ومن وافقه في قصر صلاة السفر، مع أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يثبت عنه أنه أتم الصلاة في السفر، وقوله في حديث ابن مسعود: أمرنا بالركب. أو نهينا عن هذا، ليس بشيء منهما حكاية لفظ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل أدى به ما فهم من لفظ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكر هو، وفهم بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بحجة على بعض آخر، وليس التطبيق بمتفق على نسخه، بل ذهب إلى التخيير بين أخذ الركب، والتطبيق علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وروى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن حمزة عنه، قال: فإن شئت قلت: هكذا يعني وضعت يديك على ركبتيك وإن شئت طبقت، وإسناده حسن، قاله الحافظ في الفتح ص 227 - ج 2، وهذا التأويل هو المتعين، وكيف يظن بابن مسعود - أنه يرى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل يوم سبع عشرة مرة. وأبا بكر رضي الله عنه. وعمر رضي الله عنه أنهم يضعون أيديهم على الركب - وينسى ذلك ابن مسعود، ولا يذكره مذكر؟!.
وأما مسألة توسط الإمام بين الاثنين، فهذا أيضاً ليس من باب النسيان في شيء، بل من باب حفظ سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك الباب، غاية ما يقال: إن في المسألة سنة أخرى نسخت هذه السنة التي حفظها ابن مسعود، وكم من مصل لا يتفق له في عمره أن يقتدي بإمام ليس معه إلا واحد؟ فإن لم يتفق لابن مسعود بعد ما حفظ السنة الأولى أن يصلي خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعه رجل آخر فقط، فلا حرج، فإن هذا قلما يقع، وقد اعتذر ابن سيرين عن ذلك، بأن المسجد كان ضيقاً، ذكر البيهقي في باب المأموم يخالف السنة في الموقف ص 99 - ج 3، وفي ص 181، على أن الحديث الذي استدل به على مذهب ابن مسعود هو قيام الإمام بين الاثنين، ليس بنص في ذلك، وما فيه التصريح يمكن أن يكون من تصرف الرواة، فقد روى أحمد في مسنده ص 459 - ج 1 عن يعقوب عن ابن إسحاق: قال: وحدثني عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه: قال: دخلت، أنا. وعمي علقمة على عبد الله بن مسعود - بالهاجرة - قال: فأقام الظهر ليصلي، فقمنا خلفه، فأخذ بيدي. ويد عمي، ثم جعل أحدنا عن يمينه. والآخر عن يساره، ثم قام بيننا، فصففنا خلفه صفاً واحداً، ثم قال: هكذا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل إذا كانوا ثلاثة، اهـ.
فهذه الرواية تدل على أن ابن مسعود توسط بين أسود. وعلقمة، ولكن كان إمامهما، وهما خلفه، فعلى هذا الاختلاف بين هذا، وبين ما اختاره الجمهور، والله أعلم. وظاهر كلام ابن قيم في البدائع يدل على أن ما فعل ابن مسعود هو(1/399)
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي وَقْتِهَا، وَنَسِيَ كَيْفِيَّةَ جَمْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ.
__________
= السنة الدائمة المستمرة، إذا كان أحد المأمومين، صبياً، قال في ص 91 - ج 4 منه: روى أنس: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنا ويتيم لنا، وأم سليم خلفنا، يحتمل أن يكون كان أحدهما محتلماً، ويحتمل أن يكونا صبيين، أما إذا كان أحدهما بالغاً، فعلى حديث ابن مسعود أنه صلى بعلقمة. والأسود، وأحدهما غير محتلم، فأقام أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، ورفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: ونسي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الصبح يوم النحر في وقتها، اهـ.
أشار به إلى حديث ابن مسعود في الصحيحين صلى الفجر قبل ميقاتها، وهذا صحيح لا غبار عليه، فإنه لم يرد به الوقت المشروع، بل أراد به الوقت المعتاد، وكانت هذه الصلاة بعد طلوع الفجر في وقتها المشروع، قبل وقتها الذي كان يصليها فيه في سائر الأيام، كما في الصحيح - في ذلك الباب ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، ولقائل أن يقول: لم يطلع الفجر، اهـ. ولم يكن يصلي قبل ذلك في وقت يشتبه على الناظر هكذا، وهذا ظاهر، وبه أول الشافعي. وأحمد، والذين يرون استحباب التغليس لصلاة الفجر، حديث أبي رافع: أسفروا بألفجر فإنه أعظم للأجر قال الترمذي ص 22: قال الشافعي. وأحمد: معنى الإسفار أن يصح الفجر، فلا يشك، اهـ. فمعنى التغليس الذي استحبه الشافعي. وأحمد، ومن وافقهم، وظنوا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عمله عليه إلى أن مضى لسبيله، هو الوقت الذي يصح فيه الفجر، فلا يشك فيه، وكانت صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجمع بعد طلوع الفجر يقيناً، لكن في وقت يشك الناظر في طلوعه، وهذا هو معنى قبل ميقاتها، فمما قال ابن مسعود، ليس من النسيان في شيء، بل هو من باب الحفظ، أيّ حفظ، فالعجب من أبي بكر، وممن يذكر قوله: إنه رأى حديث الصبح قبل ميقاتها، ولم ير حديث ابن مسعود في ذلك الباب، وقبله بباب، وفيه حين طلع الفجر، أو فلما طلع الفجر، أو حين يبزغ الفجر، وهذا من قول أبي بكر في هذا الباب، واستطالة لسانه بنسيانه الكتاب والسنة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه أراد بقوله: "استقرئوا القرآن عن أربعة: عن عبد الله بن مسعود"، وبدأ به، وإياه عنى بقوله: "ما حدثكم ابن أم عبد فصدقوا"، وبقوله: "رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد" مستدرك ص 319 - ج 3، والله أعلم.
قوله: نسي كيفية الجمع بعرفة.
الظاهر أنه أراد به ما يتبادر من حديث الصحيح، أنه قال: ما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الفجر لغير ميقاتها، إلا صلاتين: جمع بين المغرب. والعشاء. وصلى الفجر قبل ميقاتها، اهـ. لأن الظاهر أن الصلاتين اللتين لم ير ابن مسعود غيرهما أنه عليه السلام صلاهما لغير ميقاتهما: صلاتي المغرب. والفجر بمزدلفة، ولم يذكر في هذه الحديث عرفة، وهو أيضاً محول عن وقته، فظن أبو بكر أن ابن مسعود نسيه، فهذا ظن من أبي بكر، وإن بعض الظن إثم، ما يدريه لعل ابن مسعود ذكر الصلاة بعرفة أيضاً؟! فلم يذكره الراوي لنسيانه، أو لعدم تعلق غرض السائل به حين رواه، أو بشيء آخر، وكان هو أحق بنسبة النسيان إليه، من أن ينسبه إلى صاحب نعلي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووسادته، وسادس ستة في الإسلام، بلا حجة؟! إذ يمكن أن براد بحديث الصحيح: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاة لغير ميقاتها، إلا صلاتين: صلاة العصر بعرفة. والمغرب بمزدلفة، وهما المحولتان عن الوقت الأصلي، ثم ذكر صلاة الفجر بمزدلفة على حدة، وهي ليست بمحولة، لكن فيها تقديم عن الوقت المعتاد، فذكره بعد الصلاتين المحولتين، لأجل التحول الذي وقع فيه، وإن لم تخرج عن الوقت المشروع، كما في حديث مسلم: "تركت فيكم أمرين" وأراد بهما الكتاب والسنة، ثم ابتدأ بذكر أهل البيت، فظن من ظاهر السياق أن الأمرين هما: الكتاب. وأهل البيت، ويقع هذا من اختصار الرواة كثيراً، كما في حديث ابن عباس في الصحيح - في باب الفرائض - في باب ذوي الأرحام ص 999، فإن فيه قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} كلام مبتدأ لا تعلق له بما قبله، بل ذكره،(1/400)
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْمِرْفَقِ وَالسَّاعِدِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ، وَنَسِيَ كَيْفَ كَانَ يَقْرَأُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} ، وَإِذَا جَازَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَنْسَى مِثْلَ هَذَا
__________
= وفسره بما بعده، بقوله: من النصر. والرفادة. والنصيحة، ذكره الرواي في التفسير ص 659، واختصر الكلام ههنا، فحذف الخبر، فصلت هذا في حاشية نبراس الساري على هذا الحديث، وكذا في حديث: وفد عبد القيس، وأمثاله في الحديث كثيرة، وهذه كفاية لمن ألقى السمع، وهو شهيد.
فإن قلت: في الأحاديث التي ذكرتها من أمثلة اختصار الرواة علمنا ذلك من رواية أخرى، فما الرواية التي يستدل بها أنه أراد بالصلاتين المحولتين: عصر عرفة ومغرب مزدلفة، وإنما ذكر الفجر لأجل مناسبة التحول، وليست هي الثانية المتحولة عن الوقت؟ قلنا: على هذا أيضاً دليل أي دليل، وبه يتضح مراده من الصلاتين، أخرج النسائي في الحج - في باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة من حديث عبد الله، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الصلاة لوقتها، إلا بجمع. وعرفات، اهـ. وهذا حديث صحيح، وهذا هو الجواب الصحيح، ولو لم يرد ذكر عرفة في رواية لكان له وجه أيضاً، لأن الظاهر أن ابن مسعود رد به على ما ذهب إليه بعض أهل العلم من جمع التأخير في السفر، فأجمل صلاة الظهر بعرفة، لأن جمع التقديم قل من ذهب إليه قديماً وحديثاً، وفصل ذكر المغرب لهذا الغرض، ثم ذكر فجر مزدلفة للمناسبة، وهذا كما سئل سالم، أكان عبد الله يجمع في شيء من الصلوات في السفر؟ فقال: لا، إلا بجمع، اهـ. ولم يذكر جمع عرفة، لأن الجمع الذي سألوا عنه لم يكن من جمع التقديم في شيء، وقل من ذهب إلى جمع التقديم في السفر، وحديث أبي داود، في جمع التقديم أعلوه بعلل مختلفة، والله أعلم.
قوله: نسي.... من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود، اهـ.
أراد بذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قال: هيئت عظام ابن آدم للسجود، فاسجدوا حتى بالمرافق.
قوله: نسي كيف يقرأ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} اهـ.
قلت: هذا من باب اختلاف القراءة، وليس من باب النسيان، وفي الصحيح من حديث أبي الدرداء: ص 737 قال: قال علقمة: {وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} قال أبو الدرداء: إني سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدوني أن أقرأ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} والله لا أتابعهم، اهـ. وفي رواية: ص 529، والله لقد أقرأنيها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فيه إلى فيّ، اهـ. وقال في الجوهر ص 82 - ج 2: في المحتسب - لابن جني وقرأ: {وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} عليّ. وابن مسعود. وابن عباس، وفي الصحيح أن أبا الدرداء، ثم ذكر الحديث. فأي حجة يحتج به لابن مسعود بعد هذا، أنه لم ينس ليطمئن به أبو بكر، ولم يقنع بقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استقرؤوا القرآن من أربعة: عبد الله قال: عبد الله بن عمر وبدأ به، ولوصية أفقه أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: العلم والإيمان مكانهما من اتبعهما وجدهما، التمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدراداء. وعند سلمان الفارسي. وعند عبد الله بن مسعود، الحديث أخرجه أحمد في مسنده ص 343 - ج، فلو تأدب أبو بكر بآداب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقال - كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهشام: "هكذا أنزلت"، ولعمر: هكذا أنزلت - أنزل القرآن على سبعة أحرف ليت شعري! كتب الحديث طافحة باختلاف القراء من الصاحابة والتابعين، وهؤلاء القراء السبعة التي تواترت قراءتهم اختلفوا في كثير من الحروف، أكل هؤلاء نسوا!؟.
ثم نسأل أبا بكر - إن من كان من الغفلة بمكان، رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرين سنة كل يوم أكثر من سبع عشرة مرة يفعل فعلاً، ثم بعد ذلك في خلافة أبي بكر. وعمر، وله مذكر من أمامه، وعن يمينه، ومن خلفه، ويقول بخلافه، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "هكذا، أو فعل هكذا"، ويرد عليه حديثه لأجل النسيان، هل يقال له: ضعيف الحديث عند أهل الحديث، أم لا؟ وهل كل صاحب روى حديثاً، وقال فيه: إنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل كذا، ولكن لصاحب آخر حديث آخر هو ناسخ، أيقال للأول: إنه نسي، ويرد حديثه بهذه العلة؟! أم هذا مختص بابن مسعود رضي الله عنه؟! وعلى الأول، هل من صاحب لم ينس هذا النسيان؟!.(1/401)
فِي الصَّلَاةِ، كَيْفَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: كَلَامُ إبْرَاهِيمَ هَذَا ظَنٌّ مِنْهُ، لَا يَرْفَعُ بِهِ رِوَايَةَ وَائِلٍ، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَكَذَلِكَ رَأَى أَصْحَابَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ، كَمَا بَيَّنَهُ زَائِدَةُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ ثَنَا أَبِي عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتهمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ فِي زَمَانِ بَرْدٍ، عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيَابِ، تُحَرَّكُ أَيْدِيهِمْ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِ وَائِلٍ، لِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، فَكَيْفَ يُرَدُّ حَدِيثُهُ بِقَوْلِ رَجُلٍ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ، وَخُصُوصًا، وَقَدْ رَوَاهُ مَعَهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ هُشَيْمِ. وَخَالِدٌ. وَابْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا: إنْكَارُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى شَرِيكٍ، وَزَعَمُوا أَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ، فَلَمْ يَذْكُرُوهَا، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ تُوبِعَ شَرِيكٌ عَلَيْهَا، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ بِهِ، نَحْوُهُ وَأَنَّهُ كَانَ تَغَيَّرَ بِآخِرِهِ، وَصَارَ يَتَلَقَّنُ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى سَاوَى بِهِمَا أُذُنَيْهِ، فَقُلْتُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّكَ قُلْتَ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، قَالَ: لَا أَحْفَظُ هَذَا، ثُمَّ عَاوَدْتُهُ، فَقَالَ: لَا أَحْفَظُهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: سَمِعْتُ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ كَانَ يُذْكَرُ بِالْحِفْظِ، فَلَمَّا كَبِرَ سَاءَ حِفْظُهُ، فَكَانَ يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَزِيدُ فِي الْمُتُونِ، وَلَا يُمَيِّزُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ، بسند عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ وَاهٍ قَدْ كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ يُحَدِّثُ بِهِ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ، فَلَا يَذْكُرُ فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، فَلَمَّا لُقِّنَ أَخَذَهُ، فَكَانَ يَذْكُرُهُ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ الصِّدْقِ، كُوفِيٌّ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَ أَبُو الْحَارِثِ الْقَرَوِيُّ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، جَيِّدُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ صِنْفًا، فَقَالَ فِيهِمْ: إنَّ السِّتْرَ وَالصِّدْقَ وَتَعَاطِيَ الْعِلْمِ يشملهم، كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ. وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ. الْأَمْرُ الثَّانِي: الْمُعَارَضَةُ بِرِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ
__________
1 أبو داود في باب من لم يذكر الرفع عند الركوع ص 116
2 ص 110، وكما أخرجه الطحاوي: ص 132، والبيهقي: ص 76 - ج 2 عن سفيان ثنا يزيد بن زياد به، نحوه.(1/402)
بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ - بِمَكَّةَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ سُفْيَانُ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْكُوفَةَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، فَظَنَنْتهمْ لَقَّنُوهُ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ1. قَالَ الْحَاكِمُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَاقَ هَذَا الْمَتْنَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرَ إبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ الرَّمَادِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، جَالَسَ ابْنَ عُيَيْنَةَ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ2 حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ بِمِثْلِ لَفْظِ الْحَاكِمِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِمَّنْ سَمِعَ يَزِيدُ قَدِيمًا: مِنْهُمْ شُعْبَةُ. وَالثَّوْرِيُّ. وَزُهَيْرٌ، وَلَيْسَ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ كَانَ صَدُوقًا، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَبِرَ تَغَيَّرَ، فَكَانَ يُلَقَّنُ، فَيَتَلَقَّنُ، فَسَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِهِ الْكُوفَةَ فِي أَوَّلِ عُمْرِهِ سَمَاعٌ صَحِيحٌ، وَسَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي آخِرِ قُدُومِهِ الْكُوفَةَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَكَأَنَّهُ ضَعَّفَهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ مُعَلَّقًا، لَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى، هَذَا مِنْ حِفْظِهِ، فَأَمَّا مَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ كِتَابِهِ، فَإِنَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى تَلْقِينِ يَزِيدَ، وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ. وَشُعْبَةُ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ، قديماً، ليس قيه: ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الناسخ والنسوخ: الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ لَمْ يَضْطَرِبْ لَفْظُهُ، فَتَرَجَّحَ خَبَرُهُ عَلَى خَبَرِ مَنْ اضْطَرَبَ لَفْظُهُ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْمَصِيرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَهُوَ قَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا يَقُولُ فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْكُوفَةَ فَرَأَيْتُهُ يَرْوِيهِ
__________
1 ص 77 - ج 2.
2 في جزء الرفع: ص 12، وانتهى حديثه إلى قوله: وكان يرفع يديه إذا كبر، اهـ. وليس فيه في حديث البراء الرفع عند الركوع، والرفع منه اهـ.
3 في باب من لم يذكر الرفع عند الركوع ص 116.(1/403)
وَقَدْ زَادَ فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، لَقَّنُوهُ، فَتَلَقَّنَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَلَقَّنَهَا، أَنَّ أَصْحَابَهُ الْقُدَمَاءَ لَمْ يُؤْثِرُوهَا عَنْهُ، مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَشُعْبَةَ. وَهُشَيْمٍ. وَزُهَيْرٍ. وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا عَنْهُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِآخِرِهِ، وَكَانَ قَدْ تَغَيَّرَ وَاخْتَلَطَ، وَابْنُ أَبِي زِيَادٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْبَرَاءِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَضْعَفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ ابْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ، فَقِيلَ: هَكَذَا، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ ابن لَيْلَى، فَعَادَ الْحَدِيثُ إلَى يَزِيدَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: كَانَ أَبِي يُنْكِرُ حَدِيثَ الْحَكَمِ، وَعِيسَى، وَيَقُولُ: إنَّمَا هُوَ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَابْنُ أَبِي ليلى سيء الْحِفْظِ. وَابْنُ أَبِي زِيَادٍ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ الْخَرَّازِ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ، فَقَدْ رَوَيْنَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ مَالِكٍ بِخِلَافِ هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا فِي غَرَائِبِ حَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ الشَّيْخُ: وَالْخَرَّازُ هَذَا بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، بَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ، آخِرَهُ زَايٌ مُعْجَمَةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى1 عَنْ عَبَّادِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهَا فِي شَيْءٍ حَتَّى يَفْرُغَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَبَّادُ هَذَا تَابِعِي، فَهُوَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، حَدِيثُ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ2 إلَى مَعْرِفَةِ الْإِكْلِيلِ فِي ذِكْرِ الْمَجْرُوحِينَ تَحْتَ تَرْجَمَةِ جَمَاعَةٍ وَضَعُوا الْحَدِيثَ فِي الْوَقْتِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ، قَالَ: وَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُكَاشَةَ الْكَرْمَانِيِّ: إنَّ قَوْمًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الرُّكُوعِ، وَبَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بن زيد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: فَكُلُّ مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ
__________
1 في نسخة عن ابن أبي يحيى.
2 ص 22.(1/404)
فَهْمًا فِي نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ، وَتَأَمَّلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلِمَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِإِسْنَادِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُكَاشَةَ بِهِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عُكَاشَةَ هَذَا كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمَأْمُونِ بْنِ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ ثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فِي كِتَابِ التَّحْقِيقِ، وَنَقَلَ فِي الْكِتَابَيْنِ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ قَالَ: مَأْمُونٌ هَذَا كَانَ دَجَّالًا مِنْ الدَّجَاجِلَةِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَا أَبْلَهَ مَنْ وَضَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْبَاطِلَةَ لِتُقَاوِمَ بِهَا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، فَقَدْ رَوَى الرَّفْعَ مِنْ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَسَمَّى سِتَّةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا، قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ صِنَاعَتَهُ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ الِاحْتِجَاجُ بِالْأَبَاطِيلِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: رَوَى الطَّحَاوِيُّ1، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الحسن بن عياش عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ إبْرَاهِيمَ. وَالشَّعْبِيَّ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَهَذَا عُمَرُ لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَيْضًا إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، فَإِنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ، ذكر ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ الْحَاكِمُ: بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ لَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، وَلَا تُعَارَضُ بِهَا الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ طَاوُسٍ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ2 أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: لَمْ يَعُدْ، ثُمَّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ عُمَرَ3 كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْجِيحِ رِوَايَةٍ لَا مِنْ بَابِ التَّضْعِيفِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ سُفْيَانَ لَمْ يَذْكُرْ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ فِيهِ: لَمْ يَعُدْ، فَضَعِيفٌ جِدًّا، لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ سُفْيَانُ فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَمْ تُعَارَضْ رِوَايَةُ
__________
1 ص 133. قال الحافظ في الدراية ص 58: رجاله ثقات.
2 قلت: هذه المعارضة ذكرها الحافظ أيضاً في الدراية ص 85، وذكر ابن عمر فقط، ولم يذكر عمر، وقال الشيخ المحقق: ظهير أحسن النيموي - الهندي في كتابه آثار السنن ص 106 - ج 1: رجعت إلى نسخة صحيحة كتبوه من نصب الراية في الخزانة المعروفة بأيشياك سوساثئتي - كلكتة فوجدت فيها هكذا: عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه، اهـ. وفي فتح القدير ص 219 - ج 1: وعارضه الحاكم برواية طاوس بن كيسان عن ابن عمر رضي الله عنه: كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه.
3 متنه عند ابن أبي حاتم في العلل ص 95 - ج 1 هكذا: أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلغا منكبيه، اهـ.(1/405)
مَنْ زَادَ بِرِوَايَةِ مَنْ تَرَكَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ أَخُو أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْهُ، وَقَالَ عُثْمَانُ بن سعيد الدرامي: الْحَسَنُ. وَأَخُوهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ كِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كِلَاهُمَا عِنْدِي ثِقَةٌ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ1 عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ يَرْفَعُ، انْتَهَى. وَهُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، وَحَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَصَحُّ، انْتَهَى. فَجَعَلَهُ دُونَ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ فِي الصِّحَّةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْخُصُومِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: وَاخْتُلِفَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَهَمَ فِي رَفْعِهِ، وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ: مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. وَمُوسَى بْنُ دَاوُد. وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. وَغَيْرُهُمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عَاصِمٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. فَجَعَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا صَوَابًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَابْنَ عُمَرَ كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا أَوَّلَ مَا يُكَبِّرَانِ، ثُمَّ لَا يَعُودَانِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: وَعَطِيَّةُ سيء الْحَالِ، وَسَوَّارٌ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ2 عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، إلَّا فِي الِافْتِتَاحِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَإِنْ قَالُوا: إنَّ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، قِيلَ لَهُمْ: كَانَ إبْرَاهِيمُ لَا يُرْسِلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إلَّا مَا صَحَّ عِنْدَهُ وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، كَمَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ الْأَعْمَشِ3 أَنَّهُ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: إذَا حَدَّثْتَنِي عَنْ
__________
1 ص 132، قال في الدراية ص 85: رجاله ثقات.
2 ص 313 - ج 1 رجاله ثقات، سكت عليه الحافظ في الدراية.
3 قلت: روى الطحاوي في شرح الآثار ص 133، والترمذي في علله - في آخر الترمذي ص 239 - ج 2، وابن سعد في طبقاته ص 190 - ج 6، كلهم من طريق شعبة عن الأعمش، قال: قلت لإبراهيم: إذا حدثتني عن عبد الله فأسند، قال: إذا قلت لك: عبد الله، فقد سمعته من غير واحد من أصحابه، وإذا قلت: حدثني عن عبد الله فلان، فحدثني فلان، اهـ. واللفظ لابن سعد، وأسند البيهقي في سننه ص 148 - ج 1 عن ابن معين، قال: مرسلات إبراهيم صحيحة، إلا حديث: تاجر البحرين، وحديث الضحك في الصلاة، اهـ.(1/406)
عَبْدِ اللَّهِ، فَأَسْنِدْ، قَالَ: إذَا قُلْتُ لَك: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاعْلَمْ أَنِّي لَمْ أَقُلْهُ حَتَّى حَدَّثَنِيهِ جَمَاعَةٌ عَنْهُ، وَإِذَا قُلْتُ لَك: حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَهُوَ الذي حدثي وَحْدَهُ عَنْهُ، قَالَ: وَمَذْهَبُنَا أَيْضًا قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى مَعَهَا رَفْعٌ، وَأَنَّ التَّكْبِيرَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَا رَفْعَ بَيْنَهُمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ. وَتَكْبِيرَةِ الرَّفْعِ مِنْهُ، فَأَلْحَقَهُمَا قَوْمٌ بِالتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَأَلْحَقَهُمَا قَوْمٌ بِتَكْبِيرَةِ السَّجْدَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّا رَأَيْنَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا الصَّلَاةُ، وَالتَّكْبِيرَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَيْسَتْ بِذَلِكَ، وَرَأَيْنَا تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ وَالنُّهُوضِ لَيْسَتَا مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ، فَأَلْحَقْنَاهُمَا بِتَكْبِيرَةِ السَّجْدَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَحِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِيهِ: ثُمَّ كَبَّرَ، لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي رَفَعَهَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَفَهَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: فَمِنْهَا مَا جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْهَا مَا جَعَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، وَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ سَالِمٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ النَّاسُ فِيهَا إلَى نَافِعٍ، فَهَذَا أَحَدُهَا. وَالثَّانِي: حَدِيثُ "مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ" وَالثَّالِثُ: حَدِيثُ: "النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ" وَالرَّابِعُ: حَدِيثُ "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ"،
__________
= قال الحافظ في الدراية ص 16: وأخرج ابن عدي في الكامل عن يحيى بن معين، قال: مراسيل إبراهيم النخفعي صحيحة، إلا حديث تاجر البحرين، اهـ. قال الدارقطني في ص 361، وبعد حديث رواه عن إبراهيم عن عبد الله: هذه الرواية، وإن كان فيها إرسال فإبراهيم النخعي هو أعلم الناس بعبد الله وبفتياه، وقد أخذ عن أخواله، علقمة. والأسود. وعبد الرحمن بن يزيد. وغيرهم من كبراء أصحاب عبد الله، وهو القائل: إذا قلت لك: قال عبد الله، فهو عن جماعة من أصحابه عنه، وإذا سمعته من رجل واحد سميته، اهـ. قال ابن قيم في الهدى: ص 354 - ج 2، وص 204 - ج 4 في بحث عدة الأمة ما نصه: وإبراهيم لم يسمع من عبد الله، ولكن الواسطة بينه وبين عبد الله، كعلقمة، ونحوه، وقد قال إبراهيم: إذا قلت: قال عبد الله، فقد حدثني به غير واحد عنه، وإذا قلت: قال فلان عنه، فهو ممن سمعت، أو كما قال، ومن المعلوم أن بين إبراهيم. وعبد الله أئمة ثقات لم يسم قط مبهماً. ولا مجروحاً. ولا مجهولاً، فشيوخه الذين أخذ عنهم عن عبد الله أئمة أجلاء نبلاء، وكانوا كما قيل: سرج الكوفة، وكل من له ذوق في الحديث إذا قال إبراهيم: قال عبد الله. لم يتوقف في ثبوته عنه، وإن كان غيره ممن في طبقته، لو قال: قال عبد الله لا يحصل لنا الثبوت بقوله، فإبراهيم نظير بن المسيب عن عمرو، ونظير مالك عن ابن عمر، فالوسائط بين هؤلاء وبين الصحابة إذا سموهم وجدوهم من أجل الناس وأوثقهم وأصدقهم ولا يسمونهم ألبتة.(1/407)
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا مِنْ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَمِنْ جِهَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ السخيتاني عَنْ نَافِعٍ بِهِ مَرْفُوعًا أَيْضًا، رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ: هَكَذَا يَقُولُهُ عَبْدُ الْأَعْلَى، وَأَوْمَأَ إلَى أَنَّهُ أخطأ، قالوا: خَالَفَهُ ابْنُ إدْرِيسَ. وَعَبْدُ الْوَهَّابِ. وَالْمُعْتَمِرُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، فَذَكَرَهُ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو دَاوُد2 بَعْد تَخْرِيجِ رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى هَذِهِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْضًا، فَوَقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَنْ هَذَا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: الرُّجُوعُ إلَى الطَّرِيقَةِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأُصُولِيَّةِ فِي قَبُولِ زِيَادَةِ الْعَدْلِ الثِّقَةِ إذَا تَفَرَّدَ بِهَا، وَعَبْدُ الْأَعْلَى مِنْ الثِّقَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِمْ فِي الصحيح. الثاني: أن غبد الْأَعْلَى لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ لَمَّا ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، قَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى هَكَذَا، وَتَابَعَهُ مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَةَ مُعْتَمِرٍ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ رِوَايَةَ مُعْتَمِرٍ فِي سُنَنِهِ نَحْوَ الْبَيْهَقِيّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُ عَامَّةُ الرُّوَاةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ، وَلَعَلَّ الْخَطَأَ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ3 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الرَّفْعَ فِي الرُّكُوعِ، هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ: مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر. وَالْقَعْنَبِيُّ. وَأَبُو مُصْعَبٍ. وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَابْنُ الْقَاسِمِ. وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى. وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ، فَذَكَرُوا فِيهِ الرَّفْعَ فِي الرُّكُوعِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ التَّقَصِّي، وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْوَهْمَ فِي إسْقَاطِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ جِهَةِ مَالِكٍ، فَإِنَّ جَمَاعَةً حُفَّاظًا رَوَوْا عَنْهُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ: إنَّ مَالِكًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُوَطَّأِ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَذَكَرَهُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ، حَدَّثَ بِهِ عِشْرُونَ نَفَرًا مِنْ الثِّقَاتِ
__________
1 في باب رفع اليدين إذا قام في الركعتين، ص 103.
2 في باب افتتاح الصلاة، ص 115.
3 في باب افتتاح الصلاة، ص 25.(1/408)
الْحُفَّاظِ: مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. وَابْنُ وَهْبٍ. وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ عَنْ عِشْرِينَ رَجُلًا، قَالَ: وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، فَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الرَّفْعُ فِي الرُّكُوعِ: مِنْهُمْ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ. وَالْقَعْنَبِيُّ. وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى. وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر. وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى. وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ. وَإِسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاعْتَرَضَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، فَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا، ثُمَّ أُسْنَدَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُ مَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافَ مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ، قُلْنَا: كَانَ هَذَا قَبْلَ ظُهُورِ النَّاسِخِ، انْتَهَى. وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ، ثُمَّ أُسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ. وَلَيْثٌ. وَطَاوُسٌ. وَسَالِمٌ. وَنَافِعٌ. وَأَبُو الزُّبَيْرِ. وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ. وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: رَأَيْنَا ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ. وَإِذَا رَفَعَ، وَكَانَ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَدِيمًا عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا مَوْقُوفًا: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَرْفَعُهُمَا بَعْدُ، وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَالْأَوَّلُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لِمُخَالَفَتِهِ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْحَاكِمُ: كَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ، ثُمَّ اخْتَلَطَ حِينَ نَسِيَ حِفْظَهُ، فَرَوَى مَا خُولِفَ فِيهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ؟! أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ تَرَكَ مَرَّةً لِلْجَوَازِ، إذْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ، فَفِعْلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَتَرْكُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَيُزِيلُ هَذَا التَّوَهُّمَ يَعْنِي دَعْوَى النَّسْخِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 من جهة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَانَ الرَّقِّيِّ ثَنَا عِصْمَةُ3 بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ
__________
1 ص 133
2 هذه الرواية لا توجد في النسخة المطبوعة من السنن الكبرى، لعلها في المعرفة - أو غيرها ثم إن الإمام ربما يعزو ترجمة أو حديثاً إلى كتاب متواتر ولا يوجد شيء منه في ذلك الكتاب، كما أنه نسب ترجمة باب استياك الإمام بحضرة رعيته إلى البخاري، وقال الحافظ ابن حجر: لم أر هذا في البخاري، قاله القسطلاني ص 20 - ج، قلت: هذه الترجمة موجودة في النسائي: ص 5 بتغيير يسير، وذكر ابن السبكي في الطبقات ص 20 - ج 6 باباً لأحاديث في الإمام إلى من أخرجها وأخطأ في النسبة.
3 عصمة بن محمد الأنصاري: قال أبو حاتم: ليس بالقوي، قال يحيى: كذاب، يضع الحديث، وقال العقيلي: يحدث بالأباطيل عن الثقات، وقال الدارقطني، وغيره: متروك ميزان عصمة بن محمد بن فضالة بن محمد بن فضالة بن محمد بن شريك بن جميع بن مسعود الأنصاري الخزرجي حدث عن موسى بن عقبة. وهشام بن عروة.(1/409)
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ صَلَاتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى، انْتَهَى. رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 بْنِ قُرَيْشِ بْنِ خُزَيْمَةَ الْهَرَوِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الدَّمْجِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذى بهما أذنيه، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ يُحَاذِي بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، وَفِيهِ: ثُمَّ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالُوا جَمِيعًا: صَدَقْت، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَاعْتَرَضَهُ الطحاوي في شرح لآثار 36 فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ3
__________
= ويحيى بن سعيد الأنصاري. وسهل بن أبي صالح. وعبيد الله بن عمر العمري - روى عنه شعيب بن سلمة الأنصاري. ومحمد بن سعد كاتب الواقدي. والسري بن عاصم - أخبر أبو تمام عبد الكريم بن علي الهاشمي أخبرنا علي بن محمد بن عمر الحافظ حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدمي حدثنا السري بن عاصم حدثنا عصمة بن محمد بن فضالة بن محمد بن فضالة الأنصاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إذا التقى الختان الختان فقد وجب الغسل" تفرد بروايته عصمة بن محمد عن هشام بن عروة، وقرأت على الجوهري عن محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن كعب الكوكبي حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن جنيد، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: عصمة بن محمد الأنصاري إمام مسجد الأنصار ببغداد، كان كذاباً، يروي الأحاديث كذباً فقد رأيته، وكان شيخاً له هيبة ومنظر، من أكذب الناس، أخبرنا العقيلي أخبرنا يوسف بن أحمد الصيدلاني حدثنا محمد بن عمر العقيلي حدثنا عبيد الله بن محمد، قال: سمعت يحيى بن معين، وسئل عصمة بن محمد الأنصاري، فقال: هذا كذاب يضع الحديث، أخبرنا الأزهري حدثنا محمد بن العباس أخبرنا أحمد بن معروف حدثنا الحسين بن فهم حدثنا محمد بن سعد، قال: عصمة بن محمد الأنصاري كان إمام مسجد الأنصار الكبير ببغداد، وكان عند مسلم ضعيفاً في الحديث، أخبرنا البرقاني أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، قال: عصمة بن محمد بن فضالة الأنصاري متروك تاريخ الخطيب ص 286 - ج 12.
1 اتهمه السليماني بوضع الأحاديث، اهـ ميزان وقال الخطيب في تاريخه ص 283 - ج 10: في حديثه غرائب، وأفراد، ولم أسمع فيه إلا خيراً، اهـ.
2 لم يخرج البخاري طريق أبي عاصم في صحيحه وإنما أخرجه في جزء الرفع لكن سياقه ليس هكذا، وأخرجه أبو داود في باب افتتاح الصلاة بهذا إلإسناد، وبسياق يقاربه، ولقد تقدم في ثلاثة مواضع: إن المخرج عزا حديث أبي حميد إلى البخاري، وإني لم أجده فيه، وهذا رابعها، والله أعلم.
36 ص 153، وص 134.
3 قال ابن أبي حاتم في العلل ص 163: قال أبي: فصار الحديث مرسلاً، اهـ.(1/410)
وَلَا مِنْ أَحَدٍ ذُكِرَ مَعَ أَبِي حُمَيْدٍ، وَبَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ حَضَرَ أَبَا قَتَادَةَ، وَسِنُّهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَبَا قَتَادَةَ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، لِأَنَّهُ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَعَلَ بَيْنَهُمَا رَجُلًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى. وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ وَجَدَ عَشْرَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسُوا، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي عَاصِمٍ، سَوَاءٌ، قَالَ: فَإِنْ ذَكَرُوا ضَعْفَ عَطَّافٍ، قِيلَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ أَيْضًا تُضَعِّفُونَ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ أَكْثَر مِنْ تَضْعِيفِكُمْ لِعَطَّافٍ، مَعَ أَنَّكُمْ لَا تَطْرَحُونَ حَدِيثَ عَطَّافٍ كُلَّهُ، وَإِنَّمَا تُصَحِّحُونَ قَدِيمَهُ وَتَتْرُكُونَ حَدِيثَهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي كِتَابِهِ. وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَمَاعُهُ مِنْ عَطَّافٍ قَدِيمٌ جِدًّا. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ هَذَا الْحَدِيثَ سَمَاعًا لِمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ أَبِي حُمَيْدٍ، إلَّا عَبْدَ الْحَمِيدِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ أَضْعَفُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَحَدُ بَنِي مَالِكٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ السَّاعِدِيِّ، وَكَانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُو سهيل بن سعيد السَّاعِدِيُّ. وَأَبُو حُمَيْدٍ. وَأَبُو هريرة. وأبو أسيد، فتذكروا الصَّلَاةَ، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ، وَلَيْسَ فِيهِ2: فَقَالُوا: صَدَقْتَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ فِيهِ: فَقَالُوا جَمِيعًا: صَدَقْتَ، لَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُهَا إلَّا أَبُو عَاصِمٍ، انْتَهَى. وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: أَمَّا تَضْعِيفُهُ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَمَرْدُودٌ، بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَثَّقَهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ حَكَمَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ بِأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حُمَيْدٍ. وَأَبَا قَتَادَةَ. وَابْنَ عَبَّاسٍ3، وَقَوْلُهُ: إنَّ أَبَا قَتَادَةَ قُتِلَ4 مَعَ عَلِيٍّ، رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، رَوَاهَا الشَّعْبِيُّ، وَالصَّحِيحُ
__________
1 كذا في الطحاوي ص 153 - ج 1، ثم أعاد الحديث في: ص 405 - ج 2، وقال فيه: عبد الله، بدل: عبد الرحمن، وهو الصواب الموافق لما في البيهقي، وأبي داود، وغيرهما.
2 قوله: وليس فيه الخ، هذا القول في الطحاوي ص 134 سوى ما تقم، فإنه في صفة الجلوس ص 153، تنبه.
3 فليراجع هذا، فإن الظن أن زيادة الابن من الناسخ، وأن الصواب عباس، وعباس هذا، هو عباس بن سهل قال الحافظ في التلخيص ص 83: قال ابن حبان: سمع هذا الحديث محمد بن عمرو من أبي حميد، وسمعه من عباس بن سهل بن سعد عن أبيه، فالطريقان محفوظان،
4 روى الطحاوي في شرح الآثار ص 287. وابن أبي شيبة في الجنائز ص 116، والبيهقي في سننه ص 36 - ج 4، والخطيب في تاريخه ص 161 - ج 1، كلهم من حديث إسماعيل، قال: حدثنا موسى بن عبد الله أن علياً صلى على أبا قتادة، فكبر عليه سبعاً، اهـ. قلت: رجاله ثقات، قال في الجوهر ص 36 - ج 4: قال أبو عمر في الاستيعاب: روي من وجوه عن موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري، وعن الشعبي أنهما قالا: صلى عليّ على أبي قتادة، فكبر عليه سبعاً، قال الشعبي: وكان بدرياً، وقال الحسن بن عثمان: مات أبو قتادة سنة أربعين، اهـ. قال محمد بن عمر الواقدي: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة توفي بالمدينة سنة أربع وخمسين، وقال خريجه، وتلميذه ابن سعد في طبقاته ص 9 - ج 6: كان قد نزل الكوفة ومات بها، وعليّ بها، وصلى هو عليه، اهـ. قلت: الواقدي متروك، قال الحافظ في =(1/411)
الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ التَّارِيخِ أَنَّهُ بَقِيَ إلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَنَقَلَهُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ. وَالْوَاقِدِيِّ. وَاللَّيْثِ. وَابْنِ مَنْدَهْ في الصحابة، أطال فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِرِوَايَةِ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، وَمَنْ سَمَّاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَكَّدَهُ بِرِوَايَةِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْهُمْ، فَالْإِعْرَاضُ عَنْ هَذَا وَالِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ مَنْ يُرِيدُ مُتَابَعَةَ السُّنَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ1.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَحِينَ رَكَعَ، وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا2، قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: وَحَدِيثُ وَائِلٍ هَذَا مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ. وَابْنُ مَسْعُودٍ أَقْدَمُ صُحْبَةً، وَأَفْهَمُ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَائِلٍ، ثُمَّ أُسْنَدَ عَنْ أَنَسٍ3، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَحْفَظُوا عَنْهُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ كَانَ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَقْرُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَعْلَمُوا أَفْعَالَهُ كَيْفَ هِيَ؟ , فَهُوَ أَوْلَى مما جاءه مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ4، وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَأَيْت عَنْ عِلَلِ الْخَلَّالِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا، فَقَالَ: صَحِيحٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَوْلُهُ فِيهِ: وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
__________
= التلخيص ص 160: عن عليّ أنه صلى على أبي قتادة، فكبر عليه سبعاً، رواه البيهقي، وقال: إنه غلط، لأن أبا قتادة عاش بعد ذلك، قلت: هذه علة غير قادحة، لأنه قد قيل: إن أبا قتادة مات في خلافة عليّ، وهذا هو الراجح، اهـ ما قال الحافظ.
1 قلت: كلام الحافظ المخرج قبيل الحديث الثامن والأربعين يدل على أن الشيخ تقي الدين رد على البيهقي، وانتصر للطحاوي، وأن الحافظ المخرج ذكر كلام الشيخ تقي الدين، لكن النسخة كما ترى خالية عن الرد، فليراجع النسخ الصحيحة.
2 قوله: أخرجه مسلم مختصراً ومطولاً، قلت: لم أجد في مسلم إلا رواية واحدة، في باب وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الاحرام ص 173، والله أعلم.
3 أخرجه ابن ماجه: ص 70، والحاكم: ص 218، والبيهقي: ص 97 - ج 3.
4 أبو داود في باب افتتاح الصلاة ص 116، والترمذي في الدعوات، في باب الدعاء، عند افتتاح الصلاة بالليل ص 179 - ج 1، وابن ماجه في باب رفع اليدين إذا ركع ص 62، وجزء الرفع ص 6، وأحمد: ص 93 - ج 1، والطحاوي: ص 131، وفي المختصر ص 24، قال الطحاوي: لا يعلم أحد روى هذا الحديث غير عبد الرحمن بن أبي الزناد.(1/412)
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَعَ فِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد: السَّجْدَتَيْنِ، وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ الرَّكْعَتَانِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، وَغَلِطَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِهِ: الْمُرَادُ السَّجْدَتَانِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَقِفْ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَرْفَعُ بَعْدَهُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ لِيَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَتْرُكُهُ، إلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُهُ، قال: وتضعف هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَيْضًا أَنَّهُ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلَيْسَ فِيهِ الرَّفْعُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ2 بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الرَّفْعَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، إذْ لَا يُظَنُّ بِعَلِيٍّ أَنَّهُ يَخْتَارُ فِعْلَهُ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَدْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ جَعَلَ رِوَايَةَ الرَّفْعِ - مَعَ حُسْنِ الظَّنِّ بِعَلِيٍّ - فِي تَرْكِ الْمُخَالَفَةِ، دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَخَصْمُهُ يَعْكِسُ الْأَمْرَ، وَيَجْعَلُ فِعْلَ عَلِيٍّ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - وَصَلَّى بِهِمْ - يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ، وَحِينَ يَرْفَعُ، وَحِينَ يَسْجُدُ، وَحِينَ يَنْهَضُ لِلْقِيَامِ، فَيَقُومُ، فَيُشِيرُ بِيَدَيْهِ، فَانْطَلَقْتُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: إنِّي رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي صَلَاةً لَمْ أَرَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا، وَوَصَفْتُ لَهُ هَذِهِ الْإِشَارَةَ، فَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَدِ بِصَلَاةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، انْتَهَى. وَابْنُ لَهِيعَةَ مَعْرُوفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يسار ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وإذا ركع، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَيَّاضٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ
__________
1 ص 132، وقال الحافظ في الدراية ص 85: رجاله ثقات.
2 أخرجه الطحاوي: ص 132، والنسائي: ص 142، وأبو داود في باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء ص 117، والترمذي في الدعوات ص 179 - ج 2.
3 في باب افتتاح الصلاة ص 115.
4 في باب رفع اليدين إذا ركع ص 62.(1/413)
بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ1: وَهُمْ يُضَعِّفُونَ هَذَا، وَيَقُولُونَ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالْحُفَّاظُ يُوقِفُونَهُ عَلَى أَنَسٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَحِينَ يَرْكَعُ، وَحِينَ يَسْجُدُ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ3: وَهَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَقَدْ تَابَعَ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ عَلَى هَذَا الْمَتْنِ عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْجُذَامِيَّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ، وَكَذَلِكَ تَابَعَهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عِلَلِهِ أَيْضًا، لَكِنْ ضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْأَوَّلَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الثَّانِيَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَدْ خَالَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ دُونَ الرَّفْعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ5: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا سَجَدَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: إنِّي أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ كَانَ يُكَبِّرُ فَقَطْ، لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ، انْتَهَى.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْعِلَلِ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَيَقُولُ: أَنَا أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُتَابَعْ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ، وَلَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا6 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْأَثْرَمَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ بِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ
__________
1 ص 134، وقال الدارقطني: ص 108: لم يروه عن حميد مرفوعاً غير عبد الوهاب، والصواب من فعل أنس، اهـ.
2 في باب رفع اليدين إذا ركع ص 62.
3 ص 134.
4 في باب افتتاح الصلاة ص 115.
5 علل ابن أبي حاتم ص 107.
6 ص 62، والبيهقي.(1/414)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزبير به، وفيه: إذ رَكَعَ، قَالَ: هَكَذَا، رَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ، وَتَابَعَهُ زِيَادُ بْنُ سُوقَةَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رُوَاتُهُ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: هَلْ أُرِيكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ لِلرُّكُوعِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا، وَلَا تَرْفَعْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَرْفُوعَتَانِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَوَقَفَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: هَلُمُّوا أُرِيكُمْ، فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا، وَلَمْ يَرْفَعْ فِي السُّجُودِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ ثَنَا شُعْبَةُ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ طَاوُسًا كَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ، وَعِنْدَ رُكُوعِهِ، وَعِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَسَأَلْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: إنَّهُ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: الْحَدِيثَانِ مَحْفُوظَانِ أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّفْعِ. وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، فَفِي عِلَلِ الْخَلَّالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَثْرَمَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ طَاوُسًا، يَقُولُ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ يَقُولُ هَذَا عَنْ شُعْبَةَ؟ قُلْتُ: آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ. وَعَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ شُعْبَةَ، وَهُمَا وَهَمَا فِيهِ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَأَيْضًا فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرْجِعُ إلَى مَجْهُولٍ، وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَ الْحَكَمَ مِنْ أَصْحَابِ طَاوُسٍ، فَإِنْ كَانَ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلًا عَنْ عُمَرَ، وَإِلَّا فَالْمَجْهُولُ لَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِي عِيسَى سُلَيْمَانَ بْنِ كَيْسَانَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ
__________
1 ص 109، والبيهقي.
2 ص 74 – ج 2.(1/415)
بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَقْبِلُوا عَلَيَّ بوجهكم، أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي وَيَأْمُرُ بِهَا، فَقَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى حَاذَى بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ رَكَعَ، وَكَذَلِكَ حِينَ رَفَعَ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا، انْتَهَى1. قَالَ الشَّيْخُ: وَرِجَالُ إسْنَادِهِ مَعْرُوفُونَ، فَسُلَيْمَانُ بْنُ كَيْسَانَ أَبُو عِيسَى التَّمِيمِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَسَمَّى جَمَاعَةً رَوَى عَنْهُمْ، وَجَمَاعَةً رَوَوْا عَنْهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ حَالِهِ بِشَيْءٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَاسِمِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ذَكَرَهُ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ حَالِهِ أَيْضًا بِشَيْءٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى حَدِيثُ الرَّفْعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ. وَأَبُو أَسِيد السَّاعِدِيُّ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً الْبَدْرِيُّ. وسهيل بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٌ. وَمَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ. وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ الْبَلْخِيّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا قَالَ: عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَكَانَ مُرَادُهُ لَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ عَنْ مَالِكٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى الْأَثْرَمِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا محمد بْنُ مُعَاذٍ. وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. وَغُنْدَرٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الصَّلَاةِ إذَا رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعُوا، كَأَنَّهَا الْمَرَاوِحُ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَسَنُ أَحَدًا، وَلَا ثَبَتَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر عَنْ مَالِكٍ، وَفِيهِ: وَإِذَا رَكَعَ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: مَا رَأَيْت أَحْسَنَ صَلَاةٍ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ،
__________
1 حديث آخر، رواه البيهقي في السنن ص 73 - ج 2، قال أبو بكر: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ورواته ثقات.
2 الموطأ - في باب افتتاح الصلاة ص 26.
3 البيهقي في سننه ص 73 - ج 2.(1/416)
رَأَيْته يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَأَخَذَ ابْنُ جُرَيْجٍ، صَلَاتَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَخَذَ عَطَاءٌ صَلَاتَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ صَلَاتَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ نَحْوَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جريج عن الحسين بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ. وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ. وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعُوا مِنْ الرُّكُوعِ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَفِيهِ مَنْ يُسْتَضْعَفُ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ. وَابْنَ عُمَرَ. وَأَبَا سَعِيدٍ. وَابْنَ عَبَّاسٍ. وَابْنَ الزُّبَيْرِ. وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعُوا مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَيْثٌ مُسْتَضْعَفٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَبِي سَعِيدٍ. وَجَابِرٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ، قَالَ: وَرَوَيْنَاهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَفُقَهَاءِ مَكَّةَ. وَالْمَدِينَةِ. وَأَهْلِ الْعِرَاقِ. وَالشَّامِ. وَالْبَصْرَةِ. وَالْيَمَنِ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ: مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَعَطَاءُ بْنُ أبي رباح. وجاهد. وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَالنُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ. وَالْحَسَنُ. وَابْنُ سِيرِينَ. وَطَاوُسٌ. وَمَكْحُولٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ. وَنَافِعٌ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ. وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا، وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ فِيمَا يُعْرَفُ، وَلَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: صَلَّيْتُ يَوْمًا إلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ، فَقَالَ لِي: أَمَا خَشِيتُ أَنْ تَطِيرَ؟، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى، لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ، قَالَ وَكِيعٌ: رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَيْنَا الرَّفْعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَابْنِ عُمَرَ. وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ. وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ. وَأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ. وأبي هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً. وأبو أسد. وسهيل بْنُ سَعْدٍ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، يُحْتَجُّ بِهَا، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ، يَقُولُ: لا تعلم سُنَّةً اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، ثُمَّ الْعَشَرَةُ،(1/417)
فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ، غَيْرَ هَذِهِ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَجَزْمُ الْحَاكِمِ بِرِوَايَةِ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عِنْدِي بِجَيِّدٍ، فَإِنَّ الْجَزْمَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يَثْبُتُ الْحَدِيثُ وَيَصِحُّ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فَقَدْ رَوَى هَذِهِ السُّنَّةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيٍّ. وَطَلْحَةَ. وَالزُّبَيْرِ. وَسَعْدٍ. وَسَعِيدٍ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ. وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ. وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَبِي مُوسَى. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ. وَزِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ. وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَأَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ. وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. وَبُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَسْمَاءً أَتَوَقَّفُ فِي حِكَايَتِهَا إلَى الْكَشْفِ مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى: مِنْهُمْ أَبُو أُمَامَةَ. وَعُمَيْرُ بْنُ قَتَادَةَ اللَّيْثِيُّ. وَأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَمِنْ النِّسَاءِ: عَائِشَةُ، وَرُوِيَ عَنْ أَعْرَابِيٍّ آخَرَ صَحَابِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ وَصَفَتْ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَجَلَسَ عَلَيْهَا، وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا، وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي مُسْلِمٍ1 بَعْضُهُ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ. وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: التَّحِيَّةُ، إلَى أَنْ قَالَ2: وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقَبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبْعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ3 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَدَمَ الْيُمْنَى، وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ، وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى، انْتَهَى.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ4 بِلَفْظِ: إنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَك الْيُمْنَى، وَتُثْنِيَ الْيُسْرَى،
__________
1 في باب ما يجمع صفة الصلاة ص 194، وأبو داود في باب من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ص 121.
2 قوله: إلى أن قال، ليس بصواب، فإن قوله: وكان يفرش متصل بقوله: التحية وليس بينهما فصل، فلا معنى لقوله: إلى أن قال: والله أعلم.
3 هذا الحديث هو الحديث الثالث والثلاثون، تقدم في: ص 387، وأخرجه النسائي في باب الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة ص 173، وذكرت هناك أن المخرج أخطأ فيه من ثلاثة وجوه: أسقط هناك من الإسناد يحيى فقط، وههنا الليث، ويحيى معاً، وهذا الإسناد ليس لهذا المتن.
4 في باب سنة الجلوس في التشهد ص 114.(1/418)
لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِالْأَصَابِعِ، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَلَسَ يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ يَعْنِي فِي التَّشَهُّدِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ، وَتَشَهَّدَ، يُرْوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَفِي مُسْلِمٍ2 وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، إلَّا أَنَّ فِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَالَ: "قُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ. السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إلَى آخِرِهِ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْهُ3، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: "إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ - فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ - أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، انْتَهَى. زَادُوا فِي رِوَايَةٍ - إلَّا التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ -: "ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ، فَيَدْعُو بِهِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَصَحُّ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، انْتَهَى4.، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ خَصِيفٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي التَّشَهُّدِ، فَقَالَ: "عَلَيْك بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ"، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ فِي التَّشَهُّدِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
__________
1 في باب كيف الجلوس للتشهد ص 38.
2 في باب صفة الجلوس ص 216.
3 مسلم في باب التشهد في الصلاة ص 137، والبخاري في باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد ص 115، وفي الدعوات - في باب الأخذ باليدين ص 926، والنسائي في باب كيف التشهد الأول ص 173، وأبو داود في باب التشهد ص 146، وابن ماجه في التشهد ص 64، والترمذي في باب التشهد ص 38.
