وهلك أبو معقل، وخرج النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا فرغ من حجَّته، جئته، فقال: " ما منعكِ أن تخرجي معنا؟ " قلت: لقد تهيَّأنا فهلك أبو معقل، وكان لنا جملٌ فأوصى به أبو معقل في سبيل الله. قال: " فهلا خرجت عليه، فإنَّ الحجَّ في سبيل الله " (1) .
ز: وروى حديث أبي بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام: أبو داود عن أبي كامل عن أبي عوانة (2) .
ورواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن رافع عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن عن امرأةٍ من بني أسد- يقال لها: أمُّ معقلٍ- نحوه (3) .
وقد رواه النَّسائيُّ أيضًا من رواية أبي بكر عن أبي معقل (4) ، فيكون مرسلاً، والله أعلم O.
*****
مسألة (351) : الزَّكاة إذا وجبت في الحياة لم تسقط بالموت.
وقال أبو حنيفة ومالك: تسقط بالموت، ولا يلزم الورثة إخراجها.
لنا:
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/517- رقم: 1982) .
(2) "سنن أبي داود": (2/517- رقم: 1981) .
(3) "السنن الكبرى": (2/472- رقم: 4227) وليس فيه محل الشاهد.
(4) "السنن الكبرى": (2/472- 473- رقم: 4228) .(3/173)
قوله عليه السَّلام: " فدَّين الله أحقُّ بالقضاء ".
وسيأتي بإسناده في الحجِّ وغيره- إن شاء الله- (1) .
****
__________
(1) انظر: (3/390) .
وفي هامش الأصل: (حـ: آخر المجلَّدة الأولى من نسخة المصَّنف) .
وفي (ب) : (آخر الجزء الأول، يتلوه كتاب الصيام) .(3/174)
كتاب الصَّيام
مسألة (352) : لا يجوز صوم رمضان بنيَّة من النَّهار.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
لنا ثلاثة أحاديث:
1674- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر أحمد بن محمَّد ابن موسى بن أبي حامد ثنا رَوْح بن الفرج ثنا عبد الله بن عبَّاد ثنا المفضَّل بن فضالة قال: حدَّثني يحيى بن أيُّوب عن يحيى بن سعيد عن عَمرة عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له ".
قال الدَارَقُطْنِيُ: كلُّهم ثقاتٌ (1) .
1675- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهبٍ ثنا يحيى بن أيُّوب (2) عن عبد الله بن أبي بكلر عن ابن شهابٍ عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يُجمع الصِّيام قبل الفجر فلا صيام له " (3) .
فإن قالوا: هذا الحديث قد رواه جماعة موقوفًا، وإنَّما رفعه عبد الله بن أبي بكر.
قلنا: الرَّاوي قد يسند الحديث، وقد يفتي به، وقد يرسله، وعبد الله
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/171- 172) .
(2) في "سنن الدارقطني": (ثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة ويحيى بن أيوب) .أ. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (2/172) .(3/177)
من الثِّقات الرُّفعاء، والرَّفع زيادة، فهي من الثِّقة مقبولةٌ.
ز: الحديث الأوَّل: غريبٌ، ولا يثبت مرفوعًا.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به عبد الله بن عبَّاد عن المفضَّل بهذا الإسناد، وكلُّهم ثِقَاتٌ.
وفي قوله نَظَرٌ، فإنَّ عبد الله بن عبَّادٍ: غير مشهورٍ، ويحيى بن أيُّوبٍ: ليس بالقويِّ، وقد اختلف عليه فيه- كما سيأتي- (1) .
وقال أبو حاتم بن حِبَّان: عبد الله بن عبَّاد البصريُّ، شيخٌ سكن مصر، يقلب الأخبار، روى عن المفضَّل بن فَضَالة عن يحيى بن أيُّوب عن يحيى ابن سعيدٍ عن عَمْرة عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له ".
وهذا مقلوبٌ، إنَّما هو عند يحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر (2) عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن حفصة- فيما يشبه هذا- (3) .
روى عنه روح بن الفرج أبو الزِّنبَّاع نسخةٌ موضوعةٌ (4) .
والحديث الثَّاني- حديث حفصة-: الصَّحيح وقفه كما نصَّ عليه (5) الحُذَّاق من الأئمة.
__________
(1) الأرقام: (1677- 1679) .
(2) في مطبوعة "المجروحون" زيادة: (الصديق) خطأ، وعبد الله هذا هو ابن أبي بكر بن محمَّد ابن عمرو بن حزم الأنصاريُّ.
(3) في "المجروحون": (صحيحٌ من غير هذا الوجه فيما يشبه هذا) .
(4) "المجروحون": (2/46) .
(5) في " ب ": (على ذلك) .(3/178)
قال البيهقيُّ فيه: هذا حديثٌ قد اختلف على الزُّهريِّ في إسناده، وفي رفعه إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه، وهو من الثِّقات الأثبات (1) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رفعه عبد الله بن أبي بكر ... وهو من الثِّقات الرُّفعاء.
1676- وقال الإمام أحمد بن حنبل في "المسند": ثنا حسن بن موسى ثنا ابن لهيعة ثنا عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهابٍ عن سالم عن حفصة (3) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من لم يُجمع الصِّيام مع الفجر فلا صيام له " (4) .
وقال النسائيُّ في " السُّنن الكبير ": ذكر اختلاف النَّاقلين لخبر حفصة.
1677- أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار ثنا سعيد بن شُرَحْبيل أنا الليث عن يحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكرٍ عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن حفصة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام قبل الفجر فلا صيام له ".
1678- أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعدٍ قال: حدَّثني أبي عن جدِّي قال: حدَّثني يحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهابٍ عن سالمٍ عن عبد الله عن حفصة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام قبل الفجر فلا صيام له ".
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/202) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/172) .
وفي " علل الدارقطني ": (5/ق166/أ) : (ورفعه غير ثابتٍ) ا. هـ
(3) في هامش الأصل: (حـ: سالم أدرك حفصة) .
(4) "المسند": (6/287) .(3/179)
1679- أخبرني محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب- وذكر آخر- (1) أنَّ عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم حدَّثهما عن ابن شهابٍ عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يُجمع الصِّيام قبل طلع الفجر فلا يصم ".
1680- أخبرنا أحمد بن الأزهر ثنا عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر عن حفصة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يبيِّت الصِّيام من الليل فلا صيام له ".
1681- أخبرنا محمَّد بن عبد الأعلى ثنا معتمر (2) قال: سمعت عبيد الله عن ابن شهابٍ عن سالم عن عبد الله عن حفصة أنَّها كانت تقول: من لم يُجمع الصَّوم من الليل فلا يصم.
1682- أخبرنا الرَّبيع بن سليمان ثنا ابن وهبٍ قال: أخبرني يونس عن ابن شهابٍ قال: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قالت حفصة - زوج النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر.
1683- أخبرني زكريا بن يحيى ثنا الحسن بن عيسى- وهو ابن ماسَرْجِس- أنا ابن المبارك أنا معمر عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله عن عبد الله بن عمر (3) عن حفصة قالت: لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر.
1684- أخبرنا محمَّد بن حاتم أنا حِبَّان أنا عبد الله عن سفيان بن عيينة ومعمر عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن حفصة قالت: لا
__________
(1) هو ابن لهيعة، وانظر ما يأتي (ص: 182) .
(2) في (ب) : (معمر) خطأ.
(3) في مطبوعة "السنن الكبرى": (عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة) والصَّواب ما هنا كما في "تحفة الأشراف": (11/285- رقم: 15802) .(3/180)
صيام لمن لم يجمع الصِّيام قبل الفجر.
1685- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنا سفيان عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة (1) : لا صيام لمن لم يجمع الصِّيام قبل الفجر.
1686- أخبرنا أحمد بن حرب ثنا (2) سفيان عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله عن حفصة (3) قالت: لا صيام لمن لم يجمع الصِّيام قبل الفجر.
قال أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ: والصَّواب عندنا موقوفٌ، ولم يصحَّ رفعه - والله أعلم-، لأنَّ (4) يحيى بن أيُّوب ليس بذاك القويِّ، وحديث ابن جريجٍ عن الزُّهريِّ غير محفوظٍ، والله أعلم.
أرسله مالك:
1687- الحارث بن مسكين قراءةً عليه عن ابن القاسم قال: حدَّثني مالك عن ابن شهاب عن عائشة وحفصة مثل (5) : لا يصوم إلا من أجمع الصِّيام قبل الفجر.
ورواه نافع عن ابن عمر قوله:
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: كذا رأيته عن حمزة بن عبد الله عن حفصة، ليس فيه: عن أبيه، وزاد فيه ابن عساكر في " الأطراف ": عن أبيه، وذكره عن " س " [أي: النسائي] وهو وهمٌ منه) أ. هـ
وانظر: "تحفة الأشراف": (11/286- رقم: 15802) .
(2) في مطبوعة "السنن الكبرى": (أنبا) فإن كان رسم الحروف صحيحًا فصوابها: (أبنا) - لختصار- أخبرنا-. وانظر البحث الماتع الذي كتبه العلامة عبد الرَّحمن المعلميُّ- رحمه الله- في آخر المجلد الرابع من "السنن الكبرى" للبيهقي: (4/43- خاتمة الطبع) حول ذلك.
(3) في هامش الأصل: (حـ: حمزة أدرك حفصة) .
(4) في (ب) : (ابن) خطأ.
(5) كلمة: (مثل) ثابتة في النُّسختين، وليست في مطبوعة "السنن الكبرى".(3/181)
1688- الحارث بن مسكين قراءةً عليه عن ابن القاسم قال: حدَّثني مالكٌ عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصِّيام قبل الفجر.
1689- أخبرنا محمَّد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر قال: سمعت عبيد الله عن نافع عن عبد الله قال: إذا لم يجمع الرَّجل الصَّوم من الليل فلا يصوم (1) .
وقد روى حديث عبد الله عن حفصة مرفوعًا: أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهبٍ عن ابن لهيعة ويحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حَزْم عن ابن شهابٍ عن سالمٍ عن أبيه (2) .
ورواه التِّرمذيُّ عن إسحاق بن منصور عن سعيد بن أبي مريم عن يحيى ابن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر بإسناده مثله.
وقال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافعٍ عن ابن عمر قوله، وهو أصحُّ (3) .
ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن إسحاق ابن حازم عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حَزْم عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن حفصة مرفوعًا (4) .
وقال الميمونيُّ: قلت: لأبي عبد الله- يعني أحمد بن حنبل-: كيف
__________
(1) "السنن الكبرى" للنسائي: (2/116- 118- الأرقام: 2640- 2652) .
(2) "سنن أبي داود": (3/190- رقم: 2446) .
(3) "الجامع": (2/100- رقم: 730) .
وفي " تحفة الأشر اف ": (11/285- رقم: 15802) : (وقال [أي: الترمذي] : غريبٌ لا نعرفه مرفوعًا.... إلخ) .
(4) "سنن ابن ماجة": (1/542- رقم: 1700) .(3/182)
إسناد حديث النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صوم لمن لم يجمع الصِّيام ... "؟ قال: أخبرك، ما له عندي ذاك الإسناد، إلا أنَّه عن ابن عمر وحفصة إسنادان جيِّدان (1) .
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله- وذكر قول ابن عمر وحفصهْ: لا صيام لمن لم يجمع الصِّيام قبل الفجر- قلت له: قد رفعه يحيى بن أيُّوب المصريُّ عن عبد الله بن أبي بكر عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فكأنَّه لم يثبته.
وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه معن القزَّاز عن إسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صيام لمن لم ينو من الليل ".
ورواه يحيى بن أيُّوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت لأبي: أيُّهما أصحُّ؟
قال: لا أدري، لأنَّ عبد الله بن أبي بكر قد أدرك سالمًا وروى عنه، ولا أدري هذا الحديث ممَّا سمع من سالم، أو سمعه من الزُّهريِّ عن سالم؛ وقد روي عن الزُّهريِّ عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة قولها غير مرفوع، وهذا عندي أشبه، والله أعلم (2) O.
1690- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا
__________
(1) " شرح العمدة- كتاب الصِّيام- " لابن تيمية: (1/183) .
(2) "العلل" لابن أبي حاتم: (1/225- رقم: 654) .
ووقع في مطبوعة "العلل" سقطٌ يستدرك من هنا، وقد قابلنا ما هنا على نسخة خطَِّية من "العلل" فكان مطابقًا لما فيها.(3/183)
إسحاق بن أبي إسحاق ثنا الواقديُّ ثنا محمَّد بن هلال عن أبيه أنَّه سمع ميمونة بنت سعدٍ تقول: سمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أجمع الصَّوم من الليل فليصم، ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم " (1) .
قال المؤلِّف: الواقديُّ ضعيفٌ.
احتجُّوا بحديثين:
1691- أحدهما: أنَّهم رووا أن أعرابيًّا شهد عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برؤية الهلال، فأمر مناديه أن ينادي: " من أكل فليمسك، ومن لم يأكل فليصم ".
وهذا لا يعرف، وإنَّما المعروف أنَّه شهد عنده برؤية الهلال، فأمر أن يُنادى في النَّاس أن يصوموا غدًا.
وسيأتي هذا بإسناده- إن شاء الله- (2) .
وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ بلفظٍ صريحٍ: أنَّ أعرابيًا جاء ليلة رمضان ... فذكر الحديث (3) .
1692- الحديث الثَّاني: قال البخاريُّ: ثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا يزيد عن سلمة بن الأكوع قال: أمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً من أسلم أن أذِّن في النَّاس: أنَّ من كان أكل فليصم بقيَّة يومه، ومن لم يكن كل فليصم، فإنَّ اليوم يومُ عاشوراء (4) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/173) .
(2) رقم: (1718) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/158- 159) . وفيه: ( ... جاء ليلة هلال رمضان ... ) .
(4) "صحيح البخاري": (3/502) ؛ (فتح- 4/245- رقم: 2007) .(3/184)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
فحجَّتهم أنَّه أمر بالصَّوم في أثناء النَّهار، فدلَّ على أنَّ النِّيَّة تجوز بالنَّهار.
وجوابه: أنَّ صوم عاشوراء لم يكن واجبًا، فله حكم النافلة، يدلُّ عليه:
1693- ما روى الإمام أحمد قال: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني حُميد بن عبد الرَّحمن بن عوف أنَّه سمع معاوية يخطب بالمدينة يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟! سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هذا يوم عاشوراء، ولم يفرض علينا صيامه، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم، فإني صائم ". فصام النَّاس (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
ز: أكثر الأحاديث تدلُّ على أنَّ صوم عاشوراء كان واجبًا ثمَّ نسخ.
1694- كحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه، فلمَّا قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلمَّا فرض رمضان قال: " من شاء صامه، ومن شاء تركه ".
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/482، 502؛ 9/551) ؛ (فتح- 4/140، 245؛ 13/ 241- الأرقام: 1924، 2007، 7265) .
"صحيح مسلم": (3/151- 152) ؛ (فؤاد- 2/798- رقم: 1135) .
(2) "المسند" للإمام أحمد: (4/95) .
(3) "صحيح البخاري": (3/501) ؛ (فتح- 4/244- رقم: 2003) .
"صحيح مسلم": (3/149) ؛ (فؤاد- 2/795- رقم: 1129) .
(4) "صحيح البخاري": (3/501) ة (فتح- 4/244- رقم: 2002) .
"صحيح مسلم": (3/146- 147) ؛ (فؤاد- 2/792- رقم: 1125) واللفظ له.(3/185)
1695- وأخرجا أيضًا حديث ابن عبَّاس قال: قدم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: " ما هذا؟ " [قالوا:] (1) يومٌ صالح نجَّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى. فقال: " أنا أحقُّ بموسى منكم ". فصامه وأمر بصيامه (2) .
وقال القاضي أبو يعلى: لم يكن صوم عاشوراء واجبًا لحديث معاوية المتقدِّم (3) ؛ ولأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر من لم يأكل بالصَّوم، والنِّيَّة في الليل شرطٌ في الواجب؛ ولأنَّه لم يأمر من أكل بالقضاء.
وأجيب عن حديث معاوية: بأنَّه محمولٌ على أنَّه ليس مكتوبًا عليكم الآن، أو لم يُكتب عليكم بعد أن فُرض رمضان.
وهذا ظاهرٌ، فإنَّ معاوية من مسلمة الفتح، وهو إنَّما سمعه من النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما أسلم في سنة تسع أو عشر، بعد أن نسخ صوم عاشوراء، فإنَّه نسخ بعد أن فرض رمضان، ورمضان فرض في السَّنة الثَّانية.
وأجيب عن تصحيحه بنيَّةٍ من النَّهار وترك الأمر بقضائه: بأن من لم يدرك اليوم بكماله لم يلزمه قضاؤه، كما قيل في من أسلم وبلغ في أثناء يومٍ من رمضان، على أنَّه قد رُوي الأمر بالقضاء في حديثٍ غريبٍ:
1696- قال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن المنهال ثنا يزيد ثنا سعيد عن
__________
(1) في الأصل: (فقال) ، والمشبت من (ب) .
(2) "صحيح البخاري": (3/501، 4/188، 5/345- 346، 6/573، 602- 603) ؛ (فتح- 4/244؛ 6/494؛ 7/274؛ 8/348، 434- الأرقام: 2004، 3397، 3943، 4680، 4737) واللفظ له.
"صحيح مسلم": (3/149- 150) ؛ (فؤاد- 2/795- 796- رقم: 1130) .
(3) رقم: (1693) .(3/186)
قتادة عن عبد الرَّحمن بن مسلمة عن عمِّه أنَّ أسلم أتت النَّبيّّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " صمتم يومكم هذا؟ " قالوا. لا. قال: " فأتمُّوا بقيَّة يومكم واقضوه " (1) .
هذا الحديث مختلفٌ في إسناده ومتنه، وفي صحَّته نظرٌ والله أعلم O.
*****
مسألة (353) : يصحُّ صوم التَّطوُّع بنيَّةٍ من النَّهار.
وقال مالكٌ وداود: لا يصحُّ.
1697- ما روى أبو داود قال: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن عاثشة بنت طلحة عن عائشة قالت: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل عَلَيَّ قال: " هل عندكم طعامٌ؟ ". فإذا قلنا: لا، قال: " إنِّي صائمٌ ".
فدخل علينا يومًا، فقلت: يا رسول الله أهدي لنا حسيسٌ (2) فحبسناه لك.
فقال: " ادنيه ". فأصبح صائمًا وأفطر (3) .
ز: وقد روى هذا الحديث مسلم والنَّسائيُّ والتِّرمذيُّ- وقال:
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/187- رقم: 2439) .
(2) في " النهاية ": (1/467- حيس) : (هو الطَّعام المتخذ من التمر والأقط والسَّمن، وقد يجعل عوض الأقط الدَّقيق أو الفتت) ا. هـ
وفي " الصحاح ": (3/920- 921- حيس) : (قال الرَّاجز:
التَّمرُ والسَّمْنُ معًا ثُمَّ الأَقِطْ ... الحَيْسُ إلا أنَّه لم يخْتَلِطْ) ا. هـ
(3) "سنن أبي داود": (3/191- رقم: 2447) .
وفي المطبوعة زيادة: (قال طلحة: فأصبح صائمًا....) وعلَّم عليها بـ: (س ع) ،والمراد روايتي ابن داسة وابن الأعرابي.(3/187)
حسنٌ- من حديث طلحة بن يحيى (1) .
ورواه النَّسائيُّ أيضًا من رواية: طلحة عن عائشة (2) ومجاهد عن عائشة (3) .
ورواه من رواية إسرائيل عن سماك بن حرب عن رجلٍ عن عائشة بنت طلحة (4) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (354) : إذا حال دون مطلع الهلال غيمٌ أو قَتَرٌ (5) ليلة الثَّلاثين من شعبان، فعن أحمد ثلاث روايات:
إحداهن: أنَّه يجب صوم الثَّلاثين بنيَّةٍ من رمضان. وهذا مذهب عمر وعليٍّ وابن عمر ومعاوية وعمرو بن العاص وأنس وأبي هريرة وعائشة وأسماء؛ وقال به من كبار التَّابعن: طاوس ومجاهد وسالم وبكر بن عبد الله ومطرِّف
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/159- 160) ؛ (فؤاد- 2/808- 809- رقم: 1154) .
"سنن النسائي": (4/194- 195- الأرقام 2325- 2327) مختصرًا ومطولاً.
"الجامع" للترمذي: (2/103- رقم: 733- 734) مختصرًا ومطولاً.
(2) هي بنت طلحة.
(3) هي أمُّ المؤمنين.
"سنن النسائي": (4/195- رقم: 2328) .
(4) عن عائشة أمُّ المؤمنين.
"سنن النسائي": (4/195- رقم: 2330) .
(5) في " القاموس المحيط ": (ص: 590) -: (القَتَرُ والقَتَرةُ- محرَّكتين- والقَتْرَةُ- بالفتح-: الغَبَرَةُ) أ. صـ(3/188)
وميمون بن مهران في آخرين.
فعلى هذه الرِّواية: هل يجوز أن يسمَّى يوم شكٍّ؟ فيه روايتان: إحداهما: لا يسمَّى يوم شكٍّ، بل هو يومٌ من رمضان من طريق الحُكْم، وهو ظاهر ما نقله مُهَنَّا، وبه قال الخلال والأكثرون من أصحابنا، فعلى هذا لا يتوجَّه النَّهي عن صوم الشَّكِّ إليه.
والثَّانية: أنَّه يسمَّى يوم شكٍّ، نقلها المرُّوذِيُّ، فعلى هذا يرجح جانب التَّعبُّد وإن كان شكّا.
والأولى أصحُّ.
فإن قيل: فما يوم الشَّكِّ؟
قلنا: قد فسَّره الإمام أحمد فقال: يوم الشَّكِّ أن يتقاعد النَّاس عن طلب الهلال، أويشهد برؤيته من يَردُّ الحاكم شهادته.
والرِّواية الثَّانية في المسألة: لا يجوز صيامه من رمضان ولانفلاً، بل يجوز: قضاءً وكفَّارةً ونذرًا ونفلاً يوافق عادةً، وهذا قول الشَّافعيِّ.
والرِّواية الثَّالثة: أنَّ المرجع إلى رأي الإمام في الصَّوم والفطر، وبهذه قال الحسن وابن سيرين.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز صيامه من رمضان، ويجوز صيامه ما سوى ذلك (1) .
__________
(1) من الموافقات: أن المؤلف أفرد هذه المسألة بجزء أسماه: " درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم "، وكذلك المنقح له فيها جزء باسم: " إقامة البرهان على عدم وجوب صوم يوم الثلاثين من شعبان "، وكلاما مطبوع.(3/189)
ووجه الرِّواية الأولى:
1698- ما روى الإمام أحمد بن حنبل قال: ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّما الشَّهر تسعٌ وعشرون، فلا تصوموا حتَّى تروه، ولا تفطروه حتَّى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له ". قال نافع: فكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر، فإن رؤي فذاك، وإن لم ير ولم يَحُل دون مَنْظَرِه سحابٌ ولا قَتَرٌ أصبح مفطرًا، وإن حال دون مَنْظَره سحابٌ أو قَتَرٌ أصبح صائمًا (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين"، وأ يذكرا فعل ابن عمر (2) .
واحتجاج أصحابنا من هذا الحديث من وجهين:
أحدهما: فعل ابن عمر، فإنَّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم بمراده، فنحن نرجع إليه كما رجعنا في خيار المجلس، فإنَّه [كان] (3) يفارق صاحبه ليتمَّ البيع.
والثَّانية (4) : أنَّ معنى: " اقدروا له ": ضيِّقوا له عددًا يطلع في مثله، وذلك يكون لتسعٍ وعشرين، ومن هذا قوله تعالى: (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطَّلاق: 7] . أي: ضُيِّق عليه.
قالوا: فقد روي عن ابن عمر ضدُّ هذا:
__________
(1) "المسند": (2/5) .
(2) "صحيح البخاري": (3/478) ؛ (فتح- 4/119- رقم: 1907) بنحو.
"صحيح مسلم": (3/122) ؛ (فؤاد- 2/759- رقم: 1080) بمثله.
(3) زيادة من (ب) .
(4) كذا في النسختين، وفي "التحقيق": (والثاني) .(3/190)
1699- أنبأنا محمَّد بن عبد الباقي البَزَّارُ أنبأنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكيُّ ثنا محمَّد بن العبَّاس بن الفرات أنا حمزة بن القاسم ثنا حنبل بن إسحاق قال: حدَّثني أحمد بن حنبل ثنا وكيع عن سفيان عن عبد العزيز بن حكيم الحضرميِّ قال: سمعت ابن عمر يقول: لو صمت السنَّة كلَّها لأفطرت اليوم الذي يشكُّ فيه.
قلنا: جوابه من وجهين:
أحدهما: أنَّه لا يصحُّ، وقد ضعَّف أبو حاتم الرَّازيُّ عبدَ العزيز بن حكيمٍ (1) .
والثَّاني: أنَّ هذا ليس بيوم شكٍ- على ما سبق بيانه (2) -.
ز: عبد العزيز بن حكيمٍ: صدوقٌ، قال إسحاق بن منصور عن يحيى ابن معين: عبد العزيز بن حكيمٍ الحضرميُّ ثقةٌ (3) . وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبد العزيز بن حكيمٍ الحضرميِّ فقال: ثقةٌ. كذا ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنَّه وثَّقه، ثمَّ قال: سألت أبي عن عبد العزيز بن حكيمٍ الحضرميِّ الكوفيِّ فقال: ليس بقويٍّ، يكتب حديثه (4) . فيحتمل أن يكون سأله مرَّتين، ويحتمل أن يكون ذلك غلطًا في النُّسخة، والله أعلم (5) O.
__________
(1) انظر: ما يأتي في كلام المنقح والتعليق عليه.
(2) (ص: 189) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/379- رقم: 1775) .
(4) "الجرح والتعديل": (5/379- رقم: 1775) .
(5) الأقرب- والعلم عند الله- أنَّه خطأٌ في نسخة الحافظ ابن عبد الهادي من " الجرح والتعديل "، فنصُّ التَّرجمة في مطبوعة " الجرح ... ": (عن إسحاق بن منصور عن يحيى ابن معين أنَّه قال: عبد العزيز بن حكيم الحضرميُّ: ثقةٌ. نا عبد الرَّحمن قال: سألت أبي عن عبد العزيز بن حكيم الكوفي الحضرميِّ فقال: ليس بقويٍّ، يكتب حديثه) . أهـ
فيبدو أنَّ النَّاسخ لمَّا نقل كلام ابن معين وما بعده الى قوله: (الحضرميِّ) - الثَّانية- انتقل=(3/191)
أمَّا حجتهم، فلهم سبعة أحاديث:
1700- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا آدم ثنا شعبة ثنا محمَّد ابن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبِّي (1) عليكم فأكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين ".
انفرد بإخراجه البخاريُّ (2) .
والجواب: أنَّ أبا بكر الإسماعيليَّ ذكر هذا في "صحيحه" الذي خرَّجه على البخاريَّ:
1701- أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار أنا أبي ثنا أبو بكر البَرْقَانيُّ ثنا
__________
= نظره إلى كلام ابن معين: ( ... الحضرميِّ: ثقة) فأعاد نسخه مرَّةٌ أخرى، وهذا يقع كثيرًا. ويلاحظ أنَّ الذَّهبيَّ في "الميزان": (2/627) لم ينبِّه على هذا، مما يؤيد ما ذُكر، كما يدلُّ ذلك على أنَّ الحافظ ابن عبد الهادي- رحمه الله- كان يرجح إلى المصادر الأصلية، ولا يقتصر على المصادر الفرعية كما هو صنيع غيره.
(1) في الأصل: (غمي) وفوقها إشارة، وكتبت في الهامش: (غمي) ؛ وفي: " ب " و"التحقيق": (غمي) .
وقال القاضي عياض في " مشارق الأنوار ": (2/158- غ ب ى) : (" ... فإن غبي عليكم " بياء خفيفة وفتح الغين- كذا هو لأَبي ذر، وعن القابسي: " غُبي " بضمِّ العين [كذا، ولعلها: الغين] وتشديد الباء- وكذا قيَّده الأصيليُّ بخطِّه، والأوَّل أبين، ومعناه: خفي عليكم، وقال ابن الأنباري: للغباء: شعبه الغَبَرة في السَّماء) أ. هـ
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (4/124- رقم: 1907) : (ووقع في حديث أبي هريرة من طريق المستملي " فإن غُمَّ "، ومن طريق الكُشْميهني: " أغمي "، ومن رواية السَّرخسيِّ " غَبِي "- بفتح الغين المعجمة، وتخفيف الموحدة-، وأغمي وغُم وغُمي- بتشديد الميم وتخفيفها - فهو مغموم: الكلُّ بمعنى؛ وأمَّا غَبِي: فمأخوذة من الغباوة- وهي عدم الفطنة-، وهي استعارة لخفاء الهلال) أ. هـ
وعلى هذا فالصَّواب هنا ما وقع بهامش الأصل: (غَبي) ، لأنَّ ابن الجوزي يروي " الصحيح " من طريق السَّرخسيِّ عن الفربريِّ عن البخاري والله أعلم.
(2) "صحيح البخاري": (3/478- 479) ؛ (فتح- 4/119- رقم: 1909) .(3/192)
أحمد بن إبراهيم الإسماعيليُّ ثنا الحسن بن علويه ثنا بُنْدَار ثنا غُنْدَر ثنا شعبة عن محمَّد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا حتَّى تروا الهلال، ولا تفطروا حتَّى ترو الهلال، فإن غُمَّ عليكم فعدُّوا ثلاثين ".
قال الإسماعيليُّ: قد رواه البخاريُّ عن آدم عن شعبة، فقال فيه: " فاكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين ".
قال: وقد رويناه عن غُنْدَر وعبد الرَّحمن بن مهدي وابن عُليَّة وعيسى ابن يونس وشَبَابة وعاصم بن عليٍّ والنَّضر بن شُميل ويزيد بن هارون وابن داود وآدم كلّهم عن شعبة، لم يذكر أحدٌ منهم: " فأكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين ".
قال: وهذا يجوز أن يكون من آدم رواه على التَّفسير من عنده للخبر، وإلا فليس لانفراد البخاريِّ عنه بهذا من بين من رواه عنه، ومن بين سائر من ذكرنا ممن يرويه عن شعبة وجهٌ.
ورواه المقرىء عن ورقاء عن شعبة على ما ذكرنا أيضًا.
قال المؤلِّف: قلت: فعلى هذا يكون المعنى: فإن غُمَّ عليكم رمضان فعدُّوا ثلاثين؛ وعلى هذا لا يبقى لهم حجَّةٌ في الحديث، على أنَّ أصحابنا قد تأوَّلوا ما انفرد به البخاريُّ من ذكر شعبان (1) ، فقالوا: نحمله على ما إذا غُمَّ هلال رمضان وهلال شوَّال، فإنَّا نحتاج إلى إكمال شعبان ثلاثين احتياطًا للصَّوم، فإنَّا وإن كنَّا قد صمنا يوم الثَّلاثين من شعبان فليس بقطعٍ منَّا على أنَّه رمضان، إنَّما صمناه حكمًا.
1702- الحديث الثَّاني: قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن محمَّد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله
__________
(1) في " التحقق ": (سفيان) !(3/193)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ (1) عليكم الشَّهر فعدُّوا ثلاثين ".
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
والجواب: أنَّ المراد: فإن غُمَّ في رمضان، فعدُّوا رمضان ثلاثين؛ يدلُّ عليه شيئان:
أحدهما: أنَّ الكناية ترجع إلى أقرب المذكورَين، وأقربهما: " وأفطروا لرؤيته ".
والثَّاني: أنَّ قد روي (3) مفسَّرًا:
1703- قال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يومًا " (4) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (5) .
1704- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن موسى بن سهل ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقدّموا الشَّهر حتَّى تروا الهلال و (6) تكملوا العدَّة قبله، ثمَّ
__________
(1) انظر في ضبطها: " الإكمال " للقاضي عياض: (4/9- رقم: 1080) .
(2) "صحيح مسلم": (3/124) ؛ (فؤاد- 2/762- رقم: 1081) .
(3) (أنه قد روي) سقط من "التحقيق".
(4) "المسند": (2/259) .
(5) "صحيح مسلم": (3/124) ؛ (فؤاد- 2/762- رقم: 1081) من حديث ابن المسيب عن أبي هريرة.
(6) كذا في النسختين، وفي "التحقيق": (أو) وهو الصواب.(3/194)
صوموا حتَّى تروا الهلال أو تكملوا العدَّة قبله " (1) .
ورواه منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تصوموا حتَّى تروا الهلال، [أو تكملوا العِدَّة ثلائين، ثُمَّ تصوموا، ولا تفطروا حتَّى تروا الهلال،] (2) أو تتمُّوا وتكملوا العدَّة ثلاثين ".
والجواب: أنَّ أحمد ضعَّف حديث حذيفة وقال: ليس ذكر حذيفة فيه بمحفوظٍ (3) . ثمَّ هو محمولٌ على حالة الصَّحو، لأنَّه لم يذكر فيه الغيم، وقد حمله أصحابنا على ما إذا غُمَّ هلال رمضان وهلال شوَّال- على ما سبق (4) -.
1705- الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد بن زيادٍ ثنا عبد الرَّحمن بن بشر بن الحكم ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيسٍ عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحفَّظ من هلال شعبان ما لا يتحفَّظ من غيره، ثُمَّ يصوم رمضان لرؤيته، فإن غُمَّ عليه عدَّ ثلاثين يومًا ثمَّ صام (5) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ (6) .
قال المؤلِّف: قلت: وهذه عصبيَّةٌ من الدَّارَقُطْنِيِّ، كان يحيى بن سعيد
__________
(1) لم نقف عليه في مطبوعة "سنن الدارقطني" مسندًا، وفيها إشارة إلى هذه الرِّواية (2/161) .
ولعله سقط من المطبوع فقد ساقه الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة": (4/236- رقم: 4173) ، والله تعالى أعلم.
(2) هذه الجملة سقطت من الأصل واستدركت من (ب) و"التحقيق".
(3) انظر: ما يأتي في كلام المنقح (ص: 206) .
(4) (ص: 193) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/156- 157) .
(6) كذا في النسختين، وفي "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (2/157) : (هذا إسنادٌ حسنٌ صحيحٌ) .(3/195)
لا يرضى معاوية بن صالحٍ (1) ، وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (2) .
والذي حُفظ في هذا: " فعدُّوا ثلاثين ثمَّ أفطروا ":
1706- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن زُنْبُور المكيُّ ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صوموا لروًيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فعدُّوا ثلاثين ثمَّ أفطروا " (3) .
[و] (4) رواه أبو بكر بن عيَّاش وأسامة بن زيدٍ عن محمَّد بن عمرو بهذا.
قال الدَارَقُطْنِيُ: وهي أسانيد صحاح.
وقد ذكرنا من حديث أبي هريرة: " فصوموا ثلاثين " (5) .
1707- الحديث الخامس: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أبو سعيد عبد الله ابن سعيدٍ الأشَجُ ثنا أبو خالدٍ الأحْمر عن عمرو بن قيسٍ عن أبي إسحاق عن صِلَة بن زُفَر قال: كنَّا عند عمَّار بن ياسرٍ فأُتِيَ بشاةٍ مَصْلِيَّةِ، فقالوا: كلوا.
فتنحَّى بعض القوم، فقال: إنِّي صائمٌ. فقال عمَّار: من صام اليوم الذي يُشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
(1) قاله ابن معين كما في "التاريخ" برواية الداوري: (4/92- رقم: 3310) ، وروى ذلك عن ابن معين أيضًا: ابن أبي خيثمة كما في "الجرح والتعديل": (8/382- رقم: 1750)
(2) في "الجرح والتعديل": (8/383- رقم: 1750) : (سألت أبي عن معاوية بن صالح فقال: صالح الحديث، حسن الحديث، يكتب حديثه ولا يحتجُّ به) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (2/159- 160) .
(4) بياض بالأصل، استدرك من (ب) و"التحقيق".
(5) رقم: (1703) .(3/196)
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
1708- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن عمرو بن البَخْتَري ثنا أحمد بن الخليل ثنا الواقديُّ ثنا داود بن خالد بن دينار ومحمَّد بن مسلم عن المقبريِّ عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم ستَّة أيَّام: اليوم الذي يُشكُّ فيه من رمضان، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيَّام التَّشريق (2) .
والجواب: أنَّا قد بيَّنَّا أنَّ هذا اليوم ليس بيوم شكٍّ.
1709- الحديث السَّابع: أنبأنا محمَّد بن عبد الملك بن خيرون أنبأنا أحمد بن عليّ بن ثابتٍ الخطيب قال: أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح أنا أبو بكر ابن شاذان ثنا أحمد بن عيسى بن السكين البلديُّ قال: حدَّثني هاشم بن القاسم الحرَّانيُّ ثنا يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد قال: أصبحنا يوم الثَّلاثين صيامًا، وكان الشَّهر قد أغمي علينا، فأتينا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصبناه مفطرًا، فقلنا: يا نبيَّ الله صمنا اليوم. فقال: " افطروا إلا أن يكون رجلٌ يصوم هذا اليوم فليتمَّ صومه، لأن أفطر يومًا من رمضان يُتمارى فيه، أحبُّ إليَّ من أن أصوم يرومًا من شعبان ليس منه " يعني: ليس من رمضان.
قال الخطيب: ففي هذا الحديث كفايةٌ عمَّا سواه (3) .
قال المؤلِّف: قلت: لا تكون عصبيَّةٌ أبلغ من هذا! فليته روى الحديث
__________
(1) "الجامع": (2/65- رقم:686) ، وفيه: (حسنٌ صحيحٌ) ، وكذا في " تحفة الأشراف ": (7/475- 476- رقم: 10354) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/157) .
(3) قال ذلك في الجزء الذي ألَّفه في هذه المسألة، وقد اختصره النَّوويُّ في " مجموعه " وفيه هذه العبارة: (6/424) ، ونقله عنه أيضًا ابن الجوزيِّ في " درء اللوم والضيم ... ": (ص: 116) .(3/197)
وسكت، فأمَّا أن يعلم عيبه ولا يذكره، ثمَّ يمدحه ويثني عليه ويقول: فيه كفاية عمَّا سواه. فهذا ممَّا أزرى به على علمه، وأثَّر به في دينه، أتُراه ما علم أنَّ أحدًا يعرف قبح ما أتى؟! كيف وهذا الأمر ظاهرٌ لكلِّ من شَدَا شيئًا من علم الحديث (1) ؟! فكيف من أوغل فيه؟! أتُراه ما علم أنَّه في الصَّحيح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من روى حديثًا يُرى أنَّه كذبٌ فهو أحد الكاذبِينَ " (2) ؟!
وهذا الحديث موضوعٌ على ابن جراد، لا أصل له عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا ذكره أحدٌ من الأئمة الذين جمعوا السُّنن، وترخَّصوا في ذكر الأحاديث الضِّعاف، وإنَّما هو مذكورٌ في نسخة يعلى بن الأشدق عن ابن جراد، وهي نسخةٌ موضوعةٌ، قال أبو زرعة (3) الرَّازيُّ: يعلى بن الأشدق ليس بشيءٍ (4) .
وقال أبو أحمد بن عديٍّ (5) الحافظ: روى يعلى بن الأشدق عن عمِّه عبد الله بن جراد عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث كثيرةً منكرةً، وهو وعمُّه غير معروفين (6) . وقال البخاريُّ: يعلى لا يكتب حديثه (7) . وقال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: لقي يعلى عبدَ الله بن جراد، فلمَّا كبر (8) اجتمع عليه من لا دين له، فوضعوا له (9)
__________
(1) في " لسان العرب ": (14/425- شدا) : (شدا من العلم والغناء وغيرهما شيئًا شَدْوًا: أحسن منه طرفًا) ا. هـ وفي "التحقيق": (نشد أشياء) .
(2) قال النووي في " شرح مسلم ": (1/64) : (ضبطناه " يُرى " بضم الياء، و" الكاذبين " بكسر الباء وفتح النون على الجمع، وهذا هو المشهور في اللفظتين.... إلخ) ا. هـ
(3) كلمة: (قال أبو زرعة) سقطت من: (ب) .
(4) في "الجرح والتعديل": (9/303- رقم: 1305) : (فقال- أي: أبو زرعة-: هو عندي لا يصدق ليس بشيءٍ) ا. هـ
(5) في "التحقيق": (علي) خطأ.
(6) "الكامل": (7/287- رقم: 2186) بتصرفٍ.
(7) " التاريخ الأوسط ": (2/133) .
(8) في الأصل: (كثر) وفي (ب) لم تنقط، والمثبت من "المجروحون".
(9) في "المجروحون": (فدفعوا له) ، وما هنا موافق لما في "الميزان": (4/456- رقم: 9834) .(3/198)
شبيهًا بمائتي حديث، نسخة عن ابن جراد، فجعل يحدِّث بها وهو لا يدري، لا تحلُّ الرِّواية عنه بحالٍ (1) .
قال المؤلِّف: قلت: وما كان هذا يخفى على الخطيب غير أنَّ العصبيَّة تغطِّي على الذِّهن، وإنَّما يُبَهْرج بما يخفى، ومثل هذا لا يخفى! نعوذ بالله من غلبات الهوى.
ز: الذي دلَّت عليه الأحاديث في هذه المسألة وهو مقتضى القواعد أنَّ أيَّ شهرٍ غُمَّ أكمل ثلاثين، سواء في ذلك شهر شعبان وشهر رمضان وغيرهما، وعلى هذا فقوله: " فإن غُمَّ عليكم فاكملوا العدَّة " يرجع إلى الجملتين- وهما: قوله: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فاكملوا العدَّة "- أي: غُمَّ عليكم في صومكم أو فطركم، وهذا هو الظَّاهر من اللفظ، وباقي الأحاديث تدلُّ على هذا، كقوله: " فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له " وليس المراد: ضيِّقوا، كما ظنَّه من ظنَّه من الأصحاب، بل المعنى: احسبوا له قدره، فهو من: قَدْر الشيء- وهو مبلغ كمِّيَّته-، لبس من: التَّضييق في شيءٍ.
__________
(1) "المجروحون": (3/141- 142) بتصرفٍ.
وفي هامش الأصل: (قال أبو نعيم عبد الملك بن محمَّد بن عَدِيٍّ الجرجانيُّ الإستراباذيُّ: حدثنا أبو زيد يحيى بن روح الحرَّانيُّ قال: سألت أبا عبد الرَّحمن بن بكَّار بن أبي ميمونة- حرَّانيُّ من الحفَّاظ، ثفةٌ، وكان مخلد بن يزيد يسأله عن الحديث من حفظه-: لم لم تكتب عن يعلى بن الأشدق؟ قال: خرجنا إليه إلى ريض بن مالكٍ- وريض بن مالكٍ: هو خارج حرَّان- فسألناه عن شيءٍ من الحديث، فقال: كذا وكذا من نفل بفلس أحمر مدور في كذا وكذا ممن يحدثكم ولم يكن [] . فالتفتُّ إلى صاحبي فقلت: في الدُّنيا إنسانٌ يكتب عن هذا؟! فتركناه ولم نكتب عنه شيئًا) . أهـ وما بين المعقوفتين كلمتان لم نتمكن من قراءتهما.
وقد نقل هذا الخبر ابن حجر في " لسان الميزان ": (7/514- رقم: 9444) باختصار.
ولأبي نعيم عبد الملك بن محمَّد بن عَدِيٍّ الجرجانيِّ كتاب في الضعفاء، قال عنه الخليلي في " الإرشاد ": (2/791) - وعنه الذَّهبي في " التذكرة ": (3/817) -: (في عشرة أجزاء) ا. هـ فلعل هذا الخبر فيه، والله أعلم.(3/199)
وقوله تعالى: (وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ) [الطلاق: 7] هو من هذا، أي: كان رزقه بقدر كفايته لا يفضل منه شيءٌ، ليس (1) المراد ضيِّق عليه رزقه فلا يسعه، ولهذا قال: (فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) [الطلاق: 7] ، ومن كان رزقه أقلَّ من كفايته فمِنْ أين ينفق؟! والله تعالى يرزق العبد ما يسعه، ويرزقه ما يفضل عنه: فالأوَّل هو الذي قدر عليه رزقه- أي: قدَّر بكفايته-؛ والثَّاني: هو الغنيُّ الموسَّع عليه.
وقوله تعالى: (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) [الأنبياء: 87] ليس من التَّضييق، وإنَّما هو من التَّقدير، والمعنى: أن لن نُقدِّر عليه ما قدَّرناه من السِّجن في بطن الحوت، وهي لغتان: قدَر وقدَّر عليه- بالتَّخفيف والتَّشديد-، قال الله تعالى: أفَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) [المرسلات: 23] قرأ نافع والكسائيُّ: (فقدَّرنا) - بالتثقيل- وخفَّف الباقون لقوله: (فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} ، ووجه التَّثقيل قوله: (مِن نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَه) [عبس: 19] أجمع على تشديده، أي: فنعم القادرون نحن على تقديره.
وقال تعالى: (وَالذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 3] قرأ الجمهور بالتَّشديد، وقرأ الكسائيُّ بالتَّخفيف.
وقال الشَّاعر:
ولا عائذٌ ذاك الزَّمان الذي ... مضى تباركت ما تقدرُ يكن ولك الأمر
أي: ما تقدِّره يقع.
وهذا معنى تفسير السَّلف: (فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيهِ) [الأنبياء: 87] : أن لن نفعل به ما فعلناه.
__________
(1) كلمة: (ليس) سقطت من (ب) .(3/200)
والتَّضييق لازمٌ لمعنى التَّقدير، فإنَّه اذا أعطي قَدْره- لا أزيد ولا أنقص- فقد ضُيِّق أن يدخل فيه غيره أو يسعه سواه (1) ، فإذا جعل الشَّهر ثلاثين فقد قدر له قدرًا لم يدخل فيه غيره، والله أعلم.
وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب " المستخرج على مسلم " في قوله: " فاقدروا له ": أي: اقصدوا بالنَّظر والطَّلب الموضع الذي تقدرون أنَّكم ترون (2) فيه (3) . وهذا تفسيرٌ غريبٌ عجيبٌ!!
وما ذكره الإسماعيليُّ من الكلام على الحديث الذي رواه البخاريُّ (وأنَّ آدم بن أبي إياس يجوز أن يكون رواه على التَّفسير من عنده للخبر) : غير قادحٍ في صحَّة الحديث، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا أن يكون قال اللفظين- وهذا مقتضى ظاهر الرِّواية-، وإمَّا أن يكون قال أحدهما وذكر الرَّاوي اللفظ الآخر بالمعنى، فإنَّ اللام في قوله: " فاكملوا العدَّة " للعهد- أي: عدَّة الشَّهر-، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يخصَّ شهرًا دون شهرٍ بالإكمال إذا غُمَّ، فلا فرق بين شعبان وغيره، إذ لو كان شعبان غير مرادٍ من هذا الإكمال لبيَّنه، لأنَّه ذكر الإكمال عقيب قوله: " صوموا ... وأفطروا "، فشعبان وغيره مرادٌ من قوله: " فأكملوا العدَّة "، فلا تكون رواية من روى: " فأكملوا عدَّة شعبان " مخالفًا لمن قال: " فأكملوا العدَّة " بل مبيِّنة لها، أحدهما أطلق لفظًا يقتضي العموم في الشَّهر، والثَّاني ذكر فردًا من الأفراد؛ ويشهد لهذا قوله: " فإن حال بينكم وبينه سحابٌ فكمِّلوا العدَّة ثلاثيِن، ولا تستقبلوا الشَّهر استقبالاً " وهذا صريحٌ في أنَّ التَّكميل لشعبان كما هو لرمضان، فلا فرق بينهما.
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) .
(2) في "المستخرج": (ترونه) .
(3) "المستخرج": (3/146- رقم: 2413) .(3/201)
1710- قال أبو داود الطَّيالسيُّ: حدَّثنا أبو عوانة عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله عيهو قال: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه غمامةٌ أو ضبابةٌ فأكملوا شهر شعبان ثلاثين، ولا تسقبلوا رمضان بصوم يومٍ من شعبان " (1) .
1711- وقال أبو يعلى الموصليُّ: حدَّثنا زهير ثنا إسماعيل عن حاتم بن أبي صغيرة عن سِماك بن حرب قال: أصبحت صائمًا في اليوم الذي يشكُّ فيه من رمضان، فأتيت عكرمة وهو يأكل خبزًا وبقلاً وعنبًا، فقال: ادْن فكل.
فقلت: إنِّي صائمٌ. فقال: أقسم بالله لتفطرنَّه. قلت: سبحان الله! قال: أحلف بالله لتفطرنَّه. فلمَّا رأيته يحلف ولا يستثني تقدَّمت [] (2) وأنا شبعان، إنَّما تسحَّرت قبيل ذاك، ثمَّ قال: هات الآن ما عندك؟ فقال: قال ابن عبَّاس: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال دوله سحابٌ فأكملوا العدَّة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً " (3) .
1712- وقال الإمام أبو بكر محمَّد بن إسحاق بن خزيمة: حدَّثنا يحيى ابن محمَّد بن السَّكن البزَّار بخبرٍ غريب غريب: ثنا يحيى بن كثير ثنا شعبة عن سِماك قال: دخلت على عكرمة في اليوم الذي يُشكُّ فيه من رمضان- وهو يأكل- قال: ادن فكُلْ. فقلت: إنِّي صائمٌ. قال: والله لتَدْنُونَّ. فقلت: فحدَّثني. قال: حدَّثني ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال: " لا تستقبلوا الشَّهر استقبالاً، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم (4) وبين منظره سحابٌ أو
__________
(1) " مسند الطيالسي ": (ص: 348- رقم: 2671) .
(2) كلمة لم / نتمكن من قراءتها، وقد ضبَّب عليها في الأصل ورسمها: (فعدرت) ، وفي " سنن البيهقي ": (4/207) : (فغدوت ببعض الشيء) .
(3) لم/نقف عليه في "مسند أبي يعلى"- برواية أبي عمرو بن حمدان-، فلعله في رواية ابن المقرئ.
انظر: حول الفرق بين الروايتين " سير النبلاء ": (14/180- رقم: 100) .
(4) في "صحيح ابن خزيمة": (بينك) .(3/202)
قترةٌ فأكملوا العدَّة ثلاثين " (1)
1713- وقال أبو القاسم الطَّبرانيُّ: حدَّثنا محمَّد بن النَّظر الأزديُّ ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن سِماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال دونه غباية (2) فأكملوا العدَّة، والشَّهر تسعٌ وعشرون " (3) .
1714- قال الطَّبرانيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسحاق التستريُّ ثنا عبَّاد بن يعقوب الأسديُّ ثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك بن حربٍ عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقدَّموا الشَّهر، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن كانت بينكم وبيبه غباية (2) فأتمُّوا العدَّة " (4) .
1715- قال الطَّبرانيُّ: وحدَّثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدَّد ثنا أبو الأحوص عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حالت دونه غباية (2) فأكملوا ثلانين " (5) .
رواه الإمام أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن حاتم بن أبي صغيرة بإسناده: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابٌ فكمِّلوا العدَّة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشَّهر استقبالاً " (6) .
__________
(1) "صحيح ابن خزيمة": (3/204- رقم: 1912) .
(2) في "المعجم الكبير": (غيابة) .
(3) "المعجم الكبير": (11/228- رقم: 11754) .
(4) "المعجم الكبير": (11/228- رقم: 11755) .
(5) "المعجم الكبير": (11/228- رقم: 11756) .
(6) "المسند": (1/226) . وفيه: (قال حاتم: يعني عِدَّة شعبان) .(3/203)
ورواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن الحسن بن عليٍّ عن زائدة (1) .
ورواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن أبي الأحوص بنحوه، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (2) .
ورواه النَّسائيُّ: عن قتيبة أيضًا (3) ، وعن إسحاق بن إبراهيم عن إسماعيل بن إبراهيم عن حاتم بن أبي صغيرة بمعناه (4) .
وعن قتيبة عن ابن أبي عديٍّ عن أبي يونس عن سِماك بنحوه (5) .
ورواه "أبو حاتم البستيُّ: عن محمَّد بن عبد الله بن الجنيد عن قتيبة عن أبي الأحوص (6) ، وعن ابن خزيمة (7) .
وفي الجملة هذا الحديث نصٌّ في المسألة، وهو حديثٌ صحيحٌ كما قال التِّرمذيُّ.
وسِماك بن حرب: وثَّقه يحيى بن معين (8) وأبو حاتم الرَّازيُّ (9)
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/135- رقم: 2321) .
(2) "الجامع": (2/66- رقم: 688) .
(3) "سنن النسائي": (4/136- رقم: 2130) .
(4) "سنن النسائي": (4/136- رقم: 2129) .
(5) "سنن النسائي": (4/153- رقم: 2189) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (8/360- رقم: 3594) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (8/3556- رقم: 3590) ، وهو في "صحيح ابن خزيمة" كما سبق (ص: 202) .
(8) من رواية ابن أبي خيثمة عنه كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/279- رقم: 1203) .
ومن رواية ابن أبي مريم- أحمد بن سعد المصريِّ- عنه كما في "الكامل" لابن عديٍّ: (3/460- رقم: 875) .
(9) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/280- رقم: 1203) وعبارته: (صدوقٌ ثقةٌ) .(3/204)
وغيرهما، وروى له مسلمٌ في "صحيحه" الكثير (1) .
1716- وقد روى مسلمٌ من حديث ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قال: " إنَّ الله] (2) قد أمَدَّه لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدَّة " (3) .
وفي الحديث الذي ذكرناه زيادة على هذا، والله أعلم.
وأمَّا حديث حذيفة: فرواه أبو داود عن محمَّد بن الصَّبَّاح البزَّاز عن جرير بن عبد الحميد (4) .
ورواه النَّسائيُّ عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير (5) .
ورواه عن محمَّد بن بشَّار عن عبد الرَّحمن بن مهديِّ عن سفيان عن منصور عن رِبعيٍّ عن بعض أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6) .
وعن محمَّد بن حاتم بن نعيم عن حِبَّان عن عبد الله عن الحجَّاج بن أرطأة عن منصور عن رِبعيٍّ قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (7) .
وقال النَّسائيُّ: لا أعلم أحدًا من أصحاب منصور قال في هذا الحديث: (عن حذيفة) غير جرير (8) .
__________
(1) لكن لم يخرِّج له شيء من روايته عن عكرمة.
انظر: "تهذيب الكمال": (12/116- رقم: 115) .
(2) زيادة من "صحيح مسلم" لا يستقيم الكلام إلا بها.
(3) "صحيح مسلم": (3/127) ؛ (فؤاد- 2/766- رقم: 1088) .
(4) "سنن أبي داود": (3/135- رقم: 2320) .
(5) "سنن النسائي": (4/135- رقم: 2126) .
(6) "سنن النسائي": (4/135- رقم: 2127) .
(7) "سنن النسائي": (4/136- رقم: 2128) .
(8) لم نقف عليه في مطبوعتي " السنن الصغرى " و"السنن الكبرى".
وقد نقله المزيُّ في "تحفة الأشراف": (3/28- رقم: 3316) .(3/205)
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن الحسين بن إدريس الأنصاريِّ عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير (1) .
وقول المؤلِّف (أنَّ أحمد ضعَّف حديث حذيفة) وهمٌ منه، فإنَّ أحمد إنَّما أراد أنَّ الصَّحيح قول من قال: عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّ تسمية حذيفة وهمٌ من جرير؛ فظنَّ المؤلِّف أنَّ هذا تضعيفٌ من أحمد للحديث وأنَّه مرسلٌ، وليس هو بمرسلٍ، بل متصلٌ: إمَّا عن حذيفة، وإمَّا عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وجهالة الصَّحابي غير قادحةٍ في صحة الحديث- كما ظنَّه بعضهم-، والله أعلم.
وأمَّا حديث معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة: فرواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهديٍّ عن معاوية (2) ، وهو حديثٌ صحيحٌ، ورواته ثقاتٌ محتجٌّ بهم في الصَّحيح، وقد صحَّح الدَّارَقُطْنيُّ إسناده كما تقدَّم (3) .
وقول المؤلِّف (هذه عصبيَّةٌ من الدَارَقُطْنِيِّ، كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به) غير صحيحٍ، وإنَّما العصبيَّة منه، فإنَّ معاوية بن صالح: ثقةٌ صدوقٌ، وثَّقه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ (4) وأحمد بن حنبل (5) وأبو زرعة (6) وغيرهم، وروى له مسلمٌ في
__________
(1) "الإحسان" لابن بلبان: (8/238- رقم: 3458) .
(2) "سنن أبي داود": (3/134- رقم: 2319) .
(3) (ص: 195- رقم: 1705) .
(4) "التاريخ الكبير" للبخاري: (7/335- رقم: 1443) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/382- رقم: 1750) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/382- رقم: 1750) من رواية أبي طالب.
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/382- رقم: 1750) .(3/206)
"صحيحه" محتجًّا به (1) ، وما روى شيئًا خالف فيه الثِّقات، وكون يحيى بن سعيد لا يرضاه غير قادحٍ فيه، فإنَّ يحيى شَرْطُه شديدٌ في الرِّجال، ولذلك قال: لو لم أرو إلا عن من أرضى ما رويت إلا عن خمسة! (2) وأمَّا قول أبي حاتم: (لا يحتجُّ به) فغير قادح فيه أيضًا، فإنَّه لم يذكر السَّبب، وقد تكرَّرت هذه اللفظة منه في رجالٍ كثيرين من أصحاب الصَّحيح من الثِّقات الأثبات من غير بيان السَّبب، كخالد الحذَّاء (3) وغيره؛ وقد قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن معاوية بن صالح فقال: صالح الحديث، حسن الحديث (4) .
وأمَّا حديث عمَّار: فرواه أبو داود عن محمَّد بن عبد الله بن نُمير عن أبي خالد الأحمر (5) .
ورواه النَّسائيُّ عن الأشج (6) .
ورواه ابن ماجة عن ابن نُمير (7) .
وقد رُوي عن أبي إسحاق قال: حدِّثت عن صِلَة بن زُفَر. وهذه علَّةٌ في الحديث (8) .
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/229- رقم: 1564) .
(2) "التاريخ" لابن معين برواية الدوري: (4/189- رقم: 3885) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/353- رقم: 1593) وتتمتها: يكتب حديثه ولا يحتج به.
(4) "الجرح والتعديل": (8/383- رقيم: 1750) .
(5) "سنن أبي داود": (3/138- رقم: 2327) .
(6) "سنن النسائي": (4/153- رقم: 2188) .
(7) "سنن ابن ماجة": (1/527- رقم: 1645) .
(8) انظر: " جزء فيه من حديث أبي سعيد الأشج ": (ص: 142- رقم: 65) ، و" تحفة الأشراف " للمزي: (7/476) ، و" تغليق التعليق " لابن حجر: (3/141) .(3/207)
وأمَّا الحديث السَّادس- حديث أبي هريرة-: ففي إسناده الواقديُّ وهو
ضعيفٌ.
1717- وقد روى البيهقيُّ من حديث الثَّوريِّ عن أبي عبَّاد عن أبيه عن
أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيامٍ قبل رمضان بيوم، والأضحى، والفطر،
وأيام التشريق- ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحر- (1) .
وأبو عبَّاد هو: عبد الله بن سعيد المقبريُّ، وقد أجمعوا على ضعفه، وعدم الاحتجاج بحديثه، والله أعلم.
وأمَّا الحديث السَّابع: فهو حديثٌ موضوعٌ لا يُشكُّ في وضعه، فلا يجوز الاحتجاج به بحالٍ، وقد شفى المؤلِّف فيه، والله أعلم O.
*****
مسألة (355) : يكره صوم يوم الشَّكِّ.
وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا يكره.
وقد استدلَّ أصحابنا بالحديث المتقدِّم (2) : نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم ستَّة أيَّام ... - منها: يوم الشَّكِّ-.
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/208) .
(2) رقم: (1708) .(3/208)
مسألة (356) : يجب صوم رمضان بشاهدٍ واحدٍ.
وقال مالكٌ وداود: لا يجب.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين.
وقال أبو حنيفة: إن كان في السَّماء عِلَّةٌ قُبِل شاهدٌ واحدٌ، وإن لم يكن لم يُقبل إلا الجمُّ الغفير.
لنا أربعة أحاديث:
1718- االأوَّل: قال التِّرمذيَّ: حدَّثنا محمَّد بن إسماعيل ثنا محمَّد بن الصَّبَّاح ثنا الوليد بن أبي ثور عن سِمَاك عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنِّي رأيت الهلال. فقال: " أتشهد أن لا إله إلا الله؟
وتشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله؟ " قال: نعم. قال: " يا بلال، أذِّن في النَّاس أن يصوموا غدًا " (1) .
فإن قيل: هذا الحديث أرسله إسرائيل وحمَّاد بن سلمة عن عكرمة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلنا: قد اتَّفق الوليد بن أبي ثور وحازم بن إبراهيم وزائدة على رفع هذا الحديث، واختلف أصحاب سفيان بن عيينة عنه، ومن رفع فقد زاد، والزيادة من الثِّقة مقبولةٌ، والرَّاوي قد يسند ويرسل.
زْ: 1719- قال محمَّد بن إسحاق بن خزيمة في "صحيحه": ثنا محمَّد بن عثمان العجليُّ ثنا أبو أسامة ثنا زائدة ثنا سِماك بن حربٍ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أبصرت الهلال الليلة. فقال:
__________
(1) "الجامع": (2/69- رقم: 691) .(3/209)
" أتشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله ". قال: نعم. قال: " قم يا فلان، فأذِّن في النَّاس فليصوموا غدًا ".
قال ابن خزيمة: ثناه موسى بن عبد الرَّحمن المَسْروقيُّ ثنا حسين بن عليٍّ الجُعْفيُّ عن زائدة بهذا الإسناد نحوه، قال: وأمر بلالاً فأذَّن بالنَّاس (1) .
1720- وقال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا أبو بكر- هو ابن أبي شيبة- ثنا حسين بن عليٍّ عن زائدة عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ- صلم فقال: أبصرت الهلال الليلة. قال: " تشهد أن لا إلى إلا الله وأنَّ محمَّدًا عبد" ورسوله؟ " قال: نعم. قال: " قم يا بلال، فناد في النَّاس فليصوموا غدًا " (2) .
1721- وقال الطَّبرانيُّ: ثنا يعقوب بن إسحاق [المخرمِيُّ] (3) ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حازم بن إبراهيم عن سِماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس تال: تمارى النَّاس في الهلال على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء أعرابيٌّ فشهد أنَّه رآه. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله؟ ". قال: نعم. فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً فنادى أنَّ الصَّوم غدًا (4) .
رواه أبو داود عن محمَّد بن بكَّار بن الرَّيَّان عن الوليد بن أبي ثورِ، وعن الحسن بن عليٍّ عن الحسين الجُعْفيِّ (5) .
وعن موسى عن حمَّاد، عن سِماك بمعناه، ولم يذكر ابن عبَّاس (6) .
__________
(1) "صحيح ابن خزيمة": (3/208- رقمي: 1923- 1924) .
(2) "مسند أبي يعلى": (4/407- رقم: 2529) .
(3) في الأصل: (الحضرمي) ، والتصويب من (ب) و"المعجم الكبير".
(4) "المعجم الكبير": (11/235- رقم: 11786) .
(5) "سنن أبي داود": (3/140- رقم: 2333) كلاهما عن سماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس.
(6) "سنن أبي داود": (3/141- رقم: 2334) .(3/210)
ورواه البيهقيُّ عن الحاكم عن أحمد بن محمَّد بن سلمة العنزيِّ عن عثمان ابن سعيدٍ الدَّارميِّ عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد بن سلمة عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس موصولاً (1) .
قال أبو داود: رواه جماعة عن سِماك عن عكرمة مرسلاً (2) .
ورواه التِّرمذيُّ أيضًا عن أبي كريب عن الحسين الجُعْفيِّ عن زائدة.
وقال: رواه الثَّوريُّ وغيره عن سماك عن عكرمة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (3) .
ورواه النَّسائيُّ: عن محمَّد بن عبد العزيز بن أبي رِزْمة عن السِّيناني عن سفيان عن سِماك مسندًا.
وعن موسى بن عبد الرَّحمن عن حسين به.
وعن أحمد بن سليمان عن أبي داود، وعن محمَّد بن حاتم عن حِبَّان عن ابن المبارك، جميعًا عن سفيان عن سماك عن عكرمة مرسلاً (4) .
وقال: هذا أولى بالصَّواب من حديث الفضل بن موسى السِّينانيِّ، لأنَّ سِماك بن حرب كان رُبَّما لقِّن، فقيل له: عن ابن عبَّاس؛ وابن المبارك أثبت في سفيان من الفضل؛ وسماك إذا انفرد بأصلٍ لم يكن حجَّةً، لأنَّه كان يلقَّن فيتلقَّن (5) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/212) ، وهو في "المستدرك": (1/424) .
(2) "سنن أبي داود": (3/141- رقم: 2334) .
(3) "الجامع": (2/69- رقم: 691) .
(4) "سنن النسائي": (4/131- 132- الأرقام: 2112- 2116) .
(5) نقله المزي في "تحفة الأشراف": (5/137- 138- رقم: 6104) ولم نره في مطبوعتي " السنن الصغرى " و"السنن الكبرى".(3/211)
ورواه ابن ماجة عن عمرو بن عبد الله الأودي ومحمَّد بن إسماعيل الأحمسيِّ عن أبي أسامة عن زائدة (1) .
ورواه ابن حِبَّان عن أبي يعلى (2) .
قال الحافظ محمَّد بن عبد الواحد: رواية زائدة وحازم بن إبراهيم العجليِّ ممَّا يقوِّي رواية الفضل السِّينانيِّ، وقد رأيتُ غير حديثٍ من حديث " الصَّحيح " يرويه ابن المبارك فيوقفه.
وقال البيهقيُّ بعد ذكر رواية الفضل بن موسى: وكذلك روي عن أبي عاصم عن الثَّوريِّ موصولاً، ورواه غيرهما عن الثَّوريِّ مرسلاً (3) .
والله أعلم O.
1722- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا إبراهيم بن عتيق ثنا مروان بن محمَّد الدِّمشقيُّ ثنا ابن وهبٍ ثنا يحيى بن عبد الله ابن سالمٍ عن أبي بكرٍ بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: تراءى النَّاس الهلال فأخبرتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي رأيتُه، فصام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر النَّاس بالصِّيام.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به مروان بن محمَّد عن ابن وهبٍ، وهو ثقةٌ (4) .
ز: وقد روى أبو داود هذا الحديث فقال:
1723- حدَّثنا محمود بن خالدٍ وعبد الله بن عبد الرَّحمن السَّمرقنديُّ - وأنا لحديثه أتقن- قالا: ثنا مروان- هو ابن محمَّد- عن عبد الله بن وهبٍ
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (1/529- رقم: 1652) .
(2) "الإحسان" لابن بلبان: (8/229- رقم: 3446) .
(3) "سنن البيهقي": (4/212) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/156) .(3/212)
عن يحيى بن عبد الله بن سالمٍ عن أبي بكر بن نافعٍ عن أبيه عن ابن عمر قال: تراءى النَّاس الهلال، فأخبرت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي رأيته، فصام وأمر النَّاس بصيامه (1) .
ورواه أبو حاتم بن حِبَّان عن الحسن بن سفيان عن الدَّارميِّ عن مروان (2) .
قال البيهقيُّ: هذا الحديث يعدُّ في أفراد مروان بن محمَّد الدِّمشقيِّ، رواه عنه الرَّبيع بن سليمان، وقد اخبرناه أبو عبد الله الحافظ. ثنا محمَّد بن صالح بن هانئ ثنا محمَّد بن إسماعيل بن مهران ثنا هارون بن [سعيد] (3) الأيليُّ ثنا عبد الله بن وهبٍ أخبرني يحيى ... فذكره بمثله إلا أنَّه قال: فصام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر النَّاس بالصِّيام (4) O.
1724- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدثنا محمَّد بن مخلد ثنا يحيى بن عيَّاش القطَّان ثنا حفص بن عمر الأبليُّ ثنا مِسْعَر بن كِدَام وأبو عوانة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس قال: شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عبَّاس، فجاء رجلٌ إلى واليها، فشهد عنده على رؤية الهلال- هلال رمضان-، فسأل ابن عمر وابن عبَّاس عن شهادته، فأمراه أن يجيزها، وقالا: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاز شهادة رجلٍ واحدٍ على رؤية هلال رمضان. قالا: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به حفص بن عمر، وهو ضعيف الحديث (5) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/141- رقم: 2335) .
(2) "الإحسان" لابن بلبان: (8/231- رقم: 3447) .
(3) في الأصل: (سعد) ، والتصويب من (ب) و"سنن البيهقي".
(4) "سنن البيهقي": (4/212) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/156) .(3/213)
قال المؤلِّف: قلت: وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ. وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
ز: كلام النَّسائيِّ (1) وابن حِبَّان (2) في حفص بن عمر بن ميمون العدني الفَرْخ، وهو غير راوي هذا الحديث، راوي هذا الحديث هو حفص بن عمرو (3) بن دينار الأُبليُّ، وهو ضعيفٌ بالاتفاق، ولم يخرِّج له أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وأمَّا الفَرْخ: فروى له ابن ماجة (4) ، ووثَّقه بعضهم.
وقال البيهقيُّ في هذا الحديث- بعد أن رواه عن أبي نصر بن قتادة عن أبي أحمد الحسين بن عليٍّ التَّميميِّ عن ابن مخلد-: وهذا ممَّا لا ينبغي أن يحتجَّ به (5) O.
1725- الحديث الرَّابع: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد أنا ورقاء عن عبد الأعلى الثَّعلبيِّ عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال: كنت مع البراء بن عازبٍ وعمر بن الخطَّاب في البقيع ننظر إلى الهلال، فأقبل راكبٌ، فتلقاه عمر، فقال: من أين جئت؟ قال: من المغرب. فقال: أهللت؟ قال: نعم. قال عمر: الله أكير، إنَّما يكفي المسلمين الرَّجل (6) .
ز: عبد الأعلى هو: ابن عامر الثَّعلبيُّ، وقد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة.
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 81- رقم: 133) .
(2) "المجروحون": (1/257) .
(3) كذا في الأصل، وصوابه: (عمر) ، وفي (ب) : (حفص بن دينار الأبلي) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (7/42- رقم: 1405) وفي المطبوعة رمز له ب (ت) وهو خطأ صوابه: (ق) .
(5) "سنن البيهقي": (4/212) .
(6) "المسند": (1/44) ، وانظر: (1/28- 29) .(3/214)
1726- وقال الشَّافعيُّ: أنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ عن محمَّد ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمِّه فاطمة بنت حسين أنَّ رجلاً شهد عند عليٍّ رضي الله عنه على رؤية هلال رمضان، فصام- وأحسبه قال: وأمر النَّاس أن يصوموا- وقال: أصوم يومًا من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان (1) O.
احتجُّوا:
1727- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبَّاد بن العوَّام ثنا أبو مالك الأشجعيُّ ثنا حسين ابن الحارث الجَدلَيُّ أنَّ أمير مكَّة خطبنا فقال: عهد إلينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نَنْسك، فإن لم نره وشهد شاهدا عدلٍ نسكنا بشاهديهما (2) ، فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكَّة؟ فقال: لا أدري. ثمَّ لقيني بعدُ فقال: هو الحارث ابن حاطب.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ متصلٌ صحيحٌ (3) .
1728- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أبو الأزهر ثنا يزيد بن هارون أنا الحجَّاج بن أرطأة عن الحسن بن الحارث قال: سمعت عبد الرَّحمن بن زيد بن الخطَّاب يقول: إنَّا صحبنا أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعلَّقنا (4) منهم، وإنَّهم حدَّثونا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فعدُّوا ثلاثين، فان شهد ذوا عدلٍ فصوموا وأفطروا وأنسكوا " (5) .
__________
(1) "الأم": (2/94) .
(2) كذا في الأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" و"سنن الدارقطني":: (بشهادتهما) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/167) .
(4) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "سنن الدارقطني": (وتعلمنا) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/167- 168) .(3/215)
والجواب:
أنَّا نقول: ينطق الخبر، لأنَّه يقتضي أن تصوموا بشهادة ذوي عدلٍ، ودليله ينقي ذلك (1) ، ونصُّ خبرنا يعارض هذا الدَّليل، وهو أولى، لأنَّ النَّصَّ لا يسقط إلا بنصٍّ ينسخه، والدَّليل يسقط من غير نسخٍ، فصار كالقياس المعارض للنَّصِّ.
ز: الحديث الأوَّل: رواه أبو داود عن محمَّد بن عبد الرَّحيم أبي يحيى البزَّاز عن سعيد بن سليمان (2) .
والحديث الثَّاني: رواه الإمام أحمد بن حنبل عن يحيى بن أبي زائدة عن حجَّاج بن أرطأة عن حسين (3) .
والحجَّاج: فيه كلامٌ، لكن رواه النَّسائيُّ من غير ذكره، عن إبراهيم ابن يعقوب عن أبي عثمان سعيد بن شبيب- وكان شيخًا صالحًا- عن ابن أبي زائدة عن حسين بن الحارث الجَدَليِّ (4) .
كذا رواه النَّسائيُّ، ولم يذكر في روايته الحجَّاج بن أرطأة بين يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وبن حسين، وكأنَّه وهمٌ، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم في سعيد بن شبيب: سمع منه أبي بمصر وطرسوس، وروى عنه (5) O.
*****
__________
(1) كذا، وفي "التحقيق": (أنا نقول بنطق الخبر، لأنه يقتضي أن يصوموا بشهادة ذوي عدل ... ) .
(2) "سنن أبي داود": (3/139- 140- رقم: 2331) .
(3) "المسند": (4/321) .
(4) "سنن النسائي": (4/132- رقم: 2116) .
(5) "الجرح والتعديل": (4/33- رقم: 141) .(3/216)
مسألة (357) : إذا رأى الهلال أهل بلدٍ لزم جميع البلاد الصَّوم.
وقال الشَّافعيُّ: لا يلزم إلا ما قاربه.
[دليلنا:
قوله عليه السَّلام: " فإن شهد ذوا عدلٍ فصوموا ".
وقد سبق بإسناده] . (1)
احتجُّوا:
1729- بما روى الإمام أحمد: حدَّثنا سليمان بن داود الهاشميُّ أنا إسماعيل بن جعفر ثنا محمَّد بن أبي حرملة قال: أخبرني كُريب أنَّ أمَّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشَّام، قال: قدمت الشَّام فقضيت حاجتها، فاستُهِل عليَّ هلال رمضان وأنا بالشَّام، فتراءينا الهلال ليلة الجمعة، ثمَّ قدمت المدينة في آخر الشَّهر، فسألني ابن عبَّاس، ثمَّ ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته ليلة الجمعة؟ فقلت: رآه النَّاس، وصاموا، وصام معاوية. قال: لكن رأيناه ليلة السَّبت، فلا نزال نصوم حتَّى نكمل ثلاثن يومًا أو نراه. فقلت: ألا تكتفي (2) برؤية معاوية وصِيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) .
قال الِّترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4) .
__________
(1) سقط من الأصل، واستدرك من (ب) و"التحقيق".
والحديث تقدم (ص: 215) .
(2) في (ب) : (ألا نكتفي) .
(3) "المسند": (1/306) .
(4) "الجامع": (2/71- رقم: 693) وفيه: (حديث حسن صحيح غريب) .(3/217)
ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ في "صحيحه" (1) ، وهو ظاهرٌ في الاستدلال، ولم يذكر المؤلِّف الجواب عنه.
وقد أجاب عنه أصحابنا بأن قالوا: إنَّما يدلُّ على أنهم لا يفطرون بقول كريبٍ وحده، ونحن نقول به، وإنَّما محلُّ الخلاف: (وجوب قضاء اليوم الأوَّل) وليس هو في الحديث O.
*****
مسألة (358) : يجب على المطاوعة على الوطء في نهار رمضان كفَّارة الجماع.
وعنه: لا يجب.
وعن الشَّافعيِّ كالرِّوايتن.
1730- قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عبد الرَّزاق أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن شهابٍ عن حميد بن عبد الرَّحمن أنَّ أبا هريرة حدَّثه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعن (2) أو يطعم ستين مسكينًا (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/126- 127) ؛ (فؤاد- 2/765- رقم: 1087) .
(2) كلمة: (متتابعين) لم نرها في مطبوعة "المسند".
(3) "المسند": (2/273) .
(4) هو بهذا الإسناد واللفظ المختصر عند مسلم: (3/139) ؛ (فؤاد- 2/782 - 783 -=(3/218)
قال أصحابنا: ووجه الاحتجاج: أنَّه علَّق التَّكفير بالفطر.
وليس قولهم هذا بمعتمد، فإنَّهم لا يقولون: إنَّ الكفَّارة تجب على كلِّ مفطرٍ، وإنَّما المراد بالإفطار في هذا الحديث: الإفطار بالجماع- على ما سيأتي بيانه في مسألة الإفطار بالأكل (1) -.
احتجُّوا:
بحديث الأعرابي:
1731- قال أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن حميد بن عبد الرَّحمن (2) عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هلكتُ! قال: " وما أهلكك؟! " قال: وقعت على امرأتي في رمضان! قال: " أتجد رقبة؟ ".
قال: لا. قال: " أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ". قال: لا. قال: " تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ ". قال: لا. قال: " اجلس ". فأُتي النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعَرَق فيه تمرٌ- والعَرَق: المكتل الضَّخم- فقال: " تصدَّق بهذا ".
فقال: على أفقر منا؟! ما بين لابتيها أفقر منا! قال: فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: " اطعمه أهلك " (3) .
__________
= رقم: 1111) . وخرجه البخاري: (3/485، 486، 654؛ 7/88؛ 8/251، 269؛ 8/402، 428) ؛ (فتح- 4/163، 172؛ 5/223؛ 9/513؛ 10/503، 552؛ 11/595، 596؛ 12/131- الأرقام: 1936، 1937، 2600، 5368، 6087، 6164، 6709، 6710، 6711، 6821) ، ومسلم: (3/138- 139) ؛ (فؤاد- 2/781- 782- رقم: 1111) . من طرق أخرى عن الزهري به مطولاً، وسيورده المؤلف في حجة المخالفين.
(1) المسألة: (361) .
(2) في مطبوعة "المسند": (عن الزهري عن عبد الرحمن) خطأ، وهو على الصواب في " أطراف المسند " لابن حجر: (7/159- رقم: 9068) .
(3) "المسند": (2/241) .(3/219)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
وحجَّتهم أنَّه لم يأمر في حقِّ المرأة بشيءٍ.
وجواب هذا من عشرة أوجه:
أحدها: أنَّه استدلالٌ بالعدم، والعدم لا صيغة (2) له فيستدلُّ به.
والثَّاني: أنَّه يحتمل أنه يكون قد ذكر حكمها ولم ينقل.
والثَّالث: أنَّه إنَّما يجب البيان للسائل عن الحكم اللازم له، والمرأة لم تأته ولم تسأله، ولا سأله زوجها عنها، فلا يجب عليه البيان.
فإن قالوا: فقد بيَّن ما لم يسأل عنه في حديث العسيف:
1732- قال البخاريُّ: ثنا عليُّ بن عبد الله ثنا سفيان قال: حفظناه من الزُّهريِّ قال: أخبرني عبيد الله أنَّه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا: كنَّا عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام رجلٌ فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله. فقام خصمه - وكان أفقه منه- فقال: اقض بيننا بكتاب الله وأْذَنْ لي. قال: " قل ". قال: إنَّ ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاةٍ وخادمٍ، ثمَّ سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أنَّ على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرَّجم. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله جلَّ ذكره، المائة شاة والخادم ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلدُ مائةٍ وتغريب عامٍ، واغدُ يا أُنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها ". فغدا عليها فاعترفت، فرجمها (3) .
__________
(1) انظر العزو في الحاشية رقم: (4) ، ص: (218) .
(2) في "التحقيق": (لا صبغة) .
(3) "صحيح البخاري": (8/434- 435) ؛ (فتح- 12/136- 137- رقمي: 6827 - 6828) .(3/220)
قلنا: هذا تبرُّعٌ منه، وله أن يتبرَّع وأن لا يتبرَّع، كما سئل عن ماء البحر، فقال: " هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ ميتته ".
ثمَّ الفرق بين حديث العسيف ومسألتنا من وجهين:
أحدهما: أنَّه أُخبر في حديث العسيف بما يوجب الحدَّ، والحدود حقٌّ لله عزَّ وجلَّ، يلزم الإمام استيفاؤها، والكفَّارة معاملة بين العبد وبين ربِّه، ولا نطر للإمام فيها.
والثَّاني: أنَّ الحدَّ في قصة العسيف مختلفٌ، فإنَّ المرأة كانت محصنةً وحَدُّها الرَّجم، وكان الزَّاني غير محصنٍ وحدُّه الجلد، فلمَّا اختلف البيان احتاج إل شرحه، بخلاف مسألتنا فإنَّ الحكم لا يختلف، فكان البيان للرَّجل بيانًا لها، وصار هذا كقوله تعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ، وألحقنا بها العبد في تنصيف الحدِّ، وهذا هو الجواب الرابع.
والخامس: أنَّ سكوته لا يدلُّ على سقوط الوجوب، فإنَّه لم يذكر له القضاء، ولا الغسل.
والسَّادس: أنَّه يجوز أن يكون سكت عنه لعارضٍ صرفه عن ذكره أو شغلٍ شغله.
والسَّابع: يحتمل أن يكون قد علم أنَّها ممن لا تلزمه الكفَّارة، لكونها حائضًا أو مريضةً أو مجنونةً أو ذمِّيَّةً، فالخبر قضيَّةٌ في عينٍ فهي محتملة.
والثَّامن: أنَّ الرسول - صعلم قبل قوله على نفسه بإقراره، ولم يقبل قوله عليها، كما في قضيَّة ماعز.
والتَّاسع: أنَّه لمَّا أمره بعتق رقبة فذكر فقره وفقر أهل بيته أسقط عنه(3/221)
الكفَّارة لفقره، فلم يكن في ذكر كفَّارتها فائدة لفقرها.
والعاشر: أنَّه قد روي في بعض ألفاظ هذا الحديث: (هلكتُ وأهلكتُ) . وفي قوله: (وأهلكتُ) تنبيهٌ (1) على أنَّه أكرهها، ولولا ذلك لم يكن مهلكًا لها، والمكرهة لا كفَّارة عليها.
1733- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا عبيد بن محمَّد ابن خلف ثنا أبو ثور ثنا معلَّى بن منصور ثنا سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ أخبره حميد بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع أبا هريرة يقول: أتى رجلٌ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هلكتُ وأهلكتُ! قال: " ما أهلكك؟ " (2) قال: وقعت على أهلي ... فذكر الحديث (3) .
فإن قالوا: قد قال أبو سليمان الخطَّابيُّ: المعلى بن منصور ليس بذاك في الحفظ (4)
قلنا: ما [عرفنا] (5) أحدًا طعن في المعلَّى، ثمَّ قد روي لنا من طريقٍ آخر:
1734- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن عُزَيز قال: حدَّثني سلامة بن روح عن عُقيل عن الزُّهريِّ عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة قال: بينا أنا جالسٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه رجلٌ فقال: هلكتُ
__________
(1) في "التحقيق": (بينة) .
(2) في "التحقيق": (ما أهلكت) !
(3) "سنن الدارقطني": (2/209- 210) .
(4) "معالم السنن": (3/271- رقم: 2285) .
(5) في الأصل: (عرف) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق".(3/222)
وأهلكتُ.... فذكر الحديث (1) .
إلا أنَّ سلامة: فيه ضعفٌ.
ز: الإسناد الأوَّل: لا بأس به، ومعلَّى بن منصور: محتجٌّ به في "الصَّحيحين" (2) .
والإسناد الثَّاني: مقاربٌ، وسلامة: متكلَّمٌ فيه، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: ليس بالقويِّ (3) . وقال أبو زرعة: ضعيفٌ، منكر الحديث (4) .
وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: مستقيم الحديث (5) .
وقد ذكر البيهقيُّ هذه اللفظة وتكلَّم عليها، فقال: باب رواية من روى في هذا الحديث لفظةً لا يرضاها أصحاب الحديث.
1735- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني أبو أحمد الحسن بن علي
__________
(1) روى ابن الجوزي هذه الرواية من طريق محمد بن ناصر قال: أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن الباقلاوي قال: أنبأنا أبو بكر البرقاني قال: حدثنا الدارقطني ... وساق الحديث.
وإسناد ابن الجوزي هذا ليس هو الذي يروي به " سنن الدارقطنى ".
ولم نقف على هذه الرواية في "السنن"، وقد وقفنا عليها في " علل الدارقطني "- وهي من رواية البرقاني كما هو معلوم-: (10/237- رقم:1988) بهذا الإسناد، ولكن ليس فيها زيادة) وأهلكت (محل البحث، ومما يؤكد صحة ما في مطبوعة "العلل" أن ابن خزيمة خرج الحديث في "صحيحه": (3/221- رقم: 1949) من طريق محمد بن عزيز عن سلامة عن عقيل عن الزهري به ولم يذكر هذه الزيادة (وأهلكت) أيضًا، والله أعلم.
(2) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/739- رقم: 671) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/245- رقم: 1604) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/301- رقم: 1311) .
(4) المرجع السابق.
(5) "الثقات": (8/300) .(3/223)
التَّميميُّ ثنا محمَّد بن المسيَّب الأَرْغِيانيُّ ثنا محمَّد بن [عُقبة] (1) حدَّثني أبي، قال ابن المسيَّب: وحدَّثني عبد السَّلام- يعني: ابن عبد الحميد- أنا عمر والوليد، قالوا: أنا الأوزاعيُّ حدَّثني الزُّهريُّ ثنا حميد بن عبد الرَّحمن بن عوف قال: حدَّثني أبو هريرة قال: بينا أنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله، هلكتُ وأهلكتُ! قال: " ويحك! وما شأنك؟ " قال: وقعت على أهلي في رمضان. قال: " فأعتق رقبة ".... وذكر الحديث.
ضعَّف شيخنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله هذه اللفظة: (وأهلكتُ) وحملها على أنَّها أدخلت على محمَّد بن المسيَّب الأَرْغِيانيِّ، فقد رواه أبو عليٍّ الحافظ عن محمَّد بن المسيَّب بالإسناد الأوَّل دون هذه اللفظة، ورواه العبَّاس عن محمَّد بن المسيِّب بالإسناد الأوَّل دون هذه اللفظة، ورواه العبَّاس بن الوليد عن عقبة بن علقمة دون هذه اللفظة، ورواه دحيم وغيره عن الوليد بن مسلم دونها، ورواه كافة أصحاب الأوزاعيِّ عن الأوزاعيِّ دونها، ولم يذكرها أحدٌ من أصحاب الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ إلا ما روي عن أبي ثورٍ عن معلَّى بن منصور عن سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ.
وكان شيخنا يستدلُّ على كونها في تلك الرِّواية أيضًا خطأ= بأنَّه نظر في كتاب " الصَّوم " تصنيف: المعلَّى بن منصور- بخطٍّ مشهورٍ- فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة، وأنَّ كافة أصحاب سفيان رووه عنه دونها، والله أعلم (2) O.
*****
__________
(1) في الأصل: (عتبة) ، والتصويب من (ب) و"سنن البيهقي"، وهو محمَّد بن عقة بن علقمة البيروتي.
(2) "سنن البيهقي": (4/227) .(3/224)
مسألة (359) : كَفَّارة الجماع على التَّرتيب.
وعنه: أنَّها على التَّخيير، كقول مالك.
لنا:
حديث الأعرابيِّ المتقدِّم (1) ، وقوله: " أعتق رقبة ". قال: لا أجد. قال: "فصم ".
*****
مسألة (360) : المتفرِّد برؤية الهلال إذا شمهد بالرُّؤية فردَّ الحاكم شهادته لزمه الصَّوم من غير خلاف، فإن أفطر بالجماع لزمته الكفَّارة.
وقال أبو حنيفة: لا كفَّارةْ
لنا:
حديث الأعرابيِّ: واقعت أهلي في رمضان.
وهذا كذا (2) يقول.
احتجُّوا:
1736/أبما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا القاسم بن إسماعيل ثنا محمَّد بن إسحاق الصَّاغانيُّ (3) ثنا محمَّد بن عمر ثنا داود بن خالد وثابت بن قيسٍ ومحمَّد
__________
(1) رقم: (1731) .
(2) في "التحقيق": (كما) خطأ.
(3) في "السنن": (الصغاني) ، وقال ابن السمعاني في "الأنساب": (8/9) تحت ترجمة " الصاغاني ": (وقد ينسب أبو بكر محمَّد بن إسحاق الصغاني، فيقال له: " الصاغاني "=(3/225)
ابن مسلم جميعًا عن المَقْبريِّ عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون " (1) .
وجوابه: أنَّ محمَّد بن عمر هو: الواقديُّ، وهو ضعيفٌ.
وقد رواه التِّرمذيُّ من طريقٍ آخر، وقال: هو غريبٌ (2) .
ثمَّ هو محمولٌ على من لم يره.
ز: قول المؤلِّف: (لزمه الصَّوم من غير خلاف) غير صحيحٍ، فإن حنبلاً روى عن أحمد أنَّه لا يلزمه الصَّوم، وهو قول عطاء وإسحاق وغيرهما؛ وذهب مالكٌ والشَّافعيُّ وأصحاب الرأي وغيرهم إلى وجوب الصَّوم على من رآه وحده.
وهذا الحديث الذي ذكره يدلُّ على عدم الوجوب، ولم يذكر المؤلِّف أحدًا قال بذلك، فيبقى قوله: (احتجُّوا) لا معنى له!
ثمَّ حديث أبي هريرة الذي ذكره لم يتفرَّد به الواقديُّ:
1736/ب- بل روى أبو داود (3) والتِّرمذيُّ (4) وابن ماجة (5) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الفطر يوم كفطرون، والأضحى
__________
= أيضَا، وهو منسوب إلى " صَغَانيان " وسأذكره في موضعه) أ. هـ وقد وفَّى- رحمه الله- بما وعد تحت ترجمة " الصغاني ": (8/68) .
(1) "سنن الدارقطني": (2/164) .
(2) "الجامع": (2/74- رقم: 697) وفيه: (حسن غريب) كما سيأتي في كلام المنقح.
(3) "سنن أبي داود": (3/134- رقم: 2318) .
(4) "الجامع": (2/74- رقم: 697) .
(5) "سنن ابن ماجة": (1/531- رقم: 1660) .(3/226)
-يوم تضحُّون ". وزاد التِّرمذيُّ في أوَّله: " الصَّوم يوم تصومون ".
وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
1737- وروى التِّرمذيُّ أيضًا من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الفطر يوم يفطر النَّاس، والأضحى يوم يضحِّي النَّاس ".
وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ (1) O.
*****
مسألة (361) : لا تجب الكفَّارة بالأكل والشُّرب.
وقال أبو حنيفة ومالكٌ: تجب بالعمد.
احتجُّوا بأربعة أحاديث:
أحدها: حديث أبي هريرة: أنَّ رجلاً أفطر في رمضان، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعتق رقبة.
وقد سبق بإسناده (2) .
1738- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا محمَّد بن عمر ثنا أبو بكر بن إسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أفطرت يومًا من
__________
(1) "الجامع": (2/155- رقم: 802) .
(2) برقم: (1730) .(3/227)
رمضان متعمدًا! قال: " أعتق رقبة، أو صم شهرين متتابعين، أو أطعم ستين مسكينًا" (1) .
1739- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو سهل بن زياد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا يحيى الحِمَّانيُّ ثنا هُشيم عن إسماعيل بن سالم عن مجاهد عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الذي أفطر يومًا من رمضان بكفَّارة الظِّهار (2) .
1740- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان ثنا يزيد بن هارون ثنا أبو مَعْشر عن محمَّد بن كعبٍ القُرَظِيِّ عن أبي هريرة أنَّ رجلاً أكل في رمضان فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعتق رقبةً، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينًا (3) .
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فهو حديث الأعرابيِّ الذي وتع على أهله، وإنَّما عبَّر بعض الرُّواة عن الجماع بالفطر، والحديث مبيَّنٌ في المسانيد.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: روى مالكٌ ويحيى بن سعيدٍ وابن جريجٍ وعبد الله بن أبي بكر وأبو أويس وفُليح بن سليمان وعمر بن عثمان المخزوميُّ ويزيد بن عياض وشبل بن عبَّاد والليث بن سعدٍ - من رواية أشهب بن عبد العزيز عنه- وابن عيينة- من رواية نُعيم بن حمَّاد عنه- وإبراهيم بن سعدٍ - من رواية عمَّار (4) بن مطرٍ عنه- كلُّهم عن الزُّهريِّ أنَّ رجلاً أفطر ... (5)
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/208- 209) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/190- 191) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/191) .
(4) في "التحقيق": (عثمان) خطأ.
(5) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (وإبراهيم بن سعد- من رواية عمار بن مطر عنه-=(3/228)
وخالفهم كثر منهم عددًا، منهم: عِرَاك بن مالك وعبيد الله بن عمر وإسماعيل بن أميَّة ومحمَّد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة ومعمر ويونس وعُقيل وعبد الرَّحمن بن خالد والأوزاعيُّ وشعيب بن أبي حمزة ومنصور بن المعتمر وسفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعٍِ والليث بن سعدٍ وعبد الله بن عيسى ومحمَّد ابن إسحاق والنعمان بن راشد وحجَّاج بن أرطأة وصالح بن أبي الأخضر ومحمَّد ابن أبي حفصة وعبد الجبَّار بن عمر وإسحاق بن يحيى وهبَّار (1) بن عقيلٍ وثابت ابن ثوبان وقُرَّة بن عبد الرَّحمن وزَمْعة بن صالحٍ وبحر السَّقا والوليد بن محمَّد (2) وشعيب بن خالدٍ ونوح بن أبي مريم وغيرهم، كلُّهم رووا عن الزُّهريِّ هذا الحديث بهذا الإسناد، وأنَّ إفطار ذلك الرَّجل كان بجماعٍ (3) .
وأمَّا الحديث الذي فيه أنَّه أمره بكفَّارة الظِّهار: فيرويه يحيى الحِمَّانيُّ، قال أحمد: كان يكذب جهارًا (4) .
ئمَّ لا حجَّة فيه، لأنَّ جميع الألفاظ حكاية عن رجلٍ أفطر، ولم يذكر بماذا أفطر، فنحمله على الوطء بدليلنا.
وأمَّا اللفظ الذي فيه أنَّ رجلاً كل ... : فيرويه أبو مَعْشر نَجيح، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (5) .
__________
= وعبيد الله بن أبي زياد- إلا أنه أرسله عن الزهري- كل هؤلاء رووه عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلاً أفطر في رمضان ... ) .
وإنما أوردنا هذه العبارة بتمامها لأن ما نقله ابن الجوزي- بتصرف- يوهم أن من تقدم ذكرهم رووه عن الزهري مرسلاً.
(1) في "التحقيق": (هناد) ، وفي مطبوعة "سنن الدارقطني": (هيار) ، وكلاهما خطأ. انظر: " الإكمال " لابن ماكولا: (7/310) .
(2) في "التحقيق": (بن) خطأ.
(3) "سنن الدارقطني": (2/209) بتصرف يسير.
(4) "العلل" برواية عبد الله: (3/40- رقم: 4076) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/160- رقم: 684) .(3/229)
ز: قال البيهقيُّ: رواية الجماعة عن الزُّهريِّ مقيَّدةٌ بالوطء ناقلةٌ للفظ صاحب الشَّرع- أولى بالقبول لزيادة حفظهم وأدائهم الحديث على وجهه، كيف وقد روى حمَّاد بن مسعدة هذا الحديث عن مالك عن الزُّهريِّ نحو رواية الجماعة؟!
1741- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الفضل بن إبراهيم ثنا أحمد بن سلمة ثنا عبد الرَّحمن بن بشر بن الحكم ثنا حمَّاد بن مسعدة عن مالكٍ عن ابن شهابٍ عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في رجلٍ وقع على أهله في رمضان، قال: " أعتق رقبة ". قال: ما أجدها. قال: " فصُم شهرين ". قال: ما أستطيع. قال: " فأطعم ستين مسكينًا " (1) O.
*****
مسألة (362) : إذا كل ناسيًا لم يبطل صَومُه.
وقال مالك: يبطل.
لنا حديثان:
1742- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا يزيد بن هارون نا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسي وهو صائمٌ فأكل أو شرب، فليتمَّ صومه، فإنَّما أطعمه الله وسقاه " (2) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/225- 226) .
(2) "المسند": (2/465) .(3/230)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
1743- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبيد الله بن عبد الصَّمد ابن المهتدي ثنا أحمد بن خليد الكنديُّ نا محمَّد بن عيسى بن الطَّبَّاع ثنا ابن عُليَّة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أكل الصَّائم ناسيًا، أو شرب ناسيًا، فإنَّما هو رزقٌ ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسنادٌ صحيحٌ، كلُّهم ثقاتٌ (2) .
1744- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن محمود السراج ثنا محمَّد بن مرزوق البصريُّ ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أفطر في شهر رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه ولا كفَّارة ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به ابن مرزوق- وهو ثقةٌ - عن الأنصاريِّ (3) .
ز: روى هذا الحديث الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه (4) .
ولم يتفرَّد به ابن مرزوق عن الأنصاريِّ، بل رواه عنه غيره:
1745- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/484، 8/392) ؛ (فتح- 4/155، 11/549- رقمي: 1933، 6669) .
"صحيح مسلم": (2/160) ؛ (فؤاد- 2/809- رقم: 1155) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/178) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/178) .
(4) "المستدرك": (1/430) .(3/231)
عبد الرَّحمن محمَّد بن عبد الله التَّاجر نا أبو حاتم محمَّد بن إدريس ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أقطر في رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه ولا كفَّارة ".
قال: وكذلك رواه محمَّد بن مرزوق البصريُّ عن الأنصاريِّ، وهو ممَّا تفرَّد به الأنصاريُّ عن محمَّد بن عمرو، وكلُّهم ثقاتٌ (1) . انتهى كلامه.
ومحمَّد بن عمرو: صدوقٌ لكن تكلَّم فيه من قبل حفظه.
والمشهور في هذا الحديث هذا اللفظ المخرَّج في الصَّحيح، وهذا مرويٌّ بالمعنى، والله أعلم O.
1746- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد ثنا بشَّار بن عبد الملك قال: حدَّثتني أمُّ حكيم بنت دينار عن مولاتها أمِّ إسحاق أنَّها كانت عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتي بقصعةٍ من ثَرِيدٍ، فأكلت معه، ومعه ذو اليدين، فناولها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرْقًا (2) فقال: " يا أمّ إسحاق أصيبي من هذا ". قالت: فذكرتُ أنِّي كنت صائمةً فبردت (3) يدي، لا أقدِّمها ولا أؤخرِّها! فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مالك؟! " قلت: كنت صائمةً فنسيت! فقال ذو اليدين: الآن بعد ما شبعت! فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتمي صومَكِ، فإنَّما هو رزقٌ ساقه الله إليك " (4) .
ز: هذا حديثٌ غريبٌ غير مخرَّجٍ في " السُّنن "، وبعض رواته ليس
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/229) .
(2) في " النهاية ": (3/220- عرق) : (العَرْق- بالسكون-: العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم، وجمعه: عُرَاق، وهو جمعٌ نادر) أ. هـ
(3) أي: فترت، والله أعلم، وفي "التحقيق": (فترددت) ، وفي مطبوعة "المسند": (فرددت) .
(4) "المسند": (6/367) .(3/232)
بمشهورٍ، وبشَّار بن عبد الملك هو: المزنيُّ، بصريٌّ، قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: بشَّار بن عبد الملك ضعيفٌ (1) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: روى عن جدَّتِه أمِّ حكيم بنت دينار، روى عنه موسى بن إسماعيل وعبد الصَّمد بن عبد الوارث (2) . وقال البخاريُّ في "التَّاريخ": بشَّار بن عبد الملك يعدُّ في البصريين، قال لنا موسى بن إسماعيل: ثنا بشَّار بن عبد الملك قال: حدَّثتني أمُّ حكيم سمعت مولاتها أمَّ إسحاق الغنوية قالت: هاجرت إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) O.
*****
مسألة (363) : لا تكره القبلة للصائم إذا كان ممَّن لا تحرِّك شهوته.
وعنه: تكره، كقول مالك.
لنا أربعة أحاديث:
1747- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّل وهو صائمٌ (4) .
1748- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا هشام
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/415- رقم: 1641) .
(2) المصدر السابق.
(3) "التاريخ الكبير": (1/129- رقم: 1931) .
(4) "المسند": (6/42) ؛ "صحيح البخاري": (3/482- 483) ؛ (فتح- 4/149، 152- رقمي: 1927- 1928) ؛ "صحيح مسلم": (3/134- 135) ؛ (فؤاد- 2/776- رقم: 1106) .(3/233)
الدَّستوائيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أمِّ سلمة عن أمِّ سلمة أنَّها قالت: كان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّلها وهو صائمٌ (1) .
الحديثان في "الصَّحيحين".
1749- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج ثنا ليث قال: حدَّثني بكير عن عبد الملك بن سعيدٍ الأنصاريِّ عن جابر بن عبد الله عن عمر ابن الخطَّاب قال: هششت يومًا فقبَّلت وأنا صائمٌ، فأتيت النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: صنعت اليوم أمرًا عظيمًا! قبَّلتُ وأنا صائمٌ! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيت لو تمضمضت وأنت صائمٌ؟ ". قلت: لا بأس (2) . فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ففيم؟! " (3) .
قال المؤلِّف: ليثٌ ضعيفٌ.
ز: كذا قال! وهو وهمٌ ظاهرٌ، فإنَّ ليثًا هذا هو ابن سعدٍ الإمام، وليس بابن أبي سُليم المتكلَّم فيه.
قال شيخنا الإمام العلامة أبو العبَّاس: ليث هذا هو: الليث بن سعدٍ الإمام الجليل، لا يختلف في فضله ونبله وثقته وفقهه اثنان! توهَّم المؤلِّف رحمه الله أنَّه ليث بن أبي سليم، وذاك مع حفظه قد ضُعِّف، وليس طبقة ليث بن سعدٍ طبقة ابن أبي سليم؛ فإنَّ ابن أبي سليم يروي عن عطاء ومجاهد وكبار التَّابعين.
__________
(1) "المسند": (6/310) ؛ "صحيح البخاري": (3/483) ؛ "صحيح مسلم": (1/ 167، 177) ؛ (فؤاد- 1/243، 257- رقمي: 296، 324) ، ولم يذكر مسلم محل الشاهد.
(2) في "التحقيق": (لا بأس بذلك) .
(3) "المسند": (1/21) .(3/234)
وأحمد لا يروي عن واحدٍ عنه، وإنَّما يروي عن اثنين، والرُّواة عنه مثل: سفيان وشعبة.
وبكير- محدِّث الليث- هو: بكير بن عبد الله بن الأشج، رجلٌ مصريٌّ من بلد الليث بن سعد، لا يروي عنه الليث بن أبي سليم أبدًا ولا يمكن ذاك.
وإنَّما أُتي المصنِّف رحمه الله من حيث قيل: (ليث) - بحذف اللام-، وفي الغالب إنَّما تسقطان في ابن أبي سُليم وتثبتان في ابن سعدٍ، وما ذاك بضربة لازبٍ (1) ، فإنَّ حذفها في ابن سعدٍ كثيرٌ في "المسند"، انتهى كلام شيخنا رحمه الله (2) .
وقد روى هذا الحديث أيضًا: عبد بن حميد في "مسنده" عن أبي الوليد عن ليث (3) .
ورواه أبو داود عن أحمد بن يونس وعيسى بن حمَّاد عن الليث (4) .
ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن ليث.
وقال: هذا حديثٌ منكرٌ، وبكير مأمون، وعبد الملك بن سعيد روى
__________
(1) في " لسان العرب ": (1/738- لزب) : (أي لازم شديد) أ. هـ
(2) هذا النقل عن الإمام ابن تيمية من أغرب ما مرَّ بنا في هذا الكتاب! ووجه الغرابة: أن الانتقاد فيه موجَّه إلى كلام ابن الجوزي، بدليل قوله: (توهم المؤلف رحمه الله أنه ليث بن أبي سليم) ، فهل لابن تيمية حواشٍ على "التحقيق"؟ أم أنه كتب هذا في هامش كتاب آخر لابن الجوزي وجلبه ابن عبد الهادي الى هنا؟ أم ثَمَّ أمر آخر؟ الله أعلم.
(3) " المنتخب ": (1/61- رقم: 21) .
(4) "سنن أبي داود": (3/159- رقم: 2377) .(3/235)
عنه غير واحدٍ، ولا ندري ممَّن هذا؟ ! (1) .
ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ عن الفضل بن الحبُاب الجُمحيِّ عن أبي الوليد عن ليث (2) .
ورواه الهيثم بن كُليب الشَّاشيُّ من رواية شبابة عن الليث (3) .
ورواه البيهقيُّ من رواية يحيى بن بُكيرٍ عن الليث (4) .
ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرط الشَّيخين (5) .
وليس كلما قال، فإنَّ عبد الملك بن سعيد بن سويد انفرد به مسلمٌ (6) ، لكن هو صدوق.
وقد ضعَّف الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث، وقال: هذا ريحٌ، ليس من هذا شيء (7) .
وإنَّما ضعَّف الإمام أحمد هذا الحديث وأنكره النَّسائيُّ مع أنَّ رواته صادقون، لأنَّ الثَّابت عن عمر خلافه:
1750- فروى عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ عن ابن المسيَّب أنَّ عمر بن الخطَّاب كان ينهى عن القبلة للصائم، فقيل له: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
__________
(1) " سنن النسائي الكبرى ": (2/199- رقم: 3048) ، وكلام النسائي غير موجود في المطبوعة، وهو في "تحفة الأشراف": (8/17- رقم: 10422) .
(2) "الإحسان": (8/313- رقم: 3544) .
(3) ومن طريقه الضياء في "المختارة": (1/196- رقم: 100) .
(4) "سنن البيهقي": (4/261) .
(5) "المستدرك": (1/431) .
(6) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/434- رقم: 977) .
(7) "المغني" لابن قدامة: (4/361) .(3/236)
يقبِّل وهو صائم. فقال: من ذا له من الحفظ والعصمة ما لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! (1) .
وقد حمل أبو عمر بن عبد البرِّ قول عمر هذا على التَّنزيه، فقال: لا أرى معنى حديث ابن المسيَّب في هذا الباب عن عمر إلا تنزهًا واحتياطًا منه، لأنَّه قد روي فيه عن عمر حديثٌ مرفوعٌ، ولا يجوز أن يكون عند عمر حديثٌ ويخالفه إلى غيره (2) .
ثمَّ ذكر حديث الليث عن بكير O.
1751- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن زياد بن علاقة عن عمرو ابن ميمون عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّل في شهر رمضان.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ (3) .
ز: روى هذا الحديث مسلمٌ (4) وأبو داود (5) والتِّرمذيُّ وصحَّحه (6) والنَّسائيُّ (7) وابن ماجة (8) من حديث أبي الأحوص.
ورواه مسلمٌ من حديث بهز بن أسد عن أبي بكر النهشليِّ عن زياد بن
__________
(1) " المصنف ": (4/182- رقم: 8406) .
(2) التمهيد": (5/112-113) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/180) .
(4) "صحيح مسلم": (3/136) ؛ (فؤاد- 2/778- رقم: 1106) .
(5) "سنن أبي داود": (3/158- رقم: 2375) .
(6) "الجامع": (2/97- رقم: 727) .
(7) "السنن الكبرى": (2/206- رقم: 3090) .
(8) "سنن ابن ماجة": (1/537- رقم: 1683) .(3/237)
علاقة (1) O.
أما حجُّتُهم:
1752- فقال أحمد بن حنبل: ثنا أبو نُعيم ثنا إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد [الضِّنِّيِّ] (2) عن ميمونة بنت سعدٍ قالت: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجلٍ قبَّل امرأته وهما صائمان. قال: " قد أفطرا " (3) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا لا يثبت، وأبو يزيد [الضِّنِّيُّ] (4) ليس بمعروفٍ (5) .
ز: رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن الفضل بن دُكين (6) ، وهو غيرٍ ثابتٍ كما قال الدَّارَقُطْنِيُّ.
1753- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثيُّ نا أبو أسامة عن عمر بن حمزة ثنا سالم عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فرأيته لا ينظرني! فقلت: يا رسول الله، ما شأني؟! فالتفت إليَّ فقال: ألسْتَ المقبِّل وأنت الصَّائم؟!
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/136) ؛ (فؤاد- 2/778- رقم: 1106) .
(2) في الأصل و"التحقيق" ومطبوعة "المسند": (الضبي) ، والتصويب من (ب) .
وانظر: "الأنساب" للسمعاني: (8/163) ؛ "تهذيب الكمال": (34/408- رقم: 7705) ؛ "توضيح المشتبه": (5/410) .
(3) "المسند": (6/463) وفي مطبوعته: (سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل قبل امرأته وهو صائم، قال: " قد أفطر ") .
(4) في الأصل و"التحقيق" ومطبوعة "سنن الدارقطني": (الضبي) ، والتصويب من (ب) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/184) .
(6) "سنن ابن ماجة": (1/538- رقم: 1686) .(3/238)
فوالذي نفسي بيده لا أقبِّل وأنا صائمٌ امرأةً ما بقيت.
قال البيهقيُّ: تفرَّد به عمر بن حمزة، فإن صحَّ فعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان قويًّا مما يتوهَّم تحريك القبلة شهوته، والله أعلم (1) O.
*****
مسألة (364) : لا يكره السِّواك بعد الزَّوال للصائم، وهو قول أبي حنيفة ومالك.
وعنه: يكره، كقول الشَّافعيِّ.
لنا:
1754- ما روى التِّرمذيُّ: ثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: رأيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أُحصي يتسوك وهو صائمٌ (2) .
ز: رواه أبو داود (3) والتِّرمذيُّ من حديث عاصم بن عبيد الله.
وقال التِّزمذيُّ: حسنٌ.
وعاصمٌ: قد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة، كالإمام أحمد بن حنبل (4)
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/232) .
(2) "الجامع": (2/96- رقم: 725) .
(3) "سنن أبي داود": (3/151- رقم: 2356) .
(4) " سؤالات أبي داود لأحمد ": (ص: 361- 362- رقم: 566) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/347- رقم: 1917) ؛ "تهذيب الكمال" للمزي: (13/503- رقم: 3014) .(3/239)
وابن معينٍ (1) وابن سعدٍ (2) والجُوْزجانيِّ (3) وأبي حاتم الرَّازيِّ (4) وابن خزيمة (5) ، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: مدنيٌّ (6) ، يترك وهو مغفَّل (7) . وقال العجليُّ: لا بأس به (8) . وقال ابن عَدِيٍّ: يكتب حديثه مع ضعفه (9) O.
احتجُّوا بحديثين:
1755- الحديث الأوَّل: قال المؤلِّف: أخبرنا به أبو منصور القزَّاز أنا أبو بكر أحمد بن عليٍّ الحافظ أنا الصَّيْمريُّ/ (10) ثنا القاضي أبو بشر أحمد بن محمَّد الهرويُّ ثنا عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصليُّ ثنا إبراهيم بن [سعيدٍ] (11) الجوهريُّ ثنا عبد الصَّمد بن النُّعمان ثنا كيسان أبو (12) عمر القصَّاب (13) عن يزيد بن بلال عن خبَّاب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشيِّ، فإنَّه ليس من صائمٍ تيبس شفتاه بالعشيِّ إلا كانتا نورًا بين عينيه
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (3/183- رقم: 822) ، ورواية الدارمي: (ص: 137 - رقم: 451) ، ورواية ابن محرز: (1/74- رقم: 191) .
(2) "الطبقات الكبرى": (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة- ص: 225- رقم: 102) .
(3) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 237- رقم: 241) .
(4) "الجرح والتعديل": (6/348- رقم: 1917) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (13/505- رقم: 3014) .
(6) في (ب) : (مديني) .
(7) "سؤالات البرقاني": (ط. الهند- ص: 49- رقم: 339) .
(8) "معرفة الثقات": (2/9- رقم: 812) .
(9) "الكامل": (5/228- رقم: 1381) .
(10) في "التحقيق": (الضمري) خطأ.
(11) في الأصل و (ب) : (سعد) ، والتصويب من "التحقيق" و"تاريخ بغداد" للخطيب.
(12) في (ب) : (بن) خطأ.
(13) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" وبعض كتب التراجم: (القصَّار) والله أعلم بالصواب.(3/240)
يوم القيامة " (1) .
قال يحيى بن معين: كيسان ضعيفٌ (2) . وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ بيزيد بن بلال (3) .
وقد روي هذا عن عليِّ بن أبي طالب من كلامه.
ز: 1756- قال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب قال: سمعت العبَّاس بن محمَّد يقول: سمعت يحيى ابن معين (4) يقول: ثنا عليُّ بن ثابتٍ عن كيسان أبي عمر عن يزيد بن بلال - مولاه، وكان قد شهد مع عليٍّ صفين- عن عليٍّ رضي الله عنه قال: لا يستاك الصَّائم بالعشيّ، ولكن بالليل، فإنَّ يبوس شفتي الصَّائم نورٌ بين عينيه يوم القيامة.
1757- قال: وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا أبو خراسان محمَّد بن أحمد بن السَّكن ثنا عبد الصَّمد بن النُّعمان ثنا أبو عمر القصَّاب (5) كيسان عن يزيد بن بلال عن عليٍّ قال: إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشيِّ، فإنَّه ليس من صائمٍ تيْبس شفتاه بالعشيِّ إلا كانتا نورًا بين عينيه يوم القيامة.
قال عليُّ بن [عمر] (6) : ثنا أبو عبيد ثنا أبو خراسان ثنا عبد الصَّمد ثنا
__________
(1) "تاريخ بغداد" للخطيب: (5/88 - 89- رقم: 2484) .
(2) "العلل" لعبد الله بن أحمد: (3/33- رقم: 4040) .
(3) "المجروحون": (3/105) وفيه: (يروي عن علي ما لا يشبه حديثه، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ... إلخ) ، ويأتي بتمامه في كلام المنقح.
(4) وهو في "التاريخ": (3/417- رقم: 2037) .
(5) كذا في الأصل و (ب) و"سنن البيهقي"، وفي مطبوعة "سنن الدارقطني" وبعض كتب التراجم: (القصار) ، والله أعلم بالصواب.
(6) في الأصل: (عمرو) خطأ، والتصويب من (ب) و"سنن البيهقي".(3/241)
كيسان أبو عمر عن عمرو بن عبد الرَّحمن عن خبَّاب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله.
قال عليٌّ: كيسان أبو عمر ليس بالقويِّ، ومن بينه وبين عليٍّ غير معروفٍ (1) .
وقال أبو حاتم بن حِبَّان: يزيد بن بلال بن الحارث الفزاريُّ، من أهل الكوفة، يروي عن عليِّ بن أبي طالبٍ، روى عنه كيسان أبو عمر، منكر الحديث، يروي عن عليٍّ ما لا يشبه حديثه، لا يجوز الاحتجاح به إذ انفرد، وإن اعتبر به معتبرٌ فيما وافق الثِّقات من غير أن يحتجَّ به لم أر به بأسًا (2) . وقال الأزديُّ: يزيد بن بلال: منكر الحديث، لا يشتغل بحديثه (3) .
1758- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن إسحاق الخيَّاط ثنا أبو منصمور ثنا عمر بن قيسٍ عن عطاء عن أبي هريرة قال: لك السِّواك إلى العصر، قإذا صلَّيت العصر فألقه، فإنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك " (4) .
هذا إسنادٌ غير قويٍّ، والله أعلم O.
1759- الحديث الثَّاني: رواه إبراهيم بن بيطار الخوارزميُّ عن عاصم الأحول قال: سألت أنس بن مالك، قلت: أيستاك الصائم؟ قال: نعم.
قلت: برطب السِّواك ويابسه؟ قال: نعم. قلت: في أوَّل النَّهار وآخره؟
قال: نعم. قلت له: عمَّن؟ قال: عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا لا يصحُّ.
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/274) ؛ وانظر: "سنن الدارقطني": (2/204) .
(2) "المجروحون": (3/105) .
(3) " تهذيب الهذيب " لابن حجر: (11/277- رقم: 510) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/203) .(3/242)
قال أبو حاتم بن حِبَّان: هذا الحديث لا أصل له من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا من حديث أنس؛ وإبراهيم يروي عن عاصم المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بها (1) .
ز: ذِكرُ هذا الحديث فيما احتجَّ به المخالف وهمٌ، فإنَّه يدلُّ على عدم الكراهة، والمخالف يقول بالكراهة، وفي الجملة هذا حديثٌ لا يجوز لأحدٍ أن يحتجَّ به، وإبراهيم- راويه-: يقال له: ابن بيطار، ويقال: ابن عبد الرَّحمن، وهو غير محتجٍّ به.
1760- قال البيهقيُّ: وأمَّا الحديث الذي أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن الحسن بن فِهْر بمكَّة أنا عبد الله بن محمَّد الشَّافعيُّ ثنا أبو عليٍّ الحافظ عبد الله ابن محمَّد بن عليِّ بن جعفر بن ميمون البلخيُّ بمكَّة ثنا ابراهيم بن يوسف بن ميمون البلخيُّ ثنا أبو إسحاق الخوارزميُّ- قاضي خوارزم، قدم علينا أيَّام عليِّ ابن عيسى- قال: سألت عاصمًا الأحول قلت: أيستاك الصَّائم؟ فقال: نعم. قلت: برطب السِّواك ويابسه؟ قال: نعم. قلت: أوَّل النَّهار وآخره؟
قال: نعم. قلت: عمَّن؟ قال: عن أنس بن مالك عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهذا يتفرَّد به أبو إسحاق إبراهيم بن بيطار- ويقال: إبراهيم بن عبد الرَّحمن- قاضي خوارزم، حدَّث ببلخ عن عاصم الأحول بالمناكير، لا يحتجُّ به، وقد روي عنه من وجهٍ آخر ليس فيه ذكر أوَّل النَّهار وآخره:
1761- أخبرنا أبو سعد المالينيُّ أنا أبو أحمد بن عَدِيٍّ (2) ثنا محمَّد بن أحمد بن مزدك البخاريُّ ثنا عبيد الله بن واصل ثنا محمَّد بن سلام أنا إبراهيم بن
__________
(1) "المجروحون": (1/102) .
(2) وهو في "الكامل": (1/260- 261- رقم: 93) .(3/243)
عبد الرَّحمن قال: سألت عاصم الأحول عن السِّواك للصَّائم، فقال: لا بأس به. فقلت: برطب السِّواك ويابسه؟ فقال: أتراه أشدُّ رطوبةً من الماء؟!
قلت: عمَّن؟ قال: عن أنس بن مالك عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو أحمد: إبراهيم هذا عامَّة أحاديثه غير محفوظةٍ.
1762- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق المزكيُّ أنا أبو عبد الله محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا مسعر عن أبي نَهيك الأسديِّ عن زياد بن حُدير قال: مأ رأيت أحدًا أدأب سوكًا وهو صائمٌ من عمر! - أراه قال: بعودٍ قد ذوى-. قال أبو عبيدٍ (1) : يعني: يبس.
1763- أخبرنا أبو الحسين بن بشران- ببغداد- أنا إسماعيل بن محمَّد الصَّفَّار ثنا سعدان بن نصر نا وكيع عن عبد الله بن نافع- مولى ابن عمر- عن أبيه عن ابن عمر أنَّه كان يستاك وهو صائمٌ (2) O.
*****
مسألة (365) : لا يكره الاغتسال للصَّائم في الحرِّ.
وقال أبو حنيفة: يكره.
1764- قال أبو داود: ثنا عبد الله بن مسلمة القَعْنَبِيُّ عن مالك عن سُمَيٍّ- مولى أبي بكرٍ - عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن عن بعض أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رأيتُ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصُبُّ على رأسه الماء وهو صائمٌ من العطش- أو:
__________
(1) هو في " غريب الحديث ": (3/365) .
(2) "السنن الكبرى": (4/272- 273) .(3/244)
من الحر (1) -.
ز: ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن مالكٍ (2) .
ورواته أئمة، وجهالة الصَّحابي لا تضرُّ.
1765- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكيُّ أنا أبو عبد الله (3) محمَّد بن يعقوب أنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا ابن أبي ذئب عن المنذر بن أبي المنذر قال: رأيت ابن عبَّاس رضي الله عنه يكرع في حياض زمزم وهو صائمٌ (4) .
ومعنى يكرع: يَغْطِس O.
*****
مسألة (366) : إذا اكتحل بما يصل إلى جوفه أفطر.
وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: لا يفطر.
1766- قال أبو داود: حدَّثنا النُّفيليُّ ثنا عليُّ بن ثابتٍ قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن النُّعمان بن معبد بن هَوذَة عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أمر (5) بالإثمد المُرَوَّح عند النَّوم، وقال: " ليتَّقه الصَّائم ".
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/151- 152- رقم: 2357) .
(2) "السنن الكبرى": (2/196- رقم: 3029) .
(3) في مطبوعة "سنن البيهقي": (أبو عبد الرحمن) .
(4) "السنن الكبرى": (4/263) .
(5) في "التحقيق": (إنا أمرنا) .(3/245)
قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هذا حديثٌ منكرٌ (1) .
وعبد الرَّحمن: ضعيفٌ، وقال الرَّازي: هو صدوقٌ (2) .
ز: هذا الحديث انفرد به أبو داود، ومعبد وابنه النُّعمان كالمجهولين، فإنَّه لا يعرف لهما إلا هذا الحديث.
وعبد الرَّحمن بن النُعمان: قال اسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: هو ضعيفٌ (3) . وصدَّقه أبو حاتم كما ذكر المؤلِّف.
وقال البيهقيُّ: وقد روى في النَّهي عن الكحل نهارًا وهو صائمٌ حديثٌ أخرجه البخاريُّ في "التَّاريخ" (4) :
1767- أخبرناه أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر القطَّان ثنا أحمد بن يوسف ثنا أبو نعيم ثنا عبد الرَّحمن أبو النَّعمان الأنصاريُّ حدَّثني أبي عن جدِّي- قال: وكان جدُّه أُتي به النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمسح على رأسه- فقال: " لا تكتحل بالنَّهار وأنت صائمٌ، اكتحل ليلاً، الإثمد يجلو البمر، وينبت الشّعر ".
قال البيهقيُّ: عبد الرَّحمن هو: ابن النُّعمان بن معبد بن هَوْذَة، أبو النُّعمان، ومعبد بن هَوْذَة الأنصاريُّ: هو الذي له هذه الصُّحبة (5) O.
احتجُّوا ك
1768- بما روى التِّرمذيُّ: ثنا عبد الأعلى بن واصلٍ (6) ثنا
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/156- رقم: 2369) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/294- رقم: 1391) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/294- رقم: 1391) .
(4) هو في "التاريخ الكبير": (7/398- رقم: 1740) .
(5) "سنن البيهقي": (4/262) .
(6) فى "التحقيق": (فاضل) خطأ.(3/246)
الحسن (1) بن عطيَّة ثنا أبو عاتكة عن أنس بن مالكٍ قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اشتكت عيني! أفأكتحل وأنا صائمٌ؟ قال: " نعم ".
قال التِّرمذيُّ: إسناده ليس بالقويِّ، ولا يصحُّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيءٌ، وأبو عاتكة ضعيفٌ (2) .
قال المؤلِّف: اسم أبي عاتكة: طريف بن سلمان، قال البخاريُّ: منكر الحديث (3) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (4) . وقال الرَّازيُّ: ذاهب الحديث (5) .
ز: هذا الحديث انفرد به التِّرمذيُّ، وإسناده واهٍ جدًّا.
وأبو عاتكة مجمعٌ على ضعفه، واسمه: طريف بن سلمان- ويقال: سلمان بن طريف-.
والحسن بن عطيَّة هو: ابن نجيح القرشيُّ، أبو عليٍّ، الكوفيُّ، البزَّاز، صدَّقه أبو حاتم (6) ، وضعَّفه الأزديُّ (7) ؛ وهو في النُّسخ بكتاب "التحقيق": (الحسين) ، وذلك وهمٌ.
وقد روى أبو داود في "سننه" عن أنس أنَّه كان يكتحل وهو صائمٌ، موقوفًا عليه:
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: كان فيه " الحسين "، وهو وهم) ، وكذا هو في مطبوعة "التحقيق".
(2) "الجامع": (2/97- رقم: 726) ؛ وفيه: (أبو عاتكة يضعف) .
(3) "التاريخ الكبير": (4/357- رقم: 3135) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 138- رقم: 319) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/494- رقم: 2169) .
(6) "الجرح والتعديل": (3/27- رقم: 113) .
(7) "الميزان" للذهبي: (1/503- رقم:1888) .(3/247)
1769- فقال: حدَّثنا [وهب] (1) بن بقيَّة أنا أبو معاوية عن عتبة أبي معاذ عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك أنَّه كان يكتحل وهو صائمٌ (2) .
وهذا إسنادٌ مقاربٌ.
وعُتبة أبو معاذ هو: ابن حميد الضَّبيُّ البصريُّ، قال أحمد بن حنبل: كتب من الحديث شيئًا كثيرًا. قيل له: كيف حديثه؟ قال: ضعيفٌ ليس بالقويِّ (3) . وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: كان بصريُّ الأصل، وكان جوَّالة في طلب الحديث، وهو صالح الحديث (4) .
1770- وقال البيهقيُّ: وقد روي عن محمَّد بن عبيد الله بن أبي رافع - وليس بالقويِّ- عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكتحل بالإثمد وهو صائمٌ: أخبرناه أبو سعدٍ المالينيُّ أنا أبو أحمد بن عَدِيٍّ الحافظ ثنا الفضل بن عبيد الله (5) الأنطاكيُّ ثنا لُوَيْن ثنا حِبَّان بن عليٍّ عن محمَّد بن عبيد الله بن أبي رافع.
وكلذلك رواه مُعمَّر بن محمَّد عن أبيه بمعناه.
1771- ورواه سعيد بن أبي سعيد الزُّبيديِّ- صاحب بقيَّة- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ربَّما اكتحل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صائمٌ.
__________
(1) في الأصل: (وهيب) ، والتصويب من (ب) و"سنن أبي داود".
(2) "سنن أبي داود". (3/156- رقم: 2370) .
وفي هامش الأصل: (حـ: رواه البخاري في "صحيحه" [ (فتح- 4/153- رقم الباب: 25- كتاب الصوم) ] تعليقًا بصيغة الجزم) ا. هـ
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/370- رقم: 2042) من رواية أبي طالب.
(4) "الجرح والتعديل": (6/370- رقم: 2042) .
(5) في مطبوعة "سنن البيهقي": (عبد الله) ، وانظر " السير ": (13/573) .(3/248)
أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن إسحاق الصَّغانيُّ ثنا أحمد بن أبي الطَّيِّب ثنا بقيَّة بن الوليد عن سعيد الزُّبيديِّ فذكره.
وسعيد الزُّبيديِّ: من مجاهيل شيوخ بقيَّة، ينفرد بما لا يتابع عليه.
وروي عن أنس بن مالك مرفوعًا- بإسنادٍ ضعيفٍ بمرَّةٍ-: أنَّه لم ير به بأسًا (1) .
أراد البيهقيُّ بحديث أنس الحديث المتقدِّم، الذي رواه التِّرمذيُّ من طريق أبي عاتكة.
وقد روى حديث [الزُّبيديِّ] (2) : ابنُ ماجة في "سننه" فقال:
1772- حدَّثنا أبو التَّقيِّ هشام بن عبد الملك الحمصيُّ ثنا بقيَّة ثنا الزُّبيديُّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: اكتحل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صائمٌ (3) .
