ـ[نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي]ـ
المؤلف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (المتوفى: 762هـ)
قدم للكتاب: محمد يوسف البَنُوري
صححه ووضع الحاشية: عبد العزيز الديوبندي الفنجاني، إلى كتاب الحج، ثم أكملها محمد يوسف الكاملفوري
المحقق: محمد عوامة
الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر - بيروت -لبنان/ دار القبلة للثقافة الإسلامية- جدة - السعودية
الطبعة: الطبعة الأولى، 1418هـ/1997م
عدد الأجزاء: 4
[الكتاب مشكول ومقابل وترقيمه موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي](/)
المجلد الأول
مقدمة
...
مقدمة "نصب الراية- لأحاديث الهداية"
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحانك اللهم، لك الحمد، كما أنت أهله، وكما يليق بجلال وجهك، وعظيم سلطانك، صل على صفوة خلقك، رسول الرحمة محمد، وآله، أهل بيته وعترته وصحبه، صلاة ترضيك، وترضيه عنا، يا رب العالمين.
وبعد: خطر بالبال أن يكون "نصب الراية - لأحاديث الهداية" مسبوقاً بمقدمة، تحوي أموراً، يجب علمها، وحقائق ثابتة، تجب معرفتها.
ووقعت هذه الخطرة بالبال موقعاً. ولم تلبث حتى أصبحت فكرة، ولم تزل الفكرة، حتى دعت طلوعاً على هذه الصفحات.
فرافقتني الخطرة، وأعجبتني الفكرة، فاحتفلت بها احتفالاً، ورحبت دعوتها ترحاباً. وحاولت أن أصدّرها بكلمة في تعريف "المجلس العلمي" - بالهند، فإنه أضحى سبباً لطبع الكتاب، وعلى إثرها لمعة من ترجمة - المؤلف - ورشحة من ترجمة صاحب "الهداية".
ثم أعقبها بمقالة حافلة في أهم مواضيع الفقه، والحديث، ما يرتاح له قلب العالم، ويبتهج له عقل الفقيه، بقلم نظار محقق، وبحاثة متبحر، وأختمها بكلمة في تصحيح الكتاب، وما لاقينا فيه من كبد وعناء، والله سبحانه خير موفق ومعين.(1/1)
المجلس العلمي
المجلس العلمي - إدارة تأليفية، فعلت في سن طفولتها، ما لو فعلته في عهد شبابها، لكفاها فخراً وشرفاً.
رجل سعيد الحظ، ميمون الطلعة، طيب الأرومة، رحيب الصدر، من أهل سملك في - الكجرات - بالهند، أصبح إفريقياً منذ برهة من الدهر، من مشاهير تجار أفريقيا الجنوبية.
التحق بدار العلوم في ديوبند - مركز الثقافة الدينية، والعلمية بالهند - وتخرج منها بعد سنوات، عالماً فاضلاً.
في عهد تحصيله: ساعد طلبة العلم، أعان دار العلوم - مهد تربيته العلمية - بآلاف جنيه، وخدم أكبر شيوخه، إمام العصر المحدث، الشيخ محمد أنور الكشميري ثم الديوبندي، بما فيه أسوة لمن يأتي بعده.
فارق مهده العلمي! فخلّف صيتاً حسناً، وذكراً جميلاً، على الألسنة، وقدراً في القلوب.
بأعماله الخالدة، أصبحت مدرسة تعليم الدين في - دابهيل - "من الكجرات" - جامعة إسلامية - ينثال إليها طلبة العلم من كل صوب وناحية. يتبرع إليها بعطية، تربو على ألف جنيه كل عام.
ثم فتح إدارة علمية لإحياء المآثر العلمية، غراماً بإبقاء آثار العلم الخالدة، تحت إشراف إمام العصر السالف ذكره، ومحقق العصر الشيخ شبير أحمد العثماني الديوبندي - طال بقاءه - فوفق لأن يقدم لأهل العلم ما يربو على عشرين كتاباً: في علوم الحديث. والقرآن. والحقائق وغيرها، قبل أن يبلغ المجلس إلى ثماني حجج، من عمره الميمون.
وكذا الكريم إذا أقام ببلدة ... سال النضار بها وقام الماء
وإليك ذكر شيء من مآثره:(1/2)
فمن القرآن: -
1 - مشكلات القرآن - لإمام العصر، محمد أنور الكشميري رحمه الله.
2 - تحية الإسلام. في حياة عيسى عليه السلام - أيضاً له.
3 - خاتم النبيين - أيضاً له.
ومن الحديث: -
1 - نصب الراية - لأحاديث الهداية تأليف الإمام الحافظ العلامة. جمال الدين الزيلعي، في - أربعة أجزاء كبيرة -.
2 - نيل الفرقدين، في مسألة رفع اليدين - لإمام العصر.
3 - كشف الستر. في مسألة الوتر - أيضاً له.
ومن الحقائق: -
1 - البدور البازغة - للإمام الشاه، ولي الله الدهلوي، صاحب حجة الله البالغة
2 - الخير الكثير - أيضاً له.
3 - التفهيمات الإلهية في جزءين - أيضاً له.
4 - المعارف اللدنيّة - للإمام الرباني - المجدد للألف الثاني - الشيخ أحمد السرهندي.
5 - مرقاة الطارم - لحدوث العالم - لإمام العصر.
فهذه وأمثالها مآثر ناصعة للمجلس العلمي ألا وإن بانيه المشار إليه، هو الحاج محمد ابن موسى السِّملكي، ثم الإفريقي. أسسه على عماد التقوى والإخلاص! نجاره شرف الخلق، وشعاره سيما العلم، ودثاره رحابة الصدر.
بَيْدَ أني ألاقى منه متضايق الصدر عند التنويه بشأن من شؤونه، غياباً، أو شفاهاً!(1/3)
اكتب هذه السطور، وأنا في القاهرة، وهو في إفريقيا الجنوبية، والقلب يستشعر بخوف الكدر على قلبه مني، مع صفاء. ولولا هذه الخطرة لبثثت طرفاً من مفاخره التي هو يطويها، ومناقبه التي هو يستنكف عن إفشائها، كأنها مثالب نقص، وصمات عار، وحاشاه عن ذلك. وأصدق ما يحكي حاله وحالي، ما قال أبو الطيب: -
أنا بالوشاة إذا ذكرتك أشبه ... تأتي الندى، ويذاع عنك فتكره
لكن أبى المسك إلا أن تتم به نفحاته. وأبت الشمس إلا أن تلمع في الأنحاء سطعاتها المتشعشعة الحمراء.
أرجو عن سماحة شيمته، ورحابة صدره، أن لا يؤاخذني بهذه الكلمات، حيث جذبها القلم من جذر القلب. وحاشاها أن يشوبها نغص من الإطراء، وكدر من الرياء، وكأنها تناثرت من سنىّ القلم، من غير أن يتجشمها إرادة! ومن شيمة الكرماء حسن الظن، وقبول المعاذير.
وقصارى القول: إن المجلس قام في طفولته بأعباء، لو قام بها في فتوّته لكفاه براعة، وصاحب المجلس انتهض لمهمة دينية في ريعان شبيبته، لو انتهض لها في أوان شيبته لكفاه فضلاً ونباهة في الدنيا، وذخراً في الآخرة، ووجاهة عند الله جل ذكره، وعظم برهانه، وأرجو له التوفيق من الله سبحانه بما تقرّ به عينه، وعيون آهل العلم في أنحاء الأرض، إنه سميع مجيب.
ثم أرى لزاماً عليَّ أن أشكر حُسن قيام صديقنا الفاضل الأستاذ السيد أحمد رضا بن السيد شبير علي البجنوري، بأعباء خدمة هذا المجلس العلمي من كل جهة بحنكة، وبصيرة، وصدق وإخلاص، وهو الذي أصبح هذا المجلس بحسن شؤونه الإدارية، ودأب جهده البالغ في تنميته وترشيحه، يرتقي معارج كماله، بما تطمئن به القلوب، وتثلج به الصدور.
أدعو الله سبحانه أن لا يزال موفقاً لما فيه سكينة لقلبه في الدارين، وراحة لقلوب أهل المجلس، وما ذلك على الله بعزيز.(1/4)
[ترجمة الزيلعي]
إلمامة "بترجمة الإمام الحافظ جمال الدين الزيلعي الحنفي" "صاحب نصب الراية - لتخريج أحاديث الهداية"، ولمعة من مزايا كتابه الجليل
هو الإمام - الفاضل البارع، المحدث المفيد، الحافظ المتقن، جمال الدِّين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن أيوب بن موسى الحنفي الزيلعي رحمه الله.
الزيلعي - نسبة إلى - زيلع - بلدة على ساحل الحبشة، قاله السيوطي في اللباب.
وإليها نسبة شيخه فخر الدِّين الزيلعي، الفقيه، صاحب تبيين الحقائق - في شرح كنز الدقائق في ست مجلدات كبيرة، ونسب إليها عدة رجال من علماء زيلع الحنفيين، وترجم لبعضهم في كتاب قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر1 للشيخ أبي محمد محمد الطيب بن عبد الله من علماء القرن العاشر للهجرة.
قال تقي الدين بن فهد الملكي في ذيل تذكرة الحفاظ - للذهبي: تفقه، وبرع، وأدام النظر والاشتغال، وطلب الحديث، واعتنى به، فانتقى، وخرَّج، وألف، وجمع، وسمع على جماعة من أصحاب النجيب الحراني، ومن بعدهم: كالشهاب أحمد بن محمد بن فتوح التجيبي مسند الإسكندرية.
والشهاب أحمد بن محمد بن قيس الأنصاري فقيه القاهرة والإسكندرية. والشمس محمد بن أحمد بن عثمان بن عدلان شيخ الشافعية وجلال الدِّين أبي الفتوح علي بن عبد الوهاب بن حسن بن إسماعيل بن مظفر بن الفرات الجريري - بضم الجيم - وتقي الدين بن عبد الرزاق بن عبد العزيز بن موسى اللخمي الأسكندري، وتاج الدِّين محمد بن عثمان بن عمر بن كامل البلبيسي، الكارمي الأسكندري، وجمال الدِّين عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن البوري، الأسكندري، اهـ.
__________
1 نسخته الفوتوغرافية في- ست مجلدات كبيرة - في دار الكتب المصرية، تحت رقم "167"، من التاريخ.(1/5)
وقال تقي الدين أبو بكر التميمي في الطبقات السنية:1 اشتغل وسمع من أصحاب النجيب، وأخذ عن الفخر الزيلعي - شارح الكنز - وعن القاضي علاء الدين التركماني، وغيرهما، ولازم مطالعة كتب الحديث، إلى أن خرَّج أحاديث الهداية، وأحاديث الكشاف، فاستوعب ذلك استيعاباً بالغاً.
قال في الدرر يعني به الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: ذكر لي - شيخنا العراقي - أنه كان يرافقه في مطالعة الكتب الحديثية، لتخريج الكتب التي كانا قد اعتنيا بتخريجها، فالعراقي لتخريج أحاديث الإحياء، والأحاديث التي يشير إليها الترمذي في الأبواب، والزيلعي لتخريج أحاديث الهداية، والكشاف، فكان كل منهما يعين الآخر، ومن كتاب الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية استمد الزركشي في كثير مما كتبه من تخريج أحاديث الرافعي.
وقال ابن العديم، ومن خطه نقلت: شاهدت بخط شيخ الإسلام حافظ الوقت، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني ما صورته - بعد أن ذكر غالب ما نقلناه هنا من الدرر منه -: جمع تخريج أحاديث الهداية، فاستوعب فيه ما ذكره صاحب الهداية من الأحاديث، والآثار في الأصل، وما أشار إليه إشارة، ثم اعتمد في كل باب أن يذكر أدلة المخالفين، ثم هو في ذلك كثير الإنصاف، يحكي ما وجده من غير اعتراض، ولا تعقب غالباً، فكثر إقبال الطوائف عليه، واستوعب أيضاً في تخريج أحاديث الكشاف2 ما فيه من الأحاديث المرفوعة خاصة، فأكثر من تبين طرقها، وتسمية مخرجيها على نمط ما في أحاديث الهداية، لكنه فاته كثير من الأحاديث المرفوعة التي يذكرها الزمخشري بطريق الإشارة، ولم يتعرض غالباً لشيء من الآثار الموقوفة، ورأيت بخطه كثيراً من الفوائد، مفرقاً رحمه الله، وعفا عنه بمنه وكرمه. اهـ انتهى ما حكاه التميمي في طبقاته.
__________
1 نسخته المحفوظة في التيمورية، من دار الكتب المصرية، تحت رقم "540" من التاريخ، في - أربع مجلدات.
2 وقد أخطأ النواب، صديق حسن خان في كتابه الأكسير- في أصول التفسير وحيث جعل تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر، وتلخيصه للحافظ الزيلعي، وذكر هذه الأوصاف التي ذكرها ابن حجر لتخريج الزيلعي لتخريج ابن حجر فعكس الأمر ونبه عليه الفاضل الشيخ اللكنوي في تعليقان الفوائد البهية والعجب أنه كيف خفى عليه هذا! مع أن ابن حجر ولد بعد وفاة الزيلعي بأحد عشر عاما فكيف يمكن أن يلخص الزيلعي كتاب ابن حجر؟ ولم يكن هو عند ذاك في عالم الوجود، وكثير له في تراجمه أمثال هذه الأوهام(1/6)
وقال الشيخ جلال الدين السيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ - الذهبي سمع من أصحاب النجيب، وأخذ عن الفخر الزيلعي، شارح الكنز، والقاضي علاء الدين بن التركماني، وابن عقيل، وغير واحد، ولازم مطالعة كتب الحديث إلى أن خرَّج أحاديث الهداية، - وأحاديث الكشاف، واستوعب ذلك استيعاباً بالغاً، اهـ، ومثله قال في حسن المحاضرة عند ذكر حفاظ الحديث، ونقاده بمصر ص 151 - ج 1.
قال البحاثة الكبير الأستاذ المحقق الشيخ محمد زاهد الكوثري طال بقاؤه في حواشيه على ذيل ابن فهد: واستمد ابن حجر نفسه في تخاريجه كذلك، وقال الفاضل المحقق الشيخ عبد الحي اللكنوي في الفوائد البهية: به استمد من جاء بعده من شراح الهداية، بل به استمد كثيراً الحافظ ابن حجر في تخاريجه: كتخريج أحاديث شرح الوجيز - للرافعي. وغيره. اهـ. وقال الأستاذ الكوثري: والزيلعي أعلى طبقة من العراقي، وعمله هذا معه - أي مرافقته في التخاريج - يدل على ما كان عليه من الأخلاق الجميلة والتواضع، وتخاريجه شهود صدق على تبحره وسعة إطلاعه في علوم الحديث، من: معانيه، وأسماء رجاله، ومتونه، وطرقه، وقد رزقها الله الانتفاع بها، والتداول بأيدي أهل العلم بالحديث على مدى القرون، وكان بعيداً عن التعصب المذهبي، يحشد الروايات، وقد لا يتكلم فيما له كبير مجال، انتهى كلامه.
قال الراقم: وكأن الأستاذ الكوثري يعّرض إلى كثير من الحفاظ الشافعية، ولا سيما حامل لواءهم في المتأخرين، الحافظ ابن جحر، فإنه بضد الحافظ الزيلعي، يبخس الحنفية حقهم في أمثال هذه المواضع، ويتكلم فيما لا يكون للكلام فيه مجال، ومن دأبه في كتبه - ولا سيما فتح الباري - أنه يغادر حديثاً في بابه مؤيداً للحنفية، مع علمه، ثم يذكره في غير مظانه، لئلا ينتفع به الحنفية.
قال شيخنا إمام العصر، الشيخ محمد أنور الكشميري، ثم الديوبندي رحمه الله تعالى: كان الحافظ جمال الدين الزيلعي، من المشائخ الصوفية، الذين ارتاضت نفوسهم بالمجاهدات والخلوات، وتزكت قلوبهم عن الرذائل والشهوات، كما كان من أكابر المحدثين الحفاظ، بحور العلم والحديث، وترى من آثار تزكية نفسه أنه لا يتعصب لمذهبه شيئاً، بل يمشي مع الخصوم، ويسايرهم بغاية الإنصاف.(1/7)
وبمثل هذه الميزة امتاز الشيخ الحافظ، تقي الدِّين بن دقيق العيد، رحمه الله، بين علماء عصره، وكان هو أيضاً من أكابر الصوفية، صاحب كرامات، لا يتعصب لأهل مذهبه، وربما يقصد في تحقيقه إفادة الحنفية وتأييدهم، وحاشاه أن يبخس حقهم، ومثله منا - في الجمع بين طريقة القوم، وبين علوم الشريعة، ثم النَّصَفة والعدل - الشيخ المحقق ابن الهمام، صاحب فتح القدير، وهذا بخلاف الحافظ ابن حجر، فيتطلب دائماً مواقع العلل، ويتوخى مواضع الوهن من الحنفية، ولا يأتي في أبحاثه ما يفيد الحنفية، ويقول شيئاً، وهو يعلم خلاف ذلك، ولا يليق بجلالة قدره ذلك الصنيع، وحاشاي أن أغض من قدر الحافظ ابن حجر الذي يستحقه، وإنما هي حقائق ناصعة، ووقائع ثابتة، يجب على الباحث الناقد أن يعرفها، عفا الله عنه، وبدل سيئاته حسنات.
وسمعت منه رحمه الله: أن الشيخ ابن الهمام كل ما ذكره في فتحه من أدلة مذهبنا، مستفاد من تخريج الإمام الزيلعي، ولم يزد عليه دليلاً، إلا في ثلاثة مواضع: منها مسألة المهر، وقدر ما يجب.
وأفادني الأستاذ الكوثري: أن من مؤلفات الإمام الزيلعي مختصر معاني الآثار للطحاوي، وهو من محفوظات مكتبة - رواق الأتراك - بالأزهر، والكوبريلي - بالآستانة - اهـ.
أما وفاة هذا الإمام الجليل، فقد اتفقت كلمتهم، ممن ترجم له - كابن ابن حجر. وابن فهد. والسيوطي. والتميمي. والكفوي - على وفاته في المحرم سنة اثنتين، وستين، وسبعمائة - 726 - هجرية، وزاد ابن فهد تعيينه: بالحادي عشر من المحرم، ولم يتعرض أحد منهم، لذكر تاريخ ولادته، ولم أظفر بها، مع تتبع، ودفن بالقاهرة، واتفقت به كلمة من تعرض لوفاته، والعجب أنه لم يعين أحد قبره، ولا جهته، من أصحاب التراجم، ورجال الطبقات، والمؤلفين، في خطط القاهرة، وآثار مصر: كالمقريزي. وغيره، والمتصدين لذكر مزارات الأولياء، وقبور الصالحين بالقاهرة، كالسخاوي. وغيره، إلا أن علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية ذكر عند ذكر، شارع باب الوزير، في: ص 103 - ج 2، عطفة الزيلعي، وقال: عرفت بضريح الشيخ الزيلعي المدفون بها، اهـ. ولم يعينه من هو، فوصلت إلى العطفة المذكورة الواقعة في - شارع المحجر - برفاقة صديقي المحترم، الشيخ عبد المجيد الدسوقي عطية، وبمساعدة الأستاذ الفاضل إبراهيم بن مختار الزيلعي، فألقينا في آخر العطفة بيتاً مغلقاً، واطلعنا إلى شباكه، فإذا هو مكتوب على غلاف المرقد الشريف:(1/8)
هذا مقام الإمام عبد الله الزيلعي، وكان خارج البيت فوق الباب، كتابة في حجر منحوتة، فقرأنا فيه كلمة: عبد الله، وكلمة الزيلعي، ولكن كان في القلب شيء، فاستظهرت بالأستاذ حسن قاسم عالم هذه الآثار فذهب وقرأ اللوح، بعد أن أتعب نفسه، فإذا هو أبو عبد الله، فاتضح أنه غيره، ثم الأستاذ حسن قاسم يجزم بأن ضريحه بقرافة القاهرة، بباب النصر، بَيْدَ أنه اندثرت المقبرة هنا، فلا يعرف اليوم قبر أحد، والله أعلم.
خصائص هذا الكتاب الجليل
قد سمعت أقوال علماء الأمة، وحفاظ الحديث في حق المؤلف، الإمام الحافظ الجهبذ، وأغنتنا كلماتهم الموجزة عن الإطناب في مدحه، بَيْدَ أني أحاول أن أشير إلى لمعة من خصائص مؤلفه هذا، نصب الراية - لتخريج أحاديث الهداية، ليكون من بدء الأمر، بصيرةً لأولي الأبصار، وبصراً لأرباب البصائر، فيقع الكتاب في جذر قلوبهم، بانبلاج وانشراح. فمن خصائص هذا الكتاب، أنه - كما أصبح ذخيرة نادرة للمذهب الحنفي - كذلك أصبح ذخيرة ثمينة لأرباب المذاهب الأخرى، من المالكي. والشافعي. والحنبلي، فكما أن الحنفية يفتقرون إليه في التمسك بعراها الوثيقة، كذلك أصحاب سائر المذاهب لا يستغنون عنه أبداً.
ولا بدع لو قلت: إنه دائرة المعارف العامة، لأدلة فقهاء الأمصار، حيث أحاط بأدلتها، فلا يرى الباحث فيها بخساً ولا رهقاً.
ومنها: - أن هذا الكتاب الفذّ، خدمة جليلة للأحاديث النبوية - على صاحبها الصلوات والتحيات - أكثر مما هو خدمة للمذهب الحنفي، فليكن أمام الباحث الحثيث، أنه كما يحتاج إليه الفقيه المتمسك بالمذهب، كذلك يحتاج إليه المحدث، فأصبح مقياساً ونبراساً للفقهاء، والمحدثين.
ومنها - أنه نفع الأمة في الأحاديث، بتعقبها بجرح وتعديل، مع سرد الأسانيد، ثم ذكر فقه الحديث وفوائده، فالفقيه البارع، يفوز بأربه من فقه الحديث، والمحدث الجهبذ، يقضي وطره من أحوال الرواة، ولطائف الأخبار، والتحديث.
ومنها - أنه وصل إلينا - بواسطة هذا العلق النفيس - نقول: من الكتب القيِّمة في(1/9)
الحديث، التي أصبحت بعيدة شاسعة عن متناول أيدي أهل العلم، وأبحاث سامية فيما يتعلق بالرجال، من كتب أضاعتها يد الحدثان، ولا نرى لها عيناً، غير أثر في الكتب الأثرية، وكتب الطبقات والتراجم، من ذكر أسمائها: كصحيح - أبي عوانة. وصحيح - ابن خزيمة. وصحيح - ابن حيان. وصحيح - ابن السكن. ومصنف - ابن أبي شيبة. ومصنف - عبد الرزاق. وكثير من المسانيد. والسنن. والمعاجم، وككتاب الاستذكار، والتمهيد - لابن عبد البر، وكتاب المعرفة، والخلافيات - للبيهقي، وعدة كتب من تصانيف أبي بكر الخطيب البغدادي، وكتب ابن عدي، وكتب ابن أبي حاتم. وغيرهم.
ومن كتب المتأخرين، ككتاب الإلمام، والإمام - للحافظ تقي الدين بن دقيق العيد، وكتب ابن الجوزي كجامع المسانيد، والعلل المتناهية، وكتاب التحقيق، وغيرها من كتب أعلام الأمة، ومعالم الإسلام.
ومنها - أنه نرى فيه كلمات في موضوع الجرح والتعديل، من أئمة الفن، وجهابذة الحديث، ونقدة الرجال، ما لا نشاهده في الذخيرة التي بين أيدينا، من كتب أسماء الرجال المطبوعة المتداولة، بحيث لو أفردت منه جزء مجموع، لأصبح كتاباً ضخماً في الموضوع.
فهذه خصائص عندي، كلها على حيالها، مزايا على حدة، واليك فائدة من فوائد كتابه، تمثيلاً لما قلته.
فائدة: ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة، إذ لم يسلم من كلام الناس، إلا من عصمه الله، بل خرج في "الصحيح" لخلق ممن تكلم فيهم، ومنهم جعفر بن سليمان الضبعي. والحارث بن عبد الأيادي. وأيمن بن نابل الحبشي. وخالد بن مخلد القطواني. وسويد بن سعيد الحرثاني. ويونس بن أبي إسحاق السبيعي. وغيرهم، ولكن صاحبا الصحيح رحمهما الله إذا أخرجا لمن تكلم فيه، فإنهم ينتقون من حديثه ما توبع عليه، وظهرت شواهده، وعلم أن له أصلاً، ولا يروون ما تفرد به، سيما إذا خالفه الثقات، كما أخرج مسلم لأبي أويس حديث: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي: لأنه لم يتفرد به، بل رواه غيره من الأثبات، كمالك، وشعبة، وابن عيينة، فصار حديثه متابعة، وهذه العلة راحت على كثير ممن استدرك على(1/10)
"الصحيحين" فتساهلوا في استدراكهم، ومن أكثرهم تساهلاً، الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك، فإنه يقول: هذا حديث على شرط الشيخين، أو أحدهما، وفيه هذه العلة، إذ لا يلزم من كون الراوي محتجاً به في الصحيح أنه إذا وجد فبي أي حديث، كان ذلك الحديث على شرطه لما بيناه، بل الحاكم كثيراً ما يجيء إلى حديث لم يخرج لغالب رواته في الصحيح، كحديث روي عن عكرمة عن ابن عباس، فيقول فيه: هذا حديث على شرط البخاري يعني لكون البخاري أخرج لعكرمة، وهذا أيضاً تساهل، وكثيراً ما يخرج حديثاً بعض رجاله للبخاري، وبعضهم لمسلم، فيقول: هذا على شرط الشيخين، وهذا أيضاً تساهل، وربما جاء إلى حديث فيه رجل قد أخرج له صاحبا الصحيح عن شيخ معين لضبطه حديثه وخصوصيته به، ولم يخرجا حديثه عن غيره لضعفه فيه، أو لعدم ضبطه حديثه، أو لكونه غير مشهور بالرواية عنه، أو لغير ذلك، فيخرجه هو عن غير ذلك الشيخ، ثم يقول: هذا على شرط الشيخين، أو البخاري. أو مسلم، وهذا أيضاً تساهل، لأن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين، لا في غيره، فلا يكون على شرطهما، وهذا كما أخرج البخاري. ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال. وغيره، ولم يخرجا حديثه عن عبد الله بن المثنى، فإن خالداً غير معروف بالرواية عن ابن المثنى، فإذا قال قائل في حديث يرويه خالد بن مخلد عن ابن المثنى: هذا على شرط البخاري. ومسلم، كان متساهلاً، وكثيراً ما يجيء إلى حديث فيه رجل ضعيف، أو متهم بالكذب، وغالب رجاله رجال الصحيح، فيقول: هذا على شرط الشيخين. أو البخاري، أو مسلم، وهذا أيضاً تساهل فاحش، ومن تأمل كتابه المستدرك تبين له ما ذكرناه، قال ابن دحية في كتابه العلم المشهور: ويجب على أهل الحديث أن يتحفظوا من قول الحاكم أبي عبد الله، فإنه كثير الغلط، ظاهر السقط، وقد غفل عن ذلك كثير ممن جاء بعده، وقلده في ذلك.
ثم ذلك إلماع إلى أمهات الخصائص، لا حاجة بنا إلى استيفاء الأطراف، بعد الإِيماض إلى اللباب، فقد أبدى الصريح عن الرغوة، وما يوم حليمة بسر، فنرجو الله سبحانه التوفيق، وإصابة الغرض، ونجاح العمل، والله الموفق.(1/11)
تلخيص الكتاب، وتذييله
ثم ليُعْلم أن الحافظ ابن حجر قد لخص هذا الكتاب، وسماه الدراية - في تلخيص نصب الراية وسمعت من شيخنا إمام العصر مولانا محمد أنور رحمه الله: أن الحافظ ما أجاد في تلخيصه، كما كان يرجى من براعته في التنقيح والتحرير، وعلو كعبه في التلخيص، وغادر كثيرأ من غرر النقول التي ما كان يحرى تركها، وقد طبع هذا التلخيص مرتين - بالهند -، وسموه في طبعة نصب الراية. وطبع أيضاً على هوامش الهداية.
هذا، وللشيخ المحدث قاسم بن قطلوبغا الحنفي، ذيل على هذا التخريج، سماه: منية الألمعي فيما فات من تخريج أحاديث الهداية - للزيلعي، والأسف أننا مع شدة الاستقراء، لم نظفر بوجوده في مكتبة، والا فكان المجلس العلمي يريد أن يستوفي فائدة الكتاب بهذا الذيل، ليكون درة التاج لهام التخريج، ولعل الله يحدث بعد ذلك امرا.
رواية الكتاب
يرويه غالب أصحاب الأثبات، بطريق أمين الدِّين الاقصرائي، عن الحافظ شمس الدَّين محمد بن الجزري المقرئ، عن المؤلف الزيلعي، راجع "الأمم لإِيقاظ الهمم".(1/12)
نتفة من ترجمة صاحب الهداية
بعد أن ذكرت ترجمة صاحب تخريج الهداية سنح لي أن ألحق بها ترجمة صاحب الهداية، ليعرف منزلة هذا الإمام علماء غير المذهب الحنفي، فإن الكثرة الغامرة من علماء العصر بحظ ضئيل من معرفة رجال العلم، من غير مذهبهم، وأما أهل مذهبه، ولا سيما علماء الأفغان، والهند، فهو أشهر عندهم من نار على عَلَم.
قال الحافظ بن عبد القادر القرشي في الجواهر المضيئة: علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني، شبخ الإسلام، برهان الدِّين المرغيناني، العلامة المحقق صاحب الهداية، اهـ.
ولفظ الفاضل اللكنوي في الفوائد البهية: كان إماماً فقيهاً، حافظاً، محدثاً، مفسراً، جامعاً للعلوم، ضابطاً للفنون، متقناً، محققاً، نظاراً، مدققاً، زاهداً، ورعاً، فاضلاً، ماهراً، أصولياً، أديباً، شاعراً، لم تر العيون مثله، في العلم والأدب. وله اليد الباسطة في الخلاف، والباع الممتد في المذهب، اهـ.
مرغينان - بفتح الميم - مدينة من بلاد - فرغانة -، فرغانة - بفتح الفاء -، وراء الشاش، وراء جيحون، وسيحون. وأيضاً، فهي قرية من قرى فارس. قاله اللقرشي.
تفقه على أئمة عصره، كمفتي الثقلين، نجم الدين أبي حفص عمر النسفي. وابنه أبي الليث أحمد النسفي. والصدر الشهيد حسام الدين عمر. والصدر السعيد تاج الدين أحمد. وأبي عمرو عثمان البيكندي تلميذ، شمس الأئمة السرخسي. وغيرهم.
وأقرّ له بالفضل، والتقدم، أهل عصره، كالإمام فخر الدِّين - قاضي خان - وصاحب المحيط، وصاحب الذخيرة. والشيخ زين الدِّين العتابي. وظهير الدِّين البخاري، صاحب الفتاوى الظهيرية، وغيرهم.
فاق شيوخه، وأقرانه، وأذعنوا له كلهم، ولا سيما بعد تصنيفه لكتاب الهداية. وكفاية المنهى. ونشر المذهب.
ومن مؤلفاته أيضاً كتاب المنتقى. والتجنيس والمزيد. ومناسك الحج. ومختارات النوازل. وكتاب في الفرائض. انتهى ملخصاً، وملتقطاً من الجواهر. والفوائد(1/13)
طبقة المؤلف
عده ابن كمال باشا، من أصحاب الترجيح، وبعضهم، من أصحاب التخريج، وقيل: هو من المجتهدين في المذهب، ومال إليه الفاضل اللكنوي، في تعليقاته على الفوائد البهية، توفي رحمه الله، سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة - 593 - هـ.
الهداية
صنف كتاباً، سماه بداية المبتدى جمع فيه كتابي: القدوري. والجامع الصغير، للإمام محمد بن الحسن الشيباني، وزاد عليهما مسائل عند الضرورة، ثم شرحه بكتاب سماه كفاية المنهى، في ثمانين مجلداً، ثم اختصره في كتاب، سماه الهداية. صنف الهداية في ثلاث عشرة سنة، وبقي صائماً في عهد تأليفه لهذا الكتاب، لم يطلع على صومه أحد.
قال إمام العصر، المحدث، الشيخ محمد أنور الكشميري الديوبندي رحمه الله: ليس في أسفار المذاهب الأربعة كتاب بمثابة كتاب الهداية في تلخيص كلام القوم، وحسن تعبيره الرائق، والجمع للمهمات في تفقه نفس، بكلمات كلها درر وغرر.
وقال: وقد صدق من قال من بعض أفاضل الشيعة: إن كتب الأدب العربي في المسلمين ثلاثة: التنزيل العزيز. وصحيح البخاري. وكتاب الهداية، اهـ.
وقال: براعة الإنشاء، وفضل الأدب يظهر في إفصاح التعبير الأدبي في غوامض الأبحاث، ومشكلات المسائل، ليست المزية في فصاحة عبارات الحدائق والأزهار، وذكر النسائم، وخرير الأنهار، فإنه باب طَرَقه كل شاعر وكاتب.
وقال: لا يدرك شأو صاحب الهداية في فقهه ألف فقيه، مثل صاحب الدر المختار، فإن صاحب الهداية فقيه النفس، علمه علم الصدر. وعلم صاحب الدر المختار علم الصحف والأسفار، وان البون بينهما لبعيد.
وقال: سألني بعض الفضلاء، هل تقدر على أن تؤلف كتاباً، مثل - فتح القدير، وهو شرح الهادية - في الدقة والتحرير؟ قلت: نعم، قال: ومثل الهداية؟ قلت: كلا، ولو عدة أسطر.
قال الراقم: وناهيك بهذه الكلمات، من هذا الأستاذ الإمام، إمام العصر. في منزلة هذا(1/14)
الكتاب الجليل، وإنها ليست مجازفة وإطراء، بل خرجت من فكرة دقيقة صائبة، غاصت في دَرَك الكتاب بمكابدة العناء والتعب، فقدَّم درر تحقيقه للقوم التي أخرجها عن دَرَكه بعد برهة من الدهر.
شروح الهداية فقهاً وحديثاً
قد ذكر صاحب كشف الظنون من شروح الهداية، والتعليقات عليها، والتخاريج لأحاديثها، قدراً كبيراً يجاوز ستين شرحاً، ولو أخذنا في التحقيق وضم الحواشي والشروح إليه بعد عهد صاحب الكشف، وإلحاق شروحها في اللغة الفارسية، واللغة الأردية، لزدنا على القدر المذكور قدراً غير يسير. ولاستقصاء البحث موضع غير هذا.
وأول شروحها النهاية - لحسام الدين الصغناتي، تلميذ صاحب الهداية، وقيل: غيرها، ومن شروحه الفوائد - لحميد الدين الضرير. ومعراج الدراية - لقوام الدِّين الكاكي. والكفاية في دراية الهداية لعمر بن صدر الشريعة. وغاية البيان، ونادرة الأفران - للإمام قوام الدين أمير كاتب الإتقاني، المتوفى سنة 758 - هـ، صاحب الشامل، شرح أصول البزودي. والبناية - للشيخ بدر الدين الحافظ العيني، شارح صحيح البخاري، المتوفى سنة 855 - هـ. والعناية - للشيخ أكمل الدين البابرتي. والغاية - لأبي العباس السروجي، الإمام المحدث، وتكملته عن الشيخ المحدث، سعد الدين الديري.
وتصدى لتخريج أحاديثها، الحافظ عبد القادر القرشي، المتوفى سنة 775 - هـ، وسماه: العناية في تخريج أحاديث الهداية.
والحافظ البارع، علاء الدِّين علي بن عثمان المارديني، المتوفى سنة 750 - هـ، صاحب الجوهر النقي في الرد على البيهقي، وهو شيخ الحافظ الزيلعي، وسماه الكفاية في معرفة أحاديث الهداية. والحافظ جمال الدين الزيلعي، سماه نصب الراية - لأحاديث الهداية، وقد فرغنا من ترجمته ومزاياه، وذَّيل تخريجه، الحافظ الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي، وسماه: منية الألمعي، وتقدم ذكره، وللشيخ مصلح الدين، مصطفى السروري تعليق على شرح ابن الشحنة في التنبيه على أحاديث الهداية، وللحافظ ابن حجر الدراية - في تلخيص نصب الراية، وقد تقدم في - ترجمة الزيلعي -.
وطبع من شروحه فتح القدير - للشيخ ابن الهمام السيواسي بمصر، مع تكملته، وهو من أمتن الشروح، وأبرعها، وطبع بالهند أيضاً. والعناية - للشيخ البابرتي. والكفاية وهما من أحسن شروحها فقهاً، وطبعت هذه الثلاثة بمصر مجموعة. وطبع البناية - للعيني(1/15)
في الهند، طبعاً سقيماً، وأصبح اليوم نادراً جداً، وهو من أنفع الشروح، حلاً لغوامض الكتاب، ثم جمعا بين أبحاث الفقه، وأبحاث الحديث، وهو يحتاج إلى إعادة الطبع، مع عناية بالتصحيح بالغة، ومما نحن في اشتياق وحاجة شديدة إلى طبعه من الشروح، فيما أرى - غاية البيان - للاتقاني. ومعراج الدراية - لقوام الدِّين الكاكي والغاية - للشيخ أبي العباس السروجي، حافظ الحديث.
قال الراقم: لم يخدم كتاب في الفقه من المذاهب الاربعة، مثل كتاب الهداية، ولم يتفق على شرح كتاب في الفقه، من الفقهاء، والمحدثين، والحفاظ المتقنين، مثل ما اتفقوا عل كتاب الهداية، وناهيك بهذا الإقبال العظيم، وتلقي القوم إياه بالقبول، فمن شراحه من الفقهاء المحدثين، أعلام العصر، وأعيان القوم، مثل الحافظ العيني. وقوام الدِّين الاتقاني. وقوام الدِّين الكاكي، وابن الهمام السيواسي. ومن مخرجيه من جهابذة الحفاظ، مثل المارديني، والزيلعي، والقرشي، وابن حجر. والقاسم بن قطلوبغا الحنفي، فكفى لكتابه فضلاً وشرفاً، أمثال هولاء الأعيان في شارحيه، ومخرجيه، فهل هذه المزية تساجَل أو تجارَى؟!:
وما كل مخضوب البنان بثينة ... ولا كل مصقول الحديد يمان
وفي هذا القدر كفاية لأولي الألباب، والله الهادي إلى الصواب. وصلى الله تعالى على صاحب النفس القدسية، والأنفاس الزكية، صفوة البرية، محمد وآله، وصحبه، وبارك، وسلم.
محمد يوسف بن السيد محمد زكريا بن السيد مزمل شاه البَنُوري،
نزيل القاهرة، عفا الله عنه، وعافاه، وجعل آخرته خيراً مِن أولاه،
عضو المجلس العلمي، والمدرس بالجامعة الإسلامية - دابهيل سورت - الهند
يوم الاثنين 21، من الربيع الآخر، سنة 1357 هـ.(1/16)
نصب الراية - والعناية بحاشيته والعناء في تصحيحه، وطبعه
إمام العصر المحدث الجليل البحاثة، الشيخ محمد أنور الكشميري، ثم الديوبندي، المتوفى سنة 1352هـ. رحمه الله تعالى، كان وجّه المجلس العلمي إلى إعادة طبع هذا الكتاب الجليل نصب الراية بعناية بالغة بالتصحيح، وكان الكتاب مطبوعاً في الهند، قبل خمسين عاماً، مشحوناً بالأغلاط في الأسانيد، وألحان فاحشة في متونها، مشوَّهاً بتصحيفات، وتحريفات، وسقط عبارات، بحيث اختل الغرض، وانخرم المقصود في كثير من المواضع، وقلما طبع كتاب بالهند مثله، محرّفاً مصحّفاً، وكان رحمه الله يودّ أن لو يتم الأمر في حياته، لكن الأسف والرزء - أن إمام العصر وافاه الأجل المحتوم قبل إنجاز هذه المنية، ولم يوفق المجلس إلى تكميل بغيته في حياته. بَيْدَ أنه على إثر ذلك، قام مدير المجلس العلمي صديقنا الفاضل المحترم السيد أحمد رضا البجنوري - زاد الله مآثره - مشمراً عن ساعد الجد، لتكميل أمنية إمام العصر، لطبع الكتاب، وأشار محقق العصر، الشيخ شبير أحمد العثماني الديوبندي، صاحب فتح الملهم على صحيح مسلم لاستيفاء الفائدة بتحشية الكتاب أيضاً.
فانتخب لذلك العالم المحقق، والفاضل المحدث الشيخ عبد العزيز الديوبندي الفنجاني، صاحب أطراف البخاري، فاشتغل بتصحيح النسخة المطبوعة والحواشي المفيدة على الكتاب، ولم يظفر الشيخ بنسخة مخطوطة منه حتى يقابل بها، إلا بتلك النسخة المطبوعة، مصححة بالمقابلة بنسخة مخطوطة - بكلكتة - فاعتنى في التصحيح بالمراجعة إلى أصول الكتاب من الأمهات الست، وما تيسر له من المسانيد والمعاجم وغيرها، فراجع المخارج والمصادر، وأطال النّفَس في مراجعة الكتب، من الحديث. والرجال. والطبقات، ولم يمنعه من التحقيق سآمة، ولا كلال، فوُفّق إلى حد قلما يوفق أحد إليه، ولاقى في ذلك عناءً، غير أنا نأخذ عليه شيئاً: - كنا نود أن يطلع علماء القاهرة، وفضلاء البلاد الإسلامية العربية على نفائس تحقيقات بارعة، لإمام العصر السالف ذكره، المبعثرة في مؤلفاته، من فصل الخطاب في أم الكتاب - وخاتمة الخطاب في فاتحة الكتاب وكشف الستر في مسألة الوتر ونيل الفرقدين في مسألة رفع اليدين وبسط اليدين لنيل الفرقدين وفي أماليه وتقريراته على أبحاث الحديث، وما كتبه من الحواشي على جزء القراءة - للبيهقي، وكان حضرة المحشي استعارها من إمام العصر برهة، وما استفاد الشيخ المحشي شفاهاً منه، فإن مؤلفات إمام العصر، وأبحاثه الغامضة، وتحقيقاته البارعة، مما لا مناص للبحاثة المحقق عن الاطلاع عليها(1/17)
ولكل من يحاول التوسع مع تحقيق وتدقيق، ولكن الشيخ المحشي على رغم أنوفنا، لم ينتبه لهذه الدقيقة، أو تواكل وتساهل فيه، فلم ينقل عنها شيئاً، إلا في مواضع قليلة جداً، وهذا مع أنه يدرك منزلة تحقيقات إمام العصر ويقدرها، وكل ذلك إن شاء الله نستدركه في الطبع الثاني، والله الموفق.
ولما وصل إلى كتاب الحج، هجم على الشيخ مرض، عاقه عن التأليف، فانتظر المجلس لعود صحته وعافيته سنة كاملة، وبعد أن خاب الرجاء، انتخب لتكميل حاشيته وانتهاج مسلكه في التصحيح، صديقنا العالم الفاضل محمد يوسف الكاملفوري، فتلا تلوه، وحذا حذوه، وقدر وفقه الله فيما أرى لأن يدرك شأوه في التحشية والتصحيح، ثم اطلع المجلس على نسخة محفوظة في المكتبة السعيدية - بحيدر آباد دكن، فأمر الفاضل الكاملفوري بمقابلة الكتاب بها، فرحل إليها، وقام شهرين حتى انتهت المقابلة، ثم رأى المجلس نظراً إلى جلالة قدر الكتاب أن يطبع في القاهرة في ثوب قشيب حباً لظهوره في جمال وبهاء، وسعة لنشره بين إخوان القاهرة وسائر البلاد العربية، فأمر المجلس، الفاضل المحترم السيد أحمد رضا مدير المجلس، إلى أن يتمطي صهوة الرحيل إلى القاهرة، لإنجاز هذه المهمة العلمية والدينية، بمرآه كما يشاء، وأحب المجلس أن أكون زميلاً له، فافتتح هذا السفر المبارك بالسفر إلى الحرمين، زادهما الله شرفاً وكرامة1 وبقينا شهراً وبضعة أيام في مكة، زادها الله تعظيماً، وصادفنا هناك نسخة مخطوطة من الكتاب في مكتبة الحرم المكي، مكتوبة بيد الشيخ عبد الحق شيخ الدلائل، ونسخة أخرى، في مكتبة الشيخ عبد الوهاب الهندي، فاغتنمنا الفرصة، وقابلنا بهما عدة مواضع كانت لم تصحح، وإذ فرغنا من زيارة الحرمين، شددنا الرحل نحو القاهرة، فنزلناها منتصف الصفر من العام الجاري، وكنا على ثقة وطمأنينة من جهة التصحيح، وألفينا في - دار الكتب المصرية - عدة نسخ من الكتاب، منها نسخة في ستة مجلدات، على الأول. والسادس تصحيحات، وبعض حواش، بقلم الحافظ ابن حجر، ولم نحتفل بالمقابلة بها كثير احتفال لضيق الوقت، والاستعجال في الطبع، وظن الاستغناء عنها في أصل التصحيح. وشرعنا الطبع، فبدا لنا في أثنائه أنه بقيت أغلاط فاحشة في الأسانيد والمتون جميعاً، تساهل فيها المصححان والمحشيان، وآلمنا ذلك جداً، وضقنا به صدراً، لقلة الفرصة، وعدم اتساع الظروف للمقابلة، حيث كانت تصدر، ملزمة كبيرة في - ست عشرة صفحة - كل يوم، ومن العجيب أنا نجد في الحاشية تخريج للحديث، وتفصيل المخرج بذكر الباب، وتقييد الصفحة، ويكون في الإسناد
__________
1 تفصل الرحلة هذه في كتاب الرحلة لصديقنا الفاضل السيد أحمد رضا في اللغة الأردية.(1/18)
والمتن خطأ يذهل عنه المصححان، ونراجع المخرج، فنلقى الحديث هناك صحيحاً، لم يتوجه إليه المصححان في نسخة الكتاب، ومثل هذا كثير، ثم نجد أسماء مكررة في صفحة واحدة مثلاً: هزيل. وزريع وخيثم، مثلاً. فيكون تارة - هذيل بالذال وتارة بالزاي، و زريع - تارة بالزاي، وتارة بالذال، وخيثم - تارة بتقديم التحتانية على المثلثة، وأخرى بالعكس، ولا يتوجه المصححان إلى تصحيحها، وجعلها على نمط واحد، وظاهر أن الزاي في الأوليين هنا، وتقديم التحتانية في الثالث متعين، فاضطررنا إلى جمع الكتب من الأصول المتعلقة به، وألجئنا إلى المقابلة بنسخة دار الكتب، وزالت الثقة على التصحيح السابق، وخاب الرجاء، وقام بأعباء هذا التصحيح الأخير للكتاب، صديقنا الفاضل السيد أحمد رضا ولاقى فيه عناءً وعنتاً. ولا نغمض من منزلة تصحيح المصححين ما يستحقانه، وإن لهما الفضل في التصحيح، وصححا أكثر بكثير مما لم يصححا، ونعلم أن ذلك لكثرة الأغلاط، فوقع ما وقع، ولم يبق من الأغلاط إلا نحو ربع منها، غير أنا نحاول لفت النظر إلى عنايتنا بالتصحيح، وإفراغ مجهودنا في مثل هذه الظروف الضيقة.
ثم إن الضغث على الإبالة، أن فضيلة المحشي صحح نسخته التي يملكها، وحشى على هوامشها، وترك نسخة المجلس التي فوضها إليه المجلس لهذا الغرض، ثم لم يسمح بنسخته بالإعارة، مع شدة الحاجة إليها، فألجئنا إلى نقل التصحيحات والتحشية، ثم بقيت في النقل أغلاط، وسقطات في العبارات، فزاد الأمر غمة، حتى اضطر المحشي إلى إرسال نسخته إلى القاهرة بالبريد، ثم إنا نرى في كثير من المواضع، الحواشي كالمذكرة غير مرتبة، وغير مهذبة، فافتقرنا في ترتيبها إلى زيادة كلمات ونقصها، وقصارى القول: إنه استعرضت أمثال هذه الأمور المتعبة في أثناء شغل الطبع، حتى عاقتنا عن كثير من المهمات العلمية التي حاولنا أن نقضيها في عهد الإقامة بالقاهرة، ولم ندرك المقابلة بالالتزام، مع نسخة دار الكتب إلا من الجزء الثاني، نعم أدركنا كثيراً من الأغلاط في الجزء الأول، حيث انتبهنا لها، ولا سيما الملزمة الأولى، فإنا أعدنا طبعها بسبب أغلاط فاحشة بقيت فيها على غرة منا بالتصحيح السابق، ومن المشكل أن نذكر نماذج تلك التصحيحات، ونكلف الناظرين على الثناء على كل لفظة لفظة، ومن أجل هذا لم ننبه على الخطأ في الهوامش في الطبع السابق، بل التزمنا التصحيح، وعند اختلاف النسخ سلكنا مسلك الترجيح، فإن لم يترجح جانب أشير الاختلاف في الهوامش، ولا حاجة هنا إلى بسط الأمثلة، ففي سبيل الله ما لاقينا من العنت البالغ، والكبد في التصحيح، وما بذلنا من المجهود البشري، وعلمنا أن من أصعب الأمور أمر التصحيح، ومع هذا لا ندعي أنا استوفينا حق التصحيح، ولا ندعي أنه لا يجد(1/19)
الناظر في الكتاب خطأ، وكيف! وربما يكبو النظر، ولكل جواد كبوة، وربما يطرأ في المطبع مع غاية الاعتناء بتصحيح البروفات، والفرخ، بَيْدَ أنا ندعي أنا أفرغنا المجهود، ووفقنا إلى خدمة خطيرة في مدة قصيرة، قلَّما يوفق إليها أحد في مثل هذه الفرص الضيقة، وكان غرضنا تقديم الكتاب إلى العلماء، وطلبة العلم بأحسن أسلوب وأبرع منهاج، وقد حصل، ولله الحمد، ولا علينا لو نتمثل بقول أبي الطيب:
وما أنا بالباغي على الحب رشوة ... ضعيف هوى، يبغي عليه ثواب
وهاك النسخ التي أُستعين بها في التصحيح: -
1 - نسخة - المكتبة السعيدية، المخطوطة - المنسوبة إلى الشيخ محمد سعيد المدراسي بالهند، ورمزها س.
2 - نسخة - مكتبة الشيخ عبد الوهاب الدهلوي - المكتوبة سنة 1134 هـ.
3 - نسخة - مكتبة الحرم المكي، ولعلها منقولة من نسخة الشيخ عبد الوهاب.
4 - نسخة - دار الكتب المصرية - في ستة مجلدات، الجزء الاول. والسادس بتصحيح الحافظ ابن حجر، ورمزها دار.
5 - أيضاً نسخة - دار الكتب المصرية - في ثلاث مجلدات، موقوفة الملك أبي النصر، برسباي، في: سنة 829 هـ.
6 - نسخة - كلكته ورمزها نك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
البنوري عفا الله عنه.(1/20)
كتاب الطهارات
مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبِهِ نَسْتَعِينُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
كِتَابُ الطَّهَارَاتِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا وَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَخُفَّيْهِ، قُلْت: هَذَا حَدِيثٌ مُرَكَّبٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ، رَوَاهُمَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، جَعَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ حَدِيثًا وَاحِدًا، فَحَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى النَّاصِيَةِ وَالْخُفَّيْنِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ، وَعَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْعِمَامَةَ، وَوَهِمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ التَّحْقِيقِ فَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ إلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ2 وَتَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد، فِي سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْقِلٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَوَضَّأُ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَطَرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ، فمسح مقدمة رَأْسِهِ، وَلَمْ يَنْقُضْ الْعِمَامَةَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ فِيهِ لَفْظَةً غَرِيبَةً، وَهِيَ: أَنَّهُ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ، وَلَمْ يَنْقُضْ الْعِمَامَةَ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ السُّبَاطَةِ. وَالْبَوْلِ قَائِمًا، ً رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ5 حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أبي وائل بن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ6 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ
__________
1 في باب المسح على الخفين ص 134 - ج 1.
2 أي بذكر الناصية التي هي محل الاستدلال، وإلا فأصل الحديث أخرجه البخاري في صحيحه في تسعة مواضع: منها في الوضوء في باب الرجل يوضئ صاحبه ص 30، ولفظه: ومسح برأسه، ومسح على الخفين، اهـ.
3 في باب المسح على العمامة ص 22 - ج 1.
4 ص 169 - ج 1.
5 ص 26، وأحمد بن حنبل في مسنده ص 246 - ج 4 من حديث عثمان، قال: حدثنا حماد بن سلمة أنا عاصم بن بهدلة، وحماد بن أبي سليمان عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى على سباطة بني فلان، فبال قائماً.
6 هذا هو الحديث الثاني.(1/1)
قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا. قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ عَاصِمٌ: يَوْمَئِذٍ، وَهَذَا الْأَعْمَشُ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَمَا حَفِظَهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ مَنْصُورًا، فَحَدَّثَنِيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ3 قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. وَوَقَعَ لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ عَلَاءِ الدِّينِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهْمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بَعْدَ أَنْ حَكَاهُ بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ. وَزِيَادَةِ مُسْلِمٍ: أَخْرَجَاهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُسْلِمًا انْفَرَدَ فِيهِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. الْوَهْمُ الثَّانِي،: أَنَّهُ جَعَلَ حَدِيثَ الْكِتَابِ مُرَكَّبًا مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَخُفَّيْهِ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، فِي السُّبَاطَةِ، وَالْبَوْلِ قَائِمًا وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَدِيثَ السُّبَاطَةِ. وَالْبَوْلِ قَائِمًا أَيْضًا. رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ مَاجَهْ4 وَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يَذْكُرَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ لِيُطَابِقَ عَزْوَ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا الْوَهْمُ الثَّانِي لَمْ يَسْتَبِدَّ بِهِ الشَّيْخُ، وَإِنَّمَا قَلَّدَ فِيهِ غَيْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ". قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ5 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ، فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْإِنَاءِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ6 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ7 مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ
جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ النَّوْمِ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ باتت يده"، ولا على مَ8 وَضَعَهَا. انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ مِنْ أصحابنا: فلا يغمسن بثوت نون التَّوْكِيدِ الْمُشَدَّدَةِ، وَلَمْ أَجِدْهَا
__________
1 ص 35.
2 ص 133.
3 وفي نسخة بسباطة بالباء.
4 وأحمد.
5 ص 28.
6 ص 136.
7 ص 32.
8 في الدارقطني. وابن ماجه على ما وضعها.(1/2)
فِيهِ إلَّا عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي طَهُورِهِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا، الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى" 1.قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَبْرَةَ.
أَمَّا حَدِيثُ أبي هريرة، فرواه أبي دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وضوء لمن يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِيَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ دِينَارٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ، نُقِلَ عَنْ الْحَاكِمِ أَنَّهُ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ3 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَّهُ قَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِيَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ، فَهُوَ انْتِقَالٌ ذِهْنِيٌّ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ، إلَى يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَعْقُوبُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ سَلَمَةَ اللَّيْثِيُّ هَذَا لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، والدارقطني مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ لَمْ يَقُولَا: إلَّا يَعْقُوبَ بْنَ سَلَمَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ لَمْ يَرَ الْمُسْتَدْرَكَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْإِمَامِ - فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ رَآهُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مِنْهُ كَلَامًا طَوِيلًا: هَكَذَا رأيته في نسخته عَتِيقَةٍ4 مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ فِيهِ حَدِيثًا فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ: فِيهِ. وَفِي الْبُرِّ صَدَقَةٌ، هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي أَصْلٍ مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ بِضَمِّ الْبَاءِ5، وَقَدْ نَقَلْتُ كَلَامَهُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ: لَا يُعْرَفُ لِسَلَمَةَ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا لِيَعْقُوبَ مِنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ6 مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ النَّجَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَوَضَّأَ مَنْ لَمْ
__________
1 ليس هذا القدر في نسخة الهداية المطبوعة في الهند، ولكن في النسخة التي طبعت في - بولاق مصر مع الفتح فيها: لا وضوء لمن لم يسم الله.
2 ص 146 - ج 1.
3 والصحيح عن محمد بن موسى عن يعقوب اهـ، كذا في المستدرك - وابن ماجه.
4 قلت: ولعله كانت نسخة المستدرك عنده ناقصة، ولم تكن من هذا المقام، ويستأنس لهذا من كلامه الذي نقله صاحب الكتاب أيضاً حاشية الطبع القديم.
5 ولعل وجه التصريح بضم الباء، لتعيين الراء المهملة بعد الباء إشارة إلى رد ما في بعض النسخ البز بالزاء المعجمة، كما في بعض نسخ دار الكتب المصرية أيضاً، فإذا تعين ضم الباء فلا يكون بعدها إلا - راء مهملة - فإن البز بضم الباء، ويكون بعدها - زاي معجمة - مما لا معنى له، نعم - بفتح الباء - له معنى معروف من البنوري المصحح.
6 ص 26.(1/3)
يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَمَا صَلَّى مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ"، انْتَهَى. وَأَيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ، وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، لَكِنَّ الْبَيْهَقِيَّ1 رَوَاهُ، وَأَعَلَّهُ بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، قَالَ: كَانَ أَيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ يَقُولُ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَهُوَ حَدِيثُ: الْتَقَى آدَم. وَمُوسَى، ذَكَرَ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثِفَالٍ3 عَنْ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّتَهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ4 تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعْت أَبَاهَا سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ" بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا لَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ5 أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ وَقَالَ: فِيهِ ثَلَاثَةٌ مَجَاهِيلُ الْأَحْوَالِ: جَدَّةُ رَبَاحٍ لَا يُعْرَفُ6 لَهَا اسْمٌ وَلَا حَالٌ، وَلَا تُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا. وَرَبَاحٌ أَيْضًا مَجْهُولُ الْحَالِ. وَأَبُو ثِفَالٍ7 مَجْهُولُ الْحَالِ أَيْضًا، مَعَ أَنَّهُ أَشْهَرُهُمْ لِرِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ: مِنْهُمْ الدَّرَاوَرْدِيُّ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ8 وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ عِنْدَنَا بِذَاكَ الصَّحِيحِ: أَبُو ثِفَالٍ مَجْهُولٌ، وَرَبَاحٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ اسْمِ أبي ثقال، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، ثُمَّ سَأَلْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْخَلَّالَ، فَقَالَ: اسْمُهُ ثُمَامَةُ بْنُ حُصَيْنٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ9 مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ10 أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ. وَأَسْنَدَ إلَى الْأَثْرَمِ11 أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ، فَقَالَ: أَحْسَنُ مَا فِيهَا حَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا ثَابِتًا، وَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ الْوُضُوءُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ أَحْكُمُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ12 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ
__________
1 ص 44.
2 والطحاوي: ص 15.
3 اسمه ثمامة بن وائل بن حصين بن حمام أبو ثفال المري، الشاعر ذكره ابن حبان في الثقات في الرابعة تهذيب،. مقبول من الخامسة تقريب.
4 اسمها أسماء.
5 قلت: هذا الحديث رواه الحاكم في الربع الرابع من المستدرك ص 60، وليس في النسخة المطبوعة - التصحيح، بل السكوت عنه فقط.
6 قلت سماها البيهقي: ص 43، فقال: هي أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، اهـ، وفي اللسان ص 853 - ج 6 يقال: إن لها صحبة، اهـ، وكذا سماها الحاكم في المستدرك ص 60 ج 4، وفيه عن جدتي أسماء أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذا في الطحاوي ص 15.
7 وقال البيهقي ص 43: اسمه ثمامة بن وائل، وقيل: ثمامة بن حصين بالمهملة اهـ.
8 ص 52.
9 ص 32، والبيهقي: ص 43.
10 ص 147 - ج 1، ولم أر فيه التصحيح، وانتهى قول أحمد إلى قوله: حديث كثير بن زيد.
11 هو أبو بكر الأثرم.
12 ص 32.(1/4)
بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ".
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَبْرَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَبْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءٍ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ"، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى أَحَادِيثِ التَّسْمِيَةِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ2، وَابْنُ مَاجَهْ 21 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، قَالَ، أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك، إلَّا أَنِّي كُنْت عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَعْلُولٌ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ مُعَارَضٌ، أَمَّا كَوْنُهُ مَعْلُولًا فَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، قَدْ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، فَيُرَاعَى فِيهِ سَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ4، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ: إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ5 عَنْ حُمَيْدٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْمُهَاجِرِ مُنْقَطِعًا، فَصَارَ فِيهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ6 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ ثنا نلفع، قَالَ: انْطَلَقْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي حَاجَةٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ، كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ، قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، إذْ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ إنَّهُ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْحَائِطَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ مَسْحًا، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً، فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ كَفَّهُ، وَقَالَ "إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك، إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ" انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ7: مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ لَيْسَ
__________
1 ص 12.
2 لم أجده في النسائي من طريق سعيد، بل هو من طريق شعبة بدون زيادة، ولا في أبي داود بلفظ - يتوضأ - بل فيه: يبول، مكان: يتوضأ.
3 ص 29
4 ص 479 - ج 3.
5 هذا الحديث رواه الطحاوي. وأحمد بطريق عبد الوهاب بن عطاء، وأبو داود من طريق عبد الأعلى، وابن ماجه. وأحمد من طريق روح بن عبادة، والحاكم من طريق يزيد بن زريع، كلهم عن سعيد، وهؤلاء كلهم من أصحاب سعيد، سمعوا منه في حال الصحة، كما في فتح المغيث ص 488.
6 كما في مسند أحمد ص 80 ج 5، والطحاوي: ص 51.
ص 200.
7 وقال أبو داود - بعد ذكره - سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم، قال ابن داسة: قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورووه فعلاً من عمر، اهـ. وراجع له البيهقي: ص 206 - ج 1.(1/5)
بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَغَيْرُهُ رَفْعَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَمَّا كَوْنُهُ مُعَارَضًا، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاضْطَجَعْت فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طُولِهَا، فَنَامَ عليه السلام حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ - أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ - اسْتَيْقَظَ فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْخَوَاتِيمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ منه، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ فصلى، الحديث هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَعَ الْحَدَثِ، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ1 أبي حنيفة ابخاريأ أَنَّهُ عليه السلام تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي الْجُهَيْمِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، انْتَهَى. وَلَمْ يَصِلْ مُسْلِمٌ2 بِسَنَدِهِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ رَوَى مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ3: التَّيَمُّمَ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ4 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، رَجُلٌ مِنْ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَقَالَ: فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقَالَ: "إنَّمَا رَدَدْت عَلَيْك خَشْيَةَ أَنْ تَقُولَ: سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَإِذَا رَأَيْتَنِي هَكَذَا، فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ، فَإِنِّي لَا أَرُدُّ عَلَيْك"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا فِيمَا أَعْلَمُ5 هُوَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ، لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَصَحُّ، فَإِنَّ الضَّحَّاكَ أَوْثَقُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ هَذَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَوْطِنَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّهُ هُوَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْحَدِيثِ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ؟، انْتَهَى.
قُلْت: قَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا فِي مُسْنَدِ السَّرَّاجِ6 فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله أن رجلاً مرعلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عليه فقال عليه السلام: "إذَا رَأَيْتَنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ، فَإِنَّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ، لَمْ أَرُدَّ عَلَيْك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَقَالَ فِيهِ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَيُنْظَرُ فِي التَّوْفِيقِ
__________
1 أي البخاري في باب التيمم في الحضر ص 48.
2 بل علقه عن الليث في باب التيمم ص 161 - ج 1.
3 وأخرج الطحاوي في باب ذكر الجنب والحائض ص 51 من طريق سفيان بسند مسلم، وزاد فيه: حتى أتى حائطاً فتيمم.
4 وابن جارود في المنقى ص 27.
5 قلت: في المنتقى ص 27 حدثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد يعني ابن أبي سلمة ثني أبو بكر، وهو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن نافع عن عبد الله، فذكر الحديث.
6 هو أبو العباس السراج.(1/6)
بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّهَا مُتَعَارِضَةٌ جِدًّا، وَتُرَاجَعُ الْأُصُولُ أَيْضًا، وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ1 عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ - فِي الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ - قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قُمْت فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ: "إنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَحْمَدَهُ، ثُمَّ يَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَسْجُدَ، فَيُمَكِّنَ وَجْهَهُ" - أَوْ قَالَ: جَبْهَتَهُ – مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فيستوي قاعداً على معقده، فَيُقِيمَ صُلْبَهُ، فَوَصَفَ الصَّلَاةَ هَكَذَا: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حَتَّى فَرَغَ، لَا يَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ أَنَّ يَحْيَى2 بْنَ عَلِيِّ بْنِ خَلَّادٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَأَبُوهُ عَلِيٌّ ثِقَةٌ، وَجَدُّهُ يَحْيَى بْنُ خَلَّادٍ، أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي نَفْيِ وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ وَحَدِيثُ: الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبي هريرة، وليس في هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا فِيهِ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ الْحَدِيثَ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ هَاشِمٍ السِّمْسَارِ، ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا تَطَهَّرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ جَسَدَهُ كُلَّهُ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى طَهُورِهِ لَمْ يُطَهِّرْ إلَّا مَا مَرَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ". قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ هَاشِمٍ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَرَمَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِالْوَضْعِ، ثُمَّ أَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَضَعَّفَهُمَا. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَرُبَّمَا قَالَ الْخَصْمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّهُ حُجَّةٌ لَهُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِطَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ مَعَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، قَالَ: وَجَوَابُهُ: أَنَّا نَقُولُ: الْبَدَنُ مُحْدِثٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يجوز مَسُّ الْمُصْحَفِ بِصَدْرِهِ، وَمَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَعْضِ الْبَدَنِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ. وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: وَاسْتُدِلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ، بِمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ، وَقَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضوءً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ"؟ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ، وَقَالَ: "تَوَضَّئُوا بِاسْمِ اللَّهِ" قَالَ: فَرَأَيْت الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، قَالَ: قُلْت لِأَنَسٍ: كَمْ تراهم؟ قال: نحو مِنْ سَبْعِينَ، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَالنَّسَائِيُّ. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مَا فِي التَّسْمِيَةِ. وَأَصْلُ الْحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ، هَذِهِ اللَّفْظَةُ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا التَّسْمِيَةَ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، فَتَأَمَّلْهُ. وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بَوَّبَا عَلَيْهِ بَابَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ
__________
1 ص 44 - ج 1.
2 وهو يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد، قال الحافظ: مقبول من السادسة، وقال: قال ابن حبان في أتباع التابعين من الثقات: يحيى بن خلاد، مات سنة تسع وعشرين - أي بعد مائتين -.(1/7)
عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ. وَالنَّسَائِيُّ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ، فَقُرِّبَ إلَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالُوا: أَلَا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ؟ قَالَ: "إنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ إذَا قُمْتُ إلَى الصَّلَاةِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنْ بِغَيْرِ لَفْظَةِ - إنَّمَا - الْمُفِيدَةُ لِلْمَطْلُوبِ مِنْ الْحَدِيثِ. وَبِهَا اسْتَدَلَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد بِلَفْظَةِ - إنَّمَا -.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى السِّوَاكِ. قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اليل يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ إذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَيْقِظُ1 مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، انْتَهَى.
حديث آخر: أخرج النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَسْتَاكُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو الْمَلِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ إلَّا وَالسِّوَاكُ عِنْدَهُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَسْتَاكَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: يَدُلُّ عَلَى مُحَافَظَتِهِ عليه السلام عَلَى السِّوَاكِ، وَهُوَ أَنَّهُ فعليه عليه السلام حَتَّى عِنْدَ وَفَاتِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمَغَازِي3 مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ4 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَضَمْته5، وَطَيَّبْته، ثُمَّ دَفَعْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
1 وبهذا اللفظ أيضاً في الدراية ولفظ أبي داود: لا يرقد من ليل أو نهار، فيستيقظ، الحديث.
2 والحاكم ص 145 - ج 1، وصححه على شرطهما.
3 في باب مرض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 638.
4في نسخة: أمدّه، وأبده، من الابداد، وهو الاعطاء.
5 أي مضغته.(1/8)
فَاسْتَنَّ، فَمَا رأيته اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَفَعَ يَدَهُ، أَوْ إصْبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: "فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ثَلَاثًا"، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وذاقتني، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِالسِّوَاكِ، رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ". وَقَالَ مُسْلِمٌ: عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى. وَعِنْدَ النَّسَائِيّ - فِي رِوَايَةٍ1 - عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَصَحَّحَهَا الْحَاكِمُ، وَذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2 تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَرَأَيْت زَيْدًا يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّ السِّوَاكَ مِنْ أُذُنِهِ، مَوْضِعُ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، وَكُلَّمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَاك، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ أُسْنِدَ آخِرُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ السِّوَاكُ مِنْ أُذُنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ سُفْيَانُ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ إلَّا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، وَيَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ 3وَهِمَ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ إلَى هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ فَقْدِ السِّوَاكِ يُعَالِجُ بِالْإِصْبَعِ4.
قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ5 فِي سُنَنِهِ: بَابٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الِاسْتِيَاكِ بِالْإِصْبَعِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ6. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَسْمَلِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُجْزِئُ مِنْ السِّوَاكِ الْأَصَابِعُ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ عِيسَى بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، بَعْدَ أَنْ رَوَى الْأَوَّلَ: سَمِعْتُ ابْنَ حَمَّادٍ يَقُولُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ:
__________
1 وعند الطحاوي: ص 26. ومسند أحمد: ص 460 - ج 2. والبيهقي: ص 35 - ج 8 في حديث أبي هريرة من طريق مالك مرفوعاً: مع كل وضوءة فذكره: ص 308 - ج 1. وفي المحرر ص 8، رواته كلهم أئمة أثبات.
2 في باب السواك الرطب واليابس للصائم ص 259.
3 قلت: في البيهقي ص 37 - ج 1، هكذا، يشبه أن يكون غلط من حديث محمد بن إسحاق الأول، إلى هذا.
4 روى أحمد في مسنده من حديث علي بن أبي طالب أنه دعاه بكوز من ماء، فغسل وجهه وكفيه ثلاثاً، وتمضمض، فأدخل بعض أصابعه في فيه، الحديث، وفي آخره: هذا وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التلخيص ص 25، وفي المغني ص 70 - ج 1 حديث منقطع أخرجه عن أنس.
5 ص 40 - ج 1.
6 وفي الدراية ص 5، ذكره من طريق، ووهاها، وقد صحح أيضاً بعض طرقه.(1/9)
عَبْدُ الْحَكَمِ الْقَسْمَلِيُّ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْمُثَنَّى عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ "تَجْرِي الْأَصَابِعُ مَجْرَى السِّوَاكِ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى، أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك رَغَّبْتَنَا فِي السِّوَاكِ، فَهَلْ دُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: "إصْبَعُك سِوَاكٌ عِنْدَ وضوءك، تَمُرُّ بِهَا عَلَى أَسْنَانِك، إنَّهُ لَا عَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَلَا أَجْرَ لِمَنْ لَا حِسْبَةَ لَهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْحَمَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِصْبَعُ يُجْزِئُ مِنْ السِّوَاكِ" انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْمَعْنَى: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَذْهَبُ فُوهُ1 يَسْتَاكُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: "يُدْخِلُ إصْبَعَهُ فِي فِيهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى2.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَضْمَضَةِ. وَالِاسْتِنْشَاقِ – أَنَّهُ فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ،
قُلْت: الَّذِينَ رَوَوْا صِفَةَ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّحَابَةِ3 عِشْرُونَ نَفَرًا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ. وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ. وَالرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ. وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأَبُو بَكْرَةَ. وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٌ. وَنُفَيْرٌ أَبُو جُبَيْرٍ الْكِنْدِيُّ. وَأَبُو أُمَامَةَ. وَعَائِشَةُ. وَأَنَسٌ. وَكَعْبُ بْنُ عمرو اليمامي. وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ. وَأَبُو كاهل، وكلهم حكوا في المضمضمة وَالِاسْتِنْشَاقَ.
أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الله بن زيد، فراوه الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ من حديث مالك بن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ4 عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْت عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ، سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنْ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ. وَاسْتَنْشَقَ. وَاسْتَنْثَرَ، ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ
__________
1 أي أسنانه.
2 في الدراية إسناده ضعيف، وفي التلخيص ص 25، قلت: عيسى ضعفه ابن حبان، وذكر له ابن عدي هذا الحديث، وجعله من مناكيره، اهـ.
3 ذكر هنا عشرون، والأحاديث الآتية مروية عن أحد وعشرين صحابياً، والحادي والعشرون: عبد الله بن أبي أنيس، ذكر حديثه، ولم يذكره في العديد.
4 لكن السياق سياق حديث وهيب عن عمرو بن يحيى عند البخاري: ص 32 في باب مسح الرأس مرة مع تغيير يسير، والله أعلم، وفي باب غسل الرجلين إلى الكعبين ص 31، بلفظه، من طريق وهيب أيضاً.(1/10)
فِي التَّوْرِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ1 فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا، وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، إلَّا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ2 فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ. وَقَالَ فِيهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، فهو رواي حَدِيثِ الْأَذَانِ، وَوَهِمَ فِيهِ أَيْضًا وَهْمًا آخَرَ، فَقَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: مَرَّتَيْنِ غَيْرُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَوُهَيْبٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَخَالِدُ الْوَاسِطِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. فَكُلُّهُمْ قَالُوا: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، فَجَعَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عثمان ين عَفَّانَ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثم مسح برأيه، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا - هَكَذَا - أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليسرى، ثم مسح رأسه، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً أُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا يَعْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ5 - فِي بَابِ مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ، وَفِيهِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ6 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، وَطَسْتٍ، فَأَفْرَغَ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الشِّمَالِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ في إناء فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، ثَلَاثًا وَرِجْلَهُ الشِّمَالَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أن يعلم أن وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ هَذَا، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
__________
1 ليس هذا اللفظ في هذا السياق في الصحيح، وسيأتي الحديث، وهناك: فأدخل يده يعني في التور.
2 حديثه عند النسائي في باب صفة مسح الرأس ص 28، والدارقطني: ص 30.
3 في باب المضمضة في الوضوء ص 28.
4 ص 26
5 ص 863، وفي الجهاد - في باب الجهة في السفر والحرب ص 409.
6 والسياق سياق أبي داود في باب صفة وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 16 باختصار يسير.(1/11)
وَأَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ عنه، قال: أُتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ مَجْهُولٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَرِيزٍ2 انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 أَيْضًا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينَا، فَحَدَّثَتْ، أَنَّهُ قَالَ لَهَا: "اُسْكُبِي لي وضوء"، فَذَكَرَتْ صِفَةَ وُضُوئِهِ، عليه السلام، قَالَتْ فِيهِ: فَغَسَلَ كفيه، ثلاثاً، ووضأ وجهه، ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، مَرَّةً، وَوَضَّأَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، مَرَّتَيْنِ، يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا4، ظُهُورَهُمَا وَبُطُونَهُمَا، وَوَضَّأَ رِجْلَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنِّفِهِ أَنْبَأَ مَعْمَرُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، وَاسْمُهُ حَارِثٌ، أَنَّهُ قَالَ: هَلُمُّوا أُصَلِّي لَكُمْ صَلَاةَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا بحفنة5 مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثلاثاً، ومضمض واستشق، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ6. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ7 فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ يَعْنِي سَبَلَانَ عَنْ عَائِشَةَ8 أَنَّهَا أَرَتْهُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، فَتَمَضْمَضَتْ وَاسْتَنْثَرَتْ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَتْ وَجْهَهَا، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَتْ يَدَهَا الْيُمْنَى، ثَلَاثًا، وَالْيُسْرَى ثَلَاثًا، وَوَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، إلَى مُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ مَرَّتْ بِيَدَيْهَا بِأُذُنَيْهَا، قَالَ سَالِمٌ: كُنْتُ آتِيهَا مَكَانَهَا9 فَأَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْهَا. فَتَتَحَدَّثُ مَعِي، حَتَّى جِئْتُهَا يَوْمًا فَقُلْتُ: يا أمَّ المؤمنين، ادعوا لِي10 بِالْبَرَكَةِ، قَالَتْ: وَمَا ذاك؟
__________
1 في باب صفة وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 18.
2 قلت: قال الحافظ بعد هذا: قال أبو داود: شيوخ حريز، كلهم ثقات.
3 ص 19، والدارقطني: ص 35.
4 وفي نسخة كلتيهما
5 وفي س حفنة بالمهملة
6 ص 341 - ج 5 من طريق أبان عن قتادة.
7 قلت: الحديث في المجتبى أيضاً: ص 28.
8 راجع التهذيب ص 439 - ج 3.
9 في نسخة النسائي المطبوعة بمصر مكاتباً.
10 لعل معها * غيرها، وفي نسخة النسائي الموجودة عندنا: "ادعي لي".
__________
* قلت: لا حاجة إلى هذا التكلف البارد. فإن الخطاب بالجمع المذكر، للواحد المؤنث شائع في كلام العرب، قال الحماسي:
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم
وقال المخزومي:
فإن شئت حرمت النساء سواكم
أحمد رضا البجنوري(1/12)
قُلْتُ: أَعْتَقَنِي اللَّهُ، قَالَتْ: بَارَكَ اللَّهُ لَك، وَأَرْخَتْ الْحِجَابَ دُونِي، فَلَمْ أَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكَّارَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ، ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا. وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا. وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ. وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، مُخْتَصَرٌ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صَالِحٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارَ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ثَنَا هَمَّامٌ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَمَضْمَضَ، ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ. وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارَ ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا. وَيَدَيْهِ، ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ نَضَحَ تَحْتَ ثَوْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا إسْبَاغُ الْوُضُوءِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ1 بْنِ حُجْرٌ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْهُ، قَالَ شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُتِيَ بِإِنَاءٍ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَمِينِهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَمَسَ يَمِينَهُ فِي الْمَاءِ، فَغَسَلَ بِهَا ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى، حَتَّى جَاوَزَ الْمِرْفَقَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَسَارَهُ بِيَمِينِهِ، حَتَّى جَاوَزَ الْمِرْفَقَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ، ثَلَاثًا، وَظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، ثَلَاثًا، وَظَاهِرِ رَقَبَتِهِ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَظَاهِرِ لِحْيَتِهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ بِيَمِينِهِ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَفَصَلَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - أَوْ قَالَ: خَلَّلَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - وَرَفَعَ الْمَاءَ حَتَّى جَاوَزَ الْكَعْبَ، ثُمَّ رَفَعَهُ فِي السَّاقِ، ثُمَّ فَعَلَ بِالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَلَأَ بِهَا يَدَهُ، ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ، حَتَّى انْحَدَرَ الْمَاءُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَقَالَ: هَذَا تَمَامُ الْوُضُوءِ، وَلَمْ أَرَهُ تَنَشَّفَ بِثَوْبٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرٌ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ نُفَيْرٍ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
1 حديث وائل هذا أورده الهيثمي: ص 94، وعزاه إلى الطبراني في الكبير والبزار، وقال فيه سعيد بن عبد الجبار. قال النسائي: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات، وفي مسند البزار. والطبراني. محمد بن حجر، وهو ضعيف، اهـ.
2 وفي هامش س هكذا في النسخ، وهو لا يخلو عن سقط، أو اختصار مخل، فليراجع.(1/13)
فَأَمَرَ لَهُ عليه السلام بِوَضُوءٍ، وَقَالَ: "تَوَضَّأْ يَا أَبَا جُبَيْرٍ"، فَبَدَأَ بِفِيهِ، فَقَالَ عليه السلام: "يَا أَبَا جُبَيْرٍ لَا تَبْدَأَ بِفِيك، فَإِنَّ الْكَافِرَ يَبْدَأُ بِفِيهِ"، ثُمَّ دَعَا عليه السلام بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى الْمِرْفَقِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إلَى الْمِرْفَقِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ،، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ نُفَيْرٍ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ إنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ - عَنْ جَدِّهِ نُفَيْرٍ - وَيُرَاجَعُ ابْنُ حِبَّانَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ2 فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ4، قَالَ: رَأَيْت الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَجِيءَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّ فِي تَوْرٍ، فَغَسَلَ يَدَهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَمَضْمَضَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ أذنيه، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ5: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ كعب بن عمرو اليمامي، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ، وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَلَفْظُهُ: فَمَضْمَضَ، ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي سُورَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ مِنْ تَحْتِ لِحْيَتِهِ فَخَلَّلَهَا، انْتَهَى. وَبَقِيَّةُ إسْنَادِ الطَّبَرَانِيِّ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ وَاصِلٍ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، فَرَوَاهُ أَبُو يعلى الموصلي فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا أَبُو الْوَرْقَاءِ. فَائِدُ6 بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ، ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَغَسَلَ
__________
1 في باب التكرار في غسل اليدين ص 47 - ج 1.
2 ص 257 - ج 5.
3 ص 39.
4 في الدارقطني: ص 39: أبو خلف، وفي الحاشية: أبو خالد.
5 في إسناد هذا الحديث ليس مجروح، كما في التعليق المغني.
6 فائد بن عبد الرحمن الكوفي متروك، اتهموه.(1/14)
رِجْلَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ الزَّعْفَرَانِيِّ فِي تَرْجَمَتِهِ عَنْ أَبِي الْوَرْقَاءِ بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ: ثِقَةٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي مُسْنَدِهِ2 عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ: اجْتَمِعُوا، فَلَأُرِيكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، وَكَيْفَ كَانَ يُصَلِّي، فَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا قَدْرُ صُحْبَتِي إيَّاكُمْ، فَجَمَعَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ، وَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ3 وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى، ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى، ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، ثَلَاثًا، وَالْيُسْرَى، ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هكذا ماألوْت أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، مُخْتَصَرٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي كَاهِلٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ الْهَيْثَمِ4 بْنِ حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي كَاهِلٍ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَائِدٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "اُدْنُ مِنِّي، أريك كَيْفَ تَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ"، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ بِكَ خَيْرًا كَثِيرًا، فَغَسَلَ يَدَهُ ثَلَاثًا، وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ - وَلَمْ يُوَقِّتْ - وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ - وَلَمْ يُوَقِّتْ - ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا كَاهِلٍ، ضَعْ الطهور منك مواضعه، وابق فَضْلَ طَهُورِكَ لِأَهْلِكَ، وَلَا تَشُقَّنَّ عَلَى خَادِمِكَ"، انْتَهَى. ورواه ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِالْهَيْثَمِ، وَنَقَلَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرَ التَّسْمِيَةِ، وَلَكِنَّهَا فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 فِي سُنَنِهِ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ6 قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا مَسَّ طَهُورًا سَمَّى اللَّهَ، قَالَ أَبُو بَدْرٍ: كَانَ يَقُومُ إلَى الْوُضُوءِ فَيُسَمِّي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى يَدَيْهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الداري7 ثنا أبو كريب زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبَّادِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ الزُّرَقِيُّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ، فَقَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ كَيْفَ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ صَلَّى؟ قُلْنَا: بَلَى، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا،
__________
1 ص 270 - ج 3، وفيه فائد بن عبد العزيز، ولعله خطأ، والصحيح ما في الكتاب.
2 ص 288 - ج 4.
3 وفي المسند استنثر، نعم في نسخة منه استنشق أيضاَ.
4 هيثم بن أبي الهيثم هو ابن حماد البكاء، أحد الضعفاء تهذيب.
5 ص 27
6 وأخرجه البزار.
7 في نسخة الرازي.(1/15)
وَذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، وَمَسَّ أُذُنَيْهِ. وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَمَّا لَفْظُ الِاسْتِنْشَاقِ فَلَا يَكَادُ يُوجَدُ الْأَمْرُ بِهِ إلَّا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخَرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْبِغْ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا"، أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ فِي سُنَنِهِمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وابن حبان في صحيحهما. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ لَقِيطٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ: إذَا توضأت فَمَضْمِضْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو الْبِشْرِ الدُّولَابِيُّ فِي جُزْءٍ جَمَعَهُ مِنْ أَحَادِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَذَكَرَ فِيهِ الْمَضْمَضَةَ. وَالِاسْتِنْشَاقَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ إسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ بن عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ مَرْفُوعًا: أَسْبِغْ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمُ وَالْإِيهَامُ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ. وَابْنُ مَهْدِيٍّ أَحْفَظُ مِنْ وَكِيعٍ، فَإِنَّ وَكِيعًا2 رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمَضْمَضَةَ، انْتَهَى كلامه.
وحديث آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، انْتَهَى. وَقَالَ: رَوَاهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَرْسَلَهُ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَظُنُّ هُدْبَةَ أَرْسَلَهُ مَرَّةً، وَوَصَلَهُ أُخْرَى، وَتَابَعَهُ دَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ عن حماد فوصله. وخافهما - إبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَلَّالُ، شَيْخٌ لِيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ - فَقَالَ: عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - بَدَلَ أَبِي هُرَيْرَةَ3 - وَلَمْ يَثْبُتْ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عن ابن جريح عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ". وَفِي لَفْظٍ: "مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ"
__________
1 ص 147 - ج 1 وكذا البيهقي في الكبرى ص 50 - ج 1.
2 قلت: وأخرجه البيهقي: ص 50 - ج 1 من طريق محمد بن كثير عن سفيان بسنده، ولم يذكر المضمضة أيضاً، وقد تابع وكيعاً، وحديث وكيع، عند النسائي ص 27 - ج 1.
3 قلت عبارة البيهقي في النسخة المطبوعة: ص 52 - ج 1 بعد قوله: عن ابن عباس، هكذا، وكلاهما غير محفوظ، اهـ.(1/16)
ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ1 أَنَّهُ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عِصَامٌ وَوَهِمَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ عَنْ ابن جريح عَنْ سُلَيْمَانَ بْن مُوسَى مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَلِكَ، قَالَ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ، هَكَذَا رَوَاهُ السفيانان وغيرهم2 انْتَهَى كَلَامُهُ3.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: حُكِيَ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَخَذَ فِي كل مرة ماءاً جَدِيدًا، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْكِنْدِيُّ ثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كعب بن عمرو اليمامي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ4 ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، يأخذ لكل واحدة ماءاً جَدِيدًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، فَلَمَّا مَسَحَ رَأْسَهُ قَالَ: هَكَذَا، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى بَلَغَ بِهِمَا إلَى أَسْفَلِ عُنُقِهِ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد5 فِي سُنَنِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَقْصُودِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ6 عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا، قَالَ: هَكَذَا حَكَاهُ عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ مِنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلَاتِ الْوَسِيطِ فَقَالَ: وَهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا عُثْمَانَ، بَلْ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُهُ أَنَّهُ عليه السلام تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وإنما احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: قُلْت لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَأَى جَدُّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ يَحْيَى: الْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ: إنَّهُ رَآهُ7، وَأَهْلُ بَيْتِ طَلْحَةَ يَقُولُونَ: ليست لَهُ صُحْبَةٌ، وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: جَدُّهُ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ كَعْبٍ، وَلَهُ صُحْبَةٌ، انْتَهَى. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ8 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
__________
1 ص 36.
2 كذا في الأصول، والصحيح: وغيرهما.
3 قلت: وتمامة هكذا: رواه محمد ابن الأزهر الجوزجاني عن الفضل بن موسى الشيباني عن ابن جريح بإسناد عاصم ومتن الجماعة. قال علي بن عمر: محمد بن الأزهر هذا ضعيف، وهذا خطأ، والمرسل أصح، والله أعلم.
4 في حديث ابن عباس عند أحمد: ص 369 - ج 1 فمضمض ثلاثاُ واستنشق ثلاثاً.
5 تقدم تخريجه.
6 لكنه قال في صفة وضوئه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ص 19 قال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره ويقول: أيش هذا طلحة عن أبيه عن جده اهـ؟!.
7 وفي س رأى.
8 ص 39 - ج 6.(1/17)
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مِقْسَمٍ الْبَرِّيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَلْحَةَ بن مصرف الأيامي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ هَكَذَا وَوَصَفَ، فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَجَرَّ يَدَيْهِ إلَى قَفَاهُ، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. وَابْنِ عباس. وَأَبِي مُوسَى. وَأَنَسٍ. وَابْنِ عُمَرَ. وَعَائِشَةَ.
فَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ1 مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَقَالَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ" انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ" وَكَانَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً وَكَانَ يَمْسَحُ الْمَاقَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد2. وَالتِّرْمِذِيُّ: قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمَّادُ: لَا أَدْرِي هَذَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ يَعْنِي حَدِيثَ الْأُذُنَيْنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حديث ليس إسناده بذاك الْقَائِمِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 وَقَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ وَقَفَهُ4 سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ، وَفِيهِ: وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ أُذُنَيْهِ مَعَ الرَّأْسِ، وَقَالَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْكَلَامُ فِي شَهْرِ5 بْنِ حَوْشَبٍ. وَالثَّانِي: الشَّكُّ فِي رَفْعِهِ، وَلَكِنْ شَهْرٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ. وَيَحْيَى. وَالْعِجْلِيُّ. وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ. وَسِنَانُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَدْ لُيِّنَ فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، فَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا حَسَنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ ضَعَّفَهُ قَوْمٌ وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ هُوَ بِدُونِ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُ هؤلاء يضعفه، قال: لا أَعْرِفُ لِمُضَعِّفِهِ حُجَّةً، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عَنْهُ مِنْ تَزَيِّيهِ بِزِيِّ الْجُنْدِ وَسَمَاعِهِ الْغِنَاءِ بِالْآلَاتِ وَأَخْذِهِ الْخَرِيطَةَ مِنْ الْمَغْنَمِ، فَهُوَ إمَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ، وَإِمَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَلَى مَخْرَجٍ لَا يَضُرُّهُ، وَخَبَرُ الْخَرِيطَةِ إنَّمَا هُوَ لِقَوْلِ شَاعِرٍ كَذَبَ عَلَيْهِ، حُكِيَ6 أَنَّ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ كَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَأَخَذَ خَرِيطَةً فِيهَا دَرَاهِمُ، فقال فيه الشاعر:
لقد بَاعَ شَهْرٌ دِينَهُ بِخَرِيطَةٍ ... فَمَنْ يَأْمَنُ الْقُرَّاءَ بَعْدَك يَا شَهْرُ
__________
1 وأحمد: ص 268 - ج 5.