4 ليس في الترمذي الموجود عندنا، ولا في مسلم هذا القول.(1/419)
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَوَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا التَّشَهُّدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: فَمِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ1، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ، أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عياش عن جرير عن عُثْمَانَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ، إلَى آخِرِهِ، سَوَاءٌ، وَمِنْهُمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 أَيْضًا أَخْرَجَاهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ عَنْ التَّشَهُّدِ، فَقَالَ: أُعَلِّمُكُمْ كَمَا عَلَّمَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ إلَى آخِرِهِ، سَوَاءٌ، وَمِنْهُمْ عَائِشَةُ، وَحَدِيثُهَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْهَا، قَالَتْ: هَذَا تَشَهُّدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الخلاصة: سنده جيد، وفيه فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ، وَهِيَ: أَنَّ تشهده عليه السلام، تَشَهُّدِنَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ - الصَّلَوَاتُ - الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَالْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى، لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ، وَأَقَلُّهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَالْأَلِفُ. وَاللَّامُ وَهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَزِيَادَةُ الْوَاوِ وَهِيَ لِتَجْرِيدِ الْكَلَامِ، كَمَا فِي الْقَسَمِ، وَتَأْكِيدِ التَّعْلِيمِ، انْتَهَى. فَنَقُولُ: أَمَّا الْأَمْرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلْ فَلَيْسَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَلْفَاظِهِمْ الْجَمِيعِ، وَهِيَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ: إذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَقُولُوا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ، قُولُوا فِي كُلِّ جِلْسَةٍ، وَأَمَّا الْأَلِفُ. وَاللَّامُ فَإِنَّ مُسْلِمًا. وَأَبَا دَاوُد. وَابْنَ مَاجَهْ لَمْ يَذْكُرُوا تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ. وَاللَّامِ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ مُجَرَّدًا سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، سَلَامٌ عَلَيْنَا، الْحَدِيثَ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا الْوَاوُ فَلَيْسَتْ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَأَمَّا التَّعْلِيمُ فَهُوَ أَيْضًا فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 ومنهم أبو سعيد الخدري، حديثه عند الطحاوي: ص 156، قال: كنا نتعلم التشهد كما نتعلم السورة من القرآن، ثم ذكر مثل تشهد ابن مسعود - سواء، اهـ. وجابر، عند الطحاوي، إلا في لفظين: من أوله. وآخره.
2 قال الهيثمي في الزوائد ص 143 - ج 2: رواه الطبراني في الكبير. والبزار، وفيه بشر بن عبيد الله الدارسي، كذبه الأزدي، وقال ابن عدي: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، اهـ.
3 مسلم: ص 174، والترمذي: ص 38، وأبو داود: ص 147، وابن ماجه: ص 65، والنسائي: ص 195(1/420)
يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، هَكَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَفِي لَفْظِ الْبَاقِينَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ، يَنْهَضُ لَهُ مِنْهَا اثْنَانِ: الْأَمْرُ. وَزِيَادَةُ الْوَاوِ، وَسَكَتَ عَنْ تَرَاجِيحَ أُخَرَ: مِنْهَا أَنَّ الْأَئِمَّةَ السِّتَّةَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَفْظًا، وَمَعْنًى، وَذَلِكَ نَادِرٌ، وَتَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْدُودٌ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، وَأَعْلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْحُفَّاظِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَلَوْ فِي أَصْلِهِ، فكيف إذا اتفقنا عَلَى لَفْظِهِ، وَمِنْهَا إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ، عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى مَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ، وَالِاهْتِمَامِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْأَحَادِيثُ فِي التَّشَهُّدِ: مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: "إذَا صَلَّيْتُمْ، فَكَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ، فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ: التَّحِيَّاتُ. الطَّيِّبَاتُ. الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، وَطَوَّلَهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهُوَ مَرْدُودٌ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ، هُمْ أَجَلُّ مِنْ الْحَاكِمِ، وَأَتْقَنُ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ، انْتَهَى.
وَمِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ3 أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ، يقول: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ. الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ. الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ. السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ
__________
1 ص 174، وأبو داود: ص 147، والنسائي: ص 175، وابن ماجه: ص 65.
2 ص 175، وابن ماجه: ص 65، واللفظ له، والحاكم في المستدرك ص 267.
3 في باب التشهد في الصلاة ص 31، والحاكم في المستدرك ص 266، والبيهقي: ص 144 - ج 2، واللفظ له.(1/421)
وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، انْتَهَى. وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ فِي إخْفَاءِ التَّشَهُّدِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفِيَ التَّشَهُّدَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حديث حسن، رواه الحاكم في كتابه الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ وَسَطُ الصَّلَاةِ نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ، قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، فَكَانَ يَقُولُ: إذَا جَلَسَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَفِي آخِرِهَا، عَلَى وَرِكِهِ الْيُسْرَى: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ: عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: ثُمَّ إنْ كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، نَهَضَ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ تَشَهُّدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا دَعَا بَعْدَ تَشَهُّدِهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ. وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ"، زَادَ النَّسَائِيّ4. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَوَى أَبُو قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ5 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقْرَأُ في الركعتين الأوليين - مِنْ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ - بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانَا، وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ، إلَّا التِّرْمِذِيُّ.
__________
1 في باب إخفاء التشهد ص 149، والترمذي في باب أنه يخفي التشهد ص 38، والمستدرك ص 144 - ج 1، واللفظ له.
2 وقال الهيثمي في الزوائد ص 142 - ج 3: رواه أحمد، ورجاله موثقون، اهـ.
3 مسلم في باب استحباب التعوذ من عذاب القبر ص 218، واللفظ له، ولم أجد في البخاري، أما في الجنائز - في باب التعوذ من عذاب القبر ص 184، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: "اللهم أعوذ بك من عذاب القبر" الحديث.
4 في باب التعوذ في الصلاة ص 193، وهذا لفظه، ولفظ البيهقي: ص 154 - ج 2: ثم ليدع بما شاء.
5 البخاري في باب ما يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب ص 107، ومسلم في باب القراءة في الظهر والعصر ص 15 - ج 1.(1/422)
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا مِنْدَلٌ العتري ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1 حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَوْنُ بْنُ سَلَامٍ ثَنَا سِنَانُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ. وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ وَائِلٍ. وَعَائِشَةَ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ، قُلْت: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، وَأَخَذَ بَعْضُ الْجَاهِلِينَ يَعْتَرِضُ هُنَا عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا سَهْوٌ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، إلَّا عَنْ عَائِشَةَ، وَهَذَا إقْدَامٌ مِنْهُ عَلَى تَخْطِئَةِ الْعُلَمَاءِ بِجَهْلٍ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ هُنَاكَ ذَكَرَ فِي الْجُلُوسِ أَشْيَاءَ، وَعَزَا بَعْضَهَا عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضَهَا عَنْ وَائِلٍ، وَجَمَعَهَا هُنَا بِقَوْلِهِ: وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ، كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى، لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ. وَعَائِشَةَ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ، وَهُوَ: نَصْبُ الْيُمْنَى، وَافْتِرَاشُ الْيُسْرَى، وَهَذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَّا عَنْ عَائِشَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ: وَلِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ التَّوَرُّكِ، قُلْنَا: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى، عُمُومَ الْحَالَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا، ثُمَّ خَصَّصَ فِي التَّعْلِيلِ مِنْهَا هَيْئَةَ الْجُلُوسِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَعَدَ مُتَوَرِّكًا، قُلْتُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا مُسْلِمًا فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى أن قال: فإن جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا، ثُمَّ سَلَّمَ، مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ: وَالْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ،
__________
1 وأخرج الطحاوي: ص 124 من حديث عبيد الله عن جابر موقوفاً.
2 البخاري في باب سنة الجلوس ص 114.(1/423)
قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ تَضْعِيفُ الطَّحَاوِيِّ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَكَلَامُ الْبَيْهَقِيّ مَعَهُ، وَانْتِصَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لِلطَّحَاوِيِّ مُسْتَوْفًى، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ1.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ والأربعين: حَدِيثُ: إذَا قُلْتَ هَذَا، أَوْ فَعَلْتَ هَذَا، قُلْتَ: احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ فَرِيضَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأَنَّ أَبَا دَاوُد أَخْرَجَهُ فِي سُنَنِهِ2 قَالَ الْخَطَّابِيُّ3: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ، هَلْ هِيَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُدْرِجَتْ فِي الْحَدِيثِ؟ فَإِنْ صَحَّ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ4: وَقَدْ بَيَّنَهُ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَفَصَلَ كَلَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ5 رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنُ ثَوْبَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ - بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ، بِلَفْظِ السُّنَنِ -: وَقَدْ أَوْهَمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ الصِّنَاعَةَ، أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: إذَا قُلْتُ6 هَذِهِ زِيَادَةٌ أَدْرَجَهَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْخَبَرِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ، ثم قال:
__________
1 قلت: قد تقدم تحت عنوان أحاديث الخصوم عند ذكر حديث أبي حميد تضعيف الطحاوي لحديثه، وكلام البيهقي معه، ولم أر هناك انتصار الشيخ تقي الدين له، فليراجع النسخ الصحيحة.
2 في باب التشهد ص 146.
3 في الجزء الأول من معالم السنن ص 229 - ج 1.
4 في سننه ص 174 - ج 2.
5 قوله: لذلك الخ، هذا القول في: ص 175 - ج 2 من سنن البيهقي، منفصلاً عن القول الأول.
6 قوله: إذا قلت هذا أو فعلت هذا الخ، قلت: هذه الزيادة في حديث ابن مسعود، رواها جماعة من أصحاب زهير عن الحسن عن قاسم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلوها من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: منهم عبد الله بن محمد النفيلي، عند أبي داود: ص 146، وأبو عنان. وأحمد بن يونس، عند الطحاوي: ص 162، وأبو نعيم، عند الطحاوي: ص 162، والدارمي: ص 160، وموسى بن داود، عند الدارقطني: ص 135، وأبي داود الطيالسي في مسنده ص 36، ويحيى بن آدم، عند أحمد في مسنده ص 422، ويحيى بن يحيى، عند البيهقي: ص 174 - ج 2، ورواها شبابة بن سوار عن زهير بإسناده، عند الدارقطني: ص 135، والبيهقي: ص 174 - ج 2، وجعلها من كلام ابن مسعود، وقال في آخر الحديث: قال عبد الله: فإذا قلت ذلك، فقد قضيت ما عليك من الصلاة، فإن شئت أن تقوم، الخ. ورواها غسان بن الربيع عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن الحسن بن الحر بإسناده، وقال في آخره: قال ابن مسعود: فإذا فرغت من هذا، الحديث، أخرجه الدارقطني في سننه ص 135، والبيهقي في: ص 175 - ج 2، وروى الدارقطني في سننه ص 134، وأحمد في مسنده ص 450 - ج 1 من حديث حسين بن علي الجعفي عن الحسن بن الحر بإسناده، ولم يذكر الزيادة، قال الدارقطني: وتابعه أي الحسين بن علي الجعفي على ترك الزيادة ابن عجلان. ومحمد بن أبان عن الحسن بن الحر، ثم أسند حديث بن عجلان عن الحسن، قلت: كذا قال الدارقطني، والظاهر من كلام ابن حبان الذي ذكره الزيلعي أن محمد بن أبان ذكر الزيادة في الحديث، الأ أنه ضعيف، والله أعلم.(1/424)
ذَكَرَ ابْنُ ثَوْبَانَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ زُهَيْرًا أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا، فَقَدْ فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِك، فَإِنْ شئت فثبت، وَإِنْ شِئْتَ فَانْصَرِفْ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُرِّ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ الْحَسَنُ: وَزَادَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. قَالَ: فَإِذَا قُلْتَ هَذَا، فَإِنْ شِئْتَ فَقُمْ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ضَعِيفٌ، قَدْ تَبَرَّأْنَا مِنْ عُهْدَتِهِ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ - بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ هَكَذَا -: أَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ عَنْ زُهَيْرٍ، وَوَصَلَهُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَصَلَهُ شَبَابَةُ عَنْ زُهَيْرٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، فَإِنَّ ابْنَ ثَوْبَانَ رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ كَذَلِكَ، وَجَعَلَ آخِرَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِاتِّفَاقِ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ. وَابْنِ عَجْلَانَ. وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ فِي رِوَايَتِهِمْ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، مَعَ اتِّفَاقِ كُلِّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ سَاقَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا، إلَى آخِرِهِ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِمْ عَنْ حَيْوَةَ
__________
= إذا عرفت هذا، فاعلم أن الحفاظ من أصحاب الشافعي: ابن حبان. والدارقطني. والبيهقي. والخطيب أعلوا هذه الزيادة، وحكموا عليها بأنها مدرجة في الحديث من كلام ابن مسعود، واختلفت كلمتهم في بيان ذلك، فقال ابن حبان: أدرجها زهير، واستدل على ذلك برواية غسان بن الربيع عن عبد الرحمن بن ثابت عن الحسن بن الحر، كما ذكره المؤلف، قلت: هذا من قبيل إبداء العلة في رواية الثقات برواية ضعيفة، فإن غسان بن الربيع ضعفه الدارقطني. وغيره، وعبد الرحمن بن ثوبان روى عثمان بن سعيد عن ابن معين أنه ضعيف، قال أحمد: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال البيهقي: ص 174 - ج 2: هذا حديث قد رواه جماعة بن أصحاب زهير، وأدرجوا آخر الحديث في أوله، ورواه شبابة بن سوار عن زهير، وفصل آخر الحديث من أوله، وجعله من كلام ابن مسعود، وقال الدارقطني: وذكر رواية شبابة موقوفاً قوله: أشبه بالصواب، لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخره من كلام ابن مسعود، ولاتفاق الحسين الجعفي. وابن عجلان. ومحمد بن أبان على ترك ذكره في آخر الحديث، اهـ. قلت: ما ذكر من رواية ابن ثوبان، فقد ذكرنا جوابه قبل، وأما ما ذكر من ترك حسين. وابن عجلان الزيادة، فحديث زهير من قبيل زيادة ثقة لا تخالف المزيد عليه، وأما ما ذكر من ترك محمد بن أبان الزيادة، فلعل الرواية عنه مختلفة، لأن الظاهر من كلام ابن حبان الذي ذكره المؤلف أنه ذكر الزيادة متصلة بالحديث، إلا أنه ضعيف، وأما ما ذكر من رواية شبابة، فهو من قبيل إعلال رواية الجماعة من الثقات برواية ثقة واحدة، وبمثل هذا لا يعلل رواية الجماعة الذين جعلوا هذا الكلام متصلاً بالحديث، فالمصير إلى أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرواه مرة، وأفتى به أخرى، أولى من جعله كلام ابن مسعود، ولأنه فيه تخطئة الجماعة الذي وصلوه.
1 في الصلاة - في باب الدعاء ص 215، والترمذي في الدعوات - في باب ما جاء في جامع الدعوات ص 186 - ج 2، واللفظ له، والنسائي في باب التمجيد، والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 189 والبيهقي: ص 147 - ج 2.(1/425)
بْنِ شُرَيْحٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ أَبِي هانئ حميد عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ، لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجِّلْ هَذَا"، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ. أَوْ لِغَيْرِهِ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدَ الثَّنَاءِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْضًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْك، فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا؟ قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَحْبَبْنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ: "إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، انْتَهَى. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَوْلُهُ: إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا، زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ إسْحَاقَ، وَهُوَ صَدُوقٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، فَزَالَ مَا يُخَافُ مِنْ تَدْلِيسِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ - فِي الطَّهَارَةِ عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُحِبَّ الْأَنْصَارَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ5، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ6، وَقَالَ: عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ7، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وسواء، وَحَدِيثُ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، مَعَ أَنَّ
__________
1 في الصلاة - في باب الدعاء بعد الصلاة ص 268، وص 230.
2 ص 268.
3 ص 135.
4 ص 269.
5 عبد المهيمن واهٍ مختصر الذهبي.
6 ص 136، مختصراً.
7 والبيهقي في سننه ص 379 - ج 2.(1/426)
جَمَاعَةً تَكَلَّمُوا فِي أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسٍ: مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالْعُقَيْلِيُّ. وَالدُّولَابِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا وَلَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَوَقَفَهُ تَارَةً، وَرَفَعَهُ أُخْرَى، وَقَالَ فِي الْعِلَلِ: وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ: وَالِاخْتِلَافُ مِنْ الْجُعْفِيِّ، وَلَيْسَ بِثِقَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي السُّنَنِ: جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَفَعَهُ مَرَّةً، وَوَقَفَهُ أُخْرَى، ثُمَّ أَخْرَجَهُ1 عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، مِنْ قَوْلِهِ: مَا صَلَّيْت صَلَاةً لَا أُصَلِّي فِيهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، إلَّا ظَنَنْت أَنَّ صَلَاتِي لَمْ تَتِمَّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ يَحْيَى بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَآلَ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت. وَبَارَكْت. وَتَرَحَّمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ. وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُهْمَلٌ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَا4، وَقَدْ شَذَّ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا سُنَّةَ يَتَّبِعُهَا، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ: مِنْهُمْ الطبري. والقيشري، وَخَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ الْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهَا قُدْوَةً، وَقَدْ شَنَّعَ النَّاسُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ جِدًّا، فَهَذَا تَشَهُّدُ ابن مسعود الذي سمعه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ، لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَجَابِرٍ. وَابْنِ عُمَرَ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَجَابِرٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَنَحْوِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ، وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَرِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَمَّا مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ"، فَحَدِيثٌ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مَعْنَاهُ كَامِلَةً، أَوْ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ مَرَّةً فِي عُمْرِهِ، وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ
__________
1 الدارقطني: ص 136، والبيهقي: ص 379 - ج 2.
2 ص 379 - ج 2.
3 ص 269 في باب صيغ الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم أجد فيه قوله: مهمل، والله أعلم.
4 في الباب الرابع، من الجزء الثاني - من الشفا.(1/427)
بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ، انْتَهَى. وَرَأَيْت فِي بَعْضِ تَصَانِيفِ الْحَنَابِلَةِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا، وَقَالَ: بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ1: ابْنُ مَسْعُودٍ. وَأَبُو مَسْعُودٍ. وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ: أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ. وَالشَّعْبِيِّ. وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ.
قَوْلُهُ: وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ فِي التَّشَهُّدِ، هُوَ التَّقْدِيرُ، قُلْت: رَوَى النَّسَائِيّ2 فِي بَابِ إيجَابِ التَّشَهُّدِ مِنْ سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُولُوا هَكَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِلَفْظِ: يُفْرَضُ، إلَّا النَّسَائِيّ، فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ3، قَالَ: كُنَّا إذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ4 قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: كُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ، وَرِوَايَةٌ لِلنِّسَائِيِّ5: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، الْحَدِيثَ. وَبِلَفْظِ النَّسَائِيّ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سننهما، وقالا: إسنادهما صَحِيحٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ احْتَجَّ به أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ فَرْضٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وَأَعْجَبَهُ إلَيْك"، قُلْت: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ6 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ وَسَطَ الصَّلَاةِ، نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَإِذَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ:
__________
1 قال ابن حزم في المحلى ص 138 - ج 4: وقد ذكر بعضهم يوافق قولهم عن أبي حميد. وأبي أسيد، اهـ.
2 في كتاب السهو ص 187، والدارقطني: ص 123، والبيهقي: ص 378 – ج 1.
3 في باب ما يتخير من الدعاء، ص 115، ومسلم في باب التشهد في الصلاة ص 173، وأبو داود باب التشهد ص 146، وابن ماجه في باب التشهد ص 64، والنسائي في باب كيفية التشهد الأول: ص 174.
4 والبخاري: ص 936.
5 والبخاري: ص 920.
6 أي الحديث الرابعوالأربعين.(1/428)
ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ، فَيَدْعُو بِهِ1، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ لِلْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَخُصُوصًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ2، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ بَعْدُ مِنْ الْكَلَامِ مَا شَاءَ، ذَكَرَهُ فِي الدعوات، وفي الاستيذان، ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ، إلَى آخِرِهِ"، إنْ كَانَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ أَرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا مَقْطُوعًا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ أَرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَوْلَهُ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، إلَى آخِرِهِ، وَأَرَادَ بِالْآخَرِ حَدِيثَ التَّشَهُّدِ، وَهَذَا يَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ، بَلْ الْحَدِيثَانِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَةِ الدُّعَاءِ بِكَلَامِ النَّاسِ، نَحْوَ: اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي امْرَأَةً حَسْنَاءَ. وَأَعْطِنِي بُسْتَانًا أَنِيقًا، وَلَكِنْ الْمَانِعُونَ يَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِحَدِيثِ: إنَّ صَلَاتَنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، لَكَانَ أَصْوَبَ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ النُّسَخِ3، قِيلَ: قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا يَصِحُّ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا اسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ لِمَذْهَبِهِ، وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ4 فِي الصَّلَاةِ عَنْهُ، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ، وَهُوَ مَعْصُوبُ الرَّأْسِ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي قَدْ نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ، فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ، فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا، فَسَأَلَ، وَلَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا، فَتَعَوَّذَ، انْتَهَى. وَعَزَاهُ لِمُسْلِمٍ5، وَيُنْظَرُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ6 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ
__________
1 عند أحمد في مسنده ص 431 - ج 1، وص 437 - ج 1، وص 424 - ج 1، وص 413 - ج 1.
2 في الاستئذان ص 920، وفي الدعوات ص 936، ولفظه: ثم يتخير من الثناء ما شاء، وأخرج الطحاوي: ص 139، ولفظه: ثم ليختر أحدكم بعد ذلك أطيب الكلام، أو ما أحب من الكلام، وأحمد في مسنده ص 413 - ج 1.
3 أي حديث: إن صلاتنا هذه، الحديث عيني - على الهداية.
4 في باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع ص 191 - ج 1، وأبو داود في باب الدعاء في الركوع والسجود ص 134.
5 قلت: أما اللفظ بعينه، فلم أجد، وأما معناه فهو في حديث مسلم في الصلاة - في باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، ص 264 - ج 1، في حديث طويل.
6 في باب ما يقال في الركوع والسجود ص 191، وأبو داود في باب الدعاء في الركوع والسجود ص 134، والنسائي في باب أقرب ما يكون العبد من الله ص 170، والطحاوي: في: ص 138، والبيهقي: ص 110 - ج 2، ولم أر في شيء منها: فقمن أن يستجاب لكم، إلا ما في حديث ابن عباس، والله أعلم.(1/429)
مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ1 نَسْخَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ"، وَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} قَالَ: "اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ"، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا كَلَامٌ بَارِدٌ، فَإِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا صَدَرَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ2، وَنُزُولُ {سَبِّحْ} قَبْلَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطَّوِيلُ فِي الْهِجْرَةِ3، وَفِيهِ: فَمَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَفِظْت {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} فِي سُوَرٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ4 فِي قِصَّةِ مَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ حِينَ افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى - وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ5 بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} - وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ6 نَحْوُهُ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَطَوِّعِ، حَمَلَهُ7 عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ نُزُولَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} هُنَاكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَهُنَا جَعَلَهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عليه السلام، فَقَدْ ادَّعَى نَسْخَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا نَزَلَ قَبْلَهُ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، هَذَا شَأْنُ مَنْ يُسَوِّي الْأَحَادِيثَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ سُورَةَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَسُورَةَ: الْوَاقِعَةِ - وَالْحَاقَّةِ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} نَزَلْنَ بِمَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ
__________
1 في باب ما ينبغي أن يقال في الركوع والسجود ص 138.
2 حديث أنس أخرجه البخاري في التهجد - في باب من رجع القهقرى في صلاته ص 160.
3 حديث البراء أخرجه البخاري في الهجرة - في باب مقدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إلى المدينة ص 558.
4 حديث معاذ أخرجه البخاري في باب من شكا إمامه إذا طول ص 98، ومسلم في باب القراءة في العشاء ص 187، والطحاوي في باب القراءة في صلاة المغرب ص 125، وأصحاب السنن كلهم، من حديث جابر رضي الله عنه.
5 عند مسلم في الجمعة ص 288، وأخرجه الطحاوي في باب التوقيت في القراءة في الصلاة ص 240.
6 حديث سمرة عند النسائي في الجمعة ص 210، وأبو داود في باب ما يقرأ في الجمعة ص 177، وأحمد: ص 7 - ج 5، والطحاوي: ص 240.
7 حمله على هذا في باب الرجل يصلي الفريضة خلف من يصلي تطوعاً ص 238.(1/430)
خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 وَاللَّفْظُ لِلنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَأَبِي الْأَحْوَصِ، قَالُوا ثَلَاثَتُهُمْ: ثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ المصنف، ولفظ أبو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَهُوَ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ: حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ2 مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمْ أَنْسَ تَسْلِيمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ خَدَّيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ3 بِلَفْظٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّى عَلِقَهَا4؟! إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ5 عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كُنْت أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ الْفَضْلِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَإِذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ، يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ، وَكَانَ تَسْلِيمُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، انْتَهَى. وَفَضَالَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ6 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ بِهِ، وَمَا وَجَدْت ابْنَ عَسَاكِرَ ذَكَرَهُ فِي الْأَطْرَافِ، لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَوَجَدْت صَاحِبَ التَّنْقِيحِ عَزَاهُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، عِوَضٌ:
__________
1 أبو داود في باب السلام ص 150، والنسائي في باب السلام على الشمال ص 195، والترمذي في باب التسليم في الصلاة ص 39، وابن ماجه في باب التسليم ص 66، والطحاوي: ص 158، وابن جارود: ص 111.
2 والدارقطني في سننه ص 173: والبيهقي في سننه ص 177 - ج 2، ورواه في المحلى ص 275 - ج 3 من حديث أبي الضحى عن مسروق.
3 في باب السلام للتحليل ص 216، والطحاوي: ص 158، والدارمي: ص 161، والبيهقي: ص 176 - ج 2.
4 أنى علقها؟ أي من أين حصلها، وظفر بها.
5 في باب السلام للتحليل ص 216، والطحاوي: ص 158.
6 في باب التسليم ص 66، والطحاوي: ص 158.(1/431)
حُذَيْفَةُ، عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الدَّارَقُطْنِيُّ ذَكَرَهُ عَنْ عَمَّارٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو حدثني هودة بْنُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يساره، حتى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَبَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ: فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ2، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا سَلَّمْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، يُشِيرُ أَحَدُنَا بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بال الذي يومئون بأيدهم فِي الصَّلَاةِ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَشِمَالِهِ"، انْتَهَى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: صَلَّى بِنَا عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ صَلَاةً ذَكَّرَتْنَا صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَسِينَاهَا، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ تَرَكْنَاهَا، فَسَلَّمَ عَلَى يَمِينِهِ وعى شِمَالِهِ، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ في سننه4 عَنْ حُرَيْثِ بْنِ أَبِي مَطَرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ
__________
1 حديث طلق هذا الطحاوي، من حديث ملازم: ص 159، وقال في الزوائد ص 145 - ج 2، رواه أحمد، والطبراني في الكبير ورجاله ثقات، اهـ. قلت: أنا لم أجد في مسند أحمد في مظانه.
2 حديث جابر بن سمرة، أخرجه مسلم في باب السكون في الصلاة ص 181، والطحاوي: ص 158، قلت: في الباب حديث الأعرابي، وأسماء بنت حارثة ذكرها في الزوائد ص 145، وعزاها إلى من أخرجها، وحديث عدي. وأبي مالك. وأوس بن أوس. وأبي رمثة، عند الطحاوي: ص 159، وحديث سهل، ند أحمد: ص 338 - ج 5 مرفوعاً، وعند الطحاوي: موقوفاً، وحديث أبي حميد، عند الطحاوي: ص 153.
3 في باب التسليم ص 66، والطحاوي: ص 158، وأحمد: ص 415 - ج 4.
4 ص 136، والطحاوي: ص 159، والبيهقي: ص 177 - ج 2.(1/432)
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، انْتَهَى. وَحُرَيْثٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَالْفَلَّاسُ. وَابْنُ مَعِينٍ، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ. وَالْأَزْدِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ1 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ. وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ:
أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، لَكِنَّ لَهُ مَنَاكِيرَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْهَا: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، لَكِنَّ عَمْرَو بْنَ أبي سلمة يضعفه، قال ابْنُ مَعِينٍ، وَالْحَدِيثُ أَصْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى عَائِشَةَ، هَكَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: لَمْ يَرْفَعْهُ إلَّا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَثِيرُ الْخَطَأِ، لَا يُحْتَجُّ به، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَلَا يَقْبَلُ تَصْحِيحَ الْحَاكِمِ لَهُ، وَلَيْسَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى تسليمة واحدة شي ثَابِتٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ4 أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى فَسَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ليس بشي، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا عَلِيُّ
__________
1 والطحاوي في شرح الآثار ص 158، والنسائي في باب كيف السلام على اليمين ص 194، والبيهقي في السنن ص 178 - ج 2، كلهم من طريق ابن جريج.
2 باب التسليم في الصلاة ص 39 وابن ماجه في باب من سلم تسليمة واحدة ص 66، والحاكم: ص 23 - ج 1، والطحاوي: ص 159، والدارقطني: ص 137، والبيهقي: ص 179 - ج 2.
3 في باب من سلم تسليمة واحدة ص 66، له حديث التسليمتين أخرجه أحمد في مسنده ص 338 - ج 5: مرفوعاً، والطحاوي: ص 160 موقوفاً، وأحمد: ص 414 - ج 1، عن ابن مسعود مرفوعاً، وفي إسناد أحمد بن لهيعة حسن الحديث، وأخرجه الدارقطني: ص 137.
4 ص 66، والبيهقي: ص 179 - ج 2.
5 والسنن الكبرى ص 179 - ج 2.(1/433)
بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوهاب الجمحي ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنِي أَبِي. وَحَفْصٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً قِبَلَ وَجْهِهِ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: وَعَطَاءٌ ضَعِيفٌ قَدَرِيٌّ، وَفِيهِ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ.
قَوْلُهُ: وَلَا يَنْوِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ، فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، قُلْت: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ2 مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الجن، وقرينه من الملائك"، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: "وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ منظر عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ، فَإِذَا مَاتَ، قَالَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ وُكِّلَا بِهِ: قَدْ مَاتَ، أَفَتَأْذَنُ أَنْ نَصْعَدَ إلَى السَّمَاءِ؟، فَيَقُولُ اللَّهُ: سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ بِهَا مَلَائِكَتِي، يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: أَفَنُقِيمُ فِي الْأَرْضِ؟ فَيَقُولُ: أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي، يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: فَأَيْنَ؟ فَيَقُولُ: قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي، فَاحْمَدَانِي وَسَبِّحَانِي وَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي، وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي، حَتَّى أَبْعَثَهُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ - فِي بَابِ الْحَيَاءِ، وَهُوَ الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ، عَنْ عُبَادَةَ الْبَصْرِيِّ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَسْتَحْيِي أَحَدُكُمْ مِنْ مَلَكَيْهِ اللَّذَيْنِ مَعَهُ، كَمَا يَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ صَالِحِي جيرانه، وخما مَعَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ، ثُمَّ أُخْرِجَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ التَّعَرِّي؟ إنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ فِي نَوْمٍ وَلَا يَقِظَةٍ، إلَّا حِينَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، أَوْ حِينَ يَأْتِي خَلَاهُ، أَلَا فَاسْتَحْيُوهُمَا، أَلَا فَأَكْرِمُوهُمَا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وُكِّلَ بِالْمُؤْمِنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ مَلَكًا، يَذُبُّونَ
__________
1 والبيهقي في السنن ص 179 - ج 2، والدارقطني: ص 137.
2 في كتاب صفة المنافقين - في باب تحريش الشيطان ص 376 - ج 1.(1/434)
عَنْهُ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ: الْبَصَرُ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَمْلَاكٍ، يَذُبُّونَ عَنْهُ، كَمَا يَذُبُّ عَنْ قَصْعَةِ الْعَسَلِ الذُّبَابُ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ، وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} : حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْقُشَيْرِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْعَبْدِ، كَمْ مَعَهُ مَلَكٌ؟ فَقَالَ: "عَلَى يمينك ملك على حساتك، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى الْمَلَكِ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ، فَإِذَا عَمِلْت حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا، وَإِذَا عَمِلْت سَيِّئَةً، قَالَ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ لِلَّذِي عَلَى الْيَمِينِ: أَكْتُبُ؟ فَيَقُولُ لَهُ: لَا، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ، فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا، قَالَ: نَعَمْ، اُكْتُبْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهُ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ، مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لله، وأقل استحياؤه مِنَّا، يَقُولُ اللَّهُ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ، وَمَلَكَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْك وَمِنْ خَلْفِك! يَقُولُ اللَّهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} وَمَلَكٌ قَابِضٌ عَلَى نَاصِيَتِك، فَإِذَا تَوَاضَعْت لِلَّهِ رَفَعَك، وَإِذَا تَجَبَّرْت عَلَى اللَّهِ قَصَمَك، وَمَلَكَانِ عَلَى شَفَتَيْك، لَيْسَ يَحْفَظَانِ عَلَيْك إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَمَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى فِيك، لَا يَدَعُ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَّةُ فِي فِيك، وَمَلَكَانِ عَلَى عَيْنَيْك، فَهَؤُلَاءِ عَشْرَةُ أَمْلَاكٍ عَلَى كُلِّ ابْنِ آدَمَ يَتَبَدَّلُونَ، مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ عَلَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، لِأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ سِوَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، فَهَؤُلَاءِ عِشْرُونَ مَلَكًا، عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ، وَإِبْلِيسُ بِالنَّهَارِ، وَوَلَدُهُ بِاللَّيْلِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: حَدِيثُ: تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ، قُلْت: تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى فَرِيضَةِ السَّلَامِ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ كَانَ لَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ أَيْ لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِهِ، وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، فَقَالَ: إنَّ الدُّخُولَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَأْمُورِ بِهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ حَيْثُ أَمَرَ بِهِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنْهَا، فَقَدْ يَصِحُّ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ بِهِ، كَمَا فِي النِّكَاحِ. وَالطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَهَى أَنْ يَعْقِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ، حَتَّى لَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، وَأَمَرَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا إلَّا بِطَلَاقٍ لَا إثْمَ فِيهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ صَحَّ، وَلَزِمَهُ، مَعَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَيْثُ نَهَى عَنْهُ، قَالَ: وَهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ1 رُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ غَيْرُ فَرْضٍ، ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ
__________
1 أثرُ علي هذا، أخرجه الطحاوي: ص 161، والشافعي في الإمام ص 153 - ج 7، والدارقطني: ص 138، وقال أبو حاتم في العلل ص 113: حديث منكر.(1/435)
فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، انْتَهَى. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَهُ، تَتِمُّ بِدُونِ التَّسْلِيمِ، قَالَ1: وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَذْهَبِنَا أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ فَرْضٍ، مَا أَخْبَرَنَا رَبِيعٌ الْجِيزِيُّ ثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ أَنْبَأَ حيرة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ2 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلَمْ يَدْرِ، أَثْلَاثًا صَلَّى. أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، وَيَدَعْ الشَّكَّ، فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ نَقَصَتْ فَقَدْ أَتَمَّهَا، وَالسَّجْدَتَانِ يُرْغِمَانِ الشَّيْطَانَ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً، كَانَ مَا زَادَ، وَالسَّجْدَتَانِ لَهُ نَافِلَةٌ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ نَحْوَهُ، قَالَ: فَقَدْ جَعَلَ الرَّكْعَةَ الزَّائِدَةَ مَعَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ تَطَوُّعًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ الطَّحَاوِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ، قَدْ يُسْتَأْنَسُ لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، وَفِي لَفْظٍ: فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَانْتَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى. فَسَمَّاهُ قضاءاً وَتَمَامًا، قَبْلَ السَّلَامِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ4: وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ5: إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ فَعَلْت هَذَا، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك،
تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
تم بحمد الله وحسن توفيقه، الجزء الأول،
ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني
وأوله فصل في القراءة ومن الله التوفيق والهداية.
__________
1 لا أدري أين قال هذا؟ فلينظر.
2 حديث أبي سعيد هذا، أخرجه مسلم في باب السهو في الصلاة ص 211، والطحاوي: ص 251، ولم أر سياق الاستدلال هكذا إلا في: ص 161، والله أعلم.
3 في باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعة الفريضة ص 163، ومسلم في باب السهو في الصلاة والسجود له ص 211.
4 حديث عبد الله بن عمر أخرجه الطحاوي: ص 161، والدارقطني: ص 145، والطيالسي: ص 298، والبيهقي: ص 239 - ج 2.
5 حديث ابن مسعود تقدم في الحديث التاسع والأربعين.(1/436)
المجلد الثاني
كتاب الصلاة
فصل في القراءة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ
قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا، وَيُخْفِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ، هَذَا هو التوارث.
قُلْت: فِيهِ حَدِيثَانِ مُرْسَلَانِ، أَخْرَجَهُمَا، أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ": أَحَدُهُمَا: عَنْ الْحَسَنِ. وَالْآخَرُ: عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَيَفْعَلُ فِي الْعَصْرِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ فِي الظُّهْرِ، وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَسُورَةٍ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيُنْصِتُ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ، وَيَسْتَمِعُ لِمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ، لَا يَقْرَأُ مَعَهُ أَحَدٌ، وَالتَّشَهُّدُ فِي الصَّلَوَاتِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَمُرْسَلُ الْحَسَنِ نَحْوُهُ، وَذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: إنَّ مُرْسَلَ الْحَسَنِ أَصَحُّ، وَتَقَدَّمَ فِي "مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ1 فِي إمَامَةِ جِبْرِيلَ" مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ أَسَرَّ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ. وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ هُنَا.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ. وَأَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَةَ، يَقُولُ: صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ:
__________
1 ص 225(2/1)
قَالَ مُجَاهِدٌ: صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": حَدِيثُ: "صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ" بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ، قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ، عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا حَتَّى نَقِيسَ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، فَقَاسُوا قِرَاءَتَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الظُّهْرِ، بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى، قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، قَاسُوا ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ النِّصْفِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ. وَالْعِيدَيْنِ، لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ بِالْجَهْرِ،
قُلْت: اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى الْجَهْرِ فِي الْجُمُعَةِ. وَالْعِيدَيْنِ بِمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ4 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ. وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ "بـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ، مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى. وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ} ، وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ6 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ "بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ" يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، يُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَفِي النَّسَائِيّ7 كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ، فَيُسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةُ، بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ "سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ"، وَفِيهِ8 أَيْضًا
__________
1 في "باب القراءة في العصر" ص 105
2 في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 186، معناه".
3 في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 60 وأحمد: ص360-ج5
4 مسلم في "الجمعة" ص 288. وأبو داود في" باب ما يقرأ في الجمعة"ص79
5 مسلم في "العيدين" ص 291.
6 البخاري في "باب القراءة في الظهر" ص 150، ومسلم في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 185.
7 هذا الحديث أخرجه النسائي في "باب القراءة في الظهر" ص 153 من حديث البراء، دون أبي قتادة.
8 أي في "النسائي في باب القراءة في الظهر" ص 153.(2/2)
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ، قال: كنا بالطف* عِنْدَ أَنَسٍ، فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: إنِّي صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَقَرَأَ لَنَا بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْجَهْرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْخُرُوجُ فِي الْعِيدَيْنِ إلَى الْجَبَّانَةِ مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ رَوَى لَهُ الْأَرْبَعَةُ، كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ. وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِهِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِجَمَاعَةٍ، فَجَهَرَ فِيهَا، قُلْت: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِهِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ شَابٌّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْرُسُكُمْ، فَحَرَسَهُمْ، حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الصُّبْحِ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَمَا اسْتَيْقَظُوا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ، وَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ، وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ بِأَصْحَابِهِ، وَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي بِهَا فِي وَقْتِهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، وَلَكِنْ فِيهِ احْتِمَالٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 2 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ، وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا"، فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: "احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا"، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ، ثُمَّ قَالَ: "ارْكَبُوا"، فركبنا، وَسِرْنَا، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: "احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَك، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ"، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كل يوم، يختصر، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ: "فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الْفَائِتَةِ تَكُونُ كَصِفَةِ أَدَائِهَا، فَيَقْنُتُ فِيهَا، وَيَجْهَرُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: لَا يَجْهَرُ، وَحَمَلَ الصُّنْعَ فِيهِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ.
حَدِيثٌ آخَرُ نَحْوُهُ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: فِي نَوْمِهِمْ. وَقِيَامِهِمْ. وَصَلَاتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: "يا أيها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شَاءَ رَدَّهَا، فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا، ثُمَّ فَرَغَ إلَيْهَا، فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا"، وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَلَمْ يعله
__________
1 ص 295 - ج 3.
1 في "باب قضاء الصلاة الفائتة" ص 238"
"*" قرب الكوفة(2/3)
بِغَيْرِ الْإِرْسَالِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا أَيْضًا عَلَى الْجَهْرِ، وَيُمْكِنُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ: "بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ1 فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الِاسْتِعَاذَةِ" مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كُنْت أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لِي: يَا عُقْبَةُ! أَلَا أُعَلِّمُك خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا؟ فَعَلَّمَنِي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} قَالَ: فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْت بِهِمَا جِدًّا، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الصبح صلى بهما صلاة الصُّبْحَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ الْتَفَتَ إلَيَّ، فَقَالَ: يَا عُقْبَةُ! كَيْفَ رَأَيْت؟، انْتَهَى. وَالْقَاسِمُ هَذَا، هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ، مَوْلَاهُمْ الشَّامِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ ابْنِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّهُمْ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ 2" كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، أَمِنَ الْقُرْآنِ هُمَا؟، فَأَمَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، أَخْرَجَهُ فِي "الصَّلَاةِ وَفِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ"، ثُمَّ أَخْرَجَهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3 ". وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً، أَوْ خَمْسِينَ، سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ، إلَى سِتِّينَ، إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، قُلْت: رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 4" مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بـ "ق وَنَحْوِهَا"، وَأَخْرَجَا 5 عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ، إلَى الْمِائَةِ آيَةٍ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ حِبَّانَ: كَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ، إلَى الْمِائَةِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَؤُمَّنَا فِي الْفَجْرِ "بِالصَّافَّاتِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ"بِالْوَاقِعَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ"، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ.
__________
1 "في أبواب قراءة القرآن في باب المعوذتين" ص 213، والنسائي في "أوائل كتاب الاستعاذة" ص 312، "وباب القراءة في الصبح بالمعوذتين" ص 151، مختصراً".
2 ص 240 ج 1، وص 567 ج 1.
3 ص 44 ج 4.
4 في "باب القراءة في الصبح" ص 187.
5 البخاري في "باب وقت الظهر عند النزول" ص 77، ومسلم في "باب القراءة في الصبح" ص 187.(2/4)
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ. وَالظُّهْرِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعَصْرِ. وَالْعِشَاءِ: بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ: بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ1 أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ. وَغَيْرِهِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ: بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعِشَاءِ: بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الصُّبْحِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ2" حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ أَقْرَأَنِي أَبُو مُوسَى كِتَابَ عُمَرَ: أَنْ اقْرَأْ بِالنَّاسِ فِي الْمَغْرِبِ: بِآخِرِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ اقْرَأْ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ، مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ 3 فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ". وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ: بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ: بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ4. وَابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِمَا" مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا صَلَّيْت وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ: بقصار المفصل، وفي العشار: بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْغَدَاةِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ 5" عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْفَتَى "يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ"، قَالَ الضَّحَّاكُ: وَكُنْت أُصَلِّي خَلْفَهُ، فَكَانَ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، إلَى آخِرِهِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 92: باسناد ضعيف منقطع ولم يذكر الظهر والعصر، اهـ"
2 الطحاوي في "شرح الآثار" ص 127.
3 ص 41.
4 في "باب تخفيف القيام والقراءة" ص 158، وابن ماجه في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 60.
5 ص 244 ج 5.(2/5)
غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا" مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: فِي الظُّهْرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: {كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ {الم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةُ. وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ , وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ , بَدَلَ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً , وَالْعَصْرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ َفِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ} انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي، وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ، قُلْت: وَلِلْخُصُومِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ أَنْ يقرأ "بتنزيل السجدة وهل أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ" حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ {الم , تَنْزِيلُ} "السَّجْدَةُ" وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} [الْإِنْسَانِ:1] ، انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى طَرِيقِهِ إنْ كَانَ يَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ كَانَ يُدِيمُ ذَلِكَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ4 "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ يُوسُفَ الْأُمَوِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا دُحَيْمٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {الم, تَنْزِيلُ} [السَّجْدَةُ:2] وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان:1] يُدِيمُ ذَلِكَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ،
__________
1 في "باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب" ص 107، واللفظ له، ومسلم في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 185.
2 في "باب القراءة في الظهر والعصر" ص 185، والدارقطني: ص 128، وقال: هذا صحيح ثابت.
3 في "الجمعة في باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة" ص 122، ومسلم في "الجمعة" ص 288.
4 ص 205.(2/6)
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَحَدِيثُ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" انْتَهَى. وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ مَجْرُوحٌ2، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَلَكِنْ لَهُ طُرُقٌ أُخْرَى، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً، وَلَكِنْ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ3"، أَخْبَرْنَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ الله بن شداد بن جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ4"، وَأَخْرَجَهُ هُوَ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَقْرُونًا بِالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَحْدَهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ5: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُ أبي حنيفة.
__________
(1) قلت: نسخ سنن ابن ماجه المطبوعة في الهند، ههنا مختلفة في بعضها هكذا، كما قال الحافظ المخرج: عن جابر الجعفي عن أبي الزبير، وفي النسخة المطبوعة في "مطبعة: عمدة المطابع في حياة مولانا الشاه عبد الغني" المسماة "بانجاح الحاجة" سنة 1273 هـ، في ص 129 منها، هكذا: عن جابر الجعفي. وعن أبي الزبير، قلت: ويؤيد هذه النسخة مافي "مسند أحمد" ص 339 ج 3: حدثنا أسود بن عامر حدثنا حسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من كان له إمام فقراءته له قراءة"، وما في "الجوهر النقي" ص 159 ج 2، قال: قلت: في "مصنف ابن أبي شيبة" حدثنا مالك بن إسماعيل عن حسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من كان له إمام فقراءته له قراءة" كذا رواه أبو نعيم عن الحسن بن صالح عن أبي الزبير، ولم يذكر الجعفي، كذا في "أطراف المزى" وتوفي أبو الزبير سنة ثمان وعشرين ومائة، ذكره الترمذي. وعمر بن علي، وحسن بن صالح، ولد سنة مائة، وتوفي سنة سبع وستين ومائة، وسماعه من أبي الزبير ممكن، ومذهب الجمهور: إن أمكن لقاءه لشخص، وروى عنه، فروايته محمولة على الاتصال، فحمل على أن الحسن سمعه من أبي الزبير مرة بلا واسطة، ومرة أخرى بواسطة الجعفي. وليث، اهـ. وفي "الروح" ص 132 ج 6، رواه أبو حميد عن أبي نعيم عن الحسن بهذا الاسناد.
2 قال سفيان: ما رأيت في الحديث أورع منه، وقال شعبة: جابر صدوق في الحديث، وقال: كان جابر إذا قال: حدثنا، أو سمعت فهو أوثق الناس، وقال زهير بن معاوية: كان إذا قال: سمعت، أو سألت، فهو أوثق الناس، وقال وكيع: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابراً ثقة، حدثنا عنه: سفيان. وشعبة. وحسن بن صالح، وقال الثوري لشعبة: لئن تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمن فيك، وقال الدوري، عن ابن معين: لم يدع جابر مما رآه إلا زائدة، وكان كذابا، وروى عنه ابن عيينة، وقال ابن عدي: له حديث صالح، وشعبة أقل رواية عنه من الثوري، وقد احتمله الناس، وعامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة، وهو مع هذا إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق، وروى له أبو داود في "الصلاة" حديثاً واحداً، قلت: كذبه أبو حنيفة. وآخرون، وقال الدارقطني ص 145: قال أحمد بن حنبل: لم أتكلم في جابر لحديثه، وإنما أتكلم فيه لرأيه، وقال أبو داود: جابر عندي ليس بالقوي في حديث "دراية" اهـ ـ.
3 ص 97، و"كتاب الآثار" ص 20.
4 ص 123، والبيهقي: ص 159 ج 2.
5 قوله: قال الدارقطني: هذا الحديث لم يسنده عن جابر بن عبد الله غير أبي حنيفة. والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان، الخ. قلت: ما قال الدارقطني: مردود بكلا جزءيه، أما قوله: لم يسنده غير أبي حنيفة، فبما رواه أحمد ابن منيع في "مسنده": أخبرنا إسحاق الأزرق حدثنا سفيان. وشريك عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كان إمام فقراءة الإمام له قراءة" وسفيان: هو سفيان(2/7)
وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَشُعْبَةُ. وَإِسْرَائِيلُ.
__________
، وشريك القاضي أيضاً من رجال الصحيحين تابعا أبا حنيفة في ذكر جابر رضي الله عنه.
وأما قوله في أبي حنيفة. إنه ضعيف، فبما رواه الحافظ بن عبد البر في "الانتقاء" ص 127 عن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: سئل ابن معين عن أبي حنيفة، فقال: ثقة ما سمعت أحداً ضعفه، هذا شعبة بن الحجاج يكتب إليه أن يحدث، ويأمره، وشعبة شعبة، اهـ. وقال في "كتاب العلم له" ص 149 ج 2: قال يحيى بن معين: ما رأيت أحداً أقدمه على وكيع، وكان يفتي برأي أبي حنيفة، وكان يحفظ حديثه كله، وكان يسمع من أبي حنيفة حديثاً كثيراً، قال علي بن المديني. أبو حنيفة روى عنه الثوري. وابن المبارك، وحماد بن زيد. وهشيم. ووكيع بن الجراح. وعباد بن العوام. وجعفر بن عون، وهو ثقة لا بأس به.
فقول الدارقطني في أبي حنيفة مسبوق بقول هؤلاء الأعلام، وما منهم إلا وهو أجل وأوثق من الدارقطني، ومن وافقه على تضعيف أبي حنيفة، قال العيني: من أين له تضعيف أبي حنيفة، وقد روى في "مسنده" أحاديث سقيمة. ومعلولة. ومنكرة. وغريبة. وموضوعة؟!، اهـ
قال الزيلعي فيما تقدم ص 360، في بحث البسملة: والدارقطني ملأ كتابه من الأحاديث الغريبة. والشاذة. والمعللة، وكم من حديث لا يوجد في غيره؟!، اهـ أقول: من مارس كتابه علم أنه قلما يتكلم على هذه الأحاديث، إلا حديثاً خالف الشافعي، فيظهر عواره، أو وافقه، فيصححه إن وجد إليه سبيلاً، لا أقول: إنه يفعل ذلك بهوى النفس، ولكن إذا كان ثقة ضعفه بعضهم، أو ضعيفاً فيه كلام لبعضهم، أو ضعيفاً وثقه بعضهم، أو وجد مجهولاً يترقب، ويظهر طرقه الموافق لإمامه، وقد عمل كتاباً في جهر التسمية، ملأه بالأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، فلما استحلفه رجل من علماء مصر، هل فيه حديث صحيح؟ فقال: أما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا، وأما عن الصحابة، فمنه صحيح. ومنه ضعيف، اهـ. وهذا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي رجل واحد يوثقه في حديث طهارة المني: ص 46، ويقول: ثقة، في حفظه شيء، ويسند، والقول فيه في حديث "شفع الاقامة" ص 89، ويقول: ضعيف سيء الحفظ، وفي حديث: القارن يسعى سعيين ص 273، يقول: رديء الحفظ، كثير الوهم، كأنه عليه غضبان، وهو له غائظ، وهذا حال كثير من الشوافع، قال ابن تيمية في البيهقي رحمه الله: إنه يحتج بآثار، لو احتج بها مخالفوه، أظهر ضعفها، فمن سلك هذا السبيل دحضت حجته، وظهر عليه نوع من التعصب بغير الحق، اهـ، ومع هذا لا ننكر علمهم ولا ديانتهم، ونقتدي بهم فيما لا سبيل لنا إلى العلم به إلا بهم، أو قالوا قولاً قضوا به على أنفسهم، وقد قال حافظ المغرب ابن عبد البر في "كتاب العلم له" ص 152 ج 2: والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته، وثبت في العلم أمانته، وبانت ثقته وعنايته، لم يلتفت إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة، يصح بها جرحته على طريق الشهادات، والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك، مما يوجب قوله من جهة الفقه والنظر، وأما من لم يثبت إمامته، ولا عرفت عدالته، ولا صحت لعدم الحفظ والإتقان روايته، فانه ينظر إلى ما اتفق أهل العلم عليه، ويجتهد في قبول ما جاء على حسب ما يؤدي النظر إليه، اهـ. ثم استدل على ذلك بكلام بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض، وكلام الأئمة من التابعين، ومن تبعهم، بعضهم في بعض، ولم يلتفت إليه أهل العلم، فأمر أبي حنيفة أن صير فيه إلى التقليد، فيحيى بن معين إمام أئمة هذا الفن، يوثقه، ويقول: ما سمعت أحداً ضعفه، ويقول: شعبة بن الحجاج يكتب إليه أن يحدث ويأمره. وشعبة شعبة، ويوثقه علي بن المديني الذي يقول فيه البخاري: ما استصغرت نفسي، كما استصغرت عند علي بن المديني، ويقول فيه: يروي عنه الثوري. وابن المبارك. وحماد بن زيد. وهشيم. وغيرهم، وإن ما قال الدارقطني: جرح، مبهم غير مبين، ولا مفسر، وذا في محله مختلف فيه، فكيف في مثل إمام من الأئمة، طبق علمه الأرض شرقاً وغرباً؟! فإن قيل: فسر بعض جرح أبي حنيفة، وتكلم فيه من قبل حفظه، قلت: هذا جرح مفسر، لكن الذين رأوا أبا حنيفة، ورووا عنه، وباحثوا معه في المسائل، وناظروه لم يعيبوا عليه فيه، بل أثنوا عليه ووثقوه، وان الذي جرح الامام بهذا لم يره، ولم ير منه ما يوجب رد حديثه، ولعله لم يطلع منه إلا على رواياته وأخباره، ونحن(2/8)
وَشَرِيكٌ. وَأَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ. وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ رَوَى السُّفْيَانَانِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَأَبُو عَوَانَةَ. وَشُعْبَةَ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، فَلَمْ يُسْنِدُوهُ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُرْسَلًا 1، وَقَدْ رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَلَمْ يُتَابِعْهُمَا عَلَيْهِ إلَّا مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْت سَلَمَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهَ، يَقُولُ: سَأَلْت أَبَا مُوسَى الرَّازِيَّ الْحَافِظَ عَنْ حَدِيثِ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" فَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ، إنَّمَا اعْتَمَدَ مَشَايِخُنَا فِيهِ عَلَى الرِّوَايَاتِ عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: أَعْجَبَنِي هَذَا لَمَّا سَمِعْته، فَإِنَّ أَبَا مُوسَى أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ. والدارقطني2 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَجَابِرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ بِجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ 3، وَلَكِنَّ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ قَرَنَهُ بِاللَّيْثِ، وَاللَّيْثُ4 ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالسَّعْدِيُّ، وَلَكِنَّهُ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنَّ الثِّقَاتِ رَوَوْا عَنْهُ، كَشُعْبَةَ. وَالثَّوْرِيِّ. وَغَيْرِهِمَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا5 عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي "تَرْجَمَتِهِ" بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، وَرَجُلٌ خَلْفَهُ يَقْرَأُ،
__________
على يقين أن الذين وثقوه مثل ابن معين وابن المديني وشعبة وغيرهم مارسوا أخباره، وسبروا أحاديثه، وكانوا أكثر خبرة من هؤلاء المتأخرين، وقد قال يحيى: كان وكيع يحفظ حديثه كله. ولم يحدث أبو حنيفة بعد الذين وثقوه بأحاديث أخذوا عليه، بل مات أبو حنيفة قبل ابن المديني ويحيى وشعبة ووكيع وغيرهم، فكانوا اختلفوا في أحاديث رواها أبو حنيفة صححها المتقدمون، وأنكرها هؤلاء المتأخرون، ولعلها أحاديث اختلقها أباء بن جعفر وأمثاله، أو روايات مزورة عملتها يدا نعيم بن حماد وأشباهه، وأيّاً ما كان، فهذا جرح في إمام طبق علمه الأرض، فمن يقلده، والموثوقون مثل وكيع وابن معين وابن القطان أوسع علماً من الجارح، فهذا كما قال العيني: يحط من قدر الجارح لا من قدر الامام الهمام، قال ابن عبد البر في "كتاب العلم" ص 149 ج 2: الذين رووا عن أبي حنيفة ووثقوه وأثنوا عليه أكثر من الذين تكلموا فيه من أهل الحديث، أكثر ما عابوا عليه الاغراق في الرأي، والقياس، والارجاء، ولقد ضعف النسائي أحمد بن صالح، وهو أفضل منه بيقين، وإن صير إلى أن لنا من الأمر شيئاً، فكلام هؤلاء إنما يحتاج إليه فيمن لم يكن للعلم به سبيل إلا بهم، وأما الأئمة الذين يبحث عن علمهم ليلاً ونهاراً، أو هم معروفون بين الناس، وقبلهم أهل العلم، كالشافعي ومالك وأمثالهم، فلا، كما قال حافظ المغرب، فنعم ما قال ابن حزم في مثل هذا الجارح، إنما يؤخذ كلام ابن معين وغيره إذا ضعفوا غير مشهور بالعدالة، اهـ.