وقد ظنَّ بعض العلماء أنَّ الزُّبيديَّ في هذا الحديث هو: محمَّد بن الوليد، الثِّقة الثَّبت، وذلك وهمٌ، وإنَّما هو سعيد بن أبي سعيد- كما صُرِّح به في رواية البيهقيِّ وغيره-، وليس هو بمجهولٍ- كما قاله ابن عَدِيٍّ والبيهقيُّ- بل هو سعيد بن عبد الجبَّار الزُّبيديُّ الحمصيُّ، وهو مشهورٌ لكنَّه مجمعٌ على ضعفه.
وأبو أحمد بن عَدِيٍّ فرَّق في كتابه بين (سعيد بن أبي سعيد) وبين (ابن عبد الجبَّار) وهما واحد، وروى هذا الحديث في ترجمة سعيد بن أبي سعيد
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/262) .
(2) في الأصل: (الترمذي) ، والتصويب من (ب) .
(3) "سنن ابن ماجة": (1/536- رقم: 1678) .(3/249)
الزُّبيديِّ، فرواه من رواية أبي التَّقِيِّ عن بقيَّة كرواية ابن ماجة، ورواه من رواية عبد الجبَّار بن عاصم عن بقيَّة فقال: (عن سعيد بن أبي سعيد الزُّبيديِّ) ، ورواه من رواية كثير بن عُبيد عن بقيَّة فقال: (عن سعيد الزُّبيديِّ) (1) .
ويظهر من هذا أنَّ بقيَّه سمَّى الزُّبيديَّ لبعض من رواه عنه دون بعض، أو سمَّاه لجميعهم ولكنَّ أبو التَّقيِّ الحمصيُّ لم ينسب الزُّبيديِّ، ليوهم أنَّه محمَّد بن الوليد الثَّقة المشهور، أو لأنَّه لو سمَّاه لبيَّن ضعف الحديث، والله أعلم.
والأظهر في الجملة أنَّ الكحل لا يفطِّر الصَّائم، لعدم الدَّليل الدَّال على ذلك، من نصٍّ أو قياسٍ صحيحين، والله الموفِّق للصواب O.
*****
مسألة (367) : الحجامة تفطِّر الحاجم والمحجوم خلافًا لأكثرهم.
لنا:
قوله: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
رواه بضعة عَشَر صحابيًّا، وأخذ به: عليٌّ وابن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وعائشة، إلا أنَّ كثر الأحاديث ضعافٌ، فنحن ننتخب منها:
1773- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السَّائب بن يزيد عن رافع بن خَدِيج عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (2) .
__________
(1) "الكامل": (3/406- رقم: 830) .
(2) "المسند": (3/465) .(3/250)
قال أحمد بن حنبل: أصحُّ شيءٍ في هذا الباب حديث رافع بن خَدِيج (1) .
ز: روى هذا الحديث التِّرمذيُّ (2) وأبو حاتم البستيُّ (3) وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (4) والحاكم في "المستدرك" (5) من رواية عبد الرَّزَّاق عن مَعْمر.
وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ (6) .
وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشَّيخين، حكم له عليٌّ بن المدينيِّ بالصِّحة (7) .
وفي قوله بعض النَّظر، فإنَّ ابنَ قارظ انفرد به مسلمٌ (8) ، وروى في "صحيحه" عن إسحاق بن راهويه عن عبد الرَّزَّاق بإسناده حديثًا غير هذا (9) .
وقال الإمام أحمد بن حنبل في هذا الحديث: تفرَّد به مَعْمر (10) .
وقد رواه الحاكم من حديث معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير بإسنادٍ صحيح (11) ، فلم يتفرَّد به مَعْمر إذًا.
__________
(1) "الجامع" للترمذي: (2/136- رقم: 774) .
(2) "الجامع": (2/135- رقم: 774) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (8/306- رقم: 3535) .
(4) "المعجم الكبير": (4/242- رقم: 4257) .
(5) "المستدرك": (1/428) .
(6) هكذا في "تحفة الأشراف" أيضًا: (3/144- رقم: 3556) ؛ وفي مطبوعة "الجامع": (حسن صحيح) .
(7) "المستدرك": (1/428) بتصرف يسير.
(8) " رجال صحيح مسلم لابن منجويه: (1/41- رقم: 35) .
(9) "صحيح مسلم": (5/35) ؛ (فؤاد- 3/1199- رقم: 1568) .
(10) "سنن البيهقي": (4/267) من رواية علي بن سعيد النسوي.
(11) "المستدرك": (1/428) .(3/251)
وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: وهذا الحديث عندي باطلٌ (1) .
وقال البخاريُّ: هو غير محفوظٍ (2) .
وقال إسحاق بن منصور: هو غلطٌ (3) .
وقال يحيى بن معين: هو أضعفها O.
1774- الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا إسماعيل عن خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شدَّاد بن أوس أنَّه مرَّ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زمن الفتح على رجلٍ يحتجم بالبقيع (4) لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: " افطر الحاجم والمحجوم " (5) .
ز: وروى هذا الحديث: أبو داود (6) والنسائيُ (7) وابن ماجة (8) وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (9) وأبو حاتم بن حِبَّان (10) والحاكم في "المستدرك".
وقال: هو حديثٌ ظاهرٌ صحَّته (11) .
__________
(1) "العلل" لابن أبي حاتم: (1/249- رقم: 732) .
(2) "العلل الكبير" للترمذي: (ص: 121- 122- رقم: 208) .
(3) المرجع السابق.
(4) في هامش الأصل: (حـ: قوله: " بالبقيع " فيه نظر، فإنه في هذا للوقت كان بمكة، إلا أن يريد به [] ) . أ. هـ والكلمة الأخيرة لم نتمكن من قراءتها.
(5) "المسند": (4/122- 123) .
(6) "سنن أبي داود": (3/153- رقم: 2361) .
(7) "السنن الكبرى": (2/218- رقم: 3141) .
(8) "سنن ابن ماجة": (1/537- رقم: 1681) .
(9) "المعجم الكبير": (7/276- 278- الأرقام: 7124- 7132) .
(10) "الإحسان" لابن بلبان: (8/302- 304- رقمي: 3533- 3534) .
(11) "المستدرك": (1/428) .(3/252)
وصحَّحه أيضًا أحمد بن حنبل (1) وعليُّ بن المدينيِّ (2) وإسحاق بن راهويه (3) وعثمان بن سعيد الدَّارميُّ (4) وأبو حاتم بن حِبَّان (5) وغيرهم.
واستقصى النَّسائيُّ طرقه والاختلاف فيه في " السُّنن الكبير " (6) .
وروى مسلمٌ في "صحيحه" من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شدَّاد حديث: " إنَّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيءٍ ... " (7) .
وقد ضعَّف يحيى بن معين هذا الحديث (8) ، وقال: هو حديثٌ مضطربٌ.
وقال الإمام أحمد لمَّا بلغه عن يحيى أنَّه قال: ليس فيها حديث يثبت - يعني أحاديث: " أفطر الحاجم والمحجوم "-: هذا كلامٌ مجازفة (9) !
__________
(1) " مسائل عبد الله ": (2/626- 628- رقم: 852) ؛ " طبقات الحنابلة " لابن أبي يعلى: (1/206- رقم: 276) من رواية أبي زرعة الدمشقي؛ "سنن البيهقي": (4/ 267) من رواية عثمان بن سعيد الدارمي.
(2) "سنن البيهقي": (4/267) من رواية ابن البراء عنه، وانظر: "صحيح ابن خزيمة": (3/227- رقم: 1964) .
(3) "المستدرك" للحاكم: (1/428) ؛ "سنن البيهقي": (4/267) من رواية أحمد بن سلمة عنه.
(4) "سنن البيهقي": (4/267) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (8/302 - 304- رقمي: 3533- 3534) .
(6) "السنن الكبرى": (2/217- 221- الأرقام: 3138- 3155) .
(7) "صحيح مسلم": (6/72) ؛ (فؤاد- 3/ 1548- رقم: 1955) .
وذكر المنقِّح هذا الحديث ليبين أن مسلمًا احتج بهذا الإسناد في صحيحه (أبو قلابة عن أبي الأشعث عن شداد) .
(8) يعني حديث شداد في الحجامة.
(9) نقله أيضا الحافظ ابن حجر في "الفتح": (4/177- رقم: 1938) . ونسبه لرواية المروزي [كذا، ولعلها: المروذي] .(3/253)
وروى الميموني عن يحيى بن معين أنَّه قال: أنا لا أقول إن هذه الأحاديث مضطربة (1) . فالله أعلم O.
1775- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا إسماعيل ثنا هشام الدَّستوائيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى على رجلٍ يحتجم في رمضان فقال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (2) .
ز: وقد روى حديث ثوبان أيضًا: أبو داود (3) وابن ماجة (4) والنَّسائيُّ (5) وأبو يعلى الموصليُّ (6) والرُّويانيُّ والحاكم في "المستدرك".
وقال: حديثٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يخرجاه (7) .
ورواه أبو حاتم البستيُّ (8) أيضًا، وذكر النَّسائيُّ الاختلاف في طرقه (9) ، وصحَّحه أحمد (10) وابن المدينيِّ (11) والدَّارميُّ (12) وغيرهم.
__________
(1) " العلل ومعرفة الرجال عن أحمد " رواية المروذي وغيره: (ص: 213- رقم: 403) .
(2) "المسند": (5/277) .
(3) "سنن أبي داود": (3/152- 154- الأرقام: 2359- 2362- 2363) .
(4) "سنن ابن ماجة": (1/537- رقم: 1680) .
(5) "السنن الكبرى": (2/217- 218- رقمي: 3137، 3140) .
(6) لعله في رواية ابن المقرىء.
(7) "المستدرك": (1/427) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (8/301- رقم: 3532) .
(9) "السنن الكبرى": (2/216- 222- الأرقام: 3133- 3137، 3140، 3157- 3160) .
(10) " مسائل عبد الله ": (2/626- 628- رقم: 852) ؛ " طبقات الحنابلة " لابن أبي يعلى:
(1/206- رقم: 276) من رواية أبي زرعة الدمشقي؛ "سنن البيهقي": (4/267) من رواية عثمان بن سعيد الدارمي. وانظر: "مسائل أبي داود": (ص: 425- رقم: 1971) .
(11) "المستدرك": (1/429) ، "سنن البيهقي": (4/267) من رواية ابن البراء عنه.
(12) "سنن البيهقي": (4/267) .(3/254)
وقال ابن خزيمة ثبتت الأخبار عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (1) .
وقال إسحاق بن راهويه: وقد ثبت هذا من خمسة أوجه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
وقال بعض الحفَّاظ: الحديث في هذا متواتر.
وليس ما قاله ببعيدٍ، ومن أراد معرفة ذلك فليطالع ما روي في ذلك في "مسند أحمد"، و" معجم الطَّبراني "، وكتاب النَّسائيُّ، و"المستدرك" للحاكم، و"المستخرج" للحافظ أبي عبد الله المقدسيِّ، وغير ذلك من الأمهات، والله أعلم O.
1776- الحديث الرَّابع: قال أحمد: حدَّثنا أبو الجواب ثنا عمَّار بن رُزيق عن عطاء بن السَّائب قال: حدَّثني الحسن عن معقل بن سنان الأشجعيِّ أنَّه قال: مرَّ عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أحتجم في ثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (3) .
ز: قال النَّسائيُّ: ذكر الاختلاف على عطاء بن السائب فيه:
1777- أخبرنا محمَّد بن بشَّار قال: حدَّثني أبو داود ثنا سليمان بن معاذ عن عطاء بن السَّائب قال: شهد عندي نفرٌ من أهل البصرة- منهم الحسن- عن معقل بن يسار (4) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يحتجم وهو صائم، فقال:
__________
(1) "صحيح ابن خزيمة": (3/227- رقم: 1965) .
(2) انظر: " شرح العمدة " لابن تيمية: (كتاب الصيام- 1/419- رقم: 403) ، " زاد المعاد " لابن القيم: (2/63) .
(3) "المسند": (3/474) .
(4) فوقها في الأصل: (صح) .(3/255)
"أفطر الحاجم والمحجوم".
1778- أخبرنا يحيى بن موسى وأحمد بن حرب- واللفظ له- ثنا محمَّد بن فضيل عن عطاء قال: شهد عندي نفرٌ من أهل البصرة- منهم الحسن ابن أبي الحسن- عن معقل بن سنان الأشجعيِّ أنَّه قال: مرَّ عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أحتجم في ثمان عشرة من رمضان فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم".
قال أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ: عطاء بن السَّائب كان قد اختلط، ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث عنه غير هذين، على اختلافهما عليه فيه (1) .
كذا قال، وقد رواه احمد من طريق عمَّار بن رُزيق- كما تقدم- موافقًا لمحمَّد بن فضيل.
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: كذا رواه عبَّاس الدُّوريُّ عن أحوص (2) بن جَوَّابٍ عن عمَّار بن رُزيق عن عطاء، وقال: (ابن سنان) .
وقال عليُّ بن المدينيِّ: رواه بعضهم عن عطاء بن السَّائب عن الحسن عن معقل بن سنان الأشجعيِّ.
ورواه بعضهم عن عطاء عن الحسن عن معقل بن يسار (3) .
ورواه بعضهم عن الحسن عن أسامة.
ورواه بعضهم عن الحسن عن عليٍّ.
ورواه بعضهم عن الحسن عن أبي هريرة.
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/223- 224- رقمي: 3166- 3167) .
(2) في مطبوعة "تحفة الأشراف": (أحمد) خطأ.
(3) في "تحفة الأشراف": (سنان) خطأ، وانظر: "العلل" للدارقطني: (5/ق 11/ب) و "نصب الراية" للزيعلي: (2/474) .(3/256)
ورواه التيميُّ فأثبت روايتهم جميعًا، [رواه] (1) عن الحسن [عن] (2) غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإن كان الحسن لم يسمع من عامَّة هؤلاء ولا لقيه عندنا، منهم: ثوبان ومعقل بن سنان وأسامة وعليٌّ وأبو هريرة (3) .
وفي كتاب "العلل" للتِّرمذيِّ: قلت لمحمَّد بن إسماعيل: حديث الحسن عن معقل بن يسار أصحُّ أو معقل بن سنان؟ فقال: معقل بن يسار أصحُّ. ولم يعرفه إلا من حديث عطاء بن السَّائب (4) .
وقال البخاريُّ في "صحيحه" ويروى عن الحسن عن غير واحدٍ مرفوعًا: " أفطر الحاجم والمحجوم ". وقال لي عيَّاش: ثنا عبد الأعلى ثنا يونس عن الحسن مثله، قيل له: عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. ثمَّ قال: الله أعلم (5) O.
1779- الحديث الخامس: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن سعيدٍ عن أشعث عن الحسن عن أسامة بن زيدٍ عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمستحجم " (6) .
ز: روى هذا الحديث النَّسائيُّ فقال:
__________
(1) في الأصل: (ورواه) ، والتصويب من (ب) و"تحفة الأشراف".
(2) زياد"من (ب) .
(3) "تحفة الأشراف" للمزي: (8/462- رقم: 11468) ، وانظر: "العلل" لابن المديني: (ص: 56- رقم: 67) .
(4) "العلل الكبير": (ص: 124- رقم: 212) .
(5) "صحيح البخاري": (3/486) ؛ (فتح- 4/173- 174- كناب الصوم- رقم الباب: 32) .
(6) "المسند": (5/210) ، وفي "التحقيق": (والمحتجم) .(3/257)
1780- أخبرنا أحمد بن عَبْدة- بصريٌّ- أنا سُليم- يعني: ابن أخضر- ثنا أشعث عن الحسن عن أسامة بن زيدٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
وقال: أشعث بن عبد الملك لم يتابعه أحدٌ علِمْناه على روايته (1) O.
1781- الحديث السَّادس: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا أبو العلاء عن قتادة عن شَهْر (2) بن حَوْشَب عن بلال قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " (3) .
ز: أبو العلاء هو: القصَّاب، الواسطيُّ، وهو ثقةٌ، واسمه: أيُّوب ابن أبي مسكين- ويقال: ابن مسكين-.
وقد روى هذا الحديث النَّسائيُّ وذكر الاختلاف فيه، فقال:
1782- أخبرنا محمَّد بن عبد الله بن المبارك ثنا إسحاق الأزرق عن أيُّوب عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن شدَّاد بن أوسٍ قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثمان عشرة من رمضان، فأبصر رجلاً يحتجم، فقال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
قال النَّسائيُّ: قتادة لا نعلمه سمع من أبي قلابة شيئًا، وقد رواه يزيد ابن هارون عن أبي العلاء عن قتادة عن شَهْر عن بلال.
1783- أخبرني زكريا بن يحيى أنا إسحاق أنا يزيد أنا أيُّوب عن قتادة
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/223- رقم: 3165) .
(2) في مطبوعة "المسند": (سلمة) خطأ، وهو على الصواب في "أطراف المسند": (1/639 - رقم: 1297) .
(3) "المسند": (6/12) .(3/258)
عن (1) شَهْر عن بلال عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
خالفه همَّام فرواه عن قتادة عن شَهْر عن ثوبان.
1784- أخبرنا محمَّد بن معمر- بصريٌّ- ثنا حَبَّان ثنا همَّام عن قتادة عن شَهْر عن ثوبان أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
قال أبو عبد الرَّحمن: أدخل سعيد بن أبي عروبة بين شَهْر وثوبان: عبد الرَّحمن بن غَنْم:
1785- أخبرنا إسماعيل بن مسعود ثنا خالد عن سعيد عن قتادة عن شَهْر عن عبد الرَّحمن بن غَنْم عن ثوبان أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
خالفهم بُكير بن أبي السَّمِيط، فرواه عن قتادة عن سالم عن معدان عن ثوبان:
1786- أخبرنا عُبيد الله بن سعيد حدثنا حَبَّان ثنا بُكير بن أبي السَّمِيط ثنا قتادة عن سالم عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
خالفهم الليث بن سعدٍ، فرواه عن قتادة عن الحسن عن ثوبان:
1787- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ ثنا الليث عن قتادة عن الحسن عن ثوبان عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
قال النَّسائيُّ: ما علمت أنَّ أحدًا تابع الليث ولا بُكير بن أبي السَّمِيط
__________
(1) من قوله: (زكريا بن يحيى) إلى هنا ساقط من مطبوعة "السنن الكبرى" فليستدرك من هنا ومن "تحفة الأشراف": (2/106- رقم: 2035) .(3/259)
على روايتهما، والله أعلم.
ورواه عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن عليٍّ عن النَّبيِّ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
1788- أخبرنا الحسن بن إسحاق- مروزيٌّ- ثنا شاذ بن فيَّاض - بصريٌّ- عن عمر بن إبراهيم- بصريٌّ- عن قتادة عن الحسن عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
وقفه أبو العلاء:
1789- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا سريج ثنا محمَّد بن يزيد عن أبي العلاء عن قتادة عن الحسن عن عليٍّ قال: أفطر الحاجم والمحجوم.
ذكر الاختلاف على سعيد بن أبي عروبة فيه.
1790- أخبرني زكريا بن يحيى- سجستانيٌّ- ثنا عمرو بن عيسى ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن عليٍّ قال: أفطر الحاجم والمحجوم.
1791- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا محمَّد بن المنهال ثنا يزيد بن زُريع ثنا ابن أبي عروبة عن مطر عن الحسن عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (1) O.
1792- الحديث السَّابع: قال أحمد: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن جعفر ثنا عبد الوهَّاب بن عبد المجيد الثَّقفيُّ ثنا يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " (2)
ز: الحسن لم يسمع من أبي هريرة على الصَّحيح.
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/221- 223- الأرقام: 3156- 3164) .
(2) "المسند": (2/364) .(3/260)
وقد روى هذا الحديث النَّسائيٌّ وذكر الاختلاف فيه فقال:
روى هذا الحديث أبو حُرَّة عن الحسن، واختلف عليه فيه:
1793- أخبرني زكريا بن يحيى ثنا عمرو بن عليٍّ ثنا عبد الرَّحمن ثنا أبو حُرَّة عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
قلت: عمن؟ قال: عن غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقفه بشر بن السَّريِّ وأبو قطن:
1794- أخبرني زكريا بن يحيى ثنا محمَّد بن منصور ثنا بشر بن السَّريِّ ثنا أبو حُرَّة قال: أمرني مطر الورَّاق أن أسأل الحسن: عمن روى هذا الحديث: " أفطر الحاجم والمحجوم "؟ فسألته، فقال: عن غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1795- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا سريج ثنا أبو قطن عن أبي حُرَّة قال: قلت للحسن: قولك: أفطر الحاجم والمحجوم، عن من؟ قال: عن غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تابعه سليمان التَّيميُّ:
1796- أخبرنا محمَّد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر عن أبيه عن الحسن عن غير واحدٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: أفطر الحاجم والمحجوم (1) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: وقال الطبراني ["المعجم الكبير": 7/218- رقم: 6909] : حدثنا أحمد بن زهير التستري ثنا محمَّد بن يحيى الأزدي (ح) قال: وحدثنا عبدان بن أحمد ثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قالا: ثنا يحيى بن عباد ثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والحجوم ") أ. هـ(3/261)
ذكر الاختلاف على يونس بن عبيد فيه:
1797- أخبرنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الوهَّاب عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والحجوم ".
خالفه بشر بن المفضَّل:
1798- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا بشر بن مفضَّل عن يونس عن الحسن قال: أفطر الحاجم والمحجوم.
- وقد تقدَّمت رواية عبد الأعلى عن يونس التي في البخاريِّ، ولم يذكرها النَّسائيُّ (1) -.
ذكر اختلاف النَّاقلين لخبر أبي هريرة فيه:
قال النَّسائيُّ:
1799- أخبرنا عمرو بن عليٍّ ومحمَّد بن عبد الأعلى قالا: ثنا المعتمر عن أبيه عن أبي عمرو (2) عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والحجوم ".
1800- أخبرنا أحمد بن فضالة النَّسائيُّ أنا أبو عاصم أنا ابن جريج عن صفوان بن سُليم عن أبي سعيدٍ - مولى بني عامرٍ - عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ برجلٍ يحتجم في رمضان- صبيحة ثمان عشرة- فقال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
- كذا قال، وإنَّما هو: ابن عامر بن كريز (3) -.
__________
(1) هذه جملة معترضة من كلام ابن عبد الهادي.
(2) في هامش الأصل: (حـ: أبو عمرو هو: محمَّد بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة، والد أسباط بن محمَّد، سمَّاه ونسبَه: الحاكم أبو أحمد الحافظ) أ. هـ
(3) هذه جملة معترضة من كلام ابن عبد الهادي.(3/262)
قال النَّسائيُّ: هذا حديثٌ منكرٌ، وإنِّي أحسب ابن جريج لم يسمعه من صفوان (1) .
وقال أبو زرعة وأبو حاتم: أسقط من الإسناد (إبراهيم بن أبي يحيى) بين ابن جريج وبين صفوان.
قال أبو زرعة: لم يسمع ابن جريج من صفوان شيئًا (2) .
1801- وقال النَّسائيُّ: أخبرني أيُّوب بن موسى (3) ثنا مُعمَّر بن سليمان ثنا عبد الله بن بشر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " (4) .
وقد روى هذا الحديث: ابنُ ماجة عن أيُّوب بن محمَّد الرَّقِّيِّ وداود بن رشيد عن مُعمَّر بن سليمان (5) .
وقال النَّسائيُّ: وقفه إبراهيم.
1802- أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله النَّيسابوريُّ - مرجىءٌ - قال: حدَّثني مُرَجَّى قال: حدَّثني إبراهيم بن طَهْمان- هرويٌّ، مرجىءٌ- عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمحجوم.
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/224- 225- الأرقام: 3168- 3176) .
وفي المطبوعة سقط وتحريف يستدرك من هنا ومن "تحفة الأشراف": (10/456) .
(2) "العلل" لابن أبي حاتم: (1/249- رقم: 731) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وصوابه: (أيوب بن محمَّد) ، كما في مطبوعة "السنن الكبرى" و"تحفة الأشراف": (9/360- رقم: 12416) ، وهو: الوزَّان الرقي، انظر: "تهذيب الكمال": (3/489- رقم: 623) .
(4) "السنن الكبرى": (2/225- رقم: 3176) .
(5) "سنن ابن ماجة": (1/537- رقم: 1679) .(3/263)
1803- أخبرنا محمَّد بن حاتم أنا حِبَّان (1) أنا عبد الله عن مُعمَّرٍ، وأخبرني زكريا بن يحيى ثنا الحسن بن عيسى أنا ابن المبارك أنا مُعَمَّرِ، عن خلادٍ عن شقيقِ بن ثورٍ عن أبيه عن أبي هريرة قال: يقال أفطر الحاجم والمحجوم.
وأمَّا أنا فلو احتجمت ما باليتُ! أبو هريرة يقول هذا. اللفظ لزكريا.
ذكر الاختلاف على عطاء بن أبي رباح:
1804- أخبرنا حفص بن عمر أنا أبو أحمد عن رباح بن أبي معروف عن عطاء عن أبي هريرة عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
1805- أخبرنا محمَّد بن إدريس ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
تابعه داود بن عبد الرَّحمن:
1806- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا عبد الأعلى ثنا داود بن عبد الرَّحمن عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
وقفه عبد الرَّزَّاق والنَّضر بن شُميل:
1807- أخبرنا سليمان بن سلمٍ البلخيُّ أنا النَّضر أنا ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمستحجم.
- ورواه عن محمَّد بن يحيى بن عبد الله عن عبد الرَّزَّاق عن ابن جريجٍ
__________
(1) في الأصل: (حيان) خطأ، والصواب: (حبان) وهو: ابن موسى السلمي المروزي.
انظر: "تهذيب الكمال": (5/344- رقم: 1072) ؛ " المؤتلف " للدارقطنى: (1/ 421) .(3/264)
كذلك (1) -.
قال أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ: عطاء لم يسمعه من أبي هريرة.
1808- أخبرني إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة- ولم يسمعه منه- قال: أفطر الحاجم والمحجوم. خالفه ابن أبي حسين، فرواه عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة:
1809- أخبرنا الحسن بن إسحاق- مرويٌّ- ثنا محمَّد بن عبد الله الرَّقاشيُّ ثنا وهيبٌ عن ابن أبي حسين عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: أفطر الحاجم والمحجوم.
قال أبو عبد الرَّحمن: والصَّواب رواية حجَّاج عن ابن جريج لمتابعة عمرو بن دينار إياه على ذلك.
1810- أخبرني إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج قال: حدَّثني شعبة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن رجلٍ عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمحجوم.
ذكر الاختلاف على عبد الملك بن أبي سليمان فيه:
1811- أخبرني محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم عن يزيد أنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمحجوم.
1812- أخبرنا محمَّد بن حاتم أنا حِبَّان أنا عبد الله عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال: أفطر الحاجم والمحجوم.
__________
(1) هذه جملة معترضة من كلام ابن عبد الهادي، والضمير في قوله: (ورواه) يعود على النسائي، وهذا الإسناد غير موجود في النسخة المطبوعة، ولكن ذكره المزي في " تحفة الأشراف ": (10/264- رقم: 14191) ، والذي يبدو أنه وقع في رواية ابن حيويه لـ "السنن الكبرى" كما أحال عليها محقق "تحفة الأشراف"، والله أعلم.(3/265)
قال أبو عبد الرَّحمن: خالفهما خالد بن عبد الله، فجعله من قول عطاءٍ:
1813- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ- مروزيٌّ- ثنا إسحاق ثنا خالد عن عبد الملك عن عطاء قال: أفطر الحاجم والمحجوم (1) O.
1814- الحديث الثَّامن: قال أحمد: وحدَّثنا أبو النَّضر ثنا أبو معاوية (2) شيبان عن ليث عن عطاء عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " (3) .
ز: ليث هو: ابن أبي سُليم، وقد تُكلِّم فيه، واختلف عليه في هذا الحديث، قال النَّسائيُّ:
1815- أخبرنا سعيد بن يعقوب الطَّالقانيُّ ثنا خالدٌ عن ليثٍ عن عطاءٍ عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
1815/أ- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا خلف بن سالم ثنا أبو النضر أنا أبو معاوية عن ليث عن عطاء عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
وقفه الحسن بن موسى:
1816- أخبرني إبراهيم بن يعقوب ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان عن ليثٍ عن عطاءٍ عن عائشة، قال: وثنا شيبان عن ليث عن عبد الله بن عبيد بن عميرٍ عن عياض بن عروة عن عائشة، قالت: أفطر الحاجم والمحجوم.
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/226- 228- الأرقام: 3177- 3189) .
(2) أقحمت في مطبوعة "التحقيق" هنا كلمة: (حدثنا) .
(3) "المسند": (6/157) .(3/266)
وافقه عبد الواحد بن زياد:
1817- أخبرنا أبو بكر بن عليٍّ ثنا عبَّاس النَّرسيُّ ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا ليث عن عطاء قال: كانت عائشة تقول: أفطر الحاجم والمحجوم.
خالفهما عبد الله بن لهيعة بن عقبة فرواه عن عطاء عن أبي الدَّرداء، رواه عنه الوليد بن مسلم.
- لم يسند النَّسائيُّ رحمه الله حديث ابن لهيعة كما أسند غيره لأنَّه لا يجىء من قبله (1) ! ولم يخرِّج من حديثه شيئًا مسندًا إلا حديثًا واحدًا في غير "السُّنن " (2) -.
قال النَّسائيُّ: خالفهم فطر بن خليفة- إن كان قبيصة حفظ عنه- فرواه عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1818- أخبرناه عقبة بن قبيصة بن عقبة قال: حدَّثني أبي ثنا فطر عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
خالفه محمَّد بن يوسف:
1819- أخبرنا أحمد بن الأزهر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يوسف ثنا فطر عن عطاء قال: كنَّا نسمع أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم
__________
(1) قال حمزة السهمي في " سؤالاته ": (ص: 133- رقم: 111) : (وسئل [الدارقطني] إذا حدث أبو عبد الرحمن النسائي وابن خزيمة بحديث أيما تقدم؟ فقال: أبو عبد الرحمن، فإنه لم يكن مثله أقدم عليه أحدًا، ولم يكن في الورع مثله، لم يحدث بما حدث ابن لهيعة وكان عنده عاليا عن قتيبة) . أهـ.
(2) هذه جملة معترضة من كلام ابن عبد الهادي.(3/267)
والمستحجم " (1) .
قال النَّسائيُّ: وقد روي عن ابن عبَّاس أنه كان لا يرى بالحجامة للصَّائم بأسًا.
1820- أخبرنا محمَّد بن حاتم أنا حِبَّان أنا عبد الله عن الحسن بن يحيى عن الضَّحاك عن ابن عبَّاس أنه لم يكن يرى بالحجامة للصَّائم بأسًا (2) O.
قال المؤلِّف: واعلم أنَّ هذا الحديث قد روي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير الطُّرق التي ذكرنا، فروي من طريق عليِّ بن أبي طالبٍ وسعدٍ وابن عبَّاسٍ وأبي زيدٍ الأنصاريِّ وأبي موسى ومعقل بن يسارٍ وغيرهم.
وقد ذكرنا أنَّه رواه بضعة عشر نفسًا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاقتصرنا على من ذكرنا.
وقد حكى التِّرمذيُّ عن عليِّ بن المدينيِّ أنَّه قال: أصحُّ شيءٍ في هذا الباب حديث ثوبان وحديث شدَّاد بن أوسٍ (3) .
قال التِّرمذيُّ: وسألت البخاريُّ فقال: ليس في هذا الباب شيءٌ أصحُّ من حديث شداد بن أوس وثوبان (4) . فقلت له: كيف وما فيه من
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: قال البيهقي ["السنن الكبرى": (4/266) ] : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا جعفر بن محمَّد بن شاكر ثنا قبيصة ثنا فطر عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ". قال البيهقي: كذا رواه جماعة عن قبيصة، ورواه محمود بن غيلان عن قبيصة أنَّه حدَّثه من كتابه عن فطر عن عطاء عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وهو المحفوظ، وذكر (ابن عبَّاس) فيه- وهمٌ) أ. هـ
(2) " سنن النسائي الكبرى ": (2/228- 230- الأرقام: 3190- 3197) .
(3) "الجامع" للترمذي: (2/136- رقم: 774) .
(4) (وثوبان) سقطت من "التحقيق".(3/268)
الاضطراب؟! فقال: كلاهما عندي صحيحٌ، لأنَ يحيى بن أبي كثير (1) روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، وعن أبي الأشعث عن شدَّاد بن أوس الحديثين جميعًا (2) .
ز: قد تقدَّم حديث عليٍّ وابن عبَّاسٍ ومعقل بن يسارٍ.
وأمَّا حديث أبي موسى:
1821- فقال النَّسائيُّ: أخبرنا الحسن بن إسحاق ثنا رَوْح بن عبادة ثنا سعيد بن أبي عَرُوبة عن مطرِ عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع قال: دخلتُ على أبي موسى ليلاً وهو يحتجم، فقلت: ألا كان هذا نهارًا؟! قال: أهريق دمي وأنا صائمٌ! وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
قال أبو عبد الرَّحمن: هذا خطأٌ، وقد وقفه حفصٌ:
1822- أخبرنا حسين بن منصورٍ ثنا حفصٌ ثنا سعيدٌ عن مطر عن بكر ابن عبد الله عن أبي رافع عن أبي موسى أنَّه قال ... - ولم يرفعه-.
1823- أخبرنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن بعض أصحابه عن ابن بُريدة عن أبي موسى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
1824- أخبرنا أحمد بن الأزهر ثنا سعيد بن عامرٍ عن سعيد عن صاحبٍ له عن عبد الله بن بُريدة قال: دُخل على أبي موسى بليلٍ وهو يحتجم، فقيل:
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: كان فيه: (يحيى بن سعيد) وهو وهم) ا. هـ وكذا هو في مطبوعة "التحقيق"
(2) "العلل الكبير": (ص: 122- رقم: 208) .(3/269)
هلا كان هذا نهارًا؟! قال: إنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ".
1825- أخبرنا حسين بن منصور ثنا حفص ثنا سعيد بن أبي عَرُوبة عن أبي مالكٍ عن ابن بُريدة قال: دخلتُ على أبي موسى وهو يحتجم ليلاً، فقلت: هلا كان هذا نهارًا؟ قال: تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائمٌ؟! وقد سمعت رسول الله-شعرو يقول: " أفطر الحاجم والحجوم ".
ذكر الاختلاف على بكر بن عبد الله المزنيِّ فيه:
1826- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا محمَّد بن بشَّارٍ ثنا عبد الرَّحمن عن شعبة عن قتادة عن بكر بن عبد الله عن أبي رافع قال: دخلت على أبي موسى وهو يحتجم ليلاً، فقلت: ألا كان هذا نهارًا؟! قال: تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائمٌ؟!
خالفه حُميد الطَّويل:
1827- أخبرنا حُميد بن مَسْعَدة ثنا بشر ثنا حُميد عن بكر عن أبي العالية أنَّه دخل على أبي موسى- وهو أميرٌ على البصرة- عند المغرب فوجده يأكل تمرًا وكامخًا (1) ، قال: احتجمتُ. قال: ألا احتجمت نهارًا؟! قال تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائمٌ (2) ؟!
وقال أبو عليٍّ الحافظ: قلت لعبدان الأهوازيِّ: يصحُّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو صائمٌ؟ فقال: سمعت عبَّاسًا العنبريَّ يقول: سمعت عليَّ بن المدينيِّ يقول: قد صحَّ حديث أبي رافع عن أبي موسى أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
__________
(1) في " القا موس ": (ص: 331) : (الكامخ- كهاجر-: إدامٌ) أ. هـ
(2) "السنن الكبرى": (2/231- 233- الأرقام: 3208- 3214) .(3/270)
" أفطر الحاجم والمحجوم " (1) .
وقال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك"- بعد أن روى حديث أبي رافع عن أبي موسى، وبعد أن روى تصحيح عليِّ بن المدينيِّ له عن أبي عليٍّ الحافظ-: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يخرجاه (2) .
وقال أحمد بن حنبل: هو خطأٌ، إنَّما هو بكر عن أبي العالية. حكاه عنه أبو داود.
قال أحمد: وحديث بكر عن أبي رافع خطأٌ لم يرفعه أحدٌ.
وقال البخاريُّ في "صحيحه": واحتجم أبو موسى ليلاً (3) O.
أمَّا حجَّتهم، فلهم ثلاثة أحاديث:
1828- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا بشر بن هلال البصريُّ ثنا عبد الوارث بن سعيدٍ ثنا أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ قال: احتجم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرمٌ صائمٌ.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4) .
1829- طريقٌ آخرٌ: قال أحمد: ثنا هاشم بن القاسم ثنا شعبة عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم بالقاحة (5) وهو
__________
(1) "المستدرك" للحاكم: (1/430) .
(2) "المستدرك": (1/430) .
(3) "صحيح البخاري": (3/486) ؛ (فتح- 4/174- كتاب الصوم- الباب رقم: 32) .
(4) "الجامع": (2/137- رقم: 775) ، وفيه: (حديث حسن صحيح) .
(5) (بالقاحة) سقطت من "التحقيق".
وفي " معجم البلدان ": (4/290) : (قاحة: مدينة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السُّقيا بنحو ميل، قال نصر: موضع بين الجحفة وقُديد) ا. هـ(3/271)
صائمٌ (1) .
ز: حديث ابن عبَّاس روي على أربعة أوجه:
أحدها: (احتجم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرمٌ) ولم يذكر الصِّيام.
والثَّاني: (احتجم وهو صائمٌ) ولم يذكر الإحرام.
والثَّالث: الجمع بينهما: (احتجم وهو صائمٌ محرمٌ) .
والرَّابع: الجمع بينهما على غير هذا الوجه:
1830- قال البخاريُّ في "صحيحه": ثنا معلَّى بن أسدٍ ثنا وهيب عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو محرمٌ، واحتجم وهو صائمٌ (2) .
فأمَّا احتجامه وهو محرمٌ: فمجمعٌ على صحته؛ واختلف في صحة احتجامه وهو صائمٌ: فضعَّفه يحيى بن سعيدٍ القطَّان (3) وأحمد بن حنبل
__________
(1) "المسند": (1/244) .
(2) "صحيح البخاري": (3/486- 487) ؛ (فتح- 4/174- رقم: 1938) .
(3) حديث ابن عباس: (أنَّه احتجم وهو صائم) جاء من رواية: عكرمة- وهي التي خرجها البخاري، وأوردها المصنف هنا- وميمون بن مهران والحكم عن مقسم ثلاثتهم عنه به.
والذي يفهم من صنيع الحافظ ابن عبد الهادي هنا أن القطان تكلم في رواية عكرمة، وهذا لم نقف عليه، وإنما وقفنا على كلام له في رواية الحكم عن مِقْسم ورواية ميمون بن مهران: أما كلامه في رواية الحكم عن مقسم، فجاء في " مسائل أبي داود لأحمد ": (ص: 446- رقم: 2030) ما نصه: (ثنا أحمد ثنا يحيى بن سعيد قال: لم يسمع الحكم حديث مقسم في الحجامة والصيام. يعني حديث شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عبَّاس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو صائم) أ. هـ
هكذا وقع في مطبوعة "المسائل"، وسيأتي في كلام ابن عبد الهادي- بعد قليل- ذكر رواية الخلال عن أبي داود قال: (ثنا أحمد ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة: لم يسمع الحكم حديث=(3/272)
وغيرهما من الأئمة، وصحَّحه البخاريُّ والترمذيُّ (1) وغيرهما.
__________
= مقسم في الحجامة في الصيام) ا. هـ
فالكلام هنا لشعبة وليس ليحيى بن سعيد، وهذا موافق للروايات الأخرى عن أحمد، كالرواية ابنه عبد الله ("العلل": 3/93- رقم: 4333) ، ورواية البغوي ("المسائل": ص: 34- رقم: 22) ، ورواية محمَّد بن مقاتل المروزي ("التاريخ الأوسط" للبخاري: 1/ 437- رقم: 983) ، ورواية سلمة بن شبيب (" المعرفة " للفسوي: 2/830) ، ورواية علي بن الحسن الهسنجاني (" تقدمة الجرح " لابن أبي حاتم: ص 159) ، ورواية أبي الحسن الميموني ("تهذيب الكمال" 28/462- رقم: 6166) .
ومع هذا يقوى احتمال سقوط ذكر شعبة من مطبوعة "مسائل أبي داود" أو من نسخته الخطية، وعند فتح باب الاحتمال يرد احتمال آخر وهو أن يكون قد وقع تصحيف في جملة (ثنا يحيى بن سعيد قال ... إلخ) صوابه: (ثنا يحيى عن شعبة) ، وإبدال (عن) بـ (بن) و (شعبة) بـ (سعيد) يقع كثيرًا من النساخ لتشابه الرسم، والله أعلم.
وجاء كلام القطان من رواية ابن المديني عنه، فقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": (أخبار المكيين- ص: 297- رقم: 257) : (وقال علي بن المديني أنه سمع يحيى يقول: كان شعبة يقول: أحاديث الحكم عن مقسم كتاب إلا خمسة أحاديث. قلت ليحيى: عدَّها شعبة؟ قال: نعم. قلت ليحيى: وما هي؟ قال: حديث الوتر.....- وذكر خمسة أحاديث- والحجامة للصائم ليس بصحيح) أ. هـ
والجملة الأخيرة يحتمل أن تكون من كلام شعبة، ويحتمل أن تكون من كلام يحيى، والله أعلم.
وأما كلام القطان في رواية ميمون بن مهران، فذكره عبد الله بن الإمام أحمد في "العلل": (1/ 320- رقم: 556) قال: (قال أبي وقال أبو خيثمة: أنكر معاذ ويحيى بن سعيد حديث الأنصاري- يعني محمَّد بن عبد الله- عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن ابن عبَّاس: احتجم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم وصائم) أ. هـ ويحيى بن سعيد هو: القطان كما هو معلوم، وصرَّح بذلك الذهبي في "الميزان": (3/600- رقم: 7765) .
ولكن جاء في " فتاوى الإمام ابن تيمية ": (25/253) ما نصه: (قال مهنا: سألت أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن ابن عبَّاس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو صائم محرم. فقال: ليس بصحيحٍ، وقد أنكره يحيى بن سعيد الأنصاري) أ. هـ وكذا وقع في " زاد المعاد " للعلامة ابن القيم: (2/62) .
والذي يبدو- والله أعلم- أنه وقع خطأ في النسحة، ولعل الصواب: (وقد أنكره يحيى بن سعيد على الأنصاري) ، والأنصاري هو محمَّد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري راوي الحديث عن حبيب بن الشهيد.
(1) "الجامع": (2/137- 138- رقمي: 775، 777) .(3/273)
قال مُهنَّا: سألت أحمد بن حنبل عن حديث ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو صائمٌ محرمٌ. فقال: ليس فيه (صائمٌ) ، إنما هو (محرم) . قلت: من ذكره؟ قال: سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو محرمٌ، وروح عن زكريا بن إسحاق عن عمرو عن طاوس عن ابن عبَّاس مثله، وعبد الرَّزَّاق عن معمر عن ابن خثيم عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبَّاس مثله: احتجم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرمٌ. قال أحمد: هؤلاء أصحاب ابن عبَّاس لا يذكرون صيامًا (1) .
وقال أبو بكر في كتاب " الشَّافي ": باب القول في تضعيف (2) حديث ابن عبَّاس: أنَّه احتجم صائمًا محرمًا.
حدَّثنا الخلال ثنا أبو داود ثنا أحمد ثنا يحيى بن سعيدٍ عن شعبة قال: لم يسمع الحكم حديث مقسم في الحجامة في الصيام.
قال يحيى: والحجامة للصَّائم ليس بصحيحٍ (3) .
وقد أجيب عن حديث ابن عبَّاس على تقدير صحَّته، وانتفاء تعليله، بوجوهٍ ذكرتها في غير هذا الموضع (4) .
وقال الحاكم- بعد أن روى حديث ابن عبَّاس-: فاسمع الآن كلام إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة على هذا الحديث، لتستدلَّ به على أرشد
__________
(1) " فتاوى الإمام ابن تيمية ": (25/253) ؛ " زاد المعاد " لابن القيم: (2/62) .
(2) في (ب) : (ضعف) .
(3) انظر ما تقدم (ص: 272- 273) .
(4) للحافظ ابن عبد الهادي كتاب مستقل في هذه المسألة، ذكره الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات ": (2/437- رقم: 535) باسم: (فصل النزاع بين الخصوم في الكلام على أحاديث: " أفطر الحاجم والمحجوم ") ، وقال عنه: (مجلد لطيف) .(3/274)
الصَّواب: سمعت أبا بكر محمَّد بن جعفر المزكيَّ يقول: سمعت أبا بكرٍ محمَّد ابن إسحاق بن خزيمة يقول: قد ثبتت الأخبار عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " أفطر الحاجم والمحجوم "، فقال بعض من خالفنا في هذه المسألة: إنَّ الحجامة لا تفطِّر الصَّائم. واحتجَّ بأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو صائمٌ محرمٌ.
وهذا الخبر غير دالٍّ" على أنَّ الحجامة لا تفطِّر الصَّائم، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّما احتجم وهو صائمٌ محرمٌ في سفرٍ لا في حضر، لأنَّه لم يكن قطُّ مُحْرِمًا مقيمًا ببلده، وإنَّما كان مُحْرِمًا وهو مسافرٌ، وللمسافر- إن كان ناويًا للصَّوم وقد مضى عليه بعض النَّهار وهو صائمٌ - الأكل والشُّرب، وإن كان الأكل والشُّرب يفطِّرانه، لا كما توهَّم بعض العلماء أن المسافر إذا دخل في الصَّوم لم يكن له أن يفطر إلى أن يتم صومه ذلك اليوم الذي دخل فيه، فإذا كان له أن يأكل ويشرب وقد دخل في الصَّوم ونواه ومضى بعض النَّهار وهو صائمٌ جاز له أن يحتجم وهو مسافرٌ في بعض نهار الصَّوم وإن كانت الحجامة تفطِّره (1) O.
1831- الحديث " الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا البغويُّ ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد عن عبد الله بن المثنى عن ثابت عن أنس بن مالكٍ قال: أوَّل ما كُرهت الحجامة للصَّائم أنَّ جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائمٌ، فمرَّ به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أفطر هذان ". ثمَّ رخَّص النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدُ في الحجامة للصائم. وكان أنس يحتجم وهو صائم.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كلُّهم ثقاتٌ، ولا أعلم له علَّةً (2) .
قال المؤلِّف: قلت: قال أحمد بن حنبل: خالد بن مخلد له أحاديث
__________
(1) "المستدرك": (1/429) ، وهو في "صحيح ابن خزيمة": (3/227- 228- رقم: 1965) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/182) .(3/275)
مناكير (1) .
ز: هذا الحديث حديثٌ منكرٌ لا يصلح الاحتجاج به، لأنَّه شاذ الإسناد والمتن، ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة "، ولا رواه الإمام أحمد ابن حنبل في "مسنده" ولا الشَّافعيُّ ولا أحدٌ من أصحاب المسانيد المعروفة، ولا يعرف في الدُّنيا أحدٌ رواه إلا الدَّارَقُطْنِيُّ عن البغويِّ (2) ! وقد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسيُّ في "المستخرج" ولم يروه إلا من طريق الدَّارَقُطْنِيِّ وحده (3) ، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره كما عرف من عادته أنَّه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها كمسند أحمد وأبي يعلى الموصليِّ ومحمَّد بن هارون الرُّويانيِّ و" معجم الطَّبرانيِّ " وغير ذلك من الأمهات، وكيف يكون هذا الحديث صحيحًا سالمًا من الشُّذوذ والعِلَّة ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة " ولا المسانيد المشهورة وهم محتاجون إليه أشدّ حاجة؟!
والدَّارَقُطْنِيُّ إنَّما جمع في كتابه " السُّنن " غرائب الأحاديث، والأحاديث المعلَّلة والضَّعيفة فيه أكثر من الأحاديث الصَّحيحة السَّالمة من التَّعليل.
وقوله في رواة هذا الحديث: (كلُّهم ثقات، ولا أعلم له علَّةً) فيه نظرٌ من وجوه:
أحدها: أنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ نفسه تكلَّم في رواية عبد الله بن المثنى، وقال: ليس هو بالقويِّ. في حديثٍ رواه البخاريُّ في "صحيحه"!
الثَّاني: أنَّ خالد بن مخلد القَطَوانيَّ وعبد الله بن المثنى قد تكلَّم فيهما غير واحدٍ من الحفَّاظ- وإن كانا من رجال الصَّحيح-، قال أحمد في خالد: له
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (2/18- رقم: 1403) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: قد رواه ابن سعد في " الطبقات ") .
(3) "المختارة": (5/126- ر قم: 1748) .(3/276)
أحاديث مناكير (1) . وقال ابن سعدٍ: منكر الحديث، مفرط التَّشيُّع (2) .
وقال السَّعديُّ: كان شتَّامًا معلنًا بسوء مذهبه (3) . وقال ابن عَدِيٍّ: هو عندي - إن شاء الله- لا بأس به (4) .
وقال أبو عبيد الآجريُّ: سألت أبا داود عن عبد الله بن المثنى الأنصاريِّ فقال: لا أخرِّج حديثه (5) . وقال النَّسائيُّ: لبس بالقويِّ (6) . وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" وقال: ربَّما أخطأ (7) . وقال السَّاجيُّ: فيه ضعفٌ، لم يكن صاحب حديثٍ (8) . وقال الموصليُّ: روى مناكير (9) . وذكره العقيليُّ في " الضُّعفاء " وقال: لا يتابع على أكثر حديثه. ثمَّ قال: حدَّثنا الحسين بن عبد الله الذَّارع ثنا أبو داود سمعت أبا سلمة يقول: ثنا عبد الله بن المثنى، ولم يكن من القريتين بعظيمٍ! كان ضعيفًا منكر الحديث (10) .
وأصحاب الصَّحيح إذا رووا لمن قد تكلِّم فيه فإنَّهم ينتقون من حديثه ما لم ينفرد به، بل وافق فيه الثِّقات، وقامت شواهد صدقه.
الثَّالث: أنَّ عبد الله بن المثنى قد خالفه في روايته عن ثابت هذا الحديث
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (2/18- رقم: 1403) .
(2) "الطبقات الكبرى": (6/406) .
(3) " الشجرة في أحوال الرجال ": (131- رقم: 111) .
(4) "الكامل": (3/36- رقم: 595) .
(5) " سؤالات أبي عبيد الآجري ": (1/356- رقم: 628) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (16/27- رقم: 3521) .
(7) لم نقف عليه في مطبوعة "الثقات"، وهو في "تهذيب الكمال" للمزي: (16/27- رقم: 3521) .
(8) "الميزان" للذهبي: (2/499- رقم: 4590) .
(9) الموصلي هو أبو الفتح الأزدي صاحب كتاب "الضعفاء".
وهذا النص ذكره الذهبي في "الميزان": (2/499- رقم: 4590) .
(10) "الضعفاء الكبير": (2/304- رقم: 882) .(3/277)
= أمير المؤمنين في الحديث شعبةُ بن الحجَّاج فرواه بخلافه، كما ذكر ذلك البخاريُّ في "صحيحه" (1) .
ثمَّ لو سلِّم صحَّة حديث أنس لم يكن فيه حجَّةٌ، لأنَّ جعفر بن أبي طالب قتل في غزوة مؤتة، وكانت مؤتة قبل الفتح، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " كان عام الفتح بعد قتل جعفر بن أبي طالب O.
1832- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن يزيد الزَّعفرانيُّ ثنا محمَّد بن ماهان ثنا شعيب بن حربٍ ثنا هشام بن سعدٍ عن زيد ابن أسلبم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخُدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " [ثلاثةٌ] لا يفطِّرن الصَّائم: القيء والحجامة والاحتلام " (2) .
قال المؤلِّف: قال يحيى: هشام بن سعدٍ ليس بشيءٍ (3) . وقال النَّسائيُّ ضعيفٌ (4) .
وقد رواه عبد الرَّحمن بن زيدٍ عن أبيه، وعبد الرَّحمن مجمعٌ على تضعيفه.
ز: روى التِّرمذيُّ حديث عبد الرَّحمن عن محمَّد بن عبيد المحاربيِّ عنه، وقال: هو غير محفوظٍ، وقد رواه غير واحدٍ عن زيد بن أسلم مرسلاً (5) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/487) ؛ (فتح- 4/174- رقم: 1940) .
وفي هامش الأصل: (الرابع: أن شرط الناسخ أن يكون في رتبة المنسوخ، وحديث أنس هذا على تقدير صحته، ليس في رتبة حديث: " أفطر الحاجم والمحجوم "، لأنه خبر واحد، وحديث: " أفطر الحاجم والمحجوم " متواتر) . أ. هـ
ولا ندري هل هذه الحاشية من كلام ابن عبد الهادي أم لا؟ لأن هذا الوجه لا يُنظِّر قول الدارقطني عن الحديث: (كلهم ثقات لا أعلم له علة) محل البحث، والله أعلم.
(2) "سنن الدارقطني": (2/183) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (7/108- رقم: 2025) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 234- رقم: 611) .
(5) "الجامع": (2/89- رقم: 719) .(3/278)
وقد روى حديث هشام بن سعدٍ: ابنُ عَدِيٍّ في "كامله"، وقال: عن ابن عبَّاس- بدل: ابي سعيد-. وقال: الرُّعاف- بدل الحجامة- (1) .
ورواه من حديث عبد الرَّحمن، وقال: هذا حديثٌ غير محفوظٍ (2) .
وقد تكلَّم في هذا الحديث أيضًا: الإمام أحمد بن حنبل (3) ومحمَّد بن يحيى الذُّهليُّ (4) وابن خزيمة (5) والدَّارَقُطْنِيُّ (6) وغيرهم، وقد ذكرت ألفاظهم في غير هذا الموضع.
والمحفوظ في هذا الحديث ما روى أبو داود قال:
1833- حدَّثنا محمَّد بن كثيرٍ ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن رجلٍ من أصحابه عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يفطر من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم " (7) .
وقال البيهقيُّ- بعد أن روى حديث عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيدٍ مرفوعًا-: كذا رواه عبد الرَّحمن بن زيدٍ - وليس بالقويِّ- والصَّحيح:
1833/أ- رواية سفيان الثَّوريِّ وغيره عن زيد بن أسلم عن رجلٍ من أصحابه عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يفطر من قاء،
__________
(1) "الكامل": (7/109- رقم: 2025) .
(2) "الكامل": (4/271- رقم: 1105) في ترجمة عبد الرحمن بن زيد.
(3) انظر: "مسائل أبي داود": (ص: 386- 387- رقم: 1861) .
(4) "صحيح ابن خزيمة": (3/235- رقم: 1978) .
(5) " صحيح ابن خريمة ": (3/233- رقم: 1972) .
(6) "العلل": (11/267- 270- رقم: 2278) .
(7) "سنن أبي داود": (3/155- رقم: 2368) .(3/279)
ولا من احتجم، ولا من احتلم ". أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد ثنا إسحاق الدَّبريُّ عن عبد الرَّزَّاق عن الثَّوريِّ ... فذكره.
وقد روي عن الثَّوريِّ نحو رواية عبد الرَّحمن بن زيدٍ وليس بصحيحٍ (1) O.
*****
مسألة (368) : الفطر في السَّفر أفضل من الصَّوم، خلافًا لأكثرهم.
لنا خمسة أحاديث:
1834- الحديث الأوَّل: قال أحمد: حدَّثنا إسماعيل عن شعبة (2) عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن سعد بن زُرارة عن محمَّد بن عمرو بن الحسن أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: بينا رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فرأى زحامًا ورجلاً قد ظلِّل عليه! فسأل عنه، فقيل: هذا صائمٌ. فقال: " ليس من البرِّ أن تصوموا في السَّفر" (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
1835- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهري عن صفوان بن عبد الله عن أمِّ الدَّرداء عن كعب بن عاصم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/264) .
(2) في مطبوعة "المسند": (سعيد) خطأ، وهو على الصواب في "أطراف المسند": (2/87 - رقم:1713) .
(3) "المسند": (3/317) .
(4) "صحيح البخاري": (3/488) ؛ (فتح- 4/183- رقم: 1946) .
"صحيح مسلم": (3/142) ؛ (فؤاد- 2/786- رقم: 1115) .(3/280)
" ليس من البرِّ الصِّيام في السَّفر " (1) .
ز: روى هذا الحديث النَّسائيُّ عن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان بإسناده.
وعن إبراهيم بن يعقوب عن محمَّد بن كثيرٍ عن الأوزاعيِّ عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيِّب قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره.
وقال: هذا الحديث خطأٌ، ولا نعلم أحدًا تابع محمَّد بن كثيرٍ عليه، والصَّواب الذي قبله (2) .
ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمَّد بن الصَّبَّاح عن سفيان به (3) O.
1836- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن (4) إسحاق قال: حدَّثني بُشَير بن يسار عن ابن عبَّاس قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح في رمضان، فصام وصام المسلمون معه، حتَّى إذا كان بالكديد دعا بماء في قُعْبٍ- وهو على راحلته-، فشرب والنَّاس ينظرون، يُعْلِمُهم أنَّه قد أفطر، فأفطر المسلمون (5) .
1837- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا هاشم بن القاسم ثنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عبَّاس قال: صام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكَّة
__________
(1) "المسند": (5/434) .
(2) "السنن الكبرى": (2/99- رقمي: 2563- 2564) ؛ " السنن الصغرى ": (4/ 175- رقمي: 2255- 2256) .
(3) "السنن": (1/532- رقم: 1664) .
(4) في "التحقيق": (أبي) خطأ.
(5) "المسند": (1/261) .(3/281)
حتَّى أتى قُديدًا (1) ، فأُتي بقدحٍ من لبنٍ فأفطر، وأمر النَّاس أن يفطروا (2) .
ز: الحديث الذي قبل هذا ليس هو في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة" (3) .
وأمَّا هذا الحديث: فرواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن حاتم عن سويد عن عبد الله عن شعبة بإسناده (4) .
وعن زكريا بن يحيى عن الحسن بن عيسى عن ابن المبارك عن شعبة به (5) .
ورواه العلاء بن المسيّب عن الحكم عن مجاهد عن ابن عبَّاسٍ O.
1838- الحديث الخامس: قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج ويونس قالا: ثنا ليث قال: حدَّثني يزيد بن أبي حبيبٍ عن أبي الخير عن منصور الكلبيِّ (6) عن دِحية بن خليفة أنَّه خرج من قريته في رمضان فأفطر، وأفطر معه ناسٌ، وكره آخرون أن يفطروا، فلمَّا رجع قال: والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أطنُّ أن أراه! إنَّ قومًا رغبوا عن هديِّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يقول ذلك للذين صاموا، ثمَّ قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك (7) .
ز: روى هذا الحديث: أبو داود والطَّبرانيُّ.
1839- قال أبو داود: ثنا عيسى بن حمَّاد أنا الليث- يعني: ابن
__________
(1) في "التحقيق": (كديدا) .
(2) "المسند": (1/244، 350) .
(3) في (ب) زيادة: (بهذا الإسناد) .
(4) "السنن": (4/183- رقم: 2287) .
(5) "السنن": (4/184- رقم: 2289) .
(6) في "التحقيق": (الكليني) خطأ.
(7) "المسند": (6/398) .(3/282)
سعد- عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن منصور الكلبي أنَّ دِحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مرَّةً إلى قدر قرية عُقْبَةَ من الفسطاط- وذلك ثلاثة أميال- في رمضان، ثمَّ إنَّه أفطر، وأفطر معه ناسٌ، وكره آخرون أن يفطروا، فلمَّا رجع إلى قريته، قال: والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظنُّ أنِّي أراه! إنَّ قومًا رغبوا عن هدي رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يقول ذلك للذين صاموا، ثمَّ قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك (1) .
1840- وقال أبو القاسم الطَّبرانيُّ: ثنا مطَّلب بن شعيب الأزديُّ ثنا عبد الله بن صالح ثنا الليث ثنا يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن منصور الكلبيِّ أنَّ دِحية بن خليفة خرج من قريته بدمشق المِزَّة (2) إلى قدر قرية عقبة في رمضان، ثمَّ إنَّه أفطر وأفطر معه أناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلمَّا رجع إلى قريته، قال: والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظني (3) أراه! إنَّ قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يقول ذلك للذين صاموا، ثمَّ قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك (4) .
ورواه البيهقيُّ من رواية أبي عمران موسى بن سهل الجَوْنِيِّ عن عيسى ابن حمَّاد (5) .
وهو حديثٌ حسنٌ، ومنصور الكلبيُّ: قال العجليُّ: هو بصريٌّ،
__________
(1) "السنن": (3/172- رقم: 2405) .
(2) في " معجم البلدان ": (5/122) : (المِزَّة- بالكسر ثم التشديد-: ... هي قرية كبيرة غناء في وسط بساتين دمشق، بينها وبين دمشق نصف فرسخ، وبها- فيما يقال- قبر دحية الكلبي) أ. هـ
(3) فوقهأ بالأصل: (صح) .
(4) "المعجم الكبير": (4/224- رقم: 4197) .
(5) "سنن البيهقي": (4/241) .(3/283)
تابعيٌّ، ثقةٌ (1) . وقال ابن المدينيِّ: منصور بن زيد الكلبيُّ مجهولٌ لا أعرفه (2) . وسئل الذُّهْليُّ عنه، فقال: قال يزيد بن أبي حبيب: هو منصور بن زيد الكلبيُّ (3) . وقال ابن يونس: هو منصور بن سعيد بن الأصبغ الكلبيُّ، يروي عن دحية الكلبيِّ، وعنه ابنه حسَّان ومرثد بن عبد الله اليزنيُّ. ومنصور هذا: جدُّ أبي السحماء سهيل بن حسَّان، الذي يروي عنه خالد بن حُميد وضِمام ابن إسماعيل وعبد الله بن وهب والليث بن سعد (4) . وقال الخَطَّابيُّ: هذا الحديث ليس بالقويِّ، وفي إسناده رجلٌ ليس بالمشهور (5) .
وأراد به منصورًا، وهذا لا يقدح في الحديث، فإنَّ رواية أبي الخير عنه ممَّا يحسِّن أمره، فإنَّه لا يروي إلا عن ثقة.
وقال البيهقيُّ: الذي روينا عن دِحية الكلبيِّ- إن صحَّ ذلك- فكأنَّه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرُّخصة في السَّفر، وأراد بقوله: (رغبوا عن هدي رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه) أي: في قبول الرُّخصة، لا في تقدير السَّفر الذي أفطر فيه، والله أعلم (6) O.
*****
__________
(1) "معرفة الثقات": (2/300- رقم: 1797) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (28/528- رقم: 6193) .
(3) المرجع السابق.
(4) المرجع السابق.
(5) "معالم السنن": (3/292- 293- رقم: 2305) .
(6) "سنن البيهقي": (4/241) .(3/284)
فصلٌ (369) : فإن صام في السَّفر صحَّ.
وقال داود: لا يصحُّ.
لنا أحاديث:
1841- قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو المغيرة ثنا سعيد بن عبد العزيز قال: حدَّثني إسماعيل بن عبيد الله عن أمِّ الدَّرداء عن أبي الدَّرداء قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، وإنَّ أحدنا ليضع يده على رأسه من شدَّة الحر، وما منَّا صائمٌ إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
1842- قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاء حمزة الأسلميُّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنِّي رجلٌ [] (3) أسرد الصَّوم، أفأصوم في السَّفر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر " (4) .
__________
(1) "المسند": (5/194) .
(2) "صحيح البخاري": (3/487- 488) ؛ (فتح- 4/182- رقم 1945) .
"صحيح مسلم": (3/145) ؛ (فؤاد- 2/790- رقم: 1122) .
(3) في الأصل: (أريد) ، وهي غير موجودة في (ب) ولا "التحقيق" و"المسند"، ولا معنى لها، لذا حذفت.
(4) "المسند": (6/46) .(3/285)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
1843- قال أحمد: وثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد (2) عن قتادة عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو الأسلميِّ أنَّه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّوم في السَّفر، قال: " إن ششت صمت، وإن شئت أفطرت " (3) .
ز: رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن رافع عن أزهر بن القاسم عن هشام عن قتادة به (4) .
وفي إسناده اختلافٌ O.
1844- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يونس أنا ابن وهبٍ قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن محمَّد بن عبد الرَّحمن عن عروة عن أبي مُراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي [أنَّه قال: يا رسول الله، إنِّي أجد بي قوَّةً على الصِّيام في السَّفر، فهل عليَّ جناح؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] (5) " هي رخصةٌ من الله عزَّ وجل، فمن أخذ بها فحسنٌ، ومن أحبَّ أن يصوم فلا جناح عليه ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ.
قال: وخالفه هشام بن عروة، فرواه عن أبيه عن عائشة أنَّ حمزة سأل
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/487) ؛ (فتح- 4/179- رقمي: 1942- 1943) .
"صحيح مسلم": (3/144- 145) ؛ (فؤاد- 2/789- 790- رقم: 1121) .
(2) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق" و"أطراف المسند" لابن حجر: (2/285- رقم: 2276) ، وفي مطبوعة "المسند": (شعبة) ، وغندر من أشهر أصحاب شعبة، ويروي عن سعيد بن أبي عروبة أيضًا، وكلاهما يروي عن قتادة، فالله تعالى أعلم بالصواب.
(3) "المسند": (3/494) .
(4) "سنن النسائي": (4/185- رقم: 2294) .
(5) سقط من الأصل، واستدرك من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".(3/286)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ....
قال: يحتمل أن يكون القولان صحيحين، والله أعلم (1) .
قال المصنِّف: قلت: وقد أخرجه مسلمٌ في أفراده من حديث أبي مُراوح (2) .
1845- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عمر بن أحمد بن عليٍّ المروزيُّ ثنا محمَّد بن عمران ثنا أحمد بن موسى ثنا هارون بن مسلم ثنا حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: رأيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم في السَّفر ويفطر (3) .
ز: هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرَّجٍ أب شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وشيخ الدَّارَقُطْنِيِّ: ثقةٌ، فقيهٌ.
ومحمَّد بن عمران هو: أبو جعفر الضَّبيُّ، النَّحويُّ، الكوفيُّ، سكن بغداد، وحدَّث عن أبي نعيم وأحمد بن حنبل وغير واحد، وثَّقه الدَّارَقُطْنِيُّ.
وأحمد بن موسى: يحتمل أن يكون الشَّطوي، وهو أبو جعفر البزَّار، نزيل سامرَّاء، روى عن محمَّد بن سابق وزكريا بن عديٍّ، قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق (4) .
ويحتمل أن يكون أحمد بن موسى صاحب اللؤلؤ، وهو ابن أبي مريم، أبو عبد الله البصريُّ، روى عن ابن عونٍ وعاصم الجَحْدَريِّ وأبيه موسى،
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/189- 190) .
(2) "صحيح مسلم": (3/145) ؛ (فؤاد- 2/790- رقم: 1121) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/189) .
(4) "الجرح والتعديل": (2/75- رقم: 155) .(3/287)
روى عنه محمَّد بن المثنَّى ونصر بن عليٍّ وغيرهما.
ويحتمل أن يكون غيرهما.
وهارون بن مسلم هو: ابن هُرمز، أبو الحسن صاحب الحنَّاء، روى عن أبيه وعبيد الله بن الأخنس وغيرهما، روى عنه قتيبة وغيره، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليِّن (1) . ووثَّقه الحاكم (2) O.
1846- وقال أحمد: ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الكريم الجزريِّ عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: لا تعب على من صام في السَّفر، ولا على من أفطر، فقد صام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السَّفر وأفطر (3) .
ز: روى هذا الحديث مسلمٌ في " صحيحيه " فقال:
1847- حدَّثنا أبو كريب ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الكريم عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: لا تعب على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السَّفر وأفطر (4) .
1848- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله إسحاق بن محمَّد بن يوسف السوسيُّ وأبو عبد الرَّحمن السُّلميُّ قالا: ثنا أبو العبَّاس الأصم أنا العبَّاس بن الوليد بن مَزْيَدٍ أخبرني أبي سمعت الأوزاعيُّ حدَّثني زياد النُّميريُّ حدَّثني أنس بن مالك قال: وافق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمضان في سفرٍ فصامه، ووافقه رمضان في سفرٍ فأفطره (5) .
__________
(1) "الجرح والتعديل": (9/94- رقم: 392) .
(2) "الميزان" للذهبي: (4/286- رقم: 9172) .
(3) "المسند": (1/232) .
(4) "صحيح مسلم": (3/141) ؛ (فؤاد- 2/785- رقم: 1113) .
(5) "السنن الكبرى": (4/244) .(3/288)
زياد بن عبد الله النُّميريُّ: ضعَّفه يحيى بن معين في رواية (1) ، وقال في رواية أخرى عنه: ليس به بأس (2) . وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (3) . وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" وقال: يخطئ، وكان من العبَّاد (4) .
وذكره أيضًا في " الضُّعفاء" وقال: لا يجوز الاحتجاج به (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: وعندي إذا روى عن زياد النُّميريِّ ثقةٌ= فلا بأس بحديثه (6) O.
1849- وقال أبو بكر الإسماعيليُّ: أنا الهيثم ثنا إسحاق (7) ثنا مَعْن ثنا مالك عن حُميد الطَّويل عن أنس أنَّه قال: سافرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان، فلم يعب الصَّائم على المفطر، ولا المفطر على الصَّائم.
أخرجاه في "الصَّحيحين" (8) .
*****
__________
(1) في موضع من " تاريخ الدوري ": (4/105- رقم: 3380) ؛ وفي رواية ابن الدورقي كما في "الكامل" لابن عدي: (3/186- رقم:687) ؛ وانظر: "الجرح والتعديل": (3/536- رقم: 2419) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (4/95- رقم: 3325) .
(3) "الجرح والتعديل": (3/536- رقم: 2419) .
(4) "الثقات": (4/255- 256) .
(5) "المجروحون": (1/306) .
(6) "الكامل": (3/187- رقم: 687) .
(7) في هامش الأصل: (حـ: الهيثم بن خلف المروزي، وإسحاق: هو ابن موسى الأنصاري) أ. هـ
(8) "صحيح البخاري": (3/488) ؛ (فتح- 4/186- رقم: 1947) .
"صحيح مسلم": (3/143) ؛ (فؤاد- 2/787- 788- رقم: 1118) .(3/289)
مسألة (370) : إذا نوى الصَّوم ثمَّ سافر أبيح له أن يفطر، وبه قال داود والمزنيُّ.
وعنه: لا يباح، كقول أكثرهم.
1850- قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عام الفتح فصام، حتَّى إذا كان بالكُدَيد أفطر. وإنَّما يؤخذ بالآخر من فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
1851- وقال الإسماعيليُّ: أخبرني القاسم بن زكريا قال: حدَّثني يزيد بن الهيثم ثنا إبراهيم بن أبي الليث ثنا الأشجعيُّ عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسافرًا في رمضان حتَّى أتى عُسْفان، فدعا بإناءٍ من شرابٍ نهارًا ليُري النَّاس، ثمَّ أفطر حتَّى قدم مكَّة (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
ز: هذان الحديثان يدلان على أنَّ المسافر اذا صام بعض الشَّهر في سفره يجوز له الفطر بعد ذلك في يوم نوى صومه، وأمَّا إذا نوى الحاضر صوم يوم ثمَّ سافر في أثنائه، فالدَّليل على جواز الفطر له:
__________
(1) "المسند": (1/219) وفيه زيادة: (قيل لسفيان: قوله: " وإنما يؤخذ بالآخر ... " من قول الزهري أو قول ابن عبَّاس. كذا قال في الحديث) أ. هـ
ورواية عبيد الله عن ابن عبَّاس مخرجة في "الصحيحين": "صحيح البخاري": (3/ 487) ؛ (فتح- 4/180- رقم: 1944) ؛ و"صحيح مسلم": (3/140- 141) ؛ (فؤاد- 2/784- 785- رقْم: 1113) .
(2) في "التحقيق": (حين قدم مسكنه) !
(3) "صحيح البخاري": (3/488) ؛ (فتح- 4/186- رقم: 1948) .
"صحيح مسلم": (3/141) ؛ (فؤاد- 2/785- رقم: 1113) .(3/290)
1852- ما رواه أبو داود، قال: حدَّثنا عبيد الله بن عمر حدَّثني عبد الله بن يزيد، قال أبو داود: وحدَّثنا جعفر بن مسافر ثنا عبد الله بن يحيى - المعنى-، عن سعيد- يعني ابن أبي أيوب، زاد جعفر: والليث- قال: حدَّثني يزيد بن أبي حبيب أنَّ كليب بن ذُهل الحضرميَّ أخيره عن عُبيد- قال جعفر: ابن جَبر- قال: كنت مع أبي بَصْرة الغفاريِّ- صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفينة من الفسطاط في رمضان، فدفع، ثمَّ قرَّب غداءه- وقال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتَّى دعا بالسُّفرة- قال: اقترب. قال: قلت: أليس ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال جعفر في حديثه: فأكل (1) .
1853- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد ابن يعقوب نا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر أنا شعبة عن عمرو بن عامر عن أنس بن مالك قال: قال لي أبو موسى: الم أُنبَّأ- أو: ألم أُخْبَر- أنَّك تخرج صائمًا، وتدخل صائمًا؟! قال: قلت: بلى. قال: فإذا خرجت فاخرج مفطرًا، وإذا دخلت فادخل مفطرًا.
1854- وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أنا أبو الحسن أحمد بن محمَّد بن عبدوس نا عثمان بن سعيد الدَّارميُّ نا ابن أبي مريم ثنا محمَّد بن جعفر حدَّثني زيد بن أسلم أخبرني محمَّد بن المنكدر عن محمَّد بن كعب قال: أتيتُ أنسَ بن مالك في رمضان وهو يريد السَّفر، وقد رُحِّلت دابته، وقد لبس ثياب السَّفر، وقد تقارب غروب الشَّمس، فدعا بطعام فكل منه، ثمَّ ركب، فقلت له: سنَّة. فقال: نعم.
1855- وأخبرنا أبو الطَّاهر الفقيه أنا أبو عثمان البصريُّ نا محمَّد بن
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/171- 172- رقم: 2404) .(3/291)
عبد الوهَّاب أنا يعلى بن عُبيد ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن شُرَحبيل أنَّه كان يسافر وهو صائم فيفطر من يومه (1) O.
*****
مسألة (371) : إذا نوى بالليل ثُمَّ أغمي عليه قبل طلوع الفجر، فلم يفق إلا بعد الغروب، لم يصحَّ صومه.
وقال أبو حنيفة: يصحُّ.
1856- قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ عمل ابن آدم يضاعف، الحسَنةُ عشر أمثالها، إلى سبع مائة ضعف، إلى ما شاء الله، يقول الله عزَّ وجلَّ: إلا الصَّوم فإنَّه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوى من أجلي " (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
*****
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/247) .
(2) "المسند": (2/443، 477) .
(3) "صحيح البخاري": (9/615) ؛ (فتح- 13/464- رقم: 7492) من حديث أبي نعيم عن الأعمش به.
"صحيح مسلم": (3/158) ؛ (فؤاد- 2/807- رقم: 1151) .(3/292)
مسألة (372) : إذا أخَّر قضماء رمضان لغير عذرٍ حتَّى جاء رمضان آخر، وجبت عليه الفدية مع القضاء.
وقأل أبو حنيفة: لا يجب إلا القضاء.
1857- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن جعفر بن أحمد الصَّيرفيُّ (1) ثنا بكر بن محمود بن مكرم القزَّاز (2) نا إبراهيم بن نافع الجَلاب ثنا [عمر] (3) ابن موسى بن وجيه نا الحكم عن مجاهد عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجلٍ أفطر في رمضان، ثمَّ مرض (4) ، ثمَّ صحَّ ولم يصم حتَّى أدركه رمضان آخر، قال: " يصوم الذي أدركه، ثمَّ يصوم الشَّهر الذي أفطر فيه، ويطعم عن كلِّ يوم مسكينًا " (5) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأنا محمَّد بن عبد الله أنا معاذ ثنا مسدَّد ثنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أنَّه قال في رجلٍ مرض في رمضان، ثمَّ صحَّ.... فذكر نحو الحديث.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسنادٌ صحيحٌ، موقوفٌ (6) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: رواه ابن عدي عن محمَّد بن جعفر- وهو المطيري، ثقة مأمون- عن بكر بن محمود بن مكرم أبي محمَّد القزاز عن إبراهيم غير حديث، ولم يرو هذا الحديث) أ. هـ انظر: "الكامل": (1/267- رقم: 103) .
(2) هكذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "سنن الدارقطني" و" وإتحاف المهرة " لابن حجر: (15/494- رقم: 19756) : (الفزاري) بدل (القزاز) ، والله أعلم.
(3) في الأصل و (ب) : (عمرو) ، والتصويب من "التحقيق" و"السنن".
(4) في "السنن" الدارقطني: (من مرض) .
(5) " سنن الدارقطنى ": (2/197) .
(6) "سنن الدارقطني": (2/196- 197) .(3/293)
قال المصنِّف: قلت: وعلى الموقوف العمل (1) ، فأمَّا المسند فلا يصحُّ، فيه: إبراهيم بن نافع، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان يكذب، وحدَّث عن ابن وجيه أحاديث بواطيل (2) . قال (3) : وعمر متروك الحديث، كان يضع الحديث. وقال يحيى بن معين: ليس بثقة (4) .
ز: 1858- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا يزيد بن هارون ثنا شعبة عن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عبَّاس في رجلٍ أدركه رمضان وعليه رمضان آخر، قال: يصوم هذا، ويطعم عن ذاك كلّ يومٍ مسكينًا، ويقضيه.
1859- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: نا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب نا يحيى بن أبي طالب قال: قال عبد الوهَّاب بن عطاء: سُئل سعيد- هو: ابن أبي عروبة- عن رجل تتابع عليه رمضانان، وفرَّط فيما بينهما؛ فأخبرنا عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن مجاهد عن أبي هريرة أنَّه قال: يصوم الذي حضر، ويقضي الآخر، ويطعم لكلِّ يوم مسكينًا.
قال: وأنا عبد الوهَّاب أنا سعيد عن قيس بن سعد عن عطاء عن أبي هريرة بمثله.
__________
(1) كتب فوقها بالأصل: (العمدة) .
(2) الذي في "الجرح والتعديل": (2/141- رقم: 459) : (كتب عنه أبي ... وسألته عنه فقال: لا بأس به كان حدث بأحاديث عن عمر بن موسى الوجيهي بواطيل، وعمر متروك الحديث) أ. هـ
وانظر: "الميزان" للذهبي: (1/69- رقم: 234) و" لسانه " لابن حجر: (1/171 - 172- رقم: 362) .
(3) أي أبو حاتم الرازي، وكلامه في "الجرح والتعديل" لابنه: (6/133- رقم: 727) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/423- رقم: 5091) .(3/294)
ورواه ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال: مُدًّا من حنطة لكلِّ مسكين.
1860- وأخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطَّان ببغداد أنا أبو سهل بن زياد القطَّان نا عليُّ بن محمَّد بن أبي الشَّوارب ثنا سهل بن بكَّار نا أبو عوانة عن رقبة قال: زعم عطاء أنَّه سمع أبا هريرة قال في المريض يمرض ولا يصوم رمضان، ثمَّ يبرأ ولا يصوم حتَّى يدركه رمضان آخر، قال: يصوم الذي حضر، ويصوم الآخر، ويطعم لكلِّ ليلة مسكينًا. وروى هذا الحديث إبراهيم ابن نافع الجَلاب عن عمر بن موسى بن وجيه عن الحكم عن مجاهد عن أبب هريرة مرفوعًا، وليس بشيءٍ، إبراهيم وعمر متروكان.
وروينا عن ابن عمر وأبي هريرة في الذي لم يصحَّ حتَّى أدركه رمضان آخر: يطعم ولا قضاء عليه.
وعن الحسن وطاوس والنَّخعيِّ: يقضي ولا كفارة عليه. وبه نقول لقول الله تعالى: (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ] [البقرة: 185] (1) O.
*****
مسألة (373) : إذا مات وعليه قضاء رمضان، فإنَّه يُطعَم عنه ولا يُصام، وإن كان عليه نذرٌ صام الولي.
وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا يُصام ولا يُطعم في الحالين، إلا أن يوصي بذلك.
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/253) .(3/295)
وقال الشَّافعيُّ في القديم: يُصام فيهما.
وفي الجديد: يُطعَم فيهما.
لنا- أنَّه لا يُصام عنه قضاء رمضان-:
1861- ما رواه التِّرمذيُّ، قال: ثنا قتيبة ثنا عَبثَر بن القاسم عن أشعث عن محمَّد عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مات وعليه صيام شهرٍ فليُطعم عنه مكان كلِّ يوم مسكينًا ".
قال التِّرمذيُّ: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والصَّحيح عن ابن عمر موقوفًا (1) .
قال المصنِّف: قلت: أشعث هو: ابن سوَّار، وكان ابن مهدي يخطُّ على حديثه (2) ، وقال يحيى: لا شيء (3) . وفي رواية: ثقةٌ (4) .
ومحمَّد هو: ابن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، ضعيفٌ، مضطرب الحديث.
وقد حمله أصحابنا على قضاء رمضان.
ز: هذا الحديث رواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى عن قتيبة بإسناده، وقال: (عن محمَّد بن سيرين) (5) [و] (6) هو وهمٌ.
__________
(1) "الجامع": (2/88- ر قم: 718) .
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/31- رقم: 13) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/271- رقم: 978) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/272- رقم: 978) من رواية الدوري، وانظر مطبوعة " تاريخ الدوري ": (4/81- رقم: 3230) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (1/371- رقم: 198) من رواية الدورقي.
(5) "سنن ابن ماجة": (1/558- رقم: 1757) .
(6) زيادة من (ب) .(3/296)
وأمَّا التِّرمذيُّ فلم يَنْسِبْ محمَّدًا في روايته، وقال: ومحمَّد هو عندي: ابن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى.
وهذا الذي قال صحيحٌ.
وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث فقال: يرويه أشعث بن سوَّار عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تفرَّد به عَبْثَر بن القاسم، والمحفوظ عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، كذلك رواه عبد الوهَّاب بن بُختٍ عن نافع عن ابن عمر موقوفًا.
1862- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أنا أبو عبد الله محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا يحيى بن سعيد عن القاسم ونافع أنَّ ابن عمر كان إذا سُئل عن الرَّجل يموت وعليه صومٌ من رمضان أو نذر، يقول: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ولكن تصدَّقوا عنه من ماله للصَّوم، لكلِّ يوم مسكينًا.
1863- وأخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة الأنصاريُّ أنا أبو الحسن عليُّ بن الفضل بن محمَّد بن عقيل أنا إبراهيم بن هاشم البغويُّ ثنا عبد الله بن محمَّد بن أسماء حدَّثني جويرية بن أسماء عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر كان يقول: من أفطر في رمضان أيامًا وهو مريض، ثمَّ مات قبل أن يقفيى فليُطعم عنه مكان كلِّ يوم أفطر من تلك الأيام مسكينًا مدًّا من حنطة، فإن أدركه رمضان عام قابل قبل أن يصومه، فأطاق صوم الذي أدرك، فليطعم عمَّا مضى كل يوم مسكينًا مدًّا من حنطة، وليصم الذي استقبل.
هذا هو الصَّحيح، موقوفٌ على ابن عمر، وقد رواه محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن نافع فأخطأ فيه:(3/297)
1864- أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمَّد بن حيان الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن العبَّاس ثنا محمَّد بن إسماعيل بن البَخْتَري ثنا يزيد بن هارون أنا شَريك عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صعلم في الذي يموت وعليه رمضان، ولم يقضه، قال: " يُطعَم عنه، لكلِّ يومٍ نصف صاعٍ من بُرٍّ ".
هذا خطأٌ من وجهين:
أحدهما: رفعه الحديث إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما هو من قول ابن عمر.
والآخر: قوله: " نصف صاعٍ " وإنَّما قال ابن عمر: مدًّا من حنطة.
وروي من وجه آخر عن ابن أبي ليلى ليس فيه ذكر الصَّاع:
1865- أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطَّان- ببغداد- أنا أبو عمرو ابن السَمَّاك ثنا محمَّد بن عبد الرَّحمن بن كامل القَرْقَسَانيُّ ثنا أبو عاصم البَجَليُّ ثنا عَبْثَر ابن القاسم عن أشعث بن سوَّار عن محمَّد عن نافع عن ابن عمر قال: سُئل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل مات وعليه صوم شهرٍ؛ قال: " يُطعَم عنه، كلُّ يومٍ مسكين ".
1866- أخبرنا أبو محمَّد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبَّار السُّكريُّ - ببغداد- أنا إسماعيل بن محمَّد الصَّفَّار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن ثوبان قال: سُئل ابن عبَّاس عن رجل مات وعليه صيام شهر رمضان، وعليه نذر شهر آخر (1) ؛ قال: يُطعَم ستين مسكينًا.
كذا رواه ابن ثوبان عنه في الصِّيامن جميعًا.
__________
(1) في "سنن البيهقي": (وعليه نذر صيام شهر آخر) .(3/298)
1867- وقد أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: أنا [أبو] (1) العبَّاس بن الأصم ثنا محمَّد بن إسحاق أنا عبد الوهَّاب بن عطاء أنا سعيد عن روح بن القاسم عن عليٍّ بن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عبَّاس في امرأة توفِّيت- أو رجل- وعليه: رمضان، ونذر شهرٍ؛ فقال ابن عبَّاس: يُطعَم عنه مكان كلِّ يوم مسكينًا، أو يصوم عنه وليه لنذره.
وكذلك رواه سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس. انتهى ما رواه البيهقيُّ (2) .
1868- وقال أبو داود في "سننه": حدَّثنا محمَّد بن كثير أنا سفيان عن أبي حَصِين عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: إذا مرض الرَّجل في رمضان، ثمَّ مات ولم يصح، أُطعِم عنه، ولم يكن عليه قضاء؛ وإن نذر نذرًا، قضى عنه وليه (3) O.
قال المصنِّف: ولنا على قضاء النَّذر أربعة أحاديث:
1869- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس أنَّ سعد بن عبادة سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نذرٍ كان على أمِّه، توفِّيت قبل أن تقضيه؛ قال: " اقضه عنها " (4) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (5) .
__________
(1) زيادة من (ب) و"سنن البيهقي".
(2) "سنن البيهقي": (4/254) .
(3) "سنن أبي داود": (3/167 رقم: 2393) وانظر تعليق المحقق على كلمة: (ولم يصح) .
(4) "المسند": (1/219) .
(65 "صحيح البخاري": (4/12؛ 8/399؛ 9/470) ؛ (فتح- 5/389؛ 11/583؛ 12/330- الأرقام: 2761، 6698، 6959) .
"صحيح مسلم": (5/76) ؛ (فؤاد- 3/1260- رقم: 1638) .(3/299)
1870- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي بشر قال: سمعت سعيد بن جبير يحدِّث عن ابن عبَّاس أن امرأةً نذرت أن تحجَّ فماتت، فأتى أخوها النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن ذلك، فقال: " أرأيت لو كان على أختك دَيْنٌ، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم. قال: " فاقضوا الله عزَّ وجلَّ، فهو أحقُّ بالوفاء " (1) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (2) .
1871- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا هُشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة ركبت البحر، فنذرت: إن الله عزَّ وجلَّ نجَّاها أن تصوم شهرًا، فأنجاها الله، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت قرابة لها فذكرت ذلك للنَّبيِّ يكنً؛ فقال: " صومي " (3) .
1872- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وحدَّثنا إسحاق بن يوسف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الله بن عطاء المكِّيِّ عن سليمان بن بُريدة عن أبيه أنَّ امرأةً أتت النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إنَّ أمي كان عليها صوم شهرٍ، أفيجزيها أن أصوم عنها؟ قال: " نعم " (4) .
ز: رواه مسلمٌ عن محمَّد بن أحمد بن أبي خلف عن إسحاق الأزرق به (5) .
__________
(1) "المسند": (1/239- 240) .
(2) "صحيح البخاري": (3/466؛ 8/399؛ 9/565- 566) ؛ (فتح- 4/64؛ 11/584؛ 13/296- الأرقام: 1852، 6699، 7315) .
(3) "المسند": (1/216) .
(4) "المسند": (5/349) .
(5) "صحيح مسلم": (3/157) ؛ (فؤاد- 2/805- رقم: 1149) .(3/300)
1873- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد بن سلمة عن جعفر بن أبي وحْشِيَّة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ امرأةً نذرت وهي في البحر إن نجَّاها الله أن تصوم شهرًا، فأنجاها الله، فماتت قبل أن تصوم، فجاءت ذات قرابة لها- إمَّا أختها وإمَّا بنتها- إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فقال: " صومي عنها ".
تابعه هُشيم عن أبي بشر في الصَّوم، ورواه شعبة وأبو عوانة عن أبي بشر في الحجِّ دون الصَّوم، ويحتمل أن يكون السؤال وقع عنهما فنقلا (1) أحدهما، ونقل حمَّاد بن سلمة وهُشيم الآخر، فقد رواه عكرمة عن ابن عبَّاس في الصَّوم:
1874- أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر بن عبد الله أنا الحسن بن سفيان ثنا محمَّد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر قال: قرأت على الفضيل عن أبي حَرِيز في امرأةٍ ماتت وعليها صوم؛ فقال: حدَّثني عكرمة عن ابن عبَّاس قال: أتت امرأةٌ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إنَّ أمِّي ماتت وعليها صومُ خمسة عشر يومًا، قال: " أرأيت لو أنَّ أمَّك ماتت وعليها دَيْنٌ، أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم، قال: " اقضي دين أمِّك ". وهي امرأة من خَثْعم.
قال البخاريُّ (2) : وقال أبو حَرِيز: حدَّثني عكرمة ... فذكره.
قال البيهقيُّ: ورواه بُريدة بن حُصيبٍ (3) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّوم والحجِّ جميعًا:
__________
(1) شعبة وأبو عوانة.
(2) في "صحيحه": (3/490) ؛ (فتح- 4/193- رقم: 1953) .
(3) وضح تحت الحاء من (حصيب) في الأصل علامة الإهمال: حاء صغيرة تحتها.(3/301)
1875- أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عمرو بن أبي جعفر ثنا جعفر الحافظ ثنا عليُّ بن حجر ثنا عليُّ بن مُسهر ثنا عبد الله بن عطاء المدينيُّ عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال: كنت جالسًا عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أتته امرأةٌ فقالت: إنِّي تصدَّقت على أمِّي بجارية، وإنَّها ماتت. قال: " وجب أجرك، وردَّها عليك الميراث ". قالت: يا رسول الله، إنَّه كان عليها صوم شهرٍ، أفأصوم عنها؟ قال: " صُومي عنها ". قالت: يا رسول الله، إنَّها لم تحجَّ، أفأحجُّ عنها؟ قال: " حجِّي عنها ".
رواه مسلمٌ في " الصَّحيح " (1) عن عليِّ بن حُجر، وكذلك رواه جماعة عن عبد الله بن عطاء: سفيان الثَّوريُّ وزُهير بن معاوية وعبد الله بن نُمير ومروان الفَزَاريُّ وأبو معاوية وغيرهم، إلا أنَّ بعضهم قال: (صوم شهرين) .
ورواه عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الله بن عطاء عن سليمان بن بُريدة عن أبيه، وقال: صوم شهر (2) O.
واحتجَّ أصحاب الشَّافعي بحديثين:
1876- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مسلم البطن عن سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس قال: أتت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأةٌ، فقالت: يا رسول الله، إنَّ أمِّي ماتت وعليها صوم شهر، فأقضي عنها؟ فقال: " أرأيت لو كان على أمِّك دَيْنٌ، أما كنت تقفعيه؟ " قالت: بلى.
قال: " فدَيْن الله عزَّ وجلَّ أحقُّ " (3) .
__________
(1) (3/156) ؛ (فؤاد- 2/805- رقم: 1149) .
(2) "سنن البيهقي": (4/256) .
(3) "المسند": (1/224) .(3/302)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
1877- الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا يحيى (2) ثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن عروة عن عائشة أنَّها سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن من مات وعليه صيام، فقال: " يصوم عنه وليُّه " (3) .
رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن أبي جعفر، وقال: هذا إسنادٌ حسنٌ (4) .
وقد حمله أصحابنا على ما إذا كان نذرًا.
ز: حديث عائشة: رواه عمرو بن الحارث وغيره عن ابن أبي جعفر، وهو مخرَّح في "الصَّحيحين" (5) ، وذِكْرُه من طريق ابن لهيعة ويحيى بن أيُّوب دون عمرو فيه تقصيرٌ (6) .
1878- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الوليد الفقيه ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا هارون بن سعيد الأَيْليُّ ثنا ابن وهب (ح) وأنا أبو عمرو محمَّد بن عبد الله الأديب أنا أبو بكر الإسماعيليُّ أخبرني أبو يعلى ثنا
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/490) ة (فتح- 4/192- رقم: 1953) .
"صحيح مسلم": (3/155) ؛ (فؤاد- 2/804- رقم: 1148) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: يحيى: هو ابن إسحاق السيلحيني) .
(3) "المسند": (6/69) ، وسقط منه شيخ أحمد، وهو مثبت في "أطراف المسند": (9/ 114- رقم: 11717) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/194- 195) ، والذي فيه: (هذا إسناد صحيح) أ. هـ
(5) "صحيح البخاري": (3/490) ؛ (فتح- 4/192- رقم: 1952) .
"صحيح مسلم": (3/155) ؛ (فؤاد- 2/803- رقم: 1147) .
(6) في هامش الأصل: (حـ: حديث عائشة تكلم فيه أحمد لأجل ابن أبي جعفر، وقال بعضهم: " لم يروه خ " وهو وهم) أ. هـ(3/303)
أحمد بن عيسى المصريُّ ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن عروة عن عائشة أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مات وعليه صيامٌ، صام عنه وليُّه ".
أخرجه البخاريُّ في " الصَّحيح " من حديث موسى بن أعين عن عمرو، ثمَّ قال: تابعه ابن وهب عن عمرو. [و] (1) رواه مسلمٌ عن هارون ابن سعيد وأحمد بن عيسى، قال البخاريُّ: ورواه يحيى بن أيُّوب عن عيسى بن أبي جعفر (2) .
1879- أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر ابن الحسن القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو عبد الرَّحمن السُّلميُّ قالوا: أنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن اسحاق الصَّغانيُّ ثنا عمرو بن الرَّبيع بن طارق أنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمَّد بن جعفر عن عروة بن الزُّبير عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مات وعليه صيام، صام عنه وليُّه " (3) .
وقد حمل أصحابنا حديث عائشة وغيره في هذا الباب على صوم النَّذر، لما روي:
1880- عن عائشة أنَّها قالت: يُطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام.
قالوا: والفرق بين النَّذر وغيره: أنَّ النِّيابة تدخل العبادة حسب خِفَّتها، والنَّذر أخفُّ حُكْمًا، لكونه لم يجب بأصل الشَّرع، وإنَّما أوجبه النَّاذر على نفسه O.
**** "
__________
(1) زيادة من "سنن البيهقي".
(2) كذا في الأصل و (ب) ، وفي "سنن البيهقي" و"صحيح البخاري": (يحيى بن أيوب عن ابن أبي جعفر) ، وابن أبي جعفر هو عبيد الله، لا عيسى كما سيأتي بعد أسطر.
(3) "سنن البيهقي": (4/255) .(3/304)
مسألة (374) : لا يجب التَّتابع في قضاء رمضان.
وقال داود؟ يجب.
1881- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الباقي بن قانع ثنا محمَّد بن عبد الله بن منصور الفقيه ومحمَّد بن عثمان قالا: ثنا سفيان بن بشر ثنا عليُّ بن مُسْهِر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في قضاء رمضان: " إن شاء تابع، وإن شاء فرَّق ".
قالوا: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده غير سفيان بن بشر (1) .
قلنا: ما عرفنا أنَّ أحدًا طعن فيه، والزِّيادة من الثِّقة مقبولة.
ز: سفيان بن بشر بن غالب بن أيمن الأسديُّ الكوفيُّ، أبو الحسين، حدَّث عن مالك بن أنس وعليِّ بن هاشم بن البَريد، روى عنه الحسن بن غُليب المصريُّ ومحمَّد بن رزيق بن جامع ومحمَّد بن داود بن عثمان الصدفيُّ ومحمَّد ابن عثمان بن أبي شيبة وغيرهم، ولم أر أحدًا ذكره بجرحٍ ولا عدالةٍ (2) .
1882- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى بن فارس النَّيسابوريُّ قال: وفيما ذكر عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: نزلت: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ} فسقطت. (متتابعات) .
قولها: (فسقطت) ، تريد به نُسخت، لا يصحُّ له تأويلٌ غير ذلك.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/193) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: قال شيخنا: يحتمل أن يكون " سفيان بن بشر " رجلين: أحدهما عراقي، يروي عنه العراقيون؛ والآخر مصري، يروي عنه المصريون) أ. هـ ولعله يريد بشيخه هنا الحافظ المزي، والله أعلم.(3/305)
1883- وأخبرنا أبو بكر بن الحارث أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا عبد الملك بن أحمد الدَّقَّاق ثنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب حدَّثني معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد أنَّه سمع أبا عامر الهَوْزَنيَّ يقول: سمعت أبا عبيدة بن الحارث (1) سُئل عن قضاء رمضمان، فقال: إنَّ الله لم يرخِّص لكم في فطره وهو يريد أن يشقِّ عليكم في قضائه، فأحص العِدَّة، واصنع ما شئت.
1884- وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر ثنا ابن منيع ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا زيد بن الحُبَاب ثنا معاوية بن صالح عن موسى بن زيد عن مَوهبٍ عن أبيه عن مالك بن يَخَامِر عن معاذ بن جبل أنَّه سئل عن قضاء رمضان، فقال: أحص العدَّة، وصم كيف شئت.
1885- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس- هو: الأصم- ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب بن عطاء أنا سعيد- هو: ابن أبي عروبة- عن عليِّ بن الحكم عن عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث أنَّ أبا هريرة كان لا يرى بقضائه بأسًا، أن يقضيه متفرِّقًا.
يعني قضاء صوم رمضان.
1886- أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطَّان أنا أبو سهل بن زياد القطَّان ثنا عُبيد بن عبد الواحد بن شَريك ثنا سعيد بن أبي مريم أنا يحيى بن أيُّوب حدَّثني ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّه كان يقول في قضاء رمضان: من كان عليه شيءٌ منه، فليفرِّق بينه.
1887- وأخبرنا أبو الحسن العلاء بن محمَّد بن أبي سعيد الإسفرائنيُّ بها أنا أبو سهل بشر بن أحمد ثنا حمزة بن محمَّد الكاتب ثنا نُعيم بن حمَّاد ثنا ابن
__________
(1) كذا في النسختين، وفي "سنن البيهقي": (ابن الجراح) .(3/306)
المبارك عن معمر عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس في من عليه قضاء شهر رمضان، قال: يقضيه متفرِّقًا، فإنَّ الله تعالى يقول: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] .
1888- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس- هو الأصم- ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب أنا سليمان التَّيميُّ عن بكر بن عبد الله عن أنس بن مالك أنَّه كان لا يرى به بأسًا، ويقول: إنَّما قال الله: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] .
1889- أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن إدريس عن شعبة عن عبد الحميد بن رافع عمَّن حدَّثه أنَّ رافع بن خَدِيج كان يقول: أحص العدَّة، وصم كيف شئت.
وقد روي فيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسناد مرسلٍ:
1890- أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر قال: قرئ على عبد الله ابن وهب: أخبرك أبو حسين- رجلٌ من أهل مكَّة (1) - قال: سمعت موسى ابن عقبة يحدِّث عن صالح بن كيسان قال: قيل: يا رسول الله، رجلٌ كان عليه قضاءٌ من رمضان، فقضى يومًا أو يومين منقطعين، أيجزىء عنه؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيت لو كان عليه دَيْنٌ، فقضاه درهمًا ودرهمين حتَّى يقض دينه، أترون ذمته برئت ". قال: نعم. قال: " يقضي عنه ".
__________
(1) في مطبوعة "سنن البيهقي": (الكوفة) ، وما بالأصل موافق لما في "الموطأ" لابن وهب: (ص: 95- رقم: 287) .(3/307)
وقد قيل: عن موسى بن عقية عن محمَّد بن المنكدر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً.
1891- أخبرناه أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا ابن منيع ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سليم الطَّائفيُّ عن موسى بن عقبة عن محمَّد بن المنكدر قال: بلغني أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان، قال: " ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دَيْنٌ، فقضى الدرهم والدرهمين، ألم يكن قضى؟ فالله أحقُّ أن يعفو ويغفر ".
قال عليٌّ (1) : وإسناده حسنٌ، إلا أنَّه مرسلٌ، وقد وصله غير أبي بكر عن يحيى بن سليم، ولا يثبت متصلاً.
قال البيهقيُّ: وقد روي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمر مرفوعًا، وقد روي في مقابتله عن أبي هريرة في النَّهي عن القطع مرفوعًا، وكيف يكون ذلك صحيحًا ومذهب أيى هريرة جواز التَّفريق، ومذهب ابن عمر المتابعة؟!
وروي من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا في جواز التَّفريق، ولايصحُّ شيءٌ من ذلك.
1892- أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن سعيد بن صخر الدَّارميُّ ثنا حَبَّان بن هلال ثنا عبد الرَّحمن بن ابراهيم عن العلاء بن عبد الرَّحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان عليه صوم رمضان فليسرد" ولا يقطعه ".
قال عليٌّ (2) : عبد الرَّحمن بن إبراهيم ضعيفٌ.
__________
(1) هو في "سننه": (2/194) .
(2) هو في "سننه": (2/192) .(3/308)
قال البيهقيُّ: عبد الرَّحمن بن إبراهيم مدنيٌّ، قد ضعَّفه يحيى بن معين (1) وأبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ (2) والدَّارَقُطْنِيُّ.
1893- أخبرنا عبد الله (3) بن يحيى بن عبد الجبَّار السُّكريُّ- ببغداد- أنا إسماعيل بن محمَّد الصَّفَّار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرَّزَّاق أنا الثَّوريُّ عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ في قضاء رمضان، قال: متابعًا (4) .
1894- قال: وأنا الثَّوريُّ عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال: متابعًا (4) .
1894/أ- ورواه عليُّ بن الجَعْد عن زهير عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ أنَّه كان لا يرى به متفرِّقًا بأسًا.
1895- وأخبرنا أبو [الحسين] (5) بن بشران- ببغداد- أنا إسماعيل بن محمَّد الصَّفَّار ثنا الحسن بن عليِّ بن عفَّان ثنا ابن نُمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان لا يفرِّق قضاء رمضان.
كذا قال ابن عمر، واختلف فيه على عليّ بن أبي طالب، و [راويه] (6)
__________
(1) هو في "التاريخ" برواية الدوري: (4/90- رقم:3298) قال: (ليس بشيء) ، ووثقه في موضع آخر: (3/199- رقم: 917) وانظر تعليق المحقق.
(2) هو في "الضعفاء والمتروكون": (ص: 149- رقم: 359) .
(3) في مطبوعة "السنن": (عبد الرحمن) خطأ. انظر: "تاريخ بغداد": (10/199- رقم: 5347) .
(4) في " سنن الببهقي ": (متتابعا) .
(5) في الأصل و (ب) : (الحسن) ، والتصويب من "سنن البيهقي"، وانظر: " تاريخ بغداد " للخطيب: (12/98 - رقم: 6527) .
(6) في الأصل: (رواية) ، والتصويب من (ب) و"سنن البيهقي".(3/309)
الحارث الأعور، والحارث ضعيفٌ (1) O.
قال المصنِّف: احتجَّ داود:
1896- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا القاسم بن إسماعيل ثنا عليُّ بن مسلم (2) ثنا [حَبَّان] (3) بن هلال ثنا عبد الرَّحمن بن إبراهيم القاص ثنا العلاء ابن عبد الرَّحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان عليه صوم من رمضان، فليسرده ولا يقطعه " (4) .
قال يجيى بن معين: عبد الرَّحمن بن إبراهيم ليس بشيءٍ (5) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ضعيفٌ.
ز: قال أبو الحسن بن القطَّان: حال هذا الحديث لا بأس بها، لأنَّ رجاله لا بأس بهم، وليس فيهم من وضع فيه النَّظر إلا هذا القاص، وهو لا بأس به، وما جاء مَنْ ضعَّفه بحجَّة، وقد وثَّقه يحيى بن معين في رواية الدُّوريِّ، وقال أبو زرعة (6) : لا بأس به، أحاديثه مستقيمة.
قال ابن القطَّان: فالحديث من روايته حسنٌ، والله أعلم (7) O.
*****
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/258- 260) .
(2) في مطبوعة "السنن": (المثنى) خطأ، وهو على الصواب في "إتحاف المهرة": (15/287 - رقم: 19317) .
(3) في الأصل و (ب) : (حسان) ، والتصويب من "سنن الدارقطني".
(4) "سنن الدارقطني": (2/191) .
(5) انظر التعليق السابق (ص: 309- رقم: 1) .
(6) هو في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/211- رقم: 997) .
(7) " بيان الوهم والإيهام ": (5/376- 377- رقم: 2545) باختصار وتصرف يسير.(3/310)
مسألة (375) : إذا دخل في صوم التَّطوُّع لم يلزمه إتمامه، فإن أفطر لم يلزمه القضاء.
وقال أبو حنيفة ومالك: يلزمه، فإن أفطر وجب القضاء.
لنا أربعة أحاديث:
1897- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أبي أيُّوب الهجريِّ (1) عن جويرية أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على جويرية في يوم جمعة وهي صائمةٌ، فقال لها: " أصمتِ أمس؟ " قالت: لا. قال: " تصومين غدًا؟ " قالت: لا. قال: " فأفطري " (2) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (3) .
1898- طريقٌ آخرٌ: قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد (4) عن قتادة عن سعيد بن المسيَّب عن عبد الله بن عمرو أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على جويرية بنت الحارث وهي صائمةٌ، في يوم جمعة، فقال لها: " أصمت أمس؟ "
فقالت: لا. قال: " أتريدين أن [تصومي] (5) غدًا؟ " فقالت: لا. قال: " فأفطري إذًا " (6) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق": (العتكي) .
وفي هامش الأصل: (حـ: كذا فيه: " الهجري "، وكذا وجدته في "المسند"، والمعروف: العتكي المراغي الأزدي يحيى بن مالك، ويقال: حميد [كذا بالأصل، والصواب: حبيب] و [] من البصرة) ا. هـ ومحل البياض لم نتمكن من قراءته.
(2) "المسند": (6/324) .
(3) "صحيح البخاري": (3/498) ؛ (فتح- 4/232- رقم:1986) .
(4) في "التحقيق": (شعبة) .
(5) في الأصل: (تصومين) والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(6) "المسند": (2/189) .(3/311)
ز: رواه النَّسائيُّ عن إسماعيل بن مسعود عن بشر بن المفضَّل عن سعيد به (1) O.
1899- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أمِّ المؤمنين أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتيها وهو صائم، فيقول: " أصبح عندكم شيءٌ تطعمونيه؟ " فتقول: لا، ما أصبح عندنا شيءٌ. فيقول: " إنِّي صائمٌ ". ثمَّ جاءها بعد ذلك، فقالت: أهديت لنا هديَّة، فخبأنا لك. قال: " ما هي؟ " قالت: حَيْس. قال: " قد أصبحت صائمًا ". فكل (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
زْ: 1900- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا أبو عبد الله محمَّد بن نصر الإمام ثنا أبو كامل ثنا عبد الواحد بن زياد، [قال: وأخبرنا أبو عمرو ثنا عبد الله بن محمَّد ثنا بشر بن معاذ العَقَدِيُّ ثنا عبد الواحد بن زياد،] (4) ثنا طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله حدَّثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: " يا عائشة، هل عندك شيءٌ؟ " قالت: قلت: لا، والله ما عندنا شيءٌ. قال: " إنِّي صائمٌ ". قالت: فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأهديت لنا هديَّة - أو جاءنا زَوْرٌ (5) -، فلمَّا رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: يا رسول الله،
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/142- رقم: 2753) .
(2) "المسند": (6/49) .
(3) "صحيح مسلم": (3/159) ؛ (فؤاد- 2/808- رقم: 1154) .
(4) زيادة استدركت من (ب) و"سنن البيهقي".
(5) في " النهاية ": (2/318- زور) : (الزَّوْر: الزائر) أ. هـ(3/312)
أهديت لنا هدّيَة- أو جاءنا زَوْرٌ -، وقد خبَّأت لك شيئًا. قال: " ما هو؟ " قلت: حَيْسٌ. قال: " هاتيه ". فجئت به، فأكل، ثمَّ قال: " قد كنت أصبحت صائمًا ". قال أبو عبد الله: لفظ العَقَدِيُّ.
رواه مسلمٌ في " الصَّحيح " (1) عن أبي كامل الجَحْدَريِّ، وزاد فيه: قال طلحة: فحدَّثت مجاهدًا بهذا الحديث، قال: ذلك بمنزلة الرَّجل يخرج الصَّدقة من ماله، فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها.
1901- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزير ثنا أبو العبَّاس محمَّد ابن يعقوب أنا الرَّبيع بن سليمان أنا الشَّافعيُّ أنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمَّته عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت: دخل عَلَيَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: إنَّا خبَّأنا لك حَيْسًا. فقال: " أما إنِّي كنت أريد الصَّوم، ولكن قرِّبيه ".
هكذا رواه الجماعة عن سفيان بن عيينة، وكذلك رواه جماعة عن طلحة ابن يحيى، لم يذكر أحد منهم القضاء في هذا الحديث.
1902- وقد أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمَّد بن حيَّان الأصبهانيُّ ثنا إسحاق بن إبراهيم بن جميل ثنا محمَّد بن عمرو بن العبَّاس ثنا سفيان بن عيينة عن طلحة بن يحيى عن عمَّته عن عائشة قالت: دخل عَلَيَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: خبَّأنا لك حَيْسًا. فقال: " إنِّي كنت أريد الصَّوم، ولكن قرِّبيه، واقضي يومًا مكانه ".
وكان أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ (2) يحمل في هذا اللفظ على محمَّد بن عمرو ابن العبَّاس الباهليِّ هذا، ويزعم أنَّه لم يروه بهذا اللفظ غيره، ولم يتابع عليه.
__________
(1) (3/159) ؛ (فؤاد- 2/808- رقم: 1154) .
(2) هو في "السنن": (2/177) .(3/313)
وليس كذلك، فقد حدَّث به ابن عُيينة في آخر عمره، وهو عند أهل العلم بالحديث غير محفوظٍ:
1903- أخبرنا بذلك أبو إسحاق بن إبراهيم بن محمَّد الأُرْمَويُّ أنا شافع بن محمَّد أنا أبو جعفر بن سلامة ثنا المزنيُّ ثنا الشَّافعيُّ أنا سفيان ... فذكر هذا الحديث، بهذا اللفظ الذي رواه الرَّبيع، وزاد في آخره: " سأصوم يومًا مكانه ".
قال المزنيُّ: سمعت الشَّافعيَّ يقول: سمعت سفيان عامة مجالسه لا يذكر فيه: " سأصوم يومًا مكانه "، ثمَّ عرضته عليه قبل أن يموت بسنة فأجاب فيه: " سأصوم يومًا مكانه ".
قال البيهقيُّ: وروايته عامَّةُ دهره لهذا الحديث لا يذكر فيه هذا اللفظ، مع رواية الجماعة عن طلحة بن يحيى لا يذكره منهم أحد، منهم: سفيان الثَّوريُّ وشعبة بن الحجَّاج وعبد الواحد بن زياد ووكيع بن الجرَّاح ويحيى بن سعيد القطَّان ويعلى بن عبيد وغيرهم، فدلَّ على خطأ هذه اللفظة، والله أعلم.
وقد روي من وجه آخر عن عائشة ليس فيه هذه اللفظة:
1904- حدَّثناه أبو بكر محمَّد بن الحسن بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا سليمان بن معاذ عن سِماَك عن عكرمة عن عائشة قالت: دخل عَلَيَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فقال: " أعندك شيءٌ؟ " قلت: لا. قال: " إذًا أصوم ". قالت: ودخل عَلَيَّ يومًا آخر، فقال: " أعندك شيءٌ؟ " قلت: نعم. قال: " إذًا أفطر، لإن كنت فرضت الصَّوم ".
وهذا إسنادٌ صحيحٌ (1) 0 انتهى ما ذكره.
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/274-275) .(3/314)
1905- قال النَّسائيُّ في " السُّنن الكبير ": أخبرنا محمَّد بن منصور ثنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمَّته عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: إنَّ عندنا حيسًا، قد خبَّأناه لك. قال: " قرِّبوه ". فكل، وقال: " إنِّي كنت أردت الصَّوم، ولكن أصوم يومًا مكانه ".
قال أبو عبد الرَّحمن: هذا خطأٌ، قد روى هذا الحديث جماعةٌ عن طلحة، فلم يذكر أحدٌ منهم: " ولكن أصوم يومًا مكانه ".
1906- أخبرنا عليُّ بن عثمان ثنا المعافى بن سليمان ثنا [خطَّاب] (1)
ابن القاسم عن خُصيف عن عكرمة عن ابن عبَّاس أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على
حفصة وعائشة وهما صائمتان، ثمَّ خرج، فرجع وهما تأكلان، فقال: " ألم تكونا صائمتين؟ " قالتا: بلى، ولكن أهُدي لنا هذا الطَّعام، فأعجبنا، فكلنا منه. قال: " صوما يومًا مكانه ".
قال أبو عبد الرَّحمن: هذا الحديث منكرٌ، وخُصيف ضعيفٌ في الحديث، وخطَّاب لا علم لي به (2) O.
1907- قال المصنِّف: طريقٌ آخرٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا حمَّاد بن الحسن بن عَنْبسة ثنا أبو داود ثنا سليمان بن معاذ الضَّبِّيُّ عن سِماَك بن حرب عن عكرمة قال: قالت عائشة: دخل عَلَيَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " عندك شيءٌ؟ " قلت: نعم. قال: " إذًا أطعم، وإن كنت قد فرضت الصَّوم".
__________
(1) في الأصل و (ب) : (عتَّاب) ، والتصويب من "السنن الكبرى".
(2) "السنن الكبرى": (2/249- رقمي: 3300- 3301) ، وكلام النسائي في خصيف وخطاب غير موجود في مطبوعة "السنن الكبرى"، ولكن ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (5/130- رقم: 6071) .(3/315)
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ [حسنٌ] (1) صحيحٌ (2) .
ز: هذا الإسناد ليس مذكورًا في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وسليمان بن معاذ هو: ابن قَرْم بن معاذ الضَّبيُ، روى له مسلمٌ (3) ، لكن لا أدري هل روى له متابعةً أم أصلاً؟ ووثَّقه أحمد (4) ، وضعَّفه ابن معين (5) والنَّسائيُّ (6) ، وقال ابن حِبَّان: كان رافضيًّا غاليًا، وكان يقلب الأخبار (7) . وقال الإمام أحمد بن حنبل أيضًا: لا أرى به بأسًا، لكنه كان يفرط في التَّشيُّع (8) .
وسِمَاك بن حرب: روى له مسلمٌ (9) ، ووثَّقه ابن معين (10) وغيره، وكان شعبة يضعِّفه (11) ، وقال يعقوب بن شَيْبة: روايته عن عكرمة خاصةً مضطربة، وهو في غير عكرمة صالحٌ (12) O.
1908- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا الحسن بن عرفة ثنا عليُّ بن ثابت عن محمَّد بن عبيد الله عن عطاء عن أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصبح من الليل وهو يريد الصَّوم، فيقول: " أعندكم
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) "سنن الدارقطني": (2/175- 176) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/272- رقم: 584) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/52- 53- رقم: 2555) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/412- رقم: 2011) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 116- رقم: 251) .
(7) "المجروحون": (1/332) .
(8) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/137- رقم: 625) من رواية محمد بن عوف عنه. (9) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/292- رقم: 631) .
(10) "الكامل" لابن عدي: (3/460- رقم: 875) من رواية ابن أبي مريم.
(11) المصدر السابق.
(12) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/120- رقم: 2579) .(3/316)
شيءٌ؟ أتاكم شيءٌ؟ ". قالت: فنقول: أو لم تصبح (1) صائمًا؟ فيقول: " بلى، ولكن لا بأس أن أفطر، ما لم يكن نذرًا، أو قضاء رمضان " (2) .
قال المصنِّف: محمَّد بن عُبيد الله هو: العَرْزَمِيُّ، ضعيفٌ.
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن الأربعة "، والعَرْزَمِيُّ: تركوه، والله أعلم O.
1909- الحديث الرَّابع: قال التَّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن سِماَك بن حرب عن ابن أمِّ هانئ عن أمِّ هانىء قالت: كنت قاعدة عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأُتي بشرابٍ، فشرب منه، ثمَّ ناولني فشربت، فقلت: إنِّي أذنبت، فاستغفر لي. فقال: " وما ذاك؟ " قلت: كنت صائمةً فأفطرت. فقال: " أَمِن قضاء كنت تقضينه؟ " قلت: لا. قال: " فلا يضرُّك " (3) .
1910- طريقٌ آخرٌ: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو داود الطَّيالسيُّ ثنا شعبة عن جعدة عن أمِّ هانئ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها، فدعا بشرابٍ، فشرب، ثمَّ ناولها، فشربت، وقالت: يا رسول الله، أما إنِّي كنت صائمةً.
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّائم المتطوِّع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أقطر ". قال: قلت له: سمعته من أمِّ هانىء؟ قال: لا، حدَّثنيه أبو صالح وأهلنا عن أمِّ هانىء (4) .
1911- طريقٌ آخرٌ: قال أحمد: ثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن جعدة عن أمِّ هانىء- وهي جدَّته- أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها يوم الفتح،
__________
(1) في "التحقيق": (لعله يصبح) !
(2) "سنن الدارقطني": (2/175) .
(3) " الجامع: (2/101- رقم: 731) .
(4) "المسند": (6/341) .(3/317)
فأُتي بإناءٍ، فشرب، ثمَّ ناولني، فقلت: إنِّي صائمةٌ. فقال: " إنَّ المتطوِّع أميرٌ على نفسه، فإن شئت فصومي، وإن شئت فأفطري " (1) .
1912- طريقٌ آخرٌ: قال أحمد: وثنا بهز ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا سِمَاك ابن حرب عن هارون بن بنت أمِّ هانىء- أو: ابن ابن (2) أمِّ هانىء- عن أمِّ هانىء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب شرابًا، فناولها لتشرب، فقالت: إنِّي صائمةٌ، ولكن كرهت أن أردَّ سؤرك. فقال: " فإنَّ كان قضاءً من رمضان فاقضي يومًا مكانه، وإن كان تطوُّعًا فإن شئت فاقض، وإن شئت فلا تقضي " (3) .
ز: هذا الحديث في إسناده اختلافٌ، وقال التِّرمذيُّ: حديث أمِّ هانىء في إسناده مقالٌ (4) .
وقد رواه النَّسائيُّ من غير وجه، وقال: قد اختلف على سِمَاك بن حرب فيه، وليس ممَّن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث (5) . والله أعلم.
وقال البخاريُّ في جَعدة: لا يعرف إلا بحديث واحد فيه نظر، وهو: " المتطوِّع أمير نفسه " (6) .
وقال ابن عَدِيٍّ: لا أعرف له إلا هذا الحديث الواحد، كما ذكره البخاريُّ (7) .
__________
(1) "المسند": (6/343) .
(2) (ابن) الثانية سقطت من "التحقيق".
(3) "المسند": (6/343- 344) .
(4) "الجامع": (2/103- رقم: 732) .
(5) "السنن الكبرى": (2/252- رقم: 3309) .
(6) كذا جاء في "تهذيب الكمال" للمزي: (4/567- رقم: 931) ، وأما في مطبوعة "التاريخ الكبير": (2/239- رقم: 2316) فلم يذكر البخاري نص الحديث.
(7) "الكامل": (2/179- رقم: 366) .(3/318)
1913- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو ذرٍّ محمَّد بن أبي الحسين بن أبي القاسم المذكِّر ثنا يحيى بن منصور القاضي ثنا أبو عمرو أحمد بن المبارك المستمليُّ ثنا محمَّد بن رافع ثنا يحيى بن أبي الحجَّاج ثنا حاتم بن أبي صَغِيرة عن سِمَاك بن حرب عن أبي صالح عن أمِّ هانىء قالت: دخل عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستسقى، فشرب، فناولني سُؤره وأنا صائمةٌ، فشربت سُؤر رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، فعلت شيئًا لا أدري أصبت أم أخطأت؟! ناولتني سُؤرَك وأنا صائمةٌ، فكرهت أن أردَّ سؤر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: " أمتطوِّعةٌ أم قضاءٌ من رمضان؟ " قلت: متطوِّعةٌ. قال: " المتطوِّع بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر ".
1914- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا بكَّار بن قتيبة القاضي ثنا صفوان بن عيسى القاضي ثنا أبو يونس حاتم بن أبي صَغِيرْة عن سِمَاك بن حرب عن أبي صالح عن أمِّ هانىء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " الصَّائم المتطوِّع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر ".
1915- أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمر وثنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الصَّفَّار ثنا أحمد بن محمَّد البِرْتيُّ القاضي ثنا أبو الوليد ثنا أبو عوانة (ح) وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أَنا أبو محمَّد بن حيَّان أنا أبو يعلى ثنا إبراهيم بن الحجَّاج ثنا أبو عوانة عن سِمَاك عن ابن ابن أمِّ هانئ عن جدَّته- أنَّه سمعه منها-، قالت: أُتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرابٍ يوم فتح مكَّة، فشرب، ثمَّ ناولني، فشربت، وكنت صائمةً، فكرهت أن أردَّ فضل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، إنِّي كنت صائمةً، فكرهت أن أردَّ فضل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال لها: " أكنت تقضين عنك شيئًا؟ ". قالت: لا. قال: " فلا يضرُّك ".
هذا لفظ حديث إبراهيم، وفي رواية أبي الوليد قال: هارون ابن ابن أمِّ(3/319)
هانئ عن أمِّ هانئ- زعم أنَّه سمعه منها- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " أكنت تقضين عنك شيئًا؟ ". قالت: لا. قال: " فلا يضرُّك ".
قال أبو الوليد: حدَّثنا حديث سِمَاك من كتابه.
1916- وحدَّثنا أبو بكر بن فُورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة أنا جَعدة- رجلٌ من قريش- وهو ابن أمِّ هانىء، وكان سِمَاك يحدِّثه فيقول: أخبرني ابنا أمِّ هانىء. قال شعبة: فلقيت أنا أفضلهما جعدة، فحدَّثني عن أمِّ هانىء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها، فناولته شرابًا، فشرب، ثمَّ ناولها، فشربت، فقالت: يا رسول الله، كنت صائمةً.
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّائم المتطوِّع أمين- أو: أمير- نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر ".
قال شعبة: فقلت لجعدة: أسمعته أنت من أمِّ هانىء؟ قال: أخبرني أهلنا وأبو صالح- مولى أمِّ هانىء- عن أمِّ هانىء.
1917- أخبرنا أبو عليٍّ الرُّوذَباريُّ أنا محمَّد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن أمِّ هانىء قالت: لمَّا كان يوم فتح مكَّة، جاءت فاطمة، فجلست عن يسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمُّ هانئ عن يمينه، قال: فجاءت الوليدة بإناءٍ فيه شراب، فناولته، فشرب، ثمَّ ناوله أمَّ هانئ، فشربت منه، فقالت: يا رسول الله، لقد أفطرت وكنت صائمةً. فقال لها: " أكنت تقضين شيئًا؟ " قالت: لا. قال: " فلا يضرُّك إن كان تطوُّعًا ".
1918- أخبرنا أبو عليٍّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان ببغداد ثنا حمزة بن محمَّد بن العبَّاس ثنا عبَّاس بن محمَّد ثنا عبيد الله- يعني: ابن(3/320)
موسى- ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: إذا أصبحت وأنت تنوي الصِّيام، فأنت بآخر (1) النَّظرين، إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت.
1919- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب أنا الرَّبيع بن سليمان أنا الشَّافعيُّ أنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنَّ ابن عبَّاس كان لا يرى بأسًا أن يفطر الإنسان في صيام التَّطوُّع، ويضرب لذلك أمثالاً: رجل طاف سبعًا ولم يوفه، فله أجر ما احتسب؛ أو صلى ركعةً ولم يصلِّ أخرى، فله أجر ما احتسب.
1920- وأخبرنا أبو زكريا ثنا أبو العبَّاس أنا الرَّبيع أنا الشَّافعيُّ أنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عبَّاس لا يرى بالإفطار في صيام التَّطوُّع بأسًا.
1921- وأخبرنا أبو زكريا ثنا أبو العبَّاس أنا الرَّبيع أنا الشَّافعيُّ أنا عبد الجيد عن ابن جريج عن أبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله أنَّه كان لا يرى بالإفطار في صيام التَّطوُّع بأسًا.
1922- أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزَّاز ثنا سعدان ابن نصر ثنا أبو معاوية عن أبي مالك الأشجعيِّ عن سعد بن عُبيدة عن ابن عمر قال: الصَّائم بالخيار، ما بينه وبين نصف النَّهار.
وروي هذا من أوجه أخر مرفوعًا، ولا يصحُّ رفعه.
1923- أخبرنا أبو الحسن محمَّد بن الحسين العلويُّ أنا أبو الفضل
__________
(1) هكذا في الأصل و (ب) ، وفي مطبوعة "سنن البيهقي": (بأحد) .(3/321)
العبَّاس بن محمَّد بن قُو هيَار ثنا إبراهيم بن عبد الله السَّعديُّ أنا عون بن عمارة ثنا حميد الطَّويل أبو عُبيدة عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الصَّائم بالخيار، ما بينه وبين نصف النَّهار ".
1924- وحدَّثنا أبو الحسن العلويُّ أنا أبو الفضل ثنا إبراهيم أنا عون ابن عمارة ثنا جعفر بن الزُّبير عن القاسم عن أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله.
تفرَّد به عون بن عمارة الغُيرَيُّ (1) ، وهو ضعيفٌ.
1925- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمَّد بن إبراهيم البزَاز - ببغداد- ثنا محمَّد بن الفرج الأزرق ثنا يحيى بن غيلان ثنا إبراهيم بن مزاحم ثنا سريع بن نبهان قال: سمعت أبا ذرٍّ يقول: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الصَّائم في التَّطوُّع بالخيار إلى نصف النَّهار ".
1926- وأخبرنا عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفار ثنا محمَّد بن الفرج الأزرق ... فذكره بإسناده مثله.
إبراهيم بن مزاحم وسريع بن نبهان: مجهولان (2) .
1927- أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة الأنصاريُّ أنا أبو حاتم بن أبي الفضل [الهرويُّ] (3) ثنا محمَّد بن عبد الرَّحمن الشَّاميُّ (4) ثنا
__________
(1) كذا في الأصل و (ب) ، وفي مطبوعة "سنن البيهقي": (العنبري) ، وفي حاشيته: (كذا في أكثر النسخ، وفي " مد ": " العنزي "، وضبطه في " الخلاصة ": " العبدي ") أ. هـ
(2) "سنن البيهقي": (4/276- 278) ، والكلام الآتي للبيهقي أيضًا ولكنه في باب آخر، فلا ندري هل كان في نسخة الحافظ ابن عبد الهادي من " سنن اليهقي " سقط أم أنه حذف بعضى الأحاديث اختصارًا؟ الله أعلم.
(3) في الأصل: (الهروني) ، والمثبت من (ب) و"سنن البيهقي".
(4) كذا بالأصل، وفي (ب) و"سنن البيهقي": (السامي) ، وانظر: " الإكمال " لابن ماكولا: (4/557) .(3/322)
إسماعيل بن أبي أويس ثنا أبو أويس عن محمَّد بن المنكدر عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ أنَّه قال: صنعت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا، فأتاني هو وأصحابه، فلما وضع الطَّعام، قال رجلٌ من القوم: إنِّي صائمٌ. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعاكم أخوكم وتكلَّف لكم ". ثمَّ قال له: " أفطر، وصم مكانه يومًا إن شئت ".