2 ص 19.
3 ص 38.
4 رجح وقفه أبو حاتم وأبو زرعة، راجع العلل: ص 53
5 لقد أحسن القول في شهر أئمة الحديث، راجع له عون المعبود ص 378 - ج 3
6 أسنده البيهقي في سننه: ص 66 - ج 1 عن شعبة.(1/18)
انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ حَدِيثَ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَّ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وفاطمة كساءاً، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: حَدِيثُ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ أَشْهَرُ إسْنَادٍ1 فِيهِ حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَكَانَ حَمَّادٌ يَشُكُّ فِي رَفْعِهِ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يَرْوِيهِ عَنْ حَمَّادٍ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى حَمَّادٍ، فَوَقَفَهُ ابْنُ حَرْبٍ عَنْهُ، وَرَفَعَهُ أَبُو الرَّبِيعِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا عَلَى مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ الرَّفْعُ، وَرُوِيَ عَنْهُ الْوَقْفُ، وَإِذَا رَفَعَ ثِقَةٌ حَدِيثًا، وَوَقَفَهُ آخَرُ، أَوْ فَعَلَهُمَا شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتَيْنِ تَرَجَّحَ الرَّافِعُ، لِأَنَّهُ أَتَى بِزِيَادَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الرَّجُلُ حَدِيثًا، فَيُفْتِي بِهِ فِي وَقْتٍ وَيَرْفَعُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَهَذَا أَوْلَى من تغليظ الرَّاوِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ2 فِي سُنَنِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حبيب بن زيد بن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى، وَهَذَا أَمْثَلُ إسْنَادٍ فِي الْبَابِ لِاتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رُوَاتِهِ، فَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. وَشُعْبَةُ. وعباد احتج بهما الشَّيْخَانِ، وَحَبِيبٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ3 احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ ثَنَا غُنْدَرٌ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ لِاتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رُوَاتِهِ، قَالَ: وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالِاضْطِرَابِ فِي إسْنَادِهِ، وَقَالَ: إنَّ إسْنَادَهُ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابن جريح عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وقال: إن ابن جريح الَّذِي دَارَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ يُرْوَى عَنْهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ يَقْدَحُ فِيهِ، وَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَدِيثَانِ: مُسْنَدٌ. وَمُرْسَلٌ، انْتَهَى. فَانْظُرْ كَيْفَ أَعْرَضَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَيْنِ، وَاشْتَغَلَ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَزَعَمَ أَنَّ إسْنَادَهُ أَشْهَرُ إسْنَادٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَتَرَكَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَهُمَا أَمْثَلُ مِنْهُ؟! وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ تَحَامُلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ5 فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عَمْرُو
__________
1 كذا في الأصول، والأنسب نصب إسناد على التمييز.
2 ص 35.
3 وفي الدراية: ص 17 قد اختلط.
4 ص 36
5 ص 35.(1/19)
بْنُ الْحُصَيْنِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 فِي سُنَنِهِ، ثُمَّ قَالَ: عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ. وَابْنُ عُلَاثَةَ ضَعِيفَانِ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ عبيدة عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَالْبَخْتَرِيُّ ضَعِيفٌ، وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَلِيِّ2 بْنِ هَاشِمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أبي هريرة، وقال: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَأَعَلَّهُ بِعَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ مُنْكَرٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مَعَ مَا يَقْلِبُ مِنْ الْأَسَانِيدِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي مُوسَى، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَأَعَلَّهُ بِأَشْعَثَ، وَقَالَ: ضَعِيفٌ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَلَكِنَّهُ يُخَالِفُ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ، وَغَيْرُهُ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا. وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 مِنْ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر مرفوعاً، وقال: وَهَذَا وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ الْفِهْرِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى بن يونس البزاز، ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عن نافع ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَالْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى هَذَا ضَعِيفٌ، وَصَوَابُهُ مَوْقُوفٌ. الثَّالِثَةُ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ الله عن نافع ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ. وَالثَّانِي: رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ5 بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ. الرَّابِعَةُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ6 بْنُ الْفَضْلِ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7 عَنْ عَفَّانَ بْنِ سَيَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الْحَكَمِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَعَبْدُ الْحَكَمِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، قَالَ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ يَعْنِي عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَقَدَّمَ، قُلْتُ: وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَزْهَرِ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
__________
1 ص 37.
2 هذه الطريقة مقدمة في ترتيب الدارقطني على ما قبلها.
3 ص 38.
4 ص 36.
5 هو أخو عبيد الله بن عمر
6 هو ابن علية.
7 ص 37.(1/20)
وَلِأَصْحَابِنَا أَحَادِيثُ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام: فَأَمْثَلُهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَرَفَ غَرْفَةً فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ بَاطِنِهِمَا بِالسِّبَاحَتَيْنِ2 وَظَاهِرِهِمَا بِإِبْهَامِهِ، ثُمَّ غَرَفَ غُرْفَةً فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَلَفْظُهُمَا قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ مَنْدَهْ فِي صَحِيحَيْهِمَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ بَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَلَفْظُهُ فِيهِ قَالَ: ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ الْمَاءِ فَنَفَضَ يَدَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ. فَلِذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ بَابَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ عَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ فِيهِ شَيْءٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، قَالَتْ: فَمَسَحَ رَأْسَهُ5 مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: وَمَسَحَ أُذُنَيْهِ مَعَ مُؤَخِّرِ رَأْسِهِ، إلَّا أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ6 أَيْضًا فِيهِ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمَوْطَأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ7 خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ" وَذَكَر الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ إلَى آخِرِهِ"، كَمَا قَالَ فِي الْوَجْهِ: "مِنْ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ" وَفِي الْيَدَيْنِ: "مِنْ تَحْتَ أَظْفَارِهِ". انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ8. وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَعَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ: لَمْ يَلْقَ9 النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ، انْتَهَى.
__________
1 ص 29.
2 كذا في الأصول، والنسائي السبابتين.
3 في باب صفة الوضوء ص 19.
4 ص 19 والدارقطني: ص 39.
5 أخرجه ابن أبي شيبة: ص 7، وفيه مسح برأسه بدأ بمؤخره.
6 صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بآخره تقريب.
7 في س فتمضمض
8 ص 29
9 في البخاري في أواخر المغازي: ص 642 بسنده عن أبي الخير عن الصنابحي أنه قال له: متى هاجرت؟ قال: خرجنا من اليمن مهاجرين، فقدمنا الجحفة، فأقبل راكب، فقلت له: الخبر الخبر!! فقال: دفنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ خمس، اهـ.(1/21)
حَدِيثُ تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ1 فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ أن أباه سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ لأذنيه ماءاً خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَهُ لِرَأْسِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ2 عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: إسْنَادُهُ صحيح، انتهى. وذكره ابن الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ عُلُومِ الْحَدِيثِ، هذا عَجْزٌ مِنْهُ وَتَقْصِيرٌ، فَقَدْ رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ مِنْ حَدِيثِ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ إسْنَادٌ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا حَدِيثٌ لَا يُوجَدُ أَصْلًا لَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَلَا بِصَحِيحٍ، قَالَ: وَهُوَ لَمْ يَعْزُهُ إلَى مَوْضِعٍ فَيُتَحَاكَمُ إلَيْهِ، قَالَ: وَكَأَنَّهُ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ3 عَنْ أَبِيهِ جَارِيَةَ بْنِ ظَفَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خُذُوا لِلرَّأْسِ ماءاً جَدِيدًا" 4. وَأَمَّا الْأَمْرُ بِتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ فَلَا وُجُودَ لَهُ فِي عِلْمِي، انْتَهَى. وَحَدِيثُ نِمْرَانَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ5 فِي مُعْجَمِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ثَنَا أَسَدُ بْنُ عَمْرِو عَنْ دَهْثَمٍ عَنْ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ بْنِ ظَفَرَ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ6 مِنْ رواية يحيى بن نكير عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِإِصْبَعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَفْظُهُ: كَانَ يُعِيدُ إصْبَعَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَوْلَى لِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ وَتَعَدُّدِ طُرُقِهِ، وَالتَّجْدِيدُ إنَّمَا وَقَعَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ.
وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ: "وَجَّهْت وَجْهِي" إلَى آخِرِهِ. وَفِيهِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ زَادَ الْحَاكِمُ7 فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَقَالَ: هَذِهِ8 الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ. وَحَدِيثِ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ عَمِلَ ابن سريج
__________
1 ص 51.
2 قلت: أخرجه الحاكم ص 151 - ج 1، وقال: هذا حديث على شرط الشيخين إذا سلم من ابن أبي عبيد الله هذا، فقد احتجا جميعاً لجميع رواته اهـ.
3 كذا في الدراية، والتقريب، وس.
4 في الدراية: ص 7 قلت: هو في الطبراني كذلك، اهـ.
5 أخرج الطبراني في الصغير: ص 64 حديث أنس بطوله، وفيه: فأخذ ماءاً جديداً لصماخه فمسح صماخه، فقلت أي لأنس: فقد مسحت أذنيك، فقال: يا غلام إنهما من الرأس وليس هما من الوجه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ اهـ، قال الهيثمي: في الزوائد: ص 235، قال الذهبي: عمر بن أبان لا يدري من هو قلت: ذكره ابن حبان في الثقات اهـ، قلت: فيه جعفر شيخ الطبراني يحتاج إلى كشف حاله.
6 ص 11.
7 ص 22.
8 قلت: لفظ الحاكم ص 22، هذا على شرط الشيخين ولم يخرجاه اهـ.(1/22)
وَكَانَ يَغْسِلُهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَيَمْسَحُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ، فَيَجْعَلُ مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا مِنْ الْوَجْهِ وَمَا أَدْبَرَ مِنْ الرَّأْسِ.
حَدِيثٌ فِي صِفَةِ مَسْحِهِمَا، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ1 فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أُذُنَيْهِ فَأَدْخَلَهُمَا السَّبَّابَتَيْنِ وَخَالَفَ إبْهَامَيْهِ إلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ مَسَحَ برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين2 وَظَاهِرِهِمَا بِإِبْهَامَيْهِ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ أَنَّهُ عليه السلام أمره جبريل بِذَلِكَ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي بَابِ الْأَحَادِيثِ الْمُخَالِفَةِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمَّاذٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَانِي جبرئيل فَقَالَ: "إذَا تَوَضَّأْت فَخَلِّلْ لِحْيَتَك" انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَلَفْظُهُ: قال: "جاءني جبرئيل فقال: يَا مُحَمَّدُ خَلِّلْ لِحْيَتَك بِالْمَاءِ عِنْدَ الطُّهُورِ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِالْهَيْثَمِ بْنِ جَمَّاذٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَابْنِ مَعِينٍ. وَالسَّعْدِيِّ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي كَاهِلٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 فِي سُنَنِهِ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ زَرْوَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لحيته، وقال "بهذا أَمَرَنِي رَبِّي" انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَالْوَلِيدُ بْنُ زَرْوَانَ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ: إنَّهُ مَجْهُولٌ هُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي طَلَبِ زِيَادَةِ التَّعْدِيلِ مَعَ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ الرَّاوِي، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ
رَوَى تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَائِشَةُ. وَأَبُو أَيُّوبَ. وَابْنُ عُمَرَ. وَأَبُو أُمَامَةَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. وَأَبُو الدَّرْدَاءِ. وَكَعْبُ بْنُ عَمْرٍو. وَأَبُو بَكْرَةَ. وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَكُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، وَأَمْثَلُهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ4 وَابْنُ مَاجَهْ5 مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ:
__________
1 ص 35، وفيه حديث ربيع عند أبي داود: ص 19.
2 وفي نسخة: السبابتين.
3 في باب تخليل اللحية: ص 21، والحاكم في المستدرك في باب تخليل اللحية ثلاثاً ص 149، وقال: شاهد صحيح.
4 ص 43.
5 ص 34، والدارقطني في باب ما روي في الحث على المضمضة والاستنشاق: ص 32.(1/23)
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عُثْمَانَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَقَدْ احْتَجَّا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ غَيْرَ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ فِي عَامِرٍ طَعْنًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ الثَّلَاثَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَقَالَ: "بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي" وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ: إنَّ عَامِرَ بْنَ شَقِيقٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَامِرُ بْنُ شَقِيقٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ حَدِيثَ عُثْمَانَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ التَّخْلِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: أَصَحُّ شَيْءٍ عندي في النخليل حَدِيثُ عُثْمَانَ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْت إسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَسْمَعْ عَبْدُ الْكَرِيمِ مِنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ حَدِيثَ النخليل، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَذَكَرَهُ، وَيُنْظَرُ سَنَدُ الْحَاكِمِ3. وَالطَّبَرَانِيِّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ4 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ5 فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ حَاتِمٍ ثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ، وَلَفْظُهُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، قَالَ: وَأَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَصْرِيٌّ لَا نَعْلَمُ حَدَّثَ عَنْهُ إلَّا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ6 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي سَوْرَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، انْتَهَى. وَوَاصِلُ بْنُ السَّائِبِ، قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
__________
1 ص 149 - ج 1، وفيه: خلل لحيته ثلاثاً وكذا في الدارقطني: ص 134 أيضاً.
2 وابن أبي شيبة: ص 10.
3 أخرجه الحاكم: ص 149 - ج 1 بالإسنادين: لابن ماجه. والترمذي، وصححهما.
4 ص 34، وابن سعد: ص 104 - ج 1 قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى أنا خلاد الصفار عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ وخلل لحيته، وقال: "بهذا أمرني ربي" وأدخل عبيد الله يده اليمنى تحت ذقنه كأنه يرفع لحيته إلى السماء.
5 والدارقطني: ص 39 من طريق معلى.
6 وأحمد في مسنده ص 417.(1/24)
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ1 أَيْضًا حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبٍ2 ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ بَعْضَ الْعَرْكِ، ثُمَّ شَبَّكَ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ مِنْ تَحْتِهَا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْوَسَاوِسِيُّ الْبَصْرِيُّ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا نَافِعٌ أَبُو هُرْمُزَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَكَذَا الطُّهُورُ؟ قَالَ: "هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي". انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ ثَنَا عَنْبَسَةُ3 بْنُ غَنَّامٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ عَنْ ابْنِ غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيِّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ هَذَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْمُلُوحِيُّ4 ثَنَا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ ح ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ الْجَحْدَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ تَمَّامِ بن نجيح الدستوي5 عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ يَقْصِدُ وضوءه وزاد كامل،: وسح رَأْسَهُ يَقْصِدُ6 ذِرَاعَيْهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ7 بْنُ مُصَرِّفِ بْنِ عَمْرٍو الْيَامِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي مُصَرِّفُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرِيِّ8 بْنِ مُصَرِّفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ يَبْلُغُ بِهِ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَسَحَ بَاطِنَ لِحْيَتَهُ وَقَفَاهُ.
__________
1 ص 35، وكذا الدارقطني: ص 39، والصواب: أنه موقوف.
2 وهو ابن أبي العشرين.
3 وفي س عيينة.
4 في ك الملوجي بالجيم، وفي س اللوحي.
5 وفي التهذيب، تمام بن نجيح الأسدي الدمشقي: ص 510 - ج 1 وفي س تمام أبي نجيح الدستوائي.
6 هكذا في الأصول في كلا الموضعين، والظاهر بعد ذراعيه.
7 ذكره ابن حبان في الثقات مستقيم الحديث تهذيب صدوق تقريب.
8 وفي اللسان: ص 42 مصرف بن عمرو بن السري كلهم لا يعرفون، وقال ابن أبي حاتم: مصرف بن عمرو عن أبيه لم يكن بصاحب حديث، وقال ابن القطان: لا يعرف.(1/25)
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكَّارَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ مُخْتَصَرٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَصْرَمَ بْنِ غِيَاثٍ ثَنَا مُقَاتِلُ1 بْنُ حَيَّانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: وَضَّأْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ. فَرَأَيْته يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ مُشْطٍ، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَصْرَمُ بْنُ غِيَاثٍ النيشابوري مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد بْنِ سُلَيْمَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا هِلَالُ بْنُ فَيَّاضٍ ثَنَا عمر بْنُ أَبِي وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ ثَرْوَانَ3 عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ في ضعائفه، وَأَعَلَّهُ بِخَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ الْعَدَوِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: لَا يَثْبُتُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ حَدِيثٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَتَخَلَّلَهَا نَارُ جَهَنَّمَ" قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ لَا يَتَخَلَّلُهَا4 اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ5 وَفِي الْأَوَّلِ: يَحْيَى بْنُ مَيْمُونٍ التَّمَّارُ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: كَانَ يَحْيَى بْنُ مَيْمُونٍ كَذَّابًا حَدَّثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بِأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ، وَفِي الثَّانِي: عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، وَلَقَبُهُ سَنْدَلٌ قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ. وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ. وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مَتْرُوكٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَهُ بِالْمَاءِ خَلَّلَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". انْتَهَى.
__________
1 وفي س كامل بن حبان.
2 ص 150.
3 وفي س نومان.
4 المتن في الدارقطني هكذا: خللوا بين أصابعكم لايخللها الله عز وجل يوم القيامة في النار اهـ.
5 قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ ويخلل بين أصابعه، الحديث.(1/26)
أَحَادِيثُ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ
أَمْثَلُهَا حَدِيثُ لَقِيطِ1 بْنِ صَبِرَةَ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ3 بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَوَضَّأْتَ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ4. حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ5 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، فَإِنَّهُمَا أَعْرَضَا عَنْ الصَّحَابِيِّ الَّذِي لَا يَرْوِي عَنْهُ غَيْرُ الْوَاحِدِ.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ6 وَابْنُ مَاجَهْ7 مِنْ حَدِيثِ صالح مولى التوءَمة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ دَلَكَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ8 فِي كِتَابِهِ بِزِيَادَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. وَلَيْثِ بْنِ سَعْدٍ مَعَ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ، فَصَحَّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ ذَكَرَهُ بِسَنَدِ الْبَيْهَقِيّ.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ" وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ،: "هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ" وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فمن زاد عن هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ"
قُلْت: غَرِيبٌ بِجَمِيعِ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ: فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ وَلَكِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.
أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَلَهُ طُرُقٌ، أَمْثَلُهَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ9 مِنْ حَدِيثِ الْمُسَيِّبِ بْنِ وَاضِحٍ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 تقدم تخريجه: ص 16.
2 وابن جارود: ص 46، وابن أبي شيبة: ص 9، والبيهقي: ص 52 - ج 1.
3 كذا في الترمذي. والنسائي، وفي س عامر
4 ص 49.
5 ص 158.
6 ص 50.
7 ص 35.
8 ص 77.
9 ص 30.(1/27)
مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً إلَّا بِهِ" ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: " هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ" ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ قَبْلِي"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1 فِي سُنَنِهِ وَقَالَ هُوَ، والدارقطني2: تَفَرَّدَ بِهِ الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: هَذَا الطَّرِيقُ مِنْ أَحْسَنِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُسَيِّبُ صَدُوقٌ لَكِنَّهُ يُخْطِئُ كَثِيرًا.
طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ3 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَقَالَ: "هَذَا وضوء لا يقبل الله صَلَاةً إلَّا بِهِ". ثُمَّ تَوَضَّأَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءُ الْقَدْرِ مِنْ الْوُضُوءِ"، وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا أَسْبَغُ الْوُضُوءِ وُضُوئِي وَوُضُوءُ خَلِيلِ اللَّهِ إبْرَاهِيمَ"، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَلَفْظُهُمَا قَالَا: دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ" ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءُ مَنْ أُوتِيَ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ" ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ زَيْدٍ الْعَمِّيُّ عَنْ أَبِيهِ، وَخَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا، وَلَيْسَا فِي الرِّوَايَةِ بِقَوِيَّيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ5 فِي عِلَلِهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ زَيْدٍ الْعَمِّيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ أَبِي: عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ زَيْدٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَأَبُوهُ زَيْدٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبِي: وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي حَدِيثٌ وَاهٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قرة لم يلحق ابْنَ عُمَرَ، انْتَهَى. ثُمَّ وَجَدْته فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْوَسَطِ عَنْ مَرْحُومِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ، وَرَوَاهُ الْحِجِّيُّ. وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ بِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ وَأَبِيهِ، وَضَعَّفَهُمَا، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَزَيْدٌ الْعَمِّيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: هُوَ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ صَالِحٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَمِّيَّ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ قَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ عَمِّي، انْتَهَى.
__________
1 ص 80.
2 ص 30.
3 ص 34، وكذا الدارقطني: ص 29.
4 في باب فضل التكرار في الوضوء ص 80، والطيالسي في مسنده: ص 260، قال أبو داود: ثنا سلام الطويل عن زيد العمي سواء بسواء.
5 ص 45.(1/28)
وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ1 أَيْضًا فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ قَعْنَبٍ أَبُو بِشْرٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ2 عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا وَظِيفَةُ الوضوء"، وقال: "وُضُوءٌ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْهُ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً" ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءٌ مَنْ تَوَضَّأَهُ أَعْطَاهُ اللَّهُ كِفْلَيْنِ مِنْ الْأَجْرِ" ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ قَبْلِي" انْتَهَى. وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي زيد بن أبي الْحَوَارِيِّ: 3لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ أَيْضًا: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الشَّامِيِّ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا الَّذِي لايقبل اللَّهُ الْعَمَلَ إلَّا بِهِ" وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: "هَذَا يُضَاعِفُ اللَّهُ بِهِ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ". وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ به عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، وَكَانَ ضَعِيفًا، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ أَوَّلًا: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ4 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأَدْخَلَ5 إصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بإبهامه عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسِّبَاحَتَيْنِ بَاطِنِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ، أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ". وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ مَاجَهْ: أَوْ تَعَدَّى6 وَظَلَمَ. وَلِلنَّسَائِيِّ: فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عِنْدَ مَنْ يُصَحِّحُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لِصِحَّةِ الْإِسْنَادِ إلَى عَمْرٍو، انْتَهَى.
قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ هُوَ السُّنَّةُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ7. ومسلم
__________
1 ص 34، والدارقطني: ص 30.
2 ابن الحواري بإسقاط أبي كذا في ابن ماجه. والتهذيب. والدارقطني. والميزان، وهو ضعيف، راجع له التهذيب.
3 وفي نسخة ابن الحواري.
4 أبو داود في باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً: ص 20، والنسائي في باب الاعتداء في الوضوء: ص 13 م مختصراً، والبيهقي: ص 79، والطحاوي: ص 22، وابن أبي شيبة: ص 7 مختصراً، وابن جارود: ص 45.
5 وفي نسخة فأدخل.
6 هكذا في النسخ الموجودة، ولفظ أبو داود: فقد أساء وظلم، أو ظلم وأساء ولفظ ابن ماجه: فقد أساء، أو تعدى. أو ظلم.
7 تقدم تخريجه في أحاديث المضمضة والاستنشاق: ص 10، وذكرت هنا أن ألفاظ المتن من طريق وهيب دون مالك أخرجه في باب غسل الرجلين إلى الكعبين: ص 31.(1/29)
فِي صحيحهما من طريق مالك بن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ: قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ يَعْنِي فِي التَّوْرِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ. فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَسْحُ عَلَى النَّاصِيَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ1 فَظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ سُنَّةٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ إلَّا مَالِكُ2 بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، وَمَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: وَأَنَّهُ أَخَذَ بِيَدَيْهِ ماءاً فَبَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِيَدَيْهِ إلَى مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ. ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى مُقَدَّمِهِ، قَالَ: فَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا4 عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ5 فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعَزَا شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ إلَى كِتَابِ الْإِمَامِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدين بن دقيق العبد أَنَّهُ قَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِرِوَايَةِ رَاشِدٍ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ بِالزَّاوِيَةِ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ كَانَ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك كُنْت تُوَضِّئُهُ. قَالَ: فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأُتِيَ بِطَسْتٍ وَقَدَحٍ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْمَاءِ وَأَنْعَمَ غَسْلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ أَمَرَّهُمَا عَلَى أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. وَهَذَا لَمْ أَجِدْهُ لَا فِي الْإِمَامِ وَلَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ6 الْوَسَطِ وَيُضَعِّفُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ7 فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ8 عن عبادة9 عَنْ أَنَسٍ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الرَّأْسِ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لكل مسحة ماءاً جَدِيدًا.
__________
1 أخرج مسلم في باب المسح على الخفين ص 134 من حديث المغيرة.
2 في لفظ مالك زيادة على ما تقدم بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه والبخاري في باب مسح الرأس كله ص 31، ومسلم في باب صفة الوضوء ص 123 - ج 1.
3 في باب فرض مسح الرأس في الوضوء ص 17.
4 لكن أخرج البيهقي الحديث في باب الاختيار في استيعاب الرأس بالمسح ص 59 - ج 1 من طريق ابن وهب عن يحيى بن عبد الله عن مالك الخ، فليحرر.
5 فيه حديث أبي أمامة عند أحمد: ص 286 - ج 5.
6 وقول الزيلعي المعزو إلى معجم الطبراني لم أجده فيه سهواً عنه، أو كان ساقطاً في نسخته، وإلا فقد وجد في الأوسط من مسند إبراهيم البغوي فتح القدير ص 22 - ج 1 وفي حاشية س، قيل: نعم هو في الطبراني في الأوسط في باب من اسمه إبراهيم حدثنا إبراهيم هو ابن هاشم البغوي حدثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي حدثنا بكار بن شفير عن راشد، فذكره بحروفه، وإسناده مقارب اهـ.
7 في باب من أخذ برأسه ماءاً جديداً ص 16.
8 هو أيوب بن أبي مسكين، صدوق له أوهام.
9 الصواب قتادة كما في المصنف.(1/30)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ، فَأَفْرَغَ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثلاثاً، ثم مضمض وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا. ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ اليسرى ثَلَاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَرِجْلَهُ الشِّمَالَ ثَلَاثًا،، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ هَذَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ2 فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ3 عَنْ جَدَّتِهِ4 عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، إلَّا الْمَسْحَ فَإِنَّهُ مَرَّةً مَرَّةً، انْتَهَى. وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ لِأَصْحَابِنَا، فَإِنَّهُ بِلَفْظِ كَانَ الْمُقْتَضِيَةِ لِلدَّوَامِ. إلَّا أَنَّ فِيهِ ضَعِيفًا5.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد6 عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَعَبَّادُ بْنُ7 مَنْصُورٍ فِيهِ مَقَالٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ8 فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ9 الْمَخْزُومِيِّ حَدَّثَنِي جَدِّي أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ10 خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَتَمَضْمَضَ ثلاثاً واستنشق ثَلَاثًا وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، وَكُنْت عَلَى وُضُوءٍ، وَلَكِنْ أَحْبَبْت أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي يُرْوَى فِيهِ يَعْنِي مَسْحَ الرَّأْسِ مِنْ التَّثْلِيثِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، قُلْت: فِي تَثْلِيثِ الْمَسْحِ أَحَادِيثُ: بَعْضُهَا صَرِيحَةٌ، وَبَعْضُهَا بِالْمَفْهُومِ، أَمَّا الصَّرِيحَةُ فَمِنْهَا: حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ شَقِيقِ11 بْنِ جَمْرَةَ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ، فَقَالَ: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا فَقَطْ قَالَ12: وَأَحَادِيثُ عُثْمَانَ الصِّحَاحُ
__________
1 أبو داود في صفة وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 16، واللفظ له. والنسائي في باب غسل الوجه ص 27، والترمذي في باب وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف كان ص 53 عن أبي حية عن علي، وكذا ابن ماجه في باب ما جاء في مسح الرأس ص 35 مختصراً، والدارقطني: ص 33 بطوله، وصححه، وابن جارود: ص 42 في صفة وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 في باب مسح الرأس كم مرة هو ص 12.
3 وفي س ابن إسحاق
4 وفي المصنف عمن حدثه.
5 وفي س ضعفاء.
6 في باب صفة وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 19.
7 صدوق رمي بالقدر، وكان يدلس، وتغير في آخر عمره تقريب.
8 ص 34، وإسناده صالح ليس فيه مجروح تعليق.
9 مثله في س، وفي الدارقطني ابن سعد.
10 وكذا ابن ماجه في باب ما جاء في مسح الرأس ص 35 من حديث عثمان، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فمسح رأسه مرة.
11 رواه أبو داود في صفة وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 16 والدارقطني: ص 34 في دليل تثليث المسح.
12 هذا القول أسنده البيهقي في سننه: ص 62 - ج 1 عن أبو داود، ولم أجده في السنن، والله أعلم.(1/31)
كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ: فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وقالوا: مسح رَأْسَهُ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَدَدًا، انْتَهَى. وَعَامِرُ بْنُ شَقِيقٍ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ، فَذَكَرَ فِيهِ التَّثْلِيثَ فِي الْمَسْحِ وَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: فِي كِتَابِهِ: صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا أَبُو عَامِرٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ عُثْمَانَ بِهِ قَالَ الْبَزَّارُ1: وَلَا نَعْلَمُ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُمْرَانَ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَرْدَانَ بِهِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَرْدَانَ أَبُو بَكْرٍ الْغِفَارِيُّ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. طَرِيقٌ رَابِعٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي - السُّنَنِ -3 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُتِيَ بِوَضُوءٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا حَتَّى قَفَاهُ وَأُذُنَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فِيمَا بَيْنَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعُثْمَانَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَلَهُ أَيْضًا طُرُقٌ: أَحَدُهَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ4 عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَفِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَامِلًا فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذَا، وَفِي رِوَايَةٍ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ بن عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ، كَزَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ. وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَشُعْبَةَ. وَأَبِي عَوَانَةَ. وَشَرِيكٍ. وَأَبِي الْأَشْهَبِ جَعْفَرِ بْنِ الْحَارِثِ. وَهَارُونَ بْنِ سَعْدٍ. وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَأَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ. وَعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ. وَحَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ. وَحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ. وَجَعْفَرِ بْنِ الْأَحْمَرِ5، فَرَوَوْهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ، وَكُلُّهُمْ قَالُوا: وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ، انْتَهَى.
__________
1 والدارقطني: ص 34 من حديث أبي عاصم عن عبد الرحمن بن وردان الخ.
2 في باب صفة الوضوء ص 16.
3 أخرج في السنن: ص 63 - ج 1 حديث عبد الله بن جعفر عن عثمان، وقد مسح رأسه ثلاثاً.
4 في باب صفة وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 33، والبيهقي من طريق الحماني عن أبي حنيفة: ص 63 - ج 1.
5 في الدارقطني بدون زيادة ابن.(1/32)
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامٍ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي حَيَّةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا فِي الرَّحْبَةِ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: إنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ وَلَا ضَعْفٍ.
طَرِيقٌ آخَرُ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْنَا: بَلَى، فَأَتَى بِطَسْتٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ1 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ قَالَ: رَأَيْتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فغسل وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ وغسل رجليه مرتين وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 فِي سُنَنِهِ ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ مَالِكٌ. وَوُهَيْبٌ. وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ. وَخَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ عمر بْنِ يَحْيَى، فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَحَدٌ مَرَّتَيْنِ غَيْرُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَهِمَ فِيهِ، وَأَظُنُّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، فَجَعَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ. وَمَا ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَمِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ. وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ كُلُّهُمْ ذَكَرُوا عَنْهُ هَذَا، وَأَمَّا الْحُمَيْدِيُّ فَإِنَّهُ3 مَيَّزَ ذَلِكَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، أَوْ حَفِظَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، فَذَكَرَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَلَمْ يَصِفْ الْمَسْحَ، وَلَا قَالَ: مَرَّتَيْنِ.
أَحَادِيثُ التَّثْلِيثِ الْوَارِدَةُ بِالْمَفْهُومِ4 لَا بِالْمَنْطُوقِ
مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ5 وَرَوَى مُسْلِمٌ6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ، وَقَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ كَيْفَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ7: وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ فِي تَكْرَارِ الْمَسْحِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُطْلَقَةٌ،
__________
1 في باب عدد مسح الرأس ص 28، والدارقطني: ص 30.
2 في باب التكرار في مسح الرأس ص 63 - ج 1.
3 في س غير.
4 فيه عن عثمان. وعلي. وابن عمر. وعائشة. وأبي هريرة. وأبي مالك. والربيع بنت معوذ بن عفراء.
5 في باب الوضوء مرتين مرتين ص 27.
6 في باب فضل الوضوء ص 126.
7 في باب التكرار في مسح الرأس ص 62 - ح 1.(1/33)
وَالرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ الْمُفَسَّرَةُ عَنْ عُثْمَانَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ وَقَعَ فِيمَا عَدَا الرَّأْسِ مِنْ الأعضاء، فإنه1 مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ غَرِيبَةٍ عَنْ عُثْمَانَ ذِكْرُ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، إلَّا أَنَّهَا - مَعَ خلاف الحفاظ الثقات - ليست بِحُجَّةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي حَيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ3، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حُجَّةٌ عَلَى التَّثْلِيثِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: تَوَضَّأَ يَعُودُ إلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْوَضَاءَةُ، وَهِيَ الْغَسْلُ بِدَلِيلِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي حَيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَذِرَاعَيْهِ ثلاثاُ ومسح برأسه مَرَّةً، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَبْهَمَهُ الرَّاوِي الْأَوَّلُ فَسَّرَهُ الرَّاوِي الثَّانِي، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّثْلِيثَ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِلْمَغْسُولِ دُونَ الْمَمْسُوحِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَيْضًا حَدِيثُ عُثْمَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ فَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، ثُمَّ قَالَ: وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، وَأَجَابَ الْخَصْمُ: بِأَنَّ الْوُضُوءَ إذَا أُطْلِقَ عَمَّ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ" قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ انْتَهَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي الطَّهَارَةِ وَأَبُو دَاوُد فِي اللِّبَاسِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ5 عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَوَضَّأْتُمْ فابدؤوا بِمَيَامِنِكُمْ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صحيحهما قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُصَحَّحَ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ6، وَلَفْظُهُ إذَا لَبِسْتُمْ أو توضأتم فابدؤوا بِأَيَامِنِكُمْ.
__________
1 في نسخة: وأنه.
2 في باب ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ص 52 - ج 1، والنسائي في باب الانتفاع بفضل الوضوء ص 33 من طريق شعبة. والطحاوي: ص 17، من طريق اسرائيل. وأحمد: ص 125 - ج 1 من طريق سفيان.
3 قلت: لم يصرح بالتصحيح، بل قال: هذا أحسن شيء في الباب وأصح، وهذا ليس بتصحيح، والله أعلم.
4 البخاري في التيمن في الوضوء ص 29، وغيره في خمسة مواضع، ومسلم في باب النهي عن الاستنجاء باليمين ص 123، والنسائي في باب التيمن في الطهور ص 72، وابن ماجه في باب التيمن في الطهور ص 23، والترمذي في باب ما يستحب من التيمن في الطهور ص 78 - ج 1، وفي شيء منها لم أجد لفظ المخرج، والله أعلم.
5 ص 23.
6 ورواه أحمد: ص 354 - ج 2، ولفظه: وإذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤوا بأيامنكم.(1/34)
أَحَادِيثُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ، واستدل على عدم وجوب التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ. أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا"، وَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ2 عَلَى الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ: إنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ تَنْفُضَهَا، ثُمَّ تَمْسَحَ بِيَمِينِكَ عَلَى شِمَالِكَ وَشِمَالِكَ عَلَى يَمِينِكَ، ثُمَّ تَمْسَحَ عَلَى وَجْهِك وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 وَلَفْظُهُ: ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا"، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَنَفَضَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الْكَفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ5 قَالَ: أَتَى عُثْمَانُ الْمَقَاعِدَ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا وَرِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثم مسح يرأسه، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ هَكَذَا، يَا هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد6 عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عليه السلام رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي قَدَمِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَبَقِيَّةُ مُدَلِّسٌ إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، فَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ فَزَالَتْ التُّهْمَةُ، انْتَهَى. ومن طريق أبو دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ7 فِي السُّنَنِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: عَدَمُ ذِكْرِ اسْمِ الصَّحَابِيِّ لَا يَجْعَلُ الْحَدِيثَ مُرْسَلًا، فَقَدْ قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: إسْنَادُهُ
__________
1 في باب التيمم ضربة ص 50.
2 راجع العلل: ص 67.
3 في باب التيمم ص 52.
4 وقال: صحيح إلا أن التأخير في المسح، فإنه غير محفوظ، ص 32.
5 رواه الدارقطني في: ص 31 من طريق أحمد بن حنبل بإسناده بسياق ذكره المخرج بتأخير مسح الرأس عن غسل الرجلين، والحديث في مسند أحمد: ص 62، ولفظه: ثم غسل يديه ثلاثاُ ثلاثاُ، ثم مسح برأسه ورجليه ثلاثاُ اهـ، راجع الدارقطني.
6 في باب تفريق الوضوء ص 26.
7 في باب تفريق الوضوء ص 83.(1/35)
جَيِّدٌ، قُلْتُ لَهُ: إذَا قَالَ التَّابِعِيُّ1 حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُسَمِّهِ أَيَكُونُ الْحَدِيثُ صَحِيحًا؟ قَالَ: نَعَمْ انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمِهِ مِثْلَ الظُّفْرِ، فَقَالَ عليه السلام: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَك"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ2: تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرٌ عَنْ قَتَادَةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَفِيهِ ارْجِعْ فَأَتِمَّ وُضُوءَك لَكِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. وَأَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ. والدارقطني، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَجُلٌ قَدْ تَوَضَّأَ، وَفِي قَدَمِهِ مَوْضِعٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبْ فَأَتِمَّ وُضُوءَكَ"، فَفَعَلَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا تَوَضَّأَ للصلاة، وترك مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَك" فَرَجَعَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، انْتَهَى. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ بِحَدِيثِ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ. وَقَالُوا: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ رَتَّبَ وَوَالَى، وَلَا جَائِزٌ أَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ وَلَمْ يُوَالِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ عَدَمُ صِحَّتِهَا مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً، فيثبت أن تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا مُوَالِيًا، وَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَصِحَّ إلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْحَدِيثِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: رَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى ثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَهْلِي تغار عليَّ إذا وَطِئْتُ جِوَارِيَّ، قَالَ:
__________
1 قلت: قال البيهقي في هذا الموضع، وغيره من المواضع منها ص 190 - ج 1: إذا لم يسم الصاحب أنه مرسل، ومثله قول ابن حزم في المحلى في مواضع: منها قوله في ص 416 ج 7 حيث قال في مثله: هذه لا حجة لهم، ذلك أنه عن رجل لم يسم، ولا يدري أصحت صحبته أم لا؟ وقال في ص 313 - ج 7: هذا عن رجل مجهول لا يدري أصدق في ادعائه الصحبة أم لا؟ وقول ابن حزم هذا يؤيده ما نرى ممن اختلافهم في عد بعضهم البعض في الصحابة، وإنكار الآخرين عليهم، ثم بعضهم يظن الرائي صحابياً وبعضهم يقيده بالتمييز، ومن لم يعلم أن التابع الذي روى عن الصاحب، هل يظن الرائي مطلقاً صحابياً أو يقيده بالتمييز، ثم المميز هل سمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم رآه فقط؟ وأمثال من رآه - ولو كان مميزاً - إذا لم يسمع منه عليه السلام حديثاً لا يقبل مراسيله من يقبل المراسيل، كما قال الحافظ في الفتح: ص 2 - 7، وقال: هذا مما يلغز به، فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة، وخالفه النووي في حديث طارق بن شهاب في المهذب ص 483 - ج 4 قولاً وفعلاً.
2 ص 40.
3 في باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما ص 125 - ج 1.(1/36)
وَبِمَ يَعْلَمْنَ ذَلِكَ قُلْت: مِنْ قِبَلِ الْغُسْلِ، قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْك فَاغْسِلْ رَأْسَك عِنْدَ أَهْلِك، فَإِذَا حَضَرْت الصَّلَاةَ فَاغْسِلْ سَائِرَ بَدَنِك. انْتَهَى. قَالَ: وَإِسْمَاعِيلُ مَتْرُوكٌ عِنْدَهُمْ.(1/37)
فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْحَدَثُ؟ فَقَالَ: "مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ"
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ رَشِيقٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مُظَفَّرٍ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرٍ الْبَزَّارُ - بِمِصْرَ - ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ اللَّجْلَاجِ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَبِي رَوْحٍ ثَنَا سَوَادَةُ ين عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَحْمَدُ بْنُ اللَّجْلَاجِ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. لَيْسَ فِي هَذَا مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى مَالِكٍ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْمُعْتَادِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَاءَ، فَلَمْ يَتَوَضَّأْ، قُلْتُ: غَرِيبٌ جِدًّا1.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،
أَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 فِي سُنَنِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدَ الْعَزِيزِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ تَمِيمٍ وَلَا رَآهُ، وَالْيَزِيدَانِ مَجْهُولَانِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ، عَنْ بَقِيَّةَ ثَنَا شعبة عن عمر بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ" انْتَهَى، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ هَذَا، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَلَكِنَّهُ يُكْتَبُ، فَإِنَّ النَّاسَ مَعَ ضَعْفِهِ قَدْ احْتَمَلُوا حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ
__________
1 1 وفي الدراية: ص 11 لم أجده.
2 ص 57.(1/37)
كَتَبْنَا عَنْهُ، وَمَحَلُّهُ عِنْدَنَا الصِّدْقُ1 انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَاءَ، أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ، وَأَعَادَهُ فِي بَاب الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ2 فِي سُنَنِهِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابن جريح عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ، أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ" 3 انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: "إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ4: الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَيَّاشٍ مَرَّةً، وَمَرَّةً قَالَ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي حَدِيثِ الشَّامِيِّينَ فَقَطْ، وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ فَلَا يَخْلُو مِنْ ضَعْفٍ: إمَّا مَوْقُوفٌ فَيَرْفَعُهُ، أَوْ مَقْطُوعٌ فَيُوَصِّلُهُ، أَوْ مُرْسَلٌ فَيُسْنِدُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: وَإِنَّمَا وُثِّقَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ فِي الشَّامِيِّينَ5 دُونَ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ كَانَ شَامِيًّا، وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ اصْطِلَاحٌ في كيفية الأخذ في التَّشَدُّدِ وَالتَّسَاهُلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالشَّخْصُ أَعْرَفُ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَلِذَلِكَ6 يُوجَدُ فِي أَحَادِيثِهِ عَنْ الْغُرَبَاءِ مِنْ النَّكَارَةِ، فَمَا وَجَدُوهُ مِنْ الشَّامِيِّينَ احْتَجُّوا بِهِ، وَمَا كان من الحجاويين. وَالْكُوفِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ تَرَكُوهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَحَكَى كَلَامَهُ الْمَذْكُورَ، ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ" الْحَدِيثُ، إنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ لَيْسَ فِيهِ عَائِشَةُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنِ عَيَّاشٍ، مَا رَوَاهُ عَنْ الشَّامِيِّينَ،
__________
1 لعله هو الذي ذكره الخطيب في تاريخه ص 345 - ج 4، وقال: وكان ثقة مأموناً عالماً بالعربية واللغة، عالماً بالقرآن، قلت هذا، ثم ظهر أنه من رجال الميزان، ترجمته في اللسان ص 245، قال مسلمة: ثقة مشهورة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، قال ابن عدي: وأبو عتبة مع ضعفه احتمله الناس ورووا عنه، وقال الحاكم: أبو أحمد قدم العراق فكتبوا عنه، وأهلها حسن الرأي فيه، لكن محمد بن عوف كان يتكلم فيه، ورأيت ابن جوصا يضعف أمره، ونقل الخطيب عن ابن عوف أنه كذبه، قلت: ووثقه الحاكم، وروى عنه النسائي خارج السنن، قال الحافظ: قلت هو وسط.
2 ابن ماجه في باب ما جاء في البناء على الصلاة.
3 وفي نسخة: ما لم يتكلم.
4 3 ص 56، وقال ابن أبي حاتم في العلل: ص 179، قال أبو زرعة: هذا خطأ، الصحيح عن ابن جريج عن أبيه عن ابن أبي مليكة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً اهـ.
5 وهذا منها، فإنه عن ابن جريج، وقال فيه: عن ابن أبي مليكة عنها دراية.
6 في نسخة: كذلك.(1/38)
فَصَحِيحٌ، وَمَا رَوَاهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى كَلَامُ أَحْمَدَ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ. وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ. وَغَيْرُهُمْ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ مَرَّةً هَكَذَا مُرْسَلًا، كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الشَّافِعِيِّ، قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ثَابِتَةً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ صَحَّتْ فَيُحْمَلُ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ لَا عَلَى وُضُوءِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَوْ حُمِلَ الْوُضُوءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ فَقَطْ لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِالِانْصِرَافِ، ثُمَّ بِالْغَسْلِ، وَلَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ، بَلْ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُرْسَلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا حُجَّةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الدَّاهِرِيِّ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ رَعَفَ1 وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ أَحْدَثَ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ ليجيء فَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى" انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي بَكْرٍ الدَّاهِرِيِّ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ2: كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي حَجَّاجٍ هَذَا مَنْ هُوَ؟ فَإِنِّي رَأَيْت فِي حَاشِيَةٍ: أَنَّ حَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَلْقَهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَصْحَابِنَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا، إنَّمَا ذلك عرق، وليست بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ". قَالَ هِشَامٌ: قَالَ أَبِي: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ3 الْخَصْمُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن الراوي علقه4 إذ لَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ لَقَالَ، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا قَالَ: تَوَضَّئِي شَاكَلَ مَا قَبْلَهُ
__________
1 في الدارقطني: ص 57 ذكر الرعاف فقط.
2 السعدي: هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن عبد الله السعدي المروزي.
3 وهو البيهقي في سننه ص 344 - ج 1، ويؤيده سياق الدارمي: ص 106.
4 قال الحافظ في الفتح ص 286: ادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي في روايته، وادعى آخر أن قوله توضئي: من كلام عروة. موقوفاً عليه وفيه نظر لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع، وهو قوله: فاغسلي اهـ.(1/39)
فِي اللَّفْظِ، وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ، وَلَفْظُهُ: وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَصَحَّحَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الوليد المخزومي عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْدَانُ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ
__________
1 في باب الصائم يستقي عامداً ص 331، والترمذي: ص 89 قلت: في هذا الحديث مباحث:
1 - الأول: أن الحديث عزاه الزيلعي. وابن حجر، غيرهما إلى الثلاثة، وإني لم أجد هذا الحديث في السنن الصغري للنسائي أصلاً والله أعلم.
2 - الثاني: أن الحديث مركب من حديثين: حديث أبي الدرداء. وحديث ثوبان، وفي كل منهما المطلوب، أما حديث أبي الدراداء، ففي طريق للترمذي فقط، فإن فيه: قاء فتوضأ، كقولهم: سافر فأفطر. أو شرب فحمد، وأما حديث ثوبان ففي طرفه كلما: أنا صببت له وضوءه، ولهذا أورده البيهقي. وابن جارود. والدارقطني في الطهارة مع أن في طريقهما لا متعلق في حديث أبي الدرداء.
3 - والثالث: أن الحديث أخرجه أبو داود: ص 331. وأحمد: ص 195 - ج 5، وص 443 - ج 6 والدارمي: ص 218. والدارقطني: ص 238. والطحاوي: ص 351. والحاكم: ص 426، وصححه على شرطهما. والبيهقي: ص 144 - ج 1. والترمذي: ص 89. وابن جارود: ص 15 كلهم في الصيام إلا الثلاثة الأخيرة فإنهم أخرجوه في الطهارة ويلفظ: قاء فأفطر إلا الترمذي، فإن فيه قاء فتوضأ ومن طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه بإسناده، إلا أبا داود والدارقطني فإنهما أخرجاه من طريق عبد الله بن عمر عن عبد الوارث، وإلا أحمد في روايته، فإن فيه عن هشام الدستوائي، وإلا في روايتين من المستدرك فإن فيهما عن الدستوائي. وحرب بن شداد عن يحيى، الخ.
4 - الرابع: أن من ظن أن الاستدلال في حديث أبي الدرداء فقط، ورأى أن كثيراً من أرباب الأصول لم يوردوه إلا بلفظ قاء فأفطر فقط. وقال: من استدل بحديث الباب لا بد له أن يثبت أن لفظ - فتوضأ - بعد - قاء - محفوظ، تفوه هذا القائل بهذا، وحيث لم يقل أحد من أئمة الحديث: بأن لفظ - فتوضأ - غير محفوظ كان ينبغي له أن يسكت كما سكت عنه الترمذي، بل يكتفي بقول الترمذي حديث حسين أصح شيء في هذا الباب ومن أين له أن يطالب بهذا، وسكت عنه الحفاظ، وصححه الترمذي. والحاكم، وأي تعارض بين: قاء فتوضأ، وبين: قاء فافطر، لنحتاج إلى تخطئة التقات من أصحاب عبد الصمد. وأبي عبيدة بن أبي السفر. وإسحاق بن منصور؟ وقد روى معمر هذا الحديث عن يحيى بإسناده. كما في مسند أحمد ص 449 - ج 6، وفيه استقاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأفطر، فأتى بماء فتوضأ. فإن قيل: قال الترمذي: روى معمر هذا الحديث فأخطأ، قال: عن يعيش عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء، ولم يذكر الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان، اهـ. قلت: إذا اخطأ الثقة الثبت في لفظ السند، وتبين ذلك بالحجة الواضحة يقتصر على تبين فيه فقط، فخطأ معمر في - معدان - وترك الأوزاعي لا يدل على خطأ المتن أيضاً لا سيما ولم يخالف فيه أحداً من الثقات، فإن أصحاب عبد الصمد رووا عنه الوضوء والإفطار كليهما فهما في الحديث، فحديث معمر. وعبد الصمد متوافقان لا يختلفان، ولو كان الاختلاف لما ضر أيضاً، ألا ترى أنهم زعموا أن كلمة: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما ظهر، الخ في حديث مالك وغيره، حكموا عليه بالادراج لحديث الأوزاعي، وأن حديث الأوزاعي الذي استدلوا به فيه خطأ بين، حيث قال: عن الزهري عن ابن المسيب، وإنما هو عن الزهري عن ابن أكيمة الليثي، كما في كتاب القراء ص 97.(1/40)
أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَتَوَضَّأَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وُضُوءَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ1: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَاب وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَعَلَّهُ الْخَصْمُ3 بِاضْطِرَابٍ وَقَعَ فِيهِ، فَإِنَّ مَعْمَرًا4 رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعِيشَ عَنْ خَالِد بْنِ مَعْدَانُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَوْزَاعِيَّ، وَأُجِيبَ: بِأَنَّ اضْطِرَابَ بَعْضِ الرُّوَاةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي ضَبْطِ غَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: قَدْ اضْطَرَبُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: قَدْ جَوَّدَهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ الْوُضُوءَ فِيهِ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ، قَالَ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، ثُمَّ أَسْنَدَ5 إلَى مطرف بن ماذن حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ الدِّمَشْقِيِّ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي غَسْلَ الْفَمِ وَالْيَدِ وُضُوءًا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمُطَرِّفُ بْنُ ماذن تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ6 ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ غَسَلَ يَدَيْهِ مِنْ طَعَامٍ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7 عَنْ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ أَبِي خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَالَ مِنْ أَنْفِي دَمٌ، فَقَالَ: "أَحْدِثْ وُضُوءًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ إسْحَاقُ بْن رَاهْوَيْهِ: عَمْرُو8 بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ، انْتَهَى. وَفِي التَّحْقِيقِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ. قَالَ وَكِيعٌ: كَانَ فِي جِوَارِنَا يَضَعُ الْحَدِيثَ، فَلَمَّا فُطِنَ لَهُ تَحَوَّلَ إلَى وَاسِطَ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَضَعُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي: كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ بِهِ. وَأَعَلَّهُ بِالدَّالَانِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ كَثِيرُ الْخَطَأِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا وَافَقَ9 فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ؟!.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَبَاحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ تَوَضَّأَ، ثُمَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْخَصْمُ
__________
1 قال الحافظ في الدراية ص 21: صححه الترمذي. والحاكم، وقال في التلخيص ص 188: قال ابن مندة: إسناده صحيح متصل، اهـ.
2 ص 426.
3 وهو البيهقي: ص 144.
4 أخرجه أحمد في مسنده ص 449 - ج 6.
5 ص 141.
6 فيه حديث عكراش أيضاً عن الترمذي في - الأطعمة - في باب التسمية على الطعام ص 8 - ج 2 فغسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه، وقال: "يا عكراش هذا الوضوء مما مست النار" قال الترمذي: هذا حديث غريب، الخ.
7 ص 57.
8 أبو خالد هذا عمرو بن خالد، متروك العلل ص 48.
9 في الدارقطني: ووافق رواته.(1/41)
بِعُمَرَ بْنِ رَبَاحٍ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عُمَرُ بْنُ رَبَاحٍ الْعَبْدِيُّ مَوْلَى ابْنِ طَاوُسٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ بِالْبَوَاطِيلِ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: دَجَّالٌ، وَفِي التَّحْقِيقِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ1: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حديث إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَعَفَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَغْسِلْ عَنْهُ الدَّمَ، ثُمَّ لِيُعِدْ وُضُوءَهُ وَيَسْتَقْبِلْ صَلَاتَهُ". انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْخَصْمُ3 بِسُلَيْمَانَ4 بْنِ أَرْقَمَ.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ5 ثَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا رَعَفَ رَجَعَ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، ثُمَّ رَجَعَ وَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَصَابَهُ رُعَافٌ، أَوْ مَذْيٌ أَوْ قَيْءٌ انْصَرَفَ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ فَيَبْنِي، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ6 فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ رُزْءًا أَوْ رُعَافًا، أَوْ قَيْئًا فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ تَكَلَّمَ اسْتَقْبَلَ، وَإِلَّا اعْتَدَّ بِمَا مَضَى، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ الْحَنَفِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعْدٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: قال سَلْمَانُ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ رُزْءًا مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ غَيْرُ متكلم، ثم ليعيد إلَى الْآيَةِ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ. وَأَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا رَعَفَ الرَّجُل فِي الصَّلَاةِ أو زرعه الْقَيْءُ أَوْ وَجَدَ مَذْيًا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُتِمُّ مَا بَقِيَ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ7 فِي الْمُوَطَّأِ أَخْبَرَنَا يزيد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَعَفَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ وَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: لَيْسَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِ نَقْضِهِ بِالدَّمِ. وَالْقَيْءِ. وَالضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ رَوَى أَبُو دَاوُد8 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ9 مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي صَدَقَةُ
__________
1 ص 57.
2 ص 55.
3 أي الدارقطني.
4 لعله هو الذي ذكره الخطيب في: ص 13 - ج 9، وضعفه.
5 في باب ما جاء في الرعاف والقيء ص 13.
6 والدارقطني: ص 57 من طريق يونس عن أبي إسحاق عن عاصم، والحارث عن علي، الحديث بمعناه.
7 ص 13.
8 في الطهارة في باب الوضوء من الدم ص 29 - ج 1.
9 قال الخطابي: قد يحتج بهذا الحديث من لا يرى خروج الدم وسيلانه من غير السبيلين ناقضاً للطهارة، وقال: لست أدري كيف يصح هذا الاستدلال من الخبرة، والدم إذا سال أصاب بدنه وجلده وربما أصاب ثيابه، ومع إصابة شيء من ذلك وإن كان يسيراً لا تصح الصلاة عند الشافعي إلا أن يقال: إن الدم كان يخرج من الجراحة على سبيل الذرق حتى لا يصيب شيئاً من ظاهر بدنه فهو أمر عجب اهـ معالم السنن ص 71 - ج 1.(1/42)
بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتَّى أُهْرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا، فَقَالَ: "هَلْ رَجُلٌ يَكْلَأُ" فَانْتُدِبَ رَجُلٌ1 مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ2 مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: "كَوُنَا بِفَمِ الشِّعْبِ" فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ فَصَلَّى، فَأَتَى الرَّجُلُ: فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ حَتَّى رَمَاهُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَبَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنْ الدِّمَاءِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأَهَا، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَمْسِينَ مِنْ الْقِسَمِ الرَّابِعِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَصَحَّحَهُ، وَعَلَّقَهُ، الْبُخَارِيُّ4 فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ فَقَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ5 فِي سُنَنِهِمَا إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ وَقَالَ فِيهِ: فَنَامَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَامَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ يُصَلِّي، وَقَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي بِسُورَةٍ وَهِيَ الْكَهْفُ فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 فِي سُنَنِهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُقَاتِلٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْقُرَشِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ7 عَنْ صَالِحِ بْنِ مُقَاتِلٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَأَبُوهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد مَجْهُولٌ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ8 أَيْضًا عَنْ عُتْبَةَ بْنِ السَّكَنِ الْحِمْصِيِّ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْن نُسَيٍّ. وَهُبَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا: ثَنَا أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ ثَنَا ثَوْبَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَدَعَانِي بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه أَفَرِيضَةٌ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَيْءِ؟ قَالَ: "لَوْ كَانَ فَرِيضَةً لَوَجَدْتَهُ فِي الْقُرْآنِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ غَيْرُ عُتْبَةَ بْنِ السَّكَنِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقَلْسُ حَدَثٌ". قُلْتُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ9 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقَلْسُ حَدَثٌ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ غَيْرُ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
__________
1 هو عمار بن ياسر.
2 هو عباد بن بشر.
3 ص 156.
4 في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين ص 29 - ج 1.
5 في باب ترك الوضوء من الدم ص 140 - ج 1.
6 ص 55، ص 57.
7 لم أجد هذه الزيادة.
8 ص 58.
9 ص 57.(1/43)
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلًا"،
قُلْتُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّزَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَيْمُونِ بْن مِهْرَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إلَى آخِرِهِ، سَوَاءً قَالَ: وَخَالَفَهُ حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. سَوَاءً قَالَ: وَحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ ضَعِيفٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ أَيْضًا ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ أَوْ دَسْعَةً تَمْلَأُ الْفَمَ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ: مِنْ إقْطَارِ الْبَوْلِ. وَالدَّمِ السَّائِلِ. وَالْقَيْءِ. وَمِنْ دَسْعَةً تَمْلَأُ الفم. ونوم المضجع. وَقَهْقَهَةِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ. وَخُرُوجِ الدَّمِ"، انْتَهَى. وَضُعِّفَ، فَإِنَّ فِيهِ سَهْلَ بْنَ عَفَّانَ. وَالْجَارُودَ بْنَ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَاعِدًا. أَوْ رَاكِعًا. أَوْ سَاجِدًا. إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ" قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي خالد الدَّالَانِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ حَتَّى غَطَّ أَوْ نَفَخَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك قَدْ نِمْتَ؟ قَالَ: "إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ والدارقطني3 فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَا يَصِحُّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظٌ فِيهِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا حَتَّى يَضَعَ جَنْبَيْهِ، فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ. وَقَالَ: تفرد بن يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّالَانِيُّ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ5: وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا الْعَالِيَةِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو دَاوُد6: وَقَوْلُهُ: إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا يَزِيدُ الدَّالَانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ وَرَوَى أَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ7 فِي حَدِيثِ: لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ
__________
1 ص 30 في باب الوضوء من النوم.
2 ص 80، واللفظ له وأحمد: ص 256 مختصراً.
3 ص 58.
4 ص 121.
5 ص 81.
6 أي في سننه.
7 قلت: لم أجده.(1/44)
مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى: إنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ1 آخَرَ: قَالَ شُعْبَةُ: إنَّمَا سَمِعَ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ2 حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّلَاةِ. وَحَدِيثُ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَزِيدُ الدالاتي كَثِيرَ الْخَطَأِ فَاحِشَ الْوَهْمِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، فَكَيْفَ إذَا تَفَرَّدَ عَنْهُمْ بِالْمُعْضِلَاتِ؟! وَقَالَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا شَيْءَ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا الْعَالِيَةَ، وَلَا أَعْرِفُ لأبي خالد الدالاتي سَمَاعًا مِنْ قَتَادَةَ3 وَأَبُو خَالِدٍ صَدُوقٌ لَكِنَّهُ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ، انْتَهَى. وَكَانَ هَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي اشْتِرَاطِهِ فِي الِاتِّصَالِ السَّمَاعَ، وَلَوْ مَرَّةً. وَقَالَ ابْنُ عدي: أبو خالد الدالاتي لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَمَعَ لِينِهِ أَنَّهُ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى رِوَايَتِهِ مَهْدِيُّ بْنُ هِلَالٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ هِلَالٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا وُضُوءٌ حَتَّى يَضْطَجِعَ جَنْبُهُ إلَى الْأَرْضِ". وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ4 مِنْ جِهَتِهِ عَنْ بَحْرِ بْنِ كُنَيْزٍ5 السَّقَّا عَنْ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ جَالِسًا أَخْفِقُ فَاحْتَضَنِّي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ وَجَبَ عَلِيَّ وُضُوءٌ؟ قَالَ: " لَا، حتى تضع جَنْبُك". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ بَحْرُ بْنُ كُنَيْزٍ السَّقَّا: وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَلِيلَ النَّوْمِ وَكَثِيرَهُ نَاقِضٌ، وَعَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَتْ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد6 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذَةَ بِمُعْجَمَةٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ"، وَأُعِلَّ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَقِيَّةَ. وَالْوَضِينَ فِيهِمَا مَقَالٌ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ. وَنَازَعَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِمَا قَالَ: وَبَقِيَّةُ قَدْ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَسَأَلَ أَبُو زُرْعَةَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَا أَرَى بِأَحَادِيثِهِ بَأْسًا. وَالثَّانِي: الِانْقِطَاعُ، فَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ7 وَفِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ أن ابن عائذ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ8
__________
1 أي في الطهارة في باب الوضوء من النوم 30 في هذا الحديث.
2 وزاد البيهقي حديثين آخريين أيضاً، راجع ص 121 - ج 1.
3 ذكر صاحب الكمال أنه سمع عن قتادة الجوهر النفي. وقال: وصحح ابن جرير هذا الحديث، واستدل به على مذهبه، وقال: الدالاتي لا ندفعه عن العدالة والديانة.
4 ص 120 - ج 1.
5 كنيز: بنون. وزاء معجمة.
6 في باب الوضوء من النوم ص 3 - ج 1، والبيهقي: ص 118. ولم أجده في ابن ماجه.
7 ص 47.
8 أي لم يسمع عنه.(1/45)
وَزَادَ فِي الْعِلَلِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَا: لَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ1.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ بَقِيَّةَ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العين وكاء سه، فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنُ3 اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ"، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَزَادَ: فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ. وَأُعِلَّ أَيْضًا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْكَلَامُ فِي أَبِي بكرة بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ4 وَأَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَرْوَانَ بْنِ جَنَاحٍ رَوَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَوْقُوفًا، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: مَرْوَانُ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَجَبَ الْوُضُوءُ عَلَى كُلِّ نَائِمٍ إلَّا مَنْ خَفَقَ بِرَأْسِهِ خَفْقَةً أَوْ خَفْقَتَيْنِ" انْتَهَى. وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ5 مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ غَيْرُ نَاقِضٍ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ6. وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ {ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: نِمْتُ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ إلَى أَنْ قَالَ: فَتَتَامَّتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ رَكْعَةً , ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنهُ بِالصَّلَاةِ , فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ} . الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ7 فِي الدَّعَوَاتِ وَمُسْلِمٌ8 فِي التَّهَجُّدِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْفُوظًا، قُلْنَا: فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ9 عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ: انْتَهَى. وَحُمِلَ هَذَا عَلَى نَوْمِ الْجَالِسِ. وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ أَبِي دَاوُد10 وَفِيهِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رؤوسهم ثُمَّ يُصَلُّونَ، وَلَا يَتَوَضَّئُونَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ11: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ12 عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.
قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوقَظُونَ لِلصَّلَاةِ حَتَّى إنِّي لِأَسْمَع لِأَحَدِهِمَا غَطِيطًا، ثُمَّ
__________
1 وحسنه المنذري. وابن الصلاح، كذا في النيل.
2 في باب الوضوء من النوم ص 118 - ج 1، وأخرجه الدارمي: ص 98.
3 وفي نسخة العينان.
4 في العلل ص 17.
5 أخرجه البيهقي ص 119 موقوفاً.
6 وبما أخرجه أحمد في مسنده ص 26 - ج 1 عن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينام مستقيماً حتى ينفخ، ثم يقوم ويصلي ولا يتوضأ.
7 في باب الدعاء إذا انتبه من الليل ص 934.
8 في صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه بالليل ص 260.
9 في باب نوم الجالس، لا ينقض الوضوء ص 163 - ج 1.
10 في باب الوضوء من النوم ص 30.
11 أخرجه الدارقطني: ص 48 من طريق الدستوائي أيضا، وقال: صحيح.
12 والدارقطني: ص 48 أيضا من طريق ابن المبارك، وقال: صحيح، وأخرجه البيهقي: ص 120- ج1(1/46)
يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَعْنِي وَهُمْ جُلُوسٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1 وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمَلٌ، وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ هُنَا أَشَدُّ لِذِكْرِ الْغَطِيطِ، انْتَهَى. إذْ لَا يَخْفِقُ بِرَأْسِهِ إلَّا مَنْ نَامَ جَالِسًا. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ وَهَذَا يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ، فَيَضَعُونَ جَنُوبَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَامُ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: وَهَذَا كَمَا تَرَى صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ إمَامٍ عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ2: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ3 عَبْدِ السَّلَامِ الخشي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ4 ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا شُعْبَةُ بِهِ، قَالَ: وَهَذَا كَمَا تَرَى صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ إمَامٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ النُّعَاسَ غَيْرُ نَاقِضٍ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ5 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذَكَرَ قِيَامَهُ، خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفِيهِ قَالَ: فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ جَمِيعًا" قُلْتُ: فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ، وَأَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ. أَمَّا الْمُسْنَدَةُ فَرُوِيَتْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ. وَأَبِي الْمَلِيحِ.
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ6 فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ7 بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ثَنَا هِشَامُ8 بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَتَرَدَّى فِي حفرة كانت فِي الْمَسْجِدِ، - وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَرَرٌ - فَضَحِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْقَوْمِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَيُعِيدَ الصَّلَاةَ انْتَهَى.
__________
1 ص 120
2 أخرجه ابن حزم في المحلى ص 224 - ج 11 من حديث قاسم بن الأصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشي ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى، الخ.
3 وفي الجوهر ص 120 - ج 1: محمد بن عبد الرحيم الخشي ثنا محمد بن بشار، والصواب: محمد بن عبد السلام الخشي، راجع له تذكرة الحفاظ ص 200 - ج 2.
4 أصل الحديث في الترمذي في باب الوضوء من النوم ص 80 من طريق ابن بشار، وليس فيه ذكر الجنوب، والله أعلم، وكذا عند الدارقطني: ص 48 بلفظ: كنا نأتي مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فننام فلا نحدث لذلك وضوءاً، وقال: صحيح، اهـ.
5 هذا اللفظ لم أجده في البخاري، إنما هو في مسلم: ص 261 - ج 1.
6 قال الهيثمي في الزوائد ص 246: رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن عبد الملك الدقيقي، وبقية رجاله موثقون، اهـ. وقال في ص 82 - ج 2: رجاله موثقون، وفي بعضهم خلاف اهـ، قلت: محمد ابن عبد الملك، قال النسائي: ثقة، وقال ابن أبي حاتم: سمع منه أبيّ، وسئل أبيّ عنه فقال: صدوق، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مسلمة ثقة قال الخضرمي: ثقة، قال الدارقطني: وقال أبو داود: ولم يكن بمحكم العقل تهذيب ص 317 - ج 9، وثقه مطين. والدارقطني ميزان.
7 هو محمد بن موسى بن أبي نعيم صدوق، لكن طرحه ابن معين تقريب.
8 مدلس من الثالثة.(1/47)
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْن أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا قَهْقَهَ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ"، انْتَهَى. قَالَ: وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ مَتْرُوكٌ مَعَ مَا يُقَالُ فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ الْحَسَنِ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَالْبَلَاءُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَعَبْدِ الْكَرِيمِ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ ثَنَا أَبِي ثَنَا عمرو بن قيس السكوني عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ". قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَل الْمُتَنَاهِيَةِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ بَقِيَّةَ مِنْ عَادَتِهِ التَّدْلِيسُ، وَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ الضُّعَفَاءِ، فَحَذَفَ اسْمَهُ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ بَقِيَّةَ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، وَالْمُدَلِّسُ إذَا صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ - وَكَانَ صَدُوقًا - زَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، وَبَقِيَّةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فأخرجه الدارقطني2 عن دَاوُد بْنِ الْمُحَبَّرِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خُوطٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا، فَجَاءَ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ يُمَثِّلُ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ دَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَأَيُّوبُ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ ثَنَا سَلَّامٍ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ. وَأَبِي الْعَالِيَةِ أن أعمى تردى فذكره، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سَلَّامٍ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ يَضَعُ الْأَحَادِيثَ3، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَقَالَ: وَسُفْيَانُ هَذَا سيء الْحَالِ، وَأَحْسَنُ حَالَاتِهِ أَنْ يَكُونَ وَهِمَ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدَهُ4 أَعْنِي قَوْلَهُ فِيهِ: عَنْ أَنَسٍ فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: مِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ. وَمُوهِبُ بْنُ يَزِيدَ. وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ. وَغَيْرُهُمْ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، بَلْ أَرْسَلُوهُ عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الزُّهْرِيِّ5 أَنَّهُ قَالَ: لَا وُضُوءَ فِي الْقَهْقَهَةِ. قَالَ: فَلَوْ كَانَ هَذَا صحيحاً عند الوهري لَمَا أَفْتَى بِخِلَافِهِ. انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ فِي تَارِيخِ جُرْجَانَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ شِهَابِ بْنِ طَارِقٍ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا
__________
1 ص 60.
2 ص 60.
3 في الدارقطني: ص 59 هو متروك الحديث بدون ذكر الوضع.
4 عبارة الدارقطني هكذا: إن لم يكن تعمد في قوله: عن الحسن عن أنس.
5 ص 61.(1/48)
أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ فُورَكٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْأَشْعَرِيُّ ثَنَا عَمَّارُ بْنُ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ هِلَالٍ ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَهْقَهَ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً شَدِيدَةً فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْن سِنَانٍ ثَنَا أَبِي2 ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيُعِدْ الصَّلَاةَ"، انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ: يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ضَعِيفٌ، وَيُكَنَّى بِأَبِي فرواه الرَّهَاوِيِّ، وَابْنُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَقَدْ وَهِمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي رَفْعِهِ إيَّاهُ. وَالْآخَرُ: فِي لَفْظِهِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ كَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ جَمَاعَةٌ مِنْ الرِّفْعَةِ الثِّقَاتِ: مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ. وَوَكِيعٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد الْخُرَيْبِيُّ3 وَعُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ. وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ. ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ وَزَادَ فِي لَفْظِ: إنَّمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ حِينَ ضَحِكُوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عمر5 بن قيس اللائي عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ قَرْقَرَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ" قَالَ: وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الْمَكِّيُّ الْمَعْرُوفُ بِسَنْدَلٍ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ. وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ كَذَّابٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ بِهِ، وَلِابْنِ عَدِيٍّ فِيهِ طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ: "أَعِدْ وُضُوءَك" انْتَهَى. قَالَ: وَمُحَمَّدٌ الْخُزَاعِيُّ مِنْ مَجْهُولِي مَشَايِخِ بَقِيَّةَ. قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنُ رَاشِدِ مَجْهُولٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ - بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ. وَابْنُ عُمَارَةَ
__________
1 ص 63.
2 في نسخة بدون أبي.
3 وفي س الحريثي.
4 ص 60.
5 وفي نسخة عمرو.
6 النقطة من الدارقطني: ص 59، وفيه بعض التقديم والتأخير.(1/49)
ضَعِيفَانِ، وَكِلَاهُمَا أَخْطَأَ فِي الْإِسْنَادِ1، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا، وَكَانَ الْحَسَنُ كَثِيرًا مَا يَرْوِيهِ مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ فَوَهْمٌ قَبِيحٌ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، رَوَاهُ عَنْهُ كَذَلِكَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَهُشَيْمٌ. وَوَهْبٌ. وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ اضْطَرَبَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ هَذَا الْحَدِيثَ2 عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمَرَّةٌ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ، وَقَتَادَةُ إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا كَذَلِكَ، رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. وَمُسْلِمُ بن أبي الذيال. وَمَعْمَرٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ. وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ. وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ ذَكَر أَحَادِيثَهُمْ الْخَمْسَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ خَمْسَةٌ ثِقَاتٌ رَوَوْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا. وَأَيُّوبُ بْنُ خُوطٍ. وَدَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ جَبَلَةَ. وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، كُلُّهُمْ مَتْرُوكُونَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفٌ، فَكَيْف! وَقَدْ خَالَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةُ ثِقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْن إسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: فَضَحِكَ نَاسٌ مِنْ خَلْفِهِ، وَقَالَ: الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَحَدِيثُهُ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ الصَّوَابِ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا الْمَرَاسِيلُ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ: أَشْهُرُهَا مُرْسَلُ أَبِي الْعَالِيَةِ. وَالثَّانِي: مُرْسَلُ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ. وَالثَّالِثُ: مُرْسَلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَالرَّابِعُ: مُرْسَلُ الْحَسَنِ.
أَمَّا مُرْسَلُ أَبِي الْعَالِيَةِ، فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: رِوَايَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَاءَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ قَتَادَةَ. وَحَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ. وَأَبِي هَاشِمٍ الزِّمَّانِيِّ3 فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَمِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ. وَأَبِي عَوَانَةَ. وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. وَسَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، فَحَدِيثُ مَعْمَرٍ رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ أَنَّ أَعْمَى تَرَدَّى فِي بِئْرٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ. فَضَحِكَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ ضَحِكَ مِنْهُمْ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَيُعِيدَ الصَّلَاةَ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ. وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عَنْ قَتَادَةَ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ، فَمِنْ جِهَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ. وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ. وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ. وَمَطَرٍ الْوَرَّاقِ. وَحَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هَاشِمٍ الزِّمَّانِيِّ، فَمِنْ جِهَةِ شَرِيكٍ. وَمَنْصُورٍ أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ من
__________
1 15 عبارة الدارقطني هكذا: في هذين الإسنادين.
2 لهذا الحديث كما في الدارقطني.
3 وفي نسخة: الرماني بالمهملة.(1/50)
جِهَةِ شريك فقط. وَأَبُو دَاوُد رَوَاهُ فِي مَرَاسِيلِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي رِوَايَتُهُ مُرْسَلًا عَنْ غَيْرِهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ جِهَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي، فَمَرَّ رَجُلٌ فِي بَصَرِهِ سُوءٌ، فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَضَحِكَ طَوَائِفُ مِنْ الْقَوْمِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ خَالِدٌ، وَلَمْ يُسَمِّ الرَّجُلَ، وَلَا ذَكَرَ أَلَهُ صُحْبَةٌ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يَصْنَعْ خَالِدٌ شَيْئًا. وَقَدْ خَالَفَهُ خَمْسَةٌ: اثْنَانِ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ، وَقَوْلُهُمْ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: زِيَادَةُ خَالِدٍ - هَذَا الرَّجُلَ الْأَنْصَارِيَّ - زِيَادَةُ عَدْلٍ لَا يُعَارِضُهَا نَقْضُ مَنْ نَقَضَهَا، ثُمَّ أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا تَأْخُذُوا بِمَرَاسِيلِ الْحَسَنِ. وَلَا أَبِي الْعَالِيَةِ، وَمَا حدثتموني قفلا تُحَدِّثُونِي عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ. وَالْحَسَنِ. فَإِنَّهُمَا كَانَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا حَدِيثَهُمَا. وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَرْبَعَةٌ يُصَدِّقُونَ مَنْ حَدَّثَهُمْ، فَلَا يُبَالُونَ مِمَّنْ يَسْمَعُونَ: الْحَسَنُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ. وَحُمَيْدَ بْنُ هِلَالٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّابِعَ. وَذَكَرَهُ2 غيره، سماه أَنَسَ بْنَ سِيرِينَ.
وَأَمَّا مُرْسَلُ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عن معبد الحهني عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ إذْ أَقْبَلَ أَعْمَى يُرِيدُ الصَّلَاةَ، فَوَقَعَ فِي زُبْيَةٍ، فَاسْتَضْحَكَ الْقَوْمُ حَتَّى قَهْقَهُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَهْقَهَ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهِمَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ عَلَى مَنْصُورٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مَعْبَدٍ، وَمَعْبَدٌ3 هَذَا لَا صُحْبَةَ لَهُ. وَيُقَالُ: إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ مِنْ التابعين حدث به مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ غَيْلَانُ بْنُ جَامِعٍ. وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، وَهُمَا أَحْفَظُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْإِسْنَادِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ يَقُلْ فِي إسْنَادِهِ: عَنْ مَعْبَدٍ إلَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَخْطَأَ فِيهِ، قَالَ لَنَا ابْنُ حَمَّادٍ وَكَانَ يَمِيلُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ: هُوَ مَعْبَدُ بْنُ هَوْزَةَ، قَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ، لِأَنَّ مَعْبَدَ بْنَ هَوْزَةَ4 أَنْصَارِيٌّ، وَهَذَا جُهَنِيٌّ، انْتَهَى.
وَأَمَّا مُرْسَلُ النَّخَعِيّ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، الْحَدِيثَ، ثُمَّ أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ،
__________
1 بسند فيه عن رجل لم يسم.
2 لم أجد هذا القدر في الدارقطني.
3 قال ابن الهمام في الفتح ص 35 - ج 1: وفيه نظر، وأن معبداً الذي لا صحبة له، هو معبد البصري الجهني الذي كان الحسن يقول فيه: إياكم ومعبداً فإنه ضال مضل، ومعبد هذا هو الخزاعي، كما هو مصرح في مسند أبي حنيفة، ولا شك في صحبته، ذكره ابن مندة. وأبو نعيم في الصحابة.
4 وفي نسخة هودة.(1/51)
قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إبْرَاهِيمُ مُرْسَلًا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكٌ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: فَرَجَعَ حَدِيثُ إبْرَاهِيمَ هَذَا الَّذِي أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، لِأَنَّ أَبَا هَاشِمٍ ذكر أنه حدث بِهِ عَنْهُ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِحُرُوفِهِ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ1 عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: مَرَاسِيلُ إبْرَاهِيمَ صَحِيحَةٌ إلَّا حَدِيثَ: تَاجِرِ البحرين. وحديث القهقه، انْتَهَى. قُلْتُ: أَمَّا حَدِيثُ الْقَهْقَهَةِ فَقَدْ عُرِفَ. وَأَمَّا حَدِيثُ تَاجِرِ الْبَحْرَيْنِ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَكِيعٌ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ تَاجِرٌ أختلف إلى البحرين، فأمر أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَعْنِي الْقَصْرَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا مُرْسَلُ الْحَسَنِ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْحَسَنِ فَذَكَرَهُ، وَعِلَتُهُ رِوَايَةُ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بن أبي أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَعْنِي يَحْيَى بْنَ حَسَّانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى تَوَسُّطِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بَيْنَ ابْنِ شِهَابٍ. وَالْحَسَنِ. وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَتْرُوكٌ تَعَلَّلَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَذَكَرَهُ. وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ2 فِي الْكَامِلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَكَانَ أَعْلَمَ الناس بحديث القهقة: إنَّهُ كُلَّهُ يَدُورُ عَلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ الْحَسَنَ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد عن حفص بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ الْحَسَنَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قُلْتُ لَهُ: فَقَدْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، قَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قُلْتُ لَهُ: فَقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَرَأْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ3 فِي سُنَنِهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، أَوْ الْحَسَنِ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَمَا اسْتَجَازَ الْقَوْلَ بِخِلَافِهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى مِنْ الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ وُضُوءًا. وَعَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ
__________
1 22 وكذا أسند البيهقي في ص 148.
2 والدارقطني في سننه ص 60 والبيهقي في الكبرى ص 147 - ج 1.
3 ص 147 - ج 1.(1/52)
قَالَ: مِنْ الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ تُعَادُ الصَّلَاةُ وَلَا يُعَادُ الْوُضُوءُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَسَانِيدَ مَوْصُولَةٍ، إلَّا أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ. وَقَدْ ثَبَتَ أَحَادِيثُهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. وَقَتَادَةُ. وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ. وَالزُّهْرِيُّ مُرْسَلًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا، وَمَدَارُ الْكُلِّ يَرْجِعُ إلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، وَالْحَدِيثُ لَهُ، وَبِهِ يُعْرَفُ، وَمِنْ أَجَلِهِ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ، وَلَكِنْ سَائِرُ أَحَادِيثِهِ مُسْتَقِيمَةٌ صَالِحَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَارُ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ رِيَاحٌ، قَالَ: وَهُوَ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ1 يَرْوِيهِ مَرَّةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. وَمَرَّةً عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ وَمَرَّةً يُرْسِلُهُ، فَيَقُولُ: عَنْ رَجُلٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ. وَاسْمُهُ رُفَيْعٌ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ الْمُجْمَعِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَخْبَارُ الرِّيَاحِيِّ رِيَاحٌ يُرِيدُ بِهِ مَا يُرْسِلُهُ، فَأَمَّا مَا يُوَصِّلُهُ فَهُوَ فِيهِ حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ: بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: كَذُوبٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَنَقَلَ عَنْ آخَرِينَ أَنَّهُمْ رَمَوْهُ بِحُبِّ الشَّبَابِ2، وَلَهُ حِكَايَاتٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَاظَرَ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَذَفَ مُحْصَنًا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: تبطل صلاته، قال: فوضوؤه؟ قال: وضوؤه عَلَى حَالِهِ، قَالَ: فَلَوْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَوُضُوءُهُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَيَكُونُ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ قذف محصناً، فَأَفْحَمَهُ، انْتَهَى. وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ مِنْ الْخَصَائِصِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ وُضُوءٌ، إنَّمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ حِينَ ضَحِكُوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَهَذَا لَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: الْمُسَيِّبُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: تَرَكَ النَّاسُ حَدِيثَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْفَلَّاسُ.
وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الضَّحِكَ غَيْرُ نَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ، حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الضَّحِكُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ" انْتَهَى. وَأَبُو شَيْبَةَ اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ أَحْمَدُ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَيَزِيدُ أَيْضًا قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَى هَذَا أَبُو شَيْبَةَ، فَرَفَعَهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَمَعَ ضَعْفِ هَذَا الْإِسْنَادِ اضْطَرَبَ فِي مَتْنِهِ، فَرُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الْكَلَامُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أيضاً.
__________
1 25 هذا كلام غير مستقيم، فإن الظاهر منه أن أبا العالية مرة يرويه عن ابن سيرين، ومرة عن بنت سيرين، وهذا ليس بصحيح، بل الصحيح أن حفصة ترويه عن أبي العالية أن أبا العالية مرة روى عن رجل ومرة أرسل.
2 أي المرد.(1/53)
وَمِمَّا استدل به عَلَى أَنَّ التَّبَسُّمَ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلصَّلَاةِ، حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا جَابِرٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ، فَتَبَسَّمَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبَسَّمْتَ وَأَنْتَ تُصَلِّي؟ فَقَالَ: "إنَّهُ مَرَّ مِيكَائِيلُ وعى جَنَاحِهِ غُبَارٌ فَضَحِكَ إلَيَّ فَتَبَسَّمْتُ إلَيْهِ وَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ"، انْتَهَى، وَسَكَتَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ، وَالْوَازِعُ بْنُ نَافِعٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَوَجَدْتُهُ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ - جبرئيل - عِوَضَ - مِيكَائِيلَ -. وَالسُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَبَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهُ مِيكَائِيلُ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَاب الضُّعَفَاءِ وَأَعَلَّهُ بِالْوَازِعِ، وَقَالَ: إنَّهُ كَثِيرُ الْوَهْمِ، فَيَبْطُلُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدِ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَشَرُ، وَلَكِنْ يَقْطَعُهَا الْقَهْقَهَةُ"، انْتَهَى، وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ عَنْ سُفْيَانَ إلَّا ثَابِتٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَلَفْظُهُ: وَلَكِنْ يَقْطَعُهَا الْقَرْقَرَةُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَلَعَلَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَشُبِّهَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ1 مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "إذَا ضَحِكَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ، وَإِذَا تَبَسَّمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ مَسِّ الْفَرْجِ
وَلِلْخُصُومِ الْقَائِلِينَ بِالنَّقْضِ أَحَادِيثُ: أَمْثَلُهَا بُسْرَةَ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، فَأَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ، فَذَكَرَ مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ4 وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَرْوَى بِنْتِ أُنَيْسٌ. وَعَائِشَةَ. وَجَابِرٍ. وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ
__________
1 محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال الدارقطني ص 46 في حديث طهارة المني: ثقة، في حفظه شيء، قال في ص 89 في حديث شفع الآذان والإقامة: ضعيف الحديث سيء الحفظ، وقال في ص 273 في حديث للقارن سعيان رديء الحفظ كثير الوهم.
2 28 ص 27.
3 ص 37، و75.
4 كلاهما في باب الوضوء من مس الذكر.(1/54)
فِي هَذَا الباب، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ هِشَامٌ مِنْ أَبِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَكَذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ1 فِي شَرْحِ الْآثَارِ: قَالَ: وَإِنَّمَا أَخَذَهُ هِشَامٌ بن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ ين عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، قَالَ: فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى. قُلْتُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ بُسْرَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ2 أَحْمَدُ3 فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ بُسْرَةَ بِنْتَ صَفْوَانَ أَخْبَرَتْهُ، وَقَالَ: الْبَيْهَقِيُّ4 فِي سُنَنِهِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَصَرَّحَ فِيهِ بِسَمَاعِ هِشَامٍ مِنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. وَجَمَعَ الدَّارَقُطْنِيُّ5 طُرُقَ هذا الحديث في اثني عشر ورقة كبار، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدِيثَ بُسْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُسْرَةَ مَرْفُوعًا "مَنْ مَسَّ فرجه فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ"، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَأُنْثَيَيْهِ عَنْ هِشَامٍ إلَّا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ، وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ في النوع الثاث وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِنَا، وَلَكِنَّ عُرْوَةَ لَمْ يَقْنَعْ بِسَمَاعِهِ مِنْ مَرْوَانَ حَتَّى بَعَثَ مَرْوَانُ شُرْطِيًّا لَهُ إلَى بُسْرَةَ فَسَأَلَهَا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَتْ بُسْرَةُ، ثُمَّ لَمْ يُقْنِعْهُ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ عُرْوَةُ إلَى بُسْرَةَ فَسَمِعَ مِنْهَا، فَالْخَبَرُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ مُتَّصِلٌ لَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ، وَصَارَ مَرْوَانُ. وَالشُّرْطِيُّ كَأَنَّهُمَا زَائِدَانِ فِي الْإِسْنَادِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، وَفِي آخِرِهِ قَالَ عُرْوَةُ: فَذَهَبْتُ إلَى بُسْرَةَ فَسَأَلْتُهَا فَصَدَّقَتْهُ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّي غَسْلَ الْيَدِ وُضُوءًا، بِدَلِيلِ مَا أُخْبِرْنَا. وَأُسْنِدَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ". وَأُسْنِدَ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ" قَالَ: وَالْإِعَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَاسْتَضْعَفَهُ الطَّحَاوِيُّ6 بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ عَدَّ جَمَاعَةً لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ
__________
1 ص 42.
2 قلت: لعل أحمد لم يقنع به، إذ الدارقطني ص 55 روى مناظرة بين علي بن المديني ويحيى بن معين، بأن ابن المديني استدل بحديث قيس بن طلق، فقال يحيى: قد أكثر الناس في قيس بن طلق، فلا يحتج بحديثه. واستدل يحيى بحديث بسرة، فأعله ابن المديني بالانقطاع، فقال أحمد بن حنبل: كلا الأمرين على ما قلتما.
3 ص 407 - ج 6.
4 ص 128 - ج 1.
5 أي في العلل.
6 ص 46.(1/55)
الْحَدِيثَ. وَمَنْ رَأَيْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْهُمْ سَخِرْنَا مِنْهُ، فَذَكَرَ مِنْهُمْ عَبْدَ اللَّهِ1 بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمرو بن حزم، قال: ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ2 أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: فَثَبَتَ انْقِطَاعُ هَذَا الْخَبَرِ وَضَعْفُهُ، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَنْهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ،3 ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر عَنْ مَالِكٍ، فَزَادَ فِيهِ: فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رَوَيْنَا قَوْلَنَا عَنْ غَيْرِ بُسْرَةَ، وَاَلَّذِي يَعِيبُ عَلَيْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ بُسْرَةَ يَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ عَجْرَدٍ. وَأُمِّ حِرَاشٍ. وَعِدَّةِ نِسَاءٍ لَسْنَ بِمَعْرُوفَاتٍ، وَيَحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِنَّ، وَهُوَ يُضَعِّفُ بُسْرَةَ مَعَ قِدَمِ هِجْرَتِهَا وَصُحْبَتِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ حَدَّثَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارُ4 مُتَوَافِرُونَ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَمَّا سَمِعَهَا ابْنُ عُمَرَ لَمْ يَزَلْ يَتَوَضَّأُ مَنْ مَسِّ الذَّكَرِ حَتَّى مَاتَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجَا فِي الصَّحِيحِ حَدِيثَ بُسْرَةَ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي سَمَاعِ عُرْوَةَ مِنْ بُسْرَةَ، أَوْ هُوَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، وَلَكِنَّهُمَا احْتَجَّا بِسَائِرِ رُوَاتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ يَزِيدَ5 بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَنَافِعِ6 بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِي عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حَائِلٌ فَلْيَتَوَضَّأْ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ7 وَصَحَّحَهُ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَاحْتِجَاجُنَا فِيهِ بِنَافِعٍ لَا بِيَزِيدَ، فَإِنَّا قَدْ تَبَرَّأْنَا مِنْ عُهْدَةِ يَزِيدَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ8 فِي مَسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ9 فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني10 فِي سُنَنِهِ وَكَذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وُضُوءُ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ تَكَلَّمُوا فِيهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَالْبُخَارِيُّ أَخْرَجَهُ فِي تَارِيخِهِ مَوْقُوفًا هَكَذَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ حُمَيْدٍ ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ
__________
1 قال ابن حزم في المحلى ص 236 - ج 1: ثقة.