1 أسند رواية أبي حنيفة في "السنن الكبرى" ص 160 ج 2.
2 ص 126، والطحاوي: ص 128، والبيهقي: ص 160 ج 2
3 في نسخة مروى "جابر"
4 والليث ثقة مدلس، "زوائد" ص 186، وفي "التقريب" صدوق اختلط بآخره، ولم يتميز حديثه، فترك.
5 والبيهقي في "جزء القراءة" ص 101(2/9)
فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَنْهَاهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ: أَتَنْهَانِي عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ نَبِيِّ اللَّهِ؟!، فَتَنَازَعَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عليه السلام: "مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ زَادَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ: جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ رَوَاهُ جَرِيرٌ. وَالسُّفْيَانَانِ. وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَشُعْبَةُ. وَزَائِدَةُ. وَزُهَيْرٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَيْسٌ. وَشَرِيكٌ. وَغَيْرُهُمْ، فَأَرْسَلُوهُ، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَضْعَفُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 1". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط" عَنْ سَهْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا حَدِيث مُنْكَرٌ، وَسَهْلُ بْنِ الْعَبَّاسِ مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِثِقَةٍ 2، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ إلَّا سَهْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مَوْقُوفًا، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ. وَلَا عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، وَفِيهِ عاصم ابْنُ عِصَامٍ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ 3" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ كَلَامِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي "تَفْسِيرِهِ 4
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 5" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ 6 عَنْ خَارِجَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ: يَكْفِيكَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ
__________
1 ص 154.
2 قوله: ليس بثقة، ليس في "النسخة المطبوعة" عندنا.
3 ص 339 ج 3 إسناد أحمد: حدثنا أسود بن عامر أنا حسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: رواته كلهم ثقات، قال الشارح الكبير"للمقنع" ص 11 ج 2: بعد ما أورد حديث أحمد باسناده ومتنه، وهذا إسناد صحيح متصل، رجاله كلهم ثقات، الأسود بن عامر روى له البخاري. والحسن ابن صالح أدرك أبا الزبير، ولد قبل وفاته بنيف وعشرين سنة، وروى من طرق خمسة سوى هذا، اهـ.
4 في "آخر سورة الأعراف" ص 624 ج 3".
5 ص 124.
6 أي الدارقطني: ص 154.(2/10)
انْتَهَى. قَالَ:: وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. قُلْت: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ 1" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ، فَلْيَقْرَأْ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط 2" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ نَجِيحٍ أَبِي إسْحَاقَ الْبَجَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قُلْت: قَدْ تَابَعَهُ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 3" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الرَّازِيُّ، ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ سُهَيْلٍ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الرَّازِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 4" مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَكْفِيك قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، خَافَتَ. أَوْ جَهَرَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ أَبُو مُوسَى: قُلْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْهُ، وَقَالَ: عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ 5 لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَفْعُهُ وَهْمٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسَ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" عَنْ غُنَيْمِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِغُنَيْمٍ 6، وَقَالَ: إنَّهُ يُخَالِفُ الثِّقَاتِ فِي الرِّوَايَاتِ، لَا يُعْجِبنِي الرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَكَيْفَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؟! رَوَى عَنْهُ الْمَجَاهِيلُ وَالضُّعَفَاءُ، وَلَا يُوجَدُ مِنْ رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَحَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ" أَحَادِيثَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" عَلَى تَرْكِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دُونَ السُّورَةِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي
__________
1 "باب ترك القراءة خلف الامام فيما جهر فيه" ص 29.
2 الطبراني في "الأوسط" وفيه أبو هارون العبدي، وهو متروك "زوائد" ص 111 ج 2.
3 ص 154، وص 126.
4 ص 126.
5 عاصم بن عبد العزيز صدوق من الثالثة.
6 في "الميزان" غنم بن سالم، أو مصغراً "غنيم".(2/11)
"سُنَنِهِ 1" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انتهى. قال البيهقي2: ورواه إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، فَذَكَرَ فِيهِ سَمَاعَ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ مَكْحُولٍ، فَصَارَ الْحَدِيثُ مَوْصُولًا صَحِيحًا، قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ، وَدَالٌّ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ حَدِيثُ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعَ الفاتحة. انتهى.
وقوله: وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، أَيْ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، قُلْت: رَوَى مُحَمَّدُ بن الحسن في "موطإِه 3" أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ، هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ مَعَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ مَعَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 4" حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرِو عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أيضاً في "موطإِه 5" عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ. قَالَ: أَنْصِتْ، فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا، وَيَكْفِيك الْإِمَامُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ 6 بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، لَا فِيمَا يَجْهَرُ وَلَا فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ، قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَةٍ، وَلَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ سُورَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، أَعْنِي الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَيُنْظَرَانِ.
__________
1 في "باب من ترك القراءة في صلاته" ص 126.
2ص 164 ج 2، قلت: وروى أحمد في "مسنده" ص 322 ج 5، والدارقطني: ص 121، حديث ابن إسحاق من طريق يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عنه، وذكر فيه سماع بن إسحاق عن مكحول، وأحمد من طريق يعقوب عن ابن إسحاق حدثني مكحول عن محمود بن الربيع، وذكر فيه السماع أيضاً، ويعقوب هذا هو ابن إبراهيم، فلعلّ الرواية الثانية فيها انقطاع، والله أعلم، ثم بقي شيء آخر، وهو أن مكحولاً مدلس أيضاً. ولم يذكر سماعه عن محمود في شيء من الروايات، وأن روايته هذه مضطربة عنه عن عبادة، وعنه عن محمود عن عبادة، وعنه عن نافع عن عبادة، روى كلها أبو داود في "سننه" وعنه عن محمود عن أبي نعيم عن عبادة، رواه الدارقطني، وأن ابن إسحاق تكلم فيه من تكلم.
3 ص 93 "باب القراءة خلف الإِمام" والطحاوي: ص 129، و"موطأ مالك": ص 29، والبيهقي: ص 161 ج 2، والدارقطني: ص 154، وإسناده صحيح.
4 في "باب القراءة خلف الإِمام" ص 129، وإسناده صحيح.
5 ص 96، والطحاوي: ص 129 عن وهيب. وشعبة. وأبي الأحوص، عن منصور به، وإسناده صحيح، والبيهقي في "كتاب القراءة" ص 117.
6 "موطأ محمد" ص 96، وابن أبان ضعيف.(2/12)
أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَيْضًا 1 عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي فِيهِ حَجَرٌ، وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنِ الْحَسَنِ أَيْضًا عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 2" عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْرَأُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ يَدَيَّ؟ فَقَالَ: لَا، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، إنْ جَهَرَ، وَلَا إنْ خَافَتْ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ.
أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ3. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَقَدْ أَخْطَأَ الْفِطْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 4" مِنْ طُرُقٍ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": هَذَا يَرْوِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَكْفِي فِي بُطْلَانِهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، إنَّمَا اخْتَارُوا تَرْكَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَطْ، لَا أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوهُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ، قُلْت: يُرِيدُ بِهِ قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ،
__________
1 "موطأ محمد" ص 98، وكذا الذي بعده.
2 ص 129.
3 أثر آخر أخرجه مسلم في "صحيحه في باب سجود التلاوة" ص 215 عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد ابن ثابت عن القراءة مع الإمام، فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء.
أثر آخر، رواه مالك في "الموطأ" ص 28، والترمذي: ص 42 في "باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإِمام إذا جهر بالقراءة" ص 42 عن وهب بن كيسان: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فلم يصل إلا وراء الإِمام، اهـ. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
أثر آخر، رواه الطحاوي: ص 129 عن علقمة عن ابن مسعود، قال: ليت الذي يقرأ خلف الإِمام ملئ فوه تراباً، قلت: إسناده حسن.
أثر آخر، رواه الطحاوي: ص 27، والدارقطني: ص 129، وأحمد عن كثير بن مرة عن أبي الدرداء، قام رجل فقال: يا رسول الله، أفي الصلاة قرآن؟ قال: نعم، فقال رجل من القوم: وجب هذا؟ فقال أبو الدرداء: يا كثير، وأنا إلى جنبه! لا أرى الإِمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم، اهـ. إسناده حسن.
4 ص 126، والبيهقي: ص 132 في "كتاب القراءة".(2/13)
أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ 1، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ، فَنَزَلَ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ 2، قَالَ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَفْعِ الْأَصْوَاتِ، وَهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي "تَفْسِيرِهِ 3" عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيِّ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْت بَعْضَ أَشْيَاخِنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْمَسْرُوقِيُّ: أَحْسَبُهُ قَالَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قُلْت لَهُ: كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ، قَالَ: إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَاسْتَمِعْ لَهُ، وَأَنْصِتْ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ عليه السلام:
"وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَحَدِيثُ أَبُو مُوسَى، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 4"، فِي "بَابِ الْقِرَاءَةِ. وَالرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ. وَالتَّشَهُّدِ"، فَقَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو غسان 5 الْمِسْمَعِيُّ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلُهُ "يَعْنِي حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فَذَكَرَ حَدِيثَ: "إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا"، وَفِيهِ قِصَّةٌ، قَالَ مُسْلِمٌ: وَفِي حَدِيثُ جَرِيرٍ مِنْ الزِّيَادَةِ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو إسْحَاقَ "يَعْنِي صَاحِبَ مُسْلِمٍ": قَالَ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أُخْتِ أَبِي النَّضْرِ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ "أَيْ طَعَنَ فِيهِ"؟ فَقَالَ مُسْلِمٌ: يَزِيدُ أَحْفَظُ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَحَدِيثُ أَبِي هريرة
__________
1 ص 155 ج 2.
2 قال الحافظ ابن تيمية في "فتاواه" ص 143 ج 2، وص 412 ج 2: قال أحمد: أجمعوا على أنها نزلت في الصلاة، اهـ، قال: ونقل أحمد الاجماع على أنها لا تجب القراءة على المأموم حال الجهر، اهـ ونحوه في "تنوع العبادات" ص 58، وفي "المغني لابن قدامة" ص 605، قال أحمد في رواية أبي داود: وأجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة، اهـ.
2 ورواه البيهقي في "كتاب الصلاة" ص 72 من طريق هشام بن زياد، وقال: ليس بالقوي، واختلف عليه في إسناده، اهـ. وروى البيهقي في "كتابه" عن غير واحد من الصحابة. والتابعين بأنها نزلت في الصلاة، وقال بعضهم: في الخطبة يوم الجمعة.
4 ص 174.
5 في نسخة "أبو غسان". هو الصحيح وانظر التصويبات آخر الجزء(2/14)
"يَعْنِي: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"؟ فَقَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ، فَقَالَ: لِمَ لَمْ تَضَعْهُ هَهنا؟ فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عندي صحيح وضعته هَهنا، إنما وضعت هَهنا مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، انْتَهَى كَلَام مُسْلِمٍ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ فِي بَابِ التَّشَهُّدِ 1" عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي غَلَّابٍ عَنْ حِطَّانَ بن عبد الله الراقشي بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَزَادَ: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ ذِكْرِ أَحَدِكُمْ التَّشَهُّدُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" كَذَلِكَ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، إلَّا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، إلَّا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقَطِيعِيُّ ثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حطان بن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ 2" عَنْ سَالِمِ بْنِ نُوحٍ الْعَطَّارِ
__________
1 ص 147، وابن ماجه في "باب إذا قرأ الإِمام فأنصتوا" ص 61، وأحمد: ص 415 ج 4.
2قلت: وبهذا السند رواه الدارقطني: ص 125: عن عمر بن عامر. وسعيد، كلاهما عن قتادة.
قال شيخ الإسلام السيد محمد أنور، نوّر الله مرقده، في "فصل الخطاب" ص 27، وتابعه "أي سليمان التيمي" على هذه الزيادة: عمر بن عامر، وهو من رجال مسلم، وسعيد بن أبي عروبة، عند الدارقطني. وغيره من طريق سالم ابن نوح العطار، وهو من رجال مسلم، وتابعه "أي سليمان أبو عبيدة" عنه، عند أبي عوانة في "صحيحه" وهو: مجاعة بن الزبير، أبو الزبير العتكي الأزدي، كما في "الأنساب" من الجند نيسابوري، وقال: مستقيم الحديث عن الثقات، وكذا قال هناك في "عبد الله بن رشيد" الراوي عنه: ولا يؤثر ما في "اللسان" في مجاعة، عن بعض المتأخرين، وهو الواقع في إسناد حديث في "ترجمة أبان المحاربي من الإصابة" لا كما خاله الحافظ هناك، فراجع، ومتابعة أبي عبيدة هذه نقلها في "حاشية آثار السنن" ص 85 ج 1، وكذا لا يؤثر ما في "اللسان" عن السري ابن سهل في عبد الله بن رشيد، وهو في "ذيل اللآلي" ص 25، وقد ترجم في "اللسان" لعبد الله بن رشيد أيضاً، وتابع جريراً عن سليمان، معتمر بن سليمان، عند أبي داود: ص 127، وسفيان الثوري، ذكره الدارقطني: ص 125، ولم يفصح بإعلال الحديث في "سننه" ولو كان أفصح، كان ماذا؟ فقد صحح حديث الانصات: أحمد ابن حنبل. وإسحاق. وصاحبه أبو بكر الأثرم، ثم مسلم: ص 174، ثم النسائي: ص 146 من حيث إخراجه إياه في "مجتباه"، ثم ابن جرير في "تفسيره" ص 112، ثم أبو عمرو بن حزم، ثم المنذري، ثم ابن تيمية. وابن كثير في "تفسيره"، ثم الحافظ في "الفتح" ص 201 ج 2، وآخرون، وجمهور المالكية. والحنابلة، اهـ. قلت: تصحيح أحمد. وابن إسحاق ذكره ابن تيمية في "تنوع العبادات" ص 86، وصححه ابن كثير. وابن جرير في "تفسيرهما في آخر سورة الأعراف"، وابن حزم في "المحلى" ص 210 ج 3، وتصحيح المنذري ذكره صاحب "عون المعبود" في: ص 235 ج 1، قلت: ثم أبو زرعة على مافي "مقدمة الفتح" ص 345، والقسطلاني: ص 18، قال مكي بن عبد الله: سمعت مسلماً يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار أن له علة، تركته. ونحوه في "الخطبة" ص 98، وفي "توجيه النظر" ص 240، قال بعضهم: أراد مسلم: بالإجماع، في قوله: ما أجمعوا عليه، إجماع أربعة أئمة، الحديث. أحمد بن حنبل. وابن معين. وعثمان ابن أبي شيبة. وسعيد بن منصور الخراساني.(2/15)
عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ. وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَلَمْ يُعِلَّهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَشْهَرُ مِنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي "بَابِ الْإِمَامِ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ" وَقَالَ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، وَالْوَهْمُ عِنْدَنَا مِنْ أَبِي خَالِدٍ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَبَا خَالِدٍ الْأَحْمَرَ هَذَا هُوَ: سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ احْتَجَّ بِهِمْ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا 2 أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ الْمَدَنِيُّ، نَزِيلُ بَغْدَادَ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ ابْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ، وَضَعَّفَهَا أَبُو دَاوُد والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ. لِتَفَرُّدِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ بِهَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ قَتَادَةَ الْحُفَّاظُ عَنْهُ: مِنْهُمْ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَسَعِيدٌ وَشُعْبَةُ وَهَمَّامٌ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبَانُ وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي عُمَارَةَ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، قَالَ: وَإِجْمَاعُهُمْ يَدُلُّ عَلَى وَهْمٍ، انْتَهَى. وَلَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَ مُسْلِمٍ تَفَرُّدُهُ بِهَا لِثِقَتِهِ وَحِفْظِهِ، وَصَحَّحَهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمُتَابَعَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ 3 الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُنْذِرِيُّ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، يَقُولُ: مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، هَذَا ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَلِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ مُتَابِعَانِ آخَرَانِ، غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدِيثَهُمَا وَضَعَّفَهُمَا: أَحَدُهُمَا: إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْغَنَوِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ
__________
1 في "باب الإِمام يصلي من قعود" ص 96، والنسائي في "باب {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] "ص 146، وابن ماجه في "باب إذا قرأ الإِمام، فأنصتوا" وصححه مسلم: ص 174، وابن حزم في "المحلى" ص 340 ج 3.
2 وتابع أبا خالد أيضاً أبو سعد الصاغاني، محمد بن مبشر، روى أحمد عنه عن ابن عجلان في "مسنده" ص 376 ج 2.
2 قلت: الصواب أن يقول: سليمان بن حيان بن الأزدي، وهو أبو خالد الأحمر، وأما التيمي، فهو في حديث أبي موسى الأشعري، دون حديث أبي هريرة، ومتابعة ابن سعد للأزدي عند النسائي في حديث أبي هريرة فقط، والله أعلم.(2/16)
بْنُ عَجْلَانَ بِهِ. وَالْآخَرُ: مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ أبي سعد الصفاني ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ بِهِ، قَالَ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ1" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ2. وَأَبِي مُوسَى: وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ 3 عَلَى خَطَإِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ: أَبُو دَاوُد. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالْحَاكِمُ. والدارقطني، وَقَالُوا: إنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، أَوْ يُحْمَلُ الْإِنْصَاتُ فِيهِ عَلَى تَرْكِ الْجَهْرِ 4، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيَّةَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي سُكُوتِك بَيْنَ التَّكْبِيرِ. وَالْقِرَاءَةِ؟ فَقَالَ: أَقُولُ "اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ" الْحَدِيثَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى النَّسَائِيَّ فِي "سُنَنِهِ" أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، سَمِعَهُ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: وَجَبَتْ هَذِهِ؟ فَالْتَفَتَ إلَيَّ، وَكُنْت أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِنْهُ، فَقَالَ: "مَا أَرَى الْإِمَامَ إذَا أَمَّ الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَفَاهُمْ"، انْتَهَى.
__________
1 صنف البيهقي ثلاث سنن: "الكبرى" التي رد عليها ابن التركماني. و"الصغرى". و"الأوسط"، وهي "كتاب المعرفة" صنفه قبل الكبرى كما صرح به في "الكبرى" ص 231 ج 1.
2 قلت: في هذا القول إجمال، الظاهر منه أن قول أبي حاتم. وابن معين. وغيرهما في حديث أبي هريرة. وأبي موسى كليهما، وليس كذلك، بل قول أبي داود في كليهما، وقول ابن معين. وأبي حاتم في حديث أبي هريرة فقط، راجع "السنن الكبرى" ص 156 ج 2، وص 157 ج 2، وراجع "علل ابن أبي حاتم" ص 164 ج 1، والظاهر من الدارقطني في "سننه" ص 125 تصحيح حديث أبي هريرة.
تنبيه: قال الشيخ محمد هاشم بن عبد الغفور السندي، في رسالة له في مسألة القراءة سماه "تنقيح الكلام" ما نصه: إن الدارقطني أخرج بسندين: أحدهما: سند ابن ماجه بعينه. وثانيهما: أنه أخرجه عن علي بن عبد الله بن مبشر عن أبي الأشعث أحمد بن المقدام عن المعتمر بن سليمان التيمي بهذا السند بعينه، ثم قال الدارقطني: بل ذكر كل من هذين السندين، هذا إسناد صحيح، ورواته كلهم ثقات، اهـ. قلت: لا أثر لهذا التصحيح في النسخة المطبوعة، كما لا أثر لقول نقل عن الدارقطني. وغيره، وإجماعهم يدل على وهم، اهـ.
3 هذا اللفظ من البيهقي في الطرف المقابل من لفظ مسلم في "صحيحه" ص 174، حيث صحح أبي هريرة: ولم يضعه في "كتابه" إنما وضع فيه حديث أبي موسى: إذا قرأ فأنصتوا، فقط، حين ألزمه ابن أخت أبي النضر بحديث أبي هريرة، بقوله: لم لم تضعه ههنا؟ قال: إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه، اهـ. أي إنما أوردت في الصحيح حديث أبي موسى: إذا قرأ فأنصتوا، لأنهم أجمعوا على تصحيحه، ولم أورد حديث أبي هريرة: إذا قرأ فأنصتوا، لأنه وإن كان صحيحاً عندي، لكن صحته عندي ليس بمجمع عليها، خالف مسلماً في تصحيح ابن معين. وأبو حاتم، وهذا هو وجه الترك، والله أعلم.
4 قلت: يفهم من هذه العبارة أن هؤلاء الحفاظ ليسوا على ثقة من تضعيف الحديث، وأنهم إن حمل الأنصاب على ترك الجهر، فلا نزاع لهم مع مصححي الحديث، وإنما نازعوا لأجل مسألة القراءة خلف الامام، فإن سلم لهم تلك المسالة بدون هذا التضعيف، فلا حاجة لهم إلى تضعيف الحديث، وظاهر أن هذا التضعيف ليس من جنس تضعيف الحديث، لأجل الضعف في الحديث، بل لأمر آخر، لو لم يناقشوا فيه، فلا حاجة لهم إلى تضعيف الحديث، ولهذا قال خاتم الحفاظ شيخ الإسلام محمد أنور شاه، نوّر الله مرقده، في هؤلاء: سرى فقههم إلى الحديث، اهـ.(2/17)
قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ "اكْتِفَاءُ الْمَأْمُومِ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 1" مُحْتَجًّا بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "أَتَقْرَءُونَ فِي صَلَاتِكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ؟ " فَسَكَتُوا، فَقَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالُوا: إنَّا لَنَفْعَلُ، قَالَ: "لَا تَفْعَلُوا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَزَادَ: وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَرَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "مِنْ ذَا الَّذِي يُخَالِجُنِي سُورَةَ كَذَا؟! " فَنَهَاهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَقُلْ هَكَذَا غَيْرُ حَجَّاجٍ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ قَتَادَةَ: مِنْهُمْ شُعْبَةُ. وَسَعِيدٌ. وَغَيْرُهُمَا، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: فَنَهَاهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَحَجَّاجٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 3" مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ، فَقَالَ "أَيُّكُمْ قَرَأَ بسبح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى"؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ عليه السلام: "قَدْ عَرَفْت أَنَّ رَجُلًا خَالَجَنِيهَا"، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْت لِقَتَادَةَ: كَأَنَّهُ كَرِهَهُ؟ فَقَالَ: لَوْ كَرِهَهُ لَنَهَى عَنْهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي سُؤَالِ شُعْبَةَ، وَجَوَابِ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ تَكْذِيبُ مَنْ قَلَبَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيهِ: فَنَهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 4" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ثَنَا وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ.
__________
1 ص 128، ورواه الدارقطني: ص 129، والبخاري في "جزء القراءة" ص 22، وزاد: وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه، وأخرجه البيهقي في "الكتاب" ص 121 بدون الزيادة، وفي: ص 122 مع الزيادة، وأخرجه في "السنن" ص 166 مع الزيادة، وقال: حديث أبي قلابة عن أنس ليس بمحفوظ، وجيد حديث أبي قلابة عن ابن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: وحديث رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند البيهقي. وابن حزم مرسل.
2 ص 124، وص 155، والبيهقي في "السنن الكبرى" ص 162 ج 2".
3 في "باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف الإِمام" ص 172 ج 1.
4 ص 124.(2/18)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 1 عَنْ غَسَّانَ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ أَنْصِتُ؟، قَالَ: بَلْ أَنْصِتْ، فَإِنَّهُ يَكْفِيك"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ غَسَّانُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَيْسٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفَانِ، قَالَ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ مِنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا قِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ علي بن سلمان البروردي 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَلْمَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَغَلَ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ لِابْنِ حِبَّانَ"، وَلَا تَرْجَمَ فِيهِ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَلْمَانَ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": مَأْمُونُ بْنُ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ مِنْ أَهْلِ هَرَاةَ، كَانَ دَجَّالًا مِنْ الدَّجَاجِلَةِ، رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ نَارًا،" انْتَهَى.
مُلَخَّصُ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ فِي "الْجُزْءِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ"، قَالَ: وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ "يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ" بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَنْقُوضٌ بالحدثناء، مَعَ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتَ بِتَرْكِ فَرْضٍ، وَلَمْ يُوجِبْهُ بِتَرْكِ سُنَّةٍ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَرْضُ عِنْدَهُ أَهْوَنُ حَالًا مِنْ التَّطَوُّعِ، وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِفَرْعٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ جَاءَ وَالْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَيَتْرُكُ الِاسْتِمَاعَ. وَالْإِنْصَاتَ، مَعَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْت إذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ، أَيُقْرَأُ خَلْفَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: لا، فقد بطل
دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَجْهَرُ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا، قَالَ فِي الْخُطْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ سُكُوتِهِ، وَقَدْ رَوَى سَمُرَةُ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكْتَتَانِ: سَكْتَةٌ حِينَ يُكَبِّرُ. وَسَكْتَةٌ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ. وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَغَيْرُهُمْ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ سُكُوتِ
__________
(16) ص 125.
2 في نسخة ك "البروري".(2/19)
الْإِمَامِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بفاتحة الكتاب"، والإِنصات. وإذا قَرَأَ الْإِمَامُ عَمَلًا بِالْآيَةِ، قال: واحتج بِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَالْعِرَاقِ، لِإِرْسَالِهِ وَانْقِطَاعِهِ: أَمَّا إرْسَالُهُ، فَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا انْقِطَاعُهُ، فَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا يُدْرَى أَسَمِعَ جَابِرٌ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَمْ لَا، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ، فتكون الفتحة مُسْتَثْنَاةً مِنْهُ "أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ، بَعْدَ الْفَاتِحَةِ"، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "إلَّا الْمَقْبَرَةَ"، مَعَ انْقِطَاعِهِ، قَالَ: وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ عليه السلام لِسُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ، حِينَ جَاءَ، وَهُوَ يَخْطُبُ: "قُمْ، فَارْكَعْ"، مَعَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ، فَقَالَ: "إذَا قُلْت لِصَاحِبِك: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ لَغَوْت"، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الصَّلَاةَ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ نِجَادٍ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ نِجَادٍ لَمْ يُعْرَفْ، وَلَا سُمِّيَ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو حُبَابٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كَهَيْلِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ نَتِنًا، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عَوَانٍ عَنْ إبْرَاهِيمِ عَنْ الْأَسْوَدِ، وَقَالَ: رَضْفًا، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا بِالنَّارِ، وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ"، فكيف يجوز لأحد يَقُولَ: فِي [فِي] الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ جَمْرَةٌ، وَالْجَمْرَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ؟!.الثاني: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ تُمْلَأَ أَفْوَاهُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلِ: عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَحُذَيْفَةَ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَائِشَةَ. وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُمْ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ رَضْفًا، وَلَا نَتِنًا، وَلَا تُرَابًا. ثُمَّ رَوَى أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِخَبَرٍ رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ لِهَذَا الْإِسْنَادِ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَصِحُّ مِثْلُهُ، قَالَ: وَرَوَى سُلَيْمَانُ التَّيْمِيِّ. وَعُمَرُ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ عَنْ أَبِي مُوسَى فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَلَمْ يَذْكُرْ سُلَيْمَانُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ سَمَاعًا مِنْ قَتَادَةَ، وَلَا قَتَادَةَ مِنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، وَرَوَى هِشَامٌ. وَسَعِيدٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ. وَهَمَّامٌ. وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَرَوَى أَبُو خَالِدٍ(2/20)
الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَرَاهُ كَانَ يُدَلِّسُ، وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ. وَبُكَيْر عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي زِيَادٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَالْقَعْقَاعُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَرَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُتَابَعْ أَبُو خَالِدٍ فِي زِيَادَتِهِ، قَالَ: وَيُقَالُ لِهَذَا الْقَائِلِ: قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَأَنْتَ، عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَوْمِ فَرْضًا، ثُمَّ قُلْت: إنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَوْمِ هَذَا الْفَرْضُ، مَعَ أَنَّك قُلْت: إنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ 1 كَالثَّنَاءِ وَالتَّسْبِيحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَتُثْبِتُ أَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَك أَهْوَنُ حَالًا مِنْ التَّطَوُّعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: وَيُسْتَحْسَنُ "يَعْنِي الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ" فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ، وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ، قُلْت: هُوَ مَا رَوَاهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ 2 قَبْلُ، وَرِوَايَةٌ عَنْ سَعْدٍ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، وَعَنْ عُمَرَ: لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا.
__________
1 قال ابن تيمية في "المنهاج" ص 16 ج 3: الامام يحمل عن المأمومين السهو، وكذا القراءة عند الجمهور، اهـ. أخرج ابن جارود في "المنتقى في الجنائز" ص 264 عن ابن عباس، أنه قرأ على الجنازة، وقال: إنما جهرت لأعلمكم أنها سنة، والامام كفاها، اهـ.
2 في "الذخيرة" لو قرأ المقتدي خلف الإِمام في صلاة لا يجهر فيها، اختلف المشايخ فيه، فقال أبو حفص، وهو بعض مشايخنا: لا يكره، في قول محمد، وأطلق المصنف قوله، ومراده حالة المخافتة دون الجهر "عيني على الهداية"(2/21)
باب الإِمامة
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ"
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 1عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا مُنَافِقٌ، قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إنْ كَانَ الْمَرِيضُ لِيَمْشِيَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَأَنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ، قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى
__________
1 فِي "بَاب بَيَان فضل الْجَمَاعَة" ص 232 - ج 1.(2/21)
اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطَّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالْمُؤَذِّنِ فَيُؤَذِّنَ،2 ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا، فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمُ الْحَطَبِ، إلَى قَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 3 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ4: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجُمُعَةِ عَنْ الْجَمَاعَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بَلْ هُمَا رِوَايَتَانِ: رِوَايَةُ فِي الْجُمُعَةِ. وَرِوَايَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَرَخَّصَ لَهُ عليه السلام أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْهُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 6 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ عَمْرِو 7 ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ: جِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي، فَهَلْ تَجِدْ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَحَيَّ هَلًا". انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي
__________
1 أخرجه البخاري في "باب وجوب صلاة الجماعة" ص 89، ومسلم في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 232، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة. والدارمي. وابن جارود. والبيهقي. وأحمد في مواضع، ولم أجد لفظ المخرج إلا عند أحمد في: ص 424 ج 2، فقط، والله أعلم.
2 في نسخة "آمر بالصلاة، فتقام".
3 في "باب فضل الجماعة" ص 232، والطحاوي: ص 100 باسناده
4 في "سننه" ص 56 ج 3.
5 في "باب فضل الجماعة" ص 232 ج 1
6 في "باب التشديد في ترك الجماعة" ص 88، وابن ماجه في "باب التغليظ في التخلف عن الجماعة" ص 58، والنسائي في "باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن" ص 137، وأخرجه الدارقطني: ص 146، وفيه "أتسمع الإقامة؟ ".
7 في "نسخة عبد الله".(2/22)
"الْمُسْتَدْرَكِ" 1،وصححه، قال النَّسَائِيّ: وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً تُحَصِّلُ لَك فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ إيجَابُ الْحُضُورِ عَلَى الْأَعْمَى، فَقَدْ رَخَّصَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ مَغْرَاءَ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ 3 فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ، أَوْ مَرَضٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَضْعِيفِ الْكَلْبِيِّ، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ صَدُوقٌ، إلَّا أَنَّهُ يُدَلِّسُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَبِهِ أَخَذَ دَاوُد فِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ. وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 5 وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: "يَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وَأَخْرَجَا 6 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا"، وَفِي لَفْظٍ: "تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ 7 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، نَحْوَهُ، وَقَالَ: "بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ: "فَإِنْ صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً"، وَإِسْنَادُهَا جَيِّدٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى
شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 8 وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَضْعُفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ، لَا تُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ،
__________
1 ص 247.
2 "باب التشديد في ترك الجماعة" ص 88، والحاكم في "المستدرك" ص 245، والدارقطني: ص 161.
3 في نسخة أبي داود الموجودة عندنا "المنادى"، بدل: النداء.
4 في "باب التغليظ في التخلف عن الجماعة" ص 58، والحاكم في "المستدرك" ص 245.
5 في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 89، ومسلم في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 231.
6 "مسلم" ص 231، واللفظ له، والبخاري في "باب فضل صلاة الفجر في جماعة" ص 90 باللفظ الثاني.
7 في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 89، وأبو داود في "باب فضل المشي إلى الصلاة" ص 90، والحاكم في "المستدرك" ص 209.
8 ص 89: واللفظ له، ولم أجد السياق هكذا عند مسلم، إلا ما أخرجه مختصراً في: ص 231، والله أعلم.(2/23)
فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يزال العبد في صلاة مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ"، انْتَهَى. وفي رواية لهما1: "بخمسة وَعِشْرِينَ جُزْءًا"، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "دَرَجَةً".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ"، انْتَهَى. وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ: "وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ. وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 3 وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ ابْنَ بَصِيرٍ سَكَتُوا عَنْهُ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَبَاثِ بْنِ أَشَيْمَ الصَّحَابِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ "بِفَتْحِ الْقَافِ، وَضَمِّهَا، بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، وَآخِرُهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ، لَا يُقَامُ فِيهِمَا الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 4 وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، ذَكَرَهُ فِي "الْخُلَاصَةِ".
الْحَدِيثُ السِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَؤُمُّ القوم أقرأهم لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا سواءاً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 5 إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ،
__________
1رواية الجزء في "البخاري في باب فضل صلاة الفجر في جماعة" ص 90، وفي "مسلم" في: ص 231، وروايته: الدرجة، عند مسلم: ص 231، وهي في البخاري أيضاً في "باب الصلاة في مسجد السوق" ص 69، كأنها على المخرج.
2 في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 231، والترمذي في "فضل العشاء. والفجر في جماعة" ص 31
3 في "باب فضل صلاة الجماعة" ص 89، والحاكم في "المستدرك" ص 248، والنسائي في "باب الجماعة إذا كانوا اثنين" ص 135
4 في "باب التشديد في ترك الجماعة" ص 88، والنسائي في "باب التشديد في ترك الجماعة" ص 135، والحاكم في "المستدرك" ص 246، وقال صحيح الاسناد، وص 211، وقال: صدوق "دراية"
5 مسلم في "باب من أحق بالإمامة" ص 236، وأبو داود في "باب من أحق بالإمامة" ص 93، والنسائي في "باب من أحق بالإمامة" ص 127، والترمذي فيه، في: ص 32، وكذا ابن ماجه: ص 70، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ص 243، والدارقطني: ص 104 "كالمستدرك" بكلا طريقيه.(2/24)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يؤم القوم أقرأهم لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا في القراءة سواءاً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا في السنة سواءاً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا في الهجرة سواءاً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ"، قَالَ الْأَشَجُّ فِي رِوَايَتِهِ: مَكَانُ: سِلْمًا، سِنًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ: عِوَضَ قَوْلِهِ: "فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ"، "فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا، فَإِنْ كَانُوا فِي الفقه سواءاً، فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا"، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ "أَفْقَهُهُمْ فِقْهًا"، وَهِيَ لَفْظَةٌ عَزِيزَةٌ غَرِيبَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ، وَسَنَدُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عن أوس بن صمعج عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ بِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سواءاً، فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كانوا في الفقه سواءاً، فأقرأهم لِلْقُرْآنِ، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُقْعَدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَالْبَاقُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ يُخَالِفُونَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَقُولُونَ: إنَّ الْأَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَالِمِ، كَمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ، حَتَّى إذَا اجْتَمَعَ مِنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ، وَفَقِيهٌ يَحْفَظُ يَسِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ، قُدِّمَ حَافِظُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: يُقَدَّمُ الْفَقِيهُ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ: بِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ أَعْلَمُهُمْ، وَهَذَا يَرُدُّهُ لَفْظُ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا لَفْظُهُ الثَّانِي، إلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَيَشْهَدُ لِلْخَصْمِ أَيْضًا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ 1، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ، وَكَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، فَنَسْأَلُهُمْ، مَا لِلنَّاسِ! مَا لِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، أَوْ أَوْحَى إلَيْهِ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اُتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمَهُ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: جِئْتُكُمْ، وَاَللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ حَقًّا، فَقَالَ: صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا. وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، فَنَظَرُوا، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْت أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ 3 وَأَنَا ابن ست،
__________
1عمرو بن سلمة "بكسر اللام" اختلف في صحبته، ورواية الطبراني تدل على أنه وفد مع أبيه أيضاً "تلخيص" ص 124
2في "غزوة الفتح في باب بعد باب مقام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة" ص 615، وأبو داود في: "باب من أحق بالإمامة" ص 93، والنسائي في "باب إمامة الغلام قبل أن يحتلم" ص 27، والدارقطني: ص 179
3 أجاب ابن القيم في "البدائع" ص 91 ج 4 عن هذا الحديث بقوله: إن قيل: فقد أمّ عمرو بن سلمة وهو غلام، قيل: سمي غلاماً، وهو بالغ، ورواية: أنه كان له سبع سنين، فيه رجل مجهول، فهو غير صحيح، اهـ. قلت: كأنه غافل عما في الصحيح، وأجاب ابن حزم عن الحديث في "المحلى" ص 218 ج 4 بقوله: وقد وجدنا(2/25)
أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ إذَا سَجَدْت تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّونَ عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟، فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْت بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ لِعَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ شَيْئًا.
الْحَدِيثُ الْحَادِي والستون: قال عليه السلام:
"مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ 1" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَمِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى "ح" وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْوَرَّاقُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ 2" بْنِ مُوسَى عَنْ الْقَاسِمِ الشَّامِيِّ 3 عَنْ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلَ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ عُلَمَاؤُكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ 4" عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: "فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ"، وَسَكَتَ عَنْهُ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ6 فِي "سُنَنِهِمَا" مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْمُؤَدَّبِ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وحس ين بْنِ نَصْرٍ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: قال عليه السلام: "وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ 7 أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا. وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ لَنَا: "إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"، انْتَهَى. "لِمُسْلِمٍ"، أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "صُلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 8" عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
__________
لعمرو بن سلمة هذا صحبة، ووفادة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مع أبيه، ولو علمنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرف هذا وأقره، لقلنا به، ثم قال: قوله عليه السلام: "ليؤمكم أقرؤكم" يأمر الامام بأن يؤم، والصبي ليس مأموراً به، ولا مكلفاً، فليس هو المأمور بأذان، ولا بإمامة، فلا يجزئان إلا من مأمور بهما لا ممن لم يؤمر بهما، اهـ. ملخصاً، وقال ابن عباس: لا يؤم الغلام حتى يحتلم، اهـ. رواه البيهقي: ص 225 ج 3، والدارقطني: ص 105.
1 وأخرجه الدارقطني: ص 197 من طريق محمد بن يحيى الأزدي باسناد الطبراني، وقال: عبد الله بن موسى ضعيف
2 كذا في "المستدرك" وعند الدارقطني "عبد الله".
3هو من ولد أسامة بن لؤي.
4 ص 222 ج 3.
5 ص197
6 ص 90 ج 3.
7 ص 290.
8 ص 185.(2/26)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ1 فِي كِتَابِ الْجِهَادِ"، وَضَعَّفَهُ بِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُ قَالَ: "الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ، مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ مَكْحُولٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخر عند الدَّارَقُطْنِيِّ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "سَيَلِيكُمْ مِنْ بَعْدِي وُلَاةٌ الْبَرُّ بِبِرِّهِ وَالْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُمْ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ"، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ هَذَا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ: "صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ"، فَقَالَ: مَا سَمِعْنَا بِهِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ يَقْظَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الشَّامِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُكَفِّرُوا أَهْلَ مِلَّتِكُمْ، وَإِنْ عَمِلُوا الْكَبَائِرَ، وَصَلُّوا مَعَ كُلِّ إمَامٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ"، انْتَهَى. وَأَبُو سَعِيدٍ هَذَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَجْهُولٌ، وَعُتْبَةُ، قَالَ ابْنُ الْجُنَيْدِ4: لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفضيل عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ 5
__________
1 في "الجهاد في باب الغزو مع أئمة الجور" ص 350، ومن طريق أبي دواد، روى البيهقي في "السنن" ص 121 ج 3، ولكن سكت عليه ههنا، وأخرجه أبو داود في "الصلاة في باب إمامه البر والفاجر" ص 95، وهو على الهامش مختصراً بإسناده في "الجهاد".
2 ص 184.
3 في "الجنائز في باب الصلاة على أهل القبلة" ص 111، مختصراً، من السياق الذي ذكره المخرج، وأخرج الدارقطني: ص 185 بهذا الإسناد. والمتن، بسواء، وقال:
أبو سعيد مجهول.
4 ابن الجنيد، هو علي بن الحسين بن الجنيد، كذا في "التهذيب".
5"مجاهد" كذا في الدارقطني، وأما حديث عطاء عن ابن عمر، فهو رواه الدارقطني من طريق حجاج بن نصير عن عثمان عن عطاء به.(2/27)
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَصَلُّوا وَرَاءَ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُهُ يُشْبِهُ حَدِيثَ أَهْلِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ" عَنْ سُوَيْد بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وَاهِيَةٍ أَحَدُهَا: فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ. وَالْأُخْرَى: فِيهَا الْوَلِيدُ الْمَخْزُومِيُّ خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَنَسَبَهُ إلَى الْوَضْعِ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ. وَالْأُخْرَى: فِيهَا وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ الْقَاضِي، وَنَسَبَهُ أَحْمَدُ إلى الوضع. والأخرى1: فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُثْمَانِيِّ، وَنُسِبَ إلَى الْوَضْعِ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ. وَابْنِ حِبَّانَ، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَحَدِيثُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ، كِلَاهُمَا فِي "سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ صبيح عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ثَلَاثٌ مِنْ السُّنَّةِ الصَّفُّ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ، لَك صَلَاتُك، وَعَلَيْهِ إثْمُهُ. وَالْجِهَادُ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، لَك جِهَادُك، وَعَلَيْهِ شَرُّهُ. وَالصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلَ نَفْسِهِ"، انْتَهَى. قَالَ: عُمَرُ بْنُ صَبِيحٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَفِي "تَحْقِيقِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ" قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ فُرَاتِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلْوَانَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَصْلِ الدِّينِ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَالْجِهَادُ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، وَالصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ يَثْبُتُ، وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيُّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ"، وَقَالَ: فُرَاتُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، يَأْتِي بِمَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ مَعْمُولٌ، لَكِنْ سَمَّاهُ فُرَاتُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَالْحَارِثُ، فَقَالَ فِيهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ2" عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ مُكْرَمِ بْنِ حَكِيمٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ سَيْفِ بْنِ مُنِيرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُكَفِّرُوا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَصَلُّوا خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ"، انْتَهَى. وَالْوَلِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَنَزِيُّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ لَهُ": يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ الَّتِي لَا يُشَكُّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَمُكْرَمُ
__________
1 في نسخة "آخر".
2 والدارقطني في "سننه" ص 184.(2/28)
بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ الأزدي: ليس حديثه بِشَيْءٍ، وَسَيْفٌ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَمَّ قَوْمًا، فَلْيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ" 1، فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ. وَالْكَبِيرَ. وَذَا الْحَاجَةِ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ. وَالسَّقِيمَ. وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "وَالْمَرِيضَ"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "الصَّغِيرَ. وَالْكَبِيرَ. وَالضَّعِيفَ. وَالْمَرِيضَ. وَذَا الْحَاجَةِ 3".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ 4 أَيْضًا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ، قَالَ: فَمَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ: الْكَبِيرَ. وَالضَّعِيفَ. وَذَا الْحَاجَةِ"، انْتَهَى. زَادَ فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "وَالْمَرِيضَ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 5 وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَفَّ النَّاسِ فِي تَمَامٍ، انْتَهَى. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: آخَرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إذَا أَمَمْت قَوْمًا فَأَخِفَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُ: أُمَّ قَوْمَك، "فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: "حَدِيثُ مُعَاذٍ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ6 وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَلَّى مُعَاذٌ لِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ، فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا، فَصَلَّى، فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ، فَقَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ،
__________
1 قلت: فيه حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، عند أحمد: ص 217 ج 4، وابن أبي شيبة: ص 45، والطيالسي: ص 126، وفي "مسلم" كما سيأتي في الصفحة الآتية.
2 في "باب إذا صلى لنفسه، فليطول ما شاء" ص 97، ومسلم في "باب الأمر بتخفيف الصلاة في تمام" ص 188
3 قوله: ذا الحاجة، قلت: ليس هذا في سياق: فيه الصغير. والكبير، بل في سياق آخر".
4 البخاري في "العلم في باب الغضب في الموعظة" ص 19، ولفظه: الكبير. والضعيف. وذا الحاجة في "الأحكام" ص 1060، وأخرجه مسلم في "باب الأمر بتخفيف الصلاة" ص 188.
5 في "باب الايجاز في الصلاة وإكمالها" ص 98، ومسلم: ص 188.
6 في "باب إذا طول الامام، وكان للرجل حاجة" ص 97، ومسلم في "باب القراءة في العشاء".(2/29)
فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟! إذَا أَمَمْت بِالنَّاسِ، فَاقْرَأْ "بِالشَّمْسِ وضحها. وَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} . {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى} " انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ1: أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، هَكَذَا رِوَايَاتُ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد 2أَنَّهَا كَانَتْ الْمَغْرِبَ أَخْرَجَهُ عَنْ حَزْمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ أَتَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مُعَاذُ! لَا تَكُنْ فَتَّانًا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك الْكَبِيرُ. وَالضَّعِيفُ. وَذُو الْحَاجَةِ. وَالْمُسَافِرُ" انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر:1] ، وَالْمَشْهُورُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا" أَنَّهَا كَانَتْ "الْبَقَرَةُ"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي جَاءَ، قِيلَ فِيهِ: حَزْمٌ، وَقِيلَ فِيهِ: حَازِمٌ، وَقِيلَ: حزام، وقيل: سليم 3، فلعل ذَلِكَ كَانَ فِي وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَنْسَاهُ، وَرَدَّ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ "الْمَغْرِبِ"، وَقَالَ: إنَّ رِوَايَاتِ "الْعِشَاءِ" أَصَحُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى، وَلَعَلَّهُ قَرَأَ "الْبَقَرَةَ" فِي رَكْعَةٍ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ {اقْتَرَبَتْ} فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى، فَانْصَرَفَ آخَرُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، فَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ 4 إلَى أَنَّهَا شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، هَلْ حُفِظَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَمْ لَا؟ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بِدُونِهَا، وَانْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ، انْتَهَى. وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي "التَّفْسِيرِ" حَدِيثَ معاذ، وسمى الرجل: حرام "أَعْنِي الْمُنْصَرِفَ".
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَمَّتْ نِسْوَةً فِي الْمَكْتُوبَةِ. فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 5" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ، وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ، فَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ، انتهى. وَسَكَتَ عَنْهُ، انْتَهَى.
__________
1 لم أجد هذا اللفظ، والله أعلم.
2 في "باب تخفيف الصلاة" ص 122، وأحمد: ص 299 ج 3، والنسائي: ص 154 ج 1، والطحاوي: ص 125، والترمذي ص 75، والطيالسي: ص 239، وعند ص 300 ج 3 الفجر)
3 روى أحمد عن حديث معاذ بن رفاعة في: ص 74 ج 5، والطحاوي: ص 238، قال: عن رجل من بني سلمة، يقال له: سليم، أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث، وفيه أنه اشتكى معاذاً، وليس فيه: أنه هو الذي انصرف، وفي إسناده انقطاع، قاله ابن حزم في "المحلى" ص 230 ج 4، ورجاله ثقات.
4 قال البيهقي في "السنن" ص 85 ج 3: ولم يقل أحد في هذا الحديث: وسلم، إلا محمد بن عباد، اهـ.
(1) ص 203.(2/30)
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ1" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَائِشَةَ أَمَّتْهُنَّ، وَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ فِي صَلَاةِ مَكْتُوبَةٍ، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، وَلَفْظُهُمَا: فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": سَنَدُهُ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ3" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، تَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِهِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَتَقُومُ وَسَطًا، انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا". وَالشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ4" قَالُوا ثَلَاثَتُهُمْ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عن عمار الذهبي عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، يُقَالُ لَهَا: حُجَيْرَةُ بِنْتُ حُصَيْنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَمَّتْهُنَّ، فَقَامَتْ وَسَطًا، انْتَهَى. وَلَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ، فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقَامَتْ بَيْنَنَا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ "لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ 5": حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ6 أَنَّهَا رَأَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَؤُمُّ النِّسَاءَ7، فَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي صَفِّهِنَّ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ لَيْلَى بِنْتِ مَالِكٍ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَزَا بَدْرًا، قَالَتْ: قُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ، أُمَرِّضُ مَرَضَاكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنِي شَهَادَةً، قَالَ: "قُومِي فِي بَيْتِك، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُك الشَّهَادَةَ"، قَالَ: فَكَانَتْ تُسَمَّى: الشَّهِيدَةَ، قَالَ: وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ، فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، قَالَ: وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا. وَجَارِيَةً، فَقَامَا إلَيْهَا بِاللَّيْلِ، فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ، وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ، فَقَامَ
__________
1 وابن حزم في "المحلى" ص 219 ج 4، وص 126 ج 3 من طريق سفيان أيضاً، ولكن لم يذكر: وقامت بينهن.
2 ص 155، والبيهقي: ص 131 ج 3.
3 والبيهقي عن الليث عن عطاء عن عائشة: ص 131 ج 4.
4 الشافعي في "كتاب الأم" ص 145 ج 1، والدارقطني في "السنن" من طريق عبد الرحمن. والبيهقي: ص 131 ج 3 من طريق الشافعي، وابن حزم في "المحلى" ص 127 ج 3 من طريق عبد الرزاق عن سفيان به.
5وأخرجه ابن حزم في "المحلى" ص 219 ج 4، من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد به، وكذا في: ص 127 ج 3.
6 أم الحسن، قال ابن حزم: هي خيرة ثقة الثقات، وإسناد هذا كالذهب.
7 تؤم النساء "أي في رمضان".(2/31)
فِي النَّاسِ، فَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ، أَوْ من رآهما، فليجيء بِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا، فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا، وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ: فَأَنَا رَأَيْت مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ1"، وَلَفْظُهُ: وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا فِي الْفَرَائِضِ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ فِي الْبَابِ حَدِيثًا مُسْنَدًا غَيْرَ هَذَا، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِالْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، فِيهِ مَقَالٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ "الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ، لَا يُعْرَفُ حَالُهُمَا، انْتَهَى. قُلْت: ذَكَرَهُمَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ". وَأَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْأَذَانِ" عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إقَامَةٌ، وَلَا جُمُعَةٌ، وَلَا اغْتِسَالٌ، وَلَا تَتَقَدَّمُهُنَّ امْرَأَةٌ، وَلَكِنْ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَا مَأْمُونٍ، وَعَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: تَرَكُوهُ، وَعَنْ النَّسَائِيّ، قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُوهِنُهُ2، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَنْكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" فَقَالَ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إقَامَةٌ"، وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَرَدَّهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرزاق في "مصنه 3" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ، تَقُومُ فِي وَسَطِهِنَّ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَحَمَلَ فِعْلَهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، قَالَ السُّرُوجِيُّ: وَهَكَذَا فِي "الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ"، وَفِيهِ: بُعْدٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ5 عَائِشَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَبَنَى بِهَا، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ
__________
1 ص 203 ج 1.
2 في نسخة "يوهيه".
3 والبيهقي في "السنن" ص 131 ج 3، وابن حزم في "المحلى" ص 128 ج 3.
4 في "الهجرة" ص 52 من حديث ابن عباس، ومسلم في "الفضائل في باب قدر عمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص 260 ج 2.