وروي ذلك بإسنادٍ آخر عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ قد أخرجناه في " الخلاف " (1) O.
فصلٌ (375/أ)
ولا يجب قضاء ذلك اليوم، ودليلنا ما سبق من حديث أمِّ هانىء.
واحتجُّوا على وجوب القضاء بأحاديث:
1928- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: أُهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان، فأفطرتني، وكانت ابنة أبيها، فلمَّا دخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرنا ذلك له، فقال: " أبدلا يومًا مكانه " (2) .
قال المصنِّف: وهذا محمولٌ على الاستحباب.
1929- وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أحمد بن منيع ثنا كثير بن هشام (3) ثنا
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/279) ، وحديث أبي سعيد ذكره في " مختصر الخلافيات ": (3/ 88- رقم المسألة: 17 " الصِّيام ") .
(2) "المسند": (6/141، 238) .
(3) في (ب) : (زهير) خطأ، ووقع في هذا الموضع سقط في مطبوعة "التحقيق"، فسقط الراوي عن الترمذي والترمذي وشيخ الترمذي وشيخ شخيه، فليتبه لذلك.(3/323)
جعفر بن بُرقان عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبدرتني إليه حفصة، وكانت ابنةَ أبيها، فقالت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا صائمتين، فعرض لنا طعامٌ اشتهيناه، فكلأ منه، فقال: " اقضيا يومًا آخر مكانه ".
قال التِّرمذيُّ: روى هذا الحديث مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفَّاظ عن الزُّهريِّ عن عائشة مرسلاً، ولم يذكروا فيه: (عروة) ، وهذا أصحُّ، لأنَّه روي عن ابن جريج قال: سألت الزُّهريَّ، قلت له: أحدَّثك عروة عن عائشة؟ فقال: لم أسمع من عروة في هذا شيئًا، ولكنِّي سمعت من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث (1) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ في الحديث الأوَّل والثَّاني: ليس في ذلك شيءٌ يثبت (2) .
ز: هذا الحديث رواه النَّسائيُّ من رواية سفيان بن حسين وجعفر بن برقان وغيرهما عن الزُّهريِّ، وتكلَّم على علَّتِه (3) ، وقد رواه البيهقيُّ وأتقن الكلام عليه، فقال:
1930- أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر قال: قرى على عبد الله بن وهب: أخبرك عبد الله بن عُمر ومالك بن أنس ويونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: بلغني أنَّ عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين، متطوِّعتين، فأُهدي لهما طعامٌ، فأفطرتا عليه، فدخل عليهما النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت عائشة: فقالت حفصة- وبدرتني بالكلام، وكانت ابنة أبيها-: يا رسول
__________
(1) "الجامع": (2/104- 105- رقم: 735) .
(2) "العلل": (5/ق125/أ) .
(3) "السنن الكبرى": (2/247- 249- الأرقام: 3291- 3299) .(3/324)
الله، إنِّي أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوِّعتين، وأُهدي لنا طعام، فأفطرنا عليه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقضيا مكانه يومًا آخر ".
هذا حديثٌ رواه الثِّقات الحفَّاظ من أصحاب الزُّهريِّ عنه منقطعًا: مالك بن أنس ويونس بن يزيد ومعمر بن راشد وابن جريج ويحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر وسفيان بن عيينة ومحمَّد بن الوليد الزُّبيديُّ وبكر بن وائل وغيرهم.
1931- وقد حدَّثنا أبو محمَّد عبد الله بن يوسف الأصبهانيُّ إملاء أنا أبو بكر محمَّد بن الحسن القطَّان ثنا عليُّ بن الحسين الهلاليُّ ثنا عبيد الله بن موسى أنا جعفر بن بُرقان عن الزُّهريِّ عن عروة بن الزُّبير عن عائشة قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعامٌ، فاشتهيناه، فأكلناه، فدخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبدرتني حفصة، وكانت ابنة أبيها، فقصَّت عليه القصَّة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقضيا يومًا آخر ".
هكذا رواه جعفر بن بُرقان وصالح بن أبي الأخضر وسفيان بن حُسين عن الزُّهريِّ، وقد وهموا فيه على الزُّهريِّ.
1932- وقد أخبرنا أبو الحسين عليُّ بن محمَّد بن عبد الله بن بشران - ببغداد- أنا أبو جعفر محمَّد بن عمرو الرَّزَّازُ ثنا عبد الملك بن محمَّد ثنا رَوْح بن عبادة ثنا ابن جريج عن ابن شهاب، قلت له: أحدَّثك عروة عن عائشة أنَّها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين ... ؟ فقال: لم أسمع من عروة في هذا شيئًا، ولكن حدَّثني ناسٌ في خلافة سليمان بن عبد الملك عن بعض من كان يدخل على عائشة أنَّها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأهدي لنا هديَّة، فأكلناها، فدخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبدرتني حفصة، وكانت ابنة أبيها، فذكرت ذلك له، فقال: " اقضيا يومًا مكانه ".(3/325)
وكذلك رواه عبد الرَّزَّاق بن همَّام ومسلم بن خالد عن ابن جريج.
1933- وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكيُّ أنا أحمد بن سلمان بن الحسن الفقيه ثنا أحمد بن عليٍّ الأبَّار ثنا محمَّد بن منصور الجَوَّاز ثنا سفيان قال: سمعناه من صالح بن أبي الأخضر عن الزُّهرىِّ عن عروة عن عائشة قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأُهدي لنا طعام، والطَّعام محروص عليه، فكلنا منه، ودخل علينا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فابتدرتني حفصة، وكانت ابنت أبيها، فقالت: يا رسول الله، أصبحنا صائمتين، فأهدي لنا طعامٌ، فأكلنا منه.
فتبسَّم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وقال: " صوما يومًا مكانه ". قال سفيان: فسألوا الزُّهريَّ - وأنا شاهدٌ - فقالوا: هذا عن عروة؟ قال: لا.
1934- وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطَّان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو بكر الحميديُّ ثنا سفيان قال: سمعت الزُّهرىَّ يحدِّث عن عائشة ... فذكر هذا الحديث مرسلاً. قال سفيان: قيل للزُّهريِّ: هو عن عروة؟ قال: لا. وكان ذلك عن (1) قيامه من المجلس، وأقيمت الصَّلاة. قال سفيان: وقد كنت سمعت صالح بن أبي الأخضر حدَّثناه عن الزُّهريِّ عن عروة، قال الزُّهريُّ: ليس هو عن عروة. فظننت أنَّ صالحًا أُتي من قبل العرض.
قال أبو بكر الحميديُّ: أخبرني غير واحد عن معمر أنَّه قال في هذا الحديث: لو كان من حديث عروة ما نسيته 0
فهذان ابن جريج وسفيان بن عيينة شهدا على الزُّهريِّ- وهما شاهدا عدل- بأنه لم يسمعه من عروة، [فكيف] (2) يصحُّ وصل من وصله؟!
__________
(1) في (ب) و"السنن": (عند) .
(2) في الأصل: (وكيف) ولم نتمكن من قراءتها في (ب) ، والمثبت من "سنن البيهقي".(3/326)
قال محمَّد بن عيسى التِّرمذيُّ (1) : سألت محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ عن هذا الحديث، فقال: لا يصحُّ حديث الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة.
وكذلك قال محمَّد بن يحيى الذُّهْليُّ، واحتجَّ بحكاية ابن جريج وسفيان ابن عيينة، وبإرسال من أرسل الحديث عن الزُّهريِّ من الأئمة.
وقد روي عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عَمْرة عن عائشة، وجرير بن حازم وإن كان من الثِّقات، فهو واهمٌ فيه، وقد خطَّأه في ذلك أحمد ابن حنبل وعليُّ بن المدينيِّ، والمحفوظ عن يحيى بن سعيد عن الزُّهريِّ عن عائشة مرسلاً: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عليُّ بن بندار الصَّيرفيُّ قال: سمعت عمر بن محمَّد بن بُجَير يقول: سمعت أبا بكر الأثرم يقول: قلت لأبي عبد الله- يعني أحمد بن حنبل-: تحفظه عن يحيى عن عَمْرَة عن عائشة: أصبحت أنا وحفصة صائمتين ... ؟ فأنكره، وقال: من رواه؟ قلت: جرير بن حازم. قال: جرير كان يحدِّث بالتَّوهم.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني محمَّد بن مظفَّر الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن موسى الخلال ثنا أحمد بن منصور الرَّماديُّ قال: قلت لعليِّ بن المدينيِّ (2) : يا أبا الحسن، تحفظ عن يحيى بن سعيد عن عَمْرَة عن عائشة قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين ... ؟ فقال لي: من [روى] (3) هذا؟
قلت: ابن وهب عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد. قال: فضحك، ثمَّ قال: مثلك يقول مثل هذا؟! ثنا حمَّاد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن الزُّهريِّ أنَّ عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين.
__________
(1) هو في "العلل الكبير": (ص: 119- رقم: 203) .
(2) انظر: "التاريخ" للمقدمي: (ص: 198- 199- رقم: 981) .
(3) زيادة من "سنن البيهقي".(3/327)
وروي من وجه آخر عن عروة عن عائشة:
1935- أخبرناه محمَّد بن عبد الله الحافظ ومحمَّد بن موسى بن الفضل قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا الرَّبيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب أخبرني حَيْوة وعمر بن مالك عن ابن الهاد قال: حدَّثني زُميل- مولى عروة- عن عروة بن الزُّبير عن عائشة أنَّها قالت: أُهدي لي ولحفصة طعامٌ، وكنَّا صائمتين، فقالت إحداهما لصاحبتها: هل لك أن تفطري؟ قالت: نعم.
فأفطرنا، ثمَّ دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالتا له: يا رسول الله، إنَّا أهدي لنا هديَّة، فاشتهيناه، فأفطرنا. فقال: " لا عليكما، صُومَا يومًا آخر مكانه ".
أقام إسناده جماعة عن ابن وهب، وقال بعضهم: (عن أبي زميل) ، ولم يذكر بعضهم (عروة) في إسناده.
أخبرنا أبو سعيد (1) المالينيُّ أنا أبو أحمد عبد الله بن عَدِيٍّ قال: زُميل بن عبَّاس عن عروة، روى عنه ابن الهاد، لا يعرف لزُميل سماعٌ من عُروة، ولا لابن الهاد من زُميل، ولا تقوم به الحجَّة. سمعت ابن حمَّاد يذكره عن البخاريِّ (2) . انتهى ما ذكره.
وقد روى حديث جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد: النَّسائيُّ عن أحمد ابن عيسى عن ابن وهب عنه، وقال: هذا خطأٌ (3) .
وقد روى حديث زُميل: أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن
__________
(1) كذا في الأصل و (ب) ، وفي "سنن البيهقي": (أبو سعد) وهو الصواب.
(2) "سنن البيهقي": (4/279- 281) .
(3) "السنن الكبرى": (2/248- رقم: 3299) ولكن سقط من المطبوعة كلام النسائي، وهو موجود في "تحفة الأشراف": (12/427- رقم: 17945) ، كما وقع تصحيف في الإسناد، ففيها: (عن يحيى بن سعيد عن عروة) والصواب: (عن يحيى بن سعيد عن عمرة) ، وهو على الصواب في "تحفة الأشراف"، والله أعلم.(3/328)
حَيوة بن شرُيح عن ابن الهاد عنه (1) ، ورواه النَّسائيُّ عن الرَّبيع بن سليمان عن ابن وهب عن حَيْوة وعمر بن مالك عن ابن الهاد قال: حدَّثني زُميل ... فذكره، وقال: زُميل ليس بالمشهور (2) .
وقال البيهقيُّ: وروي من أوجه أخر عن عائشة، لا يصحُّ شيءٌ من ذلك، وقد بيَّنت ضعفها في " الخلاف " (3) .
1936- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو عبد الله بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا مِسْعَر عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: إذا أصبح أحدكم صائمًا فبدَا له أن يفطر، فليصم يومًا مكانه- أو قال: مكانه يومًا. شك مِسْعَر (4) - O.
1937- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن عمرو بن العبَّاس الباهليُّ ثنا سفيان بن عيينة قال: حدَّثنيه طلحة بن يحيى عن عمَّته عائشة عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: دخل عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إنِّي أريد الصَّوم ". وأُهدي لى حَيْسٌ، فقال: " إني آكل وأصُوم يومًا مكانه ".
قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يروه بهذا اللفظ عن ابن عيينة غير الباهليِّ، ولم يتابع على قوله: " وأصوم يومًا مكانه "، ولعله شُبِّه عليه- والله أعلم- لكثرة من خالفه عن ابن عيينة (5) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/191- 192- رقم: 2449) .
(2) "السنن الكبرى": (2/247- رقم: 3290) ، ووقع في المطبوعة سقط وتحريف يصحح من "تحفة الأشراف": (12/5- رقم: 16337) .
(3) انظر: " مختصر الخلافيات ": (3/90) .
(4) "سنن البيهقي": (4/281) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/177) .(3/329)
ز: قد تقدَّم هذا الحديث والكلام عليه (1) ، والباهليُّ: وثَّقه ابن خِراش فيما حكاه عنه ابن عُقْدة (2) O.
1938- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سوادة (3) ثنا حمَّاد ابن خالد عن محمَّد بن أبي حميد عن إبراهيم بن عبيد قال: صنع أبو سعيد الخُدريُّ طعامًا، فدعى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فقال رجلٌ من القوم: إنِّي صائمٌ. فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صنع لك أخوك، وتكلَّف لك أخوك، أفطر وصم يومًا مكانه ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا مرسلٌ (4) .
قال المصنِّف: قلت: ومحمَّد بن أبي حميد: قال فيه يحيى: ليس حديثه بشيءٍ (5) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (6) . وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به (7) .
ز: كذا في النُّسخة التي كتبت منها، وقد سقط بين الدَّارقُطْنِيُّ وبين أحمد بن محمَّد بن سوادة رجلٌ، وكأنه ابن مخلد (8) .
__________
(1) برقم: (1902) . وانظر الأرقام: (1899- 1905) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (3/127- رقم: 1145) .
(3) كذا وقع في الأصل و (ب) و"التحقيق"، وقد سقط من الإسناد شيخ الدارقطني، وهو: أحمد بن محمَّد بن يزيد الزعفراني، كما في مطبوعة "السنن" و"إتحاف المهرة": (5/163- رقم: 5119) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/177) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/180- رقم: 800) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 83- رقم: 137) .
(7) "المجروحون": (1/253) .
(8) بل هو أحمد بن محمَّد بن يزيد الزعفراني كما سبق، لكن تنبُّه المنقح لهذا يدل على دقته وسعة حفظه رحمه الله.(3/330)
وأحمد بن محمَّد بن سوادة: كنيته: أبو العبَّاس، ويعرف بـ " خُشَيْش "، وهو كوفيٌّ نزل بغداد، وحدَّث عن عُبيدة بن حُميد وعَمرو بن عبد الغفَّار وزيد بن الحبُاب وحمَّاد بن خالد، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: يعتبر بحديثه ولا يحتجُّ به (1) . وقال ابن أبي حاتم: كتبنا من حديثه فلم يُقضَ لنا السَّماع منه (2) . وقال الخطيب: ما رأيتُ أحاديثه إلا مستقيمة (3) . مات سنة ثمان وخمسن ومائتين.
وإبراهيم بن عبيد هو: ابن رفاعة بن رافع الأنصاريُّ، الزُّرقيُّ، المدنيُّ، روى له مسلمٌ (4) ، ووثَّقه أبو زرعة (5) ، وقال فيه الإمام أحمد: ليس بمشهور بالعلم (6) .
ومحمَّد بن أبي حميد هو: المدنيُّ، ويقال له: حمَّاد أًضَا، قال ابن عَدِيٍّ: هو مع ضعفه يكتب حديثه (7) .
وقد تقدَّم (8) هذا الحديث من رواية محمَّد بن المنكدر عن أبي سعيدٍ، وفي آخره: " وصم يومًا مكانه إن شئت ".
1939- وقال أبو داود الطَّيالسيُّ: ثنا محمَّد بن أبي حميد عن إبراهيم [بن] (9) عبيد (10) بن رفاعة الزُّرقيِّ عن أبي سعيد قال: صنع رجلٌ طعامًا،
__________
(1) "تاريخ بغداد": (5/12- رقم: 2360) .
(2) "الجرح والتعديل": (2/73- رقم: 141) .
(3) "تاريخ بغداد": (5/12- رقم: 2360) .
(4) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/43- رقم: 39) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/114- رقم: 342) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/114- رقم: 342) من رواية ابنه صالح عنه.
(7) "الكامل": (6/197- رقم: 1671) .
(8) برقم: (1927) .
(9) في الأصل: (عن) ، والتصويب من " مسند الطيالسي "، وهي غير ظاهرة في (ب) .
(10) في مطبوعة "المسند": (عبيد الله) ، وهو على الصواب في " المطالب العالية " لابن حجر: (3/72- 73- رقم: 2447) .(3/331)
ودعى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فقال رجلٌ: إنِّي صائمٌ. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أخوك صنع طعامًا ودعاك، أفطر واقض يومًا مكانه " (1) .
قال البيهقيُّ: ورواه ابن أبي فُديك عن ابن أبي حميد، وزاد فيه: " إن أحببت " يعني القضاء، وابن أبي حميد: يقال له: محمَّد، ويقال: حمَّاد، وهو ضعيفٌ (2) O.
1940- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد بن عمرو ثنا عليُّ بن سعيد الرَّازيُّ ثنا عَمرو بن خُليف (3) بن إسحاق الخثعميُّ ثنا أبي ثنا عمِّي إسماعيل ابن مرسالٍ ثنا محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: صنع رجلٌ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا، دعى النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه له، فلما أتى الطَّعام تنحَّى أحدُهم، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مالك؟ " قال: إنِّي صائمٌ. فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تكلَّف لك أخوك وصنع، ثمَّ تقول: إنِّي صائم! كل وصم يومًا مكانه " (4) .
قال ابن عَدِيٍّ: عمرو بن خليف متهمٌ بوضع الحديث (5) . وقال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث (6) .
__________
(1) " مسند الطيالسي ": (ص: 293- رقم: 2203) .
(2) "سنن البيهقي": (7/264) ، ويلاحظ أن هذا الكلام في كتاب الصداق، وهذا من مزايا نقل الحافظ ابن عبد الهادي فهو يجمع لك للكلام المتفرق من الكتب الكبار في مكان واحد.
(3) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (خلف) ، وهي كما بالأصل في "إتحاف المهرة" لابن حجر: (3/549- رقم: 3712) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/178) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (5/154- رقم: 1318) ، وانظر ما يأتي في التعلق التالي.
(6) "المجروحون": (2/80) .
(تنبيه) كلام ابن عدي وابن حبان السابق، وكلام ابن عبد الهادي الآتي، كل ذلك في عمرو ابن خليف الحتَّاوي أبو صالح من أهل عسقلان، هذا كل ما جاء في نسبته فيما وقفنا عليه من كتب التراجم، ولسنا بمتحققين من كونه نفس الرجل الذى في إسناد الدارقطني، فنخشى أن يكون آخرًا، والله أعلم.(3/332)
ز: عمرو بن خليف: كنيته أبو صالح، ويقال له: (الحَتَّاوي) ، و" حَتَّاوة " قرية بعسقلان، ليس هو بشيءٍ، وأبوه وإسماعيل: مجهولان.
وقد تقدَّم (1) هذا الحديث من رواية أبي أويس عن ابن المنكدر عن أبي سعيد O.
1941- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا القاسم بن إسماعيل أبو عبيد ثنا (2) القاسم بن هاشم السِّمسار ثنا عتبة بن السَّكن ثنا الأوزاعيُّ ثنا عُبادة بن نُسي وهبيرة بن عبد الرَّحمن قالا: ثنا أبو أسماء الرَّحَبِيُّ ثنا ثوبان قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صائمًا في غير رمضان، فأصابه غمٌّ آذاه، فتقيَّأ، فقاء، فدعا بوَضوءٍ، فتوضَّأ، ثمَّ أفطر، فقلت: يا رسول الله، أفريضةٌ الوُضوء من القيء؟ قال: " لو كمان فريضةً لوجدتَه في القرآن ". قال: ثمَّ صام الغد، سممعته يقول: " هذا مكن إفطاري أمس ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: عتبة بن السَّكن متروك الحديث (3) .
1942- قال الدَّارَقُطْنيُ: وحدَّثنا الحسن بن الحسين الأنطاكيُّ ثنا يوسف بن بحر (4) ثنا يزيد بن عبد ربه ثنا محمَّد بن حميد عن الضَّحَّاك بن حمزة (5) عن منصور بن أبان عن الحسن عن أُمِّه عن أُمِّ سلمة أنَّها صامت يومًا
__________
(1) برقم: (1927) .
(2) في "التحقيق" زيادة: (أبو) ، وهي مقحمة.
(3) "سنن الدارقطني": (2/184) ، وانظر: (1/159) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: يوسف بن بحر التميمي، أبو القاسم، سكن حمص، قال الدارقطني: ليس بالقوي) أ. هـ وكللام الدارقطني ذكره الذهبي في "الميزان": (4/463- رقم: 9859) .
(5) كذا بالأصل و"التحقيق"، وفي (ب) كأنها: (جمرة) ، والصولب: (حُمْرة) بضم الحاء الهملة، وبالراء.(3/333)
تطوُّعًا، فأفطرت، فأمرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تقضي يومًا مكانه. تفرَّد به الضَّحَّاك عن منصور (1) ، قال يحيى: الضَّحَّاك ليس بشيءٍ (2) .
وقال أبو زرعة: محمَّد بن حميد كذَّابٌ (3) .
ز: كان في النُّسخة التي نقلت منها: (الحسين بن الحسن الأنطاكيُّ) ، وهو وهمٌ، إنَّما هو: الحُسين بن الحُسين بن عبد الرَّحمن الأنطاكيُّ، قاضي الثغور، ويعرف ب " ابن الصَّابونيُّ "، روى عنه أبو بكر الشَّافعيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ وابن شاهين، وكان ثقةً، توفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة، وقد وجدته على الصَّواب في نسخة أخرى.
وقوله: (عن محمَّد بن حميد) وهمٌ، وظنَّه المؤلِّف: الرَّازيُّ، فتكلَّم فيه، وإنَّما هو: محمَّد بن حِمْيَر السَّليحيُّ (4) ، وهو ثقةٌ، روى له البخاريُّ في "صحيحه" (5) ، والجُرْجُسيُّ (6) لا يروي عن محمَّد بن حميد الرَّازيِّ شيئًا.
وقوله: (عن منصور بن أبان) وهمٌ، إنَّما هو: منصور بن زاذان (7) ، أحد الثِّقات المشهورين، والأولياء الصَّالحين O.
*****
__________
(1) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (5/400- رقم: 5857) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (4/380- رقم: 4877) .
(3) انظر: "تاريخ بغداد" للخطيب: (2/263) ، وانظر ما يأتي في كلام المنقح.
(4) تصحف في " أطراف الغرائب والأفراد " إلى: (محمَّد بن جبير) .
(5) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/629- رقم: 475) .
(6) هو يزيد بن عبد ربه الزُّبيدي.
(7) هو على الصواب في " أطراف الغرائب والأفراد ".(3/334)
مسألة (376) : إذا نذر صيام يوم العيد، لم يصم، ويقضي، ويكفِّر.
وعنه: إن صامه أجزأه.
وقال أبو حنيفة: يفطر، ويقضي، فإن صامه أجزأه.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا ينعقد هذا النَّذر.
1943- قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ أنَّه سمع أبا عبيد قال: شهدت العيد مع عمر، فبدأ بالصَّلاة قبل الخطبة، وقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام هذين اليومين، أمَّا يوم الفطر: فيوم فطركم من صومكم، وأمَّا يوم الأضحى: فكلو من لحم نسككم (1) .
1944- قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال: عبد الملك بن عمير أنبأني قال: سمعت قزعة- مولى زياد- قال: سمعت أبا سعيد الخُدريَّ قال: سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام يومين: يوم النَّحر، ويوم الفطر (2) .
1945- قال أحمد: وثنا روح ثنا مالك عن محمَّد بن حَبَّان (3) عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام يومن: يوم الفطر، ويوم النَّحر (4) .
__________
(1) "المسند": (1/24) ؛ "صحيح البخاري": (3/499) ؛ (فتح- 4/238- رقم: 1990) ؛ "صحيح مسلم": (3/152) ؛ (فؤاد- 2/799- رقم: 1137) .
(2) "المسند": (3/71) ، وانظر: (3/34) ؛ "صحيح البخاري": (3/500) ؛ (فتح - 4/240- 241- رقم: 1995) ؛ "صحيح مسلم": (3/152- 153) ؛ (فؤاد- 2/799- رقم: 827) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: هو محمَّد بن يحيى بن حَبَّان) .
(4) "المسند": (2/511) ؛ "صحيح البخاري": (3/499- 500) ؛ (فتح- 4/240- رقم: 1993) ؛ "صحيح مسلم": (3/152) ؛ (فؤاد- 2/799- رقم: 1138) .(3/335)
الأحاديث الثَّلاثة في "الصَّحيحين".
1946- قال أحمد: حدَّثنا أبو سعيد- مولى بني هاشم- ثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عمرو بن سُليم عن [أمِّه قالت] (1) : بينما نحن بمنى، إذا عليُّ بن أبي طالب يقول: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ هذه أيَّام أكلٍ وشربٍ، فلا يصومها أحدٌ " (2) .
ز: في إسناد هذا الحديث اختلافٌ كثير، قد ذكره النَّسائيُّ (3) وغيره، والله أعلم O.
1947- قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن بكر أنا محمَّد بن أبي حميد قال: أخبرني إسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقَّاص عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا سعد، قم فأذِّن بمنى: إنَّها أيَّام أكل وشرب، ولا صوم فيها" (4) .
ز: هذا الحديث لم يروه أحدٌ من أصحاب " السُّنن ".
ومحمَّد بن أبي حميد: ضعَّفه غير واحدٍ من الأئمة، وقال التِّرمذيُّ: ليس هو بالقويِّ عند أهل الحديث (5) O.
قال المصنِّف: وفي الباب عن عبد الرَّحمن بن عوف وعقبة بن عامر وأنس وعائشة.
__________
(1) في الأصل و (ب) : (أبيه قال) ، والتصويب من "المسند" و"التحقيق" وكتب الرجال.
(2) "المسند": (1/76) .
(3) "السنن الكبرى": (2/165- 169- الأرقام: 2875- 2890) ؛ وانظر: " تحفة الأشراف " للمزي: (7/469- 470- رقم: 10342) .
(4) "المسند": (1/174) .
(5) "الجامع": (4/27؛ 5/541- رقمي: 2151، 3585) .(3/336)
مسألة (377) : يكره إفراد يوم الجمعة والسَّبت بالصِّيام إلا أن يوافق عادةً.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يكره.
لنا عشرة أحاديث.
الحديث الأوَّل: حديث جويرية، وقد ذكرناه في مسألة التَّطوُّع بالصَّوم، وذكرناه من حديث عبد الله بن عمرو (1) .
1948- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا ابن نُمير أنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا يوم الجمعة، إلا وقبله أو بعده يوم " (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
1949- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا هوذة بن خليفة ثنا عوف عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفرد يوم الجمعة بصومٍ (4)
ز: حديث عوف هذا لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة" O.
1950- الحديث الرَّابع: قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا أبو كريب ثنا حسين الجُعفيُّ عن زائدة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) ر قم: (1897) ، ورقم: (1898) .
(2) "المسند": (2/495) .
(3) "صحيح البخاري": (3/498) ة (فتح- 4/232- رقم:1985) .
"صحيح مسلم": (3/154) ؛ (فؤاد- 2/801- رقم: 1144) .
(4) "المسند": (2/394) .(3/337)
قال: " لا تخصُّوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصُّوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيَّام، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ.
1951- الحديث الخامس: قال أحمد: حدَّثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن عاصم عن محمَّد بن سيربن عن أبي الدَّرداء قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا الدَّرداء، لا تختصَّ ليلة الجمعة بقيامٍ دون الليالي، ولا يوم الجمعة بصيامٍ دون الأيَّام " (2) .
ز: محمَّد بن سيرين: لم يلق أبا الدَّرداء، فهو منقطعٌ، والمشهور حديث ابن سيرين عن أبي هريرة، وقد روى النَّسائيُّ حديث أبي الدَّرداء فقال:
1952- أخبرنا أبو بكر بن عليٍّ ثنا محمَّد بن عبد الله المُخَرِّميُّ ثنا الأسود بن عامر ثنا إسرائيل عن عاصم عن محمَّد بن سيربن عن أبي الدَّرداء قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا الدَّرداء، لا تخصَّ يوم الجمعة بصيامٍ دون الأيام، ولا تخصَّ ليلة الجمعة بقيامٍ دون الليالي " (3) O.
1953- الحديث السَّادس: قال أحمد: حدَّثنا سفيان بن عيينة عن عبد الحميد بن جُبير بن شيبة سمع محمَّد بن عبَّاد بن جعفر قال: سألتُ جابرًا: أنهى رسول الله عن صيام يوم الجمعة؟ قال: نعم وربِّ هذا البيت (4) .
ز: هذا الحديث مخرَّج في "الصَّحيحين" من حديث عبد الحميد، رواه
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/154) ؛ (فؤاد- 2/801- رقم: 1144) .
(2) "المسند": (6/444) .
(3) "السنن الكبرى": (2/141- رقم: 2752) .
(4) "المسند": (3/312) .(3/338)
البخاريُّ عن أبي عاصم عن ابن جريج عنه (1) ؛ ورواه مسلمٌ عن محمَّد بن رافع عن عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج، وعن عمرو النَّاقد عن سفيان بن عيينة (2) .
قال البخاريُّ: زاد غير أبي عاصم: أن يفرد بصومٍ.
قال البيهقيُّ: هذه الزِّيادة ذكرها يحيى بن سعيد القطَّان عن ابن جريج إلا أنَّه قصر بإسناده، فلم يذكر فيه: عبد الحميد بن جُبير، وقد رويت هذه الزِّيادة في حديث أبي هريرة وغيره (3) O.
1954- الحديث السَّابع: قال أحمد: وحدَّثنا إبراهيم بن إسحاق الطَّالْقَانِيُّ ثنا الوليد بن مسلم عن يحيى بن حسَّان قال: سمعت عبد الله بن [بُسر] (4) يقول: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا يوم السَّبت إلا فيما افترض عليكم " (5) .
ز: رواه أبو القاسم الطَّبرانيُّ عن الحسين بن إسحاق التَّستريِّ عن محمَّد ابن الصَّبَّاح الجَرْجَرَائيِّ عن الوليد ثنا يحيى ... فذكره (6) .
ويحيى بن حسَّان هذا: لا بأس به، فقد وثَّقه غير واحده.
1955- الحديث الثَّامن: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا محمَّد ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مَرثد بن عبد الله اليَزَنيِّ عن حذيفة
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/489) ؛ (فتح- 4/232- رقم:1984) .
(2) "صحيح مسلم": (3/153- 154) ؛ (فؤاد- 2/801- رقم: 1143) .
(3) "سنن البيهقي": (4/302) .
(4) في الأصل و (ب) : (بشر) خطأ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(5) "المسند": (4/189) .
(6) مسند " عبد الله بن بسر " ضمن الجزء المخروم من "المعجم الكبير"، وخرجه من طريق الطبراني: الضياءُ في "المختارة": (9/104- رقم: 92) .(3/339)
الأَزْدِيِّ عن جنادة الأَزْدِيِّ قال: دخلتُ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم جمعة- في سبعة من الأَزْدِ، أنا ثامِنُهم- وهو يتغدَّى، فقال: " هلمُّوا إلى الغداء ".
فقلنا: يا رسول الله، إنَّا صيامٌ. قال: " أصمتم أمس؟ " قلنا: لا. قال: " فتصومون غدًا؟ " قلنا: لا. قال: " فأفطروا ". قال: فكلنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا خرج وجلس على المنبر، دعا بإناء من ماء، فشرب وهو على المنبر، والنَّاس ينظرون، يريهم أنَّه لا يصوم يوم الجمعة (1) .
ز: هذا حديثٌ حسنٌ، وقد رواه النَّسائيُّ فقال:
1956- أخبرنا الرَّبيع بن سليمان ثنا ابن وهب قال: حدَّثني الليث بن سعد- وذكر آخر قبله- عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن حذيفة البَارِقِيِّ عن جُنادة الأزْدِيِّ أنَّهم دخلوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمانية نفرٍ- وهو ثامنهم-، فقرَّب إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا يوم جمعةٍ، فقال: " كلوا ". قالوا: صيامٌ.
قال: " صمتم أمس؟ " قالوا: لا. قال: " فصائمون غدًا؟ " قالوا: لا.
قال: " فأفطروا ".
1957- أخبرني أحمد بن بكَّار ثنا محمَّد عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن حذيفة الأزْدِيِّ عن جنادة الأَزْدِيِّ قال: دخلتُ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا ثامن سبعة من قومي من الأَزْدِ- ... فذكره نحوه (2) .
كذا رواه عن أحمد بن بكَّار، ولم يذكر (أبا الخير) في روايته، وقد رواه
__________
(1) لم نقف عليه في مطبوعة "المسند"، وقد ساق إسناده الحافظ ابن حجر في "أطراف المسند": (2/ 208- رقم: 2115) وفي "إتحاف المهرة": (4/79- رقم: 3980) .
ومسند جنادة الأزدي من المسانيد التي فُقدت من "مسند الإمام أحمد"، وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في " ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل في المسند ": (ص: 45- رقم: 63) وعيَّن موضعه فقال: (جنادة الأزدي، في الخامس عشر من مسند الأنصار) أ. هـ
(2) "السنن الكبرى": (2/145- 146- رقمي: 2773- 2774) .(3/340)
البخاريُّ في "تاريخه" عن محمَّد بن سلام (1) عن محمَّد بن سلمة، وذكر فيه (أبا الخير) (2) ، وكذلك رواه عامَّة أصحاب ابن إسحاق عنه، فإمَّا أن يكون
__________
(1) اختلف العلماء اختلافًا كبيرًا في ضبط اسم والد محمَّد (سلام) هل هو بالتشديد أم بالتخفيف؟
انظر: " تلخيص المتشابه في الرسم " للخطيب: (1/126- 127) ، و" الإكمال " لابن ماكولا: (5/405) ، "فتح الباري" لابن رجب: (2/ 288- رقم: 347) ، " توضيح المشتبه " لابن ناصر الدين: (5/219) ، وقد استقصى أقوال أغلب العلماء في ذلك العلامة الحافظ المعلمي في تعليقه على " الإكمال " لابن ماكولا: (5/405- 409) ، ويحسن أن يضاف إلى ما نقله كلام الحافظ ابن رجب الذي في "الفتح"، تتميما للفائدة، والله الموفق.
(2) البخاري- رحمه الله- ذكر هذه الرواية في ثلاثة مواضع من "تاريخه": الموضع الأول: (2/233- رقم: 2298) في ترجمة جنادة بن مالك الأزدي، قال: (حدثني محمَّد بن سلام حدثنا محمَّد بن سلمة عن ابن إسحاق عن ابن أبي حبيب عن حذيفة الأزدي عن جنادة الأزدي ... ) فلا ذكر لأبي الخير في هذا الموضع كما ترى، ثم أعاده في: الموضع الثاني: (3/97- رقم: 337) في ترجمة حذيفة الأزدي، قال: (حذيفة الأزدي عن جنادة الأزدي: دخلت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا تاسع تسعة. قاله محمَّد بن سلام حدثنا محمَّد بن سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب) .
الموضع الثالث: (8/244- رقم: 3259) في ترجمة يزيد بن عبد الله اليزني- هو أبو الخير مرثد اليزني-، قال: (يزيد بن عبد الله اليزني عن حذيفة الأزدي عن جنادة الأزدي قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى عنه يزيد بن أبي حبيب) ا. هـ
وفي ترجمة مرثد بن عبد الله أبو الخير اليزني: (7/416- رقم: 1826) ذكر أن يزيد بن أبي حبيب روى عنه.
فأمام هذا الإشكال نحن بين احتمالين:
الأول: أن يكون ثَمَّ اختلاف بين الرواة: فبعض الرواة ذكر واسطة بين ابن أبي حبيب وحذيفة كما في الروايات السابقة؛ وبعضهم لم يذكر واسطة كما في رواية أحمد بن بكار ومحمَّد بن سلام.
ويقوي هذا الاحتمال تكرار ذكر الإسناد على هذا الوجه في موضعين (الأول والثاني) .
وعلى هذا يكون عمدة ما جاء في الموضع الثالث وفي ترجمة مرثد= الإسناد الآخر الذي فيه ذكر الواسطة، ويكون البخاري لم يسنده.
الثاني: أن يكون سقط ذكر أبي الخير من النسخة الخطية، ويقوي هذا الاحتمال مايلي:
أ- ما جاء في الموضع الثالث وفي ترجمة مرثد.
ب- ما ذكره الحافظ ابن عبد الهادي هنا، وسبقه إليه الحافظ المزي في "تحفة الأشراف": (2/438- رقم: 3248) ، بل هذا الكلام بحروفه هناك، والله تعالى أعلم.(3/341)
الوهم من أحمد بن بكَّار، أو ممن دونه.
إلا أنَّ البخاريَّ ذكر هذا الحديث في ترجمة جنادة بن مالك الأزديِّ، ووهم في ذلك، فإنَّ أسد بن موسى وقتيبة بن سعيد روياه عن ابن لهيعة- وهو الذي كنَّى النَّسائيُّ عن اسمه- عن يزيد بن أبي حبيب وقالا: جنادة بن أبي أميَّة، وكذلك رواه يحيى بن بكير عن الليث عن يزيد، إلا أن قتيبة لم يذكر (حذيفة البَارِقيَّ) .
وذكر ابن أبي حاتم: جنادة الأَزْدِيَّ هذا، ولم ينسبه، وذكر له هذا الحديث؛ ثمَّ ذكر جنادة بن أبي أميَّة الدَّوسيَّ مفردًا؛ ثمَّ ذكر جنادة بن مالك الأَزْدِيَّ كن مفردًا؛ ولم يصنع شيئًا في الفرق بين جنادة الأَزْدِيِّ وابن أبي أميَّة O.
1958- الحديث التَّاسع: قال أحمد: حدَّثنا أبو عاصم ثنا ثور عن خالد بن مَعْدان عن عبد الله بن بُسر عن أخته الصَّمَّاء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تصوموا يوم السَّبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغها " (1) .
ز: هذا الحديث رواه أصحاب " السُّنن الأربعة " (2) ، وحسَّنه التِّرمذيُّ، وفي إسناده اختلافٌ قد ذكره النَّسائيُّ وغيره.
وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخٌ.
وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريِّ ولم يخرجاه (3) .
__________
(1) "المسند": (6/368) .
(2) "سنن أبي داود": (3/175- رقم: 2413) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/112- رقم: 744) ؛ "السنن الكبرى" للنسائي: (2/143- رقم: 2760 وما بعده) ؛ "سنن ابن ماجة": (1/550- رقم: 1726) .
(3) "المستدرك": (1/435) .(3/342)
وقال مالك: هذا كذبٌ (1) .
1959- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن أبي طاهر الدَّقَّاق- ببغداد- أنا أحمد بن سلمان الفقيه أنا عبد الملك بن محمَّد ثنا أبو عاصم ثنا ثور بن يزيد [ح] (2) ، وأخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا البَاغَنْدِيُّ ثنا أبو عاصم عن ثور عن خالد بن مَعْدان عن عبد الله ابن بُسر عن أخته الصَّماء قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصوموا يوم السَّبت، وإن لم يجد أحدكم إلا عودًا فليمضغه ". لفظ حديث الدَّقَّاق، وفي رواية ابن عبدان: " لا يصومنَّ أحدكم يوم السَّبت إلا فيما افترض عليه، وإن لم يجد إلا لحاء شجرةٍ فليمضغه ".
ورواه أيضًا الوليد بن مسلم وغيره عن ثور، أخرجه أبو داود في " كتاب السُّنن ".
1960- وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا عليُّ بن حمشاذ العدل ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبو النَّضر ثنا الليث عن معاوية بن صالح عن ابن عبد الله بن بُسر عن أبيه عن عمَّته الصَّماءأنَّها كانت تقول: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم يوم السَّبت، ويقول: " إن لم يجد أحدكم إلا عودًا أخضر فليفطر عليه ".
1961- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني محمَّد بن صالح بن هانئ ثنا محمَّد بن إسماعيل بن مهران ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ثنا ابن وهب قال: سمعت الليث يحدِّث عن ابن شهاب أنَّه كان إذا ذكر له أَنَّه نهى عن صيام يوم السَّبت قال: هذا حديثٌ حمصيٌّ (3) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/177- رقم: 2416) .
(2) زيادة من "سنن البيهقي".
(3) انظر: تعليق محمَّد عوامة على "سنن أبي داود": (3/177- رقم: 2415) وليحرر.(3/343)
1962- وأخبرنا أبو عليٍّ الروذباريُّ أنا محمَّد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمَّد بن الصَّبَّاح بن سفيان ثنا الوليد عن الأوزاعيِّ قال: مازلت له كاتمًا، ثمَّ رأيته انتشر! يعني حديث ابن بُسْر هذا في صوم السَّبت.
قال البيهقيُّ: وقد مضى في حديث جويرية بنت الحارث في الباب قبله، ما دلَّ على جواز صوم يوم السَّبت، وكأنَّه أراد بالنَّهي تخصيصه بالصَّوم على طريق التَّعظيم له، والله أعلم.
1963- وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن حليم المروزيُّ أنا أبو المُوَجِّه ثنا عبدان أنا عبد الله- هو: ابن المبارك- ثنا عبد الله بن محمَّد بن عمر بن عليٍّ عن أبيه أنَّ كُريبًا- مولى ابن عبَّاس- أخبره أنَّ ابن عبَّاس وناسًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثوني إلى أمِّ سلمة، أسألها عن أيِّ الأيام كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثر لها صيامًا، فقالت: يوم السَّبت والأحد. فرجعت إليهم فأخبرتهم، فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم إليها، فقالوا: إنَّا بعثنا إليك هذا في كذا وكذا، فذكر أنَّك قلت كذا وكذا. فقالت: صدق، إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر ما كان يصوم من الأيَّام: يوم السَّبت، ويوم الأحد، وكان يقول: " إنَّهما يوما عيد المشركين، وأنا أريد أن أخالفهم " (1) .
1964- وقال النَّسائيُّ: أخبرنا كثير بن عبيد الحمصيُّ ثنا بقيَّة بن الوليد عن عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن محمَّد بن عمر- وهو [ابن] (2) عليٍّ- عن أبيه عن كُريب أنَّ ابن عبَّاس بعث إلى أمِّ سلمة وإلى عائشة، يسألهما: ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبُّ أن يصوم من الأيَّام؟ فقالتا: ما مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى كان أكثر صومه: يوم السَّبت والأحد، ويقول: " هما عيدان لأهل الكتاب، فنحن نحبُّ أن نخالفهم ".
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/302- 303) .
(2) في الأصل: (أبو) ، والتصويب من (ب) و"السنن الكبرى".(3/344)
ورواه عن محمَّد بن حاتم المروزيِّ عن حِبَّان عن ابن المبارك نحو رواية عبدان (1) .
وعبد الله بن محمَّد بن عمر وأبوه: ذكرهما ابن حِبَّان في كتاب
"الثِّقات" (2) ، وحديثهما قليل.
وليس في هذا الحديث دليلٌ على إفراد السَّبت بالصَّوم، والله أعلم O.
1965- الحديث العاشر: قال أحمد: حدَّثنا إسحاق (3) ثنا ابن لَهيْعة ثنا موسى بن وَرْدَان عن عبيد الأعرج قال: حدَّثتني جدَّتي- يعني الصَّمَّاء- أنَّها دخلت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم السَّبت وهو يتغدَّى، فقال: " تعالي فكلي ". فقالت: إنِّي صائمة. فقال لها: " أصمت أمس؟ " قالت: لا. قال: "كلي، فإنَّ صيام يوم السِّبت لا لك، ولا عليك " (4) .
ز: هذا الحديث بهذا الإسناد لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن ".
وابن لهيعة: ضعيفٌ.
وموسى بن وَرْدَان: وُثِّق وضُعِّف.
وعبيد الأعرج: لا يعرف.
1966- وقال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا الحكم بن موسى ثنا مبشر بن إسماعيل ثنا حسَّان بن نوح قال: سمعت عبد الله بن بُسْر المازنيُّ يقول: ترون
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/146- رقمي: 2775- 2776) .
(2) "الثقات": (5/353) ، (7/1-2) ، وقال في عبد الله: (يخطىء ويخالف) ا. هـ
(3) كذا في الأصل و"التحقيق"، وفوقها بالأصل: (كذا) وفي " الهامش ": (يحيى بن إسحاق) ثم (صح) ، وفي (ب) و"المسند": (يحيى بن إسحاق) .
(4) "المسند": (6/368) .(3/345)
يدي هذه بايعت بها رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمعته يقول: " لا تصوموا يوم السَّبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليفطر عليها " (1) .
رواه الإمام أحمد بن حنبل (2) والنَّسائيُّ (3) والطَّبرانيُّ (4) وأبو حاتم البستيُّ (5) من رواية حسَّان بن نوح، وقد روى عنه غير واحد، وهو حمصيٌّ محلُّه الصِّدق، والله أعلم O.
احتجُّوا:
1967- بما رواه ابن شاهين: ثنا محمَّد بن هارون الحضرميُّ ثنا عمرو ابن عليٍّ ثنا ميمون بن زيد ثنا ليث عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّه لم ير النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر يوم جمعة قطُّ (6) .
1968- طريق آخر: قال أبو الطَّيب الطَّبريُّ: أنا أبو أحمد الغِطْرِيُّ ثنا أبو خليفة ثنا عليُّ بن المدينيِّ ثنا حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر قال: ما رأيت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفطرًا في يوم جمعة قطُّ.
والجواب من وجهين:
__________
(1) لم نقف عليه في " مسند أبي يعلى- رواية ابن حمدان "، وقد خرجه من طريقه: الضياءُ في "المختارة": (9/58- رقم: 40) من رواية محمَّد بن إبراهيم المقرىء عنه، وهو صاحب الرواية الكبيرة لـ "مسند أبي يعلى".
(2) "المسند": (4/189) .
(3) "السنن الكبرى": (2/143- رقم: 2759) .
(4) مسند " عبد الله بن بسر " ضمن الجزء المخروم من "المعجم الكبير"، وخرجه من طريق الطبراني: الضياءُ في "المختارة": (9/59- رقم: 42) .
(5) "الإحسان": (8/379- رقم: 3615) .
(6) " ناسخ الحديث ومنسوخه ": (ص: 327- رقم: 388) .(3/346)
أحدهما: أنَّ الطَّريقين تدور على ليث، وهو متروكٌ، تركه يحيى القطَّان (1) ويحيى بن معين (2) وابن مهدي (3) وأحمد (4) ، وقال ابن حِبَّان الحافظ: اختلط في آخر عمره، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثِّقات بما ليس من حديثهم (5) .
والثَّاني: أنَّا نحمله على أنَّه كان يصوم قبله أو بعده.
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن الأربعة ".
وقوله في الإسناد الأوَّل: (ميمون بن زيد) وهمٌ، إنَّما هو يزيد (6) ، وهو أبو إبراهيم السَّقاء، بصريٌّ، روى عن ليث والحسن بن ذكوان، روى عنه [سريج] (7) بن النُّعمان وعمرو بن عليٍّ الفلاس ونصر بن عليٍّ، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: ليِّن الحديث (8) .
وعمير بن أبي عمير- في الإسناد الثَّاني-: غير معروف، قال ابن أبي حاتم: عمير بن أبي عمير، روى عن ابن عمر، روى عنه ليث بن أبي سليم.
سمعت أبي يقول ذلك.
__________
(1) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(2) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(3) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(4) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(5) " المجرحون ": (1/231) .
الذي في "التاريخ الكبير" للبخاري: (7/341- رقم: 1466) ؛ و" الجرح " لابن أبي حاتم: (8/239- رقم: 1081) ، و"الثقات" لابن حبان: (9/173) : (ميمون ابن زيد) . لكن قال الحافظ الذهبي في "الميزان": (4/233- رقم: 8963) : (ميمون ابن زيد- أو: ابن يزيد-) ا. هـ
(7) في الأصل و (ب) : (شريح) خطأ.
(8) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/239- رقم: 1081) .(3/347)
قال عثمان بن سعيد (1) : قلت ليحيى بن معين: عمير بن أبي عمير الذي يروي عنه ليث بن أبي سليم؟ قال: لا أعرفه (2) .
وقول المصنِّف في ليث: (تركه القطَّان وابن معين وابن مهدي وأحمد) فيه نظرٌ، وإنَّما أخذه من كلام ابن حِبَّان (3) ، فإنَّه قال ذلك، وقد قال الفلاس: كان يحيى لا يحدِّث عن ليث بن أبي سليم، ولا عن حجَّاج بن أرطأة، وكان عبد الرَّحمن يحدِّث عن سفيان وغيره عنهما (4) . وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: ليث بن أبي سليم ضعيفٌ، إلا أنَّه يكتب حديثه (5) . وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث، ولكن حدَّث عنه النَّاس (6) .
وقول المصنِّف: (هو متروكٌ) خطأٌ، ولا ينبغي إطلاق هذه العبارة فيه، وقد قال عبد الرَّحمن بن مهدي: ليث بن أبي سليم وعطاء بن السَّائب ويزيد بن أبي زياد، ليث أحسنهم حالاً عندي (7) . وقال أبو داود: سألت يحيى عن ليث، فقال: ليس به بأس (8) . وقال ابن عَدِيٍّ: قد روى عنه شعبة والثَّوريُّ وغيرهما من ثقات النَّاس، ومع الضَّعف الذي فيه يكتب حديثه (9) .
وقد سأل البرقانيُّ الدَّارَقُطْنِيَّ عنه، فقال: صاحب سنَّة، يخرِّج حديثه. ثمَّ
__________
(1) هو في "التاريخ": (ص: 159- رقم: 561) .
(2) "الجرح والتعديل": (6/377- رقم: 2089) .
(3) في "المجروحين": (2/231) . وذكره ابن الجوزي في "الضعفاء": (3/29- رقم: 2815) وصرح بنسبته إلى ابن حبان.
(4) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (4/16- رقم: 1569) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/178- رقم: 1014) .
(5) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (4/17- رقم: 1569) ؛ "الكامل" لابن عدي: (6/88 - رقم: 1617) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (2/379- رقم: 2691) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/178- رقم: 1014) .
(8) " سؤالات أبي عبيد الآجري ": (1/304- رقم:498) .
(9) "الكامل": (6/90- رقم: 1617) .(3/348)
قال: إنَّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب (1) . وقد استشهد به البخاريُّ في " الصَّحيح " (2) ، وروى له مسلم مقرونًا بغيره (3) ، وروى له أصحاب " السُّنن " (4) ، والله أعلم.
1969- وقال ابن ماجة: ثنا إسحاق بن منصور أنا أبو داود ثنا شيبان عن عاصم عن زرٍّ عن عبد الله بن مسعود قال: ما رأيت (5) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفطر يوم الجمعة (6) .
1970- وقال النَّسائيُّ: أخبرنا عمرو بن عليٍّ ثنا أبو داود ثنا شيبان عن عاصم عن زرٍّ عن ابن مسعود أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصوم ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر، وقلَّ ما رأيته يفطر يوم الجمعة (7) .
ورواه التِّرمذيُّ من رواية شيبان، وقال: قلَّ ما كان يفطر يوم الجمعة.
وقال: حسنٌ غريبٌ (8) .
وقال أبو عمر بن عبد البرِّ في " الاستذكار ": اختلفت الآثار عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صيام يوم الجمعة، فروى ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصوم ثلاثة أيَّام من كلِّ شهرٍ، وقال: وقلَّ ما رأيته يفطر يوم الجمعة. وهو حديثٌ صحيحٌ.
__________
(1) "سؤالات البرقاني": (ص: 58- رقم: 421- ط: الهند) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (24/288 - رقم: 5017) .
(3) " المدخل إلى الصحيح " للحاكم: (3/190- رقم: 1727) ؛"رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/160- رقم: 1399) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (24/288- رقم: 5017) .
(5) في مطبوعة "سنن ابن ماجة": (قلما رأيت) ، وما ذكره المنقح موافق لما أثبته المزي في " تحفة الأشراف ": (7/23- رقم: 9206) .
(6) "سنن ابن ماجة": (1/549- رقم: 1725) .
(7) "السنن الكبرى": (2/143- رقم: 2758) .
(8) "الجامع": (2/110- ر قم: 742) .(3/349)
وقد روي عن ابن عمر أنَّه قال: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفطرًا يوم جمعة قطُّ.
ذكره ابن أبي شيبة (1) عن حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر.
وروي عن ابن عبَّاس أنَّه كان يصوم يوم الجمعة، ويواظب عليه (2) .
1971- وروى الدَّراورديُّ عن صفوان بن سليم عن رجل من بني حثمة (3) أنَّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام يوم الجمعة، كتب له عشرة أيَّام غرّ زهر، من أيام الآخرة، لا يشاكلهن أيَّام الدُّنيا ".
رواه عليُّ بن المدينيِّ وغيره عن الدَّراورديِّ O.
*****
مسألة (378) : يكره إفراد رجب بالصَّوم، خلافًا لأكثر المتأخرين.
وقد استدلَّ أصحابنا:
1972- بما روى داود بن (4) عطاء عن زيد بن عبد الحميد عن سليمان ابن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس عن أبيه عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى
__________
(1) هو في " المصنف ": (2/303- رقم: 9260) .
(2) " الاستذكار ": (3/262- رقم: 346- كتاب الصوم- باب جامع الصِّيام) .
(3) كذا قرأناها من الأصل و (ب) ، وهذا الخبر خرجه البيهقي في " شعب الإيمان ": (7/444 - رقم: 3579) من طريق الدراوردي، وفيه: (رجل من بني خيثم) ، ثم خرجه من طريق عيسى بن موسى عن صفوان بن سليم عن رجل من أشجع عن أبي هريرة بنحوه، والله أعلم.
(4) في "التحقيق": (عن) خطأ.(3/350)
عن صيام رجب.
قال المصنِّف: وهذا لا يصحُّ، قال أحمد بن حنبل: لا يحدَّث (1) عن داود بن عطاء، ليس بشيءٍ (2) .
ز: 1973- قال أبو القاسم الطَّبرانيُّ: ثنا مسعدة بن سعد العطَّار.
(ح) (3) وقال أبو بكر بن فورك [القبَّاب] (4) أنا أبو بكر بن أبي عاصم قالا (5) : ثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميُّ ثنا داود بن عطاء ثنا زيد بن عبد الحميد بن عبد الرَّحمن بن زيد بن الخطَّاب عن سليمان بن عليِّ بن عبد الله ابن عبَّاس عن أبيه عن عبد الله بن عبَّاس أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام رجب كلَّه (6) . ولم يقل ابن أبي عاصم: كلّه.
رواه ابن ماجة عن إبراهيم بن المنذر (7) .
__________
(1) في الأصل و (ب) غير منقوطة، وفي "التحقيق" و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/420- رقم: 1919) : (لا تحدث) ، والمثبت من مطبوعة "العلل" برواية عبد الله، والله أعلم.
(2) "العلل" برواية عبد الله: (2/47- رقم: 1509) .
(3) هذه الحاء هي من وضع ابن عبد الهادي، إشارة إلى تحويل الإسناد، وليست من الطبراني كما قد يتبادر.
(4) في الأصل: (القياب) خطأ.
وانظر: "الأنساب" لابن السمعاني: (4/438) ؛ " سير النبلاء " للذهبي: (16/257 - 258- رقم: 179) .
(5) أي: مسعدة بن سعيد العطار وابن أبي عاصم.
(6) "المعجم الكبير": (10/287- رقم:10681) .
(7) "سنن ابن ماجة": (1/554- رقم: 1743) .(3/351)
وقال البخاريُّ (1) وأبو زرعة (2) في داود: منكر الحديث. وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (3) . وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به بحالٍ (4) O.
1974- وقال سعيد بن منصور: ثنا سفيان عن مِسْعر عن وبرة عن خَرَشَة بن الحُرِّ أنَّ عمر بن الخطَّاب كان يضرب أيدي الرِّجال في رجب إذا رفعوا عن طعامه، حتَّى يضعوا فيه، ويقول: إنَّما هو شهرٌ كان أهل الجاهليَّة يعظِّمونه.
*****
مسألة (379) : آكد ليلة يلتمس فيها ليلة القدر: ليلة سبع وعشرين.
وقال الشَّافعيُّ: ليلة إحدى وعشرين.
وقال مالكٌ: العشر كلُّه سواء.
لنا أحاديث:
1975- قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان متحريًا فليتحرها ليلة سبع وعشرين " أو قال: " تحروها ليلة سبع وعشرين ". يعني ليلة القدر (5) .
__________
(1) "التاريخ الكبير": (3/243- 244- رقم: 836) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/421- رقم: 1919) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (8/420- رقم: 1775) .
(4) "المجروحون": (1/289) .
(5) "المسند": (2/27) ؛ "صحيح مسلم": (3/170) ؛ (فؤاد- 2/823- رقم: 1165) .(3/352)
1976- قال أحمد: وثنا سفيان قال: سمعته من عَبْدة وعاصم عن زرٍّ قال: سألت أُبَيَّ بن كعب قلت: إنَّ أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر. فقال: يرحمه الله، لقد علم أنَّها في شهر رمضان، وأنَّها ليلة سبع وعشرين. وحلف، قلت: وكيف تعلمون ذلك؟ قال: بالعلامة- أو: بالآية- التي أُخبرنا بها (1) ، تطلع ذلك اليوم- يعني الشَّمس- لا شعاع لها (2) .
انفرد بإخراج الحديثين مسلم.
1977- قال أحمد: وثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: رأى رجلٌ ليلة القدر [ليلة] (3) سبع وعشرين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرى رؤياكم قد تواطأت، فالتمسوها في العشر البواقي، في الوتر منها " (4) .
أخر جاه في "الصَّحيحين" (5) .
ز: 1978- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنا أبو جعفر الرزَّاز ثنا أحمد بن الوليد الفحَّام ثنا أسود بن عامر شاذان ثنا شعبة قال: عبد الله بن دينار أخبرني قال: سمعت ابن عمر يحدِّث عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة القدر: " من كان متحرِّيًا فليتحرها ليلة سبع وعشرين ". قال شعبة: وذكر لي رجلٌ ثقة عن سفيان أنَّه كان يقول: إنَّما قال: " من كان متحرِّيًا فليتحرَّها في السَّبع البواقي ". فلا أدري ذا أم ذا؟ شكَّ شعبة.
__________
(1) في "التحقيق": (أخبرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنها) .
(2) "المسند": (5/130) ؛ "صحيح مسلم": (2/178؛ 3/174) ؛ (فؤاد- 1/525؛ 2/828- رقم: 762) .
(3) زيادة من "التحقيق" ومطبوعة "المسند".
(4) "المسند": (2/8) .
(5) "صحيح البخاري": (9/480- 481) ؛ (فتح- 12/379- رقم: 6991) .
"صحيح مسلم": (3/170) ؛ (فؤاد- 2/823- رقم: 1165) .(3/353)
الصَّحيح رواية الجماعة دون رواية شعبة.
1979- أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن عقبة بن حريث سمع ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في ليلة القدر: " تحرّوها في العشر الأواخر، فان ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبنَّ عن السَّبع البواقي ".
أخرجه مسلم في " الصَّحيح " من حديث غندر عن شعبة (1) O.
1980- وقال المصنِّف: أخبرنا عليُّ بن عبيد الله بن نصر أنا أحمد بن محمَّد بن النقور أنا عمر بن إبراهيم الكتَّانيُّ ثنا البغويُّ ثنا أحمد بن حنبل ثنا معاذ ابن هشام ثنا أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رجلاً أتى نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا نبيَّ الله، إنِّي شيخٌ كبيرٌ، يشقُ عليَّ القيام، فمرني بليلة لعلَّ الله عزَّ وجل أن يوفِّقني فيها لليلة القدر. فقال: " عليك بالسَّابعة ".
زْ: 1981- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو سعيد يحيى بن أحمد بن عليٍّ الصَّائغ بالريِّ ثنا أبو الحسن عليُّ بن الحسن القاضي الخزاعيُّ ثنا عبد الله بن محمَّد ابن عبد العزيز ثنا أحمد بن محمَّد بن حنبل بن هلال بن أسد الشَّيبانيُّ و [عبيد] (2) الله بن عمر قالا: ثنا معاذ، [ (ح) ] (3) وأخبرنا أبو سعد أحمد ابن محمَّد الهرويُّ أنا أبو أحمد عبد الله بن عَدِيٍّ الحافظ ثنا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز ثنا أحمد بن حنبل، [ (ح) ] (3) وحدَّثنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزَّاهد أنا أبو عمرو بن مطر أنا عبد الله بن محمَّد المنيعيُّ ثنا أحمد بن حنبل، ثنا معاذ بن هشام حدَّثني أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/311) .
(2) في الأصل: (عبد) ، والتصويب من (ب) و" سنن البيهقي ".
(3) زيادة من "سنن البيهقي".(3/354)
رجلاً أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا رسول الله، إنِّي شيخ كبير عليل، يشقُّ عليَّ القيام، فمرني بليلةٍ لعلَّ الله أن يوفِّقني فيها لليلة القدر. فقال: " عليك بالسَّابعة " (1) .
1982- وقال أبو داود الطَّيالسيُّ: حدَّثنا شعبة عن قتادة عن مطرِّف عن معاوية قال: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين (2) .
كذا رواه أبو داود موقوفًا، ورفعه معاذ بن معاذ:
1983- قال أبو داود السِّجستانيُّ: ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن قتادة سمع مطرِّفًا عن معاوية بن أبي سفيان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة القدر، قال: " ليلة سبع وعشرين " (3) .
1984- وقال البيهقيُّ: أخبرنا الفقيه أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن عليٍّ الفاميُّ- ببغداد في مسجد الرَّصافة- ثنا أبو بكر أحمد بن سليمان ثنا إبراهيم بن اسحاق ثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول: قال ابن عبَّاس: دعا عُمر أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألهم عن ليلة القدر، فاجتمعوا أنَّها في العشر الأواخر، فقلت لعُمر: إنِّي لأعلم، وإنِّي لأظنُّ أيَّ ليلة هي! قال: وأيُّ ليلة هي؟ قلت: سابعة تمضي أو سأبعة تبقى من العشر الأواخر. قال: ومن أين تعلم؟ قال: قلت: خلق الله سبع سماوات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وإنَّ الدَّهر يدور في سبع، وخلق الإنسان: فيأكل ويسجد على سبعة أعضاء، والطَّواف سبع، والجبال سبع.
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/313) .
(2) لم نقف عليه في مطبوعة " مسند الطيالسي "، وخرجه من طريقه البيهقي في "سننه": (4/312) من رواية يونس بن حبيب عنه، ثم وجدناه في طبعة دار هجر: (2/311- رقم: 1054) .
(3) "سنن أبي داود": (2/234- رقم: 1381) .(3/355)
فقال عمر رضي الله عنه: لقد فطنت لأمرٍ ما فطنَّا له.
1985- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبَّار العُطَارِدِيُّ ثنا ابن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: كنت عند عمر وعنده أصحابه، فسألهم، فقال: أرأيتم قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة القدر: " التمسوها في العشر الأواخر وترًا ". أيُّ ليلة ترونها؟ فقال بعضهم: ليلة إحدى. وقال بعضهم: ليلة ثلاث. وقال بعضهم: ليلة خمس. وقال بعضهم: ليلة سبع. فقالوا وأنا ساكت، فقال: مالك لا تكلَّم؟ فقلت: إنَّك أمرتني أن لا أتكلَّم حتَّى يتكلَّموا. فقال: ما أرسلتُ إليك إلا لتكلَّم. فقلت: إنِّي سمعت الله يذكر السَّبع، فذكر سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرض سبع.
فقال عمر: هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم، قولك: نبت الأرض سبع. قال: قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَائِقَ غُلْباً} [عبس: 26- 30] . قال: فـ (الحدائق غلبًا) : الحيطان من النَّخل والشَّجر، و (فاكهةً وأبًّا) قال: فالأبُّ: ما أنبتت الأرض ممَّا تأكله الدَّواب والأنعام، ولا يأكله النَّاس. قال: فقال عمر لأصحابه: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام، الذي لم تجتمع شؤون رأسه (1) ؟! والله لأنِّي أرى (2) القول كما قلتَ (3) O.
أمَّا حُجّة الشَّافعيِّ:
1986- فما رواه البخاريُّ، قال: حدَّثنا موسى ثنا همَّام بن يحيى عن
__________
(1) في " النهاية ": (2/437- شأن) : (هي عظامه وطرائقه ومواصل قبائله، وهي أربعة بعضها فوق بعض) ا. هـ
(2) كذا في الأصل، وفي (ب) و"سنن البيهقي": (إني لأرى) .
(3) "سنن البيهقي": (4/313) .(3/356)
يحيى بن أبي كثير (1) عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشر الأُول من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال: إنَّ الذي تطلب أمامك، [فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال: إن الذي تطلب أمامك] (2) . ثمَّ قام النَّبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: " من كان اعتكف مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليرجع، فإنَّي أريت ليلة القدر وإنِّي نسيتها، وإنَّها في العشر الأواخر في وترٍ، وإنِّي رأيت كأنِّي أسجد في طين وماء ". وكان سقف المسجد جريد النَّخل، وما نرى في السَّماء شيئًا، فجاءت قزعة فمطرنا، وصلى بنا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتَّى رأيت أثر الطِّين والماء على جبهة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تصديق رؤياه (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) ، وأحاديثنا أصرح.
*****
مسألة (380) : يستحب أن يتبع رمضان بستٍّ من شوَّال.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يستحبُّ.
1987- قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: سقط من النسخة التي كتبت منها: " يحيى بن أبي كثير " ولا بد منه) ا. هـ وكذا سقط من مطبوعة "التحقيق".
(2) زيادة مستدركة من (ب) و"صحيح البخاري".
(3) "صحيح البخاري": (1/206) ؛ (فتح- 2/298- رقم: 813) .
(4) "صحيح مسلم": (3/171- 172) ؛ (فؤاد- 2/824- 826- رقم: 1167) .(3/357)
رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوَّال، فذلك صيام الدَّهر كلِّه " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
قالوا: وقد قال أحمد: سعد بن سعيد ضعيف الحديث (3) . وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (4) .
قلنا: قد قال يحيى بن معين: هو صالحٌ (5) . وقد أخرج عنه مسلمٌ (6) .
ز: قال النَّسائيُّ: ذكر اختلاف النَّاقلين لخبر أبي أيُّوب فيه.
1988- أخبرنا أحمد بن يحيى ثنا إسحاق عن حسن- وهو ابن صالح - عن محمَّد بن عمرو الليثيِّ عن سعد بن سعيد عن عَمرو بن ثابت عن أبي أيُّوب قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام رمضان ثمَّ أتبعه بستٍّ من شوَّال، فقد صام الدَّهر كلَّه ".
قال أبو عبد الرَّحمن: هذا خطأٌ، والصَّواب: عُمر بن ثابت.
1989- أخبرنا خلاد بن أسلم ثنا الدَّراورديُّ عن صفَّوان بن سليم وسعد بن سعيد عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوَّال، فكأنَّما صام الدَّهر ".
__________
(1) "المسند": (5/417) .
(2) "صحيح مسلم": (3/169) ؛ (فؤاد- 2/822- رقم: 1164) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (1/513- رقم: 1200) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 124- رقم: 283) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/84- رقم: 370) من رواية إسحاق بن منصور.
(6) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/234- رقم: 501) .(3/358)
1990- أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم عن محمَّد ثنا شعبة قال: سمعت ورقاء عن سعد بن سعيد عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام رمضان وستَّةً من شوَّال، فكأنَّما صام الدَّهر ".
قال أبو عبد الرَّحمن: سعد ين سعيد ضعيفٌ كذلك، قال أحمد بن حنبل: يحيى بن سعيد بن قيس الثِّقة المأمون، أحد الأئمة؛ وعبد ربِّه بن سعيد لا بأس به؛ وسعد بن سعيد- ثالثهم- ضعيفٌ.
1991- أخبرنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا أبو عبد الرَّحمن المقرىء ثنا شعبة بن الحجَّاج عن عبد ربِّه بن سعيد عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ أنَّه قال: من صام شهر رمضان، ثمَّ أتبعه ستَّة أيَّام من شوَّال، فكأنَّما صام السَّنة كلَّها.
1992- أخبرنا هشام بن عمَّار عن صَدَقة (1) بن خالد ثنا عتبة (2) قال: حدَّثني عبد الملك بن أبي بكر قال: حدَّثني يحيى بن سعيد عن عمر بن ثابت قال: غزونا مع أبي أيُّوب، فصام رمضان وصمنا، فلمَّا أفطرنا قام في النَّاس، فقال: إنِي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صام رمضان، وصام ستَّة أيَّام من شوَّال، كان كصيام الدَّهر ".
قال أبو عبد الرَّحمن: عتبة هذا ليس بالقويِّ.
1993- أخبرنا محمَّد بن عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن حويطب بن عبد العزى الحرَّانيُّ قال: حدَّثني عثمان- وهو: ابن عمرو الحرَّانيُّ- ثنا عمر- يعني: ابن ثابت- عن محمَّد بن المنكدر عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: هو ابن أبي حكيم) .
(2) في "السنن": (عبد الله) خطأ.(3/359)
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... نحوه (1) .
كذا قال في هذه الرِّواية، والصَّواب: (عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب) كما تقدَّم، وقد رواه إسماعيل بن عيَّاش عن محمَّد بن أبي حميد عن محمَّد ابن المنكدر عن أبي أيُّوب.
وقد رُوي هذا من حديث: جابر وثوبان وأبي هريرة وغيرهم.
وقال أبو عمر بن عبد البرِّ في " الاستذكار ": لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيُّوب، على أنَّه حديثٌ مدنيٌّ! والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه.
ثمّ َقال: وما أظنُّ مالكًا جهل الحديث- والله أعلم-، لأنَّه حديثٌ مدنيٌّ، تفرَّد به عمر بن ثابت، وقد قيل: إنَّه روى [عنه] (2) مالك، ولولا علمه به ما أنكره، وأظنُّ الشَّيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممَّن يعتمد عليه، وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه، إذا لم يثق به في حفظه لبعض ما يرويه؛ وقد يمكن أن يكون جهل الحديث، ولو علمه لقال به، والله أعلم (3) O.
*****
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/163- 164- الأرقام: 2862- 2867) .
وفي هامش الأصل: (حـ: هذا إسناد غريب، ويبعد أن يكون بين عمر بن ثابت- الراوي عن أبي أيوب- وبين النسائي رجلان، فإمَّا أن يكون راوي هذا الحديث عمر بن ثابت آخر، أو يكون تعينه بـ " ابن ثابت " غلطًا، والله أعلم) .
(2) في الأصل: (عن) ، والتصويب من (ب) و" الاستذكار ".
(3) " الاستذكار ": (3/261- 262- رقم: 346- كتاب الصيام- باب جامع الصيام) .(3/360)
مسائل الاعتكاف
مسألة (381) : لا يصحُّ الاعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الجماعة.
وقال أبو حنيفة ومالكٌ والشَّافعيُّ: يصحُّ في كلِّ مسجدٍ.
1994- قال سعيد بن منصور: ثنا سفيان عن جامع بن أبي راشد عن شقيق بن سلمة قال: قال حذيفة لابن مسعود: قد علمت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا اعتكاف إلا في المساجد الثَّلاثة- أو قال: مسجد جماعة- ".
وقد استدلَّ أصحابنا:
1995- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ قال: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشر ثنا عمَّار ابن خالد ثنا إسحاق الأزرق عن جُويبر عن الضَّحَّاك عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كلُّ مسجدٍ له مؤذِّنٌ وإمام، فالاعتكاف فيه يصلح " (1) .
قال المصنِّف: هذا الحديث في نهاية الضَّعف، الضَّحَّاك لم يسمع من حذيفة.
وجوير: ليس بشيءٍ، قال أحمد: لا يشتغل بحديثه (2) . وقال يحيى: ليس بشيءٍ (3) . وقال النَّسائيُّ (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) : متروكٌ.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/200) .
(2) " الشجرة في أحوال الرجال " للجوزجاني: (ص: 69- رقم: 40- 41) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (3/280- رقم: 1343) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 75- رقم: 104) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 171- رقم: 147) .(3/361)
ز: 1996- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفَّار ثنا عُبيد بن شَريك ثنا يحيى- يعني: ابن بكير- ثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزُّبير عن عائشة- زوج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفاه الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ اعتكف أزواجه من بعده، والسُّنَّة في المعتكف أن لا يخرج إلا للحاجة التي لا بدَّ منها، ولا يعود مريضًا، ولا يمسُّ امرأةً، ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا [في] (1) مسجد جماعة، والسُّنَّة فيمن اعتكف أن يصوم.
1997- أخبرنا أبو الحسن بن أبي المعروف الفقيه أنا أبو سعيد عبد الله ابن محمَّد بن عبد الوهَّاب الرَّازيُّ ثنا محمَّد بن أيُّوب أنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام ثنا قتادة أنَّ ابن عبَّاس والحسن قالا: لا اعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الصَّلاة.
1998- أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله السديريُّ بخُسْرُوْجِرْد أنا أحمد بن محمَّد بن الحسن الخُسْرَوْجِرْديُّ ثنا داود بن الحسين ثنا حميد بن زنجويه ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا شَريك عن ليث عن يحيى بن أبي كثير عن عليٍّ الأزديِّ عن ابن عبَّاس قال: إن أبغض الأمور إلى الله البدع، وإنَّ من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدُّور.
1999- أخبرنا أبو الحسن محمَّد بن الحسين العلويُّ أنا أبو نصر محمَّد ابن حمدويه (2) بن سهل الغازيُّ ثنا محمود بن آدم المروزيُّ ثنا سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل قال: قال حذيفة لعبد الله- يعني ابن مسعود-:
__________
(1) زيادة من (ب) و"سنن البيهقي".
(2) في مطبوعة "سنن البيهقي": (عبدويه) خطأ، وفي حاشيتها أنه وقع في نسخة أخرى: (حمدويه) فالحمد لله.(3/362)
عكوفًا بين دارك ودار أبي موسى، وقد علمت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا اعتكاف إلا في السجد الحرام- أو قال: في المساجد الثَّلاثة- ". فقال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا، وأخطأت وأصابوا- الشَّكُّ منِّي- (1) O.
*****
مسألة (382) : يصحُّ الاعتكاف بغير صومٍ وبالليل وحده.
وعنه: لا يصحُّ، كقول أى حنيفة ومالكٍ.
2000- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى القطَّان عن عبيد الله بن عمر قال: حدَّثني نافع (2) عن ابن عمر عن عمر أنَّه قال: يا رسول الله، إنِّي نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام ليلةً. فقال: " أوف بنذرك " (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
2001- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن يعقوب بن عبد الوهَّاب ثنا محمَّد بن فليح بن سليمان عن عبد الله (5) بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر كان نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلةً في المسجد الحرام، فلمَّا كان الإسلام، سأل عنه رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " أوف بنذرك ". فاعتكف عمر ليلةً.
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/315- 316) .
(2) في "التحقيق": (مسافع) !
(3) "المسند": (1/37) .
(4) "صحيح البخاري": (3/507) ؛ (فتح- 4/274- رقم: 2032) .
"صحيح مسلم": (5/88 - 89) ؛ (فؤاد- 3/1277- 1278- رقم: 1656) .
(5) في "التحقيق": (عبيد الله) ، وانظر ما سيأتي في كلام المنقح.(3/363)
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسنادٌ ثابتٌ (1) .
ز: كذا في النسخة التي كتبت منها: (عبد الله بن عمر) ، وكأنَّ الصَّواب: (عبيد الله) وهكذا وجدتُّه في نسخة أخرى (2) ؛ فإنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ لا يقول: (إسنادٌ ثابت) وفيه عبد الله؛ ومحمَّد بن فليح لا يعرف له رواية عن عبد الله؛ وهذا الحديث معروف بعبيد الله، والله أعلم.
ومحمَّد بن يعقوب بن عبد الوهَّاب [هو: الزُّبيريُّ] (3) المدنيُّ، روى عنه النَّسائيُّ (4) ، وهو ثقةٌ، وسمع منه ابن صاعد بالمدينة، سنة خمس وأربعين O.
قالوا: فقد روي أنَّه نذر يومًا.
2003- قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا محمَّد بن [عمرو] (5) بن جَبَلَة ثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر (6)
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/199) .
(2) وكذا هو في مطبوعة "التحقيق" و" سنن الدارقطنى ".
(3) زيادة من (ب) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (27/43- رقم: 5712) .
(5) في الأصل و (ب) : (عمر) ، والتصويب من "التحقيق" و"صحيح مسلم".
كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وكلام الإمام مسلم في " الصحيح " يفيد أن الحديث من مسند ابن عمر، فقد قال: (حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة، (ح) وحدثنا محمَّد ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب- يعني الثققي-، (ح) وحدثنا أبوبكر بن أبي شيبة ومحمَّد بن العلاء وإسحاق بن إبراهبم جميعًا عن حفص بن غياث، (ح) وحدثنا محمَّد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد حدثنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة، كلهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وقال حفص من بينهم: عن عمر) ا. هـ
ولذا نجد الحافظ المزي أورد الحديث في مسند ابن عمر ("تحفة الأشراف" 6/141- رقم: 7916) ماعدا رواية حفص بن غياث فجعلها تحت مسند عمر، رحم الله الجميع، والله تعالى أعلم.(3/364)
أنَّه جعل على نفسه يومًا يعتكفه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوف بنذرك " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
وجوابه من وجهين:
أحدهما: أنَّ كلَّ لفظ في مرتبة حديث، ويحتمل أن يكو نذر نذرين.
والثَّاني: أنَّه لا حجَّة فيه، إذ لا ذكر ههنا للصَّوم.
ز: 2004- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو محمَّد الحسن بن محمَّد بن حليم المروزيُّ ثنا أبو الموجِّه أنا عبدان أنا عبد الله بن المبارك أنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (3) أنَّ عمر قال: يا رسول الله، إنِّي نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلةً في المسجد الحرام. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوف بنذرك ".
رواه البخاريُّ في " الصَّحيح " (4) عن محمَّد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك، وكذا رواه سليمان بن بلال ويحيى بن سعيد القطَّان وأبو أسامة وعبد الوهَّاب الثقفيُّ عن عبيد الله، قالوا فيه: (ليلة) ، وكذلك قاله حمَّاد بن زيد عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر.
وقال جرير بن حازم ومعمر عن أيُّوب: (يومًا) بدل: ليلة، وكذلك رواه شعبة عن عبيد الله.
ورواية الجماعة عن عبيد الله أولى، وحمَّاد بن زيد أعرف بأيُّوب من غيره.
__________
(1) "صحيح مسلم": (5/89) ؛ (فؤاد- 3/1277- رقم: 1656) .
(2) "صحيح البخاري": (4/115) ؛ (فتح- 6/288 - رقم: 3144. طبعة الريان) .
(3) قوله: (عن نافع عن ابن عمر) سقط من مطبوعة"سنن البيهقي" فليستدرك من هنا.
(4) هو فيه (8/399) ؛ (فتح- 11/582- رقم: 6697) .(3/365)
2005- وروينا في حديث أبي معاوية عن يحيى بن سعيد عن عَمْرَة عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكف في العشر [الأوَّل] (1) من شوَّال (2) . انتهى ما ذكره. ويمكن الجمع في حديث عمر بين اللفظين، بأن يكون المراد: اليوم مع ليلته، أو الليلة مع يومها؛ وحينئذٍ لا يكون فيه دليلٌ على صحَّة الاعتكاف بغير صومٍ، وهذا القول هو القويُّ- إن شاء الله-، وهو أنَّ الصِّيام شرطٌ في الاعتكاف، فإنَّ الاعتكاف لم يشرع إلا مع الصِّيام، فإنَّ غالب اعتكاف النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إنَّما كان في رمضان، وقول عائشة: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكف في العشر الأوَّل من شوَّال) ليس بصريح في دخول يوم الفطر، بجواز أن يكون أوَّل العشر الذي اعتكفه باقي يوم الفطر، بل هذا هو الظَّاهر، وقد جاء مصرَّحًا به في حديث: (فلمَّا أفطر اعتكف) ، والله أعلم O.
قال المؤلِّف: قالوا: فقد روي فيه ذكر الصَّوم:
2006- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثني أبو طالب الحافظ ثنا هلال بن العلاء ثنا أبي ثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بَشير عن عبيد الله (3) بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر نذر أن يعتكف في الشِّرك ويصوم، فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إسلامه، فقال: " أوف بنذرك " (4) .
والجواب من وجهين:
أحدهما: أنَّ هذا اللفظ تفرَّد به سعيد بن بَشير عن عبيد الله، قال يحيى
__________
(1) في الأصل و (ب) : (الأواخر) ، والتصويب من "سنن البيهقي"، وسيأتي على الصواب بعد أسطر.
(2) " سنن البيهقى": (4/318) .
(3) في "التحقيق": (عبد الله) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/201) .(3/366)
ابن معين (1) وابن نُمير (2) : ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (3) .
والثَّاني: أنَّه إذا نذر الصَّوم لزم، فلم قلتم أنه يلزم في صحَّة الاعتكاف؟!
ز: 2007- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمَّد بن حيَّان الأصبهانيُّ ثنا إبراهيم بن محمَّد بن الحسن ثنا أبو عامر موسى ابن عامر ثنا الوليد بن مسلم أخبرني سعيد- يعني: ابن بَشير- عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر بن الخطَّاب نذر أن يعتكف في الشرك وليصومنَّ، فسأل رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إسلامه، فأمره أن يفي بنذره.
قال: ذكر نذر الصَّوم مع الاعتكاف غريبٌ، تفرَّد به سعيد بن بَشير عن عبيد الله، والله أعلم (4) O.
قال المؤلِّف: حديثٌ ثانٍ لنا (5) :
2008- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن إسحاق السُّوسيُّ ثنا عبد الله ابن محمَّد بن نصر الرَّمليُّ ثنا محمَّد بن يحيى بن أبي [عمر] (6) ثنا عبد العزيز بن محمَّد [عن] (7) أبي سهيل- عمِّ مالك بن أنس (8) - عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المعتكف صيام، إلا أن يجعله على
__________
(1) "التاريخ" رواية الدوري: (4/94، 433- رقمي: 3319، 5151) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/7- رقم: 20) وتمام كلامه: (منكر الحديث، ليس بشيء، ليس بقوي الحديث، يروي عن قتادة المنكرات) أ. هـ.
(3) " الضعفاء والمتركون ": (ص: 120- رقم:267) .
(4) "سنن البيهقي": (4/317) .
(5) في "التحقيق": (طريق ثاني) .
(6) في الأصل: (عمرو) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(7) في الأصل: (بن) خطأ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(8) في هامش الأصل: (حـ: كان فيه: " عم أنس بن مالك " وهو وهم) أ. هـ وفي مطبوعة "التحقيق": (عن أنس بن مالك) !(3/367)
نفسه " (1) .
قالوا: قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ: رفعه السُّوسيُّ وغيره لا يرفعه.
قلنا: السُّوسيُّ ثقةٌ، قال أبو بكر الخطيب: دخل بغداد، وحدَّث أحاديث مستقيمة (2) .
ز: هذا الحديث رَفْعُه وَهْمٌ، والصَّواب أنَّه موقوفٌ، وإن كان السُّوسيُّ قد تابعه غيره:
2009- قال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ أنا أبو الحسن أحمد بن محبُوب الرَّمليُّ بمكَّة ثنا عبد الله بن محمَّد بن نصر الرَّمليُّ ثنا محمَّد بن يحيى ابن أبي عمر العدنيُّ ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن (3) أبي سهيل- عمِّ مالك- عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المعتكف صيامٌ، إلا أن يجعله على نفسه ".
تفرَّد به عبد الله بن محمَّد بن نصر الرَّمليُّ هذا، وقد رواه أبو بكر الحميديُّ عن عبد العزيز بن محمَّد عن أبي سهيل بن مالك قال: اجتمعت أنا وابن شهابٍ عند عمر بن عبد العزيز، وكان على امرأته اعتكاف ثلاثٍ في المسجد الحرام، فقال ابن شهابٍ: لا يكون اعتكافٌ إلا بصوم. فقال عمر بن عبد العزيز: أمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا. قال: فمن أبي بكر؟ قال: لا.
قال: فمن عمر؟ قال: لا. قال: فمن عثمان؟ قال: لا. قال أبو سهيل: فانصرفت فوجدت طاوسًا وعطاء، فسألتهما عن ذلك، فقال طاوس: كلان ابن عبَّاس لا يرى على المعتكف صيامًا إلا أن يجعله على نفسه. وقال عطاء: ذلك رأي.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/199) .
(2) "تاريخ بغداد": (1/258- رقم: 86) .
(3) في (ب) : (بن) خطأ.(3/368)
هذا هو الصَّحيح موقوفٌ، ورفعه وهمٌ، وكذلك رواه عمرو بن زرارة عن عبد العزيز موقوفًا.
2010- وهو فيما أنبأني أبو عبد الله إجازةً أنَّ أبا الوليد أخبرهم ثنا عبد الله بن محمَّد بن شيرويه ثنا عمرو بن زُرَارة ثنا عبد العزيز ... فذكره موقوفًا مختصرًا، قال: فقال: كان ابن عبَّاس لا يرى على المعتكف صومًا.
وقال عطاء: ذلك رأي (1) O.
أما حجَّتُهم:
2011- فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: أخبرنا أحمد بن [عمير] (2) بن يوسف في الإجازة أنَّ محمَّد بن هاشم (3) حدَّثهم: ثنا سُويد بن عبد العزيز ثنا سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن عروة عائشة أنَّ نبيَّ الله يكبهعرو قال: " لا اعتكاف إلا بصيام " (4) .
2012- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا الحسن بن محمَّد بن الصَّبَّاح ثنا عمرو بن محمَّد العَنقَزِيُّ ثنا عبد الله بن بُدَيْل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن عمر أنَّه سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اعتكاف عليه، فأمره أن يعتكف ويصوم (5) .
2013- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/318- 319) .
(2) في الأصل و (ب) : (عمر) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(3) في (ب) : (هشام) خطأ.
(4) "سنن الدارقطني": (2/199- 200) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/200) .(3/369)
مُجَشِّرٍ (1) ثنا عَبيدة بن حُميد ثنا القاسم بن مَعْن (2) عن عبد الملك بن جريج عن محمَّد بن شهاب عن سعيد بن المسيَّب وعروة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، وأنَّ السُّنَّه للمعتكف أن لا (3) يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يتبع جنازة، ولا يعود مريضًا، ولا يمسّ امرأة، ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، ويأمر من اعتكف أن يصوم (4) .
والجواب:
أمَّا حديث عائشة الأوَّل: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به سُويد عن سفيان.
قال أحمد: سُويد متروك الحديث (5) . وقال يحيى: ليس بشيءٍ (6) .
وفي الإسناد: سفيان بن حسين، قال يحيى: لم يكن بالقويِّ (7) . وقال ابن حِبَّان: يروي عن الزُّهريِّ المقلوبات (8) .
وأمَّا حديث عمر: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به ابن بُدَيْل، وهو ضعيفٌ (9) ، ورواه نافع عن ابن عمر ولم يذكر فيه الصَّوم، وهو أصحُّ (10) .
قال: وسمعت أبا بكر النَّيسابوريَّ يقول: هذا حديثٌ منكرٌ، لأنَّ (11)
__________
(1) في "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (محشر) خطأ.
(2) في "التحقيق": (معين) خطأ.
(3) (لا) سقطت من "التحقيق".
(4) "سنن الدارقطني": (2/201) .
(5) "العلل" برواية عبد الله: (2/477- رقم: 3126) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (4/458- رقم: 5280) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (3/415- رقم: 842) .
(8) "المجروحون": (1/358) .
(9) في "التحقيق" زيادة: (الحديث) .
(10) "سنن الدارقطني": (2/200) ، وقوله: " ورواه نافع ... " لم نره في مطبوعة "السنن".
(11) في "التحقيق": (لينٌ) !(3/370)
الثِّقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه، منهم: ابن جريج وابن عيينة وحمَّاد بن سلمة وحمَّاد بن زيد وغيرهم. قال: وابن بُدَيْل ضعيف الحديث (1) .
وأمَّا الحديث الثَّالث: ففيه إبراهيم بن مجشِّر، قال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث مناكير (2) . قال الدَّارَقُطْنِيُّ: يقال: إنَّ قوله: (إنَّ السُّنَّة للمعتكف.... إلى آخره) ليس من قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّه من كلام الزُّهريِّ، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم، والله أعلم (3) .
ز: 2014- قال أبو داود: حدَّثنا وهب بن بقيَّة أنا خالد عن عبد الرَّحمن- يعني: ابن إسحاق- عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة أنَّها قالت: السُّنَّة على المعتكف أن لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمسّ امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بُدَّ منه، ولا اعتكاف إلا بصومٍ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع.
قال أبو داود: غير عبد الرَّحمن بن إسحاق لا يقول فيه: (قالت: السُّنَّة) . قال أبو داود: وجعله قول عائشة (4) .
وقال البيهقيُّ: قد ذهب كثيرٌ من الحفَّاظ إلى أنَّ هذا الكلام من قول من دون عائشة، وأنَّ من أدرجه في الحديث وهم فيه:
فقد رواه سفيان الثَّوريُّ عن هشام بن عروة عن عروة قال: المعتكف لا يشهد جنازةً، ولا يعود مريضًا، ولا يجيب دعوةً، ولا اعتكاف إلا بصيام، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/200- 201) .
(2) "الكامل": (1/274) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/201) .
(4) "سنن أبي داود": (3/198- رقم: 2465) .(3/371)
2015- وعن ابن جريج عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيب أنَّه قال: المعتكف لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازةً (1) .
2016- وقال أيضًا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب بن عطاء أنا سعيد- يعني: ابن أبي عروبة- عن هشام بن عروة (2) عن أبيه عن عائشة أنَّها قالت: لا اعتكاف إلا بصوم.
كذا رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ورواه الزُّهريُّ عن عروة عن عائشة في حديث ذكره، وفي آخره: والسُّنَّة فيمن اعتكف أن يصوم- قد مضى ذكره في هذا الجزء (3) -. كذا رواه غير واحد عن الزُّهريِّ.
وروي عن سفيان بن حسين عن الزُّهري عن عروة عن عائشة أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا اعتكاف إلا بصيام ".
2017- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عليٍّ الحسين بن عليٍّ الحافظ ثنا أحمد بن عمير الدِّمشقيُّ ثنا محمَّد بن هاشم ثنا سويد بن عبد العزيز ثنا سفيان ابن حسين ... فذكره.
وهذا وهمٌ من سفيان بن حسين أو من سُويد بن عبد العزيز، وسُويد بن عبد العزيز الدِّمشقيُّ ضعيف بمرَّة، لا يقبل منه ما تفرَّد به.
وروي عن عطاء عن عائشة موقوفًا: من اعتكف فعليه الصِّيام:
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/321) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: قال الإمام أحمد وابن المديني والفلاس: لم يسمع ابن أبي عروبة من هشام بن عروة) أ. هـ انظر: " المراسيل " لابن أبي حاتم: (ص: 77- رقم: 278) .
(3) انظر: "سنن البيهقي": (4/315) .(3/372)
2018- أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس- هو الأصم- ثنا أَسِيد بن عاصم (1) ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن حبيب عن عطاء عن عائشة ... فذكره (2) .
2019- وقال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن إبراهيم ثنا أبو داود ثنا عبد الله ابن بُدَيل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أنَّ عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلةً- أو يومًا- عند الكعبة، فسأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اعتكف وصم " (3) .
2020- وقال النَّسائيُّ: أخبرنا أبو بكر بن عليٍّ ثنا الحسن بن حمَّاد الورَّاق أنا عمرو بن محمَّد العَنْقَزِيُّ عن عبد الله بن بُدَيل بن ورقاء عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أنَّ عمر سأل النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اعتكافٍ عليه، فأمره أن يعتكف ويصوم (4) .
2021- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحافظ وأحمد بن الحسن القاضي ومحمَّد بن موسى بن الفضل قالوا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن سنان القزَّاز ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفيُّ ثنا عبد الله بن بُديل حدَّثني عمرو بن دينار عن ابن عمر عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنَّه قال للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجِعرانة: أي رسول الله، إنَّ عَلَيَّ يومًا اعتكفه، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب فاعتكفه وصمه " (5)
__________
(1) في مطبوعة "سنن البيهقي": (أسد بن عامر) خطأ.
(2) "سنن البيهقي": (4/317) .
(3) "سنن أبي داود": (3/199- رقم: 2466) .
(4) "السنن الكبرى": (2/262- رقم: 3355) ، وسقطت من مطبوعة "السنن" كلمة: (ويصوم) ، وانظر: "تحفة الأشراف": (6/18- 19- رقم: 7354) .
(5) "سنن البيهقي": (4/316) .(3/373)
عبد الله بن بُديل بن ورقاء: يقال: ابن بشر الخزاعيُّ، ويقال: الليثيُّ المكيُّ، روى عن: عمرو بن دينار والزُّهريِّ، روى عنه: ابن مهديٍّ وغير واحد، قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: صالحٌ (1) . وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث مما تنكر عليه الزيادة في متنه أو إسناده، ولم أر للمتقدِّمين فيه كلامًا فأذكره. وروى هذا الحديث في ترجمته من رواية أبي داود وغيره عنه، ثُمَّ قال: ولا أعلم ذكر في هذا الإسناد الصَّوم مع الاعتكاف إلا من رواية عبد الله ابن بُديل عن عمرو بن دينار (2) . وقد تقدَّم تضعيف أبي بكر النَّيسابوريِّ والدَّارَقُطْنِيِّ له (3) ، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4) ، فالله أعلم.
2022- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن محمَّد بن الحسين بن الفضل - ببغداد- أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي فاخته قال: سمعت ابن عبَّاس يقول: يصوم المجاور.
2023- وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ابن سفيان ثنا أبو بكر الحميديُّ ثنا سفيان ثنا عمرو سمعت أبا فاختة سعيد بن عِلاقة يقول: سمعت ابن عبَّاس يقول: يصوم المجاور. والمجاور: المعتكف. فحكي لسفيان أنَّ هُشيمًا يقوله: (عن عمرو عن أبي فاختة أنَّ ابن عبَّاس قال: لا اعتكاف إلا بصوم) . فقال سفيان: أخطأ هُشيم، هو كما قلتُ لك.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/15- رقم: 68) .
(2) "الكامل": (4/214- رقم: 1020) .
(3) (ص: 370- 371) .
(4) "الثقات": (7/21) .(3/374)
2024- وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد بن زيدٍ أنَّ رجلاً قال لعمرو بن دينار: يا أبا محمَّد، كيف قول ابن عبَّاس: على المجاور الصَّوم؟ فقال عمرو: ليس كذا قال ابن عبَّاس، إنَّما قال: المجاور يصوم.
2025- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أسيد بن عاصم ثنا الحسن بن حفص عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس وابن عمر أنَّهما قالا: المعتكف يصوم (1) O.
*****
مسألة (383) : إذا اشترط في اعتكافه الخروج إلى القُرَب- كعيادة المرضى وصلاة الجنازة وزيارة العلماء- جاز.
وقال مالكٌ: لا يجوز اشتراط هذه الأشياء.
احتجَّ أصحابنا بحديثين ضعيفين:
2026- الحديث الأوَّل: قال ابن ماجة: حدَّثنا أحمد بن منصور ثنا يونس بن محمَّد ثنا الهيَّاج الخراسانيُّ ثنا عَنْبَسة بن عبد الرَّحمن عن عبد الخالق عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض " (2) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/317- 318) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/565- رقم: 1777) .(3/375)
قال المصنِّف: هذا الحديث ليس بشيءٍ، قال يحيى: عَنْبَسة ليس بشيءٍ (1) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان يضع الحديث (2) . وقال النَّسائيُّ متروكٌ (3) .
وفيه: الهيَّاج، قال أحمد: متروك الحديث (4) . وقال أبو داود: ليس بشيءٍ (5) .
وفيه: عبد الخالق، قال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (6) .
ز: هذا الحديث رواه أبو بكر بن أبي عاصم (7) عن محمَّد بن إشكاب عن يونس.
وعبد الخالق هذا: أحد المجاهيل، لا يعلم له وجود أم لا؟! فإنَّه لم يرو عنه غير عَنْبَسة بن عبد الرَّحمن- أحد الضُّعفاء المتروكين-، وقول المصنِّف: (قال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ) وهمٌ، فإنَّ قوله إنَّما هو في عبد الخالق ابن زيد بن واقد الدِّمشقيِّ، والله أعلم O.
2027- الحديث الثَّاني: قال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن عيسى ثنا عبد السَّلام بن حرب أنا ليث بن أبي سُليم عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه
__________
(1) " السؤالات " لابن الجنيد: (ص: 387- رقم: 471) وفيها: (ضعيف الحديث، ليس بشيء) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/403- رقم: 2247) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 169- رقم: 428) .
(4) "الميزان" للذهبي: (4/318- رقم: 9287) .
ومن قوله: (وقال النسائي) بل هنا سقط من "التحقيق".
(5) "تاريخ بغداد" للخطيب: (14/83- رقم: 7435) من رواية الآجري عنه.
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 160- رقم: 400) ، وانظر ما يأتي في كلام المنقح.
(7) ومن طريقه خرجه المزي في "تهذيب الكمال": (16/467- رقم: 3732) .(3/376)
عن عائشة قالت: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المريض وهو معتكفٌ (1) .
قال أحمد: ليث مضطرب الحديث، ولكن قد حدَّث عنه النَّاس (2) .
وقال أبو حاتم الرَّازيُّ وأبو زرعة: لا يشتغل به، وهو مضطرب الحديث (3) .
ز: كذا ذكر المؤلِّف هذا الحديث، واختصره، وهو في " سنن أبي داود " هكذا:
حدَّثنا عبد الله بن محمَّد النُّفيليُّ ومحمَّد بن عيسى قالا: ثنا عبد السَّلام ابن حرب أنا الليث بن أبي سليم عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهما.
قال النُّفيليُّ: قالت: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمرُّ بالمريض وهو معتكف، فيمرُّ كما هو ولا يعرِّج يسأل عنه.
وقال ابن عيسى: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المريض وهو معتكف O.
احتجُّوا:
بحديث عائشة المذكور في المسألة قبلها، وقد سبق (4) .
*****
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/197- 198- رقم: 2464) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (2/379- رقم: 2691) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/179- رقم: 1014) .
(4) برقم: (2013) .(3/377)
كتاب الحج
مسألة (384) : من شروط وجوب الحجِّ: الزَّاد والرَّاحلة.
وقال مالك وداود: لا يشترط ذلك.
2028- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثني أحمد بن عليِّ بن حُبيش ثنا عليُّ بن العبَّاس ثنا عليُّ بن سعيد بن مسروق ثنا ابن أبي زائدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عزَّ وجلَّ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] قال: قيل: يا رسول الله، ما السَّبيل؟ قال: " الزَّاد والرَّاحلة " (1) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن " بهذا الإسناد؛ وعليُّ بن سعيد بن مسروق الكنديُّ، وعليُّ بن العبَّاس البجليُّ المقَانِعيُّ: ثقتان، وشيخ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثقةٌ أيضًا.
ومع ذلك فرواية هذا الحديث عن قتادة عن أنس مرفوعًا وهمٌ، والصَّواب: عن قتادة عن الحسن عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً.
كذلك رواه جعفر بن عون عن سعيد، وكذلك رواه يونس بن عبيد عن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/216) .
وفي هامش الأصل: (حـ: روا. للددوقطني عن أحمد بن علي بن حبيش ومحمَّد بن سهيل قالا: ثنا علي بن العبَّاس به. ولم يذكر لفظه بل [] على ما قبله) ا. هـ ومكان البياض كلمة لم نتمكن من قراءتها.، والأمر في مطبوعة "السنن" كلما ذكر- رحمه الله- فقد ساق إسناد الحديث إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: (مثله) .(3/381)
الحسن، والله أعلم O.
2029- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن نصر بن طالب ثنا إبراهيم ابن إسماعيل بن عبد الله بن زرارة (1) ثنا عبد الملك بن زياد النَّصيبيُّ ثنا محمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمير عن أبي الزُّبير- أو: عمرو بن دينار- عن جابر بن عبد الله قال: لمَّا نزلت: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران- 97] قام رجلٌ فقال: يا رسول الله، ما السَّبيل؟ قال: " الزَّاد والرَّاحلة " (2) .
ز: عبد الملك بن زياد النَّصيبيُّ: قال فيه الأزديُّ: منكر الحديث، غير ثقة (3)
ومحمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عمير: ضعَّفه يحيى بن معين، وقال مرَّةً: ليس بثقةٍ. ومرَّةً: ليس حديثه بشيءٍ (4) . وقال البخاريُّ: منكر الحديث (5) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (6) .
وقد اختلف عليه في هذا الحديث:
فقيل: عنه هكذا.
وقيل: عنه عن محمَّد بن عبَّاد بن جعفر عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
(1) في "التحقيق": (إبراهيم بن إسماعيل عن عبد الله بن زائدة) خطأ.
(2) "سنن الدارقطني": (2/215) .
(3) "الميزان" للذهبي: (2/655- رقم: 5209) وفيه: (غير ثقة) حسب.
(4) كلمات ابن معين الثلاث في "الكامل" لابن عدي: (6/220- رقم: 1691) من رواية الدورقي وابن أبي مريم والدوري، وهو في "التاريخ" بروايته: (3/130- رقم: 536) .
(5) " التاريخ الأوسط ": (2/134- رقم: 1302) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 204- رقم: 522) .(3/382)
وقيل: عنه عن ابن جربج عن محمَّد بن عبَّاد عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ وغيره هذا الحديث من عدَّة طرق، وهو مشهور من رواية إبراهيم بن يزيد الخُوزيِّ- وهو ضعيفٌ - عن محمَّد بن عبَّاد عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O.
*****
مسألة (385) : إذا كان للمعضوب مال، لزمه أن يستنيب من يحجُّ وقال مالك وداود: لا يلزمه.
2030- قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزُّبير ثنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن عيَّاش عن زيد بن عليٍّ عن أبيه عن عبيد الله (1) بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب قال: قالت جارية من خثعم: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ قد أفند (2) ، وقد أدركته فريضة الله في الحجِّ، فهل يجزئ عنه أن أؤدي عنه؟ قال: " نعم، فأدِّ عن أبيك " (3) .
ز: رواه التِّرمذيُّ عن بندار عن أبي أحمد، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه من حديث عليٍّ إلا من هذا الوجه (4) .
__________
(1) في "التحقيق": (عبد الله) خطأ.
(2) في " النهاية ": (3/474- 475) : (الفند في الأصل: الكذب، وأفند: تكلم بالفَنَد، ثم قالوا للشيخ إذا هرم: قد أفند، لأنَّه يتكلم بالمُحَرَّف من الكلام على سنن الصحة) ا. هـ
(3) "المسند": (1/75- 76) .
(4) "الجامع": (2/221- 222- رقم: 885) .(3/383)
وقد رواه أحمد أيضًا عن يحيى بن آدم عن سفيان (1) .
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فذكر الاختلاف فيه وقال: القول قول الثَّوريِّ ومن تابعه، والله أعلم (2) .
وقد رواه الشَّافعيُّ عن عمرو بن أبي سلمة عن الدَّراورديِّ عن عبد الرَّحمن بن الحارث المخزوميّ (3) .
ورواه البيهقيُّ من رواية حاتم بن إسماعيل عن عبد الرَّحمن (4) O.
2031- قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن الزُّهريِّ عن سليمان بن يسار عن ابن عبَّاس قال: حدَّثني الفضل بن عبَّاس قال: أتت امرأة من خَثْعم، فقالت: يا رسول الله، إنَّ أبي أدركته فريضة الله في الحجِّ وهو شيخٌ كبيرٌ، لا يستطيع أن يثبت على دابته. قال: " فحجِّي عن أبيك (5) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (6) .
2032- قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم (7) أنا يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبيد الله (8) بن عبَّاس- أو: عن الفضل بن عبَّاس- أنَّ
__________
(1) "المسند": (1/156- 157) .
(2) "العلل": (4/16- 17- رقم: 411) .
(3) "الأم": (2/114) .
(4) "سنن البيهقي": (4/329) .
(5) "المسند": (1/212) .
(6) "صحيح البخاري": (3/467) ؛ (فتح- 4/66- رقم: 1854) .
"صحيح مسلم": (4/101) ؛ (فؤاد- 2/974- رقم: 1335) .
(7) في مطبوعة "المسند": (هاشم) ، وفي " الأطراف " لابن حجر: (5/187- رقم: 6916) كما هنا.
(8) في هامش الأصل: (حـ: كذا فيه: (عن عبيد الله) ، والمعروف: عبد الله) أ. هـ
وفي مطبوعة "التحقيق": (عبد الله) .(3/384)
رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخٌ كبيرٌ لا يثبت على راحلته، أفأحجُّ عنه؟ فقال: " أرأيت لو كان عليه دين، فقضيته عنه، أكان يجزئه؟ " قال: نعم. قال: " فاحجج عن أبيك " (1) .
ز: 2033- قال النَّسائيُّ: أخبرنا مجاهد بن موسى- بغداديُّ- عن هشيم عن يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عبَّاس أنَّ رجلاً سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أبي أدركه الحجُّ وهو شيخٌ كبير، لا يثبت على راحلته، وإن شددته خشيت أن يموت، أفأحجُّ عنه؟ قال: " أرأيت لو كان عليه دَيْنٌ فقضيته، أكان مجزئًا؟ " قال: نعم. قال: " فحجَّ عن أبيك " (2) .
2034- أخبرنا أحمد بن سليمان الرَّهاويُّ ثنا يزيد- وهو ابن هارون- أنا هشام- وهو ابن حسَّان، بصريٌّ- عن محمَّد- وهو ابن سيرين- عن يحيى ابن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن الفضل بن عبَّاس أنَّه كان رديف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه رجلٌ، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمي عجوزٌ كبيرةٌ، وإن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيت لو كان على أمِّك دَيْنٌ، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم. قال: " فحجَّ عن أمِّك ".
قال النَّسائيُّ: سليمان لم يسمع من الفضل (3) .
وقد رواه عليُّ بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار
__________
(1) "المسند": (1/212) وا نظر: (1/359) .
(2) "سنن النسائي": (5/118- رقم: 2640) ، وهو في " الكبرى ": (2/324- رقم: 3620) .
(3) "السنن الكبرى": (2/325- 326- رقم: 3623) وكلمة النسائي في سماع سليمان سقطت من المطبوع، وهي ثابتة في "تحفة الأشراف": (8/264- رقم: 11044) .(3/385)
عن عبيد الله (1) بن عبَّاس، قال (2) : وقلنا ليحيى: إنَّ محمَّدًا- يعني ابن سيربن- حدَّث عنك أنَّك حدَّثت عن سليمان بن يسار عن الفضل بن عبَّاس.
فقال: ما حفظته إلا عن عبيد الله بن عبَّاس (3) .
وقال أبو داود (4) : روى أيُّوب السَّختيانيُّ هذا الحديث عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عبَّاس ولم يشك، وهو أقرب إلى الصَّواب، لأنَّ الفضل ابن العبَّاس توفي في زمن عمر بن الخطَّاب بالشَّام، في طاعون عمواس، سنة ثمان عشرة، ولم يدركه سليمان بن يسار، وعبيد الله بن العبَّاس قد بقي إلى دهر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وسليمان بن يسار يقول في هذا الحديث: (حدَّثني) وهذا أولى بالصَّواب إن شاء الله (5) .
وقال ابن أبي حاتم في " المراسيل ": سمعت أبي يقول: ابن سيرين لم يسمع من عبيد الله بن عبد الله بن عبَّاس، يروي عن يحيى بن أبي كثير عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عبد الله بن عبَّاس (6) .
كذا قال، والله أعلم.
وقال البخاريُّ: أصحُّ شيءٍ في هذا ما روى ابن عبَّاس عن الفضل (7) O.
__________
(1) هكذا، وتصحف في "تحفة الأشراف" إلى: (عبد الله) .
(2) القائل هو علي بن عاصم.
(3) انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (8/265- رقم: 11044) .
(4) في "تحفة الأشراف": (قال محمَّد بن عمر الواقدي) ! ويبدو أنه وقع فيها سقط أو خطأ، ولا يعرف عن الواقدي الكلام في مثل هذه الأمور، ولم نقف على كلام أبي داود هذا في المطبوع من كتبه، والله تعالى أعلم.
(5) "تحفة الأشراف" للمزي: (8/265- رقم: 11044) .
(6) " المراسيل ": (ص: 188- رقم: 686) .
(7) "الجامع" للترمذي: (2/257- رقم: 928) .(3/386)
2035- قال أحمد: وثنا إسحاق بن يوسف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الله بن عطاء عن سليمان بن بريدة عن أبيه: أنَّ امرأةً أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إنَّ أمِّي ماتت ولم تحجَّ، فيجزئها أن أحجَّ عنها؟ قال: "نعم" (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
ز: هذا الحديث إنَّما فيه الحجُّ عن الميِّت لا عن المعضوب، والله أعلم O.
2036- قال التَّرمذيُّ: ثنا يوسف بن عيسى ثنا وكيع عن شعبة عن النُّعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رَزِبن العقيليِّ أنَّه أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ والعمرة ولا الظَّعن.
قال: " حجَّ عن أبيك واعتمر ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
ز: روى هذا الحديث أبو داود الطَّيالسيُّ عن شعبة (4) .
ورواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) والنَّسائيُّ (7) وابن ماجة (8) كلُّهم
__________
(1) "المسند": (5/349) .
(2) "صحيح مسلم": (3/156) ؛ (فؤاد- 2/805- رقم: 1149) .
(3) "الجامع": (2/258- رقم: 930) .
(4) " مسند الطيالسي ": (ص: 147- رقم: 1091) .
(5) "المسند": (4/10، 11، 12) من طرق عن شعبة.
(6) "سنن أبي داود": (2/448- رقم: 1806) .
(7) "سنن النسائي": (5/111، 117- رقمي: 2621، 2637) .
(8) "سنن ابن ماجة": (2/970- رقم: 2906) .(3/387)
من رواية شعبة.
2037- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس عن أيُّوب بن أبي تميمة عن محمَّد بن سيرين عن عبد الله بن عبَّاس: أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنَّ أمِّي امرأة كبيرة، لا نستطيع أن نركبها على البعير، لا تستمسك، وإن ربطتُها خفت أن تموت، أفأحجُّ عنها؟ قال: " نعم " (1) .
قال الإمام أحمد بن حنبل (2) وعليُّ بن المدينيِّ (3) ويحيى بن معين (4) وغيرهم: لم يسمع ابن سيرين من ابن عبَّاس.
وقد روى البخاريُّ في "صحيحه" حديثًا من رواية أيُّوب عن ابن سيرين عن ابن عبَّاس (5) ، فالله أعلم.
وقال البيهقيُّ- بعد أن روى هذا الحديث-: روايات ابن سيرين عن ابن عبَّاس تكون مرسلة، وقد روي عن عوف بن أبي جميلة عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ورواية أيُّوب أصحُّ، والله أعلم (6) .
2038- أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا عبيد بن شَريك ثنا صفوان ثنا الوليد- يعني: ابن مسلم- ثنا شعيب بن زريق
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/329- 330) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (1/487- رقم: 1123) ؛ (2/534- رقم: 3526) .
(3) "العلل" برواية ابن البراء: (ص: 60- رقم: 76) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/203، 220- رقمي: 3960، 4055) .
(5) "صحيح البخاري": (7/97) ؛ (فتح- 9/545- رقم: 5404) .
(6) "سنن البيهقي": (4/330) ، وما يليه من كلام البيهقي أيضًا ولكن في موضع آخر.(3/388)
قال: سمعت عطاء الخراسانيَّ عن أبي الغوث بن الحصن الخثعميِّ قال: قلت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحجِّ وهو شيخٌ كبيرٌ، لا يتمالك على الرَّاحلة، فما ترى أن أحجَّ عنه؟ قال: " نعم، حجَّ عنه ". قال: يا رسول الله، وكذلك من مات من أهلنا ولم يوص بحجٍّ، فنحجُّ عنه؟ قال: " نعم، وتؤجرون ". قال: ويتصدق عنه [] (1) ويصام عنه؟ قال: " نعم، والصَّدقة أفضل، وكذلك في النُّذور، والمشي إلى المسجد " (2) .
قال البيهقيُّ: إسناده ضعيفٌ (3) O.
*****
مسألة (386) : يجوز لمن لا مال له أن يستنيب في الحجِّ، ويقع عن المحجوج عنه.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك، وإنَّما يستنيب [] (4) من له مال، ليحصل له ثواب النفقة فحسب.
لنا: حديث الخثعميَّة، وقد سبق (5) .
*****
__________
(1) أقحمت في الأصل كلمة (قال) فحذفناها.
(2) الجملتان الأخيرتان يحتمل أنهما مرفوعتان، ويحتمل أنهما من كلام الراوي، والله أعلم.
(3) "سنن البيهقي": (4/335) .
(4) أقحمت في الأصل كلمة (عنه) ،وهي غير موجودة في (ب) ولا في "التحقيق".
(5) المسألة: (385) .(3/389)
مسألة (387) : لا يسقط الحجُّ والزَّكاة بالموت.
وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط، إلا أن يوصي بهما.
لنا: خبر ابن عبَّاس، وأنَّه شبهه بالدَّين، وقد سبق (1) .
وكذلك خبر بريدة، وقد سبق (2) .
ز: 2039- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا إسماعيل بن إسحاق أنا مسدَّد ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة جاءت إل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يعني (3) أنَّ أمِّي نذرت أن تحجَّ فماتت قبل أن تحجَّ، أفأحجُّ عنها؟
قال: " نعم، فحجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمِّك دينٌ، أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم. قال: " فاقضوا الله، فإنَّ الله أحقُّ بالوفاء ".
رواه البخاريُّ في " الصَّّحيح " (4) عن مسدَّد (5) O.
*****
مسألة (388) : لا يسقط الحجُّ بكون البحر بينه وبين مكَّة، إذا كان غالبه السَّلامة.
وقال الشَّافعيُّ- في أحد قوليه-: يسقط.
__________
(1) (رقم: 2031) .
(2) (رقم: 2035) .
(3) كذا بالنسختين و"سنن البيهقي".
(4) (3/466- 467) ؛ (فتح- 4/64- رقم: 1852) .
(5) "سنن البيهقي": (4/335) .(3/390)
2040- قال سعيد بن منصور: ثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرِّف (1) عن بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يركب البحر إلا حاجٌ أو معتمرٌ أو غازٍ في سبيل الله، فإنَّ نحت البحر نارًا، ونحت النَّار بحرًا ". وقال إسماعيل عن ليث عن مجاهد: لا يركب البحر إلا حاجًا أو معتمرًا أو غازيًا في سبيل الله.
ز: رواه أبو داود عن سعيد بن منصور (2) .
وقال الحافظ أبو القاسم: رواه محمَّد بن الصَّبَّاح عن صالح بن عمر عن مطرِّف بن طريف عن بشير بن مسلم عن عبد الله (3) .
ورواه أبو حمزة السُّكريُّ عن مطرِّف عن بشير أبي عبد الله عن عبد الله ابن عمر (4) .
ورواه أحمد بن إبراهيم الموصليُّ عن صالح بن عمر عن مطرِّف عن بشير ابن مسلم عن عبد الله بن عمرو. ولم يذكر بينهما أحدًا (5) .
2041- وقال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر أحمد بن إسحاق أنا الحسن بن سهل بن سختويه ثنا سعيد بن سليمان عن إسماعيل بن زكريا وصالح بن عمر عن مطرِّف بن طَريف عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يركبنَّ رجلٌ بحرًا إلا غازيًا أو
__________
(1) (عن مطرف) سقطت من "التحقيق"، ومطرف هو: ابن طريف.
(2) "سنن أبي داود": (3/205- رقم: 2481) .
(3) كلذا في النسختين، وفي "تحفة الأشراف": (عن بشير بن مسلم عن رجل عن عبد الله بن عمرو) ، وانظر: "تهذيب الكمال": (4/173- رقم: 725) .
(4) كذا في النسختين، وفي "تحفة الأشراف": (عبد الله بن عمرو) ، وهو الصواب، والله أعلم.
(5) "تحفة الأشراف" للمزي: (6/282- رقم: 8609) .(3/391)
معتمرًا أو حاجًا، وإنَّ تحت البحر نرًا، وتحت النَّار بحرًا ".
أخبرنا أبو بكر الفارسيُّ أنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهانيُّ ثنا أبو أحمد بن فارس قال: قال محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ (1) : لم يصحَّ حديثه. يعني حديث بشير بن مسلم هذا (2) O.
*****
مسألة (389) : من عليه فرض الحجِّ لا يصحُّ أن يحجَّ عن غيره.
وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة ومالك.
لنا حديثان:
2042- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عبَّاس (3) بن محمَّد ثنا سورة بن الحكم ثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه سمع رجلاً يلبِّي عن آخر، فقال له: " إن كنت حججت عن نفسك فلبِّ عنه، وإلا فاحجج عن نفسك " (4) .
ز: هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرَّج في شيءٍ من " السُّنن الأربعة ".
وسورة بن الحكم البغداديُّ- صاحب الرأي-: روى عن سويد أبي حاتم وسليمان بن أرقم وغيرهما، روى عنه محمَّد بن هارون الفلاس المخرميُّ والحسن بن داود المؤدِّب وعبَّاس الدُّوريُّ وغيرهم، ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه.
__________
(1) هو في "التاريخ الكبير": (2/105- رقم: 1846) .
(2) "سنن البيهقي": (4/334) .
(3) في "التحقيق": (عياش) خطأ.
(4) "سنن الدارقطني": (2/269) .(3/392)
والصَّحيح أنَّ هذا الحديث مرسلٌ.
2043- قال الشَّافعيُّ: أخبرنا مسلم- يعني: ابن خالد- عن ابن جريج عن عطاء قال: سمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يقول: لبَّيك عن فلان. فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كنت حججت فلبِّ عنه، وإلا فاحجج عن نفسك، ثمَّ احجج عنه " (1) .
وكذلك رواه سفيان الثَّوريُّ عن ابن جريج مرسلاً، والله أعلم O.
2044- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا هُشيم ثنا ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يلبِّي عن شُبْرمة، فقال: " أحججت عن نفسك؟ " قال: لا. قال: "فاحجج عن نفسك، ثم احجج عن شُبْرمة " (2) .
ز: حديث عائشة ليس مخرجًا في شيءٍ من " السُّنن " أيضًا، وقد اختلف على ابن أبي ليلى فيه:
فرواه عنه هُشيم هكذا.
ورواه شَريك وإبراهيم بن طهمان عنه عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يلبِّي عن رجل.... الحديث.
ورواه ابن جريج عن عطاء عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وهو أصحُّ كما تقدَّم O.
*****
__________
(1) "الأم": (2/114) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/270) .(3/393)
مسألة (390) : فإذا أحرم الصَّرُورَة بحجَّة نفلٍ انعقدت عن فرضه.
وعن أحمد: أنَّها تقع نفلاً، كقول أبي حنيفة.
استدَّل أصحابنا بالحديث المتقدِّم، وقالوا: معنى قوله: " حجَ عن نفسك ": استدم هذا الحجَّ بعزم أنَّه لك.
قالوا: وله ألفاظٌ صريحةٌ فيما قلنا.
2045- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن الحسن بن نافع الباهليُّ ثنا أبو بكر الكليبيُّ ثنا الحسن بن ذكوان ثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يقول: لبَّيك عن شُبْرمة. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل حججت قطُّ؟ " قال: لا. قال: " هذه عنك، وحجَّ عن شُبْرمة" (1) .
2046- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا الحسين، بن إسماعيل قال: حدَّثني هارون بن إسحاق الهمدانيُّ ثنا عَبْدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (2) عن عَزْرَة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يقول: لبَّيك عن شبرمة. فقال: " هل حججت قطُّ؟ " قال: لا. قال: "فاجعل هذه عنك، ثم لبِّ عن شُبْرمة " (3) .
2047- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن المذكِّر ثنا حميد بن الرَّبيع ثنا محمَّد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عَزْرَة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: سمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يلبِّي عن شُبْرمة،
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/269) .
(2) قوله: (عن قتادة) سقط من مطبوعة "سنن الدارقطني".
(3) "سنن الدارقطني": (2/270) .(3/394)
فقال: "أحججت؟ " قال: لا. قال: " لبِّ عن لفسك، ثمَّ لبِّ عن شُبْرمة" (1) .
قال المصنِّف: في هذه الأحاديث مقال:
أمَّا الأوَّل: ففيه الحسن بن ذكران، قال أحمد: أحاديثه أباطيل (2) .
وقال يحيى: ضعيفٌ (3) .
وفي الحديث الثَّاني: عَزْرَة، قال يحيى: لا شيء (4) .
وفي الثَّالث: حميد بن الرَّبيع، قال يحيى: كذَّاب (5) .
ز: الحديث الأوَّل: لم يخرِّجه أصحاب " السُّنن "، وكلام المؤلِّف في الحسن بن ذكوان دون الرَّاوي عنه فيه تقصير؛ فإنَّ الحسن روى له المخاريُّ في "صحيحه" (6) ، وروى عنه يحيى القطَّان وابن المبارك، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (7) . وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (8) ، وتكلَّم فيه غير واحد، وقال
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/270) .
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/223- رقم: 272) من رواية أحمد بن محمَّد بن هانئ.
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/13- رقم: 43) من رواية إسحاق بن منصور.
(4) كلمة ابن معين هذه في عزرة بن قيس اليحمدي البصري كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/21- رقم: 110) من رواية ابن أبي خيثمة.
وقد اختلف في تعيين (عزرة) الذي في الإسناد كلما سيشير إليه المنقح، وكلما ذكر الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": (7/174- رقم: 369) في ترجمة عزرة بن عبد الرحمن، وفي " النكت الظراف ": (4/429- رقم: 5564) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (2/280- رقم: 444) : "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/ 164- رقم: 4269) .
(6) " النعديل والتجريح " للباجي: (2/474- رقم: 219) . (7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 86- رقم: 152) .
(8) "الثقات": (6/163) .(3/395)
ابن عَدِيٍّ: يروي أحاديث لا يرويها غيره، على أنَّ يحيى القطَّان وابن المبارك قد رويا عنه، وناهيك به جلالة أن يرويا عنه، وأرجو أنَّه لا بأس به (1) .
وأمَّا الرَّاوي عنه: فهو أبو بكر الكليبيُّ، واسمه عبَّاد بن صُهيب، وقد تركوه. قاله البخاريُّ (2) ، وقال ابن أبي حاتم: روى عنه من لم يفهم العلم (3) . وقال ابن المدينيِّ: ذهب حديثه (4) . وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، ترك حديثه (5) . وقال النَّسائيُّ (6) والدُّولابيُّ (7) : متروك الحديث. وقد روي عن ابن معين أنَّه قال: عبَّاد بن صهيب أثبت من أبي عاصم النَّبيل! (8) وما أطنُّ ذلك يثبت عنه، والله أعلم.
وأمَّا الرَّاوي عن الكليبي فهو: محمَّد بن الحسن بن نافع أبو عوانة الباهليُّ البصريُّ، قدم بغداد، روى عنه ابن مخلد والصَّفَّار أحاديث مستقيمة. قاله الخطيب (9) .
وأمَّا الحديث الثَّاني: فرواه أبو داود عن إسحاق بن إسماعيل
__________
(1) "الكامل": (2/318- رقم: 449) .
(2) "التاريخ الكبير": (6/43- رقم: 1643) ؛ "الضعفاء الصغير": (ص: 460- رقم: 228) .
(3) "الجرح والتعديل": (6/81- رقم: 417) .
(4) المرجع السابق.
(5) المرجع السابق.
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 164- رقم: 411) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (4/346- رقم: 1179) .
(8) "الكامل" لابن عدي: (4/347- رقم: 1179) من رواية ابن أبي داود عن يحيى بن عبد الرحيم الأعمش عن ابن معين.
(9) "تاريخ بغداد": (2/184- رقم: 596) .(3/396)
وهنَّاد (1) ، ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن عبد الله بن نمير (2) ، ثلاثتهم عن عَبْدة بن سليمان به.
وقال يحيى بن معين: أثبت النَّاس سماعًا من سعيد: عَبْدة بن سليمان (3) .
وقد تابعه أبو يوسف القاضي ومحمَّد بن بشر العبديُّ ومحمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ عن سعيد بن أبي عروبة.
ورواه الحسن بن صالح بن حيٍّ ومحمَّد بن جعفر (غُنْدر) عن سعيد موقوفًا.
ورواه عبد الوهَّاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس موقوفًا، ولم يذكر عَزْرَة في إسناده.
وكذلك رواه عمرو بن الحارث المصريُّ عن قتادة، وقال في روايته: (عن قتادة أنَّ سعيد بن جبير حدَّثه) وذلك معدودٌ في أوهامه، فإنَّ قتادة لم يلق سعيد بن جبير، فيما قاله يحيى بن معين (4) وغيره، والله أعلم.
وقال الأثرم: قال أبو عبد الله في هذا الحديث: رفعه خطأٌ. وقال: رواه عدَّةٌ موقوفًا على ابن عبَّاس (5) .
وقال البيهقيُّ: ومن رواه مرفوعًا حافظٌ ثقةٌ، فلا يضره خلاف من
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/449- رقم: 1807) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/969- رقم: 2903) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (3/394- رقم: 822) من رواية ابن أبي مريم عنه.
وانظر: "من كلام ابن معين في الرجال" لابن طهمان: (ص: 110- رقمي: 355- 356) .
(4) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 362- رقم: 373) ، وانظر: (ص: 317- رقم: 180) ، و"التاريخ" برواية الدوري: (4/100- رقم: 3354) .
(5) "شرح العمدة" لابن تيمية: (1/291 - المناسك) .(3/397)
خالفه، وعَزْرَة هذا هو: عَزْرَة بن يحيى، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال (1) : سمعت أبا عليٍّ الحافظ يقول ذلك. وقد روى قتادة عن عَزْرَة بن تميم، وعن عَزْرَة بن عبد الرَّحمن (2) 0 انتهى ما ذكره.
وعَزْرَة راوي هذا الحديث ليس هو عَزْرَة بن يحيى، ولا يعرف في الرُّواة عَزْرَة بن يحيى، وإنَّما هو عَزْرَة بن عبد الرَّحمن الخزاعيُّ، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (3) ، ووثَّقه ابن المدينيِّ (4) ، وقال ابن معين: عَزْرَة الذي يروي عنه قتادة ثقةٌ (5) . وقال النَّسائيُّ: عَزْرَة الذي يروي عنه قتادة ليس بذاك القوي (6) .
__________
(1) انظر: "معرفة علوم الحديث": (ص: 287) .
(2) "سنن البيهقي": (4/336) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/119-120 - رقم: 1299) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/21- رقم: 112) من رواية ابن البرَّاء عنه.
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (4/159- رقم: 3696) .
(6) عزاه الحافظ ابن حجر في "التهذيب": (7/174- رقم: 369) إلى كتاب "التمييز" للنسائي.