2 أخرج الدارمي ص 98 من طريق الأوزاعي أيضاً كذلك.
3 في باب الوضوء من مس الفرج ص 128 - ج 1.
4 وزاد الحازمي: وهم متوافرون: ص 29.
5 ضعيف من السادسة.
6 وقال أحمد: يؤخذ منه القراءة، وليس في الحديث بشيء، وقال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: أرجو لا بأس به، وقال ابن سعد: كان ثبتاً، وقال الساجي: صدوق اختلف فيه أحمد. ويحيى، فقال أحمد: منكر الحديث، وقال يحيى: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق صالح حديث تهذيب ولذا قال النووي في شرح المهذب ص 35 - ج 1: في إسناده ضعف.
7 ص 138 من طريق نافع، لكن سقط أول المسند من النسخة المطبوعة.
8 ص 333 - ج 2.
9 أي الصغير ص 21.
10 ص 53، وكلهم من طريق يزيد بن عبد الملك.(1/56)
فَلْيَتَوَضَّأْ" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ1 فِي كِتَابِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: لَمْ يَسْمَعْ مَكْحُولٌ مِنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَنْبَسَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحًا، قَالَ2: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَصَحُّ شَيْءٍ سَمِعْتُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، انْتَهَى. وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ بُسْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ سَمِعَ أَحَدَهُمَا أَوَّلًا، فَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ في هذا الْبَابِ، ثُمَّ سَمِعَ الْآخَرَ فَوَجَدَهُ أَصَحَّ مِنْ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَسْنَدَ3 الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي مِسْهَرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ مكحول عن عَنْبَسَةَ شَيْئًا، قَالَ: وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ أَبِي مُسْهِرٍ، فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى الِانْقِطَاعِ، وَهُمْ لَا يَحْتَجُّونَ بِالْمُنْقَطِعِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ4 بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ إسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَقَدْ اتَّهَمَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَ هُوَ بِإِسْحَاقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيِّ الَّذِي فِي حديثه ابْنِ عُمَرَ الْآتِي، ذَاكَ ثِقَةٌ، وَظَنَّهُمَا ابْنُ الْجَوْزِيُّ5 وَاحِدًا، فَضَعَّفَهُمَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ6 أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ" انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ7 فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ بِهِ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ فيتوضأ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمِعْت جَمَاعَةً مِنْ الْحُفَّاظِ - غَيْرَ ابْنِ نَافِعٍ - يَرْوُونَهُ لَا يَذْكُرُونَ فِيهِ جَابِرًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْإِفْضَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، كَمَا يُقَالُ: أَفْضَى بِيَدِهِ مُبَايِعًا، وَأَفْضَى بِيَدِهِ إلَى رُكْبَتِهِ رَاكِعًا وَإِلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ فَلَيْسَ الِاسْتِدْلَال فِيهِ عَلَى بَاطِنِ الْكَفِّ إلَّا بِالْمَفْهُومِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَفْهُومُ حُجَّةً إذَا سَلِمَ مِنْ الْمُعَارِضِ، كَيْف! وَأَحَادِيثُ الْمَسِّ مُطْلَقًا فِي مُسَمَّى الْمَسِّ أَعَمُّ وَأَصَحُّ، انْتَهَى.
__________
1 في باب الوضوء من مس الذكر ص 86.
2 لم أجد في المطبوع.
3 قلت لأبي: فحديث أم حبيبة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن مس ذكره فليتوضأ، قال: روى ابن الهيعة في هذا حديث مما يوهن الحديث، أي تدل روايته أن مكحولاً قد دخل بينه وبين عنبسة رجل العلل لابن أبي حاتم.
4في ابن ماجه.
5 وابن التركماني في الجوهر ص 129.
6 في باب الوضوء من مس الذكر ص 37.
7 في باب ترك الوضوء من مس الفرج بظهر الكف ص 134 - ج 1.(1/57)
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1، وَقَدْ رَوَى الْحُفَّاظُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَأَرْسَلُوهُ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ جَابِرًا، فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى الْإِرْسَالِ، وَهُمْ لَا يَحْتَجُّونَ بِالْمَرَاسِيلِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ ثِقَةٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ نَحْوَهُ، قَالَ: وَخَالَفَهُمْ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ فِي إسْنَادِهِ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي إحْدَانَا تَمَسُّ فَرْجَهَا، والرجل يمس فرجه بعد ما يَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: "يَتَوَضَّأُ يَا بُسْرَةُ" قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إلَيْهَا لِيَسْأَلهَا، فَقَالَتْ: دَعْنِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ فُلَانٌ. وَفُلَانٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فأمرني بالوضوء، انتهى. وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ مِثْلَ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ. أَوْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَأَمْثَالِهِمَا، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً، أَمَّا حَدِيثُهُ3 عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ
__________
1 قال ابن أبي حاتم في العلل ص 19: قال أبي: هذا خطأ، والناس يروونه عن ابن ثوبان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً لا يذكرون جابراً اهـ.
2 أخرجه أحمد، والبيهقي في باب الوضوء من من مس المرأة فرجها ص 132 - ج 1، والطحاوي: ص 45، والدارقطني: ص 54، وقال أحمد: هذا حديث الزبيدي، وليس إسناده بذاك، كذا في المغني ص 177.
3 أقول: هنا مقامان، في كل منهما كلام: سماع عمرو عن أبيه شعيب. وسماع شعيب عن جده عبد الله بن عمرو، قال الطحاوي ص 45 - ج 1 مجيباً عن هذا الحديث: قيل لهم: أنتم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئاً، وإنما حدديثه عنه صحيفة، فهذا على قولكم منقطع، اهـ. وقال الحاكم في المستدرك ص 197 - ج 1: وشعيب لم يسمع من جده عبد الله بن عمر، اهـ. وقال في ص 47 - ج 2: وأسند عن الوراق قال: قلت لأحمد بن حنبل: عمرو بن شعيب سمع من أبيه شيئاً فقال: هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وصح سماع عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب، وصح سماع شعيب عن جده عبد الله بن عمرو، اهـ. وقال في ص 65: وكنت أطلب الحجة الظاهرة في سماع شعيب بن محمد عن عبد الله بن عمرو، فلم أصل إليها إلى هذا الوقت، ثم أسند عمن شعيب أن رجلاً أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بإمرأة، فأشار إلى عبد الله بن عمر، فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، الحديث. ثم قال: هذا حديث ثقات رواية حفاظ، وهو كالأخذ باليد في صحة سماع شعيب بن محمد عن جده عبد الله بن عمرو، اهـ. وروى الدارقطني في ص 310 الحديث الذي استدل به الحاكم، ثم أسند عن البخاري، قال: سمع شعيب عن عبد الله، وقال: رأيت علي بن المديني. وأحمد بن حنبل. والحميدي. وإسحاق بن راهويه يحتجون به، اهـ. وقال الحاكم في المستدرك ص 420: قال الحاكم: مدار سند هذا الحديث على إسنادين واهيين: جرير عن الضحاك عن الغزال بن سبرة عن علي. وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال الترمذي في باب كراهية البيع والشراء في المسجد ص 23 بعدما حسن حديثه: قال محمد: رأيت أحمد. وإسحاق. وغيرهما يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، قال محمد: وقد سمع شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وقال أبو عيسى: من تكلم في حديث عمرو بن شعيب، إنما ضعفه لأنه يحدث عن =(1/58)
مِنْ صَحِيفَةِ جَدِّهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا رَوَى أَحَادِيثَ يَسِيرَةً، وَأَخَذَ صَحِيفَةً كَانَتْ عِنْدَهُ فَرَوَاهَا. وَمِنْ فَوَائِدِ شَيْخِنَا الْحَافِظِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ، قَالَ: عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ يَأْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ الْجَادَّةُ. وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَعَمْرٌو لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْدَادٍ: مُحَمَّدٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ. وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَمُحَمَّدٌ تَابِعِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ. وَعَمْرٌو صَحَابِيَّانِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِجَدِّهِ مُحَمَّدًا فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادَ بِهِ عَمْرٌو، فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يَدْرِك عمرواً، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ سَمَاعِ شُعَيْبٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ1 وَغَيْرِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ سَمَاعُ عَمْرٍو مِنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ، وَسَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيِّ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَإِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ هَذَا ثِقَةٌ أخرج له الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَيْسَ هُوَ بِإِسْحَاقِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ. وَوَهِمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ فَجَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ وَلَهُ طَرِيقَانِ آخَرَانِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ: أَحَدُهُمَا: عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَصَدَقَةُ هَذَا ضَعِيفٌ. الثَّانِي: عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَالْعَلَاءُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
__________
= صحيفة جده، كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده، قال علي بن عبد الله: وذكر يحيى بن سعيد أنه قال: حديث عمرو بن شعيب عندنا واه، وقال نحوه في - الزكاة - في باب زكاة مال اليتيم ص 81 - ج 1، وصحح أحاديثه في مواضع، وقال ابن حزم في المحلى ص 232: أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فصحيفة لا تصح، اهـ. وقال ابن حبان: روايته عن أبيه عن جده لا تخلو من انقطاع وإرسال، اهـ. ذكره الشيخ المخرج: ص 291، وص 328، وقال الحازمي ص 38: أما روايته عن أبيه عن جده فالأكثرون على أنها متصلة ليس فيها إرسال ولا انقطاع، اهـ. قال الحافظ في طبقات المدلسين ص 11: قال ابن معين: إذا حدث عن أبيه عن جده فهو كذاب، وإذا حدث عن سعيد بن المسيب. وسليمان بن يسار. وعروة. فهو ثقة، قال أبو زرعة: روى عنه الثقات، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده، وقالوا: إنما سمع أحاديث يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنه ورواها، وعامة المناكير في حديثه من روايته الضعفاء عنه، وهو ثقة في نفسه، وإنما يتكلم فيه بسبب كتاب كان عنده، وقال ابن أبي حيثمة سمعت هارون بن معروف، يقول: لم يسمع عمرو من أبيه شيئاً، إنما وجده من كتاب أبيه، وقال ابن عدي: روى عنه أئمة الناس وثقاتهم، وجماعة من الضعفاء إلا أن أحاديثه عن أبيه عن جده من احتمالهم إياه، لم يدخلوها في صحاح ما خرجوا، وقالوا: هي صحيفة، قلت: مقتضى قول هؤلاء يكون تدليساً لأنه ثبت سماعه عن أبيه، وقد حدث عنه بشيء كثير مما لم يسمع منه مما أخذه من الصحيفة بصيغة - عن - وهذا هو أحد صور التدليس اهـ. وقال في ص 10 في ترجمة شعيب: قال ابن حبان: من قال: إنه سمع من جده فليس ذاك بصحيح، قلت: قد صرح بسماعه عن جده في أحاديث قليلة: أنه سمع من جده، فإن كان الجميع صحيفة وجدت صورة التدليس، اهـ.
1 في اليبوع ص 310.
2 ص 53، وإسحاق متكلم فيه، وعبد الله بن عمر العمري ضعيف، كذا في الدراية.(1/59)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ2، وَقَالَ: إنَّهُ غَلَطٌ3، لِأَنَّ عُرْوَةَ أَجَابَ مَرْوَانَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ: بِأَنَّهُ لَا وُضُوءَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فِيهِ الْوُضُوءَ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: مَا سَمِعْتُ هَذَا، حَتَّى أَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَى بُسْرَةَ شُرْطِيًّا فَأَخْبَرَتْهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ بِمَا شَاءَ اللَّهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْكِرَ عُرْوَةُ عَلَى بُسْرَةَ مَا حَدَّثَهُ بِهِ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ هَذَا بِمَا لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا يَصِحُّ؟، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ5 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعُمَرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: بِأَبِي وَأُمِّي، هَذَا لِلرِّجَالِ، أَفَرَأَيْتَ النِّسَاءَ؟ قَالَ "إذَا مَسَّتْ إحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ لِلصَّلَاةِ". انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا، قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ كَذَّابًا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ: مَتْرُوكٌ. زَادَ أَبُو حَاتِمٍ: وَكَانَ يَكْذِبُ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ6، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ شُرَيْحٍ7 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ8 مَرْفُوعًا "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ". ثُمَّ قَالَ: وَعُمَرُ بْنُ شُرَيْحٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدِيثًا يُعَارِضُ هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَخْلَدٍ ثَنَا عُمَرُ بن يونس اليمامي ثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ ثَوَابٍ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ أَوْزَعَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَيْفِ9 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: دَخَلْت أَنَا وَرِجَالٌ مَعِي عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلْنَاهَا عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَهُ، والمرأة تَمَسُّ فَرْجَهَا، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا أُبَالِي إيَّاهُ: مَسِسْتُ، أَوْ أَنْفِي" انْتَهَى.
أَحَادِيثُ أَصْحَابِنَا وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ النَّقْضِ، حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ أَمْثَلُهَا، وَلَهُ أَرْبَعُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ10 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "هَلْ هُوَ إلَّا
__________
1 قال علي بن المديني: لم أعلم لابن إسحاق إلا حديثين منكرين: نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة". والزهري عن عروة عن زيد بن خالد إذا مس أحدكم فرجه، هذان لم يروهما عن أحد، اهـ كتاب القراءة ص 39، ثم تصدى البيهقي لجوابه بإبراز التابع، وقال: يمكن أن يكونا صحيحين، اهـ، وأخرجه ابن أبي شيبة: ص 109.
2 ص 44.
3 وأجيب باحتمال أن يكون ذلك قبل موت زيد بن خالد، فإن القصة التي دارت بين عروة. ومروان لم يجيء في خبر قط تعيين زمانها الدارية.
4 ص 54.
5 واه جداً.
6 ص 45.
7 ضعيف الدراية
8 حديث عائشة ضعفه أبو حاتم العلل ص 36، وراجع ص 157.
9 مجهول. لسان.
10 قال الحافظ في الدراية ص 19: في إسناده من لا يعرف، وقال في التلخيص: إسناده مجهول.(1/60)
بَضْعَةٌ مِنْك"؟ انتهى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ. وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَيُّوبُ. وَمُحَمَّدٌ تَكَلَّمَ فِيهِمَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَصَحُّ وَأَحْسَنُ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ بِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ: ضَعِيفٌ، قَالَ الْفَلَّاسُ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعِجْلِيّ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ بِهِ. وَهِيَ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ: ضَعَّفَهُ الثَّوْرِيُّ، وَالْعِجْلِيُّ: ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ. الطَّرِيقُ الرَّابِعُ: عَنْ أيُّوب بن عتبة اليمامي عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهِيَ عِنْدَ أَحْمَدَ2 وَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ قل ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَبِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ3 فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ فِي إسْنَادِهِ وَلَا مَتْنِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عن علي بن مديني أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ4، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: وَهَذَا حَدِيثٌ أَوْهَمَ عَالَمًا مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَإِنَّ طَلْقَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ قُدُومُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الْهِجْرَةِ5 حَيْثُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَبْنُونَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: بَنَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يَقُولُ: "قَدِّمُوا الْيَمَامِيَّ مِنْ الطِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ مَسَّا"، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، ثُمَّ سَاقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ: وَأَبُو هُرَيْرَةَ إسْلَامُهُ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، فَكَانَ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ خَبَرِ طَلْقٍ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَطَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ6 قَالَ: خَرَجْنَا وَفْدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سِتَّةَ نَفَرٍ: خَمْسَةً مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَرَجُلًا من بني ضيعة بْنِ رَبِيعَةَ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيْعَةً لَنَا، وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ، فَقَالَ: "اذْهَبُوا بِهَذَا الْمَاءِ، فَإِذَا قَدِمْتُمْ بَلَدَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ، ثُمَّ انْضَحُوا مَكَانَهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ وَاِتَّخِذُوا مَكَانَهَا مَسْجِدًا"، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْبَلَدُ بَعِيدٌ وَالْمَاءُ يَنْشُفُ، قَالَ: "فَأَمِدُّوهُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا طِيبًا" فَخَرَجْنَا، فَتَشَاحَنَّا7 عَلَى حَمْلِ
__________
1 ص 33، والطحاوي: ص 46، وأبو داود: ص 27.
2 ص 22 - ج 1 والطحاوي.
3 ص 46.
4 قلت: صححه الحاكم في المستدرك ص 416 - ج 4، ووافقه الذهبي، حديث ملازم عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه في رقية العقرب وصحح الحديث عمر. وعلي الفلاس، وقال: هو أثبت عندنا من حديث بسرة، وصحح الحديث أيضاً ابن حبان. والطبراني، قاله الحافظ في التلخيص ص 46، وابن حزم في المحلى ص 239 - ج 1.
5 قلت: قدم طلق في وفد حنيفة، راجع له ابن سعد: ص 55 - ج 1.
6 أخرجه النسائي: ص 114 من طريق ملازم عن عبد الله بن بدر عن قيس، وأحمد: ص 23 - ج 4 من طريق محمد بن جابر عن عبد الله بن بدر عن طلق.
7 تشاحَّ الرجلان في الأمر، يريد كل منهم أن لا يفوته.(1/61)
الْإِدَاوَةِ أَيُّنَا يَحْمِلُهَا، فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا يَوْمًا، فَخَرَجْنَا بِهَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا فَعَمِلْنَا الَّذِي أَمَرَنَا. وَرَاهِبُ أُولَئِكَ الْقَوْمِ رجل من طيء، فَنَادَيْنَا بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: دعوه، ثُمَّ هَرَبَ فَلَمْ يُرَ بَعْدُ، انْتَهَى. قَالَ: فَهَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ طَلْقَ بْنَ عَلِيٍّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ قَدْمَتِهِ تِلْكَ، ثُمَّ لَا يُعْلَمُ لَهُ رُجُوعٌ إلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَلْيُثْبِتْهُ بِسُنَّةٍ مُصَرِّحَةٍ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَذَكَرِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ حَدِيثَ طَلْقٍ هَذَا، وَسَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: إنَّمَا يَرْوِيهِ قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ حَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ2 أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الحديث، فقالا: قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ لَيْسَ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَوَهَّنَاهُ3 وَلَمْ يُثْبِتَاهُ.
قَالَ: والحديث مختلف فيه، فيبغي أَنْ يُقَالَ فِيهِ: حَسَنٌ، وَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ طَلْقٍ مِنْ رِوَايَةِ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو، ثُمَّ قَالَ: وَمُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو فِيهِ نَظَرٌ، قال: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ اليمامي. وَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، قَالَ: وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. قَالَ: وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ قَيْسٍ أَنَّ طَلْقًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَهُ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ أَمْثَلُ مَنْ رَوَاهُ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي تَعْدِيلِهِ، فَغَمَزَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ جِدًّا. وَقَيْسٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَأَلْنَا عَنْهُ فَلَمْ نَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ بِمَا يَكُونُ لَنَا قَبُولُ خَبَرِهِ. وَقَدْ عَارَضَهُ مَنْ عَرَفْنَا ثِقَتَهُ وَثَبْتَهُ فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ. وَأَبِي حَاتِمٍ. وَأَبِي زُرْعَةَ قَالُوا: لَا نَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ صَحَّ، فَنَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْهِجْرَةِ، وَسَمَاعُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَغَيْرِهِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ طَلْقًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْنِي مَسْجِدَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ، فَقَالَ لِي: "اخْلِطْ الطِّينَ، فَإِنَّك أَعْلَمُ بِخَلْطِهِ"، فَسَأَلْتُهُ أَرَأَيْتَ الرَّجُلُ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ مَسَّ ذَكَرَهُ؟ فَقَالَ: "إنَّمَا هُوَ مِنْك". انْتَهَى. قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَسَّهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى طَلْقٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي إذْ ذَهَبْتُ أَحُكُّ فَخْذِي، فَأَصَابَتْ يَدِي ذَكَرِي، فَسَأَلْتُهُ عليه السلام، فَقَالَ: "إنَّمَا هُوَ مِنْك"، قَالَ: وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ مَنْ يَحُكُّ فَخْذَهُ إنَّمَا يُصِيبُهُ بِظُهْرِ كَفِّهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَسَوِيُّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ"، انْتَهَى. فَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ مُحَمَّدٍ. وَشَيْخَهُ أَيُّوبَ ضَعِيفَانِ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الْآخَرَ حَمَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُمَا عِنْدِي صَحِيحَانِ، وَيَشْتَبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مِنْ
__________
1 ص 54.
2 ص 48.
3 وفي نسخة ووهماه.(1/62)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ هَذَا، ثُمَّ سَمِعَ هَذَا بَعْدُ، فَوَافَقَ حَدِيثَ بُسْرَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ. وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَسَمِعَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1 وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ آخِذًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ. وَأَبِي الدَّرْدَاءِ2 وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَأَصْحَابِهِ. وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ. وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، فَذَهَبُوا إلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ آخذاً بحديث بسرة، روى ذَلِكَ3 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ. وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ الْعَاصِ. وَجَابِرٍ. وَعَائِشَةَ. وَأُمِّ حَبِيبَةَ. وَبُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ. وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ. وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ. وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. وَالزُّهْرِيِّ. وَمُصْعَبِ بْنِ مسعد. ويجيى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَأَكْثَرِ أَهْلِ الشَّامِّ. وَالشَّافِعِيِّ. وَأَحْمَدَ. وَإِسْحَاقَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَهُمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ طَلْقٍ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: تَضْعِيفُهُ. وَالْآخِرُ: الْحُكْمُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَمَّا تَضْعِيفُهُ فَإِنَّ أَيُّوبَ بْنَ عُتْبَةَ4 وَمُحَمَّدَ بْنَ
__________
1 ص 27.
2 قال أبو عمر: والأسانيد بذلك صحاح عن نقل الثقات، لم يختلف هؤلاء في ذلك، وروى البيهقي عن معاذ أيضاً، وروى عن ابن المسيب قتادة، والحارث بن عبد الرحمن أنه لا وضوء منه، قال أبو عمر: هذا أصح عندي، وقال أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف: حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس، قال: سأل رجل سعداً يعني ابن وقاص عن مس الذكر، فقال: إن علمت بضعة منك نجسة فاقطعها، وهذا سند صحيح، وقال الطحاوي،: لا نعلم أحداً أفتى بالوضوء من مس الذكر غير ابن عمر، وقد خالفه في ذلك أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجوهر مختصراً: ص 131.
3 أكثر هؤلاء ليس لهم قول في هذا الباب، بل رواية حديث، ولو ضعيفاً أو مقلوباً أو منقطعاً.
4 ضعيف تقريب وقال أحمد: ضعيف، وفي موضع آخر قال: ثقة، إلا أنه لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير، قال ابن معين: ليس بشيء، قال عمرو بن علي: ضعيف، وكان سيء الحفظ، قال البخاري: هو عندهم لين، قال سعيد الردعي. وأبو زرعة، حديث أهل العراق عن ضعيف، ويقال: إن حديث باليمامة أصح، قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، وقال سليمان بن داود اليمامي وقع أيوب بن عتبة إلى البصرة، وليس معه كتب، فحدث عن حفظه، وكان لا يحفظ، فحديث اليمامة ما حدث به ثمة، فهو مستقيم، وقال: سمعت أبي، ثم ذكر نحوه، وفيه: هو أروى الناس عن يحيى وأصح كتاباً عنه، وقال الدارقطني: يترك، وقال مرة: يعتبر به، وقال ابن عدي: هو مع ضعفه يكتب حديثه، وقال يحيى: لا بأس به.(1/63)
جَابِرٍ1 ضَعِيفَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ قَيْسٍ3 إلَّا أَنَّ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَتِهِمَا، وَتَكَلَّمَ النَّاسُ أَيْضًا فِي قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ4 فَقَالَ الشَّافِعِيُّ:
سَأَلْنَا عَنْ قَيْسٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ بِمَا يَكُونُ لَنَا قَبُولُ خَبَرِهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، وَأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَعَنْ ابْن أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ لَيْسَ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَوَهَّنَاهُ، وَلَمْ يُثَبِّتَاهُ، قَالُوا: وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ كَمَا لَمْ يُخَرِّجْهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْتَجَّا بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَتِهِ،
__________
1 صدوق، ذهبت كتبه فساء حفظه، وخلط كثيراً، وعمي، فصار يلقن، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة تقريب.
2 صدوق تقريب ص 259.
3 صدوق.
4 حديث طلق أخرجه الطحاوي. وأبو داود. والنسائي. والترمذي. وأحمد: ص 23 - ج 4، وابن جارود. والدارقطني من حديث ملازم عن عبد الله بن بدر عن قيس بن علي عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرخصة من مس الذكر، هذا حديث رواته ثقات، قال ابن عبد الهادي في المحرر ص 59 وخطأ من ذكر الاتفاق على ضعفه، قال الترمذي ص 78 - ج 1: هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب، وقال: حديث ملازم بن عمر عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن، وقال الطحاوي في شرح الآثار ص 46: حديث ملازم صحيح مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ولا في متنه، فهو أولى عندنا مما روينا أولاً من الآثار المضطربة في أسانيدها، ثم أسند عن علي بن المديني أنه قال: حديث ملازم هذا أحسن من حديث بسرة، وقال الحازمي في الاعتبار ص 39: روينا عن أبي حفص الفلاس أنه قال: حديث قيس بن طلق عندنا أثبت من حديث بسرة، وذكر تصحيحه عن الطبراني أيضاً، وصححه ابن حبان، قاله الحافظ في التلخيص ص 46 وقال ابن حزم في المحلى ص 239 - ج 1: هذا خبر صحيح، وصحح الحاكم حديث ملازم عن عبد الله بن بدر عن قيس عن علي لمتن آخر ص 416 - ج 4، ووافقه الذهبي، وروى أبو داود. وابن جارود. والطحاوي. وابن ماجه. وغيرهم من حديث محمد بن جابر عن قيس أيضاً: محمد بن جابر تكلم فيه، لكنه صدوق، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة، وصحح حديثه الطبراني. وروى الطحاوي ص 46، وأحمد: ص 22 - ج 4، والطيالسي: ص 147، وابن سعد: ص 402 - ج 5 من حديث أيوب بن عتبة عن قيس، وهو وإن تكلم فيه، لكن قال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال الدارقطني: يعتبر، وقال أحمد: ثقة، ولم يفحش فيه القول أحد سوى الحفظ، لكنه متابع قوي. ولقائلي النقض عن حديث طلق أجوبة: دعوى الترجيح. والنسخ. والتطبيق. ومخالفة الاعتبار، أما الأول: فيما قال الشافعي: زعم من خالفه أن قاضي اليمامة، ومحمد بن جابر ذكرا عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يدل على لا وضوء منه قال الشافعي: قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا فيه قبول خبره، وقد عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث، وثبته، اهـ. قلت: عدم معرفة الشافعي رحمه الله تعالى قيساً لا يضره إذا عرفه غيره، هذا الترمذي إمام الحديث بلا مدافعة، ويتلوه أبو القاسم البغوي. وإسماعيل بن محمد الصفار. وأبو العباس الأصم. وغيرهم من أئمة الحديث وأعلامهم لا يعرفهم ابن حزم ويجهلهم، وقيس كل من صحح حديثه عرف ما يكون به قبول خبره، كما تقدم، وعرفه ابن معين ووثقه، وقال العجلي: يمامي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وأما قول الشافعي: قد عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث وثبته، فهو إن سلم فلأجل أن حديث قيس لم يبلغه إلا من طريق محمد بن جابر. وأيوب بن عتبة، وهما قد تكلم فيه من تكلم، وبما قال يحيى بن معين: لقد أكثر الناس في قيس بن طلق، وأنه لا يحتج به، وبما قال ابن أبي حاتم: سألت أبي. وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقال: قيس بن طلق ليس ممن تقوم به الحجة، ووهناه ولم يثبتاه، قلت: قول يحيى هذا رواه البيهقي في سننه من طريق محمد بن الحسن النقاش المفسر، وهو من المتهمين بالكذب، قال البرقاني: كل أحاديثه مناكير، وليس له في تفسيره حديث صحيح، روى النقاش عن عبد الله بن يحيى السرخسي، وعبد الله هذا قال فيه ابن عدي: =(1/64)
وَحَدِيثُ بُسْرَةَ وَإِنْ لَمْ يُخَرِّجَاهُ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي سَمَاعِ عُرْوَةَ مِنْ بُسْرَةَ، أَوْ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، فَقَدْ احْتَجَّا بِسَائِرِ رُوَاةِ حَدِيثِهَا: مَرْوَانَ، فَمَنْ دُونَهُ، فَتَرَجَّحَ حَدِيثُ بُسْرَةَ، وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَقْوَى مَنْ رَوَاهُ عَنْ قَيْسٍ إلَّا أَنَّهُ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا، وَأَمَّا حُكْمُ النَّسْخِ، فَإِنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، فَذَكَرَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ حكم النسخ أن طلق الَّذِي رَوَى حَدِيثَ الرُّخْصَةِ وَجَدْنَاهُ قَدْ رَوَى حَدِيثَ الِانْتِقَاضِ ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ
__________
= كان متهماً في روايته عن قوم لم يلحقهم، وقد ذكرنا عن ابن معين أنه وثق قيساً على أنه لو صح عن ابن معين ما قالوا: لم يكن لهم فيه راحة أيضاً، لأن ابن معين هو الذي قال: ثلاثة أحاديث لا تصح: أحدهما: الوضوء من مس الذكر، ذكره النووي في شرح المهذب ص 42 - ج 2، وكان في الرخصة على مذهب أهل الكوفة كما ذكر الحازمي نفسه، وذاكر مع أحمد بن حنبل، فحصل أمرهما على أن اتفقا على اسقاط الاحتجاج بالخبرين: خبر بسرة. وخبر طلق، قال الخطابي في المعالم ص 66، فاتفاقهما على سقوط الاحتجاج بهما، إما لضعف الخبرين عندهما، وهو الظاهر كما ذكرنا من ابن معين لأن المناظرة التي ذكرها الدارقطني من طريق النقاش ص 55: بين علي. ويحيى تكلم فيهما علي على حديث بسرة بجهالة الشرطي، ويحيى على حديث طلق، بأنه لا يحتج بحديث قيس، فقال أحمد: كلا الأمرين على ما قلتما، وهذا مصير من يحيى. وأحمد إلى ضعف الخبرين. أو لصحة الخبرين وتعارضهما، فعلى كل منهما ليس في حديث أحدهما ما يقرب الحديث إلى القبول أو الرد إلا والآخر مثله عندهما، ولا راحة لهم في قولي أبي حاتم. وأبي زرعة أيضاً، لأن لم يذكر عنهما أنهما صححا حديث بسرة، وإنما نحتاج إلى حديث طلق إذا لم يصح حديث بسرة، كما قاله ابن قتيبة، والذي في الترمذي، قال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب أصح، وهو حديث العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة، فحكمه على حديث أم حبيبة بالأصحية مع الانقطاع، فكأنه لم يرتض بحديث بسرة أيضاً وبما قالوا: رواة حديث بسرة رواة الصحيح، وإن لم يخرجاه لاختلاف وقع في سماع عروة من بسرة، أو عن مروان بن بسرة، فقد احتجا بسائر رواة حديث بسرة: مروان فمن دونه، دون حديث قيس، فإنهما لم يحتجا بشيء من رواته، فهذا أوجه الرجحان حديثهما من حديث قيس.
قلنا: هذا ليس بمؤثر، أما أولاً: فبأن الشرطي ليس من رجالهما، وليس من رجال ما سواهما من السنن، فإن قيل: لم يقنع عروة بقول الشرطي حتى أتى بسرة فسأها مشافهة قلنا: كذا قالوا، ولكن لم يقنع به ابن المديني، ولا يحيى بن معين. وأحمد حيث قال لهما: لما علل يحيى حديث طلق بقيس. وابن المديني حديث بسرة بالشرطي كلا الأمرين على ما قلتما كما في المستدرك ص 139 - ج 1، مع أن يحيى ذكر قصة الملاقاة أيضاً، ولو قنع بهذه الملاقاة البخاري ومسلم لأخرجاه في صحيحهما، وأما ثانياً: فإن ترجح من يرجح رواتهما لوفور علمهما وبلوغهما الذروة العليا في نقض الرجال ومعرفة العلل، فإذا ظننا الحديث لم يبلغهما أو بلغهما لكن كان في الباب غناء عنه ولم يحتاجا اليه، فلنا أن ترجحه لأجل رواتهما، وأما إذا علمنا أن الحديث بلغهما وكان الرجال رجالهما، ثم أعرضا عنه مع الاحتياج اليه في الباب، فالظاهر أن هذا الإعراض ليس إلا لوهن الحديث عندهما، وأنهما اطلعا منه على علة لم يطلع عليها غيرهما، ألا ترى أن البخاري يقول: أصح شيء في هذا الباب حديث العلاء بن الحارث، عن مكحول عن عنبسة عن أم حبيبة، وقد قال هو: روى مكحول عن رجل عن عنبسة غير هذا الحديث، ومفاده كما قال الترمذي: كأنه لم يره صحيحاً فترجيح البخاري حديث أم حبيبة، وهو منقطع عنده - مع أن شيئاً من رجاله ليس من رجاله في الصحيح على أحاديث الباب يؤيد ما قلنا، فكون الرجال رجال الصحيحين هذا الوجه لا يقوي أمر الحديث، بل يوهنه، وأما إعراضهما عن الحديث لأجل الرجال، لعدم بلوغهم فيما يطلبانها من الدرجة العليا، مع وجود صفة القبول فيها لا يسيء الظن بالحديث، كما يسيء في الأول، والله أعلم.
أما النسخ، فكما قال ابن حبان. والطبراني. والبيهقي. والحازمي، قالوا: حديث طلق متقدم، قال ابن حبان:(1/65)
بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَتْنِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ". قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ النَّسْخِ، وَأَنَّ طَلْقًا قَدْ شَاهَدَ الْحَالَتَيْنِ، ثُمَّ اعْتَرَضَ لِلْقَائِلِينَ بِالرُّخْصَةِ: بِأَنَّ بُسْرَةَ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، وَاخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي نَسَبِهَا يَدُلُّ عَلَى جَهَالَتِهَا، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يقول: هي كناينة، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هِيَ أَسَدِيَةٌ، وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ جَهَالَتِهَا فَلَيْسَتْ تُوَازِي طَلْقًا فِي شُهْرَتِهِ وَكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ وَطُولِ صُحْبَتِهِ، وَاخْتِلَافُ الرُّوَاةِ أَيْضًا فِي حَدِيثِهَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِهَا.
وَبِالْجُمْلَةِ فَحَدِيثُ النسار إلَى الضَّعْفِ مَا هُوَ، قال: وروى عن عمر بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ:
__________
= كان قدومه في أول سنة من سني الهجرة، حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: إثبات النسخ يتوقف على أمور: الأول: أن قدوم طلق كان عند بناء المسجد. والثاني: أن المسجد لم يبن إلا في السنة الأولى من الهجرة. والثالث: أن طلقاً لم يجيء بعد هذه القدمة. والرابع: أن بسرة لم تجيء في السنة الأولى من الهجرة. والخامس: أن كل من روى حديث النقض لم يحضر أحد منهم البناء. وأما السادس: فبأن المراد بالوضوء في حديث بسرة ليس إلا وضوء الصلاة المتعارف عند الناس.
أما الأول: فبما استدل به ابن حبان، ولم يذكر سنده، وأسنده البيهقي ص 135. والحازمي: ص 31 من حديث محمد بن جابر عن عبد الملك بن بدر عن طلق بن علي قال: قدمت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم يبنون المسجد الحديث، ومحمد بن جابر هذا هو الذي روى أن طلقاً سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل من مس الذكر وضوء؟ قال: "لا" وقال فيه الحازمي. والبيهقي ص 134 - ج 1: أيوب بن عتبة. ومحمد بن جابر ضعيفان، وقال البيهقي في ص 213 - ج 2: محمد بن جابر متروك.
وأما الأمر الثاني: فاكتفى فيه على مجرد الدعوى، ولم يأت عليه بحجة من حديث صحيح أو ضعيف، كأنه زعم أنه أمر بين ثبوته، وليس كذلك، بل هذا أمر بين رده، أما أولاً: فبما قال الحافظ في الفتح ص 152 - ج 12: أما ابتداء المسجد، فروى ابن سعد في طبقاته ص 43 - ج 8 عن عائشة: قدمنا المدينة ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبني المسجد وأبياتاً حول المسجد، فأنزله منها أهله، اهـ. وتبعه صاحب العون، في ص 266 - ج 4: والمسجد لم يكمل بناؤه إلا بعد مدة من دخوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، اهـ. وأما ثانياً: فبأن المسجد بني على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين: مرة قبل خيبر، ومرة بعده، وحضر بناءه مرة من أسلم عام خيبر أو قبله، كما في الزوائد ص 146 - ج 1 المطبوعة في الهند، كما في حديث أبي هريرة أنهم كان يحملون اللبن إلى بناء المسجد، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم، قال: فاستقبلت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عارض لبنته على بطنه، فظننت أنها شقت عليه، فقلت: ناولنيها يا رسول الله، فقال: "خذ غيرها يا أبا هريرة، فإنه لا عيش إلا عيش الآخرة" رواه أحمد،، ورجاله رجال الصحيح، وكذا في وفاء الوفا، بأخبار دار المصطفى ص 240، وقال فيه: هذا في البناء الثاني، لأن أبا هريرة لم يحضر البناء الأول، لأن قدومه عام فتح خيبر، اهـ. وقال فيه أيضاً: وبناه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين: بناه حين قدم أقل من مائة في مائة، فلما فتح الله عليه خيبر بناه، وزاد عليه في الدور، اهـ. وفيه: ص 336 - ج 1 روى البيهقي في الدلائل: عن عبد الرحمن السلمي، أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول لأبيه: قد قتلنا هذا الرجل، وقد قال فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أي رجل؟ قال: عمار بن ياسر أما تذكر يوم بنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد فكنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين، الحديث، قال السمهودي: قلت: هو يقتضي أن هذا القول لعمار كان في البناء الثاني للمسجد، لأن إسلام عمرو كان في الخامسة، اهـ. قلت: الحديث رواه أحمد: ص 161 - ج 2، ص 206 - ج 2 مختصراً، قلت: وفي الزوائد ص 297 عن عبد الله بن الحارث: أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: يا أمير المؤمنين أنا سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/66)
حَدِيثُ طَلْقٍ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ، وَأَجَابَ: بِأَنَّ بُسْرَةَ مَشْهُورَةٌ لَا يُنْكِرُ شُهْرَتَهَا إلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ أَحْوَالَ الرُّوَاةِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ هِيَ جَدَّةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَوْ أُمُّهُ فَاعْرِفُوهَا، وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ مِنْ التَّابِعَاتِ، وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ عَمُّهَا، وَلَيْسَ لِصَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلٍ عَقِبٌ إلَّا مِنْ قِبَلِ بُسْرَةَ، وَهِيَ زَوْجَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِهَا فَقَدْ وُجِدَ فِي حَدِيثِ طَلْقٍ نَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ إذَا صَحَّ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ وَاحِدٌ وَسَلِمَ مِنْ شَوَائِبِ الطَّعْنِ تَعَيَّنَ المصير
__________
= يقول حين يبني المسجد لعمار: "إنك حريص على الجهاد، وإنك لمن أهل الجنة، وتقتلك الفئة الباغية؟ " قال: بلى، الحديث، قال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات، اهـ. ففي هذا أن بناءه كان بعد فتح مكة، فالاستدلال بمجرد حضور طلق بناء المسجد بحديث ضعيف - لو استدل به مخالفهم لشنوا عليه الغارة - لا يكفي ولا يشفي، كيف ساغ لهم أن يدعوا أن طلقاً وفد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة الأولى؟! وقد كان يكفي لرده سند طلق كله، أفلا يكفي لهم حديثه: إذا رأيتم الهلال فصوموا لرؤيته، وإذا رأيتموه أفطروا، فإن أغمي عليكم أتموا العدة فإن المراد بالعدة فيه عدة رمضان، فكأن هذه القدمة بعد فرض رمضان، وأن فرضيته نزلت في آخر السنة الثانية؟! أفلا يكفي لابن حبان حديث الوفد وكسر البيعة الذي استدل به، لأن عام الوفد بعد الهدنة، بل بعد الفتح، ومتى كان المسلمون قادرين على كسر البيعة في السنة الأولى؟! ثم على ما استدل به لا يتعلق بشيء مما في السياق بمطلوبه، لأن الحديث ليس إلا أن طلقاً جاء وافداً وخرج راجعاً، واستوهب ماءاً، وكسر بيعة، وشيء من ذلك لا يدل أن قدومه كان في السنة الأولى، أو أنه لم يرجع بعد إلى المدينة، إلا ما ادعى بعد رواية الحديث، ثم لم يعلم له رجوع بعد ذلك، فمن ادعى يثبته بسنة مصرحة، ولا سبيل له إلى ذلك، اهـ. ويا للعجب! إنه بصدد أن حديث طلق منسوخ، فهل يكفي له هذا القدر؟! إنه جاء فذهب ولم يعلم له رجوع، فلو كان عدم العلم يكفي في الدلائل لكان له أن يقول من أول الامر: إنه منسوخ، ولم يثبت أنه ناسخ، ومن ادعى فعليه البيان، أيعلم هو أن الاحتمال يكفي لمن يمنع الاستدلال لا لمن يستدل، أي لو تم من دليلكم أن طلقاً جاء في السنة الأولى لتوقف على أمور أخر: منها أنه لم يأت بعد، فعلى من يدعي أن يأتي بدليل على هذا، أو أي حاجة للمانع، أن يأتي بدليل على المقدمة الممنوعة، على أنا نقول: قال ابن سعد في الطبقات ص 55 - ج 1: قدم وفد بني حنيفة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بضعة عشرة رجلاً: فيهم رجال بن عنفود. وسلمة بن حنظلة السحيمي. وطلق بن علي بن قيس. وحمران بن حابر. وعلي بن سنان، والأقعس بن مسلمة. وزيد بن عمرو بن عبد عمرو. ومسيلمة بن حبيب، وعلى الوفد سلمى، فأنزلوا دار رملة، ثم ذكر إسلامهم وضيافتهم، وفي الوفد مسليمة الكذاب، وذكر استيهابهم الماء، وكسر البيعة، وادعاء مسيلمة النبوة، وهذا ابن إسحاق إمام المغازي، ذكر قدوم مسيلمة، ومن معه عام الوفود سنة تسع، كما في سيرة ابن هشام ص 340 - ج 2، وعليه اعتمد ابن قيم في الهدى فمن ادعى أن طلقاً قدم قبل عام الوفود فعليه البيان بالسنة الصحيحة الصريحة، وأنى له هذا؟ ثم هذا كله كلامنا مع ابن حبان، وهو إمام من أئمة المسلمين، نستدل به إذا لم ينبين لنا خطأه، لكن ربما يستدل بشيء على شيء، ويغمض عن النتائج، ويرد على شيء ولا يخشى العواقب، كما استدل بالحديث الصحيح أن بين بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى أربعون سنة، فقال: هذا رد على من زعم أن بين اسماعيل. وسليمان عليهما السلام ألف سنة، اهـ. ولنعم ما قيل له، فعلى قياس قولك: بينهما أربعون سنة، اهـ. والله أعلم.
وأما الحازمي، فكفأنا عن مؤنة الجواب، حيث روى من طريق أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه طلق عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "من مس فرجه فليتوضأ" ونقل تصحيحه عن الطبراني، وقال ابن عبد الهادي في المحرر ص 19: إسناده لا يثبت، وأيوب عن قيس هو الذي صنفه، فيما قبل، وسكت عنه هنا، بل ذكر تصحيح(1/67)
إلَيْهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْبَاقِينَ، وَطَرِيقُ مَالِكٍ إلَيْهَا لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ وَعَدَالَةِ رُوَاتِهِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ بُسْرَةَ نَحْوُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَكَثْرَةُ الرُّوَاةِ مُؤَثِّرَةٌ فِي التَّرْجِيحِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الرُّخْصَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ مِنْ طَرِيقٍ تُوَازِي هَذِهِ الطُّرُقَ، أَوْ تُقَارِبُهَا إلَّا مَنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ الْيَمَامِيِّ وَهُوَ حَدِيثٌ فَرْدٌ فِي الْبَابِ، قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ كَثْرَةَ الرُّوَاةِ لَا أَثَرَ لَهَا فِي بَابِ التَّرْجِيحَاتِ، لِأَنَّ طَرِيقَ كل ولحد مِنْهُمَا غَلَبَةُ الظَّنِّ، فَصَارَ كَشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مَعَ شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، وَرَدُّهُ بِأَنَّ غَلَبَةَ الظن إنما يعتبر فِي بَابِ الرِّوَايَةِ دُونَ الشهادة،
__________
= حديثه عن الطبراني، لكن ارتفع به قصة التقدم والتأخر، وهدم ما بناه ابن حبان، فلذا اكتفى الحازمي على النسخ بقوله: يشبه أن يكون سمع الحديث الأول حديث الرخصة من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل هذا، ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة، اهـ. قلنا: للخصم أن يقول: يشبه أن يكون سمع أولاً حديث الوضوء ثم حديث الرخصة، والله أعلم.
أما الثالث: فلم يثبت أيضاً لما تقدم، بل الظاهر أنه لم يجيء قبل عام الوفود، وشركته في بناء المسجد، كشركة أبي هريرة. وعمرو بن العاص. وابنه رضي الله عنهم عند البناء الثاني، وبه تبين حال المقدمة الخامسة، والله أعلم.
وأما الرابع: فكفانا لرده أيضاً الحازمي حيث قال: بسرة قديم هجرتها وصحبتها.
أما التطبيق فقالوا: إن المراد بحديث بسرة - الإصابة بباطن الكف - وبحديث طلق - بظهره - واستدل عليه البيهقي: ص 35 - ج 1 بحديث محمد بن جابر، قال: حدثني شيخ لنا من أهل اليمامة، يقال له: قيس بن طلق عن أبيه أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو سمع رجلاً يسمعه، فقال: بينما أنا أصلي، فذهبت أحك فخذي فأصابت يدي ذكري، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما هو منك؟ " قال: والظاهر من حال من يحك فخذه وإصابة يده ذكراً أن يصيبه بظهر الكف، اهـ. قلت: محمد بن جابر في هذه الرواية، قال البيهقي: ضعيف، وأن من استدل بهذا الحديث على الرخصة إنما استدل بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بظاهر حال السائل، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما هو منك" لا يفرق بين الكف والظهر، وقال: والظاهر من حال من يحك، الخ، أيضاً ممنوع، نعم لو كان لفظه: فحككت فخذي، فأصابت يدي ذكري، لكان الظاهر كما قال، فأما وقد قال: فذهبت أحك فخذي فأصابت يدي ذكري فلا.
وبما جاء في بعض الآثار: من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ، قال البيهقي ص 34 - ج 1: قال الشافعي: الإفضاء باليد إنما هو ببطنها، وفيه ما قال ابن حزم في المحلى ص 238 - ج 1: هذا لا يصح أصلاً ولو صح لما كان فيه دليل على ما يقولون، لأن الإفضاء باليد يكون بظاهر اليد كما يكون بباطنها حتى لو كان الإفضاء بباطن اليد، لما كان في ذلك ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء، إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء، فكيف والإفضاء يكون بجميع الجسد قال اللَّه تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} ، وبأن المراد بحديث طلق المس بحائل، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونهما حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة"، اهـ. قلنا: يزيد بن عبد الملك الراوي متروك، وتابعه نافع القاري، وهو وإن وثقه بعضهم، فقد قال فيه أحمد: يؤخذ عنه القرآن، وليس في الحديث بشيء، ولا يخفى بعد هذا التأويل.
وأما الاعتبار فقالوا: إن الذكر لا يشبه سائر الجسد، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمس الرجل ذكره بيمينه، ولو كان بمنزلة الإبهام والأنف، وما هو منا لكان لا بأس عليه أن نمسه بأيماننا، قلنا: هذه عليه في مقابلة النص، فإن قوله عليه السلام: "هل هو إلا بضعة منك" يفيد التسوية بينه وبين سائر الجسد، فهي مردودة،، وقد أسند البيهقي ص 130 - ج 1 عن ابن خزيمة، قال: كان الشافعي يوجب الوضوء من مس الذكر اتباعاً لخبر بسرة لا قياساً، اهـ. ولو صح هذا القياس لكان يجب أن يكون خبر طلق ناسخاً، لأن خبر بسرة كان على ما هو الأصل قبل(1/68)
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ خمسون امرأة بشهادةٍ لم تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ؟ وَلَوْ شَهِدَ بِهَا رَجُلَانِ قُبِلَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَهَادَةَ خَمْسِينَ امْرَأَةٍ أَقْوَى فِي الْيَقِينِ، وَكَذَلِكَ سَوَّى الشَّارِعُ بَيْنِ شَهَادَةِ إمَامَيْنِ عَالِمَيْنِ، وَشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ جَاهِلَيْنِ، وَأَمَّا فِي الرِّوَايَةِ فَتُرَجَّحُ رِوَايَةُ الْأَعْلَمِ الدَّيِّنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ خلاف يغرف فِي ذَلِكَ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى حَدِيثِ بُسْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي مِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا2، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنِّي مَسِسْتُ ذَكَرِي وَأَنَا أُصَلِّي، فَقَالَ: "لَا بأس إنما هو جُزْءٌ مِنْك"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ والدارقطني فِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: مَتْرُوكٌ. وَالْقَاسِمُ أَيْضًا: ضَعِيفٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخِطْمِيَّ - وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ - أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي احْتَكَكْت فِي الصَّلَاةِ، فَأَصَابَتْ يدي فرجي، انتهى. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الْفَضْلُ بْنُ مُخْتَارٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مَجْهُولٌ. وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ4 فِي شَرْح الْآثَار: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ5 رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:
__________
= الرخصة، وما استدلوا به من النهي عن مس الذكر بيمينه، فليس هو لأجل البضعة، بل لأجل البول، فإن الحديث في الصحيح عن أبي قتادة رفعه: إذا أتى أحدكم الغائط، فلا يمسح ذكره بيمينه، فمسح الذكر كناية عن الاستنجاء، وكذ 1 الحكم في الأنف لا يمسحه بيمينه لأجل المخاط، وعليه حمل بعض أهل العلم حديث بسرة، بأن المراد بالمس فيه المس للاستنقاء من البول، قال ابن الهمام في الفتح ص 38 - ج 1: إن سلكنا طريق الجمع جعل مس الذكر كناية عما يخرج منه، وهو من أسرار البلاغة يسكتون عن ذكر الشيء ويرمزون عليه بذكر ما هو من روادفه، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه" الحديث، أحمد ص 300 - ج 5. فلما كان مس الذكر غالباً يرادف خروج الحدث منه ويلازمه عبر به عنه، كما عبر تعالى بالمجيء من الغائط، عما يقصد الغائط لأجله ويحل فيه، فيطابق طريق الكتاب والسنة في التعبير، فيصار إلى هذا لدفع التعارض اهـ. وحمل بعض أهل العلم حديث بسرة على الاستحباب. وحديث طلق على الاباحة والرخصة.
وأما السادس: فبما قال ابن تيمية في الفتاوى ص 58 - ج 1: إن الوضوء في كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يروه قط إلا وضوء الصلاة، الخ. قلت: هذا دعوى عجرد، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعكراش حين غسل يديه: "هذا وضوء".
1 ص 37.
2 قلت: متنه عند ابن ماجه هكذا: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مس الذكر فقال: "إنما هو جزء منك" اهـ، وأخرجه ابن أبي شيبة، وفيه: هل هو إلا جذوة منك؟.
3 ص 54.
4 ص 47.
5 وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود. وسعد. وحذيفة. وابن عباس. وعمار بن ياسر. وعمران بن حصين. وعلي بن أبي طالب نحوه.(1/69)
مَا أُبَالِي مَسِسْتُ أَنْفِي أَوْ ذَكَرِي، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْك، وَأَنَّ لِكَفِّك مَوْضِعًا غَيْرُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ حُذَيْفَةَ. وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَانَا لَا يَرَيَانِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ وُضُوءًا، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِالْوُضُوءِ مِنْهُ غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، وَمَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِيهِ وضوء فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا أُبَالِي إيَّاهُ: مَسِسْتُ ذَكَرِي. أَوْ أَنْفِي، قَالَ: وَمَا رَوَوْهُ عَنْ الحكم بن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كُنْت أُمْسِكُ المصحف عَلَى أَبِي، فَمَسِسْتُ ذَكَرِي، فَأَمَرَنِي أَنْ أَتَوَضَّأَ، فَمَحْمُولٌ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ بِمَا أُخْبِرْنَا، وَأَسْنَدَ إلَى الزُّبَيْرِ عن عدي بن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ مِثْلَهُ، وَقَالَ فِيهِ: قُمْ فَاغْسِلْ يَدَك، انْتَهَى. وَحَكَى صَاحِبُ التَّنْقِيحِ قَالَ: اجْتَمَعَ1 سُفْيَانُ. وَابْنُ جُرَيْجٍ، فَتَذَاكَرَا مَسَّ الذَّكَرِ، فَقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَمْسَكَ بِيَدِهِ مَنِيًّا مَا كَانَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: يَغْسِلُ يَدَهُ، قَالَ: فَأَيُّهُمَا أَكْبَرُ، الْمَنِيُّ. أَوْ مَسُّ الذَّكَرِ؟ فَقَالَ: مَا أَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِك إلَّا الشَّيْطَانُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ مَسِّ الْمَرْأَةِ حَدِيثٌ لِلْخُصُومِ القائلين بنقض الوضوء منه، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا لَقِيَ امْرَأَةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَعْرِفَةٌ، فَلَيْسَ يَأْتِي الرَّجُلُ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا إلَّا أَتَاهُ إلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ {أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ} الْآيَةُ. قَالَ: فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ. قَالَ مُعَاذٌ: فَقُلْتُ: يَا رسول الله أهي خَاصَّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً.؟ قَالَ: "بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَقُتِلَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى صَغِيرٌ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا، وَأَلْفَاظُهُمْ الثَّلَاثَةُ فِيهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يُصِيبُهُ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ إلا أصابه منه غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَوَضَّأْ وُضُوءًا حَسَنًا، ثُمَّ صَلِّ" قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، فَقَالَ مُعَاذٌ: أَهِيَ لَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ ضَعْفِهِ وَانْقِطَاعِهِ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ لِلتَّبَرُّكِ وَإِزَالَةِ الْخَطِيئَةِ لَا لِلْحَدَثِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ: "تَوَضَّأْ وُضُوءًا حَسَنًا" وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ عليه السلام أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
__________
1 أسنده البيهقي في سننه الكبرى ص 136 - ج 1.(1/70)
اُدْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يُعَافِيَنِي مِنْ الْخَطَايَا، فَقَالَ لَهُ: "اُكْتُمْ الْخَطِيئَةَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءًا حَسَنًا، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ" ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ" فَذَكَرَ دعاءاً، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثُ خُرُوجِ الْخَطَايَا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ يَغْسِلُهُ فِي الْوُضُوءِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَثَرًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَثَرًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَثَرًا عَنْ عُمَرَ أَنَّ اللَّمْسَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ، فَمَنْ لَمَسَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ ثُمَّ قَالَ: وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: هِيَ الْجِمَاعُ وَلَمْ يَرَ فِي اللَّمْسِ وُضُوءًا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: اللَّمْسُ. وَالْمُبَاشَرَةُ الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي مَا يَشَاءُ بما يشاء، انْتَهَى. أَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ1، وَقَالَ: هُوَ عِنْدَهُمْ خَطَأٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابن عمر لا عُمَرَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ أَصْحَابِنَا، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ النَّقْضِ مِنْهُ، فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ اختلف طُرُقُهُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَأَمَّا أَلْفَاظُهُ فَإِنَّهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَا أَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ لِي وُجُودُهُ مِنْ الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ.
الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلِيَّ، فَإِذَا قَامَ بسطتهما، والبيوت يومئذ ليست فِيهَا مَصَابِيحُ، وَفِي لَفْظٍ: فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غمز رجلي فضممتها إلَى، ثُمَّ سَجَدَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَجَعَلْت أَطْلُبُهُ بِيَدَيَّ فَوَقَعَتْ يَدَيَّ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، يَقُولُ: أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أحصي ثناءاً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، انْتَهَى. وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ3 فِي سُنَنِهِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِمَا تَرْكُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَالْخُصُومُ يَحْمِلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمَسَّ وَقَعَ بِحَائِلٍ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَعَ شِدَّةِ بُعْدِهِ يَدْفَعُهُ بَعْضُ أَلْفَاظِهِ، كَمَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
طَرِيقٌ آخَرُ رَوَى أَبُو دَاوُد4. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ5 مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، قَالَ عُرْوَةُ6: فَقُلْت لَهَا: مَنْ هِيَ، أَلَا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ ثَنَا الْأَعْمَشُ ثَنَا أَصْحَابٌ لَنَا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ
__________
1 في التمهيد الجوهر النقي.
2 ص 192.
3 ص 38.
4 ص 27.
5 ص 38.
6 ويفهم من سياق السؤال أن عروة هو ابن الزبير لأن المزني لا يجسر أن يقول مثل هذا الكلام لعائشة الدراية ص 20.(1/71)
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القطان: أحْك عني هذين الْحَدِيثَيْنِ يَعْنِي حَدِيثَ الْأَعْمَشِ هَذَا، وَحَدِيثَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ - فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ - أَنَّهُمَا شِبْهُ لَا شَيْءِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرُوِيَ عَنْ الثَّوْرِيِّ أن قَالَ: مَا حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ إلَّا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ يَعْنِي لَمْ يُحَدِّثْهُمْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ رَوَى حَمْزَةُ الزَّيَّاتِ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثًا صَحِيحًا، انْتَهَى. وَالتِّرْمِذِيُّ لَمْ يَنْسُبْ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا، وَأَمَّا ابْنُ مَاجَهْ فَإِنَّهُ نَسَبَهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ1 ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرِجَالُ هَذَا السَّنَدِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَيَقُولُ: لَمْ يَسْمَعْ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قُلْنَا: بَلْ هُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا سَنَدُ أَبِي دَاوُد الَّذِي قَالَ فِيهِ: عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ عَنْ نَاسٍ مَجَاهِيلَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ يَرْوِي عَنْ الْأَعْمَشِ سِتَّمِائَةِ حَدِيثٍ تَرَكْنَاهُ، لَمْ يَكُنْ بِذَاكَ. قال ابن عدي: والذي قال ابْنُ الْمَدِينِيِّ هُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ الْأَعْمَشِ أَحَادِيثَ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهَا الثِّقَاتُ، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ إلَّا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ، فَهَذَا لَمْ يُسْنِدْهُ أَبُو دَاوُد، بَلْ قَالَ عَقِيبَهُ: وَقَدْ رَوَى حَمْزَةُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثًا صَحِيحًا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا دَاوُد لَمْ يَرْضَ بِمَا قَالَهُ الثَّوْرِيُّ، وَيُقَدَّمُ هَذَا لِأَنَّهُ مثبت، والثوري نافي، وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد هُوَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي جَسَدِي وَعَافِنِي فِي بَصَرِي" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ وَقَالَ: غَرِيبٌ2، وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئًا، انْتَهَى. وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ مَا قال الْبَيْهَقِيُّ: إنَّهُ عُرْوَةُ الْمُزَنِيّ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَبِيبًا سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَمِعَهُ مِنْ الْمُزَنِيّ أَيْضًا، كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ مَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: صَحَّحَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَثَبَّتُوهُ لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَهُ، وَحَبِيبٌ لَا يُنْكَرُ3 لِقَاؤُهُ عُرْوَةَ لِرِوَايَتِهِ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ عُرْوَةَ وَأَقْدَمُ مَوْتًا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَكَ عُرْوَةَ، انْتَهَى.
__________
1 وكذا رواه أحمد عن وكيع عن الأعمش عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها، الحديث في مسنده ص 22 - ج 2.
2 قال الترمذي في جامع الدعاء ص 186 - ج 2: هذا حديث حسن غريب.
3 لكنه مدلس من الثالثة(1/72)
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ1 عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أبي دوق عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقبِّل بعض نساءه ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ: وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أبي دوق عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ حَفْصَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، وَلَا مِنْ حَفْصَةَ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ إنَّمَا هُوَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ، فَحَمَلَهُ الضُّعَفَاءُ مِنْ الرُّوَاةِ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَلَوْ صَحَّ إسْنَادُهُ لَقُلْنَا بِهِ، انْتَهَى. قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُ: إبْرَاهِيمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عن أبي دوق عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، فَوَصَلَ سَنَدَهُ، وَمُعَاوِيَةُ هَذَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وأبو دوق: عطية بن الحرب، أَخْرَجَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ أَحْمَدُ:3 لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ ثِقَةٌ، لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ بِجَرْحٍ، وَمَرَاسِيلُ الثِّقَاتِ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَحَمَلَهُ الضُّعَفَاءُ مِنْ الرُّوَاةِ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، فَهَذَا تَضْعِيفٌ مِنْهُ لِلرُّوَاةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ، وَالْمَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَلَا يُقَالُ: أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ.
طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ4 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ5 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُقَبِّلُ وَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، وَرُبَّمَا فَعَلَهُ بِي، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ جَيِّدٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ6 عَنْ ابْنِ الْهَادِ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي، وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَابْنُ الْهَادِ، قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ7 أَخْبَرْنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ8 حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ: "إنَّ الْقُبْلَةَ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ"، وَقَالَ: "يَا حُمَيْرَاءُ إنَّ فِي دِينِنَا لَسَعَةً"، انْتَهَى.
__________
1 وأحمد ص 210.
2 ص 51.
3 والنسائي، ويعقوب بن سفيان.
4 ص 39.
5 والدارقطني: ص 52، وقال: زينب مجهولة، قال الحافظ: ذكرها ابن حبان في الثقات.
6 ص 38.
7 والدارقطني: ص 52 مختصراً.
8 صدوق كثير التدليس.(1/73)
طَرِيقٌ آخَرُ رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ1 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ صُبَيْحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نسائه ثم يَتَوَضَّأُ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ: رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمَا، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَغَيْرُهُمْ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ مَشْهُورٌ، وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وأبوه2 مشهور، روى له البخاري، وإسماعيل: روى عَنْهُ النَّسَائِيُّ، وَوَثَّقَهُ. وَأَبُو عوانة الاسفرائني، وَأَخْرَجَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةُ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ: لَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً تُوجِبُ تَرْكَهُ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَعِينٍ: حَدِيثُ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ حَدِيثٌ رَدِيءٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَانْفِرَادُ الثِّقَةِ بِالْحَدِيثِ لَا يَضُرُّهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ الآية، ويكون الْمُلَامَسَةُ الْجِمَاعَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 مِنْ جِهَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ وُضُوءٌ، قُلْنَا: الَّذِي رَفَعَهُ زَادَ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالْحُكْمُ لِلرَّافِعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عطاءاً أَفْتَى بِهِ مَرَّةً، وَمَرَّةً أُخْرَى رَفَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ4 مِنْ طُرُقٍ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَبِّلُنِي إذَا خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَسَعِيدٌ هَذَا وَثَّقَهُ شُعْبَةُ، وَدُحَيْمٌ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَخْرَجَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا أَرَى بِمَا يَرْوِي بَأْسًا، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ، انْتَهَى. وَأَقَلُّ أَحْوَالِ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ الْقُبْلَةِ. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ وَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِشَيْءٍ، سِوَى أَنَّ منصور خَالَفَهُ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ أَنَّ أَكْثَرَ رُوَاتِهِ إلَى ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ مَجْهُولُونَ5 وَيَنْظُرُ فِيهِ.
__________
1 قال الحافظ في الدراية ص 20: رجاله ثقات.
2 وفي س ابنه.
3 ص 50.
4 ص 49.
5 ليس كذلك، بل أكثرهم معروفون الجوهر ص 126 - ج 1، قال الذهبي: عمرو بن سيار ليس بالمتين، اهـ. قلت: عبد الباقي بن قانع الحنفي الحافظ ثقة معروف، وشيخه إسماعيل بن الفضل ثقة، ذكره الخطيب: ص 261 - ج 6، ومحمد بن عيسى الطرطوسي: من رجال اللسان، قال الحاكم: هو من المشهورين بالرحلة والفهم والتثبت، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه أبو عوانة في صحيحه، قلت: بقي سليمان بن عمر ابن سيار، لم أر من ذكره.(1/74)
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ حَاجِبِ2 بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، ثُمَّ ضَحِكَتْ، وَالنَّيْسَابُورِيّ إمَامٌ مَشْهُورٌ، وَحَاجِبٌ لَا يُعْرَفُ فِيهِ مَطْعَنٌ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ النَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَبَاقِي الْإِسْنَادِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ عَقِيبَهُ: تَفَرَّدَ بِهِ حَاجِبٌ عَنْ وَكِيعٍ، وَوَهِمَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ عَنْ وَكِيعٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَحَاجِبٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هُوَ تَفَرُّدُ ثِقَةٍ. وَتَحْدِيثُهُ مِنْ حِفْظِهِ إنْ كَانَ أَوْجَبَ كَثْرَةَ خطأه بِحَيْثُ يَجِبُ تَرْكُ حَدِيثِهِ، فَلَا يَكُونُ ثِقَةً، وَلَكِنَّ النَّسَائِيَّ وَثَّقَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ خُرُوجَهُ عَنْ الثِّقَةِ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَهِمْ، وَكَانَ لِنِسْبَتِهِ إلَى الْوَهْمِ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الْأَكْثَرِينَ لَهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَرَّاقِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ بَلَغَهَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: فِي الْقُبْلَةِ الْوُضُوءُ، فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لَا يَتَوَضَّأُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا أَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ عَنْ عَاصِمٍ هَكَذَا غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَعَلِيٌّ هَذَا مُصَنِّفٌ مَشْهُورٌ، مُخَرَّجٌ عَنْهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَعَاصِمٌ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو أويس: استشهدبه مُسْلِمٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ رُكْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُقَبِّلُ أَهْلَهُ وَيُلَاعِبُهَا أَيَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوءَهُ؟ قَالَ: لَا، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ رُكْنٍ هَذَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَرَوَاهُ ابن حبان فيكتاب الضُّعَفَاءِ وَأَعَلَّهُ بِرُكْنٍ، وَقَالَ: إنَّهُ رَوَى عَنْ مَكْحُولٍ سِتَّمِائَةِ حَدِيثٍ، مَا لِكَثِيرٍ مِنْهَا أَصْلٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا سَعْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يُحْدِثُ وُضُوءًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيِّ
__________
1 ص 50.
2 صدوق يهم تقريب.
3 ضعيف الدراية ص 30.(1/75)
الْجَزَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِغَالِبٍ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يَرْوِي الْمُعْضَلَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ.(1/76)
فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ": وَذَكَر مِنْهَا الْمَضْمَضَةَ، وَالِاسْتِنْشَاقَ، قُلْتُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ، فَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الطهارة والترمذي في الاستيدان وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ كُلُّهُمْ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عن عائشة قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ بِالْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ". قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيت الْعَاشِرَةَ إلَّا أن يكون الْمَضْمَضَةَ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمٌ أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ فَفِيهِ عِلَّتَانِ، ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ وَعَزَاهُمَا لِابْنِ مَنْدَهْ: إحْدَاهُمَا: الْكَلَامُ فِي مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، قَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ2: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَلَا يَحْمَدُونَهُ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ3 رَوَاهُ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ مُرْسَلًا، هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ مُرْسَلًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَحَدِيثُ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي بِشْرٍ أَوْلَى، وَأَبُو مُصْعَبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَلِأَجَلِ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ مُسْلِمٌ إلَيْهِمَا، لِأَنَّ مُصْعَبًا عِنْدَهُ ثِقَةٌ، وَالثِّقَةُ إذَا وَصَلَ حَدِيثًا يُقَدَّمُ وَصْلُهُ عَلَى الْإِرْسَالِ.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مِنْ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَالِانْتِضَاحُ بِالْمَاءِ، وَالِاخْتِتَانُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ4 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ5 وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ
__________
1 والدارقطني: ص 35.
2 ص 274 - ج 2.
3 السنن التي بأيدينا ليس فيها ذكر ابن الزبير لا في طريق سليمان، ولا في طريق أبي بشر، بل فيها عنهما عن طلق مرسلاً، والله أعلم.
4 ص 264 - ج 4.
5 ص 53 - ج 1.(1/76)
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ فَيَكُونُ مُرْسَلًا، لِأَنَّ أَبَاهُ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، وَأَمَّا جَدُّهُ عَمَّارٌ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لَسَلَمَةَ مِنْ عَمَّارٍ سَمَاعٌ، وَهَذَا عَلَى شَرْطِهِ، وَغَيْرُهُ يَكْتَفِي بِالْمُعَاصَرَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ هُنَا سَكَتَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ النَّبِيذِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ فِي كَلَامٍ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ وَثَّقَهُ قَوْمٌ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، وَجُمْلَةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ الْكَثِيرَ مِمَّا يَقِفُهُ غَيْرُهُ، وَاخْتَلَطَ أَخِيرًا، وَلَا يُتَّهَمُ بِكَذِبٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ1 قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، فَقَالَ: "إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِي" وَفِي لَفْظٍ: "فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ" وَهُوَ دَلِيلٌ جَيِّدٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ القاسم بن عصر2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، سُنَّةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْقَاسِمُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ3 ضَعِيفَانِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِمَا فِي الطَّهَارَتَيْنِ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عِصَامٌ، وَوَهِمَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ، هَكَذَا رواه السفيان، وَغَيْرُهُمْ5، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ كَذَلِكَ، وَنَقَلَ كَلَامَ الدَّارَقُطْنِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ7، عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ8: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ حَمَّادٍ غَيْرُ هُدْبَةَ، وَغَيْرُهُ يُرْسِلهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ هُدْبَةُ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَرْسَلَهُ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَظُنُّ هُدْبَةَ أَرْسَلَهُ مَرَّةً وَوَصَلَهُ أُخْرَى، وَتَابَعَهُ دَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ
__________
1 أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني: ص 42، والبيهقي: ص 178 - ج 1، واللفظ له.
2 وفي س غصن.
3 وفي النسخة المطبوعة: تضعيف إسماعيل فقط.
4 ص 31.
5 هذا قول الزيلعي.
6 ص 43.
7 ص 52.
8 قلت: عبارة الدارقطني هكذا: تابعه داود بن المحبر فوصله، وأرسله غيرهما، ثم ذكر رواية داود مثل رواية هدبة، ثم قال: لم يسنده عن حماد غير هذين، وغيرهما يرويه عنه عن عمار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يذكر أبا هريرة.(1/77)
عَنْ حَمَّادٍ فَوَصَلَهُ، وَخَالَفَهُمَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَلَّالُ شَيْخٌ لِيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، فَقَالَ: عَنْ حَمَّادٍ عن عمارعن ابْنِ عَبَّاسٍ بَدَلُ أَبِي هُرَيْرَةَ1.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "الْمَضْمَضَةُ. وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا" قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ، فَأَرْسَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَسَكَتَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْهُ هُنَا، فَإِنَّهُ يَحْتَجُّ بِهِ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ الْحُجَّةُ لَهُ بِالْحَدِيثِ، وَيُضَعِّفُهُ فِي مَوْضِعٍ يَكُون الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَيْهِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي الْمَضْمَضَةِ. وَالِاسْتِنْشَاقِ: "إنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ، سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ بَرَكَةَ بْنِ مُحَمَّدِ الْحَلَبِيِّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ3 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِلْجُنُبِ ثَلَاثًا فَرِيضَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمَدْخَلِ: بَرَكَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيُّ يَرْوِي عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطَ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدِيثُ بَرَكَةَ هَذَا بَاطِلٌ لَمْ يُحَدِّث بِهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ ثَلَاثًا، هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مُرْسَلًا، فَأَسْنَدَهُ بَرَكَةُ الْحَلَبِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيَّرَ لَفْظَهُ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَى ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ ثَلَاثًا قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ مَوْصُولًا غَيْرُ بَرَكَةَ الْحَلَبِيِّ، وَكَانَ يُحَدِّثُ، وَسَائِرُ مَا يَرْوِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ بَاطِلٌ لَا يَرْوِيهَا غَيْرُهُ، وَقَالَ لِي عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ: حَدِّثْنِي حَدِيثًا فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لِي: هَاتِ حَدِيثَ الْمُسْلِمِينَ، أَنَا قَدْ رَأَيْتُ بَرَكَةَ هَذَا بِحَلَبٍ وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَاتَّهَمَ بَرَكَةَ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ وَضَعَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْصُولًا مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ بَرَكَةَ، قَالَ: أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مِهْرَانَ السَّوَّاقُ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ
__________
1 انتهى كلام البيهقي، وبعده: وكلاهما غير محفوظ.
2 ص 43.
3 قلت: عبارة الدارقطني ص 43، هكذا، قال: جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة.(1/78)
النَّهْدِيُّ ثَنَا هَمَّامُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ ثَلَاثًا لِلْجُنُبِ فَرِيضَةٌ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا حَدَّثَنِيهِ هَذَا الشَّيْخُ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ هَمَّامٍ، انْتَهَى. قُلْتُ: وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَيْضًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَاتَّهَمَ هَمَّامًا بوضعه، وَأَغْلَظَ فِيهِ الْقَوْلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَابْنِ حِبَّانَ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ فِي تَرْجَمَةِ هَمَّامٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ دَاوُد نا سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ بِهِ. وَأَعَلَّهُ بِهَمَّامٍ، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ وَيُحَدِّثُ بِهِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَهَذَا لَا أَصْلَ لِرَفْعِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرُبَّمَا اُسْتُدِلَّ لِهَذَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَبُلُّوا الشَّعْرَ1 وَأَنْقُوا الْبَشَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَبِحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ تَرَكَ شَعْرَةً مِنْ جَسَدِهِ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ النَّارِ" قَالَ عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي، وَكَانَ يَجُزُّهُ، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَبِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: "فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك"، أَوْ قَالَ: بَشَرَتَك رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ اعْتَمَدَ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَثَرٍ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ2 مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيُّ3 بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ عَجْرَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، قَالَ: لَا يُعِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا، قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا أَثَرٌ ثَابِتٌ، يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ، وَهُوَ يَعِيبُ عَلَيْنَا الْأَخْذَ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ، وَعُثْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ عَجْرَدٍ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ بِبَلَدِهِمَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ ضَعِيفًا مَجْهُولًا وَيُوهِنَ قَوِيًّا مَعْرُوفًا؟! انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فِي اغْتِسَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجَنَابَةِ،
قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 فِي كُتُبِهِمْ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ، قَالَتْ: أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حفنات ملأ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: غِسْلُهُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ مَا يُغَسَّلُ بِهِ.
__________
1 كذا في البيهقي ص 389 - ج 1.
2 ص 189.
3 ص 43.
4 واللفظ لمسلم: ص 147 - ج 1.(1/79)
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَكْفِيكِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعْرِكِ"، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ. مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: "لَا، إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تحثي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ"، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "أَمَا أَنْقُضُهُ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ؟ 2 فَقَالَ: "لَا" الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ عبيد الله بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كان يأمر الناس إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رؤوسهن، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رؤوسهن! أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رؤوسهن؟! لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إفْرَاغَاتٍ انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: أَفْتَانِي جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُمْ أَنَّهُمْ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "أَمَّا الرَّجُلُ فلينتشر4 رَأْسَهُ فَلْيَغْسِلْهُ حَتَّى يَبْلُغَ أُصُولَ الشَّعْرِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا عَلَيْهَا أَنْ لَا تَنْقُضَهُ لِتَغْرِفْ عَلَى رَأْسِهَا ثلاث غرفات يكفيها" انْتَهَى. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَابْنُهُ فِيهِمَا مَقَالٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْقُضُ شَعْرَهَا فِي الْحَيْضِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ5 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ لَيْلَةُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُنْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِك" فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ، انْتَهَى. قَالَ: وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ ثُمَّ الْخَطِيبُ مِنْ جِهَتِهِ فِي تَلْخِيصِ الْمُتَشَابِهِ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا اغتسلت من الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْضَتِهَا نَقَضَتْ شَعْرَهَا نَقْضًا وَغَسَلَتْهُ بِخَطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ الْجَنَابَةِ صَبَّتْ عَلَى رَأْسِهَا الْمَاءَ وَعَصَرَتْهُ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ". قُلْتُ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
__________
1 واللفظ لمسلم.
2 للحيضة والجنابة، كذا في مسلم.
3 ص 150، وأحمد في: ص 43 - ج 6.
4 في أبي داود فلينثر، وفلينشر، نسختان.
5 في كتاب الحيض ص 45.(1/80)
وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: "إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ" وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي قِصَّةٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين إلى قبا، حَتَّى إذَا كُنَّا فِي بَنِي سَالِمٍ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابِ عِتْبَانَ فَصَرَخَ بِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ إزَارَهُ، فَقَالَ عليه السلام: "أَعْجَلْنَا الرَّجُلَ" فَقَالَ عِتْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعْجَلُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَلَمْ يُمْنِ مَاذَا عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ"، انْتَهَى. وَهَذَا السِّيَاقُ يَدْفَعُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام: "الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ" إنَّمَا كَانَ فِي الِاحْتِلَامِ، رواهما الترمذي في كتبه فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ نا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ فِي الِاحْتِلَامِ، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ: لَمْ نَجِد هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا عِنْدَ شَرِيكٍ، وَاسْمُ أَبِي الْجَحَّافِ دَاوُد بْنُ أَبِي عَوْفٍ قَالَ الثَّوْرِيُّ: كَانَ مُرْجِئًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ": فِي الِاحْتِلَامِ انْتَهَى.
الْكَلَامُ عَلَى نَسْخِ هَذَا الْحَدِيثِ، اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّ مَفْهُومَهُ عَدَمُ الْغُسْلِ مِنْ الْإِكْسَالِ، بَلْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ صَرِيحًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، أَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ مِنْ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَكْسُلُ، فَقَالَ: "يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ذَكْوَانَ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ، فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يقطر ماءاً فَقَالَ: "لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ " فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "إذَا عُجِّلْتَ أَوْ أقحطت2 فَلَا غُسْلَ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ" انْتَهَى.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلِلنَّاسِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَسْخِهَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: بِالْأَحَادِيثِ. وَالثَّانِي: رُجُوعُ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمِ الْأَوَّلَ.
أَمَّا الْأَحَادِيثُ: فَمِنْهَا: مَا ذُكِرَ فِيهَا النَّسْخُ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا، فَاَلَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا النَّسْخُ، بَلْ فِيهَا الْغُسْلُ فَقَطْ، حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْآخِرُ: مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى،
__________
1 في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين ص 30.
2 وفي نسخة قحطت.(1/81)
فَحَدِيثُ أَبِي هريرة، رواه البخاري. مسلم مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ". زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ - قَبْلَ ذِكْرِهِ - حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْسَخُ حَدِيثُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ بَعْضُهُ بَعْضًا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْهُ، قَالَ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ رَهْطٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّونَ: لَا يَجِبُ الغسل إلا من الدفق، أَوْ مِنْ الْمَاءِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: بَلْ إذَا خَالَطَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَنَا أَشْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَقُمْتُ وَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَأُذِنَ لِي، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ وَأَنِّي أَسْتَحْيِيكِ، فَقَالَتْ: لَا تَسْتَحِ أَنْ تَسْأَلَنِي عَمَّا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْك، فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ، قُلْتُ: فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ قَالَتْ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي صُرِّحَ فِيهَا بِالنَّسْخِ، فهي ثلاثة: أحدهما: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَأُعِلَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ الزُّهْرِيِّ. وَسَهْلٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: فَلَمْ يذكر الإخبار، وعند أبو دَاوُد2، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَرْضَى: أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ سَهْلٍ، وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ، 3فَقَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ سَهْلٍ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ سَهْلٍ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَبَا حَازِمِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، لِأَنَّ مُبَشِّرَ بْنَ إسْمَاعِيلَ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ4 قَالَ الشَّيْخُ: قُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ
__________
1 وصححه الترمذي، قال الحافظ: في الفتح ص 339 - ج 1: وصححه ابن خزيمة. وابن حبان، وقال الإسماعيلي: وهو صحيح على شرط البخاري، كذا قال، وكأنه لم يطلع على علته، اهـ. قال أبو حاتم في علله ص 49، وذكر حديث: الماء من الماء، وقال: هو منسوخ، نسخه حديث سهل بن سعد عن أبيّ بن كعب.
2 وأحمد: ص 116 - ج 5.
3 ص 165 - ج 1.
4 لهذا الإسناد أيضاً علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم فتح الباري ص 339 - ج 1، قلت: في العلل ص 41: إن أبا حاتم سأل أبا عبد الرحمن الحبلي عن هذا الحديث حديث مبشر عن محمد ن مطرف فقال: قد دخل لصاحبك حديث في حديث، ما نعرف في هذا الحديث أصلاً.(1/82)
بِهَذَا السَّنَدِ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ2 عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْجَمَّالِ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ. وَلَفْظُهُ: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يُفْتُونَ: أَنَّ الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ صَحِيحٍ مَوْصُولٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، ثُمَّ ذكره، وقال ابن حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَحَادِيثَ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ فَقَالَ: كُلُّهَا مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثٍ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ وَقَعَ لِي رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ مِنْ جِهَةِ أَبِي مُوسَى عَنْهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَفِيهَا قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، فَعَلَيْك بِالْبَحْثِ عَنْهَا، فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ4 عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَأَلْت عُرْوَةَ فِي الَّذِي يُجَامِعُ وَلَا يُنْزِلُ، قَالَ: عَلَى النَّاسِ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْآخِرِ، فَالْآخِرُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَغْتَسِلُ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْغُسْلِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ5 مِنْ جِهَةِ ابْنِ حِبَّانَ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ قَدْ حَكَمَ ابْنُ حِبَّانَ بِصِحَّتِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عِمْرَانَ كَثِيرًا مَا يَأْتِي عَنْ الزُّهْرِيِّ بِالْمَنَاكِيرِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ، فَالْحَدِيثُ بِهَذَا السِّيَاقِ فِيهِ مَا فِيهِ، وَلَكِنَّهُ حَسَنٌ جَيِّدٌ فِي الِاسْتِشْهَادِ6 قَالَ الشَّيْخُ: الَّذِي وَجَدْته فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ - لِلْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ أَعَلَّهُ بِالْحُسَيْنِ بْنِ عِمْرَانَ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ، ولا يعلم هذا االفظ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَذَكَر الْعُقَيْلِيُّ عَنْ آدَمَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: حُسَيْنُ بْنُ عِمْرَانَ الْجُهَنِيِّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ7 وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو الْعَرَبِ الْقَرَوِيُّ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي حُسَيْنِ بْنِ عِمْرَانَ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ قَوْلِ الْحَازِمِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، بَلْ لَوْ قِيلَ: لَيْسَ فِيهِ جَزْمٌ بِالتَّضْعِيفِ8 لَمْ يَبْعُدْ ذَلِكَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ9 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي فَقُمْت، وَلَمْ أُنْزِلْ فَاغْتَسَلْتُ وَخَرَجْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا عَلَيْكَ،
__________
1 والدارمي في سننه: ص 103.
2 والدارقطني في سننه ص 46، وقال: صحيح.
3 ص 166.
4 والدارقطني في سننه ص 47.
5 ص 23 من كتابه الاعتبار، وفي الناسخ والمنسوخ من الآثار.
6 إلى ههنا قول الحازمي.
7 في القدر تهذيب.
8 قال الدارقطني: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات تهذيب.
9 ص 143 - ج 4.(1/83)
إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ" قَالَ رَافِعٌ: ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغُسْلِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ1 وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِيهِ رِشْدِينَ بْنَ سَعْدٍ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى ضَعْفِهِ. وَبَعْضُ وَلَدِ رَافِعٍ مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالْحَالِ، وَحَدِيثٌ يَشْتَمِلُ سَنَدُهُ عَلَى ضَعِيفٍ وَمَجْهُولٍ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا؟! قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ وَقَعَ لِي تَسْمِيَةُ وَلَدِ رَافِعٍ فِي أَصْلِ سَمَاعِ الْحَافِظِ السَّلَفِيِّ، وَسَاقَ الشَّيْخُ سَنَدَهُ إلَى رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ سَهْلِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عن رفيع بْنِ خَدِيجٍ، فَذَكَرَهُ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى النَّسْخِ، وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ أَفْتَى بِوُجُوبِ الْغُسْلِ، أَوْ رَجَعَ عَنْ الْأَوَّلِ، فَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ أَهْلَهُ، ثُمَّ يَكْسُلُ وَلَا يُنْزِلُ، فَقَالَ زَيْدٌ: يَغْتَسِلُ، فَقَالَ لَهُ مَحْمُودٌ: إنَّ أُبَيِّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ لَا يَرَى الْغُسْلَ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: إنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ2: لَا أَحْسَبُهُ تَرَكَهُ، إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بعد مَا نَسَخَهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ نُزُوعُهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ يدل عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَهُ مَا نَسَخَهُ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَغَيْرُهُمَا، وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. وَعَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَغَابَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ" قُلْتُ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ، مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ فَقَالَ: "إذا التقت الْخِتَانَانِ وَغَابَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، وَأَوْرَدَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، كَمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ. صَاحِبُ الْمُدَوَّنَةِ. مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي كِتَابِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَجَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ". زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ". وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَفِيهِ
__________
1 16 ص 22.
2 قوله هذا في الاعتبار - للحازمي ص 22.(1/84)
"وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن بزيغ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُوجِبُ الْمَاءَ إلَّا الْمَاءُ؟ فَقَالَ: "إذا التقى الختانان وغيب الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سَنَّ الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ. وَالْعِيدَيْنِ. وَعَرَفَةَ. وَالْإِحْرَامِ، قُلْتُ: أَمَّا الْجُمُعَةُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ2 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْأَيْلِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَمَّيْهِ النَّضْرِ وَمُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَوْ كَأْسًا بِدِينَارٍ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ حَفْصًا هَذَا، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: وَلَوْ كَانَتْ بِدِينَارٍ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ. وَأَمَّا الْعِيدَانِ3 فَفِيهِمَا أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ4 ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخِطْمِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ الْفَاكِهِ عَنْ جَدِّهِ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ. وَيَوْمَ النَّحْرِ. وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَكَانَ الْفَاكِهُ بْنُ سَعْدٍ يَأْمُرُ أهله بالغسل هَذِهِ الْأَيَّامِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: وَلَا نعرف لِلْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أحمد5 بلفظ البزار، لكنه لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ، وَعِلَّةُ الْحَدِيثِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السمّي، قَالَ فِي الْإِمَامِ: تَكَلَّمُوا فَأَفْظَعُوا فِيهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا أَخْبَرَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ. وَيَوْمَ الْأَضْحَى، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ بِجَبَّارَةَ بْنِ الْمُغَلِّسِ، فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ
__________
1 قلت: ورواه ابن ماجه ص 45، عن أبي بكر بن أبي شيبة ثنا معاوية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل" اهـ. حجاج بن أرطاة الكوفي القاضي أحد الفقهاء: صدوق كثير الخطأ والتدليس، وبقية رجاله ثقات. قلت: الحديث في المصنف ص 61.
2 البخاري: ص 121. ومسلم: 280، واللفظ له.
3 استدل البيهقي قي ص 299- ج 1: بحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جمعة من الجمع: "يا معشر المسلمين هذا يوم جعله الله تعالى عيدا فاغسلوا وعليكم بالسواك"، وقال: ورواه مسلم.
4 تركوه، وكذبه ابن معين، وكان من فقهاء الحنفية تقريب.
5 ص 78 - ج 4.(1/85)
عَدِيٍّ قَدْ مَشَّاهُ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَى بَعْضِ حَدِيثِهِ، وَحَجَّاجٌ أَيْضًا، قَالَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيثُ حَجَّاجٍ عَنْ مَيْمُونٍ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مِنْدَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ لِلْعِيدَيْنِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّتُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَاهِيهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَمِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ أَشْبَهُ1 حَالًا مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا عَرَفَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهَا حَدِيثُ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَمَّا الْإِحْرَامُ، فَفِيهِ حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أبي بكرة بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ، انْتَهَى. الثَّانِي: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي الْحَجِّ2 عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ، وَاغْتَسَلَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ". قُلْتُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من جاء الجمعة منكم فَلْيَغْتَسِلْ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا3 إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَسَنَدُهَا صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ دَالٌّ عَلَى الْوُجُوبِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ" زَادَ الْبَزَّارُ. وَالطَّحَاوِيُّ4: وَذَلِكَ يَوْمُ
__________
1 وفي س أسوأ.
2 والدارقطني من حديث زيد: ص 256 ومن حديث ابن عباس. وابن عمر.
3 للبخاري: ص 120، وأما مسلم فلم أجد فيه بل فيه: إذا أراد أحدكم الجمعة فليغتسل.