5 قوله: تزوج، أي نبي بها، أخرج البخاري في "النكاح في باب إنكاح الرجل ولده الصغار" ص 771 من حديث عائشة. ومسلم في النكاح في باب تزويج الأب البكر الصغيرة" ص 456 ج 1.(2/32)
عليه السلام تِسْعَ سِنِينَ، وَمَا تُصَلِّي إمَامًا، إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ حَمْلُهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ؟!، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَفَعَلْنَ ذَلِكَ حِينَ كَانَ النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ، ثُمَّ نُسِخَتْ جَمَاعَتُهُنَّ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ1" عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ، فَأَطْلَقَ الْقِرْبَةَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَوْكَأَ الْقِرْبَةَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقُمْت فَتَوَضَّأْت، كَمَا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْت فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي بِيَمِينِهِ فَأَدَارَنِي مِنْ وَرَائِهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّيْت مَعَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَمَّ اثْنَيْنِ، فَتَوَسَّطَهُمَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَصَلَّى مَنْ خَلْفَكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ. وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ رَكَعْنَا، فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، ثُمَّ طَبَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّطْبِيقَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلْقَمَةُ. وَالْأَسْوَدُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَأَذِنَ لَهُمَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ التَّوْقِيفُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ صَلَّى كَذَلِكَ بِعَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أبو عمرو قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى، هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الثَّابِتُ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ فِيهِ هَارُونُ
__________
1 البخاري في "باب التخفيف في الوضوء" ص 25، وفي عشرين موضعاً غيره، ومسلم في "التهجد في باب صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل" ص 260، وأبو داود في "باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه، كيف يقومان" ص 97 من حديث عطاء عن ابن عباس، والسياق سياقه، والنسائي في "باب الجماعة إذا كانوا اثنين" ص 135، والترمذي في "باب الرجل يصلي، ومعه رجل" ص 31، وابن ماجه: ص 70.
2 في "باب الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع" ص 202 ج 1، وأبو داود في "باب إذا كانوا ثلاثة، كيف يقومون" ص 97.
3 في "باب إذا كانوا ثلاثة، كيف يقومون، ص 96، والنسائي في "باب موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة" ص 28.(2/33)
بْنُ عَنْتَرَةَ، وَهُوَ وَإِنْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ، فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، كَانَ يَكْذِبُ، وَهَذَا جَرْحٌ مُفَسَّرٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْأَسْوَدِ بِهِ، وَابْنُ إسْحَاقَ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَالْمُدَلِّسُ إذَا عَنْعَنَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: كَأَنَّهُمَا ذَهِلَا، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ، لَمْ يَرْفَعْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَرَفَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ فِيهِ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ، قَالَ فِي "جَامِعِهِ": وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1 وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْت أَنَا. وَعَلْقَمَةُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِالْهَاجِرَةِ، فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَقَامَ الصَّلَاةَ، فَقُمْت أَنَا وَصَاحِبِي خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ صَاحِبِي، فَجَعَلَنَا عَنْ يَمِينِهِ. وَيَسَارِهِ، وَقَامَ بَيْنَنَا2، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ، إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، انْتَهَى. وَضَعُفَ بِابْنِ إسْحَاقَ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي ذِكْرُهُ عَقِيبَ هَذَا الْحَدِيثِ. الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 3" بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَرَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، أَوْ لِعُذْرٍ آخَرَ، لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَالثَّالِثُ: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، قَالَ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ: إنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ4 رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي. وَأَبُو ذَرٍّ عَنْ يَمِينِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَلْفَهُمَا، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ الْمَوْقِفِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّهُمَا، وَعَلَّمَهُ أَبُو ذَرٍّ، حَتَّى قَالَ، فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: يُصَلِّي كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا لِنَفْسِهِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَلَى رِوَايَتِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَالْقَائِلِينَ بِهِ، وَبِسَلَامَتِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَنْسُوخَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ5": وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ، بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مسلم6 عن عبادة الْوَلِيدِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سِرْت
__________
1 في "السنن" ص 98 ج 3، وأحمد: ص 459 ج 1 والطحاوي: ص 181.
2 وفي "مسند أحمد" بعده: فصففنا خلفه صفاً واحداً، فقال: هكذا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع إذا كانوا ثلاثة، اهـ.
3 ص 181، والبيهقي في "السنن" ص 99 ج 3.
4 حديث أبي ذر هذا رواه أحمد في "مسنده" ص 170 ج 5.
5 الحازمي في "كتاب الاعتبار" ص 80.
6 في "آخر الصحيح في أحاديث متفرقة في حديث جابر" ص 417 ج 2، وأبو داود في "الصلاة في باب إذا كان ثوباً ضيقاً" ص 100 ج 1.(2/34)
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، قَالَ: فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الآخر، لأن جابراً إنَّمَا شَهِدَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ، ثُمَّ فِي قِيَامِ ابْنِ صَخْرٍ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ كَانَ مَشْرُوعًا، وَأَنَّ ابْنَ صَخْرٍ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ حَتَّى مُنِعَ مِنْهُ، وَعَرَفَ الْحُكْمَ الثَّانِيَ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ، وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1، إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِثَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْت أنا. واليتيم ورواءه، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، انْتَهَى. وَالْيَتِيمُ، هُوَ: ضُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ: جَدَّتُهُ مُلَيْكَةُ، مَالِكٌ يَقُولُهُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى إسْحَاقَ، وَهِيَ جَدَّةُ إسْحَاقَ2 أُمِّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ زَوْجُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَنَسٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ: إنَّ جَدَّتَهُ، وَهِيَ جَدَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أُمُّ أُمِّهِ، وَاسْمُهَا مُلَيْكَةُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ عَدِيٍّ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: إنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهَا، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ هِيَ أُمُّ أَنَسٍ، جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا فِي "الْبُخَارِيِّ"، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الضَّمِيرُ فِي جَدَّتِهِ لِإِسْحَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، وَجَدَّةُ إسْحَاقَ، وَقِيلَ: جَدَّةُ أَنَسٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَالْيَتِيمُ، هُوَ: ضُمَيْرَةُ3 بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ. فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَقَامَ عَنْ
__________
1 البخاري في "باب الصلاة على الحصير" ص 55، ومسلم في "باب جواز الجماعة في النافلة" ص 234 ج 1، وأبو داود في "باب إذا كانوا ثلاثة، كيف يقومون" ص 97، والنسائي في "باب إذا كانوا ثلاثة وامرأة" ص 129، والترمذي في "باب الرجل يصلي، ومعه رجال ونساء" ص 32.
2 يؤيده ما أخرجه البيهقي: ص 106 ج 3، وفيه: وأم سليم خلفنا.
3 قال النووي في "شرحه على مسلم": اسمه ضمير بن سعد الحميري.(2/35)
يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي "آخَرِ مُسْلِمٍ1" وَهُوَ عَقِيبُ حَدِيثِ: أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَهُوَ فِي "مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ" مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ. وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الْقَالِبَيْنِ. فَتَقُومُ عَلَيْهِمَا، فَتُوَاعِدُ خَلِيلَهَا، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، قِيلَ: فَمَا الْقَالِبَانِ؟ قَالَ: أَرْجُلٌ مِنْ خَشَبٍ يَتَّخِذُهَا النِّسَاءُ، يَتَشَرَّفْنَ الرِّجَالَ فِي الْمَسَاجِدِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي "الْغَايَةِ": كَانَ شَيْخُنَا الصَّدْرُ سُلَيْمَانُ يَرْوِيهِ: الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَالنِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ، وَأَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، وَيَعْزُوهُ إلَى "مُسْنَدِ رَزِينٍ"، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْجَاهِلُ أَنَّهُ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ". وَقَدْ تَتَبَّعْته فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ، لَا مَرْفُوعًا. وَلَا مَوْقُوفًا، وَاَلَّذِي فِيهِ مَرْفُوعًا: الْخَمْرُ جِمَاعُ الْإِثْمِ، وَالنِّسَاءُ حِبَالَةُ الشَّيْطَانِ، وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ، لَيْسَ فِيهِ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ أَصْلًا.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ2، إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3" عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ! اجْتَمِعُوا، وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ. وَأَبْنَاءَكُمْ، حَتَّى أُرِيكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعُوا، وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ، وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ، وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ، الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثِ4 بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، فَأَقَامَ الرِّجَالُ يَلُونَهُ، وَأَقَامَ الصِّبْيَانُ خَلْفَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ النِّسَاءُ خَلْفَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
__________
1 في "أحاديث متفرقة في أواخر مسلم" ص 417 ج 2.
2 مسلم في باب تسوية الصفوف وإقامتها" ص 182، وأبو داود في "باب صف النساء" ص 106، والنسائي في "باب خير صفوف النساء، وشر صفوف الرجال" ص 131، والترمذي في "باب فضل الصف الأول" ص 31، وابن ماجه في "باب صفوف الرجال" ص 71.
3 ص 343 ج 5.
4 ليث. وشهر، تكلم فيهما فيما قبل.(2/36)
الْحَدِيثُ السَّبْعُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ3 قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَيَمْسَحُ عَوَاتِقَنَا، وَيَقُولُ: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَلِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَصُفُّ الرِّجَالَ، ثُمَّ الصِّبْيَانَ، ثُمَّ النِّسَاءَ، وَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى تَقْدِيمِ الرِّجَالِ فَقَطْ، أَوْ نَوْعٍ مِنْ الرِّجَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى الحارث بن أُسَامَةَ فِي "مُسْنَدِهِ4" حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ5 عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُفُّهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ، وَالْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ، وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ، مُخْتَصَرٌ.
قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مَفْسَدَةٌ بِالنَّصِّ6" يَعْنِي الْمَرْأَةَ"، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، وَفِيهِ مَعَ ضَعْفِهِ بُعْدٌ.
__________
1 مسلم في "تسوية الصفوف وإقامتها" ص 181، وأبو داود في "باب من يستحب أن يلي الإمام" ص 105 والترمذي في "باب ليلني منكم أولو الأحلام والنهى" ص 31.
2 مسلم ص 181، وأبو داود: ص 105، والنسائي: ص 130، وص 129 في "باب من يلي الإمام" وابن ماجه في "باب من يستجب أن يلي الإمام" ص 70.
3 قال الحافظ في "الدراية": أخرجه الحاكم من حديث البراء في أحدثناء الحديث، اهـ.
4 وأحمد في "مسنده" ص 344 عن أبي النضر بإسناده، سوى قوله: يصفهم في الصلاة، وأبو داود في: ص 105 مختصراً.
5 في نسخة "معاذ".
6 قال ابن حزم في "المحلى" ص 219 ج 4: أما منعهن عن إمامة الرجال، فلأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر أن المرأة تقطع صلاة الرجل، اهـ. وأشار به إلى حديث أبي هريرة، أخرجه مسلم في "سترة المصلي" ص 197، تقطع الصلاة: المرأة. والكلب. والحمار، اهـ وبه استدل على المسألة في "المحلى" ص 9 ج 4، والله أعلم.(2/37)
أَحَادِيثُ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ. فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا2 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: أَخَذَ زِيَادُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ بِيَدِي. وَنَحْنُ بِالرَّقَّةِ، فَقَامَ بِي عَلَى شَيْخٍ، يُقَالُ لَهُ: وَابِصَةُ، فَقَالَ زِيَادٌ: حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخُ يَسْمَعُ: أَنَّ رَجُلًا صَلَّى، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ3: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ أَصَحُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ حُصَيْنٍ أَصَحُّ، وَهُوَ عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو، لِأَنَّهُ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ هِلَالِ عَنْ زِيَادِ عَنْ وَابِصَةَ، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ: أَخْبَرَنِي هَذَا الشَّيْخُ، فَكَأَنَّ هِلَالًا رَوَاهُ عَنْ وَابِصَةَ نَفْسِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِالْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَهِلَالُ بْنُ يَسَافٍ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ. وَمِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ. فَالْخَبَرَانِ مَحْفُوظَانِ. وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ هِلَالُ بْنِ يَسَافٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَزِيدَ4 بْنِ زِيَادٍ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِالْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ رَاشِدٍ رَجُلٌ لَا يُعْلَمُ حَدَّثَ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ حُصَيْنٍ، فَإِنَّ حُصَيْنًا لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فِي حُكْمٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ يُضَعِّفُ أَخْبَارَهُ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ وَابِصَةَ، وَهِلَالٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ وَابِصَةَ، فَأَمْسَكْنَا عَنْ ذِكْرِهِ لِإِرْسَالِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَإِنَّمَا لَمْ يُخْرِجَاهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، لِمَا وَقَعَ فِي إسْنَادِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَسَانِيدَ الثَّلَاثَةَ5.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخَصْمِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ6 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْنَا وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ رَأَى رَجُلًا فَرْدًا يُصَلِّي خَلْفَ
__________
1 في "باب الرجل يصلي وحده خلف الصف" ص 106، والترمذي في "باب الصلاة خلف الصف" ص 31، والطحاوي: ص 229.
2 ص 31، وابن ماجه: ص 71 في "باب صلاة الرجل خلف الصف وحده".
3 ومنهم أبو حاتم، قال في "علله" ص 100: عمرو بن مرة أحفظ، اهـ.
4 حديث يزيد هذا أخرجه الدارمي: ص 152، وقال: قال أبو محمد: كان أحمد بن حنبل يثبت حديث عمرو بن مرة، وأنا أذهب إلى حديث يزيد بن زياد بن أبي الجعد، اهـ.
5 ذكر البيهقي هذه الأسانيد الثلاثة ص 104 ج 3 أيضاً.
6 في "باب صلاة الرجل خلف الصف وحده" ص 70، والطحاوي: ص 229، وأحمد: ص 23 ج 4، والبيهقي: ص 105 ج 3، و"المحلى" ص 53 ج 4، وسياق المخرج ليس سياق أحد منهم.(2/38)
الصَّفِّ، قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ حِينَ انْصَرَفَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، إنَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو. وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَأَمَّا مُلَازِمٌ، فَقَدْ اُحْتُمِلَ حَدِيثُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَقَدْ سَكَتَ النَّاسُ عَنْ حَدِيثِهِ، وَعَلِيُّ بْنُ شَيْبَانُ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ إلَّا ابْنُهُ، وَابْنُهُ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَإِنَّمَا يرتفع جَهَالَةُ الْمَجْهُولِ إذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ، فَأَمَّا إذَا رَوَى عَنْهُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ حُجَّةً، وَلَا ارْتَفَعَتْ جَهَالَتُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ شَيْبَانُ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَلَا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ إلَّا النَّضْرُ، وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ عَارَضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَخْبَارٌ ثَابِتَةٌ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا، فَلْيَخْتَلِجْ إلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الصَّفِّ، فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَمُ أَجْرَ الْمُخْتَلِجِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1.
الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَوَازِ:أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ دَبَّ حَتَّى انْتَهَى إلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: "إنِّي سَمِعْت نَفَسًا عَالِيًا، فَأَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ"؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي الرَّكْعَةُ، فَرَكَعْتُ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ لَحِقْت الصَّفَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زَادَك اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ"، انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ عليه السلام بِالْإِعَادَةِ فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ لَيْسَ عَلَى الْإِيجَابِ، وَلَكِنْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: "وَلَا تَعُدْ" إنَّمَا هُوَ إرْشَادٌ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا، لِأَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا وَقَعَ عَنْ السُّرْعَةِ، وَالْعَجَلَةِ إلَى الصَّلَاةِ، كَأَنَّهُ أَحَبَّ لَهُ أَنْ
__________
1 ص 105 ج 3.
2 قلت: أما أصل الحديث فموجود في "البخاري" ص 108 ج 1، وأما السياق فلا، بل لم أر في أبي داود. ولا في الطحاوي. ولا في البيهقي. ومسند أحمد. والنسائي قوله: يا رسول الله إني خشيت أن تفوتني الركعة، فركعت دون الصف، ثم لحقت الصف، اهـ. وتبع المؤلف ابن الهمام، فأورده في "الفتح" ص 252 بسياق المؤلف، وعزاه إلى البخاري، نعم أورد الحافظ ابن حجر في "الفتح" ص 222 ج 2 عن الطبراني، قال: خشيت أن تفوتني الركعة معك، اهـ.(2/39)
يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ، وَلَوْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ، وَلَا يُعَجِّلُ بِالرُّكُوعِ دُونَ الصَّفِّ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِيهِ، وَفِي "كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ": "وَلَا تَعُدْ، صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سُبِقْت"، انْتَهَى. فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ1 دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَيُقَوِّيهَا حَدِيثُ: "فَأْتُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا"، وَقِيلَ: وَقَعَ عَلَى التَّأَخُّرِ عَنْ الصَّلَاةِ2
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَفِيهِ: فَصَفَفْت أَنَا. وَالْيَتِيمُ خَلْفَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا3 وَأَحْكَامُ الرِّجَالِ. وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا4 أَنَّ الْعَجُوزَ لَمْ تَكُنْ وَحْدَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهَا أُخْرَى.
__________
1 لم أجد هذه الزيادة أيضاً في الصحيح، والحديث في "الصحيح" ص 108 في موضع واحد فقط، وليس فيه هذه الزيادة، ولا التي تقدم ذكرها، نعم ذكرها الحافظ معزوة إلى الطبراني أيضاً، وهي عند مسلم: ص 220 ج 1، والبيهقي: ص 298 ج 2 "إذا ثوب الصلاة، فلا يسعين إليها أحدكم، ولكن ليمش، وعليه السكينة والوقار، صل ما أدركت، واقض ما سبقت"، اهـ.
2 ويؤيده ما روى الحاكم في "المستدرك" ص 214، عن ابن الزبير، أنه قال على المنبر: إذا دخل أحدكم المسجد، والناس ركوع، فليركع حين يدخل، ثم ليدبَّ راكعاً حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة، اهـ. وصححه على شرطهما.
3 وفي البيهقي: ص 106 ج 3، وأم سليم خلفنا، اهـ.
4 قلت: لهذا البعض دليل من حديث صريح، أخرجه النسائي في "باب إذا كانوا رجلين وامرأتين" ص 129، من حديث سفيان بن المغيرة عن ثابت عن أنس، قال: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما هو إلا أنا. وأمي. واليتيم. وأم حرام خالتي، فقال: "قوموا، فلأصل بكم"، قال: في غير وقت الصلاة، فصلى بنا، اهـ. وهذا الحديث أخرجه أحمد في "مسنده" ص 217 ج 3 عن سليمان عن ثابت عن أنس، قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا معه. وأم سليم، فجعلني عن يمينه، وأم سليم من خلفنا، اهـ. فلا مناص عما قال بعض الأئمة، إلا أن يقال: إن هذه صلاة ثالثة، سوى اللتين ذكرهما ابن حبان، أو يقال في الأحاديث الثلاثة: صلاة واحدة، في رواية منها ترك ذكر اليتيم. وفي رواية ذكر أم حرام، كما ترك الراوي كليهما في رواية أحمد، مع اتحاد مخرج حديث أحمد. والنسائي، وهذا هو قول بعض الأئمة الذين زعم ابن حبان أنه وهم، وإلى هذا يشير كلام النسائي، حيث أخرج الحديث الذي يستدل به لابن حبان، الذي فيه ذكر أنس. وأمه. وأم حرام فقط في "باب إذا كانوا رجلين وامرأتين" قلت: بل لحديث أنس هذا رواية أخرى ذكرها النسائي في "الباب الذي بعده" وفي رواية أحمد: ص 217 ج 3، لم يذكر فيها: إلا المرأة. وأنس، وكلتاهما من حديث شعبة بن عبد الله بن مختار عن موسى بن أنس عن أنس، فبعد اتحاد المخرج يستبعد أن يقال: إنها واقعة رابعة، فكما في هذه الرواية تركت أم حرام فيها من تصرف الرواة، فليجعل ترك اليتيم فيما ليس فيه أيضاً كذلك" فإن قلت: فما تقول في هذه الرواية في قوله: فجعل أنساً عن يمينه؟، قلت: تقول: وجعل اليتيم عن يساره، قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" ص 90 ج 4: روى أنس: صليت خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا. ويتيم لنا. وأم سليم خلفنا، يحتمل أن يكون كان بالغاً، ويحتمل أن يكونا صبيين، أما إذا كان أحدهما بالغاً، فعلى حديث ابن مسعود أنه صلى بعلقمة. والأسود، وأحدهما غير بالغ، فأقام أحدهما عن يمينه. والآخر عن يساره، اهـ. تأمل فيه، فإن قوله: في حديث الصحيح: أنا. واليتيم خلفه لا يستقيم حينئذ إلا بتأويل، والله أعلم.(2/40)
حَدِيثٌ أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ1 فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ2 قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِسَاطٍ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ. وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَنَا، انْتَهَى. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ فِي وقتين مختلفتين، فَتِلْكَ الصَّلَاةُ كَانَتْ عَلَى حَصِيرٍ3، وَقَامَ فِيهَا أَنَسٌ. وَالْيَتِيمُ مَعَهُ خَلْفَ الْمُصْطَفَى، وَالْعَجُوزُ وَحْدَهَا وَرَاءَهُمْ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ، وَقَامَ فِيهَا أَنَسٌ عَنْ يَمِينِ الْمُصْطَفَى، وَأُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَهُمَا، فَكَانَتَا صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام: صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْت لَهَا: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بَلَى، لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ"؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَك لِلصَّلَاةِ، قَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ". فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ"؟ فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ"؟ فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا رَقِيقًا، فَقَالَ: يَا عُمَرُ صَلِّ أَنْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ
__________
1 في نسخة "الحسن".
2 قلت: وأخرجه أحمد: ص 160 ج 3 عن أبي كامل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس، قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تطوعاً: قال: فقامت أم سليم. وأم حرام خلفنا، قال ثابت: لا أعلمه إلا قال: وأقامني عن يمينه، فصلينا على بساط، اهـ. ويؤيده ما عند النسائي: ص 129 في "باب إذا كانوا رجلين وامرأتين" من حديث موسى بن أنس عن أنس أنه كان هو ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأمه. وخالته، فصلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل أنساً عن يمينه، وأمه. وخالته خلفهما، اهـ.
3 الاستدلال على تعدد الواقعة، بلفظ: الحصير. والبساط غير صحيح، فإن البساط في هذا الحديث هو الحصير، قد صرح بذلك أنس، قال: فيصلي على بساط لنا، وهو حصير ننضحه بالماء، أخرجه أبو داود في "باب الصلاة على الحصير" ص 103.
4 في "باب إنما جعل الإمام ليؤتم به" ص 95، ومسلم في "باب استخلاف الإمام إذا عرض له حاجة" ص 177، كلاهما بإسناد واحد.(2/41)
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، وَهُوَ قَائِمٌ1 بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَرَضْت عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَك الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْت: لَا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ عليه السلام بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ قَائِمًا، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ لَهُمْ: حَدِيثُ "إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ، وَبَاقِي السِّتَّةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا،
__________
1 الأحاديث الصحيحة مصرحة في هذا الباب، بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قاعداً في هذه الصلاة، وأبا بكر كان قائماً، وأما المأمومون سواه، فذكر المؤلف رواية "المعرفة" وذكر قيامهم، وذكر الحافظ في "الفتح" ص 147 ج 2 أنه "أي قيام المأمومين" في رواية إبراهيم بن طهمان عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها، وقال فيه أيضاً: إنه وجد في "مصنف عبد الرزاق" عن ابن جريج عن عطاء، فذكر الحديث، وفيه: فصلى الناس وراءه قياماً، قلت: ما ذكره المؤلف من رواية "كتاب المعرفة" فلم يذكر إسناده، ورواية عائشة تعليق، ورواية عطاء مرسلة، وادعى ابن حبان نفي قيام المأمومين، سوى أبي بكر، وتمسك بحديث جابر، رواه مسلم من طريق أبي الزبير: ص 177، والطحاوي: ص 234، والنسائي: ص 128، وص 178، ولفظ مسلم: اشتكى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً، فأشار إلينا، فقعدنا، الحديث، ولفظ الطحاوي: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر خلفه، فإذا كبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر أبو بكر، ليسمعنا، فبصر بنا قياما، فقال: اجلسوا، أومأ بذلك إليهم، الحديث. والظاهر من السياق أن هذه الصلاة كانت آخر صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس، صلاة الظهر، وأجاب عنه الحافظ بحمله على طريق أبي سفيان. وسالم بن أبي الجعد، وحديث أنس على صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته، لكن ظاهر السياق أنه واقعة مرض الموت، لأنه لم يذكر في حديث السقوط أنه عليه السلام بلغ به الضعف إلى أنه خفى صوته، ولم يستطع أن يبلغه من البيت، لأن حجرته كانت تسعاً في تسع، أو أقل منه، ثم أمر أبا بكر أن ينفرد عن الصف، ويقوم خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن قال الحافظ: إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد، قلت: وذكر الظهر لم أر في طريق الليث وأبو الزبير مدلس، قال عياض: إنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده، ومن كان في المسجد، قال الحافظ: هذا محتمل، قلت: فعلى هذا لا إشكال في تكبير أبي بكر أيضاً.
2 ص 178.
3 في "باب إنما جعل الإمام ليؤتم به" ص 96، ومسلم في "باب ائتمام المأموم" ص 176، وأبو داود في "باب الإمام يصلي من قعود" ص 96، والترمذي في "باب إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً" ص 47، والنسائي في "باب الائتمام بإمام يصلي قاعداً" ص 133.(2/42)
فَصَلُّوا قُعُودًا"، وَأَخْرَجَا1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ"، الْحَدِيثَ، لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ الْفَرَسِ، وَأَخْرَجَا2 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، فَصَلُّوا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا. فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَجَلَسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ4" حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُورَ، مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْهُ، مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ. وَلَفْظُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ، أَوْ كَتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ: قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا"، وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك آلَيْتَ شَهْرًا؟ فَقَالَ: "إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ" مُنْفَرِدًا بِهِ، دُونَ الْبَاقِينَ، وَتَكَلَّفَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ" الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ: صَلُّوا قِيَامًا. وَالْبَعْضُ صَلُّوا جُلُوسًا، فَأَخْبَرَ أَنَسُ بِالْحَالَتَيْنِ، وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ مَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ صَلُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا. فَلَمَّا شَعَرَ بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسُوا، فَرَآهُمْ أَنَسٌ عَلَى الْحَالَتَيْنِ، فَأَخْبَرَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، مُخْتَصِرًا لِلْأُخْرَى، لَمْ يَذْكُرْ الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمَانِ. الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ: أَنَّهُمَا كَانَا فِي وَقْتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمْ عليه السلام فِي إحْدَى الْوَاقِعَتَيْنِ عَلَى قِيَامِهِمْ خَلْفَهُ، لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ تَطَوُّعًا، والتطوعات يحتمل فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ، فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ، فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ فِي مَشْرَبَةٍ لِعَائِشَةَ، يُسَبِّحُ جَالِسًا، قَالَ: فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَسَكَتَ عَنَّا، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى نَعُودُهُ، فَصَلَّى الْمَكْتُوبَةَ جَالِسًا، فَقُمْنَا
__________
1البخاري في "باب إقامة الصف من تمام الصلاة" ص 100، ومسلم في: ص 177.
2 أخرجه البخاري في "المرضى في باب إذا عاد مريضاً، فحضرت الصلاة" ص 845، ومسلم: ص 177 ج 1، واللفظ له.
2 في باب ائتمام المأموم بالإمام" ص 177 ج 1، والطحاوي: ص 234، والنسائي: ص 128، وص 178، وأحمد: ص 334، وأبو داود: ص 96، الظاهر من بعض ألفاظ السياق أن القصة من مرض الموت.
4 في "باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب" ص 55.
5في "باب الامام يصلي من قعود ص 96، والبيهقي في "سننه" ص 80 ج 3، والدارقطني: ص 162.(2/43)
خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا، قَالَ: فَلَمَّا قضى الصلاة، قال: "وإذا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا، كَمَا تَفْعَلُ فَارِسُ بِعُظَمَائِهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ، أَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ سُبْحَةً، فَلَمَّا حَضَرَتْ الْفَرِيضَةُ أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسُوا، فَكَانَ أَمْرَ فَرِيضَةٍ1 لَا فَضِيلَةٍ، انْتَهَى. قُلْت: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَاتِ يُحْتَمَلُ فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إيَّاكِ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كان لابد، فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ أَحَادِيثَ: " إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا"، مَنْسُوخَةً بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ: أَنَّهُ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَبِحَدِيثِ: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ، لَكِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَقَعَ فِيهِ اضْطِرَابٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ، فَاَلَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إمَامًا. وَأَبُو بَكْرٍ مأموم، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْعَكْسُ، كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ أَيْضًا4 عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ، صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى. وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ، مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَامًا هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، يَوْمَ السَّبْتِ5 أَوْ الْأَحَدِ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُومًا هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ،
__________
1 في نسخة "لفريضة".
2 في "باب ما ذكر في الالتفات من الصلاة" ص 78.
3 في "باب بعد باب إذا صلى الامام قاعداً فصلوا قعوداً" ص 48، والنسائي في "باب صلاة الامام خلف رجل من رعيته" ص 127، والطحاوي: ص 236، والبيهقي: ص 82 ج 3.
4 ص 127 ج 1، وأحمد: ص 159 ج 3، وص 233 ج 3 وص 243، راجعه، والطيالسي: ص 258، وأخرجه الطحاوي عن حميد عن ثابت عن أنس، وكذا الترمذي في "باب إذا صلى الامام قاعداً صلوا قعوداً" ص 48، وقال: حسن صحيح، وقال: من ذكر فيه عن ثابت أصح، وأخرج الطحاوي حديث أنس: ص 223، ولفظه: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو متكىء على أسامة متوشح ببرد، فصلى بهم، اهـ. وفي الطيالسي: ص 285 في مرضه الذي مات فيه، فيصلي بالناس في ثوب واحد، الحديث.
5 قوله يوم السبت والأحد، قلت: هذا غلط صريح، لأنهم اتفقوا على أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي يوم الاثنين، وفيه حديث أنس في "الصحيح في باب من رجع القهقرى" ص 161، وأنه عليه السلام لم يخرج بعد الخروج الأول ثلاثاً، كما في "الصحيح في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة" من حديث أنس: ص 94،(2/44)
وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عليه السلام، حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا، قَالَ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا يَثْبُتُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي صَلَاتِهِمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَكَشْفِهِ عليه السلام السِّتْرَ، ثُمَّ إرْخَائِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، ثُمَّ إنَّهُ عليه السلام وَجَدَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَأَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي "الْمَغَازِي" عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ1 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْلَعَ عَنْهُ الْوَعْكُ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، فَغَدَا إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ. وَغُلَامٍ لَهُ، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهِ، فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَصَفَّا2 جَمِيعًا، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يَقْرَأُ، فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قَضَى سُجُودَهُ، فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، فَذَكَر الْقِصَّةَ فِي دُعَائِهِ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَعَهْدِهِ إلَيْهِ فِيمَا بَعَثَهُ فِيهِ، ثُمَّ فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَالصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ مَأْمُومٌ، هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْعَبَّاسِ. وَعَلِيٍّ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا إمَامًا، هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ. وَغُلَامٍ لَهُ، وَفِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ.
قُلْت: وَحَدِيثُ كَشْفِ السِّتَارَةِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ3"، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ،
__________
ثم ذكر أنس خروجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليوم الرابع، ورفع الحجاب، فكان يوم الوفاة اليوم الخامس من الخروج الأول الذي خرج فيه عليه السلام لصلاة الظهر، وخطب، وإليه الاشارة في حديث جندب عند مسلم في "النهي عن بناء المسجد على القبر" ص 201، قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يموت بخمس، اهـ. واليوم الخامس من يوم الاثنين قبله، هو يوم الخميس، ففيه خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصلاة الظهر، وخطب بعد الصلاة، كما في حديث عائشة في "الصحيح في آخر المغازي" ص 639، وفي غيره، وقد اهتم لهذا الخروج، وأراق عليه من سبع قرب لم يحلل أوكيتهن، وهو في "الصحيح في باب الغسل والوضوء من المخضب" ص 32، قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" ص 228 ج 5: وخطب عليه السلام في يوم الخميس قبل أن يقبض بخمسة أيام خطبة عظيمة إلى قوله: ولعل خطبته هذه كانت عوضاً عما أراد أن يكتبه في الكتاب، اهـ. ولي في هذه المسألة رسالة مستقلة جمعتها، ولم تهذب بعد، أسأل الله أن يوفقني لتهذيبها، وهو الموفق.
1 قلت: هذا مرسل، وأخرج ابن سعد في "طبقاته" في القسم الثاني، من الجزء الثاني ص 20 ج 2 القصة عن الواقدي بإسناده عن عمرة عن عائشة، ولكن الواقدي مكشوف الحال، وكذا في ص 22 من حديث أم سلمة، وفيه الواقدي أيضاً، ومن حديث أبي سعيد في: ص 23.
2في نسخة ك "فصليا".
3 أخرجه البخاري في "باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة" ص 93 ومسلم في "باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر" ص 179.(2/45)
وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ، كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إلَيْنَا، وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا، قَالَ: فَبُهِتْنَا، وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ، أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ1": أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ2" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ
__________
1في "باب من رجع القهقري في صلاته"ص160
2والذي يفهم من كلام ابن حبان، ومن مراجعة الأصول أن لحديث عائشة في مرض موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإمامته مخارج أربعة، اختلف عليها كلها، ثلاثة منها في "الصحيحين":
أحدها: طريق موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عنها، روى عنه زائدة، وفيه: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والناس بصلاة أبي بكر، اهـ. لم يختلف على زائدة فيه، أخرج حديثه البخاري في "باب إنما جعل الامام ليؤتم به" ص 95، ومسلم في "باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر" ص 177 اتفقا على روايته عن أحمد بن يونس عن زائدة، وروى عن موسى شعبة، واختلف فيه، روى أحمد في "مسنده" ص 249 ج 6 عن أبي داود الطيالسي حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة، قال: سمعت عبيد الله بن عبد الله يحدث عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أبا بكر أن يصلي
بالناس في مرضه الذي مات فيه، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي أبي بكر يصلي بالناس قاعداً، وأبو بكر يصلى بالناس خلفه، اهـ. وروى النسائي في "باب الإئتمام بمن يأتم بالإمام" ص 128 عن محمود بن غيلان عن أبي داود به، وفيه: قالت: وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي أبي بكر، والناس خلف أبي بكر، اهـ. وأخرجه ابن جارود: ص 166 في "باب تخفيف الصلاة بالناس" عن إسحاق بن منصور عن أبي داود به، وفيه: قالت: فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي أبي بكر قاعداً، وأبو بكر يصلي خلفه، اهـ. ففي هذا وافق شعبة زائدة في إمامة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولحديث شعبة طريق آخر، رواه ابن حبان، كما قال الزيلعي، ولم يذكر إسناده، ورواه ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3 من طريق محمد بن بشاء حدثنا بدل بن المحبر حدثنا شعبة عن موسى عن عبيد الله عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس. ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، اهـ. قلت: فكأنه انقلب على بعض الرواة، والله أعلم.
الثاني: طريق الأعمش عن إبراهيم: عن الأسود عن عائشة، رواه البخاري في "الصحيح في باب حديث آخر: المريض أن يشهد الجماعة" ص 91، ومسلم في: ص 178، وفيه: فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، اهـ. روى عنه حفص بن غياث. وأبو معاوية. وعبد الله بن داود، عند البخاري، وكيع. وابن مسمر. وابن يونس. وأبو معاوية، عند مسلم، وروى ابن جارود في "المنتقى" ص 166 حديث موسى بن أبي عائشة من طريق إسحاق بن منصور، قال: أنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة عن موسى ابن أبي عائشة بإسناده مثل حديث زائدة، ثم قال: قال أبو داود: حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه، كان المقدم، اهـ.
والثالث: طريق عروة عن عائشة اختلف فيه عليه أيضاً، روى الشيخان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قولها: فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، أخرجه البخاري في "باب من قام إلى جنب الامام لعلة" ص 94، ومسلم في "باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر" ص 179، وروى أحمد في "مسنده" ص 159 ج 6 عن شبابة بن سوار حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة بن الزبير عن عائشة، الحديث، وفيه: فصلى أبو بكر، وصلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه قاعداً، اهـ.=(2/46)
عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ،
__________
= والرابع: طريق أبي وائل عن مسروق عن عائشة، وقد اختلف فيه على أبي وائل، روى عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة إمامة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى نعيم بن أبي هند عن أبي وائل، واختلف فيه على نعيم، روى البيهقي في "سننه" ص 82 ج 3 من طريق أحمد بن عبد الله النرسي عن شبابة ابن سوار عن شعبة، وأحمد في "مسنده" ص 159 ج 6 عن شبابة عن شعبة عن نعيم بإسناده، قال: صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف أبي بكر قاعداً في مرضه الذي مات فيه، وروى أحمد في "مسنده: ص 159 ج 6 عن بكر بن عيسى عن شعبة، والنسائي في "باب صلاة الامام خلف رجل من رعيته" ص 127 عن محمد ابن المثنى عن بكر بن عيسى عن شعبة عن نعيم عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس، وأبو بكر في الصف، اهـ. وهكذا رواه بدل بن المحبر. وأبو أمية الطرطوسي عن شبابة بن سوار، كلاهما عن شعبة، روى حديثهما البيهقي في "سننه" ص 83 ج 3، ومن طريق النسائي، روى ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3، وروى البيهقي من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن عائشة، فذكرت قصة مرض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي آخره: فلما أحس أبو بكر بحس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يستأخر، فأومأ إليه أن يثبت، وجيء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضع بحذاء أبي بكر، أو قالت: في الصف، اهـ. قال البيهقي: هذا يخالف رواية شبابة عن شعبة في الاسناد والمتن، وقد روى شبابة عن شعبة بقريب من هذا المتن، اهـ. ثم أخرج طريق الطرطوسي. وبدل بن المحبر، كما عند النسائي، وقال: رواية مسروق تفرد بها نعيم عن أبي وائل، واختلف عليه، اهـ.
هذا، ثم الظاهر من سياق الأحاديث أن الاختلاف في إمامة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والصديق في صلاة واحدة، وأن القصة واحدة، وأن الاختلاف فيها من تصرف الرواة فقط، تعدد خروج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرض موته أو لم يتعدد، وأن الظاهر من صنيع الشيخين أنهما رجحا إمامة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنهما لم يدخلا في "صحيحهما" من حديث موسى بن أبي عائشة. والأعمش. وعروة، إلا ما فيه إمامة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مع ثقة رواة الخلاف، وأنهم من أشهر رجال الصحيحين، ووجوه الترجيح واضحة، فيما ذكرنا، لا حاجة لنا أن نشتغل بإعادتها، واختيار الشيخين هو المرجح، "وليس وراء عبادان فرية".
وأما حملها على تعدد الواقعة، كما حمله ابن حبان. والبيهقي، فهذا بعيد جداً، سواء تعددت الواقعة في نفس الأمر، أم لا، وهذا إنما يحسن إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت، كما هنا، فهو من تصرف الرواة، قاله الحافظ في "الفتح" ص 217 ج 11 لحديث آخر مثله، لأن مخرج حديث زائدة عن موسى بن أبي عائشة متحد مع حديث شعبة عنه، مع ما اتفق على شعبة فيه، وحديث حفص بن غياث. وأبي معاوية. وغيرهما عن الأعمش مع حديث شعبة عنه، مع ما فيه من مظنة التعليق، وحديث هشام بن عروة عن أبيه مع حديث مسعد بن إبراهيم عن عروة، وحديث عاصم ابن أبي النجود عن أبي وائل، مع حديث نعيم عنه، مع ما اختلف عليه، مع أن الظاهر من حديث أنس عند الشيخين أنه عليه السلام لم يخرج يوم الاثنين، إنما كشف الستر وهم في الصلاة، وأشار إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى الحجاب، فلم يقدر عليه، حتى مات، فلو خرج في الركعة الثانية، كما يقوله من يقوله، لقدر عليه أنس. ومن معه من المسلمين، كيف! وقد قدروا عليه، وهم في الصلاة، ولم يمنعهم من النظر إلى وجهه الكريم حرمة الصلاة، فلو خرج ثانياً، وصلى مع المؤمنين ركعة، وقضى ركعة بعد انصرافهم، لكانوا أقدر عليه من المرة الأولى، فحديث أنس ليس فيه إلا السكوت عن الخروج الثاني، بل فيه البيان، بأنه لم يخرج، ولو سكت لكان سكوته بياناً، لأن الواقعة لها شأن، وفي ذكرها تنويه، فلا يسكت عن هذا الحرف من يذكر القصة، إلا لعدم الوقوع، ومثله حديث ابن عباس، عند مسلم في "كشف الستارة" ولم يذكر بإسناد صحيح يحتج به، بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوم الاثنين، وصلى خلف أبي بكر ركعة، إلا ما روى ابن سعد في "طبقاته" في القسم الثاني، من الجزء الثاني ص 20: من حديث عائشة، وفي ص 22: من حديث أم سلمة، وفي ص 23: من حديث أبي سعيد الخدري، كلها من طريق محمد بن عمر،(2/47)
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ1 عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ بِهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ، انْتَهَى. قَالَ: فَهَذَا شُعْبَةُ قَدْ خَالَفَ زَائِدَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهُمَا ثَبْتَانِ حَافِظَانِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصُلِّيَ بِالنَّاسِ"؟ قُلْنَا: لَا، الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: فَخَرَجَ بَيْنَ ثُوَيْبَةَ. وَبَرِيرَةَ، فَأَجْلَسَتَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَهُوَ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ خَالَفَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، عَاصِمَ بْنَ أَبِي النَّجُودِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا، قَالَ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ. وَنُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ حَافِظَانِ ثِقَتَانِ.
قَالَ: وَأَقُولُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ، لَيْسَ فِيهَا تَعَارُضٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ2: فِي إحْدَاهُمَا: كَانَ إمَامًا، وَفِي الْأُخْرَى كَانَ مَأْمُومًا، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: الْعَبَّاسِ. وَعَلِيٍّ، وَفِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ عَنْهُمَا: أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ بَيْنَ: بَرِيرَةَ.
__________
وهو مكشوف، لم يعتمد عليه ابن حبان في هذه المسألة، إذ لفظ حديث أم سلمة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في وجعه، إذا خفّ عنه ما يجد، خرج فصلى بالناس: وإذا وجد ثقله، قال: مروا الناس، فليصلوا، فصلى بهم ابن أبي قحافة يوماً الصبح، فصلى ركعة فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس إلى جنبه، فائتم بأبي بكر، فلما قضى أبو بكر الصلاة أتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما فاته، اهـ. وفي حديث أبي سعيد، قال: لم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجعه، إذا وجد خفة خرج، وإذا ثقل وجاءه المؤذن، قال: "مروا أبا بكر يصلي بالناس"، الحديث وفي طريق آخر له: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في مرضه بصلاة أبي بكر ركعة من الصبح، ثم قضى الركعة الباقية، قال محمد بن عمر: رأيت هذا الثبت عند أصحابنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى خلف أبي بكر، اهـ. وقد قال ابن حبان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد، اهـ. وقال الشافعي في "كتاب الأم" ص 185 ج 2: مرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أياماً وليالي، ولم يبلغنا أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالناس إلا صلاة واحدة.
وبعد: يشكل حديث أم الفضل عند الترمذي في "باب القراءة في المغرب" ص 41، قالت: خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه، فصلى المغرب، فقرأ "بالمرسلات" فما صلاها بعد، حتى لقي الله عز وجل، اهـ. إلا أن المصرح عند الطحاوي: ص 125، والنسائي: ص 154، و"مسند" أحمد: ص 338 ج 6، أن هذه الصلاة كانت في البيت، اهـ.
1 أجمل في الذكر، ولم يذكر من روى عن شعبة، لينظر كيف حاله، قلت: قال ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثني أحمد بن عون الله حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني حدثنا محمد بن بشار حدثنا بدل بن المحبر حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة به، اهـ.
2 قلت: وإليه مال ابن حزم في "المحلى" ص 67 ج 3 قال: إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك.(2/48)
وَثُوَيْبَةَ1 انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ2 مَا يَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَى أَنَّ حَدِيثَ: إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا، مَنْسُوخٌ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام آخِرُ مَا صَلَّى صَلَّى قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ، فَالْآخِرُ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ لَمْ يَرَ بِالنَّسْخِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ فِي "صَحِيحِهِ": وَفِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا، كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا، وَأَفْتَى بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ3: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأُسَيْدُ بْنُ حضير4. وقيس بن قهد، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا، بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ. وَلَا مُنْقَطِعٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ خِلَافُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَا وَاهٍ. فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْ التَّابِعِينَ أَيْضًا، وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ ذَلِكَ فِي الْأُمَّةِ: الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَأَعْلَى حَدِيثٍ احْتَجُّوا بِهِ، حَدِيثٌ5 رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ عليه السلام: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، وَهَذَا لَوْ صَحَّ إسْنَادُهُ لَكَانَ مُرْسَلًا، وَالْمُرْسَلُ عِنْدَنَا. وَمَا لَمْ يُرْوَ سِيَّانِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا إرْسَالَ تَابِعِيٍّ. وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، للزمنا قَبُولُ مِثْلِهِ عَنْ أَتْبَاعِ التابعين، وإذا قلنا: لزمنا قَبُولُهُ مِنْ أَتْبَاعِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، إذَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي هَذَا نَقْضُ الشَّرِيعَةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أبا حنيفة يجرح جابر الْجُعْفِيِّ وَيُكَذِّبُهُ، ثُمَّ لَمَّا أَخْطَرَهُ الْأَمْرُ جَعَلَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ بِالرَّقَّةِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ6 سَمِعْت أَبَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: مَا رَأَيْت فِيمَنْ لَقِيت أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءٍ، وَلَا لَقِيت فِيمَنْ لَقِيت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، مَا أَتَيْته بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي قَطُّ إلَّا جَاءَنِي فِيهِ بِحَدِيثٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرْجَمَةَ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ هَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
__________
1 في نسخة "ثويبة" ضبطه الحافظ "بالنون المضمومة، بعدها الواو الساكنة، ثم الموحدة".
2 في "كتاب المرضى في باب المرضى، إذا عاد مريضاً فحضرت الضلاة" ص 845، وقال البخاري في "باب إنما جعل الامام ليؤتم به" ص 96: إنما يؤخذ بالآخر، الخ.
3 قال الحافظ في "الفتح" ص 146 ج 2: قد أمَّ قاعد جماعة من الصحابة، ثم ذكر هؤلاء، وذكر من خرج آثارهم، وصحح أسانيدها
4 وله حديث مرفوع: إذا صلى قاعداً فصلوا خلفه قعوداً، عند الحاكم: ص 289 ج 3 وصححه.
5كيف يستدل بهذا لأبي حنيفة، وأنه أجاز إمامة القاعد، إنما منع قعود غير المريض، وهذا شيء آخر.
6 في نسخة "الجوزاء".
7 ص 153 والبيهقي في "سننه" ص 80 ج 3 وضعفه.(2/49)
لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ غَيْرُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَرَوَاهُ عَنْ الْجُعْفِيِّ مُجَالِدٌ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ فِي رِوَايَتِهِ مَذْمُومٌ فِي رَأْيِهِ، ثُمَّ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْهُ عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ: لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ جَالِسًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى، وَهُوَ مَرِيضٌ جَالِسًا، وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ جُلُوسًا، وَأَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَسِيد بْنَ حُضَيْرٍ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا فَعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا بِالنَّاسِخِ، وَكَذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ1 أَنَّهُمْ أَمُّوا جَالِسِينَ، وَمَنْ خَلْفَهُمْ جُلُوسٌ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ النَّسْخُ، وَعِلْمُ الْخَاصَّةِ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضٍ، وَيَعْزُبُ عَنْ بَعْضٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي "الْإِمَامِ" يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا مِنْ مَرَضٍ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلُّونَ قُعُودًا، اقْتِدَاءً بِهِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ. وَحَدِيثِ أَنَسٍ: وَإِذَا صَلَى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ. وقيس بن قهد، وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُصَلُّونَ قِيَامًا: وَلَا يُتَابِعُونَهُ فِي الْجُلُوسِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالشَّافِعِيُّ، وَادَّعَوْا نَسْخَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ بِأَحَادِيثَ أُخْرَى: مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِالنَّاسِ جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ قَائِمٌ، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إمَامًا حَقِيقَةً، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِإِمَامَيْنِ وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْإِمَامَ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ يُبَلِّغُ النَّاسَ، فَسُمِّيَ لِذَلِكَ إمَامًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَقْوَى الِاحْتِجَاجُ عَلَى أَحْمَدَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ: أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى جَالِسًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، بَلْ وَلَا يَصْلُحُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاتِهِ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ لِعُذْرٍ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا مِنْهُ، سِيَّمَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ
__________
1 ذكر ابن حجر في "الفتح" ص 147 قيس بن قهد، وأسيد بن حضير، وجابر بن عبد الله أنهم صلوا قعوداً، والناس خلفهم جلوس، وذكر أبا هريرة أنه أفتى بذلك، وذكر من أخرج هذه الآثار، وصحح الحافظ أسانيدها، وذكر ابن حزم في "المحلى" ص 70 ذلك أيضاً، وأخرج الدارقطني: ص 52 عن أسيد بن حضير، وفي: ص 162 عن جابر أنهم صليا جالسين، والمأمومون أيضاً جلوس.(2/50)
فِي "كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ": وَهِيَ رِوَايَةٌ مُرْسَلَةٌ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا رَوَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِسَنَدٍ فِيهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ مَثَالِبَ فِي دِينِهِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَثِيرًا مَا يُرْسِلُ1، ولا يذكر منه حَدَّثَهُ، حَتَّى قَالُوا: إنَّ جَمِيعَ مَسْمُوعَاتِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا2، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، جَمَعَهَا الْحُمَيْدِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ، هُوَ أَنْ يُحْمَلَ أَحَادِيثُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّمَاعِ الْمُتَّصِلِ، حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ، أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِوَاسِطَةٍ، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، وَذَلِكَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْعَبَّاسِ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ 3" مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ أَرَقْمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَبَّاسِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَرَأَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ هَذَا الْكَلَامَ يُرْوَى إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ 4
__________
1 قلت: مراسيل الصحابة مقبولة بالإجماع، وإن لم يحضر الواقعة، بل وإن خالف من حضر الواقعة، كذا في "الفتح" ص 185 ج 3، وإنما يرده من يرد المراسيل، مرسل صحابي رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يميز، كما قال السخاوي في "فتح المغيث" ص 62: رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمع منه شيئاً، كما قاله الحافظ في "الفتح" وابن عباس ليس منهم، باعتراف من يتعلل بأنه سمع سبعة عشر حديثاً، والله أعلم.
2 قد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان من الغريب قول الغزالي في "المستصفى"، وقلده جماعة: إنها أربعة، ليس إلا، وعن يحيى القطان. وابن معين. وأبي داود "صاحب السنن" تسعة، وعن غندر: عشرة، وعن بعض المتأخرين: إنها دون العشرين، من وجوه صحاح، وقد اعتنى شيخنا بجمع الصحيح. والحسن فقط، من ذلك، فزاد على الأربعين، سوى ما هو في حكم السماع، كحكاية حضور شيء فعل في حضرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأشار شيخنا لذلك عقب قول البخاري في الحديث الثالث، من باب العشر من الرقاق: هذا مما يعد أن ابن عباس سمعه "فتح المغيث" ص 63، وراجع له "فتح الباري" ص 331 ج 11.
2 ورواه أحمد في "مسنده" ص 209 ج 1 عن يحيى بن آدم عن قيس بن ربيع به، ولفظه: فقرأ من المكان الذي بلغ أبو بكر رضي الله عنه من السورة، اهـ. ورواه الدارقطني في "سننه" ص 153 من حديث يحيى بن آدم به، سواء بسواء، إلا أن فيه عبد الملك بن أرقم بن شرحبيل، بدل: أرقم بن شرحبيل.
4 رواه ابن ماجه في "باب صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه" ص 88، قال الحافظ في "الفتح" ص 629 ج 5 أخرجه أحمد. وابن ماجه بسند قوي، وصححه الحافظ من رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس، وحسن الحديث، في: ص 145 ج 2، قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 235 ج 1، وفي "مشكله" ص 27 ج 2، وأحمد: ص 355 ج 1، وص 357 ج 1، وص 357، وابن سعد في "طبقاته" ص 130 ج 3 في الحصة الأولى، والبيهقي في "سننه" ص 81 ج 3، كلهم من حديث أسرائيل عن أبي اسحاق عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس وأحمد في "مسنده" ص 331 ج 1 من حديث زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق به، فالاسناد إلى ابن عباس صحيح، غاية ما يقال فيه: إنه مرسل، فماذا؟ لا سيما، وقد علم أنه ابن عباس، وأنه صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(2/51)
مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ قَيْسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ وَكِيعٌ: وَكَذَا السُّنَّةُ، مُخْتَصَرٌ.
أَحَادِيثُ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ النَّافِلَةِ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْمَنْعِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ"، قَالُوا: وَاخْتِلَافُ النِّيَّةِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَحَمَلَهُ الشافعي على الاختلاف من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: "فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا"، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ. وَأَحْمَدُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ، هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ3، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الْأَدَبِ4"، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ أَجْوِبَةً5، اسْتَوْفَاهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ": أَحَدُهَا: أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْإِنْكَارِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرْطُ ذَلِكَ عِلْمُهُ بِالْوَاقِعَةِ، وَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلِمَ بِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ6" عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ سُلَيْمٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، أَنَّهُ
__________
1 قلت: أخرج البخاري حديث: فلا تختلفوا عليه، في "باب إقامة الصفوف من تمام الصلاة" ص 100، ومسلم في "باب ائتمام المأموم بالامام" ص 177، كلاهما من حديث أبي هريرة، أما حديث أنس، فلم أجد بهذا اللفظ في "الصحيحين" والله أعلم.
2 في "باب إذا طول الامام، وكان للرجل حاجة" ص 97، ومسلم في "باب القراءة في العشاء" ص 187.
3 قوله: تلك الصلاة، أخرجه مسلم من طريق عمرو بن دينار. وأبو داود عن عبيد الله بن مقسم عن جابر في "باب إمامة من صلى بقوم، وقد صلى تلك الصلاة" ص 95
4 لم أجده في "البخاري" فضلاً عن "كتاب الأدب" والله أعلم.
5 سئل أحمد عن رجل صلى في جماعة، أيؤم بتلك الصلاة؟ قال: لا، ومن صلى خلفه يعيد، قيل له: فحديث معاذ؟ قال: فيه اضطراب، إذا ثبت، فله معنى دقيق، لا يجوز مثله اليوم، كذا في "طبقات الحنابلة" ص 53.