(تنبيه) أورد الحافظ المزي في "تهذيب الكمال": (20/48- رقم: 3918) كلمة النسائي هذه في ترجمة عزرة بن تميم، فتعقب الحافظ ابن حجر ذلك في "التهذيب" بقوله: (روى أبو داود وابن ماجة من طريق عبدة بن سليمان عن سعد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس في قصة شبرمة، فوقع عندهما (عزرة) غير منسوب، وجزم البيهقي بأنه عزرة بن يحيى، ونقل عن أبي علي النيسابوري أنه قال: روى قتادة أيضًا عن عزرة ابن ثابت وعن عزرة بن عبد الرحمن، وعلى هذا فقتادة قد روى عن ثلاثة كل منهم اسمه: عزرة، فقول النسائي في " التمييز ": (عزرة الذي روى عنه قتادة ليس بذاك القوي) لم يتعين في عزرة بن نميم كما ساقه فيه المؤلف (المزي) فليتفطن لذلك) ا. هـ والحافظ ابن عبد الهادي هنا حمل كلام النسائي على عزرة بن عبد الرحمن.
وهذا الإشكال لا يزيله إلا الاطلاع على كلام النسائي في كتابه " التمييز " وهو غير موجود، وبالنظر إلى عبارة النسائي مجردة عن سياقها يكون كلام الحافظ ابن حجر وجيها، ولكن ثَمَّ احتمال وارد، وهو أن الحافظ المزي اطلع في سياق كلام النسائي على ما يفيد أنه أراد: عزرة ابن تميم، والله أعلم.(3/398)
وقول المؤلِّف: (وفي الحديث الثَّاني: عزرة، قال يحيى: لا شيء) وهمٌ فاحش، فإنَّ قول يحيى هذا إنَّما هو في عزرة بن قيس اليحمديِّ البصريِّ، الذي روى عنه مسلم بن إبراهيم وأحمد بن إسحاق الحضرميُّ؛ وأمَّا راوي هذا
الحديث فإنَّ يحيى وثَّقه كما ذُكر.
وأمَّا الحديث الثَّالث: فلم يروه أحدٌ من أصحاب " السُّنن " من حديث محمَّد بن بشر عن سعيد.
وحميد بن الرَّبيع راويه عن محمَّد بن بشر: قال ابن عَدِيٍّ: كان يسرق الحديث، ويرفع أحاديث موقوفة (1) . وقال محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة: قال أبي: أنا أعلم النَّاس بحميد بن الرَّبيع، هو ثقةٌ، لكنه شره يدلِّس (2) . قال
الدَّارَقُطْنِيُّ: تكلَّموا فيه (3) . وقال البرقانيُّ: رأيت الدَّارَقُطْنِيَّ يحسن القول فيه (4) .
ويعقوب بن عبد الرَّحمن شيخ الدَّارَقُطْنِيِّ هو: أبو يوسف الجصَّاص، في حديثه وهمٌ كثيرٌ، والله أعلم O.
احتجوا:
2048- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عبيد الله بن
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (2/280- رقم: 444) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/165- رقم: 4269) .
(3) في "الميزان" للذهبي: (1/611- رقم: 2327) : (تكلموا فيه بلا حجَّة) ، وفي "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/165- رقم: 4269) : (ذكر أبو عبد الرحمن السلمي أنه سأل الدارقطني عن حميد بن الربيع فقال: تكلم فيه يحيى بن معين، وقد حمل الحديث عنه الأئمة ورووا عنه، ومن تكلم فيه لم يتكلم فيه بحجَّة) ا. هـ
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/164- رقم: 4269) .(3/399)
سعد الزُّهريُّ (1) ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ وهو يقول: لبَّيك عن نُبيشة. فقال: " يا هذا المهل عن نُبيشة، هي عن نُبيشة، واحجج عن نفسك ".
وفي لفظِ: " هذه عن نُبيشة، وحجَّ عن نفسك " (2) .
قال المصنِّف: هذان اللفظان تفرَّد بهما الحسن بن عمارة، وهو الذى كان يقول مكان (شبرمة) : (نُبيشة) ، ثمَّ رجع إلى الصَّواب في آخر عمره.
قال شعبة: كان الحسن بن عمارة كذَّابًا، يحدِّث بأحاديث قد وضعها (3) .
وقال يحيى: كان يكذب، وقال زكريا السَّاجيُّ: أجمعوا على ترك حديثه (4) .
*****
مسألة (391) : يصحُّ إحرام الصَّبي، وعليه الكفَّارة بالمحطورات.
وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ.
2049- قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن إبراهيم بن (5) عقبة عن
__________
(1) في "التحقيق": (الترمذي) خطأ.
(2) "سنن الدارقطني": (2/268) .
(3) انظر: "الكامل" لابن عدي: (2/283- 285- رقم: 445) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/350- رقم: 3870) وفيه: (أجمع أهل الحديث على ترك حديثه) .
(5) تصحفت في مطبوعتي "التحقيق" و"المسند" إلى: (عن) ، وهي على الصواب في " الأطراف " لابن حجر: (3/249- رقم: 3824) .(3/400)
كُريب عن ابن عبَّاس قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرَّوحاء، فأخذت امرأة بعضد صبيٍّ فأخرجته من مِحَفَّتِها (1) ، فقالت: يا رسول الله، هل لهذا حجٌّ؟ قال: " لعم، ولك أجرٌ " (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
2050- وقال الترمذيِّ: ثنا محمَّد بن طريف الكوفيُّ ثنا أبو معاوية عن محمَّد بن سُوقة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: رفعت امرأة صبيًّا لها إلى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حجٌّ؟ قال: " نعم، ولك أجرٌ " (4) .
2051- قال التِّزمذيُّ: وثنا محمَّد بن إسماعيل الواسطيُّ قال: سمعت ابن نمير عن (5) أشعث بن سَوَّار عن أبي الزُّبير عن جابر قال: كنَّا إذا حججنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نلبِّي عن النِّساء، ونرمي عن الصِّبيان (6) .
وفي لفظ آخر: أحرمنا عن الصِّبيان، وأحرمت النِّساء عن أنفسها.
قال التِّرمذيُّ: الحديثان غريبان.
ز: الحديث الأوَّل: رواه أبو داود أيضًا عن أحمد بن حنبل (7) ، ورواه
__________
(1) في " القاموس ": (1034- مادة: حفَ) : (المِحَفَّةُ- بالكسر-: مركب للنساء كالهودج، إلا أنها لا تقبَّب) ا. هـ
(2) "المسند": (1/219) .
(3) "صحيح مسلم": (4/101) ، (فؤاد- 2/974- رقم: 1336) .
(4) "الجامع": (2/254- رقم: 924) .
(5) في "التحقيق": (و) خطأ.
(6) "الجامع": (2/255- رقم: 927) .
(7) "سنن أبي داود": (2/410- رقم: 1733) .(3/401)
النَّسائيُّ عن غير واحد عن سفيان (1)
ورواه ابن مهدي عن الثَّوريِّ عن إبراهيم فأرسله، والله أعلم.
الحديث الثَّاني: رواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد ومحمَّد بن طريف كلاهما عن أبي معاوية به (2) .
والحديث الثَّالث: رواه ابن ماجة أيضًا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن نمير (3) .
وأشعث بن سَوَّار: ضعَّفه النَّسائيُّ (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) وغيرهما، وروي عن يحيى بن معين أنَّه وثَّقه (6) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (392) : يجب الحجُّ على الفور.
وقال الشَّافعيُّ: لا يجب على الفور.
لنا أربعة أحاديث:
2052- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن عبد الله بن
__________
(1) "سنن النسائي": (5/120- 121- رقمي: 2647- 2648) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/971- رقم: 2910) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/1010- رقم: 3038) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 58- رقم: 58) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 155- رقم: 115) .
(6) "الكامل" لابن عدي: (1/371- رقم: 198) من رواية عبد الله بن أحمد الدورقي.(3/402)
محمَّد الوكيل ثنا الحسن بن عرفة ثنا مروان بن معاوية الفزاريُّ (1) عن الحجَّاج الصَّوَّاف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: حدَّثني الحجَّاج بن عمرو الأنصاريُّ قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كسر أو عرج فقد حلَّ، وعليه الحجُّ من قابل ". قال عكرمة: فسألت أبا هريرة وابن عبَّاس فقالا: صدق (2) .
ز: روى هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل (3) وأبو داود (4) والتِّرمذيُّ (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من رواية حجَّاج الصَّوَّاف عن يحيى.
قال التِّرمذيُّ: وروى معمر ومعاوية بن سلام عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجَّاج.
وسمعت محمَّدًا يقول: رواية معمر ومعاوية أصحُّ (8) .
وسئل عنه عليُّ بن المدينيِّ فقال: رواه حجَّاج عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: سمعت الحجَّاج بن عمرو.
ورواه يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة عن عبد الله بن رافع.
والحجَّاج الصَّوَّاف عن يحيى بن أبي كثير أثبت (9) O.
__________
(1) في "التحقيق": (القزازي) خطأ.
(2) "سنن الدارقطني": (2/277- 278) .
(3) "المسند": (3/450) .
(4) "سنن أبي داود": (2/466- 467- رقم: 1857) .
(5) "الجامع": (2/265- رقم: 940) .
(6) "سنن النسائي": (5/198 - رقمي: 2860- 2861) .
(7) "سنن ابن ماجة": (2/1028- رقم: 3077) .
(8) "الجامع": (2/266- رقم: 940 " م1 ") .
(9) انظر: "سنن البيهقي": (5/220) .(3/403)
2053- الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: حدثنا محمَّد بن يحيى القُطَعيُّ ثنا مسلم بن إبراهيم (1) ثنا هلال بن عبد الله- مولى ربيعة بن عمرو- ثنا أبو إسحاق الهمدانيُّ عن الحارث عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ملك زادًا وراحلةً تبلغه إلى بيت الله ولم يحجَّ، فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقالٌ، وهلالٌ مجهولٌ، والحارث يُضعَّف في الحديث (2) .
قال المصنِّف: قلت: الحارث قد كذَّبه الشَّعبيُّ (3) وابن المدينيِّ (4) .
ز: هذا الحديث لم يروه من أصحاب " السُّنن " غير التِّرمذيِّ.
وهلال: قال فيه البخاريُّ: منكر الحديث (5) . وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويِّ عندهم (6) . وقال ابن عَدِيٍّ: هو معروفٌ بهذا الحديث، وليس الحديث بمحفوظٍ (7) O.
2054- الحديث الثَّالث: قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير ثنا عبد الرَّحمن بن سعيد ثنا عبد الرَّحمن بن القُطامي (8) ثنا
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: كان فيه " ثنا محمَّد بن يحي القطيعي ثنا سلمة بن إبراهيم " وهو وهم) ا. هـ وهو في مطبوعة "التحقيق" كما ذكر.
(2) "الجامع": (2/165- 166- رقم: 812) .
(3) "التاريخ الكبير" للبخاري: (2/273- رقم: 2437) ؛ " مقدمة الصحيح " لمسلم: (1/14) ؛ (فؤاد- 1/19) .
(4) " الشجرة في أحوال الرجال " للجوزجاني: (ص: 42- رقم: 13) .
(5) " التاريخ الأوسط ": (2/135- رقم: 1305) .
(6) "تهذيب الكمال": (30/343- رقم: 6625) .
(7) "الكامل": (7/120- رقم: 2037) .
(8) في هامش الأصل: (حـ: كان فيه: " عبد الرحمن القطامي " وهو وهم) أ. هـ(3/404)
أبو المُهَزِّم (1) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات ولم يحجَّ حجَّة الإسلام في غير وجعٍ حابسٍ، أو حُجَّة ظاهرة، أو سلطانٍ جائرٍ، فليمت أيُّ الميتتين: إمَّا يهوديًّا أو نصرانيًّا " (2) .
قال المصنِّف: أبو المُهَزِّم اسمه: يزيد بن سفيان، قال يحيى بن معين: ليس حديثه بشيءٍ (3) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4) .
وأمَّا عبد الرَّحمن بن (5) القُطامي: فقال عمرو بن عليٍّ الفلاس: كان كذَّابًا (6) . وقال ابن حِبَّان: يجب تنكب رواياته (7) .
ز: ذكر ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمة عبد الرَّحمن، وذكر له غيره، ثمَّ قال: وعبد الرَّحمن بن القُطامي له غير ما ذكرت من الحديث، وليس بالكثير (8) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: عبد الرَّحمن بن القُطامي روى عن أبي المُهَزِّم عن
أبي هريرة نسخة موضوعةً (9) . وكان السَّاجيُّ يقول: عبد الرَّحمن القُطامي (10) . والصَّواب: ابن القُطامي، والله أعلم O.
2055- الحديث الرَّابع: قال المؤلِّف: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن
__________
(1) انظر في ضبطه: "توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين: (8/296) .
(2) "الكامل": (4/312- رقم: 1141) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (7/266- رقم: 2164) من رواية معاوية.
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 247- رقم: 648) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: لم يذكر: " ابن " ولا بد منه) أ. هـ وكذا في مطبوعة "التحقيق".
(6) "الكامل" لابن عدي: (4/312- رقم: 1141) .
(7) "المجروحون": (2/48) .
(8) "الكامل": (4/312- 313- رقم: 1141) .
(9) " تعليقات الدارقطني على المجروحين ": (ص: 155- رقم: 187) .
(10) انظر: زيادات ابن شاقلا على " تعليقات الدارقطني على المجروحين ": (ص: 155- رقم: 187) .(3/405)
محمَّد الأصبهانيُّ- قدم علينا- أنا عبد الرَّزَّاق بن عمر بن شمة أنا أبو بكر محمَّد ابن إبراهيم بن زاذان بن المقرئ ثنا أبو عروبة الحرَّانيُّ ثنا المغيرة بن عبد الرَّحمن ثنا يزيد بن هارون ثنا شَريك عن ليث عن عبد الرَّحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يحبسه مرضٌ، أو حاجةٌ ظاهرةٌ، أو سلطانٌ جائرٌ، ولم
يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا ".
قال يحيى بن معين: المغيرة ليس بشيءٍ (1) .
وليث: قد تركه يحيى بن معين وابن مهدي وأحمد (2) .
وقد رواه عمَّار بن نمر (3) عن شَريك عن سالم عن أبي أمامة.
قال العقيليُّ: عمَّار يحدِّث عن الثِّقات بالمناكير (4) . وقال ابن عَدِيٍّ: متروك الحديث (5) .
ز: حديث أبي أمامة هذا لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وكلام المؤلِّف عليه فيه نظرٌ من وجوه:
أحدها: قوله: (قال يحيى بن معين: المغيرة ليس بشيءٍ) فإنَّ المغيرة الذي قال فيه يحيى هذا الكلام هو: المغيرة بن عبد الرَّحمن الحزاميُّ، وهو
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (3/202- رقم: 928) ، وانظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(2) انظر ما يأتي في كلام المنقح.
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وصوابه: (مطر) كما سينبه عليه المنقح. وهو على الصواب في مطبوعة "التحقيق".
(4) "الضعفاء الكبير": (3/327- رقم: 1347) .
(5) "الكامل": (5/72- رقم: 1251) .(3/406)
متقدِّم على راوي هذا الحديث، يروي عن أبي الزِّناد وغيره، ويروي عنه قتيبة وغيره، وهو من رجال "الصَّحيحين" (1) .
وأمَّا راوي هذا الحديث فهو: الحرانيُّ، شيخٌ متأخرٌ، روى عنه النَّسائيُّ ووثَّقه (2) ، ولا نعرف أحدًا تكلَّم فيه.
وقد ذكر المؤلِّف الحزاميَّ في كتاب " الجرح والتَّعديل " وحكى كلام يحيى فيه، ثمَّ قال: وجملة من في الحديث اسمه (مغيرة بن عبد الرَّحمن) ستَّةٌ، لا نعرف قدحًا في أحدٍ منهم غيره (3) .
الوجه الثَّاني: أنَّ هذا الحديث لم ينفرد به المغيرة عن يزيد، فقد رواه محمَّد بن أسلم الطوسيُّ الإمام عن يزيد، ورواه البغويُّ في تفسير سورة " آل عمران " من رواية سهل بن عمَّار عن يزيد (4) ، وسهل كذَّبه الحاكم (5) .
وقد رواه عن شريك غير يزيد:
2056- قال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا بشر بن الوليد الكنديُّ ثنا شَريك عن ليث عن عبد الرَّحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يمنعه من الحجِّ مرضٌ حابسٌ أو حاجةٌ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا " (6) .
2057- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/729- رقم: 654) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/225- رقم: 1554) .
(2) " المعجم المشتمل " لابن عساكر: (ص: 294- رقم: 1056) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (3/135- رقم: 3394) .
(4) " تفسير البغوي ": (1/330- 331) .
(5) في " تاريخ نيسابور " كما في "الميزان" للذهبي: (2/240- رقم: 3589) .
(6) " المعجم ": (ص: 196- رقم: 232) .(3/407)
ابن يعقوب ثنا محمَّد بن إسحاق أنا شاذان ثنا شَريك عن ليث عن ابن سابط عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يحبسه مرضٌ، أو حاجةٌ ظاهرةٌ، أو سلطانٌ جائرٌ، ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا ".
وهذا وإن كان إسناده غير قويٍّ، فله شاهدٌ من قول عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
2058- أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ وأبو صادق بن أبي الفوارس الصَّيدلانيُّ قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا حجَّاج قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن نعيم أنَّ الضَّحَّاك بن عبد الرَّحمن
الأشعريَّ أخبره أنَّ عبد الرَّحمن بن غَنْم أخبره أنَّه سمع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يقول: ليمت يهوديًّا أو نصرانيًّا- يقولها ثلاث مرَّات- رجلٌ مات ولم يحجَّ، وجد لذلك سعة وخليَّت سبيله، فحجَّة أحجُّها وأنا صَرُورة أحبُّّ إليَّ من ستِّ غزواتٍ أو سبع- ابن نعيم يشكُّ-، ولغزوة أغزوها بعد ما أحجُّ أحبُّ إليَّ من سمتِّ حجَّاتٍ أو سبعٍ- ابن نعيم يشكُّ فيهما (1) -. انتهى ما رواه.
وقد روى الحديث عن ليث غير شَريك مرسلاً، وهو أشبه بالصَّواب: 2059- قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب " الإيمان ": ثنا وكيع عن سفيان عن ليث عن ابن سابط قال: قال رسول اللهءصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات ولم يحجَّ لم يمنعه من ذلك مرضٌ حابسٌ أو سلطانٌ ظالمٌ أو حاجةٌ ظاهرةٌ، قليمت على أي حال شاء: إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا ".
2060- ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد الرَّحمن بن سابط قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات ولم يحجَّ حجَّة الإسلام، ولم يمنعه من
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/334) .(3/408)
ذلك حاجةٌ ظاهرةٌ، أو مرضٌ حابسٌ، أو سلطانٌ ظالمٌ، فليمت على أيِّ حال شاء: إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا " (1) .
هكذا رواه أحمد من رواية الثَّوريِّ، وابن عُليَّة عن ليث مرسلاً، وهو الصَّحيح.
الوجه الثَّالث: قوله: (وليث قد تركه يحيى بن معين وابن مهدي وأحمد) ليس بصحيحٍ، وقد روى ابن مهدي عن سفيان وغيره عنه، وقد تقدَّم الكلام على ذلك بما فيه كفاية في كراهية إفراد يوم الجمعة بالصَّوم (2) .
الوجه الرَّابع: قوله:) قد رواه عمَّار بن نصر عن شَريك (وإنَّما هو عمَّار بن مطر الرَّهاويُّ، ولعلَّ الغلط في هذا من النُّسخة، فإنِّي رأيته مصلَّحًا: (نصر) ، والظَّاهر أنَّه كان مكتوبًا على الصَّواب.
2061- قال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا عبد الله بن عبد الصَّمد ثنا عمَّار بن مطر- من أهل الرَّها- عن شَريك عن منصور عن سالم بن أبي الجَعْد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يمنعه من الحجِّ مرضٌ حابسٌ، أو حاجةٌ،
__________
(1) " السنة " للخلال: (5/46- 47- رقمي: 1577، 1579) .
(تنبيه) قد أورد الخلال كتاب " الإيمان " للإمام أحمد بتمامه في كتاب " السنة " (من 4/23 إلى 5/ 80) فجميع ما بين هاتين الصفحتين هو من كلام الإمام أحمد.
وقد نبه على هذا الإمام ابن تيمية، فقال في كتابه " الإيمان ": (ص: 373) : (رسالته- أي الإمام أحمد- إلى أبي عبد الرحيم الجوزجاني ذكرها الخلال في كتاب " السنة "، وهو أجمع كتاب يذكر فيه أقوال أحمد في مسائل الأصول الدينية، وإن كان له أقوال زائدة على ما فيه) أ. هـ
ورسالة الإمام أحمد إلى أبي عبد الرحيم الجوزجاني هي كتاب " الإلمان "، والخلال يروي هذه الرسالة من طريق المروذي، وقد رواها أيضًا أبو معين الحسن بن الحسن الرازى، ومن طريقه سمع المنقح كتاب " الإيمان " كما سيأتي (ص: 411) .
(2) (3/348) .(3/409)
فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا " (1) .
وقد ذكر ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمة عمَّار بن مطر، وقال: وهذا الحديث عن شَريك غير محفوظٍ، وعمَّار بن مطر الضَّعف على رواياته بيِّنٌ (2) .
الوجه الخامس: قوله: (عن شريك عن سالم عن أبي أمامة) وإنَّما هو: (عن شريك عن منصور عن سالم) كما ذكر، والله أعلم O.
2062- وقال سعيد بن منصور: ثنا هُشيم أنا منصور عن الحسن قال: قال عمر بن الخطَّاب: لقد هممت أن أبعث رجالاً إل هذه الأمصار فينظروا كلَّ من كان له جِدةٌ ولم يحجَّ فليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ماهم بمسلمين.
ز: هذا الأثر مرسلٌ، لأنَّ الحسن لم يسمع من عمر رضي الله عنه، وقد رواه الإمام أحمد في " الإيمان " عن هُشيم (3) وقال:
2063- حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن عَدِيِّ بن عَدِيٍّ عن الضَّحَّاك بن عبد الرَّحمن بن عرزم (4) عن أبيه عن عمر قال: من كان ذا يسار فمات ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا (5) .
__________
(1) " المعجم ": (ص: 196- رقم: 231) .
(2) "الكامل": (5/72- 73- رقم: 1251) .
(3) " السنة " للخلال: (5/44- رقم: 1571) .
(4) وضع فوقها إشارة في الأصل لم تظهر لنا، ويبدو أن المراد بها التنبيه على أنه هكذا وفع في كتاب " الإيمان ": (عرزم) بالميم، لأن المشهور فيه (عرزب) بالباء، والله أعلم.
(5) " السنة " للخلال: (5/47- رقم: 1580) .(3/410)
2064- حدَّثنا هُشيم أنا منصور (1) عن الحكم عن عَدِيِّ بن عَدِيٍّ عن الضَّحَّاك بن عرزم (2) قال: قال عمر: من مات وهو موص ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا (3) .
قال: إنَّما هو عرزب.
قال أبو معين: أهل الشَّام يقولون: عرزم، وأهل العراق يقولون: عرزب.
هكذا رواه وليس فيه: (عن أبيه) ، وفي رواية شعبة: (عن أبيه) .
وأبو معين هو راوي كتاب " الإيمان " عن أحمد، واسمه: الحسين بن الحسن (4) ، والله أعلم O.
أمَّا حجَّتُهم:
2065- فرووا عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من أحبَّ أن يرجع بعمرةٍ قبل الحجِّ فليفعل ".
وهذا لا يعرف، إنَّما روي: " من أحبَّ أن يبدأ بعمرة قبل الحجِّ
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: منصور هذا هو: ابن أبي [] ، وقد روى هثيم عنه وعن ابن زاذان) أ. هـ ومحل المياض كلمة لم نتمكن من قراءتها، وهي تشبه (نعم) ، والله أعلم.
(2) وضع في الأصل إشارتين: الأولى: فوق (بن) ، والثانية: فوق (عرزم) ، ويبدو أن المراد التنبيه على أنه هكذا وقع في كتاب " الإيمان " منسوبًا إلى جده و (عرزم) بالميم، والله أعلم.
(3) " السنة " للخلال: (5/45- ر قم: 1573) .
(4) ترجم له المنقح في " طبقات علماء الحديث ": (2/306- رقم: 600) ، وقال في ترجمته: (روى عن الإمام أحمد بن حنبل كتاب " الإيمان "، وهو كتاب مفيد، سمعناه بالإسناد المتصل) أ. هـ(3/411)
فليفعل " (1) . وهذا هو التَّمتع.
واحتجُّوا بأنَّ فريضة الحجِّ نزلت في سنة خمس، بدليل:
2066- ما أخبرنا به ابن الحصين- ثُمَّ ذكر إسناده المعروف إلى الإمام أحمد- قال: ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمَّد بن إسحاق قال: حدَّثني محمَّد بن الوليد بن نفيع (2) عن كريب عن عبد الله بن عبَّاس قال: بعثَتْ بنو سعد (3) بن بكرٍ: ضمامَ بنَ ثعلبة، وافدًا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فرائض الإسلام: الزَّكاة والصِّيام والحجَّ (4) .
وقد رواه (5) شَريك عن كُريب فقال فيه: بعثَتْ بنو سعدٍ ضمامًا في رجب سنة خمس.
قالوا: وإذا ثبت أنَّ الحجَّ قد وجب في سنة خمس فقد أخَّره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سنة عشر، فدلَّ على أنَّ الوجوب على التَّراخي.
وجواب هذا: أنَّه قد روي أنَّ ضمامًا قدم في سنة تسع، فإن صحَّت الرِّواية الأخرى، فعن تأخير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوابان: أحدهما: أنَّ الله تعالى أعلم نبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه لا يموت حتَّى يحجَّ، وكان على
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: كذا في "المسند" [6/92] وغيره) أ. هـ
(2) في هامش الأصل: (نويفع) وفوقها رمز، ولم يظهر لنا هل هو رمز تصحيح أم رمز نسخة أخرى، وسينبه المنقح عليه فيما يأتي.
(3) في "التحقيق": (بنو سعيد) خطأ.
(4) "المسند": (1/264- 265) باختصار.
(5) كتب فوقها بالأصل: (كذا) .(3/412)
يقين من الإدراك (1) . قاله أبو زيد الحنفيُّ.
والثَّاني: أنَّه أخَّر لعذرٍ، وقد كانت له خمسة أعذار: أحدها: الفقر؛ والثَّاني: الخوف على نفسه؛ والثَّالث: الخوف على المدينة من المشركين واليهود؛ والرَّابع: أن يكون رأى تقديم الجهاد؛ والخامس: غلبة المشركين على مكَّة، وكونهم يحجُّون ويظهرون الشِّرك، ولا يمكنه الإنكار عليهم.
فإن قيل: فعلى هذا فكيف أخَّره بعد الفتح؟
فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنَّه لم يؤمر بمنع حجَّاج المشركين، فلو حجَّ لاختلط الكفَّار بالمسلمين، فكان ذلك كالعذر، فلمَّا أُمر بمنع المشركين من الحجِّ، بعث أبا بكر في سنة تسع فنادى: أن لا يحجَّ بعد العام مشركٌ، ثُمَّ حجَّ عند زوال ما يكره.
والثَّاني: أن يكون أخَّر الحجَّ لئلا يقع في غير ذي الحجَّة، من جهة النسيء الذي كانت العرب تستعمله، حتَّى يدور التَّحريم على جميع الشُّهور، فوافقت حجَّة أبي بكر ذا القَعدة، ثُمَّ حجَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذى الحجَّة.
ز: حديث ابن عبَّاس: رواه الإمام أحمد في "المسند" مطوَّلاً، فيه ذكر التَّوحيد والصَّلاة، لكنَّ المؤلِّف اختصره.
وفيه: محمَّد بن الوليد بن نويفع- لا: نفيع-، وهو القرشيُّ الأسديُّ، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (2) ، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يعتير به (3) .
__________
(1) قوله: (وكان على يقين من الإدراك) ساقط من "التحقيق".
(2) "الثقات": (7/428) وفيه: (ابن رويفع) .
(3) "سؤالات البرقاني": (ص: 62- رقم: 462 ط. الهند) .(3/413)
وقد روى له أبو داود هذا الحديث الواحد مقرونًا بغيره، فرواه عن محمَّد ابن عمرو زُنَيْج الرَّازيِّ عن سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن سلمة بن كُهيل ومحمَّد بن الوليد بن نويفع كلاهما عن كُريب (1) .
وأمَّا رواية شَريك عن كُريب فلم يخرِّجها أحدٌ من أصحاب " الكتب الستة "، ولم أر لها سندًا، وشَريك الذي يروي عن كُريب هو: ابن أبي نمر، والله أعلم O.
مسألة (393) : الأفضل أن يحرم من الميقات.
وقال أبو حنيفة: من دويرة أهله.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين.
لنا:
أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحرم بالحجِّ وبأربع عُمر من الميقات- على ما يأتي ذكره، وما هو مشهور في الحديث-، ولا يداوم إلا على الأفضل.
*****
مسألة (394) : يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيَّب.
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/382- رقم: 488) .(3/414)
وقال مالك: يكره.
2067- قال أحمد: حدَّثنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن
القاسم عن عائشة قالت: طيَّبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيديَّ هاتن لحرمه حين أحرم،
ولحلِّه قبل أن يطوف (1) .
2068- قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا حمَّاد عن إبراهيم
عن الأسود عن عائشة قالت: كأنِّي أنظر إلى وبيص الطِّيب في مفرق رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أيام وهو محرمٌ (2) .
الحديثان في "الصَّحيحين".
ز: الحديث الأوَّل: أخرجاه من حديث مالك عن عبد الرَّحمن بن القاسم (3) .
ورواه البخاريُّ من حديث سفيان، وقال فيه: ثنا عبد الرَّحمن بن القاسم- وكان أفضل أهل زمانه- أنَّه سمع أباه- وكان أفضل أهل زمانه-.... فذكره (4) .
والحديث الثَّاني: لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب الستة" من حديث حمَّاد (5) عن حمَّاد (6) عن إبراهيم، وهو مخرَّجٌ في "الصَّحيحين" من حديث غير
__________
(1) "المسند": (6/39) .
(2) "المسند": (6/124) .
(3) "صحيح البخاري": (2/388) ؛ (فتح- 3/396- رقم: 1539) .
"صحيح مسلم": (4/10) ؛ (فؤاد- 2/846- رقم: 1189) .
(4) "صحيح البخاري": (2/439- 440) ؛ (فتح- 3/584- 585- رقم: 1754) .
(5) هو ابن سلمة.
(6) هو ابن أبي سليمان.(3/415)
حمَّاد عن إبراهيم (1) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (395) : الأفضل أن يحرم عقيب ركعتين.
وعنه: أنَّ الإحرام: عقيب الصَّلاة، وحن تستوي راحلتُه على البيداء= سواء.
وقال مالكٌ: الأفضل حين تستوي به راحلتُه على البيداء.
وعن الشافعيِّ كقولنا الأوَّل، وعنه: إذا سارت به راحلتُه (2) .
لنا:
2069- ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني خُصيف عن سعيد بن جبير قال: قلت لعبد الله بن عبَّاس: عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إهلال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقال: إنِّي لأعلم بذلك (3) ، إنَّها إنَّما كانت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة واحدة، فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاجًا، فلمَّا صلَّى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه، وأهلَّ بالحجِّ حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظوه عنه؛ ثُمَّ ركب، فلما استقلَّت به ناقته أهلَّ، وأدرك منه
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/388) ؛ (فتح- 3/396- رقم: 1538) .
"صحيح مسلم": (4/11) ؛ (فؤاد- 2/847- رقم: 1190) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: قد روي في هذه المسألة أحاديث وآثار من الطرفين، يطول الكتاب بذكرها) أ. هـ
(3) في "المسند": (لأعلم الناس بذلك) .(3/416)
أقوام، وذلك أنَّ النَّاس إنَّما كانوا يأتون أرسالاً، فسمعوه حين استقلَّت به ناقته يهلُّ، فقالوا: إنَّما أهلَّ حين استقلَّت به ناقته؛ ثُمَّ مضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا علا على شرف البيداء أهلَّ-، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنَّما أهلَّ حين علا شرف البيداء؛ وأيم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهلَّ حين استقلَّت به ناقته، وأهلَّ حين علا على شرف البيداء (1) .
ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن منصور الطُّوسيِّ عن يعقوب بن إبراهيم ابن سعد به (2) .
وخُصيف هو: ابن عبد الرَّحمن الجزريُّ، وقد ضعَّفه أحمد (3) وغيره، ووثَّقه أبو زرعة (4) وغره، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: وإذا حدَّث عن خُصيف ثقةٌ فلا بأس به وبرواياته (6) O.
احتجُّوا بحديثين:
2070- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد ابن إسحاق الصَّاغانيُّ ثنا أحمد بن أبي الطَّيِّب قال: قرئ على أبي بكر بن عيَّاش فأقرَّ به عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: اغتسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لبس ثيابه، فلمَّا أتى ذا الحليفة صلَّى ركعتن، ثُمَّ قعد على بعيره، فلمَّا استوى به على البيداء أحرم بالحجِّ (7) .
__________
(1) "المسند": (1/260) .
(2) "سنن أبي داود": (2/428- رقم: 1767) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/403- رقم: 1848) من رواية أبي طالب.
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/404- رقم: 1848) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 93- رقم: 177) .
(6) "الكامل" لابن عدي: (3/72- رقم: 619) .
(7) "سنن الدارقطني": (2/220) .(3/417)
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن ".
ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح: لا يحتجُّ به، وسيأتي كلام المؤلِّف عليه O.
2071- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن عبيد عن عبيد الله (1) عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أدخل رجله في الغرز، واستوت به ناقته قائمة، أهلَّ من مسجد ذي الحليفة (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
ز: كان في النُّسخة التي كتبت منها: (عن عبد الله) وهو وهمٌ، والصَّواب: (عن عبيد الله) ، ولا يعرف لمحمَّد بن عبيد عن عبد الله رواية أصلاً، وقد وجدته في نسخة أخرى على الصَّواب.
وليس هذا الحديث في "الصَّحيحين" من رواية محمَّد بن عبيد، إنَّما رواه البخاريُّ من حديث أبي أسامة، ومسلمٌ من حديث عليِّ بن مُسهر، كلاهما عن عبيد الله، والله أعلم O.
والجواب من وجهين:
أحدهما: أنَّ الحديث الأوَّل لا يصحُّ، قال أحمد (4)
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: كان فيه: " عبد الله " وهو وهم) أ. هـ وفي "التحقيق": (عبيد الله) ، وسقط من مطبوعة "المسند": (عن عبيد الله) ، وهو على الصواب في " الأطراف " لابن حجر: (3/535- رقم: 4768) .
(2) "المسند": (2/29) .
(3) "صحيح البخاري": (4/39) ؛ (فتح- 6/82- رقم: 2865. ط: الريان) .
"صحيح مسلم": (4/9) ؛ (فؤاد- 2/845- رقم: 1187) .
(4) "العلل" برواية عبد الله: (1/397 - رقم: 803) .(3/418)
ويحيى (1) : يعقوب بن عطاء ضعيفٌ.
والثَّاني: أنَّه ذكر بعض ما جرى، وقد استوفاه في حديثنا، وذكر زيادة، وهذا جواب حديث ابن عمر.
*****
مسألة (396) : لا تستحب الزِّيادة على تلبية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال أبو حنيفة: تستحب.
لنا:
أنَّ جماعةً رووا صفة تلبيته، وقد قال: " خذوا عنِّي مناسككم ".
2072- قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم ثنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر قال: كانت تلبية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شربك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك " (2) .
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (3) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/211- رقم:882) من رواية إسحاق بن منصور، و"الكامل" لابن عدي: (7/143- رقم: 2054) من رواية معاوية بن صالح.
(2) "المسند": (2/3) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: هو فيهما من غير هذا الوجه) ا. هـ
اتفق البخاري ["صحيح البخاري": 2/390؛ فتح- 3/408- رقم: 1549] ومسلم ["صحيح مسلم": 4/7؛ فؤاد- 2/841- رقم: 1184] على تخريجه من حديث مالك عن نافع ابن عمر.(3/419)
2073- قال أحمد: وحدَّثنا يحيى عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أنَّ سعدًا سمع رجلاً يقول: لبَّيك ذا المعارج. فقال: إنَّه لذو المعارج، ولكنَّا كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نقول ذلك (1) .
ز: قال أبو زرعة: عبد الله بن أبي سلمة عن سعد: مرسلٌ (2) .
ولم يخرِّج أحدٌ من أصحاب " السُّنن " هذا الحديث.
وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه محمَّد بن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة، واختلف عنه:
فرواه القاسم بن معن ويحيى القطَّان وأبو خالد الأحمر والثَّوريُّ عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة عن سعد.
وخالفهم الدَّراورديُّ، فرواه عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة عن عامر بن سعد عن سعد. ولم يتابع الدَّراوردي على عامر.
وروي عن الثَّوريِّ عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة سمع سعدٌ رجلاً يقول: أعوذ بك من زقومها وسلاسلها. فقال: ما كنَّا ندعوا هكذا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدَّث به معاوية بن هشام عن الثَّوريِّ، وأحسبه وهم فيه، والصَّحيح بهذا الإسناد: لبيك ذا المعارج، والله أعلم (3) O.
*****
__________
(1) "المسند": (1/172) .
(2) " المراسل " لابن أبي حاتم: (ص: 112- رقم: 409) .
(3) "العلل": (4/385- 386- رقم: 648) .(3/420)
مسألة (397) : يقطع الحاج التَّلبية عند رمي جمرة العقبة.
وقال مالكٌ- في إحدى روايتيه-: يقطعها بعد الزَّوال من يوم عرفة.
2074- قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا جرير عن أيُّوب عن الحكم بن عتيبة عن ابن عبَّاس عن أخيه الفضل قال: كنت رديف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جمع إلى منى، فلم يزل يلبِّي حتَّى رمى جمرة
العقبة (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
ز: كذا في النُّسخة التي كتبت منها، وهو منقطع، فإنَّ الحكم لم يسمع من ابن عبَّاس، وكأنَّه سقط منه (سعيد بن جبير) أو (مجاهد) أو غيرهما من أصحاب ابن عبَّاس (3) ، ولم يخرِّج أحدٌ من أصحاب " الكتب الستة " هذا
الحديث من رواية الحكم، وهو مخرَّج في "الصَّحيحين" من رواية غير واحد عن ابن عبَّاس O.
*****
__________
(1) "المسند": (1/211) .
(2) اتفقا ("صحيح البخاري": 2/424؛ فتح- 3/532- رقم: 1685؛ " صحيح مسلم ": 4/71؛ فؤاد- 2/931- رقم: 1281) عل تخريجه من رواية عطاء بن أبي رباح عن ابن عبَّاس عن أخيه الفضل.
ومن رواية كريب عن ابن عبَّاس عن أخيه الفضل ("صحيح البخاري": 2/421؛ فتح- 3/519- رقم: 1670؛ "صحيح مسلم": 4/71؛ فؤاد- 2/931- رقم: 1281) .
(3) مطبوعة "المسند" ليس فيها ذكر واسطة بين الحكم وابن عبَّاس، ولكن الحافظ ابن حجر في " الأطراف ": (5/188- رقم: 6918) و"إتحاف المهرة": (12/674- رقم: 16282) ذكر بينهما: سعيد بن جبير.(3/421)
مسألة (398) : ويقطع المعتمر التَّلبية إذا شرع في الطَّواف.
وقال مالكٌ: إذا أحرم من الميقات قطع إذا دخل الحرم، وإن أحرم من أدنى الحل قطع إذا رأى البيت.
2075- قال أبو داود: حدَّثنا مسدَّد ثنا هُشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يلبِّي المعتمر حتَّى يستلم الحَجَر ".
قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمَّام عن عطاء عن ابن عبَّاس موقوفًا (1) .
2076- وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا هنَّاد ثنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عبَّاس- رفع الحديث- أنَّه كان يمسك عن التَّلبية في العمرة إذا استلم الحَجَر.
قال التِّزمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2) .
*****
مسألة (399) : العمرة واجبةٌ.
وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا تجب.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين.
لنا خمسة أحاديث:
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/451- رقم: 1813) .
(2) "الجامع": (2/250- رقم: 919) .(3/422)
2077- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنيُ: حدَّثنا أبو عليٍّ إسماعيل
ابن محمَّد الصَّفَّار ثنا محمَّد بن عبيد الله المنادي ثنا يونس بن محمَّد ثنا معتمر بن
سليمان عن أبيه عن يحيى بن يَعْمَرَ عن ابن عمر قال: سمعت عمر بن الخطَّاب
قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء رجلٌ ليس عليه سحناء سَفَرٍ وليس من أهل البلد! يتخطَّى حتَّى جلس بين يديّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وضع يديه على ركبتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمَّد، ما الإسلام؟ فقال: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدا رسول الله، وأن تقيم الصَّلاة، وتؤتي الزَّكاة، وتحجَّ البيت وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتمَّ الوضوء، وتصوم رمضان "..... وذكر باقي الحديث وأنَّه قال: " هذا جبريل " (1) .
فإن قيل: هذا الحديث مذكورٌ في الصِّحاح وليس فيه: " وتعتمر ".
قلنا: قد ذكر فيه هذه الزِّيادة أبو بكر الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على "الصَّحيحين"، ورواها الدَّارَقُطْنِيُّ وحكم لها بالصَّحة، وقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ (2) ، أخرجه مسلمٌ بهذا الإسناد.
ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ في " الصَّحيح " عن حجَّاج بن الشَّاعر عن يونس بن محمَّد إلا أنَّه لم يسق متنه (3) ، وهذه الزِّيادة فيها شذوذٌ، والله أعلم O.
الحديث الثَّاني: حديث أبي رَزين: " حجَّ عن أبيك واعتمر ".
وقد سبق في مسألة المعضوب (4) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/282- 283) .
(2) في "السنن": (إسناد ثابت صحيح) . ولم يذكر الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة": (12/273- رقم: 15566) هذا الكلام.
(3) "صحيح مسلم": (1/30) ؛ (فؤاد- 1/38- رقم: 8) .
(4) رقم: (2036) .(3/423)
ز: 2078- قال أبو داود: حدَّثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم بمعناه قالا: ثنا شعبة عن النُّعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رَزين- قال حفص في حديثه: رجلٌ من بني عامر- أنَّه قال: يا رسول الله،
إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ والعمرة، ولا الظَّعن. قال: " احجج عن أبيك واعتمر " (1)
قال أحمد بن سلمة: سألت مسلم بن الحجَّاج عن هذا الحديث- يعني حديث أبي رَزين هذا- فقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا ولا أصحّ منه، ولم يجوِّده أحدٌ كما جوَّده شعبة.
انتهى قوله (2) .
وهذا الحديث لا يدلُّ على وجوب العمرة، وليس هذا الأمر على الوجوب، فإنَّه لا يجب أن يحجَّ عن أبيه، وإنَّما يدلُّ الحديث على جواز فعل الحجِّ والعمرة عنه، لكونه غير مستطيع، والله أعلم O.
2079- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الرَّحمن بن سعيد بن هارون ثنا محمَّد بن الحجَّاج الضَّبيُّ ثنا ابن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، على النِّساء جهاد؟ قال: " عليهن جهاد لا قتال فيه، الحجُّ والعمرة " (3) .
ز: رواه الإمام أحمد عن ابن فضيل (4) ، ورواه ابن ماجة عن أبي بكر
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/448- 449- رقم: 1806) .
(2) انظر: "سنن البيهقي": (4/350) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/284) .
(4) "المسند": (6/165) .(3/424)
ابن أبي شيبة عن ابن فضيل (1) .
ورواه أحمد (2) والبخاريُّ (3) من رواية غير واحد عن حبيب، وليس فيه ذكر العمرة.
ورواه أبو هشام الرفاعيُّ (4) عن أبي بكر بن عيَّاش عن حبيب بن أبي عمرة عن عَدِيِّ بن ثابتٍ عن عائشة بنت طلحة، ولم يتابع على ذلك (5) .
ورواه أحمد (6) والبخاريُّ (7) من رواية سفيان عن معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عمَّته عائشة، وليس فيه ذكر العمرة.
2080- وقال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الصَّفَّار ثنا إبراهيم بن فهد البصريُّ ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حميد بن مهران الكنديُّ ثنا محمَّد بن سيرين عن ابن حطَّان عن عائشة أنَّها قالت:
يا رسول الله، هل على النِّساء جهادٌ؟ قال: " نعم، جهادٌ لا قتال فيه: الحجُّ والعمرة جهادهن ".
وكذلك رواه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن حميد بن مهران بمعناه (8) .
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (2/968- رقم: 2901) .
(2) خرجه من رواية يزيد بن عطاء: (6/71) ، وعبد الواحد بن زياد: (6/79) .
(3) خرجه من رواية خالد بن عبد الله: (2 /384، 4/20؛ فتح- 3/381، 6/6- رقمي: 1520، 2784) وعبد الواحد بن زياد: (3/468؛ فتح- 4/72- رقم: 1861) والثوري: (4/41؛ فتح- 6/89- رقم: 2876) .
(4) في (ب) : (أبو هاشم الرافعي) خطأ.
(5) انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (12/402- رقم: 17871) .
(6) "المسند": (6/67) .
(7) "صحيح البخاري": (4/41) ؛ (فتح- 6/89- رقم: 2875. ط: الريان) .
(8) "سنن البيهقي": (4/350) .(3/425)
وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده" أيضًا عن سلييان بن داود عن حميد بن مهران (1) .
وحميد: وثَّقه يحيى بن معين (2) وغيره.
2081- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسين محمَّد بن الحسين. بن الفضل القطَّان ببغداد أنا أبو عمرو بن السَّمَّاك ثنا أبو الأحوص محمَّد بن الهيثم بن حمَّاد ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير (3) حدَّثني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمَّد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " جهاد الكبير والضَّعيف والمرأة: الحجُّ والعمرة " (4) .
رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن أبيه به (5) O.
2082- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن الحسن بن رستم ثنا محمَّد بن يحيى (6) العطَّار ثنا محمَّد بن كثير الكوفيُّ ثنا إسماعيل بن مسلم عن محمَّد بن سيرين عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الحجَّ والعمرة فريضتان، لا يضرك بأيهما بدأت " (7) .
__________
(1) "المسند": (6/75) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/229- رقم: 1005) من رواية الكوسج.
(3) في (ب) : (بكر) خطأ.
(4) "سنن البيهقي". (4/350) .
(5) "سنن النسائي": (5/113- رقم: 2626) .
(6) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي هامش الأصل: (حـ: أبو يحيى) ، وفي مطبوعة "السنن": (محمَّد بن سعيد أبو يحيى) وكذا في "إتحاف المهرة": (4/651- رقم: 4839) .
(7) "سنن الدارقطني": (2/284) .(3/426)
قال المصنِّف: في هذا الإسناد إسماعيل بن مسلم، قال أحمد: هو منكر الحديث (1) . وقال يحيى: لم يزل مخلِّطًا، وليس بشيءٍ (2) . وقال ابن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (3) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4) .
وفي الإسناد: محمَّد بن كثير، قال أحمد: خرقنا حديثه (5) . وقال ابن المدينيِّ: خططت على حديثه (6) .
ز: يحيى الذي قال في إسماعيل: (لم يزل مختلطًا) هو: يحيى القطَّان (7) ، والذي قال فيه: (ليس بشيءٍ) هو: ابن معين (8) .
والصَّحيح أنَّ هذا الحديث موقوفٌ على زيد.
2083- قال البيهقيُّ: أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو الوليد ثنا محمَّد بن نعيم ثنا يحيى بن أيوب المقابريُّ ثنا عبَّاد بن عبَّاد المهلبيُّ ثنا هشام بن حسَّان عن محمَّد بن سيرين أنَّ زيد بن ثابت سُئل: العمرة قبل الحج؟ قال:
صلاتان لا يضرك بأيّهما بدأت.
وقد رواه إسماعيل بن سالم عن ابن سيرين مرفوعًا، والصَّحيح مو قوف (9) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/198 - رقم: 669) من رواية أبي طالب.
(2) انظر ما سيأتي من كلام المنقح.
(3) "الكامل" لابن عدي: (1/283- رقم: 120) ، وانظر ما تقدم (1/192) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 52- رقم: 36) .
(5) "العلل" برواية عبد لله: (3/438- رقم: 5864) .
(6) "تاريخ بغداد" للخطيب: (3/193- رقم: 1234) من رواية ابنه عبد الله.
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/198- رقم: 669) .
(8) "التاريخ" برواية الدوري: (4/82- رقم: 3237) .
(9) "سنن البيهقي": (4/351) .(3/427)
كذا قال: (إسماعيل بن سالم) ، والصَّواب: (مسلم) .
ورواية ابن سيرين عن زيد كأنَّها مرسلة، وقد قال البخاريُّ أنَّه سمع منه (1) ، وقال يحيى بن معين: دخل على زيد بن ثابت وهو صغير (2) . فالله أعلم.
2084- قال البيهقيُّ: وروى عبد الله بن لهيعة عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحجُّ والعمرة فريضتان واجبتان ".
حدَّثناه أبو سعد الزَّاهد أنا أبو الحسن محمَّد بن الحسن بن إسماعيل الضَّرير أنا جعفر بن محمَّد الفريابيُّ ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة فذكره، وابن لهيعة غير محتجٍّ به (3) O.
2085- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال: حدَّثني الزُّهريُّ عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدِّه
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن كتابًا، وبعث به مع عمرو بن حزم، فيه: " وأنَّ العمرة الحجُّ الأصغر " (4) .
__________
(1) " التاريخ الأوسط ": (1/406- رقم: 919) .
(2) لم نقف عليه، ولكن في "التاريخ" برواية الدوري: (4/203- رقم: 3960) : (قد رأى ابن سيرين زيد بن ثابت) ا. هـ
وانظر: " المعرفة والتاريخ " للفسوي: (2/58) ؛ " الطبقات " لابن سعد: (7/193) .
(3) " سنن اليهقي ": (4/350- 351) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/285) .(3/428)
فإن قالوا: قد قال يحيى بن معين: سليمان بن داود ليس بشيءٍ (1) .
قلنا: قد قال أبو حاتم بن حِبَّان: هو صدوق (2) .
ز: قد قال غير واحد من الأئمة أنَّ سليمان راوي هذا الحدبث إنَّما هو سليمان بن أرقم، وهو متروك الحديث، وقد تقدَّم الكلام على هذا الحديث في المجلد الأوَّل بما فيه كفاية (3) ، والله أعلم O.
احتجُّوا:
2086- بما رواه الإمام أحمد بن حنبل قال: ثنا أبو معاوية ثنا الحجَّاج ابن أرطأة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرابيٌّ، فقال: يا رسول الله، أخبرني عن العمرة، أواجبةٌ هي؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا، وأن تعتمر خيرٌ لك " (4) .
والجواب: أنَّه حديثٌ ضعيفٌ، كان زائدة يأمر بترك حديث الحجَّاج (5) ، وقال أحمد: كان يزيد في الأحاديث، ويروي عن من لم يلقه، لا يحتجُّ به (6) . وقال يحيى: لا يحتجُّ بحديثه (7) . وقال ابن حِبَّان: تركه ابن
__________
(1) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 123- رقم: 386) .
(2) "المجروحون": (1/334) .
(3) رقم: (258) .
(4) "المسند": (3/316) .
(5) " الضعفاء الكبر " للعقيلي: (1/277- رقم: 342) .
(6) انظر ما تقدم: (3/71) .
(7) "التاريخ" برواية الدوري: (4/60- رقم: 3142) .(3/429)
المبارك وابن مهدي ويحيى القطَّان ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل (1) .
وقد رووا من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " العمرة تطوَّع ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصَّحيح أنَّه موقوفٌ على أبي هريرة (2) .
ز: حديث جابر: رواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن عبد الأعلى الصَّنعانيِّ
عن عمر بن عليٍّ المقدميِّ عن الحجَّاج، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
كذا قال، وقد أنكر عليه تصحيح هذا الحديث، وقد ضعَّفه الإمام أحمد
في رواية ابن هانئ عنه.
وقد روي هذا الحديث مرفوعًا من وجه آخر عن أبي الزُّبير عن جابر.
والصَّواب أنَّه موقوفٌ على جابر، كذلك رواه يحيى بن أيوب قال:
أخبرني ابن جريج والحجَّاج بن أرطأة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله
__________
(1) "المجروحين": (1/225) .
(2) وكذا نقل الإمام ابن تيمية في " شرح العمدة ": (1/92- 93- المناسك) عن الدارقطني، والحديث في " علل الدارقطني ": (11/227- 228- رقم: 2247) وقال عنه- بعد ذكر الخلاف فيه: (..... وكذلك رواه شريك عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح مرسلاً، وهو الصواب) أ. هـ
وهذا هو الإسناد المعروف له أنه من مراسيل أبي صالح الحنفي، انظر: " المصنِّف " لابن أبي شيبة: (3/223- رقم: 13647) ؛ "سنن البيهقي": (4/348) ؛ " نصب الراية " للزيلعي: (3/150) ، وسيأتي التنبيه على هذا في كلام المنقِّح.
(3) "الجامع": (2/258- 259- رقم: 931) .
(تنبيه) قال الحافظ الزيلعي في "نصب الراية": (3/150) عقب هذا الحديث: (قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال الشيخ [هو ابن دقيق العيد] في "الإمام": هكذا وقع في رواية الكرخي [صوابه: (الكَرُوخي) كما في "التلخيص" لابن حجر 2/240] ووقِع في رواية غيره: حديث حسن. لا غير) ا. هـ
والكَرُوخي: هو أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكَرُوخي الهروي، مترجم في " السير " للذهبي: (20/273- رقم: 183) .(3/430)
أنَّه سُئل عن العمرة: أواجبة؟ فريضةٌ كفريضة الحجِّ؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك.
وقال التِّرمذيُّ: وقال الشَّافعيُّ: العمرة سنَّة، لا نعلم أحدًا رخَّص في تركها، وليس فيها شيءٌ ثابتٌ بأنَّها تطوُّع.
قال الشَّافعيُّ: وقد روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ضعيفٌ، لا تقوم بمثله الحجَّة، وقد بلغنا عن ابن عبَّاس أنَّه كان يوجبها (1) .
وفي قول ابن حِبَّان في حجَّاج: (تركه ابن المبارك وفلان وفلان) نظرٌ.
وقد روى الإمام أحمد حديث حجَّاج في "المسند" (2) ، وقال أبو طالب عنه: كان من الحفاظ. قيل: فلم ليس هو عند النَاس بذلك؟ قال: لأن في حديثه زيادة على حديث النَّاس، ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة (3) . وقال
أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: حجَّاج: صدوقٌ، ليس بالقويِّ، يدلِّس عن محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ عن عمرو بن شعيب (4) .
وقد روى ابن حِبَّان في " الضُّعفاء " حديث جابرٍ هذا عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية (5) ، والله أعلم.
2087- وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا جرير عن معاوية بن إسحاق
__________
(1) "الجامع": (2/259- رقم: 931) .
(2) قد سبق عزوه، وهل يريد بقوله: (حديث حجاج) الجنس أم هذا الحديث بعينه؟ الأول هو الأقرب، لأن الكلام هنا في سياق تنظير ما ذكره ابن حبان من أن أحمد ترك حجاجًا، والله أعلم.
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/156- رقم: 673) .
(4) المصدر السابق.
(5) "المجروحون": (1/228) .(3/431)
عن أبي صالح ماهان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحجُّ جهادٌ، والعمرة تطوُّعٌ " (1) .
2088- وقال عبد الرَّزَّاق: عن الثَّوريِّ عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفيِّ قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحجُّ جهادٌ، والعمرةُ تطوُّعٌ ".
وقال البيهقيُّ: وقد روي من حديث شعبة عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة موصولاً، والطريق فيه إلى شعية طريقٌ ضعيفٌ (2) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رواه غُنْدر ومحمَّد بن كثير وعفَّان عن شعية عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح مرسلاً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذلك رواه شَريك عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح مرسلاً.
وهو الصَّواب (3) .
كذا قال الدَّارَقُطْنِيُّ، وهو مخالفٌ لما نقله المؤلِّف عنه، والله أعلم O.
*****
__________
(1) " مصنف ابن أبي شيبة ": (3/223- رقم: 13647) .
(2) "سنن البيهقي": (4/348) .
(3) "العلل": (11/227- 228- رقم: 2247) .(3/432)
مسائل التَّمتع
مسألة (400) : التَّمتع أفضل من الإفراد والقِران.
وقال أبو حنيفة: القِران أفضل.
وقال مالك والشَّافعيُّ: الإفراد أفضل.
والأحاديث التي يحتجُّ بها قسمان:
أحدها: ما يدلُّ على أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمتع.
والثَّاني: يدلُّ على أنَّه أمر بالتمتع.
فأمَّا القسم الأوَّل: ففيه أربعة أحاديث:
2089- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا قتيبة بن سعيد ثنا حجَّاج بن محمَّد الأعور (1) عن عمرو بن مرَّة عن سعيد بن المسيَّب قال: اختلف عليٌّ وعثمان- وهما بعُسفان- في المتعة، فقال له عليٌّ: ما تريد أن تنهى
عن أمرٍ فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال له عثمان: دعنا عنك. ولمَّا رأى ذلك عليٌّ أهلَّ بهما جميعًا (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
__________
(1) في هامش الأصل: (سقط: " عن شعبة ") .
(2) "صحيح البخاري": (2/396) ؛ (فتح- 3/423- رقم: 1569) مع اختلاف في اللفظ.
(3) "صحيح مسلم": (4/46) ؛ (فؤاد- 2/897- رقم: 1223) .(3/433)
ز: هذا الحديث لمن قال بالقِران، فإنَّ عليًّا أهلَّ- بالحجِّ والعمرة جميعًا، والتَّّمتُّع في عرف أصحاب رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل فيه القِران، ويدخل فيه التمتع الخاص، ولم يحجّ النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متمتعًا التمتع الخاص، لأنَّه لم يحلَّ من عمرته، بل المقطوع به أنَّه قرن بين الحجِّ والعمرة، لأنَّه قد ثبت عنه أنَّه اعتمر أربع عُمر، وأنَّ العمرة الرَّابعة كانت مع حجَّته، وقد ثبت عنه أنَّه لم يحلَّ منها قبل الوقوف بقوله: " لولا أنَّ معي الهدي لأحللت "، وثبت أنَّه لم يعتمر بعد الحجِّ، فإنَّ ذلك لم ينقله أحدٌ عنه، وإنَّما اعتمر بعد الحجِّ عائشةُ وحدها، فتحصَّل من مجموع ذلك أنَّه كان قارنًا، وعلى هذا تجتمع جميع أحاديث الباب، والله أعلم O.
2090- الحديث الثاني: قال البخاريُّ: حدَّثنا يحيى بن بُكير ثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنَّ ابن عمر قال: تمتَّع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّة الوداع بالعمرة الى الحجِّ وأهدى، فساق معه الهديَّ من ذي الحُليفة، وبدأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأهلَّ بالعمرة، ثُمَّ أهلَّ بالحجِّ، فتمتع النَّاس مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمرة إلى الحجِّ، فكان من النَّاس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلمَّا قدم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة قال للنَّاس: " من كان منكم أهدى فإنَّه لا يحلُّ لشيء (1) حرم منه حتَّى يقضي حجَّه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصَّفا والمروة، وليقصِّر وليحلل، ثُمَّ ليهلُّ بالحجِّ " (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
2091- الحديث الثَّالث: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة عن مالك بن
__________
(1) كتب فوقها في الأصل و (ب) : (كذا) ، وفي هامش الأصل: (الصواب: " من شيء ") أ. هـ وهو موافق لما في مطبوعة "التحقيق"، ونسخ البخاري فيها الوجهان كما في " اليونينية " و" إرشاد الساري " للقسطلاني: (3/215) .
(2) "صحيح البخاري": (2/425- 426) ؛ (فتح- 3/539- رقم: 1691) .
(3) "صحيح مسلم": (4/49) ؛ (فؤاد- 2/901- رقم: 1227) .(3/434)
أنس عن ابن شهاب عن محمَّد بن عبد الله بن نوفل أنَّه سمع سعد بن أبي وقَّاص يذكر التَّمتع بالعمرة فقال: قد صنعها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصنعناه معه (1) .
انفرد بإخراجه مسلم (2) .
ز: محمَّد بن عبد الله هو: ابن الحارث بن نوفل- أخو إسحاق وعبد الله-، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (3) ، وروى له التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ هذا الحديث الواحد (4) ، ولم يخرِّجه مسلمٌ من طريقه، والله أعلم.
وقد سئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه مالكٌ وأصحاب الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ عن محمَّد أنَّه سمع سعد بن أبي وقَّاص والضَّحَّاك بن قيس وهما يذكران التَّمتع.
ورواه روح بن عبادة عن مالك عن الزُّهريِّ، فقال فيه: أنَّه سمع سعدًا والضَّحَّاك بن سفيان.
ووهم فيه روح، والصَّواب: الضَّحَّاك بن قيس.
وأرسله ابن عيينه عن الزُّهريِّ عن سعدٍ (5) .
2092- الحديث الرَّابع: قال الإمام أحمد: حدَّّثنا يونس بن محمَّد ثنا
__________
(1) "الجامع": (2/175- رقم: 823) وقال: (هذا حديث صحيح) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: لم يروه مسلم من رواية محمَّد) أ. هـ
ولكن خرج من طريق سليمان التيمي عن غنيم بن قيس قال: سألت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن المتعة، فقال: فعناها وهذا يومئذ كافرٌ بالعرش. يعني بيوت مكة. (3/47) ؛ (فؤاد- 2/898- رقم: 1225) .
(3) "الثقات": (5/355) .
(4) "سنن النسائي": (5/152- رقم: 2734) .
(5) "العلل": (4/392- 393- رقم: 651) .(3/435)
عبد الواحد بن زياد ثنا ليث عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: تمتع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى مات، وأبو بكر حتَّى مات، [وعمر حتَّى مات،] (1) وعثمان حتَّى مات، وكان أوَّل من نهى عنها معاوية. قال ابن عبَّاس: فعجبت منه وقد حدَّثني أنَّه قصر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشقصٍ! (2) .
ز: رواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن مثنَّى عن ابن إدريس عن ليث- وهو ابن أبي سُليم (3) -، وقد تقدَّم الكلام عليه غير مرَّةٍ (4) O.
القسم الثَّاني: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالتَّمتع، وفيه عشرة أحاديث: 2093- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا الثَّوريُّ عن قيس بن مسلم عن طارق بن شِهاب عن أبي موسى الأشعريِّ قال:
بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أرض قومي، فلمَّا حضر الحجُّ حجَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وحججت، فقدمت عليه وهو نازلٌ بالأبطح، فقال لي: " بما أهللت، يا عبد الله ابن قيس؟ " قال: قلت: لبيك بحجٍّ كحجِّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: " أحسنت ".
ثُمَّ قال: " هل سقت هديًا؟ " قلت: ما فعلتُ. قال: " اذهب فطف بالبيت، وبين الصَّفا والمروة، ثُمَّ احلل ". فانطلقت ففعلت ما أمرني، وأتيت امرأةً من قومي فغسلت رأسي بالخطمي وفلَّته، ثُمَّ أهللت بالحجِّ يوم التَّروية (5) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (6) .
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (1/292) .
(3) "الجامع": (2/174- رقم: 822) .
(4) انظر ما تقدم: (3/348) .
(5) "المسند": (4/393) .
(6) "صحيح البخاري": (2/393) ؛ (فتح- 3/416- رقم: 1559) .
"صحيح مسلم": (4/45) ؛ (فؤاد- 2/895- رقم: 1221) .(3/436)
2094- الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير (1) ثنا أبو الزُّبير عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهلِّين بالحجِّ، فلمَّا قدمنا مكَّة طفنا بالبيت، وبالصَّفا والمروة، فقال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يكن معه هديٌ فليحلل ". قلنا: أيُّ الحلِّ؟ قال: " الحلُّ كلُّه ". قال: فأتينا النِّساء،
ولبسنا الثِّياب، ومسسنا الطِّيب؛ فلمَّا كان يوم التَّروية أهللنا بالحجِّ (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
2095- الحديث الثَّالث: قال أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحجِ من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرَّم صفر، ويقولون: إذا برأ
الدَّبَر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلَّت العمرة لمن اعتمر. فقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه لصبيحة رابعة، مهلِّين بالحجِّ، فأمرهم أن يجعلوها عمرةً، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله، أيُّ الحلِّ؟ قال: " الحِلُّ كلُّه " (4) .
أخرجاه في " الصَّحيحين (5) .
2096- الحديث الرَّابع: قال أحمد: حدَّثنا سهل بن يوسف عن حميد عن (6) بكر عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلبَّى بالحجِّ ولبَّينا معه،
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: رواه مسلم وحده من طريق زهير عن أبي الزبر) أ. هـ
(2) "المسند": (3/292) .
(3) "صحيح مسلم": (4/36) ؛ (فؤاد- 2/882- رقم: 1213) .
وانظر ما تقدم في التعليق قبل السابق.
(4) "المسند": (1/252) .
(5) "صحيح البخاري": (2/395) ؛ (فتح- 3/422- رقم: 1564) .
"صحيح مسلم": (4/56) ؛ (فؤاد- 2/909- رقم: 1240) .
(6) في مطبوعة "المسند": (بن) خطأ.(3/437)
فلمَّا قدم أمر من لم يكن معه الهديَّ أن يجعلوها عمرة (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
2097- الحديث الخامس: قال البخاريُّ: حدَّثنا عثمان ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نرى إلا أنَّه الحجُّ، فلمَّا قدمنا تطوَّفنا بالبيت فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لم يكن ساق الهديَّ أن يحلَّ، فحلَّ من لم يكن ساق الهديَّ، ونساؤه لم يسقن
فأحللن (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
2098- الحديث السَّادس: قال أحمد: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة بنت عمر قالت: لمَّا أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه أن يحللن بعمرة، قلت: فما يمنعك يا رسول الله، أن تحلَّ معنا؟ قال: " إنِّي أهديتُ ولبَّدت، فلا أحلُّ حتَّى أنحر هدي " (5) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (6) .
__________
(1) "المسند": (2/53) .
(2) "صحيح البخاري": (5/464) ؛ (فتح- 8/70- رقم: 4353) .
"صحيح مسلم": (4/52) ؛ (فؤاد- 2/905- رقم: 1232) .
(3) "صحيح البخاري": (2/394) ؛ (فتح- 3/421- رقم: 1561) .
(4) "صحيح مسلم": (4/33) ؛ (فؤاد- 2/877- رقم: 1211) .
(5) "المسند": (6/285) .
(6) "صحيح البخاري": (3/395) ؛ (فتح- 3/422- رقم: 1566) .
"صحيح مسلم": (4/50) ؛ (فؤاد- 2/902- رقم: 1229) .
وفي هامش الأصل: (لم يخرجاه من حديث ابن إسحاق، إنما أخرجاه من طريق مالك وغيره عن نافع) ا. هـ(3/438)
2099- الحديث السَّابع: قال أحمد: حدَّثنا ابن أبي عَدِيٍّ عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصرخ بالحجِّ صراخًا، حتَّى إذا طفنا بالبيت قال: " اجعلوها عمرةً إلا من كان معه هديٌ ".
قال: فجعلناها عمرةً، فحللنا، فلمَّا كان يوم التَّروية، صرخنا بالحجِّ، وانطلقنا إلى منى (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
2100- الحديث الثَّامن: قال أحمد: حدَّثنا روح ثنا أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه قدموا مكَّة وقد لبَّوا بحجِّ وعمرةٍ، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما طافوا بالبيت وسعوا بين الصَّفا والمروة أن يحلُّوا، وأن يجعلوها عمرةً، فكأن القوم هابوا ذلك، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا إنِّي سقت الهديَ لأحللت ". فحلَّ القوم وتمتَّعوا (3) .
ز: رواه النَّسائيُّ من حديث أشعث (4) ، وهو حديثٌ حسنٌ O.
2101- الحديث التَّاسع: قال أحمد: حدَّثنا يونس ثنا فُليح عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبَّد رأسه وأهدى، فلمَّا قدم مكَّة أمر نساءه أن يحللن، قلن: مالك أنت لا تحلُّ؟ قال: " إنِّي قلَّدت هديي، ولبّدت رأسي، فلا أحلُّ حتَّى أحلَّ من حجّتي، وأحلق رأسي " (5) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة " من رواية
__________
(1) "المسند": (3/5) .
(2) "صحيح مسلم": (4/59) ؛ (فؤاد- 2/914- رقم: 1247) .
(3) "المسند": (3/142) .
(4) "سنن النسائي": (5/225- رقم: 2931) .
(5) "المسند": (2/124) .(3/439)
فُليح، وهو حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريِّ O.
2102- الحديث العاشر: قال أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة أنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أنَّه قال: قدم رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة وأصحابه مهلِّين بالحجِّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شاء أن يجلعها عمرة إلا من كان معه الهديُ " (1) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " الكتب الستة "، ورواته ثقاتٌ، وقد رواه أحمد عن روح وعفَّان كلاهما عن حمَّاد بن سلمة، ولم يذكر المؤلِّف الحديث بكماله، بل ذكر قطعةً منه.
2103- وقد رواه أبو يعلى الموصليُّ بغير هذا اللفظ فقال: حدَّثنا أبو خيثمة ثنا عفَّان ثنا حمَّاد قال: حدَّث حميد عن بكر عن ابن عمر قال: قدم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكَّة ملبِّين بالحجِّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجعلوها عمرةً إلا من كان معه الهَدْي ". قالوا: يا رسول الله، يغدوا أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيًّا؟ قال: " نعم ". فسطعت المجامر بالبطحاء: وقدم عليٌّ من اليمن، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بما أهللت، فإنَّ معنا أهلك؟ " قال: أهللت بما أهلَ به رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال حميد: فأخبرت بذلك القوم وطاوس جالسٌ، فقال: هكذا كان الحديث (2) O.
فإن قال الخصم: فقد نقضتم أحاديثكم الأوائل بهذه الأواخر، لأنَّكم رويتم في الأوائل أنَّه تمتَّع، وفي الأواخر أنَّه تندَّم كيف ساق الهديَّ ولم يمكنه أن يفسخ؛ فأنتم بين أمرين: إمَّا أن تصحِّحوا الأوائل، فيبطل مذهبكم في فسخ الحجِّ
إلى العمرة؛ أو تصحِّحوا الأواخر، فيبطل احتجاجكم بأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمتَّع.
__________
(1) "المسند": (2/28) .
(2) "مسند أبي يعلى": (10/59- رقم: 5693) .(3/440)
قالوا: ثُمَّ نتكلَّم على أحاديثكم فنقول: أمَّا الأوائل: فمعارضة بالأواخر، وبما نذكره في حجَّتنا.
وأمَّا الأواخر: فإنَّه لم يأمر أصحابه بالفسخ لفضيلة التَّمتُّع، بل لأمرٍ آخر، وهو ما رويتم من حديث ابن عبَّاس أن َّأهل الجاهليَّه كانوا يرون العمرة في أشهر الحجِّ من أفجر الفجور، فأمر بفسخ الحجِّ إلى العمرة ليخالف المشركين.
واستدلّوا عليه:
2104- بما روى الإمام أحمد بن حنبل، قال: حدَّثنا [سريج] (1) بن النُّعمان ثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ قال: أخبرني ربيعة (2) بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، فسخ
الحجِّ لنا خاصةً أم للنَّاس عامةً؟ قال: " بل لنا خاصةً " (3) .
2105- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدثنا أحمد بن عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن عثمان بن حَكِيم ثنا أبو غسَّان ثنا قيس عن أبي حَصين عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه عن أبي ذرٍّ أنَّه سئل عن متعة الحجِّ فقال: هي والله لنا أصحاب محمَّدٍ خاصةً، وليست لسائر النَّاس إلا لمحصر (4) .
والجواب: أنَّه إذا صحَّت الأحاديث فلا وجه لردِّها، وإنَّما ينبغي التَّمحُّل لها، ووجه الجمع بين الأحاديث: أنَّه كان قد اعتمر وتحلَّل من العمرة، ثُمَّ أحرم بالحجِّ وساق الهديَّ، ثُمَّ أمر أصحابه بالفسخ ليفعلوا مثل
__________
(1) في (ب) غير منقوطة، وفي الأصل و"التحقيق": (شريح) ، والتصويب من "المسند".
(2) في مطبوعة "المسند": (ابن ربيعة) خطأ.
(3) "المسند": (3/469) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/241- 242) .(3/441)
فعله، لأنَّهم لم يكونوا أحرموا بعمرةٍ، ومنعَه من فسخ الحجِّ إلى عمرةٍ ثانيةٍ: عمرتُه الأولى وسوقه الهدي.
فعلى هذا يجمع بين الأحاديث ولا يردُّ منها شيءٌ.
فإن قالوا: كيف يصحُّ هذا التَّأويل وإنَّما عَلَّلَ بسوق الهدي، لا بفعل عمرةٍ متقدَّمةٍ.
قلنا: ذكر إحدى العلَّتين دون الأخرى، وذلك جائزٌ.
وقولهم: إنَّما أمرهم بالفسخ لمخالفة الجاهليَّة.
قلنا: لو كان كذلك لم يفرِّق بين من ساق الهدي وبين من لم يسق، ثُمَّ إنَّه قد اعتمر في أشهر الحجِّ:
2106- ففي "الصَّحيحين" من حديث أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتمر أربع عمر كلَّها في ذي القعدة إلا التي مع (1) حجَّته (2) .
ففعله هذا يكفي في البيان لأصحابه وللمشركين أنَّ العمرة تجوز في أشهر الحجِّ، فلم يحتج أن يأمر أصحابه بفسخ الحجِّ المحترم لذلك، وإنَّما فعل ذلك لأنَّه الأفضل.
وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فإنَّه لم يرد أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسخ لأجل ما كان المشركون يعتمدونه، وإنَّما ذكر حال الجاهليَّة.
وأمَّا حديث بلال: فقال أحمد: لا يثبت، ولا يرويه غير الدَّراورديُّ،
__________
(1) في (ب) : (في) .
(2) "صحيح البخاري": (3/447) ؛ (فتح- 3/600- رقم: 1780) .
"صحيح مسلم": (4/60) ؛ (فؤاد- 2/916- رقم: 1253) .(3/442)
ولا يصحُّ حديثٌ في أنَّ الفسخ كان لهم خاصةً (1) .
وقال: وحديث أبي ذرٍّ يرويه رجلٌ (2) من أهل الكوفة لم يلق أبا ذرٍّ (3) .
ثُمَّ (4) إنَّه ظنٌّ من أبي ذرٍّ، يدلُّ عليه حديث ابن عبَّاس أنَّ العمرة قد دخلت في الحجِّ، وفي حديث جابر أنَّ سراقة قال: ألعامنا أم للأبد؟ فقال: " بل للأبد ". يريد أنَّ حكم الفسخ باقٍ على الأبد.
ز: حديث الحارث بن بلال عن أبيه: رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من حديث الدَّراورديِّ عن ربيعة.
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث عن أبيه، وتفرَّد به عبد العزيز الدَّراورديُّ عنه (8) .
والحارث هذا: ليس بالمشهور، ولا نعلم روى عنه غير ربيعة.
قال الإمام أحمد بن حنبل: حديث بلال بن الحارث عندي ليس يثبت، ولا أقول به، ولا يُعرف هذا الرَّجل - يعني الحارث بن بلال-.
وقال: أرأيت لو عُرف الحارث بن بلال إلا أنَّ أحد عشر رجلاً من
__________
(1) انظر: "المسائل" لعبد الله بن أحمد: (2/693- 694- رقم: 934) ؛ " شرح العمدة " لابن تيية: (1/517- كتاب الحج) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: هو مُرَقُع الأسَيْدِيُّ، وثَّقه ابن حِبَّان) ا. هـ
(3) انظر: "المغني" لابن قدامة: (5/254) ؛ " شرح العمدة ": (1/494) .
(4) لا ندري هل هذا من تتمة كلام الإمام أحمد أم هو من كلام ابن الجوزي؟
(5) "سنن أبي داود": (2/448- رقم: 1804) .
(6) "سنن النسائي": (5/179- رقم: 2808) .
(7) "سنن ابن ماجة": (2/994- رقم: 2984) .
(8) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (2/283- رفم: 1376) .(3/443)
أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يروون ما يروون من الفسخ، أين يقع الحارث بن بلال منهم؟
وقال في رواية أبي داود: ليس يصحُّ حديث في الفسخ كان لهم خاصةً، وهذا أبو موسى الأشعريُّ يفتي به في خلافة أبي بكرٍ وشطر من خلافة عمر (1) .
وأمَّا حديث أبي ذرٍّ: فهو مخرَّجٌ في " الصحيح ":
2107- قال مسلمٌ: حدَّثنا سعيد بن منصور وأبو بكرٍ بن أبي شيبة وأبو كريب قالوا: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه عن أبي ذرٍّ قال: كانت المتعة في الحجِّ لأصحاب محمَّد خاصةً (2) .
هذا الحديث موقوفٌ على أبي ذرٍّ، وقد خالفه أبو موسى وابن عبَّاس وغيرهما.
وقد قيل: إنَّ وجوب الفسخ كان خاصًا بأصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمَّا غيرهم فلا يجب عليه الفسخ، بل يجوز له، والله أعلم.
وأمَّا جمع المؤلِّف بين الأحاديث (بأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اعتمر وتحلَّل من العمرة، ثُمَّ أحرم بالحجِّ وساق الهديَّ) فجمعٌ ضعيفٌ جدًّا.
وكذلك قول من قال: (أحرم بالحجِّ ثُمَّ أدخل عليه العمرة) ضعيفٌ أيضًا.
وكذلك قول من قال: (إنَّه أفرد الحجَّ، ثُمَّ لمَّا فرغ منه اعتمر) ضعيفٌ أيضًا، لأنَّ أحدًا لم يعتمر معه بعد الحجِّ إلا عائشة.
__________
(1) الروايات السابقة عن أحمد أوردها المجد في "المنتقى": (4/330- مع النيل) .
(2) "صحيح مسلم": (4/46) ؛ (فؤاد- 2/897- رقم: 1224) .(3/444)
وكذلك قول من قال: (إنَّه أحرم بالعمرة أولاً وساق الهدي، ثُمَّ أدخل عليها الحجَّ، ولم يتحلَّل، لأجل الهدي) ضعيفٌ أيضًا، وإن كان أقرب من غيره.
وكذلك قول من قال: (إنَّه كان قارنًا وطاف طوافن، وسعى سعيين) ضعيفٌ أيضًا.
وقد ذكرنا الدَّليل على تضعيف هذه الأقوال في غير هذا الموضع، والصَّواب أنَّه صلوات الله عليه كان قارنًا، أحرم بالحجِّ والعمرة جميعًا، وطاف لهما طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا.
2108- وقد روى الإمام أحمد (1) والبخاريُّ (2) وغيرهما عن عمر بن الخطَّاب قال: سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بوادي العقيق- يقول: " أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجَّة ".
وهذا الآتي أتاه قبل أن يصل إلى الموضع الذي أحرم منه، وهو ذو الحليفة، والله أعلم O.
احتجَّ أصحاب أبي حنيفة بستَّة أحاديث:
2109- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم ثنا عبد العزيز بن صُهيب عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبِّي بالحجِّ والعمرة، يقول: " لبيك عمرةً وحجًّا " (3) .
__________
(1) "المسند": (1/24) .
(2) "صحيح البخاري": (2/387) ؛ (فتح- 3/392- رقم: 1534) .
(3) "المسند": (3/99) .(3/445)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
2110- طريقٌ آخر: قال أحمد: حدَّثنا روح بن عبادة ثنا شعبة عن يونس بن عُبيد عن أبي قدامة الحنفيِّ قال: قلت لأنس بن مالك: بأيِّ شيءٍ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهلُّ؟ فقال: سمعته يقول سبع مرَّات: " بعمرةٍ وحجَّةٍ، بعمرةٍ وحجَّةٍ" (2) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة " من حديث أبي قدامة عن أنس، والله أعلم O.
2111- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا الحسين ابن الحسن المروزيُّ ثنا يزيد بن زُريع عن يونس بن عُبيد عن حُميد عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لبيك بحجَّةٍ وعمرةٍ معًا " (3) .
ز: لم يخرجوه من حديث يونس عن حميد O.
2112- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ أن يحيى بن أبي كثير حدَّثه عن عكرمة مولى ابن عبَّاس قال: سمعت ابن عبَّاس يقول: سمعت عمر بن الخطَّاب يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول- وهو بالعقيق-: " أتاني الليلة آتٍ من ربي عزَّ وجلَّ؛ فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عُمرةٌ في حجَّةٍ ".
__________
(1) "صحيح البخاري": (5/464) ؛ (فتح- 8/70- رقم: 4353) من رواية حميد عن بكر بن عبد الله عن أنس بلفظ: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل بعمرة وحج.
"صحيح مسلم": (4/59) ؛ (فؤاد- 2/915- رقم: 1251) .
(2) "المسند": (3/142) .
(3) " سنن الدراقطني ": (2/288) .(3/446)
قال الوليد: يعني ذا الحليفة (1) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (2) .
2113- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا سفيان عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي وائل قال: قال الصُّبي بن معبد: كنت نصرانيًّا فأسلمت، وأهللت بالحجِّ والعمرة، فسمعني زيد بن صُوْحان وسلمان بن ربيعة وأنا أهلُّ
بهما، فقالا: لهذا أضلُّ من بعير أهله! فكأنَّما حُمل عليَّ بكلمتهما جَبَلٌ، فقدمت على عمر فأخبرته، فأقبل عليهما فلامهما، ثُمَّ أقبل عَلَيَّ فقال: هديت لسنَّة النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) .
ز: رواه ابن ماجة من رواية ابن عيينة (4) ، وأخرجه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) من حديث منصور عن أبي وائل.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل": وهو حديثٌ صحيحٌ (7) O.
2114- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وحدَّثنا أبو معاوية ثنا حجَّاج عن الحسن بن سعد عن ابن عبَّاس قال: أخبرني أبو طلحة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع (8) بين الحجِّ والعمرة (9) .
__________
(1) "المسند": (1/24) .
(2) "صحيح البخاري": (2/387) ؛ (فتح- 3/392- رقم: 1534) .
(3) "المسند": (1/25) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/989- رقم: 2970) .
(5) "سنن أبي داود": (2/443- رقم: 1795) .
(6) "سنن النسائي": (5/146- رقم: 2719) .
(7) "العلل": (2/166- رقم: 192) .
(8) في هامش الأصل: (صـ: تمتع) ولم يتبين لنا من كتب هذه الحاشية.
(9) "المسند": (4/28) .(3/447)
ز: رواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد عن أبي معاوية (1) ، وحجَّاج
هو: ابن أرطأة، والله أعلم O.
2115- الحديث الخامس: قال أحمد: وحدَّثنا يونس ثنا داود ابن
عبد الرَّحمن عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: اعتمر
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء في ذي القعدة من
قابل، والثَّالثة من الجعرانة، والرَّابعة التي مع حجَّته (2) .
ز: رواه أبو داود (3) والتِّرمذيُّ (4) وابن ماجة (5) من حديث داود.
ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ من رواية داود (6) ، غير أنَّه جعله عن عمرو وعكرمة، وهو وهمٌ (7) .
ورواه التِّرمذيُّ أيضًا عن سعيد بن عبد الرَّحمن عن ابن عيينة عن عمرو ابن دينار عن عكرمة أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.... مرسل (8) .
وقال عليُّ بن عبد العزيز: ليس أحدٌ يقول في هذا الحديث: (عن ابن
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (2/990- رقم: 2971) .
(2) "المسند": (1/246) .
(3) "سنن أبي داود": (2/519- رقم: 1986) .
(4) "الجامع": (2/169- رقم: 816) ، وقال: حسن غريب.
(5) "سنن ابن ماجة": (2/999- رقم: 3003) .
(6) "الإحسان": (9/262- رقم: 3946) .
(7) في هامش الأصل: (حاشية: قد قرأت نسختي من " صحيح ابن حبان "، وفيها: " عن عمرو عن عكرمة " كما في " السنن ") ا. هـ
والظاهر أن هذه الحاشية ليست للمنقِّح، فهي إما من الناسخ أو من أحد المطالعين للكتاب، والله أعلم.
والذي في مطبوعة "الإحسان" موافق للصواب.
(8) "الجامع": (2/170- رقم: 816 م) .(3/448)
عبَّاس (إلا داود بن عبد الرَّحمن (1) . وقال البخاريُّ: داود بن عبد الرَّحمن صدوق إلا أنَّه ربَّما يهم في الشيءِ (2) O.
2116- الحديث السَّادس: قال أحمد: وحدَّثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا داود بن يزيد قال: سمعت عبد الملك الزَّزَّاد يقول: سمعت النَّزَّال بن سَبْرة يقول: سمعت سراقة يقول: قرن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّة الوداع (3) .
ز: داود بن يزيد: هو الأوديُّ، عمُّ عبد الله بن إدريس، وقد تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، كالإمام أحمد (4) ويحيى بن معين (5) وأبي داود (6) وغيرهم. ولم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أصحاب " السُّنن " من روايته.
وقد رواه أخوه إدريس بن يزيد عن عبد الملك بن ميسرة عن عطاء عن طاوس عن سراقة، والله أعلم O.
والجواب:
أمَّا حديث أنس: فجوابه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّّ أحاديثنا أصحُّ وأكثر، ورواتها أكابر الصَّحابة، مثل عليٍّ وسعد وابن عمر.
والثَّاني: أنَّ أنسًا كان صبيًّا حينئذٍ، فلعله ما فهم الحال، يدلُّ على هذا
__________
(1) "سنن البيهقي": (5/12) .
(2) "سنن البيهقي": (5/12) .
(3) "المسند": (4/175) .
(4) "العلل" برواية عبد الله: (1/534- رقم: 1262) ؛ و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/427- رقم: 1943) من رواية صالح، وفيهما: (ضعيف الحديث) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (4/28- رقم: 2971) .
(6) " سؤالات الآجري ": (2/319- رقم: 533) .(3/449)
أنَّ ابن عمر ردَّ عليه ما قال:
2117- فروى الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على "الصَّحيحين" من حديث بكر بن عبد الله قال: قال ابن عمر: ذهل أنس، إنَّما أهلَّ بالحجِّ.
والثَّالث: أنَّ قول أنس قد تأوَّله بعض العلماء، فقال: يحتمل أن يكون أنس سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلِّم بعض النَّاس.
وأمَّا حديث عمر: ففي بعض ألفاظ " الصَّحيح ": " عمرةٌ وحجَّةٌ " (1) واللفظ الذي ذكرتموه محمولٌ على معنى تحصيلهما جميعًا، لأنَّ عمرة المتمتع واقعةٌ في أشهر الحجِّ، وعلى هذا تحمل باقي الأحاديث.
وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فقال التِّرمذيُّ: صحيحه موقوفٌ على عكرمة (2) .
ز: لا يخفى على لبيب أنَّ جواب المؤلِّف هذا فيه خللٌ من وجوه عديدة، ولولا مخافة التَّطويل لذكرتها.
وقوله: (أنَّ أنسًا صبيًّا حينئذٍ) غلطٌ، فإنَّه كان بالغًا بالإجماع، بل كان ابن نحو من عشرين سنة، وكأنَّ المؤلِّف نسي قوله في مسألة الجهر: (لأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يتصوَّر أن يصلِّي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يومًا من الدَّهر يجهر؟) .
2118- وقد روى بكر عن أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبِّي بالحجِّ والعمرة جميعًا. قال بكر: فحدَّثت بذلك ابن عمر فقال: لبَّى بالحجِّ
__________
(1) "صحيح البخاري": (9/570) ؛ (فتح- 13/305- رقم: 7343) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: لم أر هذا في الترمذي، إنما روى الحديث متصلاً ومرسلاً) ا. هـ والمقصود تصحيح الترمذي للموقوف على عكرمة، وهو غير موجود أيضًا في مطبوعة "الجامع" ولا ذكره المزي في " التحفة ": (5/155- رقم: 6168) .(3/450)
وحده. فلقيت أنسًا فحدَّثته بقول ابن عمر، فقال أنس: ما يعدونا (1) إلا صبيانًا! سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لبَّيك عمرةً وحجًّا ".
متفقٌّ عليه (2) ، وهذا لفظ مسلم O.
احتجَّ أصحاب الشَّافعيِّ بثلاثة أحاديث:
2119- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّحمن عن مالك عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد بالحجِّ (3) .
انفرد بإخراجه مسلم (4) .
2120- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البغويُّ ثنا صلت بن مسعود ثنا عبَّاد بن عبَّاد ثنا عبد الله (5) عن نافع عن ابن عمر قال: أهللنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجِّ مفردًا (6) .
2121- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مخلد ثنا عليُّ بن محمَّد بن معاوية ثنا عبد الله بن نافع عن عبد الله (7) بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) كذا بالأصل، وفي (ب) غير منقوطة، وفي مطبوعة "صحيح مسلم": (تَعُدُّوننا) .
(2) "صحيح البخاري": (5/464) ؛ (فتح- 8/70- رقم: 4353) .
"صحيح مسلم": (4/52) ؛ (فؤاد- 2/905- رقم: 1232) .
(3) "المسند": (6/36) ؛ وفي (ب) و"التحقيق": (الحج) .
(4) "صحيح مسلم": (4/31) ؛ (فؤاد- 2/875- رقم: 1211) .
(5) في هامش الأصل: (ص: عبيد الله) ، وهو كذلك في مطبوعتي "التحقيق" و" سنن الدارقطني "، وانظر ما يأتي في كلام المنقح.
(6) "سنن الدارقطني": (2/238) .
(7) في مطبوعتي "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (عبيد الله) والظاهر أنها خطأ، ولم يذكر المزي عبيد الله بن عمر في شيوخ عبد الله بن نافع، والله أعلم.(3/451)
استعمل عتَّاب بن أسيد على الحجِّ فأفرد، ثُمَّ استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحجَّ، ثُمَّ حجَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة عشر فأفرد الحجَّ، ثم استخلف أبا بكر (1) فبعث عمر فأفرد الحجَّ، ثم استخلف عمر فبعث عبد الرَّحمن بن عوف فأفرد الحجَّ، ثُمَّ حصر عثمان فأقام عبد الله بن عبَّاس للنَّاس فأفرد الحجَّ (2) .
2122- الحديث الثَّالث: قال أبو داود: حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن أبي الزُّبير عن جابر قال: أقبلنا مُهلِّين مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجِّ مُفردًا (3) .
والجواب:
أمَّا حديث عائشة: فجوابه من سبعة أوجه:
أحدها: أنَّه من أفراد مسلم، وقد روينا عنها في المتفق عليه ضدَّ هذا، وذلك مقدَّمٌ.
والثَّاني: أنَّ أحاديثنا أصحُّ وأكثر.
والثَّالث: أنَّ أحاديثنا تتضمَّن زيادةً، فهي أولى.
والرَّابع: أنَّه محمولٌ (4) على أنَّه أفرد أعمال العمرة عن أعمال الحجِّ، وكلذلك يفعل المتمتع.
والخامس: أنَّا نحمله على أنَّه لمَّا فرغ من عمرة أحرم بحجٍّ مفردٍ، ولم يضف إليه عمرةً أخرى.
__________
(1) في هامش الأصل: (ص: أبو بكر) ، وهو كذلك في مطبوعة "سنن الدارقطني".
(2) "سنن الدارقطني": (2/239) باختصار كثير.
(3) "سنن أبي داود": (2/435- 436- رقم: 1782) .
(4) في "التحقيق": (مأوَّل) .(3/452)
والسَّادس: أنَّا نقول: قد روي أنَّه أفرد أو قرن، وأنَّ الأحاديث تعارضت، فقد بقي لنا ما لا خلاف فيه: أنَّه أمر أصحابه بالفسخ للتَّمتُّع، وتأسَّف إذ لم يمكنه ذلك لسوق الهدي، فقال: " لو أنِّي استقبلت من أمري ما
استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ". ولولا أنَّ التَّمتُّع هو الأفضل لم يأمر به، ولم يتأسَّف عليه.
والسَّابع: أنَّه قد نقل أبو طالب عن أحمد أنَّه قال: كان هذا في المدينة - يعني ما نقل أنَّه أفرد-، فلمَّا وصل إلى مكَّة فسخ على أصحابه، وتأسَّف على التَّمتُّع، فدلَّ على أنَّه الأفضل، لأنَّه آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا المعتمد عليه في جواب حديث جابر.
وأمَّا حديث ابن عمر: ففي إسناده عبد الله بن نافع، قال يحيى: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (1) .
وفيه عبد الله (2) بن عمر العُمريُّ، قال يحيى: ضعيف (3) . وقال ابن حِبَّان: يستحق التَّرك (4) .
ز: حديث ابن عمر من رواية عبَّاد بن عبَّاد: رواه مسلمٌ في "صحيحه"فقال:
2123- حدَّثنا يحيى بن أيوب وعبد الله بن عون الهلاليُّ قالا: ثنا عبَّاد ابن عبَّاد المهلبيُّ ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في رواية يحيى:
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 145- رقم: 344) وانظر ما يأتي في كلام المنقح.
(2) في "التحقيق": (عبيد الله) خطأ.
(3) انظر ما تقدم (1/264) .
(4) "المجروحين": (2/7) .(3/453)
قال: أهللنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجِّ مفردًا.
وفي رواية ابن عون: أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهلَّ بالحجِّ مفردًا (1) .
كذا رواه من حديث عبَّاد عن عبيد الله، والمؤلِّف ساقه من طريق الدَّارَقُطْنِيُّ وقال فيه: (عن عبد الله) كذا وجدته في النُّسخة التي نقلت منها، والصَّواب ما رواه مسلم، وكذا وجدته في نسخةٍ أخرى، والله أعلم.
وأمَّا حديث ابن عمر من رواية ابن نافع:
2124- فروى التِّرمذيُّ عن قتيبة عن عبد الله بن نافع الصَّائغ عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد الحجَّ، وأفرد أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم (2) .
وعبد الله بن عمر العمريُّ قد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة من قبل حفظه.
وأمَّا قول المؤلِّف: (وأمَّا حديث ابن عمر: ففي إسناده عبد الله بن نافع، قال يحيى: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث) فخطأٌ منه، فإنَّ الذي تكلَّم فيه يحيى والنَّسائيُّ هو عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وأمَّا
راوي هذا الحديث فهو الصَّائغ صاحب مالك، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (3) ، ووثَّقه يحيى بن معين (4) والنَّسائيُّ (5) ، وقد تكلَّم بعض
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/52) ، (فؤاد- 2/904- 905- رقم: 1231) .
(2) "الجامع": (2/173- رقم: 820 م) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/395- رقم: 874) .
(4) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 153- رقم: 532) ؛ ورواية ابن طهمان: (ص: 116- رقم: 373) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (16/210- رقم: 3609) .(3/454)
الأئمة في حفظه، وهو ممَّن يروي عن عبد الله بن نافع مولى ابن عمر؛ وقد ذكر المؤلِّف في كتابه عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وذكر كلام يحيى والنَّسائيِّ وغيرهما فيه، ثُمَّ قال: وجملة من يجئ في الحديث (عبد الله بن نافع) سبعة، لم نر طعنًا في أحدٍ منهم سوى هذا (1) !
وأمَّا حديث جابر: فرواه مسلمٌ في "صحيحه" عن قتيبة ومحمَّد بن رمح كلاهما عن الليث به (2) ، ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة (3) .
وغالب أجوبة المصنِّف عن حديث عائشة فيها نظرٌ، والله أعلم O.
مسألة (401) : الأفضل أن يحرم المتمتِّع بالحجِّ يوم التَّروية.
وقال أبو حنيفة: يستحب تقديمه على يوم التَّروية.
وقال الشَّافعيُّ: إن كان معه هديٌ أحرم يوم التَّروية بعد الزَّوال، وإن لم يكن معه هديٌ أحرم ليلة السَّادس من ذي الحجَّة.
2125- قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حاتم ابن إسماعيل المدنيُّ عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفسخ، فحلَّ النَّاس كلُّهم وقصَّروا إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن كان معه هديٌ، فلمَّا كان يوم التَّروية توجَّهوا إلى منى، فأهلُّوا بالحجِّ (4) .
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (2/144- رقم: 2131) .
(2) "صحيح مسلم": (4/35) ؛ (فؤاد- 2/881- رقم: 1213) .
(3) "السنن الكبرى": (2/356- رقم: 3744) ؛ " السنن الصغرى ": (5/164- رقم: 2763) .
(4) " صحيح مسلم: (4/39) ؛ (فؤاد- 2/888- رقم: 1218) .(3/455)
انفرد بإخراجه مسلمٌ.
*****
مسألة (402) : المتمتع إذا ساق الهدي لم يجز له أن يتحلَّل، ولكن إذا طاف وسعى للعمرة أهلَّ بالحجِّ، فإذا فرغ من الحجِّ تحلَّل منهما جميعًا.
وروي عنه: أنَّه يحلُّ بالتَّقصير فقط.
وروي عنه: أنَّه إن قدم قبل العشر جاز له التَّحلُّل، وإن قدم في العشر لم يجز له التَّحلُّل.
قال القاضي أبو يعلى: والمذهب الصَّحيح عندي الأوَّل.
لنا:
حديث ابن عمر قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متمتعين فقال: " من ساق الهدي فلا يتحلَّل، ومن لم يسق فليتحلَّل ".
وقد ذكرناه بإسناده في مسألة التَّمتُّع (1) ، والله أعلم.
*****
مسألة (403) : يجوز فسخ الحجِّ إلى العمرة إذا لم يسق الهديَّ، خلافًا
لأكثرهم.
__________
(1) انظر: (رقم: 2090) .(3/456)
وقد سبقت الأحاديث بأسانيدها في أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أصحابه أن يفسخوا الحجَّ إلى العمرة، وتأسَّف على كونه لم يفسخ لأجل سوق الهدي (1) .
قال أحمد بن حنبل: عندي ثمانية عشر حديثًا صحاحًا في فسخ الحجِّ (2) . قال: ويروى في الفسخ عن عشرة من الصَّحابة.
احتجَّ الخصم بحديث بلال بن الحارث، وبحديث أبي ذرٍّ، وأنَّ الفسخ كان خاصًا للصَّحابة، وقد سبق ذلك وجوابه (3) .
وقال أحمد بن حنبل: حديث بلال لا أقول به، لا يعرف هذا الرَّجل ولم يروه إلا الدراورديّ، وأحد عشر رجلاً من الصَّحابة يروون عنه في الفسخ، أين يقع بلال بن الحارث منهم؟! (4) .
*****
__________
(1) المسألة رقم: (400) .
(2) " طبقات الحنابلة " لابن أبي يعلى: (1/169- رقم: 225) ؛ "المغني" لابن قدامة: (5/253) ؛ " شرح العمدة " لابن تيمية: (كتاب الحج- 1/523) .
(3) في هامش الأصل: ( [] وقد تقدم ما يخالف [] هذا) ا. هـ وما بين المعقوفتين لم نتمكن من قراءته.
(4) انظر ما تقدم: (ص: 442- 444) .(3/457)
مسائل الإحرام
مسألة (404) : لا يجوز للمحرمة ليس القفَّازين.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
وعن الشَّافعي كالمذهبين.
2126- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يعلى بن عبيد ثنا محمَّد بن إسحاق عن عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله نهى النِّساء في الإحرام عن القفَّازين والنِّقاب، وما مسَّه الورس (1) والزَّعفران من الثِّياب (2) .
2127- وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تنتقب المرأة الحرام، ولا تلبس القفَّازين ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
ز: حديث ابن إسحاق: رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يعقوب إبراهيم بن سعد عن أبيه بأطول من هذا (4) .
وحديث الليث: رواه البخاريُّ عن عبد الله بن يزيد (5) ، ورواه
__________
(1) في مطبوعة "المسند": (وما مس الرؤوس) .
(2) "المسند": (2/22) .
(3) "الجامع": (2/183- 184- رقم: 833) .
(4) "سنن أبي داود": (2/455- رقم: 1823) .
(5) " صحيح البخاري: 31/463) ؛ (فتح- 4/52- رقم: 1838) .(3/458)
أبو داود (1) والنَّسائيُّ (2) جميعًا عن قتيبة كلاهما عنه به.
قال البخاريُّ: تابعه موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق في النِّقاب والقفَّازين، وقال عبيد الله: (ولا ورس) ، وكان يقول: (لا تنتقب المحرمة ولا تليس القفَّازين) ، وقال مالك عن نافع
عن ابن عمر: (لا تنتقب المحرمة) ، وتابعه ليث بن أبي سليم.
وقال أبو داود: وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع على ما قال الليث، ورواه موسى بن طارق عن موسى بن عقبة موقوفًا على ابن عمر، وكذلك رواه عبيد الله ومالك وأيوب
موقوفًا O.
*****
مسألة (405) : لا ينقطع حكم الإحرام بالموت.
وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الجنائز فلتنظر من ثَمَّ (3) .
*****
مسألة (406) : يجوز للرَّجل ستر وجهه في الإحرام.
وعنه: لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/454- رقم: 1821) .
(2) "سنن النسائي": (5/133- رقم: 2673) .
(3) المسألة رقم: (278) .(3/459)
لنا:
قوله عليه السَّلام في المحرم: " ولا تخمِّروا (1) رأسه ". وقد سبق في مسائل الجنائز (2) .
وقد روى أصحابنا أنَّه قال في المحرم: " خمِّروا وجهه، ولا تخمِّروا رأسه ".
ز: في بعض ألفاظ مسلم: " ولا تغطوا وجهه، فإنَّه يبعث يلبِّي " (3) .
وله أيضًا: " خارجٌ رأسُه ووجهُه " (4) .
2128- وقد روى الشَّافعيُّ من حديث إبراهيم بن أبي حُرَة (5) عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " وخمِّروا وجهه، ولا تخمِّروا رأسه " (6) .
وإبراهيم: وثَّقه يحيى (7) وأحمد (8) وأبو حاتم (9) .
2129- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل": حدَّثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا موسى بن الحسن ثنا القَعْنَبِيُّ ثنا ابن أبي ذئب عن الزُّهريُّ عن أبان بن عثمان
__________
(1) في "التحقيق": (ولا يخمر) .
(2) رقم: (1362) .
(3) "صحيح مسلم": (4/25- 26) ؛ (فؤاد- 2/867- رقم: 1206) .
(4) "صحيح مسلم": (4/25) ؛ (فؤاد- 2/867- رقم: 1206) .
(5) تصحف في "الأم" إلى: (بحرة) .
(6) "الأم": (1/270)
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/96- رقم: 261) من رواية إسحاق بن منصور.
(8) "العلل" برواية عبد الله: (3/146- رقم: 4643) .
(9) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/96- رقم: 261) .(3/460)
عن عثمان بن عفَّان: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخمِّر وجهه وهو محرمٌ.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هكذا كان في كتاب أبي بكر مرفوعًا، والصَّواب موقوف:
2130- أخبرنا إسماعيل الصَّفار وحمزة بن محمَّد قالا: ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا عليٌّ- يعني: ابن المدينيِّ- ثنا سفيان قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر يقول: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة أنَّه رأى عثمان بالعُرْج مخمِّرًا وجهه بقطيفة أرجوان في يوم صائفٍ وهو محرم (1) . والله أعلم O.
*****
مسألة (407) : إذا عدم الإزار وليس السَّراويل فلا فدية عليه (2) .
لنا حديثان:
2131- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم أنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عبَّاس قال: خطب رسود الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إذا لم يجد الحرم إزارًا فليلبس السَّراويل، وإذا لم يجد النَّعلين فليلبس الخفَّين " (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
__________
(1) "العلل": (3/13- 14- رقم: 256) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: كذا فيه، لم يذكر المخالف في هذه المسألة، وهو مالك وأبو حنيفة) ا. هـ
(3) "المسند": (1/215) .
(4) "صحيح البخاري": (3/464) ؛ (فتح- 4/57- رقم: 1841) .
"صحيح مسلم": (3/4) ؛ (فؤاد- 2/835- رقم: 1178) .(3/461)
2132- طريقٌ آخر: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنَّ أبا الشَّعثاء أخبره أنَّ ابن عبَّاس أخبره أنه سمع رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من لم يجد إزارًا ووجد سراويل فليلبسه، ومن لم يجد نعلين ووجد خفَّين فليلبسهما ". قلت: ولم يقل: ليقطعهما؟ قال: لا (1) .
ز: رواه مسلم عن علي بن خَشْرَم عن عيسى بن يونس عن ابن جريج، ولم يسق متنه (2) O.
2133- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن أبي الزُّبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يجد نعلين فليلبس خفَّين، ومن لم يجد إزارًا فليلبسهما سراويل " (3) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (4) .
احتجُّوا:
2134- بما رواه الإمام أحمد قال: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: سأل رجلٌ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يلبس المحرم من الثِّياب؟ - وقال سفيان مرَّة: ما يترك المحرم من الثِّياب؟ - فقال: " لا يلبس القميص، ولا البُرنس، ولا السَّراويل، ولا العمامة، ولا ثوبًا مسه الوَرْس ولا الزَّعفران، ولا الخفَّين، إلا لمن لا يجد نعلين، فمن لا يجد نعلين فليلبس الخفَّين، وليقطعهما حتَّى يكونا أسفل من الكعبين " (5) .
__________
(1) "المسند": (1/228) .
(2) "صحيح مسلم": (3/4) ؛ (فؤاد- 2/835- رقم: 1178) .
(3) "المسند": (3/323) .
(4) "صحيح مسلم": (4/3) ؛ (فؤاد- 2/836- رقم: 1179) .
(5) "المسند": (2/8) .(3/462)
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (1) .
والجواب:
أنَّ الرُّواة لهذا الحديث اختلفوا، قال أبو داود: رواه موسى ابن عقبة وعبيد الله بن عمر ومالك وأيُّوب موقوفًا على ابن عمر (2) .
ثُمَّ نقول: يجوز القطع (3) .
*****
فصلٌ (408) : فإذا عدم النَّعلين ولبس الخفَّين فلا فدية.
وقال أكثرهم: لا يجوز له لبسهما حتَّى يقطعهما أسفل من الكعبين، فإن لبسهما لزمته الفدية.
لنا:
ما تقدَّم من الحديث.
__________
(1) " صحيح البخاري: (7/189) ؛ (فتح- 10/273- رقم: 5806) من رواية ابن المديني عن سفيان به.
"صحيح مسلم": (4/2) ؛ (فؤاد- 2/835- رقم: 1177) .
(2) "سنن أبي داود": (2/454- 455- رقم: 1821) بتصرف.
(3) في هامش الأصل: (حـ: كذا وجدته في نسختين صحيحتين: " ثم نقول يجوز القطع " ولا معنى له) أ. هـ(3/463)
ز: قال صاحب "المغني" فيه: واحتجَّ أحمد: بحديث ابن عبَّاس وجابر: " من لم يجد نعلين فليلبس خفين ". مع:
2135- قول عليٍّ رضي الله عنه: قطع الخفَّين فسادٌ، يلبسهما كما هما.
مع موفقة القياس، فإنَّه ملبوسٌ أبيح لعدم غيره، فأشبه السَّراويل، وقطعه لا يخرجه عن حالة الحظر، فإنَّ لبس المقطوع محرمٌ مع القدرة على النَّعلين كلبس الصَّحيح، وفيه إتلاف ماليّته، وقد نهى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعته.
فأمَّا حديث ابن عمر: فقد قيل: إنَّ قوله: (وليقطعهما) من كلام نافع.
2136- كذلك رويناه في " أمالي أبي القاسم بن بشران " (1) بإسنادٍ صحيحٍ أنَّ نافعًا قال بعد روايته للحديث: وليقطع الخفَّين أسفل من الكعبن (2) .
2137- وروى ابن أبي موسى عن صفيَّة بنت أبي عبيد عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص للمحرم أن يليس الخفَّين ولا يقطعهما. وكان ابن عمر يفتي بقطعهما، قالت صفيَّة: فلمَّا أخبرته بهذا رجع.
2138- وروى أبو حفص في " شرحه " بإسناده عن عبد الرَّحمن بن عوف أنَّه طاف وعليه خفَّان، فقال له عمر: والخفَّان مع القباء؟! قال: قد لبستهما مع من هو خير منك- يعني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما منسوخًا، فإنَّ عمرو بن دينار روى
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: " أمالي أبي القاسم " ثلاثون جزءًا، رواها السِّلفي، وعنه جعفر الهمداني، البعض سماعًا، والبعض إجازة) أ. هـ
(2) لم نقف عليه فيما طبع من " الأمالي ".(3/464)
الحديثين جميعًا، وقال: انظروا أيّهما كان قبلٌ.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ (1) : قال أبو بكر النَّيسابوريُّ: حديث ابن عمر قَبلُ، لأنَّه قد جاء في بعض رواياته قال: (نادى رجلٌ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالمسجد- يعني المدينة-) فكأنَّه كان قبل الإحرام، وفي حديث ابن عبَّاس يقول: (سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب بعرفات يقول: " من لم يجد نعلين فليلبس خفَّين ") .
فيدلُّ على تأخره عن حديث ابن عمر، فيكون ناسخًا له، لأنَّه لو كان القطع واجبًا لبيَّنه للنَّاس، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه؟
والمفهوم من إطلاق لبسِهما: لبسُهما على حالهما من غير قطعٍ.
والأولى قطعهما عملاً بالحديث الصَّحيح، وخروجًا من الخلاف، وأخذًا بالاحتياط (2) . انتهى كلامه O.
*****
مسألة (409) : لا يجوز لبس الخفِّ المقطوع من أسفل الكعب مع وجود النَّعل، فإن لبس افتدى، خلافًا لأبي حنيفة، وأحد قولي الشَّّافعيِّ.
لنا:
أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرط في جواز لبسهما عدم النَّعلين على ما تقدَّم.
*****
__________
(1) نحوه في "سنن الدارقطني": (2/230) .
(2) "المغني": (5/121- 122) .(3/465)
مسألة (410) : لا يجوز له تظليل المحمل، فإن ظلَّل ففي الفدية روايتان.
وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: يجوز ولا فدية عليه.
لنا:
أنَّ رسول الله وأصحابه دخلوا مكة مُضْحِين، وقال: " خذوا عنِّي ".
احتجُّوا:
2139- بما رواه أبو داود، قال: حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا محمَّد بن [سلمة] (1) عن أبي عبد الرَّحيم عن زيد بن أبي أُنيسة عن يحيى بن حُصَين عن أم الحُصَين قالت: حججنا مع النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذٌ بخطام ناقة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والآخر رافعٌ ثوبه يستره من الحرِّ، حتَّى رمى جمرة العقبة (2) .
والجواب من وجهين:
أحدهما: أنَّ أبا عبد الرَّحيم ضعيفٌ.
والثَّاني: أنَّه يحتمل أن يكون رافع الثَّوب لم يظلِّل به، وإنَّما رفعه من ناحية الشَّمس.
ز: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، رواه مسلمٌ في "صحيحه" عن أحمد
__________
(1) في الأصل: (مسلمة) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن أبي داود".
(2) "سنن أبي داود": (2/458- رقم: 1830) .(3/466)
ابن حنبل (1) ، ورواه النَّسائيُّ عن أبي أميَّة عمرو بن هشام الحرانيِّ عن محمَّد بن سلمة بإسناده نحوه (2) .
وأبو عبد الرَّحيم هو: الحرانيُّ، واسمه: خالد بن أبي يزيد، وقد وثَّقه يحيى بن معين (3) وغيره، واحتجَّ به مسلمٌ في "صحيحه" (4) ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه، وقد أخطأ المؤلِّف في تضعيفه: وهو [راوية] (5) زيد بن أبي
أنيسة، وخال محمَّد بن سلمة- الرَّاوي عنه-، ومحمَّدٌ أروى النَّاس عنه.
ولم يتفرَّد أبو عبد الرَّحيم بهذا الحديث عن زيد، فقد رواه مسلمٌ من رواية معقل بن عبيد الله عن زيد (6) .
وقد قيل: إنَّ الوجه الثَّاني الذي ذكره المؤلِّف لا يستقيم، فإنَّ التَّظليل على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّما كان بعد الزَّوال، والشَّمس في الصَّيف، وهي على أعلى الرؤوس، فتعيَّن كون التَّظليل على رأسه صلوات الله عليه (7) O.
*****
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/80) ؛ (فؤاد- 2/944- رقم: 1298) .
(2) "السنن الكبرى": (2/436- رقم: 4066) .
(3) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 359- رقم: 357) .
(4) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/187- رقم: 391) .
(5) في الأصل و (ب) : (رواية) خطأ، وانظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (8/217- رقم: 1672) .
(6) "صحيح مسلم": (4/79- 80) ؛ (فؤاد- 2/944- رقم: 1298) .
(7) في هامش الأصل: (حاشية: لا يحتاج إلى هذا، ففي لفظ مسلم: " والآخر رافع ثوبه على رأس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يظلله من الشمس ") ا. هـ
هذه الحاشية ليست من ابن عبد الهادي كما هو ظاهر، والله أعلم.(3/467)
مسألة (411) : إذا ادَّهن بالشَيْرَج (1) والزَّيت فلا فدية عليه.
وعنه: عليه الفدية، كقول أبي حنيفة.
وقال الشَّافعيُّ: إن دهن رأسه أو وجهه فعليه الفدية، وفي بقية البدن كقولنا.
2140- قال التَّرمذيًّ: حدَّثنا هنَّاد ثنا وكيع عن حمَّاد بن سلمة عن فرقد السَّبخيِّ عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدّهن بالزَّيت- وهو محرمٌ- غير مُقَتَّت (2) . والمُقَتَّتُ: المطيَّب (3) .
قال المصنِّف: لا يعرف إلا من حديث فرقد، وقد ضعَّفوه.
ز: رواه الإمام أحمد (4) وابن ماجة (5) من حديث فرقد أيضًا، والأكثر على تضعيفه، وقد وثَّقه يحيى بن معين في رواية عثمان بن سعيد الدَّارميِّ عنه (6) .
__________
(1) في " المصباح المنير ": (308- مادة: الشرج) : (الشَّيْرَج: معرَّب من " شَيْرَة "، وهو دهن السمسم، وربما قيل للدهن الأبيض وللعصير قبل أن يتغيَّر: شَيْرَجٌ، تشبيها به، لصفائه، وهو بفتح الشين) ا. هـ
(2) في " النهاية ": (4/11- مادة: قتت) : (أي: غير مطيَّب، وهو الذي يطبخ في الرياحين حتى تطيب ريحه) ا. هـ
(3) "الجامع": (2/283- رقم: 962) ، وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير أ. هـ
(4) "المسند": (2/25، 29، 59، 72، 126، 145) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/1030- رقم: 3083) .
(6) "التاريخ": (ص: 190- رقم: 692) .(3/468)
ولم يذكر ابن عساكر وشيخنا في " الأطراف " هذا الحديث إلا من رواية ابن ماجة فقط (1) ، وكذلك الحافظ أبو عبد الله المقدسيُّ في " الأحكام "، والله أعلم O.
*****
مسألة (412) : يجوز للمحرها لبس المعصفر.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز.
2141- قال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه نهى النِّساء في إحرامهن عن القُفَّازين والنِّقاب، وما مسَّ الورس والزَّعفران من الثِّياب، ولتليس بعد ذلك ما أحبَّت من ألوان الثِّياب معصفرًا أو خزًّا (2) .
*****
__________
(1) "تحفة الأشراف": (5/426- 427- رقم: 7060) ، ولكن محقق الكتاب أدخل العزو إلى الترمذي في صلب الكتاب وجعله بين قوسين إشارة إلى أنه من زيادته.
وكان الحافظ ابن عبد الهادي قد استدرك عزوه إلى الترمذي في حاشية نسخة من " تحفة الأشراف " وصوَّب فعله الحافظ ابن حجر كما في " النكت الظراف ": (5/427- رقم: 7060) .
(2) "سنن أبي داود": (2/455- رقم: 1823) .
ووقع في هامش الأصل حاشيتان: الأولى على يمين الصفحة وهي: (حـ: هذه الزيادة منكرة) . والثانية: على اليسار، وهي: (قال أبو داود: ورواه عبدة ومحمَّد بن سلمة المخزومي عن ابن إسحاق لم يذكرا هذه الزيادة. انتهى. وإنما ذكرها إبراهيم بن سعد الزهري وهو ثقة، لكنها منكرة) ا. هـ(3/469)
مسألة (413) : لا يجوز للمحرم لبس ثوبٍ مبخَّرٍ.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
لنا:
أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس ثوبٍ مسَّه وَرْسٌ أو زعفران، وقد سبق هذا (1) .
*****
مسألة (414) : لا تلزمه الفدية بشمِّ شيءٍ من الرَّياحن.
وعنه: عليه الفدية.
وعنه: يحرم ما نبت بنفسه، دون ما ينبتُه النَّاس.
وقد قال الشَّافعيُّ: شمُّ الورد يوجب الفدية، وفي الرَّيحان قولان.
استدلَّ أصحابنا:
2142- بأنَّ عثمان سُئل عن المحرم: أيدخل البستان؟ فقال: نعم ويشمُّ الرَّيحان.
2143- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن مخلد ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية الضَّرير عن ابن جريج عن أيوب السَّختيانيِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس
__________
(1) رقم: (2134) .(3/470)
قال: المحرم يشمُّ الرَّيحان، ولدخل الحمَّام (1) .
ز: 2144- هذا الأثر المروي عن عثمان في شمِّ المحرم الرَّيحان، أخبرنا به شيخنا الإمام الحافظ ذو التَّحرير والإتقان (2) ، أبو الحجَّاج يوسف بن الزَّكي [عبد الرَّحمن] (3) قال: أنبأنا غير واحدٍ من المشايخ الأعيان، منهم: أبو الغنائم المسلم بن محمَّد بن علان، قالوا: أجاز لنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعيُّ محدِّث ذاك الأوان، أنا جمال الإسلام أبو الحسن مفتي الزَّمان، ثنا عبد العزيز ابن أحمد بيَّاع الكِتَّان، قال: حدَّثني أبو نصر عبد الوهَّاب بن عبد الله المزيُّ الجبَّان، ثنا أبو هاشم عبد الجبَّار بن عبد الصَّمد معلِّم الصِّبيان، ثنا أبو إسحاق إبراهيم المودبان، ثنا أبو جعفر بن نصر واسمه حمدان، ثنا نصر بن أبان، ثنا الوليد بن الزنبيان (4) ، ثنا المعافى بن عمران، ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن حمران بن أبان، عن أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفَّان، في المحرم يدخل البستان، قال: نعم ويشمُّ الرَّيحان.
هذا حديثٌ موضوعٌ، وإسناد مصنوعٌ، عند أدنى من له بصيرة في هذا الشَّأن، وضعه بعض المجاهيل بلا ريب، فالله المستعان.
2145- وقد روى البيهقيُّ من رواية ابن جريج عن أبي الزُّبير أنَّه سمع
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/232) .
(2) وفي النسخة المختصرة من "التنقيح" (المطبوعة) : (أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ دارقطني الزمان، أبو زرعة الوقت، شيخ الحفاظ، ذو التحرير والإتقان) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) في الأصل غير منقوطة، وفي (ب) غير واضحة، والله أعلم.(3/471)
جابر بن عبد الله يُسأل عن الرَّيحان يشمُّه المحرم، والطِّيب والدُّهن؟ فقال: لا.
2146- وروى من رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان يكره شمَّ الرَّيحان للمحرم (1) O.
*****
مسألة (415) : إذا غسل المحرم رأسه بالسِّدر والخطميِّ فلا فدية.
وعنه: تلزمه الفدية، كقول أبي حنيفة.
لنا:
قوله عليه السَّلام في المحرم: " اغسلو" بماءٍ وسدرٍ "، وقد سبق بإسناده في (كتاب الجنائز) (2) .
إلا أنَّ الخصم يقول: إذا مات انقطع حكم إحرامه بالموت، وقد أبطلنا ذلك هناك.
*****
مسألة (416) لا يصحُّ أن يعقد المحرم عقد النِّكاح.
وقال أبو حنيفة: يصحُّ.
__________
(1) سنن البيهقي: (5/57) .
(2) رقم: (1362) .(3/472)
2147- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن مالك قال: حدَّثني نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المحرم لا يَنكح ولا يُنكِح ولا يَخطب " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
احتجُّوا:
2148- بما رواه الإمام أحمد قال: حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا عبد الله ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكح ميمونة وهو محرمٌ (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
2149- قال أحمد: وحدَّثنا يونس ثنا حمَّاد بن سلمة عن حُميد عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة بنت الحارث وهما محرمان (5) .
ز: رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن إسحاق الصَّاغانيِّ عن أحمد بن إسحاق عن حمَّاد بن سلمة (6) .
__________
(1) "المسند": (1/57) .
(2) "صحيح مسلم": (4/136- 137) .
(3) "المسند": (1/252) .
(4) "صحيح البخاري": (7/18) ؛ (فتح- 9/165- رقم: 5114) .
"صحيح مسلم": (4/137) ؛ (فؤاد- 2/1031- رقم: 1410) .
وفي هامش الأصل: (حـ: هذا الحديث مخرَّج في "الصحيحين" من رواية عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عبَّاس) .
(5) "المسند": (1/245) .
(6) "سنن النسائي": (5/191- رقم: 2840) من رواية حماد عن حميد عن عكرمة به.(3/473)
ورواه أيضًا عن إبراهيم بن يونس بن محمَّد عن أبيه عن حمَّاد بن سلمة عن حميد عن مجاهد عن ابن عبَّاس (1) .
وهذا مخالفٌ لرواية أحمد عن يونس، فإنَّ فيها (عن عكرمة) والله أعلم O.
والجواب: أنَّ ميمونة أخبرت بضدِّ هذا، والإنسان أعرف بحال نفسه من غيره.
2150- قال أحمد: ثنا يحيى بن إسحاق ثنا حمَّاد بن سلمة عن حبيب ابن الشَّهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت:
تزوَّجني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا حلال، بعدما رجعنا من مكَّة (2) .
ز: رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد بنحوه: تزوَّجني النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن حلالان بسرف (3) O.
2151- قال أحمد: وحدَّثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال: سمعت أبا فزارة يحدِّث عن يزيد بن الأصم عن ميمونة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّجها حلالاً، وبنى بها حلالاً. وماتت بسَرِف فدفنها في الظُّلَّة التي بنى فيها. فنزلنا في قيرها أنا وابن عبَّاس (4) .
انفرد بإخراج هذا الحديث مسلمٌ (5) .
__________
(1) "سنن النسائي": (5/191- رقم: 2839) .
(2) "المسند": (6/332) .
(3) "سنن أبي داود": (2/461- رقم: 1839) .
(4) "المسند": (6/333) .
(5) "صحيح مسلم": (4/136- 137) ؛ (فؤاد- 2/1032- رقم: 1411) .(3/474)
2152- قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ويونس قالا: ثنا حمَّاد بن زيد ثنا مطر عن ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع مولى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّج ميمونة حلالاً، وكنت الرَّسول بينهما (1) .
ز: رواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن حمَّاد به، وقال: حسنٌ، ولا نعلم أحدًا أسنده غير حمَّاد عن مطر، ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلاً (2) .
2153- وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: أخبرنا عبد الله بن محمَّد بن عبد الله الخفَّاف أنا محمَّد بن المظفَّّر ثنا محمَّد بن القاسم بن عبد الرَّحمن بن أبي نزار ثنا ياسن بن محمَّد الأنباريُّ ثنا محمَّد بن سليمان بن أبي داود الأنباريُّ ثنا أبو ضمرة عن ربيعة عن أنس قال: بعث النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا رافع ورجلاً من الأنصار فأنكحاه ميمونة قبل أن يحرم.
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، وفي إسناده من تجهل حاله، والصَّواب رواية ربيعة عن سليمان، والله أعلم O.
2154- وروى أبو داود أنَّ سعيد بن المسيَّب قال: وهم ابن عبَّاس في قوله: (تزوَّج ميمونة وهو محرمٌ) (3) .
__________
(1) "المسند": (6/392- 393) .
(2) "الجامع": (2/190- رقم: 841) .
(3) "سنن أبي داود": (2/461- رقم: 1841) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الله إسحاق ابن محمَّد السوسي قالا: ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أبو جعفر محمَّد بن عوف بن سفيان الطائي ثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ثنا الأوزاعي ثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عبَّاس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة وهو محرم. فقال: قال سعيد بن المسب: وَهَلَ ابن عبَّاس وإن كانت خالته، ما تزوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بعد ما حلَّ.
رواه البخاري في " الصحيح " عن عبد القدوس بن الحجاج.=(3/475)
وقد حمل بعض أصحابنا قول ابن عبَّاس (وهو محرم) أي: في شهرٍ حرام.
قال الشَّاعر:
قتلوا ابن عفَّان الخليفة محرمًا.......................
أي: في شهرٍ حرام.
ز: قال الخطيب: أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله الثَّابتيُّ أنا أحمد بن محمَّد بن موسى القرشيُّ أنا محمَّد بن يحيى ثنا أحمد بن يزيد المهلَّبيُّ ثنا حمَّاد بن إسحاق الموصليُّ عن أبيه إسحاق قال: سأل الرَّشيد عن بيت الرَّاعي:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا ودعا فلم أر مثله مخذولاً ما معنى: محرمًا؟ فقال الكسائيُّ: أحرم بالحجِّ. فقال الأصمعيُّ: ما كان أحرم بالحجِّ، ولا أراد الشَّاعر أنَّه أيضًا في شهرٍ حرامٍ، فيقال: (أحرم) إذا دخل فيه، كما يقال: (أشهر) إذا دخل في الشَّهر، و (أعام) إذا دخل في العام. فقال الكسائيُّ: ما هو غير هذا؟! وإلا فما أراد؟! فقال الأصمعيُّ:
__________
= وروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدَّثني ثقة عن سعيد بن المسيب أنه قال: هذا عبد الله بن عبَّاس يزعم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة فكان الحل والنكاح جميعًا، فشبه ذلك على الناس) أ. هـ
هذه الحاشية يبدو أنها ليست من ابن عبد الهادي، والله أعلم.
وانظر: " دلائل النبوة " للبيهقي: (4/331، 336) ، "سنن البيهقي": (7/212) .
وأورد رواية يونس بن بكير: ابنُ كثير في " البداية والنهاية ": (2/233- أواخر حوادث السنة السابعة) ، ووقع في المطبوع هكذا: (قال يونس عن ابن إسحاق: حدثني بقية) أ. هـ
وفي " شرح العمدة " لابن تيمية: (2/200- كتاب الحج) : (وقال ابن إسحاق: حدثني نفر) ا. هـ(3/476)
ما أراد عديُّ بن زيد بقوله:
قتلوا كسرى بليل محرمًا ... فتولى لم يُمتع بكفن
أيُّ احرام لكسرى؟! فقال الرَّشيد: فما المعنى؟ قال: كلُّ- من لم يأت شيئًا يوجب عليه عقوبةً فهو مُحرمٌ لا يحلُّ شيءٌ منه. فقال الرَّشيد: ما تطاق في الشِّعر يا أصمعيُّ! ثُمَّ قال: لا تعرضوا للأصمعيِّ في الشِّعر (1) O.
*****
مسألة (417) : إذا أفسد الحجَّ والعمرة لزمه المضي في فاسدهما.
وقال داود: يخرج منهما.
2155- قال سعيد بن منصور: حدَّثنا سفيان ثنا يزيد بن جابر (2) قال: سألت مجاهدًا: عن الرَّجل يأتي امرأته وهو محرمٌ، قال: كان ذلك على عهد عمر بن الخطَّّاب، فقال عمر: يقضيان حجَّهما- والله أعلم بحجِّهما-،
ثمَّ يرجعان حلالاً، حتَّى إذا كان من قابل حجًّا وأهديًا.
2156- قال سعيدٌ: وحدَّثنا هُشيم أنا أبو بشر قال: حدَّثني رجلٌ من قريش أنَّ رجلاً وقع بامرأته وهما محرمان، فقال ابن عبَّاس: اقضيا ما عليكما من نسككما هذا، وعليكما الحجُّ من قابلٍ.