4 حديث أبي هريرة أخرجه الطحاوي في: ص 71، ولم أجد فيه الزيادة، وإنما الزيادة في حديث جابر، رواه الطحاوي: ص 69، ورواه النسائي: ص 204، كلاهما من طريق داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر، وهذه الزيادة في حديث أبي هريرة عند ابن حزم في المحلى ص 20 - ج 2، وقال ابن أبي حاتم في العلل ص 28 - ج 1: سألت أبي عن حديث رواه داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غسل يوم الجمعة واجب في كل سبعة أيام؟ قال أبي: هذا خطأ، إنما هو على ما رواه الثقات عن أبي الزبير عن طاوس عن أبي هريرة موقوف، اهـ.(1/86)
الْجُمُعَةِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ الْبَزَّارِ. وَالطَّحَاوِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: إذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا بَال رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟! فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هُوَ إلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَتَوَضَّأْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا، أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّحَاوِيُّ، وَلِلنَّاسِ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ، وَالسَّبَبُ قَدْ زَالَ، فَيَزُولُ الْحُكْمُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنْ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إذَا رَاحُوا إلَى الْجُمُعَةِ رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ اغْتَسَلْتُمْ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عروة عنهما1 قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي، فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ، وَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الرِّيحُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْسَانٌ مِنْهُمْ - وَهُوَ عِنْدِي - فَقَالَ عليه السلام: "لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا"، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ2 أَنَّ أُنَاسًا من أهل العراق، جاؤوا، فَقَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الْغُسْلُ: كَانَ النَّاسُ مجهودين يلبسن الصُّوفَ، وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ إنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ، حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ، آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الرِّيحَ، قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمَ فَاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
__________
1 ص 280، والبخاري أيضاً: ص 123.
2 أخرجه أبو داود فيالطهارة في باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة ص 57، والحاكم في المستدرك في - الصلاة - في باب الغسل يوم الجمعة ص 280 - ج 1، وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي: ص 295 - ج 1، وضعفه ابن حزم في المحلى ص 12 - ج 2، وتعلق بعمرو بن أبي عمرو، وهو من رجال الصحيحين، ووثقه أبو زرعة. والعجلي، قال أحمد: أبو حاتم لا بأس به.(1/87)
بِالْخَيْرِ، وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ، وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ، وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يُنْكِرْ عَلَى عُثْمَانَ حِينَ جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْتَسِلَ، فإنه فال: مَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَأَخُّرَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ1: مَعْنَاهُ قَوِيٌّ فِي الِاسْتِحْبَابِ، كَمَا تَقُولُ: حَقُّك عَلَيَّ وَاجِبٌ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِمَا لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَالسِّوَاكُ، وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. يُحْمَلُ مُؤَخَّرُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ يَعْنِي حَدِيثَ: مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعَلَى النَّسْخِ، انْتَهَى. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ الْوُجُوبِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ" فَلَمَّا كَانَ الشِّتَاءُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَرْتنَا بِالْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ، وَقَدْ جَاءَ الشِّتَاءُ، وَنَحْنُ نَجِدُ الْبَرْدَ؟ فَقَالَ: "مَنْ اغْتَسَلَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا حَرَجَ"، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ هَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ يُسَدُّ بِغَيْرِهِ. الْجَوَابُ الثَّانِي: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثِ: مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَفِي هَذَا بُعْدٌ إذْ لَا تَارِيخَ مَعَهُمْ، وَأَيْضًا فَأَحَادِيثُ الْوُجُوبِ أَصَحُّ وَأَقْوَى، وَالضَّعِيفُ لَا يَنْسَخُ الْقَوِيَّ، انْتَهَى. وَإِلَى هَذَيْنِ الحوابين أَشَارَ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: وَبِهَذَا يَعْنِي حَدِيثَ: مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ". قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، فَأَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَةِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ فِي الصَّلَاةِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى. ورواه أحمد بن حنبل فِي مُسْنَدِهِ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ
__________
1 أي في معالم السنن ص 106 - ج 1.(1/88)
سَمُرَةَ ثَلَاثَةُ مذاهب: أحدهما: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ مُطْلَقًا، وهو قول ابْنُ الْمَدِينِيِّ، ذَكَرَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ الْوَسَطِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إسْرَائِيلَ، قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ يَقُولُ: وُلِدْت لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، قَالَ عَلِيٌّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: قَالَ عَلِيٌّ يَعْنِي ابْنَ الْمَدِينِيَّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَقَالَ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ عِنْدِي صَحِيحٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ يَخْتَارُ هَذَا الْقَوْلَ، فَإِنَّهُ صَحَّحَ فِي كِتَابِهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَاخْتَارَ الْحَاكِمُ هَذَا الْقَوْلَ، فقال في الْمُسْتَدْرَكِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ سَكْتَتَانِ: سَكْتَةٌ إذَا كَبَّرَ. وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ فِي كِتَابِهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَقَالَ فِي بَعْضِهَا: عَلَى شَرْطِ البخاري، وقال: فيكتاب الْبُيُوعِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الشَّاةِ بِاللَّحْمِ، وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِالْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، انْتَهَى. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ سَكْتَتَانِ، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: الْحَسَنُ لَمْ يَلْقَ سَمُرَةَ، وَقَالَ شُعْبَةُ: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، وَقَالَ الْبَرْدِيجِيُّ: أَحَادِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ كِتَابٌ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ حَدِيثٌ، قَالَ فِيهِ: سَمِعْت سَمُرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أنع سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ فَقَطْ، قَالَهُ النَّسَائِيّ1، وَإِلَيْهِ مَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 فَقَالَ فِي حَدِيثِ السَّكْتَتَيْنِ: وَالْحَسَنُ اُخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ سَمُرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، فِيمَا قَالَهُ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فَقَالَ عِنْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ: وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سمرة حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، وَاخْتَارَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَالْحَسَنُ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، ثُمَّ رَغِبَ عَنْ السَّمَاعِ عَنْهُ، وَلَمَّا رجع إلى ولده أَخْرَجُوا لَهُ صَحِيفَةً سَمِعُوهَا مِنْ أَبِيهِمْ، فَكَانَ يَرْوِيهَا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَ بِسَمَاعٍ،
__________
1 قال النسائي في - الصلاة - في باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة ص 205، قال أبو عبد الرحمن: الحسن عن سمرة كتاباً، ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة، والله تعالى أعلم، اهـ. قلت: وبه قال ابن حزم في المحلى ص 12 - ج 2، قال يحيى بن سعيد القطان في أحاديث سمرة التي يرويها الحسن عنه: سمعنا أنها من كتاب، كذا في ابن سعد: ص 115 - ج 7
2 ص 128.(1/89)
لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنْهُ، انْتَهَى. رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ قُرَيْشِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشهيد، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: سُئِلَ الْحَسَنُ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَهُ فِي الْعَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ سَمُرَةَ، وَعَنْ الْبُخَارِيِّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قُرَيْشٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ: تَفَرَّدَ بِهِ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَقَدْ رَدَّهُ آخَرُونَ، وَقَالُوا: لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْهُ، انْتَهَى.
ذِكْرُ كَلَامِ الْبَزَّارِ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ الصَّحَابَةِ، قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فِي آخَرِ تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ لَمْ يُدْرِكْهُمْ، وَكَانَ صَادِقًا مُتَأَوِّلًا فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا. وَخَطَبَنَا.، وَيَعْنِي قَوْمَهُ الَّذِينَ حَدَّثُوا وَخَطَبُوا بِالْبَصْرَةِ، فَأَمَّا الَّذِينَ سَمِعَ مِنْهُمْ: فَهُوَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ. وَعَائِذُ بْنُ عَمْرٍو. وَأَبُو بَرْزَةَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ. وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ1. وَأَبُو بَكْرَةَ، وَسَمِعَ مِنْ سَوَّارِ بْنِ عَمْرٍو. وَعَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ. وَسَعْدٍ. مَوْلَى أَبِي بَكْرَةَ، وَرَوَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، وَلَا أُبْعِدُ سَمَاعَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ، فَقَدْ أُنْكِرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ بِالْبَصْرَةِ أَيَّامَ الْجَمَلِ، وَقَدِمَ الْحَسَنُ أَيَّامَ صِفِّينَ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ بِالْبَصْرَةِ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ: خَطَبَنَا أَيْ خَطَبَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ، وَالْأَسْوَدُ قَدِمَ يَوْمَ الْجَمَلِ فَلَمْ يَرَهُ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ حَدَّثَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: إنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ، وَإِنَّمَا حَدَّثَ مَنْ حَدَّثَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: ثَنِيّ، وَرَوَى عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأَبُو مُوسَى إنَّمَا كَانَ بِالْبَصْرَةِ أَيَّامَ عُمَرَ، فَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَى جَمَاعَةً جُلَّةً: مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ2 وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ أَسِيد بْنِ المشمس عَنْ أَبِي مُوسَى، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَحَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَا أَعْلَمُهُ سَمِعَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحَدَّثَ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ بِأَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنْ جُنْدُبٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَحَدَّثَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَ مِنْهُ، لِأَنَّ النُّعْمَانَ لَا نَعْلَمُهُ دَخَلَ الْبَصْرَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ بِالْكُوفَةِ، وَقَدْ رَأَيْته يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَحَدَّثَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِشَكٍّ، فَقَالَ: عَنْ سَمُرَةَ. أَوْ عُقْبَةَ، وَقَالَ: يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُقْبَةَ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَحَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا خَطَّابُ3
__________
1 قلت: كذا قال الحاكم في المستدرك ص 29 - ج 1، وقال في الجوهر ص 216: ذكر البيهقي في باب من جعل النذر كفارة يمين حديثاً برواية الحسن عن عمران، ثم قال: منقطع، ولا يصح للحسن عن عمران سماع من وجه صحيح يثبت مثله، وخالفه ابن خزيمة، الخ.
2 ومنهم عليّ، والزبير، كما في التاريخ الصغير للبخاري ص 198.
3 وفي نسخة حطان.(1/90)
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَدَّثَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا حَوْلُ بْنُ قَتَادَةَ. وَقَبِيصَةُ، وَحَدَّثَ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَحَدَّثَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ1 وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ الْبَصْرَةَ أَيَّام عُمَرَ بَعَثَهُ أَمِيرًا عليها، ثم انصرف عمها وَمَاتَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَعُتْبَةُ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ غَيْرَ حَدِيثٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ. وَابْنُ الْكَوَّاءِ رَوَى عَنْ أَنَسٍ مَرَاسِيلَ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْهَا إلَّا مَا كَانَ فِيهِ بَيْنَهُمَا رَجُلٌ، كَأَبِي سُفْيَانَ. وَيَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ. وَغَيْرِهِمَا، وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ2 وَرَوَى عَنْ ثَوْبَانَ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثَيْنِ، وَلَمْ يَسْمَعُهُمَا مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَحَادِيثَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَلَا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّهُ رَأَى طَلْحَةَ. وَالزُّبَيْرَ فِي بَعْضِ بَسَاتِينِ الْمَدِينَةِ، انْتَهَى كَلَامُ الْبَزَّارِ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي أَبْوَابِ صِفَةِ جَهَنَّمَ، حَدِيثًا عَنْ الْحَسَنِ بن عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمِ فَتَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا مَا تُفْضِي إلَى قَرَارِهَا"، ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعًا مِنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَإِنَّمَا قَدِمَ عُتْبَةُ الْبَصْرَةَ زَمَنَ عُمَرَ، وَوُلِدَ الْحَسَنُ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ أَيُّوبُ السختياتي. وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ3 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ تُجْزِئُ عَنْهُ الْفَرِيضَةُ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ" انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ، وَهَذَا السَّنَدُ ضَعِيفٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، فَالضَّحَّاكُ
__________
1 في الطحاوي ص 261 - ج 1، روى عن الحسن أنه قال: خطبنا عتبة بن غزوان - يريد خطبة بالبصرة - والحسن لم يكن بالبصرة حينئذ، لأن قدومه إنما كان قبل صفين بعام، ثم أسند عن أبي رجاء أنه قال: قلت للحسن: متى قدمت البصرة؟ قال: قبل صفين بعام اهـ.
2 قلت: قال ابن سعد في طبقاته ص 115 - ج 7: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو هلال محمد بن سليم، قال: سمعت الحسن يقول: كان نبي الله موسى عليه السلام لا يغتسل إلا مستتراً، قال: فقال عبد الله بن بريدة: يا أبا سعيد ممن سمعت هذا؟ قال: سمعته من أبي هريرة: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال، قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم، قال: سمعت الحسن، قال: حدثنا أبو هريرة، قال: عهد إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، الحديث. أخبرنا عفان بن مسلم حدثنا وهيب عن أيوب، وحماد بن عليّ بن زيد بن جدعان، وغير واحد عن شعبة عن يونس قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، اهـ.
3 ضغيف تقريب.(1/91)
بْنُ حَمْزَةَ، ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ عَدِيٍّ قَدْ مَشَّاهُ، وَقَالَ: أَحَادِيثُهُ حِسَانٌ غَرَائِبُ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ كَذَلِكَ، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ، كَمَا قَالَ الْبَزَّارُ.
طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ يحيى الفراساني ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَسِيد بْنِ زَيْدٍ الْجَمَّالِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عوف بن أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،2 فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَوْفٍ إلَّا شَرِيكٌ، وَلَا عَنْ شَرِيكٍ إلَّا أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأُسَيْدُ كُوفِيٌّ قَدْ اُحْتُمِلَ حَدِيثُهُ عَلَى شِيعِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كَانَتْ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ الْجَمَّالُ قَالَ الدُّورِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ إنَّهُ كَذَّابٌ، وَقَالَ السَّاجِيَّ: لَهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمُنْكَرَاتِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ لَهُ، وَهُوَ مِمَّنْ عِيبَ عَلَيْهِمْ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِأَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، وَاسْمُهُ سَلْمَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، وَضَعَّفَ عُبَيْدَ بْنَ إسْحَاقَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ4 مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الرَّازِيُّ ثَنَا أَبُو حَرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ5 عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضَّبِّيِّ ثَنَا أَبُو حَرَّةَ6 وَضَعَّفَ مُسْلِمَ بْنَ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ7
__________
1 ص 296 - ج 1.
2 قال في الجوهرة 29: قد ذكره أبو عمر في التمهيد بسند أجود من هذا، فقال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ ثنا إبراهيم بن عبد الرحيم ثنا صالح بن مالك ثنا الربيع بن بدر عن الجريري عن أبي نضرة عن الحوزي. فذكره، اهـ.
3 ضعيف جداً المحلى ص 15 - ج 2.
4 والبيهقي: ص 296 عن أبي داود عن أبي حرّة.
5 راجع له اللسان: ص 64 - ج 3، والمحلى ص 13 - ج 2.
6 أبو حرة، هو واصل بن عبد الرحمن ثقة.
7 لا يصح سماع الحسن عن جابر المحلى ص 13 - ج 2.(1/92)
عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ. وَهَمَّامٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق الصفار أنبأ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ2 الْقَنَّادُ ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ3 عَنْ السُّدِّيَّ4 عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ , وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ , وَغَيْرِهِ انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْآثَارُ الضَّعِيفَةُ إذَا ضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ أَحْدَثَتْ قُوَّةً فِيمَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: عَنْ عَائِشَةَ فِي تَفْسِيرِ الْمَنِيِّ. وَالْمَذْيِ. وَالْوَدْيِ، قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَالْمَنِيُّ: خَاثِرٌ أَبْيَضُ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ، وَالْمَذْيُ: رَقِيقٌ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ، يَخْرُجُ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَالْوَدْيُ: الْغَلِيظُ مِنْ الْبَوْلِ يَتَعَقَّبُ الرَّقِيقَ مِنْهُ خُرُوجًا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ قَتَادَةَ. وَعِكْرِمَةَ، قَالَا: هِيَ ثَلَاثَةٌ: الْمَنِيُّ. وَالْمَذْيُ. وَالْوَدْيُ، أُمًّا الْمَنِيُّ: فَهُوَ الْمَاءُ الدَّافِقُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الشَّهْوَةُ، وَمِنْهُ يَكُونُ الْوَلَدُ، فَفِيهِ الْغُسْلُ، وَأَمَّا الْمَذْيُ: فَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ إذَا لَاعِبْ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَفِيهِ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالْوُضُوءُ، وَأَمَّا الْوَدْيُ: فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْبَوْلِ وَبَعْدَهُ، وفيه غَسْلُ الْفَرْجِ وَالْوُضُوءُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي وَفِيهِ الْوُضُوءُ" قُلْتُ: يُوجَدُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ. وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَعَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَاءِ، فَقَالَ: "ذَاكَ الْمَذْيُ، وَكُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي، فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَك وَأُنْثَيَيْك وَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5 قَالَ عَبْدُ الحق في أحكامه: إسناده لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَحَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَلْقَى مِنْ الْمَنِيِّ شدة، فسدد رحلاً إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "ذَلِكَ الْمَذْيُ وَكُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي، اغْسِلْهُ
__________
1 ص 295 - ج 1.
2 عمرو بن حماد بن طلحة صدوق تقريب.
3 صدوق كثير الخطأ تقريب.
4 هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، صدوق يهم تقريب.
5 ص 342- ج 4.(1/93)
بِالْمَاءِ وَتَوَضَّأْ وَصَلِّ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنْبَأَ هَاشِمٌ أَنْبَأَ الْأَعْمَشُ عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت أَجِدُ مَذْيًا، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ كُلَّ فَحْلٍ يَمْذِي، فَإِذَا كَانَ الْمَنِيُّ فَفِيهِ الْغُسْلُ، وَإِذَا كَانَ الْمَذْيُ فَفِيهِ الْوُضُوءُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرْنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا الْأَشْعَثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَذْيِ، فَقَالَ "كُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي فَيَغْسِلُ" ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ2 بِغَيْرِ هذا اللفظ، قال: استحيت أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَذْيِ مِنْ أَجْلِ فَاطِمَةَ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "مِنْهُ الْوُضُوءُ"، انْتَهَى.
__________
1 ص 28 - ج 1.
2 في البخاري: ص 25، ومسلم. ص 143 - ج 1.(1/94)
بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الطَّهَارَةُ
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ4 لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ. وَطَعْمِهِ. وَلَوْنِهِ"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ هُنَا عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ فَقَطْ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِهِ قَرِيبًا عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ حُجَّةً لِمَالِكٍ، مُشِيرًا إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، لِمَا رَوَيْنَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ رِشْدِينَ بْنَ سَعْدٍ جَرَحَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ5 والدارقطني فِي سُنَنِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ اللَّوْنَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ رُفِعَ مِنْ وَجْهَيْنِ، غَيْرِ طَرِيقِ رِشْدِينَ أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ: أَحَدُهُمَا: عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ إلَّا إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ. أَوْ طَعْمُهُ. أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهَا"، انْتَهَى. الثَّانِي: عَنْ حَفْصِ بن عُمَرُ ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ إلَّا مَا غُيِّرَ طَعْمُهُ. أَوْ رِيحُهُ انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْحَدِيثُ غَيْرُ قَوِيٍّ6 وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي
__________
3 في الطهارة - في باب الحياض ص 40.
4 لفظ الطهور ليس في النسخة التي بأيدينا.
5 ص 259، والدارقطني: ص 10.
6 وقال: إلا أننا لا نعلم في نجاسة الماء إذا تغير بالنجاسة خلافاً، اهـ.(1/94)
مُصَنَّفِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ1 عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَالْأَحْوَصُ فِيهِ مَقَالٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ لِمَالِكٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ، وَكِلَاهُمَا مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِنَجَاسَةٍ يَنْجُسُ قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمَاءُ طَهُورٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ. أَوْ طَعْمِهِ" انْتَهَى. وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ"، انْتَهَى. حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ2 أَخْرَجَاهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنا بأرض أهل كتاب أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: "إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا"، وفي رواية أبو دَاوُد:3إنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ، فَذَكَرَهُ، وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْرَجَاهُ4 أَيْضًا عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ مَزَادَتَيْ الْمَرْأَةِ الْمُشْرِكَةِ، وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ وَنُودِيَ فِي النَّاسِ أن اسقوا واستسقوا، فسقى من شاؤوا سقي مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ، قَالَ: "اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْك" انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَمِنْ غَرِيبِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ الْأَكْلِ فِيهَا، مَعَ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَزَادَةِ الْمُشْرِكَةِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ: يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْإِنَاءِ، وَالثَّانِي: عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْمَاءِ مَا لَمْ تُغَيِّرْهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
__________
1 والطحاوي في شرح الآثار ص 9.
2 وأخرجه البخاري في الصيد والذبائح ص 824، ومسلم أيضاً في الصيد ص 146 - ج 2.
3 أخرجه في الأطعمة ص 181 - ج 1، ومثله الحاكم في المستدرك ص 143 - ج 1.
4 أخرجه مسلم قبل صلاة المسافرين ص 240 - ج 1، والبخاري في علامات النبوة ص 504.(1/95)
وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ الْفِرَاسِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ.
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْعَبْدَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ عليه السلام: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ2: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَالْحَاكِمُ فِي مستدركه3، وقال: رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. وَمُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَحْرُ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" انْتَهَى. وَهُوَ لَفْظٌ غَرِيبٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعَلُّ بِأَرْبَعِ عِلَلٍ: أَحَدُهَا: جَهَالَةُ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ. وَالْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَقَالُوا: لَمْ يَرْوِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَلَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، إلَّا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: وَجَوَابُهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ قَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ صَفْوَانَ، وَهُوَ الْجُلَاحُ أَبُو كَثِيرٍ، وَرَوَاهُ عَنْ الْجُلَاحِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَمَّا رِوَايَةُ عَمْرٍو فَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ يَزِيدَ4، فَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَأَمَّا الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بن سعيد، وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، إلَّا أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَرِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ رَوَاهَا أَحْمَدُ5 بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ، وَمِنْ جِهَتِهِ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ رَوَى عَنْهُ ثَلَاثَةٌ: يحيى بن سعيد. وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ رَوَى عَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ. وَالْجُلَاحُ، وَبَطَلَتْ دَعْوَى مَنْ ادَّعَى انْفِرَادَ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ، وانفرد صَفْوَانَ عَنْ سَعِيدٍ.
الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، فَقِيلَ: هَذَا، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَقِيلَ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَصَحُّهُمَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، لِأَنَّهَا رِوَايَةُ مَالِكٍ مَعَ جَلَالَتِهِ، وَهَذَا مَعَ وِفَاقِ مَنْ وَافَقَهُ، وَالِاسْمَانِ الْآخَرَانِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ.
الْعِلَّةُ الثَّالِثَةُ: الْإِرْسَالُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو الْحُمَيْدِيُّ. وَالْمَخْزُومِيُّ
__________
1 أبو داود في - الطهارة - في باب الوضوء بماء البحر ص 13، وكذا الترمذي ص 11 - ج 1، والنسائي: ص 63 - ج 1، وابن ماجه: ص 32، والدارمي: ص 99، وأحمد: ص 392 - ج 2.
2 ليس هذا في النسخة المطبوعة عندنا.
3 ص 145.
4 عند الحاكم: ص 141، وتصدى لجواب هذه العلة.
5 والحاكم: ص 142 - ج 1.(1/96)
عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ: أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَحْفَظُ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَأَثْبَتُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيمِ إرْسَالِ الْأَحْفَظِ عَلَى إسْنَادِ مَنْ دُونَهُ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأُصُولِ.
وَالْعِلَّةُ الرَّابِعَةُ: الِاضْطِرَابُ، فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ1 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ2 وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقِيلَ عَنْهُ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدِ الْقَاسِمِ3 بْنِ سَلَّامٍ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ يَحْيَى، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هُشَيْمِ، فَقَالَ فِيهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بَرْزَةَ4 فَقَالَ: وَهَمَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ. وَهُشَيْمٌ رُبَّمَا وَهَمَ فِي الْإِسْنَادِ، وَهُوَ فِي الْمُقْطَعَاتِ أَحْفَظُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْوَهْمُ إنَّمَا يَلْزَمُ هُشَيْمًا إذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِيهِ، فَأَمَّا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمِ عَلَى الصَّوَابِ، فَالْوَهْمُ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ هُشَيْمِ، عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَقِيلَ فِيهِ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَبْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن المغيرة بن أبي بردة عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَقِيلَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: هَذَا حَدِيثٌ أَوْدَعَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ كِتَابَ الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمْ مُحْتَجِّينَ بِهِ، وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ. وَالْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ مَنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَدْ أَقَامَ إسْنَادَهُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ الْجُلَاحِ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، ثُمَّ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ صَحِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ5 قَدْ تَابَعَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ. وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ سَعِيدًا عَلَى رِوَايَتِهِ، إلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ عَنْ النَّبِيِّ
__________
1 رواية محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن الجلاح عن عبد الله بن سعيد، الخ
2 في باب الوضوء من ماء البحر ص 98.
3 وعمرو بن زرارة عند الحاكم.
4 وهو وهم، وحمل الترمذي فيه الوهم على هشيم، فذكر فيه أنه قال للبخاري: إن هشيماً يقول عنه المغيرة بن أبي برزة كذا في الهامش على المطبوع بالهند يقول المصحح: ولعل الصحيح، قال البخاري: إن هشيماً يقول عن المغيرة بن أبي برزة.
5 ص 63 - ج 1.(1/97)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، فَقِيلَ: كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَقِيلَ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ الْمُغِيرَةُ. أَوْ هُمَا، إلَّا أَنَّ الَّذِي أَقَامَ إسْنَادَهُ ثِقَةٌ، وَهُوَ مَالِكٌ رحمه الله، انْتَهَى. وَلَمَّا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 هَذَا الْحَدِيثَ ذَكَرَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُتَابَعَاتِ، ثُمَّ قَالَ: اسْمُ الجهالة مرفوع عنها بِهَذِهِ الْمُتَابَعَاتِ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: اتِّفَاقُ صَفْوَانَ. وَالْجُلَاحِ يُوجِبُ شُهْرَةَ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، وَاتِّفَاقُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَسَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ يُوجِبُ شُهْرَتَهُ، فَصَارَ الْإِسْنَادُ مَشْهُورًا، وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ جَهَالَةُ عَيْنِهِمَا، انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ الْمِزِّيِّ تَوْثِيقُهُمَا. فَزَالَتْ جَهَالَةُ الْحَالِ أَيْضًا، وَلِهَذَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَكَى عَنْ الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَهُ2، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبُو القاسم بن أبي الزياد حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبَانُ مَتْرُوكٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ4.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ.
__________
1 ص 141.
2 وصححه ابن خزيمة. وغيره الجوهر ص 4 - ج 16.
3 وإسناده لا بأس به الدراية ص 35.
4 ص 140، قلت: وفي النسخة التي بأيدينا بعد رواية حديث ابن عباس، قوله: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، اهـ.(1/98)
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ، الْحَدِيثَ. وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عن عبد الله بن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَوْقُوفًا، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ السَّرِيِّ بْنِ عَاصِمٍ الْهَمَذَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَأَعَلَّهُ بِالسَّرِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ وَيَرْفَعُ الْمَوْقُوفَ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَأَسْنَدَهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْفِرَاسِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْقَاسِمِ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ ثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْقَطَّانُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشِيٍّ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ الْفِرَاسِيَّ، قَالَ: كُنْت أَصِيدُ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ عَلَى أَرْمَاثٍ، وَكُنْت أَحْمِلُ قربة فِيهَا مَاءٌ، فَإِذَا لَمْ أتوضأ من الرقربة رَفَقَ ذَلِكَ بِي وَبَقِيَتْ لِي، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْت ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: حَدِيثُ الْفِرَاسِيِّ هَذَا لَمْ يَرْوِهِ فِيمَا أَعْلَمُ إلَّا مُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ، وَمُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ - فِيمَا أَعْلَمُ - إلَّا بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ خَفِيَ عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ مَا فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ ابْنَ مَخْشِيٍّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْفِرَاسِيِّ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فِي عِلَلِهِ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ فِي مَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ لَمْ يُدْرِكْ ابْنُ الْفِرَاسِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفِرَاسِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: فَهَذَا كَمَا تَرَاهُ يُعْطِي أَنَّ الْحَدِيثَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُذْكَرُ فِيهِ الْفِرَاسِيُّ، فَمُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ إنَّمَا يَرْوِي عَنْ الِابْنِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ الْأَبِ مُرْسَلَةٌ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سُهَيْلٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشِيٍّ عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ، قَالَ: كُنْت أَصِيدُ، وَكَانَتْ لِي قِرْبَةٌ أَجْعَلُ فِيهَا ماءاً وَإِنِّي تَوَضَّأْت بِمَاءِ الْبَحْرِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" انْتَهَى.
مَا وَرَدَ فِي طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ1، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
__________
1 وأبو داود في باب صفة وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 19، ولفظه: ومسح برأسه من فضل ماء كان في يده.
2 ص 237 - ج 1.(1/99)
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا فَضَلَ فِي يَدَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: بِبَلَلٍ فِي يَدَيْهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَابْنُ عَقِيلٍ هَذَا لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَخْتَلِفُونَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَاءَ كَانَ مُسْتَعْمَلًا2، لَكِنْ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي كِتَابِهِ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ بِمَاءٍ بَقِيَ مِنْ ذِرَاعَيْهِ، قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرُ فِي الْمَقْصُودِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: وَقَدْ رُوِيَ يَعْنِي هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَعَائِشَةَ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ذَكَرْنَاهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا، أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جِهَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ النَّسَائِيُّ. والدارقطني فِي سُلَيْمَانَ: مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ جِهَةِ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ جِهَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ ابن أبي ملكية عَنْ عَائِشَةَ، وَعَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ النَّسَائِيُّ. وَالرَّازِيِّ: مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ جِهَةِ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَتَمَّامُ بْنُ نَجِيحٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ مِنْ جِهَةِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي ظِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ بْنَ فُضَيْلٍ بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ الْمُسْلِمِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ، فَرَأَى لُمْعَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَقَالَ: "بِجُمَّتِهِ، فَبَلَّهَا عَلَيْهِ"، قَالَ إسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: فَعَصَرَ شَعْرَهُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَأَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيُّ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ، يُلَقَّبُ بِحَنَشٍ قَالَ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ. والدارقطني: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ.
مَا وَرَدَ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ4 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَرِضْت مَرَضًا فَأَتَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي. وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَوَجَدَانِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ، فَأَفَقْت، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
1 ونقله البيهقي: ص 52 - ج 1.
2 قلت: بل في البيهقي: ص 237 - ج 1 التصريح بخلافه، ولفظه: وأخذ ماءاً جديداً فمسح رأسه.
3 ص 48.
4 في باب عيادة المغمى عليه ص 844، ومسلم في الفرائض: ص 34- ج 2.(1/100)
فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي، كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟ فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، انْتَهَى. فِي الْخُلَاصَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ1 مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غنيم عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَرِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْقَةٌ ينشف فيها بَعْدَ الْوُضُوءِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقَائِمِ، وَلَا يصح في هذا االباب شَيْءٌ، وَأَبُو مُعَاذٍ يَقُولُونَ: إنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَقَلَبَ جُبَّةَ صُوفٍ كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ، انْتَهَى. وَالْوَضِينُ بْنُ عَطَاءٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ ابْنُ مُعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ.
مَا وَرَدَ فِي عَدَمِ طَهَارَتِهِ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ4 مِنْ حَدِيثِ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ"، فَقَالَ: كَيْفَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَأَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الجنابة، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ. وَأَبُوهُ أَخْرَجَ لَهُمَا مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِمَا الْبُخَارِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَا وَرَدَ فِي الْمَاءِ المشمس، ورود مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ.
__________
1 ص 9.
2 ص 236 - ج 1.
3 ص 9، والحاكم ص 154 - ج 1.
4 في الطهارة ص 138.
5 ص 238 - ج 1.(1/101)
أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَلَهُ خَمْسُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ1 ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ خَالِدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أسخنت ماءاً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّمْسِ لِيَغْتَسِلَ بِهِ، فَقَالَ لِي: "يَا حُمَيْرَاءُ لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ2: يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِيَةُ: عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ شَرٌّ مِنْ خَالِدٍ. الثَّالِثَةُ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، قَالَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ: الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ مَتْرُوكٌ، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يَكْذِبُ. الرَّابِعَةُ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ3 عَنْ عمرو بن محمد الأعشم عَنْ فُلَيْحِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ أَوْ يُغْتَسَلَ بِهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عمرو بن محمد الأعشم مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ فُلَيْحِ غَيْرُهُ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَغْلَظَ ابْنُ حِبَّانَ فِي عَمْرِو بن محمد الأعشم الْقَوْلَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ.
الطَّرِيقُ الْخَامِسُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرٍو الْكُوفِيِّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: سخنت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماءاً فِي الشَّمْسِ يَغْتَسِلُ بِهِ، فَقَالَ: "لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا بَاطِلٌ عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَمَنْ دُونَ ابْنِ وَهْبٍ ضُعَفَاءُ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ هِشَامٍ، انْتَهَى. وَإِلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ4 فَقَالَ: وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخرمنكر عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ، وَلَا يَصِحُّ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ السُّدِّيَّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ هِشَامٍ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، وَلَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَوَهَمَ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ الْكُوفِيِّ ثَنَا سَوَادَةُ5 عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الَّذِي يُسَخَّنُ فِي الشَّمْسِ
__________
1 ص 14، والبيهقي: ص 6 - ج 1.
2 قول ابن عدي هذا رواه البيهقي مع قول الدارقطني عنهما في السنن ص 6، وكذا القول الآتي عن ابن عدي: ص 7.
3 ص 14، ثم البيهقي من طريقه: ص 7 - ج 1.
4 ص 7 - ج 1.
5 هو ابن إسماعيل.(1/102)
فَإِنَّهُ يُعْدِي مِنْ الْبَرَصِ"، انْتَهَى. قال العجيلي: وَسَوَادَةُ عَنْ أَنَسٍ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرْوَى مِنْ قَوْلِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَنَقَلَ كَلَامَهُ بِحُرُوفِهِ، وَأَمَّا مَوْقُوفُ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ، أَخْبَرَنِي صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ حَسَّانَ بْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ، انْتَهَى. وَصَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو حِمْصِيٌّ، وَرِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّامِيِّينَ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ تَابَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، فَرَوَاهُ عَنْ صَفْوَانَ بِهِ، ورواه ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ حَسَّانَ بْنِ أَزْهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَنَدُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ قَدَرِيًّا، لَكِنَّهُ كَانَ ثِقَةً فِي الْحَدِيثِ، فَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ، انْتَهَى. وَصَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ السَّمِينُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْعَسَلِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُمَا، انْتَهَى.
مَا وَرَدَ فِي الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الْمُنْقِرِيُّ2 ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ رَزِينٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: كُنْت أَرْحَلُ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاحِلَةَ، فَكَرِهْت أَنْ أَرْحَلَ نَاقَتَهُ وَأَنَا جُنُبٌ، وَخَشِيت أَنْ أَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَأَمُوتَ أَوْ أَمْرَضَ، فَأَمَرْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فرحلها، ووضع أحجاراً فأسخنت بها3 ماءاً فَاغْتَسَلْت، ثُمَّ لَحِقْت بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "يَا أَسَلَعُ مَالِي أَرَى رَاحِلَتَك تَضْطَرِبُ؟ " فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرْحَلْهَا، وَلَكِنْ رَحَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: "وَلِمَ؟ " قُلْت: أَصَابَتْنِي جنابة فخشيت البرد4 عَلَى نَفْسِي، فَأَمَرْتُهُ أَنْ يَرْحَلَهَا، وَوَضَعْت أَحْجَارًا، فَأَسْخَنْت ماءاً فَاغْتَسَلْت بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} إلَى قوله تعالى: {عَفُوًّا غَفُورًا} انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ
__________
1 ص 5 - ج 1.
2 قلت: في البيهقي علاء بن الفضل بن عبد الله، وفي التهذيب علاء بن الفضل بن عبد الملك المنقري.
3 وفي نسخة فيها
4 وفي نسخة القر.
5 ص 14.(1/103)
عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يسخن له ماءاً فِي قُمْقُمَةٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَفِيهِ رَجُلَانِ تَكَلَّمَ فِيهِمَا: أَحَدُهُمَا: عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ، فَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد. وَغَيْرُهُ، وقال الخطيب: تكلكوا فِيهِ لِمَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ غالياً في التشييع. وَالْآخَرُ: هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، فَهُوَ وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَعَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ ذَكَرَهُ، فَلَمْ يَرْضَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ بِمُحْكِمٍ لِلْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ الَّذِي أُغْلِيَ فِيهِ السِّدْرُ، بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ1 قُلْت: غَرِيبٌ، وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، إذ استشهد لهذا الحديث الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، وَفِيهِ: فَقَالَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاَلَّذِي قَلَّدَهُ الشَّيْخُ اعْتَذَرَ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ: ليس فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَاءَ أُغْلِيَ بِالسِّدْرِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي ذِكْرِهِ؟ قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ ما لم يتغير طعمه أَوْصَافُهُ، لِمَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ. أَوْ طَعْمَهُ. أَوْ رِيحَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا2.
وَمِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ، حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَغْمِسَ يده في الإناء عندهم التَّوَهُّمِ، فَأَوْلَى عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ3 هَكَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَأَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد5. وَابْنُ مَاجَهْ6 كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُمَا: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، انْتَهَى7.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا"، قُلْت: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ8 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ، وَأَعَادَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَلَفْظُهُ: لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ9 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
__________
1 ظني أنه لم يرد بها سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل الطريق المتوارث، والله أعلم.
2 أي ص 49.
3 ص 138، وكذا ابن ماجه ص 45.
4 ص 238.
5 في باب البول في الماء الراكد ص 11.
6 ص 29.
7 ولفظه: ولا يغتسل فيه من الجنابة ليست في رواية ابن ماجه.
8 النسائي في باب التوقيت في الماء ص 19، وأبو داود في باب ما ينجس الماء، ص 10، والترمذي في باب أن الماء لا ينجسه شيء ص 11، وابن ماجه في باب مقدار الماء الذي لا ينجس ص 39.
9 ص 132.(1/104)
الشَّيْخَيْنِ، ولم يخرجاه، وأظنه لا خلاف فِيهِ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، انْتَهَى. وَقَدْ أَجَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ جَمْعَ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَرِوَايَاتِهِ وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ إطَالَةً تَلَخَّصَ مِنْهَا تَضْعِيفُهُ لَهُ1 فَلِذَلِكَ أَضْرَبَ عَنْ ذِكْرِهِ فِي كِتَابِ الْإِلْمَامِ مَعَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ. وَأَنَا أَذْكُرُ مَا قَالَهُ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا، وَأُبَيِّنُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ لَفْظًا وَمَعْنًى.
أما اضْطِرَابُهُ فِي اللَّفْظِ، فَمِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ. وَالْمَتْنِ، أَمَّا إسْنَادُهُ، فَمِنْ ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ: أحدهما رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، رَوَاهَا أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ زبير بت عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أبيه سئل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَاءِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ عليه السلام: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ"، وَرَوَاهُ هَكَذَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جعفر عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَكِيعِيُّ. وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَأَبُو عبيد بْنُ أَبِي السَّفَرِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَحَاجِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ. وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ الْحَافِظُ2: وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيِّ. وَمُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الْأَزْرَقِ. وَيَعِيشَ بْنِ الْجَهْمِ. وَغَيْرِهِمْ3 وَتَابَعَهُمْ الشَّافِعِيُّ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قاله الدارقطني، وذكر ابْنُ مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ رَوَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، فَدَلَّ رِوَايَتُهُ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَارِثِ، وَهُوَ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ. وَمِنْ أَبِي أُسَامَةَ، - وَهُوَ كُوفِيٌّ - جَمِيعًا عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى التَّرْجِيحِ، فَيُقَالُ: عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: هُوَ الصَّوَابُ4 وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ ثِقَةٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثِقَةٌ،
__________
1 هذا خلاف ما قال ابن السبكي في الطبقات ص 20 - ج 6، صحح الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد حديث القلتين، واختار ترك العمل به لا لمعارض أرجح، بل لأنه لم يثبت عنده - بطريق يجب الرجوع إليه شرعاً - تعيين مقدار القلتين، اهـ.
2 هو أحمد بن فرات.
3 كأحمد بن زكريا. وعلي بن شعيب. ومحمد بن عثمان بن كرامة. وأحمد بن عبد الحميد الحارثي. وحسين بن علي بن الأسود. وعلي بن محمد بن أبي الخطيب. ومحمد بن الفضيل البلخي. كل هؤلاء عند الدارقطني: ص 6، وص 7، والحسن بن علي عند أبي داود: ص 10.
4 اختلف في نسخ أبي داود ههنا، ففي بعضها: هذا هو الصواب، والمشار اليه القريب، هو محمد بن عباد، وفي بعض النسخ: قوله: الصواب محمد بن جعفر.(1/105)
وَالْحَدِيثُ لِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَشْبَهُ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: وَاخْتُلِفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ، فَرَوَى عَنْهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ محمد بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَالَ: مَرَّةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ، رَوَاهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ، فَذَكَرَهُ، وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيُّ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَقَالَ: وَلَمَّا اُخْتُلِفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ فِي إسْنَادِهِ أَحْبَبْنَا أَنْ نَعْلَمَ مَنْ أَتَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا شُعَيْبَ بْنَ أَيُّوبَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَصَحَّ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَصَحَّ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ جَمِيعًا، فَكَانَ أَبُو أُسَامَةَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَرَّةً يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدَانَ الصَّيْدَلَانِيِّ1 عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ محمد بن جعفر بن الزبير، فذكره ثم رواه عن ابن سعدان عن شعيب بن أيوب2 عن أبي اسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْبَيْهَقِيُّ، فَأَخْرَجَ رِوَايَةً عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ.
وعثمان ابنا أَبِي شَيْبَةَ بِذِكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، إلى خِلَافِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِذِكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَذَكَرَ رِوَايَةً أُخْرَى مِنْ جِهَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ3 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيِّ، فِيهَا ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَلَى خِلَافِ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيِّ، وَفِيهَا ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَصَدَا بِذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ علي الاسفرائني مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ وَأَنَا سَأَلْته حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُبَشِّرٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الماء بمثله، وههنا اخْتِلَافٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي الرِّوَايَةِ عُبَيْدُ الله بن عبد اللَّهِ
__________
1 ذكره الخطيب في تاريخه ص 137 - ج 5، ولم يذكر توثيقه، فيكشف عن حاله.
2 شعيب بن أيوب بن زريق بن معبد بن شيطا الطريفيني القاضي، وثقه الحاكم. والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات، قال: كان على قضاء واسط يخطئ ويدلس، كلما حدث جاء في حديثه من المناكير، وقال فيه أبو داود: سليمان بن الأشعث إني لأخاف الله في الرواية عنه، قاله الخطيب في تاريخه ص 244 - ج 9.
3 هو الحافظ الأصم.(1/106)
بْنُ عُمَرَ لَا عَبْدُ اللَّهِ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابٌ، فَكَأَنَّ إسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ، فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ يَقُولُ: غَلِطَ أَبُو أُسَامَةَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، إلَّا أَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ أَرْسَلَهُ، وَرَأَيْت فِي كِتَابِ - إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الْكِسَائِيّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ مَوْصُولًا، وَرَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ الْوَلِيدِ، وَقَالَ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ مَوْصُولًا، وَالْحَدِيثُ مُسْنَدٌ فِي الْأَصْلِ، فَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ أَعْنِي الْبَيْهَقِيَّ وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ مَوْصُولَةً، وَذَكَرَ أَنَّ رِوَايَةَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ أَشْبَهُ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ. وَالْوَلِيدِ بْنِ كثير قال: روى هَذَا الْحَدِيثَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ1 فَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ وَافَقَ عِيسَى بْنَ يُونُسَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ فِي ذِكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر، وروايتهما وافق رِوَايَةَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ فِي ذِكْرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَالْكُوفَةِ. وَالْبَصْرَةِ عَلَى حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَبِاتِّفَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ. وَالْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ رِوَايَتِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَعُبَيْدُ اللَّهِ. وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَقْبُولَانِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ. وَالْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ أَخْرَجَ عَنْهُ مُسْلِمٌ. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ، وَقَالَ شُعْبَةُ: مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ ثِقَةٌ ثِقَةٌ ثِقَةٌ، انْتَهَى. قال الشيخ2: وكان أبا عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ جِهَةِ الرُّوَاةِ، وَأَعْرَضَ عَنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وكثرة الاختلاف فيه وَالِاضْطِرَابِ، وَلَعَلَّ مُسْلِمًا تَرَكَهُ لِذَلِكَ، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ
__________
1 في الدارقطني ص 9: عن ابن عمر موقوفاً، بدل: ابن المنذر.
2 أي تقي الدين بن دقيق العيد.(1/107)
عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا أَعْنِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كِلَاهُمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ من أهل الرواية، وهذا خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ فِيمَا حَكَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حاتم، قال: سألت أبي زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقُلْت: إنَّهُ يَقُولُ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ابْنُ إسْحَاقَ لَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُقْضَى لَهُ، قُلْت: مَا حَالُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ؟ فَقَالَ: صَدُوقٌ.
الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَنَّادٍ1 وَأَبُو دَاوُد2 مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَيَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ. وَابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ. وَابْنِ الْمُبَارَكِ كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ. وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ. وَزَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ4 بْنُ محمد عن عَائِشَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِسَنَدِهِ، وَقَالَ فِيهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ، وَتَرِدُهُ السِّبَاعُ. وَالْكِلَابُ، فَقَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ" رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: كَذَا قَالَ: السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ - الْكِلَابُ وَالدَّوَابُّ - إلَّا أَنَّ ابْنَ عَيَّاشٍ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ السُّلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقَلِيبِ يُلْقَى فِيهِ الْجِيَفُ، وَيَشْرَبُ مِنْهُ الْكِلَابُ وَالدَّوَابُّ، قَالَ: "مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلَمَةَ اللَّبَقِيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَرَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ سِقْلَابٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَاخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهَا وَمَتْنِهَا، أَمَّا الْإِسْنَادُ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
__________
1 عن عبدة: ص 11.
2 ص 10.
3 ص 40.
4 حديثه عند البيهقي: ص 161.(1/108)
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّسُ"، وَخَالَفَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا أَيْضًا.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي اللَّفْظِ، فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ رَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَزِيدَ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّبَّاحُ عَنْهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: دَخَلْت مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بُسْتَانًا فِيهِ مِقْرَاةُ مَاءٍ1 فيه جلد بعبر مَيِّتٍ، فَتَوَضَّأَ فِيهِ، فَقُلْت لَهُ: أَتَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ؟ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَرَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ عَنْ يَزِيدَ، فَلَمْ يَقُلْ: أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ. وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. وَكَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالُوا فِيهِ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَرِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ. وَهُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ2 قَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَرَوَاهُ عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ. وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ حَمَّادٍ لَمْ يَقُولُوا فِيهِ: أَوْ ثَلَاثًا، انْتَهَى، قُلْت: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِسَنَدِهِ، وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3، ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، بَعْدَ تَخْرِيجِ مَا ذُكِرَ مِنْ الرِّوَايَاتِ: وَرَوَاهُ عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ. وَيَعْقُوبُ بْنُ إسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ. وَبِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ. وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَكِّيُّ. وَمُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعَيْشِيُّ4 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالُوا فِيهِ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ، وَلَمْ يَقُولُوا: أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ طَرِيقَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ"، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ. وَالثَّانِي: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيِّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيِّ عَنْهُ، وَقَالَ: رَفَعَهُ هَذَا الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ زَائِدَةَ، وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ خَرَّجَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 وفي نسخة مقر ماء.
2 ص 134.
3 ص 40.
4 نسبة إلى جدته عائشة.(1/109)
وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ الْعُمَرِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، وَوَهَمَ فِي إسْنَادِهِ، وَكَانَ ضَعِيفًا كَثِيرَ الْخَطَأِ، وَخَالَفَهُ رَوْحُ بْنُ القاسم. وسفيان الثوري. وعمر بْنُ رَاشِدٍ رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ1 مَوْقُوفًا، ورواه أيوب السخيتنايي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِنْ قَوْلِهِ: لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجَّسْ، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَةَ سُفْيَانَ مِنْ جِهَةِ وَكِيعٍ. وَأَبِي نُعَيْمٍ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، وَأَخْرَجَ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْهُ2 وَأَخْرَجَ رِوَايَةَ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: إذَا بلغ الماءء أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجَّسْ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عبد الرحمن عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، رَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالُوا: أَرْبَعِينَ غَرْبًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَرْبَعِينَ دَلْوًا، وَسُلَيْمَانُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَأَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.
وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: إنَّ الْقُلَّةَ - اسْمٌ مُشْتَرَكٌ - يُطْلَقُ عَلَى الْجَرَّةِ. وَعَلَى الْقِرْبَةِ. وَعَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ3 فِي تَفْسِيرِهَا حَدِيثًا، فَقَالَ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا"، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: بِقِلَالِ هَجَرَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَدْ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ، فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ، أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُلَّةَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ كِبَارٍ، كَقِرَبِ الْحِجَازِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي الْمَاءِ رِيحٌ أَوْ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَنَدَهُ مُنْقَطِعٌ، وَمَنْ لَا يَحْضُرُهُ مَجْهُولٌ فَلَا يَقُومُ بِهَذَا الْحُجَّةُ عِنْدَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: بِقِلَالِ هَجَرَ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ
__________
1 كل من لخص كلام الإمام، كالزيلعي. وابن الهمام في الفتح ص 52 - ج 1. والحلبي الكبير في شرح المنية ص 96، قالوا: عبد الله بن عمر، والذي في الدارقطني ص 10: عبد الله بن عمرو، هو ابن العاص، فهذا الخطأ إما من الإمام، وتبعه عليه من تبعه، أو من نساخ الزيلعي. والفتح. والحلبي الكبير: فاعلمه.
2 أي عن غير واحد عن عبد الرزاق، لا عن غيره، أحد عن معمر، والله أعلم.
3 رواه البيهقي عنه: ص 163.(1/110)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جريح، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، فَذَكَرَهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى1: قُلْت لِيَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ: أَيُّ قِلَالٍ؟ قَالَ: قِلَالُ هَجَرَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: فَرَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ، فَأَظُنُّ كُلَّ قُلَّةٍ تَسَعُ قِرَبًا2، قَالَ: وَإِسْنَادُ الْأَوَّلِ أَحْفَظُ3، فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ لَيْسَ فيهما رفع هذا الْكَلِمَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ مُرْسَلًا، فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ عُقَيْلٍ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، ثُمَّ الطَّرِيقُ الَّتِي ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ إسْنَادَهَا أَحْفَظُ يَقُولُ فِيهَا: فَأَظُنُّ أَنَّ كُلَّ قُلَّةٍ تَحْمِلُ قِرْبَتَيْنِ، والقربة تسع عَشَرَ رِطْلًا، فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ رِطْلًا، وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى - كُلَّ قُلَّةٍ قِرْبَتَيْنِ - يَقْتَضِي أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعُ قِرَبٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سِقْلَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" وَالْقُلَّةُ: أَرْبَعُ آصُعٍ، قَالَ: وَالْمُغِيرَةُ تَرَكَ طَرِيقَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ هَذَا أَسْهَلَ عَلَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ يَرْوِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" وَيُذْكَرُ أَنَّهُمَا فَرْقَانِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَوْلُهُ فِي مَتْنِهِ: مِنْ قِلَالِ هَجَرَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، لَا يُذْكَرُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ هَذَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، قَالَ: وَمُغِيرَةُ بْنُ سِقْلَابٍ يُكَنَّى أَبَا بِشْرٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى أَبِي جَعْفَرِ بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ سِقْلَابٍ لَمْ يَكُنْ مُؤْتَمَنًا عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَ فِيهِ قِلَالَ هَجَرَ، وَذَكَرَ أَنَّهُمَا فَرْقَانِ، وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ مَنْ حَزَرَهُمَا4 بِخَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: القلال: الجواني الْعِظَامُ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا6 مِنْ جِهَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ سمعت هشيماً، يَقُولُ: الْقُلَّتَانِ: هُمَا الْجَرَّتَانِ الْكَبِيرَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ:
__________
1 يحتاج إلى كشف حاله.
2 في س تأخذ فرقين، وهكذا في البيهقي.
3 لم يفرق المخرج كلام الدارقطني عن غيره، والظاهر أن هذا القول والذي بعده فهذان الوجهان وكذا ثم الطريق التي ذكرها البيهقي أن إسنادها أحفظ لا يرتبط بعضها مع بعض، بل وقع الخرم والقطع في العبارة، وأن قائل هذا القول البيهقي في سننه ص 262، فإنه روى حديث النيسابوري من طريق ابن الحارث عن الدارقطني. وأبي حامد أحمد بن علي عن زاهر بن أحمد عنه بنحو ما ذكره الزيلعي، إلا أن فيه: فأظن كل قلة تأخذ الفرقين كا في الدارقطني أيضاً، ثم قال البيهقي: زاد أحمد بن علي في روايته: والفرق ستة عشر رطلاً اهـ. ثم روى الحديث من طريق آخر، وفيها قال محمد: قلت ليحيى بن عقيل: أيّ قلال؟ قال: قلال هجر، قال محمد: فرأيت قلال هجر، فأظن كل قلة تأخذ قربتين، قال: والإسناد الأول أحفظ، اهـ. قلت: هذا الكلام مرتبط بعضه ببعض.
4 وفي نسخة حددهما.
5 ص 9.
6 ص 7، والبيهقي: ص 264.(1/111)
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَأَصْحَابُهُ: الْقُلَّةُ مَا تقلد الْيَدُ أَيْ تَرْفَعُهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ إسْحَاقَ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ، فَقَالَ: هِيَ الْجِرَارُ الَّتِي يُسْتَقَى فِيهَا الْمَاءُ. وَالدَّوَارِيقُ، وَأَخْرَجَ عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ: هِيَ الْجَرَّةُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: وَقِلَالُ هَجَرَ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَلِشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ نَبْقِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى بِقِلَالِ هَجَرَ، فَقَالَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: رُفِعْت إلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ قَالَ: وَاعْتِذَارُ الطَّحَاوِيِّ2 فِي تَرْكِ الْحَدِيثِ أَصْلًا، بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ، لَا يَكُونُ عُذْرًا عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْقَوْلِ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يُوجِبُ تَرْكَهُ فِيمَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ، وَتَوْقِيتُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ لِمَنْعِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي عَلَى أَصْلِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ3.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْغَمْسِ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ التَّوَهُّمِ، فَأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ عِنْدَ التَّحَقُّقِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ"، قُلْت: رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَبُو دَاوُد4. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ"، انْتَهَى. وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ5 مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ، وَفِي لَفْظٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ، وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا يَغْتَسِلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي
__________
1 ص 264.
2 إشارة إلى قول الطحاوي، فإن كان الخبر على ظاهره، كما ذكرتم، فإنه ينبغي أن يكون الماء إذا بلغ ذلك المقدار لا يضره النجاسة، وإن غيرت لونه أو طعمه أو ريحه، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكر ذلك في الحديث، فالحديث على ظاهره، اهـ. ص 9.
3 قال أبو عمر في التمهيد: ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر، غير ثابت في الأثر، لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم، ولأن القلتين لا يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع، وذكر ابن جرير الطبري في التهذيب معنى هذا الكلام الجوهر النقي ص 265 - ج 1، وقال ابن حزم في المحلى ص 154 - ج 1: أما الشافعي فليس حده في القلتين بأولى من حد غيره، فمن فسر القلتين بغير تفسيره، فإن قيل: إنه عليه السلام ذكر قلال هجر في حديث الإسراء؟ قلنا: نعم، وليس ذلك يوجب أنه عليه السلام متى ذكر قلة الماء، أراد قلال هجر، وليس تفسير ابن جريج بأولى من تفسير مجاهد الذي قال: هما جرتان، وتفسير الحسن كذلك: إنها أي جرة كانت.
4 في باب البول في الماء الراكد ص 11: بغير لفظ التأكيد. وابن ماجه في باب البول في الماء الراكد: ص 29 من طريق ابن عجلان، وليس فيه ولا يغتسلن فيه من الجنابة ورواه الطحاوي من طريق ابن عجلان: ص 8، ولم يذكر التوكيد. ولا الجنابة.
5 البخاري: ص 37: ومسلم: ص 138.(1/112)
لَا يَجْرِي1 وَهُوَ جُنُبٌ"، فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "لَا يَبُولَنَّ2 أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَأَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، انْتَهَى. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِمُسْلِمٍ عَنْ طَلْحَةَ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ بَعْضُهُ عَنْ جَابِرٍ، وَلَمْ يُخَرِّجْ مُسْلِمٌ لِطَلْحَةَ فِي كِتَابِهِ إلَّا خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا: فَأَوَّلُهَا حَدِيثُ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَشَارَكَهُ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، ثُمَّ حَدِيثُ الصَّلَاةُ إلَى مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ أَخْرَجَهُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ حَدِيثُ أُهْدِيَ لَنَا طَيْرٌ وَنَحْنُ حُرُمٌ أَخْرَجَهُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ حَدِيثُ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ وَحَدِيثُ3 مَرَرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوم على رؤوس النَّخْلِ أَخْرَجَهُمَا فِي الْفَضَائِلِ فَالْمُقَلِّدُ ذَهِلَ، وَالْمُقَلَّدُ جَهِلَ.
قَوْلُهُ: وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ، وماءُها كَانَ جَارِيًا بَيْنَ الْبَسَاتِينِ، قُلْت: يُرِيدُ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ حَدِيثَ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَوُرُودُهُ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ. وَلُحُومُ الْكِلَابِ. وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّ فِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافًا، فَقَوْمٌ يَقُولُونَ4: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ5: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ6: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ7: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: فَيَحْصُلُ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَلَا عَيْنٌ، وَلَهُ إسْنَادٌ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ8: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَفِيهَا
__________
1 لفظه لا يجري لم أجده في مسلم.
2 ليس بهذا اللفظ، بل بلفظ نهى أن يبال في الماء الراكد.
3 أخرجه: ص 264 - ج 2، في باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً.
4 هو عند أبي داود. والترمذي.
5 عند الدارقطني.
6 عند النسائي.
7 عند الدارقطني.
8 قاسم بن أصبغ الحافظ محدث أندلس، محمد بن وضاح القرطبي الحافظ محدث أندلس، من رجال اللسان: ص 16 - ج 5، قال الحافظ: صدوق في نفسه، وعبد الصمد هذا لم أجد من ذكره، وبقية رجاله معروفون.(1/113)
مَا يُنَجِّي النَّاسُ. وَالْمَحَايِضُ. وَالْخَبَثُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" قَالَ قَاسِمٌ: هَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي بَابِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَا يُنَجَّسُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ وَأَطَالَ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ2 عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ أُمِّهِ3 قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي نِسْوَةٍ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي أَسْقِيكُمْ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَكَرِهْتُمْ ذَلِكَ، وَقَدْ وَاَللَّهِ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِيِّ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ مَوْصُولٌ انْتَهَى. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ: إنَّ مَاءَهَا كَانَ جَارِيًا بَيْنَ الْبَسَاتِينِ هَذَا، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، فَقَالَ:: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: كَانَتْ بِئْرُ بُضَاعَةَ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إلَى الْبَسَاتِينِ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ. وَمُرْسَلٌ، وَمَدْلُولُهُ عَلَى جَرَيَانِهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ4 أَنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَ مَاؤُهَا جَارِيًا لَا يَسْتَقِرُّ، وَأَنَّهَا كَانَتْ طَرِيقًا إلَى الْبَسَاتِينِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، وَالْوَاقِدِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يُسْنِدُهُ، فَضْلًا عَمَّا يُرْسِلُهُ، وَحَالُ بِئْرِ بُضَاعَةَ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ، بِخِلَافِ مَا حَكَاهُ، انْتَهَى. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ: وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد، هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد رَوَى حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ وَسَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِكَلَامٍ دَلَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ لَهُ، وَتَضْعِيفِهِ لِمَذْهَبِ مُخَالِفِهِ، فَقَالَ: قَالَ قُتَيْبَةُ بن سعيد: سألت: - فيم بِئْرِ بُضَاعَةَ - عَنْ عُمْقِهَا؟ فَقَالَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ إلَى الْعَانَةِ، فَإِذَا نَقَصَ كَانَ إلَى الْعَوْرَةِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: ومددت ردائي عليهما، ثُمَّ ذَرَعْته، فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَسَأَلْت الَّذِي فتح باب البساتين هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا، ورأيت فيها ماءاً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ، انْتَهَى. وَجَهِلَ من عزى حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ لِابْنِ مَاجَهْ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُوَ الْحَلَالُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ"،
__________
1 ص 257.
2 ص 259.
3 كذا في الجوهر - عن أمه - قال: ولم نعرف حالها ولا اسمها بعد الكشف التام، اهـ. وأخرج الطحاوي في ص 61 من حديث حاتم أيضاً: وفيه عن أمه. والدارقطني من طريق محمد بن فضيل عن محمد بن أبي يحيى بسنده، وفيه عن أبيه. وكتب على هامشه، وفيه عن أمه وفي البيهقي عن أبيه فقط.
4 قال الطحاوي في شرح الآثار ص 2: فقال قوم: كانت طريقاً للماء إلى البساتين، فكان الماء لا يستقر فيها، فكان حكم مائها كحكم ماء الأنهار، الخ. ورد البيهقي على هذا بناءاً على فهمه أنه كان سيحاً جارياً، ويأباه كلام الطحاوي: فكان حكمها كحكم الماء الجاري إذ لو أراد سيحاً أو قناة لكان ماؤها جارياً حقيقياً لا حكماً، وكان قوله: إلى البساتين طرداً بلا فائدة،، بل الظاهر أنه أراد ما نقل ابن الهمام في الفتح ص 68 - ج 1 عن محمد أنه قال: اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف على أن ماء البئر في حكم الماء الجاري، لأنه ينبع من أسفله، ويؤخذ من أعلاه فلا يتنجس، كحوض الحمام، اهـ. وكذا في القنية. وشرح النقاية للقارى فقوله: فكانت طريقاً للماء، أن الماء كان ينقل فيها - بالسائبة - إلى البساتين، هذا هو المراد بقول الاسماعيلي، كما في وفاء الوفا ص 131 - ج 1، وفي هذا بيان أن بئر بضاعة بئر بستان، اهـ.(1/114)
قُلْت: يَعْنِي فِيمَا وَقَعَ فِيهِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَمَاتَ فِيهِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَوُضُوءُهُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ بَقِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ2، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِسَعِيدٍ هَذَا، وَقَالَ: هُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ3 مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شرب أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً" انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام لَا يَأْمُرُ بِغَمْسِ مَا يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَمْدُ إفْسَادِهِ. انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا4 مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ الْقَارِظِيِّ5 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي إحْدَى جَنَاحَيْ الذُّبَابِ سُمٌّ وَالْآخَرِ شِفَاءٌ،، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَسَعِيدٌ هَذَا ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَدَنِيٌّ يُحْتَجُّ بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
حَدِيثُ "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ" تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ6 فِي كِتَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَسَّرَهُ النَّضْرُ بْن شُمَيْلٍ، وَقَالَ: إنَّمَا يُقَالُ: إهَابٌ لِجِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، انْتَهَى7. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ
__________
1 ص 4 والبيهقي في سننه ص 253 - ج 2، وضعفه.
2 أي بقية كذا في الجوهر ص 253.
3 ص 467.
4 النسائي في كتاب الفرع والعتيرة ص 192، وابن ماجه في الطب ص 258.
5 صدوق تقريب.
6 ص 19 ج- 2، والطحاوي: ص 271، وابن جارود: ص 396.
7 الجواب: أن هذا خلاف لغة العرب، قال الأزهري: جعلت العرب جلد الانسان إهاباً، وأنشد فيه قول عنترة:
فشككت بالرمح الأصم إهابه
وأنشد الخطابي. وغيره فيه أبياتاً كثيرة، وعن عائشة في وصفها إياها قالت: وحقن الدماء في أهبها - تريد دماء الناس -.(1/115)
وَعْلَةَ1 سَوَاءً وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ2. وَالشَّافِعِيُّ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكَمٍ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا رَوَيْنَاهُ كَذَلِكَ، لِئَلَّا يَقُولَ جَاهِلٌ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَزَوْا هَذَا الْحَدِيثَ فِي كُتُبِهِمْ إلَى مُسْلِمٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَمِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ3 فَقَالَ: وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَعَ لَهُ مِثْلٌ فِي كِتَابِهِ كَثِيرًا، وَيُرِيدُ بِهِ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا كُلَّ لَفْظَةٍ مِنْهُ، قَالَ: وَذَلِكَ عِنْدَنَا مَعِيبٌ جِدًّا إذَا قَصَدَ الِاحْتِجَاجَ بِلَفْظَةٍ مُعَيَّنَةٍ، لِأَنَّ فيه إيهام أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مَعَ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ أَعْذَرُ فِي هَذَا مِنْ الفقهاء لأن مقصود الحدثين الْإِسْنَادُ وَمَعْرِفَةُ الْمُخَرِّجِ، وَعَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ أَلَّفُوا كُتُبَ الْأَطْرَافِ، فَأَمَّا الْفَقِيهُ الَّذِي يَخْتَلِفُ نَظَرُهُ بِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْتَجَّ بِأَحَدِ الْمُخَرِّجِينَ، إلَّا إذَا كَانَتْ اللَّفْظَةُ فِيهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الباب، روى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ " فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ: "إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 فِي الذَّبَائِحِ وَمُسْلِمٌ فِي الطَّهَارَةِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَزَادَا: وَلَيْسَ فِي الْمَاءِ وَالْقَرْظِ مَا يُطَهِّرُهَا، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: "إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُهَا، وَرُخِّصَ
__________
1 قلت: هذا وهم، فإن مالكاً رواه في - الصيد - في باب جلود الميتة عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة، بلفظ مسلم: إذا دبغ الإهاب فقد طهر، اهـ.
2 ص 270، و343.
3 قلت: اعتذار الشيخ صحيح، فإن البيهقي إذا لم يقل: بهذا اللفظ يريد به أصل الحديث، وإذا شخص لفظاً ليستدل به أو راوياً ينظر إلى ذلك اللفظ والراوي، وأنه أورد الحديث في ص 16 بلفظ: أيما إهاب دبغ فقد طهر، وقال: رواه مسلم، وكان نظره إذ ذاك إلى لفظ الدباغة حيث قال بعده: قد اتفق الكل في هذا الحديث على لفظ الدباغ فيه. ثم أخرجه في ص 20 بلفظ: أيما إهاب دبغ فقد طهر، وقال: أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح بهذا اللفظ، وكذلك رواه مالك بن أنس عن زيد إذا دبغ، فاستفيد من هذا أن غرضه كان في الأول: إلى لفظ الدباغ، وفي الثاني إلى لفظ إذا دبغ، وعلم منه أيضاً أن مالكاً رواه عن زيد بلفظ: إذا دبغ دون أيما إهاب، فعلم من هذا أن المخرج وهم فيما عزاه إلى مالك، إن لم يكن له نسختان، أو أورده في موضع آخر.
4 أخرجه البخاري في مواضع: في الزكاة ص 202، وفي البيوع ص 296، وفي الذبائح ص 830، ولم أجد في شيء منها لفظ: الدباغ، ولا هذا السياق، والله أعلم.(1/116)
لَكُمْ فِي مَسْكِهَا"، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: إنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ، أخرج هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ كُلُّهَا صِحَاحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ1 فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ حَدِيثِ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْخَيْرِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ وَعْلَةَ فَرْوًا فَمَسِسْتُهُ، فَقَالَ: مَا لَك تَمَسُّهُ؟ قَدْ سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْت: إنَّا نَكُونُ بِالْمَغْرِبِ وَمَعَنَا الْبَرْبَرُ وَالْمَجُوسُ نُؤْتَى بِالْكَبْشِ قَدْ ذَبَحُوهُ، وَنَحْنُ لَا نَأْكُلُ ذبائحهم، ويؤتى بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الْمَاءَ وَالْوَدَكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ سَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "دِبَاغُهُ طَهُورُهُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَخِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ سِقَاءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ مَيْتَةٌ، فَقَالَ: "دِبَاغُهُ يُزِيلُ خَبَثَهُ". أَوْ نَجَسَهُ. أَوْ رِجْسَهُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ3، وَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ4 فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أخرج أَبُو دَاوُد5. وَالنَّسَائِيُّ6. وَابْنُ مَاجَهْ7. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ8 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَعَلَّهُ الْأَثْرَمُ بِأَنَّ أُمَّ مُحَمَّدٍ9 غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لِمُحَمَّدٍ عَنْهَا غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: وَمَنْ هِيَ أُمُّهُ؟! كَأَنَّهُ أَنْكَرَهُ مِنْ أَجْلِ أُمِّهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ سَلَمَةَ بن المحيق أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ، قَالَتْ: مَا عِنْدِي إلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ، قَالَ: "أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتهَا؟ " قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِبَاغَهَا طَهُورُهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَحْمَدُ
__________
1 والطحاوي: 272، والنسائي: 190، والبيهقي: 17.
2 وفي الطهارة ص 17.
3 ص 161 - ج 1.
4 والنسائي في الفرع والعتيرة ص 190 - ج 2.
5 ص 215 - ج 2.
6 ص 191 - ج 2.
7 ص 266.
8 كذا في - ابن ماجه - في اللباس، ص 266، وفي النسائي الفرع ص 190 في الحوض عن أبيه، ونسخة أخرى على الهامش عن أمه، وأخرجه أبو داود في اللباس ص 215، وأخرجه البيهقي في ص 17، وفيه: عن أمه.
9 ذكره ابن حبان في الثقات.(1/117)
فِي مُسْنَدِهِ1 قَالَ: فِي الْإِمَامِ: وَأَعَلَّهُ الْأَثْرَمُ بِجَوْنٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ الْجَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ2، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لِجَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا طَهُورُ كُلِّ أَدِيمٍ دِبَاغُهُ، انْتَهَى. وَقَالَا: إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا هِيَ دُبِغَتْ، تُرَابًا كَانَ أَوْ رَمَادًا أَوْ مِلْحًا أَوْ مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَزِيدَ صَلَاحُهُ"، انْتَهَى. وَمَعْرُوفُ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ لَحْمَهَا، فَأَمَّا الْجِلْدُ. وَالشَّعْرُ. وَالصُّوفُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْجَبَّارِ ضَعِيفٌ، قُلْت: ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 عَنْ يُوسُفَ بْنِ السَّفَرِ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْت أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا بَأْسَ بِمَسْكِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ، وَلَا بَأْسَ بِصُوفِهَا وَشَعْرِهَا وَقُرُونِهَا إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ"، انْتَهَى. قَالَ: وَيُوسُفُ مَتْرُوكٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: سمعت رسل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا، فَأَمَّا الْجِلْدُ. وَالْقَرْنُ. وَالشَّعْرُ. وَالصُّوفُ. وَالسِّنُّ. وَالْعَظْمُ، فَكُلُّهُ حَلَالٌ لِأَنَّهُ لَا يُذَكَّى، انْتَهَى. قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ مَتْرُوكٌ.
__________
1 ص 446 - ج 3، وص 6 - ج 5.
2 قال النووي في شرح المهذب ص 218 - ج 1: إسناده صحيح إلا أن جوناً اختلفوا فيه، قال أحمد بن حنبل: هو مجهول، وقال علي بن المديني: هو معروف، اهـ. قلت: قال الحافظ في التقريب: هو مقبول، اهـ.
3 ص 18، والبيهقي: ص 20.
4 ص 18 والبيهقي من طريقه: ص 23.
5 ص 18، والبيهقي: ص 22، ومن طريقه: ص 24.
6 ص 18، وبسياق آخر في ص 17، والبيهقي ص 21.(1/118)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَاةٍ، فَقَالَ: "مَا هَذِهِ؟ " قَالُوا: مَيْتَةٌ، قَالَ: "ادْبَغُوا إهَابَهَا، فَإِنَّ دِبَاغَهَا طَهُورُهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: الْقَاسِمُ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: دباغ الجلود الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَاتَتْ شَاةٌ لِمَيْمُونَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ " فَإِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طَهُورُهُ، انْتَهَى. وَيَعْقُوبُ هَذَا هُوَ ابْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِيهِ مَقَالٌ: قَالَ أَحْمَدُ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
حَدِيثٌ آخَرُ 3 أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ لَهَا شَاةٌ تَحْلُبُهَا فَفَقَدَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَا فَعَلَتْ الشَّاةُ؟ " قَالُوا: مَاتَتْ، قَالَ: "أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ " فَقُلْنَا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ دِبَاغَهَا يُحِلُّ كَمَا يُحِلُّ خَلُّ الْخَمْرِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْعَظْمِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَأَحْمَدُ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الشَّامِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الْمُنَبِّهِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلَادَةً مِنْ عَصَبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَحُمَيْدَ. وَسُلَيْمَانُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، وَالْعَاجُ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَيْسَ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ، ذَاكَ مَيْتَةٌ، وَإِنَّمَا الْعَاجُ الذَّبْلُ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَحُمَيْدَ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ غَيْرَهُ، وروي عن حميد بن أبي حُمَيْدٍ سَالِمٌ الْمُرَادِيُّ، وَصَالِحُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، وَغَيْلَانُ بْنُ جَامِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، وَأَمَّا سُلَيْمَانُ الْمُنَبِّهِيُّ، فَيُقَالُ: إنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ5 عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ، انْتَهَى. قَالَ: رِوَايَةُ بَقِيَّةَ شُيُوخِهِ الْمَجْهُولِينَ
__________
1 والدارقطني: ص 5.
2 والدارقطني ص:16 عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس بمعناه.
3 أخرجه الطحاوي: ص 273 - ج 1 عن جابر، قال: كنا نصيب مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مغانمنا من المشركين الأسقية فنقتسمها، وكلها ميتة، فننتفع بذلك، اهـ.
4 والبيهقي: ص 16 في الطهارة.
5 في الطهارة ص 26.(1/119)
ضَعِيفَةٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعَاجُ الذَّبْلُ، وَهُوَ ظَهْرُ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ، وَأَمَّا الْعَاجُ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ عَظْمُ أَنْيَابِ الْفِيَلَةِ، فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ، عَنْ شُيُوخِهِ الْمَجْهُولِينَ: إنَّ الْوَاسِطِيَّ مَجْهُولٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قال: ابن مندة فِي الْمُحْكَمِ: الْعَاجُ أَنْيَابُ الْفِيَلَةِ، وَلَا يُسَمَّى غَيْرُ النَّابِ عَاجًا، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العاج عظم الفيل، الواحدة عَاجَةٌ.
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، قُلْت: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الذَّبَائِحِ، وَالْبَاقُونَ فِي اللِّبَاسِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُ، قَالَ: وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ2 قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَيَقُولُ: كَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إسْنَادِهِ، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ3 ثَنَا مَشْيَخَةٌ لَنَا مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَيْهِمْ أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا رُبَّمَا أَوْهَمَ عَالِمًا، أَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ4 وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يَسْمَعُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ يَسْمَعُهُ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، فمرة يخبر به النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ الصَّحَابِيِّ، أَلَا يُرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ شَهِدَ سُؤَالَ جبرئيل، - عَنْ الْإِيمَانِ - رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَرَّةً أَخْبَرَ بِمَا شَاهَدَ، وَمَرَّةً رَوَى عَنْ أَبِيهِ مَا سَمِعَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَبَرِ انْقِطَاعٌ، قَالَ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ أَيْ قَبْلَ الدِّبَاغِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي
__________
1 أخرجه أبو داود في اللباس ص 216 - ج 2، والنسائي في الفرع والعتيرة ص 191 - ج 2، وهذا اللفظ له، وابن ماجه في اللباس ص 266، والترمذي في اللباس ص 206 ج 1، وابن حزم في المحلى ص 121 - ج 1 من طريق النسائي، وصححه.
2 وفي رواية الترمذي لما ذكر فيه قبل وفاته الخ.
3 قلت: هو عند الطحاوي: ص 271 - ج 1 من حديث القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عكيم، قال: حدثني أشياخ جهينة، قالوا: أتانا كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث، وكذا عند البيهقي في سننه ص 25 - ج 1.
4 قال ابن أبي حاتم في العلل ص 52 - ج 1، قال أبي: لم يسمع عبد الله بن عكيم من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو كتابه، اهـ.(1/120)
مُسْنَدِهِ1 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَعِنْدَ أَحْمَدَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ بشهرين، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَجَاءَ فِي لَفْظٍ آخَرَ: قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عُكَيْمٍ: ثَنَا مَشْيَخَةٌ لَنَا مِنْ جُهَيْنَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ثِقَاتِ النَّاسِ عَنْ ابْنِ عُكَيْمٍ: أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَيْهِمْ، يُرِيدُ تَعْلِيلَ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَبْلَ الدَّبْغِ بِدَلِيلِ مَا هو أوضح مِنْهُ، فَذَكَرَ حَدِيثَ شَاةِ مَيْمُونَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط وَلَفْظُهُ: قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي أَرْضِ جُهَيْنَةَ إنِّي كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِجِلْدٍ وَلَا عَصَبٍ وَفِي سَنَدِهِ فَضَالَةُ بْنُ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ3: لَمْ يَكُنْ بِأَهْلٍ أَنْ نَكْتُبَ عَنْهُ الْعِلْمَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَاَلَّذِي يُعَلَّلُ بِهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، الِاخْتِلَافُ، فَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ليلى، وعن الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ جِهَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ4 أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: فَدَخَلُوا وَقَعَدْت عَلَى الْبَابِ، فَخَرَجُوا إلَيَّ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، الْحَدِيثَ، قَالَ: فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّاسِ الدَّاخِلِينَ عَلَيْهِ، وَهُمْ مَجْهُولُونَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: إنَّمَا يُسَمَّى إهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ، فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ شَنًّا وَقِرْبَةً، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ أُعِلَّ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: الِاضْطِرَابُ فِي سَنَدِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ، فَرُوِيَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَرُوِيَ بِشَهْرَيْنِ، وَرُوِيَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَالثَّالِثُ: الِاخْتِلَافُ فِي صُحْبَتِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ. وَغَيْرُهُ: لَا صُحْبَةَ لَهُ، فَهُوَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ5: وَحَكَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِهِ: أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ، لَمَّا رَأَى تَزَلْزُلَ الرُّوَاةِ فِيهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، قَالَ: وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ فِي النَّسْخِ6 وَلَكِنَّهُ كَثِيرُ الِاضْطِرَابِ، وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمَاعٌ وَحَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ كِتَابٌ وَالْكِتَابُ. وَالْوِجَادَةُ. وَالْمُنَاوَلَةُ كُلُّهَا مَرْجُوحَاتٌ
__________
1 ص 31.
2 ص 115.
3 وقال العقيلي: في حديثه نظر، وقيل: كان يشرب المسكر ويلعب بالشطرنج في المسجد، وقال أبو حاتم أيضاً: سألت عنه سعيد بن عيسى بن تليد فثبطني عنه، وقال: الحديث الذي يحدث به موضوع أو نحو هذا، قلت: كان على الشرطة بمصر، وذكره ابن أبي حاتم في الثقات ص 12 لسان الميزان.
4 لم أجد زيادة عن عبد الرحمن في نسخ أبي داود المطبوعة التي عندي، ورواه البيهقي: ص 15 - ج 1 من طريق أبي داود، وليس فيه أيضاً، ورواه الحازمي من طريق أبي داود، وفيه عن عبد الرحمن أنه، الخ. فلعل نسخ أبي داود فيها مختلفة، والله أعلم.
5 ص 39، ولكن ليس فيه وحديث ابن عباس سماع من النسخ المطبوعة.
6 ولو صح كذا في الحازمي.(1/121)
لِمَا فِيهَا مِنْ شَبَهِ الِانْقِطَاعِ بِعَدَمِ الْمُشَافَهَةِ. وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصِّحَّةِ، وَمِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُون أَصَحَّ سَنَدًا، وَأَقْوَمَ قَاعِدَةً مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ، عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَغَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ صِنَاعَتُهُ الْحَدِيثُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ لَا يُوَازِي حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ، فَضْلًا عَنْ جَمِيعِهَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: أَنْ تُفْتَرَشَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ2 عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ"، انْتَهَى. وَزَمْعَةُ فِيهِ مَقَالٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْفِنُوا الشَّعْرَ. وَالدَّمَ. وَالْأَظْفَارَ، فَإِنَّهَا مَيْتَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: لَهُ أَحَادِيثُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ3 وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ دَفْنِ الشَّعْرِ. وَالْأَظْفَارِ مِنْ أَوْجُهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، انْتَهَى.
__________
1 أبو داود في اللباس ص 217 - ج 2، والنسائي في الفرع والعتيرة ص 191 - ج 2، والترمذي في اللباس ص 209، وقال: لا نعلم أحداً قال: عن أبي المليح عن أبيه، غير سعيد بن أبي عروبة، ثم رواه من طريق يزيد الرشك عن أبي المليح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: هذا أصح، قلت: حديث يزيد هذا أخرجه البيهقي في ص 21 - ج 1 من طريق يزيد بن هارون عن شعبة عنه موصولة، وقال: رواه غيره عن شعبة عن يزيد عن أبي المليح مرسلاً، دون ذكر، - أبيه -، اهـ.
2 قلت: رواه الطحاوي في ص 271 من هذا الطريق أيضاً.
3 وكذا في السنن ص 23.(1/122)
فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِ الْمَسَاجِدِ، قُلْتُ: فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ،
أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ4، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَأَحْمَدُ عَنْ عامر بن صالح
__________
4 في الدور قال سفيان: يعني القبائل ترمذي.(1/122)
الزُّبَيْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدَةَ، وَوَكِيعٍ. وَسُفْيَانَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - مُرْسَلًا - قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ مَالِكِ بْنِ سُعَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ مُسْنَدًا، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر عَنْ هِشَامٍ بِهِ مُسْنَدًا، وَعَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَعَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُعْلَمُ أَسْنَدَهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، وَغَيْرُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قُلْتُ: فَإِنَّهُ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ سُعَيْرٍ - كَمَا تَقَدَّمَ - عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَلَهُ عُذْرُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ حَبِيبِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ أَنَّهُ كتب إذا بَنِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصْنَعَ الْمَسَاجِدَ فِي دُورِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ.
حَدِيثٌ فِي اقْتِنَاءِ الْحَمَامِ فِي الْمَسَاجِدِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ1 مِنْ حَدِيثِ عُوَيْنِ بْنِ عَمْرٍو الْقَيْسِيِّ، قَالَ: سمعت أبا مصعب القيسي، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ. وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَسَمِعْتُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَمَرَ اللَّهُ شَجَرَةً لَيْلَةَ الْغَارِ فَنَبَتَتْ فِي وَجْهِي، وَأَمَرَ اللَّهُ الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ فَسَتَرَنِي، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ"، وَأَقْبَلَ فَتَيَانِ مِنْ قُرَيْشٍ بِعِصِيِّهِمْ وَهِرَاوَاتِهِمْ وَسُيُوفِهِمْ حَتَّى إذَا كَانُوا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْرَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا تَعَجَّلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ فِي الْغَارِ، فَرَأَى حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: مَا لَكَ لَمْ تَنْظُرْ فِي الْغَارِ؟ قَالَ: رَأَيْتُ بِفَمِهِ حَمَامَتَيْنِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ دَرَأَ عَنْهُ بِهِمَا فَدَعَا لَهُمَا، وَسَمَّتَ عَلَيْهِنَّ، وَأُقْرِرْنَ فِي الْحَرَمِ، وَفَرَضَ جَزَاءَهُنَّ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُعْلَمُ رَوَاهُ إلَّا عُوَيْنُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ بَصْرِيٌّ مَشْهُورٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضعفاءه فَأَعَلَّهُ بِعُوَيْنٍ، وَيُقَالُ: عَوْنٌ2، قَالَ: وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَأَبُو مُصْعَبٍ مَجْهُولٌ انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا.
قُلْتُ: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوُوا الْمَدِينَةَ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ
__________
1 وابن عساكر من طريق يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا عمرو بن علي حدثنا عون بن عمرو القيسي، - بلقب عوين - حدثني أبو مصعب المكي، قال: أدركت زيد بن أرقم، فذكر الحديث.
2 ذكره في اللسان، وقال ابن كثير في البداية والنهاية ص 182 - ج 3: عون بن عمرو، وهو الملقب - بعوين -.(1/123)
بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ1 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَعَجَبٌ مِنْ الشَّيْخِ زَكِيِّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيِّ، كَيْفَ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَالْبُخَارِيُّ رَوَاهُ مُتَّصِلًا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْحُدُودِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الطَّهَارَةِ2 وَالنَّسَائِيُّ فِي تَحْرِيمِ الدَّمِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ: وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَلَفْظُهُ: فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ، وَقَالَ فِيهِ: وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا.
أَحَادِيثُ الْبَابِ - حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ4 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِ أَبِي جَهْلٍ حِينَ وَضَعَ عَلَى ظَهْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَا جذور، وَهُوَ سَاجِدٌ، وَاسْتَمَرَّ سَاجِدًا حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ5 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: خَرَجْنَا إلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا أَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ شَدِيدٌ، حَتَّى أَنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَنْحَرَ بَعِيرَهُ فَيَعْصِرَ فَرْثَهُ فَيَشْرَبَهُ، وَيَجْعَلَ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، قَالَ: "أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، وَدَعَا، فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قَالَتْ السَّمَاءُ فَأَظَلَّتْ، ثُمَّ سَكَبَتْ فَمَلَئُوا مَا مَعَهُمْ، ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتْ الْعَسْكَرَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ6: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ: فَلَوْ كَانَ مَاءُ الْفَرْثِ نَجِسًا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى كَبِدِهِ، فَيُنَجِّسُ يَدَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِمَاءٍ طَاهِرٍ يَغْسِلُهُ بِهِ، هَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَفْعَلَهُ، وَأَمَّا شُرْبُهُ فَأُبِيحَ اضْطِرَارًا لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ،
__________
1 قلت: هذا وهم، والصواب أن يقول: في الزكاة أخرجه البخاري في باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل ص 203 ج1 ومسلم في الحدود ص 658 ج2.
2 ص 11 - ج 1، وفي الأطعمة ص 6 - ج 2، وفي الطب ص 25 - ج 2 بسند واحد.
3 في الطهارة ص 37.
4 في الجهاد، والسير، ص 108، والنسائي في الطهارة ص 58.
5 ص 159 - ج 1.
6 قال الحاكم: إن الماء إذا خالطه فرث ما يؤكل لحمه لم ينجسه، فإنه لو كان ينجس الماء لما أجاز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعله على كبده حتى ينجس يديه، اهـ.(1/124)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحُصَيْنِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ مَتْرُوكٌ، وَيَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ: كَذَّابٌ يَصْنَعُ الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ الْبَرَاءِ2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا بَأْسَ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ: سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ3: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَمَى بِالرَّوْثَةِ، وَقَالَ: "هَذَا رِجْسٌ أَوْ رِكْسٌ"،قُلْتُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ فِيهِ: هَذَا رِجْسٌ بِالْجِيمِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فَزَادَ فِيهِ4: أَتَيْتَنِي بِحَجَرٍ مُحْتَجِّينَ بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ.
الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ، رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ5 عَنْ أُمِّ قَيْسٍ
__________
1 الترمذي في الصلاة ص 46، وابن ماجه: ص 65، ولفظه: إن لم تجدوا إلا مرابض الغنم وأعطان الابل، فصلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الابل، وبهذا اللفظ أخرجه الدارمي: ص 168.
2 حديث البراء بن عازب أخرجه أبو داود ص 77، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: "لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشيطان"، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: "صلوا فيها فإنها بركة"، اهـ. وفي ابن ماجه: ص 56 نحوه من حديث عبد الله بن مغفل. وسبرة بن معبد الجهني، وفي الطحاوي ص 224 عنهم. وعن أسيد بن حضير. وجابر بن سمرة، وأخرجه النسائي: ص 120 حديث ابن مغفل مختصراً ومسلم في: ص 158 - ج 1 عن جابر بن سمرة.
3 كان المؤلف المخرج أمر بعض أصحابه أن ينقل في أحاديث الباب من أحاديث باب الأنجاس ما يناسب هذا الباب، فنقل ههنا هذا الحديث سهواً، وليس له مناسبة بالباب، وإنما هو من باب الأنجاس.
4 قلت: كلاهما من حديث أبي إسحاق عن علقمة، وقال البيهقي، في كتاب القراءة ص 149: أبو إسحاق لم يسمع من علقمة شيئاً.
5 البخاري في الطهارة ص 35، ومسلم أيضاً: ص 139 - ج 1 في الطهارة. وفي الطب ص 227، ولفظه: فرشه، وكذا في ابن ماجه ص 40، وكذا في الترمذي ص 11، والنسائي ص 65 بلفظ البخاري، وبلفظه أيضاً: أبو داود في الطهارة ص 59.(1/125)
بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَسَهُ عَلَيْهِ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى بَوْلِهِ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ، انْتَهَى.1وَفِي لَفْظٍ لمسلم فرشّه2، ذَكَرَهُ فِي الطِّبِّ وَهُوَ لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَزَادَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُغْسَلَ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَأْكُلَ الطَّعَامَ، فَإِذَا أَكَلَ غُسِلَ، انْتَهَى. قال الطبراني فِي شَرْحِ الْآثَارِ: السُّنَّةُ قَدْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النبي صص، وقد يراد بها غَيْرِهِ3، قَالَ عليه السلام: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ4 وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ6. وَابْنُ مَاجَهْ7. عَنْ عَلِيِّ8 بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَوْلِ الرَّضِيعِ، قَالَ: "يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ9 وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدَانِ صَحِيحَانِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ لُبَابَةَ. وَأَبِي السَّمْحِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ10 عَنْ أَبِي السَّمْحِ، قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ، فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ، فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ، فَقَالَ: "يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: إنَّهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أم الفضل لبانة بِنْتِ الْحَارِثِ، قَالَتْ: كَانَ الحسين على حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: الْبَسْ ثَوْبًا، وَأَعْطِنِي إزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ، قَالَ: "إنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا، وَقَالَ: إنَّهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ.