6 هذا الحديث رواه أحمد في "مسنده" ص 74 ج 5، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 238 من حديث معاذ نفسه، في حديث أحمد قصة، ورواها ابن حزم من طريق أخرى في "المحلى" ص 330 ج 4، وهي: أن سليمان صاحب هذه القصة قتل بأحد، اهـ. وأعل ابن حزم هذا الحديث، بأنه منقطع، لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أدرك هذا الذي شكى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعاذ، اهـ. وقال في "الزوائد" ص 71 ج 2: رواه أحمد، ومعاذ بن رفاعة لم يدرك الرجل الذي من بني سلمة، لأنه استشهد بأحد، ومعاذ تابعي، والله أعلم، ورجال أحمد ثقات، اهـ. قلت: معاذ بن رفاعة هذا، هو معاذ بن رفاعة الزرقي، كما هو مصرح في "شرح الآثار" وهو أنصاري أيضاً، كما في "مسند أحمد" ومعاذ بن رفاعة الأنصاري الزرقي من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد غزوة قريظة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فرس،(2/52)
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جبل يأتينا بعد ما نَنَامُ، وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ، فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ، فَنَخْرُجُ إلَيْهِ، فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "يَا مُعَاذُ! لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ"، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كان يفعل أحد الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَجْمَعُهُمَا، لِأَنَّهُ قَالَ: "إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي" أَيْ، وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِك، "وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك"، أَيْ، ولا تصل مَعِي. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِخْبَارِ النَّاوِي، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ كَانَ يَجْعَلُ صَلَاتَهُ مَعَهُ عليه السلام بِنِيَّةِ النَّفْلِ، لِيَتَعَلَّمَ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ مِنْهُ، وَأَفْعَالَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْتِيَ قَوْمَهُ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْفَرْضَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى": وَقَوْلُهُ عليه السلام: "إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ" ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَلَّى مَعَهُ امْتَنَعَتْ إمَامَتُهُ، وَبِالْإِجْمَاعِ لَا تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهِ مَعَهُ كَانَ يَنْوِيهِ نَفْلًا، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْعُذْرِ، بوجهين، أحدهما: الاستبعاد عن مُعَاذٍ، أَنْ يَتْرُكَ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْتِيَ بِهِ مَعَ قَوْمِهِ، قَالُوا: وَكَيْفَ يُظَنُّ بِمُعَاذٍ، بَعْدَ سَمَاعِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ، أن تصلي النَّافِلَةَ مَعَ قِيَامِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَعَلَّ صَلَاةً وَاحِدَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي عُمُرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ فِي "سُنَنِهِ وَمُسْنَدِهِ1" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ طَرِيقٍ أَثْبَتَ مِنْ هَذَا، وَلَا أَوْثَقَ رِجَالًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَذَكَرَا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قُلْنَا: أَمَّا الِاسْتِبْعَادُ فَلَيْسَ بِقَدْحٍ، سِيَّمَا، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ الْمُسْتَبْعَدَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا هَذِهِ الزِّيَادَةُ، فَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا هي من الرواة،
__________
وفي التابعين معاذ بن رفاعة رجل آخر، قاله ابن حجر في "الاصابة" قلت: هو معاذ بن رفاعة بن رافع بن مالك ابن العجلان، ذكره ابن سعد "في طبقاته" ص 204 ج 5.
1 الشافعي في "كتاب الأم" ص 153 ج 1 بكلا طريقيه، والدارقطني: ص 102 من طريق أبي عاصم. وعبد الرزاق عن ابن جريج به، والطحاوي: ص 237، والبيهقي: ص 86 ج 3 من طريق أبي عاصم عن ابن جريج به.(2/53)
هِيَ مِنْ الشَّافِعِيِّ1، فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَيَكُونُ مِنْهُ ظَنًّا وَاجْتِهَادًا، وَأَمَّا الْجَوَابُ2 عَنْ قَوْلِهِ عليه السلام: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، فَقَالَ الشَّيْخُ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ": يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنَّ مَفْهُومَهُ أَنْ لَا يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُقَامُ، لِأَنَّ الْمَحْذُورَ وُقُوعُ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا الْمَحْذُورُ مُنْتَفٍ، مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَامَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَلَوْ تَنَاوَلَهُ النَّهْيُ لَمَا جَازَ مُطْلَقًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ حَتَّى نُهِيَ عنه، ثم ذكرت حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: لَا تُصَلِّي صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَثْبَتَ النَّسْخَ بِالِاحْتِمَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاقِعًا، أَعْنِي صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَلَكِنْ قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى النَّسْخِ بِتَقْرِيرٍ حَسَنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ إسْلَامَ مُعَاذٍ مُتَقَدِّمٌ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ صَلَاةَ الْخَوْفِ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَلَى وَجْهٍ وَقَعَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ، فَيُقَالُ: لَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَأَمْكَنَ إيقَاعَ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ الْمُنَافَاةُ، وَالْمُفْسِدَاتُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَحَيْثُ صُلِّيَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ إمْكَانِ رَفْعِ الْمُفْسِدَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَبَعْدَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ يَبْقَى النَّظَرُ فِي التَّارِيخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ إنَّمَا يَمْشِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، يَعْنِي فَلَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ، فَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى الصَّلَاةَ كَامِلَةً، عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ "أَعْنِي فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ"، وَذَلِكَ مِثْلُ جُلُوسِهِمْ يَحْرُسُونَ الْعَدُوَّ، وَرُجُوعِهِمْ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِعَادَتِهِمْ لِمَا فَاتَهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ بَعْدَ حَدِيثِ مُعَاذٍ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهُ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ.
__________
1 هذا ليس بصواب، لأن طريق الدارقطني. والطحاوي. والبيهقي خال عن الشافعي، وفيه الزيادة.
2 قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم في "باب كراهية الشروع في نافلة، بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة" ص 247 من طريق عمرو بن دينا مرفوعاً، وفيه قال حماد: ثم لقيت عمراً فحدثني به، ولم يرفعه، اهـ. ورواه الطحاوي من طريق حماد بن سلمة. وحماد بن زيد بسنده عن أبي هريرة، بذلك، وقال: لم يرفعه، قال: فصار أصل الحديث عن أبي هريرة، لا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال ابن أبي حاتم في "العلل" ص 112: قال أبو زرعة: رواه ورقاء. وزكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار. عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعاً، ورواه ابن عيينة. وحماد ابن زيد. وحماد بن سلمة. وأبان بن عطاء، كلهم عن عمرو بن دينار، ورواه بن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة موقوفاً، قال أبوزرعة: الموقوف أصح، اهـ. وروى عن أبيه: ص 96 أنه صحح الوقف.(2/54)
وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَفَسَّرَهُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ حِينَ كَانَ الْفَرْضُ يُفْعَلُ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ، فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا يَعْرِفُهُ، إذْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّسْخِ سَبَبٌ. وَلَا تَارِيخٌ1، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ2، مَوْلَى مَيْمُونَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ" لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ مُعَاذٍ، لِلِاخْتِلَافِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى رُوَاةِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَدْ كَانَ عليه السلام يُرَغِّبُهُمْ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، فَنُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ، فَقَالَ: "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ"، أَيْ كِلْتَاهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ" عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ غِنًى عَنْ مُعَاذٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِمُعَاذٍ غِنًى عَنْ صَلَاتِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَائِلُهُ مَعْنَى النَّسْخِ، فَيَكُونُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِمَّا أُبِيحَ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَيَرْتَفِعُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا، وَلَا يَكُونُ نَسْخًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ، عِلَّةً لِهَذَا الْفِعْلِ، وَلِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُون سَبَبًا لِارْتِكَابِ مَمْنُوعٍ شَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَوْفٍ" الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ. وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ
__________
1 روى الطحاوي: ص 187 عن عمرو بن شعيب عن خالد بن أيمن المعافري، قال: كان أهل العوالي يصلون في منازلهم، ويصلون مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنهاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيدوا الصلاة في يوم مرتين، قال عمرو: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: صدق، اهـ. وأعله ابن حزم في "المحلى" ص 233 ج 4 بالارسال، قلت: أيمن المعافري، الظاهر أنه أيمن بن عبيد المعافري، أخو سلمة بن زيد لأمه، استشهد يوم حنين، فلا شك أن خالداً أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، راجع "نصب الراية" ص 101 ج 2، من أول "كتاب السرقة" "والاصابة" ثم لا شك أن الحديث من مراسيل سعيد بن المسيب التي يصححها الشافعي، فلا ينبغي للشافعي أن يقول ما قال.
2 حديث عمرو بن شعيب هذا أخرجه الطحاوي: ص 187. وابن حزم في "المحلى" ص 259 ج 4 من طريقه، وصححه، وفي: ص 125 ج 2 من غير طريق الطحاوي، وأخرجه النسائي في "باب سقوط الصلاة عمن صلى مع الامام في المسجد" ص 138، وأبو داود في "باب إذا صلى في جماعة، ثم أدرك جماعة يعيد" ص 93، وأحمد: ص 41 ج 2، والدارقطني: ص 159.
3 في "صلاة الخوف في باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين" ص 184، والنسائي في "صلاة الخوف" ص 231، والدارقطني: والحاكم من طريق الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة "صلاة الخوف" وفيه تكرار صلاة المغرب، قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: هذا حديث غريب، وقال الحاكم: على شرط الشيخين، وقال البيهقي: لا أظنه إلا وهماً، راجع "البيهقي" ص 260 ج 3.(2/55)
الَّذِينَ صَلُّوا مَعَهُ، فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ، فَصَلُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. فَصَلَاتُهُ الثَّانِيَةُ وَقَعَتْ نَفْلًا لَهُ، وَفَرْضًا لِأَصْحَابِهِ، وَهُمْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ1 مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَلَيْسَ فِيهِ التَّسْلِيمُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كنا بذات الرقاع، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: وكانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا فِي "الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ"، فَقَالَ: وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا، الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادِهِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ الصَّلَاةِ، وَوَهِمَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" فَذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَعَزَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ، لِأَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ، وَلَمْ يَرْوِهِ التِّرْمِذِيُّ أَصْلًا، وَلَكِنِّي لَمْ أَعْتَمِدْ عَلَى النُّسْخَةِ، فَلْيُرَاجَعْ، وَلَفْظُ "الصَّحِيحَيْنِ" هَذَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ، كَمَا فَهِمَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيُفَسِّرُهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا فَهِمَهُ النَّوَوِيُّ، بَلْ قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ2 أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي "الْخَوْفِ" بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحَاصِرًا لِبَنِي مُحَارَبٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ،
__________
1 في "صلاة الخوف" ص 279، قبل "كتاب الجمعة" وذكره البخاري معلقاً في: ص 593، ولم يسنده في "كتابه" أصلاً، ولقد أخطأ صاحب "المشكاة" حيث ظن أنه متفق، وله من هذا النوع كثير، وأخرجه النسائي: ص 231، وفيه: ثم سلم
2 قلت: هذا الحديث أخرجه الشافعي في "كتاب الأم" ص 153 بهذا الاسناد، وروى النسائي في "صلاة الخوف" ص 231 عن إبراهيم بن يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بآخرين أيضاً ركعتين، ثم سلم، اهـ. لكن تقدم في "فصل الغسل في الحديث الحادي والثلاثين" ص 48 روى الحسن عن جابر بن عبد الله أحاديث، ولم يسمع منه، اهـ. قال الحافظ في "التلخيص" ص 140: روى ابن خزيمة من طريق جابر. وفيه أنه سلم من الركعتين أولاً، ثم صلى ركعتين بالطائفة الأخرى، اهـ وأخرج الدارقطني ص 186، وفيه عنبسة غير منسوب، فلينظر، أهو عنبسة بن سعيد القطان. أو عنبسة بن أبي رائطة الغنوي الأعور، الذي ضعفه ابن المديني، راجع له "التهذيب" وروى الطحاوي من طريق قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر رضي الله عنه الحديث، وفيه: فصلى بالذين يلونه ركعتين، ثم سلم، ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، اهـ. ونقل ابن حجر عن ابن معين. والبخاري أن قتادة لم يسمع من اليشكري.(2/56)
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، إلَّا أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ شَيْخَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، يَأْتِي بِالطَّامَّاتِ، وَقَالَ الْفَلَّاسُ: كَانَ مُخْتَلِطًا لَا يُرْوَى عَنْهُ، وَقَدْ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد حَدِيثًا مَقْرُونًا بِحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ عِنْدَهُمْ رَكْعَتَانِ، وَالْقَصْرُ عَزِيمَةٌ، فَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ أَرْبَعًا، وَقَعَدَ فِي الْأُولَى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةً، وَقَدْ ذَهِلَ عَنْ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ، وَقَالُوا: لَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِمْ، إلَّا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، أَوْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَدْ أَجَابَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ هَذَا أَيْضًا بِالنَّسْخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نِزَاعُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتًا، كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ1، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: نهى أن يصلى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الْمَسَاجِدِ: مَنَعَهَا مَالِكٌ، وَأَجَازَهَا الْبَاقُونَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ2" عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: "أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟! "، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ فِي "صِحَاحِهِمْ"، قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يخرجه، وسليمان الأسود، هو ابْنُ سُخَيْمٍ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَأَبِي مُوسَى. وَالْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ لَهُ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا؟ " فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ3 أَنَّ الَّذِي قَامَ فَصَلَّى مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ حَمَّادِ
__________
1 قلت: يرده ما قال ابن حزم في "المحلى" ص 227 ج 4، فهذا آخر فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن أبا بكرة شهده، وإنما كان إسلامه يوم الطائف، بعد فتح مكة، وبعد حنين، اهـ. وأيضاً قد أخرج ابن حزم باسناده عن أبي بكرة أنه صلى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الخوف، فذكر الحديث.
2في "باب الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة" ص 30، والحاكم في "المستدرك" ص 209، وأبو داود ص 11 في "باب إذا يجمع في المسجد مرتين" ص 92، وابن جارود في "المنتقى" ص 168، والدارمي: ص 165، وسيأتي الحديث: ص 291.
3 في "السنن" ص 70.
4 في "باب الصلاة في جماعة" ص 103(2/57)
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخِطْمِيَّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ، وَقَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَالَ عليه السلام: "أَلَا رَجُلٌ يَقُومُ فَيَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، انْتَهَى. وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الْفَضْلُ بْنُ مُخْتَارٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَنَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ2" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَشْرَسَ ثَنَا أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى، فَقَالَ: "أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَمَّ قَوْمًا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَأَعَادُوا"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ علي، رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِهِ الْآثَارِ3" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ جُنُبًا، قَالَ: يُعِيدُ، وَيُعِيدُونَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ4. وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَأَعَادُوا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَالْبَيَاضِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَبُو جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، كَانَ مَالِكٌ لَا يَرْتَضِيهِ، وَكَانَ ابْنُ مَعِينٍ يَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ رَوَى عَنْ الْبَيَاضِيُّ بَيَّضَ اللَّهُ عَيْنَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": لَا يُعْرَفُ إلَّا عَنْ الْبَيَاضِيُّ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَرَمَاهُ ابْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَمِمَّا يحتج به للشافعي أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُعِيدُ، بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْإِمَامُ ضَامِنٌ"،
__________
1 ص 103.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 45 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه محمد بن عبد الملك أبو جابر، وقال أبو حاتم: أدركته، وليس بالقوي في الحديث، ورواه البزار، وفيه الحسين ابن الحسن الأشقر، وهو ضعيف جداً، وقد وثقه ابن حبان. اهـ.
3 1 "باب ما يقطع الصلاة" ص 27، والدارقطني: ص 139 من طريق عاصم بن ضمرة.
4 ص 139.
5 في "باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت" ص 84، والترمذي في "باب ما جاء أن الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن" ص 29.(2/58)
وَفِي سَنَدِهِمَا اضْطِرَابٌ، لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ1" حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَهَذَا سَنَدُ الصَّحِيحِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، ثُمَّ رَجَعَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "الصَّلَاةِ" وَالْبَاقُونَ فِي "الطَّهَارَةِ"، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ "بَابُ إذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ، يَخْرُجُ كَمَا هُوَ، وَلَا يَتَيَمَّمُ"، وَبَوَّبَ لَهُ مُسْلِمٌ "بَابُ خُرُوجِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِلْغُسْلِ"، وَبَوَّبَ لَهُ أَبُو دَاوُد "بَابُ الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ، وَهُوَ نَاسٍ3"، وَبَوَّبَ لَهُ النَّسَائِيّ4، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذَكَّرَ الْجَنَابَةَ، قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ، فَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، فَلَا يَصِيرُ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ، لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ، أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْت جُنُبًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ، وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ، فَمَكَثُوا، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَاغْتَسَلَ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: إنِّي خَرَجْتُ إلَيْكُمْ جُنُبًا، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّهُ عليه السلام انْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، أَوْ بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ، عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، انْتَهَى. وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ هُنَا
__________
1ص 419 ج 2، وقال أحمد في ص 514 ج 2: حدثنا موسى بن داود حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المؤذن مؤتمن، والإمام ضامن"، اهـ. هذا السند على شرط مسلم، راجع "الطبراني الصغير" ص 123، فان فيه سهيلاً عن الأعمش عن أبي صالح، الخ.
2 في "باب هل يخرج من المسجد لعلة" ص 89، ومسلم في "باب متى يقوم الناس للصلاة" ص 220، وأبو داود في "الطهارة" ص 35، والنسائي في "باب إقامة الصفوف قبل خروج الإمام" ص 130، وفي "باب الإمام يذكر بعد قيامه في مصلاه أنه على غير طهارة" ص 128، وابن ماجه في "باب ما جاء في البناء على الصلاة" ص 86.
3 ص 34
4 ص 128
5 ص 86، والدارقطني: ص 138، وأخرج نحوه من حديث أنس من طريق معاذ عن سعيد بن عروبة عن قتادة عنه، ثم قال: خالفه عبد الوهاب، ثم أخرج عنه عن سعيد عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل في صلاة، فكبر، وكبر من خلفه، الحديث.(2/59)
وَهْمٌ1، فَإِنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمَ، وَفِيهِ: حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ، فَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ صَلَّى بِالْقَوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ، فَأَعَادُوا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، رَمَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ وَكِيعٌ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَرْوِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ شَيْئًا قَطُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أن علياً صَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَعَادَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مطرح عن أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: صَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَلَمْ يُعِدْ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ صَلَّى مَعَك أَنْ يُعِيدُوا، قَالَ: فَرَجَعُوا إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، قَالَ الْقَاسِمُ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِلْخَصْمِ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا إمَامٍ سَهَا، فَصَلَّى بِالْقَوْمِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُمْ، وَلْيَغْتَسِلْ هُوَ، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ، وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَمِثْلُ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ جُوَيْبِرًا مَتْرُوكٌ، وَالضَّحَّاكَ لَمْ يَلْقَ الْبَرَاءَ، وَاحْتَجَّ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" لِمَذْهَبِهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، ولهم، وإن أخطأوا، فَلَكُمْ، وَعَلَيْهِمْ"، انْتَهَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3 وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.(2/60)
بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَنْ قَاءَ، أَوْ رَعَفَ، فِي صَلَاتِهِ،
__________
1قلت: أما الموضع الذي عزا الحافظ المخرج إليه الحديث، فليس فيه: قبل أن يكبر، ولا ما يؤدي مؤداه، وأما الموضع الذي عزوت إليه الحديث ففيه: حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر، انصرف، اهـ وهذا مفاده مفاد: قبل أن يكبر، والله أعلم.
2 ص 139، وروى عن عمر. وابنه. وعثمان أنهم صلوا على غير وضوء، ولم يأمروا من صلى خلفهم أن يعيدوا.
3 في "باب إذا لم يتم الإمام، وأتم من خلفه" ص 96.(2/60)
فَلْيَنْصَرِفْ، وَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ. وَالْخُدْرِيِّ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ، أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: وَأَصْحَابُ ابْنِ جُرَيْجٍ الْحُفَّاظُ عَنْهُ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا, ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ مُرْسَلًا , وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ. وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ. وَغَيْرُهُمْ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ تَابَعَ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، مُسْنَدًا، قَالَ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمْ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ غَيْرِ ابْنِ جُرَيْجٍ مُسْنَدًا أَيْضًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ، قَالَ: وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ. وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ رِيَاحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ تَوَضَّأَ، ثُمَّ بَنَى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعُمَرُ بْنُ رِيَاحٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عُمَرُ بْنُ رِيَاحٍ، هُوَ عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَبْدِيُّ مَوْلَى ابْنِ طَاوُسٍ، يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ بِالْأَبَاطِيلِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَأَسْنَدَ إلَى الْبُخَارِيِّ، وَإِلَى عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، أَنَّهُمَا قَالَا فِيهِ: دَجَّالٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَسَلْمَانَ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: عَنْ عَلْقَمَةَ. وَطَاوُسٍ. وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَالشَّعْبِيِّ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَعَطَاءٍ. وَمَكْحُولٍ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الطَّهَارَةِ2". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الرَّضَاعِ".
__________
1 في "باب ما جاء في البناء على الصلاة" ص 86، والدارقطني: ص 56.
2 في "باب فيمن يحدث في الصلاة" ص 31 وص 151، والترمذي في "الرضاع في باب كراهية إتيان النساء في أعجازهن" ص 139، وأحمد في "مسنده" ص 86، والدارمي: ص 135 تنبيه: حديث طلق بن علي أخرجه أحمد في "مسنده" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولعل هذا السهو ممن رتب المسند، أو اشتبه على الإمام نفسه، والعجب من الهيثمي أنه ظن أن هذا الحديث الذي في "مسند أحمد" عن علي بن أبي طالب، قاله: ص 299 ج 4 من "الزوائد".(2/61)
وَالنَّسَائِيُّ فِي "عِشْرَةِ النِّسَاءِ" عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ1" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كتابه": وهذا حديث لايصح، فَإِنَّ مُسْلِمَ بْنَ سَلَّامٍ الْحَنَفِيَّ أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ مَجْهُولُ الْحَالِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً عَنْ ابْنِ أَرْقَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَعَفَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَغْسِلْ عَنْهُ الدَّمَ، ثُمَّ لِيُعِدْ وُضُوءَهُ، وَلْيَسْتَقْبِلْ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ ثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَضُعِّفَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ. وَالْبُخَارِيِّ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَقَاءَ. أَوْ رَعَفَ، فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ، وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَأَحْدَثَ، فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْصَرِفَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ. وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا: "إذَا أَمَّ الْقَوْمَ فَوَجَدَ فِي بَطْنِهِ رزا4، أَوْ رُعَافًا، أَوْ قَيْئًا، فَلْيَضَعْ ثَوْبَهُ عَلَى أَنْفِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ فَلْيُقَدِّمْهُ"، انْتَهَى. وَهُوَ ضَعِيفٌ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ،
إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ فَعَلْت هَذَا، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، قُلْت: تَقَدَّمَ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ الْإِفْرِيقِيِّ
__________
1 ذكر ابن حبان في "الصحيح" هذا الحديث، ثم قال: لم يقل: وليعد صلاته إلا جرير، وقال البيهقي: نسب جرير بن عبد الحميد إلى سوء الحفظ في آخر عمره، قال أحمد: لم يكن بالذكي في الحديث، اختلط عليه حديث أشعث، وعاصم الأحوال، حتى قدم عليه بمحضره، فعرفه "الجوهر النقي" ص 254.
2 ص 55.
3 وابن ماجه في "باب فيمن أحدث في الصلاة كيف ينصرف" ص 87 "الدارقطني" ص 57، "والبيهقي" ص 254. والحاكم في "المستدرك" ص 184 ج 1 وقال هو. والذهبي: على شرطهما، ومن أفتى بالحيل يحتج به. اهـ.
4 الرزأ: الصوت الخفي، وأريد به القرقرة.
5 "باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه" ص 98،(2/62)
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ. وَبَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عبد الله بن عمر بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إذَا قَضَى الْإِمَامُ الصَّلَاةَ، وَقَعَدَ، فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ كَانَ خَلْفَهُ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ اضْطَرَبُوا فِي إسْنَادِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ1 ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يُعْرَفُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْأَفْرِيقِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّسْلِيمُ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ التَّسْلِيمُ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ. وَبَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ، قَالَا: سَمِعْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِ السُّنَنِ2، وَلَفْظُهُ: قَالَ: إذَا قَضَى الْإِمَامُ الصَّلَاةَ، فَقَعَدَ، فَأَحْدَثَ هُوَ أَوْ أَحَدٌ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، فَلَا يُعِيدُهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَخْلَدٍ الْمُفْتِي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاجُ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ التشهد أقل عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: مَنْ أحدث حدثاً بعد ما يَفْرُغُ مِنْ التَّشَهُّدِ، فَقَدْ تمت صلاته، انتهى. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، تَفَرَّدَ بِهِ مُتَّصِلًا أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاجُ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مُرْسَلًا، حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ ثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُوسَى ثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ أَنْبَأَ عَطَاءٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَضَى التَّشَهُّدَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، فَلْيَقُمْ حَيْثُ شَاءَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ فِيهِ: قَدْرَ التَّشَهُّدِ، قَالَ: وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ إنَّمَا يُذْكَرُ فِي الشَّوَاهِدِ، فَإِذَا انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ لَمْ يُقْبَلْ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ عَنْ الْحَسَنِ. وَابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَعَطَاءٍ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ.
__________
والترمذي في "باب الرجل يحدث بعد التشهد" ص 54، والدارقطني: ص 145، والبيهقي: ص 176 ج 2، والطيالسي: ص 298.
1 قاضي أفريقة: ضعيف في حفظه، وكان رجلاً صالحاً "تقريب" وثقه يحيى بن سعيد القطان، قال أحمد: حديثه منكر، قال يعقوب بن شيبة: رجل صالح من الآمرين بالمعروف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، قال البخاري: مقارب الحديث، كذا في "الخلاصة"، قلت: وثقه غير واحد، وضعفه الآخرون.
2 ص 162.
3 أخرج الشافعي في "كتاب الأم" ص 153 عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق به، ولفظه: إذا أحدث في صلاته بعد السجدة، فقد تمت صلاته، وأخرجه الطحاوي من طريق أبي عاصم عن أبي عوانة عن الحكم عن عاصم
ابن ضمرة به، ومن طريق أبي عاصم أخرجه الدارقطني: ص 138، والبيهقي ص 173 ج 2، ولفظهما: إذا قعد قدر التشهد فقد تمت صلاته، اهـ.(2/63)
بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَفْزَعُهُ "يَعْنِي الشَّافِعِيَّ" الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام:
"رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ"، وَهَذَا لَا يُوجَدُ بِهَذَا اللَّفْظِ1، وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ لَا يَذْكُرُونَهُ إلَّا بِهَذَا اللفظ، وأقر مَا وَجَدْنَاهُ بِلَفْظِ: "رَفَعَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا"، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَسَيَأْتِي، وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِلَفْظِ: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ"، هَكَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَبِي ذَرٍّ. وَثَوْبَانَ. وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَابْنِ عُمَرَ. وَأَبِي بَكْرَةَ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ فِي الطَّلَاقِ2" عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ. وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الطَّلَاقِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
__________
1 قال ابن السبكي في "طبقات الشافعية" ص 25 ج 2: وقفت على "كتاب اختلاف الفقهاء للإمام محمد نصر" قال: يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "رفع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه". إلا أنه ليس له إسناد يحتج بمثله، اه: ثم قال: استفدت من هذا أن لهذا اللفظ إسناداً، ولكنه لم يثبت، ثم قال: قلت: ثم وجد رفيقنا في طلب الحديث، شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي الحديث بلفظه، في رواية أبي القاسم الفضل بن جعفر بن محمد التميمي المؤذن، المعروف بأخي عاصم، فإنه قال: حدثنا الحسين بن محمد حدثنا محمد بن المصفى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رفع عن أمتي الخطأ. والنسيان. وما استكرهوا عليه"، لكن ابن ماجه روى في "سننه" الحديث بهذا الإسناد بلفظ غيره، ثم ذكر إسناد ابن ماجه. ولفظه، كما ذكر الحافظ المخرج رحمه الله تعالى.
2 في "باب طلاق المكره والناسي" ص 148 عن محمد بن المصفى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي بإسناده، والطحاوي في "باب طلاق المكره" ص 56 ج 2، والحاكم في "المستدرك" ص 198 ج 2، والدارقطني: ص 797، كلهم عن الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس، سوى ابن ماجه، فإنه لم يذكر عبيداً، قال الحافظ في "التلخيص" ص 109: قال النووي في "الطلاق في الروضة، في تعليق الطلاق": حديث حسن، وكذا قال في "أواخر الأربعين له"،اهـ.(2/64)
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا1 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً.
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أبو النصر ثَنَا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ ثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، قُلْت: لَفْظُهُ: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي ثَلَاثَةً: الْخَطَأَ. وَالنِّسْيَانَ. وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا2 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. قُلْت: لَفْظُهُ: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ النِّسْيَانِ. وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ مَالِكٍ": حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ السبيعي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصُّفْرِ3 السُّكَّرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ. وَالنِّسْيَانَ. وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ4" مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مُصَفَّى عَنْ الْوَلِيدِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ الْمُصَفَّى، وَضَعَّفَهُ عَنْ أَحْمَدَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ جَعْفَرِ بْنِ جَسْرِ5 بْنِ فَرْقَدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الْحَسَنِ بِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَفَعَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا: الْخَطَأَ. وَالنِّسْيَانَ. وَالْأَمْرَ يُكْرَهُونَ عَلَيْهِ"، قَالَ الْحَسَنُ: قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، فَأَمَّا الْيَدُ، فَلَا، انْتَهَى. وَعَدَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ مُنْكَرَاتِ جَعْفَرٍ هَذَا، قَالَ: وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي الرِّجَالِ فِيهِ قَوْلًا، وَلَا أَدْرِي لِمَا غَفَلُوا عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَإِنَّ أَبَاهُ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ، لِأَنِّي لَمْ أَرَ جَعْفَرًا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ6": سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ.
__________
1 ص 148، وشهر: فيه كلام، تقدم، وفيه انقطاع.
2 من حديث أبي الدرداء، ومن حديث ثوبان، وفي إسنادهما ضعف "تلخيص".
3 في نسخة "الصقر".
4 قال البيهقي: ليس بمحفوظ، وقال الخطيب: الخبر منكر عن مالك "التلخيص".
5 في نسخة "حشر".
6قال عبد الله بن أحمد في "العلل": سألت أبي عنه فأنكره جداً، ونقل الخلال عن أحمد، قال: من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع، فقد خالف كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فان الله أوجب في قتل النفس بخطأِ الكفارة "التلخيص الحبير" ص 109.(2/65)
وَالنِّسْيَانَ. وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، وَعَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ، وَعَنْ الْوَلِيدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ عَنْ عَامِرٍ مِثْلُهُ، فَقَالَ أَبِي: هَذِهِ أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ، كَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَا يَثْبُتُ إسْنَادُهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام:
"إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْت لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فقلت: واثكل أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْت مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ1"إنَّمَا هِيَ"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ": إنَّ صَلَاتَنَا لَا يَحِلُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ "بَابُ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ": وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ.
وَلِلْخَصْمِ عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: إنَّ قَوْلَهُ: "لَا يَصْلُحُ" لَيْسَ دَالًّا عَلَى الْبُطْلَانِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَحْظُورٌ، وَلَيْسَ كُلُّ محظور مبطل. الثَّانِي2: قَالُوا: إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، وَإِنَّمَا عَلَّمَهُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى بَعِيرِهِ، فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لِي بِيَدِهِ، وَأَوْمَأَ زُهَيْرٌ بِيَمِينِهِ. ثُمَّ كَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لِي: هَكَذَا، وَأَنَا أَسْمَعُهُ يَقْرَأُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: "مَا فَعَلْت فِي الَّذِي أَرْسَلْتُك لَهُ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إلَّا أَنِّي كُنْت أُصَلِّي"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْكَلَامُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فِيهِ أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ جَدُّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَفِيهِ يَزِيدُ الدَّالَانِيُّ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، إذَا انْفَرَدَ،
__________
1 ص 250 ج 2
2 هذا جواب البيهقي في "سننه الكبرى".
3 في "باب لا يرد السلام في الصلاة" ص 162، ومسلم في "باب تحريم الكلام في الصلاة" ص 204، واللفظ له.
4 ص 63.(2/66)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1: وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَوْقُوفٌ، وَرَوَاهُ أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، فَرَفَعَهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ: مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ: إمَّا الظُّهْرَ. وَإِمَّا الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا مُغْضَبًا، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يَتَكَلَّمَا، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: "مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ"؟ قَالُوا: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَ: "لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ"، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا3، قَالَ: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، قَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ"، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ4، فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ، أَمْ قَصُرَتْ؟، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا5: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا6: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الظُّهْرَ. أَوْ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ: أَخُفِّفَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ عليه السلام: "مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، صَدَقَ، قَالَ: فَأَتَمَّ بِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نَقَصَهُمَا، ثُمَّ سَلَّمَ"، قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ هَذَا قَبْلَ بَدْرٍ، ثُمَّ اسْتَحْكَمَتْ الْأُمُورُ بَعْدُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" مَالِكٌ7 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إحْدَى صَلَاتَيْ النَّهَارِ: الظُّهْرَ. أَوْ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ
__________
1 ص 145 ج 1.
2 في "باب تشبيك الأصابع في المسجد" ص 69، ومسلم في "باب السهو في الصلاة" ص 213، واللفظ له، وأبو داود في "باب السهو في السجدتين" ص 151، وابن ماجه: ص 86، الدارقطني: ص 140)
3 كل ذلك، الخ: هذا اللفظ لمسلم: ص 213، ولم أجده في "البخاري".
4 في "كتاب الأدب في باب ما يجوز من ذكر الناس" ص 894، وفي "السهو": ص 164 أيضاً، ولفظ البخاري: وفي القوم رجل، الخ.
5 البخاري في "باب يكبر في سجدتي السهو" ص 164 قريب منه، واللفظ لمسلم.
6 هذا اللفظ عند مسلم فقط ص 213.
7 في "باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهياً" ص 33، وأخرجه أحمد في "مسنده" ص 271 ج 2 عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن. وأبي بكر بن سليمان عن أبي هريرة، فذكره.(2/67)
بْنِ كِلَابٍ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا قَصُرَتْ الصَّلَاةُ، وَمَا نَسِيتُ، فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، "فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَلَّمَ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّقَصِّي": هَذَا مُرْسَلٌ، إلَّا أَنَّهُ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ1: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، فَقَالَ: "أَصَدَقَ هَذَا"؟ قَالُوا: نَعَمْ، "فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ، الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ أَبِي كُرَيْبٌ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَعْنِي صَلَاةً" فَسَهَا فِيهَا، فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: "مَا قَصُرَتْ، وَلَا نَسِيتُ"، قَالَ: إنَّك صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: "أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَبِي كُرَيْبٌ. وَبِشْرِ بْنِ خَالِدٍ الْعَسْكَرِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَالْعَجَبُ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ، كَيْفَ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو كُرَيْبٌ3. وَأَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ. وَبِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ تَخَلَّصَ بِقَوْلِهِ: لَا نَعْلَمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
__________
1 حديث عمران هذا أخرجه مسلم في "باب السهو في الصلاة والسجود له" ص 214، وأما البخاري فلم أجد فيه هذا الحديث، والله أعلم، وأخرجه أبو داود: ص 153، وابن ماجه: ص 86.
1الحديث أخرجه ابن ماجه في "باب فيمن سلم من ثنتين أو ثلاث ساهياً" ص 86، والسياق سياقه، مع تفاوت يسير، وأخرجه أبو داود في "باب السهو في السجدتين" ص 153 عن أحمد بن محمد بن ثابت. ومحمد بن العلاء، ولم يسق المتن، وقال ابن أبي حاتم في "علله" ص 99: قال أبي: حديث أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر في قصة ذي اليدين منكر، أخاف أن يكون أخطأ فيه أبو أسامة، اهـ
3 قلت: وعلي بن محمد أيضاً روى ابن ماجه عنه، وعن أبي كريب، وأحمد بن سنان عن أبي أسامة، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة، عند الطحاوي: ص 257.(2/68)
فَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 وَمُسْلِمٌ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَخْرَجَاهُ عَنْهُ2، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْك، فَتَرُدُّ عَلَيْنَا، فَقَالَ: "إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا"، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ، وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا، فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك كُنْتَ تَرُدُّ عَلَيْنَا، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، وَتَدَاوَلَهُ الْفُقَهَاءُ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ يَتَوَقَّيَانِ رِوَايَةَ عَاصِمٍ، لِسُوءِ حِفْظِهِ، فَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ، انْتَهَى. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَذُو الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ4: إنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ بَعْدَ بَدْرٍ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَدْرٍ، لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يروى مالا يَحْضُرُهُ5 بِأَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ شَهِدَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَحَضَرَهَا، كَمَا وَرَدَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْهُ، قَالَ:
__________
1 في "باب ما ينهى من الكلام في الصلاة" ص 160، ومسلم في "باب تحريم الكلام في الصلاة" ص 204.
2البخاري: ص 160، ومسلم: ص 204، وأبو داود في "باب رد السلام في الصلاة" ص 140.
3 في "باب رد السلام في الصلاة" ص 140، والنسائي في "باب الكلام في الصلاة" ص 181، والطحاوي ص 261.
4 قال البيهقي: ص 341 ج 2، قال الزهري: كان ذلك قبل بدر، ثم استحكمت الأمور.
5 روى ابن سعد في "طبقاته" ص 13 ج 7، في النصف الأول منه عن الحسن بن موسى الأشيب، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك أنه حدث بحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له رجل: أنت سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فغضب غضباً شديداً، وقال: لا، والله ما كل ما نحدثكم سمعنا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنا لا يتهم بعضنا بعضاً، اهـ. قال الجصاص في "أحكام القرآن" ص 527 ج 1: قال البراء: ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعناه، ولكنا سمعنا وحدثنا أصحابنا، اهـ. وقد تقدم أن جميع مسموعات ابن عباس سبعة عشر حديثاً، اهـ، وقال ابن حزم في "الفصل" ص 137 ج 4: إنه روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزيد من ألف وخمسمائة حديث، اهـ.(2/69)
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1، وَفِي لَفْظٍ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ، قَالَ:
__________
1 قوله: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الخ: استدل الشافعية بهذا اللفظ، على أن أبا هريرة كان حاضراً عند واقعة ذي اليدين، لاتفاق الجميع على أن أبا هريرة أسلم عام خيبر، سنة سبع، وأن ذا الشمالين استشهد ببدر، فذو اليدين، غير ذي الشمالين:
وأجاب عنه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 261: بما روى عن ابن عمر أن إسلام أبي هريرة كان بعد قتل ذي اليدين، وإنما قول أبي هريرة: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يعني بالمسلمين" وهذا سائغ في اللغة، ثم روى عن النزال بن سبرة، قال: قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنا وإياكم ندعي ابن عبد مناف"، الحديث، وقال: نزال بن سبرة لم ير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: روى عن طاوس أنه قال: قدم علينا معاذ بن جبل، وأراد به قدومه اليمن، لأن قدومه كان قبل أن يولد طاوس، وقال: روى عن الحسن، قال: خطبنا عتبة بن غزوان، يريد خطبته بالبصرة، والحسن لم يكن بالبصرة رحمه الله، اهـ. قلت: ما قال الطحاوي سائغ، وله أمثلة كثيرة: منها ما رواه هو في "شرح الآثار" ص 245 عن ابن أبي ليلى، قال: خطبنا عمر، وفي ص 209، قال: صلى بنا عمر، وفي النسائي: ص 209 في "كتاب الجمعة" عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر، اهـ. وروى البيهقي في "سننه الكبير" ص 168 ج 4 عن الحسن، قال: خطبنا ابن عباس بالبصرة، وقال: قال علي بن المديني: الحسن لم يسمع من ابن عباس، وما رآه قط، قال: إنما هو كقول ثابت: قدم علينا عمران بن حصين، ومثل قول مجاهد: خرج علينا علي، وكقول الحسن: إن سراقة بن مالك حدثهم، وروى البيهقي في "سننه" ص 491 ج 2 عن الحسن، قال: أمَّنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قلت: قالوا: إن الحسن لم يصح لقاءه لعلي رضي الله عنه، وأخرج أبو داود في "الخراج في باب كيف إخراج اليهود من المدينة" ص 66 ج 2 عن أبي هريرة أنه قال: بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر قصة إخراج اليهود، وكان هذا قبل حنين، وقبل إسلام أبي هريرة رضي الله عنه، وروى البخاري في "الحدود" ص 1002 عن السائب، قال: نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن فنقوم إليه، الحديث، قال الحافظ في "الفتح" ص 59 ج 12:إسناد القائل الفعل بصيغة الجمع التي يدخل هو فيها مجاز، لان السائب كان صغيراً جداً في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان المراد بقوله: كنا، أي الصحابة، اهـ. وروى أبو داود في "باب الصلاة على المسلم يموت بأرض الشرك" ص 101 ج 2 عن أبي موسى الأشعري، قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ننطلق إلى أرض النجاشي، الحديث.
قلت: إن أبا موسى أول ما لقى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام خيبر، وقد رجع عن الحبشة مع جعفر رضي الله عنه، ومن هذا الباب حديث زيد بن أرقم، عند ابن حبان، قال: معنى قول زيد: كنا نتكلم، أي كان قومي يتكلمون.
فإن قلت: هب أن هذا شائع في اللغة جائز، إذا كان بصيغة الجمع، وأما في لفظة: بينا أن أصلي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا مساغ له، وقد روى مسلم من حديث يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بهذا اللفظ، قلنا: إذا ثبت أن أبا هريرة إنما أسلم بعد قتل ذي اليدين، وأن ذا اليدين هو ذو الشمالين، وأنه قتل ببدر، فاليؤوّل هذا اللفظ أيضاً، بما يؤوّل به أمثاله، روى الحاكم في "المستدرك" ص 48 ج 4 باسناد رواته ثقات عن أبي هريرة، قال: دخلت على رقية بنت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتفقوا على أن رقية توفيت في السنة الثانية من الهجرة، في رمضان، قبل إسلام أبي هريرة بخمس سنين، وروى الدارقطني في "سننه" ص 232 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كنت عند عمر، الحديث، وقال ابن معين لم يثبت سماع ابن أبي ليلى من عمر، اهـ. فنقول فيه: لعلّ أصل الحديث: دخلنا، وكنا فغيَّرة بعض الرواة إلى هذا، وهذا، وإن لم نعثر عليه في رواية، لكن لابد له إذا حفظنا الراوي عن نسبة الخطا إليه، وأما حديث يحيى الذي عند مسلم، فاللفظ الذي استدل به هو من رواية شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى، وهو ابن أبي كثير عن أبي سلمة، انفرد به شيبان من أصحاب يحيى، ويحيى مدلس، روى عن أبي سلمة بالعنعنة، وروى ابن المبارك الحديث عن يحيى، ولم يذكر هذا اللفظ، وروى الطحاوي الحديث: ص 258،(2/70)
وَاَلَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ إنَّمَا هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ، اسْمُهُ "عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو" خُزَاعِيٌّ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، بَعْدَ بَدْرٍ بِخَمْسِ سِنِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَيْضًا: وَهَمَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ، وَذُو الشِّمَالَيْنِ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ فِيمَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَذُو الْيَدَيْنِ1 بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يُقَالُ2 وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَذُو الشِّمَالَيْنِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، مِنْ خُزَاعَةَ، اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَا عَقِبَ لَهُ، وَأَمَّا ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ3: فِي حَدِيثِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ مُطَيْرٍ4 يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ ذِي الْيَدَيْنِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ بعد حديث ذو الْيَدَيْنِ، لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ مِنْ مُتَقَدِّمِي الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ عَشَرَةَ غَزْوَةً، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، وَصَحِبَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، أَوْ أَرْبَعًا، رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: صَحِبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ فَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا، لِأَنَّهُ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا، ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي "مَغَازِيهِ"، وَهِيَ أَصَحُّ الْمَغَازِي عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ: رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ
__________
من طريق حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا أبو هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذكر نحوه، اهـ فطريق حرب الذي فيه التصريح بتحديث أبي سلمة يحيى يوافق سائر من روى عن أبي سلمة. وأبي هريرة بلفظ الجمع، فطريق شيبان إما وهم منه، وتصرف في الرواية، خالف به جميع من روى عن يحيى بن أبي كثير. وأبي سلمة. وأبي هريرة، أو من تدليس يحيى. فبالجملة: هذا أخف وأهون من تخطئة الزهري. وعمران بن أبي أنس. وأيوب عن ابن سيرين.
وتأويل ما في الحديث من قوله: قالوا: صدق، لم تصلّ إلا ركعتين، وقوله: قالوا: نعم يا رسول الله، وغير ذلك مما أجاب به القوم نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بأومأوا" وقولهم: بأن ذا اليدينن قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعض ذلك، قد كان يا رسول الله، وكان يظن أنه أتم صلاته، وقد سمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ذلك: لم تقصر الصلاة، وغير ذلك من التأويلات التي لا يسوى بها الحديث على ما هم عليه الآن من مذهبهم، فمن ارتكب هذه الأمور كلها لتسلم له: بينا أنا أصلي، في رواية شيبان، فهو كمن حفظ بيتاً، وهدم مدينة، والله أعلم، وعلمه أتم.
1 قلت: أخرج الطحاوي: ص 261 من طريق العمري عن نافع عن ابن عمر أنه ذكر له حديث ذي اليدين، فقال: كان إسلام أبي هريرة بعد ما قتل ذو اليدين، اهـ. رواته ثقات، إلا العمري، وهو عبد الله بن عمر ابن حفص، قال الذهبي: صدوق، في حفظه شيء، اهـ. وقال أيضاً في "الميزان": قال ابن معين في نافع: ثقة صالح، اهـ.
2 أشار إلى ضعف مستند هذا القول، كما ستقف في الكلام على قول السهيلي إن شاء الله تعالى.
3 قلت: أخرج حديثه مسلم: ص 214، وأحمد في "مسنده" ص 433 ج 2 عن حسن بن موسى حدثنا شيبان بن عبد الرحمن حدثنا يحيى، فذكره، أجاب عنه الشيخ النيموي، بأن المراد به سليم بن ملكان، وهو من "خزاعة" لا سليم بن منصور، الذي ليس بخزاعي، اهـ.
4 أخرج حديث شعيب هذا أحمد في "مسنده" ص 77 من حديث معدي بن سليمان حدثنا شعيب بن مطير عن أبيه، قال: النيموي هذه سلسلة الضعفاء، ثم ذكر ضعف كل واحد منهم.(2/71)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ1، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّجَاشِيِّ، وَهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهَا: فَبَادَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَاءَ فَشَهِدَ بَدْرًا، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ الْحُمَيْدِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَدِيثِ: كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَدْ حَضَرَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: الْخِرْبَاقُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرَيْنِ، وَقَدْ حَضَرَ قِصَّةَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَوَيْنَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَانَ إسْلَامُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ عليه السلام بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ2 وَقَوْلُهُ: "إنَّ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ"، أَيْ الْكَلَامُ الْعَمْدُ الَّذِي يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي كَلَامِ السَّهْوِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ3، وَأَسْنَدَ إلَى عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الْحَجَرِ لِيَسْتَلِمَهُ، فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ، فَالْتَفَتَ إلَيْنَا، وَقَالَ: مَا أتممنا الصلاة؟ فقلنا برؤوسنا: لَا، فَرَجَعَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا أَمَاطَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ4": رَوَى الزُّهْرِيُّ حَدِيثَ التَّسْلِيمِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ
__________
1 لابن مسعود هجرتان إلى الحبشة، كما قال ابن سعد وغيره من أهل السير، قال ابن حجر في "الفتح" ص 60 ج 3: أراد ابن مسعود رجوعه الثاني، وقد ورد أنه قدم المدينة، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتجهز إلى بدر، اهـ. ثم استدل على ذلك، ثم قال: فظهر أن اجتماعه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد رجوعه إلى الحبشة، كان بالمدينة.
2لم يأمره بالاعادة، قلت: أما قوله عليه السلام: هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن فهذا أعم للمتعمد. والناسي، فكلام معاوية إن كان من كلام الناس، فقد أمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإعادة الصلاة، وأما إنه عليه السلام لم يأخذه بيده، ولم يخرجه من المسجد، ولم يهيء له الوضوء، فهذا لم يفعله عليه السلام، لأن في قوله كفاية لمن اكتفى، والله أعلم.
3قلت: ورواه الطيالسي في "مسنده" ص 346، والبيهقي: ص 26 ج 2 عن حماد بن زيد عن عسل بن سفيان التميمي عن عطاء، فذكره، وعسل بن سفيان ضعيف، ورواه الطحاوي: ص 256، وفيه جابر، وهو ضعيف، وروى البيهقي من طريق أخرى، وفيه الحارث بن عبيد، ضعفه ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: مضطرب الحديث، وعنه قال: لا أعرفه.
4قوله: قال السهيلي في "الروض الأنف"، الخ: قلت: أخطأ السهيلي في هذه العبارة في مواضع:
الأول: إن الحديث الذي استدل به هو. والبيهقي. وشيخه أبو عبد الله الحاكم على تأخر موت ذي اليدين، رواه أحمد في "مسنده" ص 77 ج 4، والبيهقي في "السنن الكبرى" ص 366 ج 2 من طريق معدي بن سليمان عن شعيب بن مطير عن أبيه، وهؤلاء كلهم ضعفاء، رد بهذه الرواية الضعيفة على الزهري، وهو: إمام الحديث. والمغازي، قال ابن تيمية في "فتاواه" ص 145 ج 2: إن الزهري من أعلم الناس في زمانه بالسنة، اهـ.
والثاني: أنه ظن أن مطيراً هو ابن لذي اليدين، وهذا غلط أيضاً، فان مطيراً هذا، مطير بن سليم الوادي، ذكره ابن حجر في "التهذيب" وسياق الحديث الذي استدل به يرده أيضاً، فان فيه قال شعيب لأبيه مطير: =(2/72)
فِيهِ: فقال ذُو الشِّمَالَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَقَالَ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ عليه السلام: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ هَكَذَا إلَّا الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ: ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ، وَاسْمُهُ "خِرْبَاقٌ وَذُو الشِّمَالَيْنِ"، قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَالْحَدِيثُ شهده أبي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ، وَمَاتَ ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ ابْنُهُ مُطَيْرُ بْنُ الْخِرْبَاقِ، وَرَوَاهُ عَنْ مُطَيْرٍ ابنه شعيب بن مطر، وَلَمَّا رَأَى الْمُبَرِّدُ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ذُو الْيَدَيْنِ، هو: ذو الشمالين، كما يُسَمَّى بِهِمَا جَمِيعًا، ذَكَرَهُ فِي آخِرِ "كِتَابِهِ الْكَامِلِ"، وَجَهِلَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ، انْتَهَى.
__________
= يا أبتاه! إنك أخبرتني أنه لقيك ذو اليدين بذي الخشب، فأخبرك، وهذا السياق يأبى أن يكون مطير ابناً لذي اليدين، والله أعلم.
والثالث: أنه زعم أن إسلام أبي هريرة كان بعد بدر بسنتين، وهذا بمعزل عن الصواب، لأن وقعة بدر كانت في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وأسلم أبو هريرة عام خيبر، ووافى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، وغزوة خيبر كانت في السنة السابعة عند الجمهور الذين أول عامهم من المحرم، وفي آخر السنة السادسة عند من يظن أن ابتداء السنة من ربيع الأول، كابن حزم، ومن وافقه، وبين بدر. وخيبر أكثر من أربع سنين.
والرابع: أنه ظن أن الزهري منفرد بذكر ذي الشمالين، وهذا أيضاً خطأ، فإنه كما روى الزهري هذا الحديث عن أبي سلمة. وأبي بكر بن سليمان. وابن المسيب. وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة، روى حديثه النسائي: ص 183، والدارمي: ص 185، وأحمد: ص 271 ج 2، ومالك: ص 33. وسماه بذي الشمالين، كذلك روى عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وسماه بذي الشمالين، وروى حديثه النسائي: ص 182، والطحاوي: ص 258، وروى أحمد في "مسنده" ص 284 ج 2 عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة الحديث، وفيه: فقال ذو الشمالين: أخففت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما يقول ذو اليدين؟! " الحديث، وهذه من رواية الثقات الإثبات، كما ترى.
والعجب من السهيلي، وكل من يفرق بين ذي اليدين. وذي الشمالين أنهم يعتمدون فيه على رواية معدي بن سليمان عن شعيب عن مطير، وهم ضعفاء، ولم أر لهم مسنداً غيرها، ويردون بها رواية الزهري عن أبي سلمة. وأبي بكر بن سليمان. وابن المسيب. وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة، ورواية عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواية أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، ورواية أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وأن السهيلي يرد بها على مبرد، ويزعم أنه رأى إسناد الزهري فقط، والحال أن المتن الذي ذكره المبرد ليس من سياق الزهري في شيء، بل لو قال: إنه رأى طريق ابن سيرين فقط لكان له وجه، لأنه قال في "الكامل" ص 308 ج 3: ومنهم، أي من الأزواء، ثم من خزاعة، ذو اليدين، سماه بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا اليدين وكان قبل يدعى: ذا الشمالين، الخ. وهذا يرشدك إلى أنه كان له اسم يسمى به، وهو: ذو الشمالين، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسميه بهذا الاسم لتشاؤمه، كما في حديث الصدقة: "الصدقة يأخذها الله بيمينه، وكلا يديه يمين"، وكان يسميه بذي اليدين، صوناً له عن نبزه باللقب الجاهلي، كما سمى "مهاجره" بالمدينة، وكان قبل يسمى: بيثرب، وسمى "العتمة" بالعشاء، وهذا مصرح في طريق ابن سيرين، بعضه في البخاري: ص 164، وص 894 من طريق يزيد بن إبراهيم عنه، ولفظه: وفي القوم رجل كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه ذو اليدين، والبعض في طريق أيوب عنه، عند أحمد: ص 284 ج 2، كما ذكرته آنفاً، ولهذا تراهم يتفقون على لفظة: ذي اليدين، فيما ينقلون من ألفاظه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما يذكر الزهري. وعمران. ومحمد بن سيرين من لفظ أبي هريرة، فيما يسميه من عند نفسه، والله أعلم.