وقد روينا مثل هذا عن ابن عمر وعطاء وإبراهيم.
__________
(1) "تاريخ بغداد": (10/416- 417- رقم: 5576) تحت ترجمة الأصمعي.
(2) في هامش الأصل: (حـ: هو يزيد بن يزيد بن جابر، نسب إلى جده) .(3/477)
ز: ليس فيما ذكره ما ينهض حجَّة على داود، فإنَّ الأثرين اللذين ذكرهما من رواية سعيد لو كانا متصلين لم يحتجَّ بهما، فكيف وهما منقطعان؟!
2157- وقد روى البيهقيُّ من رواية [عبيد الله] (1) بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه أنَّ رجلاً أتى عبد الله بن عَمرو ليسأله عن محرمٍ وقع بامرأته، فأشار إلى عبد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك فسله. قال
شعيب: فلم يعرفه الرَّجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجُّك. قال الرَّجل: فما أصنع؟ قال: اخرج مع النَّاس واصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابل فحجَّ واهد. فرجع إلى عبد الله بن عمرو- وأنا معه- فأخبره، فقال: اذهب إلى ابن عبَّاس فسله. قال شعيب: فذهبت معه إلى ابنِ عبَّاس فسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو- وأنا معه- فأخبره بما قال ابن عبَّاس، ثُمَّ قال: ما تقول أنت؟ فقال: قولي مثل ماقالا.
قال البيهقيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وفيه دليلٌ على صحَّة سماع شعيب بن محمَّد بن عبد الله من جدِّه عبد الله بن عمرو (2) O.
*****
__________
(1) في الأصل: (عبد الله) ، والتصويب من (ب) و"سنن البيهقي".
(2) "سنن البيهقي": (167- 168) .(3/478)
مسائل جزاء الصيد
مسألة (418) : يجب الجزاء بقتل الصَّيد خطأ.
وعنه: لا يجب، كقول داود.
2158- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أخبرنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو كريب ثنا قبيصة عن جرير بن حازم فقال: حدَّثني عبد الله بن عبيد بن عمير عن (1) عبد الرَّحمن بن أبي عمَّار (2) عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الضبع، فقال: " هي صيدٌ ". وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشًا (3) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ.
ز:/ رواه أبو داود عن محمَّد بن عبد الله الخُزاعيِّ عن جريرٍ به (4) .
ورواه التِّرمذيُّ عن أحمد بن منيع عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن عبد الله بمعناه، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وقال عليٌّ: قال يحيى بن سعيد: روى جرير بن حازم هذا فقال: (عن جابر عن عمر) . وحديث ابن جريجٍ
أصحُّ (5) .
__________
(1) في "التحقيق": (و) خطأ.
(2) في هامش الأصل: (حـ: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمَّار المكيُّ) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (2/246) .
(4) "سنن أبي داود": (4/298- 299- رقم: 3795) .
(5) "الجامع": (2/198 - رقم: 851) ، والجملة الأخيرة: (حديث ابن جريج أصح) يحتمل أنها من كلام ابن المديني أو يحيى بن سعيد القطان أو الترمذي، ولكن الترمذي أعاد=(3/479)
ورواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن منصور عن سفيان عن ابن جريج نحوه (1) .
ورواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد عن وكيع عن جرير (2) ، وعن هشام ابن عمَّار ومحمَّد بن الصَّبَّاح كلاهما عن عبد الله بن رجاء المكيِّ عن إسماعيل بن أميَّة عن عبد الله بن عبيد بمعناه (3) O.
*****
مسألة (419) : بيض النَّعام مضمونٌ.
وقال داود: لا يضمن.
لنا حديثان:
2159- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا المحاربيُّ ثنا عبَّاد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن حسين بن عبد الله ابن عبيد الله عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن كعب بن عُجرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في بيض النَّعام أصابه محرمٌ بقدر ثمنه (4) .
2160- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ
__________
= هذه الكلمة في كتاب الأطعمة: (3/388 - رقم: 1791) عن يحيى بن سعيد ولم يذكر ابن المديني فسقط الاحتمال الأول وبقي الاحتمالان الآخران، والأقرب- والله أعلم- أنها من كلام الترمذي لأنه لم يجر ذكر لرواية ابن جريج في كلام يحيى بن سعيد.
(1) "سنن النسائي": (5/191- رقم: 2836) ؛ (7/200- رقم: 4323) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/1030- 1031- رقم: 3085) ، وجرير رواه عن عبد الله بن عبيد كما سبق.
(3) "سنن ابن ماجة": (2/1078- رقم: 3236) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/247) .(3/480)
ثنا عيسى بن أبي عمران ثنا الوليد بن مسلمٍ ثنا ابن جريجِ عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في بيضة نعامٍ صيامُ يومٍ أو إطعام مسكينٍ " (1) .
قال المصنِّف: هذا الحديث أصحُّ (2) من الأوَّل، والأوَّل ليس بشيءٍ.
في الأوَّل: حسين بن عبد الله، قال ابن المدينيِّ: تركت حديثه (3) .
وقال السَّعديُّ: لا يشتغل بحديثه (4) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (5) .
واختلف كلام يحيى بن معين: فقال تارة: هو ضعيفٌ (6) ، وقال مرَّة: ليس به بأسٌ، يكتب حديثه (7) .
وفي الإسناد: إبراهيم بن أبي يحيى، وذاك ضعيفٌ بمرَّةٍ، وقد أطلق عليه الكذب مالك بن أنس (8) ويحيى بن سعيد (9) وابن معين (10) ،
وقال أحمد (11) والبخاريُّ (12) : قد ترك النَّاس حديثه. وكذلك قال
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/249) .
(2) في هامش الأصل: (خـ: أصلح) ا. هـ وهو الذي في مطبوعة "التحقيق" (3) "التاريخ الكبير": (2/388- رقم: 2872) و"الضعفاء الصغير" للبخاري: (ص: 424- رقم: 78) .
(4) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 235- رقم: 238) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 84- رقم: 145) .
(6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 95- رقم: 257) ، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/57- رقم: 258) من رواية ابن أبي خيثمة.
(7) "الكامل" لابن عدي: (2/349- رقم: 480) من رواية ابن أبي مريم.
(8) "الكامل" لابن عدي: (1/217- رقم: 61) .
(9) "العلل" للإمام أحمد، برواية ابنه عبد الله: (535- رقم: 3533) .
(10) "التاريخ" برواية للدوري: (3/166- رقم: 721) .
(11) "العلل" برواية عبد الله: (2/503- رقم: 3317) .
(12) "التاريخ الكبير": (1/323- رقم: 1013) .(3/481)
النَّسائيُّ (1) والدَّارَقُطْنِيُّ (2) : هو متروكٌ. وفي الإسناد: عبَّاد بن يعقوب، قال ابن حِبَّان: يروي المناكير عن المشاهير، فاستحقَّ التَّرك (3) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بضعيفٍ (4) .
ز: هذان الحديثان لم يخرجهما أحدُ من أصحاب " السُّنن "، والحديث الثَّاني منكرٌ جدًّا.
وعيسى بن أبي عمران ليس بشيءٍ، قال ابن أبي حاتم: عيسى بن أبي عمران، أبو عمرو البزَّاز (5) الرَّمليُّ، روى عن الوليد بن مسلم وضمرة بن ربيعة وأيُّوب بن سويد، كتبت عنه بالرَّملة، فنظر أبي في حديثه فقال: يدلُّ
حديثه أنَّه غير صدوقٍ. فتركت الرِّواية عنه (6) . وقال ابن عَدِيٍّ: عيسى بن عبد الله بن سليمان القرشيُّ العسقلانيُّ، ضعيفٌ يسرق الحديث (7) . والظَّاهر أنَّ هذا هو ابن أبي عمران، فإنَّ ابن عَدِيٍّ روى له أحاديث منكرة عن الوليد بن مسلم؛ وذكر الخطيب أنَّ عيسى بن عبد الله العسقلانيَّ نزل بغداد، وحدَّث عن الوليد بن مسلم وضمرة وآدم بن أبي إياس، وروى عنه ابن مخلد وغيره (8) O.
*****
__________
(1) "الضعفاء": (ص: 42- رقم:) وفيه: (متروك الحديث) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/135) وفيه: (متروك الحديث) .
(3) "المجروحون": (2/172) .
(4) قال الدارقطني في تعليقاته على "المجروحون": (ص: 202- رقم: 258) : (قول أبي حاتم- هو ابن حبان-: " عباد بن يعقوب ضعيف " خطأٌ منه) ا. هـ
(5) هكذا بالأصل و (ب) ، وفي مطبوعة "الجرح والتعديل": (البزار) .
(6) "الجرح والتعديل": (6/284- رقم: 1574) .
(7) "الكامل": (5/258- رقم: 1404) .
(8) "تاريخ بغداد": (11/165- رقم: 5862) .(3/482)
مسألة (420) : الدَّال على الصَّيد يلزمه الجزاء إذا كان محرمًا.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يلزمه.
لنا:
2161- ما روى أبو بكر الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على "الصَّحيحين" من حديث أبي قتادة أنَّه كان مع أناسٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم محرمون، وأبو قتادة ليس بمحرمٍ، فصرع حمار وحشٍ فأكل من لحمه، وأبى أصحابه أن يأكلوا، وأنَّهم سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أشرتم أو قتلتم أو
صدتم؟ " قالوا: لا. قال: " فلا بأس به، كلوا ".
فوجه الدَّليل: أنَّه سوَّى بين الإشارة والقتل.
ز: أصل حديث أبي قتادة في "الصَّحيحين"، وفي بعض ألفاظه: قال: " هل معكم أحدٌ أمره، أو أشار إليه بشيءٍ؟ " قالوا: لا. قال: " فكلوا ما بقي من لحمها " (1) .
وفي لفظٍ: " أمنكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها " (2) O.
*****
مسألة (421) : ما لا يؤكل لحمه، ولا هو متولِّدٌ ممَّا يؤكل لحمه- كالسَّبع والنِّسر-، لا يضمن بالجزاء.
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/16) ؛ (فؤاد- 2/854- رقم: 1196) .
(2) "صحيح البخاري": (3/460) ؛ (فتح- 4/28- 29- رقم: 1824) .(3/483)
وقال أبو حنيفة: يضمن.
2162- قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ما يقتل المحرم من الدَّواب؟ فقال: " خمسٌ لا جناح في قتلهنَّ على من قتلهنَّ (1) : العقرب، والفأرة، والغراب، والحدأة، والكلب العقور " (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) ، وفيهما مثله من حديث عائشة (4) وحفصة (5) .
فالحجَّة فيه من وجهين:
أحدهما: أن السَّبع يسمَّى كلبًا، قال عليه السَّلام في عتيبة بن أبي لهب: " اللهم سلَّط عليه كلبًا من كلابك ". فأكله السَّبع.
والثَّاني: أنَّه لمَّا نصَّ على (الكلب العقور) نبَّه على السَّبع، لأنَّه أشدُّ ضررًا منه.
*****
__________
(1) في مطبوعة "المسند" زيادة: (في الحرم) .
(2) "المسند": (2/8) .
(3) "صحيح البخاري": (3/461) ؛ (فتح- 4/34- رقم: 1826) من حديث نافع عن ابن عمر.
"صحيح مسلم": (4/18) ؛ (فؤاد- 2/857- رقم: 1199) .
(4) "صحيح البخاري": (3/461) ؛ (فتح- 4/34- رقم: 1829) .
"صحيح مسلم": (4/17- 18) ؛ (فؤاد- 2/856- رقم:1198) .
(5) "صحيح البخاري": (3/461) ؛ (فتح- 4/34- رقم: 1828) .
"صحيح مسلم": (4/18- 19) ؛ (فؤاد- 2/858- رقم: 1200) .(3/484)
مسألة (422) إذا اشترك جماعة مُحْرِمُون في قتل صيدٍ، فعليهم جزاءٌ واحدٌ.
وقال أبو حنيفة ومالك: على كلِّ واحدٍ منهم جزاءٌ كاملٌ.
لنا:
أنَّه سُئل عن الضَّبع فقال: " صيدٌ ". وجعل فيها كبشًا.
وقد سبق بإسناده (1) .
*****
مسألة (423) : يحرم على المحرم أكل ما صيد لأجله.
وقال أبو حنيفة: لا يحرم.
لنا ثلاثة أحاديث:
2163- الحديث الأوَّل: قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد الله بن الزُّبير الحُميديُّ ثنا سفيان ثنا الزُّهريُّ قال: أخبرني عُبيد الله بن عبد الله أنَّه سمع ابن عبَّاس يقول: أخبرني الصَّعب
ابن جَثَامة الليثيُّ قال: أهديتُ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم حمارِ وحشٍ وهو بالأبواء - أو بودَّان- فردَّه عليَّ، فلما رأى الكراهيَّة في وجهي، قال: " إنَّه ليس بنا ردٌّ عليك، ولكنَّا حرمٌ " (2) .
__________
(1) رقم: (2158) .
(2) "المسند": (4/73) .(3/485)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
قال الشَّافعيُّ: وجه هذا الحديث أنَّه إنَّما ردَّه عليه لمَّا ظنَّ أنَّه صِيد من أجله، فتركه على التَّنزُّه (2) .
2164- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو سلمة الخزاعيُّ ثنا عبد العزيز (3) عن عمرو بن أبي عمرو عن رجلٍ من الأنصار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا لحم الصَّيد وأنتم حرمٌ مالم تصيدوه أو يصاد لكم " (4) .
2165- طريقٌ آخرٌ: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن المطَّلِب عن جابر أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صيد البرِّ لكم حلالٌ وأنتم حرمٌ، مالم تصيدوه أو يصاد لكم " (5) .
قال التِّرمذيُّ: لا نعرف للمطَّلب سماعًا من جابر.
قال المصنِّف: قلت: قال يحيى بن معين: عمرو بن أبي عمرو لا يحتجُّ بحديثه (6) . وقال مرَّة: ليس بالقويِّ (7) . وقال أحمد بن حنبل: ما به
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/460) ؛ (فتح- 4/31- رقم: 1825) .
"صحيح مسلم": (4/13) ؛ (فؤاد- 2/850- رقم: 1193) .
(2) "الجامع" للترمذي: (2/197- رقم: 849) .
(3) في "التحقيق": (عبد الرحمن) خطأ، وعبد العزيز هو: ابن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون.
(4) "المسند": (3/387) .
(5) "الجامع": (2/194- رقم: 846) .
(6) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/288 - 289- رقم: 1289) من رواية الدوري، وفي مطبوعة "التاريخ": (3/225- رقم: 1051) : (ليس بحجة) أ. هـ.
(7) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/289- رقم: 1289) من رواية للدارمي، ولم نقف=(3/486)
بأسٌ (1) .
وقال الشَّافعيُّ: هذا أحسن حديثٍ روي في هذا الباب وأقيس (2) .
ز: روى هذا الحديث [أيضًا:] (3) أبو داود (4) والنَّسائيُّ عن قتيبة، وقال النَّسائيُّ: عمرو بن أبي عمرو ليس هو بالقويِّ في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك (5) .
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن الحسن بن سفيان عن قتيبة (6) ، ورواه الإمام أحمد أيضًا عن سعيد بن منصور وقتيبة كلاهما عن يعقوب (7) .
وعمرو بن أبي عمرو تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، ووثَّقه غير واحدٍ منهم، وأخرج له البخاريُّ ومسلمٌ في " صحيحيهما " (8) .
والمطَّلب بن عبد الله بن حَنْطب: ثقةٌ، إلا أنَّه لم يسمع من جابر فيما قيل، قال ابن أبي حاتم في " المراسيل ": سمعت أبي يقول: المطَّلب بن
__________
= عليها في مطبوعة "التاريخ" رواية الدارمي، وفي "التاريخ" برواية الدوري في موضع آخر: (3/194- رقم: 883) : (ليس به بأس، وليس هو بالقوي) أ. هـ، وفي " سؤالات ابن الجنيد ": (ص: 305- رقم: 128) : (ليس بذاك القوي) ا. هـ (1) "العلل" برواية عبد الله: (2/52، 486- رقمي: 1525، 3203) .
(2) "الجامع" للترمذي: (2/194- رقم: 846) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) "سنن أبي داود": (2/463- رقم: 1847) .
(5) "سنن النسائي": (5/187- رقم: 2827) .
(6) "الإحسان": (9/283- رقم: 3971) .
(7) "المسند": (3/362) .
(8) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/976- رقم: 1104) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/76- 77- رقم: 1195) .(3/487)
عبد الله بن حَنْطب عامَّة أحاديثه مراسيل، لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا سهل بن سعدٍ وسلمة بن اكوع وأنسًا أو من كان قريبًا منهم، لم يسمع من جابر (1) .
وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه في كتاب " الجرح والتَّعديل " أنَّه قال: وجابر يشبه أن يكون أدركه (2) ، والله أعلم O.
2166- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حمارًا، فحملت عليه، فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكرت أنِّي لم أكن أحرمت، وأنِّي إنما اصطدته لك، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فأكلوا، ولم يأكل منه حين أخبرته أنِّي اصطدته لك.
قال أبو بكر النَّيسابوريُّ: قوله: (اصطدته لك) ، وقوله: (ولم يأكل منه) ، لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر، وهو موافقٌ لما روي عن عثمان أنَّه صيد له طائرٌ وهو محرمٌ فلم يأكل (3) .
ز: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى (4) .
2167- قال الإمام أحمد في "المسند": حدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حمارًا فحملت عليه،
__________
(1) " المراسيل ": (ص: 210- رقم: 785) .
(2) "الجرح والتعديل": (8/359- رقم: 1644) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/291- 292) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/1033- رقم: 3093) .(3/488)
فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكرت أنِّي لم كن أحرمت، وأنِّي إنَّما اصطدته لك، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فكلوا، ولم يأكل منه حين [أخبرته] (1) أنِّي اصطدته له (2) .
والظَّاهر أنَّ هذا الَّذي انفرد به معمرٌ غلطٌ، فإنَّ في "الصَّحيحين" أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل منه.
وفي لفظٍ لأحمد: فقال: " أطعمونا " (3) ، وفي لفظ له: هذه العضد قد شويتها وأنضجتها وأطبتها. قال: " فهاتها ". قال: فجئته بها، فنهشها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حرامٌ حتَّى فرغ منها (4) O.
*****
مسألة (424) : شجر الحرم مضمونٌ، خلافًا لداود.
2168- قال البخاريُّ: حدَّثنا يحيى بن موسى ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ قال: حدَّثني يحيى بن أبي كثير قال: حدَّثني أبو سلمة قال: حدَّثني أبو هريرة قال: لمَّا فتح الله على رسوله مكَّة قام في الناس، فحمد الله وأثنى
عليه، ثُمَّ قال: " إنَّ الله حبس عن مكَّة الفيل، وسلَّط عليها رسولَه والمؤمنين، وإنَّها لا تحلُّ لأحد من بعدي، وإنَّما أُحلَّت لي ساعةً من نهارٍ، لا يعضد شجرها، ولا ينفَّر صيدها " (5)
__________
(1) في الأصل: (أخبره) ، والمثبت من (ب) و"المسند".
(2) "المسند": (5/304) .
(3) "المسند": (5/307) .
(4) "المسند": (5/306) .
(5) "صحيح البخاري": (3/608- 609) ؛ (فتح- 5/87- رقم: 2434) باختصار.(3/489)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
2169- وأخرجاه من حديث ابن عبَّاس عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السَّموات والأرض، وهو حرام بحرمة [الله] (2) إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفّر صيده " (3) .
*****
مسألة (425) : صيد المدينة وشجرها محرَّمٌ.
وقال أبو حنيفة: ليس بمحرمٍ.
2170- قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه قال: خطبنا عليٌّ عليه السَّلام فقال: من زعم أنَّ عندنا شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصَّحيفة- صحيفةٌ فيها أسنان الإبل وأشياء من
الجراحات- فقد كذب. قال: وفيها: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المدينة حرمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثورٍ، فمن أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفًا، وذمة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم " (4) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/110) ؛ (فؤاد- 2/988 - رقم: 1355) .
(2) زيادة من "التحقيق" و"صحيح البخاري".
(3) "صحيح البخاري": (4/129) ؛ (فتح- 6/327- رقم: 3189- ط: الريان) .
"صحيح مسلم": (4/109) ؛ (فؤاد- 2/986- 987- رقم: 1353) .
(4) "المسند": (1/81) ؛ "صحيح البخاري": (3/470) ، (فتح- 4/81- رقم: 1870) ؛ "صحيح مسلم": (4/115) ، (فؤاد- 2/994- رقم: 1370) .(3/490)
2171- قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن ابن المسيَّب عن أبي هريرة قال: حرَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بين لابتي المدينة. قال أبو هريرة: فلو وجدت الظِّباء ما بين لابتيها ما ذعرتها. وجعل حول المدينة اثنى عشرميلاً حمًى (1) .
الحديثان في "الصَّحيحين".
2172- قال أحمد: وحدَّثنا ابن نمير عن عثمان بن حَكيم قال: أخبرني عامر بن سعدٍ عن أبيه قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنِّي أُحرِّم (2) ما بين لابتي المدينة، أن يقطع عِضاهُها أو يُقتل صيدها " (3) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (4) .
2173- قال أحمد: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن جعفر قال: حدَّثني أنس بن عياض قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن حرملة عن يعلى بن عبد الرَّحمن بن هرمز أنَّ عبد الله بن عبَّاد الزُّرقيَّ أخبره أنَّه كان يصيد العصافير في بئر إهاب (5) ، قال: فرآني عبادة بن الصَّامت وقد أخذت العصفور، فنزعه منِّي فأرسله، ويقول: أي بني إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرَّم ما بين لابتيها كما حرَّم إبراهيم مكَّة (6) .
__________
(1) "المسند": (2/279) ؛ "صحيح البخاري": (3/470- 471) ؛ (فتح- 4/ 89- رقم: 1873) ؛ "صحيح مسلم": (4/116) ؛ (فؤاد- 2/999- 1000 - رقم: 1372) .
(2) في "التحقيق": (أنه حرم) .
(3) "المسند": (1/181) .
(4) "صحيح مسلم": (4/113) ؛ (فؤاد- 2/992- رقم: 1363) .
(5) في هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها، وأولها: (كذا هو في "المسند") وبعده ثلاث كلمات أو أربع، والله أعلم.
(6) "المسند": (5/317-318) .(3/491)
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن "، وقد رواه سمويه عن عبد الله بن الزُّبير عن أنس بن عياض (1) .
ورواه عبد الله بن أحمد عن محمَّد بن عبَّاد (2) المكيِّ وأبي مروان العثمانيِّ كلاهما عن أبي ضمرة، وفيه: أنَّه كان يصيد العصافير في بئر أبي إهاب (3) .
ورواه الطَّبرانيُّ عن موسى بن هارون [عن إبراهيم بن المنذر الحزاميِّ عن أنس، ذكره في ترجمة عباد (4) بن الصامت] (5) ، وفي ترجمة عبادة الزُّرقيِّ، وقد روى عن عليِّ بن المدينيِّ أنَّه قال: هو عبادة بن الصَّامت. وكذا هو في رواية الإمام أحمد عنه (6) .
وعبد الله بن عبَّاد: ذكره ابن أبي حاتم في "كتابه" فقال: عبد الله بن عبَّاد الزُّرقيُّ الأنصاريُّ، روى عن عبادة- رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، روى عنه يعلى بن عبد الرَّحمن بن هرمز، سمعت أبي يقول ذلك (7) .
ولم يذكر يعلى بن عبد الرَّحمن في حرف الياء، إنما قال: يعلى بن مسلم بن هرمز، روى عنه عبد الرَّحمن بن حرملة الأسلميُّ، سمعت أبي يقول ذلك.
__________
(1) ومن طريق سمويه خرجه: الضياءُ في "المختارة": (8/314- 315- رقم: 377) .
(2) أقحم في مطبوعة "المسند" بين عبد الله ومحمَّد بن عباد كلمة: (عن أبيه) وهي خطأ، وهو على الصواب في "أطراف المسند" لابن حجر: (2/651- رقم:2998) .
(3) "المسند": (5/329) .
(4) كذا في (ب) وفي "المختارة": (عبادة) ، والله أعلم.
(5) زيادة من (ب) .
(6) "مسند عبادة" ضمن الأجزاء المخرومة من "المعجم الكبير" ولكن قد روى الحديث من طريقه: الضياءُ في "مختارته": (8/316- رقم: 380) وعزاه إليه الهيثمي في " مجمع الزوائد ": (3/306) .
(7) "الجرح والتعديل": (5/106- رقم: 489) .(3/492)
لم يزد (1) ، ويعلى بن مسلم بن هرمز ثقة مشهورٌ، مخرَّجٌ له في "الصَّحيحين" (2) ، والله أعلم O.
2174- قال أحمد: وحدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا الفضيل بن سليمان ثنا محمَّد بن أبي يحيى عن عبيد الله (3) بن حبيش الغفاريِّ عن عبد الله بن سلام قال: ما بين كذا (4) وأحد حرامٌ حرَّمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما كنت لأقطع به شجرةً، ولا أقتل به طائرًا (5) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وقد رأيت في النُّسخة الَّتي نقلت منها مضبوطًا: (ما بين كدى وأحد حرامٌ) ، والصَّواب: (ما بين كذا وأحد) ، وبعض النَّاس يكتب (كذا) بالياء، فقد روى الطَّبرانيُّ
هذا الحديث وفيه: (ما بين عَيْرٍ وأحدٍ حرامٌ) ، لكن قال في إسناده: (عبد الله ابن حبيش) (6) ، والصَّواب: (عبيد الله) ، والَّذي في "المسند" والطَّبراني: (حبيش) بالحاء المهملة، وذكره ابن أبي حاتم بالخاء المعجمة، فقال: عبد الله
__________
(1) كذا قال الحافظ ابن عبد الهادي، وهو مخالف لما في النسخة المطبوعة من "الجرح والتعديل"، فإن فيها: (9/302- رقم: 1298) ذكر ترجمة يعلى بن عبد الرحمن بن هرمز المديني، وقال فيها: (روى عن عبد الله بن عباد الزرقي، روى عنه عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، سست أبي يقول ذلك) ا. هـ
ثم الترجمة التي تليها هي ترجمة عبد الرحمن بن مسلم بن هرمز، ولم يذكر فيها أن لعبد الرحمن ابن حرملة الأسلمي رواية عنه.
فيبدو أن خطأ وقع في نسخة الحافظ ابن عبد الهادي من "الجرح والتعديل"، والله أعلم.
(2) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/1246- رقم: 1529) ، "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/379- رقم: 1925) .
(3) في "التحقيق": (عبد الله) خطأ.
(4) في مطبوعة "المسند": (كداء) خطأ، وفي "التحقيق": (كدى) .
(5) "المسند": (5/450- 451) .
(6) "المعجم الكبير": (قطعة من الجزء13- ص: 170- رقم: 408) .(3/493)
بن خنيس، روى عن عبد الله بن سلام، روى عنه محمَّد ابن أبي يحيى، سمعت أبي يقول ذلك (1) O.
مسألة (426) : ويضمن صيد المدينة بالجزاء.
وعنه: لا جزاء فيه، كقول مالك.
وعن الشَّافعيِّ كالقولين.
والجزاء مقدرٌ بالسَّلَب يتملَّكه الآخذ له.
وعن الشَّافعيِّ قولان: أحدهما: كقولنا، والثَّاني: يتصدَّق بالسَّلَب على فقراء المدينة.
2175- قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو عامر ثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمَّد بن سعدٍ عن عامر بن سعدٍ أنَّ سعدًا ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد غلامًا يَخْبِطُ (2) شجرًا- أو يقطعه- فسلبه، فلمَّا رجع سعدٌ جاءه أهلُ
الغلام فكلَّموه أَن يردَّ ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أردَّ شيئَا نفَّلنيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأبى أن يردَّه عليهم (3) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (4) .
*****
__________
(1) "الجرح والتعديل": (5/313- رقم: 1490) .
(2) في "التحقيق": (يتخبط) .
(3) "المسند": (1/168) .
(4) "صحيح مسلم": (4/113- 114) ؛ (فؤاد- 2/393- رقم: 1364) .(3/494)
مسألة (427) : مكَّة أفضل البلاد.
وعنه: المدينة، كقول مالك.
2176- قال المؤلِّّّف: أخبرنا ابن عبد الواحد أنا الحسن بن عليٍّ ثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد قال: حدَّثني أبي (ح) وأخبرنا عبد الوهَّاب بن المبارك ويحيى بن عليٍّ قالا: أنا أبو محمَّد الصَّرِيفيني أنا أبو بكر
ابن عبدان ثنا عبد الواحد بن المهتدي بالله ثنا أيُّوب بن سليمان الصُّغْديُّ، قالا: ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزُّهريِّ أنا أبو سلمة بن عبد الرَّحمن أنَّ عبد الله بن عَدِيٍّ ابن الحمراء (1) أخبره أنَّه سمع النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول- وهو واقفٌ بالحَزْوَرَة (2) في سوق مكَّة-: " والله إنَّكِ لخير أرض الله، وأحبُّ بلاد (3) الله إلى الله عزَّ وجل، ولولا أنِّي أُخرجت منكِ ما خرجتُ ".
2177- أخبرنا يحيى بن عليٍّ أنا جابر بن ياسين (4) وعبد العزيز (5) بن عليٍّ قالا: أنا المخلص ثنا ابن صاعد ثنا ابن أبي بزَّة ثنا مؤمَّل بن إسماعيل ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا ثابت ثنا عبد الله بن رباح الأنصاريُّ عن أبي هريرة- في حديثٍ ذكره- قال: فلمَّا قدمنا مكَّة أتته الأنصار، فجلسوا حوله- يعني: النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعل يقلِّب بصره في نواحي مكَّة، وينظر إليها ويقول: " والله لقد عرفت أنَّكِ أحبُّ البلاد إلى الله، وأكرمها على الله، ولولا أنَّ قومي أخرجوني ما خرجتُ ".
__________
(1) في "التحقيق": (الخيار) خطأ.
(2) في " معجم البدان ": (2/255) : (كانت الحزورة سوق مكة، وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه) ا. هـ
(3) في (ب) : (أرض) .
(4) في "التحقيق": (سفيان) خطأ.
(5) في "التحقيق": (عبد الصمد) خطأ.(3/495)
ز: حديث عبد الله بن عَدِيِّ بن الحمراء: رواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن الليث عن عُقيل عن الزُّهريِّ، وقال: حسنٌ صحيحٌ (1) ، وقد رواه يونس عن الزُّهريِّ، ورواه محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وحديث الزُّهريِّ
عندي أصحُّ (2) .
ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة به (3) ، وعن إسحاق بن منصور عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح عن ابن شهابٍ الزُّهريِّ نحوه (4) .
ورواه ابن ماجة عن عيسى بن حمَّاد زُغْبَة عن الليث به (5) .
ورواه أبو حاتم البستيُّ في كتاب " الأنول والتقاسيم " عن محمَّد بن الحسن بن قتيبة العسقلانيِّ عن عيسى بن حمَّاد (6) .
ورواه الإمام أحمد أيضًا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ به (7) .
وقد رواه النَّسائيُّ من حديث معمر عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة (8) ، وكأنَّ ذلك وهمٌ من معمر.
2178- وقال الطَّبرانيُّ: حدَّثنا أحمد بن خليد- يعني: الحلبيَّ- ثنا الحميديُّ َثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ عن محمَّد بن عبد الله ابن أخي
__________
(1) كذا في " التحفة " للمزي: (5/316- رقم: 6641) أيضا، وفي مطبوعة "الجامع": (حسن صحيح غريب) ا. هـ
(2) "الجامع": (6/208- رقم: 3925) .
(3) "السنن الكبرى": (2/479- رقم: 4252) .
(4) "السنن الكبرى": (2/479- 480- رقم: 4253) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/1037- رقم: 3108) .
(6) "الإحسان": (9/22- رقم: 3708) .
(7) "المسند": (4/305) .
(8) "السنن الكبرى": (2/480- رقم: 4254) .(3/496)
الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ عن محمَّد بن جُبير بن مُطعِم عن عبد الله بن عَدِيِّ بن
الحمراء قال: وقف رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الحَزْوَرَة فقال: " والله إنِّي لأعلم أنَّك
خيرُ أرض الله، وأحبُّ [أرض] (1) الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجت منك ما خرجتُ " (2) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ذكر أحاديث رجالٍ من الصَّحابة رووا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رويت [أحاديثهم] (3) من وجوهٍ صحاحٍ لا مطعن في ناقلها (4) ، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئًا- يعني: البخاريُّ ومسلمًا- فيلزم إخراجها على
مذهبهم (5) ... فذكر جماعة منهم: عبد الله بن عَدِيِّ بن الحمراء الزُّهريَّ، روى عنه أبو سلمة ابن عبد الرحمن ومحمَّد بن جبير بن مطعم، قاله الزهريَّ عنهما (6) .
وحديث ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة: رواه مسلمٌ من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت (7) ، ومن حديث يحيى بن حسَّان عن حمَّاد ابن سلمة عن ثابت (8) ، وذكر فيه فتح مكَّة، وليس فيه ما ذكره المؤلِّف من
تفضيل مكَّة.
__________
(1) زيادة من (ب) و"المعجم الأوسط".
(2) "المعجم الأوسط": (1/144- رقم: 454) .
(3) في الأصل: (أحاديث) ، والمثبت من (ب) و" الإلزامات ".
(4) في " الإلزامات ": (ناقليها) .
(5) في " الإلزامات ": (مذهبهما) .
(6) " الإلزامات ": (ص: 83، ص: 104) .
(7) "صحيح مسلم": (5/170- 172) ؛ (فؤاد- 3/1405- 1407- رقم: 1780) .
(8) "صحيح مسلم": (5/172- 173) ؛ (فؤاد- 3/1407- 1408- رقم: 1780) .(3/497)
ومؤمَّل بن إسماعيل: تكلَّم فيه بعض الأئمة، وهو صدوقٌ كثير الخطأ.
وابن أبي بَزَّة هو: أحمد بن محمَّد بن عبد الله، أبو الحسن البزِّيُّ، من ولد القاسم بن أبي بَزَّة، المكيِّ، المقرئ، وقد ضعَّفه أبو حاتم الرَّازيُّ وقال: لا أحدِّث عنه (1) . وقال العقيليُّ: منكر الحديث (2) O.
*****
مسألة (428) : لا تكره المجاورة بمكَّة.
وقال أبو حنيفة: تكره.
2179- حدَّثنا يحيى بن إبراهيم السَّلَمَاسِيُّ (3) قال: قرأت على أبي، قلت له: أخبركم أبو نصر أحمد بن محمَّد القارئ (4) ثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله البزَّاز. ثنا النَّقَّاش ثنا أحمد بن فيَّاض (5) ثنا أبو محمَّد أخو الإمام (6) ثنا عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاةٍ ". قال أبو بكر النَقَّاش: فحسبت ذلك على هذه الرِّواية فبلغت صلاةٌ واحدةٌ في المسجد الحرام عمر
__________
(1) "الجرح والتعديل": (2/71- رقم: 129) .
(2) "الضعفاء الكبير": (1/127- رقم: 155) .
(3) في "التحقيق": (البيلماني) خطأ، انظر: "الأنساب" لابن السمعاني: (7/107) .
(4) في "التحقيق": (الفارسي) .
(5) في هامش الأصل: (هو الدمشقي) أ. هـ
(6) في "التحقيق": (الأيتام) ! خطأ.
(7) في "التحقيق": (وتسعين) .(3/498)
خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلةً، وصلاة يوم وليلةٍ في المسجد الحرام- وهي خمس صلوات- عمر مائتي سنة وسبع وسبعين (7) سنة وتسعة أشهر وعشر ليالٍ.
ز: هذا إسنادٌ مظلمٌ، وأبو بكر النَّقَّاش اتَّهمه بعض الأئمة، وله غير حديث منكر، وإيراد المصنِّف هذا الحديث من طريقه بهذا الإسناد المظلم فيه تقصيرٌ كثير، مع كونه في "مسند الإمام أحمد" بإسنادٍ صحيحٍ (1) .
وقوله: (عن عبد الله بن عمرو) خطأٌ، وإنَّما هو (عبيد الله بن عمرو) وليس الغلط في هذا من النُّسخة، فإنِّي كذلك وجدته في نسختين صحيحتين (2) ، على إحداهما خطُّ المؤلف.
وأبو محمَّد أخو الإمام هو: عبد الرَّحمن بن عبيد الله بن حكيم الأسديُّ الحلبيُّ، وهو مشهورٌ بـ (ابن أخي الإمام) ، ويقال له: (أخو الإمام) أيضًا، وهو ثقةٌ، روى عنه أبو داود والنَّسائيُّ (3) ، ولهم شيخان آخران كلُّ
منهما يقال له: (ابن أخي الإمام) ، واسم كلٍّ منهما عبد الرَّحمن بن عُبيد الله (4) ، لكن هذا هو الأكبر، والله أعلم.
2180- قال الإمام أحمد في "مسنده": حدَّثنا أحمد بن عبد الملك ثنا عبيد الله عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في
__________
(1) سيورده بعد أسطر بسنده.
(2) وكذا هو في مطبوعة "التحقيق".
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (17/266- رقم: 3892) .
(4) ذكرهما المزي في "تهذيب الكمال": (17/267- رقمي: 3893، 3894) ولم يرمز لهما، ولا ذكر في الرواة عنهما أحدًا من أصحاب " الكتب الستة "، والله أعلم.
(5) "المسند": (3/397) .(3/499)
المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاةٍ فيما سواه " (5) .
2181- حدَّثنا حسين- يعني: ابن محمَّد- وعبد الجبَّار بن محمَّد الخطَّابيُّ قالا: ثنا عبيد الله- يعني: ابن عمرو الرَّقِّيُّ- عن عبد الكريم عن عطاء عن جابرٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاةٍ (1) ". وقال حسين: " فيما سواه " (2) .
كذا رأيته في عدَّة نسخ (أفضل من مائة صلاةٍ) وهو صحيحٌ، ومعناه: أفضل من مائة صلاةٍ في مسجدي، لتوافق اللَّفظ الأوَّل.
وقول حسين: (فيما سواه) [فيه] (3) نظر.
وقد روى هذا الحديث ابن ماجة عن إسماعيل بن أسد عن زكريا بن عَدِيٍّ عن عبيد الله بن عمرو (4) ، وهو حديثٌ صحيحٌ.
وعبد الكريم هو: ابن مالكٍ الجزريُّ، أحد الثِّقات O.
*****
__________
(1) في مطبوعة "المسند": (من مائة ألف صلاة) .
(2) "المسند": (3/343) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) "سنن ابن ماجة": (1/451- رقم: 1406) .(3/500)
مسائل الطَّواف
مسألة (429) : السُّنَّة أن يستلم الرُّكن اليماني في طوافه.
وقال أبو حنيفة: ليس بمسنونٍ.
2182- قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان ومعمر عن ابن خُثَيْم عن أبي الطُّفيل قال: كنت مع ابنِ عبَّاس ومعاويةُ لا يمرُّ بركنٍ إلا استلمه، فقال له ابن عبَّاس: إنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم بستلم إلا الحجر الأسود والرُّكن اليماني (1) . قال معاوية: ليس شيءٌ من البيت مهجورًا (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ.
ز: رواه مسلمٌ مختصرًا من غير حديث ابن خثيم، فقال:
2183- حدَّثني أبو الطَّاهر أنا ابن وهبٍ أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ قتادة بن دعامة حدَّثه أنَّ أبا الطُّفيل البكريَّ حدَّثه أنَّه سمع ابن عبَّاس يقول: لم أر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستلم غير الرُّكنين اليمانيين (3) O.
2184- وقال مسلمٌ: حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا خالد بن الحارث عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله أنَّ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يستلم إلا الحجر والرُّكن
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: التخفيف هو الوجه، ويجوز التشديد) اهـ
انظر: " مشارق الأنوار " للقاضي عياض: (2/382) .
(2) "الجامع": (2/202- رقم: 858) ، وقال: (حديث حسن صحيح) .
(3) "صحيح مسلم": (4/66) ؛ (فؤاد- 2/925- رقم: 1269) .(3/501)
اليماني (1) .
2185- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إسحاق بن محمَّد بن الفضل ثنا عليُّ ابن شعيب ثنا عبد الله بن نُمير ثنا حجَّاج عن عطاء وابن أبي مليكة عن نافع (2) عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل مكَّة استلم الرُّكن الأسود والرُّكن اليماني، ولم يستلم غيرهما من الأركان (3) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وشيخ الدَّارَقُطْنِيُّ صدوقٌ، وعليُّ بن شعيب ثقةٌ، وحجَّاج هو: ابن أرطأة، وقد سبق القول فيه غير مرَّةٍ (4) ، والله أعلم O.
2186- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مخلد ثنا الرَّماديُّ ثنا يحيى بن أبي بكير (5) ثنا إسرائيل عن عبد الله بن مسلم بن هرمز (6) عن سعيد بن جبير عن
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/66) ؛ (فؤاد- 2/924- رقم: 1267) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "سنن الدارقطني": (وعن نافع) ، وكذا هو عند الإمام أحمد في "المسند": (2/141- 142) .
(تنبيه) قال الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة": (9/75- 76) تحت ترجمة حجاج بن أرطأة عن نافع عن ابن عمر- بعد أن ذكر متن هذا الحديث-: (قط [الدارقطني] في الحج: ثنا إسحاق بن محمَّد..... ثنا عبد الله بن نمير عنه به، وعن حجاج عن عطاء وابن أبي مليكة مثله مرسل) ا. هـ
ولكه قال في ترجمة عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن ابن عمر: (8/547- رقم: 9933) - بعد متن هذا الحديث-: (قال أحمد: ثنا ابن نمير ثنا حجاج عن عطاء وابن أبي مليكة ونافع عن ابن عمر به) ا. هـ
وكذا هو في "أطراف المسند" له: (3/434- 435- رقم: 4383) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/255) .
(4)
(5) في "التحقيق": (بكر) خطأ.
(6) في "التحقيق": (محمَّد) خطأ.(3/502)
ابن عبَّاس قال: كان رسول. الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّل الرُّكن اليماني، ويضع خدَّه عليه (1) .
ز: لم يخرِّجوا هذا الحديث أيضًا، وعبد الله بن مسلم بن هرمز: ضعَّفه أحمد (2) ويحيى (3) وغيرهما.
2187- وقد روى البيهقيُّ هذا الحديث من روايته عن مجاهد عن ابن عبَّاس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استلم الرُّكن اليماني قبَّله، ووضع خدَّه الأيمن عليه.
وقال: تفرَّد به عبد الله بن مسلم بن هرمز، وهو ضعيفٌ.
قال: والأخبار عن ابن عبَّاس في تقبيل الحجر الأسود والسُّجود عليه، إلا أن يكون أراد بالرُّكن اليماني الحجرَ الأسود، فإنَّه يسمَّى بذلك فيكون موافقًا لغيره، والله أعلم (4) .
وقد رواه ابن عَدِيٍّ من رواية أبي إسماعيل المؤدِّب عنه، ثُمَّ قال: ولعبد الله بن مسلم أحاديث ليست بالكثيرة، وأحاديثه مقدار ما يرويه لا يتابع عليه (5) O.
احتجُّوا:
2188- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا ابن جريج
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/290) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (1/256- رقم: 366؛ 2/143، 491- رقمي: 1809، 3236؛ 3/50- رقم: 4113) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (3/74، 82- رقمي: 291، 339) ؛ " سؤالات ابن الجنيد ": (ص: 308- رقم: 143) .
(4) "سنن البيهقي": (5/76) .
(5) "الكامل": (4/158- رقم: 980) .(3/503)
قال: أخبرني سليمان بن عتيق عن عبد الله بن بابيه عن بعض بني يعلى بن أُميَّة عن يعلى بن أُميَّة قال: كنت مع عمر فاستلم الرُّكن. قال يعلى: وكنت ممَّا يلي البيت، فلمَّا بلغت الرُّكن الغربي الَّذي يلي الأسود مررت بين يديه لأستلم، فقال: ما شأنك؟ قلت: ألا تستلم هذين؟ قال: ألم تطف مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: بلى. قال: أرأيته يستلم هذين الرُّكنين- يعني الغربيين-؟ قلت: لا. قال: أفليس لك فيه أسوةٌ؟ قلت: بلى. قال: فانفذ عنك (1) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وفي صحَّته نظرٌ، والله أعلم O.
*****
مسألة (430) : يسنُّ تقبيل ما يُستلم به الحجر.
وقال مالك: لا يسنُّ.
2189- قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا سليمان بن داود ثنا معروف بن خَرْبُوْذَ (2) قال: سمعت أبا الطُّفيل يقول: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بالبيت، ويستلم الرُّكن بمحجنٍ معه، ويقبِّل المحجن (3) .
2190- قال مسلمٌ: وحدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة (4) ثنا أبو خالد
__________
(1) "المسند": (4/222) .
(2) كذا ضبطت في الأصل بالشكل، وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": (رقم: 6839) : (بفتح المعجمة وتشديد الراء وبسكونها، ثم موحدة مضمومة وواو ساكنة وذال معجمة) ا. هـ
(3) "صحيح مسلم": (4/68) ؛ (فؤاد- 2/927- رقم: 1275) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: رواه " م " عن أبي بكر وابن نمير كلاهما عن أبي خالد) ا. هـ
وكذلك هو في مطبوعتنا.(3/504)
الأحمر عن عبيد الله عن نافع قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثُمَّ قَبَّل يده، وقال: ما تركتُه منذ رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلُه (1) .
*****
مسألة (431) : لا يصحُّ طواف المحدث والنَّجس.
وعنه: يصحُّ، ويلزمه دمٌ، كقول أبي حنيفة.
2191- قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا جريرٌ عن عطاء بن السَّائب عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الطَّواف حول البيت مثل الصَّلاة، إلا أنَّكم تتكلَّمون فيه، فمن تكلَّم فيه فلا يتكلَّمنَّ إلا بخيرٍ ".
قال التِّرمذيُّ: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السَّائب (2) .
قال أحمد بن حنبل: اختلط عطاء في آخر عمره، فمن سمع منه قديمًا فهو صحيحٌ (3) .
ز: جرير أخذ عن عطاء في أواخر عمره، وقد تابعه غيره:
فرواه سمويه عن عبد الله بن الزُّبير عن فضيل بن عياض عن عطاء مرفوعًا بنحوه (4) ؛ ورواه ابن حِبَّان عن الحسن بن سفيان عن محمَّد بن أبي السَّريِّ عن
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/66) ؛ (فؤاد- 2/924- رقم: 1268) .
(2) "الجامع": (2/282- رقم: 960) .
(3) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/333- رقم: 1848) من رواية أبي طالب عن أحمد.
(4) ومن طريق سمويه رواه الضياء في "مختارته": (11/63- رقم: 54) .(3/505)
فضيل (1) ؛ ورواه النَّسائيُّ عن يوسف بن سعيد عن حجَّاج بن محمَّد، [و] (2) عن الحارث بن مسكين عن ابن وهب، جميعًا عن ابن جريج عن الحسن بن [] (3) مسلم عن طاوس عن رجلٍ أدرك النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه، ولم يسمِّ ابن عبَّاس (4) .
ورواه موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عبَّاس مرفوعًا.
2192- وقال إسماعيل بن عبد الله سمويه: ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عبَّاس- لا أعلمه [إلا] (5) رفعه- قال: الطَّواف بالبيت صلاةٌ، فأقلُّوا فيه الكلام (6) O.
وقد احتجَّ أصحابنا بحديثين في "الصَّحيحين" روتهما عائشة:
2193- أحدهما: أنَّها حاضت، فقال لها النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتَّى تطهري " (7) .
2194- والثَّاني: أنَّ صفيَّة حاضت، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكنت أففمت يوم النَّحر- يعني الطَّواف-؟ " قالت: نم. قال: " فانفري إذًا" (8) .
__________
(1) "الإحسان" (9/143- رقم: 3836) .
(2) سقطت من الأصل و (ب) ، ولا بد منها.
(3) انتفل نظر ناسخ الأصل إلى كلمة: (الحسن بن سفيان) السابقة فأعاد ما بعدها إلى هنا، فحُذف المكرر.
(4) "سنن النسائي": (5/222- رقم: 2922) .
(5) زيادة استدركت من (ب) و"المختارة".
(6) ومن طريق سمويه رواه الضياء في "المختارة": (11/63- رقم:55) .
(7) "صحيح البخاري": (1/81) ؛ (فتح- 1/400- رقم: 294) .
"صحيح مسلم": (4/30) ؛ (فؤاد- 2/873- رقم: 1211) .
(8) "صحيح البخاري" (2/443) ؛ (فتح- 3/595- رقمي: 1771- 1772) .
"صحيح مسلم": (4/94) ؛ (فؤاد- 2/965- رقم: 1211) .(3/506)
قالوا: فمنع من الطَّواف لعدم الطَّهارة.
فقال الخصم: إنَّما قال ذلك لأجل دخول المسجد.
قلنا: المنقول: حكمٌ وسببٌ، وظاهر الأمر يعلِّق الحكم بالسَّبب، فلمَّا تعرَّض للطَّواف- لا للمسجد- دلَّ على أنَّه هو المقصود بالحكم.
مسألة (432) : إذا ترك الحجر في طوافه لم يجزه، خلافًا لأبي حنيفة.
2195- قال الإمام أحمد: حدَّثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن علقمة عن أمِّه عن عائشة قالت: كنت أحبُّ أن أدخل البيت وأصلِّي فيه، فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي وأدخلني الحجر، فقال لي: " صلِّي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنَّما هو قطعةٌ من البيت، ولكنَّ قومك استقصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت " (1) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2) ، وعلقمة هو: ابن بلال (3) .
ز: رواه أبو داود عن القَعنبيِّ (4) ، والتِّرمذيُّ عن قتيبة، والنَّسائيُّ عن إسحاق بن ابراهيم (5) ، ثلاثتهم عن الدَّراورديِّ به.
وعلقمة هو: ابن أبي علقمة، من رجال "الصَّحيحين" (6) ، واسم
__________
(1) "المسند": (6/92- 93) .
(2) في مطبوعة "الجامع": (حديث حسن صحيح) .
(3) "الجامع": (2/215- رقم: 876) .
(4) "سنن أبي داود": (2/533- رقم: 2021) .
(5) "سنن النسائي": (5/219- رقم: 2912) .
(6) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/1014- رقم: 1165) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/106- رقم: 1263) .(3/507)
أمِّه: مرجانة، والله أعلم O.
*****
مسألة (433) : لا تكره القراءة في الطَّواف.
وعنه تكره، كقول مالك.
2196- قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال:
أخبرني يحيى بن عبيد مولى السَّائب عن أبيه عن عبد الله بن السَّائب (1) قال:
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بين الرُّكن اليماني والحَجَر: " ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنة، [وفي الآخرة حسنة] (2) ، وقنا عذاب النَّار " (3) .
ز: رواه أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) من رواية ابن جريج.
وقال الإمام أحمد: وقال عبد الرَّزَّاق وابن بكر وروح في هذا الحديث: أنَّه سمع النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيما بين ركن بني جمح والرُّكن الأسود: " ربَّنا آتنا.... " (6) .
ويحيى بن عبيد: وثَّقه النَّسائيُّ (7) وابنُ حِبَّان (8) ، وأبوه: وثَّقه ابن
__________
(1) قوله: (عن عبد الله بن السائب) ساقط من "التحقيق".
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(3) "المسند": (3/411) .
(4) "سنن أبي داود": (2/479- رقم: 1887) .
(5) "السنن الكبرى": (2/403- رقم: 3934) .
(6) "المسند": (3/411) .
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (31/455- رقم:6879) .
(8) "الثقات": (5/529) .(3/508)
حِبَّان (1) ، وكلاهما ليس بذاك المشهور O.
2197- وقال سعيد بن منصور: ثنا عبد الرَّزَّاق (2) بن زياد ثنا شُعبة عن عاصم بن بَهْدَلة قال: ثنا حبيب بن صُهْبَان قال: رأيت عمر بن الخطَّاب وهو يطوف بالبيت وما هجيراه إلا أن يقول: ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي
الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النَّار (3) .
ز: حبيب بن صُهبان هو: أبو مالك الكوفيُّ الكاهليُّ، روى عنه الأعمش وغيره، وشهد فتح المدائن، محلُّه الصَّدق.
وعبد الرَّحمن بن زياد هو: الرَّصاصيُّ، قال أبو حاتم: صدوقٌ. وقال أبو زرعة: لا بأس به (4) O.
*****
مسألة (434) : لا يكره تلفيق الأسابيع.
وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: يكره.
وصفة التَّلفيق: أن يؤخِّر ركعتي الطَّواف حتَّى إذا فرغ صلَّى لكل أسبوع
__________
(1) "الثقات": (5/139) وقال: (شيخ) ، وفي ترجمة ابنه قال: (ويقال: إن لأبيه صحبة) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وهو سبق قلم، وصوابه (عبد الرحمن) كما سيأتي في كلام المنقح، والله أعلم.
(3) انظر: "سنن البيهقي": (5/84) فقد خرجه من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم به. وهذا الحديث سقط من مطبوعة "التحقيق".
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/235- رقم: 1112) .(3/509)
ركعتين.
2198- قال سعيد بن منصور: ثنا سفيان قال: حدَّثني محمَّد بن السَّائب بن بركة عن أمِّه أنَّها طافت مع عائشة عليها السَّلام ثلاثة أسابيع لا تفصل بينهنَّ، ثُمَّ صلَّت لكلِّ أسبوع ركعتين.
[وقد روى أصحابنا أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل مثل هذا] (1) .
2199- وقد روى عبد الرَّحمن بن أبي حاتم في "سننه": عن عيسى ابن يونس عن عبد السَّلام بن أبي الجنوب عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن ثلاثة أطواف ليس بينهما (2) صلاة.
قال عبد الرَّحمن: هو حديثٌ منكرٌ، وعبد السَّلام ضعيفٌ.
2200- وقد رواه عبد السَّلام عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: طاف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبيت ثلاثة أسباع جميعًا، ثُمَّ أتى المقام فصلَّى خلفه ستَّ ركعات. قال أبو هريرة: إنَّما أراد أن يعلِّمنا.
فإن قيل: قد قال عليٌّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) : عبد السَّلام منكر الحديث.
وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو متروك الحديث (5) . وقال ابن حِبَّان: يروي عن
__________
(1) ما بين المعقوفتين أثبت في هامش الأصل وصُدِّر بحرف (خ) ، وهي إشارة إلى أنها زيادة وقعت في نسخة أخرى، وأثبتناها في الجوف لأن الحافظ ابن عبد الهادي قد وضع إشارة اللحق في هذا الموضع، وهي ثابتة في النسخة المطبوعة من "التحقيق" عن دار الكتب العلمية، وأما في طبعة قلعجي ففيها: (أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل مثل هذا) !!
(2) كلذا بالأصل و (ب) ، ولعل صوابه: (بينها) ، والله أعلم.
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (18/64- رقم: 3416) .
(4) " إكمال التهذيب " لمغلطاي: (8/271- رقم: 3292) ؛ وانظر: "الضعفاء" للدارقطني: (ص: 390- رقم: 364) و"الضعفاء" لابن الجوزي: (2/106- رقم: 1925) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/45- رقم: 236) .(3/510)
الثِّقات ما لا يشبه حديث الأثبات (1) .
قلنا: لا نقبل الطَّعن حتَّى يبيّن سببه (2) .
ز: محمَّد بن السَّائب بن بركة: حجازيٌّ يُعَدُّ في المكيين، وثَّقه ابن معين (3) وأبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وابن حِبَّان (6) .
وعبد السَّلام بن أبي الجنوب: مجمعٌ على ضعفه، وحديثه هذا من الوجهين غير مخرَّجٍ في شيءٍ من السُّنن.
وقول المؤلِّف: (قلنا: لا نقبل الطَّعن حتَّى يبيّن سببه) خطأٌ في هذا المكان، فإنَّ الجرح إنَّما يحتاج إلى بيان سببه إذا عارضه تعديلٌ، مع أنَّ رواية (7) عبد السَّلام هذا الحديث عن الزُّهريِّ متفرِّدًا به بهذين الإسنادين النَّظيفين من
أقوى الأدلة على ضعفه عند أهل هذا الشَّأن، والله أعلم O.
*****
مسألة (435) : السَّعي ركنٌ لا ينوب عنه الدَّم.
وعنه: أنَّه سنَّةٌ، لا يجب بتركه دمٌ.
__________
(1) "المجروحون": (2/150) .
(2) من قوله: (وقد روى عبد الرحمن بن أبي حاتم) إلى هنا ساقط من مطبوعة "التحقيق".
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/270- رقم: 1477) من رواية إسحاق بن منصور عنه.
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (25/244- رقم: 5233) .
(5) المرجع السابق.
(6) "الثقات" لابن حبان: (7/418) .
(7) في (ب) : (راويه) خطأ.(3/511)
وقال أبو حنيفة: هو واجبٌ ينوب عنه الدَّم.
2201- قال الإمام أحمد: ثنا [سريج] (1) ثنا عبد الله بن المؤمَّل عن عطاء بن أبي رباح عن صفيَّة بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تَجْرَاة (2) قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بين الصَّفا والمروة، والنَّاس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى حتَّى أرى ركبتيه من شدَّة السَّعي يدور به إزاره، ويقول: " اسعوا، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ كتب عليكم السَّعي " (3) .
فإن قيل: قد قال أبو بكر بن المنذر: مداره على ابن مؤمَّل (4) . وقال أحمد بن حنبل: أحاديث عبد الله بن المؤمَّل مناكير (5) . وقال يحيى: ضعيف الحديث (6) .
قلنا: قد قال يحيى (7) في روايةٍ: ليس به بأسٌ (8) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " السُّنن "، وفي إسناده اختلافٌ O.
__________
(1) في الأصل و"التحقيق": (شريح) ، والتصويب من "المسند".
(2) في مطبوعة "المسند": (تجزئة) خطأ، وهو على الصواب في "أطراف المسند" لابن حجر: (8/400- رقم: 1032) .
(3) "المسند": (6/421- 422) .
(4) قوله: (قد قال أبو بكر بن المنذر....) سقط من مطبوعة "التحقيق".
(5) "العلل" برواية عبد الله: (1/567- رقم: 1361) .
(6) " معرفة الرجال " برواية ابن محرز: (1/72- رقم: 180) .
(7) في "التحقيق": (أحمد) .
(8) "الكامل" لابن عدي: (4/136- رقم: 974) من رواية ابن أبي مريم عنه، ونصه: (ليس به بأسٌ ينكر عليه الحديث) ا. هـ
وفي "التاريخ" برواية الدوري: (3/74- رقم: 290) : (صالح الحديث) أ. هـ(3/512)
2202- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن عيسى النَّيسابوريُّ أنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرني معروف بن مُشْكَان قال: أخبرني منصور بن عبد الرَّحمن عن أمِّه صفيَّة قالت: أخبرتني نسوةٌ من بني عبد
الدَّار اللاتي أدركن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلن: دخلن دار ابن أبي حسين، فاطَّلعنا من بابٍ، فرأينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشتدُّ في السَّعي حتَّى إذا بلغ زقاق بني فلان، استقبل النَّاس، فقال: " يا أيُّها النَّاس، اسعوا، فإنَّ السَّعي قد كتب عليكم " (1) .
فإن قيل: قد قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ بمنصور بن عبد الرَّحمن (2) .
قلنا: قد قال يحيى بن معين: هو ثقةٌ (3) .
ز: إسناد هذا الحديث صحيحٌ وإن كان غير مخرَّجٍ في " السُّنن ".
ومعروف بن مُشْكَان: باني كعبة الرَّحمن، صدوقٌ، لا نعلم أحدًا تكلَّم فيه.
ومنصور بن عبد الرَّحمن هذا: ثقةٌ، مخرَّجٌ له في "الصَّحيحين" (4) ، ولم يتكلَّم فيه أبو حاتم، بل قال فيه: صالح الحديث (5) . وكلامه هذا الَّذي ذكره المؤلِّف إنَّما هو في منصور بن عبد الرَّحمن الغُدَانيِّ (6) الأشلِّ، مع أنَّه من
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/255) .
(2) انظر ما يأتي في كلام المنقح.
(3) انظر ما سيأتي في التعليق على كلام المنقح.
(4) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/723- رقم: 640) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/255- رقم: 1628) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/174- رقم: 771) .
(6) في (ب) : (الغلابي) خطأ.(3/513)
رجال مسلم (1) ، ولفظ أبي حاتم فيه: ليس بالقويِّ، يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (2) . والله أعلم O.
*****
مسألة (436) : يجزى القارن طوافٌ واحدٌ وسعيٌ واحدٌ.
وعنه: يحتاج إلى طوافين وسعيين، كقول أبي حنيفة.
لنا تسعة أحاديث:
2203- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا قتيبة (3) ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر أنَّه أراد الحجَّ عام نزل الحَجَّاج بابنِ الزُّبير، فقيل له: إنَّ النَّاس كائنٌ (4) بينهم قتالٌ، وإنَّا نخاف أن يصدُّوك؟ فقال: لقد كان لكم في
رسول الله أسوةٌ حسنةٌ، إذًا أصنع كما صنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنِّي أُشهدكم أنِّي قد أوجبت عمرةً، ثُمَّ خرج حتَّى إذا كان بظاهر البيداء، قال: " ما شأن الحجِّ والعمرة إلا واحدٌ، أُشهدكم أنِّي قد أوجبت حجًّا مع عمرتي ". وأهدى هديًا اشتراه بقُدَيْدٍ (5) ، فلم ينحر ولم يحلَّ من شيءٍ حرم منه، ولم يحلق ولم يقصِّر، حتَّى كان يوم النَّحر فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طوافَ الحجِّ والعمرة
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/255- رقم: 1629) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/175- رقم: 772) .
وأيضًا توثيق ابن معين إنما هو للغداني كما في "الجرح والتعديل" من رواية إسحاق بن منصور.
(3) في هامش الأصل: (رواه " م " عن قتيبة أيضًا) أ. هـ
(4) في "التحقيق": (كانوا) .
(5) في " معحم البلدان ": (4/313) : (قديد: اسم موضع قرب مكة) أ. هـ(3/514)
بطوافه الأوَّل. وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
2204- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أحمد بن عبد الملك (3) حدَّثنا الدَّراورديُّ عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فرن بين حجِّه (4) وعمرته، أجزأه لهما طوافٌ واحدٌ (5) ".
2205- طريقٌ آخر: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا خلاد بن أسلم ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن (6) عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحرم بالحجِّ والعمرة أجزأه طوافٌ وسعيٌ واحدٌ منهما حتَّى يحلَّ منهما جميعًا" (7) .
ز: رواه ابن ماجة عن محرز بن سلمة العدنيِّ عن الدَّراورديِّ (8) .
وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وقال أبو داود: روى عبد العزيز عن عبيد الله أحاديث مناكير (9) .
وقال مسلمٌ- بعد ذكر حديث نزول الحجَّاج بابن الزُّبير من رواية
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/412) ؛ (فتح- 3/494- رقم: 1640) .
(2) "صحيح مسلم": (4/51- 52) ؛ (2/904- رقم: 1230) .
(3) في "التحقيق": (عبد الله) ، والصواب ما هنا.
(4) فىِ الأصل: (حج) ، والمثبت من (ب) ، وفي "التحقيق" و"المسند": (حجته) .
(5) "المسند": (2/67) .
(6) في (ب) : (بن) خطأ.
(7) "الجامع": (2/272- 273- رقم: 948) .
(8) "سنن ابن ماجة": (2/990- رقم: 2975) .
(9) انظر: "تحفة الأشراف": (6/156- 157- رقم: 8030) .(3/515)
عبيد الله عن نافع-: حدَّثناه ابن نُمير ثنا أبي ثنا عبيد الله عن نافع قال: أراد ابنُ عمر الحجَّ حين نزل الحجَّاج بابن الزُّبير....- واقتصَّ الحديث بمثل هذه القصَّة، وقال في آخر الحديث:- وكان يقول: من جمع بين الحجِّ والعمرة
كفاه طوافٌ واحدٌ، ولم يحلَّ حتَّى يحلَّ منهما جميعًا (1) O.
2206- الحديث الثَّالث: قال البخاريُّ: حدَّثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّة الوداع وأهللنا بعُمرةٍ، ثُمَّ قال: " من كان معه هديٌ فليهلَّ بالحجَّ والعمرة، ثُمَّ لا يحلُّ حتَّى يحلَّ منهما، فطاف الذين أهلُّوا بالعمرة ثُمَّ حلُّوا، ثُمَّ طافوا طوافًا
آخر بعد أن رجعوا من منًى، وأمَّا الَّذين جمعوا بين الحجِّ والعمرة، فإنَّما طافوا طوافًا واحدًا " (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
2207- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن عبد الله الزُّهيريُّ (4) ثنا داود بن مهران ثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " إنَّ طوافكِ بالبيت وبالصَّفا والمروة، كافيكِ بحجِّكِ وعمرتكِ " (5) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/51) ؛ (فؤاد- 2/904- رقم: 1230) .
(2) "صحيح البخاري": (2/411- 412) ؛ (فتح- 3/493- 494- رقم: 1638) .
(3) "صحيح مسلم": (4/27) ؛ (فؤاد- 2/870- رقم: 1211) .
(4) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (الزهري) خطأ.
انظر: "تاريخ بغداد" للخطيب: (5/428- رقم: 2941) ؛ "الأنساب" لابن السمعاني: (6/331) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/262) .(3/516)
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1) .
ز: هذا الحديث لم يروه أحدٌ من أئمة " الكتب السِّتَّةِ " من رواية ابن جريج عن عطاء عن عائشة.
ومسلم بن خالد الزَّنْجيُّ: لبس بالقويِّ.
وداود بن مهران: أبو سليمان الدَّبَّاغ، وثَّّقه العجليُّ (2) وغيره.
والزُّهيريُّ: وثَّقه الدَّارقُطْنِيُّ (3) ، وكان من الصَّالحين.
2208- وقال مسلمٌ في "صحيحه": حدَّثني حسن بن عليٍّ الحُلوانيُّ ثنا زيد بن الحُبَاب حدَّثني إبراهيم بن نافعٍ حدَّثني عبد الله بن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ عن عائشة أنَّها حاضت بسَرِف، فتطهَّرت بعرفة، فقال لها رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يجزئ عنك طوافكِ بالصَّفا والروة عن حجِّكِ وعمرتكِ " (4) .
سماع مجاهد من عائشة مختلفٌ فيه، والله أعلم O.
2209- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا إسحاق الأزرق عن الرَّبيع بن صَبيح عن عطاء [عن] (5) جابرٍ قال: ما طاف لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طوافًا واحدًا، وسعيًا
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/34) ؛ (فؤاد- 2/879- رقم: 1211) من حديث عبد الله ابن طاوس عن أبيه عن عائشة بنحوه.
(2) "معرفة الثقات": (1/342- رقم: 427) .
(3) "العلل": (5/96 رقم: 741) ؛ "تاريخ بغداد" للخطيب: (5/428 رقم: (4) "صحيح مسلم": (4/34) ؛ (فؤاد-2/880 - رقم: 1211) .
(5) في الأصل: (بن) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".(3/517)
واحدًا لحجِّه وعمرته (1) .
قال المصنِّف: الرَّبيع ضعيفٌ.
2210- طريقٌ آخر: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا ابن أبي عمر ثنا أبو معاوية عن الحجَّاج عن أبي الزُّبير عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما طوافًا واحدًا (2) .
قال المصنِّف: الحجَّاج هو: ابن أرطأة، وهو ضعيفٌ.
ز: حديث الرَّبيع عن عطاء غير مخرَّجٍ في " السُّنن ".
وحديث الحجَّاج انفرد به التِّرمذيُّ وحسَّنه.
2211- وقال مسلمٌ في "صحيحه": حدَّثني محمَّد بن حاتم ثنا يحيى ابن سعيد عن ابن جريج (ح) ، قال: وحدَّثنا عَبدُ بن حُميدٍ أنا محمَّد بن بكر أنا ابن جريج، أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: لم يطف النَّبيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه بين الصَّفا والمروة إلا طوافًا واحدًا. وزاد في حديث محمَّد بن بكرٍ: طوافه الأوَّل (3) O.
2212- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن إشْكاب ثنا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربيُّ ثنا أبي ثنا غيلان بن جامع قال: حدَّثني ليث قال: حدَّثني عطاء وطاوس ومجاهد عن جابر بن عبد الله،
وعن ابن عمر، وعن ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يطف هو وأصحابه بين الصَّفا
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/258- 259) .
(2) "الجامع": (2/272- رقم: 947) .
(3) "صحيح مسلم": (4/36) ؛ (فؤاد- 2/883 - رقم: 1215) .(3/518)
والمروة إلا طوافًا واحدًا لعمرتهم وحجِّهم (1) .
قال المصنِّف: ليث هو: ابن أبي سليم، وهو ضعيفٌ.
ز: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن عبد الله بن نمير عن يحيى بن يعلى به (2) .
وقال البَرقانيُّ: سألته- يعني الدَّارَقُطْنِيُّ- عن ليث بن أبي سليم، فقال: صاحب سنَّةٍ، يخرَّج حديثه. ثُمَّ قال: إنَّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب (3) O.
2213- الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله ابن مبشِّر ثنا محمَّد بن حربٍ الواسطيُّ ثنا عليُّ بن عاصمٍ (4) ثنا أبي عن حُصين ابن عبد الرَّحمن قال: قال لي منصور: حدَّثني أنتَ يا حُصين عن عبد الله بن أبي
قتادة عن أبيه أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه طافوا لحجِّهم وعمرتهم طوافًا واحدًا (5) .
قال المصنِّف: عليُّ بن عاصمٍ ضعيفٌ.
ز: كذا وجدُّته في نسختين صحيحتين (6) : (ثنا عليُّ بن عاصم ثنا أبي) (7) وهو خطأٌ، والصَّواب: (ثنا عاصم بن عليٍّ ثنا أبي) .
وهذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من " السُّنن "، والله أعلم O.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/258) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/990- رقم: 2972) .
(3) " سؤالات البرقاني للدارقطني ": (ط. الهند- ص: 58- رقم: 421) .
(4) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (عاصم بن علي) ، وسينبه على ذلك المنقِّح.
(5) "سنن الدارقطني": (2/261) .
(6) (صحيحتين) غير موجودة في (ب) .
(7) وكذا هو في مطبوعة "التحقيق".(3/519)
2214- الحديث الثَّامن: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثني أحمد بن محمَّد بن زياد ثنا محمَّد بن غالب ثنا سعد بن عبد الحميد ثنا محمَّد بن مروان عن ابن أبي ليلى عن عطيَّة عن أبي سعيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما بالبيت طوافًا واحدًا، وبالصَّفا والمروة طوافًا واحدًا (1) .
قال المصنِّف: ابن أبي ليلى ضعيفٌ، واسمه محمَّد بن عبد الرَّحمن (2) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه في " السُّنن ".
وعطيَّة بن سعد العوفيُّ: أضعف من ابن أبي ليلى.
ومحمَّد بن مروان: هو السُّدِّيُّ الصَّغير، وهو غير ثقةٍ.
وسعد بن عبد الحميد بن جعفر: لا بأس به، والله أعلم O.
2215- الحديث التَّاسع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا البغويُّ ثنا داود ابن عمرو ثنا منصور بن أبي الأسود عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف طوافًا واحدًا لحجِّه وعمرته (3) .
قال المصنِّف: عبد الملك هو: ابن أبي سليمان، ضعيفٌ.
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن "، لكن إسناده صحيحٌ، فإنَّ عبد الملك صدوقٌ، روى له مسلمٌ (4) ؛ ومنصور وثَّقه ابن معين (5) وغيره،
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/261) .
(2) قوله (واسمه محمَّد بن عبد الرحمن) سقط من مطبوعة "التحقيق".
(3) "سنن الدارقطني": (2/262) .
(4) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/435) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/272- رقم: 1291) .(3/520)
وهو شيعيُّ؛ وداود من شيوخ مسلمٍ (1) ؛ والله أعلم O.
احتجُّوا بخمسة أحاديث:
2216- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا البغويُّ ثنا أبو الرَّبيع الزَّهرانيُّ ثنا حفص بن أبي داود عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ أنَّه جمع بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما طوافين (2) ، وسعى
لهطا سعيين، ثُمَّ قال: هكذا رأيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل (3) .
2217- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا عبَّاد بن يعقوب ثنا عيسى بن عبد الله بن محمَّد بن عمر بن عَليٍّ قال: حدَّثني أبي عن أبيه عن جدِّه عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قارنًا، فطاف طوافين، وسعى سعيين (4) .
2218- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا جعفر بن محمَّد بن مروان ثنا أبي ثنا عبد العزيز بن أبان ثنا أبو بُردة عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: طاف رسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرته وحجَّته طوافن، وسعى سعيين، وأبو بكر وعمر وعليٌّ وابن مسعود (5) .
2219- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/197- رقم: 417) .
(2) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (فطاف لهما طواف واحد) ! واستدلال المؤلف للمخالف بهذا الحديث لا يستقيم إلا باللفظ الذي ذكره، ويبدو أنه وقع خطأ في مطبوعة " سنن الدارقطني "، والله أعلم.
(3) "سنن الدارقطني": (2/263) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/263) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/264) .(3/521)
ابن يحيى الأَزْديُّ ثنا عبد الله بن داود عن شُعبة عن حمُيد بن هلال عن مُطرِّف عن عمران بن حُصين أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف طوافين، وسعى سعيين (1) .
2220- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عبد الصَّمد بن عليٍّ ثنا الفضل بن العبَّاس الصَّوَّاف ثنا يحيى بن غيلان ثنا عبد الله بن بزيع عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر: أنَّه جمع بين حجًةِ وعمرةٍ
معًا، وقال: سبيلهما واحدٌ. قال: وطاف لهما طوافين، وسعى بهما سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع كما صنعت (2) .
والجواب: أنَّ هذه الأحاديث كلُّها لا تثبت:
أمَّا حديث عليٍّ عليه السَّلام: ففي طريقه الأوَّل: حفص بن أبي داود، قال أحمد (3) ومسلم بن الحجَّاج (4) : حفص متروك الحديث. وقال عبد الرَّحمن بن يوسف بن خراش: هو كذَّابٌ يضع الحديث (5) .
وفيه ابن أبي ليلى، واسمه: محمَّد بن عبد الرَّحمن، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ردىء الحفظ، كثير الوهم (6) .
وفي الطَّريق الثَّاني: عيسى بن عبد الله، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو متروك الحديث (7) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/264) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/258) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/380- رقم:2698) .
(4) " الكنى ": (ص: 147) .
(5) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/188 - رقم: 4312) وعنده: (كذاب، متروك، يضع الحديث) .
(6) "سنن الدارقطني": (2/263) .
(7) "سنن الدارقطني": (2/263) .(3/522)
وأمَّا حديث ابن مسعود: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو بُردة هذا هو: عمرو ابن يزيد ضعيفٌ، ومن دونه في الإسناد كلُّهم ضعفاء (1) .
قال المصنِّف: قلت: وفيه عبد العزيز بن أبان، قال يحيى: هو كذَّابٌ خبيثٌ (2) . وقال الرَّازيُّ (3) والنَّسائيُّ (4) : هو متروك الحديث.
وأمَّا حديث عمران: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يقال: إنَّ محمَّد بن يحيى حدَّث بهذا من حفطه فوهم، وقد حدَّث به على الصَّواب مرارًا؛ ويقال: إنَّه رجع عن ذكر الطَّواف والسَّعي (5) .
وأمَّا حديث ابن عمر: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه عن الحكم غير الحسن ابن عمارة، وهو متروك الحديث (6) .
قال المصنِّف: قلت: قال شعبة: كذَّابٌ يحدِّث بأحاديث قد وضعها (7) . وقال السَّاجيُّ: أجمعوا على ترك حديثه (8) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/264) .
(2) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 293- رقم: 82) ، وعنده: (كذاب، خبيث، يضع الحديث) .
(3) "تاريخ بغداد" للخطيب: (10/447- رقم: 5604) من رواية عبدان بن أحمد بن أبي صالح الهمداني.
وفي "الجرح والتعديل" لابنه: (5/377- رقم: 1767) : (لا يشتغل به، تركوه، لا يكتب حديثه) ا. هـ
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 157- رقم: 392) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/264) باختصار.
(6) "سنن الدارقطني": (2/258) .
(7) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/27- رقم: 116) ، و" الضعفاء الكبير " للعقيلي: (1/237- رقم: 286) ، و"الضعفاء" لابن الجوزي: (1/207- رقم: 848) .
(8) "تاريخ بغداد" للخطيب: (7/350- رقم: 3870) .(3/523)
ثُمَّ قد روى هو أيضًا من حديث ابن عبَّاس ضدَّ هذا:
2221- فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول قال: حدَّثني أبي ثنا إسحاق بن يوسف عن الحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن طاوس قال: سمعت ابن عبَّاس يقول: لا والله، ما طاف لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طوافًا واحدًا، فهاتوا مَنْ هذا الَّذي يحدِّث أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف لهما طوافين (1) ؟!
ز: هذه الأحاديث لم يخرِّج أحدٌ من أهل " السُّنن " منها شيئًا.
2222- وقد روى النَّسائيُّ في " مسند عليٍّ " من حديث إسرائيل عن حمَّاد بن عبد الرَّحمن الأنصاريِّ عن إبراهيم بن محمَّد بن الحنفيَّة قال: طفت مع أبي وقد جمع بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما طوافين، وسعى لهما سعيين،
وحدَّثني أنَّ عليًّا فعل ذلك، وحدَّثه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك (2) .
وحمَّاد ضعَّفه الأَزْديُّ (3) ، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4) .
وقال بعض الحفَّاظ: حمَّادٌ هذا مجهولٌ، وهذا الحديث لا يصحُّ، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/262) .
(2) انظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (7/279- 280- رقم: 1484) .
وخرجه أيضًا من طريق إسرائيل: أبو الشيخ في " طبقات المحدثين بأصبهان ": (1/378 - 379- رقم: 58) .
(3) " ميزان الاعتدال " للذهبي: (1/596- رقم: 2255) .
(4) "الثقات": (8/204) .(3/524)
مسألة (437) طواف الوداع واجبٌ، يلزمه بتركه دمٌ، خلافًا لمالك وأحد قولي الشَّافعيِّ.
2223- قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن سليمان عن طاوس [عن ابن عبَّاس] (1) قال: كان النَّاس ينصرفون في كلِّ وجهٍ، فقال النَّّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ينفر أحدٌ حتَّى يكون آخر عهده بالبيت " (2) .
2224- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو بكر بن زنجويه ثنا عبد الرَّزَّاق أنا زكريا بن إسحاق عن سليمان الأحول أنَّه سمع طاوسًا يحدِّث عن ابن عبَّاس قال: كان النَّاس ينفرون من منى إلى وجهتهم،
فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون آخر عهدهم بالبيت، ورخَّص للحائض (3) .
ز: حديث سفيان عن سليمان: رواه مسلمٌ (4) وأبو داود (5) وابن ماجة (6) من رواية غير واحدٍ عنه.
وحديث زكريا عن سليمان: لم يخرجوه.
2225- وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ من حديث ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: أُمر النَّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنَّه خُفِّف عن المرأة الحائض (7) O.
__________
(1) زيادة استدركت من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (1/222) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/299) .
(4) "صحيح مسلم": (4/93) ؛ "صحيح مسلم": (2/963- رقم: 1327) .
(5) "سنن أبي داود": (2/522- رقم: 1995) .
(6) "سنن ابن ماجة": (2/1020- رقم: 3070) .
(7) "صحيح البخاري": (2/440) ؛ (فتح- 3/585- رقم: 1755) .
"صحيح مسلم": (4/93) ؛ (فؤاد- 2/963- رقم: 1328) .(3/525)
2226- قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أبو عمَّار ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: من حجَّ البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطَّواف، إلا الحُيَّض رخَّص لهنَّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
ز: رواه النَّسائيُّ عن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى به (2) O.
2227- قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا نصر بن عبد الرَّحمن الكوفيُّ ثنا المحاربيُّ عن الحجَّاج بن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرَّحمن بن البيلمانيِّ (3) عن عمرو بن أوس عن الحارث بن عبد الله بن أوس قال: سمعتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من حجَّ هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت ". فقال له عمر: خَرَرْتَ من يديك (4) ، سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تخبرنا به؟! قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ غريبٌ (5) .
ز: هذا إسنادٌ ضعيفٌ، وقد رواه هكذا غير واحدٍ عن الحجَّاج، وقد خولف في بعضه، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "الجامع": (2/269- 270- رقم: 944) وفيه: (حديث حسن صحيح) .
(2) "السنن الكبرى": (2/466- رقم: 4196) .
(3) في (ب) : (السليماني) خطأ، وفي "التحقيق": (عبد الرحمن البيلماني) .
(4) في " النهاية ": (2/21- خرر) : (أي: سقطت من أجل مكروه يصيب يديك من قطع أو وجع.
وقيل: هو كناية عن الخجل، يقال: خررت عن يدي: خجلت. وسياق الحديث يدل عليه.
وقيل: معناه: سقطت إلى الأرض من سبب يديك، أي من جنايتهما، كلما يقال لمن وقع في مكروه: إنما أصابه ذلك من يده، أي: من أمر عمله، وحيث كان العمل باليد أضيف إليها) ا. هـ
(5) "الجامع": (2/271- رقم: 946) .(3/526)
مسألة (438) : فإن طاف ولم يعقبه الخروج لزمته الإعادة.
وقال أبو حنيفة: لا يلزمه.
لنا:
الحديث المتقدِّم (1) .
*****
__________
(1) رقم: (2223) .(3/527)
مسائل الوقوف
مسألة (439) : وقت الوقوف من طلوع الفجر الثَّاني من يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثَّاني من يوم النَّحر.
وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: أوَّل الوقت بعد الزَّوال من يوم عرفة.
وقال مالك: وقت الإجزاء ليلة النَّحر فقط.
2228- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن إسماعيل قال: ثنا عامر قال: حدَّثني عروة بن مُضَرِّس قال: جئت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالموقف (1) ، فقلت: يا رسول الله، جئت من جبلٍ طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت
نفسي، والله ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حجٍّ؟! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدرك معنا هذه الصَّلاة- يعني صلاة الفجر-، وأتى عرفات قبل ذلك- ليلاً أو نهارًا- تمَّ حجُّه وقضى تفثَه " (2) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
ز: روى هذا الحديث أصحاب " السُّنن الأربعة " (4) من غير وجهٍ عن الشَّعبيِّ.
__________
(1) فوقها بالأصل: (كذا) ، وفي الهامش: (حـ: يعني بجمع) .
(2) "المسند": (4/261) .
(3) "الجامع": (2/228- رقم: 891) .
(4) "سنن أبي داود": (2/505- رقم: 1945) ؛ "سنن النسائي": (5/263- 264 - الأرقام: 3039- 3043) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/1004- رقم: 3016) .(3/528)
وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط كافة أئمة الحديث، وهي قاعدة من قواعد الإسلام، وقد أمسك عن إخراجه الشَّيخان محمَّد بن إسماعيل ومسلم بن الحجَّاج رضي الله عنهما على أصلهما: أنَّ عروة بن مضرِّس لم يحدِّث عنه غير عامر الشَّعبيّ، وقد وجدنا عروة بن الزُّبير حدَّث عنه.
ثُمَّ ذكر ذلك بإسنادٍ فيه رجلٌ غير معروفٍ وآخر متروك (1) .
وقد روى أبو السُّكين الطَّائيُّ عن عمِّ أبيه زحر بن حصين (2) عن جدِّه حميد بن مُنهبٍ عن عروة بن مضرِّس (3) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (440) : إذا دفع من عرفات قبل غروب الشَّمس فعليه دمٌ، خلافًا لأحد قولي الشَّافعيِّ: لا دم عليه.
2229- قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزُّبير ثنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن أبي عيَّاش عن زيد بن عليٍّ عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب قال: وقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة، فأفاض حين (4) غابت الشَّمس (5) .
__________
(1) "المستدرك": (1/463) .
(2) كذا في الأصل و (ب) ، وفي المصادر: (حصن) .
(3) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/595- رقم: 2687) ترجمة زكريا بن يحيى الكوفي وهو أبو السكين الطائي، و" الإصابة " لابن حجر: (3/390- رقم: 7840) ترجمة مخرمة بن نوفل.
(4) في "التحقيق": (وقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفاض حتى) .
(5) "المسند": (1/75) .(3/529)
ز: كذا وجدتُّه في نسختين: (عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن أبي عيَّاش) (1) ، وهو خطأٌ، إنَّما هو: (عبد الرَّحمن بن الحارث بن عبد الله بن عيَّاش بن أبي ربيعة) (2) ، وقد وثَّقه ابنُ سعدٍ (3) وابن خزيمة (4) وابن حِبَّان
(5) وغيرهم، وتكلَّم فيه الإمام أحمد (6) ، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (7) .
وزيد بن عليٍّ: هو عمُّ جعفر بن محمَّد الصَّادق، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" وقال: رأى جماعةً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (8) .
وأبوه عليٌّ هو: ابن الحسين زين العابدين.
وقد روى هذا الحديث التِّرمذيُّ عن بندار عن أبي أحمد، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه من حديث عليٍّ إلا من هذا الوجه (9) .
وقد سُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فذكر الاختلاف فيه، ثُمَّ قال: والقول قول
__________
(1) وكذا هو في مطبوعة "التحقيق".
(2) وكذا هو في: "المسند".
(3) "الطبقات الكبرى": (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة/ص: 369- رقم: 148) .
(4) وقد خرج حديثه هذا في "صحيحه": (4/262) .
(5) "الثقات": (7/69) .
(6) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (2/92- رقم: 1862) .
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (17/38- رقم: 3787) .
(8) "الثقات": (4/249) .
(تنبيه) قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": (3/362- رقم: 769) : (وأعاد ابن حبان ذكره- أي: زيد بن علي- في طبقة أتباع التابعين، وقال: روى عن أبيه) أ. هـ وهو في "الثقات": (6/313) .
(9) "الجامع": (2/221- 222- رقم: 885) .(3/530)
الثَّوريِّ ومن تابعه، والله أعلم (1) O.
2230- وقال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن (2) إسحاق قال: حدَّثني إبراهيم بن عقبة عن (3) كريب عن أسامة قال: كنت رِدْفَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا وقعت الشَّمس دفع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) .
ز: هذا إسنادٌ حسن، انفرد به أبو داود، والله أعلم O.
*****
مسألة (441) : يجوز الدَّفع من مزدلفة بعد نصف الليل.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز حتَّى يطلع الفجر.
2231- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول ثنا أبي ثنا ابن أبي فديك عن الضَّحَّاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أرسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّ سلمة ليلة النَّحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثُمَّ مضت فأفاضت (5) .
ز: هذا الحديث رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن ابن أبي
__________
(1) "العلل": (4/16- 17- رقم: 411) .
(2) في "التحقيق": (أبي) خطأ.
(3) في (ب) : (بن) خطأ.
(4) "سنن أبي داود": (2/497- رقم: 1919) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/276) .(3/531)
قديك (1) ، وليس فيه دليلٌ على أنَّه يجوز لكلِّ أحدٍ في كلِّ حالٍ الدَّفع من مزدلفة بعد نصف الليل، والله أعلم O.
احتجُّوا:
2232- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أبو داود عن زمعة عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف بجمع، فلمَّا أضاء كلُّ شيءٍ قبل أن تطلع الشَّمس أفاض (2) .
قال المصنِّف: زمعة ضعيفٌ، كثير الغلط.
ز: حديث زمعة هذا لم يخرَّج في " السُّنن ".
وزمعة: روى له مسلمٌ مقرونًا بغيره (3) ، وقال ابن معين في روايةٍ عنه: زمعة صويلح الحديث (4) . وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّ حديثه صالحٌ، لا بأس به (6) .
وقال الإمام أحمد في سلمة: روى عنه زمعة أحاديث مناكير، أخشى أن يكون حديثه ضعيفًا (7) . ووثَّقه ابن معين (8) وغيره.
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/502- رقم: 1937) .
(2) هذا الحديث سقط من الطبعة الميمنية لـ "المسند": (1/327) ومن طبعة الشيخ أحمد بن محمَّد شاكر: (5/11) .
وهو ثابت في طبعة مؤسسة الرسالة: (5/152- 153- رقم: 3020) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/229- رقم: 493) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/75- رقم: 302) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 107- رقم: 220) .
(6) "الكامل": (3/232- رقم: 744) .
(7) "العلل" برواية عبد الله: (2/527- رقم: 3479) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/175- رقم: 762) من رواية! إسحاق بن منصور عنه.(3/532)
ولو ثبت هذا الحديث لم يكن فيه دليلٌ على عدم جواز الدَّفع حتَّى يطلع الفجر، والله أعلم O.
*****
مسألة (442) : فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دمٌ.
وقال أبو حنيفة: لا دم عليه.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين (1)
لنا:
أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بات بمنى، وقال: " خذوا عنِّي مناسككم ": 2233- فروى أبو داود من حديث ابن عمر: أنَّ رجلاً قال له: إنَّا نبيت بمكَّة. فقال: أمَّا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبات بمنى وظلَّ (2) .
2234- ومن حديث عائشة قالت: مكث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى ليالي أيَّام التَّشريق (3) .
ز: هكذا احتجَّ المؤلِّف في هذه المسألة فيما وجدته في نسختين، وهذا الدَّليل الَّذي ذكره غير مطابقٍ للمسألة التي سطَّرها، وكأنَّه [انتقل] (4) من
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: كان في النسختين: " كالروايتين " وهو خطأٌ) أ. هـ وهو الموجود في مطبوعة "التحقيق".
(2) "سنن أبي داود": (2/508- رقم: 1953) .
(3) "سنن أبي داود": (2/512- رقم: 1967) .
(4) زيادة من (ب) .(3/533)
مسألة المبيت بمزدلفة إلى مسألة المبيت بمنى، غير أنَّه قد ذكر [مسألة] (1) المبيت بمنى فيما يأتي (2) ، والله أعلم O.
*****
__________
(1) زيادة من (ب) .
(2) المسألة رقم: (448) .(3/534)
مسائل التَّحلل
مسألة (443) : يجوز رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل من ليلة النَّحر.
وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا يجوز حتَّى يطلع الفجر.
لنا:
ما تقدَّم من حديث أمِّ سلمة، وأنَّها دفعت للرمي قبل طلوع الفجر (1) .
احتجُّوا:
2235- بما رواه التِّرمذيُّ، قال: حدَّثنا أبو كريب ثنا وكيع عن المسعوديِّ عن مِقْسم عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدَّم ضعفة أهله، وقال: " لا ترموا الجمرة حتَّى تطلع الشَّمس ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2) .
ز: كذا وجدته، وقد سقط بين المسعوديّ ومِقْسم رجلٌ، وهو الحكم ابن عُتيبة (3) .
وقال التِّرمذيُّ: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مِقْسم إلا خمسة أحاديث (4) .
__________
(1) رقم: (2231) .
(2) "الجامع": (2/229- رقم: 893) ، وفيه: (حديث حسن صحيح) .
(3) وكذا هو في " جامع الترمذي ".
(4) "الجامع": (2/218- رقم: 880) .(3/535)
2236- وقال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن كثير أنا سفيان ثنا سلمة بن كُهيل عن الحسن العُرنيِّ عن ابن عبَّاس قال: قدَّمنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطَّلب على حُمُرات، فجعل يلْطَحُ أفخاذنا ويقول: " أَيْبُنيَّ (1) ، لا ترموا الجمرة حتَّى تطلُع الشَّمس ".
قال أبو داود: اللطح: الضَّرب اللين (2) .
وروه النَّسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من حديث سلمة.
والحسن العُرنيُّ: لم يسمع من ابن عبَّاس. قاله أحمد بن حنبل O.
*****
مسألة (444) : لا يجوز الرَّمي إلا بالحجارة.
وقال أبو حنيفة: يجوز بجميع جنس الأرض.
2237- قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن زياد بن سعد عن أبي الزُّبير عن أبي معبد عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عليكم بمثل حصى الخذف " (5) .
ز: إسناد هذا الحديث صحيح، وإن كان غير مخرَّج في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، والله أعلم O.
__________
(1) هكذا ضبطت في الأصل، وفي "سنن أبي داود": (أُبَيْنِيَّ) .
(2) "سنن أبي داود": (2/501- 502- رقم: 1936) .
(3) "سنن النسائي": (5/270- 271- رقم: 3064) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/1007- رقم: 3025) .
(5) "المسند": (1/219) .(3/536)
2238- وقال أبو داود: حدَّثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ثنا عَبيدة عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمِّه قالت: رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند جمرة العقبة راكبًا، ورأيتُ بين أصابعه حجرًا، فرمى، ورمى النَّّاس (1) .
[ز:] (2) هذا إسنادٌ صالحٌ.
2239- وقد روى مسلمٌ في "صحيحه" من حديث جابر بن عبد الله قال: رأيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى الجمرة بمثل حصى الخذف (3) O.
*****
مسألة (445) : ولا يرمى بحجرٍ قد رُمي به.
وقال كثرهم: يجوز.
2240- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا سعيد بن يحيى الأمويُّ ثنا أبي ثنا يزيد بن سنان عن زيد (4) بن أبي أُنيسة عن عمرو بن مُرَّة عن ابنِ لأبي سعيد عن أبي سعيد قال: قلنا: يا رسول الله، هذه الجمار التي يرمى بها كلَّ عامٍ فنحسب أنَّها تنقص (5) ؟ قال: " إنَّه ما تقبل منها رفع، ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال " (6) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/510- 511- رقم: 1962) .
(2) زيادة غير موجودة في (ب) ولا بد منها.
(3) "صحيح مسلم": (4/80) ؛ (فؤاد- 2/944- رقم: 1299) .
(4) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (يزيد) خطأ.
(5) في هامش الأصل: (حـ: " تنقعر " عند الحاكم والبيهقي) أ. هـ
(6) "سنن الدارقطني": (2/300) .(3/537)
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في شيء من " السُّنن "، وقد رواه الحاكم وصحَّحه (1) .
وهو حديثٌ لا يثبت، فإنَّ أبا فروة يزيد بن سنان ضعَّفه الإمام أحمد (2) والدَّارَقُطْنِيُّ (3) وغيرهما، وتركه النَّسائيُّ (4) وغيره، وذكره الحاكم في كتاب " الضُّعفاء " أيضًا، وقال البيهقيُّ: يزيد بن سنان ليس بالقويِّ في الحديث (6) ،
وروي من وجهٍ آخر ضعيف عن ابن عمر مرفوعًا.
وابن أبي سعيد هو: عبد الرَّحمن بن أبي سعيد، كذا جاء مصرحًا به في رواية الحاكم وغيره، وهو من الثِّقات O.
2241- وقال المؤلِّف: أخبرنا ابن ناصر أنا ابن بيان أنا ابن شاذان ثنا أبو محمَّد بن الحكم الكُدَيْمِيُّ ثنا أبو عاصم عن عبيد الله بن هرمز عن سعيد بن جبير قال: الحصى قربان، فما قبل منه رُفع، وما لم يقبل بقي.
ز: كذا فيه (عبيد الله بن هرمز) ، وإنَّما هو (عبد الله بن مسلم بن هرمز) ، وهو ضعيفٌ.
والكُدَيْمِيُّ: ساقطٌ، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "المستدرك": (1/476) ، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، يزيد بن سنان ليس بالمتروك) ا. هـ
(2) "مسائل ابن هانئ": (2/238- رقم: 2319) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/172) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 248- رقم: 650) .
(5) "سنن البيهقي": (5/128) .(3/538)
مسألة (446) : إذا نكَّس الرَّمي، فرمى جمرة العقبة، ثُمَّ الوسطى، ثُمَّ الأولى، لم يجزه.
وقال أبو حنيفة: يجزئه.
لنا:
أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى مرتِّبا، وقال: " خذوا عنِّي.... ".
2242- قال البخاريُّ: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا طلحة بن يحيى ثنا يونس عن الزُّهريِّ عن سالم عن ابن عمر أنَّه كان يرمي الجمرة الدُّنيا بسبع حصيات، يكبِّر على إثر كلِّ حصاة، ثُمَّ يتقدَّم حتَّى يسهل، فيقوم مستقبل
القبلة، فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثُمَّ يرمي الوسطى، ثُمَّ يأخذ بذات الشَّمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، ويقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلاً، ثُمَّ يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثُمَّ ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل (1) .
*****
مسألة (447) في النَّفر الأوَّل خطبةٌ.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا خطبة فيه.
لنا:
أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب في ثاني أيَّام التَّشريق، وقال: " خذوا عنِّي.... ".
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/438- 439) ؛ (فتح- 3/582- 583- رقم: 1751) .(3/539)
2243- قال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا أبو عاصم ثنا ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن قال: حدَّثتني جدَّتي سَرَّاء بنت نبهان قالت: خطبنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الرُّؤوس، فقال: " أيُّ يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال:
" أليس أوسط أيَّام التشريق؟ " (1) .
ز: كذا وجدته في نسختين: (ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن) وهو غلطٌ، والصَّواب: (ربيعة بن عبد الرَّحمن بن حصن) (2) وهو الغنويُّ، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (3) .
وقد روى هذا الحديث أيضًا: البخاريُّ في كتاب " أفعال العباد " (4) ، وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (5) ، وإسناده صالحٌ، والله أعلم O.
*****
مسألة (448) : إذا ترك المبيت بمنى ليالي منى، لزمه دمٌ.
وعنه: لا دم عليه، كقول أبي حنيفة.
2244- قال البخاريُّ: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير ثنا أبي ثنا عبيد الله قال: حدَّثني نافع عن ابن عمر أنَّ العبَّاس استأذن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليبيت بمكَّة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له (6) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/506- رقم: 1948) .
(2) وكذا هو في "سنن أبي داود"، وكذا هو في مطبوعة "التحقيق" غير أن فيه (ابن حصين) .
(3) "الثقات": (4/231) .
(4) " خلق أفعال العباد ": (ص: 79) مختصرًا، وليس فيه محل الشاهد.
(5) "المعجم الكبير": (24/307- رقم: 777) .
(6) "صحيح البخاري": (2/437) ؛ (فتح- 3/578- رقم: 1745) .(3/540)
فوجه الحجَّة: أنَّه لولا أنَّه واجبٌ لم يحتج إلى إذن.
وقد ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبيت بمنى (1) .
ز: حديث ابن عمر: رواه مسلمٌ أيضًا عن ابن نُميرٍ وغيره (2) O.
*****
مسألة (449) : لا يجزئه في التَّحلُّل حلق بعض الرَّأس.
وقال أبو حنيفة: يجزئه ما يجزئ مسحه في الطَّهارة.
2245- قال الإمام أحمد: حدَّثنا روح ثنا هشام عن محمَّد بن سيرين عن أنسٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى الجمرة، ثُمَّ نحر البُدن، ثُمَّ حلق أحد شقَّيه (الأيمن) ، وقسمه بين النَّاس فأخذوه، وحلق الآخر فأعطاه أبا طلحة (3) .
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (4) .
*****
__________
(1) برقمي: (2233، 2234) .
(2) "صحيح مسلم": (4/86) ؛ (فؤاد- 2/953- رقم: 1315) .
(3) "المسند": (3/208) .
(4) "صحيح البخاري": (1/54) ؛ (فتح- 1/273- رقم: 171) مختصرًا.
"صحيح مسلم": (4/82) ؛ (فؤاد- 2/947- 948- رقم: 1305) .(3/541)
مسائل الإحصار
مسألة (450) : يجب على المحصر إذا ذبح أن يحلق.
وعنه: لا حلاق عليه، كقول أبي حنيفة.
2246- قال البخاريُّ: حدَّثني عبد الله بن محمَّد بن أسماء ثنا جويرية [عن نافع] (1) أنَّ عبد الله (2) بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه عن عبد الله ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحال كفَّار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديه وحلق رأسه (3) .
أخرجاه (4) .
*****
__________
(1) سقط من الأصل و (ب) ، واستدرك من "التحقيق" و"صحيح البخاري".
(2) كذا في الأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "صحيح البخاري": (عبيد الله) ، وكذا في
"تحفة الأشراف": (5/415- رقم: 7032) .
وفي هامش الأصل: (وفي " س ": عبد الله، من وجه آخر نحوه) أ. هـ وهو عند النسائي: (5/197- 198- رقم: 2859) من رواية محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ عن أبيه عن جويرية به، وقد نبه على هذا المزي في "تحفة الأشراف" تحت ترجمة نافع عن سالم عن ابن عمر، ولكنه لم يعز الحديث إلى مسلم وهو فيه: (4/51) ؛ (فؤاد- 2/903- رقم: 1230) من رواية محمد بن المثنى عن القطان عن عبيد الله عن نافع أن عبد الله- المكبر- بن عبد الله وسالم بن عبد الله..... فذكره.
وقد نبه على هذا الاختلاف الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (4/5- رقم: 1806) ، والله تعالى أعلم.
(3) "صحيح البخاري": (5/418- 419) ؛ (فتح- 7/455- رقم: 4185) .
(4) "صحيح مسلم": (4/51) ؛ (فؤاد- 2/903- رقم: 1230) .(3/542)
مسألة (451) : يجوز للمتمتع والقارن أن يقدِّما الحلاق على الذَّبح والرَّمي، ولا دم عليهما في ذلك.
وعنه: إن تعمَّدا ذلك فعليهما دمٌ.
وقال أبو حنيفة: عليهما دمٌ بكلِّ حالٍ.
2247- قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر أنا معمر ثنا ابن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقفًا على راحلته بمنى، فأتاه رجلٌ، فقال: يا رسول الله، إنِّي
كنت أرى أنَّ الحلق قبل الذَّبح، فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: " اذبح ولا حرج ". ثُمَّ جاءه آخر، فقال: يا رسول الله، إنِّي كنت أرى أنَّ الذَّبح قبل الرَّمي، فذبحت قبل أن أرمي؟ قال: " ارم ولا حرج ". قال: فما سُئل عن
شيءٍ قدَّمه رجلٌ قبل شيء إلا قال: " افعل ولا حرج " (1) .
2248- قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن إسحاق ثنا وهيب أنا [ابن] (2) طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن الذَّبح والرَّمي والحلق، والتَّقديم والتَّأخير، فقال: " لا حرج " (3) .
الحديثان في "الصَّحيحين".
*****
__________
(1) "المسند": (2/159، 202) ؛ "صحيح البخاري": (1/31) ؛ (فتح- 1/ 180- رقم: 83) ؛ "صحيح مسلم": (4/84) ؛ (فؤاد- 2/949- رقم: 1306) .
(2) استدركت من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(3) "المسند": (1/258) ؛ "صحيح البخاري": (2/434) ؛ (فتح- 3/568 - رقم: 1734) ؛ "صحيح مسلم": (4/84) ؛ (فؤاد- 2/950- رقم: 1307) .(3/543)
مسألة (452) : يجب الهدي في حقِّ المحصر.
وقال مالكٌ: لا يجب.
لنا:
حديث جابر (1) .
2249- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن حسَّان ثنا عبد الرَّحمن بن مهدي ثنا سفيان الثَّوريُّ عن أبي الزُّبير عن جابر قال: نحرنا يوم الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليشترك النَّفر في الهدي " (2) .
ز: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وإن كان غير مخرَّج في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة".
ومحمَّد بن حسَّان: هو الأزرق، وقد وثَّقوه، وقال المؤلِّف في مسألة الوتر في حديث أبي أيُّوب: (فيه محمَّد بن حسَّان- يعني هذا- وقد
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: قال مسلم: ثنا قتيبة بن سعيد ثنا مالك (ح) ، قال: وحدَّثنا يحيى بن يحيى- واللفظ له- قال: قرأت على مالك عن أبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله قال: نحرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية: البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة.
قال: وحدَّثني محمَّد بن حاتم ثنا محمَّد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر ابن عبد الله يحدِّث عن حجَّة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فأمرنا إذا أحللنا أن نُهدي، ويجتمع النفر منا في الهدية، وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث.
قال: وحدَّثني محمَّد بن حاتم ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزُّبير عن جابر بن عبد الله قال: اشتركنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحجِّ والعمرة، كلُّ سبعة في بدنة. فقال رجل لجابر: أيشترك في البدنة ما يشترك في الجزور؟ قال: ما هي إلا من البدن. وحضر جابر الحديبية، قال: نحرنا يومئذ سبعين بدنة، اشتركنا كلُّ سبعة في بدنة) أ. هـ
"صحيح مسلم": (4/88) ؛ (فؤاد- 2/955- 956- رقم: 1318) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/244) .(3/544)
ضعفوه) (1) وهذا خطأٌ، بل لا نعلم أحدًا ضعَّفه، بل وثَّقه ابن أبي حاتم (2) وابن حِبَّان (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) وغيرهم، والله أعلم O.
*****
مسألة (453) : ويذبح الهدي حيث أحصر.
وقال أبو حنيفة: لا يذبحه إلا في الحرم.
لنا:
ما تقدَّم من الحديث (5) ، وأنَّهم نحروا بالحديبية، وهي حِلٌّ (6)
*****
مسألة (454) : إذا أحصر في حجِّ التَّطوُّع لم يلزمه القضاء.
وعنه: عليه القضاء، كقول أبي حنيفة.
لنا:
__________
(1) (2/406) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/239- رقم: 1309) .
(3) "الثقات": (9/129) وقال: (يغرب) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (2/277- رقم: 749) .
(5) رقم: (2249) .
(6) في هامش الأصل: (حـ: قال تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة: 196] ) أ. هـ(3/545)
2250- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحرم بالعمرة سنة ستٍّ، ومعه ألف وأربع مائة.
كذلك في "الصَّحيحين" من حديث جابر (1) ، ثُمَّ عاد في السَّنة الأخرى ومعه جمعٌ يسير، فلو وجب عليهم القضاء بيَّنه لهم.
*****
مسألة (455) : إذا شرط أنَّه متى مرض تحلَّل، أو إن حصره عدو، أو إن أخطأ العدد= كان شرطًا صحيحًا، يستفيد به التَّحلُّل، ولا دم عليه.
وقال أبو حنيفة ومالك: وجود هذا الشَّرط كعدمه، فعند أبي حنيفة: لا يتحلَّل إلا بالهدي، وعند مالك: لا يتحلَّل إلا إذا أخطأ العدد (2) .
لنا:
2251- ما روى مسلم بن الحجَّاج قال: حدَّثنا عبد بن حميد أنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: دخل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ضُباعة بنت الزُّبير، فقالت: يا رسول الله، إنِّي أريد الحجَّ، وأنا شاكيةٌ؟ فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُجِّي واشترطي أنَّ محلي حيث حبستني " (3) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (5/413) ؛ (فتح- 7/443- رقم: 4154) .
"صحيح مسلم": (6/25) ؛ (فؤاد- 3/1483- رقم: 1856) .
(2) كذا بالأصل، وفي (ب) و"التحقيق": (وعند مالك: لا يتحلل إذا أخطأ العدد) .
وفي النفس شيء من هذه العبارة على كلا الوجهين.
انظر: " الجامع لأحكام القرآن " للقرطبي: (2/250-[البقرة: 196] ) .
(3) "صحيح مسلم": (4/26) ؛ (فؤاد- 2/868 - رقم: 1207) .(3/546)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
ز: حديث معمر هذا: رواه مسلم والنَّسائيُّ (2) فقط.
وقال النَّسائيُّ: لا أعلم أحدًا أسنده عن الزُّهريِّ غير معمر. وقال في موضعٍ آخر: لم يسنده عن معمر غير عبد الرَّزَّاق فيما أعلم (3) .
ورواه البخاريُّ من وجهٍ آخر O.
2252- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا سفيان بن حسين عن أبي بشر عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ ضُباعة بنت الزُّبير أرادت الحجَّ، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشترطي عند إحرامك: ومحلِّي حيث حبستني، فإن ذلك لك " (4) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5) .
ز: هذا الحديث رواه غير واحدٍ عن عكرمة، ورواه غير عكرمة [عن] (6) ابن عبَّاس O.
*****
__________
(1) "صحيح البخاري": (7/11) ؛ (فتح- 9/132- رقم: 5089) من رواية أبي أسامة عن هشام عن أبيه به.
(2) "سنن النسائي": (5/168 - رقم:2768) .
(3) "السنن الكبرى": (2/358- رقم: 3748) بنحوه، وهو بحروفه في " تحفة الأشرف " للمزي: (12/91- ر قم: 16644) .
(4) "المسند": (1/352) .
(5) "الجامع": (2/267- رقم: 941) ، وفيه: (حديث حسن صحيح) .
(6) في الأصل: (على) ، والمثبت من (ب) .(3/547)
مسألة (456) : المحصر بالمرض لا يباح له التَّحلُّل، إلا أن يكون قد اشترط في ابتداء إحرامه أنَّه إن مرض تحلَّل.
وقال أبو حنيفة: حكم الإحصار بالمرض حكم الإحصار بالعدو.
لنا:
حديث ضباعة المتقدِّم (1) ، ولو كان المرض يبيحُها (2) التَّحلُّل ما كان لاشتراطها معنى.
احتجُّوا:
بحديث الحجَّاج بن عمرو عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من كسر أو عرج فقد حلَّ ".
وقد سبق بإسناده في وجوب الحجِّ على الفور (3) ، وقد حمله أصحابنا على ما إذا شرط بدليلنا.
*****
مسألة (457) : لا يجوز للمرأة أن تَحجَّ من غير محرمٍ.
وقال مالك والشَّافعيُّ: يجوز إذا كان معها نساء ثقات.
2253- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن عبيد الله قال: حدَّثني نافع
__________
(1) رقم: (2251) .
(2) في "التحقيق": (يبيح) .
(3) رقم: (2052) .(3/548)
عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم " (1) .
2254- قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال: عبد الملك بن عمير أنبأني قال: سمعت قزعة (2) مولى زياد قال: سمعت أبا سعيد الخدريَّ قال: سمعت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم " (3) .
2255- وقال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثني زهير ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب ثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يومٍ إلا مع ذي محرم " (4) .
هذه الأحاديث الثلاثة مخرَّجة في "الصَّحيحين".
*****
مسألة (458) : ولا فرق بين قليل السَّفر وطويله.
وقال أبو حنيفة: لا يعتبر المحرم إلا في السَّفر الطَّويل الَّذي يبيح
__________
(1) "المسند": (2/13، 19، وانظر: 143) ؛ "صحيح البخاري": (2/274) ، (فتح - 2/566- رقم: 1087) ؛ "صحيح مسلم": (4/102) ، (فؤاد- 2/975- رقم: 1338) .
(2) في مطبوعة "المسند": (عكرمة) خطأ، وهو على الصواب في "أطراف المسند" لابن حجر: (6/308- رقم: 8417) .
(3) "المسند": (3/71) ؛ "صحيح البخاري": (2/297) ؛ (فتح- 3/70- رقم: 1197) ؛ "صحيح مسلم": (4/102- 103) ؛ (فؤاد- 2/975- 976- رقم: 827) .
(4) "صحيح البخاري": (2/274) ، (فتح- 2/566- رقم: 1088) .
"صحيح مسلم" (4/103) ، (فؤاد- 2/977- رقم: 1339) .(3/549)
التَّرخُّص، وعن أحمد نحوه.
لنا:
ما تقدَّم من الحديث (1)
*****
__________
(1) في المسألة للسابقة.(3/550)
مسائل الفوات
مسألة (459) : إذا فاته الحجُّ انقلب إحرامُه إحرامَ عمرة.
وعنه: أنَّ احرامه بحاله، ويتحلَّل منه بفعل عمرته، وبه قال أكثرهم.
2256- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن [الحسن] (1) اليقطينيُّ ثنا محمَّد بن الحسن بن قتيبة ثنا محمَّد بن عمرو الغزيُّ (2) ثنا يحيى بن عيسى عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فاته عرفات فقد فاته الحجُّ، فليحلَّ بعمرةٍ، وعليه الحجُّ من قابلٍ " (3) .
2257- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إبراهيم بن حمَّاد بن إسحاق ثنا أبو عون محمَّد بن عمرو بن عون ثنا داود بن جبير ثنا رحمة بن مصعب عن ابن أبي ليلى عن عطاء ونافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من فات عرفات بليلٍ فقد فاته الحجُّ، فليحلل بعمرة، وعليه الحجُّ من قابل " (4) .
قال المصنِّف: الحديثان ضعيفان: أمَّا الأوَّل: ففيه يحيى بن عيسى، وأمَّا الثَّاني: فتفرَّد به رحمة، قال يحيى بن معين: يحيى بن عيسى ورحمة ليسا بشيءٍ (5) .
__________
(1) في الأصل و (ب) : (الحسين) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) في "التحقيق": (العدني) خطأ.
(3) "سنن الدارقطني": (2/241) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/241) .
(5) كلامه في يحيى بن عيسى ذكره الدوري في "التاريخ": (3/285- رقم: 1354) ، وكلامه في رحمة أورده العقيلي في "الضعفاء الكبير": (2/70- رقم: 514) من رواية الدوري عنه، ولم نقف عليه في النسخة المطبوعة من "التاريخ".(3/551)
ز: هذان الحديثان غير مخرَّجين في شيءٍ من " السُّنن ".
ويحيى بن عيسى الرَّمليُّ: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (1) .
وداود بن جبير: غير مشهور.
وابن أبي ليلى: سيءُ الحفظ.
والأشبه في هذين الحديثين الوقف، والله أعلم O.
2258- وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا هُشيم أنا مغيرة عن ابراهيم عن الأسود بن يزيد أنَّ رجلاً فاته الحجُّ، فأمره عمر بن الخطَّاب أن يحلَّ [بعمرة] (2) وعليه الحجُّ من قابل.
*****
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/347- رقم: 1845) .
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق".(3/552)
مسائل الهدي
مسألة (460) : إشعار البُدْن وتقليدها سنَّة.
وقال أبو حنيفة: يكره الإشعار.
2259- قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم ثنا أصحابنا- منهم شعبة- عن قتادة عن أبي حسَّان عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشعر بدنته من الجانب الأيمن، ثُمَّ سَلَت (1) الدَّم عنها، وقلَّدها بنعلين (2) .
2260- وقال التِّزمذيُّ: حدَّثنا أبو كريب ثنا وكيع عن هشام الدَّستوائيِّ عن قتادة عن أبي حسَّان عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلَّد نعلين، وأشعر الهديَّ في الشِّق الأيمن، بذي الحُليفة، وأماط عنه الدَّم.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
قال: وسمعت أبا السَّائب يقول: كنَّا عند وكيع، فقال لرجلٍ ممَّن ينظر في الرَّأي: أشْعَرَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول أبو حنيفة: هو مُثْلَةٌ! قال الرَّجل: قد رُوي عن إبراهيم النَّخعيِّ أنَّه قال: الإشعار مُثْلَةٌ. فرأيت وكيعًا
غضب غضبًا شديدًا، ثُمَّ قال: أقول لك: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول: قال إبراهيم! ما أحقَّك بأن تحبس، ثمَّ لا تخرج حتَّى تنزع عن قولك هذا (4) .
__________
(1) في " النهاية ": (2/387- سلت) : (أي: أماطه) أ. هـ
(2) "المسند": (1/216) .
(3) في "الجامع": (حسن صحيح) .
(4) "الجامع": (2/239- 240- رقم: 906) .(3/553)
ز: روى هذا الحديث أيضًا: مسلمٌ (1) وأبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من حديث قتادة.
وأبو حسَّان هو: مسلم بن عبد الله الأعرج الأَحْرَد (5) [البصريُّ] (6) والله أعلم O.
*****
مسألة (461) : وصفة الإشعار: شقُّ صفحة سنامها الأيمن.
وعنه: الأيسر، كقول أبي يوسف ومحمَّد.
لنا:
الحديث المتقدِّم (7) .
*****
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/57- 58) ، (فؤاد- 2/912- رقم: 1243) .
(2) "سنن أبي داود": (2/418- رقم: 1749) وقال: (هذا من سنن أهل البصرة الذي تفردوا به) أ. هـ
(3) "سنن النسائي": (5/174- رقم: 2791) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/1034- رقم: 3097) .
(5) ضبطه الحافظ ابن حجر في " تبصير المنتبه ": (1/8) بسكون المهملة وفتح الراء ثم دال.
(6) في الأصل: (النصري) ، وفي (ب) غير منقوطة، والمثبت من كتب التراجم، وقد ذكره أبو عبيد الآجري في " سؤالاته لأبي داود ": (1/424؛ 2/117- رقمي: 875، 1296) تحت (ذكر أهل البصرة) .
(7) رقم: (2259) .(3/554)
مسألة (462) : يسنُّ تقليد الغنم.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يسنُّ.
2261- قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا بندار ثنا عبد الرَّحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد هدي النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلَّها غنمًا.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
ز: رواه البخاريُّ (2) ومسلمٌ (3) والنَّسائيُّ (4) من حديث غير واحدٍ عن منصور بن المعتمر، والله أعلم O.
*****
مسألة (463) : يجوز النَّحر في جميع الحرم.
وقال مالك: لا ينحر الحاج إلا بمنى، والمعتمر إلا بمكَّة.
2262- قال ابن ماجة: حدَّثنا عليُّ بن محمَّد وعمرو بن عبد الله قالا: ثنا وكيع ثنا أسامة بن زيدٍ عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منى كلُّها منحرٌ، وكلُّ فجاج مكَّة طريقٌ ومنحرٌ، وكلُّ عرفة موقفٌ، وكلُّ المزدلفة موقفٌ " (5) .
__________
(1) "الجامع": (2/241- 242- رقم: 909) وفيه: (حسن صحيح) .
(2) "صحيح البخاري": (2/428) ؛ (فتح- 3/547- رقم: 1703) .
(3) "صحيح مسلم": (4/90) ؛ (فؤاد- 2/958- رقم: 1321) .
(4) "سنن النسائي": (5/173- رقم: 2785) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/1013- رقم: 3048) .(3/555)
ز: هذا إسنادٌ حسنٌ، وقد رواه الإمام أحمد عن عثمان بن عمر عن أسامة (1) ، وهو ابن زيدٍ الليثيُّ، وقد روى له مسلمٌ (2) متابعةً- فيما أرى-، ووثَّقه ابن معين في رواية (3) .
2263- وفي "صحيح مسلم" من حديث جابر: " منى كلُّها منحر، فانحروا في رحالكم " (4) . والله أعلم O.
*****
مسألة (464) : لا يؤكل من الدِّماء الواجبة، إلا من هدي التَّمتُّع والقران.
وقال الشَّافعيُّ: لا يأكل من شيءٍ منها.
لنا:
2264- ما روى عبد الرحمن بن أبي حاتم في "سننه" من حديث عليٍّ عليه السَّلام، قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهدي التَّمتُّع، أن أتصدَّق بلحومها سوى ما نأكل.
احتجُّوا:
__________
(1) "المسند": (3/326) .
وفي هامش الأصل: (رواه أبو داود أيضًا [عن] أسامة بن زيد به [إسنادًا] ومتنًا) أ. هـ وما بين المعقوفتين لم يظهر في مصورتنا تامًا.
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/70- رقم: 98) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (3/157، 165، 174- الأرقام: 165، 717، 778) .
(4) "صحيح مسلم": (4/43) ؛ (فؤاد- 2/893- رقم: 1218) .(3/556)
2265- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا وكيع وأبو معاوية (1) قالا: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الخزاعيِّ- وكان صاحب بُدْنِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: قلت: يا رسول الله، كيف أصنع بما عَطَبَ من البُدْن؟ قال: "انحره، واغمس نعله في دمه، واضرب صفحته، وخلِّ بين النَّاس وبينه، فليأكلوه " (2) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
ز: روى هذا الحديث أصحاب " السُّنن الأربعة " من حديث هشام (4) .
وناجية: هو ابن جُنْدُب الأسلميُّ O.
2266- قال أحمد: وحدَّثنا إسماعيل ثنا أبو التَّيَّاح عن موسى بن سلمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث بثماني عشرة بدنة مع رجلٍ، وأمره فيها بأمره (5) ، فانطلق، ثُمَّ رجع إليه فقال: أرأيت إن أزحف (6) علينا منها شيءٌ؟ فقال: " انحرها، ثُمَّ اصبغ نعلها في دمها، ثُمَّ اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحدٌ من أهل رفقتك " (7) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (8) .
__________
(1) في مطبوعة "المسند" مفرَّقين.
(2) "المسند": (4/334) .
(3) "الجامع": (2/242- رقم: 910) وفيه: (حسن صحيح) .
(4) "سنن أبي داود": (2/421- رقم: 1759) ؛ "السنن الكبرى" للنسائي: (2/ 454- رقم: 4137) ؛ " سنن ابن ماجة: (2/1036- رقم: 3106) .
(5) في "التحقيق" بدل: (وأمره.....) : (يأ مره) .
(6) في "التحقيق": (أرجف) خطأ.
وفي " النهاية ": (2/298 - زحف) : (أزحفت: أي أعيت ووقفت) أ. هـ
(7) "المسند": (1/217) .
(8) "صحيح مسلم": (4/92) ؛ (فؤاد- 2/962- رقم: 1325) .(3/557)
2267- قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن قتادة عن سنان ابن سلمة عن ابن عبَّاس أنَّّ ذؤيب بن طلحة أخبره أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث معه ببدنتين، وأمره إن عرض لهما شيءٌ أو عطبتا أن ينحرهما، ثُمَّ يغمس نعالهما في دمائهما، ثُمَّ يضرب بنعل كلِّ واحدةٍ صفحتها، ويخليها والنَّاس، ولا يأكل منها هو ولا أحدٌ من أصحابه (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
والجواب: أنَّا نحمله على غير مسألتنا بدليلنا.
ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ وابن ماجة (3) بنحوه من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
وقال عبَّاس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين: لم يسمع قتادة من سنان بن سلمة، أحاديثه عنه مرسلةٌ، وسمع من موسى بن سلمة (4) .
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: لم يدرك قتادة سنان بن سلمة، ولا سمع منه (5) . والله أعلم O.
*****
__________
(1) "المسند": (4/225) .
(2) "صحيح مسلم": (4/92- 93) ؛ (فؤاد- 2/963- رقم: 1326) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/1036- رقم: 3105) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/119- رقم: 3462) .
(5) "تحفة الأشراف" للمزي: (3/135- رقم: 3544) .
وفي "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 340- رقم: 284) : (قلت ليحيى بن معين: إن يحيى بن سعيد يزعم أن قتادة لم يسمع من سنان بن سلمة الهذلي حديث ذؤيب الخزاعي في البدن؟ فقال: ومن شك في هذا؟ إن قتادة لم يسمع منه ولم يلقه) ا. هـ(3/558)
مسألة (465) : إذا نذر بدنة وأطلق، فهو مخيَّرٌ بين الجزور والبقرة.
وعنه: لا ينتقل إلى البقرة إلا عند عدم الجزور، كقول الشَّافعيِّ.
لنا:
حديث جابر المتقدِّم: كنَّا ننحر البدنة عن سبعة. قيل له: والبقرة؟
قال: وهل هي إلا من البُدن.
وقد سبق (1) في حديث جابر: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليشترك النُّفر (2) في الهدي ".
ز: حديث جابر الأوَّل: لم يتقدَّم، وقد روى مسلمٌ في "صحيحه" معنا (3) .
وحديثه الثَّاني: لا حجَّة فيه للمسألة المذكورة، والله أعلم O.
*****
مسألة (466) : يجوز أن يشترك سبعة في بدنة وبقرة على الإطلاق.
وقال أبو حنيفة: إن كان بعضهم يريد اللحم، وبعضهم يريد القربة، لم يصحَّ الاشتراك.
وقال مالك: لا يصحُّ الاشتراك في الهدي الواجب.
__________
(1) رقم: (2249) .
(2) في "التحقيق": (البقر) !
(3) "صحيح مسلم": (4/88) ؛ (فؤاد- 2/955- رقم: 1318) .(3/559)
لنا:
حديث جابر المتقدِّم (1) .
2268- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير ثنا أبو الزُّبير عن جابر قال: قدمنا مكَّة، فقال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يكن معه هديٌ فليحلل، وأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر، كلُّ سبعةٍ منَّا في بدنةٍ " (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
2269- وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا مالك بن أنس عن أبي الزُّبير عن جابر قال: نحرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4) .
ز: رواه مسلمٌ عن قتيبة ويحيى بن يحيى، كلاهما عن مالكٍ به (5) .
ورواه أبو داود (6) والنَّسائيُّ (7) وابن ماجة (8) أيضًا من حديث مالك، والله أعلم O.
__________
(1) في المسألة للسابقة.
(2) "المسند": (3/292- 293) باختصار.
(3) "صحيح مسلم": (4/36) ؛ (فؤاد- 2/882 - رقم: 1213) .
(4) "الجامع": (2/237- 238- رقم: 904: 3/167- رقم: 1502) وفيه: (حسن صحيح) .
(5) "صحيح مسلم": (4/87-88) ؛ (فؤاد- 2/955- رقم: 1318) .
(6) "سنن أبي داود": (3/365- رقم: 2802) .
(7) "السنن الكبرى": (2/451- رقم: 4122) .
(8) "سنن ابن ماجة": (2/1047- رقم: 3132) .(3/560)
2270- قال التِّرمذيُّ: وحدَّثنا الحسين بن حُريث ثنا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عِلْبَاءَ بن أحمرَ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: كنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فحضر الأضْحَى، فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي الجزورة (1) عشرة (2) .
ز: رواه الإمام أحمد عن الحسن بن يحيى عن الفضل به (3) ، ورواه أبو حاتم البُستيُّ عن محمَّد بن أحمد بن أبي عون عن الحسين بن حُريث (4) ، ورواه النَّسائيُّ (5) وابن ماجة (6) من حديث الفضل.
وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ O.
*****
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" و"الجامع": (الجزور) .
(2) "الجامع": (2/238- رقم: 905؛ 3/166- 167- رقم: 1501) .
وفى هامش الأصل حاشية على كلمة: " عشرة ": (حـ: في " الأطراف ": " سبعة " وهو خطأٌ) أ. هـ وانظر: " النكت الظراف " لابن حجر: (5/151- 152- رقم: 6158) .
(3) "المسند": (1/275) .
(4) "الإحسان": (9/318- رقم: 4007) ، وعنده: (وفي البعير سبعة أو عشرة) على الشك.
(5) "سنن النسائي": (7/222- رقم: 4392) .
(6) "سنن ابن ماجة": (2/1047- رقم: 3131) .(3/561)
مسائل الأضاحي
مسألة (467) : الأضحية سنَّةٌ.
وعنه: واجبة، كقول أبي حنيفة.
2271- قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثني حجَّاج بن الشَّاعر قال: حدَّثني يحيى بن كثير العنبريُّ (1) ثنا شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيَّب عن أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا رأيتم هلال ذي الحجَّة، وأراد أحدكم أن يضحِّي، فليمسك عن شعره وأظفاره " (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ.
فوجه الحجَّة: أنَّه علَّقه بالإرادة (3) .
2272- وقد استدل أصحابنا بحديث ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " ثلاثٌ هنَّ عَلَيَّ فريضةٌ، ولكم تطوُّع:...... منها النَّحر ".
وقد ذكرناه في مسائل الوتر (4) ، وقلنا: يرويه أبو جَنَاب، وهو متروكٌ
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: كان في النسختين: " العبدي " وهو وهمٌ) ا. هـ وكذا هو في مطبوعة "التحقيق".
(2) "صحيح مسلم": (6/83) ؛ (3/1565- رقم: 1977) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: قد يعلق الواجب على الإرادة والمشيئة، كقوله تعالى: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) [التكوير: 28] ) ا. هـ
(4) رقم: (1036) .(3/562)
2273- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو العبَّاس عبد الله (1) بن عبد الرَّحمن العسكريُّ ثنا الحنينيُّ ثنا أبو غسَّان ثنا قيس عن جابر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُتب عَلَيَّ النَّحر، ولم يكتب
عليكم " (2) .