__________
1 ادعى الأصيلي أن قوله: ولم يغسله مدرج من قول ابن شهاب: تلخيص ص 14.
2 والبخاري أيضاً ص 849 في الطب.
3 منه قوله عليه السلام: من سن سنة حسنة الحديث، وحديث عليّ في حد الخمر كل سنة، وحديث ابن معاذ - سن لكم -، وحديث لتتبعن سنن من كان قبلكم الحديث.
4 البخاري في الدعوات ص 940 ومسلم في الطهارة ص 39 - ج 1.
5 في الطهارة ص 60.
6 في الصلاة ص 78.
7 ص 40، والدارقطني ص 47.
8 أخرج البيهقي حديث علي في سننه ص 415 - ج 2، وقال: وفيما بلغني عن أبي عيسى أنه قال: سألت البخاري عن هذا الحديث، فقال: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه، وهشام الدستوائي يرفعه، وهو حافظ، قلت: إن غير معاذ بن هشام رواه عن هشام مرسلاً، اهـ.
9 ص 165 - ج 1.
10 ص 40 والدارقطني ص 48.(1/126)
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يسار أنبأنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْخُزَاعِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يُغْسَلُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَعْقِلٍ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ"، وَالْمَاءَيْنِ وَاحِدٌ، فَقَالَ: لِأَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ مِنْ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، قَالَ لِي: فَهِمْتَ، أَوْ قَالَ لَقِنْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِهِ، فَصَارَ بَوْلُ الْغُلَامِ مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَصَارَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ مِنْ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ لَيْثٍ1 عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا عِنْدَهَا، وَحُسَيْنٌ يَحْبُو فِي الْبَيْتِ فَغَفَلْتُ عَنْهُ، فَحَبَا حَتَّى صعد على صدر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَالَ، وَاسْتَيْقَظَ عليه السلام، فَقُمْتُ، فَأَخَذْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: "دَعِي ابْنِي"، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَخَذَ كُوزًا مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ يُصَبُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ"، انْتَهَى. وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ2 عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالنَّضْحِ فِيهَا الصَّبُّ، قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ3 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة قال: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "صُبُّوا عَلَيْهِ الْمَاءَ صَبًّا"، ثُمَّ أخرج عن طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ أُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ، انتهى. قال: ورواه عن زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ، فَقَالَ فِيهِ: فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّضْحَ عِنْدَهُمْ الصَّبُّ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِيءَ بِالْحَسَنِ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ صَبَّ عَلَيْهِ4 الْمَاءَ ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ5 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ الْحُسَيْنَ عَلَى صَدْرِهِ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي إزَارَكَ أَغْسِلْهُ، فَقَالَ: "إنَّمَا يُصَبُّ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ"، قَالَ: فَهُوَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنَّمَا يُنْضَحُ من بَوْلُ الْغُلَامِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ فِيهِ بِالنَّضْحِ الصَّبُّ، لِيَتَّفِقَ الْأَثَرَانِ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ
__________
1 ليث بن سليم ضعيف.
2 ص 56.
3 أخرج هو. وأحمد بن حنبل أيضاً في مسنده ص 46 - ج 6 من طريق أبي معاوية بلفظ الطحاوي، وفي مسلم ص 139 من طريق جرير عن هشام بلفظ: فدعا بماء فصبه عليه.
4 وأحمد بهذا اللفظ من حديث زهير بن معاوية بسنده ص 348 - ج 4.
5 وأحمد في مسنده ص 339 - ج 6 من حديث عطاء الخرساني عن أم الفضل، وفي: ص 340 - ج 6 عن عبد الله بن الحارث، وفيهما: أن بول الغلام يصب عليه الماء، وفي رواية: إنما يصب على بول الغلام، وفي: ص 339 من حديث سماك عن قابوس عنها بلفظ: ينضح بول الغلام.(1/127)
الْآثَارِ أَنَّ حُكْمَ بَوْلِ الْغُلَامِ الْغَسْلُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْغَسْلَ يُجْزِئُ مِنْهُ الصَّبُّ، وَأَنَّ حُكْمَ بَوْلِ الْجَارِيَةِ الْغَسْلُ أَيْضًا، إلَّا أَنَّ الصَّبَّ لَا يَكْفِي فِيهِ، لِأَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِضِيقِ مَخْرَجِهِ، وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يَتَفَرَّقُ لِسَعَةِ مَخْرَجِهِ، فَأَمَرَ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ بِالنَّضْحِ يُرِيدُ صَبَّ الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَفِي بَوْلِ الْجَارِيَةِ بِالْغَسْلِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام: "اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: الْمَحْفُوظُ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. وَأَبُو جَعْفَرٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ يَخْلِطُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: يَهِمُ كَثِيرًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَزْهَرَ بْنِ سَعْدٍ السَّمَّانِ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني2 ثم البيهقي في سننهما وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ3 وَسَكَتَ عَنْهُ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ فَتَنَزَّهُوا مِنْهُ"، انْتَهَى. قُلْتُ: قَالَ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ: أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّانُ عَنْهُ، أَبُو يَحْيَى فِي الْكُوفِيِّينَ مِثْلُ ثَابِتٍ فِي الْبَصْرِيِّينَ، وَقَالَ عَبَّاسٌ عَنْهُ: فِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: رَوَى عَنْهُ إسْرَائِيلُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مَنَاكِيرَ جِدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثَهُ عَلَى مَا فِيهِ، قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا: يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا، قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أنه فال فِي الدَّجَاجَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ:
__________
1 ص 183 - ج 1، والدارقطني في سننه ص 47 من طريق أبي عوانة، الخ، وقال صحيح.
2 ص 47، وقال: لا بأس به.
3 ص 183.(1/128)
يُنْزَحُ مِنْهَا أرعون دَلْوًا، قُلْتُ: قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: رَوَاهُمَا الطَّحَاوِيُّ مِنْ طُرُقٍ، وَهَذَانِ الْأَثَرَانِ لَمْ أَجِدْهُمَا فِي شَرْحِ الْآثَارِ - لِلطَّحَاوِيِّ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ حَجَّاجٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي دَجَاجَةٍ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ فَمَاتَتْ، قَالَ: ينزح منها قد أَرْبَعِينَ دَلْوًا أَوْ خَمْسِينَ، انْتَهَى. وَالشَّيْخُ لَمْ يُقَلِّدْ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، أَفْتَيَا بِنَزْحِ الْبِئْرِ كُلِّهَا حِينَ مَاتَ زِنْجِيٌّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ، قُلْتُ: هَذِهِ الْقِصَّةُ رَوَاهَا ابْنُ سِيرِينَ. وَعَطَاءٌ. وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَقَتَادَةُ. وَأَبُو الطُّفَيْلِ، فَرِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ يَعْنِي فَمَاتَ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَأُخْرِجَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنْزَحَ، قَالَ: فَغَلَبَتْهُمْ عَيْنٌ جَاءَتْ مِنْ الرُّكْنِ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَدُسَّتْ بالقباطي والمطارق حتى نزحزها، فَلَمَّا نَزَحُوهَا انْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَابْنُ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: مُرْسَلٌ2 لَمْ يَلْقَهُ وَلَا سَمِعَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَلَاغٌ بَلَغَهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَطَاءٍ، فَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ3 وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ4 حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ حَبَشِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ فَمَاتَ، فَأَمَرَ ابْنُ الزبير فنزح ماءها فَجَعَلَ الْمَاءُ لَا يَنْقَطِعُ، فَنُظِرَ فَإِذَا عَيْنٌ تَجْرِي مِنْ قِبَلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: حَسْبُكُمْ، انْتَهَى. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَأَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ فَمَاتَ، فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأُخْرِجَ وَسُدَّتْ عُيُونُهَا ثُمَّ نُزِحَتْ، انْتَهَى. قَالَ: وَابْنُ لَهِيعَةَ5 لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ قَتَادَةَ، فَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في مصنفه ثنا عبد بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ، فَمَاتَ، فَأَنْزَلَ إلَيْهِ رَجُلًا فَأَخْرَجَهُ، ثُمَّ قَالَ: انْزَحُوا مَا فِيهَا مِنْ مَاءٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي الْمَعْرِفَةِ: وَقَتَادَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلٌ لَمْ يَلْقَهُ وَلَا سَمِعَ مِنْهُ. وإنما هُوَ بَلَاغٌ بَلَغَهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي الطُّفَيْلِ، فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ جَابِرٌ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ نَفْسِهِ
__________
1 ص 10، والبيهقي: ص 266.
2 محمد بن سيرين من أروع الناس في منطقه، ومراسيله من أصح المراسيل، كذا في منهاج السنة ص 186 - ج 3 وفي التمهيد لابن عبد البر مراسيل ابن سيرين صحاح، كذا في الجوهر ص 266، قال شعبة: عن خالد الحذاء، كل شيء قال محمد: نبئت عن ابن عباس إنما سمعه عن عكرمة،، لقيه أيام المختار، كذا في التهذيب قلت بعد أن عرفت الواسطة: وهو ثقة، فلا ضير كان الحديث محتجاً به.
3 ص 108.
4 ص 10، بإسناد صحيح.
5 صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك. وابن وهيب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، اهـ تقريب.(1/129)
أَنَّ غُلَامًا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ، فَنُزِحَتْ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ1، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ2 وَاعْتَمَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَضْعِيفِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَثَرٍ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْفَقِيهِ عَنْ عَبْدِ بْنِ شَرْوَيْهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قُدَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أن بِمَكَّةَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ أَرَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَعْرِفُ حَدِيثَ الزِّنْجِيِّ الَّذِي قَالُوا: إنَّهُ وَقَعَ فِي زَمْزَمَ، وَلَا سَمِعْت أَحَدًا يَقُولُ: نُزِحَتْ زَمْزَمُ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَيْفَ يَرْوِي3 ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" 4، وَيَتْرُكُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ فَلِنَجَاسَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَنَزْحُهَا لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ زَمْزَمَ لِلشُّرْبِ، انْتَهَى. وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: بِأَنَّ عدم علمها لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا، ثُمَّ إنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا ذَلِكَ الْوَقْتَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ إخْبَارُ مَنْ أَدْرَكَ الْوَاقِعَةَ وَأَثْبَتَهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمَا، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا: كَيْفَ يَصِلُ5 هَذَا الْخَبَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَبِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَحْمَدَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ منَّا، فإذا كان الخبر صَحِيحٌ فَأَعْلِمُونِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَيْهِ كُوفِيًّا كَانَ أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا، فَهَلَّا قَالَ: كَيْفَ يَصِلُ هَذَا إلَى أُولَئِكَ، وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ؟
__________
1 ص 10، والطحاوي: ص 10.
2 وثقه سفيان. وشعبة، قال ابن عدي: حسن الحديث، راجع له الجوهر ص 266 - ج 1.
3 هذا استبعاد بعد وضوح الطرق، ويبعد عن مثل هذا الإمام أن يقول به، كيف، وحديث الماء لا ينجسه شيء إن بلغه بطريق لا يقوم به الحجة عليه، كان لا سوغ له أن يحكم على ابن عباس أنه رواه وسمعه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن بلغه بطريق يقوم به الحجة عليه، فإذن لا فرق بينه وبين ابن عباس في وجوب العمل، ثم الشافعي يحكم بنجاسة كثير من المياه، فحديث لم يمنع الشافعي أن يحكم بنجاسة الماء إذا وقعت فيه نجاسة، كيف يمنع ابن عباس عن مثله؟ والعجب أن حديث الماء من الماء رواه أبيّ رحمه الله، ثم أفتى بخلافه، فاستدل الشافعي بفتواه على نسخ الحديث، حيث قال: ثم لا أحسبه تركه ابن عباس أيضاً، مع أن عموم حديث الماء لا ينجسه شيء منسوخ عند الشافعي أيضاً.
4 حديث ابن عباس هذا أخرجه الحاكم في المستدرك ص 159 - ج 1.
5 هذا أيضاً استبعاد أمر ثابت بالدليل، بلا دليل، ثم نقول: لا عزو فيه، وأمثاله كثيرة، كما أن خبر - جهر التأمين، ووضع اليدين على الصدر - اللذين يعم بهما مراراً في يوم وليلة بمرأى من الناس ومشهد وصل إلى أهل مكة من طريق سفيان، وهو من أهل الكوفة، وجهله أهل الكوفة. وأهل المدينة، ومالك كبيرهم، وأحاديث - فتح مكة عنوة - وقتاله عليه السلام، ثم أمانه إلا نفراً - وخطبته رخصة القتال له خاصة في ساعة من النهار وصلت إلى البلاد، وخفيت على بعض أهل مكة. وهو كبيرهم، وأمثال هذا كثيرة.(1/130)
فَصْلٌ فِي الْأَسْآرِ وَغَيْرِهَا
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا".
قُلْتُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ(1/130)
بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ1 بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَخْرَجَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الإناء أهراقه وَغَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى2.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيِّ ثَنَا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في إناء أحدكم فليرهقه وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَيْبَةَ ثَنَا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ، وَالْكَرَابِيسِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا، وَإِنَّمَا حَمَلَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ بِالْقُرْآنِ، فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ عَطَاءٍ ثُمَّ عَطَاءٌ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ عَطَاءٍ، وَأَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوُونَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَلِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ الْحِفْظِ وَالثِّقَةِ - فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ - تَرَكَهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مَرْفُوعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ، قَالَ: وَقَدْ اعْتَمَدَ الطَّحَاوِيُّ عَلَى
__________
1 عبد الملك بن أبي سليمان ثقة حجة ثبت، كذا في هامش محلى ص 115 - ج 1.
2 قلت أما عطاء: فعطاء بن أبي رباح، وأما عبد الملك بن أبي سليمان، فروى له مسلم، وأصحاب السنن، وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً ثبتاً، وقال ابن عمار الموصلي: ثقة ثبت في الحديث، وقال الثوري: ثقة متقن فقيه، وقال الترمذي: ثقة مأمون، وثقه أحمد. ويحيى. والنسائي. وآخرون، وإنما أنكر عليه شعبة حديث الشفعة، قال الخطيب: أساء شعبة في اختياره حيث حدث عن محمد بن عبد الله الرومي، وترك عبد الملك بن أبي سليمان، لأن محمد بن عبيد الله لم يختلف الأئمة من أهل الأثر في سقوط روايته، وذهاب حديثه، وأما عبد الملك بن أبي سليمان، فثناؤهم عليه مستفيض، وحسن ذكرهم له مشهور، اهـ. أما من دونه فعند الطحاوي: عبد السلام، وهو ثقة، روى له الشيخان، وروى الدارقطني من طريق إسحاق الأزرق. وابن فضيل عن عبد الملك، فبرأ عبد السلام، من التفرد به.(1/131)
الرِّوَايَةِ الْمَوْقُوفَةِ فِي نَسْخِ حَدِيثِ السَّبْعِ وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ تَرْكُ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا غَلَطًا بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ قَدْ عُرِفَ بِمُخَالَفَةِ الْحُفَّاظِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَى الْمَوْقُوفَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ، إلَخْ، ثُمَّ قَالَ: فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ السَّبْعِ لِأَنَّا نُحْسِنُ الظَّنَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا سَمِعَهُ1 مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، وَلَمْ يُقْبَلْ رِوَايَتُهُ، بَلْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ الْمُخَالِفِ أَنْ يَعْمَلَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ يُغْسَلُ يسبعاً، وَيُعَفِّرُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ، لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ عَلَى السَّبْعِ، وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ أَوْجَبُ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بِالسَّبْعِ، قُلْتُ: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ. وَأَبِي دَاوُد طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، انْتَهَى. وَهُوَ أَوْلَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِإِرَاقَتِهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ3 وَقَالَ فِيهِ: إذَا شَرِبَ، عِوَضَ: إذَا وَلَغَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَغَيْرُ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إذَا وَلَغَ، وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقَالَ الْحَافِظُ: أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَا مَعْنَاهُ: أَنَّ مَالِكًا قَدْ انْفَرَدَ عَنْ الْكُلِّ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ: قَالَ: فَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَالُوا: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ بْنُ حُسَيْنٍ. وَثَابِتٌ الْأَعْرَجُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ.
وَأَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. وَأَبُو صَالِحٍ. وأبو زرين، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى قَوْلِهِ: إذَا وَلَغَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ من غير
__________
1 هذا كما استدل الشافعي رحمه الله على نسخ حديث الماء من الماء قال الحازمي ص 22: قال الشافعي رحمه الله تعالى: إنما بدأت بحديث أبي بن كعب، في قوله: الماء من الماء ونزوعه أن فيه دلالة على أنه سمع الماء من الماء من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمع خلافه، فقال به، ثم لا أحسبه تركه إلا أنه ثبت له أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بعد ما نسخه، اهـ.
2 البخاري ص 29 ومسلم: ص 137 في الطهارة والترمذي ص 14، واللفظ له.
3 ومن طريق البخاري(1/132)
رِوَايَةِ مَالِكٍ، ذَكَرَهَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ الْعَوَالِي فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي يَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ الْحَدِيثُ، وَكَذَلِكَ وَقَعَتْ فِي كِتَابِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْجَوْزَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَاهُنَا شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي عُمَرَ. وَغَيْرُ مَالِكٍ مِنْ رُوَاةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَقُولُ: إذَا وَلَغَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي اتِّفَاقَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِيمَا وَجَدْتُهُ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِإِسْنَادِهِ، سَوَاءٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ" كَسَائِرِ الرُّوَاةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ1.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْغِي لِلْهِرَّةِ الْإِنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ، قُلْتُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: أَحَدُهُمَا: عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمُرُّ بِهِ الْهِرَّةُ فَيُصْغِي لَهَا الْإِنَاءَ فَتَشْرَبُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا، انْتَهَى. قَالَ: وَيَعْقُوبُ هَذَا، هُوَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي وَعَبْدُ رَبِّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْغِي إلَى الْهِرَّةِ الْإِنَاءَ حَتَّى تَشْرَبَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا، انْتَهَى. وَالْوَاقِدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو الْخُرَاسَانِيُّ ثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ2 ثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنْ أُمِّهِ: أَنَّ مَوْلَاتَهَا أرسلتها بهريسة لى عَائِشَةَ فَوَجَدَتْهَا تُصَلِّي، فَأَشَارَتْ إلَى أَنْ ضَعِيهَا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أَكَلَتْ مِنْ حَيْثُ أَكَلَتْ الْهِرَّةُ، فَقَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ" وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ،
وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ3 عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ. والدارقطني مِنْ حَدِيثِ حَارِثَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَتَوَضَّأُ أَنَا
__________
1 ص 137، وأبو داود، ص 12، والطحاوي: ص 13.
2 وفي النسخة المخطوطة من شرح الآثار: حسان، ولعله هو الصحيح.
3 قلت: في الدارقطني رفعه الدراوردي عن داود بن صالح، ورواه عنه هشام موقوفاً على عائشة.(1/133)
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ قَدْ أَصَابَتْ مِنْهُ الْهِرَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحَارِثَةُ لَا بَأْسَ بِهِ1، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَسِيد الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ2 الْكُوفِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْمَكِّيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَرْضٍ بِالْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهَا: بَطْحَانُ، فَقَالَ: "يَا أَنَسُ اُسْكُبْ لِي وَضُوءًا" فَسَكَبْتُ لَهُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ أَقْبَلَ إلَى الْإِنَاءِ، وَقَدْ أَتَى هِرٌّ فَوَلَغَ فِي الْإِنَاءِ، فَوَقَفَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْفَةً حَتَّى شَرِبَ الْهِرُّ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: "يَا أَنَسُ إنَّ الْهِرَّ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ لَنْ يُقَذِّرَ شَيْئًا، وَلَنْ يُنَجِّسَهُ"، انْتَهَى3.
حَدِيثٌ آخَرُ، وَهُوَ حَدِيثُ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ4 بْنِ مُسَافِعِ بْنِ شَيْبَةَ الْحَجَبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، هِيَ كَبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ يَعْنِي الْهِرَّةَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَلَفْظُهُ فِيهِ: هِيَ كَبَعْضِ مَتَاعِ الْبَيْتِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَالْحَجَبِيُّ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ. وَجِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ نِسْبَتُهُ إلَى حِجَابَةِ الْبَيْتِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْهِرَّةُ سَبُعٌ". قُلْتُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ5 فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ الْمُسَيِّبِ ثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السِّنَّوْرُ سَبُعٌ" انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَعِيسَى هَذَا تَفَرَّدَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، إلَّا أَنَّهُ صَدُوقٌ، وَلَمْ يُجْرَحْ قَطُّ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ: ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد. وَأَبُو حَاتِمٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَمْ يَرْفَعْهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَعِيسَى لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِقِصَّةٍ فِيهِ عَنْ أَبِي النَّصْرِ
__________
1 ليس هذا اللفظ في النسخة المطبوعة، وحارثة بن محمد، هو حارثة بن أبي الرجال ضعفه أحمد. وابن معين، وقال النسائي: متروك. وقال البخاري: منكر الحديث لم يعتد به أحد، قال ابن عدي عامة ما يرويه منكر، قاله الذهبي في الميزان.
2 قلت: جعفر بن عنبسة بن عمرو الكوفي أبو محمد مجهول، وشيخه عمر بن حفص المكي أيضاً مجهول لسان
3 وقال: لم يروه عن جعفر إلا عمرو بن حفص، اهـ.
4 وسليمان بن مسافع الحجبي عن منصور بن صفية، قال الذهبي: لا يعرف وأتى بخبر منكر، اهـ.
5 وأحمد في مسنده ص 227 - ج 2، والدارقطني ص 23، والطحاوي في مشكله ص 272 - ج 3، والحاكم في المستدرك ص 183 - ج 1.(1/134)
عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي دَارَ قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَدُونَهُمْ دَارٌ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْتِي دَارَ فُلَانٍ وَلَا تَأْتِي دَارَنَا؟ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "لِأَنَّ فِي دَارِكُمْ كَلْبًا" قَالُوا: فَإِنَّ فِي دَارِهِمْ سِنَّوْرًا، فَقَالَ عليه السلام: "السِّنَّوْرُ سَبُعٌ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا مِنْ جِهَةِ وَكِيعٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "السِّنَّوْرُ سَبُعٌ" وَقَالَ وَكِيعٌ: الْهِرُّ سَبُعٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ، بِلَفْظِ: الْهِرُّ سَبُعٌ، وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسَيِّبِ بِهِ، وَضَعَّفَ عِيسَى عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابِعُهُ إلَّا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 مِنْ حَدِيثِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْهِرَّةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ" 2 انْتَهَى. قَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ3 ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، قَالَ: وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي رَفْعِهِ، لِأَنَّ قُرَّةَ أَضْبَطُ وَأَثْبَتُ،، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقِيلَ لَهُ: أَهَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: كُلُّ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَوْقُوفًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ سُؤْرِ الْهِرَّةِ، كَمَا يُغْسَلُ مِنْ سُؤْرِ الْكَلْبِ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ4 حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَإِذَا وَلَغَتْ الْهِرَّةُ غُسِلَ مَرَّةً"، انْتَهَى. وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فيه وُلُوغَ الْهِرِّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَالسَّوَّارُ قَالَ فِيهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا وَهْمٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّ سَوَّارًا هَذَا شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ، هُوَ سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُدَامَةَ
__________
1 الطحاوي في شرح الآثار ص 11، وفي المشكل ص 267 - ج 3، والحاكم ص 160 - ج 1، والدارقطني ص 25.
2 شك قرة ص 16 طحاوي.
3 هذه الكلمة ليست إلا في الطحاوي لكن قوله: هذا حديث متصل الإسناد فيه خلاف ما في الآثار الأول، وقد فصلنا هذا الحديث لصحة إسناده.
4 الترمذي في باب ما جاء في سؤر الكلب ص 14، والطحاوي في مشكل الآثار ص 368 - ج 3.(1/135)
مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وأربعين ومائتين، روى عَنْهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَخَلْقٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَسَوَّارٌ الَّذِي جَرَحَهُ سُفْيَانُ، هُوَ سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُدَامَةَ مُتَقَدِّمُ الطَّبَقَةِ، انْتَهَى. وَأَخَذَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ هَذَا الْكَلَامَ بِرُمَّتِهِ فَنَقَلَهُ فِي كِتَابِهِ مُتَعَقِّبًا عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزُوَهُ لِقَائِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَعِلَّةُ الْحَدِيثِ أَنَّ مُسَدَّدًا رَوَاهُ عَنْ مُعْتَمِرٍ، فَوَقَفَهُ، رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو دَاوُد قَالَ فِي الإمام: والذي تخلص أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ، وَاعْتَمَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى عَدَالَةِ الرِّجَالِ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِوَقْفِ مَنْ وَقَفَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ طَهَارَةِ سُؤْرِ السِّبَاعِ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ الْكِلَابَ وَالسِّبَاعَ تَرِدُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ1 وَيَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِطَهَارَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ أَيْضًا. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قِيلَ: يَا رَسُولَ الله أنتوضأ بما أَفَضَلَتْ الْحُمُرُ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَبِمَاءٍ أَفَضَلَتْ السِّبَاعُ"، وَدَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَا لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ - فَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ2.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ الطَّوْفِ الْمُعَلَّلُ بِهِ طَهَارَةُ الْهِرِّ، قُلْتُ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ4 هَكَذَا فِي الْمُوَطَّأِ5 عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ ابْنَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وكانت تحت أَبِي قَتَادَةَ - أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّهَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوْ الطَّوَّافَاتِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَقَدْ جَوَّدَهُ مَالِكٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَحَدٌ أَتَمَّ مِنْهُ،
__________
1 ضعيف تقريب.
2 ضعفه غير واحد، وعابوا على مالك الرواية عنه، لكن المعلوم من التهذيب توثيق ابن حبان له.
3 أبو داود في الطهارة ص 12، وابن ماجه ص 31، والنسائي ص 22، والترمذي في الطهارة ص 12.
4 وفي سنن ابن ماجه عبيد بن رافع.
5 قلت: هكذا في موطأ محمد ص 82، والسنن، والطحاوي، وغيرها، لكن في موطأ يحيى: حميدة بنت أبي عبيدة بن فردة، وكذا نقل شيخ المخرج في الجوهر النقي ص 245 - ج 1، فلعل بهذا قال المخرج، هكذا - في الموطأ - يعني في النسخة التي نقل عنها.(1/136)
انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ، فِي الْمُوَطَّأِ كَمَا تَرَاهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ وَقَدْ صَحَّحَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ، وَاحْتَجَّ به مُوَطَّئِهِ وَقَدْ شَهِدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لِمَالِكٍ أَنَّهُ الْحَكَمُ فِي حَدِيثِ الْمَدَنِيِّينَ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ، فِي طَهَارَةِ الْهِرَّةِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ مَنْدَهْ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَكِنَّ ابْنَ مَنْدَهْ، قَالَ: وَحُمَيْدَةُ. وَخَالَتُهَا كَبْشَةُ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا رِوَايَةٌ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، ومحلها مَحَلُّ الْجَهَالَةِ، وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وإذا لم لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا رِوَايَةٌ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَعَلَّ طَرِيقَ مَنْ صَحَّحَهُ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ عَلَى إخْرَاجِ مَالِكٍ لِرِوَايَتِهِمَا مَعَ شهرته بالتثبيت، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَوْلُهُ: لَيْسَتْ بِنَجَسٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُسْتَقْذَرُ، قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} ، وَرُوِيَ: أَوْ الطَّوَّافَاتِ بِأَوْ وَرُوِيَ: بِالْوَاوِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَسَبَبُ الشَّكِّ تعارض الدلة فِي إبَاحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ، وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ، قُلْتُ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي سُؤْرِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى السُّؤْرِ فَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ غَرِيبَةً، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إلَى اللَّحْمِ، فَحُرْمَةُ لَحْمِ الْحِمَارِ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَإِبَاحَتُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد2 مِنْ حَدِيثِ غَالِبِ بن أبحر، قَالَ: أَصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْءٌ أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا شَيْءٌ مِنْ حُمُرٍ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ، وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ: "أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ، فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ"، انْتَهَى. وَفِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَاضْطِرَابٌ، وَسَوْفَ يَأْتِي في الذبائح مستوفر إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ التوضي بِنَبِيذِ التَّمْرِ، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ3 فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي فَزَارَةَ4 عَنْ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ: "عِنْدَكَ طَهُورٌ؟ " قَالَ: لَا، إلَّا شَيْءٌ مِنْ نَبِيذٍ فِي إدَاوَةٍ، قَالَ: "تَمْرَةٌ
__________
1 البخاري في المغازي ص 606، ومسلم في الصيد والذبائح ص 150 - ج 2.
2 أبو داود في الأطعمة ص 126 - ج 2 والطحاوي: ص 317 - ج 2
3 رواه أبو داود في الطهور ص 13، والترمذي في الطهور ص 13، وابن ماجه في الطهور واللفظ له ص 31.
4 عند ابن ماجه أبو فزارة العبسي، وكذا عند أحمد: ص 449 - ج 1.(1/137)
طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ"، انْتَهَى. زَادَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، قال الترمذي: وإنما رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَعَزَاهُ لِلْأَرْبَعَةِ، وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يَرْوِهِ أَصْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَزَادَ فِي لَفْظِهِ: فَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَصَلَّى1، وَقَدْ ضَعَّفَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثَ بِثَلَاثِ عِلَلٍ: أحدهما: جَهَالَةُ أَبِي زَيْدٍ. وَالثَّانِي: التَّرَدُّدُ فِي أَبِي فَزَارَةَ، هَلْ هُوَ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ أَوْ غَيْرُهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، لَمْ يَشْهَدْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: أَبُو زَيْدٍ شَيْخٌ يَرْوِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَيْسَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَلَا يُعْرَفُ أَبُوهُ وَلَا بَلَدُهُ، وَمَنْ كَانَ - بِهَذَا النَّعْتِ - ثُمَّ لَمْ يَرْوِ إلَّا خَبَرًا وَاحِدًا خَالَفَ فِيهِ الْكِتَابَ. وَالسُّنَّةَ. وَالْإِجْمَاعَ. وَالْقِيَاسَ اسْتَحَقَّ مُجَانَبَةَ مَا رَوَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْعِلَلِ2 سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي فَزَارَةَ فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَبُو زَيْدٍ مَجْهُولٌ، وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: أَبُو زَيْدٍ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصُحْبَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ، انْتَهَى.
الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ التَّرَدُّدُ فِي أَبِي فَزَارَةَ، فَقِيلَ: هُوَ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَقِيلَ: هُمَا رَجُلَانِ، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَاشِدِ بْنِ كَيْسَانَ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو فَزَارَةَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَبَا فَزَارَةَ الْعَبْسِيَّ غَيْرَ مُسَمًّى، فَجَعَلَهُمَا اثْنَيْنِ، وَفِي كُلِّ هَذَا نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ جَمَاعَةٌ، فَرَوَاهُ عَنْهُ شَرِيكٌ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ عَنْهُ سُفْيَانُ3 وَالْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ عَنْهُ إسْرَائِيلُ4 كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ5 كَمَا أَخْرَجَهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ6. وَالْجَهَالَةُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ تَزُولُ بِرِوَايَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، فَأَيْنَ الْجَهَالَةُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَهَالَةُ الْحَالِ.
هَذَا، وَقَدْ صَرَّحَ7 ابْنُ عَدِيٍّ بِأَنَّهُ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ، فَقَالَ: مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَبِي فَزَارَةَ
__________
1 أخرجه أحمد في ص 450 - ج 1، وفيه: فتوضأ منها وصلى، وفي: ص 402 - ج 1: فتوضأ منها ثم صلى بنا، وكذا في ص 458 - ج 1.
2 ص 440.
3 الثوري عند أحمد: ص 449 - ج 1.
4 كما أخرجه أحمد: ص 402 - ج 1، وص 250 - ج 1.
5 ورواه عنه أبو عميس عتبة بن عبد الملك بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، كما أخرجه أحمد في: ص 458 - ج 1.
6 والبيهقي: ص 90.
7 كذا قال البيهقي في سننه ص 10 - ج 1، أيضاً، وكذا في التهذيب.(1/138)
عَنْ أَبِي زَيْدٍ، وَأَبُو فَزَارَةَ اسْمُهُ: رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَأَبُو زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ مَجْهُولٌ، وَحُكِيَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو فَزَارَةَ - فِي حَدِيثِ النَّبِيذِ - اسْمُهُ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ: أَبُو فَزَارَةَ الْعَبْسِيُّ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ، وَذَكَرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَمَنْ رَوَى هُوَ عَنْهُ، قَالَ: وَأَمَّا أَبُو زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي فَزَارَةَ، وَحَدِيثُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا رَوَاهُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ، وَلَا يَثْبُتُ، انْتَهَى.
الْعِلَّةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ إنْكَارُ كَوْنِ ابْنِ مَسْعُودٍ شَهِدَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ، فَمَا وَرَدَ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، هَلْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَحَدٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ، فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، فَقُلْنَا: اُسْتُطِيرَ أَوْ اُغْتِيلَ، قَالَ: فَبِتْنَا لَيْلَةً بِشَرِّ لَيْلَةٍ2 بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إذَا هُوَ جائي مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْنَاك، فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: "أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُمْ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ، وَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نيراهم"، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ: "لَكُمْ كل عظم، لكم كُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفًا لِدَوَابِّكُمْ" ثُمَّ قَالَ: "لَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ" انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَالَ: لَمْ أَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ، وَفِي لَفْظٍ: وَكَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا3 لَمْ يَذْكُرْ الْقِصَّةَ، وَلَفْظُهُ: عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَا كَانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِتَمَامِهِ في الجامع وفي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدْفَعُ تَأْوِيلَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِأَنَّهُ كَانَ معه أو أجلسه فِي الْحَلْقَةِ، وَعِنْدَ مُخَاطَبَتِهِ لِلْجِنِّ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهُ حِينَ انْطَلَقَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ يُرِيهِمْ آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ لَيْلَتَهُ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ، لِيَقُمْ مَعِي رَجُلٌ منكم، ولا يقوم مَعِي رَجُلٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"، قَالَ: فَقُمْتُ مَعَهُ، وَمَعِي إدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ حَتَّى إذَا بَرَزْنَا خَطَّ حَوْلِي خِطَّةً، ثُمَّ قَالَ: "لَا تَخْرُجَنَّ مِنْهَا،
__________
1 في باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن ص 184 - ج 1.
2 ليس في المطوعية، من نسخة مسلم.
3 في الطهارة ص 13 والدارقطني: ص 28 نحوه.(1/139)
فَإِنَّك إنْ خَرَجْتَ مِنْهَا لَمْ تَرَنِي وَلَمْ أَرَكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، هَلْ مَعَكَ مِنْ وَضُوءٍ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ: "فما في أدواتك؟ " قُلْتُ: نَبِيذٌ، قَالَ: "تَمْرَةٌ حُلْوَةٌ وَمَاءٌ طَيِّبٌ"، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَامَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ الْجِنِّ فَسَأَلَاهُ الْمَتَاعَ، قَالَ: "أَلَمْ آمُرْ لكما آمر لَكُمَا وَلِقَوْمِكُمَا بِمَا يُصْلِحُكُمَا؟ " قَالَا: بَلَى، وَلَكِنَّا أَحْبَبْنَا أَنْ يَحْضُرَ بَعْضُنَا مَعَكَ. قَالَ: "مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ " قَالَا: مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ، قَالَ: "قَدْ أَفْلَحَ هَذَانِ وَقَوْمُهُمَا"، وَأَمَرَ لَهُمَا بِالطَّعَامِ وَالرَّجِيعِ، وَنَهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ فَقْدِهِمْ إيَّاهُ، حَتَّى قِيلَ: اُغْتِيلَ. وَاسْتُطِيرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ فَقَدَهُ غَيْرَ الَّذِي عَلِمَ بِخُرُوجِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ2 إلَى مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: اسْتَتْبَعَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ، خَمْسَةَ عَشَرَ: بَنِي إخْوَةٍ. وَبَنِي عَمٍّ يَأْتُونِي اللَّيْلَةَ، فَأَقْرَأُ عَلَيْهِمْ القرآن"، فانطلقت معه إذا الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ، فَخَطَّ لِي خَطًّا وَأَجْلَسَنِي فِيهِ، وَقَالَ لِي: "لَا تَخْرُجْ مِنْ هَذَا"، فَبِتُّ فِيهِ حَتَّى أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ السَّحَرِ، وَفِي يَدِهِ عَظْمٌ حَائِلٌ. وَرَوْثَةٌ. وَحُمَمَةٌ، فَقَالَ لِي: "إذَا ذَهَبْتَ إلَى الْخَلَاءِ فَلَا تَسْتَنْجِ بِشَيْءٍ مِنْ هَؤُلَاءِ"، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قُلْتُ: لَأُعَلِّمَنَّ عِلْمِي، حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَذَهَبْتُ فَرَأَيْتُ مَبْرَكَ سِتِّينَ بَعِيرًا، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَبْصَرَ زُطًّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ الزُّطُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَبَهَهُمْ إلَّا الْجِنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَكَانُوا مُسْتَفَزِّينَ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، انْتَهَى. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ شَهِدَ لَيْلَةَ الْجِنِّ تَعْلِيقًا، فَرَوَى فِي بَابِ كَرَامَةِ مَا يُسْتَنْجَى بِهِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. وَغَيْرُهُ عَنْ دَاوُد بْنِ
__________
1 رواه أحمد في مسنده ص 458 - ج 1 حدثنا يعقوب ثنا أبي عن أبي إسحاق، قال حدثني أبو عميس عتبة بن عبد الملك بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبي فزارة الحديث بطوله.
2 قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو نصر بن قتادة، قال: أخبرنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي حدثنا أبو عبد الملك محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا روح بن صلاح حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه، كذا في ابن كثير ص 480 - ج 2، قلت: رجال الإسناد: علي بن رباح الراوي عن ابن مسعود ثقة، وابنه موسى بن علي بن رباح صدوق، ربما أخطأ، وروح بن الصلاح المصري من رجال اللسان. ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم: ثقة مأمون، وضعفه ابن عدي، وقال: له أحاديث كثيرة في بعضها نكرة، وقال الدارقطني: ضعيف الحديث، ومحمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ثقة حافظ فقيه شافعي من رجال التذكرة والتهذيب وأبو محمد يحيى بن منصور القاضي النيسابوري روى عن علي بن عبد العزيز البغوي، وأحمد بن سلمة وطبقتهما، مات سنة 351، وأبو نصر بن قتادة، فانظر له شذرات الذهب ص 9 - ج 3، وذكره ابن السبكي ص 321 - ج 2، وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى النيسابوري الصوفي من رجال اللسان والتذكرة ضعيف، وقال ابن السبكي في طبقاته ص 61 - ج 3: أبو عبد الرحمن ثقة.(1/140)
أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، قَالَ: وَكَأَنَّ رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، انْتَهَى. لَكِنَّهُ رَوَاهُ مُتَّصِلًا فِي أَبْوَابِ الْأَمْثَالِ1 عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَخَذَ بِيَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ حَتَّى خَرَجَ بِهِ إلَى بَطْحَاءِ مَكَّةَ، فَأَجْلَسَهُ، ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: "لا تبرحن مخطك، فَإِنَّهُ سَيَنْتَهِي إلَيْكَ رِجَالٌ لا تُكَلِّمْهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يُكَلِّمُونَكَ" قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَرَادَ بَيْنَمَا أَنَا جالس في خطي إذ أَتَانِي رِجَالٌ كَأَنَّهُمْ الزُّطُّ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا عَارِمٌ. وَعَفَّانُ 3 قَالَا: ثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: قال أبي: حددثني أَبُو تَمِيمَةَ عَنْ عَمْرٍو الْبِكَالِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: اسْتَبْعَثَنِي4 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَخَطَّ لِي خِطَّةً، وَقَالَ لِي: "كُنْ بَيْنَ ظَهْرَيْ هَذِهِ، لَا تَخْرُجْ مِنْهَا، فَإِنَّكَ إنْ خَرَجْتَ هَلَكْتَ" ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى: بِالرَّدِّ عَلَى الْكَرَابِيسِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَالْبُكَالِيُّ هَذَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ إلَّا أَبُو تَمِيمَةَ هَذَا وَلَيْسَ هُوَ بِالْهُجَيْمِيِّ، بَلْ هُوَ السُّلَمِيُّ بَصْرِيٌّ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5 والدارقطني فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ: "أَمَعَكَ مَاءٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "أَمَعَكَ نَبِيذٌ؟ " - أَحْسَبُهُ قَالَ: نَعَمْ - فَتَوَضَّأَ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ضَعِيفٌ، وَأَبُو رَافِعٍ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الطَّرِيقُ أَقْرَبُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي فَزَارَةَ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُ أَبِي فَزَارَةَ أَشْهَرَ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ - وَإِنْ ضُعِّفَ6 - فَقَدْ ذُكِرَ بِالصِّدْقِ، قَالَ: وَقَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ: وَأَبُو رَافِعٍ لَمْ يَثْبُتْ
__________
1 ص 109 - ج 2.
2 ص 399 - ج 19.
3 رواة الححديث: عفان بن مسلم، ومعتمر بن بن سليمان التميمي، وأبوه كلهم ثقات، وعمرو البكالي صحلبي، وأبو تميمة الراوي عنه، قال الطحاوي: غير الهجيمي، لكن الحديث حديث مسند أحمد، ولم يذكر الحافظ في التهذيب ولا في تعجيل المنفعة، غير الهجيمي، فعنده: هو الهجيمي، قال في التعجيل ص 317: روى حماد عن الجريري عن أبي تميمة الهجيمي سمع عمرا البكالي بالشام، وقال: كان له صحبة، والهجيمي: طريف بن خالد، ثقة ثبت، وروى سليمان عنه كما في التهذيب.
4 كذا في مسند أحمد وفي الجوهر ص 11 - ج 7: استتبعني.
5 رواه أحمد في: ص 455، والدارقطني: ص 28 - ج 1.
6 ضعفه غير واحد، وروى له مسلم مقروناً بغيره، وقال الساجي: كان من أهل الصدق، ويحتمل الرواية الجلة عنه، وليس يجري مجرى من أجمع على ثبته، قال العجلي: كان يتشيع، لا بأس به، وقال مرة: يكتب حديثه، وليس بالقوي، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صالح الحديث، وإلى اللين ما هو، قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، قال الترمذي: صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره، قال ابن عدي: لم أر أحداً من البصريين امتنع من الرواية عنه، وكان يغلو في التشييع، ومع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن معين: ما اختلط علي بن زيد قط.(1/141)
سَمَاعُهُ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ وَسَمَاعُهُ مِنْهُ، فَإِنَّ أَبَا رَافِعٍ الصَّائِغَ جَاهِلِيٌّ إسْلَامِيٌّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ: هُوَ مَشْهُورٌ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ فِي الِاسْتِيعَابِ: لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، اسْمُهُ نُفَيْعٌ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْبَصْرَةِ، رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَرَوَى عَنْهُ خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو الْهَجَرِيُّ. وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. وَقَتَادَةُ. وَثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ. وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ فِي الِاسْتِيعَابِ: عِظَمُ رِوَايَتِهِ عَنْ عُمَرَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ سَمَاعُهُ1 مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّارَقُطْنِيُّ يَشْتَرِطُ فِي الِاتِّصَالِ ثُبُوتَ السَّمَاعِ وَلَوْ مَرَّةً، وَقَدْ أَطْنَبَ مُسْلِمٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا المذاهب، انْتَهَى كَلَامُهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ حَيَّانَ2 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَأَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "خُذْ معك أدواة مِنْ مَاءٍ"، ثُمَّ انْطَلَقَ وَأَنَا مَعَهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ لَيْلَةِ الْجِنِّ، ثُمَّ قَالَ: فَلَمَّا أَفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِنْ الأدواة إذَا هُوَ نَبِيذٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْطَأْتُ بِالنَّبِيذِ، فَقَالَ: "تَمْرَةٌ حُلْوَةٌ وَمَاءٌ عَذْبٌ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ. وَالْحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ضَعِيفَانِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَخِيهِ زَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ ابْنِ غَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الجن بوضوء فجئته بأداوة، فإذا فيها نبيد، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَابْنُ غَيْلَانَ هَذَا مَجْهُولٌ3 قِيلَ: اسْمُهُ عَمْرٌو،، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ غَيْلَانَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ غَيْلَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيّ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَأَتَاهُمْ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ: "أَمَعَكَ مَاءٌ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ؟ " قُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا إدَاوَةٌ فِيهَا نَبِيذٌ، فَقَالَ عليه السلام: "تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ" فَتَوَضَّأَ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
__________
1 قال ابن التركماني: في الجوهر ص 9 - ج 1 على أن صاحب الكمال صرح بأنه سمع منه، وكذا ذكر الصريفيني فيما قرأت بخطه، اهـ، قلت: وفي التهذيب روى عن عبد الله بن مسعود. وزيد بن ثابت.
2 وفي الميزان. واللسان حبان بالباء.
3 وقال أبو حاتم في العلل ص 47 - ج 1: وابن غيلان: مجهول.(1/142)
وَالْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيّ1 يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ.
طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ2 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ. وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبُرْدِيُّ، قَالَا: ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْبَرَازِ فَخَطَّ خَطًّا وَأَدْخَلَنِي فِيهِ، وَقَالَ لِي: "لَا تَبْرَحْ حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْكَ"، ثُمَّ أَبْطَأَ فَمَا جَاءَ حَتَّى السَّحَرِ، وَجَعَلْتُ أَسْمَعُ الْأَصْوَاتَ، ثُمَّ جَاءَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ كُنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "أُرْسِلْتُ إلَى الْجِنِّ"، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ الَّتِي سَمِعْتُ؟ قَالَ: "هِيَ أَصْوَاتُهُمْ حِينَ وَدَّعُونِي وَسَلَّمُوا عَلَيَّ"، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَا عِلْمنَا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ حَدِيثًا يَثْبُتُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، مِمَّا يُقْبَلُ مِثْلُهُ إلَّا هَذَا، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّقَرِيِّ عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي زَائِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَعَكَ مَاءٌ؟ " قُلْتُ: لَا إلَّا نَبِيذٌ فِي إدَاوَةٍ، قَالَ: "تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ" فَتَوَضَّأَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ شَوَّشَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّقَرِيُّ3 عَنْ شَرِيكٍ، فَلَا أَدْرِي مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ شَرِيكٍ، فَإِنَّ جَمَاعَةً، كَالثَّوْرِيِّ. وَإِسْرَائِيلَ. وعمرو بن قَيْسٍ. وَغَيْرِهِمْ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ بِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَقَدْ تَلَخَّصَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَبْعَةُ طُرُقٍ: صَرَّحَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا4 بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ الْمُخَاطَبَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ بعيداً
__________
1 قال الخطيب: غير ثقة.
2 هذا الحديث ليس في شرح الآثار، - ورجاله - أما يحيى بن عثمان بن صالح السهمي مولاهم المصري فصدوق، رمي بالتشييع لكونه حدث من غير أصله، وأما أصبغ بن الفرج بن سعيد الأموي، فروى عنه البخاري. وأبو داود، والترمذي. والنسائي بواسطة ثقة، وأما موسى بن هارون العبسي البردي الكوفي فصدوق، ربما أخطأ، وأما جرير بن عبد الحميد، فهو ثقة صحيح الكتاب، وأما قابوس بن ابي ظبيان فقيه لين، وثقه قوم، وضعفه آخرون، وأما أبو ظبيان حصين بن جندب، فهو أبو قابوس ثقة، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره ص 479 - ج 7 في تفسير - سورة الأحقاف -: قد روى إسحاق بن راهويه عن جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن مسعود، قال: فذكره نحو ما تقدم، وأشار به إلى طريق ابن شهاب عن أبي عثمان عن ابن مسعود في حضور أمر الجن.
3 هو سلمة بن تمام الشقري الكوفي صدوق، وشريك القاضي صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلاً فاضلاً عابداً. وأبو زائد، هو أبو زيد المخزومي الذي روى عنه أبو فزارة.
4 وطريق آخر من الجمع، وهو أن حديث النفي أسقط الرواة منه حرفاً، قال ابن قتيبة في مختلف الحديث ص 119 بعد ما ذكر حديثاً أسقط الرواة منه حرفاً، فاختل بسببه المعنى، وهذا مثل قول ابن مسعود في ليلة الجن: ما شهدها أحد غيري فأسقط الراوي، غيري، اهـ. قلت. مما يشهد على هذا ما رواه الحاكم في المستدرك ص 503 - ج 2 حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمد البلخي من أصل كتابه، ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثنا يونس بن يزيد(1/143)
مِنْهُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ مَرَّتَيْنِ: فَفِي أَوَّلِ مَرَّةٍ خَرَجَ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَا غَيْرُهُ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ مُسْلِمٍ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ في تفسيره من أَوَّلِ سُورَةِ الْجِنِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الْجِنُّ الَّذِينَ لَقُوهُ بِنَخْلَةٍ، فَمِنْ نِينَوَى، وَأَمَّا الْجِنُّ الَّذِينَ لَقُوهُ بمكة فمن نَصِيبِينَ، وَتَأَوَّلَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ، قَالَ: إنَّهُ يَقُولُ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، عَلَى غَيْرِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ بِخُرُوجِهِ عليه السلام إلَى الْجِنِّ، قَالَ: وَهُوَ مُحْتَمِلٌ عَلَى بُعْدٍ، قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدَاوَةٍ لِوُضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَأَدْرَكَهُ يَوْمًا، فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ " قَالَ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: "ائْتِنِي بِأَحْجَارٍ أَسْتَنْجِي بِهَا، وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثَةٍ"، فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ فِي ثَوْبِي فَوَضَعْتُهَا إلَى جَنْبِهِ، حَتَّى إذَا فَرَغَ وَقَامَ اتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ، قَالَ: "أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِرَوْثَةٍ وَلَا عَظْمٍ إلَّا وَجَدُوا طَعَامًا"، انْتَهَى. قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ وَفَدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وِفَادَتِهِمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ2 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد المصيصي ثنا أبو معاوية الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ ثَنَا معاوية
__________
= عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو عثمان بن سنة الخزاعي - وكان رجلاً من أهل الشام - أنه سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه، وهو بمكة: "من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل"، فلم يحضر منهم أحد غيري، الحديث. قلت: هذا الحديث، وإن لم يصححه الحاكم - لأجل أبي عثمان بن سنة، وزعم أنه مجهول - لكن صححه الذهبي، وقال: قلت: هو صحيح عند جماعة، اهـ. وقال الحافظ في التقريب أبو عثمان بن سنة مقبول، من الثانية.
1 هذا الحديث أخرجه البيهقي في سننه الكبرى ص 107 - ج 1 من طريق سويد بن سعيد عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو عن جده بهذا السياق، مع سؤال أبي هريرة، وذكر الجن، وأخرجه البخاري في الطهارة ص 27 - ج 1، مختصراً من طريق أحمد بن محمد المكي عن عمرو بن يحيى، وهو الذي يشير إليه البيهقي في سننه ص 108 - ج 1، رواه البخاري في صحيحه عن أحمد بن محمد المكي عن عمرو بن يحيى مختصراً، دون سؤال أبي هريرة، ودون ذكر الجن، اهـ. وأخرجه البخاري في - البعث - في باب ذكر الجن ص 544 عن موسى بن إسماعيل بطوله، وفيه سؤال أبي هريرة، وذكر الجن أيضاً، والظاهر من كلام البيهقي المتقدم ذكره: أنه غافل عن طريق موسى، وسياقه في الصحيح وإلا لأشار إليه، كما هو دأبه في غير المواضع في السنن فقول المخرج: قال أي البيهقي وقد أخرج البخاري عن سعيد بن عمرو، ثم ذكره السياق الطويل إن كان يريد بهذا ما ذكره البيهقي في السنن الكبير فليس على ما ينبغي، والله أعلم.
2 أقول: هذا الإسناد حرفت أسماؤه من مواضع: أنا أذكر كل اسم على صحته، مع توثيق من وقفت عليه، أما سليمان بن أحمد، فهو سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني الإمام صاحب المعاجم، وهذا الحديث إنجاز وعد وعده المخرج، في الصفحة الماضية، وأما محمد بن عبد، فالصواب محمد بن عبدة أبو بكر المصيصي من شيوخ الطبراني في الصغير ص 183، لم أقف عليه بأزيد من هذا، وأما أبو معاوية الربيع بن نافع، فالصواب أبو ثوبة الربيع بن نافع ثقة حجة عابد من رجال التهذيب، ومعاوية بن سلام ثقة من رجال التهذيب، وأما زيد بن أسلم، فالصواب زيد بن سلام أخو مُعَاوِيَةُ(1/144)
بْنُ سَلَّامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حدثني عمر بْنُ غَيْلَانَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ لَهُ: حُدِّثْتُ أَنَّكَ كُنْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ وَفْدِ الْجِنِّ؟ قَالَ: أَجَلْ، قُلْتُ: حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَ؟ قَالَ: إنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلًا يُعَشِّيهِ، إلَّا أَنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْنِي أَحَدٌ، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ " فَقُلْتُ: أَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: "مَا أَخَذَكَ أحد يعيشك"، قُلْتُ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَانْطَلِقْ لَعَلِّي أَجِدُ لَكَ شَيْئًا، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَتَرَكَنِي وَدَخَلَ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ خَرَجَتْ الْجَارِيَةُ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ مَسْعُودٍ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يجد لك عشاءاً، فَارْجِعْ إلَى مَضْجَعِكَ، فَرَجَعْتُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَجَمَعْتُ حَصْبَاءَ الْمَسْجِدِ فَتَوَسَّدْتُهُ، وَالْتَفَفْتُ بِثَوْبِي، فَلَمْ أَلْبَثْ إلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْ الْجَارِيَةُ، فَقَالَتْ: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاتَّبَعْتُهَا حَتَّى بَلَغْتُ مَقَامِي، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ عَسِيبُ نَخْلٍ، فَعَرَضَ بِهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: "انْطَلَقَ أَنْتَ مَعِي حَيْثُ انْطَلَقْتُ"، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بقيع الغرقد، فجط بِعَصَاهُ خِطَّةً، ثُمَّ قَالَ: "اجْلِسْ فِيهَا وَلَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَك"، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ حَيْثُ لَا أَرَاهُ ثَارَتْ مِثْلُ الْعَجَاجَةِ السَّوْدَاءِ، فَفَزِعْتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ هوزان مَكَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَسْعَى إلَى الْبُيُوتِ، فَأَسْتَغِيثَ النَّاسَ، فَذَكَرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ لَا أَبْرَحَ، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَزِّعُهُمْ بِعَصَاهُ، وَيَقُولُ: "اجْلِسُوا"، فَجَلَسُوا حَتَّى كَادَ يَنْشَقُّ عَمُودُ الصُّبْحِ، ثُمَّ ثَارُوا وَذَهَبُوا، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَنِمْتَ؟ " فَقُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ، وَلَقَدْ فَزِعْتُ الْفَزْعَةَ الْأُولَى حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آتِيَ الْبُيُوتَ فَأَسْتَغِيثَ النَّاسَ، حَتَّى سَمِعْتُكَ تُفَزِّعُهُمْ بِعَصَاكَ، فَقَالَ: "لَوْ أَنَّكَ خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الْحَلْقَةِ لَمْ آمَنْ أَنْ تُخْطَفَ، فَهَلْ رَأَيْتَ شَيْئًا مِنْهُمْ؟ " قُلْتُ: رَأَيْتُ رِجَالًا سُودًا مُسْتَفَزِّينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، قَالَ: "أُولَئِكَ وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ، فَسَأَلُونِي الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَمَتَّعْتُهُمْ بِكُلِّ عَظْمٍ حَائِلٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ بَعْرَةٍ"، قُلْتُ: وَمَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ؟ قَالَ: "إنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَظْمًا إلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ لَحْمَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ أُكِلَ، وَلَا روثة إلا وجدوا فيه حَبَّهَا الَّذِي كَانَ فِيهَا يَوْمَ أُكِلَتْ، فَلَا يَسْتَنْقِي أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَظْمٍ وَلَا بَعْرَةٍ"، انْتَهَى. وَفِي سَنَدِهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ1 ثُمَّ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي نُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ2 الْقَيْنِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا قُحَافَةُ بْنُ رَبِيعَةَ3 حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ:
__________
= ابن سلام، وأبو سلام جدهما هو ممطور الأسود الحبشي كلهم ثقات، وأما عمر بن غيلان، فالصواب عمرو بن غيلان من رجال التهذيب أيضاً، روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وابن مسعود، واختلف في صحبته، وهو الذي قال فيه الدارقطني: مجهول، والحديث رواه الدارقطني ص 29 من طريق معاوية بن سلام مختصراً غاية الاختصار، وتعلق بابن غيلان، كما سبق في الصفحة الماضية.
1 يريد به عمرو بن غيلان الثقفي فقوله: رجل لم يسم بعد ما هو مسمى في حديث أبي نعيم، ليس كما ينبغي.
2 مجهول: ذكره ابن حبان في الثقات.
3 مجهول، ذكره ابن حبان في الثقات.(1/145)
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "أَيُّكُمْ يَتْبَعُنِي إلَى وَفْدِ الْجِنِّ اللَّيْلَةَ؟ " فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ ثَلَاثًا، فَمَرَّ بِي فَأَخَذَ بِيَدِي، فَجَعَلْت أَمْشِي مَعَهُ حَتَّى خَنَسَتْ عَنَّا جِبَالُ الْمَدِينَةِ كُلُّهَا، وَأَفْضَيْنَا إلَى أَرْضٍ بارز، فَإِذَا رِجَالٌ طِوَالٌ كَأَنَّهُمْ الرِّمَاحُ مُسْتَنْفَرِينَ، ثِيَابُهُمْ مِنْ بَيْنِ أَرْجُلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ غَشِيَتْنِي رَعْدَةٌ شَدِيدَةٌ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أُنْكِرَ شُهُودَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَنْكَرَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ، هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ فَذَكَرَهُ إلَى آخِرِهِ بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: لَا، وَسَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: لَيْتَ صَاحِبَنَا كَانَ ذَاكَ، انْتَهَى. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ فِي بَابِ مَنْ كَبُرَ بِالطَّائِفَتَيْنِ: أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، انْتَهَى. وَإِبْرَاهِيمُ أَيْضًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ صِفَةَ أَنْبِذَتِهِمْ الَّتِي كَانَتْ، فَسَاقَ بسنده إلى عائشة، قال: كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ، نَنْبِذُهُ غُدْوَةً فيشربه عشاءاً، وننبذه عشاءاً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً، وَهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ1، ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: تُرَى نَبِيذُكُمْ هَذَا الْخَبِيثُ إنَّمَا كَانَ مَا يُلْقَى فِيهِ تَمَرَاتٌ فَيَصِيرُ حُلْوًا؟، انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ، أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّبِيذِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ التَّمْرَ وَنَحْوَهُ إذَا غَلَبَ وَصْفٌ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى الْمَاءِ، فَأَزَالَ اسْمَهُ يَمْتَنِعُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يُنْبَذُ مِنْ غُدْوَةٍ إلَى الْعِشَاءِ، وَصَارَ حُلْوًا صَارَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "هَلْ مَعَك مَاءٌ؟ " قَالَ: لَا فَدَلَّ أَنَّ الْمَاءَ اسْتَحَالَ فِي التَّمْرِ حَتَّى سَلَبَ عَنْهُ اسْمَ الْمَاءِ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَضَعَّفَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوُضُوءُ لَا فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ، وَقَالَ: إنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ رُوِيَ مِنْ طرق لا تقوم مثلها حُجَّةٌ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنِّي لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ، وَسُئِلَ أَبُو عُبَيْدَةَ هَلْ كَانَ أَبُوكَ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لَا، مَعَ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَلَمْ نَعْتَبِرْ فِيهِ اتِّصَالًا وَلَا انْقِطَاعًا، وَلَكِنَّا احْتَجَجْنَا بِكَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ، لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي تَقَدُّمِهِ فِي الْعِلْمِ، وَمَكَانِهِ مِنْ أَمْرِهِ وَخِلْطَتِهِ بِخَاصَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا مِنْ أُمُورِهِ، فَجَعَلْنَا قَوْلَهُ حُجَّةً فِيهِ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، فَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ الْمَاءِ، وَالْمَرْوِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِهِ إنَّمَا هُوَ
__________
1 في الأشربة ص 168- ج2.(1/146)
- وَهُوَ عليه السلام - غَيْرُ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُهُمْ، فَهُوَ فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ لَهُ بِمَكَّةَ، فَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ثَبَتَ طَرْحُهُمْ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ النَّظَرُ عِنْدَنَا. انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْآثَارِ.
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: إنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا، وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةً، وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ، انْتَهَى. أَمَّا الِاضْطِرَابُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ شَهِدَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ، وَأَمَّا جَهَالَةُ التَّارِيخِ، فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَهْلَ السِّيَرِ ذَكَرُوا أَنَّ قُدُومَ وَفْدِ نَصِيبِينَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ ثَلَاثِ سِنِينَ، قَالَ السُّرُوجِيُّ: وَقَوْلُهُ: لَيْلَةُ الْجِنِّ يُوهِمُ أَنَّهَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وهذا فيه نظر تقرّرعند مُسْلِمٍ1 فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَشْهُورًا، فَلَيْسَ يُرِيدُ الْمَشْهُورَ الِاصْطِلَاحِيَّ، وَأَمَّا عَمَلُ الصَّحَابَةِ فَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: النَّبِيذُ وَضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مَزِيدَةَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ لَيْلَةَ الْجِنِّ: "مَعَكَ مَاءٌ؟ " قَالَ: لَا، إلَّا نَبِيذٌ فِي سَطِيحَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ صُبَّ عَلَيَّ" فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ بِهِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُسْنَدُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنَّ الطَّبَرَانِيَّ فِي مُعْجَمِهِ4 جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَلَفْظُهُمَا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَضَّأَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ بِنَبِيذٍ، فَتَوَضَّأَ، وَقَالَ "مَاءٌ طَهُورٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ كَانَتْ كُتُبُهُ قَدْ احْتَرَقَتْ، وَبَقِيَ يَقْرَأُ مِنْ كُتُبِ غَيْرِهِ، فَصَارَ فِي أَحَادِيثِهِ مَنَاكِيرُ، وَهَذَا مِنْهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيُنْظَرُ لَفْظُهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مَجَاعَةَ عَنْ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا لَمْ يَجِدْ أحدكم ماءاً وَوَجَدَ النَّبِيذَ فَلْيَتَوَضَّأْ بِهِ"،
__________
1 باب الجهر في القراءة في الصبح ص 184- ج1.
2 ص 28، والبيهقي ص 12، وتكلما على الأسانيد.
3 أخرجه ابن ماجه في الطهارة ص32، والطحاوي: في ص57.
4 وكذا أخرجه أحمد في مسنده ص398 عن ابن عباس عن ابن مسعود.(1/147)
انْتَهَى.، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبَانُ: هُوَ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ مَتْرُوكٌ، وَمَجَاعَةُ: ضَعِيفٌ: وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ.
طَرِيقٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ وَاضِحٍ ثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهَمَ فِيهِ الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ، وَالْمَحْفُوظُ مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ سَاقَهُ بِسَنَدِهِ إلَى عِكْرِمَةَ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَمَ فِيهِ الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي ذِكْرِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَفِي ذِكْرِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَحْفُوظُ فِيهِ مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ، كَمَا رَوَاهُ هِقْلُ بْنُ زِيَادٍ. وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ. وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَكَانَ الْمُسَيِّبُ رحمه الله كَثِيرَ الْوَهْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.(1/148)
بَابُ التَّيَمُّمِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ2 عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ"، انْتَهَى. وَطَوَّلَهُ أَبُو داود، قال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ3 وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ طَهُورُ الْمُسْلِمِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ بِهِ بِالطَّرِيقَيْنِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ4 فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ إذْ لَمْ يَجِدَا لِعَمْرٍو رَاوِيًا غَيْرَ أَبِي قِلَابَةَ الْجَرْمِيِّ، انْتَهَى. وَبِالطَّرِيقَيْنِ أَيْضًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ،
__________
1 في الطهور ص 53، والترمذي في الطهور ص 17، والنسائي في الطهور ص 61، والبيهقي: ص 217 - ج 1، وص 212 - ج 1 وص 230.
2 قال الحافظ في التهذيب: ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال في التلخيص ص 57: وغفل ابن القطان، فقال: إنه مجهول، اهـ. قلت: وقال: هو في التقريب - لا يعرف حاله -.
3 لا يوجد - التصحيح - في النسخة المطبوعة، بل - التحسين - فقط، وذكر تصحيح الترمذي، كالزيلعي. وابن المنذري. وابن تيمية في المنتقى أيضاً، وقال ابن حجر في التلخيص: وصحح الحديث أيضاً أبو حاتم.
4 ص 176 - ج 1.(1/148)
هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِلَا شَكٍّ، إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، وَعَمْرُو بْنُ بُجْدَانَ: لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَإِنَّمَا رَوَى عَنْهُ أَبُو قِلَابَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَقَالَ: خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى خَالِدٍ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا أَيُّوبُ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:1عَنْهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي قِلَابَةَ2 وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ رَجُلٍ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، كَقَوْلِ خَالِدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ3: عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُمَا أَحَدًا، فَيَجْعَلُهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ. هَذَا كُلُّهُ اخْتِلَافٌ عَلَى أَيُّوبَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَجَمِيعُهُ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَلَّلَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَمِنْ العجب كون الْقَطَّانِ لَمْ يَكْتَفِ بِتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ فِي مَعْرِفَةِ حَالِ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، مَعَ تَفَرُّدِهِ بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ قَدْ تقل كَلَامَهُ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: هُوَ ثِقَةٌ، أَوْ يُصَحَّحَ لَهُ حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ؟ وَإِنْ كَانَ تَوَقَّفَ عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا أَبُو قِلَابَةَ، فَلَيْسَ هَذَا: بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى كَثْرَةِ الرُّوَاةِ فِي نَفْيِ جَهَالَةِ الْحَالِ، فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُ جَهَالَةَ الْحَالِ بِانْفِرَادِ رَاوٍ وَاحِدٍ عَنْهُ بَعْدَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي تَعْدِيلَهُ، وَهُوَ تَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ كِتَابِ الدَّارَقُطْنِيِّ فَيَنْبَغِي عَلَى طَرِيقَتِهِ. وَطَرِيقَةُ الْفِقْهِ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَوْلِنَا: عَنْ رَجُلٍ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا: عَنْ رَجُلٍ من بين عَامِرٍ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، وَأَمَّا مَنْ أَسْقَطَ ذِكْرَ هَذَا الرَّجُلِ فَيَأْخُذُ بِالزِّيَادَةِ، وَيَحْكُمُ به، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، فَإِنْ كَانَ كُنْيَةً لِعَمْرٍو فَلَا اخْتِلَافَ، وَإِلَّا فَهِيَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ مُخَالِفَةٌ احْتِمَالًا لَا يَقِينًا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَهِيَ مُخَالِفَةٌ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي إسْنَادِهَا عَلَى طَرِيقَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَمْ يُعَلِّلْ بِهَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَّقِ الله وليمسه بشرته"، انتهى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إلَّا مِنْ مُقَدَّمٍ، وَكَانَ ثِقَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ ثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقَدَّمِيُّ بِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ فِي غَنِيمَةٍ بِالْمَدِينَةِ،
__________
1 كابن علية.
2 قلت: في الدارقطني ص 68: عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر، وكذا في مصنف ابن أبي ص 105 - ج 1.
3 هو موسى العمى.(1/149)
فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أبا ذر، فسكت"، فردها عَلَيْهِ، فَسَكَتَ، فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ"، قَالَ: إنِّي جُنُبٌ، فَدَعَا لَهُ الْجَارِيَةَ بِمَاءٍ، فَجَاءَتْهُ بِهِ، فَاسْتَتَرَ بِرَاحِلَتِهِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُجْزِئُكَ الصَّعِيدُ، وَلَوْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ عِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا وَجَدْتَهُ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ إلَّا هِشَامٌ، وَلَا عَنْ هِشَامٍ إلَّا الْقَاسِمُ، تَفَرَّدَ بِهِ مُقَدَّمٌ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ عِلَّةٌ، وَالْمَشْهُورُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَغَيْرُهُ، قَالَ: وَالْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْهِلَالُ الْوَاسِطِيُّ يَرْوِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خيثم، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ مُقَدَّمُ بْنُ يَحْيَى الْوَاسِطِيُّ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي - التَّفْسِيرِ -. وَالتَّوْحِيدِ. وَغَيْرِهِمَا - مِنْ صَحِيحِهِ معتمداً على مَا يَرْوِيه، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانِ عَنْ عبد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ"، انْتَهَى. سَكَتَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ غَيْرَ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانِ، وَهُوَ صَدُوقٌ، وَقَدْ وَقَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. وَهُشَيْمٌ. وَغَيْرُهُمَا. وَمَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَفَعَهُ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانِ، وَقَدْ وقفه يحيى الْقَطَّانِ. وَهُشَيْمٌ. وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ قَالَ: ابْنُ نُمَيْرٍ يُخْطِئُ فِي حَدِيثِهِ كُلِّهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. أَوْ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. وَأَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِأَخْبَارِهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: رَفَعَهُ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانِ، وَالثِّقَاتُ، كَالثَّوْرِيِّ. وَيَحْيَى القطان وقفوه، وضعف عَلِيُّ بْن ظَبْيَانِ عَنْ النَّسَائِيّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمَا عَلَيْهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ. والدارقطني أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد الْحَرَّانِيِّ عَنْ سَالِمٍ. وَنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءً.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ. والدارقطني أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ. وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُد، ضَعِيفَانِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ. وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُد لَيْسَا مِنْ شُرُوطِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَكِنْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الشَّوَاهِدِ، انْتَهَى.(1/150)
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 أَيْضًا. والدارقطني2 فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْمَاطِيِّ ثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةُ لِلذِّرَاعَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ3 وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ4 رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ5 مُتَكَلَّمٌ فِيهِ. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التنقيح تابعاً للشيخ قال الشيخ تَقِيِّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد. وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ. وَغَيْرُهُمَا، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَا: ثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عمارة ثنا الحريش الْخِرِّيتِ عَنْ ابْنِ أَبِي مليكة عن عائشة أن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ. وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْحُرَيْشُ6 رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَخُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَرِيشُ بْنُ الْخِرِّيتِ، فِيهِ نَظَرٌ، قَالَ7: وأنا لا أعرف حاله، فَإِنِّي لَمْ أَعْتَبِرْ حَدِيثَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد8 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ ثَنَا نَافِعٌ قَالَ: انْطَلَقْتُ مع ابن عمرو فِي حَاجَةٍ إلَى ابْنِ عباس، فقضى ابن عمرو حَاجَتَهُ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكٍ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، حَتَّى إذ 1 كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى عَنْهُ، ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ، وَقَالَ: "إنه لم يمنعني من أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ إلَّا أَنِّي لَمْ
__________
1 ص 180، والبيهقي: ص 207.
2 ص 66.
3 وقال الذهبي أيضاً: إسناده صحيح.
4 قلت: وفي الدارقطني ص 66، بعد قوله: رجاله ثقات زيادة، وهو قوله: والصواب موقوف، لكن في تلخيص الجبير ص 56 - ج 1. وفي اللسان في ترجمة عثمان بن محمد قال الدارقطني في حاشية السنن عقيب حديث عثمان بن محمد: كلهم ثقات، والصواب موقوف، اهـ.
5 قال الحافظ في التلخيص وأخطأ ابن الجوزي في ذلك.
6 قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه، وقال الدارقطني: يعتبر به، وقال الساجي فيه: ضعيف، وقال يحيى: ليس به بأس، وقال البخاري في تاريخه: أرجو أن يكون صالحاً، اهـ. تهذيب.
7 أي ابن عدي.
8 في الطهارة في باب التيمم في الحضر ص 53، والطحاوي في باب ذكر الجنب ص 51، والدارقطني: ص 65، والطيالسي: ص 253، والبيهقي: ص 206، وص 215 - ج 1.(1/151)
أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الإمام: ورُدَّت هذه الراوية1 بِالْكَلَامِ فِي مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْمَتِينِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: خُولِفَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي التَّيَمُّمِ وَخَالَفَهُ أَيُّوبُ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ. وَغَيْرُهُمْ، فَقَالُوا: عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَعَلَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ حَدِيثِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَقْوِيَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ مُخَالِفُوهُ، مَعَ الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْبَاطِلِ أَوْ تَضْعِيفِ حَقٍّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ رَفْعَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ ثلبت العبدي، فققد رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ إنَّمَا هُوَ التَّيَمُّمُ فَقَطْ، فَأَمَّا هَذِهِ الْقِصَّةُ فَهِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْهُورَةٌ بِرِوَايَةِ أَبِي الْجَهْمِ، الْحَرْبِ بْنِ الصِّمَّةِ، وَغَيْرِهِ، قَالَ الشَّيْخُ2: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ فِيمَا أَنْكَرَهُ هَذَا الْحَافِظُ، هَلْ هُوَ أَصْلُ الْقِصَّةِ أَوْ رِوَايَتُهَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَوْ رَفْعُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ لِلْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَفِي كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُنْكَرَ إنَّمَا هُوَ رَفْعُ مَسْحِ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، لَا أَصْلَ الْقِصَّةِ وَلَا رِوَايَتَهَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَاَلَّذِي رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ إنَّمَا هُوَ التَّيَمُّمُ فَقَطْ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَأَتَّى رِوَايَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفَةً عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ عِنْدَ مَنْ أَنْكَرَ هُوَ رَفْعَ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَأَنَّ التَّعْلِيلَ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ مَوْقُوفَةً، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْمَشْهُورُ أَصْلَ الْقِصَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْجَهْمِ. وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْمِرْفَقَيْنِ، فَلَيْسَ يَنْفَعُ ذَلِكَ فِي تَقْوِيَةِ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، بَلْ قَدْ عَدَّهُ خُصُومُهُ سَبَبًا لِلتَّضْعِيفِ، وَأَنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ - فِي قِصَّةِ أَبِي جَهْمٍ: وَيَدَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ: وَذِرَاعَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
__________
1 أي حديث ابن عمر، وظن الطحاوي - ص 67 - أن الحديث من مسانيد ابن عباس، والله أعلم.
2 حديث محمد بن ثابت هذا، رواه الطحاوي: ص 51 من طريق أسد. ويحيى بن حسان عن محمد بن ثابت، والدارقطني: ص 65 عن أبي الربيع الزهرني عنه. وأبو داود: ص 53 عن أبي علي أحمد بن إبراهيم عنه. والبيهقي في ص 215 - ج 1 عن يحيى بن يحيى عنه، وعن مسلم بن إبراهيم الأزدي عنه، ص 206، وكلهم ذكروا الذراعين. والضربتين، ورفعوا، ولم يذكروا إلى المرفقين إلا مسلم بن إبراهيم، وقال ابن حزم: محمد بن إبراهيم، ورواه الطيالسي: ص 253 عن محمد بن ثابت، ولفظه: ثم مسح وجهه ويديه، ثم عاد الثانية، ومسح ذراعيه، اهـ. فالمنكر من محمد بن ثابت، أما الضربتان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال أبو داود: قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم قال ابن داسة: قال أبو داود: ولم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورووه مغسل بن عمر، اهـ. أو ذكر الذراعين، كذلك، كما هو المفهوم من عبارة البيهقي: ص 206 - ج 1، فهذه الرواية شاهد لرواية محمد بن ثابت، إلا أنه حفظ فيها الذراعين، ولم يثبتها غيره، اهـ. قلت: فالأولى أن يقول: في كلام البيهقي إشارة إلى أن المنكر رفع - مسح الذراعين - بدل - مسح اليدين إلى المرفقين - والله أعلم.(1/152)
قُلْتُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَقَدْ أَنْكَرَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله، على الْحَدِيثِ، وَرَفْعُهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ، فَقَدْ رَوَاهُ الضَّحَّاكُ بْنُ عثمان محمد بن ثابت رفع هذا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّيَمُّمَ1 وَرَوَاهُ2 يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَاَلَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الذِّرَاعَيْنِ، وَلَكِنَّ تَيَمُّمَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ، وَفَتْوَاهُ بِذَلِكَ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أن حَفِظَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتٍ حَفِظَهُ مِنْ نَافِعٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَإِنِّي تَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، فَقَالَ: اضْرِبْ - هَكَذَا - وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ، فَمَسَحَ بِهَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. والدارقطني4 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ الْأَسْلَعِ، قَالَ: أَرَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَمْسَحُ، فَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ رَفَعَهُمَا لِوَجْهِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ بَاطِنَهُمَا وَظَاهِرَهُمَا حَتَّى مَسَّ بِيَدَيْهِ الْمِرْفَقَيْنِ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ الرَّبِيعُ: فَأَرَانِي أَبِي التَّيَمُّمَ كَمَا أَرَاهُ أَبُوهُ عَنْ الْأَسْلَعِ: ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ. وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، قال الشيخ تقي الدين فِي الْإِمَامِ: وَالرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني: مَتْرُوكٌ، وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيّ: إنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، لَا يَكْفِي فِي الِاحْتِجَاجِ حَتَّى يُنْظَرَ مرتبته. ومرتبته مُشَارِكِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُوَافِقُ مَعَ غَيْرِهِ فِي الرِّوَايَةِ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقُوَّةِ وَالِاحْتِجَاجِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 قلت: كذلك عند مسلم: ص 161، والنسائي: ص 15، وابن ماجه: ص 30، وابن جارود: ص 28 والترمذي: ص 96، وأبو داود: ص 4، وأما عند الطحاوي: ص 51، فذكر التيمم أيضاً، وذكره الحاكم: ص 167: تعليقاً، وفيه الوضوء.
2 هي عند أبي داود، ص 53، والدارقطني: ص 65.
3 ص 180، والبيهقي من طريقه في السنن الكبرى ص 207 - ج 1 بلفظه، والدارقطني: ص 67 من طريق إبراهيم أيضاً والطحاوي: ص 68 عن فهد عن أبي نعيم به، قال البيهقي: إسناده صحيح إلا أنه لم يبين الأمر له بذلك، وقال العييني: أتاه رجل أي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالحديث مرفوع.
4 في ص 66، والبيهقي: ص 208 والطحاوي: ص 67.(1/153)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ1 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْقَوْمِ حِينَ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ فِي الْمَسْحِ بِالتُّرَابِ إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ، فَأُمِرْنَا فَضَرَبْنَا وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ، ثُمَّ ضَرْبَةً أُخْرَى لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارٍ، فَتَابَعُوا ابْنَ إسْحَاقَ، وَرَوَاهُ غَيْرُ واحد الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عِصْمَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي جَهْمٍ، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بِئْرِ جَمَلٍ إمَّا مِنْ غَائِطٍ. وَإِمَّا مِنْ بَوْلٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَضَرَبَ الْحَائِطَ بِيَدِهِ ضَرْبَةً فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ رَدَّ السَّلَامَ، وَأَبُو عِصْمَةَ إنْ كَانَ هُوَ نُوحَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ، فَهُوَ مَتْرُوكٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَكُونُ بِالرِّمَالِ الْأَشْهُرَ: الثَّلَاثَةَ. وَالْأَرْبَعَةَ، وَيَكُونُ فِينَا الْجُنُبُ. وَالنُّفَسَاءُ. وَالْحَائِضُ، وَلَسْنَا نَجِدُ الْمَاءَ، فَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ"، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ لِوَجْهِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثم ضرب أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ3، انْتَهَى. وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ ضَعِيفٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَحَادِيثُ الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ، رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ، فَقَالَ: لَا تُصَلِّ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذْ أَنَا. وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ، فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ ماءاً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَك وَكَفَّيْكَ،؟ " فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ، أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ5 مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا
__________
1 قال الحافظ في الدراية: ص 36 - بإسناد حسن - لكن الحديث أخرجه الطحاوي: ص 66 من طريق ابن إسحاق عن الزهري بهذا الإسناد، وهو من طريق صالح بن كيسان عن الزهري، وكذا أبو داود والنسائي وغيرهم، وممن سواهما عن الزهري بلفظ ضربة لليدين إلى المنكبين.
2 منهم صالح عند أبي داود - والطحاوي.
3 لم أجد إلى المرفقين في المطبوعة.
4 مسلم في: ص 161، واللفظ له، والبخاري: ص 48.
5 البخاري في باب التيمم ضربة، ص 50، ومسلم: ص 161 - ج 1.(1/154)
مَعَ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبِي مُوسَى: فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا كَيْفَ يَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَأَوْشَكَ إذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ الْمَاءُ أن يتيمَّوا بِالصَّعِيدِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى قَوْلِ عَمَّارٍ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ، كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ"، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَوَ لَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ إلَى الْمَنَاكِبِ
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ تَمَسَّحُوا - وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّعِيدِ - لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمْ الصَّعِيدَ، ثُمَّ مَسَحُوا بِوُجُوهِهِمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمْ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى، فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كُلِّهَا إلَى الْمَنَاكِبِ وَالْآبَاطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ لَمْ يُدْرِكْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارٍ مَوْصُولًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارٍ أَتَمَّ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ، قَالَ في: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَشَكَّ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ مَرَّةً: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ مَرَّةً: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ،، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ4 بْنُ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد الله عن بن عباس
__________
1 ص 263 - ج 4، وأبو داود: ص 52، ولفظه: فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين، اهـ. ولفظ المخرج عند ابن جارود في المنتقى ص 67.
2 في باب الاختلاف في كيفية التيمم ص - 60 - ج 1، والطحاوي: ص 66 - ج 1.
3 في التيمم ص 51، والنسائي أيضاً في باب التيمم في السفر ص 60 بسند واحد من حديث يعقوب بن إبراهيم، وأحمد أيضاً: ص 263 - ج 4 عنه به، وطح: ص 66 عن الأوبسي عن إبراهيم به، والبيهقي: ص 208 - ج 1 من طريق أحمد عن يعقوب به.
4 كذا في العلل لكن يجب المراجعة، بل هو محمد بن إسحاق أو عبد الرحمن.(1/155)
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّيَمُّمِ فَقَالَا: هَذَا خَطَأٌ، رَوَاهُ مَالِكٌ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُمَا أَحْفَظُ، فَقُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ يُونُسُ. وَعُقَيْلٌ. وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْكُتُبِ، فَقَالَا: مَالِكٌ صَاحِبُ كِتَابٍ، وَصَاحِبُ حِفْظٍ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّمَا حكى فِعْلُهُمْ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حُكِيَ فِي الْآخَرِ: أَنَّهُ أَجْنَبَ، فَعَلَّمَهُ عليه السلام.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ قوماً جاؤوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إنا كنا قَوْمٌ نَسْكُنُ الرِّمَالَ، وَلَا نَجِدُ الْمَاءَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، وَفِينَا الْجُنُبُ. وَالْحَائِضُ. وَالنُّفَسَاءُ، فَقَالَ عليه السلام: "عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ"، قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَكَذَلِكَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إنَّا نَكُونُ بِالرِّمَالِ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ، وَيَكُونُ فِينَا الْجُنُبُ. وَالنُّفَسَاءُ. وَالْحَائِضُ، وَلَسْنَا نَجِدُ الْمَاءَ، فَقَالَ عليه السلام: "عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ"، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ لِوَجْهِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَمَسَحَ بِهَا عَلَى يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ أَحْمَدُ والرازي1: الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ أَيْضًا: ضَعِيفٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّارُ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَا يُعْلَمُ لِسُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدٍ بِهِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلَا مَاءَ، فَقَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ،
__________
1 وفي نسخة الرازي.
2 في آخر أبواب التيمم ص 50، ومسلم قبيل صلاة المسافرين ص 240 في حديث طويل، والنسائي: ص 61، والدارقطني ص 73.
3 في باب إذا خاف الجنب البرد تيمم ص 54، وعلقه البخاري: ص 49.(1/156)
وَأَنَا فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، ثُمَّ أَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ1. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي أَحَادِيثِ الْكَشَّافِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عمر احْتَلَمَ فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ صَلَّى بهذا الحديث، رواه الْحَاكِمُ2 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُمَا عَلَّلَاهُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَعْنِي لِاخْتِلَافِهِمَا3 وَهِيَ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ: وَلَا تُعَلِّلُ رِوَايَةُ التَّيَمُّمِ رِوَايَةَ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ أَهْلَ مِصْرَ أَعْرَفُ بِحَدِيثِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَعْنِي أَنَّ رِوَايَةَ الْوُضُوءِ يَرْوِيهَا مِصْرِيٌّ عَنْ مِصْرِيٍّ، وَالتَّيَمُّمِ بَصْرِيٌّ عَنْ مِصْرِيٍّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّيَمُّمَ. وَالْوُضُوءَ وَقَعَا، فَغَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ، وَتَوَضَّأَ. وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، قال النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، مُتَعَيِّنٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ لِلْجِنَازَةِ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ الْيَمَانِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا فَجِئْتُكَ الْجِنَازَةُ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَتَيَمَّمْ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا مَرْفُوعًا غَيْرَ مَحْفُوظٍ، وَالْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ أَحْمَدُ: مُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَكُلُّ حَدِيثٍ رَفَعَهُ فَهُوَ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ4: الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفٌ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ عَطَاءٍ لَا يُسْنِدُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْيَمَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ
__________
1 في باب عدم الغسل للجنابة في شدة البرد: ص 177، وقوله: على شرط الشيخين ليس في النسخة المطبوعة، وهذه الرواية متأخرة وضعاً في - النسخة المطبوعة الهندية - من رواه غسل المغابن والوضوء ورواه الدارقطني: ص 65.
2 ص 177 - ج 1، والبيهقي: ص 266، والدارقطني: ص 65، وأبو داود: ص 54.
3 أي في زيادة أبي قيس بين عبد الرحمن بن جبير. وعمرو بن العاص، كما هي في رواية غسل المغابن والوضوء وعدم ذكره، كما في رواية أخرى، قلت: قال الشيخ علاء الدين في الجوهر ص 225 - ج 1: قد ذكر البيهقي في الخلافيات أن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع الحديث من عمرو بن العاص، اهـ. وقال السيوطي في التدريب ص 201: الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بحرف عن فينبغي أن يجعل منقطعاً، اهـ. ونحوه في التوجيه ص 263.
4 ومثله في السنن الكبرى: ص 231 - ج 1 أيضاً، قال الشيخ علاء الدين في الجوهر ص 231 - ج 1، قلت: المغيرة أخرج له الحاكم في المستدرك وأصحاب السنن الأربعة، وثقه وكيع. وابن معين. وعنه ليس به بأس، وعنه له حديث واحد منكر، وثقه أحمد بن عبد الله. ويعقوب بن سفيان، وابن عمار، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه مستقيم، إلا أنه يقع في حديثه كما يقع في حديث من ليس به بأس، من الغلط، ثم رواية ابن جريج لا تعارض روايته، لأن عطاء كان فقيهاً، فيجوز أن يكون يفتي بذلك فسمعه ابن جريج، ورواه مرة أخرى عن ابن عباس، فسمعه المغيرة، وبذا روى من تغليظ المغيرة، والإنكار عليه، اهـ. قلت: المغيرة وثقه غير ما ذكره الشيخ أيضاً، وقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام.(1/157)
وَكِيعٍ عَنْ مُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ مُغِيرَةَ، فَارْتَقَى دَرَجَةً أُخْرَى، فَبَلَغَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْيَمَانُ بْنُ سَعِيدٍ: ضَعِيفٌ، وَرَفْعُهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ1 الْمَوْصِلِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إذَا خِفْتَ أَنْ تَفُوتَكَ الْجِنَازَةُ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَتَيَمَّمْ وَصَلِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ2 فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى عَنْ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ مُغِيرَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَة نَحْوَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فَصَلِّ عَلَيْهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. وَابْنُ أَبِي مَذْعُورٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى عَلَيْهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا لَا أَعْلَمُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ بِخِلَافِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ تَعَلَّقَ مَنْ أَجَازَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بِحَدِيثِ4: جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا أَوْ بِحَدِيثِ5 عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ وَتَعَلَّقَ6 مَنْ اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى التُّرَابِ بِمَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ وَفِيهِ: وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ"، وَفِي لَفْظِ الدَّارَقُطْنِيِّ: "جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَتُرَابُهَا طَهُورًا"، وَكَذَلِكَ عند البيهقي ترابها روى أَحْمَدُ. وَالْبَيْهَقِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ عن
__________
1 وعن عمر بن أيوب عن ابن جريج عن عطاء موقوفاً ص 107 - ج 1.
2 في باب الجنب والحائض وقراءة القرآن ص 52 - ج 1 ولفظه عن ابن عباس: في الرجل تفجأه الجنازة، الحديث. وأخرج الطحاوي عن الزهري. والشعبي. وإبراهيم. والحسن. وعطاء. والليث. والحكم مثله.
3 في كتاب المعرفة.
4 حديث جابر أخرجه البخاري في التيمم: ص 48، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ص 199 - ج 1، وبحديث أبي هريرة عند مسلم: ص 199 في المساجد وبحديث أنس عن ابن جارود: ص 66، ولفظه: جعلت لي الأرض طيبة مسجداً وطهوراً، اهـ.