وأطنب الكلام في هذا المرام ابن التركماني في "الجوهر النقي" والشيخ النيموي في "آثار السنن" فارجع إليهما.(2/73)
قُلْت: وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1: ذُو الْيَدَيْنِ، وَيُقَالُ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ مِنْ خُزَاعَةَ، انْتَهَى. الْجَوَابُ الثَّانِي لِأَصْحَابِنَا: عَنْ حديث ذِي الْيَدَيْنِ، قَالُوا: إنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَغَيْرَهُمَا مِنْ النَّاسِ تَكَلَّمُوا عَامِدِينَ، وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ هَذَا بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا، وَلَكِنَّهُمْ أَشَارُوا، وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، أنهم أومأوا2 أَيْ نَعَمْ، وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُمْ قَالُوا: نَعَمْ، إنَّمَا هُوَ تَجَوُّزٌ، وَنَقْلٌ بِالْمَعْنَى، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: قُلْت بِرَأْسِي: نَعَمْ. الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ كَلَامٍ كَانَ جَوَابًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيْرُ مَنْسُوخٍ جَوَازُهُ فِي الصَّلَاةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى3 قَالَ: كُنْت أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ؟ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ جَوَابَ الرَّسُولِ وَاجِبٌ، لَمْ يُبْطِلْ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي"الْإِمَامِ": وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِكَلَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ4: تَحْرِيمُ الْكَلَامِ إنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ سَكَتُوا،
__________
1 "طبقات ابن سعد" ص ج 118 ج 3 من الحصة الأولى، وهكذا قال ابن حبان في ثقاته: ذو اليدين، ويقال: ذو الشمالين أيضاً، ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، وقال أيضاً: ذو الشمالين، عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عامر ابن الحارث بن غيثان الخزاعي، حليف بني زهرة، اهـ: وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى العدني في "مسنده" قال أبو محمد الخزاعي: ذو اليدين أحد أجدادنا، وهو ذو الشمالين، اهـ. قال النيموي في "آثار السنن وفي مجمع الزوائد" ص 152 ج 2 عن ابن عباس، قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، ثم سلم، فقال له ذو الشمالين: أنقصت الصلاة، الحديث، رواه البزار. والطبراني في "الكبير" وفيه: جابر الجعفي، وثقه شعبة. والثوري. وضعفه الناس، اهـ.
2قوله: فأومأوا الخ: قال أبو داود في "باب السهو في السجدتين" ص 152: لم يقل فأومأوا إلى حماد ابن زيد، اهـ. وقال الدارقطني" ص 140، قال أبو داود: وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فأومأوا، إلا حماد ابن زيد، وقال البيهقي في: ص 357 ج 2، بعد ذكر قول أبي داود، وقال الشيخ: ولم يبلغنا إلا من جهة أبي داود عن محمد بن عبيد عن حماد بن زيد، وهم ثقات أئمة، اهـ. قلت: روى أبو الربيع الزعفراني عن حماد، عند مسلم، ولم يقل: فأومأوا، وروى أسد عن حماد، عند الطحاوي، وقال: نعم، وكذا سليمان بن أيوب، عند الدارقطني، وروى مسلم من حديث ابن عيينة عن أيوب، ولفظه: صدق، لم تصل إلا ركعتين، وروى النسائي من حديث الزهري، وفيه: صدق يا رسول الله.
3 عند البخاري ص 749.
4 قال الحافظ في "الفتح" ص 60 ج 3: أما قول ابن حبان: كان النسخ بمكة قبل الهجرة، بثلاث سنين، قال: ومعنى قول زيد بن أرقم: كنا نتكلم، أي كان قومي يتكلمون، لأن قومه كانوا يصلون قبل الهجرة مع مصعب بن عمير، وكان يعلمهم القرآن، فلما نسخ الكلام بمكة، بلغ ذلك أهل المدينة، تركوه، فهو متعقب بأن الآية مدنية بالاتفاق، وبأن إسلام الأنصار، وتوجه مصعب بن عمير إليهم إنما كان قبل الهجرة بسنة واحدة، وبأن في حديث زيد بن أرقم: كنا نتكلم خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كذا أخرجه الترمذي، فانتفى أن يكون المراد(2/74)
فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، يَحْكِي الْحَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: نُسِخَ الْكَلَامُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ، قَدْ كَانَ ذَاكَ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسِنِينَ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ1 رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمًا، فَسَلَّمَ، وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَسِيتَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً، فَرَجَعَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ رَكْعَةً، فَأَخْبَرْت بِذَلِكَ النَّاسَ، فَقَالُوا لِي: أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ قُلْت: لَا، إلَّا أَنْ أَرَاهُ، فَمَرَّ بِي، فَقُلْت: هَذَا هُوَ، فَقَالُوا: هَذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالُوا: كَانَ إسْلَامُ مُعَاوِيَةَ هَذَا قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرَيْنِ، قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَمَا سَبَقَ فِي "الصَّحِيحِ"، قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: هُمَا قَضِيَّتَانِ، وَرِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَضِيَّةٌ، وَغَيْرُهُمَا أُخْرَى. وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، وَذُو الْيَدَيْنِ، اسْمُهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو العربان، عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا، وَأَمَّا ذُو الشِّمَالَيْنِ، فَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ شَهِيدًا، وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ.
هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الْحُفَّاظِ، إلَّا الزُّهْرِيَّ، وقد اتفقوا على تغليظ الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام:
"إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيُسَبِّحْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو
__________
=الأنصار الذين كانوا بالمدينة قبل هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأجاب ابن حبان في موضع آخر: بأن زيد بن أرقم أراد بقوله: كنا نتكلم، من كان يصلي خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة من المسلمين، وهو متعقب أيضاً بأنهم ما كانوا يجتمعون بمكة إلا نادراً، وبما روى الطبراني من حديث أبي أمامة، قال: كان الرجل إذا دخل المسجد فوجدهم يصلون سأل الذي إلى جنبه، فيخبره بما فاته فيقضي، ثم يدخل معهم، حتى جاء معاذ يوماً، فدخل في الصلاة، فذكر الحديث، وهذا كان بالمدينة قطعاً، لأن أبا أمامة. ومعاذ بن جبل إنما أسلما بها، اهـ. ومثل حديث أبي أمامة حديث معاذ، عند أحمد: ص 246 ج 5، ولفظه: وكان الرجل يشير إلى الرجل إن جاء، كم صلى؟ فيقول: واحدة. أو اثنتين، فصلاهما، اهـ. وفي أبي داود في "الأذان" ص 81، كان الرجل إذا جاء يسأل، فيخبر بما سبق من صلاته، اهـ. ثم ذكر مجيء معاذ، وتقدم الحديث في "الأذان" ص 140
1 معاوية بن حديج مصغراً بالحاء المهملة ثم الجيم.
2 في "السهو في باب إذا صلى خمساً" ص 153، والحاكم في "المستدرك" ص 261، وص 323، والطحاوي: ص 259.
3 في "باب من دخل ليؤم الناس، فجاء الإمام الأول" ص 94، ومسلم في "باب تقديم الجماعة من يصلي بهم" ص 179.(2/75)
ابْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إلَيْهِ: أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَك، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَك أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُك". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مالي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ"؟! "مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" إلَّا لِمُسْلِمٍ فَقَطْ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عن سهل بن سعدن وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدِ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لايقطع الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ ثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ، قَالُوا: "لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي"، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ الْبُخَارِيُّ في "صحيحه"
__________
1 قلت: أخرجه البخاري أيضاً من رواية مالك.
2 في "باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء" ص 111، والدارقطني: ص 141، والبيهقي: ص 278 ج 2.
3 ص 141، و"الموطأ في باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي" ص 55، والبخاري في المساجد في "باب لا يقطع الصلاة شيء" ص 72، من قول الزهري(2/76)
عَلَى الزُّهْرِيِّ، فَأَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّهُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ عَنْ الصَّلَاةِ، أَيَقْطَعُهَا شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ".
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ صَخْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ2 بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَقُولُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ، فَمَرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حِمَارٌ، فَقَالَ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: سُبْحَانَ اللَّهِ. سُبْحَانَ اللَّهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ الْمُسَبِّحُ آنِفًا؟ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي سَمِعْت أَنَّ الْحِمَارَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ فِي "التَّحْقِيقِ": أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَفِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَفِيهِ عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانُ، قَالَ أَحْمَدُ: ضَعِيفٌ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَفِيهِ صَخْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُحَدِّثُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْأَبَاطِيلِ، عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ مُنْكَرٌ، أَوْ مِنْ مَوْضُوعَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَتَعَقَّبَهُ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ"، وَقَالَ: إنَّهُ وَهَمَ فِي صَخْرٍ هَذَا، فَإِنَّ صَخْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ الرَّاوِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ، وَلَا ابْنُ حِبَّانَ، بَلْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ صَالِحٌ، وَإِنَّمَا ضَعَّفَ ابْنُ عَدِيٍّ صَخْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيَّ، الْمَعْرُوفَ بِالْحَاجِبِيِّ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ابْنِ حَرْمَلَةَ، رَوَى عَنْ مَالِكٍ. وَاللَّيْثِ. وَغَيْرِهِمَا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ الطبراني في "معجمه الوسط3" عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي، فَذَهَبَتْ شَاةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَسَاعَاهَا، حَتَّى أَلْزَقَهَا بِالْحَائِطِ، ثُمَّ قَالَ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي
__________
1 ص 141، وفي "الزوائد" ص 63 ج 2، روى الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن.
2 صخر بن عبد الله، قال في "التقريب": المدلجي الحجازي مقبول، غلط ابن الجوزي، فنقل عن ابن عدي أنه اتهمه، وإنما المتهم صخر بن عبد الله الحاجبي، اهـ.
3 في "الزوائد" ص 62 ج 2، رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه: يحيى بن ميمون، وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" اهـ.(2/77)
"كِتَابِهِ فِي الضُّعَفَاءِ": عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو سَلَمَةَ الْخَوَّاصُ الْوَاسِطِيُّ، يَرْوِي الْعَجَائِبَ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَحَدِيثُ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ" حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ1" عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: قُلْنَا: الْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ، فَقَالَتْ: إنَّ الْمَرْأَةَ لَدَابَّةُ سُوءٍ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَرِضَةً، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: ذَهَبَتْ الْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَعُمْدَتُهُمْ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَآخِرَةِ الرَّحْلِ الْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ"، قُلْت: مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ؟ قَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ: "الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَفِي نَفْسِي مِنْ الْمَرْأَةِ. وَالْحِمَارِ شَيْءٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3 أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَنَزَلْت عَنْ الْحِمَارِ، وَتَرَكْته أَمَامَ الصَّفِّ، فَمَا بَالَاهُ، وَلَمْ يَجِدْ فِي الْكَلْبِ شَيْئًا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ ابْنُ أَخِي أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، فِيهِ لِينٌ، وَكَذَلِكَ أَعْرَضَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِهِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ. وَالْكَلْبُ. وَالْحِمَارُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ شُعْبَةَ ثَنَا قَتَادَةُ، سَمِعْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ. وَالْكَلْبُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ شُعْبَةَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَفَهُ سَعِيدٌ. وَهِشَامٌ. وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى
__________
1البخاري في "باب الصلاة على الفراش" ص 56، ومسلم في باب سترة المصلي" ص 697.
2 ص 197، وأبو داود في "باب ما يقطع الصلاة" ص 109، وكذا النسائي: ص 122، والترمذي: ص 45، وابن ماجه ص 68.
3 البخاري في "باب سترة الإمام سترة من خلفه" ص 71، ومسلم في "باب سترة المصلي" ص 196.
4 في "باب سترة المصلي" ص 197.
5 ص 109، والنسائي في "باب ذكر ما يقطع الصلاة" ص 123، وابن ماجه في "باب ما يقطع الصلاة" ص 68.(2/78)
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ الْقَطْعَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، عَلَى قَطْعِ الْخُشُوعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ مَيْمُونَةَ1، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَأَنَا حِذَاءَهُ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إذَا سَجَدَ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، وَأَنَا إلَى جَنْبِهِ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَعَلَيَّ مِرْطٌ، وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ، لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ، يَسْأَلُهُ، مَاذَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي؟. قَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ يَعْلَمْ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، أَقَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَاقُونَ، إلَّا ابْنُ مَاجَهْ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، وَسَيَأْتِي، وَهُوَ فِي "الْأَرْبَعِينَ لِلرَّهَاوِيِّ": مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَعَزَاهُ إلَيْهِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ3" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بشر بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو جُهَيْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَسْأَلُهُ عَنْ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقُومَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَفِيهِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ: "أَرْبَعِينَ خَرِيفًا". الثَّانِيَةُ: إنَّ مَتْنَهُ عَكْسَ مَتْنِ "الصَّحِيحَيْنِ"، فَالْمَسْئُولُ فِي لَفْظِ "الصَّحِيحَيْنِ" هُوَ أَبُو الْجُهَيْمِ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَسْئُولُ الرَّاوِي عِنْدَ الْبَزَّارِ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، وَنَسَبَ ابْنُ الْقَطَّانِ. وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَهْمَ فِيهِ إلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُمْ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ: وَقَدْ خَطَّأَ النَّاسُ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ، لِمُخَالَفَتِهِ رِوَايَةَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ خَطَؤُهُ بِمُتَعَيِّنٍ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أبو جهيم بعث بشر بْنَ سَعِيدٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ بَعَثَهُ إلَى
__________
1 البخاري في "باب إذا صلى إلى فراش حائض" ص 74 ومسلم في: ص 198.
2 في "باب إثم المار بين يدي المصلي" ص 73، ومسلم: ص 197، وأبو داود في "باب ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي" ص 108، والنسائي في "باب التشديد في المرور بين يدي المصلي" ص 123، والترمذي في "باب كراهية المرور بين يدي المصلي" ص 45، وابن ماجه في "باب المرور بين يدي المصلي" ص 68.
3 في "الزوائد" ص 61، رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، اهـ. قلت: ورواه الدارمي في "سننه في باب كراهية المرور بين يدي المصلي" ص 171 عن يحيى بن حسان، أنا ابن عيينة، باسناد مثل إسناد البزار. وإرسال أبي جهيم، إلا أنه لم يذكر خريفاً، وذكر: فلا أدري أسنة. أو شهراً، أو يوماً، اهـ.(2/79)
أَبِي جُهَيْمٍ، بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِمَا عِنْدَهُ، لِيَسْتَثْبِتَهُ فِيمَا عِنْدَهُ، فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَحْفُوظِهِ، وَشَكَّ أَحَدُهُمَا، وَجَزَمَ الْآخَرُ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَاجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي النَّضْرِ، وَحَدَّثَ بِهِ الإمامين: مالك. وَابْنَ عُيَيْنَةَ، فَحَفِظَ مَالِكٌ حَدِيثَ أَبِي جُهَيْمٍ، وَحَفِظَ سُفْيَانُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.1، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّمْهِيدِ": رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ مَقْلُوبًا، فَجَعَلَ فِي مَوْضِعِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَبَا جُهَيْمٍ، وَفِي مَوْضِعِ أَبِي جُهَيْمٍ، زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَدْ تَابَعَهُ الثَّوْرِيُّ2 وَغَيْرُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي "سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ3" بِمِثْلِ حَدِيثِ الْبَزَّارِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ أَبَا جُهَيْمٍ، وَلَفْظُهُ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَالِمٍ أبي النضر عن بشر بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَرْسَلُونِي إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَأَخْبَرَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "لَأَنْ يَقُومَ أَرْبَعِينَ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَدْرِي، أَرْبَعِينَ سَنَةً. أَوْ شَهْرًا. أَوْ صَبَاحًا. أَوْ سَاعَةً، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ بِهِ، بِمَتْنِ "الصَّحِيحَيْنِ"، وَلَا أَدْرِي سُفْيَانُ هَذَا الَّذِي فِي السَّنَدِ الثَّانِي، أَهُوَ الثَّوْرِيُّ. أَوْ ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَإِنْ كَانَ الثَّوْرِيُّ، فَقَدْ وَافَقَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنْ كَانَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقَدْ خَالَفَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّنَدُ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ مَا لَهُ فِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا فِي الصَّلَاةِ، كَانَ لَأَنْ يُقِيمَ مِائَةَ عَامٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَا"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ، فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 عَنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا، فَلْيَخْطُطْ خَطًّا، وَلَا يَضُرُّهُ5 مَا مَرَّ أَمَامَهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد6. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
__________
1 قال الحافظ في "الدراية": ولا يخفى تكلفه.
2 قال الحافظ في "الدراية" ص 105: ومتابعة الثوري عند ابن ماجه، اهـ. قلت: أراد به من روى عنه وكيع في السند الثاني.
3 ص 68.
4 في "باب الخط إذا لم يجد عصا" ص 107.
5 في أبي داود: ثم، بدل: الواو.
6في "باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن المار بين يديه" ص 108، والنسائي: في "باب التشديد في المرور بين يدي المصلي" ص 123، وابن ماجه في "باب ادرأ ما استطعت" ص 68(2/80)
"إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يَمُرُّ، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ1" عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَالْبَزَّارُ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِيهِ: فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ2، فِي تَرْجَمَةِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ" حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، وَلَوْ بِسَهْمٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا"، انْتَهَى. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَهُ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ؟ "، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا جَعَلْت بَيْنَ يَدَيْك مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ، فَلَا يَضُرُّك مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ" انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ، مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي "غَزْوَةِ تَبُوكَ" عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: "مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ3" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جِئْت أَنَا. وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَتَانٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَمَرَرْنَا عَلَى بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْنَا، وَتَرَكْنَاهَا تَرْتَعُ، وَدَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَقُلْ لَنَا
__________
1 ص 251، وأحمد في "مسنده" ص 86 ج 2.
2 قلت: وأحمد في "مسنده" ص 404 ج 3 عن زيد عن عبد الملك به، والحاكم في "المستدرك" ص 252 ج 1 من طريق حرملة به.
3 في "باب سترة المصلي" ص 196، والبخاري أيضاً في خمسة مواضع منها: في "الصلاة في باب سترة الإمام سترة من خلفه" ص 71، واللفظ لغيرهما، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة، وفيه حديث ابن عباس ذكره في "الزوائد" ص 63 ج 2 عزاه إلى أبي يعلى، وقال: رجاله رجال الصحيح.(2/81)
شَيْئًا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِدُونِ سُتْرَةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ فِي بادية، ومعه عَبَّاسٍ، فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمَارَةٌ. وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يديه، فما بال ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَيْت أَنَا. وَالْفَضْلُ، عَلَى أَتَانٍ، فَمَرَرْنَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ، وَيَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، انْتَهَى. وَلَكِنْ رَوَى الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ، فَقَامَ، فَتَوَضَّأَ، وَأَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ: الْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ لَا يَمْنَعُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، مُخْتَصَرٌ، فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الْكَلْبَ. وَالْحِمَارَ، مَرَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، دُونَ السُّتْرَةِ، إذْ لَا يُقَالُ: مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَا، لِشَيْءٍ يَمُرُّ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ.
أَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ منهان فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4
__________
1 في "باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة" ص 111.
2 في "باب سترة الإمام سترة من خلفه" ص 71،ومسلم: ص 196 أخرج الحديث البخاري في مواضع، وفيه، في "اللباس": رأيت الناس، والدواب يمرون بين يديه، من وراء العنزة، وفي لفظ لهما: وبين يديه عنزة، والمرأة. والحمار يمران من روائها، اهـ. وهذا يخالف ما ظنه المؤلف ظاهراً، والله أعلم.
3 في "باب الدنو من السترة" ص 108، وكذا النسائي ص 123، والحاكم في "المستدرك" ص 251.
4 في "باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه" ص 108، وابن ماجه في "باب ادرأ ما استطعت" ص 68.(2/82)
بِلَفْظِ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْأَحْزَمُ الْأَصْفَهَانِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ1 الصُّرَيْفِينِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَمُرُّ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْجُبَيْرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، هَكَذَا وَجَدْته فِي "كِتَابِهِ"، وَأَحْسَبُهُ2 مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ3 بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَا يَحْفَظُهُ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" أَيْضًا4 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ، سَوَاءٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ بْنِ إيَاسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ بِهِ، نَحْوُهُ، وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ"، وَقَالَ: هَكَذَا قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَا: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ بُرَيْدَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَمْرُو بْنُ النُّعْمَانِ بَصْرِيٌّ مَشْهُورٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ:
وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ، أَوْ الْأَيْسَرِ، بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ عَنْ الْمُهَلَّبِ بْنِ حُجْرٌ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَى عُودٍ، وَلَا عَمُودٍ، وَلَا شَجَرَةٍ، إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ، أَوْ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِالْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَهُ عَجَائِبُ،
__________
1 قال في "الزوائد" ص 59 ج 2: لم أجد من ذكره، وبقية رجال الطبراني رجال الصحيح.
2قال في "الزوائد": محمد بن عبد الله بن عبيد ضعيف، اهـ
3 في نسخة "عبيد الله".
4 قال في "الزوائد" ص 59 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله موثقون، اهـ
5 في "باب إذا صلى إلى سارية، أو نحوها" الخ ص 107، وأحمد: ص 4 ج 6.(2/83)
وَأَمَّا ابْنُ الْقَطَّانِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ عِلَّتَيْنِ: عِلَّةً فِي إسْنَادِهِ. وَعِلَّةً فِي مَتْنِهِ، أَمَّا الَّتِي فِي إسْنَادِهِ، فَقَالَ: إنَّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَجَاهِيلَ: فَضُبَاعَةُ1 مَجْهُولَةُ الْحَالِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهَا. وَكَذَلِكَ الْمُهَلَّبُ بْنُ حُجْرٌ مَجْهُولُ الْحَالِ. وَالْوَلِيدُ بْنُ كَامِلٍ مِنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَمْ يَثْبُتْ عَدَالَتُهُمْ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ كَثِيرُ شَيْءٍ، يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حَالِهِ، وَأَمَّا الَّتِي فِي مَتْنِهِ، فَهِيَ أَنَّ أَبَا عَلِيِّ بْنَ السَّكَنِ رَوَاهُ فِي "سُنَنِهِ" هَكَذَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَلَبِيُّ ثَنَا أَبُو تَقِيٍّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ ثَنَا الْمُهَلَّبُ بْنُ حُجْرٌ الْبَهْرَانِيُّ عَنْ ضُبَيْعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى عَمُودٍ. أَوْ سَارِيَةٍ. أَوْ شَيْءٍ. فَلَا يَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، وَلْيَجْعَلْهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ السَّكَنِ: أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُد عَنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، فَغَيَّرَ إسْنَادَهُ وَمَتْنَهُ، فَإِنَّهُ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا، وَهَذَا الَّذِي رَوَى بَقِيَّةُ هُوَ عَنْ ضُبَيْعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ أَبِيهَا، وَذَاكَ فِعْلٌ. وَهَذَا قَوْلٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: فَمَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَتْنِ، بَقِيَّةُ يَقُولُ: ضُبَيْعَةُ بِنْتُ الْمِقْدَامِ، وَابْنُ عَيَّاشٍ يَقُولُ: ضُبَاعَةُ بِنْتُ الْمِقْدَادِ، فَالْوَهَنُ مِنْ حَيْثُ هُوَ اخْتِلَافٌ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، وَمُوَرِّثٌ لِلشَّكِّ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ الْوَلِيدِ فِي نَفْسِهِ، وَالْجَهْلُ بِحَالِ مَنْ فَوْقَهُ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ الْمُهَلَّبَ بْنَ حُجْرٌ، ذَكَرَهُ بِرِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، وَأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ، وَأَمَّا ضُبَيْعَةُ بِنْتُ الْمِقْدَامِ، فَجَاءَ هُوَ بِأَمْرٍ ثَالِثٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى الِاضْطِرَابِ، وَالْجَهْلِ بِحَالِ الرُّوَاةِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ إلَى عَنَزَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، وَالْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا.
قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ، لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "فَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد3 عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ
__________
1 في "التقريب": "لا تعرف".
2 في "باب الصلاة إلى العنزة" ص 71، ومسلم: ص 196.
3 في "باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء، ص 111، وتقدم في: ص 259، حديث الخدري. وابن عمر. وجابر، في "الحديث الثاني والسبعون".
4في "باب يرد المصلي من مرّ بين يديه" ص 73، ومسلم في "باب سترة المصلي" ص 96، واللفظ له، والطحاوي: ص 257 ج 1.(2/84)
يُصَلِّي، فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: ومعناه أن معه شيطان يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، لَا أَنَّ الرَّجُلَ شَيْطَانٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُصَلُّوا إلَّا إلَى سُتْرَةٍ، وَلَا يَدَعُ الْمُصَلِّي أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ"، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ1"، وَزَادَ: "يَعْنِي الشَّيْطَانَ"، انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَكُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ، مِنْ الْإِنْسِ. وَالْجِنِّ. وَالدَّوَابِّ، فَهُوَ شَيْطَانٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي "الشِّفَاءِ": وَقَدْ اسْتَمَرَّ كَلَامُ الْعَرَبِ فِي وَصْفِهِمْ كُلَّ قَبِيحٍ مِنْ شَخْصٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِالشَّيْطَانِ، قَالَ تَعَالَى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} ، وَقَالَ عليه السلام: "فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، وكلام الصِّحَاحِ أَخَصُّ مِنْ هَذِهِ، لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِالْحَيَوَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: "وَيَدْرَأُ" بِالْإِشَارَةِ، كَمَا فَعَلَ عليه السلام بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ هُوَ قَاصُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، هَكَذَا، فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هُنَّ أَغْلَبُ"، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" هَكَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ هَذَا لَا أَعْرِفُ مَنْ هُوَ، فَإِنَّ فِي طَبَقَتِهِ جَمَاعَةً بِاسْمِهِ، وَأُمُّهُ لَا تُعْرَفُ أَلْبَتَّةَ، فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِمَا لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ فِي "كِتَابِ ابْنِ مَاجَهْ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ" إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَطَّانِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: عَنْ أُمِّهِ3، وَقَوْلُهُ: وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ لَا أَعْرِفُ مَنْ هُوَ، فَقَدْ عَرَّفَهُ ابْنُ مَاجَهْ، بِقَوْلِهِ: هُوَ قَاصُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي "تَهْذِيبِ الْكَمَالِ" أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 قلت: والطحاوي: ص 267، ولفظه: "فإن معه القرين".
2 في "باب ما يقطع الصلاة" ص 68.
3 قلت: قال ابن سعد في "طبقاته" ص 349 ج 8: أم محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، وأمها درة بنت عقبة بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، روت عن أم سلمة، زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: مر بعض بني سلمة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يصلي، اهـ.(2/85)
فَصْلٌ
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت: رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ فِي "مُسْنَدِ الشِّهَابِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، مُرْسَلًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ. وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ. وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ فِي "كِتَابِهِ الْمِيزَانِ"، وَعَدَّهُ مِنْ مُنْكَرَاتِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَحَادِيثِ الشِّهَابِ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. وَسَعِيدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مَقْطُوعٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ شَامِيٌّ، مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، وَلَيْسَ بِالْمَكِّيِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام لِأَبِي ذَرٍّ فِي تَقْلِيبِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ: "مَرَّةً يَا أَبَا ذَرٍّ، وَإِلَّا فَذَرْ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَى، فَقَالَ: "وَاحِدَةً، أَوْ دَعْ"، انْتَهَى. هَكَذَا عَزَاهُ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، عَلَى التَّحْقِيقِ1" وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ، إلَّا عَنْ حُذَيْفَةَ2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ شَيْخٍ، يُقَالُ لَهُ: هِلَالٌ عَنْ حُذَيْفَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" كَذَلِكَ، سَوَاءً، وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، إلَى آخِرِ اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِيسَى بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَخَالَفَهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، فَرَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مُرْسَلًا، وَحَدِيثُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ3" عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَمْسَحْ الْحَصَى، وَأَنْتَ تُصَلِّي، فإن كنت لابد فَاعِلًا، فَوَاحِدَةٌ"، انْتَهَى.
__________
1 قلت: صدق صاحب "التنقيح"، فإن حديث أبي ذر في "مسند أحمد" ص 163 ج 5 أحمد عن عبد الرزاق عن الثوري، وعن مؤمل عن الثوري، كذلك.
2 حديث حذيفة أخرجه أحمد في "مسنده" ص 385 ج 5.
3 البخاري في "باب مسح الحصى في الصلاة" ص 161، ومسلم في "باب كراهية مسح الحصى، وتسوية التراب في الصلاة" ص 206 ج 1، وأبو داود: ص 143، والترمذي: ص 50، وابن ماجه: ص 73.(2/86)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَمْسَحْ الْحَصَى، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ. وَحُذَيْفَةَ. وَمُعَيْقِيبٍ. وَجَابِرٍ. انْتَهَى. وَأَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا الزُّهْرِيُّ، انْتَهَى. لَكِنْ صَحَّحَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" حَدِيثًا في النهي عن الالتفاف فِي الصَّلَاةِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِتَمَامِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ2" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ أَبِي سَعْدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى، فَقَالَ: "وَاحِدَةٌ، وَلَأَنْ تُمْسِكَ عَنْهَا، خَيْرٌ لَك مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ، كُلِّهَا سُودُ الْحَدَقِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التِّسْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي"، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: "لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ 3، أَخْرَجَهُ فِي "بَابِ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ4".
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الضَّاحِكُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمُلْتَفِتُ، وَالْمُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ بِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ. وَزَبَّانَ بْنَ فَائِدٍ. وَرِشْدِينَ بْنَ سَعْدٍ. وَسَهْلَ بْنَ مُعَاذٍ، كُلَّهُمْ ضُعَفَاءُ، والدارقطني أَوْرَدَهُ فِي حَدِيثِ الْقَهْقَهَةِ، مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى أَنَّ الضَّحِكَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ5 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
__________
1 أبو داود في "باب مسح الحصى في الصلاة" ص 143، والنسائي في "السهو في باب النهي عن مسح الحصى في الصلاة" ص 177، والترمذي: ص 50، قال: حديث حسن، وابن ماجه في "باب مسح الحصى في الصلاة" ص 73.
2 وأحمد في "مسنده" وفي الزوائد: ص 86 ج 2، وقال: شرحبيل بن سعد ضعيف.
3 الحارث الأعور ضعيف. كذبه الشيعي.
4 أحمد في "مسنده" ص 438 ج 3، والدارقطني: ص 64، وقال في "الزوائد" ص 79 ج 2: فيه ابن لهيعة، وفيه كلام عن زبان بن فائد، وهو ضعيف.
5 البخاري في "باب الخصر في الصلاة" ص 163، ومسلم في "باب كراهية الاختصار في الصلاة" ص 206، وأبو داود في "باب الرجل يصلي مختصراً" ص 143، والنسائي في "باب النهي عن التحضر في الصلاة" ص 142، والترمذي في "باب النهي عن الاختصار في الصلاة" ص 50.(2/87)
يُصَلِّيَ الرجل مختصر، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ": قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: "وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ1"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، فَقَدْ أَخْرَجَاهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي "الِاخْتِصَارِ" تَأْوِيلَاتٌ: أَشْهَرُهَا مَا قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: صَلَّيْت إلَى جنب ابن عمر، وضعت يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ، انْتَهَى. وَفِي الْبُخَارِيِّ3: وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، وَتَقُولُ: إنَّ الْيَهُودَ تفعله، انتهى. ذكره فِي "آخِرِ ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ"، وَقِيلَ: أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا، وَقِيلَ: أَنْ لَا يُتِمَّ الرُّكُوعَ. وَالسُّجُودَ، وَقِيلَ: أَنْ يَخْتَصِرَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَوْ عَلِمَ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي، مَا الْتَفَتَ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط4" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ نُوحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا نَافِعُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إيَّاكُمْ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَقُومُ مُصَلِّيًا إلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكٌ يُنَادِي: يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ تَعْلَمُ مَا فِي صَلَاتِك، وَمَنْ تُنَاجِي، مَا الْتَفَتَّ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الرَّمْلِيِّ عَنْ حَوْشَبٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُصَلِّي يَتَنَاثَرُ عَلَى رَأْسِهِ الْخَيْرُ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَمَلَكٌ يُنَادِي: لَوْ يَعْلَمُ هَذَا الْعَبْدُ مَنْ يُنَاجِي، مَا انْفَتَلَ"، انْتَهَى. قَالَ: وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ هَذَا رَوَى عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، كَانَ ابْنُ مَعِينٍ يُوَثِّقُهُ، وَهُوَ عِنْدِي لَا شَيْءَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ هَذَا بِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الثَّقَفِيِّ، سَاكِنِ مَكَّةَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الثَّقَفِيَّ مَاتَ قَبْلَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبَى الثَّوْرِيُّ أَنْ يَشْهَدَ جِنَازَتَهُ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى كَانَ طِفْلًا صَغِيرًا، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ5" عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْت
__________
1 ص 264 ج 1.
2 في "باب التخصر والاقعاء" ص 137، في "باب النهي عن التخصر في الصلاة" ص 142.
3 في ذكر "بني إسرائيل" ص 491.
4 بإسناد واه، كذا في "الدراية" وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 80 ج 2: فيه الواقدي، وهو ضعيف.
5 في "باب الالتفات في الصلاة ص 104، وأبو داود: ص 138، والنسائي: ص 177.(2/88)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَأَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا، لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَهُوَ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَقِيلَ: مَوْلَى بَنَى غِفَارٍ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ: لَيْسَ بِالْمَتِينِ2 عِنْدَهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": هُوَ فِيهِ جَهَالَةٌ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كان لابد فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، كَانَ يُلَاحِظُ أصحابه في صلاته بمؤق عَيْنَيْهِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ4 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْحَظُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مَرْفُوعًا، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ"، وَقَدْ خَالَفَ وَكِيعٌ الْفَضْلَ بْنَ مُوسَى فِي رِوَايَتِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مُرْسَلًا5وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكَبِيرِ": وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ
__________
1 في "باب الالتفات في الصلاة" ص 138، والنسائي في "باب التشديد في الالتفات في الصلاة" ص 177، والحاكم في "المستدرك" ص 236، قال أبو الأحوص: هو مولى بني الليث، تابعي من أهل المدينة، وثقه الزهري، وروى عنه، اهـ. وقال الحافظ في "التقريب" مقبول، لم يرو عنه غير الزهري.
2 في نسخة "بالمبين".
3 في"باب الالتفات في الصلاة" ص 76.
4 ص 76، والنسائي: "في" باب الرخصة في الالتفات" ص 178، و"المستدرك" ص 236، وص 256 ج 1، والدارقطني: ص 195.
5 قلت: عبارة الترمذي هكذا: عن عبد الله بن سعيد عن بعض أصحاب عكرمة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي الدارقطني: عن عبد الله بن سعيد عن رجل من أصحاب عكرمة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث.(2/89)
مُسْنَدًا مِثْلُ مَا رَوَاهُ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مُتَّصِلًا، وَغَيْرُهُ يُرْسِلُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ بِهِ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا، لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ. وَثَوْرَ بْنَ زَيْدٍ ثِقَتَانِ، وَعِكْرِمَةُ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مِنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَنَزِيِّ1 عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْتَفِتُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِمِنْدَلٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ. وَالسَّعْدِيِّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: إنَّهُ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ لَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الْحَدِيثِ، وَإِلَى مَقْصُودِهِ أَيْضًا، إذْ لَا يُمْكِنُ الْمُلَاحَظَةُ بمؤق الْعَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا شَيْءٌ مِنْ الِالْتِفَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ، فَلَمَحَ بِمُؤَخِّرِ عَيْنَيْهِ، رَجُلًا لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ، فَقَالَ: "إنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ"، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2 وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" وَسَنَدُ ابْنِ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ، ولابيده، لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْنًى، حَتَّى لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ التَّسْلِيمِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، قُلْت: أَجَازَ الْبَاقُونَ رَدَّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ، وَلَنَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً تُفْهَمُ. أَوْ تُفْقَهُ، فَقَدْ قَطَعَ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِابْنِ إسْحَاقَ، وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ، وَتَعَقَّبَهُ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: أَبُو غَطَفَانَ، هو ابن ظريف، وَيُقَالُ: ابْنُ مَالِكٍ الْمُرِّيِّ، قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ فِيهِ: ثِقَةٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي "الْكُنَى": أَبُو غَطَفَانَ ثِقَةٌ، قِيلَ: اسْمُهُ سَعْدٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ مَنْ أَشَارَ
__________
1مندل بن علي العنزي الكوفي، من رجال الميزان.
2 في "باب الركوع في الصلاة" ص 63 ج 3.
3 في "باب الاشارة في الصلاة" ص 143، وقال: هذا الحديث وهم، والدارقطني: ص 195، والبيهقي: ص 264 ج 2، ولم يصحح الزيادة أبو حاتم، كذا في "العلل" ص 75 ج 1.
4 أبو غطفان: ثقة، من كبار الثالثة "تقريب".(2/90)
فِي صَلَاتِهِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ، فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ إسْنَادُهُ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد1: أَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ نَابِلٍ صاحب العبا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ، قَالَ: إشَارَةً بِإِصْبَعِهِ، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْت لِبِلَالٍ: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4 فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: اخْتَصَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ضَعُفَ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَأَدْخَلَهُ فِي "بَابِ مَنْ كَانَ يُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ فِي الصَّلَاةِ"، وَأَوْهَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَشَارَ بِيَدِهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ: إنَّمَا كَانَتْ إشَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ5: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَلَمْ يَقُلْ: فَأَشَارَ إلَيْنَا، وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ6 أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك إلَّا أَنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ جَائِزًا لَفَعَلَهُ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا: بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِشَارَةِ لَوْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ نَسْخِهِ لَرَدَّ بِاللَّفْظِ، إذْ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَاجِبٌ، إلَّا لِمَانِعٍ، كَالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَدَّ بِالْإِشَارَةِ، عُلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْكَلَامِ، قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَجَابِرٍ، فَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الرَّدِّ فِيهِ الرَّدُّ بِالْكَلَامِ،
__________
1 قال السلمي: سألت الدارقطني عن ابن أبي داود، فقال: كثير الخطأ في الكلام في الحديث، اهـ. "تذكرة الحفاظ" ص 3 1 ج 2، وفيه في: ص 302 ج 2، قال أبو داود: ابني كذاب، قال ابن عدي: كان ابن صاعد يقول: كفانا أبوه بما قال فيه، اهـ
2في "باب رد السلام في الصلاة" ص 140، والترمذي في "باب ما جاء في الإشارة في الصلاة" ص 48، والنسائي في "السهو في باب رد السلام بالإشارة في الصلاة" ص 177.
3 ص 140 والترمذي ص 48.
4 في "الاشارة في الصلاة" ص 143، والدارقطني: ص 196.
5أخرج الشيخان حديث ابن مسعود: البخاري في "باب ما ينهى من الكلام في الصلاة" ص 160، ومسلم في "باب تحريم الكلام في الصلاة" ص 204.
6 حديث جابر أخرجه مسلم: ص 204، والبخاري في "باب لا يرد السلام في الصلاة" ص 162.(2/91)
بِدَلِيلِ لَفْظِ ابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرِ الدِّيكِ. وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ. وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: افْتِرَاشَ السَّبُعِ، قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ1، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ2" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرَةٍ، كَنَقْرَةِ الدِّيكِ. وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ، كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهِ عَلَى حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَرَاهِيَةُ الْإِقْعَاءِ. وَالْآخَرُ: كَرَاهَةُ الِافْتِرَاشِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ3 ذِكْرُ الِافْتِرَاشِ، لَكِنَّهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي "الصَّحِيحِ4"، وَفِيهِ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَأَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَفِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ أَحَادِيثُ:
مِنْهَا عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَلِيُّ، لَا تُقْعِ إقْعَاءَ الْكَلْبِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ5. وَابْنُ مَاجَهْ.
وَمِنْهَا عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ السُّجُودِ، فَلَا تُقْعِ، كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ، ضَعْ أَلْيَتَيْك بَيْنَ قَدَمَيْك، وَالْزَقْ ظَهْرَ قَدَمَيْك بِالْأَرْضِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ6.
وَمِنْهَا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ7"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "أَوَّلِ الْكِتَابِ" تَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لِسَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالَ الْحَافِظُ: لَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، إلَّا حَدِيثَ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ،
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" لم أجده من حديث أبي ذر، اهـ.
2 ص 311 ج 2 بهذا اللفظ، وفي: ص 265 ج 2، بتغيير يسير، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 80 ج 2: أخرجه أحمد. وأبو يعلى. والطبراني في الإسناد، وإسناد أحمد حسن، اهـ. وأخرجه البيهقي: ص 120 ج 2.
3 فيه حديث علي، عند أحمد: ص 146،وفيه الحارث الأعور.
4 أي مسلم، أخرجه في "باب ما يجمع صفة الصلاة" ص 195.
5 في "باب كراهية الاقعاء بين السجدتين" ص 37، وابن ماجه في "باب الجلوس بين السجدتين" ص 64، والبيهقي: ص 120 ج 2، وأحمد: ص 146 ج 1 معناه.
6 ص 64، والبيهقي: ص 120 ج 2، معناه.
7ص 272 ج 1، ومن طريقه البيهقي: ص 120 ج 2.(2/92)
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، وَلَكِنْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، قَالَ: هِيَ السُّنَّةُ، فَقُلْنَا لَهُ: إنَّا نَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ، كَانُوا يُقْعُونَ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْإِقْعَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مُسْتَحَبٌّ. وَالْآخَرُ: مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فالمنهي عنه أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَرُكْبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ، فَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَفَعَلَتْهُ الْعَبَادِلَةُ، نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ بَسَطْنَاهُ فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ3"، وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ جَمَاعَةٌ لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهِ مُتَعَارِضَةٌ، حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْسُوخٌ، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْجَمْعُ، وَلَا تَارِيخَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ النَّسْخُ؟، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ، سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ، يَقُولُ: رَأَيْت أَبَا رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَأَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ: وَهُوَ يُصَلِّي، وَقَدْ عَقَصَ شَعْرَهُ، فَأَطْلَقَهُ، وَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَهُوَ عَاقِصٌ شَعْرَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بِحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ يُصَلِّي قَائِمًا، وَقَدْ غَرَزَ ضَفْرَهُ فِي قَفَاهُ، فَحَلَّهَا أَبُو رَافِعٍ، فَالْتَفَتَ حَسَنٌ إلَيْهِ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو رَافِعٍ: أَقْبِلْ عَلَى صَلَاتِك، وَلَا تَغْضَبْ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ذَاكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي رَافِعٍ، لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ6" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُخَوَّلُ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ7 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عبد الله الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ سَعِيدٍ
__________
1 في "باب جواز الاقعاء على العقبين" ص 202، والحاكم في "المستدرك" ص 272، كأنه استدرك به، وهو غير صحيح، وأخرجه الترمذي: ص 38، وحسنه.
2 ص 119 ج 2، وأجاب عنه بمثل ما أجاب النووي، بل هو الأسوة للنووي فيه.
3 "شرح المهذب" ص 438 ج 3.
4 في "باب كف الشعر والثوب في الصلاة" ص 74.
5 في "باب الرجل يصلي عاقصاً شعره" ص 101 ج 1، والترمذي في "باب كراهية كف الشعر في الصلاة" ص 50.
6 وأحمد في "مسنده" ص 391 ج 6 عن وكيع عن سفيان به، وفي ص 8 ج 6 عن عبد الرزاق عن سفيان به.
7 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 86 ج 2: رجاله رجال الصحيح.(2/93)
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا سُفْيَانُ بِهِ، سَنَدًا وَمَتْنًا، وَزَادَ: قَالَ إسْحَاقُ: قُلْت لِلْمُؤَمَّلِ بْنِ إسْمَاعِيلَ: أَفِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ؟، فَقَالَ: بِلَا شَكٍّ، هَكَذَا كَتَبْته مِنْهُ إمْلَاءً بِمَكَّةَ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"، قَالَ: وَوَهَمَ الْمُؤَمَّلُ فِي ذِكْرِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَغَيْرُهُ لَا يَذْكُرُهَا، وَرَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ أَصَحُّهُمَا إسْنَادًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ "الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو حُذَيْفَةَ. وَمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلِ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَغَيْرُهُمَا يَرْوِيهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلِ، وَلَا يَذْكُرُ أُمَّ سَلَمَةَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ. وشريط عَنْ مُخَوَّلٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أم سلمة، قالت: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، فَقَالَ أَبِي: أَخْطَأَ مُؤَمَّلٌ، إنَّمَا رُوِيَ عَنْ مُخَوَّلٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ "مُشْكِلُ الْآثَارِ": يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ شَاهَدَ مِنْ أَبِي رَافِعٍ قِصَّةَ الْحَسَنِ هَذِهِ، فَإِنَّ وَفَاةَ أَبِي سَعِيدٍ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاةُ عَلِيٍّ قَبْلَ ذَلِكَ بِخَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَوَفَاةُ أَبِي رَافِعٍ قَبْلَ ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ كَانَ وَصِيَّ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَبْعَدَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، فَإِنَّ الْمَقْبُرِيَّ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، عَلَى مَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ"، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تُوُفِّيَ أَبُو رَافِعٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقِيلَ: فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ، وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ، وَذَلِكَ إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَأَنَّ بَيْنَ وَفَاتِهِ وَوَفَاةِ عَلِيٍّ خَمْسًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، لِأَنَّ عَلِيًّا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُضِيفَ إلَى ذَلِكَ أَيَّامَهُ، وَهِيَ أَرْبَعُ سِنِينَ وَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَأَيَّامُ عُثْمَانَ، وَهِيَ ثنتان عَشْرَةَ سَنَةً، فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، غَيْرَ رُبُعٍ، فَجَاءَ الْجَمِيعُ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ، فَلْيُفْرَضْ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّ مَنْ يَضْبِطُ، كَثَمَانِ سِنِينَ، أَوْ نَحْوِهَا، فَهَذِهِ مِائَةُ سَنَةٍ، وَعَشْرٌ، فَيَحْتَاجُ سِنُّ أَبِي سَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَدْرُ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ، وَلَا ذُكِرَ بِهِ، قَالَ: فَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ وَفَاةَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، لَمْ تَكُنْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ، إلَّا الطَّحَاوِيَّ1، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ2
__________
1 في "التهذيب" هذا وهم منه، فإن هذا تاريخ وفاة ابنه سعيد.
2 قال ابن سعد في "طبقاته" ص 62 ج 5: قال محمد بن عمر الواقدي: روى أبو سعيد عن عمر، وكان ثقة، كثير الحديث، وتوفي سنة مائة، في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقال غيره، أي الواقدي: توفي بالمدينة، في خلافة الوليد بن عبد الملك.(2/94)
فِي وَفَاتِهِ، إمَّا سَنَةَ مِائَةٍ، كَمَا حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي "كِتَابِهِ ذَيْلِ الْمُذَيَّلِ"، وَقَالَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، وَإِمَّا فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، كَمَا قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَكَانَتْ وَفَاةُ الْوَلِيدِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ، وَإِمَّا فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، فَلْيُنَزَّلْ عَلَى أَبْعَدِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: سَنَةَ مِائَةٍ، حَتَّى يَكُونَ بَيْنَ وَفَاتِهِ وَوَقْتِ حَيَاةِ أَبِي رَافِعٍ سِتُّونَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرُ بقليل، وهذا لابعد فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى تَقْدِيرِ سَمَاعِهِ مِنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ وَإِنْ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ، مَشْكُوكٌ فِيهِ1، وَلَمْ يَحْكُمْ بِإِسْنَادِهِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ: إنَّهُ رَوَى عَنْ عُمَرَ، وَهَذَا لَا يُنْكَرُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُرْسِلُ عَنْهُ، قَالَ: وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ: إنَّ الْمَقْبُرِيَّ لَا يَبْعُدُ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ مَرَّ بِالْحَسَنِ، فَفِي هَذَا اللَّفْظِ، أَنَّهُ رَأَى هَذَا الْفِعْلَ مِنْ أَبِي رَافِعٍ، وَشَاهَدَهُ، وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى2، وَلَا أعرف حاله، وَلَا أَعْرِفُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، وَفِيهِ: رَأَيْت أَبَا رَافِعٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَمُخَوَّلُ بْنُ رَاشِدٍ ثِقَةٌ، أَخْرَجَا لَهُ فِي "الصحيحن"، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبَاقُونَ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ3" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ، وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا، وَلَا ثَوْبًا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَامَ وَرَاءَهُ، فَجَعَلَ يَحِلُّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَقْبَلَ عَلَى ابن عباس، فقال: مالك وَلِرَأْسِي؟. قَالَ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي، وَهُوَ مَكْتُوفٌ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَعْقِصْ شَعْرَك فِي الصلاة، فإنه كفل الشَّيْطَانِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ، زَادَ أَبُو دَاوُد: وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ، انْتَهَى.
__________
1في "التهذيب" أن البخاري جزم بأن أبا سعيد سمع من عمر.
2 ذكره ابن حبان في الثقات، وفي "التقريب" أنه مقبول.
3 البخاري في "باب السجود على سبعة أعظم" ص 112، ومسلم في "باب أعضاء السجود" ص 193.
4في "باب أعضاء السجود" ص 193.
5 في "باب السدل في الصلاة" ص 101، والحاكم في "المستدرك" ص 103، والترمذي في "باب كراهية السدل في الصلاة" ص 50.(2/95)
وَرَوَاهُ بِالزِّيَادَةِ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا فِيهِ: تَغْطِيَةَ الرَّجُلِ فَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، عَنْ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ، كَمَا تَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد، وَتَابَعَهُ أَيْضًا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" عَنْ أَبِي بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيِّ1 وَاسْمُهُ "عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ" ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، إلَّا الْبَكْرَاوِيَّ، فَإِنَّهُ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُمَا، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَسَنَدُ أَبِي دَاوُد فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمُ، ضَعَّفَهُ، ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، لَكِنْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّحِيحِ"، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَسَنَدُ التِّرْمِذِيِّ، فِيهِ عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ "بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَسُكُونِ السِّينِ، الْمُهْمَلَتَيْنِ" هُوَ: ابْنُ سُفْيَانَ التَّمِيمِيُّ، الْيَرْبُوعِيُّ، الْبَصْرِيُّ، كُنْيَتُهُ "أَبُو قُرَّةَ"، ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَغَيْرُهُمَا، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ2" عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ سَدَلَ ثَوْبَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَضَمَّهُ3، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَطَعَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَعَطَفَهُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، رُبَّمَا كان يستر فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِنَافِعٍ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ، إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ، قَالَ لِي: وَلِّنِي ظَهْرَك، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُقْعِدُ رَجُلًا، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ خَلْفَ النَّائِمِ. وَالْمُتَحَدِّثِ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ. وَلَا الْمُتَحَدِّثِ"، انْتَهَى. فِي سَنَدِ أَبِي دَاوُد رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَفِي سَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ أَبُو الْمِقْدَامِ، هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِيهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى5، وَعَائِشَةُ نَائِمَةٌ، مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ":
__________
1 من ولد أبي بكرة.
2 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 50 ج 2: رواه الطبراني في الثلاثة. والبزار، وهذا ضعيف، اهـ.
3 في نسخة "فقمه".
4 في "باب الصلاة إلى المتحدثين" ص 107. وابن ماجه في "باب من صلى، وبينه وبين القبلة شيء" ص 69) .
5 تقدم تخريجه في الحديث التاسع والسبعين.(2/96)
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا أَبِي عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نُهِيت أَنْ أُصَلِّيَ إلَى النِّيَامِ. وَالْمُتَحَدَّثِينَ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْكُوفِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي إلَى رَجُلٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي صَلَّيْت، وَأَنْتَ تَنْظُرُ إلَيَّ، انْتَهَى. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَحْفَظُهُ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْمُصَلِّيَ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الرَّجُلِ، فَوَجَّهَهُ، فَلَمْ يَتَنَحَّ عَنْ حِيَالِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: حديث جبرئيل: "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ فِي بَابِ إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: واعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبرئيل، فَرَاثَ عَلَيْهِ "أَيْ أَبْطَأَ"، حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 فِي "اللِّبَاسِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا، فَقَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: قَدْ اسْتَنْكَرْت هَيْئَتَك مُنْذُ اليوم، قال: إن جبرئيل كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِيَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَلْقَنِي، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوٌ كَلْبٌ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً، فَنَضَحَ مكانه، فلما لقيه جبرئيل، قَالَ: "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَةٌ"، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى أَنَّهُ لَيَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ، وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهَا، قَالَتْ:
__________
1 عبد الأعلى بن عامر الثعلبي الكوفي: صدوق يهم "تقريب"، وقال في "الزوائد" ص 62 ج 2: فيه عبد الأعلى الثعلبي ضعيف، اهـ وفيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام"، رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه: محمد بن عمرو بن علقمة، واختلف في الاحتجاج به، اهـ.
2 في "اللباس في باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة" ص 881، منه اختصر المخرج لفظه، وأما السياق الذي في بدء الخلق، فهو مختصر مما ذكره المخرج، وهو في: ص 458 ج 1.
3 في "اللباس في باب تحريم تصوير صورة الحيوان" ص 199 ج 2، وأبو داود في "آخر اللباس" ص 219 ج 2، والطحاوي: ص 363 ج 2.
4 في "اللباس في باب تحريم تصوير صورة الحيوان" ص 199.(2/97)
وَاعَدَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبرئيل فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ، وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصًا فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا جِرْوٌ كَلْبٌ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: "مَا هَذَا1 يَا عَائِشَةُ"؟ "مَتَى دَخَلَ هذا الكلب ههنا"؟ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا دَرَيْت، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جبرئيل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاعَدْتَنِي، فَجَلَسْتُ لَك، فَلَمْ تَأْتِ" فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ2" عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَاسْمُهُ "زَيْدُ بْنُ سُهَيْلٍ" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، انْتَهَى. لِمُسْلِمٍ، وَلِبَعْضِهِمْ فِيهِ قِصَّةٌ، وَزَادَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: يُرِيدُ صُورَةَ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاحُ، ذَكَرَهُ فِي "الْمَغَازِي فِي بَابِ شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا"، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: لَا يَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَجِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ"، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: الْجُنُبَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَجِيٍّ فِيهِ مَقَالٌ، وَزَادَ أَحْمَدُ فِيهِ: وَلَا صُورَةُ رُوحٍ، وَلِشَيْخِنَا عَلَاءِ الدِّينِ ههنا وَهْمَانِ، قَلَّدَ فِيهِمَا غَيْرَهُ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَعْزُ الْحَدِيثَ إلَّا لِأَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ4. وَالثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيِّ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا لَفْظُهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتاني جبرئيل، فَقَالَ لِي: أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَدْخُلَ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ،
__________
1 قوله: ما هذا، ليس هذا اللفظ عند مسلم.
2 البخاري في "بدء الخلق في باب خمس من الدواب فواسق" ص 468، ومسلم في "اللباس" ص 200، وأبو داود في "آخر اللباس" ص 219 ج 2، والنسائي في "الزينة" في باب التصاوير" ص 299 ج 2، والترمذي في "الأدب في باب أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة" ص 102 ج 2، وابن ماجه في "اللباس في باب الصور في البيت" ص 268، والطحاوي: ص 363 ج 2.
3 ص 218 ج 2، والنسائي: ص 299، وابن ماجه: ص 268، ولم أجد في النسائي، إلا عن ابن المسيب عن علي، ولفظه: "إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تصاوير"، وأحمد في: ص 85 ج 1، وفيه: "تمثال"، بدل: "صورة" والدارمي: ص 357، والطحاوي: ص 363 ج 2، كلاهما بلفظ أبي داود، وأخرجه أحمد: ص 83، وص 85، وفيه "صورة روح".