2274- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعدان ثنا شعيب (3) بن أيُّوب ثنا عثمان بن عبد الرَّحمن الحرَّانيُّ ثنا يحيى بن أبي أُنيسة عن جابر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمرت بالنَّحر، وليس بواجبٍ " (4) .
قال المصنِّف: جابر في الحديثين هو: الجُعفيُّ، وهو ضعيفٌ.
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن ".
ويحيى بن أبي أُنيسة متروك الحديث، لكنَّه لم يتفرَّد بهذا الحديث عن جابر، فقد رواه عن حمَّاد جماعةٌ غيره، وقد روي من غير طريق جابر عن عكرمة، وهو حديثٌ ضعيفٌ على كلِّ حالٍ O.
احتجُّوا بخمسة أحاديث:
2275- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو عبد الرَّحمن ثنا عبد الله بن عيَّاش عن عبد الرَّحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال: قال
__________
(1) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (أبو العبَّاس بن عبد الله) خطأ.
انظر: "تاريخ بغداد" للخطيب: (10/33- رقم: 5151) .
(2) "سنن الدارقطني": (4/282) .
(3) في "التحقيق": (سعيد) خطأ.
(4) "سنن الدارقطني": (4/282) .(3/563)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد سعة فلم يضحِّ، فلا يقربنَّ مصلانا " (1) .
ز: هذا الحديث رجاله كلُّهم مخرَّج لهم في "الصَّحيحين"، إلا عبد الله ابن عيَّاش بن عبَّاس القِتْبانيُّ فإنَّه من أفراد مسلم (2) .
وقد رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحبُاب عن عبد الله بن عيَّاش (3) ، وكذلك رواه حَيْوة بن شُريح وغيره عن عبد الله بن عيَّاش (4) .
ورواه ابن وهبٍ عن عبد الله بن عيَّاش عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وكذلك رواه جعفر بن ربيعة و [عبيد الله] (5) بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أشبه بالصَّواب O.
2276- الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا معاوية [بن] (6) عمرو ثنا زائدة ثنا أبو جَناب الكلبيُّ قال: حدَّثني يزيد بن البراء بن عازب عن البراء قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما الذَّبح بعد الصَّلاة ". فقام أبو بردة بن نيار فقال: عجَّلت ذبح شاتي، وعند [ي] (7) جذعة. فقال: " لن تفي عن أحدٍ بعدك " (8) .
__________
(1) "المسند": (2/321) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/381- رقم: 840) وفيه: (القتياني) خطأ.
(3) "سنن ابن ماجة": (2/1044- رقم: 3123) .
(4) قوله (وكذلك رواه حيوة....) إلى هنا ملحق في هامش الأصل، وهو غير موجود في (ب)
(5) في الأصل: (عبد الله) ، والتصويب من (ب) ، وانظر: "سنن البيهقي": (9/260) .
(6) في الأصل و (ب) : (عن) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(7) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(8) "المسند": (4/282- 283) باختصار.(3/564)
وفي لفظ: " لن تَجْزي ". وهذا إنَّما يستعمل في الواجب.
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن " (1) ، وإسناده غير قويٍّ، ولا دليل فيه على الوجوب، والله أعلم O.
2277- الحديث الثَّالث: قال أحمد: حدَّثنا محمَّد بن أبي عَدِيٍّ عن ابن عون عن ابن أبي رملة قال: ثناه مِخْنَفُ بنُ سُلَيم قال: بينا نحن مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو واقفٌ بعرفات، فقال: " يا أيُّها النَّاس، إنَّ على كلِّ أهل بيتٍ فى كلِّ عام أضحية وعتيرة، تدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول النَّاس: الرَّجبيَّة " (2) .
ز: كذا فيه: (عن ابن أبي رملة) وهو غلطٌ، والصَّواب: (عن أبي رملة) (3) ، واسمه: عامر، وفيه جهالة، لأنَّه لم يرو عنه غير ابن عون.
وقد روى أصحاب " السُّنن الأربعة " هذا الحديث من رواية ابن عون عنه (4) ، وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ، ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، من حديث ابن عون O.
2278- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن يوسف الخلال ثنا الهيثم بن سهل ثنا المسيَّب بن شَريك ثنا عُبيد المُكْتِب عن عامر عن
__________
(1) في هامش الأصل: (حاشية: هذا عجيب، فالحديث في "الصحيحين" عن البراء، وهو في " عمدة الأحكام ") ا. هـ
وهذ. الحاشية ليست من كلام ابن عبد الهادي كما هو ظاهر، وحديث للبراء في "الصحيحين" من غير هذه الطريق، وسيأتي بتمامه برقم: (2281) .
(2) "المسند": (4/215) .
(3) وكذا هو في "المسند".
(4) "سنن أبي داود": (3/355- 356- رقم: 2781) ؛ "الجامع" للترمذي: (3/178- رقم: 1518) ؛ "سنن النسائي": (7/167- 168- رقم: 4224) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/1045- رقم: 3125) .(3/565)
مسروق عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نسخَ الأضحى كلُّ ذبحٍ، وصومُ رمضان كلّ صومٍ " (1) .
ز: هذا الحديث لا يثبت.
والمسيَّب بن شَريك: اجتمعوا على ترك حديثه. قاله الفلاس (2) .
وقد روى هذا الحديث عنه أيضًا عليُّ بن سعيد بن مسروق الكنديُّ.
2279- وقال ابن عَدِيٍّ: أنا الحسن بن سفيان ثنا المسيَّب بن واضح ثنا المسيَّب بن شَريك عن عُتبة بن اليقظان عن الشَّعبيِّ عن مسروق عن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نسخت الزَّكاةُ كلِّ صدقة في القرآن، ونسخَ غسلُ الجنابة كلَّ غسلٍ، ونسخ صومُ رمضان كلُّ صومٍ، ونسخ الأضحى كلَّ ذبحٍ " (3) .
كذا رواه ابنُ عَدِيٍّ، والله أعلم O.
2280- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان القطَّان ثنا يعقوب بن محمَّد الزُّهريُّ ثنا رفاعة بن هُرَير ثنا أبي عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أستدين وأضحِّي؟ قال: " نعم، فإنَّه دَيْنٌ مقضيٌّ " (4) .
ز: هذا الحديث والَّذي قبله غير مخرَّجين في شيءٍ من " السُّنن "،
__________
(1) "سنن الدارقطني": (4/280) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (13/139- رقم: 7123) .
(3) "الكامل": (6/386- رقم: 1873) .
(4) "سنن الدارقطني": (4/283) .(3/566)
وسيأتي كلام المؤلِّف عليهما، والله أعلم O.
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فقال أحمد: هو حديثٌ منكرٌ. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: قد روي موقوفًا، والموقوف أصحُّ (1) .
ثُمَّ إنه لا يدلُّ على الوجوب، كما قال: " من أكل الثُّوم فلا يقربنَّ مُصلانا".
وأمَّا الحديث الثَّاني: فأبو جَناب متروكٌ.
ثُمَّ لو صحَّ الحديث، فالمراد أنَّها تفي وتجزي في إقامة السُّنَّة، يدلُّ عليه: 2281- ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال: زبيد أخبرني و (2) منصور وداود وابن عون عن الشَّعبيِّ عن البراء قال: خطبنا رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إنَّ أوَّل ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلِّي، ثُمَّ نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنَّتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنَّما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، ليس من النُّسك في شيءٍ ". فقال أبو بُردة: يا رسول الله، ذبحت وعندي جذعة خيرٌ من مسنَّة. قال: " اجعلها مكانها، ولن تَجْزِي- أو توفِّي- عن أحدٍ بعدك " (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
__________
(1) قوله: (وقال الدارقطني.....) سقط من "التحقيق".
ولم نقف عليه في مطبوعة "السنن"، وللدارقطني كلام على هذا الحديث في "العلل": (10/304- 305- رقم: 2023) ولكن يبدو أن سقطًا وقع في كلامه، ولله أعلم.
(2) الواو سقطت من مطبوعة "المسند" وهي ثابتة في "أطرافه": (1/577- رقم: 1123) .
(3) "المسند": (4/281- 282) .
(4) "صحيح البخاري": (2/243) ؛ (فتح- 2/453- رقم: 965) .
"صحيح مسلم": (6/75) ؛ (فؤاد- 3/1553- رقم: 1961) .(3/567)
وأمَّا الحديث الثَّالث: فإنَّ ابن أبي رملة (1) اسمه: عامر، وهو مجهولٌ.
ثُمَّ إنَّ الحديث متروكٌ، إذ لا تسنُّ عتيرة أصلاً؛ ولو قلنا: بوجوب الأضحية كانت على الشخص الواحد، لا على جميع أهل البيت.
وأمَّا الرَّابع: فإنَّ الهيثم بن سهل ضعيفٌ، والمسيَّب بن شَريك متروكٌ.
وأمَّا الخامس: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو إسنادٌ ضعيفٌ، وهُرير هو: ابن عبد الرَّحمن بن رافع بن خَدِيج، ولم يسمع من عائشة ولم يدركها (2) .
ز: في كلام المؤلِّف نظرٌ من وجوه عِدَّة، قد نُبِّه على بعضها، ويطول الكلام بالتَّنبيه على باقيها، والله أعلم O.
*****
مسألة (468) : يكره لمن أراد أن يضحِّي إذا دخل العشر أن يحلق شعره، أو يقلِّم أظفاره.
ومن أصحابنا من قال: يحرم عليه.
وقال أبو حنيفة: لا يكره.
دليلنا:
__________
(1) انظر ما تقدم في كلام المنقح: (ص: 565) .
(2) "سنن الدارقطني": (4/283) .(3/568)
حديث أمِّ سلمة المتقدِّم (1) .
*****
مسألة (469) : الأفضل في الأضاحي الإبل، ثُمَّ البقر، ثُمَّ الغنم.
وقال مالك: الغنم، ثُمَّ البقر، ثُمَّ الإبل.
2282- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد ثنا ابن أبي ذئب عن الزُّهريِّ عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المسجد، فيكتبون الأوَّل فالأوَّل، فمثلُ المهجِّر إلى الجمعة كمثل الَّذي يهدي بدنة، ثُمَّ كالَّذي يهدي بقرة، ثُمَّ كالَّذي يهدي كبشًا، ثُمَّ كالَّذي يهدي دجاجةً، ثُمَّ كالَّذي يهدي بيضةً، فإذا خرج الإمام وقعد على المنبر، طووا صحفهم، وجلسوا يستمعون الذِّكر " (2) .
أخرجه البخاريُّ ومسلم في "الصَّحيحين" (3) .
*****
مسألة (470) : لا يجوز أن يُضحِّي بعضباء القرن والأذن.
وقال أبو حنيفة: يجوز بعضباء القرن.
__________
(1) رقم: (2271) .
(2) "المسند": (2/505) .
(3) "صحيح البخاري": (2/234) ؛ (فتح- 2/407- رقم: 929) .
"صحيح مسلم": (3/7) ؛ (فؤاد- 2/587- رقم: 850) .(3/569)
وقال مالك: إن كان قرنها يدمي لم يجز، وإلا جاز: فأمَّا المقطوعة الأذن فتجوز.
2283- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن هشام ثنا قتادة عن جُرَيِّ (1) ابن كليب عن عليٍّ قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نضحِّي بعضباء القرن أو الأذن (2) .
ز: رواه أصحاب " السُّنن الأربعة " من حديث قتادة (3) ، ولم يذكر النَّسائيُّ (الأذن) .
وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقال أبو داود: جُرَيٌّ لم يحدِّث عنه إلا قتادة. وقال ابنُ المدينيِّ:
مجهولٌ، لا أعلم روى عنه غير قتادة (4) . وقال أبو حاتم: شيخٌ، لا يحتجُّ بحديثه (5) O.
*****
مسألة (471) : لا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة الإمام، ويجوز بعدها وإن لم يكن الإمام قد ذبح.
__________
(1) في "التحقيق": (جرير) خطأ.
(2) "المسند" (1/83) .
(3) "سنن أبي داود": (3/364- رقم: 2798) ؛ " جامع الترمذي ": (3/168- رقم: 1504) ؛ "سنن النسائي": (7/217- رقم: 4377) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/1051- رقم: 3145) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/537- رقم: 2230) من رواية ابن البراء عنه.
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/537- رقم: 2230) .(3/570)
وقال أبو حنيفة في أهل الأمصار كقولنا، وفي أهل القرى يجوز أن يذبحوا بعد طلوع الفجر من يوم النَّحر.
وقال مالك: وقت الذَّبح إذا صلَّى الإمام وذبح.
وقال الشَّافعيُّ: وقت الذَّبح أن يمضي بعد دخول وقت الصَّلاة زمانٌ يمكن فيه صلاة ركعتين وخطبتين.
لنا حديثان:
أحدهما: حديث البراء: " إنَّ أوَّل ما نبدأ به أن نصلِّي، ثُم ننحر، فمن ذبح قبل ذلك، فإنَّما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، ليس من النُّسك في شيءٍ ".
وقد سبق بإسناده (1) .
2284- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا [عَبيْدة] (2) بن حُميد قال: حدَّثني الأسود بن قيس عن جُندب بن سفيان البَجلي أنَّه صلَّى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أضحى، قال: فانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا هو باللحم وذبائح الأضحى، فعرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّها ذبحت قبل أن يصلِّي، فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان ذبح قبل أن نصلِّي، فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح حتَّى صلَّينا، فليذبح باسم الله " (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
__________
(1) رقم: (2281) .
(2) في الأصل: (عبدة) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(3) "المسند": (4/312) .
(4) "صحيح البخاري": (7/120) ؛ (فتح- 9/630- رقم: 5500) .
"صحيح مسلم": (6/73) ؛ (فؤاد- 3/1551- رقم: 1960) .(3/571)
ز: احتجَّ مالكٌ:
2285- بما روى مسلمٌ في "صحيحه" قال: حدَّثني محمَّد بن حاتم ثنا محمَّد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: صلَّى بنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم النَّحر بالمدينة، فتقدَّم رجالٌ فنحروا، وظنُّوا أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نحر، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان نحر قبله أن يعيد بنحرٍ آخر، ولا ينحروا حتَّى ينحر النَّبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) O.
*****
مسألة (472) : لا يجوز بيع جلود الأضاحي.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
2286- قال الإمام أحمد: حدَّثنا معاذ أنا زهير بن معاوية عن عبد الكريم الجزريِّ عن مجاهد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقوم على بُدْنِه، وأن أتصدَّق بلحومها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزَّار (2) منها شيئًا، وقال: " نحن نعطيه من عندنا " (3) .
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (4) .
*****
__________
(1) "صحيح مسلم": (6/77) ؛ (فؤاد- 3/1555- رقم: 1964) .
(2) كذا بالأصل، وفي (ب) و"التحقيق" و"المسند": (الجازر) .
(3) "المسند": (1/154) .
(4) "صحيح البخاري": (2/430- 431) ؛ (فتح- 3/555- رقم: 1716) .
"صحيح مسلم": (4/87) ؛ (فؤاد- 2/954- رقم: 1317) .(3/572)
مسألة (473) : العقيقة مستحبةٌ.
وقال أبو حنيفة: لا تستحبُّ.
وقال داود: واجبةٌ، ونقلها أبو بكر عبد العزيز عن أحمد.
لنا أربعة أحاديث:
2287- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا داود ابن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: سُئل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العقيقة، فقال: " من أحبَّ منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاةٌ " (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) من رواية داود- وهو ثقةٌ- عن عمرو، وفي رواية أبي داود: (أُراه عن جدِّه) O.
2288- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وحدَّثنا زيد بن الحُباب قال: حدَّثني حسين بن واقد قال: حدَّثني عبد الله بن بُريدة قال سمعتُ أبي يقول: عقَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحسن والحسين عليهما السَّلام (4) .
ز: رواه الإمام أحمد أيضًا عن عبد الله بن نُمير عن حسين (5) ، ورواه
__________
(1) "المسند": (2/182- 183) .
(2) "سنن أبي داود": (3/381- 382- رقم: 2835) من طريق محمَّد بن سليمان الأنباري عن عبد الملك بن عمرو عن داود به، ورواه من طريق القعنبي عن داود عن عمرو ابن شعيب مرسل.
(3) "سنن النسائي": (7/162- 163- رقم: 4212) .
(4) "المسند": (5/355) .
(5) لم نقف عليه، وهو في "المسند": (5/361) من رواية علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين به.(3/573)
النَّسائيُّ عن حسين بن حُريث عن الفضل بن موسى عن حسين (1) O.
2289- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا همَّام ثنا قتادة عن ابن سيرين عن سلمان بن عامر الضَّبيِّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه الدَّم، وأميطوا عنه الأذى " (2) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (3) .
ز: رواه البخاريُّعن أبي النُّعمان عن حمَّاد بن زيدٍ، وقال أصبغ: عن ابن وهب عن جرير بن حازم، كلاهما عن أيُّوب.
وقال حجَّاج- يعني: ابن منهال-: عن حمَّاد- يعني ابن سلمة- عن أيوب وقتادة وحبيب- يعني: ابن الشَّهيد-، ثلاثتهم عن محمَّد بن سيرين به.
ووقفه حمَّاد بن زيدٍ، ورفعه الآخران.
قال: وقال غير واحدٍ: عن عاصم وهشام عن حفصة عن الرَّباب عن سلمان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: ورواه يزيد بن إبراهيم عن محمَّد [عن] (4) سلمان قوله O.
2290- الحديث الرَّابع: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا عليُّ بن حُجْر ثنا عليُّ ابن مسهر عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الغلام مرتهنٌ بعقيقته، تذبح عنه- يوم السَّابع، ويسمَّى، ويحلق رأسه " (5) .
__________
(1) "سنن النسائي": (7/164- رقم: 4213) .
(2) "المسند": (4/18) .
(3) "صحيح البخاري": (7/111) ؛ (فتح- 9/590- رقمي: 5471- 5472) .
(4) في الأصل: (بن) ، والتصويب من (ب) .
(5) "الجامع": (3/181- رقم: 1522) .(3/574)
ز: إسماعيل بن مسلم هو: المكيُّ، وهو غير محتجٍّ به، وقد روى هذا الحديث عن الحسن غيره من الثِّقات:
2291- قال أبو يعلى الموصليُّ: حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا ابن أبي عديٍّ عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلُّ غلامٍ مرتهنٌ بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويسمَّى " (1) .
وقد روى هذا الحديث: الإمام أحمد (2) وأصحاب " السُّنن الأربعة " من حديث قتادة (3) ، وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقال أبو يعلى: [ثنا أبو موسى] (4) حدَّثني قُريش بن أنس عن حَبيب ابن الشَّهيد قال: قال محمَّد بن سيرين: [سل] (5) الحسن: ممَّن سمع حديثه في العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سَمُرة.
رواه البخاريُّ عن عبد الله بن أبي الأسود عن قُريش (6) ، ولم يرو غير هذا.
ورواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن المثنَّى، ورواه عن محمَّد بن إسماعيل
__________
(1) لم نقف عليه في مطبوعة "مسند أبي يعلى" وهي رواية ابن حمدان، فلعله في رواية ابن المقرئ، والله أعلم.
(2) "المسند": (5/7، 12، 17، 22) .
(3) "سنن أبي داود": (3/378- 379- رقم: 2830) ؛ "الجامع" للترمذي: (3/ 181- رقم: 1523) : "سنن النسائي": (7/166- رقم: 4220) ؛ " سنن ابن ماجة ": (2/1056- رقم: 3165) .
(4) في الأصل: (الموصلي) ، والمثبت من (ب) ، وأبو موسى هو: محمَّد بن المثنى البصري الحافظ.
(5) في الأصل: (سئل) ، والتصويب: من (ب) .
(6) "صحيح البخاري": (7/112- 113) ؛ (فتح- 9/590- رقم: 5472) .(3/575)
البخاريِّ عن عليِّ بن عبد الله عن قُريش (1) .
ورواه النَّسائيُّ عن هارون بن عبد الله عن قُريش (2) .
وقال عثمان بن سعيد الدَّارميُّ: قلت ليحيى بن معين: الحسن لقيَ سَمُرة؟ قال: لا (3) . وقال الغُلابيُّ: ثنا يحيى بن معين عن أبي النَّضر عن شُعبة قال: لم يسمع الحسن من سَمُرة بن جُندب (4) . وقد تكلَّم بعضهم مع
يحيى ابن معين في هذا، فأنكر يحيى سماعه، فاحتجَّ عليه بقول ابن سِيرين لحبيب: سُئل الحسن: ممَّن سمع حديث العقيقة؟ فقال: من سَمُرة. فلم يكن عند يحيى جوابٌ.
وقال عبد الغني بن سعيد المصريُّ: لا يصح (الحسن عن سَمُرة بن جُنْدب) إلا حديثٌ واحدٌ، وهو حديث العقيقة، تفرَّد به قُريش بن أنس عن حَبيب بن الشَّهيد؛ وقد دفع قومٌ آخرون قولَ قُريش، وقالوا: ما يصحُّ له سماعٌ.
وقال البَرْدِيجيُّ: وقتادة عن الحسن عن سَمُرة، فليست بصحاح، لأَنَّه من كتاب، ولا يحفظ عن الحسن عن سَمُرة حديثٌ يقول فيه: (سمعت سَمُرة) إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث العقيقة، ولا يثبت، رواه قريش بن أنس عن أشعث (5) عن الحسن عن سمرة، ولم يروه غيره، وهو وهمٌ (6) .
__________
(1) "الجامع": (1/223- رقمي: 182- 182 م) .
(2) "سنن النسائي": (7/166- رقم: 4221) .
(3) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 100- رقم: 277) .
(4) " رجال صحيح البخاري " للكلاباذي: (1/167) .
(5) قوله: (عن أشعث) غير موجود في " إكمال تهذيب الكمال ".
(6) سيأتي بعض كلام البرديجي هذا في كلام ابن الجوزي: (4/172) ، وذكره مغلطاي في " إكمال تهذيب الكمال ": (4/82- رقم: 1284) نقلاً عن كتاب " المراسيل " للبرديجي مع اختلاف يسير.(3/576)
كذا قال، وقوله: (عن أشعث) وهمٌ، والله أعلم O.
قال المؤلِف: وللغويين في معنى (العقيقة) قولان:
أحدهما: أَنَّّه الشَّاة المذبوحة، سمِّيت (عقيقة) لأنَّها تُعقُّ مذابحها، أي: تُشقُّ.
والثَّاني: أنَّها اسمٌ للشَّعر الَّذي يحلق عن رأس المولود، فهو مرتهنٌ بأذاه حتَّى يحلق، فسمِّيت الشَّاة (عقيقةً) تجوَّزًا، لأنَّها إنَّما ذبحت بسبب حلاق الشَّعر.
*****
مسألة (474) : والمستحب شاتان عن الغلام، وشاةٌ عن الجارية.
وقال مالك: شاةٌ عن الجميع.
2292- قال الإمام أحمد: حدَّثنا هيثم (1) بن خارجة ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن ثابت بن العجلان عن مجاهد عن أسماء بنت يزيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العقيقة حقٌّ، عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاةٌ " (2) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أصحاب " السُّنن "، وإسناده صالحٌ.
وثابت بن عجلان: شاميٌّ، وثَّقه ابن معين (3) ، روى له البخاريُّ (4) O.
2293- قال أحمد: وحدَّثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن حبيبة بنت
__________
(1) في "التحقيق": (هشيم) خطأ.
(2) "المسند": (6/456) .
(3) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 84- رقم: 206) .
(4) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/448- رقم: 181) .(3/577)
ميسرة (1) عن أمِّ كُرْز الكعبيَّة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاةٌ " (2)
قال أحمد بن حنبل: مكافأتان: أي مستويتان، أو متقاربتان (3) .
ز: حديث أمِّ كُرْز: رواه أصحاب " السُّنن " (4) ، وصحَّحه التِّرمذيُّ (5) ، وفيه اختلافٌ كثيرٌ على عطاء وغيره (6) ، والله أعلم O.
آخر كتاب الحجِّ، والحمد لله وحده
*****
__________
(1) في "التحقيق": (مبشر) خطأ.
(2) "المسند": (6/381) .
(3) "سنن أبي داود".
(4) "سنن أبي داود": (3/377- رقم: 2827) ؛ " جامع الترمذي ": (3/177- 178- رقم: 1516) ؛ "سنن النسائي": (7/165- رقم: 4216) ؛ " سنن ابن ماجة ": (2/1056- رقم: 3162) .
(5) في مطبوعة "الجامع" و"تحفة الأشراف": (13/101- رقم: 18351) : (حديث صحيح) ، وفي بعض النسخ: (حسن صحيح) .
(6) انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (13/99- 100- رقم: 18349) .(3/578)
كتاب البيوع
مسألة (475) : بيع ما لم يره المتبايعان من غير صفةٍ لا يصحُّ.
وعنه: أنَّه يصحُّ.
وهل يثبت فيه خيار الرؤية أم لا؟ على روايتين، وبه قال أبو حنيفة.
2294- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد أنا عبيد الله بن عمر عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الغرر (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
2295- قال أحمد: وحدَّثنا أيُّوب بن عتبة بن يحيى بن أبي كثير عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الغرر (3) .
ز: كذا وجدته، وقد سقط بين الإمام أحمد وأيُّوب بن عتبة رجلٌ (4) .
وقد رواه ابن ماجة عن أبي كريب والعبَّاس بن عبد العظيم كلاهما عن أسود بن عامر عن أيُّوب بن عتبة به (5) .
__________
(1) "المسند": (2/436) .
(2) "صحيح مسلم": (5/3) ؛ (فؤاد- 3/1153- رقم: 1513) .
(3) "المسند": (1/302) .
(4) هو الأسود بن عامر، كما في "المسند".
(5) "سنن ابن ماجة": (2/739- رقم: 2195) .(4/7)
وقد روى هذا الحديث أبو يعلى الموصليُّ من حديث أنس (1) .
ورواه الطَّبرانيُّ (2) والدَّارَقُطْنِيُّ (3) من حديث سهل بن سعدٍ.
ورواه محمَّد بن أسلم الطُّوسيُّ وأبو حاتم بن حِبَّان (4) والدَّارَقُطْنِيُّ من حديث ابن عمر، والله أعلم O.
2296- قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم ثنا أبو بشر عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قال: قلت: يا رسول الله، يأتيني الرَّجل يسألني البيع ليس عندي، فأبيعه منه، ثُمَّ أبتاعه من السُّوق؟ فقال: " لا تبع ما ليس عندك " (5) .
ز: رواه أصحاب " السُّنن الأربعة " (6) ، وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ O.
احتجُّوا:
2297- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ قال: حدَّثنا أبو بكر أحمد بن محمَّد (7) بن خُرَّزاد القاضي ثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا داهر بن نوح ثنا عمر بن إبراهيم ابن خالد ثنا وهيب اليشكريُّ عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من اشترى شيئًا لم يره، فهو بالخيار إذا رآه ".
__________
(1) "مسند أبي يعلى": (5/154- 155- رقمي: 2766، 2767) .
(2) "المعجم الكبير": (6/172- رقم: 5899) .
(3) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (3/92- 93- رقم: 2126) .
(4) "الإحسان" لابن بلبان: (11/346- رقم: 4972) .
(5) "المسند": (3/434) .
(6) "سنن أبي داود": (4/181- رقم: 3497) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/514- 515- رقمي: 1232- 1233) ؛ "سنن النسائي": (7/289- رقم: 4613) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/737- رقم: 2187) .
(7) كتب فوقها بالأصل: (كذا) ، وفي "سنن الدارقطني": (محمود) .
وفي هامش الأصل: (حـ: كذا فيه، والصواب: " أحمد بن محمود " وهو ثقة) أ. هـ(4/8)
قال عمر: وأخبرني فضيل بن عياض عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثله.
قال عمر: وأخبرني القاسم بن الحكم عن أبي حنيفة عن الهيثم عن محمَّد ابن سيرين عن أبي هريرة عن النَّبيِّ،- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يرو هذه الأحاديث غير عمر بن إبراهيم، ويقال له: الكرديُّ، وكان يضع الأحاديث، وإنَّما يُروى هذا من قول ابن سيرين (1) .
قال المصنِّف: قلت: قال أبو حاتم بن حِبَّان: كان عمر الكرديُّ يروي عن الثِّقات ما لم يحدِّثوا به، لا يجوز الاحتجاج بخبره (2) .
قال المصنِّف: قلت: وقد رُوي هذا الحديث مرسلاً من وجهٍ ضعيفٍ:
2298- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن عليِّ بن زيد ثنا سعيد ابن منصور ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن مكحول رفع الحديث إلى النَّبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اشترى شيئًا لم يره، فهو بالخيار إذا رآه: إن شاء أخذه، وإن شاء تركه " (3) .
قال المصنِّف: هذا مرسلٌ، وابن أبي مريم اسمه: بكير، ضعَّفه أحمد (4) ويحيى (5) وأبو حاتم (6) وأبو زرعة (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8) .
*****
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/4- 5) مع اختلاف يسير في كلام الدارقطني.
(2) "المجروحون": (2/64- رقم: 651- طبعة حمدي السلفي) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/4) .
(4) "العلل" برواية عبد الله: (2/39- رقم: 1484) .
(5) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 312- رقم: 160) .
(6، 7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/405- رقم: 1590) .
(8) "سنن الدارقطني": (3/4) .(4/9)
مسائل الخيار
مسألة (476) : خيار المجلس ثابتٌ، خلافًا لأبي حنيفة ومالك.
2299- قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان قال: حدَّثني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، أو يكون بيع خيار " (1) .
2300- قال أحمد: وحدَّثنا إسماعيل ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّفا، فإن صدقا وبيَّنا رزقا بركة بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما " (2) .
2301- وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا ابن فضيل عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّفا، أو يختارا ". قال: وكان ابن عمر إذا ابتاع بيعًا وهو قاعدٌ، قام ليجب له (3) .
__________
(1) "المسند": (2/9) ؛ "صحيح البخاري": (3/528) ، (فتح- 4/327- 328- رقم: 2109) ؛ "صحيح مسلم": (5/9- 10) ؛ (فؤاد- 3/1162- 1163- رقم: 1531) .
(2) "المسند": (3/434) ؛ "صحيح البخاري": (3/527- 528) ، (فتح- 4/329- رقم: 2108) ؛ "صحيح مسلم": (5/10) ؛ (فؤاد- 3/1164- رقم: 1532) .
(3) "الجامع": (2/526- رقم: 1245) وقال: (حسن صحيح) ؛ " صحيح البخاري ": (3/527) ، (فتح- 4/326- رقم: 2107) ؛ "صحيح مسلم": (5/10) ، (فؤاد- 3/1163- 1164- رقم: 1531) .(4/10)
هذه الأحاديث كلُّها في "الصَّحيحين".
2302- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا" (1) .
ز: رواه النَّسائيُّ (2) وابن ماجة (3) من حديث غير واحدٍ عن قتادة O.
2303- قال أحمد: وحدَّثنا أبو كامل ثنا حمَّاد بن زيد عن جميل بن مُرَّة (4) عن أبي الوَضِيء (5) قال: كنَّا في سفرٍ ومعنا أبو برزة، فقال أبو برزة: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا " (6) .
[ز:] (7) رواه أبو داود (8) وابن ماجة (9) من حديث حمَّاد بن زيد.
وجميل بن مُرَّة: وثَّقه النَّسائيُّ (10) ، وقال ابن خراش: في حديثه نكرة (11) .
__________
(1) "المسند": (5/17) ، وفي مطبوعة "المسند": (ابن مهدي عن حماد بن سلمة) ، ولم يذكر الحافظ ابن حجر في " الأطراف ": (2/531- رقم: 2760) سوى رواية ابن مهدي عن هشام، فالله أعلم.
(2) "سنن النسائي": (7/251- رقمي: 4481، 4482) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/736- رقم: 2183) .
(4) في مطبوعة "المسند": (مروة) خطأ.
(5) في مطبوعة "المسند": (الربيع) خطأ.
(6) "المسند": (4/425) .
(7) في الأصل بياض، وأثبتت من (ب) .
(8) "سنن أبي داود": (4/166- 167- رقم: 3451) .
(9) "سنن ابن ماجة": (2/736- رقم: 2182) .
(10) "تهذيب الكمال" للمزي: (5/131- رقم: 969) .
(11) "الميزان" للذهبي: (1/424- رقم: 1565) .(4/11)
وأبو الوَضِيء: اسمه عبَّاد بن نُسيب، وهو صدوقٌ، والله أعلم O.
*****
مسألة (477) : يجوز الخيار كثر من ثلاث، خلافًا لأكثرهم.
لنا:
قوله عليه السَّلام: " المؤمنون عند شروطهم ".
وسيأتي مسندًا في مسائل الشُّروط.
احتجُّوا بحديثين:
2304- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل المحامليُّ ثنا محمَّد بن عمرو بن العبَّاس الباهليُّ ثنا عبد الأعلى عن محمَّد بن إسحاق قال: حدَّثني محمَّد بن يحيى بن حَبَّان (1) قال: كان جدِّي حَبَّان بن
منقذ بن عمرو لا يدع التِّجارة ولا يزال يغبن، فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر ذلك له، فقال: " إذا بعت فقل: لا خلابة، ثُمَّ أنت في كلِّ سلعة تبتاعها بالخيار ثلاث ليالٍ " (2) .
ز: رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى (3) O.
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: كان فيه " جنادة " وهو خطأ) أ. هـ
وهو على الصواب في مطبوعة "التحقيق".
(2) "سنن الدارقطني": (3/55- 56) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/789- رقم: 2355) .(4/12)
2305- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثني محمَّد بن أحمد بن الصَّلت ثنا محمَّد بن خالد بن يزيد الرَّاسبيُّ ثنا أحمد بن عبد الله بن [ميسرة] (1) ثنا أبو علقمة الفرويُّ ثنا نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخيار ثلاثة أيَّام " (2) .
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في " السُّنن ".
وأبو علقمة الفرويُّ هذا، هو: الكبير، واسمه عبد الله بن محمَّد بن عبد الله بن أبي فروة، وقد روى له مسلمٌ (3) ، ووثَّقه ابن معين (4) وغيره.
وأمَّا أبو علقمة الفرويُّ الصَّغير: فاسمه عبد الله بن هارون، وهو ضعيفٌ، ولم يخرِّجوا له، كتب عنه ابن أبي حاتم بالدينة (5) .
وأحمد بن عبد الله بن ميسرة: حدَّث عن الثقات بالمناكير. قاله ابن عَدِيٍّ (6) ، وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: يتكلَّمون فيه (7) O.
والجواب: أمَّا حديث حَبَّان: فخاصٌ له، أثبته له الرَّسول-من غير اشتراطٍ منه.
وأمَّا الثَّاني: فيرويه أحمد بن عبد الله بن ميسرة، وقد ضعَّفه
__________
(1) في الأصل و (ب) : (مبر) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني"، وسيأتي على للصواب.
(2) "سنن الدارقطني": (3/56) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/387- رقم: 854) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/327- رقم: 1064) .
(5) "الجرح والتعديل": (5/194- رقم: 899) وقال: (وقيل لي: إنه يتكلم فيه) .
(6) "الكامل": (1/176- رقم: 16) .
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/58- رقم: 83) .(4/13)
الدَّارَقُطْنِيُّ (1) ، وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (2) .
ثُمَّ التَّقدير بالثلاث خرج مخرج الأغلب، لأنَّ النَّظر يحصل فيها غالبًا، وهذا لا يمنع من الزِّيادة عليها عند الحاجة، كما قدِّرت حجارة الاستنجاء بثلاثة، ثُمَّ لو دعت الحاجة إلى الزِّيادة وجب.
*****
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 119- رقم: 51) ؛ وانظر: " سؤالات السلمي ": (ص: 109- رقم: 22) .
(2) "المجروحون": (1/144) .(4/14)
مسائل الرِّبا
مسألة (478) : علَّة الرِّبا مكيل جنسٍ.
وعنه: أنَّ العلَّة مطعوم جنسٍ، كقول الشَّافعيِّ.
وعنه روايةٌ ثالثةٌ: أنَّ العلَّة الكيل والطعم إذا اجتمعا.
وقال مالكٌ: العلَّة القوت وما يصلحه.
وجه الأولى أربعة أحاديث:
2306- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصَّنعانيِّ عن عبادة بن الصَّامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهب بالذَّهب، والفضَّة بالفضَّة، والبرُّ بالبرِّ، والشَّعير بالشَّعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأوصاف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
والحجَّة أنَّه اشترط المماثلة، ولا تتحقق إلا بالكيل.
2307- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن فضيل ثنا أبي عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحنطة بالحنطة، والشَّعير بالشَّعير، والتَّمر بالتَّمر، والملح بالملح، كيلاً بكيلٍ، وزنًا بوزنٍ، فمن زاد
__________
(1) "المسند": (5/320) .
(2) "صحيح مسلم": (5/44) ؛ (فؤاد- 3/1211- رقم: 1587) .(4/15)
أو ازداد فقد أربى، إلا ما اختلف ألوانه " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ.
ز: 2308- قال مسلمٌ في "صحيحه": ثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء وواصل بن عبد الأعلى قالا: ثنا ابن فضيل عن أبيه عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّمر بالتَّمر، والحنطة بالحنطة، والشَّعير بالشَّعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يدًا بيدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، إلا ما اختلفت ألوانه " (2) .
هكذا رواه مسلمٌ بهذا الإسناد، وهذا اللفظ.
[و] (3) لم يخرِّجه مسلمٌ ولا غيره من رواية [ابن] (4) فضيل عن أبي حازم عن أبي هريرة O.
2309- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد ثنا أحمد بن محمَّد بن أيُّوب ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن الرَّبيع بن صَبيح عن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك عن النَّبيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما وزن مثلاً بمثلٍ إذا كان نوعًا واحدًا، وما كيل فمثل ذلك، فإذا اختلف النَّوعان فلا بأسا به " (5) .
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في " السُّنن ".
__________
(1) "المسند": (2/232) .
(2) "صحيح مسلم": (5/44) ؛ (فؤاد- 3/1211- رقم: 1588) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) زيادة لا بد منها.
(5) "سنن الدارقطني": (3/18) .(4/16)
والرَّبيع بن صَبيح: لا بأس به، رجلٌ صالحٌ. قاله الإمام أحمد (1) ، وضعَّفه يحيى بن معين (2) والنَّسائيُّ (3) ، وقال أبو زرعة: شيخٌ، صالحٌ، صدوقٌ (4) . وقال يعقوب بن شيبة: رجلٌ صالحٌ، صدوقٌ ثقةٌ، ضعيفٌ
جدًّا (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: لم أر له حديثًا منكرًا جدًّا (6) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في هذا الحديث: لم يروه غير أبي بكر عن الرَّبيع هكذا، وخالفه جماعةٌ، فرووه عن الرَّبيع عن ابن سيرين عن عبادة وأنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظٍ غير هذا اللفظ (7) O.
2310- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعد ثنا يحيى ابن سليمان ثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرَّحمن بن عوف عن سعيد بن المسيَّب أنَّ أبا سعيد الخدريّ وأبا هريرة حدَّثاه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سواد بن غزيَّة وأمَّره على خيبر، فقدم عليه بتمرٍ
جنيبٍ (8) - يعني الطَّيِّب- فقال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَكُلُّ تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا والله، يا رسول الله، إنَّا نشتري الصَّاع بالصَّاعين، والصَّاعين بثلاثة آصع من الجَمْع (9) . فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تفعل، ولكن بع هذا، واشتر
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (1/412- رقم: 867) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/465- رقم: 2084) من رواية ابن أبي خيثمة.
(3) " للكامل " لابن عدي: (3/132- رقم: 652) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/465- رقم: 2084) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (9/93- رقم: 1865) .
(6) "الكامل": (3/134- رقم: 652) .
(7) "سنن الدارقطني": (3/18) .
(8) له في " النهاية ": (1/304- جنب) : الجنيب: نوع جيد معروف من أنول التمر) أ. هـ
(9) في " النهاية ": (1/296- جمع) : كلٌّ لون من النخيل لا يعرف اسمه فهو جمع؛ وقيل: الجمع تمر مختلط من أنول متفرقة، وليس مرغوبًا فيه، وما يخلط إلا لرداءته) أ. هـ(4/17)
بثمنه من هذا، وكذلك الميزان " (1) .
يعني ما يدخل في الوزن.
ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" من رواية سليمان بن بلال (2) ومالك (3) كلاهما عن عبد المجيد بنحوه.
وقال البخاريُّ في المغازي: وقال عبد العزيز بن محمَّد عن عبد المجيد عن سعيد أنَّ أبا سعيدٍ وأبا هريرة حدَّثاه بهذا، وعن عبد المجيد عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة مثله (4) .
وقال البيهقيُّ في قوله: (وكذلك الميزان) : الأشبه أن يكون ذلك من قول أبي سعيد (5) O.
احتجُّوا:
2311- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ قال: أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ أبا النَّضر حدَّثه أنَّ بُسْر بن سعيد حدَّثه عن معمر بن عبد الله عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الطَّعام بالطَّعام مثلاً بمثلٍ " (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/17) .
(2) "صحيح البخاري": (9/572) ، (فتح- 13/317- رقم: 7350) ؛ " صحيح مسلم ": (5/47) ، (فؤاد- 3/1215- رقم: 1593) .
(3) "صحيح البخاري": (3/546) ، (فتح- 4/399- رقم: 2201) ؛ " صحيح مسلم ": الموضع السابق) .
(4) "صحيح البخاري": (5/435) ؛ (فتح- 7/496- رقم: 4244) .
(5) " الخلافيات ": (مختصره- 3/286- المسألة: 86 من القسم الثاني) .
(6) "سنن الدارقطني": (3/24) .(4/18)
وحجَّتهم أنَّ الطعام مشتقٌ من الطعم، فهو يعمُّ المطعوم.
ز: رواه مسلمٌ عن هارون بن معروف وغيره عن ابن وهبٍ (1) والله أعلم O.
*****
مسألة (479) : لا يجوز بيع تمرةٍ بتمرتين، ولا حفنة بحفنتين.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
لنا:
قوله: " إلا مثلاً بمثلٍ ".
وقد سبق الحديث.
*****
مسألة (480) : علَّة الربا في الدَّراهِم والدَّنانير: الوزن، فتعدَّى إلى كلِّ موزونٍ.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: العلَّة كونهما ثمنًا.
لنا:
__________
(1) "صحيح مسلم": (5/47) ؛ (فؤاد- 3/1214- رقم: 1592) .(4/19)
ما تقدَّم من حديث عبادة وأنس (1) .
*****
مسألة (481) : لا يجوز التَّفرُّق في بيع ما يجري فيه الرِّبا بعلَّةٍ واحدةٍ =
قبل القبض، كالمكيل بالمكيل، والموزون بالموزون.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
لنا أحاديث منها:
حديث عبادة: " يداً بيد ".
وقد سبق بإسناده (2) .
2312- وقال البخاريُّ: حدَّثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس أنَّه أخبره أنَّه التمس صرفًا بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله، فتراوضنا، حتى اصطرف منِّي، فأخذ الذَّهب يقلِّبها في
يده، ثُمَّ قال: حتَّى يأتي خازني من الغابة. وعمر يسمع ذلك، فقال: والله لا تفارقه حتَّى تأخذ منه، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهب بالورق ربًا إلا هاء وهاء، والبرُّ بالبرِّ ربًا إلا هاء وهاء، والشَّعير بالشَّعير ربًا إلا هاء وهاء، والتَّمر بالتَّمر ربًّا إلا هاء وهاء " (3) .
__________
(1) رقم: (2309) .
(2) رقم: (2306) .
(3) "صحيح البخاري": (3/541) ؛ (فتح- 4/377- 378- رقم: 2174) .(4/20)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
وفي لفظٍ أخرجه البرقانيُّ على "الصَّحيحين": " والذَّهب بالذَّهب ربًا إلا هاء وهاء" (2) .
2313- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن شعبة قال: حدَّثني حبيب عن أبي المنهال قال: سمعت زيد بن أرقم والبراء يقولان: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الذَّهب بالورق دينًا (3) .
ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" من حديث شعبة عن حبيب بن أبي ثابت (4) .
وأبو المنهال اسمه: عبد الرَّحمن بن مطعم O.
*****
مسألة (482) : ما لا يدخل [فيه] (5) الرِّبا. لا يحرم في النَّساء، وهو غير المكيل والموزون.
وعنه: يجرم إذا كان جنسًا واحدًا، كقول أبي حنيفة.
وقال مالك: يحرم النّساء في الجنس الواحد إذا كان متفاضلاً، فأمَّا
__________
(1) "صحيح مسلم": (5/43) ؛ (فؤاد- 3/1209- 1210- رقم: 1586) .
(2) انظر: " الجمع بين الصحيحين " للحميدي: (1/113- رقم: 35) .
(3) "المسند": (4/368) .
(4) "صحيح البخاري": (3/542) ؛ (فتح- 4/382- رقم: 2180) .
"صحيح مسلم": (5/45) ؛ (فؤاد- 3/1212- 1213- رقم: 1589) .
(5) زيادة من (ب) .(4/21)
الجنسان فلا.
2314- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ قال: أخبرني ابن جريج أنَّ عمرو بن شعيب أخبره عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يجهِّز جيشًا - قال عبد الله بن عمرو: وليس عندي ظهرٌ- فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبتاع
ظهرًا إلى خروج المصدِّق، فابتاع عبد الله بن عمرو البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المصدِّق، بأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
ز: هذا إسنادٌ جيِّدٌ وإن كان غير مخرَّجٍ في شيءٍ من " السُّنن "، وقد روي هذا الحديث من وجهٍ آخر عن عبد الله بن عمرو:
2315- قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا جرير- يعني ابن حازم- عن محمَّد- يعني ابن إسحاق- عن أبي سفيان عن مسلم بن جبير عن عمرو بن الحَرِيش قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: إنَّا بأرضٍ
ليس بها دينارٌ ولا درهمٌ، وإنَّما نبايع بالإبل والغنم إلى أجلٍ، فما ترى في ذلك؟ قال: على الخبير سقطَّت! جهَّز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشًا على إبلٍ من إبل الصَّدقة، حتَّى نفدت، وبقي ناسٌ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشتر لنا إبلاً بقلائص من إبل الصَّدقة إذا جاءت، حتَّى نؤدِّيها إليهم ". فاشتريت البعير بالاثنين والثَّلاث قلائص، حتَّى فرغت، فأدَّى ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إبل الصَّدقة (2) .
قال عثمان بن سعيد الدَّارميُّ عن يحيى بن معين: هذا حديثٌ مشهورٌ (3) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/69) .
(2) "المسند": (2/171) .
(3) "التاريخ": (ص: 199- رقم: 735) .(4/22)
كذا قال، وهذا الحديث قد اختلف في إسناده، وبعض رواته ليس بذاك المعروف.
وقد رواه أبو داود بنحوه عن حفص بن عمر عن حمَّاد بن سلمة عن محمَّد ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو ابن حَرِيش (1) .
ورواه أبو القاسم البغويُّ عن عبد الأعلى بن حمَّاد عن حمَّاد (2) .
ورواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق عن أبي سفيان عن (3) مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش.
ورواه سعيد بن محمَّد الجرميُّ عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق عن سفيان بن جبير مولى ثقيف الحرشيِّ عن عمرو (4) ، فالله أعلم O.
2316- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن مالك قال: حدَّثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسلف من رجلٍ بكرًا، فأتته إبلٌ من إبل الصَّدقة، فقال: " أعطوه " فقالوا: لا نجد إلا رباعيًّا خيارًا. فقال: " أعطوه، فإنَّ خير النَّاس أحسنهم قضاءً " (5) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/125- رقم: 3350) .
(2) خرجه من طريق البغوي: المزي في "تهذيب الكمال": (21/584- رقم: 4346) تحت ترجمة عمرو بن حريش.
(3) كذا بالأصل و (ب) وفي " الإكمال " و"تحفة الأشراف": (بن) .
(4) انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري: (6/322- 323- رقم: 2527) والتعليق عليه؛ و" الإكمال " لابن ماكولا: (2/421- 422) ؛ و"تحفة الأشراف" للمزي: (6/ 370- رقم:8899) : و" تعجيل المنفعة " لابن حجر: (2/254- 256- رقم: 1026) .
(5) "المسند": (6/390) .(4/23)
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1)
احتجُّوا بأربعة أحاديث:
2317- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله ثنا الضَّحَّاك بن مخلد ثنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنَّ أبا صالح الزَّيَّات أخبره أنَّه سمع أبا سعيد الخدريَّ يقول: " الدِّينار بالدِّينار، والدِّرهم
بالدِّرهم ". فقلت له: فإنَّ ابن عبَّاس لا يقوله. فقال أبو سعيد: سألتُه، فقلت: سمعتَه من النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو وجدتَه في كتاب الله؟ فقال: كلُّ ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منِّي، ولكن أخبرني أسامة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ربًا إلا في النَّسيئة " (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
2318- الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا عبدة ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً (4) .
ز: رواه أصحاب " " السُّنن الأربعة " " من رواية قتادة (5) ، وقال التِّزمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ O.
__________
(1) "صحيح مسلم": (5/54) ؛ (فؤاد- 3/1224- رقم: 1600) .
(2) "صحيح البخاري": (3/541- 542) ؛ (فتح- 4/381- رقم: 2178) .
(3) "صحيح مسلم": (5/49- 50) ؛ (فؤاد- 3/1217- 1218- رقم: 1596) .
وفي هامش الأصل: (حـ: رواه من طريق غير ابن جريج عن عمرو) . هـ
(4) "المسند": (5/21) .
(5) "سنن أبي داود": (4/124- 125- رقم: 3349) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/518- رقم: 1237) ؛ "سنن النسائي": (7/292- رقم: 4620) ؛ " سنن ابن ماجة ": (2/763- رقم: 2270) .(4/24)
2319- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا نصر بن باب عن حجَّاج عن أبي الزُّبير عن جابرٍ قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، اثنين بواحدٍ، ولا بأس به يدًا بيدٍ (1) .
ز: نصر بن باب: ضعيفٌ، لا يحتجُّ بحديثه.
والحجَّاج هو: ابن أرطأة، وهو مدلِّسٌ.
لكن لم يتفرَّد بهذا الحديث نصر عن حجَّاج، فقد رواه التِّرمذيُّ عن أبي عمَّار عن عبد الله بن نمير (2) ، ورواه ابن ماجة عن عبد الله بن سعيد عن حفص بن غياث وأبي خالد الأحمر، ثلاثتهم عن حجَّاج به (3) .
وقال التِّرمذيُّ: حديث حسنٌ.
ولم يتفرَّد به حجَّاج أيضًا عن أبي الزُّبير، فقد رواه سعيد بن بشير وغيره عن أبي الزُّبير، والله أعلم O.
2320- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا الفضل بن سهل ثنا أبو أحمد الزُّبيريُّ ثنا سفيان عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة (4) .
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، ورواته ثقاثٌ.
وقد رواه سمويه وأبو بكر بن أبي عاصم وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (5)
__________
(1) "المسند": (3/310) .
(2) "الجامع": (2/519- رقم: 1238) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/763- رقم: 2271) .
(4) "سنن الدارقطني": (3/71) .
(5) "المعجم الكبير": (11/280- رقم: 11996) .(4/25)
وأبو حاتم البستيُّ (1) من رواية معمر.
ورواه البزَّار، وقال: ليس في هذا الباب حديثٌ أجلُّ إسنادًا من هذا.
وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: والصَّحيح عن معمر عن يحيى عن عكرمة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، كذلك رواه غير واحدٍ عن معمر، وكذلك رواه عليُّ بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (2) .
وقال ابن خزيمة: الصَّحيح عند أهل المعرفة بالحديث هذا الخبر مرسلٌ، ليس بمتصلٍ (3) .
وقد روي هذا الحديث أيضًا من رواية ابن عمر وجابر بن سمرة، والله أعلم O.
الجواب:
أمَّا حديث أسامة: فمحمولٌ على ربا النَّساء في الرَّبويَّات.
وبقيَّة الأحاديث: محمولةٌ على أن يكون النَّساء من الطَّرفين، فيبيع شيئًا في ذمَّته بشيءٍ في ذمَّة الآخر.
*****
مسألة (483) : الحنطة والشَّعير جنسان، يجوز التَّفاضل فيهما، خلافًا لمالك.
2321- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله
__________
(1) "الإحسان" لابن بلبان: (11/401- 402- رقم: 5028) .
(2) "سنن البيهقي": (5/289) .
(3) المرجع السابق.(4/26)
ابن أحمد ثنا هدبة بن خالد ثنا همَّام بن يحيى عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرَّحبي عن أبي الأشعث الصَّنعانيِّ عن عبادة بن الصَّامت قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يباع الذَّهب بالذَّهب إلا وزنًا، والورق بالورق إلا وزنًا- تبره وعينه-.
وذكر الشَّعير بالشَّعير، والبرَّ بالبرِّ، ولا بأس بالشَّعير بالبرِّ يدًا بيدٍ، والشَّعير أكثرهما (1) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة" من رواية قتادة عن أبي قلابة.
وقتادة لم يسمع من أبي قلابة. قاله الإمام أحمد (2) وغيره.
وقد اختلف فيه على همَّام وقتادة:
فرواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن بشر بن عمر عن همَّام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكيِّ- وهو ابن يسار- عن أبي الأشعث (3) .
ورواه النَّسائيُ عن محمَّد بن آدم عن عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار، ولم يذكر أبا الخليل (4) .
وقال الأثرم: ذكر أبو عبد الله همَّامًا وثقته، وأشياءَ من أموره، وقال: روى حديث عبادة عن أبي الخليل عن مسلم المكيِّ عن أبي الأشعث ورفعه، ورواه سعيد وهشام والنَّاس عن مسلم بن يسار- ليس فيه أبو الخليل-
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/18) .
(2) " المراسيل " لابن أبي حاتم: (ص: 171- 172- رقم: 630) من رواية أبي طالب.
(3) "سنن أبي داود": (4/121- 122- رقم: 3342) .
(4) "سنن النسائي": (7/276- رقم: 4563) .(4/27)
وأوقفوه، وبن مسلم بن يسار ومسلم المكيِّ: أبي بون (1) . وقال: ما أعرف مسلمًا المكيَّ. انتهى ما نقله الأثرم، وفي بعضه نظرٌ O.
*****
مسألة (484) : لا يجوز بيع الحنطة المبلولة باليابسة.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
لنا:
قوله عليه السَّلام: " أينقص الرُّطب إذا يبس؟ ". قالوا: نعم. فنهى عن ذلك.
وسيأتي هذا الحديث بإسناده إن شاء الله (2) .
*****
مسألة (485) : الاعتبار بمكيال أهل المدينة، وميزان مكَّة.
وقال أبو حنيفة: الاعتبار في كلِّ بلدٍ بعادته.
2322- قال أبو داود: حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا ابن دكين ثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوزن وزن أهل مكَّة، والمكيال مكيال أهل المدينة ".
__________
(1) كذا قرأناها ولسنا بمتحققين منها.
(2) رقم: (2323) .(4/28)
قال أبو داود: وقد رواه بعضهم عن ابن عبَّاس- مكان: ابن عمر-.
قال: ورواه الوليد بن مسلم فقال فيه: " الوزن وزن أهل المدينة، ومكيال مكَّة ". وقد روي مرسلاً عن عطاء عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
ز: رواه النَّسائيُّ عن إسحاق بن إبراهيم ومحمَّد بن إسماعيل بن عُليَّة (2) وأحمد بن سليمان (3) ، ثلاثتهم عن أبي نُعيم الفضل بن دُكين به.
وقال أبو داود: كذا رواه الفريابيُّ عن سفيان، وقال أبو أحمد: عن ابن عباس- مكان: ابن عمر- (4) .
ورواه عَبْد بن حمُيد في "مسنده" عن أبي نُعيم (5) .
وقد سُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: حدَّث به شيخنا أبو محمَّد بن أبي رُؤْبَة - من أصل كتابه- عن إسحاق الحربيِّ عن أبي نُعيم عن الثَّوريِّ عن حنظلة عن سالم عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وغيره يرويه عن أبي نُعيم عن الثَوريِّ عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر، وهو الصَّواب.
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/117- 118- رقم: 3333) مع اختلاف في كلام أبي داود. (2) "سنن النسائي": (7/284- رقم: 4594) ، وفي مطبوعتها ومطبوعة " السنن الكبرى ": (4/35- رقم: 6180) : (محمَّد بن إبراهيم) ، وجاء اسمه في " تحفة الأشراف ": (5/431- رقم: 7102) كما هنا، ومحمَّد هذا اسمه بالكامل: محمَّد بن
إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وأبوه هو المحدث المشهور: إسماعيل بن علية، فان لم يكن نسب إلى جده في رواية النسائي فما وقع في مطبوعتها خطأ، والله أعلم.
(3) "سنن النسائي": (5/54- رقم: 2520) .
(4) "سنن أبي داود": (4/117- رقم: 3333) ، وفيها زيادة من رواية ابن العبد- عقب قوله: (وقال أبو أحمد) - قال: (وأخطأ) .
(5) " المنتخب من مسند عبد ": (2/35- رقم: 801) .(4/29)
وقال أبو أحمد الزُّبيريُّ: عن الثَّوريِّ عن حنظلة عن طاوس عن ابن عبَّاس. والصَّحيح عن ابن عمر.
ورواه الفريابيُّ وخالف في المتن، قال: " المكيال مكيال أهل مكَّة، والوزن وزن أهل المدينة "، والصَّحيح ما تقدَّم، والله أعلم O.
*****
مسألة (486) : لا يجوز بيع الرُّطب بالتَّمر.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
لنا حديثان:
2323- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّحمن عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عيَّاش عن سعد بن أبي وقَّاص قال: سمعت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل عن الرُّطب بالتَّمر، فقال: " ينقص إذا يبس؟ ".
قالوا: نعم. قال: " فلا إذًا " (1) .
قال أبو عبد الله الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ (2) .
فإن قيل: قد قال أبو حنيفة: زيد أبي عيَّاش مجهولٌ (3) .
قلنا: إن كان هو لا يعرفه، فقد عرفه أهل النَّقل، وذكر روايته
__________
(1) "المسند": (1/179) .
(2) "المستدرك": (2/38- 39) .
(3) عزاه مغلطاي في " الإكمال ": (5/169- رقم: 1786) إلى كتاب الصريفيني.(4/30)
التِّرمذيُّ وصحَّحها (1) ، والحاكم وصحَّحها، وذكره مسلمٌ في كتاب " الكنى " وقال: سمع من سعدٍ، وروى عنه عبد الله بن بزيد (2) . وذكره ابن خزيمة في " رواية العدل عن العدل "، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ثقةٌ.
فإن قيل: إنَّما نُهي عن ذلك نَسيئة:
2324- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن سهل بن الفضل الكاتب ثنا عليُ بن زيدٍ الفرائضيُّ ثنا الرَّبيع بن نافعٍ ثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني عبد الله بن يزيد أنَّ أبا عيَّاشٍ أخبره أنَّه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: نهى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الرُّطب بالتَّمر نسيئة.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تابعه حرب بن شدَّاد عن يحيى بن أبي كثير، وخالفهم مالكٌ وإسماعيل بن أميَّة والضَّحَّاك بن عثمان وأسامة بن زيدٍ، فرووه عن عبد الله ابن يزيد، ولم يقولوا فيه: (نسيئة) ، وإجماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه
يحيى يدل على ضبطهم للحديث، وفيهم إمامٌ حافظٌ، وهو مالك بن أنسٍ (3) .
ثُمَّ إنَّا نقول به، ولا يجوز نقدًا ولا نسيئة.
ز: هذا الحديث رواه أصحاب " السُّنن الأربعة " (4) ، وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ صحيحٌ (5) .
__________
(1) "الجامع": (2/509- 510- رقم: 1225) .
(2) " الكنى": (ص:161) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/49) .
(4) "سنن أبي داود": (4/125- 126- رقم: 3352) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/509- رقم: 1225) ؛ "سنن النسائي": (7/268- 269- رقم: 4545) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/761- رقم: 2264) .
(5) في "الجامع": (حسن صحيح) .(4/31)
ورواه أبو داود عن الرَّبيع بن نافعٍ به (1) .
ورواه أحمد (2) والنَّسائيُّ (3) أيضًا من رواية إسماعيل بن أميَّة.
ورواه أبو حاتم البستيُّ من حديث مالك (4) .
ورواه زياد بن أيُّوب عن عليِّ بن غراب عن أسامة بن زيدٍ عن عبد الله ابن يزيد عن زيد أبي عيَّاش عن سعدٍ موقوفًا.
وزيد هو: ابن عيَّاش، أبو عيَّاش، الزُّرَقيُّ- ويقال: المخزوميُّ، ويقال: مولى بني زهرة-، المدنيُّ، ليس به بأسٌ، وقال ابن حزمٍ: هو مجهولٌ (5) .
وقال الخطَّابيُّ: وقد تكلَّم بعض النَّاس في إسناد حديث سعد بن أبي وقَّاص في بيع الرُّطب بالتَّمر، وقال: زيد أبو عيَّاش- راويه- ضعيفٌ (6) .
2325- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو الصَّيرفيُّ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا الرَّبيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهبٍ أنا سليمان بن بلالٍ حدَّثني يحيى بن سعيدٍ عن عبد الله بن أبي سلمة أنَّّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن رطبٍ بتمرٍ، فقال: " أينقص الرُّطب إذا يبس؟ ". قالوا: نعم. فقال: " لا يباع رطبٌ بيابس ".
وهذا مرسلٌ"جيِّدٌ، شاهدٌ لحديث سعد بن أبي وقَّاص، والله أعلم (7) O.
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/126- رقم: 3353) .
(2) "المسند": (1/179) .
(3) "سنن النسائي": (7/269- رقم: 4546) .
(4) "الإحسان" لابن بلبان: (11/372، 378- رقمي: 4997، 5003) .
(5) "المحلى": (7/393- المسألة رقم: 1474) .
(6) "معالم السنن": (5/35- رقم: 3220) .
(7) "سنن البيهقي": (5/295) .(4/32)
2326- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبيد الله بن عبد الصَّمد بن المهتديِّ ثنا الوليد بن حمَّاد بن جابر ثنا أبو مَسْلمة يزيد بن خالدٍ (1) ثنا سليمان بن حيَّان عن يحيى بن أبي أنيسة عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه
قال: نهى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يباع الرُّطب بالتَّمر الجافِّ (2) .
2327- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عليُّ بن مسلمٍ ثنا ابن أبي زائدة قال: حدَّثني موسى بن عُبيدة عن عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر قال: نهى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المزابنة، أن يباع الرُّطب باليابس [كيلا] (3) .
قال المصنِّفُ: موسى بن عبيدة ويحيى بن أبي أنيسة متروكان.
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من " السُّنن "، من الوجهين، والله أعلم O.
*****
مسألة (487) : إذا باع جنسًا فيه الرِّبا بجنسه، ومع أحدهما أو معهما من غير الجنس- كمدِّ ودرهمٍ بدرهمين- لم يصحَّ.
وعنه: يصحُّ، كقول أبي حنيفة.
لنا:
2328- ما روي مسلم بن الحجَّاج، قال: حدَّثني أبو الطَّاهر ثنا ابن
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: يزيد ثقة، والوليد ينظر فيه) اهـ
(2) "سنن الدارقطني": (3/48) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/48) .
و (كيلا) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".(4/33)
وهبٍ عن قرَّة بن عبد الرَّحمن (1) أنَّ عامر بن يحيى أخبره عن حنش أنَّه قال: كنَّا مع فضالة بن عُبيد في غزاة فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب ووَرِقٌ وجوهر، فأردت أن أشتريها، فسألت فضالة، فقال: انزع ذهبها فاجعله في كِفَّة، واجعل ذهبك في كِفَّة، ثم لا تأخذنَّ إلا مثلا بمثل، فإنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر قلا يأخذن إلا مثلاً بمثل ".
قال ابن وهب: وأخبرني أبو هانئ الخولانيُّ أنَّه سمع عُليَّ بن رباح اللخميَّ يقول: سمعت فضالة بن عبيد يقول: أُتي رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بخيبر- بقلادة فيها ذهب وخرز، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذهب
بالذهب وزنًا بوزن " (2) .
2329- قال مسلم: وحدَّثنا قتيبة ثنا ليث عن أبي شجاع سعيد بن يزيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعانيِّ عن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا، فيها ذهب وخرز، ففصَّلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تُباع حتَّى تفصَّل ".
انفرد بإخراج هذه الطرق مسلمٌ (3) .
2330- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البغويُّ ثنا محمَّد بن بكَّار ثنا عبد الله ابن المبارك عن سعيد بن يزيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش عن فضالة ابن
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: الذي في مسلم: " عن قرة وعمرو بن الحارث وغيرهما ") اهـ
(2) "صحيح مسلم": (5/46- 47) ؛ (فؤاد- 3/1213- 1214) والروايتين مفرقتين في "صحيح مسلم".
(3) "صحيح مسلم": (5/46) ؛ (فؤاد- 3/1213- رقم: 1591) .(4/34)
عبيد قال: أُتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام خيبر بقلادة- فيها خرز مغلفة بذهب-، فابتاعها رجل بسبعة دنانير- أو: بتسعة دنانير-، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا، حتَّى تميز بينهما ". فقال: إنما أردت الحجارة. فقال: " لا بد، حتَّى تميز بينهما " (1) .
ز: قال مسلمٌ بعد أن روى حديث الليث عن سعيد بن يزيد: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شهيبة وأبو كريب قالا: ثنا ابن مبارك عن سعيد بن يزيد بهذا الإسناد نحوه (2) .
ورواه أبو داود عن جماعة من شيوخه عن ابن المبارك به (3) ، والله أعلم O.
فإن قيل: إنما منع من ذلك لأنَّ الذهب كان أكثر من الثمن، ومتى كان كذلك فالبيع عندنا باطل، وكذلك لو كان الثمن مثل الذهب، لأنَّ الزيادة تكون ربًا.
قلنا: إنَّما احتجاجنا بأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع صحَّة البيع، ومدَّ المنع إلى غاية- هي التمييز والتفصيل- لا لعلة زيادة الثمن.
فإن قالوا: فقد رويتم أن الثمن: سبعة أو تسعة، ورويتم: اثني عشر.
قلنا: يحتمل أن يكون قضيتين.
*****
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/3) .
(2) "صحيح مسلم": (5/46) ؛ (فؤاد- 3/1214- رقم: 1591) .
(3) "سنن أبي داود": (4/122- 123- رقم: 3344) .(4/35)
مسألة (488) : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان المأكول، ويجوز بغير المأكول، كالعبد والحمار.
وقال أبو حنيفة: يحوز.
وقال مالك: لا يجوز بيع اللحم بحيوان معدٍّ للحم.
2331- قال سعيد بن منصور: ثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيّب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع اللحم بالحيوان.
فإن قالوا: هو مرسلٌ.
قلنا: المراسيل عندنا حجَّة، وقد رُفع، لكن من طريق لا تُرتضى:
2332- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن عليِّ بن حُبيش الناقد ثنا أحمد بن حمَّاد بن سفيان القاضي ثنا يزيد بن عمرو بن البراء الغنويُّ (1) ثنا يزيد بن مروان ثنا مالك بن أنس عن الزهريِّ عن سهل بن سعد قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع اللحم بالحيوان.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به يزيد بن مروان عن مالك بهذا الإسناد، ولم يتابع عليه، وصوابه في "الموطأ": عن ابن المسيَّب مرسلا (3) .
قال المصنِّف: قلت: قال يحيى بن معين: يزيد بن مروان كذَّاب (3) .
وقال أبو حاتم بن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال (4) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: ابن حبيش وابن حماد ثقتان، والغنوي ينظر فيه) اهـ
(2) "سنن الدارقطني": (3/70- 71) .
(3) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 235- رقم: 913) .
(4) "المجروحون": (3/105) .(4/36)
ز: أصحُّ شيء روي في هذا مرسل سعيد بن المسيَّب، وقد رواه مالك عن زيد بن أسلم عنه.
2333- قال ابن خزيمة: حدَّثنا أحمد بن حفص السَّلَميُّ قال:
حدَّثني أبي حدَّثني إبراهيم بن طَهمان عن الحجَّاج بن الحجَّاج عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن تباع الشاة باللحم.
قال البيهقيُّ: هذا إسناد صحيح، ومَنْ أثبت سماع الحسن البصريِّ من سمرة بن جُندب عدَّه موصولاً، ومَنْ لم يثبته فهو مرسلٌ جيِّدٌ، انضم إلى مرسل سعيد بن المسيَّب والقاسم بن أبي بزَّة، وقول أبي بكر الصدِّيق
رضي الله عنه (1) O.
*****
__________
(1) "سنن البيهقي": (5/296) .(4/37)
مسائل
الشروط في البيع والصبر
مسألة (489) : إذا باعه بشرط العتق، فالشرط والبيع صحيحان.
وعنه: يبطل الشرط.
وعن الشافعيِّ كالروايتين.
وقال أبو حنيفة: يبطل البيع.
لنا:
أنَ عائشة اشترت بَريرة بشرط العتق، فأجاز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وصحَّح البيع والشرط، وإنَّما بيَّن بطلان شرط الولاء لغير المعتق، ولم يذكر بطلان شرط العتق.
2334- قال البخاريُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله ثنا سفيان عن يحيى عن عمرة عن عائشة قالت: أتتها بَريرة تسألها في كتابتها، فقالت: إن شئت أعطيتُ أهلك، ويكون الولاء لي. وقال أهلها: إن شئت أعتقتها، ويكون
الولاء لنا. فلما جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت له ذلك، فقال: " ابتاعيها وأعتقيها، فإنَّما الولاء لمن أعتق " (1) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/123) ؛ (فتح- 1/354- رقم: 2735) .(4/38)
2335- قال مسلم: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال قال: حدَّثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها، فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء،
فذكرت ذلك لرسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا يمنعك ذلك، فإنَّما الولاء لمن أعتق ".
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1) .
*****
مسألة (490) : يجوز اشتراط منفعة المبيع مدَّة معلومة، مثل: أن يبيع دارًا ويشترط سكناها شهرًا، أو عبدًا ويشترط خدمته سنةً، أو فِلْعة (2) ويشترط على البائع حذوها (3) ، أو جُرْزَةً (4) ويشترط حملَها، خلافًا لأكثرهم
في أنَّه لا يجوز.
ووافقنا أبو حنيفة في الفِلْعة والجُرْزَة، ومالكٌ في الزمان اليسير دون الكثير.
2336- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن زكريا قال: حدَّثني عامر عن جابر بن عبد الله قال: كنت أسير على جملٍ لي فأعيا، فأردت
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/216) ؛ (فؤاد- 2/1145- رقم: 1505) .
(2) قال النووي في " تهذيب الأسماء ": (3/255- فلع) : (الفلعة: بكسر الفاء وإسكان اللام، وجمعها: فلع، على وزن: قربة وقرب. وقال الشيخ الإمام أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي الزاهد رحمه الله في كتابه " التهذيب في المذهب " في باب السلم: الفلع هي النعال غير المشركة ... الخ) ا. هـ
(3) في "التحقيق": (أو قلعة ويشترط عل البائع حدودها) !!
(4) في " المصباح المنير ": (ص: 96) : (القبضة من القَتِّ ونحوه أو الحزمة) ا. هـ(4/39)
أن أسيِّبه، فلحقني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربه برجله، ودعا له، فسار سيًرا لم يسر مثله، وقال: " بِعْنِيه بوقيَّة ". فكرهت أن أبيعه، قال: " بِعْنِيه ". فبعته منه، واشترطت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل، فقال: " ظننتَ حين ماكستك أنِّي أذهب بجملك؟! خذ جملك وثمنه، هما لك " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين " (2) .
ز: 2337- قال النسائيُّ: أخبرنا محمَّد بن منصور ثنا سفيان عن أبي الزبر عن جابر قال: أدركني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنت على ناضحٍ لنا، فقلت: لا يزال لنا ناضح سوء، يا لهفاه. فقال النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تبيعنيه يا جابر؟ ". قلت: بل هو لك يا رسول الله. قال: " اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، قد أخذته بكذا
وكذا، وقد أعرتك ظهره إلى المدينة ". فلما قدمت المدينة هيأته، فذهبت به إليه، فقال: " يا بلال، أعطه ثمنه ". فلما أدبرت دعاني، فخفت أن يردَّه، فقال: " هو لك " (3) .
هذا إسنادٌ صحيحٌ، لكنَّ إسناد الاشتراط أصحُّ وأثبتُ، وقد ذكر البخاريُّ الاختلاف في لفظ هذا الحديث، والاختلاف في الثمن، وأطال، ثم قال: وقول الشعبيِّ: " بوقيَّة " أكثرُ وأصحُّ. وقال أيضًا: الاشتراط أكثرُ وأصحُّ عندي O.
2338- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا رضوان بن أحمد الصيدلانيُّ ثنا عبد الله بن محمَّد بن أبي الدنيا ثنا إسماعيل بن زُرارة ثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن
__________
(1) "المسند": (3/299) .
(2) "صحيح البخاري": (3/692- 693) ؛ (فتح- 5/314- رقم: 2718) .
"صحيح مسلم": (5/51) ؛ (فؤاد- 3/1221- رقم: 715) .
(3) "سنن النسائي" (7/299- رقم: 4640) .(4/40)
عن خُصيف عن عروة عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المسلمون عند شروطهم، ما وافق الحقَّ " (1) .
2339- وعن خُصيف عن عطاء بن أبي رباح عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلمون على شروطهم، ما وافق الحقَّ من ذلك ".
ز: هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيفٌ، وهو غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن"، وقد أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2) .
وعبد العزيز بن عبد الرحمن هو: أبو الأصبغ القرشيُّ البالسيُّ، وهو أحد الضعفاء، قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: عرضت على أبي أحاديث سمعتها من إسماعيل بن عبد الله بن زُرارة السكونيِّ (3) الرقِّيِّ عن عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي عن خُصيف، فقال لي: عبد العزيز هذا اضرب على حديثه، هي كذب- أو قال: موضوعة-. فضربت على أحاديثه (4) . وقال ابن عَدِيٍّ: إذا حدَّث عن خُصيف ثقةٌ فلا بأس به وبرواياته، إلا أن يروي عنه عبد العزيز بن عبد الرحمن البالسيُّ - يُكْنَى أبا الأصبغ- فإنَّ رواياته عنه بواطيل، والبلاء من عبد العزيز لا من خُصيف (5) .
2340- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عندان أنا أحمد بن عبيد ثنا محمَّد بن خلف المروزيُّ ثنا إبراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز بن أبي حازم وسفيان بن حمزة عن كثير بن [زيد] (6) عن الوليد بن رباح عن أبي
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/27) .
(2) "المستدرك": (2/50) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "العلل": (السكري) .
(4) "العلل" برواية عبد الله: (3/318- 319- رقم: 5419) باختصار.
(5) "الكامل": (3/72- رقم: 619) .
(6) في الأصل: (يزيد) ، والتصويب من (ب) و"سنن البيهقي".(4/41)
هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المسلمون على شروطهم ".
قال: وزاد سفيان في حديثه: " ما وافق الحقَّ منها ". وقد روينا ذلك بزيادته من حديث خُصيف عن عروة عن عائشة، وعن عطاء عن أنس بن مالكٍ مرفوعًا (1) O.
*****
__________
(1) "سنن البيهقي": (6/79) .(4/42)
مسائل الثمار
مسألة (491) : إذا باع نخلا عليها طَلْعٌ غير مؤبَّر، فالثمرة للمشتري، إلا أن يشترطها البائع.
وقال أبو حنيفة: هي للبائع.
2341- قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من باع نخلا مؤبَرا فالثمرة للبائع، إلا أن يشترط المبتاع " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
ووجه الحجَّة: أنَّه جعلها للبائع بشرط التأبير.
*****
مسألة (492) : لا يجوز بيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها، إلا أن يشترط القطع.
وقال أبو حنيفة: يجوز، ويؤمر بالقطع.
__________
(1) "المسند": (2/9) .
(2) "صحيح البخاري": (3/594- 595) ؛ (فتح- 5/49- رقم: 2379) .
"صحيح مسلم": (5/17) ؛ (فؤاد- 3/1173- رقم: 1543) .(4/43)
2342- قال الإمام أحمد: ثنا حسن بن موسى ثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الثمر حتَّى يطيب (1) .
أخرجاه في "الصحيحين".
ز: هذا الحديث رواه مسلم وحده من حديث زهير عن أبي الزبير (2) O.
2343- وقال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أحمد بن منيع ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع النخل حتَّى يزهو، وعن بيع السنبل حتَّى يبيضَّ وتأمن العاهة، نهى البائع والمشتري (3) .
ز: روى هذا الحديث مسلمٌ (4) وأبو داود (5) والنسائيُّ (6) من حديث إسماعيل بن عليَّة، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (7) O.
2343- قال الترمذيُّ: وثنا الحسن بن عليٍّ الخلال ثنا عفان ثنا حمَّاد بن سلمة عن حُميد عن أنس: أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع العنب حتَّى يسودَّ، وعن بيع الحبِّ حتَّى يشتدَّ.
قال الترمذيُّ: الأوَّل حديثٌ صحيحٌ (8) ، وحديث أنس غريبٌ (9) ،
__________
(1) "المسند": (3/312) .
(2) "صحيح مسلم": (5/12) ؛ (فؤاد- 3/1167- رقم: 1536) .
(3) "الجامع": (2/510- رقم: 1226) .
(4) "صحيح مسلم" (5/11) ؛ (فؤاد- 3/1165- 1166- رقم: 1535) .
(5) "سنن أبي داود": (4/129- رقم: 3361) .
(6) "سنن النسائي": (7/270- رقم: 4551) .
(7) في (ب) : (حسن) فقط.
(8) في "الجامع": (حسن صحيح) .
(9) في "الجامع": (حسن غريب) .(4/44)
لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث حمَّاد بن سلمة (1) .
ز: رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجة (4) وابن حِبَّان (5) والحاكم وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرجاه (6) O.
*****
مسألة (493) : إذا باع بعد بدوِّ الصلاح بشرط التبقية صحَّ.
وقال أبو حنيفة: البيع باطلٌ.
لنا:
نهيه عليه السلام في الحديث المتقدِّم عن بيع الثمرة حتَى يبدو صلاحها، و" حتَّى " للغاية، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها، وقد ثبت أنَّه لا يجوز البيع قبل الغاية بشرط التبقية، فينبغي أن يكون ما بعده على ضدِّه.
*****
مسألة (494) : يجوز بيع الباقلاء في قشره الأعلى، والحنطة في سنبلها، وكذلك الجوز واللوز.
__________
(1) "الجامع": (2/510- 511- رقم: 1228) .
(2) "المسند": (3/221) .
(3) "سنن أبي داود" (4/130- رقم: 3364) .
(4) "سنن ابن ماجة" (2/747- رقم: 2217) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (11/369- رقم: 4993) .
(6) "المستدرك": (2/19) .(4/45)
وقال الشافعيُّ: لا يجوز.
لنا:
نهيه عليه السلام في الحديث المتقدِّم عن بيع الحبِّ حتَّى يشتدَّ، وهذا قد اشتدَّ.
*****
مسألة (495) : ما تهلكه الجوائح فهو من ضمان البائع.
وعنه: إن كان ذلك الثلث فصاعدا فهو من ضمان البائع، وما دون الثلث من ضمان المشترى، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: جميع ذلك من ضمان المشتري.
لنا:
2345- ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا سفيان عن حُميد الأعرج عن سليمان بن عتيق المكيِّ عن جابر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع السنين، ووضع الجوائح (1) .
2346- وقال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا بشر بن الحكم ثنا سفيان بن عيينة عن حُميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بوضع الجوائح.
2347- قال مسلمٌ: وحدَّثنا أبو الطاهر أنا ابن وهب عن ابن جريج أنَّ أبا الزبير أخبره عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن بعت من
__________
(1) "المسند": (3/309) ، وفي "التحقيق": (وأمر بوضع الجوائح) .(4/46)
أخيك ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يحلُّ لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حقٍّ؟! ".
انفرد بإخراج الطرق الثلاثة مسلمٌ (1) .
ز: كذا قال، وإنَّما ذكر طريقين: طريق سليمان بن عتيق، وطريق أبي الزبر، كلاهما عن جابر.
وقد روى حديث سليمان: أبو داود (2) والنسائيُّ (3) أيضًا.
وروى حديث أبي الزبير: أبو داود (4) والنسائيُّ (5) وابن ماجة (6) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (496) : يجوز بيع العرايا- وهو: بيع الرُّطَبِ على رؤوس النخل بخَرْصِه تمرًا على الأرض-، وهل يجوز ذلك في سائر الثمار التي لها رطب ويابس؟ على وجهين.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
2348- قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن مصعب ثنا الأوزاعيُّ عن
__________
(1) "صحيح مسلم": (5/29) ؛ (فؤاد- 3/1190- 1191- رقم: 1554) .
(2) "سنن أبي داود": (4/132- رقم: 3367) .
(3) "سنن النسائي": (7/265، 266- رقمي: 4259، 4531) .
(4) "سنن أبي داود": (4/172- رقم: 3464) .
(5) "سنن النسائي": (7/264- 265- رقم: 4527) .
(6) "سنن ابن ماجة": (2/747- رقم: 2219) .(4/47)
الزهريِّ عن سالم عن ابن عمر عن زيد بن ثابت: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص في بيع العرايا أن تباع بخرصها، ولم يرخِّص في غير ذلك (1) .
2349- طريقٌ ثانٍ: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: أخبرني زيد بن ثابت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص في العريَّة أن تؤخذ بمثل خرصها تمرًا، يأكلها أهلها رطبًا (2) .
الطريقان في "الصحيحين" (3) .
2350- طريقٌ ثالثٌ: قال أحمد: وحدَّثنا [سريج] (4) بن يونس ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد أنَّ زيد بن ثابت قال: رخَّص رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيع العرايا أن تباع بخَرْصها كيلاً (5) .
ز: كذا فيه: (ثنا [سريج] (6) بن يونس) وهو وهم، والذي في "المسند": (ثنا [سريج] (7) ثنا ابن أبي الزناد) ولم ينسبه، وهو [سريج] (8) ابن النعمان، ولم يرو أحمد عن [سريج] (9) بن يونس، ولا روى [سريج] (10) بن يونس عن ابن أبي الزناد، لكن عبد الله بن الإمام أحمد روى عن [سريج] (11) بن يونس.
__________
(1) "المسند": (5/182) ؛ "صحيح البخاري": (3/542) ، (فتح- 4/383- 384- رقم: 2184) ؛ "صحيح مسلم": (5/12- 13) ، (فؤاد- 3/1167- 1168- رقم: 1539) .
(2) "المسند": (5/190) ؛ "صحيح البخاري": (3/595) ، (فتح- 5/50- رقم: 3380) ؛ "صحيح مسلم": (5/13) ، (فؤاد- 3/1169- رقم: 1539) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: لم يخرجاه من طريق الأوزاعي) ا. هـ
(4) في الأصل و (ب) و"التحقيق": (شريح) ، والتصويب من "المسند".
(5) "المسند": (5/181) .
(6، 7، 8، 9، 10، 11) في الأصل و (ب) : (شريح) خطأ.(4/48)
ولم يخرِّج هذا الإسناد أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة"، وهو إسنادٌ حسنٌ، وابن أبي الزناد: وثَّقه مالكٌ (1) ، وتكلَّم فيه بعض الأئمة O.
2351- طريقٌ رابعٌ: قال أحمد: وحدَّثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار عن سهل بن أبي حَثْمة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع التمر بالتمر، ورخَّص في العرايا أن تُشترى بخَرْصِها، يأكلها أهلها رطبا (2) .
أخرجاه في "الصحيحين" (3) .
2352- طريقٌ خامسٌ: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرحمن عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص في العرايا أن تباع بخَرْصِها، في خمسة أوسق- أو فيما دون خمسة- (4) .
أخرجاه في "الصحيحين" (5) .
*****
فصلٌ (497) : ولا يجوز ذلك نسيئة.
__________
(1) انظر ما تقدم تحت الرقم: (378) .
(2) "المسند": (2/4) .
(3) "صحيح البخاري": (3/543) ؛ (فتح- 4/387- رقم: 2191) .
"صحيح مسلم": (5/14- 15) ؛ (فؤاد- 3/1170- رقم: 1540) .
(4) "المسند": (2/237) .
(5) "صحيح البخاري": (3/543) ؛ (فتح- 4/387- رقم: 2190) .
"صحيح مسلم": (5/15) ؛ (فؤاد- 3/1171- رقم: 1541) .(4/49)
وقال مالك: يجوز.
لنا:
حديث سعد، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الرطب بالتمر نسيئة.
وقد ذكرناه والكلام عليه في: بيع الرطب بالتمر (1) .
فصلٌ (498) : ولا يجوز ذلك إلا عند الحاجة، وهو أن لا يكون للرجل ما يشتري به الرُّطَبَ غير التمر، خلافًا للشافعيِّ.
قال أصحابنا: إنما ورد رخصة عند الحاجة، فإنَّ قومًا شكوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: إنَّه يجيء الرُّطَبُ وليس في أيدينا إلا فضول تمرنا، فأباحهم ذلك.
ز: 2352/أ- قال الإمام موفق الدين في كتاب "الكافي": روى محمود بن لَبِيْد قال: قلت لزيد بن ثابتٍ: ما عراياكم هذه؟ فسمَّى رجالاً محتاجين من الأنصار، شكوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّ الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رُطَبًا يأكلونه، وعندهم فضولٌ من التمر، فرخَّص لهم أن يبتاعوا العريَّة بخَرْصِها من التمر، يكلونه رُطَبًا.
متفقٌ عليه (2) .
__________
(1) رقم: (2324) .
(2) "الكافي": (3/94) .(4/50)
كذا قال! وهو وهمٌ، فإنَّ هذا الحديث لم يخرَّج في "الصحيحين"، بل ولا في "السنن"، وليس لمحمود بن لَبِيْد رواية عن زيدٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وليس هذا الحديث في "مسند الإمام أحمد"، ولا "السنن الكبير" للبيهقيِّ، وقد فتَّشتُ عليه في كتب كثيرة فلم أر له سندًا.
وقد ذكره الشافعيُّ في كتاب البيوع، في باب العرايا، بلا إسناد (1) ، وأنكر عليه ابن داود الظاهريُّ، وردَّ عليه أبو شريح في إنكاره، وقد ذكرت كلامهما في غير هذا الموضع، والله أعلم O.
فصلٌ (499) : ولا يجوز إلا فيما دون خمسة أوسق.
وقال الشافعيُّ: تجوز في خمسة أوسق، ولا تجوز فيما زاد.
لنا:
الحديث المتقدِّم، وهو واردٌ فيما دون خمسة أوسق بيقين، وفي الخمسة مشكوكٌ، فوجب أن يسقط المشكوك.
*****
__________
(1) "الأم": (3/54) ، وانظر: "المعرفة" للبيهقي: (4/342- 343) .(4/51)
مسائل القبض
مسألة (500) : يجوز للمشتري التصرُّف في المبيع المتعيِّن قبل قبضه.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا يجوز، إلا أنَّ أبا حنيفة وافقنا في العقار.
لنا:
2353- ما روى الإمام أحمد بن حنبل: ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن سِماك عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبَقِيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فأتيت النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد أن يدخل حُجْرَته، فأخذت بثوبه، فسألته، فقال: " إذا أخذت واحدًا منهما بالآخر، فلا يفارقك وبينك وبينه بيعٌ " (1) .
ز: هذا الحديث رواه أصحاب " السنن الأربعة " من حديث سِماك (2) ، وصحَّحه الدَّارَقُطْنِيُّ (3) والحاكم (4) ، وقال التزمذيُّ: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سِماك، وروى داود بن أبي هند هذا عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر
__________
(1) "المسند": (2/154) .
(2) "سنن أبي داود": (4/124- رقم: 3347) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/523- رقم: 1242) ؛ "سنن النسائي": (7/281- 282- رقم: 4582) ؛ " سنن ابن ماجة ": (2/760- رقم: 2262) .
(3) لم نقف على تصحيح الدارقطني، بل قد قال في "العلل": (4/ق: 73/ب) - بعد أن ذكر الاختلاف فيه-: (ولم يرفعه غير سماك، وسماك سيء الحفظ) اهـ
والحديث خرجه الدارقطني في "سننه": (3/23- 24) .
(4) "المستدرك": (2/44) .(4/52)
موقوف.
ورواه النسائيُّ من رواية أبي هاشم عن سعيد عن ابن عمر قوله (1) ، ومن رواية موسى بن نافع عن سعيد قوله (2) .
2354- وقال عبد الله بن أحمد: حدَّثني أبي عن أبي داود قال: كنت عند شعبة، فجاءه خالد بن طليق- يعني: ابن محمَّد بن عمران بن حُصين، قال عبد الله: لا أدري كان قاضي أو أمير البصرة- قال: فسأله عن حديث
سِماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اقتضاء الذهب من الوَرِق، أو الوَرِق من الذهب، فقال له شعبة: أصلحك الله، حدَّثني قتادة عن سعيد بن المسيِّب عن ابن عمر لم يرفعه، وحدَّثني داود بن أبي هند عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر لم يرفعه. قال: وحدَّثني فلان ذكر رجلا- قال أبو عبد الرحمن: أراه أيُّوب، ولكن سقط- عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر لم يرفعه، ورفعه سماك، وأنا أهابه (3) .
2355- وقال البخاريُّ في "التاريخ ": محمَّد بن بيان التغلبيُّ، أخو عمر بن بيان، قال أبو عبد الله: قال لنا مالك بن إسماعيل عن شَريك عن ابن أبي ليلى عن محمَّد بن بيان عن ابن عمر: كره أخذ الدنانير من الدراهم في القرض. ولم ير في البيع بأسًا.
وقال سعيد بن المسيَّب وغيره عن ابن عمر: لا بأس به. وهذا أصح.
2356- وقال لنا المقرئ وآدم: ثنا حمَّاد بن سلمة عن سِماك عن سعيد ابن جبير عن ابن عمر: كنت أبيع ... ، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بأس به ".
__________
(1) "سنن النسائي": (7/282- رقم: 4585) .
(2) "سنن النسائي": (7/282- رقم: 4584) .
(3) "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/215- رقم: 4792) تحت ترجمة سماك.(4/53)
وروى داود عن سعيد عن ابن عمر قوله (1) O.
احتجُّوا بثلاثة أحاديث:
2357- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن عمرو عن طاوس قال: سمعت ابن عبَّاس قال: أمَّا الذي نهى عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يباع حتَّى يقبض فالطعام. قال ابن عبَّاس (2) : ولا أحسب كلَّ شيء إلا مثله (3) .
أخرجاه في "الصحيحين" (4) .
2358- الحديث الثاني: قال أحمد: حدَّثنا حسن بن موسى ثنا شيبان (5) عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عِصْمة عن حَكِيم بن حزام قال: قلت: يا رسول الله، إنِّي رجلٌ
أبتاع هذه البيوع، فما يحلُّ لي منها، وما يحرم عليَّ منها؟ قال: " يا ابن أخي، لا تبيعن شيئًا حتَّى تقبضه " (6) .
ز: رواه النسائيُّ عن إسحاق بن منصور عن عبيد الله بن موسى عن شيبان به، ورواه من رواية هشام الدَّستوائيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن رجلٍ عن
__________
(1) "التاريخ الكبير": (1/45- 46- رقم: 90) .
(2) في "المسند" زيادة: (برأيه) .
(3) "المسند": (1/221) .
(4) "صحيح البخاري": (3/533- 534) ؛ (فتح- 4/349- رقم: 2135) .
"صحيح مسلم": (5/7) ؛ (فؤاد- 3/1159- رقم: 1525) .
(5) في "أطراف المسند": (سفيان) خطأ.
(6) لم نقف عليه في مطبوعة "المسند"، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في "أطرافه": (2/283- رقم: 2272) .
وقد خرجه من طريق الإمام أحمد: الحافظ المزي في "تهذيب الكمال": (15/310- رقم: 3427) تحت ترجمة عبد الله بن عصمة الجشمي.(4/54)
يوسف بن ماهك به (1) .
وقال أبو محمَّد بن حزم: عبد الله بن عِصْمة مجهولٌ (2) . وصحَّح الحديث من رواية يوسف نفسه عن حكيم، لأنَّه قد جاء التصريح بسماعه منه في هذا الحديث في بعض الروايات، والصحيح أنَّ بين يوسف وحكيم في هذا
الحديث: عبد الله بن عصمة، وهو الجشميُّ، حجازيُّ، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (3) .
وقال عبد الحق- بعد ذكره هذا الحديث-: عبد الله بن عصمة ضعيفٌ جدًّا (4) . وتبعهُ على تضعيفه ابنُ القطَّان (5) ، وكلاهما مخطئ في ذلك، وقد اشتبه عليهما: عبد الله بن عصْمة هذا، بالنصيبيِّ، أو غيره ممن يسمَّى:
عبد الله بن عِصْمة، والله أعلم O.
2359- الحديث الثالث: قال أحمد: حدَّثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني أبو الزناد عن عبيد بن [حنين] (6) عن عبد الله بن عمر قال: قدم رجلٌ من أهل الشَّام بزيتٍ، فساومتُه فيمن ساومه به من التجَّار،
حتَّى ابتعته منه، فقام إليَّ رجلٌ فأربحني فيه حتَّى أرضاني، فأخذت بيده
__________
(1) لم نقف عليه في مطبوعتي كتابي النسائي، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (3/76- رقم: 3428) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، والذي وقفنا عليه في المحلى ": (7/473- المسألة: 1508) أنه قال عنه: (متروك) ، وهو الموافق لما نقله عنه الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": (5/281- رقم: 549) ، وما ذكره المنقح موافق لما نقله ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام ": (2/320- رقم: 310) ، فالله تعالى أعلم.
(3) "الثقات": (5/27) وقال: (شيخ يروي عن حكيم ... ) .
(4) " الأحكام الوسطى ": (3/238) .
(5) " بيان الوهم والإيهام ": (2/323- رقم: 310) .
(6) في الأصل: (حسين) والتصويب من (ب) و"المسند".(4/55)
لأضرب عليها، فأخذ رجلٌ بذراعي من خلفي، فالتفتُ إليه، فإذا زيد بن ثابتٍ، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتَّى تَحُوزَه إلى رحلك، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى عن ذلك. فأمسكت يدي (1) .
وقد حمل أصحابنا هذه الأحاديث على غير المتميِّز.
ز: روى هذا الحديث: أبو داود عن محمَّد بن عوف الطائيُّ عن أحمد ابن خالد الوهبيِّ عن ابن إسحاق بنحوه (2) ، ورواه أبو حاتم البستيُّ عن أبي يعلى الموصليِّ عن أبي خيثمة عن يعقوب به (3) ، وأخرجه الحاكم في
"المستدرك" (4) .
وإسناده جيِّدٌ، وقد صرَّح فيه ابن إسحاق بالتحديث، والله أعلم O.
*****
مسألة (501) : التخلية في المبيع المنقول ليست قبضًا.
وعنه: أنَّها قبضٌ، كقول أبي حنيفة.
2360- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد ثنا عبيد الله ثنا نافع عن عبد الله قال: كانوا يتبايعون الطعام جِزَافًا في أعلى السوق (5) ، فنهاهم
__________
(1) "المسند": (5/191) .
(2) "سنن أبي داود": (4/180- رقم: 3493) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (11/360- رقم:4984) .
(4) "المستدرك": (2/40) .
(5) كذا بالأصل، وفي الهامش: (ص: على) . وفي (ب) : (على أعلى السوق) ، وفي "التحقيق" و"المسند": (على السوق) ، وما بالأصل موافق لرواية البخاري.(4/56)
رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيعوه حتَّى ينقلوه (1) .
2361- قال أحمد: وحدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال: أخبرني عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: عن النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتَّى يقبضه " (2) .
الطريقان في "الصحيحين".
وفي حديث ابن عمر في المسألة قبلها دليل لنا أيضًا.
*****
مسألة (502) : إذا تلف المبيع المتعيِّن قبل قبضه، فهو من ضمان المشتري.
وقال مالك: يكون من ضمانه إن امتنع من القبض مع قدرته عليه.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: هو من ضمان البائع، وعن أحمد نحوه.
2362- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى عن ابن أبي ذئب قال: حدَّثني مخلد بن خُفاف بن إيماء عن عروة عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخراج بالضمان " (3) .
__________
(1) "المسند": (2/15) ؛ "صحيح البخاري": (3/539) ، (فتح- 4/375- رقم: 2167) ؛ "صحيح مسلم": (5/8) ؛ (فؤاد- 3/1161- رقم: 1526) .
(2) "المسند": (2/108) ؛ "صحيح البخاري": (3/533) ، (فتح- 4/347- رقم: 2133) ؛ "صحيح مسلم": (5/8) ، (فؤاد- 3/1161- رقم: 1526) .
(3) "المسند": (6/49) .(4/57)
2363- قال أحمد: وحدَّثنا إسحاق بن عيسى قال: حدَّثني مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أنَّ رجلاً ابتاع غلامًا له، فاستغلَّه، ثم وجد به عيبًا، فردَّه بالعيب، فقال البائع: غَلَّةُ عبدي. فقال النبيُّ: " الغلَّة بالضمان " (1) .
قال أبو عبيد: معنى الحديث: أن الرجل يشتري المملوك فيستغلُّه، ثم يجد به عيبًا كان عند البائع، فيقتضي أنه يرد العبد على البائع بالعيب، ويرجع بالثمن فيأخذه، وتكون له الغلَّة طيِّبة- وهي الخراج-، وإنما طابت له لأنَّه
كان ضامنًا للعبد، لو مات مات (2) من مال المشتري لأنَّه في يده.
ز: حديث ابن أبي ذئب عن مخلد: رواه أصحاب " السنن الأربعة " (3) ، وحسَّنه الترمذيُّ (4) ، وصحَّحه ابن القطَّان، ووهم صاحب "الإلمام" في حكايته عن الترمذيِّ تصحيحه (5) .
__________
(1) "المسند": (6/80) .
(2) فوقها بالأصل: (ص) إشارة إلى صحة تكرار الكلمة.
(3) "سنن أبي داود": (4/183- رقم: 3502) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/561- رقم: 1285) ؛ "سنن النسائي": (7/254- 255- رقم: 4490) ؛ " سنن ابن ماجة ": (2/754- رقم: 2242) .
(4) في مطبوعة "الجامع": (حسن صحيح) ، وكذا في "تحفة الأشراف": (12/119- رقم: 16755) .
(5) "الإلمام": (2/507- رقم: 996) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: لم يهم صاحب "الإلمام"، وإنما وقع للمؤلف نسخة سقط منها التصحيح فاعتقد أن الترمذي لم يقله، وقد وقع في النسخ الصحيحة من الترمذي إثبات التصحيح. وذكره الحافظ المنذري في "مختصر السنن" من رواية يحيى بن خلف) اهـ وهذه الحاشية ليست للمنقح كما هو ظاهر.
وانظر: " مختصر سنن أبي داود ": (5/161- رقم: 3367) .(4/58)
وحديث الزنجيِّ عن هشام: رواه أبو داود (1) وابن ماجة (2) والحاكم وصحَّحه (3) ، وقال أبو داود: هذا إسناد ليس بذاك.
ورواه الترمذيُّ عن يحيى بن خلف عن عمر بن عليٍّ- وهو المقُدَّمِيُّ- عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى أنَّ الخراج بالضمان.
وقال: حسنٌ غريبٌ من حديث هشام بن عروة، واستغرب محمَّد بن إسماعيل هذا من حديث عمر بن عليٍّ، ورواه مسلم بن خالد الزِّنجيُّ وجرير عن هشام، وحديث جرير يقال: إنَّه تدليس، لم يسمعه من هشام (4) O.
*****
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/184- رقم: 3504) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/754- رقم: 2243) .
(3) "المستدرك": (2/15) .
(4) "الجامع": (2/561- 562- رقم: 1286) باختصار وتصرف.(4/59)
مسائل الردِّ بالتدليس والعيب
مسألة (503) : إذا اشترى مُصَرَّاة ثبت له خيار الفسخ.
وقال أبو حنيفة: لا يثبت.
2364- قال البخاريُّ: حدَّثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله-جمع قال: " لا تُصَرُّوا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردَّها
وصاعًا من تمر " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
*****
مسألة (504) : إذا اشترى حيوانا وقبضه، فحدثَ به عنده عيبٌ، لم يثبت له الفسخ.
وقال مالكٌ: إن حدث في مدَّة ثلاثة أيَّام ملك، إلا: الجذام والبرص والجنون، فإنَّه يملك بها الفسخ إلى سنة.
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/537) ؛ (فتح- 4/361- رقم: 2150) .
(2) "صحيح مسلم": (5/4) ؛ (فؤاد- 3/1155- رقم: 1515) .(4/60)
ونحن نقيس على ما لو ظهر بعد السنة.
احتجُّوا بما:
2365- روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الصمد ثنا هشام عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عهدة الرقيق أربع ليالٍ ". قال قتادة: وأهل المدينة يقولون: ثلاث ليال (1) .
2366- قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عهدة الرقيق ثلاثة أيام " (2)
2367- وقال ابن ماجة: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير ثنا عَبْدة (3) ابن سليمان عن سعيد (4) عن قتادة عن الحسن- إن شاء الله- عن سَمُرة بن جُنْدُب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عهد" الرقيق ثلاثة أيَّام " (5) .
والجواب:
قال أحمد: ليس فيه حديثٌ صحيحٌ، ولا يثبت [حديث العهدة] (6) .
ز: حديث الحسن عن عقبة: رواه أبو داود عن مسلم عن أبان عن قتادة به، وعن هارون بن عبد الله عن عبد الصمد [عن] (7) همَّام عن قتادة
__________
(1) "المسند": (4/150) .
(2) "المسند": (4/152) .
(3) في "التحقيق": (عبد الله) ، والصواب ما بالأصل.
(4) في "التحقيق": (شعبة) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/754- رقم: 2244) .
(6) في الأصل: (ولا يثبت فيه حديث صحيح) وهو معنى مكرر، والمثبت من "التحقيق"، وفي (ب) : (ولا يثبت العهدة) فكأن كلمة (حديث) سقطت، والله أعلم.
(7) في الأصل: (بن) ، والتصويب من (ب) .(4/61)
بإسناده ومعناه، وهو أتمُّ (1) .
وقد تقدَّم رواية الإمام أحمد له عن عبد الصمد عن هشام، فكأنَّ عبد الصمد رواه عنهما.
ورواه ابن ماجة عن عمرو بن رافع عن هُشيم عن يونس عن الحسن نحوه: " لا عهد" من بعد أربع " (2) .
2368- وقال أحمد: حدَّثنا هُشيم أخبرني يونس عن الحسن عن عقبة ابن عامر الجهنيِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عهدة بعد أربع " (3) .
وقال عليُّ بن المدينيِّ: لم يسمع الحسن من عقبة شيئًا (4) .
2369- وقال الطبرانيُّ: حدَّثنا عُبيد بن غنَّام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، (ح) قال: وحدَّثنا عبدان بن أحمد ثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير، قالا: ثنا عَبْدة بن سليمان ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عهدة الرقيق ثلاثة أيَّام " (5) .
ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن ابن نُمير به.
والخلاف في سماع الحسن من سَمُرة مشهورٌ، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/182- 183- رقمي: 3500- 3501) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/754- رقم: 2245) .
(3) "المسند": (4/143) .
(4) "العلل": (ص: 57- رقم:68) .
(5) "المعجم الكبير": (7/210- رقم: 6874) .(4/62)
مسألة (505) : شرط البراءة من العيوب حال العقد لا يصحُّ، وهل يبطل العقد أم لا؟ مبنيٌّ على الشروط الفاسدة، هل تُبطل العقد؟ على روايتين.
وعنه: أنَّه يصحُّ البراءة من العيوب التي لم يعلمها ويدلسها (1) ، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: يصحُّ بكلِّ حالٍ.
وعن الشافعيِّ: كقولنا، وكقول أبي حنيفة، وقول ثالثٌ: إن كان العيب ظاهرًا لم يصح، وإن كان باطنًا صحَّ.
2370- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لَهِيعةَ عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شِمَاسة عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلم أخو المسلم، لا يحلُّ لامرئ مسلم أن يغيِّب ما بسلعته عن أخيه إن علم بذلك تركها " (2) .
ز: روى هذا الحديث ابن ماجة عن ابن بشَّار عن وهب بن جرير عن أبيه عن يحيى بن أيُّوب عن يزيد، ولفظه: " المسلم أخو المسلم، ولا يحلُّ لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيبٌ إلا بيَّنه له " (3) .
ورواه الحاكم من رواية يحيى بن أيُّوب، وقال: على شرط البخاريِّ ومسلم (4) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق": (التي يعلمها ويدلسها) ، ويدل على صحة ما فيه أن الذهبي قال في "تنقيحه": (وعنه: أنه تصح البراءة من العيوب المعلومة، وبه قال مالك) اهـ
(2) "المسند": (4/158) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/755- رقم: 2246) .
(4) "المستدرك": (2/8) .(4/63)
وقد روى مسلمٌ من حديث الليث وغيره عن يزيد بإسناده: " المؤمن أخو المؤمن، ولا يحلُّ للمؤمن أن لمتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، حتَّى يذر " (1) .
كذا رواه.
وقال البخاريُّ في "صحيحه": وقال عقبة بن عامر: لا يحلُّ لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبر به (2) .
هكذا ذكره موقوفًا معلقًا O.
2371- قال أحمد: ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ثنا أبوجعفر الرازيُّ ثنا أبو سباع (3) قال: اشتريت ناقةً، فلما خرجت بها، أدركَنا واثلة بن الأَشقع وهو يجرُّ رداءه، فقال: يا عبد الله، اشتريت؟ قلت: نعم. قال: هل بيَّن
لك ما فيها؟ قلت: وما فيها؟! إنَّها لسمينةٌ ظاهرةُ الصَّحة؟! فقال: أردت بها سفرًا، أم أردت بها لحمًا؟ قلت: بل أردت عليها الحجَّ. قال: فإنَّ بخفِّها نقبًا. فقال صاحبها: أصلحك الله، ما تريد إلى هذا؟ تفسد عليَّ! قال: إني
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يحلُّ لأحد يبيع شيئًا إلا بيَّن ما فيه، ولا يحلُّ لمن يعلم ذلك إلا بيَّنه " (4) .
ز: هذا الإسناد غير مخرَّج في شيء من "الكتب السِّتَّة".
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/139) ؛ (فؤاد- 2/1034- رقم: 1414) .
(2) "صحيح البخاري": (3/520) ؛ (فتح- 4/309- كتاب البيوع- الباب رقم: 19) .
(3) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وسقط بين أبي جعفر وأبو سباع: يزيد بن أبي مالك كما في "المسند" و"أطرافه" لابن حجر: (5/443- رقم: 7513) .
(4) "المسند": (3/491) .(4/64)
وأبو سباع: ليس بالمشهور، ولم أره في كتاب ابن أبي حاتم (1) .
وأبو جعفر الرازيُّ: اسمه عيسى بن ماهان، وهو مختلفٌ فيه.
2372- وقد روى ابن ماجة عن عبد الوهاب بن الضحَّاك عن بقيَّه بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن مكحول وسليمان بن موسى عن واثلة مرفوعًا: " من باع عيبًا لم يبيِّنه لم يزل في مقتٍ من الله، ولم تزل اللائكة تلعنه " (2) .
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ O.
*****
مسألة (506) : يصحُّ الإبراء من الدَّين المجهول.
وعنه: لا يصحُّ، كقول الشافعيِّ.
لنا:
حديث أمِّ سلمة: أنَّ رجلين اختصما إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواريث درست، فقال: " استهما، وتوخَّيا الحقَّ، وليحلُّ كلُّ واحدٍ منكما صاحبَه ".
فجوَّز لهما الإبراء من الحقوق الدارسة، وسيأتي هذا الحديث بإسناده في "مسائل الدعاوى "- إن شاء الله تعالى- (3) .
*****
__________
(1) انظر: " تعجيل المنفعة " لابن حجر: (2/463- رقم: 1277) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/755- رقم: 2247) .
(3) رقم: (3251) .(4/65)
مسألة (507) : العبد لا يملك إذا مُلِّك.
وعنه: يملك، كقول مالك والشافعيِّ في القديم.
ونحن نستدل:
بقول الله تعالى: (لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 76] (1) .
احتجُّوا بحديثين:
2373- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من باع عبدًا وله مالٌ، فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن باع نخلاً مؤبَّرًا، فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع " (2) .
أخرجاه في "الصحيحين " (3) .
2374- الحديث الثاني: قال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب قال: أخبرني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بُكير بن الأشج عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعتق عبدًا وله مالٌ، فمال العبد له، إلا أن يشترط السَّيّد " (4) .
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فإنه أضافه إليه إضافة محلٍّ، كقولهم: السرج
__________
(1) في هامش الأصل: (لا حجة في الآية على ذلك) ا. هـ
(2) "المسند": (2/9) .
(3) "صحيح البخاري": (3/594- 595) ؛ (فتح- 5/49- رقم: 2379) .
"صحيح مسلم": (5/17) ؛ (فؤاد - 3/1173- رقم: 1543) .
(4) "سنن أبي داود": (4/363- رقم: 3958) .(4/66)
للدابة.
والجواب عن الثاني: قال أحمد بن حنبل: عبيد الله بن أبي جعفر ليس بالقويِّ في الحديث (1) .
ز: حديث الليث عن عبيد الله: رواه النسائيُّ (2) وابن ماجة (3) ، وقد رواه النسائيُّ أيضًا عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب عن الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع، وليس فيه: بكير (4) ، وهو حديثٌ
رواته ثقاتٌ.
وعبيد الله بن أبي جعفر: من العلماء العبَّاد الزهَّاد المخرَّج لهم في "الصحيحين " (5) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (508) : الغَبْن يُثبت الفسخ.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا يُثبت.
وقال داود: يُبطل العقد من أصله.
2375- قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا عبد الله بن زيدان ثنا محمَّد بن
__________
(1) ذكر. ابن الجوزي في "الضعفاء" أيضًا: (2/161- رقم: 2235) .
(2) "السنن الكبرى": (3/188 - رقم: 4981) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/845- رقم: 2529) .
(4) "السنن الكبرى": (3/188 - رقم:4980) .
(5) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/894- رقم: 947) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/10- رقم: 1020) .(4/67)
عبيد (1) ثنا موسى بن عمير عن مكحول عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استرسل إلى مؤمن فغبنه، كان غبنه ذاك ربًا ".
قال ابن عَدِيٍّ: عامة ما يروي موسى بن عمير لا يتابعه الثقات عليه (2) .
2376- وقد رواه يعيش بن هشام القَرْقَسَانيُّ عن مالك عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر، وعن مالك عن الزهريِّ عن أنس، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " غبن المسترسل ربًا ".
قال المصنِّف: يعيش ضعيفٌ مجهولٌ.
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن" من جميع طرقه، وقد ذكر البيهقيُّ حديث أبي أمامة، ثم قال: موسى بن عمير القرشيُّ هذا تكلَّموا فيه. وذكر كلام ابن عَدِيٍّ فيه، ثم قال: وقد روي معناه عن يعيش بن هشام
القَرْقَسَانيِّ عن مالك، واختلف عليه في إسناده، وهو أضعف من هذا. ثُمَّ ذكره بإسناده (3) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (509) : إذا باع سلعة بثمنٍ مؤجَّل، لم يجز أن يعود فيشتريها بأنقصَ منه حالاً.
وقال الشافعيُّ: يجوز.
__________
(1) في هامش الأصل: (هو المحاربي) .
(2) "الكامل": (6/341- 342- رقم: 1819) .
(3) "سنن البيهقي": (5/348- 349) .(4/68)
2377- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن وهيب الدمشقيُّ ثنا العبَّاس بن الوليد بن مَزْيَد ثنا محمَّد بن شعيب بن شابور قال: أخبرني شيبان ابن عبد الرحمن قال: أخبرني يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع
قالت: حججت أنا وأمُّ محبة، فدخلنا على عائشة، فقالت لها أمُّ محبة: يا أمَّ المؤمنين، كانت لي جارية، وإني بعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى عطائه، وإنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة درهم نقدًا؟ فقالت: بئس ما شريت وما اشتريت! فأبلغي زيدًا أَنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن يتوب (1) .
قالوا: العالية امرأة مجهولة، فلا يقبل خبرها.
قلنا: بل هي امرأة جليلة القدر معروفة، ذكرها محمَّد بن سعد في كتاب " الطبقات "، فقال: العالية بنت أيفع بن شراحيل، امرأة أبي إسحاق السَّبيعيِّ، سمعَتْ من عائشة (2) .
ز: 2378- قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق السَّبيعيِّ عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأمُّ ولد زيد بن أرقم وامرأةٌ أخرى، فقالت لها أمُّ ولد زيد: إني بعت من زيد غلامًا بثمانمائة درهم
نسيئة، واشتريته بستمائة نقدًا، فقالت: أبلغي زيدًا أن قد أبطلتَ جهادك مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن تتوب، بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت (3) ! هذا إسنادٌ جيدٌ، وإن كان الشافعيُّ رحمه الله قال: إنَّا لا نثبت مثله على
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/52) .
(2) "الطبقات الكبرى": (8/487) .
(3) لم نقف على هذا الحديث في مطبوعة "المسند"، وقد عزاه إلى أحمد كل من: ابن قدامة في "المغني": (6/261- المسألة: 749) ؛ وابن تيمية في " بيان الدليل ": (ص: 74- تحت الوجه الحادي عشر) ؛ وابن القيم في "تهذيب السنن": (مع العون- 9/342- رقم: 3445) ؛ وقد ساقوا إسناده، ولكن لم ينصوا على أنه في "المسند"، ولله أعلم.(4/69)
عائشة (1) .
وكذلك قول الدَّارَقُطْنِيُّ في العالية: (مجهولةٌ لا يحتجُّ بها) (2) فيه نظرٌ، وقد خالفه غيره، ولولا أنَّ عند أم المؤمنين علمًا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تستريب فيه أنَّ هذا محرمٌ= لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد، والله أعلم O.
*****
مسألة (510) : إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن: تحالفا إذا كانت السلعة باقية، وإن كانت قد تلفت تحالفًا أيضًا، ويفسخ البيع، ويرجع على المشتري بالقيمة.
وعنه: القول قول المشتري، ولا يتحالفان، وبه قال أبو حنيفة. وعن مالك كالروايتين.
2379- قال الإمام أحمد: حدَّثني محمَّد بن إدريس الشافعيُّ أنا سعيد ابن سالم أنا ابن جريج أنَّ إسماعيل بن أميَّة أخبره عن عبد الملك بن عمير أنه قال: حضرتُ أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأتاه رجلان يتبايعان سلعة، فقال
هذا: أخذتُ بكذا وكذا، وقال هذا: بعتُ بكذا وكذا، فقال أبو عُبيدة: أُتي عبد الله بن مسعود في مثل هذا، فقال: حضرتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل هذا، فأمر بالبائع أن يستحلف، ثم يخيَّر المبتاع: إن شاء أخذ، وإن شاء ترك (3) .
__________
(1) "الأم": (3/78) ، وانظر: (3/38- 39) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/52) .
(3) "المسند": (1/466) .(4/70)
2380- وقال عبد الله بن أحمد: قرأت على أبي: وكيع (1) عن المسعوديِّ عن القاسم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اختلف المتبايعان (2) وليس بينهما بيِّنة، فالقول ما يقول صاحب السلعة، أو يترادَّان " (3) .
2381- وقال الترمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا سفيان عن ابن عجلان عن عون ابن عبد الله عن ابن مسعود قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اختلف المتبايعان (4) ، فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار " (5) .
2382- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن الحسين بن سعيد الهَمْدَانيُّ ثنا أحمد بن إبراهيم الدمشقيُّ ثنا هشام بن عمَّار ثنا ابن عيَّاش ثنا موسى بن عقبة عن محمَّد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه
عن جدِه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اختلف المتبايعان في البيع، والسلعة كما هي لم تستهلك، فالقول ما قال البائع، أو يترادَّان البيع " (6) .
2383- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا البغويُّ أنا عثمان بن أبي شيبة ثنا هُشيم أنا ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: باع عبد الله بن مسعود من الأشعث رقيقًا من رقيق الإمارة، واختلفا في الثمن، فقال عبد الله: بعتك بعشرين ألفا، وقال الأشعث: اشتريت منك بعشرة آلاف. فقال عبد الله: إن شئت حدَّثتك بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال:
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" ومطبوعة "المسند": (حدثنا وكيع) .
(2) في (ب) و"التحقيق" و"المسند": (البيعان) .
(3) "المسند": (1/466) .
(4) في (ب) و"التحقيق" و"الجامع": (البيعان) .
(5) "الجامع": (2/548- ر قم: 1270) .
(6) "سنن الدارقطني": (3/20) .(4/71)
هات. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقول: " إذا اختلف البيِّعان، والبيع قائم بعينه، وليس بينهما بيِّنة، فالقول ما قال البائع، أو يترادَّان البيع ". فقال الأشعث: أرى أن ترد البيع (1) .
2384- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعدٍ ثنا محمَّد بن الهيثم القاضي ثنا هشام (2) بن عمَّار ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن موسى بن عقبة عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدِّه عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اختلف المتبايعان، استحلف البائع، وكان المبتاع بالخيار: إن شاء أخذ، وإن شاء ترك " (3) .
2385- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا الحسن ابن جعفر بن مدرار ثنا عمِّي ثنا الحسن بن عمارة عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اخلف البيِّعان، فالقول ما قال البائع، فإذا استهلك فالقول ما قال المشتري " (4) .
2386- وقال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا عليُّ بن سعيد ثنا إبراهيم بن مُجَشِّر ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن سعيد بن المرزبان عن الشعبيِّ عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اختلف البيِّعان، فالقول ما قال
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/21) .
(2) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (إبراهيم) خطأ، وهو على الصواب في "إتحاف المهرة".
(3) "سنن الدارقطني": (3/21) .
(تنبيه) : يبدو أنه وقع خطأ في مطبوعة "سنن الدارقطني"، فقد جاء فيها: (ثنا ابن صاعد نا محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى) ! وهذا خطأ بين، ولكن لابد للتحقق منه وتصويبه من مراجعة نسخة صحيحة مع الاستفادة مما جاء هنا، وانظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر: (10/304- رقم: 12809) .
(4) "سنن الدارقطني": (3/20) .(4/72)
البائع " (1) .
قال المصنِّف: في هذه الأحاديث مقالٌ، فإنَّها مراسيلٌ وضعافٌ.
أبو عُبيدة لم يسمع من أبيه ولا عبد الرحمن.
القاسم لم يسمع من ابن مسعود ولا عون بن عبد الله.
وابن عيَّاش ومحمَّد بن أبي ليلى والحسن بن عمارة وابن المرزبان كلهم ضعافٌ، قال يحيى: ابن المرزبان ليس بشيءٍ (2) .
ز: حديث أبي عُبيدة عن أبيه: رواه النسائيُّ فقال:
2387- أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد وعبد الرحمن بن خالد- واللفظ لإبراهيم- قالوا: ثنا حجَّاج قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أميَّة عن عبد الملك بن عبيد قال: حضرنا أبا عُبيدة بن عبد الله بن
مسعود أتاه رجلان تبايعا سلعةً، فقال أحدهما: أخذتها بكذا وكذا، وقال هذا: بعتها بكذا وكذا، فقال أبو عبيدة: أُتي ابن مسعود في مثل هذا، فقال: حضرت النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل هذا، فأمر البائع أن يستحلف، ثم يختار المبتاع: فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك (3) .
كذا في رواية النسائيِّ: (عبد الملك بن عبيد) وهو غير معروفٍ، وقد تقدَّم في رواية الإمام أحمد: (عبد الملك بن عمير) وكأنَّه وهمٌ، فإنَّ عبد الله بن أحمد قد قال بعد ذكر الحديث: قرأت على أبي، قال: أُخبرت عن هشام بن
يوسف في البيِّعين، في حديث ابن جريج عن إسماعيل بن أميَّة عن عبد الملك بن
__________
(1) "الكامل": (1/274- رقم: 114) تحت ترجمة إبراهيم بن مجشر.
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (4/41- رقم: 3038) .
(3) "سنن النسائي": (7/303- رقم: 4649) .(4/73)
عبيدة. وقال أبي: قال حجَّاج الأعور: عبد الملك بن عبيدة (1) .
كذا قال: (ابن عبيدة) ، فصار في راوي هذا الحديث ثلاثة أقوال.
وحديث القاسم عن ابن مسعود: لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن"، وقد رواه أحمد من وجه آخر، فقال:
2388- حدَّثنا ابن مهديٍّ ثنا سفيان عن مَعْن عن القاسم عن عبد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اختلف البيِّعان والسلعة كما هي، فالقول ما قال البائع، أو يترادان " (2) .
وحديث عون عن ابن مسعود: لم يروه من أصحاب "السنن" غير الترمذيِّ، وقال: هو مرسل، عون لم يدرك ابن مسعود (3) .
وقد رواه أحمد عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان (4) .
وحديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه: رواه أبو داود عن النُّفيليِّ (5) ، ورواه ابن ماجة عن عثمان بن أبي شيبة ومحمَّد بن الصَّبَّاح (6) ، ثلاثتهم عن هُشيم به.
وقال أحمد: ثنا هُشيم قال: أخبرني ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود، وليس فيه: (عن أبيه) (7) .
__________
(1) "المسند": (1/466) .
(2) "المسند": (1/466) .
(3) "الجامع": (2/548- رقم 1270) .
(4) "المسند": (1/466) .
(5) "سنن أبي داود": (4/185- رقم: 3506) .
(6) "سنن ابن ماجة": (2/737- رقم: 2186) .
(7) "المسند": (1/466) .(4/74)
2389- وقال النسائيُّ: أخيرنا محمَّد بن إدريس ثنا عمر بن حفص ابن غياث ثنا أبي عن أبي عُميس حدَّثني عبد الرحمن بن محمَّد بن الأشعث عن أبيه عن جدِّه قال: قال عبد الله: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا اختلف البيِّعان، ويس بينهما بيِّنه، فهو ما يقول ربُّ السلعة، أو يتركا " (1) .
كذا رواه النسائيُّ، وقد رواه أبو داود عن محمَّد بن يحيى بن فارس عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن أبي العُميس قال: أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمَّد بن الأشعث عن أبيه عن جدِّه به (2) ، ورواه يعقوب بن سفيان عن عمر بن حفص، وقال فيه: عبد الرحمن بن محمَّد بن قيس بن محمَّد بن الأشعث.
والذي يظهر أنَّ حديث ابن مسعود في هذا الباب بمجموع طرقه له أصلٌ بل هو حديثٌ حسنٌ يحتجُّ به، لكن في لفظه اختلافٌ كما ترى، والله أعلم O.
*****
(1) "سنن النسائي": (7/302- 303- رقم: 4648) .
(2) "سنن أبي داود": (4/184- رقم: 3505) .(4/75)
مسائل
ما يصحُّ بيعه وما لا يصحُّ
مسألة (511) : لا يجوز بيع رِباع مكَّة.
وعنه: يجوز، كقول الشافعيِّ.
2390- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن يوسف الفَزَارِيُّ ثنا محمَّد بن المغيرة ثنا القاسم بن الحكم ثنا أبو حنيفة عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي نَجيح عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مكَّة حرامٌ، وحرامٌ بيع رِباعها، وحرامٌ أجر بيوتها ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كذا رواه أبو حنيفة مرفوعًا، ووهمَ فيه، والصحيح أنَّه موقوفٌ (1) .
2391- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن محمَّد بن يحيى بن سعيد ثنا عبد الله بن نُمير ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مكَّة مناخٌ، لا تباع رباعها، ولا تؤجَّر بيوتها " (2) .
قال المصنِّف: إسماعيل بن إبراهيم: قد ضعَّفه يحيى (3)
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/57) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/58) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (3/345- رقم: 1669) .(4/76)
والنسائيُّ (1) ، وأبوه إبراهيم: قد ضعَّفه البخاريُّ، وقال يحيى بن معين: لا بأس به (2) .
وقال أبو بكر البيهقيُّ: الصحيح أنَّ هذا الحديث موقوفٌ (3) .
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن" من الوجهين.
وإبراهيم بن مهاجر هذا، هو: البجليُّ الكوفيُّ، وهو من رجال مسلم (4) ، وقال الثوريُّ: لا بأس به (5) . وضعَّفه ابن معين في رواية الدُّوريِّ وغيره (6) .
وابنه إسماعيل: ضعَّفوه، وقال أحمد: أبوه أقوى منه (7) .
والذي حكاه المؤلِّف عن ابن معين (8) والبخاريِّ (9) إنَّما هو في إبراهيم ابن مهاجر بن مسمار المدنيِّ، وهو متأخرٌ عن البجليِّ.
وقال البيهقيُّ بعد أن روى الحديث: إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (1/215- رقم: 59) وفيه: (ليس بالقوي) ، ونقل عنه المزي في "تهذيب الكمال": (3/34- رقم: 418) أنه قال عنه: (ضعيف) .
(2) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(3) "سنن البيهقي": (6/35) ولكنه قال عقبها: قاله لي أبو عبد الرحمن السلمي عن أبي الحسن الدارقطني.
(4) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/46- رقم: 46) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/132- 133- رقم: 421) .
(6) "التاريخ": (3/345- رقم: 1668) .
(7) "العلل" برواية عبد الله: (2/341- رقم 2512) .
(8) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 72- رقم: 154) وفيه: (صالح، ليس به بأس) .
(9) "التاريخ الكبير": (1/328- رقم: 1033) ؛ "الضعفاء الصغير": (ص: 408- رقم: 9) ، وفيهما: (منكر الحديث) .(4/77)
ضعيفٌ، وأبوه غير قويٍّ، واختلف عليه: فروي عنه هكذا، وروي عنه عن أبيه عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا، ببعض معناه (1) O.
2392- وقال سعيد بن منصور: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن مكَّة حَرَمٌ حرَّمها الله عز وجلَّ، لا يحلُّ بيع رِباعها، ولا أجور بيوتها ".
احتجُّوا بما:
2393- رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الرزَّاق أنا معمر عن الزهريِّ عن عليِّ بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، أين تنزل غدًا- في حجَّته-؟ فقال: " وهل ترك لنا عَقيلٌ
منزلاً؟! ". ثُمَّ قال: " نحن نازلون غدًا- إن شاء الله- بخيف بني كنانة ". ثُمَّ قال: " لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر " (2) .
أخرجه البخاريُّ ومسلم في "الصحيحين " (3) .
2394- وقال الدَّارَقُطْنيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ قال: أخبرني يونس عن ابن شهابٍ أنَّ عليَّ بن حسين أخبره: أنَّ عمرو بن عثمان أخبره عن أسامة أنَّه قال: يا رسول الله، أتنزل
دارك بمكَّة؟! قال: " وهل ترك لنا عَقيلٌ من رِباع أو دور؟! ". وكان عَقيل
__________
(1) "سنن البيهقي": (6/35) .
(2) "المسند": (5/202) .
(3) "صحيح البخاري": (4/88 - 89) ؛ (فتح- 6/202- 203- رقم: 3058- ط: الريان) .
"صحيح مسلم": (4/108) ؛ (فؤاد- 2/984 - 985- رقم: 1351) .(4/78)
ورث أبا طالبٍ، هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا عليٌّ شيئا (1) ، لأنَّهما كانا مسلمين، وكان عَقيل وطالب كافرين (2) .
ز: رواه البخاريُّ عن أصبغ عن ابن وهبٍ (3) ، ورواه مسلمٌ عن أبي الطاهر بن السرح وحَرْمَلة بن يحيى كلاهما عن ابن وهبٍ به (4) ، ورواه النسائيُّ عن يونس بن عبد الأعلى (5) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (512) : لا يجوز بيع الزيت النَّجس.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
2395- قال الإمام أحمد: حدَّثنا حجَّاج ثنا لَيْث قال: حدَّثني يزيد ابن أبي حبيب قال: قال عطاء بن أبي رباح: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله عز وجلَّ ورسولَه حرَّم بيع الخمر والميتة ". فقيل له: أرأيت شحوم الميتة، فإنَّه يدهن به السفن، ويستصبح به الناس؟ قال: " لا، هو حرام " (6) .