5 أي بحديث أبيهرة عند البيهقي: ص 215 - ج 1 عليكم بالأرض، وفي بعض الروايات عليكم بالتراب.
6 قال ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام ص 115 - ج 1: والذين خصوا التيمم بالتراب استدلوا بما جاء في الحديث الآخر وجعلت تربتها لنا طهوراً وهذا خاص ينبغي أن يحمل عليه العام، وتختص الطهورية بالتراب، واعترض على هذا بوجوه: منها منع كون التربة مرادفة للتراب، وادعى أن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره مما يقاربه، ومنها أنه مفهوم لقب أعني تعليق الحكم بالتربة ومفهوم معمول به لكان الحديث الآخر بمنطوقه يدل على طهوريته بقية أجزاء الأرض، ودلالة المنطوق مقدم على المفهوم، راجع له بدائع الفوائد ص 292، ونيل الأوطار ص 127 - ج 1.(1/158)
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ"، فَقُلْنَا: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا"، وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ خِلَافٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الصَّعِيدُ الْحَرْثُ، حَرْثُ الْأَرْضِ، وَرَوَاهُ مِنْ جِهَةِ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَطْيَبُ الصَّعِيدِ حَرْثُ الْأَرْضِ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. وَغَيْرِهِ: بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي هِيَ: الرَّمْلُ. وَالْجِصُّ. وَالْكُحْلُ. وَالنُّورَةُ. وَغَيْرُهَا فِي الْأَرْضِ لَا مِنْ الْأَرْضِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالتُّرَابِ مِنْ أَرْضِكُمْ، وَيَكْشِفُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالتُّرَابِ، هَذَا مَعَ ضَعْفِهِ، فَإِنَّ فِيهِ الْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاحِ، قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ: لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، وَلَهُمْ فِيهِ جَوَابٌ آخَرُ، قَالُوا: إنَّ رِمَالَهُمْ مَخْلُوطَةٌ بِالتُّرَابِ، وَإِلَّا لَمَا نَبَتَ فِيهَا زَرْعٌ وَلَا ثَمَرٌ، وَهُمْ يُجَوِّزُونَ التَّيَمُّمَ بِتُرَابِ الْمَخْلُوطِ.
أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَكْثَرُ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ: مَتْرُوكٌ، وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ فِي جُمْلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ هُشَيْمِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ1 عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ يُحْدِثُ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمًا، قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ قَتَادَةُ يَأْخُذُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ هَذَا مُرْسَلٌ، وَلِأَصْحَابِنَا حَدِيثُ التَّيَمُّمُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ.
أَحَادِيثُ مَنْ لَمْ يَجِدْ مُطَهِّرًا تَعَلَّقَ مَنْ قَالَ: يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، بِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْد بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا، مَا تُرِكَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3
__________
1 وقال البيهقي في ص 233: الحارث لا يحتج به.
2 البخاري في باب استعارة الثياب للعرس ص 756، ومسلم في التيمم ص 160 - ج 1 والنسائي: ص 61، والطحاوي: ص 66.
3 البخاري في الاعتصام ص 1082، ومسلم في - الفضائل - في باب توقير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ص 262 - ج 2.(1/159)
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ تَعَلَّقَ مِنْ الْعُلَمَاءِ1 فِيمَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ لِيَسْتَعْمِلَهُ، وَتَعَلَّقَ مَنْ قَالَ: لَا يُصَلِّي عِنْدَ عَدَمِ الْمُطَهِّرِ، بِحَدِيثِ2 لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَبِحَدِيثِ3 لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الطُّهُورِ.
أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْمَاءِ قَدْ يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، وليس معهما ماءاً فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثم وجد الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ، وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: "أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ"، وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ فَأَعَادَ: "لَك الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَغَيْرُ ابْنِ نَافِعٍ يَرْوِيهِ عَنْ اللَّيْثِ بن عَمِيرَةَ بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ مرسلاً، وذكر أبو سَعِيدٍ فِيهِ وَهْمٌ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: فَاَلَّذِي أَسْنَدَهُ أَسْقَطَ مِنْ الْإِسْنَادِ رَجُلًا، وَهُوَ عَمِيرَةُ فَيَصِيرُ مُنْقَطِعًا، وَاَلَّذِي يُرْسِلُهُ فِيهِ مَعَ الْإِرْسَالِ عَمِيرَةُ، وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ، قَالَ: لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. وَعَمِيرَةِ بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا فِي سَفَرٍ، الْحَدِيثُ قَالَ: فَوَصَلَهُ مَا بَيْنَ اللَّيْثِ. وَبَكْرٍ بِعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَقَرَنَهُ بِعَمِيرَةَ، وَأَسْنَدَهُ بِذِكْرِ أَبِي سَعِيدٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ تَيَمَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ الْمَاءَ مِنْكَ قَرِيبٌ، قَالَ: "فَلَعَلِّي لَا أَبْلُغُهُ"، انْتَهَى.
فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ رَافِعٌ أَوْ مُبِيحٌ. وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ، حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ5
__________
1 تعلق به ابن حزم في المحلى ص 137 - ج 2.
2 أخرجه: مسلم في الطهارة ص 119، وأصحاب السنن من حديث ابن عمر.
3 أخرجه البخاري في الطهارة ص 25، ومسلم: ص 119 من حديث أبي هريرة.
4 في باب المتيمم يجد الماء بعد ما صلى في الوقت ص 55 - ج 1، وأخرجه النسائي في التيمم ص 75 مسنداً ومرسلاً.
5 عن جابر، تقدم تخريجه - في - أحاديث التيمم - بأجزاء الأرض.(1/160)
"وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مسجداً أو طهوراً"، وَحَدِيثُ السُّنَنِ1 الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ وَتَكَلَّفَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ: بِأَنَّ مَعْنَاهُمَا أَنَّ التُّرَابَ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّهُورِ فِي إبَاحَةِ الصَّلَاةِ، قَالُوا: وَلَوْ كَانَ طَهُورًا حَقِيقَةً لَمَا احْتَاجَ الْجُنُبُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ أَنْ يَغْتَسِلَ، ثُمَّ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الحصين2 أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ؟ " قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ"، وَاشْتَكَى إلَيْهِ النَّاسُ الْعَطَشَ فَدَعَا عَلِيًّا. وَآخَرَ، فَقَالَ: "أَبْغِيَا الْمَاءَ"، فَذَهَبَا فَجَاءَا بِامْرَأَةٍ مَعَهَا مَزَادَتَانِ، فَأَفْرَغَ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ، فَسَقَى وَاسْتَسْقَى، وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الجنابة من إنَاءً مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ"، انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاجَلَهُ بِالْمَاءِ3 قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ، إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَيَمَّمَ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ عليه السلام أَمَرَهُ بِالِاغْتِسَالِ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد4 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، وَأَنَا فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، ثُمَّ أَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَلَوْ كَانَ الِاغْتِسَالُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِهِ.
فَائِدَةٌ فِي ذِكْرِ وَهْمٍ، وَقَعَ لِعَبْدِ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ ذَكَرَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ بَيَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَسْحُ التَّيَمُّمِ هَكَذَا"، وَوَصَفَ صَالِحُ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ إلَى جَبْهَتِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا خَطَأٌ، وَتَصْحِيفٌ حَقَّقَهُ عَلَيْهِ إدْخَالُهُ إيَّاهُ فِي التَّيَمُّمِ إذْ لَمْ يُسْمَعْ فِي رِوَايَةٍ وَلَا فِي رَأْيٍ يُمْسَحُ الرَّأْسُ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَسْحُ الْيَتِيمِ، وَلَوْ قَرَأَ آخِرَ الْحَدِيثِ لَتَبَيَّنَ لَهُ سُوءُ نَقْلِهِ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْبَصْرَةِ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَسْحُ الْيَتِيمِ هَكَذَا وَوَصَفَ صَالِحُ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ إلَى جَبْهَتِهِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَهَكَذَا، وَوَصَفَ صَالِحُ مِنْ جَبْهَتِهِ إلَى وَسَطِ
__________
1 من حديث أبي ذر تقدم تخريجه في أول كتاب التيمم.
2 حديث عمران هذا أخرجه البخاري: ص 449، ومسلم ص 240، تقدم تخريجه.
3 فيه ما في البخاري في علامات النبوة ص 504، فأمره أن يتيمم بالصعيد، ثم صلى، وأصرح منه ما عند مسلم: ص 204 قبل صلاة المسافرين، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتيمم بالصعيد، فصلى، وما في الدارقطني ص 74، فتيمم الصعيد، فصلى، وإذا قدرت على الماء فاغتسل، اهـ. وفي الطبراني الصغير ص 151 في حديث قوله عليه السلام: "تيمم بالصعيد، ثم صل، فإذا أتيت الماء فاغتسل".
4 في باب الجنب إذا خاف البرد ص 54، تقدم تخريجه.(1/161)
رَأْسِهِ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لَيْسَ يُعْرَفُ بِالنَّقْلِ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ الْعُقَيْلِيِّ كَذَلِكَ، وَمِنْهُمْ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّ التَّصْحِيفَ مِنْ الْعُقَيْلِيِّ، فَإِنَّ الْعُقَيْلِيَّ إنَّمَا يُتَرْجِمُ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ. وَعَبْدُ الْحَقِّ إنَّمَا تَحَقَّقَ وَهْمُهُ بِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ بَيْنَ أَحَادِيثِ التَّيَمُّمِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَتِيمُ، فَقَالَ الْبَزَّارُ لَمَّا رَوَاهُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَلِذَلِكَ كَتَبْنَاهُ إذْ لَمْ يُشَارِكْ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْخَطِيبُ1 فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَقَالَ: لَا يُحْفَظُ لَهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِجَرْحٍ، وَلَا تَعْدِيلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 ص 291 لفظه: امسح رأس اليتيم هكذا إلى مقدم رأسه، ومن كان له أب هكذا إلى مؤخرة رأسه، اهـ.(1/162)
بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
قَوْلُهُ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ، وَالْأَخْبَارُ مُسْتَفِيضَةٌ، قُلْت: قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِذْكَارِ: رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَفِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا تَيَسَّرَ لِي وُجُودُهُ، مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ، وَأَبْدَأ بِالْأَصَحِّ فَالْأَصَحِّ، فَأَقُولُ: مِنْهَا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّهُ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، قَالَ الْأَعْمَشُ: قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ، لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ3 فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ، انْتَهَى.
هَكَذَا أَخْرَجُوهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، إلَّا أَبَا دَاوُد، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، أَنَّ جَرِيرًا، بَال ثُمَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ؟ وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ، قَالُوا: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ قَالَ: مَا أَسْلَمْت إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، إنَّمَا أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ جَرِيرٍ، وَفِيهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ حَدِيثُ جَرِيرٍ، لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ نُزُولِ
__________
2 أخرجه مسلم في الطهارة: ص 132، والنسائي: ص 31، والترمذي: ص 14، وأبو داود: ص 23، وابن ماجه ص 41.
3 قوله: في لفظ للبخاري، أقول: لو قال: في لفظ البخاري، لكان أحسن، لأن الحديث ليس فيه إلا في باب الصلاة في الخفاف ص 56، في موضع واحد.(1/162)
الْمَائِدَةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ وَرَدَ مُؤَرَّخًا بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُوحِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شَيْبَانُ بْنِ فَرُّوخَ1 عَنْ حَرْبِ بْنِ شُرَيْحٍ2 عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَذَهَبَ عليه السلام يَتَبَرَّزُ، فَرَجَعَ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَمِنْهَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ3 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فأتبعه المغيرة بن شعبة بأدواة فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَزَادَ فِيهِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ؟ قَالَ: "لَا بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ، بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ"، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ فَزَادَ فِيهِ التَّوْقِيتَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن علي التسنوي عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بْنِ ذُرَيْحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَى خِفَافِنَا، لِلْمُسَافِرِ ثلاثة أيام وليالهن، وَالْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، مَا لَمْ نَخْلَعْ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، إذَا حَدَّثَكَ سَعْدٌ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَسْأَلْ غَيْرَهُ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ6 أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ: كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا فَتَنَحَّيْت، فَقَالَ: "ادْنُهْ"، فَدَنَوْت حَتَّى قُمْت عِنْدَ عَقِبِهِ، فَتَوَضَّأَ ومسح على خفيه، رواه الْبُخَارِيُّ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ. وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ وَفِيهِ: فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ بِلَالٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ7 عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ
__________
1 في التقريب. والميزان شيبان بن فروخ، صدوق يهم.
2 في الميزان حرب بن شريح، وفيالتقريب حرب بن سريج - بالسين المهملة، وبالجيم - في آخره وقال: صدوق.
3 البخاري في - الطهارة - في باب المسح على الخفين ص 32، ومسلم في باب المسح على الخفين ص 133، ولفظه: توضأ على خفيه، والنسائي: ص 31، والترمذي: ص 15، وأبو داود: ص 23، مع الزيادة التي في المستدرك وابن ماجه: ص 42، وابن أبي شيبة: ص 118، وص 119، وص 120.
4 في باب المسح على الخفين ص 33، والنسائي: ص 31، وابن ماجه: ص 42.
5 في باب المسح على الخفين ص 33، والنسائي: ص 31، وابن ماجه: ص 42، وابن أبي شيبة ص 120.
6 أخرجه مسلم ص 133، وابن ماجه: ص 41، وابن أبي شيبة: ص 118، ومحلى ص 81 - ج 2.
7 ص 134، وأبو داود: ص 23 والنسائي: ص 31، وص 29، وابن ماجه: ص 42، والترمذي: ص 15. والحاكم: ص 170 بلفظ: العمامة. والموقين، وابن أبي شيبة ص 118، وص 119.(1/163)
عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْخِمَارِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِقِصَّةٍ فِيهَا فَائِدَةُ حُسْنِهِ1. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، وَمِنْهَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ صَنَعْت الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، فَقَالَ: "عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، عَلَى رَسْمِ الْجَمَاعَةِ، إلَّا الْبُخَارِيَّ فِي سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّجَّاشِيَّ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ فَلَبِسَهُمَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حديث حسن إنما يعرفه مِنْ حَدِيثِ دَلْهَمٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ حُجَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ، وَذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ في مختصره: ورواه أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ، فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ3 مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: ائْتِ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: "جَعَلَ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا"، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ في الحديث الأول، ومنه حَدِيثُ صَفْوَانَ4 بْنِ عَسَّالٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّهُ سَأَلَ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ. وَبَوْلٍ. وَنَوْمٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْهَا حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، أخرجه أبو داود. وتر. وَابْنُ مَاجَهْ5 عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ
__________
1 وهي المسح في الحضر، لأنه لم يقع في حديث غير هذا، كذا أفاد ابن حجر.
2 أخرجه مسلم في باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد ص 135، وأبو داود: ص 23، وابن ماجه: ص 42 والترمذي في - اللباس - في باب الخف الأسود ص 105 - ج 2، وابن أبي شيبة: ص 118، والنسائي.
3 ص 135، والنسائي: ص 32، وابن ماجه: ص 42، والدارقطني: ص 75.
4 أخرجه الترمذي: ص 14، والنسائي: ص 32، وابن أبي شيبة: ص 119. والطبراني في الصغير: ص 39، وابن ماجه ص 37 في باب الوضوء من النوم.
5 وابن أبي شيبة: ص 118، وأخرجه الطحاوي في: ص 50، وفي رواية زاد: أنه جعل ذلك في غزوة تبوك اهـ.(1/164)
صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي، وَمِنْهَا حَدِيثُ ثَوْبَانَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمْ الْبَرْدُ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ، وَثَوْرٌ لَمْ يَرْوِ لَهُ مُسْلِمٌ، بَلْ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَرَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاشِدٌ سَمِعَ مِنْ ثَوْبَانَ، لِأَنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ رَاشِدًا شَهِدَ مَعَ مُعَاوِيَةَ صِفِّينَ، وَثَوْبَانُ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَمَاتَ رَاشِدٌ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَالْعِجْلِيُّ. وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ. وَالنَّسَائِيُّ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ حَزْمٍ، فَضَعَّفَهُ، وَالْحَقُّ مَعَهُمْ، وَالْعَصَائِبُ: الْعَمَائِمُ، وَالتَّسَاخِينُ: الْخِفَافُ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِيهِ4، قَالَ: رَأَيْت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح عَلَى خُفَّيْهِ. وَعَلَى الْخِمَارِ، وَالْعِمَامَةِ، انْتَهَى. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَالْخِمَارُ: الْعِمَامَةُ، هَكَذَا وَجَدْته، وَمِنْهَا حَدِيثُ أُسَامَةَ5 بْنِ زَيْدٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِلَالٌ الْأَسْوَافَ، فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، قَالَ أُسَامَةُ: فَسَأَلْت بِلَالًا مَا صَنَعَ؟ فَقَالَ بِلَالٌ: ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ صَلَّى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَقَدْ احْتَجَّ بِدَاوُد بْنِ قَيْسٍ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ6 وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ: الْأَسْوَافُ7 حَائِطٌ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: وَسَمِعْت يُونُسَ يَقُولُ: لَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ غَيْرَ هَذَا، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ8 مِنْ حَدِيثِ بُكَيْر بْنِ عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، زَعَمَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ مَشَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ، فَأَتَى بَعْضَ تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَتَوَضَّأَ، وَخَلَعَ الْخُفَّيْنِ، فَلَمَّا لَبِسَ خُفَّيْهِ وَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ رِيحًا فَعَادَ، ثُمَّ خَرَجَ فَتَوَضَّأَ،
__________
1 في باب المسح على العمامة ص 21.
2 ص 277 - ج 5.
3 ص 169 من طريق أحمد بن حنبل.
4 روى أحمد في مسنده ص 281 - ج 5: ثنا الحسن بن سوار ثنا ليث بن سعد عن معاوية عن عتبة أبي أمية الدمشقي عن أبي سلام الأسود عن ثوبان أنه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على الخفين وعلى الخمار، ثم العمامة، اهـ.
5 أخرجه النسائي: ص 31 بلفظه.
6 وفي السنن الكبرى ص 275 - ج 1 أيضاً.
7 وكذا قال البيهقي في السنن الكبرى ص 275.
8 لكن في البيهقي ص 271 من حديث بكير عن عبد الرحمن حدثني المغيرة أنه سافر مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وادياً فقضى حاجته، ثم خرج فتوضأ، ومسح على خفيه، الحديث، فلينظر هل المشي في المدينة من بكير أو عمن دونه.(1/165)
وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقُلْت: أَنْسَيْت يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتَ نَسِيت، بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي"، انْتَهَى. وَبُكَيْر بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ كُوفِيٌّ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَالِحُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِكَثِيرِ الرِّوَايَةِ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَتْنًا مُنْكَرًا، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ - وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - لَيْسَ بِقَوِيٍّ، انْتَهَى. وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ بِالْمَدِينَةِ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا لَيْسَ فِيهِ: بِالْمَدِينَةِ، إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَنْ جعل الْحَدِيثَ دَلِيلًا عَلَى الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَوْلُهُ: بِالْمَدِينَةِ - مِنْ حَيْثُ إنَّ السُّبَاطَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْحَضَرِ - لَمْ يُحْسِنْ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كون السباطة الْحَضَرِ أَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: إنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ سَعْدٌ لِعُمَرَ: أَفْتِ ابْنَ أَخِي فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: كُنَّا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمْسَحُ عَلَى خِفَافِنَا لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَإِنْ جَاءَ من الغائط؟ اقل: نَعَمْ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ حِبَّانَ رَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سوار مشهور، أخرج لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَبَاقِي الْإِسْنَادِ أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ الْمَسْحِ، فَقَالَ عمر: سمع رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَأْمُرُنَا بِالْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ الْخُفِّ، لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَلِلْمُقِيمِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِ الْخِفَافِ إذَا لَبِسَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ التَّوْقِيتُ عَنْ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ التَّوْقِيتَ، وَخَالِدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْعُمَرِيِّ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ2 وَقَالَ: زَادَ خَالِدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِيهِ التَّوْقِيتَ، وَزَادَ فِيهِ: عَلَى ظَهْرِ الْخُفِّ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِمَا غَيْرُهُ، وَخَالِدٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. قُلْت: ذَكَرَهُ ابْن
__________
1 ص 274، وابن حزم في المحلى ص 81 - ج 2، تابع فيه أبو الأحوص، هو سلام بن سليم الحنفي الحافظ الكوفي، فانتهى إلى سباطة ناس، الحديث.
2 قلت: رواه الدارقطني في سننه،71(1/166)
حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أبيّ عُمَارَةَ1 أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟، قَالَ: "نعم"، قال: يوم؟ قَالَ: وَيَوْمَيْنِ، قَالَ: وَثَلَاثًا؟ حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا، قَالَ لَهُ: "وَمَا بَدَا لَك"، انْتَهَى. وَأُبَيُّ بْنُ عُمَارَةَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: لَمْ يُنْسَبْ إلَى وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِهِ جَرْحٌ، انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَمَرَنَا بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَعَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسٍ: اسْتَضْعَفَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ3 بِطَرِيقٍ أَجْوَدَ مِنْ هَذِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ. وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَبُولُ بَوْلَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ يَكَاد أَنْ يَسْبِقَهُ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْت: أَلَا تَنْزِعُ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، رَأَيْت خَيْرًا مِنِّي وَمِنْك يَفْعَلُ هذا، رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله، وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، فَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ. وَعَبْدُ الْعَزِيزِ. وَأَبُوهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، وَشُيُوخُ ابْنِ السَّكَنِ هَؤُلَاءِ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ ثنا عُمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: "هَلْ مِنْ مَاءٍ؟ " فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ لَحِقَ بِالْجَيْشِ فَأَمَّهُمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثنا عُمَرُ. وَأَبُو زُرْعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الْأَلْهَانِيُّ5: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الحنفي حدثني سليمان التميمي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: وَضَّأْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ:
__________
1 والدارقطني: ص 72، والطحاوي: ص 48 والبيهقي: ص 279 - ج 1، وابن أبي شيبة: ص 119.
2 ص 170.
3 قال الحافظ في الدراية: بإسناد صحيح.
4 وروى للدارقطني. ص 75 عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة" اهـ. ورواه الحاكم في المستدرك ص 181، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
5 وفي نسخة الصبني، حاشية الطبع القديم.(1/167)
سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثنا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مُنْذُ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْمَائِدَةِ حَتَّى لَحِقَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ولياليهن للمسافر. وللمقيم، يوم وَلَيْلَةً. وَمِنْهَا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ1. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالْبَزَّارُ2. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ3 وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ عَوْفٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ تَفَرَّدَ بِهِ هُشَيْمِ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: دَاوُد بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مُقَارِبُ الْحَدِيثِ فِي مَسَانِيدِهِمْ أَخْبَرَنَا هُشَيْمِ عَنْ دَاوُد بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ عَائِذٍ الله عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ولياليهن للمسافر، ويوم وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مِنْ أَجْوَدِ حَدِيثٍ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لِأَنَّهُ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ - وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ4 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ5 عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ أَيُّ حَدِيثٍ أَصَحُّ عِنْدَك فِي التَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ6 ثُمَّ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بِئْسَ مَالِي إنْ كَانَ مَهْنَأَةً لكم، وماثمة عَلَيَّ؟ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَيَأْمُرُ بِهِ، وَلَكِنْ حُبِّبَ إلَيَّ الْوُضُوءُ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي
__________
1 أخرجه ص 27 - ج 6، والطحاوي: ص 50، والدارقطني: ص 72، والبيهقي: ص 275، وابن أبي شيبة: ص 117.
2 ورجاله رجال الصحيح.
3 وفي الزوائد ص 106.
4 وابن ماجه: ص 41 بطوله، وابن جارود: ص 49، والدارقطني: ص 71، وص 75، وابن أبي شيبة: ص 120.
5 ص 276، و281.
6 وأحمد بن حنبل في مسنده ص 421 - ج 5 من طريق علي بن مدرك عن أبي أيوب، ورجاله موثقون، وابن أبي شيبة: في ص 117، هشيم نا منصور عن ابن سيرين عن أفلح مولى أبي أيوب عن أبي أيوب أنه كان يأمر بالمسح، الحديث، والبيهقي في سننه: ص 293 - ج 1 من طريق هشيم أيضاً.(1/168)
سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثنا أَبَانُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ حَدَّثَنِي مَوْلًى لِأَبِي هُرَيْرَةَ، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: أَنَا أَبُو وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَضِّئْنِي" فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ، فَاسْتَنْجَى، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التُّرَابِ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ رِجْلَيْك لَمْ تَغْسِلْهُمَا، قَالَ: "إنِّي أَدْخَلْتُهُمَا. وَهُمَا طَاهِرَتَانِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِمَا حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمَ الثُّمَالِيُّ أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كما يجب أَنْ يُؤْخَذَ بِفَرِيضَتِهِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالطُّهُورُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: "لِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ"، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ ابْنِ مَاجَهْ،1 وَلَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ ثُمَّ قَالَ: وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثُّمَالِيُّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَ: وَقَدْ ضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ كُلَّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْحِ، انْتَهَى. وَعُمَرُ بْنُ أَبِي خَثْعَمَ2 قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ3 عَنْ خَصِيفٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْهُ4 أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَلَفْظُهُ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي، وَسَكَتَ عَنْهُ. وَمِنْهَا حَدِيثُ سَلْمَانَ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ5 فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ: عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا تَوَضَّأَ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ
__________
1 قلت: أما في نسختنا المطبوعة، فهذا الحديث موجود، ص 41 عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله ما الطهور على الخفين؟ قال: "للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة" اهـ.
2 هو عمر بن عبد الله بن أبي خثعم.
3 والطبراني في الكبير بلفظ: ما زال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين حتى قبضه الله عز وجل، وفيه محمد بن أبي ليلى، وهو ضعيف لسوء حفظه، قاله في الزوائد ص 105.
4 والطبراني في الأوسط واسناده حسن إن شاء الله، قال الهيثمي في الزوائد ص 104، وأخرج ابن ماجه: ص 41 عن جابر، قال: مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل يتوضأ ويغسل خفيه، فقال بيده: كأنه دفعه، إنما أمرت بالمسح، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده هكذا، من أطراف الأصابع إلى أصل الساق، وخطط بالأصابع، اهـ. وابن أبي شيبة في: ص 121 من طريق أبي عبيدة، بلفظ الترمذي: ص 121.
5 وابن ماجه في سننه: ص 41، وابن أبي شيبة: ص 119.(1/169)
يَمْسَحَ عليهما، قال سَلْمَانُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، وَعَلَى خِمَارِهِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ هِنْدٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ وَأَعَلَّهُ بِالْوَاقِدِيِّ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ ثنا الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَارِبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي السَّفَرِ لَا نَنْزِعُ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَنَكُونُ مَعَهُ في الحضر نمسح عَلَى خِفَافِنَا يَوْمًا وَلَيْلَةً، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ3 عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الخفين حَتَّى قُبِضَ، انْتَهَى. وَضُعِّفَ سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ أَبِي عَوْسَجَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ4 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيُّ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَرْمٍ عَنْ عَوْسَجَةَ5 بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ ثنا مَهْدِيُّ بْنُ حَفْصٍ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ بِهِ6 عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي عَوْسَجَةَ، قَالَ: سَافَرْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ:7أَخْطَأَ فِيهِ مَهْدِيٌّ، فَقَالَ: سَافَرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا سَافَرَ مَعَ عَلِيٍّ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيُّ الَّتِي أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ تُبْرِئُ مَهْدِيًّا مِنْ نِسْبَةِ
__________
1 قال في الزوائد ص 105: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.
2 رواه الطبراني في الكبير وفيه عمر بن عبد الله بن يعلى ضعيف، قاله الهيثمي.
3 والطبراني في الأوسط. والكبير وفيه الضبي بن الأشعث، وله مناكير، قاله الهيثمي.
4 في معجمه الكبير قاله الشيخ في الزوائد.
5 قال الهيثمي: لم أجد من ذكره.
6 أي بهذا الإسناد، هو أبو الأحوص عن سليمان بن قرم عن عوسجة ابن مسلم عن أبيه، الحديث.
7 قال الحافظ في الإصابة ص 417 - ج 3 في ترجمة مسلم والدعوسجة، ما نصه: قال البغوي: لم يسنده غير مهدي، وهو خطأ، وأخرجه ابن أبي خيثمة عن مهدي. وابن السكن من طريقه، قال البغوي: الصواب عن عوسجة عن عبد الله بن مسعود، وقال ابن السكن: الصواب من فعل عبد الله، وقد رواه عنه مهدي عن أبي الأحوص، فقال: عن سليمان عن عوسجة عن أبيه، قال: سافرت مع عبد الله بن مسعود، قلت: فقد أخرجه الطبراني، ثم ذكر حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر بإسناده.(1/170)
الْخَطَإِ إلَيْهِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ1 مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ2 عن ابن ابن أَوْسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الْأَعْرَابِ، قَالَ: فَقَامَ أبي أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، قَالَ: فَقُلْت لَهُ: أَلَا تَخْلَعُهَا؟ قَالَ: لَا أَزِيدُك عَلَى مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ يَسَارٍ، أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَنْسِيِّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ: "ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِالْهَيْثَمِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يُسَيْرٍ3، وَيُقَالُ: ابْنُ أُسَيْرٍ مَوْلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا نَمْسَحُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَفِي السَّفَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي لَفْظٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4 قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ: "لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ" وَضُعِّفَ سُلَيْمَانُ هَذَا، عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ قَالَ هُوَ: وَهُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الصِّدْقِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد5 ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ أُمِّ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى مَنْ أَسَلَفَ مَالًا زَكَاةٌ"، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَضُعِّفَ مُحَمَّدُ بْنُ زَاذَانَ، وَأُسْنِدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَكَرِيَّا أَبِي عَمْرٍو الْمَدَائِنِيِّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ، فَذَكَرَهُ، وَمِنْهَا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، رَوَاهُ أَسْلَمُ6 بْنُ سَهْلٍ الواسطي المعروف بـ - بحشل7 - فِي كِتَابِهِ تَارِيخُ وَاسِطَ
__________
1 ورجاله موثقون زوائد ص 104.
2 أخرجه أبو داود: ص 24، وصورة الإسناد هكذا: هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن أوس بن أبي أوس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على نعليه وقدميه اهـ. وكذا في مسند أحمد ص 8 - ج 4 عن غير واحد عن يعلى به. والطيالسي: ص 52 عن حماد عن يعلى به، وفي ابن أبي شيبة: ص 127 شريك عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبي أوس يه، إلا أن فيه: مسح على نعليه، بدل: خفيه، وفي الطحاوي: ص 58 من طريق شريك، وفي كلها نعليه.
3 ضعيف، كذا في الزوائد ص 105.
4 عند الطحاوي: ص 49، وذكر قصته.
5 ضعيف، ولكن ذكره ابن حبان في الثقات، وقال رديء الحفظ يخطئ، قاله في الزوائد ص 106، قلت أبا عبيدة لم يدرك أباه عبد الله.
6 كذا في الدراية.
7 في نسخة "بنحشل".(1/171)
فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ثنا أَبُو مَعْمَرً ثَنَا هُشَيْمِ ثنا أَبُو رَحْمَةَ مُصْعَبُ بْنُ زَاذَانَ بْنِ جُوَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: "للمسافر ثلاثة أيام وليالهن، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. وَخَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ أَبَرْهَةَ الْعُذْرِيُّ الْقُضَاعِيُّ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وللنسائي حَدِيثُ مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ1 وَثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ بعد ما بَالَ، ثنا أَبُو سَلَمَةَ الْكَشِّيُّ2 ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَقْدِسِيَّ ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ثنا مَرْوَانُ أَبُو سَلَمَةَ ثنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ ثَلَاثًا فِي السَّفَرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ3 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَسَدٍ عَنْ عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَيُنْظَرُ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِلَالٍ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، قُلْت: إنَّمَا هُوَ أَثَرُ حَدِيثِ الشَّرِيدِ ثنا خَيْرُ بْنِ عَرَفَةَ الْمِصْرِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَبِيعَةَ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ4 عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ. وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ مُنْقَطِعٌ5 وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْأَحْرَمُ الْأَصْبَيَانِ6 ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَزْدَادَ الْكُوفِيُّ ثنا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَسَدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ7 ثَنَا عبد الحميد بن عمر أن عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ، قَالَ: رَأَيْت عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَيَقُولُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ
__________
1 حديث أبي أمامة عند ابن أبي شيبة: ص 119 أيضاً.
2 وفي نسخة الكبيسي، وفي نسخة أخرى الكيسي.
3 أي الكبير.
4 ضعيف.
5 كذا في الأصول.
6 قال الهيثمي في الزوائد ص 105 فيه عمرو بن عبد الغفار، وهو متروك الحديث، اهـ.
7 الواقدي ضعيف.(1/172)
الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَيَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ فِيهِ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عبد الرحمن الرواسي عَنْ الْحَسَنِ الْعَصَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: "لِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: فِي الْإِمَامِ: وَالْعَصَّابُ مَعْرُوفٌ، ذَكَرَهُ الْأَسْوَدُ، وَقَالَ: حَدَّثَ عَنْ نَافِعٍ، رَوَى عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى الشَّيْبَانِيُّ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ الثَّقَفِيُّ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ الرَّازِيُّ ثَنَا الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَارِبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ2 بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الخفين: "للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة"، وَمِنْهَا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ، رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد الباردوي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمْرِيُّ الْبَصْرِيُّ ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ ثَنَا مُلَيْكَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْمَالِكِيَّةُ، مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ جَدِّي مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: - وَسُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ - فَقَالَ: "ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ"، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يُحْتَاجُ إلَى الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَالِكُ بْنُ سَعْدٍ مَجْهُولٌ، عِدَادُهُ فِي أَعْرَابِ الْبَصْرَةِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّلُولِيِّ أَبِي مَرْيَمَ، وَالِدِ بُرَيْدٍ، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ مُكْرَمَةَ ثَنَا بُرَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَقَالَ: "لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ السَّلُولِيُّ يُكْنَى أَبَا مَرْيَمَ وَالِدَ بُرَيْدٍ شَهِدَ الشَّجَرَةَ، سَكَنَ الْكُوفَةَ، لَهُ غَيْرُ حَدِيثٍ عِنْدَ ابْنِهِ بُرَيْدٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ3 قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُرْوَ
__________
1 وفي الصغير ص 176 ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا أبو يوسف القاضي عن أبي أيوب عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، قالا: رأينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين، اهـ.
2 عمر بن عبد الله مجمع على ضعفه.
3 ممن نقل المسح على الخفين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معقل بن يسار. وجابر بن سمرة. والشريد. وعصمة. وأبو بردة، وظنا أنه تصحيف أبو برزة أخرج أحاديثهم الطبراني في معجمه، وأبو سعيد الخدري أخرج حديثه الطبراني في الأوسط وعمرو بن بلال رواه الطبراني، ذكرهما الحافظ بن حجر في الدراية ص 40، وميمونة(1/173)
عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إنْكَارُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَائِشَةَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَدْ جَاءَ عنهما بالأسانيد الحسن خِلَافُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ فِطْرٍ، قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: إنَّ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبَقَ الْكِتَابُ - الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ - فَقَالَ عَطَاءٌ: كَذَبَ عِكْرِمَةُ، أَنَا رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. قَالَ: وَرَوَى أَبُو زُرْعَةَ. وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، وَأَمَّا عَائِشَةُ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا أَحَالَتْ عِلْمَ ذَلِكَ عَلَى عَلِيٍّ، قَالَ الشَّيْخُ: وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ الْبَغْدَادِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ ابْنِ أُخْتِ مَالِكٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَأَنْ أَقْطَعَ رِجْلِي بِالْمُوسَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَح عَلَى الْخُفَّيْنِ، قَالَ: هَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْبَغْدَادِيُّ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، قُلْت: الَّذِي وَجَدْته فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَأَنْ يُقْطَعَ رِجْلِي بِالْمُوسَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَح عَلَى الْقَدَمَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَوْضُوعٌ وَضَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَلَى عَائِشَةَ، انْتَهَى. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ: إنَّمَا كَرِهَهُ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَسْحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، فَلَمَّا ثَبَتَ لَهُ رَجَعَ إلَيْهِ، وَأَفْتَى بِهِ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ جَمِيعًا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْت مُوسَى بْنَ سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، قَالَ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا"
قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: أَتَيْت عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْك بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَاسْأَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ وَرَوَاهُ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرْفُوعًا الْمُسَافِرُ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَالْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْعُصْمِيُّ فِي الْجُزْءِ الَّذِي خَرَّجَهُ لَهُ أَبُو الْفَضْلِ الْجَارُودِيُّ، انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " التَّوْقِيتِ " أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا حَدِيثُ عَمْرٍو , رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ،
__________
= أم المؤمنين أخرج حديثه أحمد: ص 333، - ج 6 وأبو يعلى ذكره الهيثمي. والدارقطني: ص 73، وقال العيني في البناية: سنده صحيح، ورجال أخر ذكرها العيني في البناية وذكر مخارج أحاديثها: ص 341 - ج 1.(1/174)
الْمُسَافِرُ إلَى آخِرِهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا اللَّفْظُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: الْمَسْحُ أَفْضَلُ، قُلْت: وَالرُّخْصَةُ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ البزار. وصفوان. وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ.
أَحَادِيثُ عَدَمِ التَّوْقِيتِ، حَدِيثُ خُزَيْمَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، زَادَ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: وَلَوْ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا، وَابْنُ مَاجَهْ فِي رِوَايَةٍ1 وَلَوْ مَضَى السَّائِلُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ لَجَعَلَهَا خَمْسًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَى قوله: لو استزدناه أَيْ لَوْ سَأَلْنَاهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَأَجَابَ، وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةَ ابْنِ مَاجَهْ، لَجَعَلَهَا خَمْسًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَحَدِيثُ خُزَيْمَةَ فِيهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ: الْأُولَى الِاخْتِلَافُ فِي إسْنَادِهِ، وَلَهُ ثَلَاثُ مَخَارِجَ: رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَرِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ. وَرِوَايَةُ الشِّيمِيِّ، ثُمَّ فِي بَعْضِهَا ذِكْرُ الزِّيَادَةِ أَعْنِي لَوْ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا وَبَعْضِهَا لَيْسَتْ فِيهِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ النَّخَعِيّ فَإِنَّهَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الزِّيَادَةِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَعْنِي رِوَايَةَ النَّخَعِيّ، وَلَهَا طُرُقٌ: أَشْهَرُهَا عَنْ حَمَّادٍ عَنْهُ، وَلَهَا أَيْضًا عَنْ حَمَّادٍ طُرُقٌ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، إلَّا أَنَّهَا عُلِّلَتْ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، فَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا يَصِحُّ عِنْدِي حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْمَسْحِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ سَمَاعٌ مِنْ خُزَيْمَةَ، وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ: لَمْ يَسْمَعْ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ حَدِيثَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ، بِرِوَايَةِ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، قَالَ: سَمِعْت مَنْصُورًا يَقُولُ: كُنَّا فِي حُجْرَةِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَمَعَنَا إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، فَذَكَرْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي عبد الله الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ2 ثُمَّ هي على وجهين: أحها: مَا فِيهِ الزِّيَادَةُ. وَالثَّانِي: مَا لَا زِيَادَةَ فِيهِ، فَأَمَّا مَا فِيهِ الزِّيَادَةُ، فَهِيَ صَحِيحَةٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، مَشْهُورَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ مَنْصُورٍ، وَفِيهَا الزِّيَادَةُ، خَرَّجَهَا الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ، وَمِنْ أَصَحِّهَا رِوَايَةً الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، وَذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَهَا بِالْقِصَّةِ، وَرَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ بِالسَّنَدِ مِنْ غَيْرِ قِصَّةٍ وَلَا زِيَادَةٍ، وَكَذَلِكَ مِنْ صَحِيحِهَا رِوَايَةُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهَا
__________
1 وابن أبي شيبة ص119.
2 ههنا انتهى ما استدل به البهقي في: ص277- ج1.(1/175)
الزِّيَادَةُ، وَأَمَّا مَا لَا زِيَادَةَ فِيهِ، فَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ بِالسَّنَدِ عَنْ خُزَيْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الخفين، فقال: "للمسافر ثلاثاً: وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ"، لَمْ يَزِدْ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَهَذَا مَشْهُورٌ، وَخَالَفَ أَبُو الْأَحْوَصِ، فَرَوَاهُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَسْقَطَ مِنْ الْإِسْنَادِ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ فِي حَدِيثِ التَّيْمِيِّ، رَوَاهُ شُعْبَةُ1 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، لَيْسَ فِيهِ الزِّيَادَةُ ولا مَسْحَ الْمُقِيمِ، فَزَادَ فِي السَّنَدِ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد التَّيْمِيِّ. وَعَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، وَأَسْقَطَ الْجَدَلِيَّ، أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كَذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ. وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: الِانْقِطَاعُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْت مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا يَصِحُّ إلَى آخِرِ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. الْعِلَّةُ الثَّالِثَةُ: ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ:2أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَأَقُولُ: ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ حَدِيثَ خُزَيْمَةَ مِنْ جِهَةِ أَبِي عَوَانَةَ بِسَنَدِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ: وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ3 أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ خُزَيْمَةَ فِي الْمَسْحِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ بْنُ عَبْدٍ وَيُقَالُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَهُ أَبُو عِيسَى فِي صَحِيحِهِ، وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ فيه أن تعلل طرق إبْرَاهِيمَ بِالِانْقِطَاعِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَطَرِيقُ الشَّعْبِيِّ بِالضَّعْفِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُرْجَعُ إلَى طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، فَالرِّوَايَاتُ مُتَضَافِرَةٌ بِرِوَايَةِ التَّيْمِيِّ لَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ، وَأَمَّا إسْقَاطُ أَبِي الْأَحْوَصِ لِعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ مِنْ الْإِسْنَادِ، فَالْحُكْمُ لِمَنْ زَادَ، فَإِنَّهُ زِيَادَةُ عَدْلٍ، لَا سِيَّمَا، وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ الْكَثْرَةُ مِنْ الرُّوَاةِ، وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى هَذَا دُونَ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَأَمَّا زِيَادَةُ سَلَمَةَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد، وَإِسْقَاطُ الْجَدَلِيِّ، فَيُقَالُ فِي إسْقَاطِ الْجَدَلِيِّ مَا قِيلَ فِي إسْقَاطِ أَبِي الْأَحْوَصِ لَهُ، وَأَمَّا زِيَادَةُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد فَمُقْتَضَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يُحْكَمَ بِهَا، وَيُجْعَلَ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ إبْرَاهِيمَ. وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَرْوِي حَدِيثًا عَنْ رَجُلٍ عَنْ ثَالِثٍ، وَقَدْ رَوَاهُ هُوَ عَنْ ذَلِكَ الثَّالِثِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إسْقَاطِ الْوَاسِطَةِ، لَكِنْ إذَا عَارَضَ هَذَا الظَّاهِرَ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ عَمِلَ بِهِ، كَمَا فُعِلَ فِي أَحَادِيثَ حُكِمَ فِيهَا بِأَنَّ الرَّاوِيَ عَلَا وَنَزَلَ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، فَرَوَاهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ ذَكَرْنَا زِيَادَةَ زَائِدَةَ، وَقِصَّةً فِي الْحِكَايَةِ،
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ص 278.
2 لفظه في المحلى ص 89 - ج 2: رواه أبو عبد الله الجدلي صاحب دابة الكافر، المختار لا يعتمد على روايته، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة، لأنه ليس فيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أباح المسح أكثر من ثلاث، ولكن في آخر الخبر من قول الروي: لو تمادى السائل لزادنا وهذا ظن لا يحل القطع به في أخبار الناس، فكيف في الدين؟
3 وبعض ما في الترمذي المطبوع يخالف هذا.(1/176)
وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، فَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، فَمُقْتَضَى هَذَا التَّصْرِيحِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّ إبْرَاهِيمَ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ. وَمِنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد عَنْهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ عَلَى طَرِيقَةِ الْفِقْهِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ مُتَّصِلًا فِيمَا بَيْنَ التَّيْمِيِّ. وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الثِّقَاتِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، مَا بِالْكُوفَةِ أَجْوَدُ إسْنَادًا مِنْهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مِثْلُ هَذَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِجَلَالَتِهِ وَرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْبُخَارِيِّ: إنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ سَمَاعٌ مِنْ عُمَرَ، فَلَعَلَّ هذا بناءاً عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاتِّصَالِ أَنْ يَثْبُتَ سَمَاعُ الرَّاوِي مِنْ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، وَلَوْ مَرَّةً، هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَطْنَبَ مُسْلِمٌ فِي الرَّدِّ لِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَاكْتَفَى بِإِمْكَانِ اللِّقَاءِ، وَذَكَرَ لَهُ شَوَاهِدَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ، فَلَمْ يَقْدَحْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَا قَالَ فِيهِ مَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وهماهما وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ رضي الله عنه، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: يَوْمًا: قَالَ: وَيَوْمَيْنِ، قَالَ: وَثَلَاثَةً؟ قَالَ: "نعم، ما شِئْت"، وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا فَقَالَ عليه السلام: "نَعَمْ وَمَا بَدَا لَك"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ2 ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أُبَيٍّ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أُبَيٍّ بِنَحْوِهِ، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ: وَرَوَاهُ يحيى بن إسحاق السالحيني عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، مِثْلَ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ الْعِرَابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ وَهْبِ بْنِ قَطَنٍ عَنْ أُبَيٍّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: إسْنَادُهُ مِصْرِيٌّ، وَلَمْ يُنْسَبْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَى جَرْحٍ، وَأُبَيُّ بْنُ عُمَارَةَ: صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد3، وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ لَا يَثْبُتُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى
__________
1 وابن أبي شيبة: ص 119.
2 رواية حتى بلغ سبعاً.
3 لو قال: بسند الطحاوي لكان أصح، لأن في إسناد الدارقطني زيادة ليست في أبي داود.(1/177)
بْنِ أَيُّوبَ1 اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ. وَأَيُّوبُ بْنُ قَطَنٍ مَجْهُولُونَ، انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ صَاحِبُ حَدِيثِ الصُّوَرِ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ مُخْتَلَفٌ به، وَهُوَ مِمَّنْ عِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ إخْرَاجُ حَدِيثِهِ، قَالَ: وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد. والدارقطني هُوَ: أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ2 رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ، فَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ، وَيُرْوَى عَنْهُ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ، فَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَيُرْوَى عَنْهُ كَذَلِكَ مُرْسَلًا لَا يُذْكَرُ فِيهِ أُبَيّ بْنُ عُمَارَةَ، فَهَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ لَيْسَ بِمَعْرُوفِ الْإِسْنَادِ فَقُلْت لَهُ: فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْمَسْحِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ قَالَ: لَهُمْ فِيهِ أَثَرٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْأَثَرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، الْأَقْرَبُ أَنَّهُ أَرَادَ الرِّوَايَةَ4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقْتًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ: مِنْهَا رواية حماد بن يزيد عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ5 عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَكَانُوا يَمْسَحُونَ خِفَافَهُمْ بِغَيْرِ وَقْتٍ وَلَا عَدَدٍ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَهْمِ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ حَزْمٍ6 فَقَالَ: وَكَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ: ضَعِيفٌ جِدًّا، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ اختلف الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، فَفِي رِوَايَةِ عَبَّاسٍ عَنْ يَحْيَى لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ: سَأَلْت يَحْيَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَرَوَى ابْنُ الْجَهْمِ فِي كِتَابِهِ بِسَنَدِهِ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْت لَهُ: تَمْسَحُ عَلَيْهِمَا وَقَدْ خَرَجْت مِنْ الْخَلَاءِ؟! قَالَ: نَعَمْ، إذَا أَدْخَلْت الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلَا تَخْلَعْهُمَا إلَّا لِجَنَابَةٍ، وَرَوَى بِسَنَدِهِ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَجْعَلُ لِذَلِكَ وَقْتًا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، ويسنده إلَى عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْمَسْحِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
__________
1 قال ابن حزم في المحلى ص 90 - ج 2: مجهول.
2 حديثه عند الطحاوي في شرح الآثار ص 48، وأبو داود: ص 24.
3 حديثه عند ابن ماجه في سننه ص 42، والطحاوي: في شرح الآثار ص 48، والدارقطني: ص 27.
4 رواه الدارقطني في سننه ص 72، والبيهقي: ص 280، وقال ابن حزم في المحلى ص 93 - ج 2: لا يصح خلاف التوقيت عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر فقط، اهـ.
5 كثير من شنظير روى له البخاري. ومسلم، فيه بعض ضعف، قال الحافظ: صدوق يخطئ.
6 في المحلى ص 92 - ج 2.(1/178)
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ1 عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يَخْلَعْهُمَا إنْ شَاءَ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَرُوَاتُهُ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ قَوِيٌّ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ. وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الثَّلَاثِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ:2هَذَا مِمَّنْ انْفَرَدَ بِهِ أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ، وَأَسَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَدَمُ تَفَرُّدِ أَسَدٍ بِهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ ثَنَا حَمَّادٌ. الثَّانِي: أَنَّ أَسَدًا ثِقَةٌ، وَلَمْ يُرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الضُّعَفَاءِ لَهُ ذِكْرٌ، وَقَدْ شَرَطَ ابْنُ عَدِيٍّ أَنْ يَذْكُرَ فِي كِتَابِهِ كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَذَكَرَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ الْأَكَابِرِ وَالْحُفَّاظِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَسَدًا، وَهَذَا يَقْتَضِي تَوْثِيقَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ تَوْثِيقَهُ عَنْ الْبَزَّارِ، وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكُوفِيِّ، وَلَعَلَّ ابْنَ حَزْمٍ وَقَفَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ فِي تَارِيخِ الْغُرَبَاءِ أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ مُنْكَرَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً، وَأَحْسَبُ الْآفَةَ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَ كَلَامَهُ مِنْ هَذَا فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّ مَنْ يُقَالُ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَيْسَ كَمَنْ يُقَالُ فِيهِ: رَوَى أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً، لِأَنَّ مُنْكَرَ الْحَدِيثِ وَصْفٌ فِي الرَّجُلِ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّرْكَ لِحَدِيثِهِ، وَالْعِبَارَةُ الْأُخْرَى تَقْتَضِي أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ فِي حِينٍ لَا دَائِمًا، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: يَرْوِي أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً، وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ فِي حَدِيثِ: إنَّمَا الأعمال بالنيات، وكذلك فِي زَيْدِ بْنِ أَبِي أنيسة: في بعض أحاديثه إنكاره، وَهُوَ مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَهُمَا الْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ حَكَمَ ابْنُ يُونُسَ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ، وَكَيْفَ يَكُونُ ثِقَةً وَهُوَ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ؟، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 أَيْضًا عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بِفَتْحِ دِمَشْقَ، قَالَ: وَعَلِيَّ خُفَّانِ، فَقَالَ لِي عُمَرُ: كَمْ لَك يَا عُقْبَةُ مُنْذُ لَمْ تَنْزِعْ خُفَّيْك؟، فذكرت منذ يوم الْجُمُعَةِ مُنْذُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ: أَحْسَنْت، وَأَصَبْت السُّنَّةَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
__________
1 في باب أحكام التيمم ص 181 والدارقطني في سننه ص 75 عن عبد الغفار بن داود به.
2 في المحلى ص 90 - ج 2، قال الحافظ في الدراية: أخطأ ابن حزم، فإن أسداً لم يتفرد به، اهـ.
3 فيباب أحكام التيمم ص 180 - ج 1، والطحاوي في شرح الآثار ص 48.(1/179)
فِي السُّنَنِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفِي الْإِمَامِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي أَطْرَافِ ابْنِ عَسَاكِرَ، ثُمَّ رَوَاهُ1 مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَذَكَرَهُ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ2.وَيَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ. وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ رَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ، فَقَالُوا فِيهِ: أَصَبْت وَلَمْ يَقُولُوا: السُّنَّةَ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، قَالَ: وَرَوَاهُ جَرِيرُ3 بْنُ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عُقْبَةَ، وَأُسْقِطَ مِنْ الْإِسْنَادِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ الْبَلَوِيُّ، وَقَالَ فِيهِ: أَصَبْت السُّنَّةَ، كَمَا قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ. وَالْمُفَضَّلُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ جِهَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ4 ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ: قَرَأْت كِتَابًا لِعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، مَعَ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَأَلْت مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَسْحِ، فَقَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلَّ سَاعَةٍ يَمْسَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَا يَخْلَعُهُمَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهُ فِي الْإِمَامِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَى الْمُغِيرَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ وَمَدَّهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْمَسْحِ عَلَى خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ قُلْت: غَرِيبٌ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ5 حَدَّثَنَا الْحَنَفِيُّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ ثَنَا الْحَسَنُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ، ثُمَّ جَاءَ حَتَّى تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً حَتَّى أَنْظُرَ إلَى أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ، وَلَمْ يَعْزُهُ6.
حَدِيثٌ آخَرُ يَقْرُب مِنْهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ7 مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي مُنْذِرٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَتَوَضَّأُ، وَيَغْسِلُ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: بِيَدِهِ كَأَنَّهُ دَفَعَهُ "إنَّمَا أَمَرْت بِالْمَسْحِ"، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ هَكَذَا مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى أَصْلِ السَّاقِ وَخَطَّطَ بِالْأَصَابِعِ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَجَرِيرٌ
__________
1 أي الدارقطني في سننه ص 73.
2 رواية عمرو بن الحارث. وليث بن سعد، وابن لهيعة عند الطحاوي، ص 48، وفيه قال: أصبت، ولم يقل: السنة، اهـ.
3 رواية جرير عند الدارقطني: ص 73.
4 في مسنده ص 333 - ج 6، وقال العيني في البناية إسناده صحيح.
5 قال الحافظ في الدراية ص 42: بإسناد منقطع.
6 قلت: روى البيهقي: ص 292 من جهة ابن أبي شيبة ثنا أبو أسامة عن الأشعث عن الحسن عن المغيرة به.
7 ص 41 بإسناد ضعيف، دراية.(1/180)
هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، ولم يرو عنه بَقِيَّةَ، وَمُنْذِرٌ هَذَا كَأَنَّهُ ابْنُ زِيَادٍ الطَّائِيُّ، وَقَدْ كَذَّبَهُ الْفَلَّاسُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْ ابْنُ مَاجَهْ لِجَرِيرٍ، وَمُنْذِرٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَطْرَافِهِ وَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ، وَأَنَا وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي أُخْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَتَوَضَّأُ، وَهُوَ يَغْسِلُ خُفَّيْهِ، فَنَخَسَهُ بِيَدِهِ، وَقَالَ "إنَّمَا أُمِرْنَا بِالْمَسْحِ هَكَذَا"، وَأَرَاهُ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفَّيْنِ إلَى أَصْلِ السَّاقِ مَرَّةً، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، انْتَهَى. قَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْبَابِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ عَنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى عَبْدِ خَيْرٍ، وَهُوَ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا الصَّحِيحِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ الْخُفَّيْنِ إذَا لَبِسَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْمُرُ بِالْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أيام وليالهن، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ الطَّهَارَةَ، قَالَ في الإمام: ووراه الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: عَلَى الْخُفَّيْنِ، لَمْ يَذْكُرْ الطُّهْرَ،، قَالَ: وَخَالِدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ2 هَذَا هُوَ، ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ3 أَخْبَرَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: وَضَّأْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فمسح أعلا الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ، انْتَهَى. فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ أَبُو دَاوُد: بَلَغَنِي أَنَّ ثَوْرًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ رَجَاءٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ثَوْرٍ غَيْرُ الْوَلِيدِ، وَسَأَلْت مُحَمَّدًا. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَا: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ رَوَاهُ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثْت، عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ4 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ رَوَاهُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَهَذَا الَّذِي أَشَارُوا إلَيْهِ ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ
__________
1 في باب كيف المسح ص 24.
2 قال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال البخاري: له مناكير ص 12 هامش دارقطني ص 72.
3 حديث الوليد بن مسلم عن ثور به، قال ابن أبي حاتم في علله ص 54 - ج 1 عن أبيه ليس بمحفوظ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح، اهـ.
4 ولم يذكر فيه المغيرة ترمذي.(1/181)
بْنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، فَذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ثَوْرٍ، قَالَ: حَدَّثْت عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْسَدَهُ مِنْ وَجْهِهِ حِينَ قَالَ: حَدَّثْت عَنْ رَجَاءٍ، وَحِينَ أَرْسَلَ، فَلَمْ يُسْنِدْهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا رَجَاءٌ1 فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إلَّا عَنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ. أَوْ نَوْمٍ، قُلْت: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ صَفْوَانَ، وَهُوَ بِكَمَالِهِ يَتَضَمَّنُ قِصَّةَ الْمَسْحِ. وَالْعِلْمَ. وَالتَّوْبَةَ. وَالْهَوَى.
أَمَّا التِّرْمِذِيُّ. فَرَوَاهُ2 فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ فِي بَابِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ. وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: أَتَيْت صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ أَسْأَلُهُ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِك يَا زِرُّ؟ فَقُلْت: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ، فَقَالَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لطالب العلم رضاءاً بِمَا يَطْلُبُ، قُلْت: إنَّهُ حَكَّ فِي صَدْرِي الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ. والبول. وكنت امرءاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَجِئْتُك أَسْأَلُك، هَلْ سَمِعْته يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا - أَوْ مُسَافِرِينَ - أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إلَّا عَنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ. وَبَوْلٍ. وَنَوْمٍ. قَالَ: فَقُلْت: هَلْ سَمِعْته يَذْكُرُ فِي الْهَوَى شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَادَاهُ رَجُلٌ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَك اُغْضُضْ مِنْ صَوْتِك، فَإِنَّك عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى نَحْوٍ مِنْ صَوْتِهِ: "هَاؤُمُ"، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" قَالَ: فَمَا بَرِحَ يُحَدِّثُنِي أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ بِالْمَغْرِبِ بَابًا عَرْضُهُ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ لَا يُغْلَقُ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ، وَذَلِكَ قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا} الْآيَةَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْمَسْحِ فَقَطْ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ الْغَائِطِ3 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وسفيان بن عينة. وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ. وَزُهَيْرٍ. وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ. وَشُعْبَةَ. كُلِّهِمْ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْمَسْحِ فَقَطْ،
__________
1 تمامه عن كاتب المغيرة عن المغيرة، قال: وضأت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فمسح أعلى الخف وأسفله، اهـ، ثم قال: رواه ابن المبارك عن ثور، قال حدثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا، ليس فيه المغيرة، اهـ
2 ص 192 - ج 2.
3 قلت: الصواب أن يقول في باب التوقيت في المسح على الخفين ص 32، فإن في باب الوضوء من الغائط ص 37 حديث شعبة فقط.(1/182)
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الطَّهَارَةِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْمَسْحِ، وَفِي الْفِتَنِ1 عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ التَّوْبَةِ، وَفِي الْعِلْمِ، عَنْ مَعْمَرٍ2 عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْعِلْمِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِتَمَامِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْمَسْحِ. وَالتَّوْبَةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: ذُكِرَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ، لَكِنَّ الطَّبَرَانِيَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ3 بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زِرٍّ، وَهَذِهِ مُتَابَعَةٌ غَرِيبَةٌ لِعَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ إلَّا أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ ضَعِيفٌ انْتَهَى. وَعَاصِمٌ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَوَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيّ. وَغَيْرُهُمْ، وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَقِرَاءَةٍ لِلْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي حِفْظِهِ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا سُوءُ الْحِفْظِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَلَمْ يَكُنْ بِذَاكَ الْحَافِظَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ شَهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سَأَلَ بِلَالًا عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَأَتَيْتُهُ4 بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَهُ5، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قِيلَ فِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ هَذَا: إنَّهُ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ، وَلَمْ يُسَمَّ، هُوَ وَلَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَا رَأَيْت فِي الرُّوَاةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا وَاحِدًا، وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْإِسْنَادِ هَذَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ثَنَا شَيْبَانُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: زَعَمَ بِلَالٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ. وَالْخِمَارِ. انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ بِلَالٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْمُوقَيْنِ، وَالْخِمَارِ. انْتَهَى.
__________
1 في باب طلوع الشمس من مغربها ص 305.
2 في باب فضل العلماء.
3 رواه في الصغير ص 39 من حديث أبي جناب الكلبي عن طلحة بن مصرف عن زر أيضاً.
4 وفي نسخة فآتيه.
5 ص 170 - ج 1.(1/183)
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ. وَالْخِمَارِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ ثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ. وَالْخِمَارِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْمُوقِ فَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ الْمُوقُ ضَرْبٌ مِنْ الْخِفَافِ، وَالْجَمْعُ - أَمْوَاقٌ - عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ، وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ عَنْ اللَّيْثِ الْمُوقُ ضَرْبٌ مِنْ الْخِفَافِ، وَيُجْمَعُ عَلَى - أَمْوَاقٍ - وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُوقُ الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُوقُ الْخُفُّ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَجَمْعُهُ - أَمْوَاقٌ - وَكَذَلِكَ قَالَ الْهَرَوِيُّ: الْمُوقُ الْخُفُّ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقَالَ كُرَاعٌ: الْمُوقُ الْخُفُّ، وَالْجَمْعُ - أَمْوَاقٌ - انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى. وَمِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، فَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي قيس الأودي عن هذيل بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ. وَالنَّعْلَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ أَبَا قَيْسٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، قَالَ: وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَلَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ، وَلَا بِالْقَوِيِّ، قَالَ: وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلِيُّ بن أبي طالب. وأبي مَسْعُودٍ. وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَأَبُو أُمَامَةَ. وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ. وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ2 حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، ضَعَّفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الْمُغِيرَةِ حَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَيُرْوَى عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ، مَعَ أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ، قَالَ: وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ
__________
1 أبو داود: ص 24، والترمذي في: ص 15، وابن ماجه: ص 42.
2 ص 184 - ج 1.(1/184)
عَلَى تَضْعِيفِهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ: إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: أَبُو قَيْسٍ الْأَوْدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنَ مَنْصُورٍ، قَالَ: رَأَيْت مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ ضَعَّفَ هَذَا الْخَبَرَ، وَقَالَ: أَبُو قَيْسٍ الْأَوْدِيُّ. وهذيل بْنُ شُرَحْبِيلَ لَا يُحْتَمَلَانِ، وَخُصُوصًا مَعَ مُخَالَفَتِهِمَا الْأَجِلَّةَ الَّذِينَ رَوَوْا هَذَا الْخَبَرَ عَنْ الْمُغِيرَةِ، فَقَالُوا: مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَالَ: لَا نَتْرُكُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ أبي قيس. وهذيل قَالَ: فَذَكَرْت هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ مُسْلِمٍ لِأَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيِّ، فَسَمِعْته يَقُولُ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ شَيْبَانُ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: قُلْت لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: لَوْ حَدَّثْتَنِي بِحَدِيثِ أَبِي قَيْسٍ عن هذيل مَا قَبِلْته مِنْك، فَقَالَ سُفْيَانُ: الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: لَيْسَ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ. وَأَبَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْمَسْحِ رَوَاهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، ورواه هذيل بْنُ شُرَحْبِيلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، فَخَالَفَ النَّاسَ، وَأَسْنَدَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ: النَّاسُ كُلُّهُمْ يَرْوُونَهُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، غَيْرَ أَبِي قَيْسٍ، قَالَ الشَّيْخُ: وَمَنْ يُصَحِّحُهُ يَعْتَمِدُ بَعْدَ تَعْدِيلِ أَبِي قَيْسٍ عَلَى كَوْنِهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ مُخَالَفَةَ مُعَارِضَةٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا رَوَوْهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ، وَلَا سِيَّمَا، وَهُوَ طريق مستقل برواية هذيل، عَنْ الْمُغِيرَةِ لَمْ يُشَارِكْ الْمَشْهُورَاتِ فِي سَنَدِهَا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 عَنْ عِيسَى بْنِ سِنَانٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ، انْتَهَى. وَلَمْ أجده في نسختي مِنْ ابْنِ مَاجَهْ2، وَلَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ وَكَأَنَّهُ فِي بَعْضِ النَّسْخِ، فَقَدْ عَزَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِابْنِ مَاجَهْ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَقَالَ: وَقَوْلُ أَبِي دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ أَوْضَحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي مُوسَى، وَعِيسَى بْنُ سِنَانٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَأَعَلَّهُ بِعِيسَى بْنِ سِنَانٍ وَضَعَّفَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ. وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طريق بين أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: كَانَ
__________
1 والطحاوي في شرح الآثار ص 58.
2 قلت: هو في نسختنا المطبوعة في باب المسح على الخفين ص 41.(1/185)
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. وَابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عن بلال، قال: كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى مُسْتَضْعَفَانِ، مَعَ نِسْبَتِهِمَا إلَى الصِّدْقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ، رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ1 أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الزِّبْرِقَانِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْت عَلِيًّا بَالَ فَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْنِ لَهُ مِنْ شَعْرٍ وَنَعْلَيْهِ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ نَحْوَهُ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ عَنْ أَبِي الْخَلَّاسِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ وَيَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَأَمَرَ عَلِيًّا بِذَلِكَ، قُلْت: هُمَا حَدِيثَانِ، فَحَدِيثُ مَسْحِهِ عليه السلام عَلَى الْجَبَائِرِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عُمَارَةَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْمَهْدِيِّ ثَنَا عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ الْعَطَّارُ ثَنَا شَبَانَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو عُمَارَةَ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ دَاوُد الصَّوَّافُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَقِيلٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَكْحُولٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ لَمَّا رَمَاهُ ابن قمة يَوْمَ أُحُدٍ رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم إذَا تَوَضَّأَ حَلَّ عَنْ عِصَابَتِهِ وَمَسَحَ عَلَيْهَا بِالْوَضُوءِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيَّ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَمْرُو بْنُ خَالِدٍ: أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكٌ،
__________
1 أخرج البيهقي في سننه ص 285 هذه الآثار كلها سوى أثر ابن عمر. وابن مسعود، وأخرج ابن أبي شيبة ص 126 من حديث أبي مسعود. وعمر. وأنس. وأبي أمامة. وعلي. والبراء بن عازب. وسهل بن سعد، أنهم مسحوا على الجوربين.
2 ص 48 في باب المسح على الجبائر.
3 ص 84 في باب جواز المسح على الجبائر.(1/186)
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ تَابَعَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنَ وَجِيهٍ، فَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ مِثْلَهُ، وَابْنُ وَجِيهٍ مَتْرُوكٌ، مَنْسُوبٌ إلَى الْوَضْعِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ آبَائِهِ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَعَمْرُو بْنُ خَالِدٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ كَذَّابٌ غَيْرُ ثِقَةٍ وَلَا مَأْمُونٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضعفاءه وَأَعَلَّهُ بِعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ، وَنَقَلَ تَكْذِيبَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيْقٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رجلاً منا فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَك رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟! فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ، إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ - شَكَّ مُوسَى - عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، مَعَ اخْتِلَافٍ فِي إسْنَادِهِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود2 عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بن عباس، قلل: أَصَابَ رَجُلًا جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ احْتَلَمَ فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلَى آخِرِهِ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ3 فَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ غَيْرُ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيْقٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَخَالَفَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاخْتُلِفَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، فَقِيلَ: عَنْ عَطَاءٍ، وَقِيلَ: بَلَغَنِي عَنْ عَطَاءٍ، وَأَرْسَلَهُ الْأَوْزَاعِيُّ بِآخِرِهِ، فَقَالَ: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْمَكِّيِّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثَنَا الحسن بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ الْجَبَائِرِ تَكُونُ عَلَى الْكَسْرِ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ صَاحِبُهَا، وَكَيْفَ يَغْتَسِلُ إذَا أَجْنَبَ؟ قَالَ: "يَمْسَحُ بِالْمَاءِ عَلَيْهَا فِي الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ"،
__________
1 ص 54، والدارقطني: ص 69، وأبو داود: ص 54 في باب المجروح يتيمم والبيهقي: ص 227.
2 وأخرجه البيهقي أيضاً في ص 227.
3 ص 70.
4 في باب جواز المسح على الجبائر ص 83.(1/187)
قُلْت: فَإِنْ كَانَ فِي بَرْدٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ اغْتَسَلَ؟ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو الْوَلِيدِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ:1هَذَا مُرْسَلٌ، وَأَبُو الْوَلِيدِ ضَعِيفٌ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ مَسْحِ النَّعْلَيْنِ، فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ2 مِنْ جِهَتِهِ عَنْ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ رَوَّادٌ، وَهُوَ يَنْفَرِدُ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِمَنَاكِيرَ: هَذَا أَحَدُهَا، وَالثِّقَاتُ رَوَوْهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَّادٌ هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. ثُمَّ سَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ سُفْيَانَ هَكَذَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ، فَقَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَوَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بن كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَحَكَوْا فِي الْحَدِيثِ غَسْلَهُ رِجْلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْعَدَدِ الْيَسِيرِ، مَعَ فَضْلِ مَنْ حَفِظَ فِيهِ الْغَسْلَ بَعْد الرَّشِّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ هَذَا مِنْ أَجْوَدِ مَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ، وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ الثَّوْرِيِّ مَقْلُوبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مِنْ أَثْبَاتِ مَشَايِخِ الْكُوفَةِ مِمَّنْ لَا يُشَكُّ فِي صِدْقِهِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ، إنَّ أَحَادِيثَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ مَقْلُوبَةٌ إنَّمَا لَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَحَادِيثُ تُسْتَغْرَبُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ، وَالْبَعْضُ يَرْفَعُهُ، وَلَا يَرْفَعُهُ غَيْرُهُ، وَبَاقِي أَحَادِيثِهِ كُلِّهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ لِزَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ أَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا هَذَا، وَإِذَا كَانَ زَيْدٌ ثِقَةً صَدُوقًا كَانَ الْحَدِيثُ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ الثِّقَةُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَنَعْلَاهُ فِي رِجْلَيْهِ وَيَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، وَيَقُولُ: كَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَفْعَلُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ إلَّا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَلَا عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ إلَّا رَوْحٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يَمْسَح عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، وَكَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، فَهَذَا مَعْنَاهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَأَجَابَ النَّاسُ عَنْ أَحَادِيثِ الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم
__________
1 في باب المسح على العصائب والجبائر ص 228 - ج 1، وله كلام طويل في إسقاط أحاديث الباب، وقال: إنما فيه قول الفقهاء من التابعين، فمن بعدهم ما رويناه عن ابن عمر في المسح على العصابة، اهـ.
2 ص 286 - ج 1.(1/188)
فِي الْوُضُوءِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ يُؤَيِّدُهُ مَا أخرجه عن ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَسْحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى النَّعْلَيْنِ كَانَ فِي وُضُوءِ تَطَوُّعٍ لَا من حدث سُفْيَانَ عَنْ السُّدِّيَّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ دَعَا بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِلطَّاهِرِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، قَالَ فِي الْإِمَامِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِزِيَادَةِ لَفْظِ: وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَا لَمْ يُحْدِثْ، انْتَهَى. قُلْت: وهكذا فعل ابن ماجه فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، فَأَخْرَجَ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ1 أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذَا إنَّمَا كَانَ فِي وُضُوءِ النَّفْلِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ2 أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِرِجْلَيْهِ، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَعَلَ كَمَا فَعَلْت، وَهَذَا وُضُوءُ مَنْ لم يحدث، انتهى. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْبَزَّارِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُ ذَلِكَ. الْجَوَابُ الثَّانِي: قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ مَعْنَى مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ أَيْ غَسَلَهُمَا فِي النَّعْلِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي النِّعَالِ، وَأَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ زَادَ فِيهِ: وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَاقَهُ بِسَنَدِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بن جريح، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: رَأَيْنَاك تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ نَرَ أَحَدًا يَفْعَلُهُ غَيْرُك، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: رَأَيْنَاك تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يلبسهما، ويتوضأ، ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا3 وَكَأَنَّهُ أَخَذَ لَفْظَةَ: فِيهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ لَفْظَةُ: يَتَوَضَّأُ لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْغَسْلِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْجَوَابُ الثَّالِثُ: قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ شَرْحِ الْآثَارِ وَهُوَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَكَانَ مَسْحُهُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ هُوَ الَّذِي يَطْهُرُ بِهِ، وَمَسْحُهُ عَلَى النَّعْلَيْنِ فَضْلًا، وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ. وَبِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ نَحْوَهُ، رَوَى الْأَوَّلَ: ابْنُ مَاجَهْ4. وَالثَّانِيَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ5، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي حَدِيثِ الْجَوْرَبَيْنِ.
__________
1 حديث أوس أخرجه الطحاوي في: ص 58، والبيهقي: ص 286، وأحمد: ص 9 - ج 4، وأبو داود: ص 24 مع زيادة قدميه.
2 حديث علي أخرجه الطحاوي في: ص 58، والبيهقي ص 286، والنسائي في صفة الوضوء عن حدث ص 32، والطيالسي: ص 22 وأحمد في: ص 102، وص 123، وص 153، وص 139، وص 78، و159، والبخاري في الأشربة - باب الشرب قائماً ص 840، ولكنه أجمل واختصر.
3 قلت: عبارة البيهقي ص 287 هكذا: يتوضأ فيها ويمسح عليها وهي المناسبة للسياق ولغرض الناقل، وفيها المستدل دون قوله: يتوضأ ثم يلبسها والله أعلم.
4 في باب المسح على الخفين ص 41.
5 أبو داود: 24، والترمذي: ص 15، وابن ماجه: ص 43، وأحمد: ص 252 - ج 1.(1/189)
أَحَادِيثُ اشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ، لِأَنَّا نَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ الْمَسْحِ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ الرِّجْلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا أَحْدَثَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَكْمَلَ وُضُوءَهُ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَحْدَثَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَلَمَّا غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى، ثُمَّ لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفَّ، فَإِنَّ الْمَسْحَ عِنْدَنَا جَائِزٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، خِلَافًا لَهُمْ. هَذَا تَحْرِيرُ مَذْهَبِنَا، وَهُمْ يُطْلِقُونَ النَّقْلَ عَنْ مَذْهَبِنَا، وَيَقُولُونَ: الْحَنَفِيَّةُ لَا يَشْتَرِطُونَ كَمَالَ الطَّهَارَةِ فِي الْمَسْحِ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ، وَلَيْسَ كذلك عدنا بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ فِي الْقَدَمِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَأَقْرَبُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. قَالُوا: وَوَجْهُ الْحُجَّةِ أَنَّ - الْفَاءَ - لِلتَّعْقِيبِ، وَالطَّهَارَةُ إذَا أُطْلِقَتْ إنَّمَا يُرَادُ بِهَا الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ، وَجَوَابُنَا2 أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي مُهَاجِرِ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ رُوِيَ - بِالْوَاوِ - وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى طَهَارَةِ الرِّجْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَنَا: فَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: أَمَّا مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ، فَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ - أَوْ سَفْرًا - أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَ مُدَّةَ اللُّبْسِ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ فَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَفِيهِ أَلْفَاظٌ أَقْوَاهَا فِي مُرَادِهِمْ مَا عُلِّقَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْمَسْحِ، كَالرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَفِيهَا فَأَمَرَنَا أَنْ يمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ: ثَلَاثًا إذا سافرنا، ويوماً وَلَيْلَةً إذَا أَقَمْنَا، انْتَهَى.
__________
1 في باب المسح على الخفين من غير توقيت ص 75. والطحاوي: ص 50.
2 قلت: هذا الحديث أخرجه الشافعي في الأم ص 29 - ج 1، وابن جارود من طريق ابن معين: ص 49، وابن ماجه: ص 41 عن محمد بن بشار. وبشر بن بلال. وابن أبي شيبة: ص 120، عن زيد بن الحباب، والدارقطني: ص 71 من طريق محمد بن المثنى. وابن الأشعث. وعباس ين مزيد. والبيهقي: ص 281 من طريق محمد بن أبي بكر، كلهم عن عبد الوهاب الثقفي عن المهاجر به، والبيهقي: ص 276 من حديث زيد بن الحباب، عن عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن به، ولم يذكر أحد منهم: إذا تطهر فلبس خفيه، إلا ما عند الدارقطني: ص 75، وعند الطحاوي: ص 50.(1/190)
قُلْت: وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ1أَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ، ثَلَاثًا إذَا سَافَرْنَا، وَلَيْلَةً إذَا أَقَمْنَا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: وَقَالَ: لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ عَلَى طُهُورٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 ص 240.(1/191)
بَابُ الْحَيْضِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ. وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ حَسَّانَ بن إبراهيم بن عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:"أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْمَلِكِ مَجْهُولٌ، وَالْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَمَكْحُولٌ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَلَيَّنَ حَسَّانَ بْنَ إبْرَاهِيمَ3، وَقَالَ: إنَّهُ لا يعتمد الْكَذِبَ، وَلَكِنَّهُ يَهِمُ، وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَرَ. وَأَبِي دَاوُد النَّخَعِيّ عَنْ يَزِيدَ4 بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ بِهِ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي دَاوُد النَّخَعِيّ، وَقَالَ: إنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَأَعَلَّهُ بِالْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ أَيْضًا، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْوِي الْمَوْضُوعَ عَنْ الْأَثْبَاتِ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، فَكَيْفَ إذَا تَفَرَّدَ؟ قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَارِثِ حَضْرَمِيٌّ، وَهَذَا مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ، ذَاكَ صَدُوقٌ. وَهَذَا لَيْسَ بشيء.
وأما حَدِيثُ وَاثِلَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ الشَّامِيُّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْمِنْهَالِ الْبَصْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ
__________
2 ص 80.
3 حسان بن ابراهيم الكرماني صدوق يخطئ التقريب.
4 وفي نسخة يزيد بن يزيد.(1/191)
أَيَّامٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَمَّادُ بْنُ مِنْهَالٍ مَجْهُولٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ كَثُرَتْ الْمَنَاكِيرُ فِي رِوَايَتِهِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الشَّامِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غنيم سَمِعْت مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: "لَا حَيْضَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَلَا حَيْضَ فَوْقَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَّا أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، وَلَا نِفَاسَ دُونَ أُسْبُوعَيْنِ، وَلَا نِفَاسَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِنْ رَأَتْ النُّفَسَاءُ الطُّهْرَ دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَامَتْ وَصَلَّتْ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَابْنِ مَعِينٍ. وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالُوا: إنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ العقيلي في ضعفاءه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذِ بن حنبل، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا حَيْضَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَلَا فَوْقَ عَشْرٍ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ، وَقَالَ: مَجْهُولٌ بِالنَّقْلِ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد النَّخَعِيّ حَدَّثَنِي أَبُو طُوَالَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ وَأَكْثَرُهُ عَشْرٌ، وَأَقَلُّ مَا بين الحيضتين خمسة عشرة يَوْمًا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ سُلَيْمَانُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَهُوَ أَبُو دَاوُد النَّخَعِيّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَأَرْبَعَةٌ. وَخَمْسَةٌ. وَسِتَّةٌ. وَسَبْعَةٌ. وَثَمَانِيَةٌ. وَتِسْعَةٌ. وَعَشَرَةٌ، فَإِذَا جَاوَزَتْ الْعَشْرَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِالْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، وَقَالَ: إنَّ جَمِيعَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرِّجَالِ أَجْمَعَ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ لَهُ1 حَدِيثًا جَاوَزَ الْحَدَّ فِي النَّكَارَةِ، وَهُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ كَذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي حَرْفِ الْجِيمِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلَمْ أَجِدْهُ مَوْصُولًا، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَفِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ: وَرَوَى حُسَيْنُ بْنُ عَلْوَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشْرٌ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ" قَالَ: وَحُسَيْنُ بْنُ عَلْوَانَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ
__________
1 قال ابن المبارك: اللهم لا أعلم إلا خيرا، ولكن وقف أصحابي فوقفت ميزان.(1/192)
لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، كَذَّبَهُ أَحْمَدُ. وَيَحْيَى بن معين،، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ لَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، وَقَالَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا. وَأَصْحَابُ مَالِكٍ. وَالشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، بِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "تَمْكُثُ إحْدَاكُنَّ شَطْرَ عُمُرِهَا لَا تُصَلِّي" قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها جَعَلَتْ مَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضًا، قُلْت: رَوَى مَالِكٌ،1 وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّأَيْهِمَا عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدَّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عن الصلاة، فيقول لهن: لا تعجلن حين تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ بِهِ، سَوَاءً، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2 تَعْلِيقًا، وَلَفْظُهُ قَالَ: وَكُنَّ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالْكُرْسُفِ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، روى ابن شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: كُنَّا فِي حِجْرِهَا مَعَ بَنَاتِ ابْنِهَا، فَكَانَتْ إحْدَانَا تَطْهُرُ، ثُمَّ تُصَلِّي، ثُمَّ تَنْكَسِرُ بِالصُّفْرَةِ الْيَسِيرَةِ، فَتَسْأَلُهَا، فَتَقُولُ: اعْتَزَلْنَ الصَّلَاةَ مَا رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ حَتَّى لَا تَرَيْنَ إلَّا الْبَيَاضَ خَالِصًا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عن ربطة مَوْلَاةِ عَمْرَةَ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لِلنِّسَاءِ: إذَا أَدْخَلَتْ إحْدَاكُنَّ الْكُرْسُفَةَ فَخَرَجَتْ مُتَغَيِّرَةً، فَلَا تُصَلِّي حَتَّى لَا تَرَى شَيْئًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ إحْدَانَا عَلَى عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ3 مِنْ حَدِيثِ مُعَاذَةَ بِنْتِ عَبْدِ الله العدوية، قلت: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْت: لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِمْ: لَقَدْ كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرَّرَهُ فِي الصَّوْمِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي لَا أَحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ"،
__________
1 في الموطأ في باب طهر الحائض ص 20.
2 في باب إقبال المحيض وإدباره ص 46.
3 البخاري: ص46، ومسلم: ص153 –ج1، واللفظ له.(1/193)
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ أَفْلَتَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ"، ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: "وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ، فَإِنِّي لَا أَحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي حَدِيثِ جَسْرَةَ هَذَا: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِ إسْنَادِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ضَعْفَهُ، وَلَسْت أَقُولُ: إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أَقُولُ: إنَّهُ حَسَنٌ، فَإِنَّهُ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا أَفْلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ حَدَّثَتْنِي جَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ ثِقَةٌ لَمْ يُذْكَرْ بِقَادِحٍ، وَعَبْدُ الْحَقِّ احْتَجَّ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَأَفْلَتُ، وَيُقَالُ: فُلَيْتُ بْنُ خَلِيفَةَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، وَأَمَّا جَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ، فَقَالَ فِيهَا الْكُوفِيُّ: تَابِعِيَّةٌ2 وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ: عِنْدَهَا عَجَائِبُ. لَا يَكْفِي فِي إسْقَاطِ مَا رَوَتْ، رَوَى عَنْهَا أَفْلَتُ. وَقُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَةَ الْعَامِرِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ جَسْرَةَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ وَقَالَ: رَوَى عَنْهَا أَفْلَتُ أَبُو حَسَّانَ. وَقُدَامَةُ الْعَامِرِيُّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالُوا: إنَّ أَفْلَتَ3 رَاوِيهِ مَجْهُولٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وفيما قاله نظر، فإنه أَفْلَتَ بْنَ خَلِيفَةَ، وَيُقَالُ: فُلَيْتٌ الْعَامِرِيُّ، وَيُقَالُ: الذُّهْلِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو حَسَّانَ، حَدِيثُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، فَقَالَ: شَيْخٌ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ، قَالَ: وَعِنْدَ جَسْرَةَ عَجَائِبُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: رَأَيْت فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ لِابْنِ الْقَطَّانِ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ دَجَاجَةٌ بِكَسْرِ الدَّالِ وَعَلَيْهَا صَحَّ، وَكَتَبَ النَّاسِخُ فِي الْحَاشِيَةِ - بِكَسْرِ الدَّالِ - بِخِلَافِ وَاحِدَةِ الدَّجَاجِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سلمة، فرواه ابن حبان فِي سُنَنِهِ4 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَا: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ أببي الْخَطَّابِ الْهَجَرِيِّ عَنْ مَحْدُوجٍ5 الذُّهْلِيِّ عَنْ جَسْرَةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْحَةَ هَذَا الْمَسْجِدِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "إنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِجُنُبِ وَلَا لِحَائِضٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ
__________
1 في الطهارة في باب الجنب يدخل المسجد ص 34.
2 في التهذيب جسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية.
3 أفلت بن خليفة: يقال له: فليت، صدوق من الخامسة.
4 في باب اجتناب الحائض المسجد ص 47.
5 محدوج بتقديم الحاء على الجيم قال أبو نعيم: إنه مختلف في صحبته.(1/194)
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: سَمِعْت أَبَا زُرْعَةَ يَذْكُرُ حَدِيثًا بِهِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ مَحْدُوجٍ الذُّهْلِيِّ عَنْ جَسْرَةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ: يَقُولُونَ: عَنْ جَسْرَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَالصَّحِيحُ عَنْ جَسْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نافع، عن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَقَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ: إنَّمَا رَوَى هَذَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَلَا أَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وَإِسْمَاعِيلُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: هَذَا حديث ينفرد بن إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ضَعِيفَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحُفَّاظِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ3 سَمِعْت أَبِي، وَذَكَرَ حَدِيثَ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا، فَقَالَ: خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ: هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا السَّنَدِ لَا يَرْوِيهِ غَيْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَالْبُخَارِيُّ. وَغَيْرُهُمَا، وَصَوَّبَ أَبُو حَاتِمٍ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقَانِ آخَرَانِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ4. أَحَدُهُمَا: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ. وَالثَّانِي: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْحَسَّانِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ. وَهَذَا مَعَ أَنَّ فِيهِ رَجُلًا مَجْهُولًا، فَأَبُو مَعْشَرٍ رَجُلٌ مُسْتَضْعَفٌ إلَّا أَنَّهُ يُتَابَعُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ. فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، وَأَغْلَظَ فِي تَضْعِيفِهِ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدَ. وابن معين، ووافقهم. انتهى.
حَدِيثٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فِي إبَاحَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ لِلْجُنُبِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5
__________
1 في الطهارة في باب الجنب والحائض أنهما لا يقرءان القرآن ص 196، وابن ماجه في الطهارة في باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة ص 44.
2 ص 81.
3 ص 49.
4 ص 43.
5 ص 110.(1/195)
حَدَّثَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ السِّمْطِ عَنْ أبي العزيف الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِوَضُوءٍ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَيْهِ1 ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ، فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلَا، وَلَا آيَةً"، انْتَهَى. وَلَكِنَّ الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ2 مَوْقُوفًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، فَأَخْرَجَهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ السِّمْطِ ثنا أبو العزيف الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الرَّحْبَةِ، فَخَرَجَ إلَى أَقْصَى الرَّحْبَةِ، فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي أَبَوْلًا أَحْدَثَ أَمْ غَائِطًا، ثُمَّ جَاءَ فَدَعَا بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ قَبَضَهُمَا إلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ صَدْرًا مِنْ القرآن، ثم قال: اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا لَمْ يُصِبْ أَحَدَكُمْ جَنَابَةٌ، فَإِنَّ أَصَابَهُ فَلَا، وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي مَنْعِ الْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْجُبُهُ - أَوْ لَا يَحْجِزُهُ - عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ قَالَ: وَلَمْ يَحْتَجَّا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ، وَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يُثْبِتُونَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ مَدَارَهُ على علي بْنِ سَلَمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَكَانَ قَدْ كَبِرَ، وَأُنْكِرَ حَدِيثُهُ وَعَقْلُهُ، وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا بَعْدَ كِبَرِهِ، قَالَهُ شُعْبَةُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ.
أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ4 فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ
__________
1 في المسند غسل يديه وذراعيه: ثلاثاً ثلاثاً.
2 ص 44، والبيهقي: ص 89، و90.
3 أبو داود في باب الجنب يقرأ ص 34، والترمذي في باب - بعد باب - ما جاء في التيمم ص 21، وقال: حسن صحيح. وابن ماجه في باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة ص 44، والنسائي في باب حجب الجنب من قراءة القرآن ص 52، والحاكم في الأطعمة في باب الوضوء قبل الطعام وبعده بركة ص 107 - ج 4، وقال: صحيح الإسناد، والطحاوي: ص 52، والطيالسي: ص 17، وأحمد: ص 83 - ج 1، وص 84 - ج 1، وص 117 - ج 1، وص 124 - ج 1.
4 قلت: الحديث أخرجه النسائي في الديات في ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول ص 251 - ج 2 من حديث حكم بن موسى. ومحمد بن بكار عن يحيى بن حمزة، ولم أجد فيه: أن لا يمس القرآن إلا طاهر، والله أعلم.(1/196)
وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرَقْمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أبيه عن جده فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فِي السُّنَنِ. وَالْفَرَائِضِ. وَالدِّيَاتِ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، انْتَهَى. وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْخَوْلَانِيُّ حدثني الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِنَحْوِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَمَ فِيهِ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد وَإِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرَقْمَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرَقْمَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدِ الثَّانِي رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَقَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْخَوْلَانِيُّ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَقَالَ: هُوَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَإِسْنَادُهُ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني2 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَوْرٍ هَاشِمِ بْنِ نَاجِيَةَ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ مُبَشِّرٍ عَنْ مَالِكٍ، فَأَسْنَدَهُ عَنْ جَدِّهِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ إسْحَاقَ الطَّبَّاعِ، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، قَالَ: وَهَذَا الصَّوَابُ عَنْ مَالِكٍ، لَيْسَ فِيهِ عَنْ جَدِّهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَقَوْلُهُ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَدُّهُ الْأَدْنَى، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَدُّهُ الْأَعْلَى، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَّصِلًا إذَا أُرِيدَ الْأَعْلَى، لَكِنَّ قَوْلَهُ: كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ لِأَنَّهُ الَّذِي كَتَبَ لَهُ الْكِتَابَ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِي عَهْدِهِ: وَلَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، انْتَهَى. قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، - وَفِي - تَفْسِيرِهِ إلَّا مُرْسَلًا، فَرَوَاهُ فِي مُصَنَّفِهِ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
__________
1 في باب زكاة الذهب ص 397 - ج 1 في حديث طويل.