4 قلت: عزا حديث أبي هريرة فيما قبل إلى مسلم فقط، وإني لم أجده في البخاري، فلعل الصواب في "الصحيح".
5 في "آخر اللباس" ص 219 ج 2، والترمذي في "الأدب في باب الاستئذان" ص 104 ج 2 والنسائي في "الزينة" ص 301 ج 1، مختصراً.(2/98)
وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ، فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ، فَلْيُقْطَعْ، فَيُصَيَّرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ، فَلْيُقْطَعْ، وَلْيُجْعَلْ فِيهِ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ، تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ، فَلْيُخْرَجْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا الْكَلْبُ لِلْحَسَنِ. أَوْ لِلْحُسَيْنِ، كَانَ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمْ، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "اللِّبَاسِ". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الِاسْتِئْذَانِ". وَالنَّسَائِيُّ فِي "الزِّينَةِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بجبرئيل، فِي وَاقِعَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَلَيْسَ هَذَا حَدِيثُ الْكِتَابِ لَا لَفْظًا، وَلَا مَعْنًى، وَيَا لَيْتَهُ ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَقْصُودِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ. أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ. أَوْ بِحِذَائِهِ تصاوير، أَوْ صُورَةٌ معلقة "يعني في الصلاة" لحديث جبرئيل عليه السلام "إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب أو صورة"، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهَانَةً بِالصُّورَةِ، فَالْحَدِيثُ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ صُورَةٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ خَاصٌّ بِالصُّورَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال: استأذن جبرئيل عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اُدْخُلْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ، وَفِي بَيْتِك سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ إمَّا أَنْ تَقْطَعَ رُءُوسَهَا. أَوْ يُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ، "فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَفْظُهُ: فَإِنْ كنت لابد فَاعِلًا، فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا، أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ، أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ" عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا، فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَاِتَّخَذَتْ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ، فَكَانَتَا في البيت نجلس عَلَيْهِمَا، زَادَ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا عَلَى إحْدَاهُمَا، وَفِيهَا صُورَةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّمَاثِيلِ، أَنَّهُ رَخَّصَ فِيمَا كَانَ يُوطَأُ، وَكَرِهَ مَا كَانَ مَنْصُوبًا، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ إلَّا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، انْتَهَى
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي
__________
1 في "الزينة في باب أشد الناس عذاباً" ص 301 ج 2، والطحاوي: ص 365.
2 في "المظالم في باب كسر الدنان" ص 337، ومسلم: ص 201 ج 2.
3 سليمان بن أرقم ضعيف.(2/99)
الصَّلَاةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عن ضمضم بن جرس عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الْحَيَّةَ. وَالْعَقْرَبَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَفِي النَّوْعِ السِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَضَمْضَمُ بن جرس مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، سَمِعَ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنْ الدَّوَابِّ، وَهُوَ محرم؟، فقال: حدثني إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ. وَالْفَأْرَةِ. وَالْعَقْرَبِ. وَالْحِدَأَةِ. وَالْغُرَابِ. وَالْحَيَّةِ، قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ أَبِي الْمِقْدَامِ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا، وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَاقْتُلُوا الْحَيَّةَ. وَالْعَقْرَبَ، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي صَلَاتِكُمْ" مُخْتَصَرٌ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي "الْحَجِّ"، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِهِشَامٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَسَعَتْنِي عَقْرَبٌ، ثُمَّ قَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ عَقْرَبًا، وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَقْتُلْهَا بِنَعْلِهِ الْيُسْرَى"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَمْ يُدْرِكْ الْعَدَوِيِّ، انْتَهَى. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَ مُسْلِمٍ، وَمُرْسَلَ أَبِي دَاوُد، وَلَمْ يُورِدْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "كِتَابِ الْإِمَامِ" لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا حَدِيثَ السُّنَنِ، فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ: فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّفْخَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ
__________
1 أبو داود في "باب العمل في الصلاة" ص 140، والنسائي في "باب قتل الحية والعقرب في الصلاة" ص 178، والترمذي في "باب ما جاء في قتل الأسودين في الصلاة" ص 51، وابن ماجه في "باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة، ص 89، وأحمد: ص 333 ج 2، وص 248 ج 2، والحاكم في "المستدرك" ص 256 ج 1.
2 في "الحج في باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم" ص 382 ج 1.
3 في "باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوّله الإمام" ص 100، ومسلم في "باب صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعائه بالليل" ص 260.(2/100)
أَبُو دَاوُد1 عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ: أُفٍّ، أُفٍّ، الْحَدِيثَ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ: "بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ"، وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: نَفَخَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُجُودِهِ فِي كُسُوفٍ، انْتَهَى. وَفِي مَنْعِهِ حَدِيثَانِ، أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ: أَحَدُهُمَا: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ الْأَزْهَرِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غُلَامٍ لَنَا، يُقَالُ لَهُ: رِيَاحٌ، فَرَآهُ سَجَدَ، فَنَفَخَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "يَا رِيَاحُ لَا تَنْفُخْ، فَإِنَّهُ مَنْ نَفَخَ، فَقَدْ تَكَلَّمَ". وَالثَّانِي: عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ: "مَنْ أَلْهَاهُ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ، فَذَاكَ حَظُّهُ، وَالنَّفْخُ كَلَامٌ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: أَضْعَفُ مِنْهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُفَرَّقَةَ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ، بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ، بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2.
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ، بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَمُدَافَعَةِ الْحَدَثِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يُعَجِّلَنَّ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ"، زَادَ الْبُخَارِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَا4 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: إذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ، قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ6 عَنْ هِشَامِ
__________
1 في "الكسوف في باب من قال: يركع ركعتين" ص 176، والبخاري في "التهجد في باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة" ص 164، وقال الحافظ في "الفتح" ص 67 ج 3: أخرجه أحمد، وصححه ابن خزيمة. والطبري. وابن حبان. اهـ، قلت: والبيهقي: ص 252 ج 2.
2 في"باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة" ص 74، قلت: وأخرجه مسلم أيضاً في "باب جواز حمل الصبيان في الصلاة" ص 205 ج 1، ولا أدري لم أغفله، وفيه: يؤم الناس.
3 في "باب إذا حضر الطعام، وأقيمت الصلاة" ص 92، ومسلم في "كراهية الصلاة بحضرة الطعام" ص 208، وأبو داود: ص 171 ج 2، وكذا حديث عائشة.
4 البخاري في "آخر الأطعمة" ص 821، واللفظ الآخر له في: ص 92، ومسلم في: ص 208.
5 ص 208، وأبو داود: ص 13 ج 1.
6 أبو داود في "الطهارة في باب يصلي الرجل، وهو حاقن" ص 13، والترمذي في "الطهارة في باب إذا أقيمت الصلاة، ووجد أحدكم الخلاء، فليبدأ به، ص 20، وابن ماجه في "باب ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي" ص 48، وأحمد: ص 35 ج 4، وص 483 ج 3.(2/101)
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْخَلَاءِ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلَاءِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجُوا1 إلَّا النَّسَائِيّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ2 الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي حَيٍّ3 عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا، فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلَا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ دَخَلَ، وَلَا يُصَلِّي، وَهُوَ حَقِنٌ، حَتَّى يَتَخَفَّفَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَهُوَ حَاقِنٌ، حَتَّى يَتَخَفَّفَ"، انْتَهَى. وَفِيهِ رَجُلٌ5 فِيهِ جَهَالَةٌ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد.
فَصْلٌ
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ6 فِي "الطَّهَارَةِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ، فَلَا تستقبلوا، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا، أَوْ غَرِّبُوا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ7 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قِيلَ لَهُ: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! فَقَالَ: أَجَلْ! لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ8 وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَسْتَقْبِلَنَّ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا" انْتَهَى.
__________
1 أبو داود: ص 13، والترمذي في "باب كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء" ص 47، وابن ماجه في "باب لا يخص الإمام نفسه بالدعاء" ص 66، مختصراً.
2 يزيد بن شريح مقبول "تقريب".
3 أبو حيّ: اسمه "شداد" صدوق "تقريب".
4 ص 14
5 لا أدري من الرجل، فإني أرى رواته كلهم قد وثقوا.
6 البخاري في "باب قبلة أهل المدينة والشام" ص 57، ومسلم في "باب الاستطابة" ص 130، وأبو داود: ص 3 ج 1، والنسائي: ص 10، والترمذي: ص 3، وابن ماجه: ص 27.
7 مسلم: ص 130، وأبو داود: ص 3، والنسائي في "باب النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار" ص 16، وص 18، وابن ماجه: ص 27، والترمذي في "باب الاستنجاء بالحجارة" ص 4.
8 ص 131، وأبو داود: ص 3، وابن ماجه: ص 27، والنسائي: ص 16.(2/102)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ بِغَائِطٍ2 انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: أَبُو زَيْدٍ مَوْلًى لِبَنِي ثَعْلَبَةَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِ سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ": وَأَبُو زَيْدٍ هَذَا لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الِاسْتِدْبَارُ.
وَمِثْلُهُ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جد الزُّبَيْدِيَّ، يَقُولُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ"، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَ النَّاسَ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ4" عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ. أَوْ غَائِطٍ، فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، فَهُوَ كَالْمُنْقَطِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ النَّهْيُ لِأَجْلِ الْقِبْلَةِ، أَوْ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ؟ قَالَ: وَتَعَلَّقَ الْأَوَّلُونَ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي "تَهْذِيبِ الْآثَارِ5" عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ ابْنِ رِشْدِينَ الْجُنْدِيِّ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ، فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ"، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَلَسَ بِبَوْلٍ، قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ، فَذَكَرَ، فَتَحَرَّفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا، لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ"، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْبَرَازَ، فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَسْتَقْبِلْهَا، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا"، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ6": وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَصِحُّ، أَسْنَدَهُ أَحْمَدُ بن الحسن
__________
1 ص 3، وابن ماجه: ص 27، وأخرج أحمد في "مسنده" ص 415 ج 5 عن أبي أيوب أنه قال: ما ندري كيف نصنع بكرابيس مصر، وقد نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستقبل القبلتين ونستدبرهما.
2 قال في "الفتح" ص 216 ج 1: هو حديث ضعيف، لأن فيه راوياً مجهول الحال.
3 ص 27، والطحاوي: ص 335.
4 في "باب النهي عن استقبال القبلة، والانسان يريد حاجته" ص 68.
5روى الدارقطني: ص 21 عن عائشة، قالت: مر سراقة بن مالك المدلجي على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأله عن التغوط، فأمر أن لا يتنكب القبلة، ولا يستقبلها، ولا يستدبرها، الحديث.
6 قلت: حديث طاوس المرسل، عند الدارقطني: ص 21 حديث طويل، رواه عن زمعة عن سلمة عن طاوس مرسلاً، الطرف الأول منه: إذا أتى أحدكم البزار، فليكرم قبلة الله، ولا يستقبلها، ولا يستدبرها"، وتمامه: "ثم ليستطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد"، الحديث. وذكر الدارقطني لهذا الطرف الآخر فقط إسناداً آخر، رواه عن ابن قانع عن أحمد بن الحسن المصري: حدثنا أبو عاصم حدثنا زمعة عن سلمة عن طاوس عن ابن عباس رفعه، وذكر نحواً من الطرف الثاني، وأما الطرف الأول الذي تعلق بالباب، فليس في طريقه المضري ولم يسنده هو. ولا غيره أصلاً، فيما عند الدارقطني، فإن أراد عبد الحق إسناد المضري إياه عند الدارقطني، فهذا ليس بصواب، وإن رأى إسناده في كتاب غير هذا، فهو أعلم.(2/103)
الْمِصْرِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَالْمُرْسَلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ دَائِرٌ عَلَى زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ.
فَائِدَةٌ1: قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي "كِتَابِهِ" أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالِاسْتِنْجَاءِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَلْ! لَقَدْ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أَوْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، الْحَدِيثَ، كَذَا رَأَيْته فِي "كِتَابِهِ" مُسْتَقْبِلَ "بِالْمِيمِ"، وَبِهَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مُسْلِمٍ، مِمَّا تَتَبَّعْته مِنْ نُسَخِهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَتَعَلَّقَ الْآخَرُونَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ3 قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: إنِّي أَعْجَبُ مِنْ اخْتِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: دَخَلْت بَيْتَ حَفْصَةَ، فَجَاءَتْ4 الْتِفَاتَةٌ، فَرَأَيْت كَنِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ أبي هُرَيْرَةَ: إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا، قَالَ الشَّعْبِيُّ: صَدَقَا جَمِيعًا، أَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَهُوَ فِي الصَّحْرَاءِ: إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا: مَلَائِكَةً. وَجِنًّا، يُصَلُّونَ، فَلَا يَسْتَقْبِلُهُمْ أَحَدٌ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ، وَلَا يَسْتَدْبِرُهُمْ، وَأَمَّا كُنُفُهُمْ هَذِهِ، فَإِنَّمَا هِيَ بُيُوتٌ بُنِيَتْ لَا قِبْلَةَ فِيهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعِيسَى هَذَا: هُوَ ابْنُ مَيْسَرَةَ5، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَعِيسَى هَذَا، يُقَالُ فِيهِ: الْحَنَّاطُ "بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ" وَيُقَالُ فِيهِ: الْخَبَّاطُ "بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ. وَمُوَحَّدَةٍ"، وَيُقَالُ فِيهِ: الْخَيَّاطُ "بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَيَاءٍ آخِرُ الْحُرُوفِ"، وَحَدِيثُ عِيسَى هَذَا اخْتَصَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ، لَيْسَ فِيهِ مَا قَصَدْنَاهُ.
__________
(10) قوله: فائدة، قلت: هنا فائدة أخرى أحب التنبيه عليها، قال ابن حزم في "المحلى" ص 193 ج 1، لا يجوز استقبال القبلة واستدبارها للغائط. والبول، لا في بنيان، ولا في صحراء، ولا يجوز استقبال القبلة فقط، كذلك في حال الاستنجاء، ثم استدل على ذلك "الاستنجاء فقط" بحديث سلمان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يستنجيء أحد مستقبل القبلة"، اهـ. ذكره تعليقاً، وقال: ذكر قبل في "باب الاستنجاء" وأسند الحديث في "باب الاستنجاء" ص 96 عن طريق مسلم صاحب "الصحيح"، ولفظه: أنه نهانا أن يستنجي أحدكم بيمينه أو يستقبل القبلة، اهـ. وقال مصححه هنا: كان في الأصل مستقبل القبلة، وصححناه من مسلم، اهـ. قلت: أما ما ذكر من لفظ الحديث في الصحيح، فهو كما قال، وأما تصحيحه الحديث الذي رواه ابن حزم من طريق مسلم بلفظ، وجد في "صحيحه" فهذا ليس بتصحيح "للمحلى" بل هو تحريف له، لأن التصحيح إنما يكون حيث يظن غلط الناسخ، وأما إذا علم أن المؤلف ذكره كذا، واستدل الغائط فيه، فتبديل المصحح إياه، بما يظن صحيحاً، تحريف، وهجوم المصحح على مثل ذلك جهالة، والله أعلم.
2 البيهقي في "سننه" ص 93، والطحاوي في "شرح الآثار" ص 337، والدارقطني: ص 23، وقال عيسى: ضعيف، وابن ماجه: ص 28، مختصراً في "باب الرخصة في ذلك في الكنيف" والحازمي: ص 26.
3 كان خياطاً، ثم ترك، وصار حناطاً، ثم ترك، وصار يبيع الخبط، قال ابن سعد: كان يقول: أنا خباطٌ وحناطٌ، وخياطٌ، كلاً قد عالجت "تهذيب"، وقال في "التقريب": عيسى بن أبي عيسى الخياط ضعيف.
4في نسخة "فخانت"
5 قال الدارقطني: عيسى بن أبي عيسى الخياط ضعيف.(2/104)
أَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ1 عَنْ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِك فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ، وَهُوَ فِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عن مجاهد بن جبير عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي الْقِسْمِ الثَّانِي. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ". والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، وَعِنْدَهُمْ الْأَرْبَعَةُ: حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، فَزَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، ولفظهم فِيهِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، أَوْ نَسْتَدْبِرَهَا بِفُرُوجِنَا، إذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، وَثَّقَهُ الْمُزَكُّونَ: يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ" الْكَبِيرِ3": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
__________
1 البخاري في "باب من تبرز على لبنتين" ص 26، ومسلم في "باب الاستطابة" ص 131 ج 1، وأبو داود: ص 3، والنسائي في "الرخصة في ذلك في البيوت" ص 10، وابن ماجه في "باب الرخصة في ذلك" ص 28، والترمذي: ص 3.
2 ص 4، والترمذي: ص 3، وابن ماجه: ص 28، والحاكم في "المستدرك" ص 154 ج 1، والدارقطني: ص 22، وقال: كلهم ثقات.
3 قال ابن القيم في "الهدى" ص 18 ج 2: هذا الحديث عزاه الترمذي بعد تحسينه، وقال الترمذي في "كتاب العلل": سألت محمداً "يعني البخاري" عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث صحيح، رواه غير واحد عن ابن إسحاق، فإن كان مراد البخاري صحته عن ابن إسحاق، لم يدل على صحته في نفسه، فإن كان مراده صحته في نفسه، فهي واقعة عين، حكمها حكم حديث ابن عمر، لما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقضي حاجته مستدبر الكعبة، وهذا يحتمل وجوهاً ستة: نسخ النهي به. وعكسه. وتخصيصه به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتخصيصه بالبنيان. وأن يكون بعذر اقتضاه لمكان أو غيره. وأن يكون بياناً، لأن النهي ليس على التحريم، ولا سبيل إلى الجزم بواحد من هذه الوجوه على التعيين، وإن كان حديث جابر لا يحتمل الوجه الثاني منها، فلا سبيل إلى ترك أحاديث النهي الصريحة الصحيحة المستفيضة بهذا المحتمل، وقول ابن عمر: إنما نهى عن ذلك في الصحراء، فهم منه لاختصاص النهي بها، وليس بحكاية لفظ النهي، وهو معارض بفهم أيوب للعموم، مع سلامة قول أصحاب العموم من التناقض الذي يلزم المفرقين بين الفضاء والبنيان، فإنه يقال لهم: ما حد الحاجز الذي يجوز ذلك معه في البنيان، ولا سبيل إلى ذكره حد فاصل؟ وإن جعلوا مطلق البنيان مجوزاً لذلك، لزمهم جوازه في الفضاء الذي يحول بين البائل وبينه، جبل قريب أو بعيد، كنظيره في البنيان، فإن النهي تكريم لجهة القبلة، وذلك لا يختلف بفضاء ولا بنيان، وليس مختصاً بنفس البيت، فكم من جبل وأكمة بين البائل وبين البيت، بمثل ما يحول جدران البنيان، وأعظم، وأما جهة القبلة فلا حائل بين البائل وبينها، وعلى الجهة وقع النهي، لا على البيت نفسه، فتأمله، اهـ. وتحقيق هذه المسألة في "هوامش ابن حزم" ص 196 ج 1.(2/105)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 عن حماد بن بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ عِرَاكٍ2 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِمْ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: أَرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوهَا، أَسْتَقْبِلُ بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ الْأَثْرَمُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَحْسَنُ مَا فِي الرُّخْصَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا، فَإِنَّ مَخْرَجَهُ حَسَنٌ، قُلْت لَهُ: فَإِنَّ عِرَاكًا يَرْوِيهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: سَمِعْت عَائِشَةَ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ سَمِعَ عِرَاكٌ عَائِشَةَ بِمَا يَرْوِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا؟!، وَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، لَيْسَ فِيهِ: سَمِعْت، وَهَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةٍ، لَيْسَ فِيهِ: سَمِعْت،
__________
1 ص 28، والطحاوي: ص 336 ج 2، والطيالسي: ص 216، والدارقطني ص 22، والبيهقي: ص 93 ج 1، وأحمد: ص 239 ج 6
2 حديث عراك عن عائشة، رواه الدارقطني: ص 22 عن أبي عوانة. والقاسم بن المطيب. ويحيى بن مطر عن خالد الحذاء عن عراك عن عائشة. مرفوعاً، وعن علي بن عاصم. وحماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك عن عائشة، كذلك، وروى هو. وأحمد في "مسنده" ص 183 ج 6 عن عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن رجل عن عراك به، ورواه أحمد في "مسنده" ص 227 ج 6 عن أبي كامل عن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عمر بن عبد العزيز عن عائشة، كذلك. قال الحافظ في "التهذيب" ص 97 ج 3: قال البخاري في "التاريخ": قال موسى: حدثنا وهيب عن خالد عن رجل أن عراكاً حدث عن عمرة عن عائشة، وقال ابن بكير: حدثني بكر عن جعفر بن ربيعة عن عراك عن عروة أن عائشة كانت تنكر قولهم: لا يستقبل القبلة، وقال: هذا أصح، اهـ.
قلت: هذا الحديث حسنه النووي في "شرحه لمسلم" ص 130 ج 1، وفي "سبل السلام" ص 111 ج 1 إسناده حسن، وطعن فيه غير واحد من أئمة أهل الحديث، وضعفوه، قال ابن قيم: قد طعن فيه البخاري. وغيره من أئمة الحديث، ولم يثبتوه اهـ. قلت: وأعلوه بعلل مختلفة: من الاضطراب. والوقف، وضعف خالد بن أبي الصلت، ونكارة الحديث. والانقطاع. وبعده، هذه كلها، قالوا بالنسخ: أما الاضطراب، فقد قال الحافظ: قال الترمذي في "العلل الكبير": سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال فيه: اضطراب، اهـ. قلت: هو ظاهر فيما قدمنا لك من الروايات، روى غير واحد عن خالد الحذاء عن عراك عن عائشة مرفوعاً، وأدخل بعضهم خالد بن أبي الصلت بين الحذاء. وعراك، وروى بعضهم عن الحذاء عن رجل عن عراك عن عائشة، وبعضهم عن خالد الحذاء عن خالد ابن أبي الصلت عن عراك عن عمر بن عبد العزيز عن عائشة، وبعضهم عن عمر بن عبد العزيز عن عراك عن عائشة، وبعضهم عن عراك عن عروة عن عائشة، وبعضهم عنه عن عمرة عن عائشة، ورفعه بعضهم، ووقفه الآخرون، وهذا كله فيما ذكر من الروايات ظاهر، وأما الوقف، فقال البخاري: الصحيح عن عائشة قولها، وقال ابن أبي حاتم في "العلل" ص 29: عراك بن مالك عن عروة عن عائشة موقوف، وهذا أشبه، اهـ. قال الحافظ: ذكر أبو حاتم نحو قول البخاري: إن الصواب عراك عن عروة عن عائشة قولها، وأن من قال: قال عراك: سمعت عائشة، مرفوعاً، وهم فيه سنداً ومتناً، اهـ.
وأما ضعف خالد بن أبي الصلت، فقال عبد الحق: ضعيف، وقال ابن قيم في "الهدى" ص 18 ج 2: وله علة أخرى، وهي ضعف خالد بن أبي الصلت، اهـ، قال ابن حزم في "المحلى" ص 196 ج 1: أما حديث عائشة رضي الله عنها، فهو ساقط، لأنه من رواية الحذاء، وهو ثقة عن خالد بن أبي الصلت، وهو مجهول لا يدري من هو، اهـ. وقال الذهبي في "الميزان في ترجمة خالد هذا": لا يكاد يعرف، اهـ. وأجيب عن هذا بما لا يفيد، قال الحافظ: تعقب ابن المفوز كلام ابن حزم، فقال: هو مشهور بالرواية، معروف بحمل العلم، ولكن حديثه معلول، اهـ. وقال الذهبي في "الميزان": ما علمت أحداً تعرض إلى لينه، لكن الخبر منكر، اهـ.(2/106)
قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ مِثْلُ مَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا، وَلِعِرَاكٍ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ، قَوْلَهُ: سَمِعْتُ ثِقَةً، فَهُوَ مُقَدَّمٌ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَقِيَ الشَّيْخَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَدَّثَهُ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يمكن لقاءه، وَقَدْ ذَكَرُوا سَمَاعَ عِرَاكٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ تُوُفِّيَ هُوَ. وَعَائِشَةُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَبْعُدُ سَمَاعُهُ عن عَائِشَةَ، مَعَ كَوْنِهِمَا فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لِمُسْلِمٍ أَنْ أَخْرَجَ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثَ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ، مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، الْحَدِيثَ، وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا رِوَايَةٌ صَرِيحَةٌ
__________
وأما النكارة، فلما علمت من قول الذهبي آنفاً.
وأما الانقطاع، فيما قال المخرج من قول أحمد، وبما قال ابن القيم في "الهدى" ص 11 ج 2، قال: قلت: وله علة أخرى، وهي انقطاعه بين عراك. وعائشة، فإنه لم يسمع منها، اهـ.
فإن قيل: روى الدارقطني في "سننه" ص 22، والبيهقي في "السنن الكبرى" ص 92 ج 1، وأحمد في "مسنده" ص 184 ج 6 عن طريق علي بن عاصم عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك، قال: حدثتني عائشة، الحديث. وفي "التهذيب" ص 97 ج 3، قال البخاري في "التاريخ": قال موسى: حدثنا حماد، وهو ابن سلمة، عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فقال عراك بن مالك: سمعت عائشة، قالت: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حوّلي مقعدتي إلى القبلة"، اهـ. قلت: هذا سماع لم يعتد به أحمد، وقد أخرج حديث علي بن عاصم هو في "مسنده" كما ذكرته، قال ابن حجر في "التهذيب": قال إبراهيم بن الحارث: أنكر أحمد قول من قال: عن عراك، سمعت عائشة، وقال عراك: من أين سمع من عائشة؟ وقال أبو طالب، عن أحمد: إنما هو عراك عن عروة عن عائشة، ولم يسمع عراك منها، وقال أبو حاتم: الصواب عراك عن عروة عن عائشة قولها، وإن من قال: عراك سمعت عائشة مرفوعاً، وهم فيه سنداً ومتناً، اهـ. قلت: علي بن عاصم تكلم فيه غير واحد، وأغلظ القول فيه خالد، فقال: كذاب، فاحذروه، وكذا قال يحيى بن معين، وقال شعبة: لا تكتبوا حديثه، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال مرة: يتكلمون فيه، وقال الدارقطني: كان يغلط، ويثبت على غلطه، وحديث حماد بن سلمة رواه غير واحد: منهم أبو داود الطيالسي في "مسنده" ص 216. وابن ماجه، عن وكيع: ص 28، والطحاوي: ص 336 ج 2 عن أسد، وأحمد في "مسنده" ص 219 ج 6، عن بهز، وص 227 ج 6 عن أبي كامل، وص 239 ج 6 عن يزيد، كلهم عن حماد بن سلمة، ولم يقل أحد منهم: سمعت، قال الحافظ: قال أحمد بن حنبل، فيما روى ابن أبي حاتم في "المراسيل" عن الأثرم، وذكر صاحب خالد بن أبي الصلت عن عراك: سمعت عائشة مرفوعاً: "حولوا مقعدتي إلى القبلة"، فقال: مرسل عراك بن مالك، من أين سمع عن عائشة؟ إنما يروى عن عروة، هذا خطأ، ثم قال: من يروى هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، فقال: قال غير واحد: عن خالد الحذاء، وليس فيه: سمعت، وقال غير واحد، عن حماد بن سلمة، ليس فيه: سمعت، وقال موسى بن هارون: لا نعلم لعراك سماعاً من عائشة، اهـ. أما النسخ، فقال ابن حزم في "المحلى" ص 197 ج 1: ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة، لأن نصه يبين، إنما كان قبل النهي، لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهاهم عن استقبال القبلة بالبول والغائط، ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك، وهذا ما لا يظنه مسلم، ولا ذو عقل، وفي هذا الخبر إنكار ذلك عليهم، فلو صح، لكان منسوخاً بلا شك، ثم لو صح لما كان فيه إلا إباحة الاستقبال فقط، لا إباحة الاستدبار أصلاً، فبطل تعلقهم بحديث عائشة، اهـ.(2/107)
بِسَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الَّتِي أَنْكَرَهَا أَحْمَدُ، أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ2 عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَفِيهِ: فَقَالَ عِرَاكٌ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّاسِ أَمَرَ بِمَقْعَدَتِهِ، فَاسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ": اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَصِنْفٌ: كَرِهُوهُ مُطْلَقًا، مِنْهُمْ: مُجَاهِدٌ. وَالنَّخَعِيُّ. وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ. وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَا. وَصِنْفٌ رخصوه مُطْلَقًا، وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فِرْقَةٌ: طَرَحُوا الْأَحَادِيثَ لِتَعَارُضِهَا، وَرَجَعُوا إلَى الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ، وَهِيَ الْإِبَاحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَجَابِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَا، وَبِحَدِيثِ عِرَاكٍ أَيْضًا. وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: فَصَّلُوا، فَكَرِهُوهُ فِي الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ، وَمِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ. وَأَحْمَدُ. وَالشَّافِعِيُّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، وَجَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا، فَقُلْت: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟!، قَالَ: بَلَى، إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك، فَلَا بَأْسَ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَكَذَلِكَ قَالَ الْحَازِمِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى.
__________
1 الدارقطني في "سننه" ص 22، والبيهقي في "سننه الكبرى" ص 92 ج 1، وأحمد: ص 184 ج 6، كلاهما من طريق عاصم، وقال الحافظ في "التهذيب في ترجمة خالد بن أبي الصلت" ص 97 ج 3: قال البخاري في "التاريخ": قال موسى: حدثنا حماد هو ابن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت، قال: كنا عند عمر ابن عبد العزيز، فقال عراك بن مالك: سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حولي مقعدتي إلى القبلة": اهـ.
2 صدوق يخطئ ويصر، ورمي بالتشيع "تقريب".
3 ص 3، والحاكم في "المستدرك" ص 154، وقال: على شرط البخاري، ومن طريق البيهقي: ص 92، وأخرجه الدارقطني: ص 22، وقال: هذا صحيح، رواته كلهم ثقات، اهـ. والحازمي: ص 26، وقال: حديث حسن.
* لإمام العصر الشيخ المحدث "محمد أنور الكشميري" رسالة جليلة في مسألة الوتر سماها "كشف الستر" لابد للمحدث البحاثة من الاطلاع عليها، وهي من مطبوعات "المجلس العلمي:. "من المصحح")(2/108)
بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ
الْحَدِيثُ الْمُوَفِّي لِلْمِائَةِ: حَدِيثُ "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ، إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو(2/108)
بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
أَمَّا حَدِيثُ خَارِجَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي مُرَّةَ عَنْ خَارِجَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، لِتَفَرُّدِ التَّابِعِيِّ عَنْ الصَّحَابِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ مِنْ بَعْضٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِابْنِ إسْحَاقَ. وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ، وَنُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": أَمَّا تَضْعِيفُهُ بِابْنِ إسْحَاقَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَقَدْ تَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهِ، وَأَمَّا نَقْلُهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَاشِدٍ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ إنَّمَا ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَاشِدٍ الْبَصْرِيَّ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَمَّا هَذَا رَاوِي حَدِيثِ خَارِجَةَ، فَهُوَ الزَّوْفِيُّ2 أَبُو الضَّحَّاكِ الْمِصْرِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ"، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "كِتَابِ الْكُنَى" أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ الزَّوْفِيِّ أَبِي الضَّحَّاكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ، فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا سُوَيْد3 بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ4 بْنِ حيوئيل5 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَادَكُمْ صَلَاةً، هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، الْوِتْرُ، وَهِيَ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ6.
__________
1 في "الوتر" ص 208، وكذا الترمذي في "الوتر" ص 60، وابن ماجه في "الوتر" ص 83، والطحاوي: ص 250، والحاكم في "المستدرك" ص 306، والدارقطني: ص 274، وفيه: أمركم، بدل: أمدكم، وكذا في أبي داود نسختان، وهؤلاء كلهم رووا من حديث الليث، ولم أر في حديث ابن إسحاق عند أحد منهم، ولم أجد في "مسند أحمد" هذا الحديث، والله أعلم، والبيهقي: ص 469 ج 2، من طريق الليث. وابن إسحاق.
2 الزوفي، الزوف: بطن من مرداس حضرموت، كذا في "جامع الأصول".
3 لين الحديث، والله أعلم، وفي "الزوائد" متروك.
4 هكذا قال قرة بن عبد الرحمن عن يزيد، وخالفه الليث. وابن إسحاق، فقال: عن يزيد عن عبد الله بن راشد عن عبد الله بن أبي مرة عن خارجة بن حذافة، وهو المحفوظ "دراية" وقرة: صدوق، له مناكير.
5 حيوئيل على وزن جبرئيل، ويقال: ابن حيويل.
6 قال الهيثمي في "الزوائد" ص 340 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير الأوسط" وفيه سويد بن عبد العزيز متروك، اهـ".(2/109)
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَبْشِرًا، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالنَّضْرُ أَبُو عُمَرَ الْخَزَّازُ1 ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَلَّهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" بِابْنِ لَهِيعَةَ3، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ4". وَأَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ5" عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ بِهِ، وَطَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ6" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعْنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً"، فَأَمَرَنَا بِالْوِتْرِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ النَّسَائِيّ. وَأَحْمَدَ. وَالْفَلَّاسِ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالْحَجَّاجُ غَيْرُ ثِقَةٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ الإسكندراني ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ، وَهِيَ الْوِتْرُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحُمَيْدَ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ ضَعِيفٌ7.
__________
1 في نسخة "الخراز".
2 ص 593 ج 3 تعليقاً، وأحمد في "مسنده" ص 397 ج 6 من طريق ابن لهيعة، وكذا الطحاوي: ص 250.
3 وقال الحافظ في "التلخيص" ص 117: ابن لهيعة ضعيف، ولكنه توبع، اهـ.
4 من وجهين: عن ابن هبيرة "دراية".
5 ص 7 ج 6 عن علي بن إسحاق عن ابن المبارك به، قال الهيثمي في "الزوائد" ص 239 ج 2: رواه أحمد. والطبراني في "الكبير" وله إسنادان عند أحمد: أحدهما: رجاله رجال الصحيح، خلا علي بن إسحاق شيخ أحمد وهو ثقة.
6 ص 174، وأحمد: ص 208 ج 2، وص 180 ج 2 عن الحجاج، وص 206 عن المثنى بن الصباح، وهو ضعيف.
7 قال ابن يونس في "تاريخ مصر" روى عن ابن وهب حديثاً منكراً لا يتابعه عليه إنسان.(2/110)
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "كِتَابِهِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ1" حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا العباس بن الوليد الحلال الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ": وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ، كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَالنَّضْرُ لَيِّنٌ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِأَحَادِيثَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَاحْتَمَلُوهُ فِي غَيْرِهَا، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ2 الزَّوْفِيُّ، لَا يُعْلَمُ حَدَّثَ بِغَيْرِ هَذَا، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ يَزِيدَ، وَالْمَجْهُولُ لَا يقوم بِهِ حُجَّةٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا صَحِيفَةٌ3 كَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ حَدِيثَهُ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ إنَّمَا هُوَ ابْنُ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: حَدِيثُهُ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ يُقْبَلُ، وَعَنْ أَبِيهِ صَحِيفَةٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي حُكْمٍ لَا يَثْبُتُ الْعِلْمُ بِهِ حَتَّى يُتَّفَقَ عَلَى صِحَّةِ إسْنَادِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ" فِي أَحَادِيثَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً4" لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَادُ مِنْ جِنْسِ الْمُزَادِ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ ما رواه
__________
1 باسناد حسن "دراية" ص 112.
2 عبد الله بن مرة، أو ابن أبي مرة الزوفي "بفتح الزاي، بعدها واو، ثم فاء" صدوق من الثالثة، أشار البخاري إلى أن روايته عن خارجة منقطعة.
3 مر تحقيقه في "الطهارة في أحاديث مس الفرج" ص 58 من المخرج، وزدت عليه ما وقع لي، والله أعلم.
4 قد استدل بحديث الزيادة معاذ بن جبل على وجوب الوتر، كما سيأتي قريباً بإسناد رواته ثقات، وهو أعلم أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحلال والحرام، وليس في حديث أبي سعيد دلالة على عدم وجوب الوتر بوجه من الوجوه، والذي يستمد منه هو أن المستدل بحديث الزيادة على وجوب الوتر يلزمه أن يقول: بوجوب الركعتين قبل الفجر، وهذا متجه على القائلين بوجوب الوتر، لو علم أن الحديث بلغهم، كيف! وقد قال ابن معين: هذا حديث غريب من حديث معاوية بن سلام، اهـ. قلت: ولم يشتهر اشتهار أحاديث الوتر، وجميع السنن. والمسانيد خالية عنه، إلا ما روى البيهقي، وقد قال النووي في "شرح مسلم" ص 251: وحكى القاضي عياض عن الحسن البصري وجوبهما، وهي رواية عن أبي حنيفة في بعض مسائل الحنفية، كمنع أدائهما قاعداً، وقضائهما بعد الطلوع مع الفرض، وبدونه، وهو الصواب، قاله شيخ الاسلام، مولانا السيد محمد أنور، نوّر الله مرقده، وفيه دلالة على ذلك، وليس معنى وجوب الوتر، كوجوب المكتوبات عند غيرهم، بل هو واسطة بينها، وبين السنن أضعف من هذه ثبوتاً، وأقوى وأشد من تلك توكيداً، هذا، والله أعلم، قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" ص 111 ج 4، في الرجل يترك الوتر متعمداً: هذا رجل سوء، يترك سنة سنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا ساقط العدالة، إذا ترك الوتر متعمداً، اهـ. ثم ذكر مسألة القضاء، وقال: لأن ما بعد طلوع الفجر لا يجوز فيه إلا ركعتا الفجر، وإنما أجزأنا الوتر لتأكده، اهـ. وفي "طبقات الحنابلة" ص 25 سئل أحمد، الوتر إذا فات، قال: يعيد قبل أن يصلي الغداة، قلت: هذا المنقول(2/111)
الْبَيْهَقِيُّ1 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ، هِيَ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، أَلَا، وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. رَوَاهُ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ، قَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ2 قَالَ: لَوْ أَمْكَنَنِي أَنْ أَرْحَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَرَحَلْت، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ4 عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ، فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ، فَلْيُوتِرْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا6"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: أَبُو الْمُنِيبِ ثِقَةٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: هُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ إدْخَالَهُ فِي الضُّعَفَاءِ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ النَّسَائِيّ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْعُقَيْلِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ.
__________
عن أحمد، وإن لم يصرح به بالوجوب، لأن الوجوب عنده الفرض، إلا أنه أفصح بما يريد به الأحناف من الوجوب، ومن هذا ما روى أحمد من حديث أبي سعيد ص 31 ج 3. من نام عن الوتر، أو نسيه، فليوتر إذا ذكره، اهـ. في "الهداية" لهذا وجب القضاء بالاجماع، اهـ. قال العيني: أي لكون الوتر واجب القضاء، اهـ.
1 البيهقي في "سننه" ص 465 ج 2.
2 قلت: تمام العبارة هكذا: "لو أمكنني أن أرحل إلى ابن يجير لرحلت إليه في هذا الحديث" اهـ. ابن يجير، هو: عمر بن محمد بن يجير، أحمد رواة الحديث.
3 في "باب كم الوتر" ص 208، والنسائي في "الوتر في باب كيف الوتر بواحدة" ص 249، وابن ماجه في "باب ما جاء في الوتر، بثلاث. وخمس. وسبع" ص 84، والطحاوي: ص 172، والدارقطني: ص 171، واللفظ له، والحاكم: ص 303، والطيالسي: ص 81، وأحمد: ص 418 ج 5، والدارمي: ص 196، والبيهقي: ص 24 ج 3، وص 27 ج 3، وأخرج الطبراني في "الأوسط والكبير" بلفظ: الوتر واجب على كل مسلم، وفي إسناده أشعث بن سوار، ضعفه أحمد. وجماعة، ووثقه ابن معين، قاله في "الزوائد" ص 240 ج 2، وقال في "التلخيص" ص 116: وصحح أبو حاتم. والذهلي. والدارقطني في "العلل" والبيهقي: وقفه، وهو الصواب، اهـ. وقال في "بلوغ المرام": رجح النسائي وقفه، اهـ
4 قال الدارقطني: واجب ليس بمحفوظ، لا أعلم تابع ابن حسان عليه أحد، اهـ. قلت: تابعه يونس عند الطحاوي، ولكنه ذكر بكلمة: أو، وروى الطيالسي من طريق بديل الخزاعي عن الزهري، به قال: الوتر حق، أو واجب، وقال الحافظ في "التلخيص" ص116 أعله ابن الجوزي بمحمد بن حسان، فضعفه، وأخطأ، فإنه ثقة، اهـ
5 ص 208، والحاكم في "المستدرك" ص 306 ج 1، والبيهقي: ص 470 ج 2.
6 قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" ص 3 ج 4: ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب من ذم من خالفه، ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالايجاب، ولفظة: علي، وحق على العباد، وعلى المؤمنين. وترتيب الذم.(2/112)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ1 عَنْ خَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا"، انْتَهَى. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَسْمَعْ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا، وَلَا لَقِيَهُ، وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ"، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: "إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِ أَبِيهِ3" حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ الْقَاضِي أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَدِمَ الشَّامَ فَوَجَدَ أَهْلَ الشَّامِ لَا يُوتِرُونَ، فَقَالَ لمعاوية: ما لي أَرَى أَهْلَ الشَّامِ لَا يُوتِرُونَ؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَوَاجِبٌ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "زَادَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ التَّنُوخِيَّ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ4" عَنْ حَكَّامِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْوِتْرُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
__________
1 ص 443 ج 3
2 في "باب صلاة الليل" ص 257، والترمذي في "باب مبادرة الصبح بالوتر" ص 60.
3 في "المسند" ص 242 ج 5 رواته ثقات، إلا عبيد الله بن زحر، قال الحافظ: هو واه، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ، وإلا عبد الرحمن بن رافع، سكت عنه في "الدراية"، وضعفه في "التقريب" وذكره ابن حبان في الثقات. وابن وهبب هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي ثقة، ويحيى بن أيوب النافقي ثقة، وقال في "الدراية": مات معاذ قبل أن يلي معاوية دمشق، وعبد الرحمن المذكور لم يدرك القصة، اهـ.
4 قال ابن حجر في "الدراية" ص 113: أخرجه البزار، وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وقد ذكر البزار أنه تفرد به، اهـ.(2/113)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: أنه عليه السلام قَالَ لَهُ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَيْك، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْحَجُّ، فَدَلَّ عَلَى أَثَرٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ، وَلَفْظَةُ: "زَادَكُمْ صَلَاةً" مُشْعِرَةٌ بِتَأَخُّرِ وُجُوبِ الْوِتْرِ، وَلَكِنَّ الْحَجَّ مَذْكُورٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ2 فِي حَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، أَخْرَجَهُ فِي "أَوَّلِ الْإِيمَانِ" عَنْ أَنَسٍ، وَلَمْ يُسَمِّ مُسْلِمٌ ضِمَامًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْعِلْمِ"، وَسَمَّى ضِمَامًا، وَلَيْسَ فِيهِ الْحَجُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى الْبَعِيرِ، وَفِي لَفْظٍ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهِ، ثُمَّ عَارَضَهُ بِرِوَايَةِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَيُوتِرُ بِالْأَرْضِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَذَلِكَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ عليه السلام بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ، فِيمَا قَالَ: "فَإِنْ أَطَاعُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ بَعْثُ مُعَاذٍ إلَى الْيَمَنِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، انْتَهَى. وَيُقَوِّي هَذَا مَا فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ" أَنَّهُ عليه السلام تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَسَيَأْتِي فِي "الزَّكَاةِ" فِي حَدِيثِ الْأَوْقَاصِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ4 عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام قَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى
__________
1 في "أوائل الصيام" ص 254، ومسلم في "الإيمان في باب الصلوات الخمس" ص 30 ج 1.
2 ص 31، والبخاري في "العلم في باب القراءة والعرض على المحدث" ص 15.
3 البخاري في "باب الوتر في السفر" ص 136، ومسلم في "صلاة السفر في باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر" ص 244، والطحاوي: ص 249، قال النووي في "شرح المهذب" ص 20 ج 4: لا دلالة فيه، لأن مذهبكم أن الوتر واجب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان سنة في حق الأمة، اهـ.
4وابن نصر في "قيام الليل" ص 114، وص 90، والطبراني في "الصغير" ص 108، وفيه: يعقوب الفمي، قال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال النسائي. وغيره: لا بأس به، وقال الحافظ في "التقريب" صدوق، وعيسى بن جارية، قال ابن معين: عنده مناكير، وقال النسائي: منكر الحديث، وجاء عنه: متروك، اهـ. وسيأتي في "فصل قيام شهر رمضان" أيضاً.(2/114)
ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنْ الْقَابِلَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ، انْتَهَى. رَوَاهُ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، يُدْعَى "الْمُخْدَجِيَّ" سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ، يُدْعَى "أَبَا مُحَمَّدٍ" سَأَلَهُ رَجُلٌ2 عَنْ الْوِتْرِ، أَوَاجِبٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَأَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَالَ: كَذَبَ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، لَمْ يَسْتَخِفَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لَهُ عَهْدًا أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَجِئْ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَذَكَرَ الْمُخْدَجِيَّ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: هُوَ أَبُو رُفَيْعٍ، وَقِيلَ: رُفَيْعٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3 ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي حبة عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ. وَالنَّحْرُ. وَصَلَاةُ الضُّحَى"، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ، وَأَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. والدارقطني، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَالْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَالْجُعْفِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وله طريق آخر عن ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" فِيهَا وَضَّاحُ بْنُ يَحْيَى. وَمِنْدَلٌ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ4، وهو ساقط، وقال ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَكْذِبُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُوتِرُوا
__________
1 في "باب المحافظة على الصلوات" ص 67، وفي "باب من لم يوتر" ص 208، والنسائي في "باب المحافظة على الصلوات الخمس" ص 80، وأحمد: ص 319 ج 5، وابن ماجه في "باب فرض الصلوات الخمس، والمحافظة عليها" ص 102.
2 قلت: أصل عبارة أبي داود هكذا: "إن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلاً بالشام، يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب، فقال المخدجي: فرُحت إلى عبادة بن الصامت، فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث، قوله: كذب، أي أخطأ، كذا في "التلخيص" قلت: أبو محمد هذا أنصاري، اسمه مسعود، وله صحبة، وقيل: اسمه سعد بن أوس من الأنصار من بني النجار، وكان بدرياً "عون المعبود" ص 534 ج 1، "وكتاب العلم لابن عبد البر" ص 155 ج 2، وراجع "التلخيص" ص 172.
3 ص 231 ج 1، والحاكم في "المستدرك" ص 300 ج 1، والدارقطني: ص 171.
4 في "النسخة الخطية" محيريز، وظني أنه محرر "بالمهملتين" فليراجع.
5 ص 172، والطحاوي: ص 172، والحاكم في "المستدرك" ص 304 ج 1، قال: صحيح على شرط الشيخين، وابن نصر في "قيام الليل" ص 125، ولفظه: لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، والطحاوي أيضاً، والحاكم بهذا اللفظ، والبيهقي: ص 31 ج 3.(2/115)
بِثَلَاثٍ1، وَأَوْتِرُوا بِخَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ، وَلَا تُشَبِّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ ثقات، انتهى.
__________
1 قوله: لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس، أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب، اهـ.
هذا الحديث قد اكتفى بظاهر لفظه ابن نصر المروزي في "قيام الليل" ص 127، حيث رد به على بعض أصحاب أبي حنيفة في قوله: إن العلماء قد أجمعوا على أن الوتر بثلاث جائز حسن، اهـ. وقال: قوله هذا، من قلة معرفته بالأخبار، واختلاف العلماء، وقد روى في "كراهية الوتر بثلاث" أخبار: بعضها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعضها عن أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والتابعين، ثم روى هذا الخبر عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس. أو سبع. أو تسع. أو باحدى عشرة. أو أكثر من ذلك"، اهـ. وفي معناه ما أخرج أحمد في "مسنده" ص 335 ج 5 عن ميمونة. وعائشة مرفوعاً، قالتا: لا يصح "أي الوتر" إلا بخمس. أو سبع، اهـ. لكن أشكل على أهل العلم تأويله، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تواتر عنه إيتاره بالثلاث، وعن الصحابة. والتابعين، وقد روى هو جملة صالحة منها في "كتابه في الوتر" فما معنى النهي بعد ذلك؟
ولقد تصدى الحافظ في "الفتح" ص 400 ج 2 لرفع هذا الإشكال، وقال: الجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة ثلاث بتشهدين، اهـ. وظن أن النهي في الحديث هو النهي عن التشبيه، وقد سبقه سليمان بن يسار إلى هذا، روى عنه ابن النصر أنه كره الثلاث، وقال: لا يشبه التطوع بالفريضة، اهـ، وهذا الحمل مردود بالعيان، وبمعنى الحديث، أما الأول: فانا لا نرى الفرق بين الفريضة والتطوع إلا بإيجاب الله تعالى وعدمه، ولا نرى الفرق بين صوم التطوع وصوم رمضان إلا بذلك، وكذا فريضة الحج، وتطوعه سيان في الأعمال كلها، ولا فرق في الانفاق بين الزكاة وسائر الصدقات، بل لا فرق بين صلاة الفجر والركعتين قبلها، وبين صلاة الظهر، وأربع قبلها، في شيء من الأركان، ولو حلف رجل أن التطوع كالفريضة في الأمور كلها، إلا فيما يرخص في التطوع لكان باراً، وعد الطحاوي في: 173 من "شرح الآثار" من ذلك أشياء: فقال: إنا لم نجد سنة إلا ولها مثل في الفرض، اهـ. فما بال الوتر نهى عنه لأجل الاشتباه بالفريضة؟ وأما المعنى. فلأن لهذا الحديث لفظان: الأول: لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس، الحديث، وكلمة تشبهوا في هذا، ليست بصفة، بل هي جواب النهي، ولا يصح معناه، على مراد ابن نصر على مذهب جمهور النحاة، لأن التقدير عندهم أن لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب، إلا على مذهب الكسائي، فإن المعنى عنده أن توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب فمحط النهي، ليس التشبيه فقط، بل هذا العدد، والتشبيه لازم له، فمتى حصل الايتار، بالثلاث، بأي صورة كانت، حصلت المشابهة، وعين الشرع لرفع المشابهة طريقاً بقوله: ولكن أوتروا بخمس. أو سبع، الحديث، فكأن المؤول لهذا الحديث بالتأويل المذكور لم يرتض به. واللفظ الآخر لهذا الحديث: لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب، ففي هذا الحديث نهى عن الايتار بثلاث، وعن التشبيه بصلاة المغرب كليهما، فإن كان التشبيه هو الايتار بثلاث، عاد الإشكال بأسره، وإن أريد الصفة والهيئة، فبعد التفريق بين هيئة وهيئة. بقي النهي عن الايتار بثلاث بحاله. ففيما أوله الحافظ إعمال كلمة، وإهمال الأخرى. ثم هذا التأويل، وإن لم يضر الحنفية، لأن حاصله: أن المشابهة بين الصلاتين تنتفي بزيادة بعض الأعمال في إحداهما، والنقص في الأخرى، فكما أن أمراً هو سنة في الفريضة عنده يرتفع بتركه في الوتر المشابهة بين المغرب، والوتر كذلك يرتفع المشابهة بزيادة القنوت، وهو واجب عندهم في الوتر. دون صلاة المغرب، فلا خير فيه عندهم، بل يوافقهم في إبطال سعي ابن نصر فيما أراد منه، لكن يخالف به هذا الحديث، الحديث الصحيح الذي أخرجه النسائي: ص 248. وغيره عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يسلم في ركعتي الوتر، وبوّب عليه النسائي بقوله: "كيف الوتر بثلاث" وقد عد ابن حزم في "المحلى" جميع أنواع الوتر التي ثبتت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال في: ص 47 ج 3: والثاني عشر: أن يصلي ثلاث ركعات يجلس في الثانية، ثم يقوم دون التسليم، ويأتي بالثالثة، ثم يجلس، ويتشهد كصلاة المغرب، وهو اختيار أبي حنيفة، لما حدثنا عبد الله(2/116)
الْحَدِيثُ الْحَادِي بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بثلاث
__________
ابن ربيع حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام أن عائشة أم المؤمنين حدثته أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يسلم في ركعتي الفجر، اهـ. وقال: صحيح.
فإن قيل: إن الحديث، وإن كان ظاهراً في أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتشهد في ركعتي الوتر، ولا يسلم، وإلا فلا معنى لنفي التسليم فقط، لكن ليس بنص فيه، فلقائل أن يقول: كما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يسلم في ركعتي الوتر، كان لا يتشهد أيضاً، فما الجواب؟ قلنا: هذا السؤال ناشيء من قلة معرفة السائل عن اصطلاح أهل الحديث فيما يريدون من الوتر، وسأبينه إن شاء الله تعالى، وعن قلة معرفته بتصرف الرواة، وإلا فالجلوس في الثانية صرح به أيضاً، روى مسلم في "صحيحه" ص 656 هذا الحديث عن سعيد بن أبي عروبة، بهذا الاسناد الذي روى به النسائي، وفيه، في حديث طويل قوله: ولا يجلس فيها، إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض، ولا يسلم، ثم يقوم، فيصلي التاسعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً، اهـ. وهذه الركعة الثامنة من صلاة الليل في هذا الحديث، عند مسلم، هي الركعة الثانية من الوتر، عند النسائي، ذكرهما بعض أصحاب سعيد، مع ست من صلاة الليل، كما عند مسلم، وميزه الآخرون، وهو عند النسائي. وغيره، والحديث واحد، فإذا تحقق أن حديث أبي هريرة: لا توتروا بثلاث صحيح، وأن تأويل الحافظ لم يصنع شيئاً في جمعه مع الأحاديث الأخر الصحيحة الصريحة في خلاف، فالتأويل الصحيح هو الذي أشار إليه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 172، بقوله: كره إفراد الوتر حتى يكون معه شفع، اهـ. وقال بعد ما روى حديث عائشة: قالت: كان الوتر سبعاً أو خمساً، والثلاث بتيراء، اهـ. فكرهت أن يجعل الوتر ثلاثاً، لم يتقدمهن شيء، حتى يكون قبلهن غيرهن، انتهى قول الطحاوي. أي ندب إلى الصلاة قبل الوتر، وأقلها شفع واحد، فتكون خمسة، أو أربع، فتكون سبعاً، أو ست، فتكون تسعاً، هكذا، كما ندب إلى الصلاة قبل الفرائض بعمله إلا المغرب، فإنه لم يندب إلى الصلاة قبله، فالمراد من الوتر ههنا الأعم من الوتر المصطلح، ومن صلاة الليل، وأدنى صلاة الليل الوتر المصطلح.