__________
(1) كذا.
(2) "سنن الدارقطني": (3/62) .
(3) "صحيح البخاري": (2/401) ؛ (فتح- 3/450- رقم:1588) .
(4) "صحيح مسلم": (4/108) ؛ (فؤاد- 2/984 - رقم: 1351) .
(5) "سنن النسائي": (2/480- رقم: 4255) .
(6) "المسند": (3/324) .(4/79)
أخرجاه في "الصحيحين " (1) .
2396- قال أحمد: وحدَّثنا عَتَّاب ثنا عبد الله أنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: سمعت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنَّ الله ورسولَه حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير ". فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنَّه يدهن بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: " لا، هي حرامٌ " (2) .
ز: هذا إسنادٌ حسنٌ، وهو غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن" O.
2397- قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن مصعب (3) ثنا الأوزاعيُّ عن الزهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس عن ميمونة زوج النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّها استفتت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فأرةٍ سقطت في سمن لهم جامد، فقال: " ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم " (4) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ.
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه البخاريُّ من حديث الأوزاعيِّ، إنَّما رواه من حديث سفيان وغيره عن الزهريِّ، وليس عنده: (جامد) (5) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/554) ؛ (فتح- 4/424- رقم: 2236) .
"صحيح مسلم": (5/41) ؛ (فؤاد- 3/1207- رقم: 1581) .
وفي هامش الأصل: (قال البخاري: وقال أبو عاصم: ثنا عبد الحميد بن جعفر ثنا يزيد قال: كتب إليَّ عطاء فذكره) ا. هـ
(2) "المسند": (2/213) .
(3) في "التحقيق": (حدثنا مصعب) خطأ.
(4) "المسند": (6/330) .
(5) "صحيح البخاري": (7/128) ؛ (فتح- 9/667- 668- رقم: 5538) .(4/80)
ومحمَّد بن مصعب هو: القَرْقَسَانيُّ، وقد تكلَّموا فيه، قال يحيى بن معين: لم يكن من أصحاب الحديث، كان مغفلاً (1) . وقال أبو حاتم الرازيُّ: هو ضعيف الحديث (2) . وقال الإمام أحمد: لا بأس به (3) .
ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن" أيضًا من حديث الأوزاعيِّ.
وقد روى هذه اللفظة- وهي قوله: (جامد) -: النسائيُّ من رواية ابن مهديٍّ عن مالك عن الزهريِّ (4) ، والبيهقيُّ من رواية حجَّاج بن منهال عن سفيان (5) .
والظاهر أنَّها خطأٌ، فإنَّ أكثر أصحاب مالك وسفيان لم يذكروا هذه اللفظة، ولأن الغالب على سمن الحجاز أن يكون مائعًا، وكونه جامدًا نادر، والسؤال في الغالب لا يقع إلا على الغالب، ولأنَّ حكم الجامد ظاهرٌ، وإنَّما
المشكل المائع، فالظاهر أنَّ السؤال كان عنه، أو عن أعمّ منه، فأجاب النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستفصل، والله أعلم.
2398- وقد قال البخاريُّ في "صحيحه": ثنا عبدان أنا عبد الله- يعني: ابن المبارك- عن يونس عن الزهريِّ عن الدابة تموت في الزَّيت أو السمن، وهو جامدٌ أو غير جامدٍ، الفأرة أو غيرها، فقال: بلغنا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قرب منها فطرح، ثم أُكل. عن حديث عبيد الله بن عبد الله (6) O.
__________
(1) "العلل" لعبد الله بن أحمد: (1/492- رقم: 1142) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/103- رقم: 441) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/599- رقم: 3840) .
(4) "سنن النسائي": (7/178- رقم: 4259) .
(5) "المعرفة": (7/283- رقم: 5761) .
(6) "صحيح البخاري": (7/128) ؛ (فتح- 9/668 - رقم: 5539) .(4/81)
2399- وقال أبو داود: حدَّثنا الحسن بن عليٍّ ثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عق الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا وقعت الفأرة في السمن: فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وان كان مائعًا فلا تقربوه " (1) .
ز: هذا الحديث لم يروه من أصحاب "الكتب السِّتَّة" غير أبي داود، وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الرزَّاق (2) ، ورجاله وإن كانوا رجال "الصحيحين" فإنَّه خطأٌ من وجوه كثيرة، ذكرتها في غير هذا الموضع، والصواب حديث الزهريِّ عن عبيد الله.
قال الترمذيُّ: وهو حديثٌ غير محفوظٍ، وسمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: حديث مَعمَر عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا خطأٌ، والصحيح حديث الزهريِّ عن عبيد الله عن ابن عبَّاس عن ميمونة (3) .
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه ابن أبي مريم عن عبد الجبَّار بن عمر الأيليِّ عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفأرة تقع في السمن، فقال: " إن كان جامدًا ... " الحديث.
قال ابن أبي حاتم: ورواه مَعْمَر عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبي: كلاهما وهمٌ، والصحيح: الزهريُّ عن عبيد الله بن عبد الله
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/313- رقم: 3838) .
(2) "المسند": (2/265) .
(3) "الجامع": (3/393- 394- رقم: 1798) .(4/82)
عن ابن عبَّاس عن ميمونة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) O.
احتجُّوا بما:
2400- رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتديِّ ثنا بكر بن سهل ثنا شعيب بن يحيى ثنا يحيى بن أيُّوب عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفأرة تقع في السمن والوَدَك، فقال: " اطرحوها، واطرحوا ما حولها إن كان جامدًا، وإن كان مائعًا فانتفعوا به، ولا تأكلوه " (2) .
2401- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثني عمر بن محمَّد بن القاسم النيسابوريُّ ثنا محمَّد بن أحمد بن راشد الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن عبد الرحيم البرقيُّ ثنا عمرو بن أبي سلمة (3) عن سعيد بن بشير عن أبي هارون عن أبي سعيد
قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفأرة تقع في السمن والزيت، قال: " استصبحوا به، ولا تأكلوه " أو نحو ذلك (4) .
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه يحيى بن أيُّوب، قال أبو حاتم الرازيُّ: لا يحتجُّ به (5) .
قال: وشعيب بن يحيى ليس بمعروفٍ (6) .
__________
(1) "العلل": (2/12- رقم: 1507) .
(2) "سنن الدارقطني": (4/291) .
(3) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (عمرو بن سلمة) خطأ.
(4) "سنن الدارقطني": (4/292) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/128- رقم: 542) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه. (4/353- رقم: 1547) .(4/83)
وفي الحديث الثاني: أبو هارون العبديُّ، قال أحمد: ليس بشيءٍ (1) .
وقال شعبة: لأن أقدَّم فيضرب عنقي، أحبُّ إليَّ من أن أحدِّث عنه (2) !
ز: قال البيهقيُّ في حديث ابن جريج عن ابن شهاب: الطريق إليه غير قويٍّ، والصحيح عن ابن عمر من قوله موقوفًا عليه غير مرفوعٍ. ثم روى بإسناده:
2402- عن الثوريِّ عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر في فأرةٍ وقعت في زيتٍ، قال: استصبحوا به، وادهنوا به أدمكم (3) .
وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث ابن عمر في هذا الباب، فقال: رواه عبد الجبَّار بن عمر الأيليُّ عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه، وتابعه يحيى بن أيُّوب عن ابن جريج عن الزهريِّ كذلك.
وخالفهما أصحاب الزهريِّ، فرووه عن الزهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس، وهو الصحيح (4) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في حديث أبي سعيد: ورواه الثوريُّ عن أبي هارون موقوفًا على أبي سعيد (5) .
قال البيهقيُّ: وهو المحفوظ (6) O.
*****
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (1/421- رقم: 919) .
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/313- رقم: 1327) .
(3) "سنن البيهقي": (9/354) .
(4) لم نقف عليه في " مسند ابن عمر " من "العلل"؛ ولكنه قال في " مسند ميمونة ": (5/ ق:183/1) : (ورواه عبد الجبار بن عمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، ووهم فيه، والصحيح عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة) اهـ
(5) "سنن الدارقطني": (4/292) .
(6) "سنن البيهقي": (9/354) .(4/84)
مسألة (513) : لا يجوز بيع الصوف على الظهر.
وعنه: يجوز، كقول مالك (1) .
2403- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسن بن إسماعيل المحامليُّ ثنا عليُّ ابن شعيب ثنا يعقوب الحضرميُّ قال: حدَّثني عمر بن فَرُّوخ عن حبيب بن الزبير عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع اللبن في ضروعها، والصوف على ظهورها (2) .
ز: هذا الحديث غير مخرِّج في شيءٍ من "السنن".
وعمر بن فَرُّوخ القتَّاب: وثَّّقه ابن معين (3) وأبو حاتم (4) وغيرهما.
وقال البيهقيُّ: تفرَّد برفعه عمر بن فَرُّوخ، وليس بالقويِّ، وقد أرسله عنه وكيع، ورواه غيره موقوفًا (5) .
2404- وقال أبو القاسم الطبرانيُّ: حدَّثنا عثمان بن عمير الضَّبيُّ ثنا حفص بن عمر الحَوْضيُّ ثنا عمر بن فَرُّوخ- صاحي الأقتاب- ثنا حبيب بن الزبر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تباع ثمرةٌ حتَّى تطعم، ولا صوفٌ على ظهرٍ، ولا لبنٌ في ضرعٍ (6) .
2405- رواه أبو داود في " المراسيل " عن أحمد بن أبي شعيب الحرَّانيِّ
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: هذه الرواية مقيدة بشرط جزه في الحال) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (3/14) مع اختلاف في لفظه.
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/264- رقم: 4289) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/128- رقم: 699) .
(5) "سنن البيهقي": (5/340) .
(6) "المعجم الكبير": (11/267- رقم: 11935) .(4/85)
عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: لا تباع أصواف الغنم على ظهورها، ولا تباع ألبانها في ضروعها.
وعن محمَّد بن العلاء عن ابن المبارك عن عمر بن فَرُّوخ عن عكرمة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه (1) .
ولم يكن يذكر ابن عبَّاس، ولا حبيب بن الزبير O.
*****
مسألة (514) : لا يجوز بيع السرجين النجس.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
2406- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذَّاء عن بركة أبي الوليد عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله عز وجل إذا حرَّم شيئًا حرم ثمنه " (2) .
ز: رواه أحمد عن هشيم (3) وعليِّ بن عاصم (4) كلاهما عن خالد الحذَّاء به، ورواه أبو داود عن مسدَّد عن بشر بن المفضَّل وخالد بن عبد الله عن خالد الحذَّاء (5) .
__________
(1) " المراسيل ": (ص: 168- رقمي: 182- 183) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/7) .
(3) "المسند": (1/293) .
(4) "المسند": (1/247) وفيه (عن بركة عن أبي الوليد) خطأ.
(5) "سنن أبي داود": (4/176- 177- رقم: 3482) .(4/86)
وبركة هو: ابن عربان، أبو الوليد، المجاشعيُّ، البصريُّ، وثَّقه أبو زرعة (1) O.
2407- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمَّد بن عبيد الله المناديُّ ثنا شَبابة ثنا أبو مالكٍ النخعيُّ عن المهاجر أبي الحسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن تميم الداريِّ عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّه لا يحلُّ ثمن شيءٍ لا يحلُّ أكله وشربه " (2) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن".
وأبو مالك النخعيُّ: ضعَّفوه، وهو مختلفٌ في اسمه O.
*****
مسألة (515) : لا يصحُّ بيِع العنب ممن يتَّخذه خمرًا.
وقال أكثرهم: يصحُ.
2408- قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبي طُعْمة مولاهم وعن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقيِّ أنَّهما سمعا ابن عمر يقول: قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعنت الخمر على عشر وجوه: لعنت الخمر بعينها، وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والحمولة إليه، وآكل ثمنها " (3) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/432- رقم: 1718) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/7) .
(3) "المسند": (2/71) .(4/87)
ز: رواه أبو داود (1) وابن ماجة (2) من رواية وكيع، وإسناده حسنٌ، وقال شيخنا أبو العبَّاس: هو حديثٌ جيِّدٌ، وقد رواه الجُوزجانيُّ وغيره: من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، ومن حديث ثابت بن يزيد
الخَوْلانيِّ عن ابن عمر (3) .
ورواه الترمذيُّ (4) وابن ماجة (5) من حديث أنس بن مالك.
وروى الإمام أحمد نحوه من حديث ابن عبَّاس (6) .
2409- وروى أيضًا بإسناده عن مصعب بن سعد قال: قيل لسعد: تبيع عنبًا لك لمن يتخذه عصيرًا؟ فقال: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر (7) O.
وفد احتجَّ أصحابنا بحديثٍ لا أصل له، وهو:
2410- ما رواه أبو حاتم بن حِبَّان، قال: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن الجُنيد ثنا عبد الكريم بن عبد الله ثنا الحسن بن مسلم التاجر ثنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حبس العنب زمن القطاف، حتَّى لميعه من يهوديِّ أو نصرانيِّ، أو ممن يعلم أنَّه يتخذه خمرًا، فقد تقدَّم على النار على بصيرة ".
قال أبو حاتم بن حِبَّان: لا أصل لهذا الحديث من حديث حسين بن
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/250- 251- رقم: 3666) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/1121- 1122- رقم: 3380) .
(3) " بيان الدليل ": (ص: 87- تحت الوجه 12) .
(4) "الجامع": (2/567- رقم: 1295) وقال: (حديث غريب من حديث أنس) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/1122- رقم: 3381) .
(6) "المسند": (1/316) .
(7) "العلل" برواية عبد الله: (3/45- رقم:4098) .(4/88)
واقد، فينبغي أن يعدل بالحسن (1) عن سنن العدول، لروايته هذا الخبر المنكر (2) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن"، وابن حِبَّان رواه في كتاب "الضعفاء" في ترجمة [الحسن] (3) ، وقال فيه: منكر الحديث، قليل الرواية. وقال ابن أبي حاتم: الحسن بن مسلم الواسطيُّ، روى عن
الحسن بن واقد، قد روى عنه عبد الكريم بن عبد الله التاجر، سألت أبي عنه، فقال: الحسن بن مسلم هذا لا يعرف، ويدلُّ حديثه على الكذب (4) O.
*****
مسألة (516) : لا يجوز بيع الكلب وإن كان معلَّمًا.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
2411- قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن الزهريِّ أنَّ أبا بكر بن عبد الرحمن أخبره أنَّه سمع أبا مسعود عقبة بن عمرو يقول: نهى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب، ومهر البغيِّ، وحُلْوَان الكاهن (5) .
أخرجاه في "الصحيحين " (6) .
__________
(1) في "التحقيق": (الحسن) خطأ.
(2) "المجروحون": (1/236) .
(3) في الأصل: (الحسين) ، والتصويب من (ب) .
(4) "الجرح والتعديل": (3/36- 37- رقم: 156) .
(5) "المسند": (4/120) .
(6) "صحيح البخاري": (3/554) ؛ (فتح- 4/426- رقم: 2237) .
"صحيح مسلم": (5/35) ؛ (فؤاد- 3/1198 - رقم: 1567) .
وفي هامش الأصل: (هو فيهما من غير طريق معمر) ا. هـ(4/89)
2412- قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن سعيد ثنا محمَّد بن يوسف ثنا السائب بن يزيد عن رافع بن خَدِيج أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " شرُّ الكسب: ثمن الكلب، وكسب الحجَّام، ومهر البغيِّ " (1) .
قال الترمذيُّ: هذا حديث صحيحٌ (2) .
ز: رواه مسلم عن محمَّد بن حاتم عن يحيى بن سعيد (3) O.
2413- قال أحمد: وحدَّثنا وكيع ثنا إسرائيل عن عبد الكريم الجزريِّ (4) عن قيس بن [حَبْتَر] (5) عن ابن عبَّاس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مهر البغيِّ، وثمن الكلب، وثمن الخمر (6) .
2414- قال أحمد: وحدَّثنا عبد الجبَّار بن محمَّد ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن قيس بن [حَبْتَر] (7) عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثمن الكلب خبيث، فإذا جاءك من يطلب ثمن الكلب فاملأ فيه ترابا " (8) .
ز: كان فيه: (عبيد الله بن عمر) وهو خطأ، والصواب: (ابن عمرو) وهو: الرَّقَّيُّ، أحد الثِّقات المخرَّج لهم في "الصحيحين " (9) .
__________
(1) "المسند": (4/140) .
(2) "الجامع": (2/552- 553- رقم: 1275) وفيه: (حسن صحيح) .
وفي هامش الأصل: (صححه من غير طريق ابن يوسف) أ. هـ
(3) "صحيح مسلم": (5/35) ؛ (فؤاد- 3/1199- رقم:1568) .
(4) في "التحقيق": (الخدري) خطأ.
(5) في الأصل: (جبير) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(6) "المسند": (1/235) .
(7) في الأصل: (جبير) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(8) "المسند": (1/278) .
(9) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/892- رقم: 942) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/15- رقم: 1032) .(4/90)
وقد رواه أبو داود عن أبي توبة ربيع بن نافع عن عبيد الله بن عمرو (1) ، وهذا الحديث إسناده جيِّدٌ.
وقيس بن حَبْتَر: ثقةٌ O.
2415- قال أحمد: وحدَّثنا إسحاق بن عيسى ثنا ابن لَهِيعةَ عن أبي الزبير عن جابر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ثمن الكلب، ونهى عن ثمن السِّنَّور (2) .
2416- قال أحمد: وحدَّثنا هاشم [ثنا] (3) عيسى بن المسيَّب قال: حدَّثني أبو زُرْعة عن أبي هريرة قال: كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي دار قومٍ من الأنصار، ودونهم دارٌ، فشقَّ ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله، تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا؟! فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأنَّ في داركم كلبًا ". قالوا: فإنَّ في دارهم سنَّورًا. فقال: " إنَّ السِّنَّور سبعٌ " (4) .
ز: حديث ابن لَهِيعةَ عن أبي الزبير: روى ابن ماجة منه ذكر السِّنَّور عن هشام بن عمَّار عن الوليد بن مسلم عنه (5) .
وقد تابع ابن لَهِيعةَ غيره، وقد روى الحديث أبو سفيان عن جابرٍ، والله أعلم.
وحديث أبي زرعة عن أبي هريرة: رواه ابن عَدِيٍّ (6) والعُقيليُّ، وقال
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/175- رقم: 3476) .
(2) "المسند": (3/339) .
(3) في الأصل و (ب) : (بن) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(4) "المسند": (2/327) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/731- رقم: 2161) وفي المطبوعة: (الوليد بن مسلمة) خطأ، وهو على الصواب في "تحفة الأشراف": (2/309- رقم: 2783) .
(6) "الكامل": (5/252- رقم: 1396) تحت ترجمة عيسى بن المسيب.(4/91)
في عيسى: لا يتابعه على هذا الحديث إلا من هو مثله أو دونه (1) . ورواه الحاكم وصحَّحه.
وقد ضعَّف عيسى= أبو داود (2) وغيره.
وقد سُئل أبو زرعة عن هذا الحديث، فقال: لم يرفعه أبو نُعيم، وهو أصحُّ، وعيسى ليس بقويٍّ (3) O.
احتجُّوا بحديثين:
2417- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا عبيد بن محمَّد بن إبراهيم الصنعانيُّ قال: حدَّثني محمَّد بن عمر بن أبي مسلم ثنا محمَّد بن مصعب [القَرْقَسَانيُّ] (4) ثنا نافع بن عمر عن الوليد بن
عبيد الله بن أبي رباح عن عمِّه عطاء عن أبي هريرة عن النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثٌ كلُّهن سحتٌ: كسب الحجَّام، ومهر البغيِّ، وثمن الكلب، إلا الكلب الضاري " (5) .
2418- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن عبد الله الوكيل ثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب ثنا ابن سلمة (6) ثنا المثنَّى عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثٌ كلُّهن سحتٌ، كسب الحجَّام سحتٌ، ومهر البغيِّ سحتٌ، وثمن الكلب- إلا كلبا ضاريا
__________
(1) "الضعفاء الكبير": (3/386- 387- رقم: 1426) .
(2) "الميزان" للذهبي: (3/323- رقم: 6607) .
(3) "العلل" لابن أبي حاتم: (1/44- رقم: 98) .
(4) في الأصل و (ب) : (الصنعاني) ، والمثبت من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(5) "سنن الدارقطني": (3/72) .
(6) في هامش الأصل: (هو محمَّد بن سلمة الحراني) .(4/92)
سحتٌ (1) .
2419- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا إسحاق بن الجَرَّاح قال: ثنا الهيثم بن جميل ثنا حمَّاد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب والسِّنَّور، إلا كلب صيدٍ (2) .
2420- الطريق الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقيُّ ثنا عبَّاد بن العوَّام عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب والهرِّ، إلا الكلب المعلَّم (3) .
2421- الطريق الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبَّاد بن العوَّام عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب، إلا الكلب المعلَّم (4) .
والجواب:
أنَّه ليس في هذه الأحاديث ما يصحُّ:
أمَّا الأوَّل: ففيه الوليد بن عبيد الله، وقد ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (5) .
وفي الطريق الثاني: المثنَّى بن الصَّبَّاح، قال أحمد (6) والرازيُّ (7) : لا
__________
(1، 2، 3) "سنن الدارقطني": (3/73) .
(4) "المسند": (3/317) .
(5) "سنن الدارقطني": (3/72) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (2/298 - رقم: 2324) وفيه: (لا يساوي حديثه شيئًا ... الخ) .
(7) لم نقف عليه، وانظر ما تقدم: (1/368) .(4/93)
يساوي شيئًا، هو مضطرب الحديث. وقال النسائيُّ: متروك الحديث (1) .
وقال يحيى: ليس بشيءٍ (2) .
وأمَّا حديث جابرٍ: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ في الطريق الأوَّل: رواه سُويد بن عمرو عن حمَّاد بن سلمة موقوفًا على جابرٍ، ولم يذكر النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أصحُّ (3) .
وأمَّا الطريق الثاني والثالث: ففيهما الحسن بن أبي جعفر، وهو [الجُفْريُّ] (4) ، قال يحيى: ليس بشيءٍ (5) . وقال النسائيُّ: متروك الحديث (6) .
ز: حديث عطاء عن أبي هريرة: لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن" من الوجهين، وضعَّفه البيهقيُّ منهما (7) .
وحديث حمَّاد بن سلمة عن أبي الزبير: رواه النسائيُّ عن إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج بن محمَّد عنه، وقال: هذا حديثٌ منكرٌ (8) . وقال مرَّةً: ليس بصحيحٍ (9) .
2422- وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدَّثنا عبد الأعلى بن حمَّاد ثنا
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 221- رقم: 576) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (6/423- رقم: 1901) من رواية ابن أبي مريم، وفيه: (ضعيف، ليس بشيء) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/73) بتصرف.
(4) في الأصل و (ب) : (الجعفري) ، والتصويب من "التحقيق" و"التاريخ".
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (4/241- رقم: 4158) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 87- رقم: 155) .
(7) "سنن البيهقي": (6/6) .
(8) "سنن النسائي": (7/309- رقم: 4668) .
(9) "سنن النسائي": (7/190- 191- رقم: 4295) .(4/94)
حمَّاد بن سلمة ثنا أبو الزبير عن جابرٍ قال: نهى- أراه النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ثمن الكلب، إلا كلب صيدٍ.
2423- وروى البيهقيُّ من حديث عبد الواحد بن غِياث قال: ثنا حمَّاد ثنا أبو الزبير عن جابر قال: نهى عن ثمن الكلب والسِّنَّور، إلا كلب صيدٍ.
ثم قال: هكذا رواه عبد الواحد، وكذلك رواه سُويد بن عمرو عن حمَّاد. ثم قال: ولم يذكر حمَّاد: (عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، ورواه عبيد الله بن موسى عن حمَّاد بالشكِّ في ذكر النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، ورواه الهيثم بن جميل عن حمَّاد فقال: (نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) ، ورواه الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس بالقويِّ.
والأحاديث الصحاح عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النهي عن ثمن الكلب خالية عن هذا الاستثناء، وإنما الاستثناء في الأحاديث الصحاح في النهي عن الاقتناء، فلعله شبِّه على من ذكر في حديث النهي عن ثمنه- من هؤلاء الرواة الذين هم دون الصحابة والتابعين-، والله أعلم (1) .
وحديث الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير: لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن"، وطريقه الثاني والثالث واحدٌ، والله أعلم O.
*****
مسألة (517) : بيع الحاضر للبادي باطلٌ، بشرط أن يكون البادي
__________
(1) "سنن البيهقي": (6/6-7) .(4/95)
حضر لبيع سلعته (1) ، أو يكون بالناس حاجةٌ إلى سلعته، وأنَّ يكون البادي جاهلاً بالأسعار، ويكون الحاضر قصد التاجر (2) .
2424- قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يبيعنَّ حاضرٌ لبادٍ، دعوا الناس ورزق الله عز وجلَّ بعضهم من بعض" (3) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (4) .
*****
مسألة (518) : لا يجوز أن يفرَّق في البيع بين كلِّ ذي رحم محرم.
وقال مالكٌ: لا يفرَّق بين الأم وولدها خاصَّة.
وقال الشافعيُّ: لا يفرَّق بينه وبين أبويه وإن علوا، وولده وإن سفل.
لنا ثلاثة أحاديث:
2425- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد (5) بن أبي عروبة عن الحكم بن عُتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عليِّ ابن أبي طالبٍ قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما،
__________
(1) في "التحقيق": (لبيع السلعة بسعر يومه) .
(2) في "التحقيق": (التأخير) !
(3) "المسند": (3/307) .
(4) "صحيح مسلم": (5/6) ؛ (فؤاد- 3/1157- رقم: 1522) .
(5) في مطبوعة "المسند": (شعبة) خطأ.(4/96)
ففرَّقت بينهما، فذكرت ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أدركهما، فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جميعًا " (1) .
ز: هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، ورجاله رجال "الصحيحين"، لكن سعيد بن أبي عروبة لم يسمع من الحكم شيئًا. قاله الإمام أحمد (2) والنسائيُّ (3) وغيرهما.
وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الوهاب [عن سعيد عن رجل عن الحكم (4) .
وقد روي عن عبد الوهاب] (5) عن شعبة عن الحكم.
وقد سُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: رواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة، وسعيد لم يسمع من الحكم شيئًا. وذكر جماعةً رووه عن سعيد عن الحكم.
وأمَّا حديث شعبة: فرواه عنه وضَّاح بن حسَّان الأنباريُّ، وتابعه إسماعيل بن أبي الحارث وعليُّ بن سهلٍ عن عبد الوهَّاب بن عطاء عن شعبة (6) .
وقد رواه أبو بكر بن أبي عاصم عن محمَّد بن عليِّ بن ميمون عن سليمان ابن عبيد الله عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أُنَيسة عن الحكم (7) .
وهذا إسنادٌ لا بأس به، وسليمان: صدَّقه أبو حاتم (8) O.
__________
(1) "المسند": (1/97- 98) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (2/331- رقم: 2465) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (11/10- رقم: 2327) .
(4) "المسند" (1/126- 127) وفيه: (الحكم بن عقبة) خطأ.
(5) زيادة من (ب) .
(6) "العلل": (3/272- 274- رقم: 401) باختصار.
(7) ومن طريق ابن أبي عاصم خرجه الضياء في "المختارة": (2/273- رقم: 653) .
(8) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/127- رقم: 551) .(4/97)
2426- طريق آخر: قال الترمذيُّ: حدَّثنا الحسن بن عرفة ثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ عن حمَّاد بن سلمة عن الحجَّاج عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن عليٍّ قال: وهب لي رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلامين أخوين، فبعت أحدهما فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عليٌّ، ما فعل غلامك؟ ". فأخبرته، فقال:
" رُدَّه، رُدَّه ".
ز: قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ (1) .
ورواه عن الحسن بن قزعة، وفي نسخة: (ابن عرفة) وهو الأشبه، فإنَّه كذلك في النسخة المكتوبة عن الترمذيِّ.
وقد رواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى الذُّهْليِّ عن عفَّان بن مسلمٍ عن حمَّاد بن سلمة عن الحجَّاج (2) ، وهو ابن أرطأة، وقد تقدَّم الكلام فيه غير مرَّةٍ.
وميمون بن أبي شبيب: صالح الحديث، لكن هو كثير الإرسال، قال أبو داود: لم يدرك عليًّا (3) ، والله أعلم O.
2427- طريقٌ آخرٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البغويُّ ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن الدَّالانيِّ عن الحكم عن ميمون بن أبي شَبيْب عن عليِّ، بن أبي طالبٍ أنَّه فرَّق بين
جاريةٍ وولدها، فنهاه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فردَّ البيع (4) .
__________
(1) "الجامع": (2/559- 560- رقم: 1284) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/755- 756- رقم: 2249) .
(3) انظر: "سنن أبي داود": (3/304- الحاشية رقم: 2689) ، و"تحفة الأشراف" للمزي: (7/449- رقم: 10286) .
(4) "سنن الدارقطني": (3/66) .(4/98)
ز: رواه أبو داود عن عثمان به (1) .
ويزيد بن عبد الرحمن: صدوقٌ، وهو أقوى من الحجَّاج O.
2428- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا محمَّد بن عليٍّ الورَّاق ثنا عبيد الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل عن طُلَيق بن عمران عن أبي بردة عن أبي موسى قال: لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرَّق بين الوالدة وولدها، وبين الأخ وأخيه (2) .
ز: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن عمر بن هيَّاج عن عبيد الله بن موسى (3)
وإبراهيم بن إسماعيل هو: ابن مجمع، ضعَّفوه، وقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (4) .
وطُلَيق: وثقه ابن حِبَّان (5) ، ولم يرو له ابن ماجة غير هذا الحديث O.
2429- الحديث الثالث: قال الترمذيُّ: حدَّثنا عمر بن حفص الشيبانيُّ أنا عبد الله بن وهبٍ قال: أخبرني حُيَيُّ بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحُبُليِّ عن أبي أيُّوب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من فرَّق بين والدة وولدها، فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ".
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/304- 305- رقم: 2689) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/67) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/756- رقم: 2250) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (1/232- رقم: 65) من رواية معاوية بن صالح والدوري، ولم نره في مطبوعة "التاريخ".
(5) " للثقات ": (6/494) .(4/99)
ز: انفرد بهذا الحديث الترمذيُّ من بين أصحاب "السنن"، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ (1) .
وقد رواه الإمام أحمد (2) وأبو يعلى والرُّوْيَانيُّ والطبرانيُّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه (5) .
وحُيَيُّ بن عبد الله، قال أحمد: أحاديثه مناكير (6) . وقال ابن معين: ليس به بأسٌ (7) . وقال البخاريُّ: فيه نظرٌ (8) . وقال النسائيُّ: ليس بالقويِّ (9) . ولم يخرِّج له البخاريُّ ولا مسلمٌ شيئًا.
2430- وقد روى البيهقيُّ من حديث أبي عتبة قال: ثنا بقيَّة ثنا خالد ابن حميد عن العلاء بن كثير عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من فرَّق بين الولد وأمِّه، فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " (10) .
أبو عتبة هو: أحمد بن الفرج الحمصيُّ، محلُّه الصدق. قاله [ابن] (11) أبي حاتم (12) ، وتكلَّم فيه غيره.
__________
(1) "الجامع": (2/559- رقم: 1283) .
(2) "المسند": (5/412- 413) .
(3) "المعجم الكبير": (4/182- رقم: 4080) .
(4) "سنن الدارقطني": (3/67) .
(5) "المستدرك": (2/55) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (3/116- رقم: 4482) .
(7) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص/91- رقم: 239) وفيه: (حييّ بن عمرو) .
(8) "التاريخ الكبير": (3/76- رقم: 269) .
(9) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 89- رقم: 162) .
(10) "سنن البيهقي": (9/126) .
(11) في الأصل: (لابن) ، والتصويب من (ب) .
(12) "الجرح والتعديل": (2/67- رقم: 124) .(4/100)
وقد زال ما يخشى من تدليس بقيَّة بتصريحه بالتحديث.
وخالد بن حميد هو: الإسكندرانيُّ، لا بأس به، وثَّقه ابن حِبَّان (1) .
والعلاء هو: الإسكندرانيُّ، وهو صدوقٌ، لكنَّه لم يسمع من أبي أيُّوب، فيكون الحديث منقطعًا، والله أعلم O.
فصلٌ (519) : ولا يجوز التفريق بعد البلوغ.
وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة.
لنا:
مطلق الأخبار المتقدِّمة.
وقد احتجُّوا بما:
2431- رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أحمد بن عيسى بن عليٍّ الخوَّاص ثنا أحمد بن الهيثم بن خالد (2) ثنا عبد الله بن عمرو بن حسَّان ثنا سعيد ابن عبد العزيز قال: سمعت مكحولاً يقول: ثنا نافع بن محمود بن الربيع عن
أبيه أنَّه سمع عبادة بن الصامت يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفرَّق بين الأمِّ وولدها، فقيل: يا رسول الله، إلى متى؟ قال: " حتَّى يبلغ الغلام، وتحيض
__________
(1) "الثقات": (8/221) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: احمد بن عيسى وثَّقه الدارقطني، ووثق ابن الهيثم أيضًا) اهـ.(4/101)
الجارية ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: عبد الله بن عمرو هو: الواقعيُّ، وهو ضعيف الحديث، رماه عليُّ بن المدينيِّ بالكذب، ولم يروه عن سعيد غيره (1) .
ز: روى هذا الحديث الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (2) .
وهذا الذي قاله خطأٌ، والأشبه أن يكون هذا الحديث موضوعًا، ولم يخرِّجه أحمد ولا أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتَّة O.
*****
مسألة (520) : لا يجوز المعاوضة عن عَسْب الفحل.
وقال مالك: يجوز.
2432- قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل ثنا عليُّ بن الحكم عن نافع عن ابن عمر: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ثمن عَسْب الفحل (3) .
انفرد بإخراجه البخاري (4) .
احتجُّوا بما:
2433- رواه الترمذيُّ، قال: حدثنا عَبْدة بن عبد الله البصريُّ ثنا
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/68) .
(2) "المستدرك": (2/55) .
(3) "المسند": (2/14) .
(4) "صحيح البخاري": (3/566- 567) ؛ (فتح- 4/461- رقم: 2284) .(4/102)
يحيى بن آدم عن إبراهيم بن حميد الرُّؤاسيُّ عن هشام بن عروة عن محمَّد بن إبراهيم التيميُّ عن أنس بن مالكٍ: أنَّ رجلاً من كلاب سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عَسْب الفحل، فنهاه، فقال: يا رسول الله، إنا نطرق الفحل فنُكْرَم.
فرخص له في الكرامة.
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن حميد (1) .
ز: رواه النسائيُّ عن عِصْمة بن الفضل عن يحيى بن آدم (2) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: غريبٌ من حديث هشام عن محمَّد، تفرَّد به إبراهيم عنه (3) .
وإبراهيم: وثَّقه ابن معين (4) وأبو حاتم (5) والنسائيُّ (6) ، وروى له البخاريُّ (7) ومسلمٌ (8) في " صحيحيهما "، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "الجامع": (2/552- رقم: 1274) .
(2) "سنن النسائي": (7/310- رقم: 4672) .
(3) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (2/230- رقم: 1228) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/269- رقم: 1265) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/94- رقم: 249) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزى: (2/79- رقم: 167) .
(7) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/345- رقم: 38) .
(8) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/37- رقم: 24) .(4/103)
مسائل القرض
مسألة (521) : يجوز قرض الحيوان والثياب، وبه قال مالك والشافعيُّ، وزادا فقالا: ويجوز قرض الإماء والعبيد.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز شيءٌ من ذلك.
24340- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدَّثني سلمة بن كُهيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أنَّ رجلاً تقاضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعيرًا، فقالوا: لا نجد إلا أفضل من سِنِّه. فقال: " أعطوه ".
فقال: أوفيتني أوفى الله لك. فقال: " خيار الناس أحسنها قضاءً " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
2435- وقال الترمذيُّ: حدَّثنا أبو كريب عن عليِّ بن صالح عن سلمة بن كُهيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: استقرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنًّا، فأعطاه خيرًا من سِنِّه، وقال: " خياركم أحسنكم قضاءً " (3) .
ز: كذا وجدته في نسختين، وقد سقط بين أبي كريب وعليِّ بن صالحٍ: (وكيع) (4) .
__________
(1) "المسند": (2/431) .
(2) "صحيح البخاري": (3/597) ؛ (فتح- 5/58- رقم: 2392) .
"صحيح مسلم": (5/54) ؛ (فؤاد- 3/1225- رقم: 1601) .
(3) "الجامع": (2/583- رقم: 1316) .
(4) وكذا هو في مطبوعة "التحقيق"، وهو على الصواب في مطبوعة "الجامع".(4/104)
وقد روى هذا الحديث: مسلمٌ عن أبي كريب (1) ، والله أعلم O.
2436- قال الترمذيُّ: وحدَّثنا عَبْدُ بن حُميد ثنا رَوْح بن عبادة ثنا مالك بن أنس عن زيد بن أَسْلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع قال: استسلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرًا، فجاءته إبل الصدقة، فأمرني أن أقضي الرجل بَكْرةً، فقلت: لا أجد في الإبل إلا جملاً خيارًا رباعيا. فقال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعطه
إيَّاه، فإنَّ خيار الناس أحسنهم قضاءً " (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
*****
مسألة (522) : يجوز قرض الخبز، وهل يجوز بالعدد، أو يكون بالوزن؟ فيه روايتان.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز قرضه.
لنا:
2437- ما أخبرنا به محمَّد بن عبد الباقي أنبأنا الجوهريُّ أنا أبو حفص عمر بن محمَّد بن عليِّ الصيرفيُّ ثنا أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد بن ناجية ثنا الزبير ابن بكَّار قال: حدَّثتني أمُّ كلثوم بنت عثمان بن مصعب بن عروة بن الزبير قالت: حدَّثتني صفيَّة بنت الزبير بن هشام بن عروة عن جدِّها هشام بن عروة
__________
(1) "صحيح مسلم": (5/54) ؛ (فؤاد- 3/1225- رقم: 1601) .
(2) "الجامع": (2/584- 585- رقم: 1318) .
(3) "صحيح مسلم": (5/54) ؛ (فؤاد- 3/1224- رقم: 1600) .(4/105)
عن أبيه عن عائشة أنَّها قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخميرة أو الخبز نقرضه الجيران، فيردُّون أكثر أو أقل؟ فقال: " ليس بذاك بأسٌ، إنَّما هو أمر يترافق بين الجيران، وليس-يراد به الفضل ".
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وفي إسناده من تجهل حاله، والله أعلم O.
2438- وقال ابن عَدِيٍّ: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد بن مسلم (1) ثنا ابن مصفَّى ثنا بقيَّة عن ثور بن يزيد عن خالد بن مَعْدان عن معاذ بن جبل أنَّه سُئل عن استقراض الخمير والخبز، فقال: سبحان الله، هذا مكارم الأخلاق! فخذ
الصغير وأعط الكبير، وخذ الكبير وأعط الصغير، خيركم أحسنكم قضاء، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك.
ز: هذا الحديث لم يخرَّج في شيءٍ من "السنن"، وإسناده صالحٌ، لكنَّه منقطعٌ، فإنَّ خالدًا لم يدرك معاذًا.
وابن عَدِيٍّ ذكره في ترجمة ثور، وروى له غيره، ثم قال: ولم أر في أحاديثه أنكر من هذا الذي ذكرته، وهو مستقيم الحديث، صالحٌ في الشاميين (2) O.
*****
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي مطبوعة "الكامل": (أسلم) ، وذكر الحافظ المزي في "تهذيب الكمال": (26/468 - رقم: 5613) في الرواة عن محمَّد بن مصفى: (عبد الله بن محمَّد بن سَلْم المقدسي) فالله تعالى أعلم.
(2) "الكامل": (2/103- 104- رقم: 320) .(4/106)
مسألة (523) : لا يحلُّ، للمقرض أن ينتفع من المقترض منفعة لم تجر عادته بها قبل ذلك.
وقال الشافعيُّ: يجوز ما لم يشترط ذلك، وعن أحمد مثله.
2439- قال سعيد بن منصور: حدَّثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عُتبة بن حُميد الضَّبِّيِّ عن يزيد بن أبي يحيى قال: سألت أنس بن مالك، فقلت: يا أبا حمزة، الرجل منَّا يقرض أخاه المال، فيهدي إليه؟ فقال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أقرض (1) أحدكم قرضًا، فأهدى إليه طبقا فلا يقبله، أو حمله على دابة فلا يركبها، إلا أن تكون بينه وبينه قبل ذلك " (2) .
ز: كذا فيه: (عن يزيد بن أبي يحيى) (3) وهو غلطٌ، ولا يعرف في الرواة: يزيد بن أبي يحيى.
وقد روى هذا الحديث: ابن ماجة عن هشام بن عمَّار عن إسماعيل بن عيَّاش عن عُتبة بن حُميد الضَّبِّيَّ عن يحيى بن أبي إسحاق الهُنائيِّ قال: سألت أنس بن مالك ... فذكره (4) .
كذا قال، وهو خطأٌ أيضًا، فإنَّ يحيى الهُنائيَّ غير ابن أبي إسحاق، وابن أبي إسحاق هو: الحضرميُّ البصريُّ (5) .
__________
(1) في هامش الأصل: (ص: اقترض) ا. هـ
(2) ومن طريق سعيد بن منصور خرجه البيهقي في "سننه": (5/350) .
(3) وكذا هو في "سنن البيهقي"، وقال الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف ": (1/427- رقم: 1655) : (.... لأن سعيد بن منصور قد أخرجه عن إسماعيل بن عياش- شيخ هشام- فقال فيه: " يحيى بن أبي إسحاق الهنائي ".....) أ. هـ
(4) "سنن ابن ماجة": (2/813- رقم: 2432) .
(5) انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (1/427- رقم: 1655) ، و" النكت الظراف " لابن حجر، و"سنن البيهقي": (5/350) ، و" الجوهر النقي " لابن التركماني، و" بيان الدليل " لابن تيمية: (ص: 234- 235- الوجه: 20) .(4/107)
وإسناد هذا الحديث غير قويٍّ على كلِّ حالٍ، فإنَّ ابن عيَّاش متكلَّمٌ فيه.
وعُتبة: سئل أحمد عن حديثه، فقال: ضعيفٌ، وليس بالقويِّ (1) .
ووثَّقه ابن حِبَّان (2) O.
2440- قال سعيد: وحدَّثنا سفيان ثنا عمَّار الدُّهنيُّ عن سالم بن أبي الجَعْد قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبَّاس، فقال له: إنِّي أقرضت رجلاً يبيع السمك عشرين درهمًا، فأهدى إليَّ سمكةً قوَّمتها ثلاثة عشر درهمًا. فقال: خذ منه سبعة دراهم.
ز: 2441- قال أبو الجهم العلاء بن موسى في "جزءه": حدَّثنا سوار عن عمارة عن عليٍّ قال: البيع يهدم الشرط. وقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلُّ قرضٍ جرَّ منفعةً فهو ربًا ".
هذا إسنادٌ ساقطٌ، وسوار هو: ابن مصعب، وهو متروك الحديث، والله أعلم (3) O.
*****
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/370- رقم: 2042) من رواية أبي طالب.
(2) "الثقات": (7/272) .
(3) في هامش الأصل: (حاشية: رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" من جهته. ذكره عبد الحق في " أحكامه ") ا. هـ وهذه الحاشية يبدو أنها ليست للمنقح، والله أعلم. وانظر: " بغية الباحث " للهيثمي: (ص: 141- 242 رقم: 436) .(4/108)
مسائل السَّلَم
مسألة (524) : يصحُّ السَّلَم في المعدوم إذا كان موجودًا في محلِّه.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
2442- قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن ابن أبي نَجيح عن عبد الله ابن كثير عن أبي المنهال عن ابن عبَّاس قال: قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وهم يسلفون في التمر، العام والعام- وربما قال: عامين أو ثلاثة- فقال: " من أسلف في تمرٍ، فليسلف في كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
2443- قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم أنا أبو إسحاق الشيبانيُّ عن محمَّد بن أبي المجالد- مولى بني هاشم- قال: أرسلني ابن شدَّاد وأبو بُرْدَة، فقالا: انطلق إلى ابن أبي أوفى، فقل له: إنَّ عبدَ الله بن شدَّاد وأبا بُرْدَة يقرئانك السلام، ويقولان: هل كنتم تُسْلفُون في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البرِّ والشعير والزيت؟ قال: نعم، كنَّا نصيب غنائم في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنسلفها في البرِّ والشعير والتمر والزيت. فقلت: عند من كان له زرعٌ، أو عند من لم يكن له زرعٌ؟ فقال: ما كنَّا نسألهم عن ذلك. فقالا: انطلق إلى عبد الرحمن بن أَبْزى
__________
(1) "المسند": (1/222) .
(2) "صحيح البخاري": (3/555) ؛ (فتح- 4/429- رقم: 2240) .
"صحيح مسلم": (5/55) ؛ (فؤاد- 3/1226- 1227- رقم: 1604) .(4/109)
فاسأله. فانطلق فسأله، فقال مثل ما قال ابن أبي أوفى (1) .
ز: هذا الحديث رواه البخاري من رواية أربعة عن أبي إسحاق (2) O.
*****
مسألة (525) : يصحُّ السَّلَم في الحيوان.
وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ.
لنا:
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أمرني رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المُصدِّق.
وقد سبق هذا بإسناده (3) .
2444- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا جرير بن حازم عن ابن (4) إسحاق عن أبي سفيان عن مسلم بن جبير عن عمرو بن الحَرِيش قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت: إنَّا بأرضٍ ليس بها دينار
ولا درهم، إنَّما نبايع بالإبل والغنم إلى أجلٍ، فما ترى في ذلك؟ فقال: على الخبير سقطت! جهَّز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشًا على إبلٍ من إبل الصدقة، حتَّى
__________
(1) "المسند": (3/380) .
(2) "صحيح البخاري": (3/556/558) ؛ (فتح- 4/430، 434- الأرقام: 2244 - 2245 - 2254 - 2255) .
(3) رقم: (2314) .
(4) في "التحقيق": (أبي) خطأ.(4/110)
نفدت، وبقي ناسٌ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشتر لنا إبلاً بقلائص من إبل الصدقة إذا جاءت، حتَّى نؤدِّيها إليهم ". فاشتريت البعير بالاثنين، والثلاث قلائص، حتَّى فرغت، فأدَّى ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إبل الصدقة (1) .
ز: قد تقدَّم ذكر هذا الحديث، وذكر الاختلاف في إسناده (2) ، والله أعلم O.
احتجُّوا:
2445- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا محمَّد بن عليِّ بن إسماعيل الأُبليُّ ثنا عبد الله بن إسماعيل بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الملك الذَّمَارَيُّ عن سفيان الثوريُّ قال: حدَّثني مَعْمَر عن يحيى بن أبي كثير عن
عكرمة عن ابن عبَّاس: أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن السَّلَفِ في الحيوان (3) .
قال أبو زرعة: عبد الملك الذَّمَارَيُّ منكر الحديث (4) . وقال الرازيُّ: ليس بقويٍّ (5) . ووثَّقه الفلاس (6) .
وأمَّا إسحاق بن إبراهيم: فمجهولٌ.
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن"، وقد روي بغير هذا اللفظ، وقد صحَّح غير واحدٍ من الحفَّاظ إرساله.
وإسحاق بن إبراهيم: ليس بمجهولٍ، بل هو مشهورٌ بالضعف، وهو: ابن جوني الطبريُّ الصنعانيُّ، قال ابن عَدِيٍّ: كان بصنعاء، وهو منكر
__________
(1) "المسند" (2/171) .
(2) رقم: (2315) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/71) .
(4، 5، 6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/356- رقم: 1685) .(4/111)
الحديث (1) . وقال ابن حِبَّان: يروي عن ابن عيينة والفضل بن عياض، منكر الحديث جدًّا، يأتي عن الثقات بالموضوعات، لا يحلُّ كتب حديثه إلا على جهة التعجُّب (2) . وقال الحاكم: سكن اليمن، وروى أحاديث موضوعةً (3) .
وقد ذكره المؤلِّف في "الضعفاء" وحكى كلام ابن حِبَّان والدَّارَقُطْنِيِّ فيه، ثُمَّ ذكره مرَّة أخرى وحكى كلام ابنَ عَدِيٍّ فيه (4) ، وقد وهم في ذلك أيضًا، فإنَّه ظنَّ أنَّهما اثنان، وإنَّما هما واحد.
2446- وقال سعيد بن منصور: ثنا هُشيم أنا عَبيْدة- يعني: ابن حُميد- عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عبَّاس: أنَّه كان لا يرى بأسًا بالسلف في الحيوان (5) .
كذا فيه: (يعني: ابن حميد) (6) وهو وهمٌ، والصواب: عُبيدة بن مُعَتِّب الضَّبِّيُّ، وهو ضعيفٌ، وابن حميد يروي عن ابن مُعَتِّب، والله أعلم.
2447- وروى سعيد بإسنادٍ منقطعٍ عن ابن مسعودٍ أنَّه كره السلف في الحيوان (7) .
والله أعلم O.
*****
__________
(1) "الكامل": (1/343- رقم: 173) .
(2) "المجروحون": (1/138) .
(3) " المدخل إلى الصحيح ": (القسم: 1/ص: 119- رقم: 12) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (1/98 - رقمي: 298- 299) .
(5) ومن طريق سعد بن منصور: خرجه البيهقي في "سننه": (6/22) .
(6) في هامش "سنن البيهقي": (6/22) : (في هامش " ر " ما لفظه: كذا في أصل المؤلف، وضرب على قوله: " يعني ابن حميد ") اهـ
(7) ومن طريق سيد بن منصور: خرجه البيهقي في "سننه": (6/22) .(4/112)
مسألة (526) : يجوز السَّلَم في الخبز، خلافًا لأكثرهم.
لنا:
قوله عليه السلام: " ووزن معلوم ".
والخبز موزونٌ، وقد سبق الحديث بإسناده (1) .
*****
مسألة (527) : إذا أسلم إليه في سلعة، ثم تقايلا بعد قبض الثمن، لم يجز أن يصرف ذلك الثمن في شيءٍ آخر حتَّى يقبضه.
وقال الشافعيُّ: يجوز.
2448- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن عرفة وإبراهيم بن سعيد الجوهريُّ وعليُّ بن الحسين الدِّرْهَميُّ وأبو سعيد الأشج- واللفظ لعليٍّ- قالوا: ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد ثنا زياد بن خيثمة عن سعد
الطائيِّ عن عطيَّة بن سعدٍ عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أسلم في شيءٍ، فلا يصرفه في غيره ". وقال إبراهيم بن سعيدٍ: " فلا يأخذ إلا ما أسلم فيه، أو رأس ماله " (2) .
ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن عيسى (3) ، ورواه ابن ماجة عن محمَّد
__________
(1) رقم: (2442) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/45) .
(3) "سنن أبي داود": (4/171- رقم: 3462) .(4/113)
ابن عبد الله بن نُمير (1) ، كلاهما عن أبي بدر به.
ورواه ابن ماجة أيضًا عن أبي سعيد الأشج ولم يذكر سعدًا (2) .
وعطيَّة هو: العَوْفيُّ، وقد ضعَّفه أحمد (3) وغيرُه، والترمذيُّ يحسِّن حديثَه، وقال ابن عَدِيٍّ: هو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعدُّ من شيعة أهل الكوفة (4) O.
*****
مسألة (528) : لا يجوز التسعير.
وقال مالكٌ: يحوز أن يقول لمن حطَّ سعرًا: إما أن يلحق بالناس، أو ينصرف عنهم.
2449- قال الإمام أحمد: حدَّثنا سريج (5) ثنا حمَّاد بن سلمة عن قتادة وثابت عن أنس بن مالك قال: غلا السعر على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله، لو سعَّرت؟ فقال: " إن الله عزَّ وجلَّ هو الخالق، القابض، الباسط، الرازق، المسعّر، وإنِّي لأرجو أن ألقى الله عزَّ وجلَّ ولا يطلبني أحدٌ بمظلمة ظلمتها إياه، في دمٍ، ولا مالٍ " (6) .
__________
(1، 2) "سنن ابن ماجة": (2/766- رقم: 2283) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (1/548- رقم: 1306) .
(4) "الكامل": (5/370- رقم: 1530) .
(5) في "التحقيق": " شريح " خطأ.
(6) "المسند": (3/156) .(4/114)
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
ز: رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن بُنْدَار عن حجَّاج بن المنهال عن حمَّاد به (2) ، ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن المثنَّى عن حجَّاج بإسناده (3) O.
*****
__________
(1) "الجامع": (2/582- رقم: 1314) وفيه: (حسن صحيح)
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وهذا خطأ ظاهر، وصوابه فيما نقدر: (رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن عفان عن حماد به، ورواه الترمذي عن بندار عن حجاج بن المنهال.... الخ) والله أعلم.
وانظر: "سنن أبي داود": (4/165- رقم: 3445) ؛ و"الجامع" للترمذي: (2/582- رقم: 1314) ؛ و"تحفة الأشراف" للمزي: (1/118- رقم: 318) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/741- 742- رقم: 2200) .(4/115)
مسائل الرهن
مسألة (529) : يجوز الرهن في السفر والحضر.
وقال داود: لا يجوز إلا في السفر.
2450- قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: اشترى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يهوديٍّ طعامًا نسيئةً، فأعطاه درعًا له رهنا (1) .
أخرجاه (3) .
2451- قال أحمد: وحدَّثنا يزيد ثنا هشام عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قُبض النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنَّ درعَه مرهونةٌ عند رجل من يهود، على ثلاثين صاعًا من شعير، أخذها رزقًا لعياله (3) .
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4) .
__________
(1) "المسند": (6/42) .
(2) "صحيح البخاري": (3/524- 525) ؛ (فتح- 4/319- رقم: 2096) .
"صحيح مسلم": (3/55) ؛ (فؤاد- 3/1226- رقم: 1603) .
(3) "المسند": (1/236) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: روى البخاري في "صحيحه" من حديث أنس قال: ولقد رهن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ درعًا له بالمدينة عند يهودي، وأخذ منه شعيرًا لأهله.
وهذا صريح في الحضر) ا. هـ
ولا ندري عن هذه الحاشية هل هي للمنقح أم لا؟ وانظر: "صحيح البخاري": (3/518) ؛ (فتح- 4/302- رقم: 2069) .
(4) "الجامع": (2/502- رقم: 1214) وفيه: (حسن صحيح) .(4/116)
ز: رواه الترمذيُّ عن ابن بشَّار عن ابن عَدِيٍّ وعثمان بن عمر، كلاهما عن هشام بن حسَّان، وعنده: (بعشرين صاعًا من الطعام) . ورواه النسائيُّ عن يوسف بن حمَّاد عن سفيان بن حبيب عن هشام نحوه (1) .
ورواه ابن ماجة من رواية هلال بن خبَّاب عن عكرمة (2) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (530) : إذا قال الراهن: إن جئتك بالحقِّ في وقت كذا، وإلا فالرهن لك، بطل الشرط، وصحَّ الرهن، وكذلك إذا شرط سائر الشروط الفاسدة.
وقال الشافعيُّ: إن كانت الشروط مما تنقص من حقِّ المرتهن- مثل: أن يشرط أن لا يسلم الرهن إليه، أو لا يبيعه في محلِّه-، فالرهن باطلٌ؛ وإن كان مما يزيد حقه- مثل: أن يشرط دخول النماء المنفصل منه في الرهن-، ففيه
قولان: أحدهما: لا يصحُّ أيضًا؛ والثاني: يصحُّ الرهن، ويبطل الشرط.
لنا:
2452- ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا ابن صاعد ثنا عبد الله بن عمران العابديُّ ثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يغلق الرهن، له غنمه، وعليه
__________
(1) "سنن النسائي": (7/303- رقم: 4651) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/815- رقم: 2439) .(4/117)
غرمه ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: زياد بن سعد أحد الحفَّاظ الثقات، وهذا إسنادٌ حسنٌ متَّصلٌ (1) .
2453- قال ابن صاعد: وحدَّثنا محمَّد بن عوف ثنا عثمان بن سعيد بن كثير قال: ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن ابن أبي ذئبٍ عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يغلق الرهن، لصاحبه غنمه، وعليه غرمه " (2) .
2454- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إبراهيم بن أحمد القِرْمِيْسِينيُّ ثنا يحيى ابن أبي طالب ثنا عبد الله بن نصر الأصم ثنا شَبَابة ثنا ابن أبي ذئب عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يغلق الرهن، والرهن لمن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه " (3) .
قال إبراهيم النخعيُّ: كانوا يرهنون، ويقولون: إن جئتك بالمال إلى وقت كذا، وإلا فهو لك، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا.
ز: الإسناد الأوَّل: غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن".
وعبد الله بن عمران العابديُّ: صدَّقه أبو حاتم (4) ، ووثَّقه ابن حِبَّان (5) .
وقال البيهقيُّ: قد رواه غيره عن سفيان عن زياد مرسلاً، وهو
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/32) .
(2، 3) "سنن الدارقطني": (3/33) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/130- رقم: 603) .
(5) "الثقات": (8/363) وقال: (يخطئ ويخالف) .(4/118)
المحفوظ (1) .
وقد روى هذا الحديث أبو داود في "المراسيل " من رواية مالك وابن أبي ذئب والأوزاعيِّ وغيرهم عن الزهريِّ عن سعيد مرسلاً، وقال: وكذلك رواه ابن عيينة عن زياد بن سعد ويونس بن يزيد كما قال [مالك] (2) .
والإسناد الثاني والثالث: غير مخرَّجين في "السنن" أيضًا، وقد روى الحديث الثوريُّ وغيره عن ابن أبي ذئب مرسلاً، وهو المحفوظ.
وإسماعيل بن عيَّاش: ضعيفٌ في روايته عن الحجازيين.
وعبد الله بن نصر الأصم البزَّاز الأنطاكيُّ: ليس بذاك المعتمد، وقد روى عن أبي بكر بن عيَّاش وابن عليَّة ومعن بن عيسى وابن فضيل، وروى عنه أبو حاتم الرازيُّ (3) .
وقد ذكرنا هذا الحديث والاختلاف فيه، وكلام الأئمة عليه، في غير هذا الموضع، وقد صحَّح اتصاله: ابن عبد البر (4) وعبد الحقِّ (5) ، والله أعلم O.
احتجُّوا:
__________
(1) "سنن البيهقي": (6/40) .
(2) زيادة من (ب) .
" المراسيل ": (ص: 170- 172- رقم: 186- 187) ، ولم نر في المطبوعة إلا رواية معمر وابن أبي ذئب، ويبدو أن سقطًا وقع فيها، فباقي الروايات قد ذكرها المزي في " تحفة الأشراف ": (13/213- رقم: 18737) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/186- رقم: 868) .
(4) "التمهيد": (6/430) .
(5) " الأحكام الوسطى ": (3/279) .(4/119)
2455- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا عبد الباقي بن قانع ثنا عبد الوارث (1) بن إبراهيم ثنا إسماعيل بن أبي أميَّة ثنا سعيد بن راشد ثنا حُميد الطويل عن أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الرهن بما فيه ".
قال إسماعيل بن أبي أميَّة: وحدَّثنا حمَّاد بن سلمة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرهن بما فيه " (2) .
2456- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن مَخْلَد ثنا أحمد بن محمَّد بن غالب قال: حدَّثني عبد الكريم بن رَوْح عن هشام بن زياد عن حُميد عن أنس عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرهن بما فيه " (3) .
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه إسماعيل بن أبي أميَّة، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو يضع الحديث. قال: وهذا الحديث باطلٌ عن قتادة وعن حمَّاد بن سلمة (4) .
وفي الإسناد: سعيد بن راشد، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (5) .
وقال النسائيُّ: متروك الحديث (6) . وقال ابن حِبَّان: ينفرد عن الثقات بالمعضلات (7) .
وفي الحديث الثاني: هشام بن زياد، قال يحيى: ليس بشيءٍ (8) . وقال
__________
(1) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (عبد الرزاق) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ينظر في عبد الوارث) ا. هـ
(2، 3، 4) "سنن الدارقطني": (3/32) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (4/90- رقم: 3294) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 123- رقم: 280) وفيه: (متروك) .
(7) "المجروحون": (1/324) .
(8) "التاريخ" برواية الدوري: (3/205- رقم: 944) .(4/120)
النسائيُّ: متروك الحديث (1) . وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به (2) .
وفيه: عبد الكريم، ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (3) ، وقال أبو حاتم الرازيُّ: هو مجهولٌ (4) .
وفيه: أحمد بن محمَّد بن غالب، وهو غلام الخليل، كان كذَّابًا يضع الحديث. وقال ابن عَدِيٍّ الحافظ: كان غلام خليل يقول: وضعنا أحاديث نرقق بها قلوب العامَّة (5) ! وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو متروكٌ (6) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحد من أصحاب "السنن"، وليس فيه حجَّة لمن نصب المؤلِّف الخلاف معه، بل ليس له تعلُّقٌ بهذه المسألة أصلاً، والله أعلم O.
*****
مسألة (531) : ما ينفقه المرتهن في غيبة الراهن يكون دَينًا على الراهن، وللمرتهن استيفاؤه من ظهر الرهن ودَرِّه.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: متى أنفق من غير أمر الحاكم كان مُتَطَوِّعًا.
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 235- رقم: 612) .
(2) "المجروحون": (3/88) .
(3) قال الدارقطني في "سننه": (3/32) عقب الحديث السابق: (لا يثبت هذا عن حميد، وكل من بينه وبين شيخنا ضعفاء) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/61- رقم: 325) .
(5) "الكامل": (1/195- رقم: 38) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 122- رقم: 58) .(4/121)
احتجُّوا:
2457- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا أحمد ابن منصور ثنا يحيى بن حمَّاد ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرهن مركوبٌ ومحلوبٌ " (1) .
ز: هذا الإسناد صحيحٌ وإن كان غير مخرَّجٍ في شيءٍ من " الكتب السِّتَّة "، والأشبه أن يكون موقوفًا.
وقد رواه ابن عَدِيٍّ عن جماعة عن إبراهيم بن مجشِّر (2) عن أبي معاوية عن الأعمش، ثُمَّ قال: وهذا الحديث لا أعلمه يرفعه عن أبي معاوية غير إبراهيم بن مجشِّر (3) .
ورواه شعبة عن الأعمش موقوفًا، وكذا رواه الشافعيُّ عن ابن عيينة عن الأعمش (4) O.
والجواب:
أنَّه حجَّةٌ لنا، لأنَّ المراد: أنَّ المرتهن إذا أنفق عليه ركب وشرب، يدلُّ عليه:
2458- ما رواه البخاريُّ، قال: حدَّثنا محمَّد بن مقاتل أنا عبد الله أنا زكريا عن الشعبيِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدَّرِّ يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/34) .
(2) من قوله: (الكتب الستة) إلى هنا سقط من (ب) .
(3) "الكامل": (1/274- رقم: 114) .
(4) "الأم": (3/164) .(4/122)
ويشرب النفقة " (1) .
وهذا يدلُّ على ما قلنا، لأنَّ الراهن إنما ينفق بحكم الملك، سواء انتفع به أو لم ينتفع.
ز: قال البيهقيُّ: ورواه هُشيم وسفيان بن حبيب عن زكريا، وزاد (2) في متنه: " المرتهن "، ولبس بمحفوظٍ (3) .
وفي قوله: (ليس بمحفوظٍ) نظرٌ.
وقد رواه الترمذيُّ من رواية وكيع عن زكريا، وقال: حسنٌ صحيحٌ (4) ، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عامر الشعبيِّ، وقد روى غير واحدٍ هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة موقوفٌ (5) .
2459- وقال الطحاويُّ: حدَّثنا فهد ثنا أبو نعيم قال: حدَّثني الحسن ابن صالح عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبيِّ قال: لا ينتفع من الرهن بشيءٍ.
قال: فهذا الشعبيُّ يقول هذا وقد روى عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ذكرنا.
ثم ادَّعى نسخ الحديث المذكور بلا حجَّة (6) ، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/631) ؛ (5/143- رقم: 2512) .
(2) في "سنن البيهقي": (وزادا) .
(3) "سنن البيهقي": (6/38) .
(4) في مطبوعة "الجامع" زيادة: (غريب) ، وكذا في مطبوعة "تحفة الأشراف" للمزي: (10/126- رقم: 13540) ، ولكن المحقق وضع كلام الترمذي الأول بين معقوفتين، فلا ندري هل أضافه من بعض نسخ التحفة أم من "الجامع"؟
(5) "الجامع" (2/533- رقم: 1254) .
(6) " شرح معاني الآثار " (4/100) .(4/123)
مسألة (532) : ليس للراهن أن ينتفع بالرهن.
وقال الشافعيُّ: له ذلك.
واحتجَّ بما سبق، وقد بيَّنَّا أنَّ ذلك للمرتهن.
*****(4/124)
مسائل الإفلاس
مسألة (533) : إذا أفلس المشتري بالثمن، فوجد البائع [عين] (1) ماله - والمفلس حيٌّ- ولم يقبض من ثمنه شيئًا، فهو أحقُّ به من سائر الغرماء.
وقال أبو حنيفة: هو أسوة الغرماء، في الموت والحياة.
وقال الشافعيُّ: هو أحقُّ به، في الموت والحياة.
لنا حديثان:
2460- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم ثنا يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد عين ماله عند رجل قد أفلس، فهو أحقُّ به ممن سواه " (2) .
أخرجه البخاريُّ ومسلم في "الصحيحين" (3) .
2461- الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الصمد ثنا عمر بن إبراهيم ثنا قتادة عن الحسن عن سَمُرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجد متاعه عند مفلس بعينه، فهو أحقُّ به " (4) .
__________
(1) في الأصل: (غير) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(2) "المسند": (2/228) .
(3) "صحيح البخاري": (3/599- 600) ؛ (فتح- 5/62- رقم: 2402) .
"صحيح مسلم": (5/31) ؛ (فؤاد- 3/1193- رقم: 1559) .
(4) "المسند" (5/10) .(4/125)
فإن قالوا: قد قال أبو حاتم الرازيُّ: عمر بن إبراهيم لا يحتجُّ به (1) .
قلنا: لعله ظنَّه الكرديَّ، وذاك كذَّابٌ، إنَّما هو عمر بن إبراهيم العبديُّ، قال يحيى بن معين: هو ثقةٌ (2) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن" من حديث عمر ابن إبراهيم عن قتادة.
وعمر بن إبراهيم هو: أبو حفص العبديُّ، وهو الذي قال فيه أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (3) .
وأبو حاتم أجلُّ من أن يشتبه عليه العبديُّ بالكرديِّ! فإنَ العبديَّ معروفٌ بالرواية عن قتادة، [والكرديُّ لا يروي عن قتادة، وقد وثَّق العبديَّ أيضًا أحمد (4) وغيره، وقال ابن عَدِيٍّ: يروي عن قتادة] (5) أشياء لا يوافق
__________
(1) انظر ما يأتي في كلام المنقح.
(2) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 50- رقم: 41) .
(تنبيه) وقع في مطبوعة "التاريخ"- تحت عنوان: أصحاب قتادة- ما نصه: (قلت: فهمام أحي إليك في قتادة أو أبو عوانة؟ فقال: همام أحبَّ إليَّ من أبي عوانة. قلت: فعمر ابن إبراهيم؟ فقال: ثقة) ا. هـ.
وعندما نقل ابن أبي حاتم هذا النص في "الجرح والتعديل": (6/98 - رقم: 509) قال: (قلت- أي الدارمي- ليحيى بن معين: فعمر بن إبراهيم في قتادة؟ قال: ثقة) ا. هـ
وهذا مثال لقاعدة مهمة يجب مراعاتها في نقل أقوال علماء الجرح والتعديل في الرجال، وهي: (وجوب النظر في السياق الذي وردت فيه عبارة الناقد) .
فعبارة ابن معين السابقة أوردها الدارمي تحت عنوان: أصحاب قتادة، ثم يظهر من سياق الكلام أن الدارمي سأل ابن معين عن جملة من أصحاب قتادة وحال روايتهم عن قتادة.
ولذا عند ما ورد السؤال عن عمر بن إبراهيم فهم منه ابن أبي حاتم أنه سؤال عن حاله في قتادة، وعليه فإطلاق توثيق ابن معين لعمر- استنادًا لرواية الدارمي السابقة- فيه نظر، والله الموفق.
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/98- رقم: 509) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/98 - رقم: 509) من رواية حرب.
(5) زيادة من (ب) .(4/126)
عليها، وحديثه خاصةً عن قتادة مضطربٌ (1) . وقال أحمد أيضًا: يروي عن قتادة أحاديث مناكير، يخالف (2) .
وقد روى غير عمر عن قتادة هذا الحديث فخالفه في لفظه:
2462- قال الطبرانيُّ: حدَّثنا عليُّ بن عبد العزيز ثنا عمرو بن عون ثنا هُشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد عين ماله فهو أحقُّ (3) ، ويتبع البيع من باعه " (4) .
رواه أبو داود عن عمرو بن عون (5) ، ورواه النسائيُّ عن محمَّد بن داود عن عمرو بن (6) عون.
ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون عن الحجَّاج بن أرطأة عن سعيد بن زيد بن عقبة عن أبيه عن سَمُرة (7) ، وعن زكريا بن أبي زكريا عن هُشيم (8) .
2463- وقد روى محمَّد بن يحيى الذُّهْليُّ عن الخليل بن عمر بن إبراهيم عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد متاعه بعينه عند مفلس، فهو أحقُّ به ".
قال محمَّد بن يحيى: هما حديثان عندي من حديث قتادة، فلعلَّ- عمر
__________
(1) "الكامل": (5/42- 44- رقم: 1211) .
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/146- رقم: 1130) .
(3) في "المعجم الكبير" زيادة (به) .
(4) "المعجم الكبير": (7/207- رقم: 6860) .
(5) "سنن أبي داود": (4/192- رقم: 3525) .
(6) "سنن النسائي": (7/313- 314- رقم: 4681) .
(7) "المسند": (5/18) .
(8) "المسند": (5/13) .(4/127)
سمع من قتادة فاختلط عليه، فأمَّا هذا الحديث- يعني حديث المفلس- فإنما رواه قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نَهيك عن أبي هريرة، حدَّثنا به وهب ابن جرير عن شعبة عن قتادة، وحدَّثنا به أبو النعمان عن جرير بن حازم عن قتادة؛ والحديث الآخر فهو ما روى موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا في السرقة، وذاك في التفليس (1) O.
احتجُّوا:
2464- بما روى الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا دَعْلَج ثنا جعفر بن محمَّد الفريابيُّ ثنا عبد الله بن عبد الجبَّار ثنا إسماعيل بن عيَاش عن الزُّبيديِّ عن الزهريِّ عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما رجل باع سلعةً، فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس، ولم يكن قبض من ثمنها شيئًا، فهي له، وإن كان قضاه من ثمنها شيئًا، فما بقي فهو أسوة الغرماء، وأيُّهما امرئ هلك وعنده مال امرئ بعينه- اقتضى منه شيئًا أو لم يقتض- فهو أسوة الغرماء (2) ".
والجواب:
أنَّ إسماعيل بن عيَّاش ضعيفٌ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسماعيل مضطرب الحديث، ولا يثبت هذا عن الزهريِّ مسندًا، وإنَّما هو مرسلٌ (3) .
ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن عوف عن عبد الله بن عبد الجبَّار، ورواه من حديث مالك عن الزهريِّ عن أبي بكر مرسلاً، وقال: حديث مالك
__________
(1) ذكره المزي بنصه في "تحفة الأشراف": (4/71- رقم: 4595) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/30، 4/230) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/30) ، وقال ذلك عقب رواية إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة لهذا الحديث.(4/128)
أصحُّ (1) .
يعني حديث مالك عن الزهريِّ أصحُّ من حديث الزُبيديُّ عن الزهريِّ.
وهذا الحديث المذكور هو حجَّة للمؤلِّف لا عليه! فلا معنى لقول: (احتجُّوا بكذا) ثُمَّ جوابه عنه! والله أعلم O.
*****
مسألة (534) : إذا أفلس وفرَّق ماله، وبقي عليه دينٌ، وله حرفة تفضل أجرتها عن كفايته، جاز للحاكم إجارته في قضاء دينه.
وعنه: لا يؤجره، كقول كثرهم.
2465- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدثنا عليُّ بن إبراهيم المستملي (2) ثنا محمَّد ابن إسحاق بن خزيمة ثنا بُنْدَار قال: حدَّثني عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ثنا زيد بن أَسْلَم قال: رأيت شيخًا بالإسكندرية
يقال [له] (3) : سُرَّق، فقلت: ما هذا الاسم؟! قال: اسمٌ سمَّانيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولن أدعه. قلت: ولم سمَّاك؟! قال: قدمت المدينة وأخبرتهم أن مالي يقدم، فبايعوني، فاستهلكت أموالهم، فأتوا بي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أنت سُرَّق ".
وباعني بأربعة أبعرة، فقال الغرماء للذي اشتراني: ما تصنع به؟ قال: أعتقه.
قالوا: فلسنا بأزهد في الأجر منك! فأعتقوني بينهم، وبقي اسمي (4) !
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/188- رقمي: 3516- 3517) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: هو ثقة) ا. هـ.
(3) زيادة من (ب) .
(4) "سنن الدارقطني": (3/62) .(4/129)
فوجه الحجَّة: أنَّه قد عُلم أنَّه لم يبع رقبته، لأنَّه حرٌّ، وإنَّما باع منافعه، والمعنى: أعتقوني من الاستخدام، ولهذا أشار إلى الجماعة، وإنَّما اشتراه منهم واحد (1) .
ز: كلام المؤلِّف على هذا الحديث فيه نظرٌ، وإسناد الحديث صحيحٌ، ورواته كلُّهم ثقات، ولم يخرِّجه أحد من أهل "السنن".
وقال البيهقيُّ- بعد روايته-: وبمعناه رواه عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أَسْلَم عن أبيهما أتمَّ من ذلك، في اشترائه من أعرابيٍّ، ناقةً واستهلاكه ثمنها، ورواه مسلم بن خالد الزِّنْجيِّ عن زيد بن أَسْلَم عن ابن البَيْلَمَانِي عن
سُرَّق (2) .
قال: ومدار حديث سُرَّق على هؤلاء، وكلُّهم ليسوا بأقوياء - عبد الرحمن بن عبد الله، وابنا زيد-، وإن كان الحديث عن زيد عن ابن البَيْلَمَانِي، فابن البَيْلَمَانِي ضعيفٌ في الحديث، وفي إجماع العلماء على خلافه - وهم لا يجمعون على ترك رواية ثابتة- دليلٌ على ضعفه أو نسخه إن كان ثابتًا، وبالله التوفيق.
2466- وفيما ذكر أبو داود في " المراسيل " (3) عن محمَّد بن عبيد عن محمَّد بن ثور عن مَعْمَر عن الزهريِّ قال: كان يكون على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ديون على رجال، ما علمنا حرٌّ (4) بيع في دَيْنٍ (5) O.
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: قوله: " إنما اشتراه منهم واحد " غير مستقيم) ا. هـ
(2) "سنن البيهقي": (6/50) .
(3) هو في " المراسيل ": (ص: 162- رقم: 170) .
(4) كذا بالأصل و (ب) ، وفي " المراسيل " و"سنن البيهقي": (حرا) .
(5) "سنن البيهقي": (6/51) .(4/130)
مسألة (535) : إذا امتنع المدين من قضاء دينه= حجر الحاكم عليه، وباع ماله في قضاء دينه.
وقال أبو حنيفة: لا يباع ماله، ويحبس حتَّى يبيع.
لنا:
أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجر على معاذ وباع ماله في دَيْنٍ:
2467- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عمر بن أحمد بن عليٍّ المروزيُّ ثنا عبد الله بن أبي جبير المروزيُّ ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن معاوية بن الفرات الخزاعيُّ (1) قال: حدَّثني هشام بن يوسف القاضي عن مَعْمَر عن ابن شهابٍ عن ابن كعب بن مالكٍ عن أبيه: أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجر على معاذ ماله، وباعه في دَيْنٍ كان عليه (2) .
ز: إبراهيم بن معاوية: ضعَّفه السَّاجيُّ والأزديُّ. قاله المؤلِّف في "الضعفاء" (3) ، وقال العقيلي في كتابه: إبراهيم بن معاوية الزياديُّ، بصريٌّ، يخالف في حديثه (4) :
2468- حدَّثنا إبراهيم بن محمَّد ثنا إبراهيم بن معاوية- صاحب الزياديِّ- ثنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهريِّ عن ابن كعب بن مالكٍ عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجر على معاذ ماله، وباعه في دَيْنٍ عليه.
ورواه عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن الزهريِّ عن ابن كعب بن مالكٍ.
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: عمر ثقة، وإبراهيم ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه شيئًا) اهـ
وانظر: "الجرح والتعديل": (2/139- رقم: 448) .
(2) "سنن الدارقطني": (4/230- 231) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (1/53- رقم: 119) .
(4) في "الضعفاء الكبير": (لا يتابع على حديثه) .(4/131)
وقال الليث: عن يونس عن ابن شهابٍ عن ابن كعب بن مالكٍ.
وقال ابن وهبٍ: عن يونس عن ابن شهابٍ عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك أنَّ معاذًا كثر دَينه في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال ابن لَهيعةَ (1) : عن يزيد بن أبي حبيبٍ وعُمَارة بن غَزِيَّة عن ابن شهابٍ عن ابن كعب بن مالكٍ عن كعب بن مالك (2) أنَّ معاذًا أدان وهو غلام شابٌّ ... فذكره، والقول ما قال يونس ومَعْمَر (3) O.
2469- وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا ابن المبارك أنا مَعْمَر عن الزهريِّ عن عبد الرحمن بن كعب بن مالكٍ قال: كان معاذ بن جبل شابًّا سخيًّا، وكان لا يمسك شيئًا، فلم يزل يداين حتَّى أغرق ماله كلَّه في الدَيْنِ، فأتى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلَّمه ليكلِّم غرماءه، فلو تركوا لأحد تركوا (4) لمعاذ، من أجل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فباع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم ماله، حتَّى قام معاذ بغير شيءٍ.
ز: هذا الحديث رواه أبو داود في "المراسيل " عن سليمان بن داود المَهْرَيِّ عن ابن وهبٍ عن يونس بن يزيد عن ابن شهابٍ بنحوه (5) ، وروى الحاكم الحديث متصلاً كرواية الدَّارَقُطْنِيُّ، وقال: صحيحٌ على شرطهما (6) .
وفي قوله نظرٌ، والمشهور في الحديث الإرسال، والله أعلم O.
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "الضعفاء الكبير": (ابن ربيعة) .
(2) قوله: (عن كعب بن مالك) غير موجود في مطبوعة "الضعفاء الكبير".
(3) "الضعفاء الكبير": (1/68 - رقم: 69) .
(4) في (ب) : (لتركوا) .
(5) " المراسيل ": (ص: 162- رقم: 171) .
(6) "المستدرك": (2/58) .(4/132)
مسائل الحجر
مسألة (536) : الإنبات عَلَم على البلوغ.
وقال أبو حنيفة: لا اعتبار به.
وقال الشافعيُّ: هو عَلَمٌ في المشركين، وفي المسلمين- على قولين-.
2470- قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم أنا عبد الملك بن عمير عن عطيَّة القُرَظيِّ قال: عُرضت على النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم قريظة، فشكُّوا فيَّ، فأمر بي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينظروا: هل أنبتُّ بعد؟ فنظروا، فلم يجدوني أنبتُّ، فخلَّى عنِّي، وألحقني بالسبي (1) .
ز: رواه أصحاب " السنن الأربعة (2) ، وصحَّحه الترمذيُّ، ورواه ابن حِبَّان (3) والحاكم، وقال: على شرطهما (4) . والله أعلم O.
*****
__________
(1) "المسند": (4/383) .
(2) "سنن أبي داود": (5/86- رقم: 4404) ؛ "الجامع" للترمذي: (3/240- رقم: 1584) ؛ "سنن النسائي": (6/155- رقم: 3430) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/849- رقم: 2541) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (11/103- رقم: 4780) .
(4) الحاكم خرج الحديث في موضعين من "المستدرك"، وقال عقبه في الموضع الأول: (2/123) : (حديث رواه جماعة من أئمة المسلمين عن عبد الملك بن عمير ولم يخرجاه، وكلاهما لم يتأملا متابعة مجاهد بن جبر: عبد الملك عن روايته عن عطية القرظي) ثم أسنده من طريق مجاهد، ثم قال: (فصار الحديث بمتابعة مجاهد صحيحًا على شرط الشيخين ولم يخرجاه) اهـ =(4/133)
مسألة (537) : حدُّ البلوغ بالسنِّ خمس عشرة سنة.
وقال أبو حنيفة: في حقِّ الغلام: ثماني عشرة والدخول في التاسعة عشرة، وفي الجارية: سبع عشرة.
2471- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى [عن] (1) عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرضه يوم أحد- وهو ابن أربع عشرة-، فلم يجزه، ثم عرضه يوم الخندق- وهو ابن خمس عشرة-، فأجازه (2) .
أخرجاه (3) .
ز: روى هذا الحديث البيهقيُّ (4) والخطيب من رواية محمَّد بن بكر عن ابن جريج عن عبيد الله، وفيه: وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني، ولم يرني بلغت.
وقد وَهِمَ من عزاه إلى الشافعيِّ والترمذي (5) ، والله الموفِّق O.
*****
__________
= وأما في الموضع الثاني: (3/35) فاقتصر على رواية عبد الملك بن عمير، وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله طرق عن عبد الملك بن عمير، منهم: الثوري وشعبة وزهير) اهـ.
وقد رمز الذهبي في "تلخيصه" في الموضع الأول لكلٍّ من رواية عبد الملك ومجاهد بـ (خ، م) .
(1) في الأصل و (ب) : (بن) ، والتصويب من "المسند".
(2) "المسند": (2/17) .
(3) "صحيح البخاري": (5/393) ؛ (فتح- 7/392- رقم: 4097) .
"صحيح مسلم": (6/29- 30) ؛ (فؤاد- 3/1490 ص قم: 1868) .
(4) "سنن البيهقي": (6/55) .
(5) أي بهذه الزيادة: (ولم يرني بلغت) ، ولعله يقصد ابن قدامة، فإنه عزاه في "المغني": (6/599) إليهما، والله أعلم.(4/134)
مسألة (538) : يحجر على المبذِّر.
وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه.
لنا:
حديث معاذ، وقد سبق (1) .
احتجُّوا:
2472- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن أنس: أنَّ رجلاً كان في عقدته ضعفٌ، وكان يبايع، وأنَّ أهله أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله، احجر عليه. فدعاه نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنهاه عن البيع، فقال: يا رسول الله، لا أصبر عن البيع! فقال: " إذا بايعت فقل: ولا خلابة " (2) .
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
قال الخطيب: هذا الرجل هو: حبَّان بن منقذ بن عمرو، [أو] (4) والده: منقذ (5) .
وجواب هذا الحديث:
أنَّه يقال (6) : إنَّهم لما سألوا الحجر عليه لم ينكر عليهم، وإنَّما علَّمه ما
__________
(1) رقم (2467) .
(2) "المسند" (3/217) مع اختلاف في اللفظ.
(3) في "الجامع": (حسن صحيح غريب) .
(4) في الأصل و (ب) : (و) ، والتصويب من "التحقيق" و" الأسماء المبهمة ".
(5) " الأسماء المبهمة ": (ص: 364- رقم: 179) .
(6) كذا في الأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" (أن معناه) .(4/135)
يدفع به الغبن، ولم يكن مبذِّرًا للمال في المعاصي باختياره، كالسفيه المبذِّر.
ز: روى هذا الحديث أصحاب " السنن الأربعة " من حديث سعيد (1) ، ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن يحيى بن حَبَّان، وقال: هو جدِّي منقذ بن عمرو (2) O.
*****
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/180- 181- رقم: 3495) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/530 - رقم: 1250) ؛ "سنن النسائي" (7/252- رقم: 4485) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/788- رقم: 2354)
(2) "سنن ابن ماجة": (2/789- رقم: 2355) .(4/136)
مسائل الحوالة
مسألة (539) : لا يعتبر رضى المحتال.
وقال أكثرهم: يعتبر.
2473- قال البخاريُّ: حدَّثنا محمَّد بن يوسف ثنا سفيان عن ابن ذكوان عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مَطْلُ الغنيِّ ظلمٌ، ومن أُتْبع على مَليٍّ فليتبع " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
*****
مسألة (540) : إذا نوى المال على المحال عليه، لم يرجع المحال على المحيل.
وقال أبو حنيفة: يرجع في موضعين: أحدهما: أن يجحد المحال عليه الدَّيْنَ؛ ويحلف عليه؛ أو يموت مفلسا؛ فأمَّا إن أفلس وهو حيٌّ لم يرجع عليه.
وقال مالكٌ: إن أحاله على مفلس- والمحتال لا يعلم- فله الرجوع.
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/567) ؛ (فتح- 4/466- رقم: 2288) .
(2) "صحيح مسلم": (5/34) ؛ (فؤاد- 3/1197- رقم: 1564) .(4/137)
لنا:
2473/أ- حديث حَزَن- جدِّ سعيد بن المسيَّب- أنَّه كان له دَيْنٌ على عليِّ بن أبي طالبٍ، فسأله أن يحيله به على رجلٍ، فأحاله به عليه، ثُمَّ أتاه فقال له: قد مات. فقال عليٌّ: اخترت علينا أبعدك الله. ولم يقل له: لك الرجوع عليَّ.
ز: هذه القصة ذكرها غير واحد من أصحابنا بغير إسناد، ولم أجد لها - إلى الآن- سندًا، والله أعلم O.
*****(4/138)
مسائل الضمان
مسألة (541) : يصحُّ ضمان دَيْنِ الميِّت.
وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ، إلا أن يخلف وفاء.
2474- قال الإمام أحمد: حدَّثنا حمَّاد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: كنت جالسًا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأُتي بجنازة، فقال: " هل ترك من دَيْنٍ؟ ". قالوا: لا. قال: " هل ترك من شيءٍ؟ ". قالوا:
لا. قال: فصلَّى عليه. قال: ثُمَّ أُتي بأُخرى، فقال: " هل ترك من دَيْنٍ؟ ". قالوا: لا. قال: "هل ترك من شيءٍ؟ ". قالوا: نعم، ثلاثة دنانير. فقال بأصابعه: " ثلاث كيَّاتٍ ". ثُمَّ أُتي بالثالثة، فقال: " هل ترك من دَيْنٍ؟ ". قالوا: نعم. قال: " هل ترك من شيءٍ؟ ". قالوا: لا. قال: " صلُّوا على صاحبكم ". فقال رجلٌ من الأنصار: عليَّ دَيْنُه يا رسول الله.
قال: فصلَّى عليه (1) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (2) .
2475- قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا محمَّد بن عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِيِّ عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: أُتي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازة ليصلِّي عليها، فقال: " أعليه دَيْنٌ؟ ". قالوا: نعم، ديناران. قال:
__________
(1) "المسند": (4/47) .
(2) "صحيح البخاري": (3/568) ؛ (فتح- 4/466- 467- رقم: 2289) .(4/139)
" أترك لهما وفاء؟ ". قالوا: لا. قال: " صلُّوا على صاحبكم ". قال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسول الله. فصلَّى عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
ز: هذا الحديث لم يخرجوه من حديث محمَّد بن عمرو عن سعيد عن ابن أبي قتادة.
وقد رواه الإمام أحمد (2) والترمذيُّ (3) والنسائيُّ (4) وابن ماجة (5) وابن حِبَّان (6) من حديث شعبة عن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب عن عبد الله بن أبي قتادة نحوه، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رواه ابن حِبَّان أيضًا من حديث يزيد بن هارون (7) ، ورواه من رواية محمَّد بن بشر عن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي قتادة (8) .
وقد روي عن عمرو بن الحارث عن بُكير عن عبد الله بن أبي قتادة أنَّ رجلاً سأله عن الحديث الذي ذكر في الرجل الذي كان عليه ديناران، فدُعي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبى أن يصلِّي: هل سمعت أباك يذكر ذلك؟ قال: لا، ولكن حدَّثنيه من أهلي من لا أتَّهم.
فلعل هذا هو السبب في كون هذا الحديث لم يخرَّج في "الصحيح "، مع أنَّ الترمذيَّ قد صحَّحه، والله أعلم O.
__________
(1) "المسند": (5/297) .
(2) "المسند": (5/301- 302) .
(3) "الجامع": (2/368- 369- رقم: 1069) .
(4) "سنن النسائي": (4/65- رقم: 1960) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/804- رقم: 2407) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (7/330- رقم: 3060) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (7/329- رقم: 3058) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (7/329- 330- رقم: 3059) .(4/140)
2476- قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا مَعْمَر عن الزهريِّ عن أبي سلمة عن جابر قال: كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلِّي على رجلٍ عليه دَيْنٌ، فأُتي بميِّتٍ، فسأل: " هل عليه دَيْنٌ؟ ". قالوا: نعم، ديناران. فقال: " صلُّوا على صاحبكم ". فقال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسول الله. فصلَّى عليه (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) وأبو حاتم بن حِبَّان (4) من حديث عبد الرزَّاق O.
2477- قال أحمد: وحدَّثنا عبد الصمد ثنا زائدة عن عبد الله بن محمَّد ابن عَقيْل عن جابر قال: توفِّي رجلٌ منَّا، فغسَّلناه، وحنَّطناه، وكفَّناه، ثُمَّ أتينا به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: تصلِّي عليه. فخطا خطوة، ثُمَّ قال: " أعليه
دَيْنٌ؟ ". قلنا: ديناران. فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حقُّ الغريم، وبرئ منهما الميِّت؟ ". قال: نعم. فصلَّى عليه، ثُمَّ قال بعد ذلك بيومٍ: " ما فعل
الديناران؟ ". قال: إنَّما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتهما. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الآن برَّدت عليه جلده " (5) .
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وقد رواه أبو داود الطيالسيُّ وغيره عن زائدة (6) .
ورواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمَّد بن عَقِيْل، وقد اختلف
__________
(1) "المسند": (3/296) .
(2) "سنن أبي داود": (4/119- رقم: 3336) .
(3) "سنن النسائي": (4/65- رقم: 1962) .
(4) "الإحسان" لابن بلبان: (7/334- رقم: 3064) .
(5) "المسند": (3/330) .
(6) " مسند الطيالسي ": (3/253- رقم: 1778) .(4/141)
الأمِّة في الاحتجاج بابن عَقِيْل.
وقد رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1) O.
2478- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن العبَّاس (2) الفارسيُّ ثنا محمَّد بن العبَّاس بن معاوية السكونيُّ ثنا الربيع بن روح (3) ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عطاء بن عجلان عن أبي إسحاق الهَمْدَانيِّ عن عاصم بن ضَمْرَة عن عليٍّ
عليه السلام (4) قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أُتي بالجنازة لم يسأل عن شيءٍ من عمل الرجل، ويسأل عن دَيْنِه، فإن قيل: عليه دَيْنٌ، كفَّ عن الصلاة عليه، وإن قيل: ليس عليه دَيْنٌ، صلَّى عليه، فأُتي بجنازة، فلمَّا قام ليكبِّر، سأل أصحابه، فقال: " هل على صاحبكم دَيْنٌ؟ ". قالوا: ديناران. فعدل عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " صلُّوا على صاحبكم ". فقال عليٌّ عليه السلام (5) : هما عليَّ، برئ منهما. فتقدَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلَّى عليه، ثُمَّ قال لعليٍّ: " جزاك الله خيرًا، فكَّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك، إنَّه ليس من ميِّت يموت وعليه دَيْنٌ إلا وهو مرتهن بدَيْنِه، ومن فكَّ رهان ميِّت، فكَّ الله رهانه يوم القيامة ".
فقال بعضهم: هذا لعليٍّ خاصَّة، أم للمسلمين عامَّة؟ قال: " بل للمسلمين عامَّة" (6) .
__________
(1) "المستدرك": (2/58) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "سنن الدارقطني": (إسماعيل) .
وفي هامش الأصل: (إسماعيل) وفوقها رمز لم يظهر في مصورتنا، وقد يكون (ن) إشارة إلى أنه في نسخه أخرى كذلك، والله أعلم.
(3) في هامش الأصل: (حـ: الربيع ثقة، والسكوني ينظر فيه) ا. هـ
(4، 5) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة بالتسليم غير مشروع، بل هو من مشابهة أهل البدع.
(6) "سنن الدارقطني": (3/46- 47) .(4/142)
ز: هذا حديثٌ ضعيفٌ، لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب "السنن"، وفي إسناده غير واحدٍ ممن تكلِّم فيه.
وعطاء بن عجلان: كذَّبه ابن معين (1) والسَّعديُّ (2) ، وقال البخاريُّ: منكر الحديث (3) . وقال ابن عَدِيٍّ: عامة رواياته [غير] (4) محفوظة (5) O.
*****
مسألة (542) : لا ينتقل الحقُّ من ذمَّة المضمون عنه بالضمان.
وقال داود: ينتقل.
لنا:
في الخبر المتقدِّم أنَّه قال للضامن حين أدَّى: " الآن برَّدت جلده " (6) .
*****
مسألة (543) : إذا تكفَّل برجلٍ إلى مدَّةٍ معلومةٍ، فلم يسلمه عند المحلِّ مع بقائه، ضمن ما عليه.
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (3/588- رقم: 2734) .
(2) " الشجرة في أحوال الرجال " (ص: 165- رقم: 152) .
(3) "التاريخ الكبير": (6/476- رقم: 3034) ؛ "الضعفاء الصغير": (ص: 469- رقم: 279) .
(4) زيادة من (ب) و"الكامل".
(5) "الكامل": (5/366- رقم: 1523) .
(6) رقم: (2477) .(4/143)
وقال كثرهم: لا يضمن.
لنا:
2479- ما روى الترمذيُّ، قال: حدَّثنا هنَّاد ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن شُرَحْبِيل بن مسلم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الزعيم غارمٌ ".
ز: هذا الحديث حسَّنه الترمذيُّ (1) .
ورواية إسماعيل عن أهل الشام جيِّدة.
وشُرَحْبِيل: من ثقات الشاميين. قاله الإمام أحمد (2) ، ووثَّقه أيضًا العِجْلِيُّ (3) وابن حِبَّان (4) ، وضعَّفه ابن معين (5) O.
*****
مسألة (544) : لا تصحُّ الكفالة ببدن من عليه حدٌّ.
وقال أكثرهم: تصحُّ، ويجبر على إحضاره.
2480- قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن عنبسة ثنا كثير بن عبيد ثنا بقيَّة عن عمر الدمشقيِّ قال: حدَّثني عمرو بن شُعيب عن أبيه
__________
(1) "الجامع": (2/544- رقم: 1265) .
(2) " مسند الشاميين " للطبراني: (1/308- رقم: 539) من رواية ابنه عند الله.
(3) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 1/451- رقم: 722) .
(4) "الثقات": (4/363) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/340- رقم: 1495) من رواية إسحاق بن منصور.(4/144)
عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا كفالة في حدٍّ " (1) .
قال المصنِّف: هذا الحديث تفرَّد به بقيَّة عن أبي محمَّد عمر بن أبي عمر الكَلاعيِّ الدمشقيِّ، وهو من مشايخ بقيَّة المجهولين، ورواياته منكرة.
ز: هذا الحديث غير مخرِّجٍ في "السنن"، وكلام المؤلِّف عليه هو كلام البيهقيِّ بعينه (2) .
وقال ابن عَدِيٍّ: عمر بن أبي عمر الدمشقيُّ منكر الحديث عن الثقات (3) O.
*****
مسألة (545) : إذا أراق خمرًا على ذمِّيٍّ لم يضمنها، وكذلك إذا قتل له خنزيرًا.
وقال أبو حنيفة ومالك: يضمن.
2481- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا أحمد بن صالحٍ ثنا ابن وهبٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عبد الوهاب بن بُخْتٍ
__________
(1) "الكامل": (5/22- رقم: 1194) تحت ترجمة عمر بن أبي عمر الكلاعي.
وفي هامش الأصل: (حـ: قال البخاري: وقال أبو الزناد: عن محمَّد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه أن عمر بعثه مُصدِّقًا، فوقع رجل على جارية امرأته، فأخذ حمزة من الرجل كفيلاً، حتى قدم على عمر، وكان عمر قد جلده مائة، فصدَّقة وعذره بالجهالة) اهـ
وانظر: "صحيح البخاري": (3/568) ؛ (فتح- 4/469- رقم 2290) .
(2) "سنن البيهقي": (6/77) .
(3) "الكامل": (5/22- رقم: 1194) .(4/145)
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله حرَّم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وحرَّم ثمنها، وحرَّم الخنزير وثمنه " (1) .
ز: هذا الحديث انفرد به أبو داود (2) .
وعبد الوهاب: وثَّقه يحيى بن معين (3) والنسائيُّ (4) وغيرهما، وقتل مع البطَّال سنة ثلاث عشرة ومائة، قبل موت أبي الزناد بزمان، والله أعلم O.
وقد ذكرنا- في مسألة بيع السِّرْجِين النجس- عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: "إذا حرَّم الله شيئًا حرَّم ثمنه " (5) .
وأنَّه قال: " لا يحلُّ ثمن شيءٍ لا يحلُّ أكله وشربه " (6) .
وقد ذكرنا- في مسألة بيع الكلب- من حديث ابن عبَّاس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّه نهى عن ثمن الخمر (7) .
2482- وقد رواه بلفظ آخر الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: حدَّثنا أحمد بن محمَّد ابن إبراهيم ثنا أبو فَرْوَة يزيد بن محمَّد قال: حدَّثني أبي ثنا مَعْقل بن عبيد الله عن عبد الكريم عن قيس بن حَبْتَر (8) عن ابن عبَّاسٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثمن الخمر حرامٌ " (9) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/7) .
(2) "سنن أبي داود": (4/176- رقم: 3479) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (3/178- رقم: 793) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (18/489- رقم: 3598) .
(5) رقم: (2406) .
(6) رقم: (2407) .
(7) رقم: (2413) .
(8) في مطبوعة "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (جبير) خطأ.
(9) "سنن الدارقطني": (3/7) .(4/146)
فإن قالوا: فقد قال عمر بن الخطَّاب: ولوهم بيعها.
قلنا: معناه: اتركوهم وما هم يفعلونه بها.
ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه من حديث مَعْقِل.
ومحمَّد بن أبي فَرْوَةَ يزيد بن سنان الرُّهَاويُّ: [والد] (1) أبي فَرْوَة الأصغر، تكلَّم فيه أبو داود (2) وغيره، ووثَّقه بعض الأئمة، والله أعلم O.
*****
__________
(1) في الأصل: (والده) ، والتصويب من (ب) ، وأبو فروة الأصغر هو: يزيد بن محمَّد بن يزيد بن سنان الرهاوي.
(2) " سؤالات الآجري ": (2/269- رقم: 1813) .(4/147)
مسائل الشركة
مسألة (546) : شركة الأبدان جائزةٌ، سواء اتَّفقت الصنعة أو اختلفت، أو عملاً جميعًا، أو عمل أحدهما.
وقال مالكٌ: تصحُّ مع اتفاق الصنعة.
وقال الشافعيُّ: لا تصحُّ بحالٍ.
2483- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا عبد الله بن الوضَّاح ثنا زياد بن عبد الله البَكَّائيُّ ثنا إدريس الأَوْدِيُّ عن أبي إسحاق عن أبي عُبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: أشرك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيني وبن عمَّار وسعد بن أبي وقَّاص في درقة سلحناها، واشتركنا فيما أصبنا، فأخفقت أنا وعمَّار، وجاء سعدٌ بأسيرين (1) .
ز: روى أبو داود (2) والنسائيُّ (3) وابن ماجة (4) نحو هذا الحديث من رواية الثوريِّ عن أبي إسحاق.
وأبو عُبيدة: لم يسمع من أبيه.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/34) .
(2) "سنن أبي داود": (4/137- رقم: 3381) .
(3) "سنن النسائي": (7/57- رقم: 3937) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/768- رقم: 2288) .(4/148)
وإدريس بن يزيد الأَوْدِيُّ: ثقةٌ مخرَّجٌ له في "الصحيحين" (1) .
وزياد البَكَّائيُّ: روى له مسلمٌ (2) ، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: مختلفٌ فيه، وليس عندي به بأسٌ (3) .
وعبد الله بن الوضَّاح اللؤلؤيُّ الكوفيُّ: روى عنه الترمذيُّ وابن خزيمة وغيرهما، ووثَّقه ابن حِبَّان (4) O.
*****
مسألة (547) : دعوة العبد التاجر وهديته وعاريته جائزةٌ (5) من غير إذن السَّيِّد، فأمَّا هبته الدراهم وكسوته الثياب فلا تجوز.
وقال الشافعيُّ: لا يجوز جميع ذلك.
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل هدية بَريْرَة، وأجاب دعوة العبد:
2484- قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: كان الناس يتصدَّقون على بَرَيْرَة،
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/416- رقم: 138) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/62- رقم: 83) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/222- رقم: 480) .
(3) " سؤالات ابن بكير ": (ص: 30- رقم: 10) .
(4) "الثقات": (8/363) .
(5) في (ب) : (جارية) .(4/149)
فتهدي لنا، فذكرتُ ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " هو عليها صدفة، وهو لكم هدَّية" (1) .
ز: رواه مسلمٌ عن غير واحدٍ عن أبي معاوية (2) O.
2485- قال المؤلِّف: أنا يحيى بن عليٍّ المدبر (3) أنا أحمد بن محمَّد السِّمَنَانيُّ (4) أنا أبو طاهر محمَّد بن عليٍّ الأنباريُّ ثنا عثمان بن محمَّد السمرقنديُّ ثنا محمَّد بن عبد الحكم ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة ثنا مسلم الأعور قال:
سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المرضى، ويأتي دعوة المملوك.
ز: رواه الترمذيُّ (5) وابن ماجة (6) من رواية مسلم بن كيسان المُلائِيِّ الأعور، وقال الترمذيُّ: لا نعرفه إلا من حديث مسلم، ومسلم يضعَّف (7) O.
*****
__________
(1) "المسند": (6/45- 46) .
(2) "صحيح مسلم": (3/120؛ 4/214- 215) ؛ (فؤاد- 2/755، 1143- رقمي: 1075، 1504) .
(3) في "التحقيق": (المديني) .
(4) في " التحقق ": (الشيباني) خطأ.
(5) "الجامع": (2/327- رقم: 1017) .
(6) "سنن ابن ماجة": (2/770، 1398- رقمي: 2296، 4178) .
(7) في هامش الأصل: (حاشية: ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح الإسناد) اهـ
ولا ندري هل هذه الحاشية للمنقح أم لا؟ وانظر: "المستدرك": (2/466) .(4/150)
مسألة (548) : تصرفات الفُضُوليِّ باطلةٌ.
وعنه: أنَّها صحيحةٌ، وتقف على إجازة المالك، كقول أبي حنيفة.
لنا حديثان:
أحدهما: قوله لحكيم بن حزام: " لا تبع ما ليس عندك ".
وقد ذكرناه في أول كتاب البيع بإسناده (1) .
2486- الثاني: قال ابن ماجة: حدَّثنا أبو كريب ثنا إسماعيل بن عليَّة ثنا أيُّوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحلُّ بيع ما ليس عندك، ولا ربح ما لم تضمن " (2) .
2487- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر محمَّد بن إبراهيم بن نيروز ثنا عمرو بن عليٍّ ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ثنا مطر الورَّاق عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يجوز: طلاقٌ، ولا عتاقٌ، ولا بيعٌ، فيما لا تملك " (3) .
ز: رواه أبو داود (4) والترمذيُّ (5) والنسائيُّ (6) من حديث أيُّوب عن عمرو (7) ، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
(1) رقم: (2296) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/737- 738- رقم: 2188) .
(3) "سنن الدارقطني": (4/14) .
(4) "سنن أبي داود" (4/182- رقم: 3498) .
(5) "الجامع": (2/515- 516- رقم: 1234) .
(6) "سنن النسائي" (7/288- رقم: 4611) .
(7) ولفظه: " لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم تضمن، ولا بيع ما ليس عندك ".(4/151)
وقد رواه أبو داود من رواية عبد العزيز عن مطر (1) O.
وللخصم حديثان:
2488- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو كامل ثنا سعيد ابن زيد ثنا الزبير بن الخرِّيت ثنا أبو لَبيد عن عروة بن [أبي] (2) الجعد البارقيِّ قال: عرض للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَبٌ، فأعطاني دينارًا، وقال: " أي عروة، ائت الجلَبَ، فاشتر لنا شاةً ". فأتيت الجَلَبَ، فساومت صاحبه، فاشتريت منه شاتين بدينار، فجئت أسوقهما، فلقيني رجلٌ، فساومني، فبعته شاةً بدينارٍ، وجئت بالدينار والشاة، فقلت: يا رسول الله، هذا ديناركم، وهذه شاتكم.
قال: " وصنعت كيف؟! ". فحدَّثته الحديث، فقال: " اللهم بارك له في صفقة يمينه " (3) .
ز: رواه أبو داود (4) والترمذيُّ (5) وابن ماجة (6) من رواية سعيد بن زيد، وهو أخو حمَّاد بن زيد.
ورواه الترمذيُّ أيضًا من رواية هارون بن موسى عن الزبير (7) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/69- رقم: 2184) .
(2) زيادة من "التحقيق" و"المسند".
(3) "المسند": (4/376) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال أحمد: ثنا سفيان عن شبيب بن غرقدة سمع الحي يخبرون عن عروة- هو ابن أبي الجعد- البارقي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث معه بدينار يشتري له أضحية- وقال مرة: شاة-، فاشترى له اثنتين، فباع واحدة بدينار، وأتاه بالأخرى، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب ربح فيه!) ا. هـ وانظر "المسند": (4/375) .
(4) "سنن أبي داود": (4/136- رقم: 3378) .
(5) "الجامع": (2/537- رقم: 1258) .
(6) "سنن ابن ماجة": (2/803- رقم: 2402) .
(7) "الجامع": (2/536- رقم: 1258) .(4/152)
وقد روي من غير حديث أبي لبيد عن عروة، وهو حديثٌ صحيحٌ، ولا عبرة بقول من تكلَّم فيه O.
2489- الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا أبو كريب ثنا أبو بكر ابن عيَّاش عن أبي حَصين عن حبيب بن أبي ثابت عن حَكيم بن حِزَامٍ: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث حَكيم بن حِزَامٍ يشتري له أضحية بدينارٍ، فاشترى
أضحية، فربح فيها دينارًا، فاشترى أخرى مكانها، وجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ضحِّ بالشاة، وتصدِّق بالدينار ".
قال الترمذيُّ: لا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، وحبيب لم يسمع عندي من حَكِيمٍ (1) .
ز: رواه أبو داود بنحوه عن محمَّد بن كثيرٍ عن سفيان حدَّثني أبو حَصِين عن شيخٍ من أهل المدينة عن حَكِيمٍ (2) O.
*****
مسألة (549) : إذا وكَّله في شراء شاةٍ بدينارٍ، فاشترى شاتين كلُّ واحدةٍ تساوي الدينار، فالبيع صحيحٌ فيهما.
وقال أبو حنيفة: يلزم الموكِّل شاة بنصف دينارٍ، ويلزم الوكيل الأخرى بنصف دينارٍ.
__________
(1) "الجامع": (2/535- 536- رقم: 1257) .
(2) "سنن أبي داود": (4/136- رقم 3379) .(4/153)
وعن الشافعيِّ كقولنا، وعنه: يلزمه شاة، وهو بالخيار في الأخرى.
لنا:
حديث عروة وأنَّه اشترى شاتين، وقد سبق (1) .
__________
(1) رقم: (2488) .
*****(4/154)
مسائل العاريَّة
مسألة (550) : العاريَّة مضمونةٌ بكلِّ حالٍ.
وعنه: أنَّها مضمونةٌ، إلا أن يشترط إسقاط الضمان.
وقال أبو حنيفة: لا يضمن، إلا أن يفرِّط في حفظها، كالوديعة.
وقال مالكٌ: هي كالرهن، ما كان يخفى هلاكه- كالثياب والأثمان- ضمن، وما لم [يكن] (1) يخفى هلاكه- كالدار والدابة- لم يضمن.
لنا:
2490- ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا شَريك عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن أميَّة بن صفوان بن أميَّة عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار منه يوم حنين أدراعًا، فقال: أغصبًا يا محمَّد؟ قال: " بل عاريَّة مضمونة ". فضاع بعضها، فعرض عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضمنها له، فقال:
أنا اليوم يا رسول الله، في الإسلام أرغب (2) .
2491- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسن بن إبراهيم بن عبد المجيد ثنا العبَّاس بن محمَّد ثنا الحسن بن بشر ثنا قيس بن الربيع عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن ابن أبي مليكة عن أميَّة بن صفوان بين أميَّة عن أبيه قال: استعار منِّي النبيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدراعًا من حديدٍ، فقلت: مضمونةٌ يا رسول الله؟ قال: " مضمونةٌ ".
__________
(1) زيادة من "التحقيق".
(2) "المسند": (3/400- 401) .(4/155)
فضاع بعضها، فقال له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن شئت غرمتها ". قال: لا، إنَّ في قلبي من الإسلام غير ما كان يومئذٍ (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) من رواية يزيد بن هارون، وقال أبو داود: وهذه رواية يزيد ببغداد، وفي روايته بواسط غير هذا.
ورواه أبو داود: عن أبي بكر عن جرير عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن أناسٍ من آل عبد الله بن صفوان أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا صفوان، هل عندك من سلاح؟ " ... الحديث (4) .
وعن مسدَّد عن أبي الأحوص عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن عطاء عن ناسٍ من آل صفوان قال: استعار النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر معناه (5) .
ورواه النسائيُّ عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن ابن أبي مُلَيْكة عن عبد الرحمن بن صفوان بن أميَّة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان دروعًا ... فذكره (6) .
وعن عليِّ بن حُجْر عن هشيم عن حجَّاج عن عطاء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان أدراعًا وأفراسًا ... وساق الحديث (7) .
ورواه أبو بكر بن أبي عاصم عن أحمد بن الفرات عن شاذان ويحيى،
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/40) .
(2) "سنن أبي داود": (4/202- رقم: 3557) .
(3) "السنن الكبرى": (3/410- رقم: 5779) .
(4) "سنن أبي داود": (4/202- 203- رقم: 3558) .
(5) "سنن أبي داود": (4/203- رقم: 3559) .
(6) "السنن الكبرى": (3/410- رقم: 5780) .
(7) "السنن الكبرى": (3/409- 410- رقم: 5778) .(4/156)
كلاهما عن شريك عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن ابن أبي مُلَيْكة عن أميَّة بن صفوان بنحوه (1) .
وهذا الحديث لا حجَّة فيه على أنَّ العاريَّة مضمونةٌ بكلِّ حالٍ، بل الظاهر أنَّ ضمانها إنَّما كان بالشرط، وقد جاء التصريح بأنَّ العاريَّة مقسَّمة إلى: عاريَّةٍ مؤدَّاةٍ؛ وعاريَّةٍ مضمونةٍ؛ وذلك فيما رواه النسائيُّ، قال:
2492- أخبرنا إبراهيم بن المستمر ثنا حَبَّان بن هلال ثنا همَّام بن يحيى ثنا قتادة عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أميَّة عن أبيه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا، وثلاثين مغفرًا ". قلت: يا رسول الله، أعاريَّة مضمونة، أو عاريَّة مؤدَّاة؟ قال: " بل عاريَّة مؤدَّاة " (2) .
رواته كلُّهم ثقات، لكنه معلَّلٌ، وقد رواه أبو داود عن إبراهيم بن المستمر (3) .
2493- وقد رواه الإمام أحمد بغير هذا اللفظ، فقال: حدَّثنا بَهْز بن أسد ثنا همَّام عن قتادة عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أميَّه عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أتتك رسلي فأعطهم- أو: فادفع إليهم- ثلاثين درعًا، وثلاثين بعيرًا- أو أقل من ذلك- ". فقال له: العاريَّة مؤدَّاة، يا رسول الله؟ قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم " (4) O.
2494- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن عيسى الخوَّاص (5) ثنا صالح
__________
(1) خرجه من طريق ابن أبي عاصم: الضياء في "المختارة": (8/22- رقم: 11) .
(2) "السنن الكبرى": (3/409- رقم: 5776) ، وفيها: (بعيرًا) بدل: (مغفرًا)
(3) "سنن أبي داود": (4/203- 204- رقم: 3561) .
(4) "المسند": (4/222) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: وثقه الدارقطني) اهـ(4/157)
ابن العلاء بن بكير ثنا إسحاق بن عبد الواحد ثنا خالد بن عبد الله عن خالد
الحذَّاء عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان بن أميَّة
أدراعًا وسلاحًا في غزوة حنين، فقال: يا رسول الله، عاريَّة مؤدَّاة؟ فقال:
" عاريَّة مؤدَّاة " (1) .
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة" من هذا الوجه.
وصالح بن العلاء: لا أعرفه، وكأنَّه مصحَّف، والظاهر أنَّه: صالح ابن محمَّد الحافظ.
وإسحاق بن عبد الواحد القرشيُّ المَوْصِليُّ: قال أبو عليٍّ الحافظ: متروك الحديث (2) . وقال أبو زكريا يزيد بن محمَّد المَوْصِليُّ: هو كثير الحديث، رحَّال فيه، أكثر من (3) المعافى ونظرائه من المَوَاصِلَة، وسمع من مالك بن أنس ... وذكر جماعة، ثُمَّ قال: وصنَّف وكتب الناس عنه (4) . وروى له النسائيُّ حديثًا واحدًا، وقال: إسحاق بن عبد الواحد لا أعرفه (5) . والله أعلم O.
2495- وقال الترمذيُّ: حدَّثنا هنَّاد وعليُّ بن حُجْر قالا: أنا إسماعيل ابن عيَّاش عن شُرَحْبيل بن مسلم الخَوْلاَنِيِّ عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " العاريَّة مؤدَّاةٌ، والزعيم غارمٌ، والدَّيْنُ مَقْضيٌّ " (6) .
ز: حسَّنه الترمذيُّ، ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمَّار عن إسماعيل
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/38) .
(2) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (1/102- رقم: 323) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "تهذيب الكمال": (عن) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (2/455- رقم: 368) .
(5) "السنن الكبرى": (5/227- 228- رقم: 8749) .
(6) "الجامع": (2/544- رقم: 1265) ، وقد سبق برقم: (2479) .(4/158)
مختصرًا: " العاريَّة مؤدَّاة، والمنحة مردودةٌ " (1) O.
احتجُّوا:
2496- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أبو عليٍّ الحسين بن القاسم الكَوْكَبيُّ ثنا عليُّ بن حربٍ ثنا عمرو بن عبد الجبَّار عن عُبيدة بن حسَّان عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المستعير غير المغلِّ ضمانٌ، ولا على المستودع غير المغلِّ ضمانٌ " (2) .
والمغلُّ: الخائن.
والجواب:
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: عمرو وعبيدة ضعيفان، وإنَّما يُروى هذا عن شُريح القاضي غير مرفوعٍ (3) .
قال المصنِّف: قلت: وقال ابن حِبَّان: عبيدة يروي الموضوعات عن الثقات، فبطل الاحتجاج به (4) .
ز: هذا الحديث لم يخرَّج في "السنن".
وقد روى حمَّاد بن سلمة عن أيُّوب وقتادة وحبيب ويونس عن ابن سيرين أنَّ شُريحًا قال: ... فذكره، وهو المحفوظ O.
*****
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (2/801- 802- رقم: 2398) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال سعيد بن منصور: ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس- في العارية- قال: تغرم. وبه يقول أبو هريرة) اهـ
وانظر: "سنن البيهقي": (6/90) .
(2، 3) "سنن الدارقطني": (3/41) .
(4) "المجروحون": (2/189) .(4/159)
مسألة (551) : إذا أعاره أرضه مطلقًا ليبني فيها، فبنى أو غرس، فللمُعِيرْ أن يستردَّ الأرض، ويضمن قيمة البناء والغِرَاس، أو قيمة ما [نقص] (1) بالقلع.
وقال أبو حنيفة: للمعير أن يستردَّ الأرض، ويقلع البناء والغراس، ولا ضمان عليه.
لنا:
قوله عليه السلام: " ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ ".
وسيأتي مسندًا (2) .
وفيه دليلٌ على أنَّ العرق إذا لم يكن ظالمًا فله حقٌّ.
ولنا: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من بنى في رباع قوم بإذنهم، فله قيمته ".
ز: هذا الحديث الأخير رواه ابن عَدِيٍّ عن ميمون بن مسلمة عن كثير ابن أبي صابر عن عطاء الخفَّاف عن عمر بن قيسٍ عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة مرفوعًا (3) .
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لا تقوم به حجَّةٌ.
ورواه البيهقيُّ عن ابن مسعودٍ وشُريح من قولهما (4) O.
__________
(1) في الأصل: (يضمن) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(2) رقم: (2502) .
(3) "الكامل": (5/8- رقم: 1186) .
(4) "سنن البيهقي": (6/91) .(4/160)
مسائل الغصب
مسألة (552) : إذا مَثَّل بعبده عتق عليه.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا يعتق.
لنا:
2497- ما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا مُعمَّر بن سليمان الرَّقِّيُّ ثنا الحجَّاج عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مُثِّل به، أو حُرِّق بالنار، فهو حرٌّ، وهو مولى الله ورسوله ". قال: فأُتي برجلٍ قد خُصي- يقال له: سندر- فأعتقه (1) .
ز: الحجَّاج بن أرطأة: غير محتجٍّ به، لكنَّه غير متفرِّدٍ، فقد تابعه غيره عن عمرو، ولم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أهل "السنن" من روايته O.
*****
مسألة (553) : إذا غيَّر صفة المغصوب- بأن طحن الحنطة، أو خبز الدقيق، أو شوى الشاة، أو قطع الثوب قميصًا، أو ضرب الزُّبرةَ (2) أواني- لم يَزُل عنه ملك المالك.
__________
(1) "المسند": (2/225) .
(2) في " المصباج المنير ": (ص: 215) : (الزبرة: القطعة من الحديد) اهـ(4/161)
وقال أبو حنيفة: يملكها الغاصب بالتغير، ويجب عليه البدل لمالكها.
2498- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا عبد الله بن منيب ثنا يحيى بن إبراهيم بن أبي قُتَيْلَة ثنا الحارث بن محمَّد الفِهْرَيُّ عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحلُّ مال امرمئ مسلمٍ إلا بطيب نفسه " (1) .
ز: كذا فيه: (عبد الله بن منيب) وهو خطأٌ، والصواب: (ابن شبيب) (2) .
وهذا الإسناد ضعيفٌ، ولبس مخرَّجًا في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة".
والحارث: لا أعرفه (3) .
ويحيى: وثَّقه أبو حاتم (4) وغيره.
وعبد الله بن شبيب الربعيُّ: قال فضلك الرازيُّ: يحلُّ- ضرب عنقه (5) ! وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث (6) .
وقد روي هذا الحديث من وجوه أُخر: من حديث ابن عمر وعمرو بن يَثْرِبي وغيرهما O.
احتجُّوا:
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/26) .
(2) هو على الصواب في نسخة "التحقيق" المطبوعة.
(3) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/89- رقم: 411) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/127- وقم: 539) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (4/262- رقم: 1099) .
(6) "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/475- رقم: 5106) .(4/162)
2499- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الله بن محمَّد الوكيل ثنا حميد بن الربيع ثنا ابن إدريس ثنا عاصم بن كُليب عن أبيه عن رجلٍ من الأنصار قال: دعت امرأةٌ من قريش رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فأتاها، فلما أُتي بالطعام، وضع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده، ووضع القوم، فبينا هو يأكل إذ
كفَّ يده، فجعل الرجل يضرب يد ابنه حتَّى يرمي العَرْق من يده، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجد لحم شاة أُخذت بغير إذن أهلها ". قال: فأرسلت المرأة: يا رسول الله، إني كنت أرسلت إلى البَقيْع أطلب شاةً فلم أصب،
فبلغني أن جارًا لي اشترى شاةً، فأرسلت إليه، فلم نقدر عليه، فبعثت بها امرأته. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطعموها الأسارى " (1) .
فوجه الحجَّة: أنَّ ملك صاحبها زال عنها بذلك، ولولا ذلك كان يأمر بردِّها عليه.
والجواب:
أنَّ حميد بن الربيع كذَّابٌ، كذلك قال يحيى بن معين (2) .
ز: حميد بن الربيع: وثَّقه عثمان بن أبي شيبة (3) ، وكان الدَّارَقُطْنِيُّ يحسن القول فيه (4) .
ولا وجه للطعن فيه بعد ذكر هذا الحديث، فإنَّه لم يتفرَّد به، بل تابعه
__________
(1) "سنن الدارقطني": (4/289) .
(2) "الكامل": (2/280- رقم: 444) .
(3) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/165- رقم: 4269) ، وفيه: (أنا أعلم الناس بحميد ابن الربيع الخزاز، هو ثقه، ولكنه شره يدلس) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/164- رقم: 4269) من رواية البرقاني.(4/163)
غيره، فرواه أبو داود في " البيوع " عن محمَّد بن العلاء عن عبد الله بن إدريس (1) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (554) : إذا غصب ساجةً (2) فبنى عليها، أو آجرا فجعله في أساس حائطه وبنى عليه، وجب ردُّه.
وقال أبو حنيفة: زال حقُّ المالك عنها، وليس له إلا القيمة.
لنا:
حديث أنس المتقدِّم.
2500- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة بن جُندُب عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " على اليد ما أخذت، حتَّى تودِّيه " (3) .
ز: رواه أصحاب " السنن الأربعة " (4) من رواية سعيد، وحسَّنه التزمذيُّ O.
*****
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/114- رقم: 3325) .
(2) في " المصباح المنير ": (ص: 293) : (الساج: ضرب عظيم من الشجر، الواحدة: ساجة، وجمعها: ساجات، ولا ينبت إلا بالهند، ويجلب منها إلى غيرها) ا. هـ
(3) "المسند": (5/8) .
(4) "سنن أبي داود": (4/202- رقم: 3556) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/544- 545 - رقم: 1266) ؛ " السن الكبرى " للنسائي: (3/411- رقم: 5783) ؛ " سنن ابن ماجة ": (2/802- رقم: 2400) .(4/164)
مسألة (555) : إذا غصب أرضًا فزرعها، فصاحبها بالخيار: إن شاء أن يقرَّ الزرع إلى وقت الحصاد؛ وإن شاء أن يدفع إليه قيمة الزرع أو ما أنفقه على الزرع- على اختلاف الروايتين في ذلك- ويكون الزرع له، وليس له
إجباره على قلعه بيعير عوضٍ.
وقال أكثرهم: له إجباره على القلع، وليس له إجباره على تسليم العوض عن الزرع.
لنا حديثان:
2501- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو كامل ثنا شَريك عن أبي إسحاق عن عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خَدِيج قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من زرع أرضًا بغير إذن أهلها، فله نفقته، وليس له من الزرع شيءٌ" (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والترمذيُّ جميعًا عن قتيية بن سعيد عن شَريك.
وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. قال: وسألت محمَّد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هو حديثٌ حسنٌ. وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شَريك. وقال محمَّدٌ: وثنا مَعْقِل بن مالك
البصريُّ ثنا عقبة الأصمُّ (3) عن عطاء عن رافع عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه (4) .
ورواه ابن ماجة عن عبد الله بن عامر بن زُرارة عن شَريك (5) ، ورواه
__________
(1) "المسند": (3/465) .
(2) "سنن أبي داود": (4/146- رقم: 3396) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "الجامع": (بن الأصم) .
(4) "الجامع": (3/41- 42- رقم: 1366) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/824- رقم: 2466) .(4/165)
الإمام أحمد أيضًا عن أسود بن عامر والخُزَاعيُّ- يعني: منصور بن سلمة- عن شَريك (1) .
ورواه البيهقيُّ من رواية قيس بن الربيع عن أبي إسحاق (2) .
ورواه ابن عَدِيٍّ من رواية حجَّاج بن محمَّد عن شَريك عن أبي إسحاق عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن عطاء (3) .
وقال أبو زرعة (4) وغيره: لم يسمع عطاء من رافع بن خَدِيج.
وقال الخطَّابيُّ: هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث. قال: وحدَّثني الحسن بن يحيى عن موسى بن هارون الحمَّال أنَّه كان ينكر هذا الحديث ويضعِّفه، ويقول: لم يروه غير شَريك، ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع شيئًا.
قال الخطَّابيُّ: وضعَّفه البخاريُّ أيضًا (5) .
كذا قال، وهو مخالفٌ لما نقله الترمذيُّ عنه.
وقال البيهقيُّ: وقد رواه عقبة بن الأصمِّ عن عطاء قال: (ثنا رافع بن خَدِيج) ، وعقبة ضعيفٌ لا يحتجُّ به (6) .
كذا قال، وقد روي هذا الحديث من رواية غير عطاء عن رافع، وقد
__________
(1) "المسند": (4/141) .
(2) "سنن البيهقي": (6/136) .
(3) "الكامل": (4/19- رقم: 888) تحت ترجمة شريك بن عبد الله.
(4) " المراسيل " لابن أبي حاتم: (ص: 155- رقم: 569) .
(5) " معالم لسنن ": (5/64- رقم: 3261) .
(6) "سنن البيهقي": (6/137) .(4/166)
احتجَّ به أحمد في روايةٍ عنه (1) ، والله أعلم O.
2502- الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: ثنا محمَّد بن بشَّار (2) ثنا عبد الوهاب ثنا أيُّوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحيا أرضًا ميتةً فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ ".
قال الترمذيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن المثنَّى قال: سألت أبا الوليد الطيالسيَّ عن قوله: " وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ "، فقال: هو الغاصب. قلت: هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره؟ قال: هو ذاك (3) .
ز: رواه أبو داود (4) والنسائيُّ (5) من حديث عبد الوهَّاب الثقفيِّ أيضًا، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وقد روى بعضهم عن هشام عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلٌ.
ورواه النسائيُّ أيضًا عن عيسى بن حمَّاد عن ليث عن يحيى بن سعيد عن هشام عن عروة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره مرسلاً. قال الليث: كتبت إلى هشام، فكتب إليَّ مثل حديث يحيى (6) .
وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: تفرَّد به عبد الوهاب الثقفيُّ عن أيُّوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد، واختلف فيه على هشام بن عروة:
__________
(1) انظر: "تهذيب السنن" لابن القيم: (عون- 9/266- رقم: 3386) ؛ و" شرح الزركشي على مختصر الخرقي ": (4/173- 174- رقم: 2090) .
(2) في "التحقيق": (يسار) !
(3) "الجامع": (3/55- 56- رقم: 1378) .
(4) "سنن أبي داود": (3/510- رقم: 3068) .
(5) "السنن الكبرى": (3/405- رقم: 5761) .
(6) "السنن الكبرى": (3/405- رقم: 5762) .(4/167)
فرواه الثوريُّ عن هشام عن أبيه قال: حدَّثني من لا أتهم عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتابعه جرير بن عبد الحميد.
وقال يحيى بن سعيد ومالك بن أنس وعبد الله بن إدريس ويحيى بن سعيد الأمويُّ: عن هشام عن أبيه مرسلاً (1) O.
احتجُّوا:
2503- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا [أحمد] (2) بن إسحاق بن البهلوْل ثنا أبي ثنا يعلى عن محمَّد بن إسحاق عن يحيى وهشام ابني عروة عن عروة: أنَّ رجلين من الأنصار اختصما في أرضٍ، غرس أحدهما فيها نخلاً،
والأرض للآخر، فقضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل يخرج نخله، وقال: " ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ ". قال: فلقد أخبرني الذي حدَّثني بهذا الحديث: أنَّه رأى النخل تقلع أصولها بالفؤوس (3) .