2 ص 45، وص 283 والبيهقي في سننه ص 88، والدارمي في باب لا طلاق قبل النكاح ص 293(1/197)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِيهِ: وَلَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا هَكَذَا مُرْسَلًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ أَبِي بَكْرٍ يُخْبِرَانِهِ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ جَدِّهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَأَبُو أُوَيْسٍ صَدُوقٌ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَقَدْ رُوِيَ هذا الحديث من طريق أُخْرَى مُرْسَلَةٍ، وَسَيَأْتِي فِي الزَّكَاةِ وَفِي الدِّيَاتِ بَعْضُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ2 حَدِيثُ: لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ مُرْسَلٌ لَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طُرُقٍ3 أَقْوَاهَا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني4، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَالِمًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ"، انْتَهَى. وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأَشْدَقُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ النسائي: ليسس بِالْقَوِيِّ، وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ5 مِنْ حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ أَبِي حَاتِمٍ ثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، قَالَ: "لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَلَّالُ الْمَكِّيُّ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَان عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ"، انْتَهَى.
__________
1 ص 45 من طريق الحسن بن أبي الربيع، كما في المصنف، ومن طريق ابن زنجويه، كما في التفسير، وأخرجه البيهقي في: ص 87 من طريق الحسن، كما في المصنف.
2 في فصل تطهير عمر ليمس القرآن.
3 في السهيلي ص 217 - ج 1 من طرق حِسَان أقواها، الخ، قلت: طريق الطيالسي لم أجده في سنن الدارقطني ولا مسند الطيالسي والله أعلم.
4 ص 45، والبيهقي: ص 88.
5 في معرفة الصحابة ص 485 - ج 3، والدارقطني: ص 45، ولم أجده في البيهقي فيما عندي من أجزائه الستة، ولم يعز الحافظ إليه أيضاً.(1/198)
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَلَمْ أَجِدْهُ مَوْصُولًا، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمُ وَالْإِيهَامُ: وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مُنْتَخَبِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مَسْعَدَةُ البصري عن خضيب بْنِ جَحْدَرٍ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُفَيٍّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، وَالْعُمْرَةُ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَإِسْنَادُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، أَمَّا النَّضْرُ بْنُ شَفِيَ، فَلَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِي شَيْءٍ مِنْ مَظَانِّهِ، فَهُوَ مَجْهُولٌ جِدًّا، وأما الخضيب بْنُ جَحْدَرٍ، فَقَدْ رَمَاهُ ابْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ، وَأَمَّا مَسْعَدَةُ الْبَصْرِيُّ، فَهُوَ ابْنُ الْيَسَعَ تَرَكَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَخَرَقَ حَدِيثَهُ، وَوَصَفَهُ أَبُو حَاتِمٍ بِالْكَذِبِ، وَأَمَّا إسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ فَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى يَرْوِي عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَجَرِيرٍ. وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ شَيْخٌ لِأَبِي دَاوُد، وَأَبُو دَاوُد إنَّمَا يَرْوِي عَنْ ثِقَةٍ عِنْدَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَفِي الْبَابِ أَثَرَانِ جَيِّدَانِ: أَحَدُهُمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ خَتْنَك وَأُخْتَك قَدْ صَبَوْا، فَأَتَاهُمَا عُمَرُ، وَعِنْدَهُمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، يُقَالُ له: خباب وكانوا يقرؤون طَهَ، فَقَالَ: أَعْطُونِي الَّذِي عِنْدَكُمْ، فَأَقْرَأهُ - وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكُتُبَ - فَقَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إنَّك رِجْسٌ، وَلَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَقُمْ واغتسل، أَوْ تَوَضَّأَ، فَقَامَ عُمَرُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ طَهَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مُطَوَّلًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَهُ أَحَادِيثُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا. الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كنا مع سليمان، فَخَرَجَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ جَاءَ، فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَوْ تَوَضَّأْت لَعَلَّنَا نَسْأَلُك عَنْ آيَاتٍ، قَالَ: إنِّي لَسْت أَمَسُّهُ، إنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَقَرَأَ عَلَيْنَا مَا شئنا، انتهى. وصحح الدَّارَقُطْنِيُّ، قَوْله: رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا2.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَوَضَّئِي وَصَلِّي: وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
__________
1 في سننه ص 45، وص 46، والبيهقي كلاهما في: ص 8. والثاني: من طريق الدارقطني أيضاً.
2 قال الحافظ في الدراية ص 45: لم أجده، وقال العيني: ليس هذا موجوداً في الكتب المتعلقة بنفس الأحاديث، اهـ.
3 في باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها ص 46، والطحاوي في باب المستحاضة كيف تتطهر للصلاة ص 61، والبيهقي في باب المستحاضة تغسل عنها أثر الدم ص 344 - ج 1، والدارقطني في كتاب الحيض ص 78، وأحمد في مسنده ص 42 - ج 6.(1/199)
إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطهر، فأدع الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا، إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِك، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ على الحصير"، انتهى. ووهم شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِأَبِي دَاوُد مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَأَبُو دَاوُد - وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهُ - لَكِنْ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ فَلَيْسَ هُوَ حَدِيثُ الْكِتَابِ، وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ عَزَوْهُ لِأَبِي دَاوُد. وَابْنِ مَاجَهْ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُنْكَرُ عَلَى أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْمُحَدِّثِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَصْلِ الْحَدِيثِ، فَيَنْظُرَ مَنْ خَرَّجَهُ وَلَا يَضُرُّهُ تَغَيُّرُ بَعْضِ أَلْفَاظِهِ، وَلَا الزِّيَادَةُ فِيهِ أَوْ النَّقْصُ، وَأَمَّا الْفَقِيهُ فَلَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَقْصِدُ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى حُكْمِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا يَتِمُّ لَهُ هَذَا إلَّا بِمُطَابَقَةِ الْحَدِيثِ لِمَقْصُودِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُد لَمْ يَنْسِبْ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، كَمَا نَسَبَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَصْحَابُ الْأَطْرَافِ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ مُعْتَمَدِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ1: إنَّ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَلَمْ يَنْسِبُوا عُرْوَةَ، وَلَكِنَّ ابْنَ رَاهْوَيْهِ. وَالْبَزَّارَ أَخْرَجَاهُ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُصَلِّي الْمُسْتَحَاضَةُ، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: زَعَمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ3 أَنَّهُ ضَعَّفَهُ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا أَنَّ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ فَوَقَفَهُ عَلَى عَائِشَةَ، وَأَنْكَرَ4 أَنْ يَكُونَ5 مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ أَيْضًا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَلَى عَائِشَةَ وَبِأَنَّ الْأَعْمَشَ أَيْضًا رَوَاهُ مَرْفُوعًا أَوَّلُهُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْوُضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَبِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ فِيهِ: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ جَامِعِهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي عُمْرَةِ رَجَبٍ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقُبْلَةِ: قال يحيى بن الْقَطَّانُ: رَوَى حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثَيْنِ، كِلَاهُمَا لَا شَيْءَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ
__________
1 قول أبي داود في باب الوضوء من القبلة ص 27، قال أبو داود. وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً، اهـ. يصحح سماعه من عروة بن الزبير، والله أعلم.
2 ص 78.
3 كلام أبي داود هذا موجود في السنن ص 47.
4 يعني حفصا.
5 حديث حبيب.(1/200)
بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، وَالْآخَرُ: حَدِيثُ تُصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْكَلَامُ بِحُرُوفِهِ نَقَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ هَذَا ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ شَيْئًا، وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، فَوَقَفَهُ عَلَى عَائِشَةَ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ أَيْضًا أَسْبَاطُ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ، وَرَوَاهُ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ قَمِيرَ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ , وَاَلَّذِي عِنْدَ النَّاسِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَوْقُوفٌ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اعْتَكَفَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا، وَهِيَ تُصَلِّي، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَدِّ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. ومن حديث سودة بن زَمْعَةَ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ، قَالَ: وَسَأَلْت مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقُلْت لَهُ: عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، جَدُّ عَدِيٍّ مَا اسْمُهُ؟ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَذَكَرْت لَهُ قَوْلَ يحيى بن معين: إنه اسْمَهُ دِينَارٌ، فَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو داود: د عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ هَذَا ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ، وَرَوَاهُ أَبُو الْيَقْظَانِ عَنْ عَدِيِّ بن ثابت عن أبي عَنْ عَلِيٍّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي: الْمَعْرِفَةِ: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: جَدُّ عَدِيٍّ اسْمُهُ دِينَارٌ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَا اسْمُهُ،
__________
1 أخرجه البخاري في صحيحه في الصوم في باب اعتكاف المستحاضة ص 273.
2 في باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر ص 47، والترمذي في باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة ص 81 وابن ماجه في باب المستحاضة التي عدت أيام أقرائها ص 46، ورواه الطحاوي: ص 61، والدارمي: ص 12 والبيهقي: 347 - ج 1.(1/201)
وَشَرِيكٌ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيّ قَاضِي الْكُوفَةِ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَبُو الْيَقْظَانِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ الْكُوفِيُّ، وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنْبَأَ أَيُّوبُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ الْقَاضِي عَنْ قُمَيْرَ - امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ - عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ مَرَّةً، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ إلَى مِثْلِ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ ثَنَا وُهَيْبٍ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اُسْتُحِيضَتْ، فَأَمَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَسْتَذْفِرُ بِثَوْبٍ وَتُصَلِّي"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رواته كلهم ثقات، رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ امْرَأَتَهُ أَتَتْ أُمَّ سَلَمَةَ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ عليه السلام: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تغتسل وتستثفر بِثَوْبٍ، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي إلَى مِثْلِ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ يُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَةُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَوْدَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مُوَرِّعٌ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو ذُهْلٍ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْحَرْبِيُّ1 ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ2 عَنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا الَّتِي كَانَتْ تَجْلِسُ فِيهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ"، انْتَهَى.
فَصْل
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ" قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "المستحاضة تعد الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي"،
__________
1 في نسخة الجرمي.
2 كذا في العييني، وقال الهيثمي في الزوائد ص 281: جعفر عن سودة، ولم أعرفه، اهـ. قلت: فليراجع، أجعفر هو أم أبو جعفر، والله أعلم.(1/202)
انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: وَالْوُضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ، زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ خَبَرَهَا، وَقَالَ: "ثُمَّ اغْتَسِلِي ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وصلي"، بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: "وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُسْتَحَاضُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، فَقَالَ: "لَيْسَ ذَاكَ بِحَيْضِ، وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْحَيْضُ فَدَعِي الصَّلَاةَ عَدَدَ أَيَّامِكِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ"، انْتَهَى. وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ هِيَ مُعَلَّقَةٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُرْوَةَ فِي صَحِيحِهِ رَوَى فِي الطَّهَارَةِ فِي بَابِ غَسْلِ الدَّمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي معاوية محمد بن حازم عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدْعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا، إنَّمَا ذلك عرق وليس بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّي"، قَالَ1: وَقَالَ أَبِي2: "ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مُتَّصِلًا، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ. وَعَبْدَةَ. وَأَبِي مُعَاوِيَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ: وَقَالَ: تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَدْ جَعَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِثْلَ هَذَا تَعْلِيقًا4 فَقَالَ فِي بَابِ الاستسقاء: وقال الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى بِشْرِ5 بْنِ الْوَلِيدِ البيكندي6 وَأَنَا حَاضِرٌ، قِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمْ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي أَيُّوبَ
__________
1 أي هشام.
2 أي عروة.
3 في باب المستحاضة ص 18.
4 قال الحافظ في الفتح ص 286، على قوله: قال أبي: ادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بالصواب، بل هو بالإسناد المذكور، وادعى آخر أن قوله: ثم توضئي من كلام عروة موقوفاً عليه، وفيه نظر، لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع، وهو قوله: فاغتسلي اهـ. قلت: المدعي الآخر البيهقي، حيث قال في سننه ص 344 - ج 1: والصحيح أن هذه الكلمة من قول عروة بن الزبير، اهـ. ويؤيده ما في الدارمي ص 106، قال هشام: فكان أبي يقول: تغتسل الأولى، ثم ما يكون بعد ذلك فإنها تطهر وتصلي، اهـ.
5 في نسخة بشير.
6 في نسخة الكندي.(1/203)
الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ؟ انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي ثِقَةٌ إذَا كَانَ يَرْوِي عَنْ ثِقَةٍ، إلَّا أَنَّ الْأَفْرِيقِيَّ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، وَابْنُ عَقِيلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ امْرَأَتَهُ أَتَتْ أُمَّ سملة تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ عليه السلام: "تَدْعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثم تغتسل وتستثفر بِثَوْبٍ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي إلَى مِثْلِ ذَلِكَ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ.
الْحَدِيثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ لكل صَلَاةٍ" قُلْتُ: غَرِيبٌ جِدًّا1 قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ2: وَمَذْهَبُنَا قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، وَذَلِكَ أَنَّا عَهِدْنَا الْإِحْدَاثَ، إمَّا خُرُوجُ خَارِجٍ. أَوْ خُرُوجُ وَقْتٍ، فخروج خارج مَعْرُوفٌ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ حَدَثٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَرَجَعْنَا فِي هَذَا الْحَدَثِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَجَعَلْنَاهُ كَالْحَدَثِ الَّذِي أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَوُجِدَ لَهُ أَصْلٌ، وَلَمْ نَجْعَلْهُ كما يُجْمَعْ عَلَيْهِ، وَلَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا لِأَنَّا لَمْ نَعْهَدْ الْفَرَاغَ مِنْ الصَّلَاةِ حَدَثًا قَطُّ، انْتَهَى.
__________
1 قال الحافظ في الدراية: لم أجده هكذا، اهـ. قال العيني في البناية ص 416: قال بعضهم: هذا غريب: يعني بلفظ: لوقت كل صلاة، قلت: ليس كذلك، بل روى هذا الحديث بهذه اللفظة في بعض ألفاظ حديث فاطمة بنت أبي حبيش توضئي لكل وقت صلاة، ذكره ابن قدامة في المغني وروى الإمام أبو حنيفة هكذا: المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، ذكره السرخسي في المبسوط وروى أبو عبد الله بن بطة بإسناده عن حمنة بنت جحش أنه عليه السلام أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة، والغسل يغني عن الوضوء، فبطل الاشتراط لكل صلاة:، اهـ.
2 ص 64.(1/204)
فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، قُلْتُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ أَبِي سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُسَّةُ الْأَزْدِيَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنْ الْكَلَفِ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد فِي لَفْظِ: لَا يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَضَاءِ صَلَاةِ النِّفَاسِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَبُو سَهْلٍ ثِقَةٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا مِنْ حَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 بِزِيَادَةِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا،
__________
3 في باب وقت النفساء ص 49، والترمذي في باب كم تمكث النفساء ص 20، وابن ماجه في باب النفساء كم تجلس ص 47، وسياق المخرج ملفق من الروايتين في أبو داود.
4 ص 175.(1/204)
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُسَّةَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَيْ كَانَتْ النُّفَسَاءُ تُؤْمَرُ أَنْ تَقْعُدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، قَالَ: إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّفِقَ عَادَةُ نِسَاءِ عَصْرٍ فِي نِفَاسٍ وَلَا حَيْضٍ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: أَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ مَعْلُولَةٌ، وَأَحْسَنُهَا حَدِيثُ مُسَّةَ الْأَزْدِيَّةِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَحَدِيثُ مُسَّةَ أَيْضًا مَعْلُولٌ، فَإِنَّ مُسَّةَ الْمَذْكُورَةَ، وَتُكَنَّى أُمَّ بَسَّةَ2 لَا يُعْرَفُ حَالُهَا وَلَا عَيْنُهَا، وَلَا يُعْرَفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَيْضًا فَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُنَّ نُفَسَاءُ مَعَهُ إلَّا خَدِيجَةُ، وَنِكَاحُهَا كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهَا: قَدْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إلَى آخِرِهِ، إلَّا أَنْ تُرِيدَ بِنِسَائِهِ غَيْرَ أَزْوَاجِهِ مِنْ بَنَاتٍ. وَقَرِيبَاتٍ. وَسُرِّيَّةٍ عَارِيَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَعَلَّهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ بِكَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْوِي الْأَشْيَاءَ الْمَقْلُوبَاتِ، فَاسْتَحَقَّ مُجَانَبَةَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ الرِّوَايَاتِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمٍ الطَّوِيلِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عن حُمَيْدٍ غَيْرُ سَلَّامٍ هَذَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: لَمْ يُخَرِّجْ ابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِهِ لِسَلَّامٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ5 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِلَالٍ الْأَشْعَرِيِّ ثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أبي العاص، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول "لِلنِّسَاءِ فِي نِفَاسِهِنَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: إنْ سَلِمَ هَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ أَبِي بِلَالٍ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحُصَيْنِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ رَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهِيَ طَاهِرٌ، وَإِنْ جَاوَزَتْ الْأَرْبَعِينَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ تَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: وَعَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ. وَمُحَمَّدِ بْنِ عُلَاثَةَ لَيْسَا مِنْ شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ شَاهِدًا، انْتَهَى.
__________
1 ص 82.
2 بفتح الموحدة، كذا في البناية: ص 429 - ج 1.
3 ص 48.
4 ص 81.
5 ص 176.(1/205)
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ. وَابْنُ عُلَاثَةَ مَتْرُوكَانِ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بِلَالٍ الْأَشْعَرِيِّ ثَنَا حِبَّانُ عَنْ عَطَاءٍ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِلنِّسَاءِ فِي نِفَاسِهِنَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ تَضْعِيفُهُ لِأَبِي بِلَالٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَلْوَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا فِي الْأَرْبَعِينَ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَحُسَيْنُ بْنُ عَلْوَانَ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَعَطَاءُ هَذَا هُوَ عَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ هَكَذَا نَسَبَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أَحَادِيثَ مَنْ اسْمُهُ عَطَاءٌ وَهُوَ جُزْءٌ حَدِيثِيٌّ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثُ يُرْوَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ جِهَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ كُوفِيٌّ ضَعِيفٌ، تَفَرَّدَ فِي رِوَايَتِهِ بِأَشْيَاءَ، مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَحَدٌ غَيْرُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جَنَّادٍ2 ثَنَا سليمان بن حيان أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ الْأَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قال: وقت للنساء أَرْبَعِينَ يَوْمًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي دَاوُد3 وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فإن بلغت أربيعن يَوْمًا وَلَمْ تَرَ الطُّهْرَ فَلْتَغْتَسِلْ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ الْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ الْمَدِينِيِّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا مَضَى أَرْبَعُونَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي"، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْرِفُهُ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَى ذَلِكَ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا، وَإِنْ جَاوَزَتْ الْأَرْبَعِينَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ. والدارقطني. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 في الدارقطني: ص 82 من طريق سعد بن الصلت، قال: ثنا عطاء بن عجلان، الخ، قال الدارقطني: عطاء متروك.
2 عبيد بن جناد ضعيف دراية.
3 مكحول لم يسمع من أبي الدرداء، ولا من أبي هريرة دراية.(1/206)
بَابُ الْأَنْجَاسِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ1 فِي كُتُبِهِمْ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ"، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ انْضَحِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: فَإِنْ رَأَتْ فِيهِ دَمًا فَلْتَقْرُصْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، وَلْتَنْضَحْ مَا لَمْ تَرَ، وَتُصَلِّي فِيهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَفِيهِ قَالَ: "اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ وَاغْسِلِيهِ وَصَلِّي فِيهِ"، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ فِي كِتَابِ الْمُنْتَقَى حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ أَنْ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ يُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ، فَقَالَ: "حُتِّيهِ وَاقْرُصِيهِ وَرُشِّيهِ بِالْمَاءِ"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنْ الثِّيَابِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَهُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَا يَقُولُ بِهِ إمَامُهُ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ، وَسَيَأْتِي اكلام عَلَيْهِ قَرِيبًا.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنْ كَانَ بهما أذى فليمسحها بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 مِنْ طَرِيقِينَ: أَحَدُهُمَا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
__________
1 المسلم في باب نجاسة الدم وكيفية غسله ص 140، والبخاري في باب غسل الدم ص 36، وأبو داود في باب المرأة يغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها ص 140، وص 58، وابن جارود في الحيض ص 64.
2 في باب الأذى يصيب النعل ص 61، والطحاوي: ص 31.
3 ص 166.(1/207)
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقٍ لَا يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ بِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ1 الصَّنْعَانِيُّ الْأَصْلِ، الْمِصِّيصِيِّ الدَّارِ أَبُو يُوسُفَ ضَعِيفٌ، وَأَضْعَفُ مَا هُوَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي أَشْيَاءَ مُنْكَرَةً، وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي: هُوَ عِنْدِي لَيْسَ ثِقَةً، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي2: عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قال: أنبئت أن سعيد الْمَقْبُرِيَّ حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: "إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الْأَوَّلُ: فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَفِيهِ مَقَالٌ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ. وَالثَّانِي: فِيهِ مَجْهُولٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاةِ3 عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ ألقوا نعاهم، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم صَلَاتَهُ، قَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ؟ " قَالُوا: رأينا أَلْقَيْت نَعْلَيْك، فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ جبرئيل أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا"، وَقَالَ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلِيَمْسَحْهُ، وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مَسَانِيدِهِمْ بِنَحْوِ أَبِي دَاوُد.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ الْقُرَشِيِّ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم الرَّجُلُ يَطَأُ
__________
1 محمد بن كثير، وإن ضعف لكن تابعه على هذا أبو المغيرة، والوليد بن مزيد، وعمرو بن عبد الواحد عن الأوزاعي، وكلهم ثقات، ومحمد بن عجلان، وإن ضعفه بعضهم لكن الأكثرين على توثيقه، ويؤيد هذا الحديث ما أخرجه المؤلف في باب الصلاة في النعال من حديث أبي سعيد عون ص 1148 - ج 1.
2 أخرجه أبو داود، والحاكم.
3 في باب الصلاة في النعل ص 102 - ج 1.
4 في باب الأذى يصيب النعل ص 61.(1/208)
بِنَعْلَيْهِ فِي الْأَذَى، قَالَ "التُّرَابُ لَهُمَا طَهُورٌ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ هَذَا عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَمَالِكٍ. وَأَحْمَدَ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ سَمْعَانَ بِهِ، وَقَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَى ابْنِ سَمْعَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ كَذَّابٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي الْمَنِيِّ: "فَاغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا". قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ2 ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إذَا كَانَ يَابِسًا وَأَغْسِلُهُ إذَا كَانَ رَطْبًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ في مسنده وقال: لَا يُعْلَمُ أَسْنَدَهُ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ3 هَذَا، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَمْرَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْحَنَفِيَّةُ يَحْتَجُّونَ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ بِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: "اغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا"، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ فَرْكَ الثَّوْبِ عَلَى غَيْرِ الثَّوْبِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، وهذا ينتقص بِمَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ4: كُنْت أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَيُصَلِّي فِيهِ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد5 ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، وَالْفَاءُ تَرْفَعُ احْتِمَالَ غَسْلِهِ بَعْدَ الْفَرْكِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الفرك بالماء، وهذا ينتقص بِمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا لَقَدْ رَأَيْتنِي وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِظُفْرِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ6 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَيَخْرُجُ، فَيُصَلِّي وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى بُقَعِ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهَا: كُنْت أَفْرُكُ مِنْ ثَوْبِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، كَمَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ
__________
1 ص 46، والطحاوي في: ص 30، والبيهقي: ص 417 - ج 2.
2 الحميدي.
3 عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الحميدي المكي أبو بكر ثقة حافظ فقيه أجل أصحاب بن عيينة، قال الحاكم: كان البخاري إذا وجد الحديث عن الحميدي لا يعزوه إلى غيره، تقريب.
4 في باب حكم المني ص 140 - ج 1.
5 في باب المني يصيب الثوب ص 59، وفيه: فيصلي فيه، اهـ. وأخرجه الطحاوي: ص 31، وفيه: ثم يصلي فيه.
6 البخاري في باب غسل المني وفركه ص 36، ومسلم في باب حكم المني ص 140، وأقرب ألفاظ المخرج ما عند الدارقطني: ص 46، وأخرج ابن جارود ص 73 من حديث عائشة، قالت: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أصابه المني غسل ما أصابه، ثم يخرج إلى الصلاة، وأنا أنظر إلى البقع في ثوبه من أثر الغسل، اهـ.(1/209)
غَسْلِهِ قَدَمَيْهِ وَمَسْحِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ1: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ غَسْلَهُ كَانَ لِلِاسْتِقْذَارِ لَا لِلنَّجَاسَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: سَيَأْتِي قَرِيبًا.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عَزَّةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إنِّي احْتَلَمْتُ عَلَى طُنْفُسَةٍ، فَقَالَ: إنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَاحْكُكْهُ، وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْك فَارْشُشْهُ بِالْمَاءِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ، رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْبَأَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَحُتُّهُ يَابِسًا ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ2 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ، قَالَ: "إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ أَوْ الْبُزَاقِ"، وَقَالَ: "إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِسْحَاقُ إمَامٌ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَفْعُهُ زِيَادَةٌ، وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ وَقَفَهُ لَمْ يَحْفَظْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ3 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شريك عن ابن لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا، وَلَا يَثْبُتُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَنِيَّ"، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَسْقِي رَاحِلَةً لِي في ركوة، إذا تَنَخَّمْتُ فَأَصَابَتْ نُخَامَتِي ثَوْبِي، فَأَقْبَلْت أَغْسِلُهَا، فَقَالَ: "يَا عَمَّارُ مَا نُخَامَتُك وَلَا دُمُوعُك إلَّا بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي فِي رَكْوَتِك، إنَّمَا يُغْسَلُ
__________
1 قال الشوكاني في النيل ص 48 - ج 1: قالوا: الأصل الطهارة، فلا ينتقل عنها إلا بدليل، وأجيب بأن التعبد بالإزالة غسلاً أو مسحاً أو فركاً أو حتاً أو سلتاً أو حكاً ثابت، ولا معنى لكون الشيء، إلا أنه مأمور بإزالته بما أحال عليه الشارع، فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور الواردة، اهـ.
2 قال الدارقطني: محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة في حفظه، وقال في موضع آخر: رديء الحفظ كثير الوهم.
3 وقال في السنن ص 418 - ج 2: هذا صحيح عن ابن عباس من قوله: وقد روي مرفوعاً، ولا يصح رفعه، اهـ.
4 في باب نجاسة البول ص 47 بمعناه.(1/210)
الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ الْبَوْلِ. وَالْغَائِطِ. وَالْمَنِيِّ. والدم. والقيء"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَلَهُ أَحَادِيثُ فِي أَسَانِيدِهَا الثِّقَاتُ يُخَالَفُ فِيهَا، وَهِيَ مَنَاكِيرُ وَمَقْلُوبَاتٌ، انْتَهَى. قُلْت: وَجَدَتْ لَهُ مُتَابِعًا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، رَوَاهُ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعِجْلِيّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنِّي وَجَدْت الْحَدِيثَ فِي نُسْخَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ مِنْ مُسْنَدِ الْبَزَّارِ: مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَنِيُّ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ الْغَائِطِ. وَالْبَوْلِ. وَالْقَيْءِ. وَالدَّمِ.، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ كَانَ ثِقَةً، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَوَى غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. نَقَلَ الْبَزَّارُ ذَلِكَ عَنْ شَيْخِ شَيْخِهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى فِي بَابِ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ دُونَ الْمَائِعَاتِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "يَا عَمَّارُ مَا نُخَامَتُك" إلَى آخِرِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، إنَّمَا رَوَاهُ ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بن يزيد عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رحمه الله تَوَهَّمَ أَنَّ تَشْبِيهَ النُّخَامَةِ فِي الْحَدِيثِ بِالْمَاءِ فِي الطَّهُورِيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا التَّشْبِيهُ فِي الطَّهَارَةِ، أَيْ النُّخَامَةُ طَاهِرَةٌ لَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَشِبِّيهِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ اسْتِوَاؤُهُمَا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، فَصَحَّ أَنَّ مَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونَا بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الْعِجْلِيّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، وَرَوَى لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَدُوقٌ1، وَثَابِتٌ هَذَا، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: مَا رَأَيْت أَحَدًا بَعْدَ الْكَشْفِ التَّامِّ جَعَلَهُ مُتَّهَمًا بِالْوَضْعِ غَيْرَ الْبَيْهَقِيّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَنْسِبْهُ إلَى الْوَضْعِ، وَإِنَّمَا حَكَى فِيهِ قَوْلَ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَقَوْلَ ابْنِ عَدِيٍّ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "زَكَاةُ الْأَرْضِ يَبَسُهَا" 2. قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: زَكَاةُ الْأَرْضِ يَبَسُهَا، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ3 وَأَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: إذَا جَفَّتْ الْأَرْضُ فَقَدْ زَكَتْ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي
__________
1 من رجال اللسان.
2 استدل أبو داود على المسألة بحديث أبي هريرة: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك، وبوب عليه بقوله: باب طهور الأرض إذا يبست ص 60، وأخرجه البخاري في الوضوء في باب إذا شرب الكلب في الإناء، ولكنه لم يذكر تبول، وأخرج غيره بسند البخاري، وزاد قبل قوله: تقبل، تبول، وبعدها واو العطف قاله الحافظ.
3 في باب من قال: إذا كانت جافة فهو زكاتها ص 41، وأثر أبي جعفر في الباب الذي قبله ص 41.(1/211)
مُصَنَّفِهِ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جُفُوفُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا، انْتَهَى. وَقَدْ يَسْتَدِلُّ الْخَصْمُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عليه السلام: "لَا تَزْرِمُوهُ"، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَال، ثُمَّ أَمَرَ رَجُلًا فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ مُخْتَصَرٌ، وَوَرَدَ فِيهِ: الْحَفْرُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُسْنَدَيْنِ. وَطَرِيقَيْنِ مُرْسَلَيْنِ: فَالْمُسْنَدَانِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ سَمْعَانَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَال فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَانِهِ فَاحْتُفِرَ وَصَبَّ عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عليه السلام: "احْفِرُوا مَكَانَهُ، ثُمَّ صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهِمَ عَبْدُ الْجَبَّارِ عَلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ، لِأَنَّ أَصْحَابَ ابْنِ عُيَيْنَةَ الْحُفَّاظَ رَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِدُونِ الْحَفْرِ، وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "احْفِرُوا مَكَانَهُ"، مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُرْسَلَانِ: فَأَحَدُهُمَا: هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ. وَالثَّانِي: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: صَلَّى أَعْرَابِيٌّ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهِ، فَقَالَ عليه السلام: "خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى مكانه ماءاً"، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثٌ لِأَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ بِالدِّرْهَمِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ رَوْحِ بْنِ غُطَيْفٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ"، وَفِي لَفْظٍ إذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ غُسِلَ الثَّوْبُ وَأُعِيدَتْ الصَّلَاةُ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَرَوْحٌ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ، لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ اخْتَرَعَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَكَانَ رَوْحُ بْنُ غُطَيْفٍ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وذكر ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَزِيدَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا
__________
1 في باب وجوب غسل البول وغيره، والبخاري أيضاً في الطهارة وفي الأدب في باب الرفق في الأمر كله ص 890.
2 ص 48، والطحاوي: ص 8، وقال الدارقطني: سمعان مجهول.
3 في الطهارة في باب الأرض يصيبها البول ص 60.
4 الدارقطني: ص 154، والبخاري في التاريخ الصغير له ص 138، قال: روى روح بن غطيف به، وقال: هذا لا يتابع عليه.(1/212)
نَحْوَهُ، وَأَغْلَظَ فِي نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ.
قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا كَانَ يَعْنِي بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، مُخَفَّفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَبِي يُوسُفَ، لمكان الاختلاف في نجاسة أَوْ لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، يُشِيرُ بِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، إلَى حَدِيثِ اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ مَعَ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ، وَقَدْ مَرَّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ، يُشِيرُ إلَيْهِمَا أَيْضًا.(1/213)
فصل في الاستنجاء
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهِ يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ. وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، انْتَهَى. فِي لَفْظٍ آخَرَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَرَّزُ لِحَاجَتِهِ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَغْتَسِلُ بِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَى الْخَلَاءَ، أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ أَوْ رَكْوَةٍ فَاسْتَنْجَى، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ آخَرَ، فَتَوَضَّأَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ قط إلا مس ماءاً، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ مَقْعَدَتَهُ ثَلَاثًا، قَالَ ابْنُ عمر: فعلناه فوجدناه دواءاً وَطَهُورًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مُرُوا5 أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَغْسِلُوا أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله وأنا أستحيهم، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ
__________
1 البخاري في الطهور في باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء ص 27، ومسلم في باب النهي عن الاستنجاء باليمين ص 132 - ج 1 واللفظ له.
2 في باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى ص 8.
3 في باب الاستنجاء بالماء.
4 ص 106، والنسائي: ص 18 في باب الاستنجاء بالماء عن قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة به، وفيه: يستطيبوا بالماء، وكذا الترمذي: ص 5 - ج 1.
5 كذا في العلل وفي البيهقي مرن.(1/213)
سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ بِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو قِلَابَةَ. وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، فَلَمْ يُسْنِدْهُ1 إلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَتَادَةُ حَافِظٌ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ نِسْوَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَخَلْنَ عَلَيْهَا، فَأَمَرَتْهُنَّ أَنْ يَسْتَنْجِينَ، وَقَالَتْ: مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ بِذَلِكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَقَالَتْ: هُوَ شِفَاءٌ مِنْ الْبَاسُورِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا مُرْسَلٌ، أَبُو عَمَّارٍ شَدَّادٌ لَا أُرَاهُ أَدْرَكَ عَائِشَةَ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِمُوَاظَبَتِهِ عليه السلام عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ لِمَذْهَبِنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ هُنَا.
أَحَادِيثُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ، اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلْقَائِلَيْنِ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: "إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2، وَبِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ" وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مثل الولد إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ" وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ، وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ كُلُّهُمْ بِلَفْظٍ: وَكَانَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَلِذَلِكَ عَزَوْنَاهُ لِلْبَيْهَقِيِّ، لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْكِتَابِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ5 مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ! فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَل، نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ، أَوْ عَظْمٍ، انْتَهَى.
__________
1 في العلل ص 42، قلت لأبي زرعة: إن شعبة يروي عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة موقوفاً، وأسنده قتادة فأيهما أصح؟ قال: حديث قتادة مرفوع أصح، وقتادة أحفظ، ويزيد الرشك ليس به بأس، اهـ.
2 البخاري في باب الوضوء من غير حدث ص 34، ومسلم في باب الدليل على نجاسة البول ص 141.
3 في باب الاستنجاء بالأحجار ص 7، والنسائي في الاجتزاء بالاستطابة بالحجارة دون غيرها ص 17.
4 في باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة ص 3، والنسائي في باب النهي عن الاستطابة بالروث والطحاوي في باب الاستجمار ص 72، وابن ماجه في باب الاستنجاء بالحجارة ولفظه. وأمر بثلاثة أحجار.
5 في باب الاستطابة ص 130 - ج 1.(1/214)
حَدِيثٌ آخَرُ بِلَفْظِ الْكِتَابِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ1 الْمُضَرِيُّ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلَاثَةِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ"، قَالَ زَمْعَةُ: فَحَدَّثْت بِهِ ابْنَ طَاوُسٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِهَذَا سَوَاءً"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ الْمُضَرِيِّ، وَهُوَ كَذَّابٌ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيه عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا2 لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَوْلَهُ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيُّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ وَذَكَرَ كَلَامَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْجَعْدِ ثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنِي خَلَّادٌ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ السَّائِبِ3 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ" انْتَهَى. وَضُعِّفَ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ. وَالنَّسَائِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد4. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ قُرْطٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ"، انْتَهَى. ورواه الدارقطني بلفظ: "فلستطب بثلاثة أحجارفإنها تُجْزِئُ عَنْهُ"، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ الْهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أبي أسورة عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ5، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَمَسَّحْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَافِيهِ"، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَاسْتَدَلَّ مِنْ جَوَّزَ الِاسْتِنْجَاءَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ6 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا زُهَيْرُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: "هَذَا رِكْسٌ" وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ7 مِنْ حَدِيثِ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ: ادِّعَاءُ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ أَبِي إسْحَاقَ،
__________
1 أحمد بن الحسن بن أبان المضري من رجال الميزان.
2 قال البيهقي ص 11: هذا هو الصحيح عن طاوس، من قوله، اهـ.
3 حديث السائب قال الهيثمي في الزوائد ص 211: رواه الطبراني في الكبير - والأوسط وقيه: حماد بن الجعد، وقد أجمعوا على ضعفه، اهـ.
4 في باب الاستنجاء بالأحجار ص 7، والنسائي في باب الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة ص 18.
5 حديث أبي أيوب قال في الزوائد ص 211 - ج 1: رواه الطبراني في الكبير - والأوسط ورجاله موثقون، إلا أن أبا شعيب صاحب أبي أيوب، فلم أر فيه تعديلاً ولا جرحاً.
6 في باب لا يستنجي بروث ص 27.
7 في باب الاستنجاء بالحجرين.(1/215)
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَأَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا مِنْ أَبِي إسْحَاقَ، ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ ابْنِ الشَّاذَكُونِيِّ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ بِتَدْلِيسٍ قَطُّ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا وَلَا أَخْفَى، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَمْ يُحَدِّثْنِي، وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ فُلَانٍ عن فلان، ولم بقل: حَدَّثَنِي. فَجَازَ الْحَدِيثُ، وَسَارَ الِاعْتِرَاضُ. الثَّانِي: الِاخْتِلَافُ فِي إسْنَادِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ فِي حَدِيثِ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْجَى بِحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: اخْتَلَفُوا فِي إسْنَادِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَى إسرائيل عن أبي إسحاق عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَإِسْرَائِيلُ أَحْفَظُهُمْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 أَيُّ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ أَصَحُّ؟ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَكَأَنَّهُ رَأَى حَدِيثَ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَشْبَهَ، فَوَضَعَهُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ، وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا عِنْدِي حَدِيثُ إسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُ أَثْبَتُ وَأَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي إسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ. الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ، فَأَمَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَأَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: "إنَّهَا رِكْسٌ ائْتِنِي بِحَجَرٍ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ3 أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ4 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ التَّدْلِيسُ، فَقَدْ نَبَّهَ الْبُخَارِيُّ عَلَى عَدَمِهِ بعد ما أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا، وَاعْتَرَضَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِأَنْ قَالَ: وَذِكْرُ إبْرَاهِيمَ5 بْنِ يُوسُفَ لِسَمَاعِ أَبِي إسْحَاقَ لَا يَجْعَلُهُ مُتَّصِلًا، ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ جِهَةِ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. قَالَ: وَذِكْرُ الْبُخَارِيِّ لِرِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ - لعضد - رَفْعَ التَّدْلِيسِ مِمَّا يَقْتَضِي
__________
1 الدارمي.
2 ص 20، وأحمد: ص 450 - ج 1، من طريق أبي إسحاق عن علقمة، وهو منقطع كما قال البيهقي في كتاب القراءة ص 149: أبو إسحاق لم يسمع من علقمة شيئاً، واختلف على أبي إسحاق في الإسناد كما قال الدارقطني ص 20: قد اختلف علي بن أبي إسحاق في إسناد هذا الحديث وقد بينت الاختلاف في موضع آخر، اهـ.
3 لم أجد قوله: تابعه، الخ.
4 قلت: إبراهيم بن عثمان متروك تقريب والميزان.
5 قال النسائي: ليس بالقوي، وقال الجوزجاني: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: حسن الحديث يكتب حديثه وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وليس بمنكر الحديث يكتب حديثه، ذكره ابن حبان في الثقات، قال الدارقطني: ثقة، وقال ابن معين: ليس بالأقوى ما يكون، وقال أبو داود: ضعيف تقريب.(1/216)
أَنَّهُ عِنْدَهُ فِي حِيزَ مَنْ تَرَجَّحَ بِهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعَتْ أَبِي يَقُولُ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ، وَوَجْهٌ آخَرُ فِي رَفْعِ التَّدْلِيسِ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى الْبُخَارِيِّ، بَعْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ لَا يَرْضَى أَنْ يَأْخُذَ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ مَا لَيْسَ بِسَمَاعٍ لِأَبِي إسْحَاقَ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الِاخْتِلَافُ، وَمَا قِيلَ فِيهِ مِنْ التَّرْجِيحِ لِرِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي زُرْعَةَ. وَأَبِي عِيسَى، فَلَعَلَّ البخاري لم يرى ذَلِكَ مُتَعَارِضًا، وَجَعَلَهُمَا إسْنَادَيْنِ، أَوْ أَسَانِيدَ، وَمِمَّا يُعَارِضُ كَوْنَ الصَّحِيحِ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، وَهَذَا نَفْيٌ لِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ صَرِيحًا، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ زِيَادَةُ ائْتِنِي بِحَجَرٍ فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا، لَمَّا رَوَاهَا، وَلَا الْبَيْهَقِيُّ، وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ، فَإِنَّ أَبَا إسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلْقَمَةَ شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبَيْهَقِيُّ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ سُنَنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ هُنَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ الدِّيَةُ أَخْمَاسٌ: إنَّ أَبَا إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُ رَآهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عليه السلام أَخَذَ حَجَرًا ثَالِثًا مَكَانَ الرَّوْثَةِ، وَبِالِاحْتِمَالِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ"، قُلْتُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُصَيْنٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَبِي سَعْدِ الْخَيْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ" مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ دُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أن رواه: هذا الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ وِتْرًا
__________
1 في باب الاستتار في الخلاء ص 6، وابن ماجه في باب الارتياد للغائط ص 29، والطحاوي في باب الإستجمار ص 72، وأحمد: ص 371 - ج 2، والبيهقي: ص 94 - ج 1، وأخرجه الحاكم في المستدرك - في الأشربة ص 137، وقال فيه: صحيح الإسناد، قال الذهبي: صحيح، وقال الحافظ في الفتح ص 225: حسنة الإسناد، وقال ابن الحزم في المحلى ص 99 - ج 1: ابن حصين مجهول، وأبو سعد كذلك، وتعقبه المحشي في الأول.
2 قال الحافظ في الفتح: هذه الزيادة حسنة الإسناد، وأخذ بهذه الرواية أبو حنيفة. ومالك، فقالوا: لا يعتبر العدد، بل المعتبر الإيتار تحفة الأحوزي.(1/217)
بَعْدَ الثَّلَاثِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ1 مَرْفُوعًا إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، أما ترى السماوات سَبْعًا، وَالْأَرَضِينَ سَبْعًا، وَالطَّوَافَ؟!! وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، انْتَهَى. وَهَذَا فيه نظر، أما قَوْلُهُ إنْ صَحَّ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا تَأْوِيلُهُ بِوِتْرٍ يَكُونُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَدَعْوَى مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُسْتَحَبًّا، لِأَمْرِهِ عليه السلام بِهِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَعِنْدَهُمْ لَوْ حَصَلَ النَّقَاءُ بِالثَّلَاثِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مُسْتَحَبَّةً، بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ النَّقَاءُ الثلاث، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا، ثُمَّ حَدِيثُ أما ترى السماوات سَبْعًا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوِتْرِ مَا يَكُونُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْوِتْرِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ السَّبْعُ بِخُصُوصِهَا لَلَزِمَ بِذَلِكَ وُجُوبُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالسَّبْعِ، لِأَنَّهَا الْمَأْمُورُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ يُتْبِعُونَ الحجارة الماء يَعْنِي قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} ، قُلْت: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن شيب ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ2 قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ - أَبِي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عبد العزيز، ولا يعلم أَحَدًا رَوَى عَنْهُ إلَّا ابْنَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَوَى عَنْ أَبِي زِنَادٍ. وَالزُّهْرِيِّ. وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. وَأَبِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ بَكَّارَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي هَمَّامٍ، وَسَهْلُ بْنُ بَكَّارَ. وَإِبْرَاهِيمُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: هُمْ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُمْ ضُعَفَاءُ فِي الْحَدِيثِ، لَيْسَ لَهُمْ حد مُسْتَقِيمٌ، وَلَيْسَ لِمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. وَالزُّهْرِيِّ. وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَهِلَ الشَّيْخُ محي الدِّينِ النَّوَوِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الَّتِي لَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ: وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ. وَالْفِقْهِ مِنْ جَمْعِهِمْ بَيْنَ الْأَحْجَارِ وَالْمَاءِ فَبَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ أَخْرَجَهُ في سننه3 عن عتيبة بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ. وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، لَمَّا نَزَلَتْ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَرَ
__________
1 حديث أبي هريرة هذا أخرجه الحاكم في المستدرك ص 158، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وقال الذهبي: قلت: منكر، الحارث ليس بعمدة، اهـ.
2 محمد بن عبد العزيز الذي أشار بجلد مالك الزوائد ص 212.
3 في باب الاستنجاء بالماء ص 30.(1/218)
الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ، فَمَا طُهُورُكُمْ؟ " قَالُوا: نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، قَالَ: "هُوَ ذَاكُمْ فَعَلَيْكُمُوهُ"، انْتَهَى. وسنده حسن، وعتيبة بْنُ أَبِي حَكِيمٍ فِيهِ مَقَالٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عدي: أرجوا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الْجَمْعِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بَيْنَ الْمَسْحِ بِالْأَحْجَارِ وَالْغَسْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلتَّبْوِيبِ، وَفِي الْبَابِ أَثَرٌ جَيِّدٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا، وَأَنْتُمْ تَثْلِطُونَ ثَلْطًا، فَأَتْبِعُوا الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ، قُلْتُ: فِيهِ أَحَادِيثُ، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ"، قُلْتُ: مَا بَالُ الْعِظَامِ وَالرَّوْثَةِ؟ قَالَ: "هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ" مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْجَمَاعَةُ4 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثٍ سَلْمَانَ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نستنجي برجيع أو أعظم، وَفِي لَفْظٍ: وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، روى مُسْلِمٌ5 مِنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثَ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَفِيهِ: وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ: "لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ وَلَكُمْ كُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "لَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ" وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: "لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بَعْرٍ، انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ عَلَى حَدِيثٍ عَزَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ، وَهَذَا ذُهُولٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، فَالْمُقَلَّدُ ذَهَلَ، وَالْمُقَلِّدُ جَهِلَ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ - لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يَصِحُّ
__________
1 ص 334 - ج 2.
2 ص 105 - ج 1.
3 في أبواب بعد كتاب المناقب في باب ذكر الجن ص 542.
4 المسلم في الاستطابة ص 130.
5 في باب الجهر بالقراءة في الصبح ص 184 - ج 1، والترمذي في باب كراهية ما يستنجي به ص 5.(1/219)
بِالْعِظَامِ وَالرَّوْثِ، وَيُوجِبُ إعَادَةَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُمَا بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ، وَلَيْسَ فيه حُجَّةٌ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَأَحْسَنُ مَا اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ كَاسِبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ، وَقَالَ: "إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ"، انْتَهَى. قَالَ الدارقطني: إسناده صحيح، رواه ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِسَلَمَةَ بْنِ رَجَاءٍ1 وَقَالَ: إنَّ أَحَادِيثَهُ أَفْرَادٌ وَغَرَائِبُ، وَتَحَدَّثَ عَنْ قَوْمٍ بِأَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْجِلْدِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي إسْحَاقَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدُكُمْ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ جِلْدٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْجِلْدِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ مُوسَى بْنِ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلَمْ يُعَرِّفْ مِنْ أَمْرِهِ بِشَيْءٍ، فَهُوَ عِنْدَهُ مَجْهُولٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْضًا مَجْهُولٌ، قَالَ2: وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ، لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ مِمَّنْ يَذْكُرُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ رَأَى أَوْ سَمِعَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِأَحَدِهِمْ التَّابِعِيُّ الرَّاوِي عَنْهُ بِالصُّحْبَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ3 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَال أَحَدُكُمْ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلَا يَشْرَبْ نَفَسًا وَاحِدًا"، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ نَهْيٌ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ.
__________
1 سلمة بن رجاء الكوفي صوق يقرب من الثامنة تقريب.
2 أي ابن القطان.
3 البخاري في باب النهي عن الاستنجاء باليمين ص 27، ومسلم في الأشربة ص 174 مختصراً، وأبو داود في باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء ص 6، واللفظ له، والنسائي في باب النهي عن الاستنجاء باليمين ص 18، وابن ماجه في باب كراهية مس الذكر باليمين ص 27.(1/220)
كِتَابُ الصَّلَاةِ
بَابُ الْمَوَاقِيتِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ فِي حَدِيثِ إمَامَةِ جَبْرَائِيلَ عليه السلام أَنَّهُ أَمَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ، ثُمَّ قَالَ فِي آخَرِ الْحَدِيثِ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِكَ، قُلْت: حَدِيثُ إمامة جبريل رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَابْنُ مسعود. وأبي هُرَيْرَةَ. وَعَمْرُو بْنُ حَزْمٍ. وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَابْنُ عُمَرَ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "أمَّني جبرئيل عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ: فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا: حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مثله ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرِقَ الْفَجْرُ، وَحُرِّمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ: الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إليِّ جبرئيل، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حديث حسن صحيح، رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحارث تَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَلَيَّنَهُ النَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ. وَابْنُ حِبَّانَ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا بِكَلَامٍ لَا وَجْهَ لَهُ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مَشْهُورُونَ بِالْعِلْمِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
__________
1 في المواقيت ص 62، والترمذي في باب ما جاء في المواقيت ص 21، واللفظ له، والطحاوي في: ص 87، وأحمد: ص 333 - ج 1، والبيهقي: ص 364، والدارقطني: ص 96.
2 ص 193 - ج 1.(1/221)
عَنْ الثَّوْرِيِّ. وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بِإِسْنَادِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِشُهْرَةِ الْعَلَمِ مَعَ عَدَمِ الْجَرْحِ الثَّابِتِ، وَأَكَّدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِمُتَابَعَةِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُتَابَعَةِ الْعُمَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهِيَ مُتَابَعَةٌ حَسَنَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 وَالنَّسَائِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جاء جبرئيل إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ زَالَتْ2 الشَّمْسُ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الظُّهْرَ حِينَ مَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إذَا كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الْعَصْرَ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ جَاءَهُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ، فَقَامَ فَصَلَّاهَا حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ سَوَاءً، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إذَا غَابَ الشَّفَقُ جَاءَهُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ فَقَامَ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ سَطَعَ الْفَجْرُ فِي الصُّبْحِ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الصُّبْحَ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ الْغَدِ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرجل مثله، فقال: يا محمد قم فَصَلِّ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَيْهِ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْمَغْرِبِ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ , فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ , فَصَلَّى الْمَغْرِبَ , ثُمَّ جَاءَهُ لِلْعِشَاءِ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ , فَقَالَ قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ , فَصَلَّى الْعِشَاءَ , ثُمَّ جَاءَهُ لِلصُّبْحِ حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ , فَصَلَّى الصُّبْحَ , ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ كُلُّهُ انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْمَوَاقِيتِ، انْتَهَى. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَبُرَيْدَةَ. وَأَبِي مُوسَى. وَأَبِي مَسْعُودٍ. وَأَبِي سَعِيدٍ. وَجَابِرٍ. وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَالْبَرَاءِ. وَأَنَسٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يخرجاه لعلة4 حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْغَرِ، انْتَهَى. حُسَيْنٌ الْأَصْغَرُ هو أخو أبو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا5 لِأَنَّ جَابِرًا لَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، وَجَابِرٌ لَمْ يُشَاهِدْ ذَلِكَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ أَنْصَارِيٌّ إنَّمَا صَحِبَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُمَا رَوَيَا إمَامَةَ جبرئيل مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْتَهَى.
__________
1 في باب ما جاء في المواقيت ص 22، والنسائي في باب أول وقت العشاء ص 91، والبيهقي في باب وقت المغرب ص 368 - ج 1.
2 وفي - س - مالت.
3 ص 196.
4 وفي - س - لقلة.
5 قلت: أخرج الحاكم في المستدرك ص 196 عن عبد الكريم عن عطاء بن جابر، قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمَّني جبرئيل بمكة مرتين"، قال الحاكم: عبد الكريم هذا هو ابن أبي المخارق بلا شك، وإنما خرجته شاهداً. قال الذهبي: عبد الكريم واه، اهـ.(1/222)
قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الْمُرْسَلُ1 غَيْرُ ضَارٍّ، فَمِنْ أَبْعَدِ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ سمعه من تابعي صَحَابِيٍّ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ مَقْبُولَةٌ وَجَهَالَةُ عَيْنِهِمْ غَيْرُ ضَارَّةٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَمْرٍو الزَّهْرَانِيُّ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ بِلَالٍ2 ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ3 قَالَ: جَاءَ جَبْرَائِيلُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ - وَذَلِكَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ حِينَ مَالَتْ - فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ، حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ:، فَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ بَرِقَ الْفَجْرُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ الْغَدِ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعَصْرَ، فَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ لِلْوَقْتِ الْأَوَّلِ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ، فَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أتاه بعد ما غَابَ الشَّفَقُ وَأَظْلَمَ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَسْفَرَ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ الصُّبْحَ، فَقَامَ فَصَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قال جبرئيل: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتُ صَلَاةٍ، قَالَ يَحْيَى: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن عمر أن جبرئيل قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ صَلَوَاتُك وَصَلَوَاتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَك، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ4 مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ ثَنَا5 أَبُو بكر عن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ ابْنِ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ6 فِي كِتَابِ السُّنَنِ وَقَالَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَمْ يَسْمَعْ أَبُو بكر من ابن مَسْعُودٍ إنَّمَا هُوَ بَلَاغٌ بلغه، انتهى. وقد وَصَلَهُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَيُنْظَرُ إسْنَادُهُ، وَفِي الْإِمَامِ:
__________
1 وفي - س - الإرسال.
2 في البيهقي سليمان بن بلال، فليراجع.
3 حديث أبي مسعود هذا ما فيه من الانقطاع يخالف حديث عائشة في الصحيحين في عدد الركعات، قالت: فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففرضت أربعاً أخرجه البخاري في الهجرة، ص 560، وفي رواية عند مسلم في صلاة المسافرين ص 241 - ج 1 إن الصلاة أول ما فرضت ركعتين، اهـ. وهذا حديث صحيح متفق عليه، ورواية المخرج رحمه الله حديث أبي مسعود. وأنس في ص 310.
4 أورد الهيثمي في الزوائد ص 304 - ج 1 بتمامه، وقال: رواه الطبراني في الكبير وقال: أيوب بن عتبة الأكثر على تضعيفه.
5 وفي نسخة أنبأنا.
6 أخرج البيهقي حديث أبي مسعود في سننه ص 361 في باب عدد ركعات الصلوات الخمس من حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد بالإسناد المتقدم، وقال في آخره: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري، وإنما هو بلاغ بلغه، اهـ. فليحرر ما نقل المخرج عن البيهقي.(1/223)
لَمْ يُسْنِدْهُ إلَّا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُفَسَّرٍ، وَلَفْظُهُمَا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نَزَلَ جبرئيل فأمَّني فصليت مَعَهُ، وَيَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صلاة"، ثُمَّ قَالَ: "بِهَذَا أُمِرْت"، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عن بشير عن أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَزَادَ فِيهِ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حِينَ يَشْتَدُّ الْحَرُّ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ، فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَيَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ تَسْقُطُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الْأُفُقُ، وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَلَسٍ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ مَالِكٌ. وَمَعْمَرٌ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الْوَقْتَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَلَمْ يُفَسِّرُوهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صحيحه عن مسنده3 عَنْ أُسَامَةَ بِهِ، قَالَ: لَمْ يُسْفِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَجْرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ سَاقَهُ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْإِسْفَارِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ4 ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَسِيد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثهم أن جبرئيل عليه السلام جَاءَهُ فَصَلَّى بِهِ الصَّلَاةَ وَقْتَيْنِ وَقْتَيْنِ، إلا المغرب، جاءني المغرب فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ شِرَاكِ نَعْلِي، ثُمَّ جَاءَنِي فَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ فَيْءٌ مِثْلِي، ثُمَّ جَاءَنِي الْمَغْرِبَ فَصَلَّى بِي سَاعَةَ غَابَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَنِي الْعِشَاءَ فَصَلَّى بِي سَاعَةَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ جَاءَنِي الْفَجْرَ فَصَلَّى بِي سَاعَةَ بَرِقَ الْفَجْرُ، ثُمَّ جَاءَنِي مِنْ الْغَدِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلِي، ثُمَّ جَاءَنِي الْعَصْرَ فَصَلَّى بِي حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَيْنِ، ثُمَّ جَاءَنِي الْمَغْرِبَ فَصَلَّى بِي سَاعَةَ غَابَتْ الشَّمْسُ لَمْ يُغَيِّرْهُ عَنْ وَقْتِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ جَاءَنِي الْعِشَاءَ فَصَلَّى بِي حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَسْفَرَ بِي فِي الْفَجْرِ حَتَّى لَا أَرَى فِي السَّمَاءِ نَجْمًا، ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا لَا نَعْلَمُ
__________
1 أخرجه البخاري في بدء الخلق في باب ذكر الملائكة ص 457، ومسلم في الصلاة في باب أوقات الصلوات الخمس ص 221 - ج 1، وسياق المخرج من حديث الليث دون مالك.
2 في باب المواقيت ص 62، وفي سياق المخرج بعض اختصار، وأخرجه الدارقطني: ص 93 أيضاً، والبيهقي ص 435 - ج 1.
3 وفي - س - عن ابن خزيمة بسنده.
4 إبراهيم بن نصر لم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات زوائد ص 303 - ج 1.(1/224)
رَوَى عَنْهُ إلَّا مُحَمَّدُ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسِيد، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ1 أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَبُو عَمَّارٍ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا جبريل عليه السلام جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ" فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ رَأَى الظِّلَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ شَفَقُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْغَدَ فَصَلَّى بِهِ الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَ قَلِيلًا، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِوَقْتٍ وَاحِدٍ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: "الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ صَلَاتِك أَمْسِ وَصَلَاتِك الْيَوْمَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قال: جاء جبرئيل فَصَلَّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ الظُّهْرَ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ ذَهَابَ الشَّفَقِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ فَجَرَ الْفَجْرُ بِغَلَسٍ، ثُمَّ جَاءَ جبرئيل مِنْ الْغَدِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى النَّبِيُّ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ، ثم صلى العشاء بعد ما ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا، انْتَهَى. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ3 حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ4 ثَنَا بُكَيْر بْنُ الأشبح عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْد السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمَّني جبرئيل" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: "أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الصَّلَوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ لِوَقْتَيْنِ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُلُثَ اللَّيْلِ"، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ5 مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عن أنس أن جبرئيل أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ حِينَ فرضت عليهم، فقام جبرئيل أَمَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
__________
1 النسائي في المواقيت في باب آخر وقت الظهر ص 87.
2 ص 194، والطحاوي: ص 88 والدارقطني: ص 97، وقال الذهبي: على شرط مسلم، والبيهقي: ص 369 - ج 1، كلهم مختصراً.
3 ص 30 - ج 3 والطحاوي: ص 88 مفسراً.
4 وابن لهيعة فيه ضعف.
5 ص 97.(1/225)
لَا يَجْهَرُ فِيهَا بِقِرَاءَةٍ يَأْتَمُّ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتمُّ بجبرئيل، ثُمَّ أَمْهَلَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، يَأْتَمُّ الْمُسْلِمُونَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْتَمُّ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجبرئيل، ثُمَّ أَمْهَلَ حَتَّى وَجَبَتْ الشَّمْسُ، فَصَلَّى بِهِمْ ثَلَاثَ ركعات يجهر في الأوليين بِالْقِرَاءَةِ، وَلَا يَجْهَرُ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ أَمْهَلَهُ حَتَّى إذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ صَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَجْهَرُ فِي الْأُولَيَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ، وَلَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِهَا، ثُمَّ أَمْهَلَ حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جِدَارٍ1 عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا مَجْهُولٌ، وَالرَّاوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ أَبُو حَمْزَةَ إدْرِيسُ بْنُ يُونُسَ بْنِ يَنَّاقٍ الْفَرَّاءُ، وَلَا يُعْرَفُ لِلْآخَرِ حَالٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ2 عَنْ الْحَسَنِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ جبرئيل، وأن أَسَرَّ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَقَالَ: إنَّ مُرْسَلَ الْحَسَنِ أَصَحُّ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مَحْبُوبِ بْنِ الْجَهْمِ بْنِ وَاقِدٍ مَوْلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عن عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتاني جبرئيل حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ"، وَذَكَر الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ: "ثُمَّ أَتَى حِينَ سَقَطَ الْقُرْصُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ، فَصَلَّيْت الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَتَانِي مِنْ الْغَدِ حِينَ سَقَطَ الْقُرْصُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ، فَصَلَّيْت المغرب ثلاث ركعات"، رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَأَعَلَّهُ بِمَحْبُوبِ بْنِ الْجَهْمِ، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْوِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ لَفْظُهُ، فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ صَرِيحَةٌ فِي ابْتِدَائِهِ بِالظُّهْرِ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عليه السلام، وَفِيهِ إشْكَالٌ مَعْرُوفٌ وَيَشْهَدُ لِلْأَكْثَرِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ مِنْ حَدِيثِ يس الزَّيَّاتِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: أَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَاةُ الظُّهْرِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أنس قبله أن جبرئيل أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ حِينَ فرضت عليهم، فقام جبرئيل إلى آخره. انتهى.
__________
1 وفي نسخة حدار.
2 والدارقطني من طريقه في: ص 97، وأحال بالمتن.(1/226)
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَإِنَّمَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ1 وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ كُلُّهُمْ فِي الصَّوْمِ وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمنعكم مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنْ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِيهِ: "لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلِ - هَكَذَا - حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا"، وَحَكَى حَمَّادٌ بِيَدَيْهِ، قَالَ: يَعْنِي مُعْتَرِضًا، انْتَهَى. وَبِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: فِي حَدِيثِ إمامة جبرئيل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عباس أمَّني جبرئيل عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ: فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ - إلَى أَنْ قَالَ -: وَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي حديث: جاء جبرئيل إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَالَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الظُّهْرَ، فَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ - إلَى أَنْ قَالَ: - ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ الْغَدِ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ، فَقَالَ: قُمْ يا محمد فصل الظُّهْرَ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ أَيْضًا نَحْوُهُ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: جاء جبرئيل فَصَلَّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى النَّبِيُّ بِالنَّاسِ - حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ - الظُّهْرَ، الْحَدِيثُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَفِي الْبَابِ لِمُسْلِمٍ2 حَدِيثُ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلَاةَ"، فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ الْغَدَ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ يُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا، وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ.
__________
1 1 في الصوم ص 350، وأبو داود في باب وقت السحور ص 327 - ج 1، والترمذي في باب بيان الفجر ص 88، والنسائي في باب كيف الفجر ص 305.
2 في باب أوقات الصلوات الخمس ص223.(1/227)
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً إن الصلاة أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ، وَسَيَأْتِي فِي السَّابِعِ، وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ3. وَأَبِي مُوسَى. وَعَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ. وَصَفْوَانَ. وَالْحَجَّاجِ الْبَاهِلِيِّ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظُّهْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ"، وَقَالَ: "إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشتد الحر فأدبردوا عَنْ الصَّلَاةِ" قَالَ أَبُو ذر: حتى رأينا في التُّلُولِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا". قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ6 عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَعْدَةِ أَلْفَاظٍ: فَمِنْهَا مَنْ صَلَّى مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لَمْ تَفُتْهُ الصَّلَاةُ، وَمَنْ صَلَّى مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ لَمْ تَفُتْهُ الصَّلَاةُ، وَفِي لَفْظٍ: فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ كُلَّهَا، وَفِي لَفْظٍ: وَلْيُتِمَّ مَا بَقِيَ، وَفِي لَفْظٍ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا7، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ8 عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ حَدَّثَنِي
__________
1 البخاري في باب الإبراد بالظهر ص 77، ومسلم في باب استحباب إبراد الظهر ص 224.
2 راجع له الزوائد ص 34 - ج 1.
3 في نسخة جارية وقال أبو نعيم: حارثة راجع له الإصابة.
4 ص 76.
5 ص 224.
6 في باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة ص 231.
7 وتمامه عند النسائي ص 95 إلا أنه يقضي ما فاته.
8 هذه الرواية والتي بعدها عزاها المخرج إلى النسائي، وتبعه الحافظ في الدراية، ولكني لم أجد في النسائي في مظانه، ولم أجد في الجامع الصغير ورأيت(1/228)
أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ1 عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي خِلَاسٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ2 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُتِمُّ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا رَدٌّ عَلَى مَنْ يُفَسِّرُ3 حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ بِالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، فَقَدْ أَدْرَكَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَسِّرُهُ بِالْمَأْمُومِ، وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَيْضًا مُشْكِلَةٌ عَنْ مَذْهَبِنَا فِي الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الصلاة الصُّبْحِ إذَا طَلَعَتْ عَلَيْهَا الشَّمْسُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أن جبرئيل عليه السلام أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَغْرِبِ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي حَدِيثِ ابن مَسْعُودٍ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فِي إمامة جبرئيل إلَّا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتَيْنِ، فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ4 عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلَاةَ"، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ مِنْ الْغَدِ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ،
__________
= في سبيل السلام أنه عزاها إلى البيهقي، وهو كما قال: أوردهما البيهقي ص 379 - ج 1، ولم يخرجهما عن طريق النسائي، وكذا الرواية الأولى عزاها الحافظ في الفتح ص 46 - ج 2 إلى البيهقي، قلت: أخرجهما الدارقطني: ص 146.
1 حديث قتادة عن خلاس أخرجه الطحاوي ص 232، وأحمد في مسنده ص 489، والبيهقي: ص 379 من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، ولفظه: فليصل إليها أخرى والحاكم في المستدرك: ص 274، والدارقطني: ص 147، والبيهقي: ص 379 - ج 1 من طريق همام عن قتادة، ولفظه: يتم صلاته.
2 أخرجه الدارقطني: ص 147، والبيهقي: ص 379.
3 الذي فسر حديث من أدرك من صلاة الصبح ركعة بالكافر هو أبو جعفر الطحاوي رحمه الله، في شرح معاني الآثار ص 232، لكن اللفظ الذي رد به المخرج على الطحاوي ليس هو بغافل عنه، فقد أخرج حديث أبي هريرة من طريق قتادة عن خلاس عن أبي رافع عنه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من أدرك من الغداة ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل اليه أخرى" ثم أجاب عنه بأن هذا قد يجوز أن يكون كان من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل نهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس، فإنه قد نهى عن ذلك، وتواتر عنه الآثار بنهيه عن ذلك، ثم أتى على ذلك بدلائل من حديث عمران، وأبي قتادة، وجبير. وأبي هريرة رضي الله عنهم، وأوضح ذلك.
4 في باب أوقالت الصلوات الخمس قي: ص223.(1/229)
ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لم يخالطها الصفرة، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قُبَيْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ"، انْتَهَى. وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَسَيَأْتِي، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ قِصَّةُ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْمَوَاقِيتِ بِالْمَدِينَةِ، وَقِصَّةُ إمامة جبرئيل عليه السلام بِمَكَّةَ، وَالْوَقْتُ الْآخَرُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ زِيَادَةٌ مِنْهُ، وَرُخْصَةٌ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ الشافعي عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ قَدْرُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَنَا عَنْ أَحَادِيثِ: إمَامَةِ جبرئيل - أَنَّهُ أَمَّ بِهِ عليه السلام الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ وَقْتًا وَاحِدًا - ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ أَحَادِيثَنَا أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتَيْنِ أَصَحُّ، وَأَكْثَرُ رُوَاةً الثَّانِي أَنَّ إمامة جبرئيل كَانَتْ بِمَكَّةَ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنْ أَمْرِهِ عليه السلام. وَالثَّالِثُ: أَنَّ فِعْلَهُ عليه السلام للمغرب وفي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا غَيْرُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَصْرَ يَصِحُّ بَعْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَهُوَ وَقْتٌ لَهَا، مَعَ أَنَّهُ عليه السلام لم يصلها مع جبرئيل فِي الْوَقْتَيْنِ، إلَّا قَبْلَ الِاصْفِرَارِ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا غَيْرُهُ، وَمُبَادَرَتُهُ عليه السلام إلَى الْمَغْرِبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي الْيَوْمَيْنِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْفَضِيلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَآخِرُهُ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: "وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَيَسْقُطْ قَرْنُهَا الْأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وقت العصر، وإن أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ حِينَ يدخل وقتها، وإن آخِرِ وَقْتِهَا حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَنْتَصِفُ
__________
1 في باب أوقات الصلوات الخمس ص 223، وأحمد في مسنده ص 213 - ج 2، وفيه: ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط نور الشفق.
2 الترمذي في باب - بعد باب - ما جاء في مواقيت الصلاة ص 22، والطحاوي. ص 89، وأحمد في مسنده ص 32 - ج 2.(1/230)
اللَّيْلُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ هَذَا خَطَأٌ، أَخْطَأَ فِيهِ ابْنُ فُضَيْلٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1، وَقَالَ: إنَّهُ لَا يصح مسنداً، انتهى. وَهِمَ فِيهِ ابْنُ فُضَيْلٍ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيه عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَابْنُ فُضَيْلٍ ثِقَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَعْمَشُ سَمِعَهُ مِنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ مُسْنَدًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ هَذَا، فَقَالَ: وَهِمَ فِيهِ ابْنُ فُضَيْلٍ، إنَّمَا يَرْوِيه أَصْحَابُ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابٍ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأَعْمَشِ فِي هَذَا طَرِيقَانِ: إحْدَاهُمَا: مُرْسَلَةٌ. وَالْأُخْرَى: مَرْفُوعَةٌ، وَاَلَّذِي رَفَعَهُ صَدُوقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ جاء يوم الخندق بعد ما غربت، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا" فَنَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأْنَا، فصلى العصر بعد ما غربت، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا قدم العشاء فابدؤوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "أَقِمْ مَعَنَا"، فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ فَصَلَّى حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ فَأَقَامَ فَصَلَّى حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ مِنْ الْغَدِ فَنَوَّرَ بِالْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ وَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ، فَأَقَامَ وَالشَّمْسُ آخِرَ وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ إلَى قُبَيْلِ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ، فَأَقَامَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ
__________
1 ص 97.
2 في باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت ص 83 ومسلم في باب صلاة الوسطى هي العصر ص 227.
3 في باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة ص 92، ومسلم في باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام ص 208 - ج 1.
4 في باب أوقات الصلاة ص 223 مع المغايرة في الألفاظ، ولفظ المخرج لفظ الترمذي: ص 22، إلا أن قوله: فصلى، زائد في الموضعين: في الفجر. والعشاء.(1/231)
مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ؟ " قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا، فَقَالَ: "مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ بَيْنَ هَذَيْنِ"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ سَائِلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنْ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ، فَقَالَ: "الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عن ابن أبي لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَوْفٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا جُمُعَةَ حَبِيبَ بْنَ سِبَاعٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْت الْعَصْرَ؟ " قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتَهَا، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ، انْتَهَى. وَفِيهِ ضَعَّفَ ابْنَ لَهِيعَةَ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ"، قُلْتُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَتِيقِ بْنِ يَعْقُوبَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ كَذَلِكَ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ غَيْرَ مَوْصُولِ الْإِسْنَادِ، فَقَالَ: قَرَأْتُ فِي أَصْلِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الرَّمْلِيِّ بِخَطِّ يَدِهِ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
__________
1 7 ص 106 - ج 4.
2 ص 100.(1/232)
عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ الْمُسْتَمْلِي حَدَّثَنِي عَتِيقٌ بِهِ، وَيُنْظَرُ السُّنَنُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ فِي سُنَنِهِ1 مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَعَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عُمَرَ. وَعَلِيٍّ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يَصِحُّ2 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِدُ بْنُ طَاهِرٍ3 عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيّ أَنْبَأْنَا عَبْدُ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْحَاقَ الْفَقِيهُ أَنْبَأْنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ الْمُسْتَمْلِي حَدَّثَنِي عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ صِدِّيقٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ4: الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ: رَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعُمَرِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ جَنْدَلٍ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ ثَنَا أَبُو حُذَافَةَ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ" قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ جَنْدَلٍ الْوَرَّاقُ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ عَنْ أَبِي حُذَافَةَ أَحْمَدَ بْنِ إسْمَاعِيلَ السَّهْمِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مَالِكٍ، وَكِلَاهُمَا غَرِيبٌ، وَحَدِيثُ عَتِيقٍ أَمْثَلُ إسْنَادًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي وَجَدْتُهُ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، قَالَ مَالِكٌ: الشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي
__________
1 في سنن الدارقطني التي بأيدينا حديث أبي هريرة موقوفاً في: ص 100، وأما حديث ابن عمر فهو الذي عزاه إلى كتاب غرائب مالك أي مرفوعاً، ووصل إسناده.
2 قال الخطابي في معالم السنن ص 125 - ج 1 ما نصه: لم يختلفوا في أن أول وقت العشاء غيبوبة الشفق إلا أنهم اختلفوا في الشفق ما هو؟ فقالت طائفة: هو الحمرة، روي ذلك عن ابن عمر. وابن عباس. وهو قول مكحول. وطاوس، وبه قال مالك. وسفيان الثوري. وأبي يوسف. ومحمد. والشافعي. وأحمد. وإسحاق. وروي عن أبي هريرة أنه قال: الشفق البياض، وعن عمر بن عبد العزيز مثله، واليه ذهب أبو حنيفة، وهو قول الأوزاعي، وقد حكي عن الفراء أنه قال: الشفق الحمرة، وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس أحمد بن يحيى، قال: الشفق البياض، وأنشد لأبي النجم:
حتى إذا الليل جلاه المجتلي
بين سماطي شفق مهوّل
يريد الصبح، وقال بعضهم: الشفق اسم للحمرة. والبياض معاً، إلا أنه يطلق على أحمر ليس بقان، وأبيض ليس بناصع، وإنما يعلم المراد منه بالأدلة لا بنفس اللفظ، كالقرء الذي يقع اسمه على الطهر، والحيض معاً، وكسائر نظائره من الأسماء المشتركة، اهـ. قلت: ذكر الهيثمي في الزوائد ص 304 - ج 1 حديث جابر رضي الله عنه في المواقيت بطوله، وفيه ثم أذن للعشاء حتى ذهب بياض النهار، وهو الشفق قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، اهـ. قلت: هو الشفق، إن كان قول جابر فهو موافق لمن قال: الشفق الأبيض، والله أعلم، وفي مسند أحمد ص 213 - ج 2 عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وقت صلاة المغرب ما لم يسقط نور الشفق".
3 وفي نسخة زاهر بن ظاهر.
4 ص 273.(1/233)
الْمَغْرِبِ، فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ صلاة العصر، وَخَرَجْتَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ لَا مَرْفُوعًا وَلَا مَوْقُوفًا، وَيُنْظَرُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ يَحْيَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "آخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "نزل جبرئيل فَأَخْبَرَنِي بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ،، يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ"، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حِينَ يَشْتَدُّ الْحَرُّ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا الصُّفْرَةُ، فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَيَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ يَسْقُطُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الْأُفُقُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْإِسْفَارِ، وَصَدْرُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَى قَوْلِهِ: يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَوَهِمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ لِأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يُخَرِّجْ مِنْهُ إلَّا صَدْرَهُ، كَمَا بَيَّنَّاهُ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وَآخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ"، قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا، وَتَكَلَّمَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الآثار2: ههنا كَلَامًا حَسَنًا، مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ قَالَ: يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ. وأبا موسى. والخضرمي رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهَا حتى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ. وَأَنَسٌ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَرَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ أَعْتَمَ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحِ، قَالَ: فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا، وَلَكِنَّهُ عَلَى أَوْقَاتٍ ثَلَاثَةٍ، فَأَمَّا مِنْ حِينِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَمْضِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَأَفْضَلُ وَقْتٍ صُلِّيَتْ فِيهِ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَتِمَّ نِصْفُ اللَّيْلِ، فَفِي الْفَضْلِ دُونَ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَدُونَهُ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: وَصَلِّ الْعِشَاءَ أَيَّ اللَّيْلِ شِئْتَ، وَلَا تُغْفِلْهَا، وَلِمُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ التَّعْرِيسِ3 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
__________
1 في باب المواقيت ص 62، والدارقطني: ص 93.
2 في المواقيت ص 93.
3 قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم في الصلاة - باب قضاء الفائتة ص 239.(1/234)
"لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى"، فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى، وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوِتْرِ: "فَصَلَّوْهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النِّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي الْوِتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَصْلٌ
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَمِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَوَّاءَ الْأَنْصَارِيَّةِ2.
أَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، فَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، انْتَهَى. التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَالْبَاقُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ: "أَصْبِحُوا بِالْفَجْرِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: طَرِيقُهُ طَرِيقٌ صَحِيحٌ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَغَيْرُهُمْ، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ، وَلَا ذَكَرَهُ فِي جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "أَسْفِرُوا بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "فَكُلَّمَا أَصْبَحْتُمْ بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ"، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: "وَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ: مَعْنَى الْإِسْفَارِ أَنْ يَصِحَّ الْفَجْرُ، فَلَا يُشَكَّ فيه، ولم يروا أَنَّ مَعْنَى الْإِسْفَارِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ محمود بن لبييد، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ رَافِعُ بْنُ
__________
1 في باب استحباب الوتر ص 208، والترمذي في فضل الوتر ص 60، وابن ماجه في باب ما جاء في الوتر، ص 83.
2 ومن حديث رجال من الأنصار عند الطحاوي: ص 106، والنسائي: ص 94.
3 أبو داود في المواقيت - في باب وقت الصبح ص 67، والترمذي في باب ما جاء في الإسفار بالفجر ص 22، والنسائي: ص 94، وابن ماجه في باب وقت الفجر ص 49، والطحاوي: ص 105.(1/235)
خَدِيجٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ1 فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَافِعٍ أَوَّلًا فَرَوَاهُ عَنْهُ، ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَوَاهُ عَنْهُ، إلَّا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِيهِ ضَعْفٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ثنا أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ3 عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ بِلَالٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَأَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ إلَّا أَنَّ أَحَادِيثَهُ لَيْسَتْ بِمُنْكَرَةٍ جِدًّا، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْأَزْدِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ4 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك مرفوعاً نحوه، ولفطه: أَسْفِرُوا بِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي دَاوُد الْجَزَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ مسلم عن ابن نجاد عَنْ جَدَّتِهِ حَوَّاءَ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ إلَّا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: اُخْتُلِفَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِيهِ بِسَنَدَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ حَوَّاءَ الْأَنْصَارِيَّةِ، وَالْآخَرُ: عَنْ أَنَسٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ حَوَّاءَ، فَرَوَاهُ إسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ حَوَّاءَ - وَكَانَتْ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ - وَوَهَمَ فِيهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَنَسٍ، وَوَهَمَ فِيهِ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ جِهَةِ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد الْجَزَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا، نَوِّرُوا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثنا عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ الْبَزَّارُ5: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ فُلَيْحِ بْنَ سُلَيْمَانَ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
__________
1 اختلف في رؤيته النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبته.
2 والطحاوي: ص 106 عن علي بن معبد ثنا شبابة بإسناد البراء، وقال في الزوائد ص 315: رواه البزار. والطبراني في الكبير وفيه أيوب بن سيّار، وهو ضعيف، اهـ.
3 كذا في الطحاوي.
4 يزيد بن عبد الملك النوفلي ضعفه أحمد. والبخاري. والنسائي. وابن عدي، ووثقه ابن معين في رواية، وضعفه في أخرى كما في الزوائد ص 315.
5 قال الهيثمي في الزوائد ص 315: رواه البزار، ورجاله ثقات.(1/236)
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْحَضْرَمِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ ثنا الْمُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وشعبة عن زبيدة عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ 2، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَعَلَّهُ بِسَعِيدٍ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَلَا الِاعْتِبَارُ إلَّا بِمَا وَافَقَ الثِّقَاتِ فِي الْآثَارِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ. وَلَا ابْنِ سِيرِينَ، وَلَا أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَقَطْ، وَهَذَا بِمَا لَا يَسْأَلُهُ أَنَّهُ مَقْلُوبٌ أَوْ معمول، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَوَّاءَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُمَحِيُّ ثنا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ بُجَيْدٍ الْحَارِثِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ حَوَّاءَ الْأَنْصَارِيَّةِ - وَكَانَتْ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ - قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَإِسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ، بَعْدَهَا نُونٌ، ثُمَّ يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ، ثُمَّ نُونٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ، وَذَكَرَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَحَادِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَابْنُ بُجَيْدٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الْجِيمِ بَعْدَهَا آخِرُ الْحُرُوفِ سَاكِنَةٌ ابْنُ قَيْظِيٍّ بِفَتْحِ الْقَافِ، بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ الْحَارِثِيُّ الْمَدَنِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ بِحَالِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ وَجَدَّتُهُ حَوَّاءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ السَّكَنِ أُخْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ السَّكَنِ.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ، أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ3 عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الْأَوْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي بِنَا الْفَجْرَ وَنَحْنُ نَتَرَاءَى الشَّمْسَ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ قَدْ طَلَعَتْ، انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي إسْحَاقَ4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَكَانَ يُسْفِرُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ5 عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَسْفِرُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَعَنْ الْقَعْنَبِيِّ6 عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ
__________
1 المعلى بن عبد الرحمن، قال الدارقطني: كذاب، وضعفه الناس زوائد.
2 أقول في الزوائد ص 315: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تزال أمتي على الفطرة ما أسفروا بصلاة الفجر" رواه البزار. والطبراني في الكبير، وفيه حفص بن سليمان ضعفه ابن معين. والبخاري. وأبو حاتم. وابن حبان، وقال ابن خراش: كان يضع الحديث، ووثقه أحمد في روايته وضعفه في أخرى، اهـ.
3 ص 106.
4 وإسناده صحيح دراية ص 54.
5 ص 108.
6 ص 109.(1/237)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ، انْتَهَى. وَتَأَوَّلَ الْخُصُومُ الْإِسْفَارَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِظُهُورِ الْفَجْرِ، وهذ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْغَلَسَ الَّذِي يَقُولُونَ بِهِ، هُوَ اخْتِلَاطُ ظَلَامِ اللَّيْلِ بِنُورِ النَّهَارِ، كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقَبْلَ ظُهُورِ الْفَجْرِ لَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْفَجْرِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ إنَّمَا هُوَ التَّنْوِيرُ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ عَنْ الْغَلَسِ، وَزَوَالُ الظُّلْمَةِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، يَقْتَضِي حُصُولَ الْأَجْرِ فِي الصَّلَاةِ بِالْغَلَسِ، فَلَوْ كَانَ الْإِسْفَارُ هُوَ وُضُوحُ الْفَجْرِ وَظُهُورُهُ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ الْغَلَسِ أَجْرٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْوَقْتِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَفَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْإِسْفَارَ فِي الْحَدِيثِ بِبَيَانِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِهِ، أَيْ لَا تُصَلُّوا إلَّا عَلَى تَبَيُّنٍ مِنْ طُلُوعِهِ، قَالَ: وَهَذَا يَرُدُّهُ بَعْضُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ أَوْ يُبَعِّدُهُ، انْتَهَى. وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ1 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ ثنا إسْمَاعِيلُ ثنا حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الْغَدَاةِ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمَرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَصَلَّى، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَسْفَرَ، فَأَمَرَ، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ"، انْتَهَى. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ التَّنْوِيرُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ تَأْوِيلَهُمْ: مِنْهَا - عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ - فِي صَحِيحِهِ فَكُلَّمَا أَصْبَحْتُمْ بِالصُّبْحِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، قَالَ: مَا أَسْفَرْتُمْ بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ بِالْفَجْرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ يُبْطِلُ تَأْوِيلَهُمْ، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ2 فِي مَسَانِيدِهِمْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ ثنا هُرَيْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ سَمِعْت جَدِّي رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: "يَا بِلَالُ نَوِّرْ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى يُبْصِرَ الْقَوْمُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِمْ مِنْ الْإِسْفَارِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ3 فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي ثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ هُرَيْرٍ بِهِ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ هُرَيْرٍ بِهِ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ أَبِي: وَقَدْ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ كِتَابَ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ كُلَّهُ، فَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ ذِكْرٌ، وَقَدْ حَدَّثَنَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، لَكِنِّي رَأَيْت لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُتَابِعًا آخَرَ، إمَّا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى. أَوْ غَيْرُهُ، فَلَعَلَّ الْخَطَأَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَبَا إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبَ، فَغَلِطَ فِي نِسْبَتِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَكَذَلِكَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ،
__________
1 النسائي في باب أول وقت الصبح ص 94.
2 ص 129.
3 ص 143.(1/238)
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَمْ أَجِدْ فِي تَضْعِيفِهِ غَيْرَ هَذَا، وَلَهُ أَحَادِيثُ غَرَائِبُ حِسَانٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثَهُ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ عن هرير. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ يُبْطِلُ تَأْوِيلَهُمْ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ، السَّرَقُسْطِيُّ1 فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثنا الْمُعْتَمِرُ سَمِعْت بَيَانًا أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْت أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَفْسَحُ الْبَصَرُ، انْتَهَى. قَالَ: فَقَالَ: فَسَحَ الْبَصَرُ. وَانْفَسَحَ: إذَا رَأَى الشَّيْءَ عَنْ بُعْدٍ يَعْنِي بِهِ إسْفَارَ الصُّبْحِ انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ يُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا إلَّا بِجَمْعٍ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ المغرب والعشاء بجَمْع، ويصلي صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ وَقْتِهَا، انْتَهَى. قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَعْنِي وَقْتَهَا الْمُعْتَادَ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَا أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا غَلَّسَ بِهَا جِدًّا، وَيُوَضِّحُهُ رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ3 وَالْفَجْرُ حِينَ بَزَغَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُسْفِرُ بِالْفَجْرِ دَائِمًا، وَقَلَّمَا صَلَّاهَا بِغَلَسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ لِأَصْحَابِنَا، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ4 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ5: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْإِسْفَارِ وَالتَّغْلِيسِ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِسْفَارَ أَفْضَلُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَأَصْحَابُهُ. وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَأَهْلُ الْكُوفَةِ أَخْذًا بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّغْلِيسَ أَفْضَلُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ. وَأَحْمَدُ أَخْذًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: كُنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يُصَلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ يَنْصَرِفْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ6. وَمُسْلِمٌ، قَالَ: وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَدِيثَ الْإِسْفَارِ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ التَّغْلِيسِ، وَأَنَّ حَدِيثَ التَّغْلِيسِ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَفْضَلِ بِخِلَافِ حَدِيثِ رَافِعٍ، أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ مُغَلِّسِينَ، وَيَخْرُجُونَ مُسْفِرِينَ، قَالَ: وَالْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ
__________
1 هو ابن حزم، وسرقسطة بلدة بالأندلس قابوس.
2 في الحج - في باب من يصلي الفجر بجمع ص 228، والمسلم في الحج - في استحباب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحر ص 417.
3 في باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما ص 227 - ج 1.
4 ص 109.
5 في باب الإسفار في صلاة الفجر ص 75.
6 في المواقيت - في باب وقت الفجر ص 82، ومسلم في باب استحباب التبكير بالصبح ص 230.(1/239)
الطَّحَاوِيُّ، لِأَنَّ حَدِيثَ التَّغْلِيسِ ثَابِتٌ، وَأَنَّهُ عليه السلام دَاوَمَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَكُنْ عليه السلام يُدَاوِمُ إلَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ، ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغَلَسِ، حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، كِلَاهُمَا مِنْ حَدِيث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ سَمِعْت بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ الْمَوَاقِيتِ، وَحَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ هَذَا، قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ. وَمَعْمَرٌ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذَا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى نَسْخِ أَفْضَلِيَّةِ الْإِسْفَارِ، وَلَيْسَ فِيهِ: مَنْ مُسَّ، إلَّا أُسَامَةُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ تَرَكَهُ بِآخِرِهِ، انْتَهَى. وَفِي التنقيح واختلف الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ: أَبُو حَاتِمٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْخَاصَّةُ بِالْفَجْرِ: - حَدِيثُ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصلي بالصبح فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: وَمَا يُعْرَفْنَ مِنْ تَغْلِيسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي لَفْظٍ: وَلَا يَعْرِفْنَ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 عَنْ إسْحَاقَ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدِ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَالدَّبَرِيُّ هَذَا بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ إذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ، أَخْرَجَاهُ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ ثَنَا نَهِيكُ بْنُ يَرِيم الأوزاعي ثنا مغيب بْنُ سُمَيٌّ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلْت عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقُلْت: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: هَذِهِ صَلَاتُنَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أَسْفَرَ بِهَا عُثْمَانُ، انْتَهَى. وَفِيهِ حَدِيثُ أُسَامَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
__________
1 في المواقيت ص 62 ص 62، والدارقطني: ص 93.