بقي ههنا أمران: الأول: أن المراد بالوتر في هذا الحديث صلاة الليل كله، مع الوتر المصطلح، فهو بما قال الترمذي في "باب الوتر بسبع" ص 60: قال إسحاق بن إبراهيم: معنى ما روى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوتر بثلاث عشرة. وإحدى عشرة، قال: إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر، وروى في ذلك حديثاً عن عائشة، واحتج بما روى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "أوتروا يا أهل القرآن"، قال: إنما عني به قيام الليل، اهـ. والثاني: أن المراد بالسبع. والتسع. وإحدى عشرة ركعة، ثلاث ركعات: الوتر مع أربع: أو ست. أو ثمان قبله، فهو بما أخرج أبو داود في "باب صلاة الليل" ص 200 عن عبد الله بن قيس، قال: قلت لعائشة: بكم كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر؟ قالت: بأربع. وثلاث. وست. وثلاث. وثمان. وثلاث. وعشر. وثلاث، ولم يكن بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة، اهـ وهذا الحديث أخرجه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 168 ج 1، وأحمد في "مسنده" ص ... ، قال الحافظ في "الفتح ص 17 ج 3: هذا أصح ما وقفت عليه من ذلك، وبه يجمع بين ما اختلف عن عائشة من ذلك، والله أعلم، ولقد روى ابن نصر بعد حديث عائشة آثاراً قضى بها على نفسه، لكنه ظن أن بها يحكم رده على بعض أصحاب النعمان، وأمرها أمر حديث عائشة، كما ذكرنا، وفيها تأييد لكون الوتر ثلاثاً، وندب إلى الصلاة قبله، كما في الفرائض كذلك، سوى المغرب، قال: وعن ابن عباس: الوتر سبع، أو خمس، ولا نحب ثلاثاً بتيراء، وفي رواية: إني لأكره أن يكون ثلاثاً بتيراء، ولكن سبع. أو خمس، وعن عائشة: الوتر سبع. أو خمس، وإني لأكره أن يكون ثلاثاً بتيراء، وفي لفظ: أدنى الوتر خمس، اهـ. هذه الروايات كلها تدل على أن الوتر ثلاث، وأنه كان من التأكيد بمكان ما يظن به أن يترك، ولكن كرهوا الاكتفاء به، كمن يقول: إني أكره صلاة الفجر ركعتين، أي بدون سنتي الفجر، والعجب أن ابن نصر بصدد إثبات الوتر، بأقل من ثلاث، وهذه الآثار كلها في(2/117)
"يَعْنِي لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ2 انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ أَفْقَهَ مِنْهُ، فَكَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّانِيَةِ بِالتَّكْبِيرِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ3، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْوِتْرِ "بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وسبح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى"، وَفِي الثانية "بقل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ"، وَفِي الثالثة
__________
كراهية الاكتفاء بالثلاث، فما ظنك بالاكتفاء بركعة؟!، وقد قال ابن الصلاح، فيما نقل عنه الحافظ في "تلخيص الحبير" ص 116: لا نعلم في روايات الوتر مع كثرتها أنه عليه السلام أوتر بركعة، فحسب، والله أعلم، وعلمه أحكم.
1 في "باب كيف الوتر بثلاث" ص 248 من طريق بشير بن المفضل عن سعيد بن عروبة، وتابع بشيراً عيسى بن يونس، عند الحاكم في "المستدرك" ص 304، ويزيد بن زريع. وأبو بدر، شجاع بن الوليد، عند الدارقطني: ص 175، وكلهم رووا عنه، قبل الاختلاط، كما في "فتح المغيث"، وأبو بدر فقط، عند الطحاوي: ص 165 ج 1، وعبد الوهاب بن عطاء، عند البيهقي: ص 31 ج 3، وقال النووي في "شرح المهذب" ص 7 ج 4: رواه النسائي باسناد حسن، والبيهقي في "السنن الكبير" باسناد صحيح، اهـ.
2 قوله: لا يسلم إلا في آخرهن، أقول لحديث عائشة طريقان: طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، روى عنه يزيد بن زريع، وهو من أثبت الناس في سعيد، قاله النسائي في "كتاب الضعفاء" ص 31، وبشير بن المفضل يروى عنه عن سعيد، البخاري في "صحيحه"، وعيسى بن يونس يروى عنه عن سعيد، مسلم في "صحيحه"، فهؤلاء قدماء أصحاب سعيد، وسعيد وإن كان مدلساً، ولكن صرح بالتحديث، عند الدارقطني في رواية يزيد، عنه، ولفظه: كان لا يسلم في ركعتي الفجر، اهـ. والطريق الثاني: طريق أبان، عند البيهقي: ص 38 ج 3، ولفظه: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بثلاث، لا يقعد إلا في آخرهن، وهذه الرواية في "المستدرك" أيضاً، واختلفت كلمة ناظري "المستدرك" في لفظها، نقل عنه الحافظ في "الفتح" ص 400 ج 2، و"التلخيص" ص 116 بلفظ البيهقي، وأما الشيخ المخرج. والعيني في "البناية" ص 823 ج 1. وابن الهمام في "الفتح" ص 303، ومرتضى الزبيدي في "عقود الجواهر المنيفة" ص 61، فذكروا بلفظ: لا يسلم إلا في آخرهن، وهذا اللفظ هو المذكور في "المستدرك المطبوع"، وبهذا اللفظ ذكر الحافظ في "الدراية ص 114، فكأن نسخ "المستدرك" فيه مختلفة، وأياً ما كان طريق سعيد، هو المحفوظ، لأنه ثقة حافظ" أثبت الناس في قتادة، وأما رواية أبان على لفظ الشيخ، فهو موافق له، وأما بلفظ البيهقي في "سننه" فقد قال في "سننه" ص 31 ج 3، ورواية أبان خطأ، والله أعلم، اهـ.
3 وحديث أبي بن كعب، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في "الوتر سبح اسم ربك الأعلى" وفي الركعة الثانية "بقل يا أيها الكافرون" وفي الثالثة "بقل هو الله أحد" ولا يسلم إلا في آخرهن، رواه النسائي: ص 249، وفي رواية: "فإذا فرغ قال عند فراغه: سبحان الملك" الحديث، وقيل: فيه دلالة أيضاً على عدم فراغه من الركعتين.(2/118)
"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ"، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ. مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"، وَقَالَ: إنَّهُ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّالِثَةَ مُتَّصِلَةٌ غَيْرُ مُنْفَصِلَةٍ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَفِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ، أَوْ الرَّكْعَةِ الْمُفْرَدَةِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ2 عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُوتِرُ بَعْدَهُمَا ب {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} , وَيَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} , وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ3: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا لُوَيْنُ ثَنَا شَرِيكُ بْنُ مُخَوَّلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى "بِسَبِّحْ" إلَى آخِرِهِ، بِنَحْوِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرَ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى "بِسَبِّحْ"، إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ4. وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ ب {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} , وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ، انْتَهَى. وَسَكَتَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أَبَنَا الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وِتْرُ اللَّيْلِ ثَلَاثٌ، كَوِتْرِ النَّهَارِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ مَرْفُوعًا غَيْرُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَفَعَهُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي الْحَوَاجِبِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ6. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. وَغَيْرُهُمَا
__________
1 أبو داود فيما يقرأ في "الوتر" ص 208، وكذا في "الترمذي" ص 61، وابن ماجه: ص 83، والحاكم في "المستدرك" ص 305، والطحاوي: ص 168، والدارقطني ص 176، ولم أجد في "النسائي" وعزاه المنذري إلى الثلاثة، فقط، والله أعلم.
2 ص 172، والطحاوي: ص 168، قلت: وقوله: أوتر بعدهما، يدل على أنه يوتر بعد التسليمة، ولا شك أن الثالثة وتر، اهـ. "الغاية" ص 123.
3 ص 170، والنسائي في "باب كيف الوتر بثلاث" ص 249، والترمذي: ص 61، وابن ماجه: ص 83.
4 حديث علي في: ص 171، أخرج عنه من طريق الحارث الأعور، وحديث عمران: ص 171 من طريق الحجاج.
5 ص 173، وروى الطبراني في "الكبير" موقوفاً، ورجاله رجال الصحيح "زوائد" ص 242 ج 2.
6 الثوري، ومن طريقه الطحاوي في "شرح الآثار" ص 173، وابن نمير، ومن طريقه البيهقي: ص 31 ج 3.(2/119)
عَنْ الْأَعْمَشِ، فَوَقَفُوهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، إسْمَاعِيلُ الْمَكِّيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَزَادَ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "كِتَابِ التَّمْهِيدِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْبُتَيْراءِ، أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَاحِدَةً يُوتِرُ بِهَا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، وَقَالَ: الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ هَذَا الْوَهْمُ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي "بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ"، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ شَاذٌّ، لا يعرج على رواية، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَسَّرَ الْبُتَيْرَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ بِرُكُوعٍ نَاقِصٍ وَسُجُودٍ نَاقِصٍ، انْتَهَى. وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَرُدُّهُ، وَتَفْسِيرُ رَاوِي الْحَدِيثِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ، بَلْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ، فَأَمَرَهُ بِثَلَاثٍ يَفْصِلُ بَيْنَ شَفْعِهِ وَوِتْرِهِ بِتَسْلِيمَةٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي أَخَاف أَنْ يَقُولَ الناس: هي البتراء، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، انْتَهَى. فَقَدْ سَمِعَ2 ابْنُ عُمَرَ هَذَا مِنْ الرَّجُلِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَهُمْ مُعَارِضُونَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سلمة، وَالْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ. أَوْ بِسَبْعٍ، وَلَا تُشَبِّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ4 عن يعقوب عن إبْرَاهِيمَ ثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ
__________
1 في نسخة "عن أبيه محمد".
2 نسب هذا القول الحافظ في "الدراية" ص 114، إلى الطحاوي، ثم تعجب من الاستدلال، قلت: العجب من الحافظ لم لم يفرق بين قول الزيلعي، والطحاوي، والله أعلم.
3 ص 172، والحاكم: ص 304 ج 1، والطحاوي: ص 172، وتقدم تخريجه قبل الحديث الرابع والتسعين: ص 276 ج 1.
4 ص 146، وفيه حصين بن إبراهيم، وهو غلط، بل هو حصين بن عبد الرحمن يروى عن إبراهيم.(2/120)
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ ثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ سَعْدًا يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، فَقَالَ: مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ1": مَوْقُوفٌ ضَعِيفٌ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ2 حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ وِتْرَ النَّهَارِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، قَالَ: صَدَقْت وَأَحْسَنْت، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ، فَصَلِّ رَكْعَةً، تُوتِرُ لَك مَا صَلَّيْت"، قال: معناه، صلي رَكْعَةً، مَعَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَهَا، وَتَتَّفِقُ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: عَلَّمَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوِتْرَ مِثْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، هَذَا وِتْرُ اللَّيْلِ، وَهَذَا وِتْرُ النَّهَارِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ3 أَيْضًا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا هُشَيْمِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ4 ثَنَا عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ: صَلَّى بِي أَنَسٌ الْوِتْرَ، أَنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَأُمُّ وَلَدِهِ خَلْفَنَا، ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ ابْنِ هِلَالٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْمِسْوَرِ5 بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: دَفَنَّا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي لَمْ أُوتِرْ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى بِنَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، قَالَ: وَمَذْهَبُنَا أَيْضًا قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، لِأَنَّ الْوِتْرَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ
يَكُونَ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً، فَإِنْ كَانَ فَرْضًا، فَالْفَرْضُ لَيْسَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، وَكُلُّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَكُونُ اثْنَيْنِ، وَلَا أَرْبَعًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ سُنَّةً، إلَّا وَلَهَا مِثْلٌ فِي الْفَرْضِ مِنْهُ أُخِذَتْ، وَالْفَرْضُ لَمْ نَجِدْ مِنْهُ وِتْرًا إلَّا الْمَغْرِبَ، وَهُوَ ثَلَاثٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
__________
1 وقال الهيثمي في "الزوائد" ص 242 ج 2: إسناده حسن، أخرج ابن عدي في "الكامل" عن يحيى ابن معين، قال: مراسيل إبراهيم النخعي صحيحة، إلا حديث: تاجر البحرين، راجع له "الطحاوي" ص 133.
2 ص 164، قلت: أخرج احمد في "مسنده" ص 41 ج 2، حدثنا يزيد أنا هشام عن محمد بن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: صلاة المغرب وتر النهار، فأوتروا صلاة الليل، اهـ. وفي "الطحاوي" ص 243، وصلى "أي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المغرب ثلاثاً" وقال "أي ابن عمر": هي وتر النهار، اهـ.
3 ص 173، وقال في "الدراية": إسناده صحيح.
4 ص 173، وقال في "الدراية": إسناده صحيح.
5 في "الطحاوي" عن المسور بدون الواو، وفي ابن أبي شيبة: ص 141 ج 4، بدون المسور، فيراجع، اهـ.(2/121)
حَسَنٌ جِدًّا، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": مِنْ جُمْلَةِ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ، وَهَذَا لَفْظُهُ، قَالَ: الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ1 مِنْ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ دُونَ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْعُدُولُ عَنْ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ مُتَعَيِّنًا، قَالَ: وَلِهَذَا قَدَّمَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ، لِأَنَّ مَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ذُكُورِهِ لَا تَجِبُ فِي إنَاثِهِ، قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَحَكَى الْحَسَنُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ "يَعْنِي لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ ثَنَا عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، لَا يُسَلِّمُ إلا في أخراهن، انْتَهَى. وَعَمْرٌو هَذَا، الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، فَإِنِّي وَجَدْته مُصَرَّحًا بِهِ فِي إسْنَادٍ آخَرَ، نَظِيرَ هَذَا، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ": حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ الْأَيْلِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فِي مَشْيَخَةٍ سِوَاهُمْ أَهْلِ فِقْهٍ وَصَلَاحٍ. فَكَانَ مِمَّا وَعَيْت عَنْهُمْ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر ثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ سَلَّامٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيًّا، يَقُولُونَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ2" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وِتْرِي إذَا رَفَعْت رَأْسِي، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودُ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت"، إلَى آخِرِ الْقُنُوتِ، وَسَيَأْتِي، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي إسْنَادِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عن بريد بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ
__________
1 ذكر الحازمي في "الاعتبار" ص 13 الوجه التاسع والعشرين أن يكون أحد الحديثين موافقاً للقياس، دون الآخر، اهـ.
2 ص 172 ج 3.(2/122)
أَبِي الْحَوْرَاءِ1 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت"، إلَى آخِرِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي "الْقُنُوتِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَدْ يُسْتَأْنَسُ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرِو الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
فَحَدِيثُ أُبَيٍّ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ3. وَابْنُ مَاجَهْ، فَقَالَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ، فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. لِابْنِ مَاجَهْ، وَلَفْظُ النَّسَائِيّ: كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَزَادَ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى"، فَإِذَا فَرَغَ، قَالَ: "سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" بِإِسْنَادٍ آخَرَ غَيْرِ مَوْصُولٍ، فَقَالَ: وَرَوَى حَفْصُ4 بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَرَوَاهُ عِيسَى5 بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيٍّ مَرْفُوعًا، بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَحَدِيثُ زُبَيْدٍ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ. وَشُعْبَةُ. وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ زُبَيْدٍ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْقُنُوتَ، وَحَدِيثُ سَعِيدٍ،
__________
1 أبي الحوراء "بالمهملة" ربيعة بن شيبان البصري.
2 أبو داود في "باب القنوت في الوتر" ص 209، وكذا الترمذي: ص 61، والنسائي في "باب الدعاء في الوتر" ص 252، وابن ماجه "فيما جاء في القنوت" ص 84، والبيهقي ص 42.
3 في "باب كيف الوتر بثلاث" ص 248، وفيه الزيادة التي عزاها الشيخ إلى "السنن الكبرى للنسائي" أيضاً، لعل نسخة الشيخ خال عنها، وابن ماجه في "باب القنوت قبل الركوع" ص 84، و"قيام الليل" ص 131.
4 طريق حفص أسنده البيهقي: ص 40 ج 3.
2 أسنده الدارقطني في "سننه" ص 174، ومن طريقه البيهقي: ص 39 ج 3، وأسند عن عيسى بن يونس عن فطر بن زبيد عن سعيد باسناده، ومن طريقه البيهقي: ص 40 ج 3، ولفظه لفظ النسائي.(2/123)
رَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ. وَشُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أُبَيًّا، وَلَا ذَكَرَ الْقُنُوتَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى. وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، وَسَمَاعُهُ بِالْكُوفَةِ مَعَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ، انْتَهَى كَلَامُهُ1.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ، قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ3 فِي "كِتَابِ الْقُنُوتِ" لَهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَهْوَازِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي نُوَيْرَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" مِنْ جِهَةِ الْخَطِيبِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُنَا مُقَدَّمَةٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ "الْحِلْيَةِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوْتَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، فَقَنَتَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ. وَالْعَلَاءِ تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ4: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا سُهَيْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيُّ ثَنَا سَعْدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَرَّاحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَيَجْعَلُ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَلْطِيُّ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَإِذَا قَنَتَ فِي الْوِتْرِ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ، قَبْلَ الرَّكْعَةِ، انْتَهَى.
__________
1 لكن غير الشيخ سياق كلام أبي داود.
2 ص 175، والبيهقي ص 41 ج 3.
3 قال الحافظ في "الدراية" ص 115: ضعيف.
4 قال الحافظ: في "الدراية" ص 115: إسناده ضعيف.(2/124)
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ1" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ عَلَّمَهُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ:
"اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ، وَفِي لَفْظٍ: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ، "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت، إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، وَاسْمُهُ: رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانُ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القنوت شيئاً أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، بَعْدَ "وَالَيْت" "وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت" وَزَادَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَةٍ: تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ، أَوْ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالدَّارِمِيُّ. وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ3"، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وِتْرِي إذَا رَفَعْت رَأْسِي، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودُ "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت"،
__________
1 قال الحافظ في "الدراية" ص 115: إسناده حسن، وقال في "الزوائد" ص 137 ج 2: عن ابن مسعود أنه كان لا يقنت في صلاة الغداة، وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركعة، وفي رواية عنه أيضاً، قال كان عبد الله لا يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر، قبل الركعة، ورواهما الطبراني في "الكبير" وإسنادهما حسن، اهـ.
2 أبو داود في "باب القنوت في الوتر" ص 208، وكذا الترمذي: ص 61، وابن ماجه: ص 84، والنسائي في "باب الدعاء في الوتر" ص 252، وأحمد في "مسنده" ص 200، وفي بعض رواياته: وعلمه أن يقول في الوتر، والحاكم في "المستدرك" ص 172 ج 3، ولفظه. ولفظ النسائي: علمني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هؤلاء الكلمات في الوتر، فذكره، وابن جارود: ص 143، ولفظه: علمه هذه الكلمات، ليقول في قنوت الوتر، والدارمي: ص 197، والبيهقي: ص 39 ج 3.
3 ص 172 ج 3، ومن طريقه البيهقي في "سننه" ص 39 ج 3.(2/125)
إلَى آخِرِهِ، سَوَاءً، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عُقْبَةَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي إسْنَادِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِهِ، بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ1، وَسَكَتَ عَنْهُ، انْتَهَى. وَصَاحِبُ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى وُجُوبِ الْقُنُوتِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: "اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك"، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ كَانَ تَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَخْصِيصِهِمْ الْقُنُوتَ بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَدِيثَانِ: الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ، عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ الشَّهْرِ "يَعْنِي رَمَضَانَ"، وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ، إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ، فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، ثُمَّ هُوَ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، أَمَّهُمْ "يَعْنِي فِي رَمَضَانَ"، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَجْهُولٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الطَّرِيقَانِ ضَعِيفَانِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُنَازَعٌ فِي ذَلِكَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ أَبِي عَاتِكَةَ طَرِيفِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ، إلَى آخِرِهِ، انْتَهَى. وَأَبُو عَاتِكَةَ ضَعِيفٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَدِيثُ: "لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْقُنُوتَ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ3، وَلَيْسَ فِيهِ الْقُنُوتُ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ
__________
1 قال الحافظ في "الدراية": هو الصواب، اهـ.
2 في "القنوت في الوتر ص 209 ج 1.
3 تقدم تخريجه في "صفة الصلاة". في الحديث الثامن والثلاثين: ص 390(2/126)
شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ، قُلْت: اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِلشَّافِعِيِّ عَلَيْنَا فِي وُجُوبِ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَجْرِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه السلام قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِمَذْهَبِنَا أَيْضًا، لِأَنَّ تَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ، نَعَمْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَنَا فِي دَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِهِمْ، وَلَا يَبْعُدُ1 أَنْ يَكُونَ سَقَطَ مِنْ النُّسْخَةِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْنُت فِي الْفَجْرِ، وَلَنَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه السلام قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا. ثُمَّ تَرَكَهُ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّحَاوِيُّ فِي "الْآثَارِ" كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَيْمُونٍ الْقَصَّابِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ إلَّا شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلطَّحَاوِيِّ2" قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا، يَدْعُو عَلَى عُصَيَّةَ. وَذَكْوَانَ، فَلَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ تَرَكَ الْقُنُوتَ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ فَاحِشَ الْخَطَأِ، كَثِيرَ الْوَهْمِ، يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ مَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ": وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ. وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ4، لَمَّا نَزَلَتْ {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ}
__________
1 قلت: ما ظنه الشيخ هو الموجود في نفس الأمر، فإن النسخ المطبوعة من "الهداية" في الهند. ومصر فيها هكذا: ولا يقنت في صلاة غيرها، خلافاً للشافعي رحمه الله تعالى في "الفجر"، كما روى ابن مسعود.
2 ص 144، والبيهقي في "السنن" ص 213 ج 2.
3 حديث أبي هريرة في "البخاري" في عشرة مواضع، ولم أجد هذا السياق بذكر الصبح فقط، إلا ما في "تفسير آل عمران" ص 655، ولفظه: وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، وأخرجه مسلم في "باب استحباب القنوت في جميع الصلوات، إذا نزلت نازلة" ص 237.
4 قوله: بلغنا أنه ترك ذلك، لما أنزل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، هذا الحديث ذكره مسلم في أول "باب القنوت في جميع الصلوات" ص 237، ولفظه: كان يقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد. وسلمة بن هشام. وعياش بن أبي ربيعة. والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم العن لحيان. ورعلاً. وذاكوان. وعصية عصت الله ورسوله، ثم بلغنا أنه ترك ذلك، لما أنزل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} ، اهـ. ورواه البخاري في "تفسير آل عمران" ص 655، ولفظه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد ان يدعو على أحد، أو لأحد قنت بعد الركوع، فربما، قال، إذا قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد: اللهم أنج الوليد بن الوليد، بمثل حديث مسلم إلى قوله: كسني(2/127)
الْآيَةَ، قَالَ: وَلَعَلَّ آخِرَ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ
__________
يوسف، ثم قال: يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ، قلت: هذه الآية نزلت لما لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا سفيان. وصفوان، وغيرهما. أو في أصحاب بئر معونة، بعد أحد بأربعة أشهر، فأيّاً ما كان، نزلت قبل إسلام أبي هريرة، بثلاث سنين، فيكون الحديث من مراسيل أبي هريرة، ونص هو عليه في رواية مسلم، بقوله: ثم بلغنا أنه ترك ذلك، وهو الصحيح:
1 لأن أبا هريرة أسلم بعد الهدنة، ولم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليدعو على قوم صالحهم على أمر ما خانوا في شيء منه بعد.
2 وفي الحديث أنه عليه السلام ترك القنوت لمجيئهم، وقد صالحهم على أنه لا يأتيه منهم رجل وإن كان على دينه إلا ردّه عليهم، وما كان ليدعو بشيء لو استجيب له، لسعى هو في خلافه.
3 ودعا لوليد. وهشام، وترك أبا جندل. وأبا بصير، وكان أحق به، وقد رأى من ابتلاء أبي جندل ما رأى.
4 وروى ابن سعد في "طبقاته" ص 98 ج 4 عن الواقدي أن وليد بن الوليد انفلت منهم، فأرسله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة ليأتي بسلمة. وعياش، وهذا بعد بدر بثلاث سنين.
5 ومن لفظ الدعاء: اجعل عليهم سنين كسني يوسف، وهذا لم يكن بعد الهدنة قط.
6 وفي قنوته عند مسلم. والطحاوي: اللهم العن رعلاً. وذكوان. وعصية عصت الله ورسوله، وهذا الدعاء كان على قاتلي القراء ببئر معونة في "صفر" على رأس أربعة أشهر من أحد، قاله ابن إسحاق.
7 وأكثر من روى حديث القنوت: كابن عباس. وابن عمر. وابن مسعود. وعبد الرحمن بن أبي بكر. وأنس: وأبي هريرة، قالوا: قنت بعد الركعة في صلاة شهراً، قال أنس: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رعل. وذكوان، ثم تركه، وقال خفاف بن أيماء: لعن رعلاً. وذكوان. وعصية، ولم يذكر أحد فيما عندنا من الروايات سوى هذا القنوت الذي قنت به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً، فما قال ابن تيمية في "فتاويه" ص 187 ج 1، بعد ذكر قنوته عليه السلام: على رعل. وذكوان لما قتلوا القراء من الصحابة، قال: ثبت عنه أنه قنت بعد ذلك بمدة بعد صلح الحديبية. وفتح خيبر، يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد، الخ. قال به، ولم يعط النظر حقه الذي دعا فيه على رعل. وذكوان، كما في حديث أبي هريرة، عند مسلم. والطحاوي، وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر، عند الطحاوي. والحازمي، وكذا ما قال الحازمي: ص 72، والطحاوي: ص 146، إن قوله: بلغنا، الخ من كلام الزهري لا دليل عليه، والظاهر من رواية البخاري أنه من كلام أبي هريرة، نعم في بعض روايات الحديث، عند مسلم، ص 237 عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير من قوله: ثم رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الدعاء الحديث. دلالة على حضور أبي هريرة تلك الصلاة، ولعل على هذا اعتمد من قال: بعد صلح الحديبية، وبعد فتح خيبر، لأن أبا هريرة حضر تلك الصلاة، وقد أسلم بعدهما، فلابد، أما القول بخطأ هذه الرواية، ولعل أبا هريرة قال: ثم رأينا، وهذا سائغ، فغيره بعض من روى الحديث، بقوله: ثم رأيت، وهذا أهون، وقد تقدم مثله في قصة ذي اليدين، أو القول: بأن زيادة: العن على لحيان. ورعلاً الحديث، بهذا اللفظ، عند مسلم، وعنه التعبير بما عند البخاري: اللهم العن فلانا. وفلانا لأحياء من العرب كلاهما خطأ، فإذا ترددت الصحة بين خطأ وخطأ، فحديث الوليد أولى بالخطأ، لأنه مدلس، مسوى، وشيخه الأوزاعي روى عن يحيى بن أبي كثير، وقد قال ابن معين: ليس بثبت، في الزهري، وفي يحيى بن أبي كثير، وروى الحازمي في "الاعتبار" ص 72 حديث أبي هريرة هذا من طريق حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير، وفيه بعد قوله: كسني يوسف، فلم يزل يدعو لهم حتى نجاهم الله تعالى، حتى كان صبيحة الفطر، ثم ترك الدعاء لهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، مالك لم تدع للنفر؟ قال: "أو علمت أنهم قدموا"؟ ويمكن أن يكون قوله في الحديث: قال أبو هريرة، الخ، منقطعاً، وإن كان الظاهر خلافه، والله أعلم.(2/128)
فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: لَأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصبح، بعد ما يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَهُوَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ بِكَثِيرٍ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُحُدٍ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي حَيَاتِهِ عليه السلام، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ أُحُدٍ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ2 عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ. وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ. وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ3" عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ بِهِ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ4" عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمُ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَةَ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ "يَعْنِي الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ" فقد دعى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى مَنْ قَتَلَ مَنْ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَهِيَ بَعْدَ أُحُدٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُحْمَلْ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ جُمْلَةً، انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْلَى ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى. وأخرج الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى: وَعَنْبَسَةُ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ كلهم ضعفاء، ولايصح لِنَافِعٍ سَمَاعٌ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِعَنْبَسَةَ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: تَرَكُوهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ6" عَنْ هَيَّاجٍ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
__________
1قلت: هذا الحديث أخرجه البخاري في "الصلاة في باب بعد باب فضل: اللهم ربنا لك الحمد" ص 110، ومسلم في: ص 237، ولفظهما: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء، وصلاة الصبح، بعد ما يقول، الحديث.
2 وأخرج الترمذي في "سننه في تفسير آل عمران" ص 125 من هذا الطريق أيضاً مع زيادة، وقال: حسن غريب، اهـ.
3 في "المغازي في غزوة أحد" ص 582 ج 2، وفي "التفسير وغيره" ولم يذكر أحداً، وكذا لم يسم أبا سفيان، بل قال: فلاناً. وفلاناً، وعزاه الحافظ في "الدراية" إلى البيهقي أيضاً، ولم أر فيه أيضاً، والله أعلم.
4 في "الجهاد في غزوة أحد" ص 108 ج 2، والبخاري تعليقاً في "غزوة أحد" ص 582 ج 2، والطحاوي: ص 289، والترمذي في "آل عمران" ص 125 ج 2.
5 في "باب القنوت في صلاة الفجر" ص 89، والدارقطني: ص 177، والبيهقي: ص 214، والحازمي في "الاعتبار" ص 68) (9) في "باب القنوت في صلاة الفجر" ص 89، والدارقطني: ص 177، والبيهقي: ص 214، والحازمي في "الاعتبار" ص 68
6 ص 177، ومن طريقه البيهقي في "سننه" ص 214 ج 2.(2/129)
بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَصَفِيَّةُ هَذِهِ لَمْ تُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ1 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمٍ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي "كِتَابِهِ فِي الْقُنُوتِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْنُتُ، إلَّا إذَا دَعَى لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَى عَلَى قَوْمٍ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَسَنَدُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، وَهُمَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّازِلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمة الوسط2" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ السُّحَيْمِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ قَانِتًا فِي صَلَاةٍ إلَّا فِي الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِمُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَضَعَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ3" عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَبِدْعَةٌ4، مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ شَهْرٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِبِشْرِ بْنِ حَرْبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ. وَابْنِ مَعِينٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ5. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ،
__________
1 حديث ابن حبان هذا، قال الحافظ في "الدراية" ص 117، بعد ما ذكر الحديث: وعند ابن خزيمة عن أنس مثله، وإسناد كل منها صحيح، اهـ.
2 ذكره الهيثمي في "الزوائد" ص 136 ج 2 بطوله، وفيه: ولا قنت عليّ حتى حارب أهل الشام، وكان معاوية يدعو عليه أيضاً، قال الهيثمي: فيه شيء مدرج من غير ابن مسعود بيقين، وهو قنوت علي. ومعاوية حال حربهما، فإن ابن مسعود مات في زمن عثمان، وفيه محمد بن جابر اليمامي، وهو صدوق، ولكنه كان أعمى، واختلط عليه حديثه، وكان يلقن، اهـ.
3 قال في "الزوائد" ص 137 ج 2: رواه الطبراني في "الكبير" وقال فيه: بشر بن حرب، وذكر من وثقه أو ضعفه، وقال الحافظ في "التقريب:" بشر بن حرب الأزدي صدوق، فيه لين، اهـ. وأخرجه البيهقي في "سننه" ص 213 ج 2، والحازمي في "الاعتبار" ص 67.
4 وفي الدارقطني: ص 179، والبيهقي ص 214 ج 2، نحوه عن ابن عباس، بسند فيه ضعف.
5 في "باب ترك القنوت" ص 53، والنسائي ص 164، وابن ماجه في "باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر" ص 89، والطحاوي: ص 146.(2/130)
فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ عَلِيٍّ، فَلَمْ يَقْنُتْ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّهَا بِدْعَةٌ، انْتَهَى. وَاسْمُ أَبِي مَالِكٍ، سَعْدُ بن طارق بن الشيم، قَالَ الْبُخَارِيُّ: طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ، لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ1: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُهُ. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي: يَا أَبَتِ، إنَّك قَدْ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ، نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ، انْتَهَى. وَقَدْ وَثَّقَ أَبَا مَالِكٍ، الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالْعِجْلِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ". وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثَيْنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: لَمْ يَحْفَظْ طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ الْقُنُوتَ عَمَّنْ صَلَّى خَلْفَهُ، فَرَآهُ مُحْدَثًا، وَقَدْ حَفِظَهُ غَيْرُهُ، فَالْحُكْمُ لِمَنْ حَفِظَ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مَا قَنَتُوا قَطُّ، بَلْ اتَّفَقَ أَنَّ طَارِقًا صَلَّى خَلْفَ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَأَخَذَ بِمَا رَأَى، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي النَّوَازِلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُحَافِظُونَ عَلَى قُنُوتٍ رَاتِبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا قَنَتَ فِي الصُّبْحِ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّمَا اسْتَنْصَرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي "قُنُوتِ الْفَجْرِ": مَا شَهِدْت، وَلَا عَلِمْت، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ محمد بن الْحَسَنِ فِي "الْآثَارِ3" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ صَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سِنِينَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَلَمْ يَرَهُ قَانِتًا فِي الْفَجْرِ، حَتَّى فَارَقَهُ، قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إنَّمَا أَخَذُوا عَنْ عَلِيٍّ، قَنَتَ يَدْعُو عَلَى مُعَاوِيَةَ حِينَ حَارَبَهُ، وَأَهْلُ الشَّامِ أَخَذُوا الْقُنُوتَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَنَتَ يَدْعُو عَلَى عَلِيٍّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ4" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بِدْعَةٌ، وَضَعَّفَهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْخُصُومِ: مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ5 أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ
__________
1 قال الحافظ في "التلخيص" ص 93: إسناده حسن.
2 البيهقي في "سننه" ص 213 ج 2.
3 "كتاب الآثار" ص 37.
4ص 214 ج 2، والدارقطني: ص 179، وضعفه البيهقي لأجل أبي ليلى عبد الله بن ميسرة الكوفي، وقال: متروك.
5 ومن طريق عبد الرزاق من طريق أبي نعيم أحمد في "مسنده" ص 162 ج 3، والدارقطني: ص 178، والطحاوي: ص 143.(2/131)
الدُّنْيَا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَلَفْظُهُ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَقَنَتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً يدعو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَزَجَرَهُ أَنَسٌ، وَقَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، قَالَ إسْحَاقُ: وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَرَكَهُ1 "يَعْنِي تَرَكَ تَسْمِيَةَ الْقَوْمِ فِي الدُّعَاءِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي "كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ" لَهُ. وَفِي "الْخُلَاصَةِ" لِلنَّوَوِيِّ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ"، فَلْيُرَاجَعْ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ2" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وسكت عنه، قال: وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ أَنَسٍ ذَكَرْنَاهَا فِي "السُّنَنِ"، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ عَلَى التَّحْقِيقِ": هَذَا الْحَدِيثُ أَجْوَدُ أَحَادِيثِهِمْ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَثَّقُوا أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي "كِتَابِ الْقُنُوتِ" لِأَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ، قَالَ: وَإِنْ صَحَّ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يَقْنُتُ فِي النَّوَازِلِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يُطَوِّلُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْقُنُوتَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّاعَةِ، وَالْقِيَامِ، وَالْخُشُوعِ، وَالسُّكُوتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} وَقَالَ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} وَقَالَ: {وَمَنْ يَقْنُتُ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} ،وَقَالَ: {يَا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّك} ،وَقَالَ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ، وَقَالَ: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} ، وَفِي الْحَدِيثِ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ3"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "كِتَابِ التَّحْقِيقِ"، وَفِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَاسْمُهُ "عِيسَى بْنُ مَاهَانَ"، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ يَخْلِطُ، وَقَالَ يَحْيَى: كَانَ يُخْطِئُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَهِمُ كَثِيرًا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ4، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ، انْتَهَى.
قُلْت: وَيُعَارَضُ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ5" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا غَالِبُ بْنُ فَرْقَدٍ الطَّحَّانِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مالك شهري، فَلَمْ يَقْنُتْ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: لَمْ يُرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 قوله: ثم تركه، هذا اللفظ في حديث أنس، عند مسلم: ص 237، وأحمد: ص 249 ج 2، والطحاوي: ص 144، وغيرها.
2 قلت: وفي "السنن" ص 201 ج 2.
3 أخرجه مسلم في "باب صلاة الليل" ص 258 من حديث جابر، والطحاوي: ص 176.
4 ص 143.
5 وقال النيموي: إسناده حسن.(2/132)
قَانِتًا فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ. وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، إلَى يَوْمِنَا، فَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِثْلِ: عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَسُهَيْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ. وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَعَائِشَةَ، وَمِنْ الْمُخَضْرَمِينَ: أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ. وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ. وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ. وَأَبُو رافع الصانع، وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَالْحَسَنُ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ. وَقَتَادَةُ. وَطَاوُسٌ. وَعُبَيْدُ بْنُ عمير. والربيع بن خيثم. وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ. وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ. وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَزِيَادُ بْنُ عُثْمَانَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى. وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَحُمَيْدَ الطَّوِيلُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَخَالَفَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ، فَمَنَعُوهُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، مُحْتَجِّينَ بِأَحَادِيثَ:
مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ
__________
(26) ص 67، قلت: لقد نبهناك فيما تقدم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقنت للنازلة إلا مرة، حين قتل أصحابه ببئر معونة، قنت على من قتلهم شهراً، أو دونه، أو أكثر منه، وفي ذلك القنوت دعى لوليد بن الوليد. وعياش بن أبي ربيعة. وسلمة بن هشام، وقد أنزل الله فيه {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ} الآية، كما في مسلم: ص 237، والطحاوي: ص 142، ثم لم يقنت، فتطرق الاجتهاد، بأن تركه عليه السلام كان نسخاً، لمنع الله تعالى بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} أو لم يقنت لعدم وقوع نازلة تستدعي القنوت بعدها، فتكون شرعيته مستمرة، والظاهر من كلام الطحاوي الأول، حيث قال في "شرح الآثار" ص 149: فثبت بما ذكرنا أنه لا ينبغي القنوت في الفجر، في حال الحرب ولا غيره قياساً، ونظراً على ما ذكرنا من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة. وأبي يوسف. ومحمد رحمهم الله تعالى، اهـ. وقال الحلبي في "شرحه الكبير للمنية" ص 420: فتكون شرعيته مستمرة، وهو محل قنوت من قنت من الصحابة بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مذهبنا، وعليه الجمهور، وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإذا وقعت فتنة أو بلية، فلا بأس به، فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ. وقال ابن قيم في "الهدى" ص 69: ولم يكن من هديه القنوت فيها دائماً، ومن المحال أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع، يقول: "اللهم اهدني فيمن هديت" يرفع بذلك صوته، ويؤمِّن عليه أصحابه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة، بل يضيعه أكثر أمته. وجمهور أصحابه، بل كلهم، حتى يقول من يقول منهم: إنه محدَث، إلى أن قال: ومن المعلوم بالضرورة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان يقنت كل غداة يدعو بهذا الدعاء، ويؤمِّن الصحابة، كان نقل الأمة لذلك كلهم، كنقلهم لجهره بالقراءة. وعددها. ووقتها، وإن جاز عليهم تضييع أمر القنوت منها، جاز عليهم تضييع ذلك، ولا فرق، اهـ. وقال الحافظ في "الدراية" ص 117: ويؤخذ من الأخبار أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحاً، فعند ابن حبان عن أبي هريرة كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحاً، فعند ابن حبان عن أبي هريرة كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقنت في صلاة الصبح، إلا أن يدعو لقوم أو على قوم، وعند ابن خزيمة عن أنس مثله، وإسناد كل منهما صحيح، وحديث أبي هريرة في "الصحيحن" بلفظ: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يدعو على أحد، أو لأحد قنت بعد الركوع، حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] ، وأخرج ابن أبي شيبة حديث عليّ، أنه لما قنت في الصبح، أنكر الناس عليه ذلك، فقال: إنما استنصرنا على عدونا، اهـ.(2/133)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا شَهْرًا، لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَقَالَ: تَابَعَهُ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: لَمْ يَقْنُتْ فِي الْفَجْرِ قَطُّ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الْيَمَامِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ، كَانَ إذَا حَارَبَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى زُنْبُورٌ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، فَقَالَ: إنَّهُ لَبِدْعَةٌ، مَا قَنَتَ غَيْرَ شَهْرٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ تَرَكَهُ، رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنْهُ، قَالَ: وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِأَنَّهُ مَعْلُولٌ بِأَبِي حَمْزَةَ، كَانَ يَحْيَى بن سعيد القطان لايحدث عَنْهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَدْ قِيلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا قِيلَ فِي أَبِي حَمْزَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، كُلُّهَا وَاهِيَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِطُرُقٍ صِحَاحٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: فَمَعْلُولٌ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبِي. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: كَانَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ. وَيَحْيَى. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَالسَّاجِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ، مُرْسَلٌ، لِأَنَّ نَافِعًا لَمْ يَلْقَ أُمَّ سَلَمَةَ، وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْهَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى زُنْبُورٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ. وَعَنْبَسَةُ، كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَمَعْلُولٌ أَيْضًا، لِأَنَّ بِشْرَ بْنَ حَرْبٍ، وَيُقَالُ له: أبو عمرو الندلي مَطْعُونٌ فِيهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْت ابْنَ الْمَدِينِيِّ يُضَعِّفُهُ. وَكَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يَرْوِي عَنْهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ إسْحَاقُ: مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: لَا يُحْمَلُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ضَعِيفٌ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، فيكون المراد بالبدعة ههنا، الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي "الصَّحِيحِ" مِنْ طُرُقٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ يَكُونُ ابْنُ عُمَرَ نَسِيَ، بِدَلِيلِ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي "الْقُنُوتِ"، فَقَالَ: أَمَا إنَّهُ قَدْ قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَبَرْنَا وَنَسِينَا، ائْتُوا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَاسْأَلُوهُ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى دُعَائِهِ عليه السلام عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ مِنْ الثَّنَاءِ.(2/134)
وَالدُّعَاءِ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْقُنُوتِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لَا الَّذِي بَعْدَ الرُّكُوعِ، مَا أَخْبَرَنَا وَأَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ ثَنَا إسْحَاقُ الدِّيرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، وَكَانَ قُنُوتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَبَعْدَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: ثِقَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ فِي "مُسْنَدِهِ"، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَأَلْته عَنْ الْقُنُوتِ، أَقَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، قَالَ: قُلْت: فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كَذَبُوا، إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ، قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ، انْتَهَى. هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1، وَمُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِهِمْ: إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أَلَا تَرَاهُ فَصَلَ بَيْنَ الْقُنُوتِ الْمَنْزُولِ. وَالْقُنُوتِ الْمَلْزُومِ، ثُمَّ لَمْ يُطْلِقْ اللَّفْظَ حَتَّى أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَدَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ عَنْ الدُّعَاءِ عَلَى الْأَعْدَاءِ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ تَرَكَهُ، لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَهُ، وَعَادَ إلَيْهِ قُلْنَا: هَذَا مَدْفُوعٌ بِمَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ من صلاة الصبح بعد ما يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ، فَمَا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى أَحَدٍ بَعْدُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُؤَكِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدٍ. وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَرُبَّمَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ. وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ. وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ المؤمنين. الله اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، يَجْهَرُ بِذَلِكَ، حَتَّى كَانَ يَقُولُ3 فِي بَعْضِ صَلَاةِ الْفَجْرِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا، وَفُلَانًا، لِأَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ، قَالَ: وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ مُعَاوِيَةَ
__________
1 في "الوتر" ص 136، ومسلم في: ص 237.
2 في "تفسير آل عمران" ص 655، واللفظ له، ولم أر هذا السياق لمسلم، والله أعلم.
3 في "الصحيح" وكان يقول، بدل: حتى يقول.(2/135)
بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى مُضَرَ، إذْ جاءه جبرئيل عليه السلام، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُنْ، فَسَكَتَ، فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْك سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَك رَحْمَةً" {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَةَ، ثُمَّ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُؤْمِنُ بِك، وَنَخْضَعُ لَك، وَنَخْلَعُ، وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي، وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نسعى، ونحفِد، ونرجوا رَحْمَتَك، وَنَخَافُ عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ، بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ، انْتَهَى. ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ1: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ، ثُمَّ تَرَكَ، وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى.
قَالَ: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الدُّعَاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": أَحَادِيثُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا هُوَ مُطْلَقٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ قَنَتَ. وَالثَّانِي: مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فيحمله عَلَى فِعْلِهِ شَهْرًا بِأَدِلَّتِنَا. الثَّالِثُ: مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَالْمَغْرِبِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2. وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ، إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ3. وَالرَّابِعُ: مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي حُجَّتِهِمْ، نَحْوَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ4"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ: وَقَدْ أَوْرَدَ الْخَطِيبُ فِي "كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْقُنُوتِ أَحَادِيثَ، أَظْهَرَ فِيهَا تَعَصُّبَهُ: فَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ عَنْ دِينَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، خَادِمِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى مَاتَ، انْتَهَى. قَالَ: وَسُكُوتُهُ عَنْ الْقَدْحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَاحْتِجَاجُهُ بِهِ، وَقَاحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَعَصَبِيَّةٌ بَارِدَةٌ، وَقِلَّةُ دِينٍ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: دِينَارٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ آثَارًا مَوْضُوعَةً، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ، فَوَاعَجَبَا لِلْخَطِيبِ، أَمَا سَمِعَ فِي الصَّحِيحِ: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ"؟، وَهَلْ مِثْلُهُ إلَّا
__________
1 هو في "الدارقطني" ص 178.
2 في "باب استحباب القنوت في جميع الصلوات" ص 237، وأبو داود في "باب القنوت في الصلوات" ص 211، والنسائي في "باب القنوت في صلاة المغرب" ص 194 ج 1، والترمذي في "باب ما جاء في القنوت في الفجر" ص 53، "ومسند أحمد" ص 285 ج 4، وص 280 ج 4، والطحاوي: ص 142.
3قلت: في "البخاري في الوتر" ص 136 من حديث أنس، قال: كان القنوت في المغرب والفجر، اهـ.
4 ص 162 ج 3(2/136)
كَمَثَلِ مَنْ أَنْفَقَ نَبَهْرَجًا وَدَلَّسَهُ؟، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ مِنْ السَّقِيمِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِلنُّقَّادِ، فَإِذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مُحْدِثٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ حَافِظٌ لَمْ يَقَعْ فِي النُّفُوسِ إلَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ، ولكن عَصَبِيَّةٌ، وَمَنْ نَظَرَ فِي "كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْقُنُوتِ، وَ"كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْجَهْرِ، وَمَسْأَلَةِ الْغَيْمِ، وَاحْتِجَاجِهِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي يَعْلَمُ بُطْلَانَهَا، اطَّلَعَ عَلَى فَرْطِ عَصَبِيَّتِهِ، وَقِلَّةِ دِينِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ أَحَادِيثَ أُخْرَى، كُلَّهَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ حَتَّى مَاتَ، وَطَعَنَ فِي أَسَانِيدِهَا.
حَدِيثٌ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَتْ كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ. وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد ما يُسَلِّمُ، وَهُوَ قَاعِدٌ، وَفِي لَفْظٍ: كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَرَكَعَ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرُوِيَتْ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ2. وَأَنَسٍ. وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَثَوْبَانَ، وَمُعْظَمُهَا ضَعِيفٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام فَعَلَهُ مَرَّةً، أَوْ مَرَّاتٍ، لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَخَلَائِقَ مِنْ الصَّحَابَةِ، أَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ فِي اللَّيْلِ، كَانَ وِتْرًا، مَعَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ اللَّيْلَ وِتْرًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 في "صلاة الليل" ص 256، واللفظ الآخر في: ص 254، وأبو داود: ص 196.
2 أخرج الطحاوي: ص 202 من حديث عائشة. وأنس. وثوبان. وأبي أمامة، والدارقطني: ص 179 من حديث أنس، وأحمد: ص 260 من حديث أبي أمامة، والدارمي: ص 198، والدارقطني: ص 177 من حديث ثوبان، ومن حديث أم سلمة.
3 أخرجه البخاري في "الوتر" في: ص 136، ومسلم في "باب صلاة الليل" ص 257.(2/137)
بَابُ النَّوَافِلِ
الْحَدِيثُ السَّابِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ" وَفَسَّرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: إنَّهَا مُفَسَّرَةٌ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَ، وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا. وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ فِي الْحَدِيثِ، فَلِهَذَا سَمَّاهُ فِي الْأَصْلِ حَسَنًا، وَخُيِّرَ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَرْبَعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا،(2/137)
لِعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ ذَكَرَ الْأَرْبَعَ، فَلِهَذَا خُيِّرَ، إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ، خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. قُلْت: رَوَى الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، إلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"، انْتَهَى. لِمُسْلِمٍ. وَأَبِي دَاوُد. وَابْنِ مَاجَهْ. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ. وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، انْتَهَى. وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ: وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، بَدَلَ: وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، رَوَاهُ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ". وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ، انْتَهَى. وَجَمَعَ الْحَاكِمُ فِي لَفْظٍ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَقَالَ فِيهِ: وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْ السُّنَّةِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ. وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ،" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ3 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَلَّى فِي يوم اثنتي عَشْرَةَ رَكْعَةً، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ. وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. فَصَحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَقَوْلُهُ: وَخُيِّرَ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ "يَعْنِي خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، أَوْ رَكْعَتَيْنِ"، لِأَنَّ الْآثَارَ
__________
1 أخرجه مسلم في "باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض" ص 251، وأبو داود في "باب تفريع أبواب التطوع، وركعات السنة" ص 185، وابن ماجه في "باب ما جاء في ثنتي عشرة ركعة من السنة" ص 81، والترمذي في "باب من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة" ص 56، وكذا النسائي في "آخر قيام الليل" ص 256، وكذا الحاكم في: ص 311 ج 1.
2 تقدم ذكر المواضع منها في حديث أم حبيبة.
3 وروى النسائي في "أواخر الوتر" ص 257 إلى قوله: بيتاً في الجنة، وضعفه.(2/138)
اخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللَّهُ امرءً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صحيحهما"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَالْمُرَادُ أَنَّهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ، لِمَا جَاءَ فِي خَبَرِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلنَّسَائِيِّ. وَابْنِ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمِ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ: وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2. وَأَحْمَدُ، وَقَالَا: أَرْبَعًا، عِوَضَ: رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَاخْتَارَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنْ لَا يَفْصِلَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ "يَعْنِي قَوْلَهُ: يَفْصِلُ التَّسْلِيمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ": يَعْنِي التَّشَهُّدَ3، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ حِبَّانَ، إنَّهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَأَعَادَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "آخِرِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ تَطَوُّعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ"، وَزَادَ فِيهَا: يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالنَّبِيِّينَ، وَالْمُرْسَلِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ أَجْلِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ ثِقَةٌ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: قَالَ سُفْيَانُ: كُنَّا نَعْرِفُ فَضْلَ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ على حَدِيثِ الْحَارِثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي عَاصِمٍ مَقَالٌ، وَصَحَّ قَوْلُهُ أَيْضًا: وَذَكَرَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِ ذَكَرَ الْأَرْبَعَ، عَزَى إلَى سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، كَانَ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ، كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ, وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ , قَالَتْ: مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ , كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ," وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ4. والدارقطني مِنْ قَوْلِ كَعْبٍ. وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ في "مسنده 5"
__________
1 في "باب الصلاة قبل العصر" ص 187، والترمذي في "باب الأربع قبل العصر" ص 58، وأحمد: ص 117 ج 2، والبيهقي: ص 473 ج 2.
2 في "باب كيف كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتطوع بالنهار" ص 77، وأحمد في "مسنده" ص 85 ج 1، والدارقطني: ص 194، والنسائي قبيل "كتاب الافتتاح" ص 140.
3 أخرج الدارقطني في "السنن" ص 140 حديث أبي سعيد، وفي آخره: وفي كل ركعتين، فسلم، ثم قال: قال: أبو حنيفة "يعني التشهد".
4 أخرجه البيهقي في "السنن" ص 477 ج 2، والنسائي في "باب القدر الذي إذا سرقه السارق قطع يده" ص 259 ج 2، وكذا الدارقطني: ص 365.
5 قلت: وروى أحمد: ص 125، وص 144، عن وكيع عن سفيان، وروى أبو داود في "التطوع في باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة" ص 188 ج 1، والشافعي في "كتاب الأم" ص 154 ج 7، والطحاوي: ص 179، والبيهقي: ص 459 ج 2، كلهم من طريق سفيان هكذا، وروى أحمد من طريق مطرف(2/139)
أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى أَثَرِ كُلِّ صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ، إلَّا الْفَجْرَ. وَالْعَصْرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ.
أَحَادِيثُ النَّافِلَةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ: لِأَصْحَابِنَا فِي تَرْكِهَا أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا، وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، انْتَهَى. سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ، قَالَ: وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ، بِأَنَّهُ نَفْيٌ، فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْمُثْبَتِ، وَلِكَوْنِهَا أَصَحَّ، وَأَكْثَرَ رُوَاةً، وَلِمَا مَعَهُمْ مِنْ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ ابْنُ عُمَرَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، مَا خَلَا الْمَغْرِبَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، إلَّا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهُوَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": أَخْطَأَ فِيهِ حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فِي الْإِسْنَادِ. وَالْمَتْنِ جَمِيعًا، أَمَّا السَّنَدُ: فَأَخْرَجَاهُ3 فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ. وَكَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ "لِمَنْ شَاءَ". وَأَمَّا الْمَتْنُ: فَكَيْفَ يَكُونُ صَحِيحًا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ كَهْمَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ بُرَيْدَةَ يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ"، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ، خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَنَقَلَ عَنْ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ حَيَّانُ هَذَا كَذَّابًا، انْتَهَى.
__________
عن أبي إسحاق في: ص 143، وص 144، ولم يذكر الاستثناء.
قلت: وروى الطحاوي في: ص 179 من حديث عائشة بمعنى حديث علي، وأحمد: ص 51 ج 4 من حديث سلمة ابن الأكوع، قال: كنت أسافر مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما رأيته صلى بعد العصر ولا بعد الصبح قط، اهـ.
1 في "التطوع في باب الصلاة قبل المغرب" ص 189.
2 ص 98.
3 أما البخاري ففي "باب كم بين الأذان والاقامة" ص 87، وأما مسلم ففي "فضائل القرآن في باب استحباب الركعتين قبل صلاة المغرب" ص 278.
4 عند البخاري في "التهجد في باب الصلاة قبل المغرب" ص 157.(2/140)