2 رجاله رجال صحيح، سوى شيخ الطبراني، زوائد ص 318 - ج 1.
3 في وقت صلاة الفجر ص 49.(1/240)
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْعَامَّةُ لِسَائِرِ الْأَوْقَاتِ، رَوَى أَبُو دَاوُد1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِهِ عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ فَرْوَةَ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُرْوَى إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ اضْطَرَبُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَاضْطِرَابًا، ثُمَّ قَالَ: وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ جَدَّتِهِ الدُّنْيَا عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ، انْتَهَى. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الدُّنْيَا عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ فِي إثْبَاتِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْقَاسِمِ، وَأُمِّ فَرْوَةَ. وَإِسْقَاطُهَا يَعُودُ إلَى الْعُمَرِيِّ، وَقَدْ ضُعِّفَ، وَمَنْ أَثْبَتَ الْوَاسِطَةَ يَقْضِي عَلَى مَنْ أَسْقَطَهَا، وَتِلْكَ الْوَاسِطَةُ مَجْهُولَةٌ، وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مُصَغَّرًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ فَرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، عَنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ الْوَلِيدِ بن العيراز عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وقتها"، انتهى. ورواه أبي بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ قَالَهُ فِي الْإِمَامِ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ الْحَدِيثَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ: فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا تَفَرَّدَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ شُعْبَةَ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ بِلَفْظِ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَرَوَاهُ - كَالْأَوَّلِ - الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ - لَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَاهُ3 مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ4 عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ بِلَفْظِ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ مِنْهُ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُمَا قَبُولُ الزِّيَادَةِ مِنْ الثِّقَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ
__________
1 في باب المحافظة على الصلوات ص 67، والترمذي في باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل ص 24، والدارقطني: س 92، والحاكم في المستدرك ص 189.
2 ص 189.
3 البخاري في فضل الجهاد ص 390، ومسلم في الإيمان - في باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال ص 62، لكن من غير طريق محمد عن مالك.
4 في نسخة من رواية محمد بن سابق.(1/241)
أَيْضًا عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ ثنا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَائِنِيُّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، وَهُوَ حَافِظٌ ثِقَةٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ الْمَدَائِنِيِّ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ سَمِعْت بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نَزَلَ جبرئيل فَأَخْبَرَنِي بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّيْت مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْت مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْت مَعَهُ"، إلَى أَنْ قَالَ: وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغَلَسِ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ لَمْ يُعِدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ التَّاسِعِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَعْمَرٌ. وَمَالِكٌ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ. وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الْوَقْتَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَلَمْ يُفَسِّرُوهُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِآخِرِهِ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ: رَوَى عَنْ نَافِعٍ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَاخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، فَقَالَ مَرَّةً: ثِقَةٌ صَالِحٌ، وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ مَرَّةً: ثِقَةٌ حُجَّةٌ، وَقَالَ مَرَّةً: تُرِكَ حَدِيثُهُ بِآخِرِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِحَدِيثِهِ بَأْسٌ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَبِسَنَدِ أبو دَاوُد وَمَتْنِهِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِهِ، فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ2 مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَقْتُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّلَاةِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَالْوَقْتُ الْأَخِيرُ عَفْوُ اللَّهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يُؤَثِّرُ عَلَى رِضْوَانِ اللَّهِ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْعَفْوَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَقْصِيرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِلَفْظِ: خَيْرُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، قَالَ الْحَاكِمُ: وَيَعْقُوبُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَعْقُوبُ بْنُ الْوَلِيدِ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، وَمَا رَوَاهُ إلَّا هُوَ، انْتَهَى. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ مِنْ الْكَذَّابِينَ الْكِبَارِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ4 حَدِيثُ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ
__________
1 والدارقطني في سننه ص 39 عن الربيع عن ابن وهب، وكذا البيهقي: ص 263.
2 في نسخة في النوع الخامس والأربعين.
3 في باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل ص 24.
4 ومثله في السنن الكبرى ص 435 أيضاً.(1/242)
رِضْوَانُ اللَّهِ، إنَّمَا يُعْرَفُ بِيَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ، وَقَدْ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَسَائِرُ الْحُفَّاظِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَسَانِيدَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ قَوْله، انْتَهَى. وَأَنْكَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابٍ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْحَقِّ كَوْنَهُ أَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْعُمَرِيِّ، وَسَكَتَ عَنْ يَعْقُوبَ، قَالَ: وَيَعْقُوبُ هُوَ عِلَّةٌ، فَإِنَّ أَحْمَدَ، قَالَ فِيهِ: كَانَ مِنْ الْكَذَّابِينَ الْكِبَارِ، وَكَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ يَكْذِبُ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مَوْضُوعٌ، وَابْنُ عَدِيٍّ إنَّمَا أَعَلَّهُ بِهِ، وَفِي بَابِهِ ذَكَرَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي فَرَجُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُهَلَّبِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ مُطَيِّنٌ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ حُمَيْدٍ: هُوَ كَذَّابٌ ابْنُ كَذَّابٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وهو مُتَّهَمٌ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَسَمِعْت أحمد بن عبدة العافظ، يَقُولُ: سَمِعْت مُطَيِّنًا، يَقُولُ - وَقَدْ مَرَّ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ الرَّبِيعِ -: هَذَا كَذَّابٌ ابْنُ كَذَّابٍ ابْنِ كَذَّابٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي مَرْفُوعًا: أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَأَوْسَطُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ، وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُنْكَرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْأَبَاطِيلِ، وَالضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ، قَالَ: وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ فَقَالَ: لَيْسَ بِثَابِتٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَرْوِيهَا بَقِيَّةُ عَنْ الْمَجْهُولِينَ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى عُثْمَانَ. وَعَبْدَ الْعَزِيزِ لَا يُعْرَفَانِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: أَحَادِيثُ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا، وَأَحَادِيثُ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ،
__________
1 ص 93، والبيهقي: ص 435
2 ص24، والدارقطني: ص 92.(1/243)
قَالَتْ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَقْتِهَا الْأَخِيرِ إلَّا مَرَّتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مُرْسَلٌ، إسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَنْ أَبِيهِ إسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ، رَوَى عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، رَوَى عَنْهُ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ إلَّا لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَقَطْ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ: إسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ أَحَدُ الْمَجَاهِيلِ، رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عمرة عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَفِي سَنَدِهِ مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عائشة نحوه، وفيه الوافدي، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مُكَبَّرًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ لِمِيقَاتِهَا الْأَوَّلِ"، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مُصَغَّرًا عَنْ نَافِعٍ بِهِ نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَحَدَكُمْ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَقَدْ تَرَكَ مِنْ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ1 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "يَا عَلِيُّ! ثَلَاثَةٌ لَا تُؤَخِّرْهَا: الصَّلَاةُ إذَا أَتَتْ. وَالْجِنَازَةُ إذَا حَضَرَتْ. وَالْأَيِّمُ إذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَمَا أَرَى إسْنَادَهُ بِمُتَّصِلٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رَوَى أَنَسٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ بَكَّرَ بِالظُّهْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ أَبْرَدَ بِهَا، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَمِيرُنَا الْجُمُعَةَ، ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ؟ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ: شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، قَالَ زُهَيْرٌ:
__________
1 في باب ما جاء في الوقت الأول.
2 في باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة ص124.
3 في باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت، ص 225.(1/244)
قُلْت لِأَبِي إسْحَاقَ فِي تَعْجِيلِ الظُّهْرِ، قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. فَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا، فَقِيلَ: لَمْ يَعْذُرْنَا، وَقِيلَ: لَمْ يُحْوِجْنَا إلَى الشَّكْوَى بَعْدُ، وَلَكِنْ رُوِيَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ مُثْبَتَةٌ لِلْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثنا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إسْحَاقَ ثنا سَعِيدُ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّمْضَاءَ فَمَا أَشْكَانَا، وَقَالَ: "إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلُّوا"، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: شَكَوْنَا حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا، قُلْت: وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ أَخْرَجَاهُ1 وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ2 أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ.
أَحَادِيثُ لِمَذْهَبِنَا فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: دَخَلْت مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بِالْعَصْرِ، وَشَيْخٌ جَالِسٌ فَلَامَهُ، وَقَالَ: إنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِتَأْخِيرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ، فَسَأَلْت عَنْهُ، فقلوا: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيمَا أَخْبَرَنَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْحَارِثِ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ رَافِعٍ. وَغَيْرِهِ ضِدُّ هَذَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَافِعٍ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ نَافِعٍ يَرْوِي عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ الْمَقْلُوبَاتِ، وَعَنْ أَهْلِ الشَّامِ الْمَوْضُوعَاتِ، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ فِي الْكُتُبِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْعَيْنِ - فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ بِهِ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَافِعٍ وَالصَّحِيحُ عَنْ رَافِعٍ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ رَافِعٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَاةَ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ نَافِعٍ أَبُو الرَّمَّاحِ مَجْهُولُ الْحَالِ مُخْتَلَفٌ فِي حَدِيثِهِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ فِي ذَلِكَ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسَ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الْكَلْبُ يُعَلِّمُنَا السنة، فقام عليّ صلى بن الْعَصْرَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا فَرَجَعْنَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ جُلُوسًا فَجَثَوْنَا لِلرُّكَبِ، لنزول الشمس للغروب نتراآها، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَلِكَ عَنْ الْعَبَّاسِ
__________
1 أخرجه البخاري في المواقيت - في باب الإبراد بالظهر ص 76، ومسلم: ص 224.
2 ص 77.
3 والدارقطني في سننه ص 93.(1/245)
بْنِ ذريح عن زياد عن عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَزِيَادُ بْنُ عبد الله مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ الْعَبَّاسِ بْنُ ذُرَيْحٍ، انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الْأَثَرُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ، لِذِكْرِ السُّنَّةِ فِيهِ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ فِي أَفْضَلِيَّةِ التَّعْجِيلِ: مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ أَحَدُنَا إلَى الْعَوَالِي، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْعَوَالِي عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَثَلَاثَةٍ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَرْبَعَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا2 عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ، فَنَقْسِمُ عَشْرَ قِسَمٍ، ثُمَّ يُطْبَخُ فَيُؤْكَلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْمَغْرِبَ وَأَخَّرُوا الْعِشَاءَ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ"، أَوْ قَالَ: "عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ"، مُخْتَصَرٌ، وَتَمَامُهُ: عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ، فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، فَقَامَ إلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ يَا عُقْبَةُ؟ قَالَ: شُغْلِنَا، قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ" إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ الشَّيْخُ تقي الدين فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ خُولِفَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرَوَاهُ حَيْوَةُ. وَابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "يا داود بَادِرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ طُلُوعِ النُّجُومِ"، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَحَدِيثُ حَيْوَةَ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عبد الطلب، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى يَشْتَبِكَ النُّجُومُ"، انْتَهَى.
__________
1 في باب وقت العصر ص 78: ومسلم: ص 230.
2 في الشركة ص 238، ومسلم في باب استحباب التبكير بالعصر ص 235، والحاكم: ص 192 - ج 1.
3 في باب وقت المغرب ص 66.
4 في باب وقت المغرب ص 50.(1/246)
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَأَنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَفْظُهُ: ثُمَّ يَرْمِي، فَيَرَى أَحَدُنَا مَوْضِعَ نَبْلِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ إذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، وَفِي لَفْظَةٍ: إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، انْتَهَى. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي المغرب ساعة يغرب الشمس إذ غَابَ حَاجِبُهَا.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ4 وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفِهِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَأَخَّرْت الْعِشَاءَ الآخرة إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الطَّهَارَةِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الصَّوْمِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَأَخَّرْت العشاء الآخرة إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَسِوَاكُهُ عَلَى أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، لَا يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا اسْتَنَّ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَذَهِلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، لِأَبِي دَاوُد، وَأَبُو دَاوُد لَمْ يُخَرِّجْ مِنْهُ إلَّا فَضْلَ السِّوَاكِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ، وَعَجِبْت مِنْ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ إذْ لَمْ يُبَيِّنُوا ذَلِكَ: مَعَ أَنَّهُ مِنْ عَادَتِهِمْ، كَابْنِ عَسَاكِرَ، وَشَيْخِنَا الْحَافِظِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ، وَقَدْ أَحْسَنَ الْمُنْذِرِيُّ فِي
__________
1 في باب وقت المغرب ص 79، ومسلم: ص 228.
2 في باب وقت المغرب ص 66.
3 البخاري في باب وقت المغرب ص 79، ومسلم: ص 226، وأبو داود: 66.
4 في باب تأخير العشاء الآخرة ص 23، وابن ماجه: ص 50، والدارمي: ص 182 بطوله.(1/247)
مُخْتَصَرِهِ إذْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ لَفْظَ أَبِي دَاوُد، فَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْفَضِيلَتَيْنِ: يَعْنِي فَضْلَ السِّوَاكِ. وَفَضْلَ الصَّلَاةِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ مُقْتَصِرًا عَلَى فَضْلِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ. وَعَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ، ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ عَزَوْهُ لِلنِّسَائِيِّ1 فِي الصَّوْمِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الصُّغْرَى فَلْيُنْظَرْ الْكُبْرَى2.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَخَرَجَ إلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ اللَّيْلُ أَوْ بَعْضُهُ فَلَا نَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: "إنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ، وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْت بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ"، ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَلَّى، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي، وَذَكَرَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، قَالَ أَبِي: إنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الشيخ تقي الدين فِي الْإِمَامِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ الْمُزَنِيّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وَالْمَقْبُرِيِّ رَوَى عَنْهُ مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَلَا أَرَى بِحَدِيثِهِ بَأْسًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ4 هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ، وَقَالَ: "لَوْلَا الضَّعِيفُ وَالسَّقِيمُ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أُؤَخِّرَ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: حَدِيثُ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ، أَشَارَ إليه في الكتاب بقوله: وَلِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَهَا، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ5 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا يَعْنِي الْعِشَاءَ وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا، انْتَهَى. رَوَوْهُ فِي الْمَوَاقِيتِ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: كَانَ لَا يُحِبُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ6 أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: كَانَ يَنْهَى عَنْ النَّوْمِ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثِ بَعْدَهَا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ7 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى الطَّائِفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
__________
1 عزاه السيوطي في الجامع إلى الترمذي، وأحمد فقط، ولم يذكر النسائي.
2 في س وهو ثابت في الكبرى.
3 في المواقيت ص 229 - ج 1.
4 في باب وقت العشاء ص 50.
5 البخاري: ص 80، وص 78 بطوله، ومسلم في: ص 230.
6 في باب السَّمَر بعد العشاء ص 318 - ج 2.
7 في باب النهي عن النوم قبل صلاة العشاء ص 51.(1/248)
بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَلَا سَمَرَ بَعْدَهَا، انْتَهَى. وفد أَجَازَ الْعُلَمَاءُ السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي الْخَيْرِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ سَالِمٍ بن ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ"، انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ2 - بَابُ السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا مَعَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ جُعْفِيٍّ، يُقَالُ لَهُ: قَيْسٌ، أَوْ ابْنُ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ عَلْقَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: رَوَى أَوْسُ بْنُ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا، وَكَانَ أَكْثَرُ حَدِيثِهِ تَشْكِيَةَ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ رَوَاهُ3.
فَائِدَةٌ: اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ عَلَى جَوَازِ تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ بِحَدِيثِ رَوَاهُ مَالِكٌ في موطأه عَنْ سُمَيٌّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا"، مُخْتَصَرٌ، وَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ، وَهُمْ يعتمون الإبل، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ آخِرَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ الأعمش عن أبي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ، فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ"، انْتَهَى.
__________
1 في العلم - في باب السمر بالعلم ص 22، ومسلم في الفضائل - في باب - معنى رأس مائة سنة لا يبقى نفس منفوسة الخ ص 310 - ج 2.
2 في باب الرخصة في السمر بعد العشاء ص 24.
3 قلت: ذكره ابن ماجه في باب كم يختم القرآن وهو في مسند أحمد ص 9 - ج 4، ص 343 - ج 4، عن أوس بن حذيفة، قال: كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسلموا من ثقيف من بني مالك أنزلنا في قبة له، فكان يختلف إلينا بين بيوته، وبين المسجد، فإذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلينا ولا نبرح حتى يحدثنا، ويشتكي قريشاً، ويشتكي أهل مكة، الحديث.
4 ص 229.
5 ص 258(1/249)
فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: حَدِيثُ عُقْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: ثَلَاثُ أَوْقَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ(1/249)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ. وَعِنْدَ زَوَالِهَا حَتَّى تَزُولَ. وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ. وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ، وَزَادَ فِيهِ، قُلْت لِعُقْبَةَ: أَيُدْفَنُ بِاللَّيْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ دُفِنَ أَبُو بَكْرٍ بِاللَّيْلِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَنَهْيُهُ عَنْ الْقَبْرِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَهُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الدَّفْنِ فِي هذه السَّاعَاتِ، انْتَهَى. قُلْت: حَمَلَهُ أَبُو دَاوُد عَلَى الدَّفْنِ الْحَقِيقِيِّ2 فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَنَائِزِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ الدَّفْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَحَمَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: مَا مَعْنَى أَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا؟ يعني صلاة الجنائز انْتَهَى. وَقَدْ جَاءَ بِتَصْرِيحِ الصَّلَاةِ فِيهِ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ بِهِ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى مَوْتَانَا عِنْدَ ثَلَاثٍ: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، إلَى آخِرِهِ.
أَحَادِيثُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ: مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْهَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ4 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حمزة عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ إلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ، انْتَهَى.
__________
1 مسلم في أوقات النهي ص 276، والنسائي في المواقيت ص 95، وص 96، والجنائز ص 283، وأبو داود في الجنائز - في باب الدفن عند طلوع الشمس وغروبها ص 98 - ج 2، والترمذي في باب كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وغروبها ص 122، وابن ماجه في باب ما جاء في الأوقات التي لا تصلى فيها على الميت ص 110.
2 وابن ماجه على الصلاة والدفن، وبوّب عليه. في الجنائز - باب ما جاء في الأوقات التي لا يصلى فيها على الميت ولا يدفن ص 110.
3 في باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس ص 83.
4 وأبو داود في السنن - في أبواب التطوع - باب من أرخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة ص 188 - ج 1، والطحاوي: ص 179 - ج 1، وأحمد: ص 125 وص 144.(1/250)
حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَنْبَسَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ، وَفِيهِ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: "صَلِّ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ محضورة حين تَسْتَقْبِلَ الظِّلَّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ"، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
مَا وَرَدَ فِي إبَاحَتِهَا: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً: رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْهَا، قَالَتْ: وَهَمَ عُمَرُ، إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَحَرَّى طُلُوعَ الشَّمْسِ وَغُرُوبَهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَتُصَلُّوا عِنْدَ ذَلِكَ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَيْمَنَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَاَلَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ، وَمَا لَقِيَ اللَّهَ حَتَّى ثَقُلَ عَنْ الصَّلَاةِ، وَكَانَ يُصَلِّيهِمَا، وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثْقِلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَنْهُمْ، انْتَهَى.
مَا وَرَدَ فِي الْعُذْرِ مِنْهَا، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ. وَالْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي3 عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ. وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوهُ إلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقُلْ لَهَا: بَلَغَنَا أَنَّك تُصَلِّيهِمَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُمَا، قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ، فأخبرتها، فقالت: سألت أُمَّ سَلَمَةَ، فَرَجَعَتْ إلَيْهِمْ، فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَرَدُّونِي إلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، قال: "إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَهُمَا هَاتَانِ" مُخْتَصَرٌ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ4 فَقَالَ: وَقَالَ كُرَيْبٌ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: "شَغَلَنِي
__________
1 في فضائل القرآن - في باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ص 276، وأبو داود في التطوع ص 188، والطحاوي: ص 91.
2 في باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت ص 83، ومسلم في ص 277.
3 في فضائل القرآن - في باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ص 227، والبخاري: قبيل الجنائز بباب: ص 164، وفي المغازي في باب وفد عبد القيس ص 627.
4 هذا التعليق في ترجمة باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت ص 83، ووصله البخاري في أواخر التهجد في - باب إذا كلم وهو يصلي ص 164، وكذا في المغازي ص 627.(1/251)
نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ"، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي فَكَأَنَّهُ وَصَلَهُ فِيهِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا. وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا يَعْنِي دَاوَمَ عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1 مِنْ جِهَةِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ وَيَنْهَى عَنْهُمَا وَيُوَاصِلُ، وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 أَنَّهُ قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ - وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ4 عَنْهُ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "صَلِّ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ فَلَا تُصَلِّ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ"، مُخْتَصَرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ دَاخِلَتَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَكَرِهَهَا أَصْحَابُنَا فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ،
__________
1 في التطوع - في باب من رخص إذا كانت الشمس مرتفعة ص 189.
2 البخاري في باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس ص 82، ومسلم: ص 275، وأبو داود في التطوع - في باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة ص 188.
3 ص 83.
4 ص 275 في باب أوقات النهي عن الصلاة.
5 ص 276 في فضائل القرآن.(1/252)
وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ، فَأَجَازَهَا فِيهَا آخِذًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: إنَّمَا لَمْ يُخْرِجَاهُ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي إسْنَادِهِ، فَرَوَاهُ سُفْيَانُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَرَوَاهُ الْجَرَّاحُ بْنُ مِنْهَالٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ سَمِعَ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وَرَوَاهُ مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ جَابِرٍ، فَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَقَامَ ابْنُ عُيَيْنَةَ إسْنَادَهُ، وَمَنْ خَالَفَهُ فِيهِ لَا يُقَاوِمُهُ، فَرِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَحْفُوظَةً، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَابَاهُ، وَيُقَالُ: ابْنُ بَابَيْهِ، وَيُقَالُ: ابْنُ بَابِي، قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَعْرُوفٌ، وَأَخْبَرَنِي الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ الْعَلَّامَةِ عَلَاءِ الدِّينِ الْقُونَوِيِّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ بَحَثَ هُنَا بَحْثًا فَقَالَ: إنَّ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثِ جُبَيْرٍ عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكَانِ، خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْتِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكَانِ، عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَيْسَ حَمْلُ عُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى خُصُوصِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أولى مِنْ حَمْلِ عُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَكَانِ عَلَى خُصُوصِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ، قُلْنَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرٍ، فَلَا يُقَاوِمُهُ إلَّا مَا يُسَاوِيهِ فِي الصِّحَّةِ، فَيُحْمَلُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ مِنْ فَهْمِ الصَّحَابَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ، رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ2 أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بن عبد الرحمن بن عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْت نَصْرَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّهِ مُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَمْ يُصَلِّ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنِ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، انْتَهَى.
__________
1 أبو داود في المناسك - في باب الطواف بعد العصر ص 267 - ج 1، وكذا الترمذي في باب ما جاء في الصلاة بعد العصر، وبعد الصبح في الطواف ص 106، والنسائي في المواقيت - في باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة ص 98، وابن ماجه في الصلاة - في باب الرخصة من الصلاة بمكة في كل وقت ص 90، والطحاوي في: 395، والحاكم في المناسك ص 448 - ج 1 والبيهقي في سننه ص 461 - ج 2، والدارقطني: ص 162، وص 274، والدارمي: ص 247.
2 والبيهقي في سننه ص 464 - ج 2، وأخرج الطحاوي المرفوع فقط في: ص 179، وأخرج أحمد ص 219 - ج 4 الأثر مع المرفوع، وكذا الطيالسي: ص 170.(1/253)
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْعَدَنِيِّ عَنْ رَجَاءٍ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَوْ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّي، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ بعد الصبج حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا عِنْدَ هَذَا الْبَيْتِ يَطُوفُونَ وَيُصَلُّونَ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وأبو الوليد العدلي لَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي الْكُنَى - لِأَبِي أَحْمَدَ الْحَاكِمِ. وَأَمَّا رَجَاءُ بْنُ الْحَارِثِ أَبُو سَعِيدٍ الْمَكِّيُّ، فَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ فِي النَّافِلَةِ بِمَكَّةَ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِ النَّافِلَةِ بِمَكَّةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِدُونِ كراهية بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ"، وَبِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ مَوْلَى عَفْرَاءَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا بِمَكَّةَ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3، وَقَالَ: هَذَا يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ إلَّا أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ طَهْمَانَ قَدْ تَابَعَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَقَامَ إسْنَادَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ثَنَا حُمَيْدٍ مَوْلَى عَفْرَاءَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: جَاءَنَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ الْحَدِيثَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحُمَيْدَ الْأَعْرَجُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَمُجَاهِدٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي ذَرٍّ، وَقَوْلُهُ: جَاءَنَا أَيْ جَاءَ بَلَدَنَا، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ بِسَنَدِهِ عَنْ الْيَسَعِ بْنِ طَلْحَةَ الْقُرَشِيِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ: بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِحَلْقَتَيْ الْبَابِ يَقُولُ ثَلَاثًا: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا بِمَكَّةَ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاَلْيَسَعُ بْنُ طَلْحَةَ ضَعَّفُوهُ، وَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، مُجَاهِدٌ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا ذَرٍّ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ هَذَا مَعْلُولٌ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: انْقِطَاعُ مَا بَيْنَ مُجَاهِدٍ. وَأَبِي ذَرٍّ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْبَيْهَقِيّ. وَالثَّانِي: اخْتِلَافٌ فِي إسْنَادِهِ، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنْ حُمَيْدٍ مَوْلَى عَفْرَاءَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ،
__________
1 ص 163، والطحاوي: ص 396.
2 ص 163.
3 ص 461- ج2.(1/254)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّامِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَالثَّالِثُ: ضَعْفُ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ، قَالَ النَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ حَدِيثِهِ الضعف عليه بيِّن. والرابع: ضَعْفُ حُمَيْدٍ مَوْلَى عَفْرَاءَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ خَاصٌّ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ وَرَدَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ بِمَكَّةَ إنَّمَا هُوَ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، مَنْ طَافَ فَلْيُصَلِّ أَيْ حِينَ طَافَ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَسَعِيدٌ هَذَا يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ، وَغَيْرِهِ بِمَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ1، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ إلَّا أَبَا دَاوُد: مِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَتَى بِهِ فِي جُمْلَةِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطَوُّعًا. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَلَفْظُهُ قَالَ: كَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا سَجْدَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَبْدِ العزيز مُحَمَّدِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ قُدَامَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، قَالَ: ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: كُلُّ مَنْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَعْرُوفٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَجْهُولُ الْحَالِ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ. والدراوردي يَقُولَانِ: عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ
__________
1 البخاري في التهجد - في باب الركعتين قبل الظهر ص 157، ومسلم في باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما ص 250، والنسائي في باب ذكر ركعتي الفجر ص 254 - ج 1، والبيهقي: ص 465 - ج 2.
2 في باب لا صلاة بعد طلوع الفجر، إلا ركعتين ص 56.(1/255)
بْنِ الْحُصَيْنِ، وَقَالَ عُثْمَانُ: بْنُ عُمَرَ أَنْبَأَ قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، وَذَكَرَ هَذَا الِاخْتِلَافَ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يُعْرَفْ هُوَ، وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَالِهِ بِشَيْءٍ، فَهُوَ عِنْدَهُمَا مَجْهُولٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ ثنا أَيُّوبُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ بِهِ، لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ أُصَلِّي بَعْدَ الْفَجْرِ فَحَصَبَنِي، وَقَالَ: يَا يَسَارُ! كَمْ صَلَّيْت؟ قُلْت: لَا أَدْرِي، قَالَ: أَلَا دَرَيْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ أَنْ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ؟! " انْتَهَى. وَقُدَامَةُ هَذَا مَعْرُوفٌ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيُّوبُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَمُحَمَّدُ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَتَابَعَهُ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ. وَخَالَفَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَوُهَيْبٌ، فَرَوَيَاهُ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ. وَوُهَيْبٍ، لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ، انْتَهَى. فَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر حَدَّثَنِي أَبِي ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ النَّبِيلِ الْفِهْرِيُّ عَنْ أبي عمر مرفوعاً حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمُّويَةَ الْجَوْهَرِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَكُلُّ ذَلِكَ يُعَكِّرُ عَلَى التِّرْمِذِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَمْنَعَنَّكُمْ آذَانُ بِلَالٍ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ حَتَّى يَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ1 قَالَ: فَلَوْ كان التنقل بَعْدَ الصُّبْحِ مُبَاحًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: حَتَّى يَرْجِعَ قَائِمَكُمْ مَعْنًى، وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
__________
1 البخاري في باب الأذان قبل الفجر ص 87، ومسلم في الصوم في باب أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر ص 350.(1/256)
مَرْفُوعًا أَيْضًا صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى، أَخْرَجَاهُ أَيْضًا1، قَالَ: فَلَوْ كَانَ أَيْضًا مُبَاحًا لَمَا كَانَ لِخَشْيَةِ الصُّبْحِ مَعْنًى، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَشِيَ الصُّبْحَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوِتْرِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ التَّنَفُّلَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟. قَالَ: "جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، فَصَلِّ مَا شِئْت، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَقْبُولَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ"، وَفِي لَفْظٍ3: "فَصَلِّ مَا بَدَا لَك حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ"، الْحَدِيثُ بطوله.
__________
1 البخاري في الوتر ص 135، ومسلم في باب صلاة الليل ص 257.
2 في التطوع - في باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة ص 188.
3 في لفظ: الخ، أي عند النسائي في باب إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح ص 98.(1/257)
قَوْلُهُ الأذان
قوله: الْأَذَانُ سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالْجُمُعَةُ دُونَ مَا سِوَاهَا لِلنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ4 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا5 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الشَّمْسَ خُسِفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ مُنَادِيًا: بِالصَّلَاةَ جَامِعَةً، انْتَهَى. وَالْجُمُعَةُ فِيهَا حَدِيثُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَالصَّلَوَاتُ تَأْتِي أَحَادِيثُهَا.
مَسْأَلَةٌ: فِي تَثْنِيَةِ التَّكْبِيرِ أَوَّلَ الْأَذَانِ، وَتَرْبِيعِهِ، أَمَّا التَّثْنِيَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ6 حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ. وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَا: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرٍ7 الْأَحْوَلِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد8 عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ9 بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ
__________
4 في العيدين ص 290.
5 في الكسوف ص 296.
6 في بدء الأذان ص 165 فيه نسختان: في نسخة التربيع، وفي نسخة التثنية وروى النسائي: ص 103 عن إسحاق بن إبراهيم عن معاذ به، وفيه التربيع.
7 في مسلم عن أبي عامر.
8 في باب كيف الأذان ص 80.
9 هذه الرواية ذكرها المخرج في تثنية التكبير، والذي في أبي داود ص 80 تربيعه والله أعلم، وأخرج النسائي عن بشر بن معاذ عن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: حدثني أبي، وجدي عن أبي محذورة، وفيه التثنية، وكذا الدارقطني: ص 86 عن أبيه عن ابن محيريز وفي ص 87، وفيه التربيع عن جده عن أبيه.(1/257)
سَمِعْت جَدِّي عَبْدَ الْمَلِكِ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ يَقُولُ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُ نَحْوَهُ، وَاسْتَدَلَّ لِلْقَائِلَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ أَيْضًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْت أَبَا جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي الْمُثَنَّى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ، انْتَهَى. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَمَّا التَّرْبِيعُ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ هَمَّامٍ ثَنَا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ بِسَنَدِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرٍ، وَفِيهَا التَّرْبِيعُ، قَالَ: وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ. وَأَبِي مُوسَى. وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، كُلُّهُمْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، قَالَ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ بِسَنَدِهِ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، قَالَ: وَزَعَمَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ عَنْ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، إنَّمَا هُوَ التَّرْبِيعُ، هَكَذَا رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ عَفَّانَ. وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ. وَحَجَّاجٌ، وَبِذَلِكَ يَصِحُّ كَوْنُ الْأَذَانِ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، كَمَا وَرَدَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلَّمَهُ التَّأْذِينَ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ السَّائِبِ أَخْبَرَنِي أَبِي. وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِجَهَالَةِ حَالِ ابْنِ السَّائِبِ1 وَأَبِيهِ. وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي قِصَّةِ الْمَنَامِ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِيهِ التربيع، وعله ابْنُ الْقَطَّانِ بِجَهَالَةِ حَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَضَعْفِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، إذْ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ بِمَكَّةَ عَامَ حُنَيْنٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ فِيهِ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ فِيهِ بِتَثْنِيَةٍ، وَالتَّرْبِيعُ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا، وَالْعَمَلُ عِنْدَهُمْ بِمَكَّةَ فِي آلِ أَبِي مَحْذُورَةَ بِذَلِكَ إلَى زَمَانِنَا، وَهُوَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي قِصَّةِ الْمَنَامِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَأَحْمَدُ، انْتَهَى.
__________
1 لكن عد الحافظ في التقريب هؤلاء الثلاثة من المقبولين.(1/258)
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَذَانِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي - وَأَنَا نَائِمٌ - رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْت: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: تَقُولُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْت، فَقَالَ: "إنَّهَا لِرُؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك"، فَقُمْت مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْت ألقيه لإليه، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَجَعَلَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَلَا الْإِقَامَةِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَ الْإِقَامَةِ، وَزَادَ فِيهِ شِعْرًا، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي فَضْلِ الْأَذَانِ أَصَحَّ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ محمداً بن يحيى سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُولُ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ، إلَى آخِرِ لَفْظِ الْبَيْهَقِيّ، وَزَادَ: خَبَرُ ابْنِ إسْحَاقَ هَذَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا دَلَّسَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 وَزَادَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ، وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَجَاءَهُ ذَاتَ غَدَاةٍ فَدَعَاهُ إلَى الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ، قَالَ: فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى
__________
1 في باب كيف الأذان ص78، وابن جارود في باب ما جاء في الأذان ص 82.
2 ص 43- ج3.(1/259)
صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، قَالَ سَعِيدٌ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 - فِي فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ -: وَإِنَّمَا اشْتَهَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ بِحَدِيثِ الْأَذَانِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لِاخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ فِي أَسَانِيدِهِ، وَقَدْ تَدَاوَلَهُ فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ بِالْقَبُولِ، وَأَمْثَلُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَنَّ سَعِيدًا لَمْ يُلْحِقْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ. حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ. وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ. وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ. وَغَيْرُهُمْ، وَأَمَّا أَخْبَارُ الْكُوفِيِّينَ فِي هَذَا الْبَابِ فَمَدَارُهَا عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ آبَائِهِمْ عَنْهُ، فَغَيْرُ مُسْتَقِيمَةِ الْأَسَانِيدِ، وَقَدْ أَسْنَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الَّذِي أُرِيَ الْأَذَانَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا حَائِطِي صَدَقَةٌ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَجَاءَ أَبَوَاهُ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ قِوَامَ عَيْشِنَا، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا، ثُمَّ مَاتَا فَوَرِثَهُمَا ابْنُهُمَا بَعْدُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَهَذَا فِيهِ إرْسَالٌ انْتَهَى. وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ إلَّا حَدِيثُ الْأَذَانِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ فِي أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ وَحْيًا لَا مَنَامًا، رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رسوله الأذان أتاه جبرئيل عليه السلام بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا: الْبُرَاقُ، فَذَهَبَ يَرْكَبُهَا فَاسْتَصْعَبَتْ، فَقَالَ لَهَا: "اُسْكُنِي، فَوَاَللَّهِ مَا رَكِبَك عَبْدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدٍ"، قَالَ: فَرَكِبَهَا حَتَّى انْتَهَى إلَى الْحِجَابِ الَّذِي يَلِي الرَّحْمَنَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فبينا هُوَ كَذَلِكَ إذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنْ الْحِجَابِ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا جبرئيل مَنْ هَذَا؟ " قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنِّي لَأَقْرَبُ الْخَلْقِ مَكَانًا، وَأَنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا رَأَيْتَهُ مُنْذُ خُلِقْت قَبْلَ سَاعَتِي هَذِهِ، فَقَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.
__________
1 ص 82.
2 ص336-ج3.(1/260)
اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عبدي، أَنَا أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ الْمَلَكُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي، أَنَا لَا إلَهَ إلَّا أَنَا، ثُمَّ قَالَ الْمَلَكُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي، أَنَا أَرْسَلْت مُحَمَّدًا، ثُمَّ قَالَ الْمَلَكُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ قَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي، أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَقِيلَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي، أَنَا لَا إلَهَ إلَّا أَنَا، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَهُ، فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ: فَمِنْهُمْ1 آدَم. وَنُوحٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ عَلِيٍّ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ شِيعِيَّةٌ2 وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ فِي الْإِمَامِ إلَّا لِلْأَصْبَهَانِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ أَنَّ بَدْءَ الْأَذَانِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ وَيَتَحَيَّنُونَ بِالصَّلَاةِ، وَلَيْسَ يُنَادِي لَهَا أَحَدٌ، فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، الْحَدِيثُ.
فَائِدَةٌ أُخْرَى، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: قَدْ اُشْتُهِرَ فِي خَبَرِ الرُّؤْيَا فِي الْأَذَانِ كَلِمَةُ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمْرُهُ عليه السلام لِبِلَالٍ بِهَا، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَا أُذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ عُمَرُ: قُلْ فِي إثْرِهَا: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "قُلْ كَمَا أَمَرَك عُمَرُ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ قَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْفَضَائِلِ عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الْبَهِيِّ بن سُفْيَانَ بْنِ اللَّيْلِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مَا كَانَ قَدِمْت عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ: فَتَذَاكَرْنَا عِنْدَهُ الْأَذَانَ، فَقَالَ بَعْضُنَا: إنَّمَا كَانَ بَدْءُ الْأَذَانِ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إنَّ شَأْنَ الْأَذَانِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، أذّن جبرئيل فِي السَّمَاءِ مَثْنَى مَثْنَى، وَعَلَّمَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَامَ مَرَّةً مَرَّةً، فَعَلَّمَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذَّنَ بِهِ الْحَسَنُ حَتَّى وَلَّى، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ كَذَّابٌ، انْتَهَى
__________
1 زياد بن المنذر مجمع على ضعفه زوائد ص 329، وقال ابن كثير في البداية والنهاية ص 223 - ج 3: هذا الحديث ليس كما زعم السهيلي أنه صحيح، بل منكر تفرد به زياد بن المنذر أبو الجارود الذي تنسب إليه الفرقة الجارودية، هو من المتهمين، ثم لو كان هذا سمعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الإسراء لأوشك أن يأمر به بعد الهجرة في الدعوة إلى الصلاة، والله أعلم، اهـ.
2 في ص 171-ج 3(1/261)
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إلَى السَّمَاءِ أُوحِيَ إلَيْهِ بِالْأَذَانِ، فَنَزَلَ بِهِ، فعلمه جبرئيل، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ الْوَاسِطِيُّ , انْتَهَى. وَرَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَنِيفَةَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عَمِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَبِي بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ1، قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ لَا تَرْجِيعَ فِيهِ فِي الْمَشَاهِيرِ قُلْت: فيه أحاديث: منها عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَلْفَاظِهِ وَطُرُقِهِ، ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هُوَ أَصْلُ التَّأْذِينِ. وَلَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْجِيعَ غَيْرُ مَسْنُونٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ3 مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا جَعْفَرٍ مُؤَذِّنَ مَسْجِدِ الْعُرْبَانِ فِي مَسْجِدِ بَنِي هِلَالٍ - يُحَدِّثُ عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي الْمُثَنَّى مُؤَذِّنِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، فَكُنَّا إذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ4 وَالْبَيْهَقِيِّ فِي سُنَنِهِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الصَّيَّادِ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، سَعِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَغَيْرُهُ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَرْجِيعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أبي سَعِيدِ: بْنُ الْمُغِيرَةِ ثِقَةٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيِّ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: سَمِعْت جَدِّي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي مَحْذُورَةَ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا مَحْذُورَةَ يَقُولُ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، إلَى آخِرِهِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَرْجِيعًا، وَهَذَا مُعَارِضٌ لِلرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، فَذَكَرَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَفِيهِ تَرْجِيعٌ.
__________
1 طلحة بن زيد،، قال الهيثمي في الزوائد ص 329 - ج 1: نسب إلى الوضع.
2 ص 83.
3 ص 103.
4 ص 88.(1/262)
الْحَدِيثُ الثاني: حدثنا أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ عليه السلام أمر بِالتَّرْجِيعِ، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. أَشْهَد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِمْ2: عَلَّمَهُ الأذان تسعة عشر كَلِمَةً، فَذَكَرَهَا، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد3: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، قَالَ: تَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهِمَا صَوْتَك، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَك بِهِمَا" 4 الْحَدِيثُ، وَهُوَ لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاخْتَصَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْعَدَهُ وَأَلْقَى عَلَيْهِ الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا، قَالَ بِشْرٌ: فَقُلْت لَهُ: أَعِدْ عَلَيَّ، فَوَصَفَ الْأَذَانَ بِالتَّرْجِيعِ، انْتَهَى. وَطَوَّلَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَوَّلُهُ: خَرَجْت فِي نَفَرٍ، فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: ارْجِعْ فَامْدُدْ مِنْ صَوْتِك، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، الْحَدِيثُ، قَوْلُهُ: وَكَانَ مَا رَوَاهُ تَعْلِيمًا، فَظَنَّهُ تَرْجِيعًا، هَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ5: يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّرْجِيعَ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ أبا محذورة لم يَمُدُّ بِذَلِكَ صَوْتَهُ، كَمَا أراده النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عليه السلام: "ارْجِعْ فَامْدُدْ مِنْ صَوْتِك"، وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: إنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ كَافِرًا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ وَلَقَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ أَعَادَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ، وَكَرَّرَهَا لِتَثْبُتَ عِنْدَهُ وَيَحْفَظَهَا، وَيُكَرِّرَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْفِرُونَ مِنْهَا، خِلَافَ نُفُورِهِمْ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَمَّا كَرَّرَهَا عَلَيْهِ ظَنَّهَا مِنْ الْأَذَانِ فَعَدَّهُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَأَيْضًا فَأَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ، وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ مِنْ الْأُمُورِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَيَرُدُّهَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، وَفِيهِ: ثُمَّ تَقُولُ: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَك، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَك بِهَا" فَجَعَلَهُ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ - ابْنِ حِبَّانَ،
__________
1 مسلم في: ص 165.
2 هي عند أبو داود: ص 80، والنسائي في باب كم الأذان من كلمة ص 103، والترمذي في باب الترجيع في الأذان ص 27، وابن ماجه في باب الترجيع في الأذان ص 52.
3 في باب كيف الأذان ص 79.
4 في أبو داود. والنسائي: شهادة التوحيد مرتين وكذا شهادة الرسالة.
5 ص 79.(1/263)
وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ1 لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ، وَسَيَأْتِي.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخَصْمِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ عَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ أَنَّهُ وَصَفَ أَذَانَ بِلَالٍ، وَفِيهِ التَّرْجِيعُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ لَا يرجع3 وعبد الله بن مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ4 انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا رضي الله عنه، قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، حِينَ وَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاقِدًا، فَقَالَ عليه السلام: "مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلَالُ، اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك". قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يونس بن زيد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ بِالصُّبْحِ فَوَجَدَهُ رَاقِدًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلَالُ، اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي بَابِ الْبَاءِ - فِي تَرْجَمَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ بِلَالٍ وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ - لَهُ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ثَنَا محمد بن موسى الجرشي ثَنَا خَلَفُ الْحَزَّانُ يَعْنِي البكتا قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: جَاءَ بِلَالٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَوَجَدَهُ قَدْ أَغَفَا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَقَالَ: "اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك إذَا أَذَّنْت لِلصُّبْحِ"، فَجَعَلَ بِلَالٌ يَقُولُهَا إذَا أَذَّنَ لِلصُّبْحِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ5 حَدَّثَنَا عمرو بْنُ رَافِعٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقِيلَ: هُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَأُقِرَّتْ فِي تَأْذِينِ الْفَجْرِ، فَثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ والدارقطني6 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ7 فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
__________
1 ص 408 - ج 3.
2 ص 87.
3 وأخرج الحاكم في المستدرك ص 607 - ج 3 حديث سعد هذا، وذكر أذان بلال، وليس فيه الترجيع.
4 وسيأتي في باب صلاة العيدين عند ذكر أحاديث الخصوم المرفوعة ص 323 - ج 1.
5 ص 51.
6 ص 90.
7 ص 423.(1/264)
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي أَذَانِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أخرجه الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ عَمْرِو بْنِ صَالِحٍ الثَّقَفِيِّ ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ بِلَالٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَأُقِرَّتْ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ1 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْمُؤَذِّنِ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حَفْصٌ: فَحَدَّثَنِي أَهْلِي أَنَّ بِلَالًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَالُوا: إنَّهُ نَائِمٌ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَأُقِرَّتْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ، وَالطَّرِيقُ لَهُ صَحِيحٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَهْلُ حَفْصٍ غَيْرُ مُسَمِّينَ، فَهُمْ مَجْهُولُونَ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا يُهِمُّهُمْ إلَى الصَّلَاةِ، فَذُكِرَ الْبُوقُ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى، فَأُرِيَ النِّدَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ. وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَطَرَقَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ عليه السلام بِلَالًا فَأَذَّنَ بِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَزَادَ بِلَالٌ فِي نِدَاءِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ رَأَيْت مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ هَذَا تكلم فيه. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ، فِي حَدِيثِ أبي محذورة عند أَبِي دَاوُد، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، وَفِي آخِرِهِ: فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، قُلْت: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِ أَبِي دَاوُد، وَزَادَ
__________
1 وفي السنن الكبرى ص 423- ج1، الحديث فقط.
2 ص 43- ج4.(1/265)
فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِالتَّأْذِينِ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ، ويدعو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ، قال: فجاء ذَاتَ غَدَاةٍ فَدَعَاهُ إلَى الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ، فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، قَالَ سَعِيدٌ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَذَانِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ: أَمْثَلُ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ مِنْ الزُّهْرِيِّ، فَبَقِيَ فِيهِ شُبْهَةُ التَّدْلِيسِ، قَالَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ أَقَامَ بِصِفَةِ الْأَذَانِ يَعْنِي مَثْنَى مَثْنَى وَزَادَ: بَعْدَ الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أُحِيلَتْ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ فِيهِ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَعْنِي الْمَلَكَ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ أُمْهِلَ هُنَيَّة، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ مِثْلُهَا، إلَّا أَنَّهُ زاد بعد ما قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقِّنْهَا بِلَالًا" فَأَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةً، حَتَّى لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، وَحَتَّى هَمَمْت أَنْ آمُرَ رِجَالًا يَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، حَتَّى نَقَسُوا2 أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا"، فَقَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يا رسو ل اللَّهِ إنِّي لَمَّا رَجَعْت - لَمَّا رَأَيْت مِنْ اهْتِمَامِك - رَأَيْت رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، أَنْ يَقُولُوا، لَقُلْت: إنِّي كُنْت يَقْظَانَ غَيْرَ نَائِمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ أَرَاك اللَّهُ خَيْرًا، فَمُرْ بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ"، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إنِّي قَدْ رَأَيْت مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِنْ لَمَّا سُبِقْت استحيت، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ إذَا جَاءَ يَسْأَلُ فَيُخْبِرُ بِمَا سَبَقَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَاءَ مُعَاذٌ، فَأَشَارُوا إلَيْهِ،
__________
1 في باب كيف الأذان ص 82، وأحمد في مسنده ص 246، والبيهقي في سننه ص 296 - ج 2 مختصراً، وقال: عبد الرحمن لم يدرك معاذاً، وسيأتي الحديث ص 349.
2 أي ضربوا بالناقوس.(1/266)
قَالَ: فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إلَّا كُنْت عَلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ: إنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً كَذَلِكَ فَافْعَلُوا، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ نَحْوُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيد1 وروى عنه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، وَلَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ بِلَالٍ، فَإِنَّ مُعَاذًا تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ، وَبِلَالٌ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَة عِشْرِينَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وُلِدَ لِسِتٍّ بَقَيْنَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، فَثَبَتَ انْقِطَاعُ حَدِيثِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا2 إنْ أَرَادَ الصَّحَابَةَ، فَهُوَ قَدْ سَمِعَ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُسْنَدًا، وَإِلَّا فَهُوَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قُلْت: أَرَادَ بِهِ الصَّحَابَةَ، صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ3 فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا قَامَ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ، فَأَذَّنَ مَثْنَى مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى مَثْنَى، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ4: وَهَذَا رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ فِي عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّ جَهَالَةَ أَسْمَاءَهُمْ لَا تَضُرُّ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ أَذَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفْعًا شَفْعًا فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا6 عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ أَنَّ مَكْحُولًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَيْرِيزٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: عَلَّمَنِي رسول الله
__________
1 عند الطحاوي: ص 79، والدارقطني: ص 89، والبيهقي: ص 421 - ج 1، والترمذي في باب ما جاء أن الإقامة مثنى مثنى ص 27.
2 قوله: أصحابنا، قلت: بهذا اللفظ في رواية الطحاوي: ص 80، وأبي داود ص 81، والله أعلم.
3 ابن أبي شيبة في مسنده ص 136، والطحاوي في: ص 79، وص 80، والبيهقي: ص 420 - ج 1، وفي مصنف ابن أبي شيبة ص 145، وكيع ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى، قال: نا أصحاب محمد أن بلالاً أذن مثنى، وأقام مثنى، وقعد قعدة أي بين الأذان والإقامة
4 وقال ابن حزم في المحلى ص 158 - ج 3: وهذا إسناد في غاية الصحة من إسناد الكوفيين، اهـ.
5 في باب ما جاء أن الإقامة مثنى مثنى ص 27.
6 في باب كيف الأذان ص 80، وابن ماجه في باب الترجيع في الأذان ص 52، وابن جارود في الأذان ص 85.(1/267)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ تسعة عشر كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، فَذَكَرَ الْأَذَانَ مُفَسَّرًا بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ أَوَّلَهُ، وَفِيهِ التَّرْجِيعُ، وَالْإِقَامَةُ مِثْلُهُ، وَزَادَ فِيهَا: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا، لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ لَفْظَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، إلَّا أَنَّ النَّسَائِيّ قَالَ: ثُمَّ عَدَّهَا أَبُو مَحْذُورَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَسَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ: فَعَلَّمَهُ الْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا السَّنَدُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاعْتَرَضَ الْبَيْهَقِيُّ2، وَقَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ، دُونَ ذِكْرِ الْإِقَامَةِ، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَهَذَا الْخَبَرُ عِنْدِي غَيْرُ مَحْفُوظٍ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجْهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْفُوظًا لَمَا تَرَكَهُ مُسْلِمٌ. الثَّانِي: أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ أَبُو مَحْذُورَةَ، وَلَا أَوْلَادُهُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا حُكْمًا ثَابِتًا لَمَا فَعَلُوا بِخِلَافِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: أَدْرَكْت أَبِي وَجَدِّي يُؤَذِّنُونَ هَذَا الْأَذَانَ وَيُقِيمُونَ هَذِهِ الْإِقَامَةَ، فَذَكَرَ الْأَذَانَ مُفَسَّرًا بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ أَوَّلَهُ، وَتَثْنِيَةَ الشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ يُرَجِّعُ بِهَا مَثْنَى مَثْنَى، وَتَثْنِيَةُ الْحَيْعَلَتَيْنِ. وَالتَّكْبِيرِ، وَيَخْتِمُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى، وَتَثْنِيَةُ التَّكْبِيرِ، أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا، وَأَجَابَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ بِأَنَّ عَدَمَ تَخْرِيجِ مُسْلِمٍ لَهُ لَيْسَ بِمُقْتَضٍ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إخْرَاجَ كُلِّ الصَّحِيحِ، وَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَاتِ وَلَدِ أَبِي مَحْذُورَةَ، فَلَمْ يَقَعْ لَهَا فِي الصَّحِيحِ ذِكْرٌ، ثُمَّ إنَّ لِحَدِيثِ هَمَّامٍ تَرْجِيحَاتٍ: أحددها: أَنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ أَوْلَادَ أَبِي مَحْذُورَةَ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ. الثَّانِي: أَنَّ فِيهِ ذكر الكلمات تسع عشر. وسبع عشر، وَهَذَا يَنْفِي الْغَلَطَ فِي الْعَدَدِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَإِسْقَاطٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مُتَابَعَةً لهمام فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَامِرٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ تسع عشر كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَ كلمة، ثم إنه معارض بِتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ لَهُ، وَقَوْلُهُ: إنَّ هَذَا لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ أَبُو مَحْذُورَةَ، فَهَذَا دَاخِلٌ فِي بَابِ التَّرْجِيحِ، لَا فِي بَابِ التَّضْعِيفِ، لِأَنَّ عُمْدَةَ التَّصْحِيحِ عَدَالَةُ الرَّاوِي، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لِوُجُودِ مَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ، لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَعْفُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَنْسُوخَةَ يُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا إذَا
__________
1 في باب الترجيع في الأذان ص 27، والنسائي في باب كم الأذان من كلمة ص 103، والطحاوي: ص 78.
2 إن كان هذا الاعتراض في السنن، فقد التقطه المخرج من ص 417 - ج 1، وما بعدها من مواضع، والله أعلم.(1/268)
كَانَتْ رُوَاتُهَا عُدُولًا، وَلَا يُعْمَلُ بِهَا لِوُجُودِ النَّاسِخِ، وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى التَّرْجِيحِ فَقَدْ تَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، فَالْبَيْهَقِيُّ صَدَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَفِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ، كَلَامُهُ. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد1، أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ السَّائِبِ أَخْبَرَنِي أَبِي، وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بن أَبِي مَحْذُورَةَ، وَفِيهِ: وَعَلَّمَنِي الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَهَا مُفَسَّرَةً، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ2 أَخْرَجَهُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُقِيمُ مَثْنَى مَثْنَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ ثِقَةٌ، قَالَ: وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا مَحْذُورَةَ3.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُثَنِّي الْأَذَانَ، وَيُثَنِّي الْإِقَامَةَ، وَكَانَ يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَخْتِمُ بِالتَّكْبِيرِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْأَسْوَدُ لَمْ يُدْرِكْ بِلَالًا، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ لِلْأَسْوَدِ عَنْ بِلَالٍ حَدِيثًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ سَوَاءً مَثْنَى مَثْنَى، وَكَانَ يَجْعَلُ إصْبَعَهُ فِي أُذُنِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ ثَنَا إدْرِيسُ الْأَوْدِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُقِيمُ مَثْنَى مَثْنَى، انْتَهَى. وَزِيَادُ الْبَكَّائِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا أَرْوِي عَنْهُ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوقٌ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ بِزِيَادٍ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ وَكِيعٌ: هُوَ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ، انْتَهَى. وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ.
الْآثَارُ، رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ
__________
1 في باب كيف الاذان ص 79، والطحاوي: ص 80.
2 في باب الإقامة كيف هي ص 81.
3 ذكر الحافظ رواية الطحاوي من طريق عبد العزيز بن رفيع، قال: سمعت أبا محذورة، الخ، وقال: هذا يرد قول الحاكم: إن عبد العزيز لم يدرك أبا محذورة، اهـ.
4 ص 90، والطبراني: ص 80، وسيأتي الحديث في: ص 153، مع ما له وما عليه.(1/269)
مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ1 عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ ثَوْبَانُ يُؤَذِّنُ مَثْنَى، وَيُقِيمُ مَثْنَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ فِي الْإِقَامَةِ: مَرَّةً مَرَّةً إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ الْأُمَرَاءُ، وَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّثْنِيَةُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الرَّازِيُّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ أُرِيَ الْأَذَانَ مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى، قَالَ: فَأَتَيْت النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "عَلِّمْهُنَّ بِلَالًا"، فَعَلَّمْتُهُنَّ بِلَالًا، قَالَ: فَتَقَدَّمْت، فَأَمَرَنِي أَنْ أُقِيمَ، فَأَقَمْت، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا فِي مَتْنِهِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ أَبَا أُسَامَةَ أَتَى فِيهِ بِشَيْءٍ لَمْ يَرَوْهُ أَحَدٌ، وَهُوَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ أَقَامَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ، وَعَبْدُ السَّلَامِ أَعْلَمُ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي الْعُمَيْسِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَنْهُ رِوَايَةً، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَحَدِيثُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَعَمَّا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا كَانَ ثِقَةً يُقْبَلُ مَا يَتَفَرَّدُ بِهِ، وَأَبُو أُسَامَةَ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ: وَمُخَرَّجٌ لَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَالرَّاوِي عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الرَّازِيُّ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِيهِ: صَدُوقٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، وَعَنْهُ الْحَاكِمُ، وَهَؤُلَاءِ أَعْلَامٌ مَشَاهِيرُ. الثَّانِي: أَنَّ أَبَا أُسَامَةَ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، فَإِنَّ عَبْدَ السَّلَامِ بْنَ حَرْبٍ الَّذِي قَالَ الْحَاكِمُ: إنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْإِقَامَةَ، قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهِ إقَامَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بَعْدَ أَذَانِ بِلَالٍ، هَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ2 مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ3 عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَبْدِ الله بن محمد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ حِينَ أُرِيَ الْأَذَانَ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ فَأَقَامَ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَذَانِ أَشْيَاءَ يَصْنَعُ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَأُرِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ" فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ، فَأَذَّنَ بِلَالٌ، فَقَالَ
__________
1 في نسخة حارثة.
2 والحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ - له ص 24 من جهة يعلى بن منصور عن عبد السلام به، وكذا الدارقطني: ص 90، والطحاوي: ص 85.
3 الطحاوي: ص 85، والبيهقي: ص 399 من جهة محمد بن سعيد.
4 في باب الرجل يؤذن، ويقيم آخر ص 83.(1/270)
عَبْدُ اللَّهِ: أَنَا رَأَيْتُهُ، وَأَنَا كُنْت أُرِيدُهُ، قَالَ: فَأَقِمْ أَنْتَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ1: هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَاسْتِشْهَادُهُ بِحَدِيثِ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ اسْتِدْلَالٌ بِالْمُعَارَضَةِ، وَلَيْسَتْ الْمُعَارَضَةُ بِمُوجِبَةٍ لِبُطْلَانِ الْمُعَارَضِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ، قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ2: وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ، وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي: أُمِرَ، أَوْ أُمِرْنَا مُلْحَقٌ بِالْمُسْنَدِ3. لَكِنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الرَّفْعِ، كَمَا رَوَى قُتَيْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، إلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ4، ذَكَرَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ5. وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ التَّرْجِيعِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الإقامة، انتهى. أخرجه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ أَبَاهُ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ كَانَ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِقَامَتَهُ مُفْرَدَةٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بن أبي حيثمة عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا: ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مَعْمَرٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ حَدَّثَنِي أبي محمد عن أبي عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُقِيمُ وَاحِدَةً، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَمَعْمَرٌ هَذَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى.
__________
1 في الناسخ والمنسوخ ص 45، ولم أجد قوله واستشهاده الخ.
2 في باب الأذان مثنى مثنى، ص 85، ومسلم في بدء الأذان ص 164.
3 قال ابن حزم في المحلى ص 152 ج 3: قال علي: قد ذكرنا ما لا يختلف فيه اثنان من أهل النقل أن بلالاً رضي الله عنه لم يؤذن قط لأحد بعد موت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا مرة واحدة بالشام، ولم يتم أذانه فيها، فصَار هذا الخبر مسنداً صحيح الإسناد، صح أن الآمر له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أحد غيره.
4 في العلل ص 94.
5 في باب الإقامة ص 83، والنسائي في باب كيف الإقامة ص 108.(1/271)
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يزيد بن أبي عبيد عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً1، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ2: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ مِثْلُ الْأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْبَرْنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي. وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْت عَاشِرَ عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَطْلُبُهُمْ فَسَمِعْنَاهُمْ يُؤَذِّنُونَ بِالصَّلَاةِ، فَقُمْنَا نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ سَمِعْت فِي هَؤُلَاءِ تَأْذِينَ إنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْتِ" فَأَرْسَلَ إلَيْنَا فَجِئْنَا، فَأَذَّنَّا رَجُلًا رَجُلًا، وَكُنْت آخِرَهُمْ، فَقَالَ حِينَ أذنت: تعال فأجلسني ببين يَدَيْهِ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِي وَبَرَّكَ عَلَيَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَذِّنْ عِنْدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ"، قُلْت: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَعَلَّمَنِي: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: وَعَلَّمَنِي الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ السَّائِبِ بِهَذَا الْخَبَرِ كُلِّهِ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا ذَلِكَ مِنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، عَلَى شَرْطِ أَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ، وَجَعَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، قَالُوا: وَحَدِيثُ بِلَالٍ إنَّمَا كَانَ أَوَّلَ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ، وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ كَانَ عَامَ حُنَيْنٍ، وَبَيْنَهُمَا مُدَّةٌ مَدِيدَةٌ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مالك. والشافعي.
__________
1 قلت: يعارضه ما رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي جحيفة، قال: أذن بلال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثنى مثنى، وأقام مثل ذلك، قال الهيثمي في الزوائد ص 330 - ج 1: رجاله ثقات.
2 في باب تثنية الإقامة ص 46، في كلام طويل، اختصر المخرج، وقدم وأخر(1/272)
وَأَحْمَدُ، مُحْتَجِّينَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ، قَالُوا: وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِهَذَا، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ سَنَدًا، وَأَقْوَى مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ لَا يُوَازِي حَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَضْلًا عَنْ الْجِهَاتِ كُلِّهَا، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْحُفَّاظِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَخْبَرَنِي جَدِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ أَدْرَكْت جَدِّي، وَأَبِي، وَأَهْلِي يُقِيمُونَ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَحَكَى الشَّافِعِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ وَلَدِ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَفِي بَقَاءِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَوَلَدِهِ عَلَى إفْرَادِ الْإِقَامَةِ،، دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى وَهْمٍ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ مِنْ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: الْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ فِي تَثْنِيَةِ كَلِمَةِ التَّكْبِيرِ، وَكَلِمَةِ الْإِقَامَةِ فَقَطْ، فَحَمَلَهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى جَمِيعِ كَلِمَاتِهَا، وَفِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ كِلَيْهِمَا عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَحْفُوظَةٌ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ لَقُلْنَا بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَإِنَّ أَذَانَ بِلَالٍ هُوَ آخِرُ الْأَذَانَيْنِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَادَ مِنْ حُنَيْنٍ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ أَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنْبَأَ الْأَثْرَمُ، قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: أَلَيْسَ حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؟ وَبِالْإِسْنَادِ، قَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: نَاظَرْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي آذَانِ أَبِي مَحْذُورَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ، وَيُثْبِتُ تَثْنِيَةَ أَذَانِ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَلَكِنَّ أَذَانَ بِلَالٍ هُوَ آخِرُ الْأَذَانِ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ. وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قَوْلَهُ: مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ سَنَدًا وَأَقْوَى مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ، فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ إنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ مَا ذُكِرَ، بَلْ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا مُتَأَخِّرًا مُعَارِضًا غَيْرَ مُمْكِنٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَارِضِهِ، فَلَوْ فَرَضْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الصِّحَّةِ، وَوُجِدَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَثَبَتَ النَّسْخُ، وَأَمَّا أَنَّهُ
__________
1 وهذا الحديث لم يخرجه البخاري في صحيحه.(1/273)
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ مِنْ الْمُعَارِضِ فِي الصِّحَّةِ،، فَلَا نُسَلِّمُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ دُونَهُ فِي الصِّحَّةِ، فَفِيهِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ تَثْنِيَةِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، إلَّا الْإِقَامَةَ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: قَوْلُهُ: إلَّا الْإِقَامَةَ زِيَادَةٌ أَدْرَجَهَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْحَدِيثُ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادٍ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ2، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ بِلَالٌ يُثَنِّي الْأَذَانَ، وَيُوتِرُ الْإِقَامَةَ، إلَّا قَوْلَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مسلم أَبِي الْمُثَنَّى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَبُو الْمُثَنَّى مسلم بن المثنى، قيل: مِهْرَانُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كُوفِيٌّ ثِقَةٌ، انْتَهَى.
مَا جَاءَ فِي إفْرَادِهَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بلالاً أن يدخل إصبعه فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك"، وَأَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ كَانَ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِقَامَتَهُ مُفْرَدَةٌ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَدِيٍّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، فَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَذَكَرَ تَضْعِيفَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا. وَأَبُوهُ. وَجَدُّهُ كُلُّهُمْ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَالٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ أَذَّنَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قُلْت: تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ، وَقَالَ فِيهِ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ:
__________
1 في باب الأذان مثنى مثنى ص 85.
2 قلت: روى الحديث أبو داود عن سليمان بن حرب. وعبد الرحمن بن المبارك، قالا: ثنا حماد بإسناد البخاري، قال أبو داود: وزاد حماد في حديثه: إلا الإقامة، ثم روى من طريق إسماعيل بن علية عن خالد عن أبي قلابة عن أنس مثل حديث وهيب بدون: الإقامة قال إسماعيل: فحدثت به أيوب، فقال: إلا الإقامة اهـ. وكذا في المنتقى من طريق إسماعيل: إلا الإقامة.
3 في باب الإقامة ص 83 والدارقطني: ص 88، والطحاوي: ص 80، والنسائي في باب تثنية الإقامة ص 103، وص 108، والحاكم في المستدرك ص 198، وقال: صحيح الإسناد، والدارمي: ص 140، والبيهقي: ص 413 - ج 1.(1/274)
اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَى الْإِمَامُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَأَيْت رَجُلًا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ، فَقَامَ عَلَى جَذْمِ حَائِطٍ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عَنْ يَمِينِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عَنْ يَسَارِهِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي، فَقَالَ: "عَلِّمْهَا بِلَالًا، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الفرظ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ آبَائِهِ أَنَّ بِلَالًا كَانَ إذَا كَبَّرَ بِالْأَذَانِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي خثيمة، قَالَ: سُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا، فَقَالَ: مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَعْدِ الْقَرَظِ، فَذَكَرَهُ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا. وَأَبُوهُ. وَجَدُّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَالٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَذَّنْت، فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْت، فَاحْدُرْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ نُعَيْمٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِبِلَالٍ: "يَا بِلَالُ، إذَا أَذَّنْت، فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْت، فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ بَيْنَ آذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُعْتَصِرُ إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ، وَهُوَ إسْنَادٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْمُنْعِمِ هَذَا ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَائِدٍ الْأُسْوَارِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ بِهِ، سواءاً، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مَطْعُونٌ فِيهِ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ فَائِدٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَعَمْرُو بْنُ فَائِدٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: فَاحْذِمْ - بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ -، وَأَسْنَدَ عَنْ يَحْيَى، قَالَ: يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ بَصْرِيٌّ مَتْرُوكُ الحديث. انتهى.
__________
1 في ذكر سعد القرظ ص 607 –ج3، وفيه عبد الرحمن، وهو الصواب.
2 في باب الترسل في الأذان 27.(1/275)
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُرَتِّلَ الْأَذَانَ وَنَحْذِفَ الْإِقَامَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مَرْحُومِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ - مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - قَالَ: جَاءَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْت فَاحْذِمْ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْعَزِيزِ مَوْلَى آلِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْقُرَشِيِّ الْبَصْرِيِّ، ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مَرْحُومٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ بِحَالِهِ، وَلَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ عَمْرِو بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِلَالًا أَنْ يُرَتِّلَ الْأَذَانَ، وَيَحْدُرَ فِي الْإِقَامَةِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ السُّنَّةُ يَعْنِي تَحْوِيلَ الْوَجْهِ فِي الْأَذَانِ يَمِينًا وَشِمَالًا مَعَ ثَبَاتِ الْقَدَمَيْنِ، قُلْت: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ: الْبُخَارِيُّ فِي الْأَذَانِ1 وَمُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ - فِي بَابِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى بِلَالًا يُؤَذِّنُ، قَالَ: فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ ههنا وههنا بِالْأَذَانِ، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ فِي الْأَذَانِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يَسْتَدِرْ، ثُمَّ دَخَلَ، فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَلَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ فِيهِ: وَجَعَلَ يَقُولُ بِرَأْسِهِ. هَكَذَا. وَهَكَذَا، يَمِينًا وَشِمَالًا، حَتَّى فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ2 فِيهِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ، فَخَرَجَ بِلَالٌ، فَأَذَّنَ فَاسْتَدَارَ فِي أَذَانِهِ، وَجَعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ، وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ إدْخَالَ الْإِصْبَعَيْنِ فِي الْأُذُنَيْنِ، وَالِاسْتِدَارَةَ فِي الْأَذَانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا جَمِيعًا، انْتَهَى مَا وَجَدْته، كَمَا عَزَوَاهُ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ4 بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَعْدِ الْقَرَظِ، قَالَ: كَانَ بِلَالٌ إذَا كَبَّرَ بِالْأَذَانِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ يَنْحَرِفُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ، فَيَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ
__________
1 البخاري في هل يتبع المؤذن فاه ههنا وههنا ص 88، ومسلم في باب سترة المصلي ص 196، وأبو داود في باب المؤذن يستدير في أذانه ص 84، والنسائي: في كيف يصنع المؤذن في أذانه ص 106.
2 في باب السنة في الأذان ص 52.
3 ص 607 - ج 3.
4 الصواب عبد الرحمن كما أشرنا إليه سابقاً.(1/276)
ثُمَّ يَنْحَرِفُ عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ، فَيَقُولُ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا الله، مختصر، وَسَكَتَ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَفْرَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَشِيدٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن يزيغ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَذَّنَّا أَوْ أَقَمْنَا أَنْ لَا نُزِيلَ أَقْدَامَنَا عَنْ مَوَاضِعِهَا، رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَرِّجٍ الجنديسابوري عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ، وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ بِلَالٍ، تَفَرَّدَ بِهِ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَنْهُ، وَتَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ طَلْحَةَ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيغ عَنْ الْحَسَنِ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَشِيدٍ عَنْهُ، انْتَهَى. مِنْ الْإِمَامِ.
وأما الاستدارة، فَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ. وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَفِيهِ: فَاسْتَدَارَ فِي أَذَانِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ، ويدور، ويتبع فاه ههنا وههنا، وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَاعْتَرَضَ الْبَيْهَقِيُّ2، فَقَالَ: الِاسْتِدَارَةُ فِي الْأَذَانِ لَيْسَتْ فِي الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَنَحْنُ نَتَوَهَّمُ أَنَّ سُفْيَانَ رَوَاهُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَوْنٍ، وَالْحَجَّاجُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وُهِمَ فِيهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ الِاسْتِدَارَةُ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَوْنٍ، وَفِيهِ: وَلَمْ يَسْتَدِرْ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: أَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ مُخَرَّجًا فِي الصَّحِيحِ، فَغَيْرُ لَازِمٍ، وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ، وَأَمَّا أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ وَهَمَ فِيهِ، فَقَدْ تَابَعَهُ مُؤَمَّلٌ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُؤَمَّلٍ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ نَحْوُهُ، وَأَمَّا تَوَهُّمُهُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت بِلَالًا أَذَّنَ فَأَتْبَعَ فاه، ههنا وههنا، قَالَ يَحْيَى: قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ يَذْكُرُ عَنْ عَوْنٍ أَنَّهُ قَالَ: وَاسْتَدَارَ فِي أَذَانِهِ، فَلَمَّا لَقِينَا عَوْنًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: وَاسْتَدَارَ، وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَتْ الِاسْتِدَارَةُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحَجَّاجِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَقَامَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ، وَجَعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَجَعَلَ يَسْتَدِيرُ، وَذَكَرَ بَاقِيَهُ،
__________
1 في باب ما جاء في إدخال الاصبع الأذن عند الأذان ص 27، والنسائي في الزينة - في باب اتخاذ القباب الحمر: ص 302 - ج 2 عن إسحاق الأزرق عن سفيان به.
2 في السنن ص 395 - ج 1.(1/277)
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ عَنْ حَمَّادٍ. وَهَيْثَمٍ جَمِيعًا عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ، فَوَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَجَعَلَ يَسْتَدِيرُ يَمِينًا وَشِمَالًا.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ حِينَ الْأَذَانِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ عَبْدِ الله2 بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: "إنه أرفع لصوتك"، مختصر، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: "إذَا أَذَّنْت فَاجْعَلْ إصْبَعَيْك فِي أُذُنَيْك، فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُدْخِلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك"، ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، فَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا: وَأَبُوهُ. وَجَدُّهُ كُلُّهُمْ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَالٌ، انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ السُّرُوجِيِّ فِي الْغَايَةِ رَوَى ابْنُ حَيَّانَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ ابْنَ حِبَّانَ صَاحِبَ الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ حَيَّانَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ، رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَهُوَ جُزْءٌ حَدِيثِيٌّ، وَأَبُو حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ صَاحِبُ الصَّحِيحِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا أَنَّ الْمَلَكَ حِينَ أَذَّنَ وَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: اهْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْآذَانِ بِالصَّلَاةِ، وَكَانَ إذَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ صَعِدَ رَجُلٌ يُشِيرُ بِيَدِهِ، فَمَنْ رَآهُ جَاءَ، وَمَنْ لَمْ يَرَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالصَّلَاةِ، فَاهْتَمَّ لِذَلِكَ هَمًّا شَدِيدًا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْت بِالنَّاقُوسِ؟ قَالَ: فِعْلُ النَّصَارَى، قَالُوا: فَالْبُوقُ؟ قَالَ: فِعْلُ الْيَهُودِ، قَالَ: فَرَجَعْت إلَى أَهْلِي، وَأَنَا مُغْتَمٌّ، لِمَا رَأَيْت مِنْ اغْتِمَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ رَأَيْت رَجُلًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَأَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقِظَانِ، فَقَامَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ،
__________
1 في باب إفراد الإقامة ص 54.
2 الصواب عبد الرحمن كما تقدم.(1/278)
فَجَعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَنَادَى، الْحَدِيثُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِيهِ انْقِطَاعٌ، قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله يَفْصِلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْمَغْرِبِ بِرَكْعَتَيْنِ، سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى أَحَادِيثِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلْيُؤَذِّنَّ لَكُمْ خِيَارُكُمْ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاةِ فِي بَابِ مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَذَانِ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عباس، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيُؤَذِّنْ لكم خياركم، ويؤمكم قرائكم"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عِيسَى تَفَرَّدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، وَحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ الرّازيان، وَفِي الْإِمَامِ: وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يُؤَذِّنْ لَكُمْ غُلَامٌ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ، ثم قال: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ: إبْرَاهِيمُ هَذَا وَثَّقَهُ الشَّافِعِيُّ خَاصَّةً، وَضَعَّفَهُ النَّاسُ، وَأَصْلَحُ مَا سَمِعْت فِيهِ مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ التَّثْوِيبِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ عِنْدَنَا بِالْفَجْرِ، كَمَا ذكره فِي الْكِتَابِ، وَفِيهِ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ: أَحَدُهُمَا: لِلتِّرْمِذِيِّ. وَابْنِ مَاجَهْ1 عَنْ أَبِي إسْرَائِيلَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَثُوبَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيِّ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الْحَكَمِ، إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَثُوبَ إلَّا فِي الْفَجْرِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لَمْ يَلْقَ بلالاً، انتهى. ولكنت اخْتَلَفُوا فِي التَّثْوِيبِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ أَنْ يَقُولَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: هُوَ قَوْلُهُ فِي الْأَذَانِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ.
أَحَادِيثُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَحْمَدُ: يُسْتَحَبُّ لَنَا: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ أَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
__________
1 في باب ما جاء في التثويب في الفجر ص 27، وابن ماجه في باب السنة في الأذان ص 52.
2 ص 424.
3 في باب الرجل يؤذن، ويقيم آخر ص 83 الإسناد إسناده، وسياق المتن عند أحمد: ص 42 - ج 4، وأخرجه الدارقطني: ص 91.(1/279)
عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أُرِيَ الْأَذَانَ، قَالَ: فَجِئْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ"، فَأَلْقَيْتُهُ عَلَيْهِ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا رَأَيْت، فَأُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ، قَالَ: "فَأَقِمْ أَنْتَ"، فَأَقَامَ هُوَ وَأَذَّنَ بِلَالٌ، انْتَهَى. وَأَعَلُّوهُ بِأَبِي سَهْلٍ1 تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ تَطَيُّبَ قَلْبِهِ، لِأَنَّهُ رَأَى الْمَنَامَ، أَمْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الصُّدَائِيِّ: "مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَفْرِيقِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ سَعِيدٌ الْقَطَّانُ. وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَكْتُبُ حَدِيثَ الْأَفْرِيقِيِّ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ3 عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ حِينَ أُرِيَ الْأَذَانَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ، فَأَقَامَ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَأَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ الْمَازِنِيِّ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَنَزَلَ الْقَوْمُ فَطَلَبُوا بِلَالًا فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ جَاءَ بِلَالٌ، فَذُكِرَ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يقيم، فقال عليه السلام: "مَهْلًا يَا بِلَالُ، فَإِنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ"، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ4: قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَسَعِيدٌ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ5. قَالَ فِي الْإِمَامِ: هَكَذَا وَقَعَ فِي لَفْظِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْوَاقِفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ6 قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، انْتَهَى.
__________
1 راجع التهذيب ص 328 - ج 9، فإنه ذكر محمد بن عمرو أبا سهل للتمييز، والذي عد من رواة أبي داود هو محمد بن عمرو الأنصاري المدني، وهو مقبول: قال في التهذيب: الحديث الذي أخرجه أبو داود في الأذان في مسند أحمد من الطرق المذكورة، فوقع مكنى أبا سهل قلت: الحديث في المسند ص 42 - ج 4، وفيه: أبو سهل عن محمد بن عمرو.
2 في باب الرجل يؤذن، ويقيم آخر ص 83، والترمذي في باب من أذن فهو يقيم ص 28، وابن ماجه في باب السنة في الأذان ص 53، والطحاوي: ص 85، ويأتي الحديث في: ص 151، وابن أبي شيبة: ص 145.
3 في باب الرجلين: يؤذن أحدهما، ويقيم الآخر ص 85، والدارقطني: ص 90.
4 ص 123.
5 تمامه، وقال مرة: متروك الحديث، اهـ.
6 ذكر الإسناد ولم يذكر المتن، وليس متن حديث عبد الله بن زيد، كمتن حديث ابن عمر ليكتفى به، فلعلّ ههنا خرماً، وعبارة المتن كما في مسند الطيالسي ص 148 هكذا: أنه رأى الأذان في المنام، فأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر ذلك له، قال: فأذن بلال، وجاء عمي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله إني أرى الرؤيا، ويؤذن بلال، قال: "فأقم أنت"، فأقام عمي، اهـ. =(1/280)
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَأَعَادَهُ فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ. وَذِي مِخْبَرٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَبِلَالٍ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبَانُ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ يَعْنِي قِصَّةَ التَّعْرِيسِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحولوا عَنْ مَكَانِكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ"، قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، وَصَلَّى، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ مَالِكٌ. وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ. وَابْنِ إسْحَاقَ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْأَذَانَ، فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ هَذَا، وَلَمْ يُسْنِدْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا الْأَوْزَاعِيُّ. وَأَبَانُ الْعَطَّارُ عَنْ مَعْمَرٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2 فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَذَانَ، أَخْرَجَهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَفِيهِ: ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ، الْحَدِيثُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَاسْتَيْقَظُوا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَارْتَفَعُوا قَلِيلًا حَتَّى اسْتَقَلَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَ مؤذن، فَأَذَّنَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَذَانِ وَلَا الْإِقَامَةِ، بَلْ وَلَا ذُكِرَ فِيهِ الْوُضُوءُ بِالْجُمْلَةِ4 وَلَفْظُهُ، فَقَالَ: "ارْتَحِلُوا"، فَسَارَ بِنَا حَتَّى إذَا ابْيَضَّتْ الشَّمْسُ، قَامَ، فَصَلَّى5 بِنَا الْغَدَاةَ، الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ6، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: فَقُلْنَا: يَا نبي الله ألا نقضيها7 لِوَقْتِهَا مِنْ الْغَدِ؟ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الرِّبَا،
__________
= تنبيه: هذا الحديث أورده الطيالسي في مسند عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري والصحيح أنه حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهذا هو صاحب الرؤيا دون ابن عاصم، والله أعلم.
1 في باب من نام عن صلاة أو نسيها، ص 69 – ج 1.
2 في باب قضاء الفائتة، ص 238 – ج 1.
3 في المواقيت - في باب من نام عن صلاة أو نسيها ص 70.
4 أما الإقامة، فلم أر في رواية الصحيحين، وأما الوضوء والأذان، ففي البخاري في التيمم - في باب الصعيد الطيب وضوء المسلم ص 49، ولفظه: ثم نزل فدعا بوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس، اهـ. إلا أنه ليس بصريح في الأذان، والله أعلم.
5 في مسلم ص 140 نزل فصلى.
6 في ص 441 - ج 4، والطحاوي: ص 233، والدارقطني ص 148.
7 في نسخة ألا نقضها!.(1/281)
وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ؟ "، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ صِحَّةِ سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَإِعَادَتُهُ عليه السلام الرَّكْعَتَيْنِ، لَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ: ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا2 مِنْ حَدِيثِ حَيْوَةَ بْنِ شريح عن عياش ين عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ صُبَيْحٍ حَدَّثَهُ أَنَّ الزِّبْرِقَانَ حَدَّثَهُ عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَامَ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ"، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ توضؤا، وَصَلَّوْا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي مِخْبَرٍ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أيضاً من حديث حزير بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ صُلَيْحٍ عَنْ ذِي مِخْبَرٍ الْحَبَشِيِّ - وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُضُوءًا لَمْ يَلِنْ3 مِنْهُ التُّرَابُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: "أَقِمْ الصَّلَاةَ"، ثُمَّ صَلَّى، وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سِرْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْنَا الْأَرْضَ فَنِمْنَا، رَعَتْ رَكَائِبُنَا، قَالَ: "فَمَنْ يَحْرُسُنَا؟ " قُلْت: أَنَا، قَالَ: فَغَلَبَتْنِي عَيْنَيْ، فَلَمْ تُوقِظْنِي إلَّا وَقَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِكَلَامِنَا، قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى بِنَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4 غَيْرَ مُفَسَّرٍ، وَلَفْظُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَكْلَؤُنَا؟ " فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ" قَالَ: فَفَعَلْنَا، قَالَ: "فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ 5، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ. وَالْفَضْلُ
__________
1 ص 274 وفيه: ثم أمر المؤذن فأذن، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، الخ.
2 في المواقيت - في باب من نام عن صلاة أو نسيها ص 71، وكذا الرواية التي بعدها.
3 في النسخة المطبوعة، لأبي داود - التي بأيدينا - لم يلث، وهو قريب بلم يلن.
4 في المواقيت ص 71، والطحاوي: ص 296، وفيه زمن تبوك.
5 وسيأتي في: ص 296، وأخرجه الدارقطني في سننه ص 146، ولم يذكر الإقامة.(1/282)
بْنُ سُهَيْلٍ. قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُمْ نَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَامُوا بِلَالًا، فَأَذَّنَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الفجر بعد ما طَلَعَتْ الشَّمْسُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ عَبْدِ الصَّمَدِ، فَقَالَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ شَيْخَنَا عَلَاءَ الدِّينِ اسْتَشْهَدَ لِحَدِيثِ الْكِتَابِ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنكم تسيرون يوكم وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ" إلَى أَنْ قَالَ: "فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّرِيقِ فَوَضَعَ رأسه"، ثم قال: "احفظوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا" فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ، ثُمَّ قَالَ: "ارْكَبُوا" فَرَكِبْنَا، فَسِرْنَا، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: "احْفَظْ عَلَيَّ مِيضَأَتَك، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ"، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى عليه السلام رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ، الْحَدِيثُ. وَفِيهِ: "لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى"، وَفِيهِ أَيْضًا "إنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا"، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ، إقَامَةَ الْأَرْكَانِ، فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَقْصُودِ، وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ 15 مُخْتَصَرًا، وَلَفْظُهُ: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْت بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ" فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: "يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْت؟ "، قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ"، فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وابياضت، قَامَ فَصَلَّى، انْتَهَى. وَلَيْسَ كُلٌّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحًا فِي الْمَسْأَلَةِ، بَلْ فِيهِ احْتِمَالٌ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: "لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَك الْفَجْرُ هَكَذَا": وَمَدَّ يَدَهُ عَرْضًا، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ شَدَّادٍ عَنْ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: " لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَك الْفَجْرُ، هَكَذَا": وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضًا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ
__________
1 في باب قضاء الصلاة الفائتة ص 239 - ج 1.
2 في باب الأذان بعد الوقت ص 83 في المواقيت.(1/283)
بِالِانْقِطَاعِ، قَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَشَدَّادٌ مَوْلَى عِيَاضٍ لَمْ يُدْرِكْ بِلَالًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَشَدَّادٌ أَيْضًا مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدُ1 عَنْ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَغُرَّنَّكُمْ آذَانُ بِلَالِ، فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ سُوءً"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَهَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ لَمْ يَقُولُوا: فِي بَصَرِهِ سُوءٌ، قُلْنَا: سَوَادَةُ بْنُ حَنْظَلَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَيَانٍ ثَنَا هَيْثَمٌ ثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ لَيْلَةً بِسَوَادٍ، فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، فَرَجَعَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ لَيْسَ فِي رِجَالِهِ مَطْعُونٌ فِيهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالْفَجْرِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَحَرَّمَ الطَّعَامَ، وَكَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُصْبِحَ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَاعْتَرَضَهُ الْأَثْرَمُ، فَقَالَ: وَحَدِيثُ حَفْصَةَ رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ نَافِعٍ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ مَا ذَكَرَ عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ. وَابْنُ الْمَدِينِيِّ: ثَبْتٌ ثِقَةٌ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا رَأَيْت مِثْلَهُ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كان يَقُولُ: إلَّا حَدَّثَنَا. أَوْ سَمِعْت، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْأَذَانِ الثَّانِي.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ3 عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، قَالَ الْأَثْرَمُ:
__________
1 حديث سمرة أخرجه أبو داود في باب وقت السحور ص 327، والنسائي في باب كيف الفجر ص 305، والترمذي في باب بيان الفجر ص 88، ومسلم في باب: إن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر ص 350، والدارقطني: ص 231، والبيهقي، ص 380 - ج 10، والطحاوي: ص 83، ولم أجد في شيء منها فإن في بصره سوء إلا ما في مسند أحمد ص 9 - ج 5، وإسناده صحيح، قال الهيثمي في الزوائد ص 153 - ج 3: رجاله رجال الصحيح.
2 ص 91.
3 قال الحافظ في الدراية ص 64، روى الأثرم من طريق الأوزاعي عن الزهري، فذكر الخبر نحوه، وقال: إسناده جيد، إلا أن أحمد ضعفه.(1/284)
سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ1 يُضَعِّفُ حَدِيثَ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: لَيْسَ هَذَا بِتَعْلِيلٍ جَيِّدٍ، فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ مِنْ أَئِمَّةِ المسليمن، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ وَكِيعٍ2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ4 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ الداوردي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ مُؤَذِّنٌ، يُقَالُ لَهُ مَسْعُودٌ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ ذَاكَ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ5 لَفْظَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَعَلَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ أَرَادَ حَدِيثَ عُمَرَ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ"، الْحَدِيثُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ6: وَقَدْ تَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ عَنْ أَيُّوبَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَسَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَدْ تَابَعَ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ عَلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ عَنْ أَيُّوبَ، وَكَانَ ضَعِيفًا، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ عَجَائِبُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ7 أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْحَاقَ الْفَقِيهُ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الْمُطَرِّزَ، يَقُولُ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى، يَقُولُ: حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، شَاذٌّ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى الْقَلْبِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: إنَّ الصُّبْحَ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا
__________
1 وقال يحيى بن معين: حديث الأوزاعي عن الزهري. ويحيى بن كثير ليس يثبت كتاب العلم ص 201، الأوزاعي ثقة حجة، ربما انفرد ووهم، وحديثه عن الزهري فيه شيء ما، وقد قال أحمد بن حنبل: حديث ضعيف، ورأى ضعيف رسالة الذهبي من طبقات الشافعية ص 220 - ج 5.
2 قال الحافظ في الدراية ص 64،: إسناده صحيح، قلت: وذكره ابن حزم في المحلى ص 119 - ج 3، وسكت سكوت رضاء.
3 في باب الأذان قبل دخول الوقت ص 86، والطحاوي: ص 83.
4 لا أعلم روى هذا الحديث إلا حماد بن سلمة علل ص 114 - ج 1.
5 في باب ما جاء في الأذان بالليل ص 28.
6 قلت: حديث حماد هذا أخرجه الدارقطني ص 90، والبيهقي في السنن: ص 383، وكلاهما ذكرا متابعة سعيد وضعفه، ولم أر واحداً منهما أسند حديثاً لسعيد، والله أعلم.
7 روى عنه البيهقي في سننه ص 383 - ج 1.(1/285)