قال المصنِّف: هذا مرسلٌ، وابن إسحاق مجروحٌ.
ز: 2504- روى أبو داود عن هنَّاد عن عَبْدَة عن ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ ". قال عروة: فلقد خبَّرني الذي حدَّثني بهذا الحديث: أنَّ رجلين اختصما إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غرس أحدهما نخلاً ... الحديث.
2505- وروى عن أحمد بن سعيد الدارميِّ عن وهب بن جرير عن أبيه
__________
(1) "العلل": (4/414- 416- رقم: 665) وساق له أوجها أخرى، ثم قال: (والمرسل عن عروة أصح) .
(2) في الأصل و (ب) : (محمَّد) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(3) "سنن الدارقطني": (3/35- 36) .(4/168)
عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه، إلا أنَّه قال عند قوله مكان: (الذي حدَّثني بهذا) ، فقال: (رجل من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر ظنِّي أنَّه أبو سعيد-: فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل) (1) O.
*****
مسألة (556) : إذا كَسَر آلة اللهو لم يضمن.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: يضمن.
2506- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد أنا فرج بن فَضَالة عن [عليِّ] (2) ابن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ أمرني أن أمحق: الزامير، والمعازف، والأوثان التي كانت تعبد في الجاهليَّة " (3) .
قال المصنِّف: القاسم وعليُّ بن يزيد ضعيفان.
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في شيءٍ من "السنن".
وعليٌّ: أضعف من القاسم، وقد وَثَّق القاسمَ: الترمذيُّ (4) وغيرُه.
وفرجٌ: فيه مقالٌ أيضًا، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/510- 511- رقمي: 3069- 3070) .
(2) زيادة من "التحقيق" و"المسند".
(3) "المسند": (5/257) .
(4) "الجامع": (1/453- رقم: 428) .(4/169)
مسائل الشُّفْعة
مسألة (557) : لا تستحق الشُّفعة بالجوار.
وقال أبو حنيفة: تستحق.
لنا:
2507- ما روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا مَعْمَر عن الزهريِّ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال: إنَّما جَعَلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُفْعة في كلِّ ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شُفْعة (1) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (2) .
2508- طريقٌ آخرٌ: قال مسلمٌ: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير ثنا عبد الله بن إدريس ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشُّفْعة في كلِّ شركة لم تقسم، ربعة أو حائط، لا يحلُّ أن يبيع حتَّى يُؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يُؤذنه، فهو أحقُّ به.
انفرد باخراجه مسلمٌ (3) .
__________
(1) "المسند": (3/296) .
(2) "صحيح البخاري": (3/548) ؛ (فتح- 4/407- رقم: 2213) .
(3) "صحيح مسلم": (5/57) .(4/170)
احتجُّوا بأربعة أحاديث:
2509- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا مكيُّ بن إبراهيم أنا ابن جريج قال: أخبرني ابن ميسرة (1) عن عمرو بن الشَّرِيْد عن أبي رافع- مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال لسعد بن أبي وقَّاص: ابتع منِّي بيتي في دارك، ولولا أنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الجار أحقُّ بصقبه ". ما أعطيتكها بأربعة آلاف (2) .
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصحيحين".
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه مسلمٌ، بل انفرد به البخاريُّ، والله أعلم O.
2510- الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا همَّام عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جار الدار أحقُّ بالدار من غيره " (3) .
2511- الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا روح ثنا حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن عمرو بن الشَّرِيد عن أبيه الشَّرِيد بن سُويد أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، أرضٌ ليس لأحدٍ فيها شِرْكٌ ولا قسم إلا الجوار؟ فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحقُّ بسقبه ما كان " (4) .
2512- طريق آخر: قال أحمد: وحدَّثنا إسحاق بن سليمان ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى قال: سمعت عمرو بن الشَّرِيد عن أبيه قال:
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: هو إبراهيم) ا. هـ
(2) "صحيح البخاري": (3/558- 559) ؛ (فتح- 4/437- رقم: 437) .
(3) "المسند": (5/8) .
(4) "المسند": (4/389) .(4/171)
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحق بسقبه " (1) .
2513- الحديث الرابع: قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم أنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحقُّ بشفعة جاره، ينتظر بها إذا كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا " (2) .
والجواب:
أمَّا حديث أبي رافع: فمحمولٌ على أنَّه كان شريكًا مخالطًا.
وأمَّا حديث سَمُرة: فروى أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد قال: أحاديث الحسن عن سَمُرة من كتاب (3) . وقال أحمد بن هارون البرديجيُّ (4) : لا يحفظ عن الحسن عن سَمُرة حديثٌ يقول فيه: (سمعت سَمُرة) إلا حديث
واحد- وهو حديث العقيقة- ولا يثبت (5) . وقال أبو حاتم بن حِبَّان: لم
__________
(1) "المسند": (4/389) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال أحمد في "المسند": ثنا روح ثنا حسين، (ح) والخفاف- هو عبد الرحمن بن عطاء- قال: أنا حسين، عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه الشريد بن سويد أن رجلاً قال: يا رسول الله- قال الخفاف: قلت: يا رسول الله-، أرض ليس لأحد فيها شرك، ولا قسم، إلا الجوار. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحق بسقبه ما كان ".
قال: وثنا إسحاق بن سليمان ثنا عبد الله أبو يعلى الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه، (ح) وأبو عامر ثنا عمد الله بن عبد الرحمن بن يعلى قال: سمعت عمرو بن الشريد عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحق بسقبه ". قال أبو عامر في حديثه: " المرء أحق ".
كذا رواه أحمد، وفي بعضه مخالفة لما ذكر. المؤلِّف، والله أعلم) ا. هـ.
وما في مطبوعة "المسند" موافق لما ذكره المنقح في حاشيته هذه.
(2) "المسند": (3/303) .
(3) " المعرفة والتاريخ " للفسوي: (3/11) وفيه: (سمعنا أنها من كتاب) .
(4) في "التحقيق": (البرزعي) !
(5) انظر ما تقدم: (3/576) .(4/172)
يشافه الحسن سَمُرة (1) . وقد قال ابن المدينيِّ: سمع الحسن من سَمُرة (2) .
وأمَّا حديث عمرو بن الشَّرِيد: فقال ابن المنذر: هو حديثٌ منكرٌ، لا أصل له.
وأمَّا حديث جابر: فقال شعبة: سها فيه عبد الملك بن أبي سليمان، فإن روى حديثًا آخر مثله طرحت حديثه (3) . ثُمَّ ترك شعبة التحديث عنه، وقال أحمد بن حنبل: هذا الحديث منكرٌ (4) . وقال يحيى: لم يروه غير عبد اللك، وقد أنكروه عليه (5) .
ثُمَّ نحمل الأحاديث على الشريك المخالط، وقد يسمَّى جارًا.
ز: حديث الحسن عن سَمُرة: رواه أبو داود (6) والترمذيُّ (7) والنسائيُّ (8) من رواية قتادة عنه، وصحَّحه الترمذيُّ.
ورواه النسائيُّ (9) والطَّحاويُّ (10) وابن حِبَّان (11) من رواية سعيد عن قتادة عن أنس، وكأنَّه وهمٌ.
__________
(1) "المجروحون" (2/163) تحت ترجمة عباد بن راشد التميمي، وانظر: "الإحسان" لابن بلبان: (5/113- رقم: 1807) .
(2) "العلل": (ص: 53- رقم 57) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/367- رقم: 1719) .
(4) "العلل" برواية عبد الله: (2/281- رقم: 2256) .
(5) "تاريخ بغداد" للخطيب: (10/394- 395- رقم: 5570) .
(6) "سنن أبي داود": (4/186- رقم: 3511) .
(7) "الجامع": (3/43- 44- رقم: 1368) .
(8) لم نقف عليه، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (4/69- رقم: 4588) .
(9) لم نره، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (1/318- رقم: 1222) .
(10) " شرح معاني الآثار ": (4/122) .
(11) "الإحسان" لابن بلبان: (11/585- رقم: 5182) .(4/173)
وحديث عمرو بن الشَّرَيد عن أبيه: رواه النسائيُّ (1) وابن ماجة (2) من حديث حسين المعلِّم، ورواه النسائيُّ من رواية عبد الله بن عبد الرحمن عنه، وفي إسناده اختلافٌ قد ذكره النسائيُّ (3) .
ورواه أيضًا من رواية حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه (4) ، والمحفوظ حديث عمرو بن الشَّرَيد عن أبي رافع.
وحديث عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر: رواه أصحاب " السنن الأربعة " (5) ، وقال الترمذيُّ: حسنٌ غريبٌ، لا نعلم أحدًا رواه غير عبد الملك، وعبد الملك هو ثقةٌ مأمونٌ عند أهل الحديث، لا نعلم أحدًا تكلَّم
فيه غير شعبة، من أجل هذا الحديث.
وقال الشافعيُّ: سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول: نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظًا (6) .
وقال إسحاق بن إبراهيم: قال لي أبو عبد الله- يعني: أحمد بن حنبل-:
__________
(1) "سنن النسائي": (7/320- رقم: 4703) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/834- رقم: 2496) .
(3) لم نره، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (4/152- رقم: 4840) .
(4) لم نقف عليه، وقد أشار إلى هذا المزي في " التحفة ": (4/153- رقم: 4840) في " مسند الشريد بن سويد " فقال: (روى حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسيأتي) اهـ
وتعقبه الحافظ ابن حجر في "النكت الطراف" بقوله: (ورقم عل حسين " س " ولم يخرجه " س " إلا من رواية: " الحكم بن عتيبة عن عمرو بن شعيب "، وعليه اقتصر المزي في "مسند عبد الله بن عمرو") اهـ وانظر: "التحفة": (6/311- رقم: 8696) .
(5) "سنن أبي داود": (4/186- 187- رقم: 3512) ؛ "الجامع" للترمذي: (3/45 - رقم: 1369) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/833- رقم: 2494) .
ولم نره عند النسائي، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (2/229- رقم: 2434) .
(6) "سنن البيهقي": (6/106) .(4/174)
ليس العمل على هذا، لا شفعة إلا للخليط (1) .
واعلم أنَّ حديث عبد الملك حديثٌ صحيحٌ، ولا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة، فإنَّ في حديث عبد الملك: " إذا كان طريقهما واحدًا "، وحديث جابر المشهور لم ينف فيه استحقاق الشُفْعة إلا بشرط تصرف الطرق.
فنقول: إذا اشترك الجاران في المنافع- كالبئر أو السطح أو الطريق- فالجار أحقُّ بصقب جاره، لحديث عبد الملك؛ وإذا لم يشتركا في شيءٍ من النافع فلا شُفْعة، لحديث جابرٍ المشهور؛ وهو أحد الأوجه الثلاثة في مذهب أحمد وغيره.
وطَعْنُ شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث= لا يقدح في عبد الملك، فإنَّ عبد الملك ثقةٌ مأمونٌ، وشعبة لم يكن من الحذَّاق في الفقه، ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، وإنَّما كان إمامًا في الحفظ، وطَعْنُ من طَعَنَ عليه
سواه إنَّما هو اتباعٌ لشعبة، وقد احتجَّ مسلمٌ في "صحيحه بحديث عبد الملك (2) ، وخرَّج له أحاديث، واستشهد به البخاريُّ، وكان سفيان يقول: حدَّثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان (3) . وقد وثَّقه الإمام أحمد (4) ويحيى
ابن معين (5) والعِجْليُّ (6) وابن عمَّار (7) والنسائيُّ (8) وغيرهم، وقد قيل
__________
(1) "مسائل ابن هانئ": (2/26- رقم: 1282) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/435- رقم: 978) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/366- رقم: 1719) .
(4) "العلل" برواية عبد الله: (1/410- رقم: 857) .
(5) "التاريخ" لأبي زرعة الدمشقي: (1/460- رقم: 1169) .
(6) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 2/103- رقم: 1134) .
(7) "تاريخ بغداد" للخطيب: (10/396- 397- رقم: 5570) .
(8) "تهذيب الكمال" للمزي (18/328- رقم: 3532) .(4/175)
لشعبة: مالكَ لا تحدِّث عن عبد الملك بن أبي سليمان. قال: تركت حديثه.
قيل له: تحدِّث عن محمَّد بن عبيد الله العَرْزَمِيِّ وتدع عبد الملك، وقد كان حسن الحديث؟! قال: من حسنها فررت (1) ! قال الخطيب: قد أساء شعبة في اختياره حيث حدَّث عن محمَّد بن عبيد الله العَرْزَميِّ وترك التحديث عن
عبد الملك بن أبي سليمان، لأنَّ محمَّد بن عبيد الله لم يختلف الأئمة من أهل الأثر في ذهاب حديثه وسقوط روايته، وأمَّا عبد الملك فثناؤهم عليه مستفيضٌ، وحُسنُ ذكرهم له مشهورٌ (2) O.
واحتجُّوا:
2514- بما رووا عن أبي سعيد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الخليط أحقُّ من الشفيع، والشفيع أحقُّ من غيره ".
وهذا الحديث لا يعرف هكذا، إنَّما المعروف:
2514/أ - ما رواه سعيد بن منصور، قال: حدَّثنا عبد الله بن المبارك عن هشام بن المغيرة الثقفيِّ قال: قال الشعبيُّ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشفيع أولى من الجار، والجار أولى من الجنب ".
ز: هذا مرسلٌ.
وهشام: وثَّقه ابن معين (3) ، وقال أبو حاتم: لا بأس بحديثه (4) O.
*****
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/367- رقم: 1719) وفيه: (من حسن حديثه أفر) .
(2) "تاريخ بغداد": (10/395- رقم: 5570) .
(3) "الجرح والتعديل": (9/68 - 69- رقم: 261) من رواية إسحاق بن منصور.
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/69- رقم: 261) .(4/176)
مسألة (558) : إذا اشترى أرضًا فيها زرعٌ أو شجرٌ مثمرٌ، لم تجب الشُّفعة في الزرع والثمر.
وقال أبو حنيفة ومالك: تجب.
2515- قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثنا أبو الطاهر ثنا ابن وهب عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشُّفعة في كلِّ شِرْكٍ، في أرضٍ أو رَبْعٍ أو حائط " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ.
ووجه الحجَّة: أنَّه لم يثبت الشُّفْعة في غير ذلك.
*****
مسألة (559) : لا تثبت الشُّفْعة فيما لا يقسم، كالحمَّام والرحى ونحوه.
وقال أبو حنيفة: تثبت. وعن أحمد نحوه.
وعن مالك كالمذهبين.
2516- قال سعيد بن منصور: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد (2) قال: حدَّثني محمَّد بن عمارة أنَّ أبا بكر بن محمَّد قال: خطب عمر (3) الناس، فقال: لا شفعة في بئر ولا فحل.
__________
(1) "صحيح مسلم": (5/57) ؛ (فؤاد- 3/1229- رقم: 1608) .
(2) في "التحقيق": (الزياد) !
(3) في هامش الأصل: (حـ: كذا فيه: " عمر ") ا. هـ(4/177)
2516/أ- وقد روى أصحابنا: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا شُفْعَة في فناء، ولا طريق، ولا منقبة ".
والمنقبة: الطريق الضيق بين القوم لا يمكن قسمته.
وإنَّما وجبت الشُّفْعة لأجل الضرر الذي يلحق الشريك بإحداث (1) المرافق، وهذا معدومٌ فيما لا يقسم.
ز: الأثر الذي ذكره منقطعٌ، وهو مشهورٌ عن عثمان:
2517- قال الإمام أحمد: حدَّثنا ابن إدريس عن محمَّد بن عمارة عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبان بن عثمان عن عثمان: لا شُفْعة في بئرٍ ولا فحل ولا رف (2) .
قال أحمد: ما أصحَّه من حديث. ذكره الخلال.
وذكره الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب " لعلل " موقوفًا ومرفوعًا، وقال: والموقوف أصحُّ (3) .
2518- وقال الطَّحاويُّ: ثنا أحمد بن داود ثنا يعقوب ثنا مَعْن بن عيسى عن محمَّد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عبَّاسٍ: لا شُفْعة في الحيوان (4) O.
*****
__________
(1) في "التحقيق": (بأخذان) !
(2) " مسائل صالح ": (3/185- رقم: 1612) وفيه: (لا شفعة في بئر ولا فحل، والأرف إذا علم كل قوم حقهم تقطع كل شفعة) .
(3) "العلل": (3/14- 15- رقم: 257) .
(4) " شرح معاني الأثار ": (4/126) .(4/178)
مسألة (560) : لا شفعة لذميٍّ على مسلم، وهو قول الشعبيِّ، خلافًا لأكثرهم.
2519- قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: حدَّثنا القاسم بن زكريا ثنا حفص الرَّبَاليُّ ثنا نائل بن نجيح ثنا سفيان عن حُميد عن أنسٍ أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا شُفْعة لنصرانيٍّ " (1) .
2520- وقال الخطيب: أخبرنا محمَّد بن أحمد بن رزق أنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا محمَّد بن سنان القزَّاز ثنا نائل بن نجيح عن سفيان عن حُميد عن أنسٍ - مرَّةً رفعه، ومرَّةً لم يرفعه- قال: لا شفعة لنصرانيٍّ.
قال الخطيب: أنا البَرْقَانِيُّ أنا الدَّارَقُطْنِيُّ- وسُئل عن حديث حُميد عن أنسٍ قال: قال رسول اللهءصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا شفعة لنصرانيٍّ "- فقال: يرويه نائل بن نجيح عن الثوريِّ عن حُميد عن أنسٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو وهمٌ، والصواب عن حُميد الطويل عن الحسن من قوله. قال أبو الحسن: نائل بغداديٌّ. قلت: ثقةٌ؟ قال: لا.
قال الخطيب: روى حديث الشُّفْعة وكيعٌ وأبو حذيفة عن سفيان عن حُميد عن الحسن قوله، وهو الصحيح (2) .
ز: هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "السنن"، وقد رواه أيضًا محمَّد بن يوسف الفِرْيَابيُّ ومحمَّد بن كثير العَبْدِيُّ وعبد الله بن الوليد عن سفيان عن حُميد عن الحسن قوله.
__________
(1) "الكامل": (7/56- رقم: 1985) تحت ترجمة نائل بن نجيح.
(2) "تاريخ بغداد": (13/435- رقم: 7306) باختصار.(4/179)
قال البيهقيُّ: هذا هو الصواب من قول الحسن (1) .
وقال ابن عَدِيٍّ: أحاديث نائل مظلمةٌ جدًا، وخاصة إذا روى عن الثوريِّ (2) .
وقال ابن أبي حاتم: قال أبي في حديث رواه نائل بن نجيح عن الثوريِّ عن حُميد عن أنسٍ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا شفعة للنصرانيِّ ". قال: هو باطلٌ (3) O.
*****
__________
(1) "سنن البيهقي": (6/109) .
(2) "الكامل": (7/57- رقم: 1985) .
(3) "العلل": (1/477- 478- رقم: 1430) .(4/180)
مسائل الإجارة
مسألة (561) : إذا استأجر دارًا كلَّ شهر بشيءٍ معلومٍ، لزمه في الشهر الأوَّل، وما بعده من الشهور يلزم بالدخول فيه.
وعنه: لا يصحُّ في الجميع، كقول الشافعيِّ.
2521- قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل أنا أيُّوب عن مجاهد قال: قال عليٌّ عليه السلام (1) : جُعْتُ مرَّةً بالمدينة جوعًا شديدًا، فخرجت أطدب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرًا، فطننتها تريد بلَّه،
فأتيتها، فقاطعتها: كلّ ذنوبٍ على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوبا، حتى مجلت يداي (2) ، ثُمَّ أتيت الماء فأصبت منه، ثُمَّ أتيتها، فقلت بكفِّي هكذا بين يديها- وبسط إسماعيل يديه وجمعهما-، فعدَّت لي ستَّ عشرة تمرة، فأتيت
النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته، فكل معي منها (3) .
وقد رواه عكرمة عن ابن عبَّاسٍ فذكر القصة.
ز: حديث مجاهد عن علىٍّ منقطعٌ، قال أبو زرعة: مجاهد عن علىٍّ
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة رضي الله عنهم بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع.
(2) في " النهاية ": (4/300- مجل) : (يقال: مَجَلَت يدُه تَمْجُل مَجْلاً، ومَجِلَت تَمْجَلُ مَجَلاً: إذا ثخن جلدها وتَعَجَّر، وظهر فيها ما يبه البثر، من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة) ا. هـ
(3) "المسند": (1/135) .(4/181)
مرسلٌ (1) . وقال أبو حاتم: مجاهد أدرك عليًّا، لا يذكر رؤيةً ولا سماعًا (2) .
وقال الدُّورِيُّ: قيل ليحيى بن معين: يروى عن مجاهد أنَّه قال: خرج علينا عليٌّ. قال: ليس هذا بشيءٍ (3) .
وحديث عكرمة عن ابن عبَّاسٍ: رواه ابن ماجة عن محمَّد بن عبد الأعلى الصنعانيِّ عن المُعْتَمر بن سليمان عن أبيه عن حَنَشٍ عنه (4) .
وحنش اسمه: حسين بن قيس، وقد ضعَّفوه، إلا الحاكم، فإنَّه وثَّقه (5) .
2522- وقال ابن ماجة: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حَيَّة عن عليٍّ قال: كنت أدلو الدلو بتمرةٍ، وأشترط أنَّها جَلِدَةٌ (6) .
هذا إسنادٌ صالحٌ O.
*****
مسألة (562) : لا يجوز أخذ الأجرة على القُرَب- كتعليم القرآن، والأذان، والصلاة، وتعليم الفرائض، ورواية الحديث-.
وقال مالك والشافعيُّ: يجوز.
__________
(1، 2) " المراسيل " لابن أبي حاتم: (ص: 206- رقمي: 763، 764) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (3/88- رقم: 371) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/818- رقم: 2446) .
(5) " سؤالات السجزي ": (ص: 165- 166- رقم: 187) .
(6) "سنن ابن ماجة": (2/818- رقم: 2447) .(4/182)
2523- قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسن بن موسى ثنا حمَّاد بن سلمة عن سعيد الجُريريِّ عن أبي العلاء بن الشِّخِّير عن مطرِّف بن عبد الله أنَّ عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي. قال: " اقتد بأضعفهم،
واتَّخذ مؤذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا " (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) من حديث حمَّاد، وإسناده جيِّد، وقد روي من وجهٍ آخر O.
2524- قال أحمد: وحدَّثنا وكيع ثنا مغيرة بن زياد عن عُبَادة بن نُسَيٍّ عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت قال: علَّمت ناسًا من أهل الصفة الكتابة والقرآن، فأهدى إليَّ رجلٌ منهم قوسًا، فقلت: أرمي عنها في سبيل
الله تعالى. فسألت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إن سرَّك أن تطوَّق بها طوقًا من نارٍ فاقبلها" (4) .
قال المصنِّف: المغيرة ضعيفٌ.
ز: المغيرة: مختلفٌ في توثيقه: وثَّقه وكيع (5) وابن معين (6) والعِجْليُّ (7) وغيرهم، وتكلَّم فيه أحمد (8) والبخاريُّ (9) وأبو حاتم (10)
__________
(1) "المسند": (4/217) .
(2) "سنن أبي داود": (1/405- رقم: 532) .
(3) "سنن النسائي": (2/23- رقم: 672) .
(4) "المسند": (5/315) .
(5) "التاريخ الكبير" للبخاري: (7/326- رقم: 1402) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/222- رقم: 998) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (4/412- رقم: 5029) .
(7) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 2/292- رقم: 1771) .
(8) "العلل" برواية عبد الله: (1/404- رقم: 835) .
(9) ذكره في "الضعفاء الصغير": (ص: 486- رقم: 348) .
(10) انظر: "الجرح والتعديل" لابنه: (8/222- رقم: 998) .(4/183)
وغيرهم، وصحَّح حديثه هذا الحاكم (1) ، وقال في موضع آخر: المغيرة بن زياد صاحب مناكير، لم يختلفوا في تر، ويقال: إنَّه حدَّث عن عبادة بن نُسَيٍّ بحديثٍ موضوعٍ (2) . وقد أخطأَ الحاكم في هذا القول وتناقض.
وقد روى هذا الحديث: أبو داود (3) وابن ماجة (4) من رواية مغيرة.
وقال ابن المدينيِّ: إسناده كلُّه معروف، إلا الأسود بن ثعلبة، فإنَّا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث (5) .
وقد رواه أبو داود من حد بقيَّة عن بشر بن عبد الله بن يسار عن عبادة بن نُسَيٍّ عن جُنادة بن أبي أميَّة عن عبادة بن الصامت (6) .
تابعه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجَّاج عن بشر بن عبد الله O.
2525- وقال ابن ماجة: حدَّثنا سهل بن أبي سهل ثنا يحيى بن سعيد عن ثور بن يزيد قال: حدَّثني عبد الرحمن بن سَلْم عن عطيَّة الكَلاعِيِّ عن أُبَيِّ ابن كعب قال: علَّمت رجلاً القرآن، فأهدى لي قوسًا، فذكرت ذلك
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إن أخذتها أخذت قوسًا من نارٍ ". فرددتها (7) .
ز: عبد الرحمن بن سَلْم: لبس بالمشهور، وروى له ابن ماجة هذا الحديث الواحد، وقد ذكر شيخنا في "الأطراف " بينه وبين ثور: (خالد بن
__________
(1) " المستد رك ": (2/41- 42) .
(2) " سؤالات السجزي ": (ص: 144- 145- رقم: 146) .
(3) "سنن أبي داود": (4/151- رقم: 3409) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/730- رقم: 2157) .
(5) "سنن البيهقي": (6/125) .
(6) "سنن أبي داود": (4/151- رقم: 3410) .
(7) "سنن ابن ماجة": (2/730- رقم: 2158) .(4/184)
معدان) ، وذلك وهمٌ، ثُمَّ قال في هذا الحديث: رواه موسى بن عُلَيِّ بن رباحٍ عن أبيه عن أُبَيِّ بن كعبٍ.
ورواه محمَّد بن جُحَادة عن رجل- يقال له: أبان- عن أُبَيِّ بن كعبٍ.
ورواهُ بُنْدَار عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن سَلْم (1) عن عطيَّة بن قيسٍ الكَلاعِيِّ أنَّ أُبَيَّ بن كعبٍ علَّم رجلاً....
2526- وروى هشام بن عمَّار عن عمرو بن واقد عن إسماعيل بن عبيد الله عن أمِّ الدرداء عن أبي الدرداء أنَّ أُبَيَّ بن كعبٍ أقرأ رجلاً من أهل اليمن سورةً، فرأى عنده قوسًا فقال: تبيعنيها؟ قال: لا، بل هي لك. فسأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن كنت تريد أن تقلَّد قوسًا من نارٍ فخذها ".
2527- وروى إسماعيل بن عيَّاش عن عبد ربِّه بن سليمان بن عمير بن زيتون عن الطفيل بن عمرو الدَّوسيِّ قال: أقرأني أُبَيُّ بن كعبٍ القرآن، فأهديت له قوسًا، فغدا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متقلدها ... فذكر الحديث. انتهى ما ذكره (2) ، وفي بعضه نظرٌ:
فإنَّ محمَّد بن هارون [الرُّوْيَانيَّ] (3) رواه عن بُنْدَار بخلاف ما ذكر عنه، فقال:
__________
(1) في (ب) و" تحقة الأشراف ": (مسلم) .
(2) "تحفة الأشراف": (1/36- رقم: 69) ، وذكر محققه أنه وقع في هامش إحدى النسخ التعليق التالي بخط ابن عبد الهادي: (" خالد بن معدان " في هذا الإسناد فضلة لا يحتاج إليه، ولم يذكره الحافظ أبو القاسم. انتهى) ا. هـ
ووقع في مطبوعة "سنن ابن ماجة" كما ذكر المزي، وفي " مصباح الزجاجة " للبوصيري: (2/165- رقم: 765) كما رواه ابن الجوزي.
وانظر: " النكت الظراف " لابن حجر 0
(3) في الأصل: (الفريابي) ، والتصويب من (ب) .(4/185)
2528- حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا يحيى بن سعيد ثنا ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي مسلم عن عطيَّة بن قيسٍ الكَلاعِيِّ عن أُبيِّ بنِ كعب أنَّّه علَّم رجلاً القرآن، فأهدى إليه قوسًا، فوقع في نفسي شيءٌ، فذكرت ذلك للنبيِّ
عفًرِو، فقال: " إن أخذتها فخذها قوسًا من نارٍ " (1) .
وقال أبو الفرج- المؤلِّف- في كتاب "الضعفاء": وعبد الرحمن بن مسلم (2) يروي عن عطيَّة، ضعيفٌ (3) .
ولم ينسب ذلك إلى أحدٍ.
2529- وقال عثمان بن سعيد الدارميُّ: ثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبد الله ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن أمِّ الدرداء عن أبي الدرداء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أخذ قوسًا على تعليم القرآن، قلَّده الله قوسًا من نارٍ " (4) .
ورواه سَمُّويَه في "فوائده " عن عبد الرحمن.
وقد روى مسلمٌ في "صحيحه" حديثًا عن داود بن رُشَيد عن الوليد بن مسلمٍ بهذا الإسناد عن أبي الدرداء في الصوم في السفر (5) .
وعبد الرحمن هذا: قال ابن أبي حاتم: روى عنه أبي، وسمح منه في
__________
(1) ومن طريق الروياني خرجه الضياء في "المختارة": (4/22- رقم: 1253) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "الضعفاء": (ابن أبي مسلم) ، وكذا نقله عنه الضياء في " المختارة ": (4/22- رقم: 1253) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (2/100- رقم: 1900) .
(4) "سنن البيهقي": (6/126) .
(5) "صحيح مسلم": (3/145) ؛ (فؤاد- 2/790- رقم: 1122) .(4/186)
الرحلة الأولى، وسألته عنه، فقال: ما بحديثه بأسٌ، صدوقٌ (1) .
وقال دُحيم: حديث أبي الدرداء عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تقلَّد قوسا على تعليم القرآن ... " ليس له أصلٌ (2) .
وقال البيهقيُّ: هو ضعيفٌ (3) O.
وقد احتجَّ أصحابنا:
2530- بما أخبرنا به محمَّد بن ناصر الحافظ أنا أبو سهل محمَّد بن إبراهيم بن سعدويه أنا أبو الفضل القرشيُّ ثنا أبو بكر بن مردويه ثنا أحمد بن كامل ثنا عليُّ بن حمَّاد بن السَّكَن ثنا أحمد بن عبد الله الهَرويُّ ثنا هشام بن سليمان
المخزوميُّ عن ابن أبي مُلَيْكة عن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المعلِّمون خير الناس، كلَّما خَلِقَ الذكر جدَّدوه، عظموهم، ولا تستأجروهم فتحرجوهم، فإنَّ المعلِم إذا قال للصبيِّ: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، وقال الصبي: بسم الله الرحمن الرحيم، كلب الله: براءة الصبيِّ، وبراءة لوالديه، وبراءة للمعلِّم من النار ".
قال المؤلِّف: وهذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به، لأنَّه من عمل أحمد ابن عبد الله الهَرويِّ، وهو الجُوَيْبَاريُّ، وكان كذَّابًا يضع الحديث، أجمع أهل النقل على ذلك.
ز: هذا الحديث موضوعٌ، وقد سقط بين هشام وابن أبي مُلَيْكة رجلٌ، أمَّا ابن جريج أو غيره.
__________
(1) "الجرح والتعديل": (5/302- رقم: 1432) .
(2، 3) "سنن البيهقي": (6/126) .(4/187)
والجُوَيْبَاريُّ: دجَّالٌ.
والراوي عنه (علي بن حمَّاد بن السَّكَن) : قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو متروكٌ (1) O.
احتجُّوا بحديثين:
2531- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا غُنْدر ثنا شعبة عن أبي بشر عن أبي المتوكِّل عن أبي سعيد الخدريِّ: أنَّ ناسًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتوا على حيٍّ من أحياء العرب، فلم يَقْرُوهم، فبينا هم كذلك إذ لُدغ سيِّدُ أولئك، فقالوا: هل معكم من دواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تَقْرُونا، ولن نفعل حتى تجعلوا لنا جُعْلاً. فجعلوا لهم قطيعًا من الشاء، فجعل يقرأ بأمِّ القرآن، ويجمع بُزَاقَهُ ويَتْفِلُ، فبرأ، فأتوا بالشاء،
وقالوا: لا نأخذ حتَّى نسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فسألوه، فضحك وقال: " وما يدريك أنَّها رقيَّة؟! خذوها واضربوا لي بسهمٍ " (2) .
2532- الحديث الثاني: قال البخاريُّ: وحدَّثنا سيدان بن مضارب ثنا يوسف البرَّاء (3) قال: حدَّثني عبيد الله (4) بن الأخنس عن ابن أبي مُلَيْكة
__________
(1) " سؤالات الحاكم ": (ص: 125- رقم: 134) .
(2) "صحيح البخاري": (7/172) ؛ (فتح- 10/198 - رقم: 5736) .
"صحيح مسلم": (7/19- 20) ؛ (فؤاد- 4/1727- رقم: 2201) .
(3) في "التحقيق": (يوسف بن البراء) .
وفي هامش الأصل: (حـ: كان فيه: " يوسف البراء " [] ، وهو: أبو معشر، البراء، العطَّار، واسمه: يوسف بن يزيد البصري، وهو [] هشيم) ا. هـ وما بين المعقوفات لم نتمكن من قراءته، ولعل الأولى: (و" ابن " زائدة) ، وأما الثانية فلعلها: (من طبقة) ، والله أعلم.
(4) في "التحقيق": (عبد الله) . وفي هامش الأصل: (حـ: كان فيه: "عبد الله وهو وهم) ا. هـ(4/188)
عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ نفرًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرُّوا بماءٍ فيهم لديغ- أو سليم- فعرض لهم رجلٌ من الماء، فقال: هل فيكم من راقٍ، إنَّ في الماء رجلاً لديغًا- أو سليمًا-؟ فانطلق رجلٌ منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله
أجرًا! حتَّى قدموا المدينة، فقالوا: يارسول الله، أخذ على كتاب الله أجرًا؟!
فقال عليه السلام: " إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتابُ الله " (1) .
الحديثان في "الصحيحين".
وقد أجاب أصحابنا عنهما بثلاثة أجوبة:
أحدها: أنَّ القوم كانوا كفَّارًا، فجاز أخذ أموالهم.
والثاني: أنَّ حقَّ الضيف لازمٌ، ولم يضيفوهم.
والثالث: أنَّ الرقية ليست بقربة محضة، فجاز أخذ الأجرة عليها.
ز: حديث ابن عبَّاسٍ: لم يروه مسلمٌ، بل انفرد به البخاريُّ، ولا عموم فيه O.
*****
مسألة (563) : لا يجوز أخذ الأجرة على الحجامة، فإن دفع إليه من غير شرط ولا عقد، لم يجز للحرِّ أكله، ولكن يعلفه ناضحه، ويطعمه رقيقه.
وقال أكثرهم: يجوز.
__________
(1) "صحيح البخاري": (7/172- 173) ؛ (فتح- 10/198 - 199- رقم: 5737) .(4/189)
2533- قال الترمذيُّ: حدَّثنا محمَّد بن رافع ثنا عبد الرزَّاق أنا مَعْمَر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظٍ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خَدِيجٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كسب الحجَّام خبيثٌ " (1) .
ز: رواه مسلمٌ عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزَّاق (2) ، وصحَّحه الترمذيُّ O.
2534- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن الزهريِّ عن حرام بن سعد بن مُحَيِّصة: أن مُحَيِّصة سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسب حجَّامٍ له، فنهاه عنه، فلم يزل يكلِّمه حتَّى قال: " اعلفه ناضحك، أو أطعمه رقيقك " (3) .
2535- قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج بن محمَّد أنا ليث قال: أخبرني يزيد بن أبي حبيب عن أبي عفير (4) الأنصاريِّ عن محمَّد بن سهل بن أبي حَثْمَة عن مُحَيِّصة بن مسعود الأنصاريِّ: أنَّه كان له غلامٌ حجَّامٌ- يقال له: نافع أبو
طيبة- فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأله عن خَرَاجِه، فقال: " لا تقربه ".
فردَّد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اعلف به الناضح، واجعله في كرشه " (5) .
2536- قال أحمد: وحدَّثنا عبد الصمد ثنا هشام عن (6) يحيى
__________
(1) "الجامع": (2/552- 553- رقم: 1275) .
(2) "صحيح مسلم": (5/35) ؛ (3/1199- رقم: 1568) .
(3) "المسند": (5/436) .
في هامش الأصل: (حـ: مرسل) ا. هـ ولسنا بمتحققين منها
(4) في هامش الأصل: (خ: غُفر) ا. هـ
(5) "المسند": (5/435) .
(6) في مطبوعة "المسند": (بن) خطأ، وهو على الصواب في "أطرافه" لابن حجر: (5/267- رقم: 7070) .(4/190)
[عن] (1) محمَّد [بن] (2) أيُّوب: أنَّ رجلاً من الأنصار- يقال له: مُحَيِّصة- حدَّثه: أنَّه كان له غلام حجَّام، فزجره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسبه، فقال: ألا أطعمه أيتامًا لي؟ قال: " لا ". قال: أفلا أتصدَّق به؟ قال: " لا ".
فرخَّص له أن يعلفه ناضحه (3) .
ز: رواه أبو داود عن القَعْنَبِيِّ عن مالكٍ عن ابن شهابٍ عن ابن مُحَيِّصة عن أبيه (4) .
ورواه الترمذيُّ عن قتيبة عن مالكٍ عن ابن شهابٍ عن ابن مُحَيِّصة- أخي بني حارثِة- عن أبيه، وقال: حسنٌ (5) O.
ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شَبَابة عن ابن أبي ذئب عن الزهريِّ عن حرام بن مُحَيِّصة عن أبيه نحوه (6) .
وقد رواه محمَّد بن إسحاق عن الزهريِّ عن حرام بن سعد بن مُحَيصِّة عن أبيه عن جدِّه.
والإسنادان الآخران فيهما من تجهل حاله.
وقال ابن أبي حاتم: محمَّد بن أيُّوب، روى عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً: أنَّ مُحَيِّصة سألَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحجَّام ... روى ابن وهب عن عمرو بن الحارث
__________
(1) في الأصل و (ب) : (بن) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(2) في الأصل و (ب) : (عن) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(3) "المسند": (5/436) .
(4) "سنن أبي داود": (4/154- رقم: 3415) .
(5) "الجامع": (2/554- رقم: 1277) .
(6) "سنن ابن ماجة": (2/732- رقم: 2166) .(4/191)
عن سعيد بن أبي هلال عن حديج بن صومي عنه، سمعت أبي يقول ذلك، سألت أبي عنه، فقال: هو مجهول (1) .
وقال البخاريُّ في "التاريخ ": محمَّد بن أيُّوب أن مُحَيِّصة سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحجَّام ... قال لي إسحاق: سمع وهبًا سمع هشامًا عن يحيى بن أبي كثير (2) O.
احتجُّوا:
2537- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أبو داود عن زَمْعة عن ابن طاوس عن أبيه عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم، وأعطى الحجَّام أجره (3) .
أخرجاه في "الصحيحين".
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة" بهذا الإسناد، بل هو مخرَّجٌ في "الصحيحين" من حديث ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاسٍ (4) O.
2538- قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن الشعبيِّ (5) عن ابن عبَّاسٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا غلامًا لبني بياضة يحجمه، وأعطى الحجَّام
__________
(1) "الجرح والتعديل": (7/197- رقم: 1107) .
(2) "التاريخ الكبير": (1/30- رقم: 41) .
(3) "المسند": (1/250، 327) وليس فيه: (عن عكرمة) ، ولا في "أطرافه" لابن حجر: (3/130- رقم: 3446) ، فكأنها مقحمة، والله أعلم.
(4) "صحيح البخاري": (3/566) ؛ (فتح- 4/458- رقم: 2278) .
"صحيح مسلم": (5/39) ؛ (فؤاد- 3/1205- رقم: 1202) .
(5) هكذا وقع في نسخة ابن عبد الهادي من "التحقيق" بدليل ما يأتي في كلامه، وفي "المسند": (عن شعبة عن جابر عن الشعبي) .(4/192)
أجره: مدًّا ونصفًا، وكلَّم مواليه فحطُّوا عنه نصف مدٍّ، وكان عليه مدَّان (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
ز: كذا ذكره، وقد سقط بين شعبة والشعبيِّ رجلٌ، وقد رواه مسلمٌ من حديث مَعْمَر عن عاصم عن الشعبيِّ O.
2539- وقال الترمذيُّ: حدَّثنا عليُّ بن حُجْر أنا إسماعيل بن جعفر عن حُميد قال: سُئل أنس عن كسب الحجَّام، فقال: احتجم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكلَّم أهله فوضعوا عنه من خراجه.
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
وجوابه:
أنَّ في أحاديثنا زيادةَ بيان.
ز: حديث أنس: رواه مسلمٌ عن يحيى بن أيُّوب وقتيبة وعليِّ بن حُجْرٍ، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر به (4) O.
مسألة (564) : يجوز استئجار الظئر والخادم بطعامه وكسوته.
وعنه: لا يجوز، كقول الشافعيِّ.
__________
(1) "المسند": (1/241) .
(2) "صحيح مسلم": (5/39) ؛ (فؤاد- 3/1205- رقم: 1202) .
(3) "الجامع": (2/555- رقم: 1278) وفيه: (حسن صحيح) .
(4) "صحيح مسلم": (5/39) ؛ (فؤاد- 3/1204- رقم: 1577) .(4/193)
وقال أبو حنيفة: يجوز في الظئر دون الخادم.
2540- قال ابن ماجة: حدَّثنا محمَّد بن المُصَفَّى ثنا بقيَّة عن مسلمة بن عليٍّ عن سعيد بن أبي أيُّوب عن الحارث بن يزيد عن عُلَيِّ بن رباح قال: سمعت عتبة بن النُّدَّر يقول: كُنَّا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأ: (طس) (1) حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال: " إن موسى أجر نفسه ثمان سنين، أو عشرا، على عفَّة فرجه، وطعام بطنه " (2) .
ز: هذا الحديث انفرد به ابن ماجة.
ومسلمة بن عليٍّ: أجمعوا على ضعفه، وقال النسائيُّ (3) وغيره: متروك الحديث. وقال ابن عَدِيٍّ: أحاديثه غير محفوطة (4) O.
*****
مسألة (565) : لا يصحُّ الاستئجار لحمل الخمر، ومتى حمله لم يستحق أجرة.
وعنه: [يصحُّ] (5) ، ويستحقُّ الأجرة، كقول أبي حنيفة.
لنا:
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لعنت الخمر بعينها وحاملها ".
وقد سبق الحديث بإسناده (6) .
*****
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفى "سنن ابن ماجة": (طسم) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/817- رقم: 2444) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 219- رقم: 570) .
(4) "الكامل": (6/318- رقم: 1799) .
(5) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(6) رقم: (2408) .(4/194)
مسائل المساقاة
مسألة (566) : تجوز المساقاة في النخل والكرم والشجر، وكلِّ أصلٍ له ثمرٌ.
وقال أبو حنيفة: لا تجوز بحالٍ.
وقال الشافعيُّ: تجوز في النخل والكرم، وبقيَّةُ الشجر على قولين.
وقال داود: لا تجوز إلا في النخل.
2541- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا عبيد الله بن سعد ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب عن أبيه عمر: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساقى يهود خيبر على تلك الأموال على الشطر، وسهامهم معلومة (1) .
2542- قال ابن صاعد: وحدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا يحيى بن سعيد قال: حدَّثني عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع خيبر إلى أهلها على الشطر مما يخرج منها (2) .
أخرجاه في "الصحيحين" (3) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/38) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/37) .
(3) "صحيح البخاري": (3/582) ؛ (فتح- 5/13- رقم: 2329) .
"صحيح مسلم": (5/26) ؛ (فؤاد- 3/1186- رقم: 1551) .(4/195)
ز: حديث ابن إسحاق: رواه أبو داود متفرِّدًا به عن أحمد بن حنبل عن يعقوب بن إبراهيم به (1) O.
2543- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا سريج بن النعمان ثنا هُشيم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مِقْسَم عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع خيبر- أرضها ونخلها- مقاسمة على النصف (2) O.
ز: رواه ابن ماجة عن إسماعيل بن توبة عن هُشيم (3) .
وابن أبي ليلى: فيه كلامٌ.
والحكم: لم يسمع من مِقْسَم إلا خمسة أحاديث. قاله شعبة (4) O.
احتجُّوا:
2544- بما رواه الترمذيُّ، قال: حدَّثنا بُنْدَار ثنا عبد الوهاب الثقفيُّ ثنا أيُّوب عن أبي الزبير عن جابر: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، والمعاومة.
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5) .
ز: رواه مسلمٌ (6) وأبو داود (7) والنسائيُّ (8) من حديث أيُّوب O.
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/473- رقم: 3000) .
(2) "المسند": (1/250) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/824- رقم: 2468) .
(4) "الجامع" للترمذي: (1/532- ر قم: 527) .
(5) "الجامع": (2/581- 582- رقم: 1313) وفيه: (حسن صحيح) .
(6) "صحيح مسلم": (5/18) ؛ (فؤاد- 3/1175- رقم: 1536) .
(7) "سنن أبي داود": (4/146- 147- رقم: 3397) .
(8) "سنن النسائي": (7/296- رقم: 4634) .(4/196)
قال أبو عبيد: الخِبر- بكسر الخاء-، والمخابرة هي: المزارعة بالنصف والثلث والربع وأقلّ وكثر (1) .
وقال ابن الأعرابي: أصل المخابرة من خيبر، لأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أقرَّها في أيدي أهلها على النصف، فقيل: خابرهم- أي عاملهم في خيبر-، ثُمَّ تنازعوا، فهي عن ذلك.
واحتجُّوا:
2545- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا سفيان قال: سمعت عمرًا سمع ابن عمر قال: كنَّا نخابر ولا نرى بذلك بأسًا، حتَّى زعم رافع بن خَدِيج: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنه، فتركناه (2) .
انفرد بهذا اللفظ مسلمٌ (3) .
والجواب عن الحديثين من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّه إنَّما نهى عن ذلك لأجل خصومات كانت تجري بينهم:
2546- قال البخاريُّ: حدَّثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر: أنَّه كان يُكْرِي مزارعه على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية، ثُمَّ حُدِّث عن رافع بن خَدِيج أنَّ النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضهى عن كراء المزارع، فذهب ابن عمر إلى رافع، فذهبت معه، فسأله، فقال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كراء المزارع. فقال ابن عمر: قد عَلِمْتَ أنَّا كنَّا نُكْرِي مزارعنا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بما على
__________
(1) " غريب الحديث ": (1/232) .
(2) "المسند": (3/463) .
(3) "صحيح مسلم": (5/21) ؛ (فؤاد- 3/1179- رقم: 1547) .(4/197)
الأربعاء، وبشيءٍ من التبن (1) .
2547- قال البخاريُّ: وحدَّثنا محمَّد أنا عبد الله أنا يحيى بن سعيد عن حنظلة بن قيس سمع رافع بن خَدِيج قال: كنَّا أكثر أهل المدينة مُزْدَرَعًا، كنَّا نُكْرِي الأرض بالناحية منها مسمًّى لسيِّد الأرض. قال: فربَّما يصاب ذلك
وتسلم الأرض، وتسلم الأرض ويصاب ذلك (2) ، فنهينا، وأمَّا الذهب والوَرِق فلم يكن يومئذٍ (3) .
الطريقان في "الصحيحين".
2548- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عُبيدة بن محمَّد بن عمَّار عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خَدِيج، أنا- والله- أعلم
بالحديث منه، إنَّما أتى رجلان قد اقتتلا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان هذا شأنكم فلا تُكْرُوا المزارع ". فسمع رافع قوله: " لا تُكْرُوا المزارع " (4) .
ز: رواه أبو داود (5) والنسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من حديث
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/585- 586) ؛ (فتح- 5/23- رقم: 2343) .
"صحيح مسلم": (5/21- 22) ؛ (فؤاد- 3/1180- رقم: 1547) .
(2) كتب فوقها بالأصل و (ب) : (كذا) إشارة إلى التكرار، ولم تكرر الجملة في مطبوعة "التحقيق"، وفي "صحيح البخاري": (فممَّا يصاب ذلك وتسلم الأرض، وممَّا يصاب الأرض ويسلم ذلك) .
(3) "صحيح البخاري": (3/581) ؛ (فتح- 5/9- رقم: 2327) .
"صحيح مسلم": (5/24) ؛ (فؤاد- 1183- رقم: 1547) .
(4) "المسند": (5/182) .
(5) "سنن أبي داود": (4/138- رقم: 3383) .
(6) "سنن النسائي": (7/50- رقم: 3927) .
(7) "سنن ابن ماجة": (2/822- رقم: 2461) .(4/198)
عبد الرحمن بن إسحاق، وهو من رجال مسلمٍ (1) ، وهذا حديث حسنٌ O.
والجواب الثاني: أنَّهم كانوا يكرون بما يخرج على الأربعاء- وهي جوانب الأنهار- وما على الماذيانات، وذلك أمرٌ يفسد العقد على ما بيَّنَّا.
والثالث: أنَّه يحمل النهي على التنزيه، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه، خيرٌ له من أن يأخذ عليها أجرًا معلومًا ".
*****
مسألة (567) : تصحُّ المزارعة ببعض ما تُخرج الأرض.
وقال الشافعيُّ: لا تجوز في الأرض البيضاء، وتجوز إذا كان في الأرض نخل أو كرم تبعا.
وقال أبو حنيفة ومالكٌ: لا تصحُّ بحالٍ.
لنا:
حديث ابن عمر المتقدِّم في المساقاة (2) .
واحتجُّوا:
بحديث رافع: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المخابرة. وقد سبق جوابه، ولأيِّ علَّة نهى (3) .
*****
__________
(1) " المدخل إلى الصحيح " للحاكم: (3/51- رقم: 1267) وقال: (في الشواهد) .
(2) رقم: (2541) .
(3) رقم: (2545) .(4/199)
مسألة (568) : لا ضمان على الأجير المشترك فيما لم تجن يداه، كالقصَّار لا يضمن ما لم تعرف جناية من يده.
وعنه: عليه الضمان.
وقال مالك: عليه ضمان ما جنت يداه، وما لم تجن.
وللشافعيِّ قولان.
لنا:
حديث سَمُرة: " على اليد ما أخذت حعتى تؤدِّي ".
وقد سبق في مسألة غصب الساجة (1) .
2549- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب قال: حدَّثني اسحاق بن محمَّد ثنا يزيد بن عبد الملك عن محمَّد بن عبد الرحمن الحَجَبِيِّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ضمان على مؤتمن " (2) .
ز: هذا الإسناد لا يعتمد عليه، فإنَّ يزيد بن عبد الملك ضعَّفه أحمد (3) وغيره، وقال النسائيُّ: متروك الحديث (4) .
وعبد الله بن شبيب: ضعَّفوه.
__________
(1) رقم: (2500) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/41) .
(3) "التاريخ الكبير" للبخاري: (8/348- رقم: 3274) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/279- رقم: 1171) ؛ "تهذيب الكمال" للمزي: (32/198 - رقم: 7025) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 246- رقم: 645) .(4/200)
2550- وقال الشافعيُّ: أنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمَّد عن أبيه أنَّ عليَّ بن أبي طالبٍ ضمَّن الغسَّال والصبَّاغ، وقال: لا يصلح الناس إلا ذلك.
قال الشافعيُّ: ولا يُثْبت أهل الحديث مثل هذا (1) .
وقد رواه البيهقيُّ من رواية سليمان بن بلال عن جعفر (2) O.
*****
مسألة (569) : يجوز كراء الأرض بالثلث والربع مما تخرج.
وعنه: المنع، كقول أكثرهم.
2550/أ - وقد روى أصحابنا من حديث ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان مكريا أرضا فليكر بالربع أو بالثلث ".
ز: هذا الحديث بهذا اللفظ فتَّشت عليه فلم أقف له على إسناد.
2551- وقد قال النسائيُّ: أخبرنا عليُّ بن حُجْرٍ أنا عبيد الله عن عبد الكريم عن مجاهد قال: أخذت بيد طاوس حتى أدخلته على ابن رافع بن خَدِيج، فحدَّثه عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه نهى عن كراء الأرض.
[فأبى] (3) طاوس وقال: سمعت ابن عبَّاسٍ لا يرى بذلك بأسًا (4) .
__________
(1) "الأم": (7/96) .
(2) "سنن البيهقي": (6/122) .
(3) في الأصل: (فأتى) وفي (ب) غير منقوطة، والمثبت من "سنن النسائي".
(4) "سنن النسائي": (7/34- 35- رقم: 3867) .(4/201)
2552- وقال ابن ماجة: حدَّثنا أحمد بن ثابت الجحدريُّ ثنا عبد الوهاب عن خالد عن مجاهد عن طاوس أنَّ معاذ بن جبل كرى الأرض على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكرٍ وعمر وعثمان على الثلث والربع، فهو يعمل به إلى يومك هذا (1) .
طاوس لم يلق معاذًا (2) O.
احتجُّوا:
2553- بمارواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا وكيع ثنا شَريك عن أبي حَصين عن مجاهد عن رافع بن خَدِيج قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تستأجر الأرض بالدراهم المنقودة، أو بالثلث والربع (3) .
2554- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البيعويُّ ثنا محمَّد بن حُميد ثنا عبد الرحمن بن مَغْراء عن عُبيدة الضَّبِّيِّ عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن عائشة: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في مسيرٍ له، فإذا هو بزرعٍ يهتزُّ، فقال: " لمن هذا؟ ". قالوا: لرافع بن خَدِيج.
فأرسل إليه- وكان أخذ الأرض بالنصف أو الثلث-، فقال: " انظر نفقتك في هذه الأرض، فخذها من صاحب الأرض، وادفع إليه أرضه " (4) .
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه شَريك، وكان يحيى بن سعيد لا يحدِّث عنه،
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (2/823- رقم: 2463) .
(2) ومعاذ بن جبل رضي الله عنه توفي في طاعون عمواس، في عهد عمر رضي الله عنه، فهو لم يدرك عهد عثمان رضي الله عنه.
(3) "المسند": (4/141) .
(4) "سنن الدارقطني": (3/37) .(4/202)
ويقول: ما زال مخلطًا (1) . وقال أبو حاتم الرازيُّ: له أغاليط (2) . وقال أبو زرعة: صاحب وهمٍ (3) .
ولا يعلم أنَّ مجاهدًا سمع من رافع.
وأمَّا الثاني: ففيه: عبد الحميد، وهو: الحِمَّانِيُّ، ضعَّفه أحمد (4) .
وفيه عُبيدة الضَّبِيِّ: قال يحيى: ليس بشيءٍ (5) . وقال أحمد: ترك الناس حديثه (6) .
وفيه عبد الرحمن بن مَغْراء: قال عليُّ بن المدينيِّ: ليس بشيءٍ (7) .
وفيه محمَّد بن حُميد: كذَّبه أبو زرعة (8) وابن وارَة (9) ، وقال النسائيُّ: ليس بثقةٍ (10) . وقال صالح بن محمَّد الحافظ: ما رأيت أحذق (11) بالكذب منه، ومن الشَّاذَكُونِيِّ (12) !
ثُمَّ قد حمل أصحابنا هذه الأحاديث على: أنَّهم كانوا يؤجِّرون بهذا، وبأشياء مجهولة.
ز: حديث مجاهد عن رافع: مضطربٌ، ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة
__________
(1، 2، 3) " الجرح والعديل " لابن أبي حاتم: (4/365- 367- رقم: 1602) .
(4) "المعرفة" للفسوي (3/82) ؛ "الكامل" لابن عدي: (5/321- رقم: 1470) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/280- رقم: 1345) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (2/549- رقم: 3602) .
(7) "الكامل": (4/289- رقم: 1115) .
(8، 9) "المجروحون" لابن حبان: 21/304) .
(10) "تاريخ بغداد" للخطيب: (2/263- رقم: 733) من رواية ابنه عبد الكريم.
(11) في "التحقيق": (أصدق) !
(12) "تاريخ بغداد" للخطيب: (2/262- رقم: 733) .(4/203)
"الكتب السِّتَّة" من رواية شَريك.
وقد رواه الترمذيُّ من رواية أبي بكر بن عيَّاش (1) ، والنسائيُّ من رواية أبي عوانة (2) ، كلاهما عن أبي حَصين بيعير لفظ شَريك.
ومجاهد لم يسمع من رافع هذا، بل بينهما واسطةٌ، كما جاء ذلك من غير وجهٍ، والله أعلم هل سمع منه شيئًا أم لا؟
وحديث عائشة: لم يخرِّجه أحدٌ منهم.
وعبد الحميد بن عبد الرحمن هو: ابن زيد بن الخطَّاب، وهو من
الثقات المخرَّج لهم في "الصحيحين" (3) .
وقول المؤلِّف: (هو الحِمَّانِيُّ) وهمٌ قبيحٌ، وخطأٌ فاحشٌ، فإنَّ هذه الطبقة ليست طبقة الحِمَّانِيِّ، بل الحِمَّانِيُّ متأخرٌ عن هذا بكثيرٍ، يروي عنه عبَّاس الدُّوريُّ وطبقته، وعُبيدة بن مُعَتِّب الضَّبِّيُّ أكبر من الحِمَّانِيِّ بكثيرٍ، بل هو في طبقة كبار شيوخه.
وعبد الرحمن بن مَغْراء: وثَّقه بعض الأئمة، وضعَّفه بعضهم.
وفي الجملة حديث عائشة هذا ضعيفٌ لا يجوز الاحتجاج به، لحال عُبيدة ومحمَّد بن حُميد، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "الجامع": (3/60- رقم: 1384) .
(2) "سنن النسائي": (7/35- رقم: 3868) .
(3) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/909- رقم: 976) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/442- رقم: 991) .(4/204)
مسائل إحياء المَوَات
مسألة (570) : لا يجوز إحياء ما باد أهله من الأراضي.
وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة ومالك.
2555- قال سعيد بن منصور: حدَّثنا إسماعيل بن عيَّاش قال: حدَّثني ليثٌ عن طاوسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عادي الأرض لله ولرسوله، ثُمَّ لكم بعد، ومن أحيا مَوَاتا من الأرض فله رقبتها ".
ز: هذا دليل للرواية الثانية، لكنَّه مرسلٌ، وإسناده غير قويٍّ، والله أعلم O.
*****
مسألة (571) : لا يفتقر التملك بالإحياء إلى إذن الإمام.
وقال أبو حنيفة: يفتقر.
وقال مالك: ما كان في الفلوات لم يفتقر، وما قرب من العمران افتقر.
2556- قال الترمذيُّ: حدثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الوهاب ثنا أيُّوب عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحيا أرضًا ميتة فهي له ".(4/205)
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
وقد سبق في مسألة: " إذا غصب أرضًا " أيضًا (2) .
ز: هذا الحديث رواه الإمام أحمد عن يونس عن حمَّاد- وهوابن زيدٍ - عن هشام بن عروة به (3) .
ورواه النسائيُّ عن محمَّد بن يحيى بن أيُّوب عن الثقفيِّ، ولفظه: " من أحيا أرضًا ميتةً فله فيها أجرٌ " (4) .
وقال الإمام أبو محمَّد المقدسيُّ في "الكافي"- بعد أن ذكر هذا الحديث-: (متفق عليه) (5) وذلك وهمٌ.
وقد روي هذا الحديث عن هشام بن عروة عن عبيد الله بن عبد الرحمن ابن رافع عن جابرٍ، وروي عنه عن سعيد بن زيدٍ - وقد مضى- (6) O.
*****
__________
(1) "الجامع": (3/55- 56- رقم: 1379) وفيه: (حسن صحيح) .
(2) رقم: (2502) .
(3) "المسند": (3/338) .
(4) "السنن الكبرى": (3/404- رقم: 5757) .
(5) في الطبعة القديمة لـ "الكافي" (طبعة المكتب الإسلامي) : (2/435) عقب هذا الحديث: (رواه أحمد والترمذي وصححه) .
وكذلك في الطبعة الحديثة (طبعة الشيخ عبد الله التركي) : (3/549) ، ولكن ذُكر في الحاشية أن جمع النسخ الخطية التي وقف عليها من الكتاب (وهي خمس) فيها ما ذكره المنقح.
(6) رقم: (2502) .(4/206)
مسألة (572) : إذا حوط على موات ملكه.
وقال الشافعيُّ: لا يملك أرضًا حتَّى يستخرج لها ماءً ويزرعها، ولا دارًا حتَّى يقطعها بيوتًا ويسقفها.
2557- قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الوهاب الخفَّاف ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة بن جُنْدب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحاط حائطًا على أرضٍ فهي له " (1) .
ز: رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن محمَّد بن بشر العَبْدِيِّ عن سعيدٍ (2) O.
*****
مسألة (573) : حريم البئر العاديِّ خمسون ذراعًا، والبَدِىء (3) خمسة وعشرون.
وقال أبو حنيفة: أربعون.
وقال الشافعيُّ: ما يحتاج إليه.
2558- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عثمان بن عليٍّ الصيدلانيُّ ثنا محمَّد بن
__________
(1) "المسند": (5/12) .
(2) "سنن أبي داود": (3/511- رقم: 3072) .
(3) في " المصباح المنير ": (ص: 40- بدا) : (وبدأ البئر: احتفرها، فهي بَدِيءٌ، أي: حادثة، وهي خلاف العَادِيَّة القديمة) ا. هـ(4/207)
يوسف المقرىء ثنا إسحاق بن أبي حمزة (1) ثنا يحيى بن الخصيب (2) ثنا هارون ابن عبد الرحمن عن ابراهيم بن أبي عَبْلة عن الزهريِ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حريم البئر البَدِيء خمسة وعشرون ذراعًا، وحريم البئر العاديَّة خمسون ذراعًا ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصحيح من هذا الحديث أنَّه مرسلٌ عن ابن المسيَّب، ومَنْ أسنده فقد وهم (3) .
ز: هذا الإسناد المتصل لا يثبت، لأنَّه جامع للمجهول والمتهم بالكذب.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ في محمَّد بن يوسف المقرىء: وضع نحوًا من ستين نسخة قراءات ليس لشيءٍ منها أصلٌ، ووضع الأحاديث المسندة والنسخ ما لا يضبط (4) .
وقد روى هذا الحديث أبو داود في "المراسيل " عن محمَّد بن كثير عن سفيان الثوريِّ عن إسماعيل بن أميَّة عن الزهريِّ عن سعيد مرسلاً (5) ، وهو الصواب O.
احتجُّوا:
2559- بما رواه ابن ماجة، قال: حدَّثنا الحسن بن محمَّد بن الصَّبَّاح
__________
(1) في هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها.
(2) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "سنن الدارقطني": (ابن أبي الخصيب) وهو الصواب، وانظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/147- رقم: 619) .
(3) "سنن الدارقطني": (4/220) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (3/397- 398- رقم: 1522) .
(5) " المراسيل ": (ص: 290- رقم: 402) .(4/208)
ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا إسماعيل المكيُّ عن الحسن عن عبد الله بن مُغَفَّل: أنَّ النبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حفر بئرًا فله أربعون ذراعًا عطنًا لماشيته " (1) .
2560- قال ابن ماجة: وحدَّثنا سهل بن أبي الصُغْديِّ ثنا منصور بن صقير ثنا ثابت بن محمَّد عن نافع أبي غالب عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حريم البئر مَدُّ رشائها " (2) .
والجواب:
أنَّ الحديثين [ضعيفان] (3) ، [ففي الأوَّل] (4) : عبد الوهاب، قال الرازيُّ: كان يكذب. وقال العُقَيْلِيُّ والنسائيُّ: متروك الحديث (5) .
وفيه إسماعيل المكيُّ، قال أحمد: منكر الحديث (6) . وقال يحيى: ليس بشيءٍ (7) . وقال عليٌّ: لا يكتب حديثه (8) .
وفي الثاني: منصور، قال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به إذا انفرد (9) .
ز: هذان الحديثان انفرد بهما ابن ماجة.
وعبد الوهاب بن عطاء في الإسناد الأوَّل هو: الخفَّاف، وهو صدوقٌ،
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (2/831- رقم: 2486) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/831- رقم: 2487) .
(3) في الأصل: (ضعيفين) وفي "التحقيق": (ضعاف) ، والتصويب من (ب) .
(4) في الأصل: (فالأول) ، والتصويب من (ب) .
(5) انظر ما يأتي في كلام انمقح.
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/198 - رقم: 669) من رواية أبي طالب.
(7) "التاريخ" برواية الدوري: (4/82- رقم: 3237) ؛وبرواية الدارمي: (ص: 67- رقم: 121) .
(8) "العلل": (ص: 64- رقم: 85) .
(9) "المجروحون": (3/39- 40) .(4/209)
من رجال مسلمٍ (1) .
وعبد الوهاب- الذي ذكر المؤلِّف كلام الرازيِّ (2) والنسائيِّ والعُقَيْليِّ (3) فيه-، هو: ابن الضحَّاك، وهو متأخرٌ عن الخَفَّاف.
مع أنَّ عبد الوهاب لم ينفرد بهذا الحديث عن إسماعيل المكيِّ، فقد رواه ابن ماجة أيضًا عن الوليد بن عمرو بن السُّكين عن محمَّد بن عبد الله بن المثنَّى عن إسماعيل (4) .
واعلم أنَّ هذا الذي فعله المؤلِّف في هذا الحديث من أقبح الأشياء، فإنَّ ابن ماجة رواه في موضعٍ واحدٍ من رواية اثنين عن إسماعيل، فذكره هو من رواية أحدهما، ثم نسب إليه ما لم يقل فيه، مع أن الحديث يكفي في ضعفه كون
إسماعيل فيه!
ونافع أبو غالب في الإسناد الثاني: إن لم يكن الباهليَّ، فهو مجهولٌ.
وثابت بن محمَّد- الراوي عنه-: ليس بالمشهور.
والظاهر أنَّه مقلوبٌ، وفي إسناد الحديث اختلافٌ، والله أعلم O.
*****
مسألة (574) : ما نبت من الكلأ، ونبع من الماء، في أرض إنسان، فليس بملك له.
وعنه: أنَّه ملك لصاحب الأرض، كقول الشافعيِّ.
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/6- رقم: 1008) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/74- رقم: 381) .
(3) "الضعفاء الكبير": (3/78- رقم: 1044) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/831- رقم: 2486) .(4/210)
2561- قال الإمام أحمد: حدَّثنا رَوْح ثنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنَّ أبا المنهال أخبره: أنَّ إياس بن عبدٍ - وكان من أصحاب النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع فضل الماء (1) .
2562- وقال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا داود بن عبد الرحمن العطَّار عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس بن عبدٍ المزنيِّ قال: نهى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الماء.
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2) .
ز: رواه أبو داود (3) والنسائيُّ (4) وابن ماجة (5) من حديث عمرو.
وأبو المنهال اسمه: عبد الرحمن بن مُطْعِم.
وهو في " صحيح مسلمٍ " من حديث جابر (6) O.
*****
مسألة (575) : يلزمه بذل ما فضل عن حاجته من الماء.
وعنه: لا يلزمه ذلك، كقول أبي حنيفة والشافعيِّ.
لنا:
الحديث المتقدِّم.
*****
__________
(1) "المسند": (3/417) وفي مطبوعته: (نهى عن بيع الماء) .
(2) "الجامع": (2/550- رقم: 1271) وفيه: (حسن صحيح) .
(3) "سنن أبي داود": (4/174- رقم: 3472) .
(4) "سنن النسائي": (7/307- رقمي: (4662، 4663) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/828- رقم: 2476) .
(6) "صحيح مسلم": (5/34) ؛ (فؤاد- 3/1197- رقم: 1565) .(4/211)
مسائل الوقف
مسألة (576) : يلزم الوقف بغير حكم الحاكم.
وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ إلا أن يحكم به حاكمٌ، أو يخرجه مخرج الوصيَّة.
وصاحباه معنا.
2563- قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل ثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأمره فيها، فقال: أصبتُ أرضًا بخيبر، لم أصب مالاً قطُّ أنفس عندي منه! فما تأمر به؟
قال: " إن شئت حبست أصولها وتصدَّقت بها ". قال: فتصدَّق بها عمر أن: لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، فتصدَّق بها في القُرْبَى، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يكل منها بالمعروف، أو
يطعم صديقًا غير متأثِّلٍ فيه مالاً (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
*****
__________
(1) "المسند": (2/12- 13) .
(2) "صحيح البخاري": (3/703- 704) ؛ (فتح- 5/354- 355- رقم: 2737) .
"صحيح مسلم": (5/73- 74) ؛ (فؤاد- 3/1255- رقم: 1632) .(4/212)
مسألة (577) : يجوز وقف المنقولات التي ينتفع بها مع بقاء عينها.
وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ.
وقال أبو يوسف: لا يصحُّ، إلا في الخيل والسلاح وبقر الضيعة وآلاتها.
2564- قال الإمام أحمد: حدَّثنا عليُّ بن حفص أنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جَمِيل وخالد بن الوليد والعبَّاس. فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نقم ابن جَميل إلا أنَّه كان فقيرًا فأغناه الله؟! وأمَّا خالد فإنَّكم تظلمون خالدًا، فقد احتبس
أدراعه في سبيل الله؛ وأمَّا العبَّاس فهي عليَّ ومثلها " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
*****
مسألة (578) : إذا وقف على غيره، واستثنى أن ينفق منه على نفسه حياته، صحَّ.
وقال مالكٌ والشافعيُّ: لا يصحُّ.
لنا:
حديث عمر المتقدِّم، وأنَّه لا جناح على من وليها أن يأكل منها، وكان هو واليها (3) .
*****
__________
(1) "المسند": (2/322) .
(2) "صحيح البخاري": (2/371) ؛) فتح- 3/331- رقم:1468) .
"صحيح مسلم": (3/68) ؛ (فؤاد- 2/676- 677- رقم: 983) .
وفي هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها.
(3) رقم: (2563) .(4/213)
مسائل الهبة
مسألة (579) : يصحُّ هبة المشاع.
وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ فيما ينقسم.
2565- قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الصمد ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا محمَّد ابن إسحاق عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: شهدت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين، وجاءته وفود هوازن، فقالوا: يا محمَّد، مُنَّ علينا مَنَّ الله عليك.
فقال: " اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم ". فقالوا: نختار أبناءنا.
فقال: " أمَّا ما كان لي ولبني عبد المطَّلب، فهو لكم ". وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقالت الأنصار مثل ذلك (1) .
ز: رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد (2) .
ورواه النسائيُّ عن عمرو بن يزيد (3) عن ابن أبي عَدِيٍّ عن ابن إسحاق (4) ، وهو حديثٌ حسنٌ O.
*****
__________
(1) "المسند": (2/184) .
(2) "سنن أبي داود": (3/302- 303- رقم: 2687) .
(3) في مطبوعة "سنن النسائي": (عمرو بن زيد) .
(4) وقع في مطبوعتي " سنن النسائي الصغرى ": (6/262- رقم: 3688) و"السنن الكبرى": (4/120- رقم: 6515) . بين ابن أبي عدي وابن إسحاق: (قال حدثنا حماد بن سلمة) . =(4/214)
مسألة (580) : العُمْرَى تمليك الرقبة، وصفتها: أن يقول: أعمرتك داري، وهي لك مدَّة حياتك. فإن مات من جُعلت له، انتقلت إلى ورثته، فإن لم يكن له وارث، فهي لبيت المال.
وقال مالكٌ: هي تمليك المنافع، فإن مات رجعت إلى المُعمر.
2566- قال البخاريُّ: حدَّثنا أبو نُعيم ثنا شَيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر قال: قضى النبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعُمْرَى لمن وهبت له (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
2567- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزَّاق أنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تعطوها أحدًا، فمن أعمر شيئًا فهو له " (3) .
ز: رواه مسلمٌ من رواية وكيع عن سفيان (4) O.
__________
وما هنا موافق لما ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (6/333- رقم: 8782) ، وهو مقتضى صنيعه في "تهذيب الكمال": (7/256- رقم: 1482) في ترجمة حماد بن سلمة، فإنه ذكر ضمن شيوخه ابن إسحاق ولم يرمز له برمز النسائي، وكذلك صنع في ترجمة محمَّد بن إسحاق: (24/410- رقم: 5077) فإنه لما ذكر حماد بن سلمة- في الرواة عنه- لم يرمز له برمز النسائي، ولكنه أيضًا لما ذكر ابن أبي عدي لم يرمز له برمزه، لا هنا،
ولا في ترجمة ابن أبي عدي نفسه: (24/322- رقم: 5029) عندما ذكر ابن إسحاق ضمن شيوخه، وأما حماد بن سلمة فإنه لم يذكر ضمن شيوخ ابن أبي عدي أصلاً، فتحرير هذا الموضع يجتاج إلى رجوع إلى الأصول الخطية لـ "سنن النسائي"، أو الوقوف على هذا الإسناد عند غيره، والله تعالى أعلم.
(1) "صحيح البخاري": (3/660) ؛ (فتح- 5/238- رقم: 2625) .
(2) "صحيح مسلم": (5/68) ؛ (فؤاد- 3/1246- رقم: 1625) .
(3) "المسند": (3/293) .
(4) "صحيح مسلم": (5/68 - 69) ؛ (فؤاد- 3/1247- رقم: 1625) .(4/215)
2568- قال أحمد: وثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد (1) عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العُمْرَى جائزةٌ لأهلها، - أو ميراثٌ لأهلها- " (2) .
ز: رواه البخاريُّ من حديث همَّام عن قتادة (3) ، فيما ذكر صاحب " الأطراف " (4) .
ورواه مسلمٌ من رواية غُنْدر عن شعية عن قتادة (5) O.
__________
(1) في هامش الأصل: (لعله: شعبة) ا. هـ ولا ندري هل هذه الحاشية للمنقح أم لا؟ وكتب فوقه في (ب) : (كذا) ، ويؤكد كونه سعيد: أنه هكذا ذكره الحافظ ابن حجر في " أطراف المسند ": (3/61- رقم: 1620) ، ثم ذكر أن محمَّدا رواه أيضًا عن شعبة.
(2) "المسند": (3/297) .
(3) "صحيح البخاري": (3/660) ؛ (فتح- 5/238- رقم: 2626) .
(4) "تحفة الأشراف" للمزي (2/240- رقم: 2470) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال البخاري في "صحيحه": حدثنا حفص بن عمر ثنا همام ثنا قتادة قال: حدَّثني النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العمرى جائزة".
وقال عطاء: حدَّثني جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوه.
هكذا رواه فبحتمل أن يكون علق حديث جابر لم يسنده) ا. هـ
وذكر محقق "تحفة الأشراف" أنه وقع في حاشية إحدى النسخ الخطية تعليقًا لابن عند الهادي، قال فيه: (في رواية البخاري حديث قتادة عن عطاء عن جابر متصلاً نظر، فإنه قال في "صحيحه"....- وذكر نص ما نقلناه عنه من هامش الأصل- هكذا رواه، والظاهر أنه علق حديث جابر ولم يذكر له سندًا، والله أعلم. انتهى) اهـ
ولكن قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": (5/240- رقم: 2626) : (وطريق عطاء موصولة بالإسناد المذكور عن قتادة عنه، فقتادة هو القائل: " وقال عطاء "، ووهم من جعله معلقًا، وقد بين ذلك أبو الوليد عن همام، أخرجه أبو نعيم في " مستخرجه " من طريقه بالإسنادين جميعًا، ولفظهما واحد) ا. هـ
(5) "صحيح مسلم": (5/69) ؛ (فؤاد- 3/1247- 1248- رقم: 1625) .(4/216)
2569- قال أحمد: وحدَّثنا رَوْحٌ ثنا سفيان الثوريُّ عن حميد بن قيس عن محمَّد بن إبراهيم عن جابر: أنَّ رجلاً من الأنصار أعطى أمَّه حديقةً من نخلٍ حياتها، فماتت، فجاء إخوته، فقالوا: نحن فيه شرع سواء. فأبى، فاختصموا إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقسمها بينهم ميراثًا (1) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة "الكتب السِّتَّة"، ورواته ثقاتٌ، والله أعلم O.
2570- قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عُمْرَى ولا رقبى، فمن أعمر شيئًا أو أرقبه فهو له حياته ومماته " (2) .
ز: رواه النسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من رواية عبد الرزَّاق.
وقد صحَّح الترمذيُّ حديثًا من رواية حبيب عن ابن عمر (5) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في هذا الحديث: يرويه عطاء بن أبي رباح عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر مرفوعًا.
ورواه يزيد بن زياد بن (6) أبي الجعد عن حبيب عن ابن عمر مرفوعًا في الرقبى دون العُمْرَى.
__________
(1) "المسند": (3/299) .
(2) "المسند": (2/34) .
(3) "سنن النسائي": (6/273- رقم: 3732) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/796- رقم: 2382) .
(5) "الجامع": (4/354- 355- رقم: 2609) .
(6) في "العلل": (عن) خطأ.(4/217)
ورواه مِسْعَر (1) عن حبيب في العُمْرَى دون الرُّقْبَى مرفوعًا أيضًا.
وروي عن أيّذُوب السَّختيانيُّ وعمرو بن دينار وكامل أبي (2) العلاء عن حبيب موقوفًا، والموقوف أشبه. انتهى كلامه (3) ، وفي بعضه نظرٌ O.
2571- قال أحمد: وحدَّثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن حُجْر المَدَرِيِّ عن زيد بن ثابت: أنَّ النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل العُمْرَى للوارث (4) .
ز: رواه أبو داود (5) والنسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من حديث عمرو، وفي إسناده اختلافٌ، وليس لحُجْر في "السنن" غير هذا الحديث O.
2572- قال أحمد: وحدَّثنا حجَّاج عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعمر عُمْرَى فهي لمن أعمرها جائزةٌ، ومن أرقب رُقْبَى فهي لمن أرقبها جائزةٌ، ومن وهب هبةً ثم عاد فيها فهو كالعائد في قيئه " (8) .
ز: كذا وجدته في نسختين، وقد سقط بين أحمد وحجَّاج: (أبو معاوية وابن نُمير) فإنَّ أحمد رواه عنهما عنه، وحجَّاج هو: ابن أرطأة.
وقد رواه النسائيُّ من طريقه، ومن غير طريقه، وذكر الاختلاف
__________
(1) في "العلل": (وروي عن) .
(2) في "العلل": (بن) ولها وجه، فهو كامل بن العلاء التميمي، أبو العلاء.
(3) "العلل": (4/ق: 67/ب) .
(4) "المسند": (5/182) .
وفي هامش الأصل: (حـ: وقال مرة: قضى بالعمرى) ا. هـ
(5) "سنن أبي داود": (4/201- رقم: 3554) .
(6) "سنن النسائي": (6/272- رقم: 3724) .
(7) "سنن ابن ماجة": (2/796- رقم: 2381) .
(8) "المسند": (1/250) .(4/218)
فيه (1) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (581) : وحكم الرُّقْبَى حكم العُمْرَى، وصفتها: أن يقول: أَرْقَبْتُك داري- أو يقول: الدار لك- فإن متَّ قبلي رجعت إليَّ، وإن متُّ قبلك فهي لك ولعقبك.
وقال أبو حنيفة: الرُّقْبَى باطلةٌ.
لنا:
ما تقدَّم.
2573- وقد روى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن عمر بن حبيب عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حُجْر المَدَرِيِّ عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله ىصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُرْقِبُوا، فمن أرفب فسبيل الميراث " (2) .
ز: رواه الإمام أحمد أيضًا (3) والنسائيُّ (4) وابن حِبَّان (5) من طرقٍ عن طاوس.
__________
(1) "سنن النسائي": (6/269- 271- الأرقام: 3709- 3719) .
(2) "المسند": (5/189) .
(3) "المسند": (5/182، 186، 189) .
(4) "سنن النسائي": (6/270- 271- الأرقام: 3716- 3719) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (11/534- 536- الأرقام: 5132- 5134) .(4/219)
وعمر بن حبيب هذا: وثَّقه أحمد (1) وغيره O.
2574- وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تُرْقِبُوا ولا تُعْمِروا، فمن أعمر عُمْرَى، أو أَرْقَب رُقبَى، فهي سبيل الميراث ".
ز: رواه أبو داود عن إسحاق بن إسماعيل (2) ، ورواه النسائيُّ عن محمَّد بن عبد الله بن يزيد (3) ، كلاهما عن سفيان به.
وقد روي عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر- وقد مضى (4) -.
وروي عن عطاء عن النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً O.
*****
مسألة (582) : إذا فضَّل بعض ولده على بعضٍ في العطيَّة- مع تساويهم في الذكوريَّة والأنوثيَّة- أساء، وأُمر بارتجاع ذلك، وبالتسوية بينهم.
وقال أكثرهم: لا يرجع.
2575- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن مُجالد ثنا عامر قال: سمعت النعمان بن بَشير يقول: إن أبي- بَشيرًا- وهب لي هبةً، فقالت
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/104- رقم: 552) من رواية الأثرم.
(2) "سنن أبي داود": (4/200- رقم: 3551) .
(3) "سنن النسائي": (6/273- رقم: 3731) .
(4) رقم: (2570) .(4/220)
أمِّي: أَشهِد عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأخذ بيدي، فانطلق بي حتَّى أتينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمَّ هذا الغلام سألتني أن أهب له هبةً، فوهبتها له، فقالت: أَشْهد عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيتك لأُشْهِدك. فقال: " رويدك، ألك ولدٌ غيره؟ ". قال: نعم. قال: " كلُّهم أعطيتهم كما
أعطيته؟ ". قال: لا. قال: " فلا تشهدني على جَوْرٍ، إنَّ لبنيك عليك من الحقِّ أن تعدل بينها " (1) .
2576- قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا مَعْمَر عن الزهريِّ قال: أخبرني محمَّد بن النعمان بن بَشير وحُميد بن عبد الرحمن عن النعمان بن بَشير قال: ذهب أبي- بشير بن سعد- بل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُشْهِدَه على نَحْلٍ نَحَلَنِيه، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكلُّ بنيك نَحَلْتَ مثل هذا؟ ". قال: لا. قال: " فأرجعها " (2) .
2577- قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن أبي عَدِيٍّ عن داود عن الشعبيِّ عن النعمان بن بَشيرٍ قال: حملني أبي- بَشير بن سعدٍ- إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يارسول الله، أشهد أنِّي قد نَحَلْتُ النعمان كذا وكذا- شيئًا سمَّاه-.
فقال: " أكلَّ ولدك نَحَلْتَ مثل الذي نَحَلْتَ النعمان؟ ". قال: لا. قال: " فأشهد غيري ". قال: " أليس يسرُّك أن يكونوا لك في البرِّ سواء؟ ". قال: بلى. قال: " فلا إذًا " (3) .
هذه الطرق مخرَّجةٌ في "الصحيحين".
ز: طريق مجالد: ليست في "الصحيحين".
__________
(1) "المسند": (4/269) .
(2) "المسند": (4/268) ؛ "صحيح البخاري": (3/650) ، (فتح- 5/211- رقم: 2586) ؛ "صحيح مسلم": (5/65) ، (فؤاد- 3/1241- 1242- رقم: 1623) .
(3) "المسند": (4/269) ؛ "صحيح مسلم": (5/66- 67) ، (فؤاد- 3/1243 - 1244- رقم: 1623) .(4/221)
وطريق داود بن أبي هند: انفرد بها مسلمٌ O.
2578- قال أحمد: وحدَّثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد بن زيد عن حاجب بن المفضَّل بن المهلَّب بن أبي صُفْرَة عن أبيه قال: سمعت النعمان بن بَشير يخطب يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعدلوا بين أبنائكم، [اعدلوا بين أبنائكم] " (1) .
ز: رواه أبو داود عن سليمان (2) ، ورواه النسائيُّ عن يعقوب بن سفيان عنه (3) .
ورواه عبد الله بن أحمد عن غير واحدٍ عن حمَّاد (4) .
وحاجب: وثَّقه ابن معين (5) .
وأبوه: وثَّقه ابن حِبَّان (6) O.
احتجُّوا:
2579- بما رواه سعيد بن منصور، قال: حدَّثنا إسماعيل بن عيَّاش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ساووا بين أولادكم في العطيَّة، فلو كنت مفضلاً أحدًا لفضَّلت النساء".
__________
(1) "المسند": (4/275) .
والجملة الأخيرة استدركت من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(2) "سنن أبي داود": (4/197- رقم: 3538) .
(3) "سنن النسائي": (6/262- رقم: 3687) .
(4) "المسند": (4/375) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/284- 285- رقم: 1269) .
(6) "الثقات": (7/496) .(4/222)
قلت: إسماعيل بن عيَّاش وسعيد بن يوسف: ضعيفان، فلا يعارض خبرُهما أخبارَنا الصحاح.
ز: سعيد بن يوسف هو: الرَّحَبِيُّ، الشاميُّ، الصَّنعانيُّ، تكلَّم فيه الإمام أحمد (1) وابن معين (2) والنسائيُّ (3) وغيرهم، وقال أبو حاتم: ليس بالمشهور، وحديثه لبس بالمنكر (4) . وقال ابن عَدِيٍّ: لا أعلم يروي عنه غير
إسماعيل بن عيَّاش، وهو قليل الحديث، ورواياته الأسانيد لا بأس بها، ولا أعرف له شيئًا أَنْكَر مما ذكرت من حديث عكرمة عن ابن عبَّاس- يعني هذا الحديث (5) -. وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (6) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (583) : للأب الرجوع في هبته لولده سواءً بان نفع ذلك عليه، أو لم يبن.
وعنه: أنَّه متى بان نفع ذلك عليه- مثل: أن يستدين على ذلك، أو يُزَوَّج البنت لأجله- لم يكن له الرجوع، وهو قول مالك.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز له الرجوع بحالٍ.
__________
(1) "التاريخ" لأبي زرعة الدمشقي: (1/453- رقم: 1143) ؛ "تهذيب الكمال" للمزي: (11/125- رقم: 2387) .
(2) " معرفة الرجال " برواية ابن محرز: (1/53- رقم: 30) .
(3) " للكامل " لابن عدي: (3/380- رقم: 808) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/75- رقم: 318) وفيه: (وأرى حديثه ليس بالمنكر) .
(5) "الكامل": (3/380- 381- رقم: 808) .
(6) "الثقات": (6/374) .(4/223)
2580- قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر عن سعيد عن عامر الأحول عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرجع في هبته إلا الوالد من ولده، والعائد في هبته كالعائد في قيئه " (1) .
2581- قال أحمد: وحدَّثنا يزيد أنا حسين بن ذَكوان عن عمرو بن شُعيب عن طاوس أنَّ ابن عمر وابن عبَّاسٍ رفعاه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا يحلُّ لرجلٍ أن يعطي العطيَّة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي لولده " (2) .
ز: حديث سعيد عن عامر: رواه النسائيُّ (3) ، وروى ابن ماجة (4) أوَّله.
وقال النسائيُّ: عامر ليس بالقويِّ في الحديث (5) .
وحديث حسين عن عمرو: رواه أصحاب " السنن الأربعة " (6) وأبو حاتم البُسْتِيُّ (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8) ، وسُئل عنه فقال: يرويه عمرو بن شُعيب واختلف عنه:
__________
(1) "المسند": (2/182) .
(2) "المسند": (1/237) .
(3) "سنن النسائي": (6/264- 265- رقم: 3689) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/796- رقم: 2378) .
(5) "تحفة الأشراف" للمزي: (6/319- رقم: 8724) ،وانظر: "تهذيب الكمال" له: (14/67- رقم: 3054) .
(6) "سنن أبي داود": (4/194- رقم: 3533) ؛ "الجامع" للترمذي: (4/10- رقم: 2132) ؛ "سنن النسائي": (6/265- رقم: 3690) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/795- رقم: 2377) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (11/524- رقم: 5123) .
(8) "سنن الدارقطني": (3/42- 43) .(4/224)
فرواه حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن طاوس عن ابن عمر وابن عبَّاسٍ.
ورواه عامر الأحول عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه.
ولعل الإسنادين محفوظان O.
*****
مسألة (584) : لا يملك الأجنبيُّ الرجوع في هبته.
وقال أبو حنيفة: له الرجوع ما لم يُثَبْ منها، أو يكون بينهما رحم محرم أو زوجيَّة، أو يزيد الموهوب زيادة متَّصلة.
لنا:
2582- ما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين".
ز: انفرد به البخاريُّ من رواية أيُّوب عن عكرمة (2) ، وأخرجاه من رواية ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاسٍ بنحوه، وليس فيه: (ليس لنا مثل
__________
(1) "المسند": (1/217) .
(2) "صحيح البخاري": (3/659) ؛ (فتح- 5/234- 235- رقم: 2622) .(4/225)
السوء) (1) O.
احتجُّوا بأربعة أحاديث:
2583- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا عليُّ بن سهل بن المغيرة ثنا عبيد الله بن موسى ثنا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وهب هبة فهوأحقُّ بها ما لم يثب منها " (2) .
2584- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو سعيد الأشجُّ ثنا إبراهيم بن إسماعيل (3) عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرجل أحقُّ بهبته ما لم يثب منها " (4) .
2585- الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا عبد العزيز بن عبد الله الهاشميُّ ثنا عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن المبارك عن حمَّاد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا كانت الهبة لذي رحم محرَّم لم يرجع فيها " (5) .
2586- الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عبد الصمد بن عليٍّ ثنا محمَّد بن نوح بن حرب العسكريُّ ثنا يحيى بن غَيْلان ثنا إبراهيم بن أبي
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/651) ؛ (فتح- 5/216- رقم: 2589) .
"صحيح مسلم": (5/64- 65) ؛ (فؤاد- 3/1241- رقم: 1622) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/43) .
(3) كذا في "التحقيق"، وفي "سنن الدارقطني" بين أبي سعيد وإسماعيل: وكيع، وسينبه عليه المنقح.
(4) "سنن الدارقطني": (3/43) .
(5) "سنن الدارقطني": (3/44) .(4/226)
يحيى عن محمَّد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عبَّاسٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وهب هبة فارتجع بها، فهو أحقُّ بها ما لم يثب منها، ولكنه كالكلب يعود في قيئه " (1) ..
والجواب:
ليس في هذه الأحاديث ما يصحُّ:
أمَّا الأوَّل: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يثبت مرفوعًا، غلط فيه عليُّ بن سهلٍ، والصواب عن ابن عمر عن عمر قوله (2) .
وأمَّا الثاني: ففيه إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّع بن يزيد، قال أبو نُعيم: لا يساوي حديثه فلسين (3) . وقال أبو حاتم الرازيُّ: لا يحتجُّ به (4) .
وأمَّا الثالث: ففيه عبد الله بن جعفر، وقد ضعَّفوه.
وأمَّا الرابع: ففيه محمَّد بن عبيد الله العَرْزَمِيُّ، قال الفلاس (5) والنسائيُّ (6) : هو متروك الحديث.
وفيه إبراهيم بن أبي يحيى: قال مالكٌ (7) ويحيى بن سعيد (8) وابن
__________
(1) " سنن الدارقطنى ": (3/44) .
(2) " سنن الدارقطنى ": (3/43) وليس في المطبوعة: (غلط فيه علي بن سهل) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/84- رقم: 197) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/84- رقم: 197) وتمامه: (يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو قريب من ابن أبي حبيبة، كثير الوهم، ليس بالقوي) ا. هـ
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/2- رقم: 5) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 203- رقم: 521) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (1/217- رقم: 61) .
(8) "العلل" للإمام أحمد- برواية عبد الله-: (2/535- رقم: 3533) .(4/227)
معين (1) : هو كذَّابٌ. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (2) .
ز: هذه الأحاديث لم يخرِّج أصحاب "الكتب السِّتَّة" منها شيئًا، إلا الحديث الثاني- وهو حديث عمرو بن دينار عن أبي هريرة- فإنَّ ابن ماجة رواه متفرِّدًا به عن عليِّ بن محمَّد ومحمَّد بن إسماعيل عن وكيع عن إبراهيم بن
إسماعيل بن مُجَمِّع بن جارية الأنصاريِّ عنه (3) .
وإبراهيم: ضعيفٌ.
وعمرو عن أبي هريرة: منقطعٌ، والمحفوظ:
2587- عن عمرو عن سالم عن أبيه عن عمر قال: من وهب هبةً فلم يثب، فهو أحقُّ بهبته إلا لذي رحمٍ.
ورواه سعيد عن سفيان عنه.
قال البخاريُّ في "التاريخ ": وهذا أصحُّ (4) .
وقد سقط في الطريق التي ذكرها المؤلِّف بين الأشج وإبراهيم رجلٌ، وهو: وكيع.
والحديث الأوَّل: رواه الحاكم في "المستدرك" عن إسحاق بن محمَّد بن خالد الهاشميِّ عن أحمد بن حازم بن أبي غرزة عن عبيد الله بن موسى به، وقال: على شرطهما إلا أن نكل الحَمْلَ فيه على شيخنا (5) .
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (3/166- رقم: 721) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/135) وفيه: (متروك الحديث) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/798- رقم: 2387) .
(4) " التاردخ الكبير ": (1/271- رقم: 872) .
(5) "المستدرك": (2/52) .(4/228)
ورواه البيهقيُّ عن الحاكم، وقال: وهو وهمٌ، إنَّما المحفوظ: عن حنظلة عن سالم عن أبيه عن عمر. ثُمَّ رواه من طريق ابن وهبٍ عن حنظلة (1) .
وحديث الحسن عن سَمُرة: رواه الحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط البخاريِّ (2) .
ورواه البيهقيُّ عن ابن بشران عن الصفَّّار، قال: ولم نكتبه إلا بهذا الإسناد، وليس بالقويِّ (3) .
واعلم أنَّ حديث سَمُرة هذا رواته كلُّهم ثقاتٌ:
فإنَّ عبد الله بن جعفر هو: الرَّقِّيُّ، وهو ثقةٌ، من رجال "الصحيحين" (4) ، وأخطأ المؤلِّف في قوله: (وقد ضعَّفوه) ، فإنَّ الذي ضعَّفوه هو: المدنيُّ، والد عليٍّ، وهو متقدِّم على هذا.
وعبد العزيز بن عبد الله الهاشميُّ: روى عنه جماعةٌ، ووثَّقه الدَّارَقُطْنِيُّ (5) .
لكنَّ الحديث منكرٌ جدًّا، وهو أنكر (6) ما روي عن الحسن عن سَمُرة، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "سنن البيهقي": (6/180- 181) .
(2) "المستدرك": (2/52) .
(3) "سنن البيهقي": (6/181) .
(4) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/814- رقم: 792) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/349- رقم: 754) .
(5) "تاريخ بغداد" للخطيب: (10/452- رقم: 5610) .
(6) في (ب) : (وهو من أنكر) .(4/229)
مسألة (585) : للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ما لم يُجْحِف بماله، خلافًا لأكثرهم في أنَّه لا يأخذ إلا قدر الحاجة.
2588- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى ثنا عبيد الله بن الأَخْنَس قال: حدَّثني عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: أتى أعرابيٌّ إلى النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، إنَّ أبي يريد أن يجتاح مالي! قال: " أنت ومالك لوالدك، إنَّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإنَّ أموال أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيأ " (1) .
ز: رواه أبو داود من رواية حبيب المعلِّم عن عمرو (2) ، ورواه ابن ماجة من رواية الحجَّاج بن أرطأة عن عمرو (3) O.
2589- وقال ابن ماجة: حدَّثنا هشام بن عمَّار ثنا عيسى بن يونس ثنا يوسف بن إسحاق عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ لي مالاً وولدًا، وإنَّ أبي يريد أن يجتاح مالي! فقال: " أنت
ومالك لأبيك " (4) .
ز: هذا الحديث لم يروه من أصحاب "السنن" غير ابن ماجة، وقد رواه ابن صاعد عن الحسين بن الحسن المروزيِّ عن عيسى بن يونس.
ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السَّبيعيُّ: من الثقات المخرَّج لهم في "الصحيحين " (5) .
__________
(1) "المسند": (2/179) .
(2) "سنن أبي داود": (4/191- رقم: 3524) .
(3، 4) "سنن ابن ماجة": (2/769- رقم: 2292) .
(5) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/1237- رقم: 1510) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/375- رقم: 1913) .(4/230)
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: غريبٌ من حديث يوسف بن إسحاق عن ابن
المنكدر، تفرَّد به عيسى بن يونس عنه (1) .
قال الحافظ محمَّد بن عبد الواحد: قلت: وغرابة الحديث، والتفرَّد به لا
يخرجه عن الصحَّة، فإنَّ البخاريَّ روى في "صحيحه" من حديث محمَّد بن
المنكدر عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فال إذا سمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة ... " الحديث (2) ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: غريبٌ من حديث محمَّد، تفرَّد به شعيب بن أبي حمزة عنه، ولا نعلم رواه عنه غير عليِّ بن عيَّاش الحمصيِّ (3) .
وحديث الاستخارة: رواه البخاريُّ (4) ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: غريبٌ من حديث عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمَّد عن جابر. قال: وهو صحيحٌ عنه (5) .
وحديث: " رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع ... " (6) ، قال: تفرَّد به أبو غسَّان محمَّد بن مطرِّف عن محمَّد (7) .
وحديث: " كلُّ معروفٍ صدقة " (8) ، قال: تفرَّد به عليُّ بن عيَّاش عن أبي غسَّان عن محمَّد (9) . أخرجهما البخاريُّ في "كتابه" O.
*****
__________
(1) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (2/394- رقم: 1730) .
(2) "صحيح البخاري" (1/159) ؛ (فتح- 2/94- رقم: 614) .
(3) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (2/384- رقم: 1689) .
(4) " صحيح (2/290) ؛ (فتح- 3/48- رقم: 1162) .
(5) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (2/388- 389- رقم: 1706) .
(6) " صحيح البخا ري ": (3/519) ؛ (فتح- 4/306- رقم: 2076) .
(7) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (2/389- رقم: 1707) .
(8) "صحيح البخا ري ": (8/235) ؛ (فتح- 10/447- رقم: 6021) .
(9) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر:: (2/389- رقم: 1708) .(4/231)
مسائل اللقطة
مسألة (586) : لا يجوز التقاط الإبل والبقر والطيور.
وقال أبو حنيفة: يجوز
2590- قال البخاريُّ: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد ثنا أبو عامر ثنا سليمان ابن بلال المدينيُّ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله رجلٌ عن اللقطة، فقال: " اعرف وكاءها- أوقال: وعاءها- وعِفَاصَها، ثُمَّ عرِّفها سنةً، ثُمَّ استمتع بها، فإن جاء ربُّها فأدِّها
إليه ". قال: فضالة الإبل؟ فغضب حتَّى احمرَّت وجنتاه- أو قال: احمرَّ وجهه- فقال: " ما لك ولها؟! معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وترعى الشجر، فذرها حتَّى يلقاها ربُّها ". قال: فضالة الغنم؟! قال: " لك، أو لأخيك، أو للذئب " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
*****
مسألة (587) : يجوز التقاط الغنم، ولا يملكها قبل الحول.
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/34) ؛ (فتح- 1/186- رقم: 91) .
(2) "صحيح مسلم": (5/134) ؛ (فؤاد- 3/1349- رقم: 1722) .(4/232)
وقال مالكٌ وداود: إذا وجدها بفلاةٍ ولا قرية هناك يضمها إليها، جاز أكلها في الحال من غير تعريفٍ.
لنا:
قوله في الحديث المتقدِّم: " ثم عرِّفها سنةً " (1) .
2591- وقال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو بكر الحنَفِيُّ ثنا الضحَّاك بن عثمان عن أبي النضر عن بُسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اللقطة، فقال: " عرِّفها سنةً، فإن اعترفت فأدِها، وإلا فاعرف عفاصها ووعاءها وعددها، ثم كلها، فإن اعترقت فأدِّها " (2) .
ز: رواه مسلمٌ عن إسحاق بن منصور عن أبي بكر الحَنَفِيِّ (3) O.
2592- قال أحمد: وحدَّثنا يعلى ثنا محمَّد بن إسحاق عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا رسول الله، جئت أسألك عن الضالة من الإبل. فقال: " معها
حذاؤها وسقاؤها، تأكل الشجر وترد الماء، فدعها حتَّى يأتيها باغيها ". قال: الضالة من الغنم؟ قال: " هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، تجمعها حتَّى يأتيها باغيها" (4) .
ز: رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق (5) .
__________
(1) رقم: (2590) .
(2) "المسند": (4/116) .
(3) "صحيح مسلم": (5/135) ؛ (فؤاد- 3/1349- 1350- رقم: 1722) .
(4) "المسند": (2/180) .
(5) "سنن أبي داود": (2/398- رقم: 1710) .(4/233)
2593- قال أحمد: وحدَّثنا [سريج] (1) بن النعمان ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة عن أبي سالم الجَيْشَانِيِّ (2) عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من آوى ضالةً فهو ضالٌّ ما لم يعرِّفها " (3) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (4) .
2594- قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن سعيد عن أبي حَيَّان قال: حدَّثني الضحَّاك- خال المنذر بن جرير- عن المنذر بن جرير عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يأوي الضالة إلا ضالٌّ " (5) .
ز: هذا الحديث اختصره المؤلِّف، وقد رواه النسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من حديث يحيى بن سعيد.
وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال: يرويه أبو حَيَّان يحيى بن سعيد بن حَيَّان، واختلف عنه:
فرواه يحيى بن سعيد القطَّان وابن [] (8) نُمير وابن أبي زائدة وابن عُليَّة عن أبي حَيَّان عن [الضحَّاك بن المنذر] (9) عن المنذر بن جرير عن جرير.
__________
(1) في الأصل و"التحقيق": (شريح) ، والتصويب من "المسند".
(2) في هامش الأصل: (أبو سالم: اسمه: سيار بن عدي) ا. هـ
(3) "المسند": (4/117) .
(4) "صحيح مسلم": (5/137) ؛ (فؤاد- 3/1351- رقم: 1725) .
(5) "المسند": (4/362) .
(6) "السنن الكبرى": (3/416- رقم: 5800) .
(7) "سنن ابن ماجة": (2/836- رقم: 2503) .
(8) أقحمت في الأصل كلمة (أبي) .
(9) في الأصل: (أبي زرعة) ، والتصويب من (ب) و"العلل".(4/234)
وخالفهم إبراهيم بن عيينة فرواه عن أبي حيَّان عن أبي زرعة عن المنذر.
قال: رواه صفوان بن رستم عن روح عن أبي حَيَّان عن المنذر عن جرير، ولم يذكر الضحَّاك.
وخالفه مجالد بن يزيد عن رَوْح بن القاسم عن أبي حيَّان عن الضحَّاك عن رجلٍ عن جرير.
ورواه ابن المبارك عن أبي حَيَّان عن الضحَّاك عن جرير.
والأشبه بالصواب عن أبي حَيَّان ما قاله يحيى القطَّان ومن تابعه، هو الصحيح (1) .
وقال عليُّ بن المدينيِّ عن حديث جرير أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يأوي الضالة إلا ضالٌ ": رواه أبو حَيَّان عن الضحَّاك خال المنذر بن جرير عن المنذر ابن جرير عن أبيه، والضحَّاك لا يعرفونه، روى عنه أبو حَيَّان، ولم يرو عنه غيره O.
*****
مسألة (588) : إذا عرَّف اللقطة حولاً ملكها إن كانت أثمانا، وإن كانت عروضًا أو حليًّا أو ضالةً لم يملكها وأ ينتفع بها، سواءً كان غنيًّا أو فقيرًا.
وقد قال أبو حنيفة: لم يملك شيء من اللقطات (2) بحال، ولا ينتفع بها إذا كان غنيًّا، فإن كان فقيرًا جاز له الانتفاع بها.
__________
(1) "العلل": (4/ق: 89/ب) وبعض الكلام الموجود هنا غير موجود هناك وبالعكس.
(2) في (ب) : (الطلقات) !(4/235)
وقال مالكٌ والشافعيُّ وداود: يملك جميع اللقطات، سواءً كان غنيًّا أو فقيرًا، ويتخرَّج لنا مثله (1) .
لنا حديثان:
الحديث الأوَّل: حديث زيد بن خالد، وقد سبق.
2595- طريق آخر: قال سعيد بن منصور: حدَّثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّرَاوَرْدِيُّ قال: سمعت ربيعة يحدِّث عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالدٍ الجُهَنِيِّ أنَّ رجلاً وجد في زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة دينارٍ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعرف وعاءها ووكاءها، ولا يدخل ركب إلا أنشدت بذكرها، ثم
أمسكط حولاً، فإن جاء صاحبها فأدِّها إليه، وإلا فاصنع بها ما تصنع بمالك ".
ز: لم يخرِّجوه من حديث الدَّرَاوَرْدِيِّ O.
2596- الحديث الثاني: قال أحمد: حدَّثنا يعلى ثنا محمَّد بن إسحاق عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يا رسول الله، اللقطة في السبيل العامرة؟ قال:
" عرِّفها حولاً، فان وجد باغيها فأدِّها إليه، وإلا فهي لك " (2) .
ز: تقدَّم أنَّ أبا داود رواه (3) O.
احتجُّوا:
2597- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا وكيع ثنا سفيان عن سلمة
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: هذا القول روي عن أحمد، وهو الصحيح) ا. هـ
(2) "المسند": (2/180) .
(3) رقم: (2592) .(4/236)
ابن كُهَيل قال: حدَّثني سُويد بن غَفَلَة عن أُبَيِّ بن كعبٍ قال: التقطت مائة دينارٍ على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألته، فقال: " عرِّفها سنةً ". فعرَّفتُها سنةً، فلم أجد من يعرفها، فقال: " اعرف عددها ووعاءها ووكاءها، ثم عرِّفها سنةً، فإن جاء صاحبها، وإلا فهي كسبيل مالك " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) ، وفي بعض ألفاظ الصِّحاح: أنَّه عرَّفها سنتين أو ثلاثًا.
قال المصنِّف: وهذه الروايات لا تخلو: إمَّا أن تكون غلطًا من الراوي، يدلُّ على هذا أنَّ شعبة قال: سمعت سلمة بن كُهَيلٍ بعد عشر سنين يقول: عرِّفها عامًا واحدًا (3) .
والثاني: أن يكون عليه السلام علم أنَّه لم يقع تعريفها كما ينبغي، فلم يحتسب له بالتعريف الأوَّل.
والثالث: أن يكون قد دلَّه على الورع، وهو استعمال ما لم يلزم.
*****
مسألة (589) : لقطة الحَرَمِ لا تحلُّ، إلا لمن يعرِّفها أبدًا.
وعن أحمد: أنَّها كسائر اللقط.
__________
(1) "المسند": (5/126) .
(2) "صحيح البخاري": (3/606) ؛ (فتح- 5/78- رقم: 2426) .
"صحيح مسلم": (5/135- 136) ؛ (فؤاد- 3/1350- رقم: 1723) .
(3) "صحيح مسلم": (5/136) ؛ (فؤاد- 3/1350- رقم: 1723) .(4/237)
وعن أصحاب الشافعيِّ كالروايتين.
وجه الأولى:
2598- ما رواه البخاريُّ قال: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة: " إنَّ هذا البلد حرَّمه الله، لا يعضد شوكه، ولا ينفَّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرَّفها " (1) .
أخرجاه (2) .
ومعلومٌ أنَّ لقطة كلَّ بلد تعرَّف ولكن سنة، فلو كان كغيره لم يكن لتخصيصه بهذا الذكر معنى، ويدلُّ على هذا:
2599- ما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا سريج ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بُكير بن الأشج عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الرحمن بن عثمان التَيْمِيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لقطة الحاج (3) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (4) .
*****
__________
(1) "صحيح البخاري": (4/129) ؛ (فتح- 6/327- رقم: 3189) .
(2) "صحيح مسلم": (4/109) ؛ (فؤاد- 2/986 - رقم: 1353) .
(3) "المسند": (3/499) .
(4) "صحيح مسلم": (5/137) ؛ (فؤاد- 3/1351- رقم: 1724) .
وفي هامش الأصل: (حـ: لم يذكر شيخنا في " الأطراف " أن مسلم- كذا- رواه، وذلك وهم) ا. هـ وانظر: "تحفة الأشراف": (7/203- 9705) .
وقال الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف ": (7/203- رقم: 9705) : (استدركه جماعة على المزي، أولهم صاحبه ابن عند الهادي) ا. هـ(4/238)
مسألة (590) : إذا جاء مدَّعي اللقطة، فأَخبر بعددها وعفاصها ووكائها، دفعت إليه بغير بيِّنة.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: لا تدفع إلا ببيِّنة (1) .
لنا:
ما تقدَّم من قوله: " اعرف عِفاصها، ووِكاءها، وعددها "، ولو كان التسليم موقوفًا على البيِّنة لم يكن في معرفة العِفاص والوِكاء فائدةٌ.
2600- قال الإمام أحمد: حدَّثنا بَهْز ثنا حمَّاد بن سلمة عن سلمة بن كُهَيل عن سُوَيد بن غَفَلة عن أُبيِّ بن كعبٍ أنَّه التقط لقطة، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عرِّفها سنةً ". فعرَّفها، فقال: " عرِّفها سنةً أخرى ". ثم أتاه، فقال له: " احص عددها ووِكاءها، واستمتع بها، فإن جاء صاحبها فعَرَفَ عدَّتها ووِكاءها فأعطها إياه " (2) .
أخرجاه في "الصحيحين" (3) .
2601- قال أحمد: وحدَّثنا هُشيم ثنا خالد عن يزيد بن عبد الله بن الشّخّير عن أخيه مطرِّف بن عبد الله عن عياض بن حمارٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وجد لقطة فليُشهد ذوي عدل، وليحفظ عِفاصها ووِكاءها، فان جاء صاحبُها فلا يكتم، وهو أحقُّ بها؛ وإن لم يجىء صاحبها، فهو مال الله يؤتيه من
__________
(1) في هامش الأصل: (حاشية: المعروف من مذهب أبي حنيفة أن له أن يدفعها إليه من غير بينة، ولكن لا يجبر على فعل ذلك إلا ببينة يقيمها المدعي) ا. هـ والظاهر أن هذه الحاشية ليست للمنقح، والله أعلم.
(2) "المسند": (5/127) مع اختلاف يسير في اللفظ.
(3) "صحيح البخاري": (3/606- 607) ؛ (فتح- 5/78- رقم: 2426) .
"صحيح مسلم": (5/135- 136) ؛ (فؤاد- 3/1350- 1351- رقم: 1723) .(4/239)
يشاء " (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) وابن ماجة (4) من حديث خالد الحذَّاء، وهو حديثٌ صحيحٌ O.
*****
مسألة (591) : إذا وقعت دابته فألقاها بأرض مهلكة، فجاء غيره فأطعمها وسقاها حتَّى سلمت، ملكَها، خلافًا لأكثرهم.
2602- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن يحيى بن مِرْدَاس ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حمَّاد عن عبد الله (5) بن حُميد بن عبد الرحمن أنَّ عامر الشَّعبيَّ حدَّثه: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجد دابةً قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها، فسيَّبوها، فأخذها رجلٌ فأحياها، فهي له " (6) .
2603- وقال سعيد بن منصور: ثنا هُشيم ثنا منصور عن عبيد الله بن حُميد الحِمْيَرِيِّ قال: سمعت الشعبيِّ يقول: من قامت عليه دابته، فتركها، فهي لمن أحياها. قال: عمَّن هذا يا أبا عمرو؟ قال: إن شئت عددت لك كذا
__________
(1) "المسند": (4/161- 162) .
(2) "سنن أبي داود": (2/395- 396- رقم: 1706) .
(3) "سنن النسائي": (3/418- رقم: 5808) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/837- رقم: 2505) .
(5) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (عبيد الله) ، وسيذكر المنقح أنه هو الصواب.
(6) "سنن الدارقطني": (3/68) .(4/240)
وكذا من أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
ز: كذا في الإسناد الأوَّل: (عبد الله بن حُميد) ، والصواب: (عبيد الله) كما في الثاني، وهو: ابن حمُيد بن عبد الرحمن الحِمْيَرِيُّ، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (2) ، وسُئل عنه ابن معين فقال: لا أعرفه (3) .
وقد روى أبو داود هذا الحديث من رواية حمَّاد بن سلمة وأبان بن يزيد العطَّار وخالد الحذَّاء عنه، وعنده: قال أبان: قال عبيد الله، فقلت عمَّن؟ قال: عن غير واحد من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي رواية خالد: فرفع الحديث إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من ترك دابته بمهلكة، فأحياها رجلٌ، فهي لمن أحياها " (4) .
ومنصور شيخ هُشيم هو: ابن زاذان، والله أعلم O.
*****
مسألة (592) : يصح إسلامُ الصبيِّ وردَّتُه.
وقال الشافعيُّ: لا يصحُّ.
لنا:
ما روى أحمد: أنَّ عليًّا أسلم وهو ابن ثمان سنين (5) .
__________
(1) ومن طريق سعيد بن منصور خرجه البيهقي في "سننه": (6/198) .
(2) "الثقات": (7/144) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/311- رقم: 1481) من رواية الدوري، ولم نره في مطبوعة "التاريخ".
(4) "سنن أبي داود": (4/189- 190- رقمي: 3519- 3520) .
(5) "العلل" برواية عبد الله: (3/449- رقم: 5908) .(4/241)
وروى ابن شاهين: أنَّ عليًّا والزبير أسلما ابنا ثمان سنين.
وفي لفظٍ رواه أبو محمَّد الخلال: أنَّه أسلم عليٌّ وهو ابن عشر سنين، وقد تمدَّح بذلك فقال:
سبقتكم إلى الإسلام طرًّا ... صغيرًا ما بلغت أوان حلمي فإن قيل:
قد روى أحمد: أنَّه أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة.
قلنا:
الذي نقلناه فيه زيادة علم، فإنَّ من روى خمس عشرة سنة، لم يبلغه إسلامه وهو ابن ثمانٍ، على أنَّ استقراء الحال يبيِّن بطلان هذه الدعوى، فإنَّه إذا كان له يوم المبعث ثمان سنين فقد عاش بعد المبعث ثلاثًا وعشرين سنة، وبقي بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو الثلاثين، فهذه مقاربة الستين، وهو الصحيح في مقدار عمره.
2604- أخبرنا إسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنْدِيُّ أنا عمر بن عبيد الله البقَّال أنا أبو الحسين بن بشران أنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا حنبل ثنا الحُميديُّ ثنا سفيان ثنا جعفر بن محمَّد عن أبيه قال: قتل عليٌّ عليه السلام (1) وهو ابن ثمان وخمسن، ومات لها حسن، وقتل لها الحسين، [ومات عليُّ بن الحسين] (2) وهو ابن ثمان وخمسين، وسمعت جعفرًا يقول: سمعت أبي يقول لعمَّته فاطمة بنت حسين: هذه توفي لي ثمان وخمسين. فمات لها.
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- بالتسليم غير
مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع.
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق".(4/242)
ومتى قلنا: أنَّه قد كان له يوم إسلامه خمس عشرة، صار عمره ثمانيًا وستين، ولم يقل هذا أحدٌ.
ز: قوله: (ومات لها حسن) غلطٌ، فإنَّ الصحيح أنَّه لم يبلغ الخمسين.
وقد روى غير واحد عن أبي جعفر محمَّد بن علي قال: مات الحسن بن علي وهو ابن سبع وأربعين سنة.
والدليل على صحَّة إسلام الصبيِّ:
2605- ما رواه البخاريُّ في "صحيحه" عن أنس قال: كان غلامٌ يهوديٌّ يخدم النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرض، فأتاه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: " أسلم ". فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم.
فأسلم، فخرج النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " (1) .
ولأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرض الإسلام على ابن صيَّادٍ وهو غلامٌ لم يبلغ، وقال: " من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة ".
والمنصوص عن الإمام أحمد صحَّة إسلام ابن سبع سنين، قال إسحاق ابن إبراهيم بن هانىء: سألت أبا عبد الله عن غلامٍ له أبوان يهوديَّان، فأسلم، وهو ابن سبع سنين، قال: قال: " مروا صبيانكم بالصلاة لسبع، واضربوهم
لعشر سنين ". فإذا بلغ سبعًا جاز إسلامه، ويجبر على الإسلام إذا كان أحد أبويه مسلمًا (2) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/338) ؛ (فتح- 3/219- رقم: 1356) .
(2) "المسائل": (1/218- ر قم: 1061) .(4/243)
وقال صالح بن أحمد: قال أبي: إذا بلغ اليهوديُّ والنصرانيُّ سبع سنين، ثُمَّ أسلم، جبر على الإسلام (1) .
وقال أبو بكر عبد العزيز: ثنا أحمد بن محمَّد ثنا محمَّد بن جعفر ثنا أبو الحارث قال: قيل لأحمد: إن غلامًا صغيرًا أقرَّ بالإسلام، شهد أن لا إله إلا الله، محمَّدًا رسول الله، وهو صغيرٌ لم يدرك، ثم رجع عن الإسلام، يجوز
إسلامه وهو صغير؟ قال: نعم، إذا أتى له سبع سنين ثم أسلم، جبر على الإسلام، لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "علِّموهم الصلاة لسبع سنين "، فإذا رجع عن الإسلام انتظر به حتَّى يبلغ، فإن أقام على رجوعه عن الإسلام فحكمه حكم المرتدين، ان أسلم وإلا قتل (2) O.
*****
__________
(1) "الجامع" للخلال: (1/108- رقم: 100- قسم أهل الملل) .
(2) هو في "الجامع" للخلال: (1/110- رقم: 106- قسم أهل الملل) .(4/244)
مسائل الوصايا
مسألة (593) : الوصيَّة لمن لا يرثه من أقاربه مستحبةٌ.
وقال أبو بكر- من أصحابنا-: هي واجبةٌ. كقول داود.
2606- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البيعويُّ ثنا داود بن رُشَيْدٍ ثنا إسماعيل ابن عُليَّة ثنا أيُّوب عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما حقُّ امرئ أن يبيت ليلتين وله مالٌ يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيَّته مكتوبة عنده " (1) .
فوجه الحجَّة: أنَّه علَّقه بالإرادة، فدلَّ على أنَّه ليس بواجبٍ.
ز: رواه مسلمٌ عن زهير بن حربٍ عن إسماعيل، وعنده أيضا: (يريد) (2) ، ولا حجَّة فيه، لأن الواجب قد يعلق على الإرادة.
وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) إلى آخر الآية [البقرة: 180] ، يدلُّ على وجوب الوصيَّة للقريب مطلقًا، خُصَّ من ذلك الوارث فيبقى الوجوب في غيره، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "سنن الدارقطني": (4/150) .
(2) "صحيح مسلم": (5/70) ؛ (فؤاد- 3/1249- رقم: 1627) .(4/245)
مسألة (594) : إذا وصَّى لجيرانه، دخل فيه من كلِّ جانبٍ أربعون دارًا.
وقال أبو حنيفة: لا يدخل فيه إلا الملاصق.
2607- قال أبو داود: حدَّثنا أزهر (1) بن مروان الدمشقيُّ قال: حدَّثني أبي ثنا هِقْل بن زياد ثنا الأوزاعيُّ عن يونس عن ابن شهابٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربعين دارًا جار ". قال: فقلت لابن شهابٍ: وكيف أربعين دارًا؟ قال: أربعين عن يمينه، وعن يساره، وخلفه، وبين يديه (2) .
ز: كذا فيه: (عن أزهر بن مروان) ، وهو غلطٌ، وإنَّما هو: (إبراهيم بن مروان) ، وهو: ابن محمَّد الطاطريُّ، وهو صدوقٌ.
ولم يرو هذا الحديث غير أبي داود في " المراسيل " عن إبراهيم.
2608- وقد روى البيهقيُّ من رواية أمِّ هانىء بنت أبي صفرة عن عائشة مرفوعًا: " أوصاني جبريل عليه السلام بالجار إلى أربعين دارًا، عشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا ".
وقال: في إسناده ضعفٌ (3) O.
*****
__________
(1) كذا با لأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" و" المراسيل ": (إبراهبم) ، وسيذكر المنقح أنه هو الصواب.
(2) " المراسيل ": (ص: 257- رقم: 350) .
(3) "سنن البيهقي": (6/276) .(4/246)
مسألة (595) : تصحُّ الوصيَّة للقاتل.
وقال أبو حنيفة: لا تصحُّ.
وعن الشافعيِّ كالقولين.
لنا:
إطلاق الوصيَّة في قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} [النساء: 12] .
وللخصم:
2609- ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أحمد بن إبراهيم بن حبيب ثنا أحمد بن الفرج ثنا بقيَّة بن الوليد ثنا مبشر بن عبيد عن الحجَّاج بن أرطأة عن الحكم بن عُتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس لقاتلٍ وصيَّةٌ " (1) .
قلنا:
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: مبشر متروكٌ، يضع الحديث (2) .
والحجَّاج: قد سبق الطعن فيه (3) .
ز: هذا الحديث رواه البيهقيُّ من رواية بقيَّة عن مبشر عن حجَّاج عن عاصم بن بَهْدَلة عن زِرٍّ عن عليٍّ، وقال: تفرَّد به مبشر بن عبيد الحِمْصِيُّ، وهو منسوبٌ إلى وضع الحديث (4) .
__________
(1، 2) "سنن الدارقطني": (4/236- 237) .
(3) انظر فهرس الأعلام.
(4) "سنن البيهقي": (6/281) .(4/247)
وقال أحمد بن حنبل: مبشر أحاديثه موضوعةٌ كذبٌ (1) O.
*****
مسألة (596) : إذا وصَّى لرجلٍ بسهمٍ من ماله كان له السدس، إلا أن تعول الفريضة فيعطى سدسًا عائلاً.
وعنه: أنَّه يُعطى أقلَّ سهام الورثة وإن نقص ذلك عن السدس، فإن زاد على السدس أعطي السدس.
وعن أبي حنيفة: كالرواية الثانية، وعنه: يُعطى أقلَّ نصيب الورثة ما لم ينقص من السدس.
وقال الشافعيُّ: يُعطى ما شاء الورثة.
2610- قال سعيد بن منصور: ثنا عبد الله بن المبارك عن يعقوب بن القعقاع عن الحسن في رجلٍ أوصى بسهمٍ من ماله، قال: له السدس على كلِّ حالٍ.
*****
مسألة (597) : تصحُّ الوصيَّة بما زاد على الثلث، وتقف على تنفيذ الورثة، خلافًا لأحد قولي الشافعيِّ: أنَّها لا تصحُّ.
2611- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن أبي عثمان ثنا طاهر
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (2/369- رقم: 2639) .(4/248)
ابن يحيى بن قَبِيصَةَ ثنا سهل بن عمَّار ثنا الحسين بن الوليد ثنا حمَّاد بن سلمة عن حَبيب بن الشهيد عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا وصيَّة لوارثٍ، إلا أن يجيزها الورثة " (1) .
ز: لم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أصحاب "السنن".
وسهل: كذَّبه الحاكم (2) O.
2612- قال الدَّارَقُطْنِيُّ. وحدَّثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتديِّ بالله ثنا أبو علاثة محمَّد بن عمرو بن خالد ثنا أبي ثنا يونس بن راشد عن عطاء الخراسانيِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تجوز وصيَّة لوارثٍ، إلا أن يشاء الورثة " (3) .
فوجه الحجَّة: أنَّه جعل ما يجيزه الورثة وصيَّةً.
ز: رواه أبو داود (4) عن أبي مَعْمَر إسماعيل بن إبراهيم عن حجَّاج عن ابن جريج عن عطاء الخراسانيِّ عن ابن عبَّاسٍ- ولم يذكر عكرمة-، وقال: عطاء الخراسانيُّ لم يدرك ابن عبَّاسٍ، ولم يره (5) .
ويونس بن راشد الحَرَّانِيُّ: قال أبو زرعة: لا بأس به (6) . ووثَّقه
__________
(1) "سنن الدارقطني": (4/98) .
(2) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (2/29- رقم: 1570) وفيه: (ذكر أبو عبد الله الحاكم عن أشياخه أنه كان كذابا) .
(3) "سنن الدارقطني": (4/152) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: قال شيخنا: في " المراسيل ") ا. هـ وانظر: "تحفة الأشراف" (5/103) .
(5) " المراسيل ": (ص: 256- 257- رقم: 349) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/239- رقم: 1003) .(4/249)
بعض الأئمة O.
احتجُّوا:
2613- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أبو المغيرة ثنا إسماعيل بن عيَّاش ثنا شُرَحْبِيل بن مسلم الخَوْلاَنِيُّ قال: سمعت أبا أمامة البَاهِلِيَّ يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في خطبته عام حجَّة الوداع: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيَّة لوارثٍ " (1) .
وقد رواه سعيد بن أبي سعيد السَّاحِلِيُّ عن أنسٍ عن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورواه شَهْرُ بن حَوْشَب عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن خارجة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلنا:
إسماعيل وشَهْرٌ: ضعيفان.
والساحِلِيُّ: مجهولٌ.
ثُمَّ في خبرنا زيادةٌ، والأخذ بالزيادة أولى، ثُمَّ نحمله على أنَّه لا وصيَّة نافذٌ.
ز: حديث أبي أمامة: رواه أبو داود (2) والترمذيُّ (3) وابن ماجة (4)
__________
(1) "المسند": (5/267) .
(2) "سنن أبي داود": (3/395- رقم: 2862) .
(3) "الجامع": (3/620- 621- رقم: 2120) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/905- رقم: 2713) .(4/250)
من حديث إسماعيل، وحسَّنه الترمذيُّ، وقد قال الإمام أحمد (1) والبخاريُّ (2) وجماعةٌ من الحفَّاظ: ما روى إسماعيل بن عيَّاش عن الشاميين صحيحٌ، وما روى عن أهل الحجاز فليس بصحيحٍ. وهذا الحديث إنَّما رواه إسماعيل عن شاميٍّ ثقةٍ.
وحديث عمرو بن خارجة: رواه الترمذيُّ (3) والنسائيُّ (4) وابن ماجة (5) من رواية قتادة، عن شَهْرٍ عن عبد الرحمن بن غَنْم عنه، وقال الترمذيُّ: حديث حسن صحيح.
وشهر: وثَّقه غير واحد من الأئمة، ولم يرو هذا الحديث عن ابن أبي ليلى كما ذكر المؤلِّف، إنما رواه عن ابن غَنْم، وفي إسناده اختلافٌ.
وحديث سعيد عن أنسٍ: رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية عبد الرحمن بن يزيد [بن] (6) جابر عنه (7) .
ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمَّار عن محمَّد بن شُعيب عن عبد الرحمن ابن يزيد (8) .
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (1/292- رقم: 127) من رواية أبي طالب.
(2) انظر: "التاريخ الكبير": (1/369- 370- رقم: 1169) ؛ "العلل الكبير" للترمذي: (ترتيبه- ص: 59- رقم: 75) ؛ "تاريخ بغداد" للخطيب: (6/224- رقم: 221) .
(3) "الجامع": (3/621- 623- رقم: 2121) .
(4) "سنن النسائي": (6/247- رقمي: 3641- 3642) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/905- رقم: 2712) .
(6) في الأصل و (ب) : (عن) ، والتصويب من "سنن الدارقطني".
(7) "سنن الدارقطني": (4/70) .
(8) "سنن ابن ماجة": (2/906- رقم: 2714) .(4/251)
وقد ذكره ابن عساكر وشيخنا في " الأطراف " (1) في ترجمة سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِيِّ عن أنسٍ (2) ، وإنَّما هو السَّاحِلِيُّ، وهو غير محتجِّ به، كذلك رواه الوليد بن مَزْيَد البروتيُّ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبي سعيد شيخٌ بالساحل قال: حدَّثني رجلٌ من أهل المدينة قال: إنِّي لتحت رسول الله ... فذكر الحديث (3) O.
*****
__________
(1) في (ب) : (الأعراف) !
(2) "تحفة الأشراف": (1/225- رقم: 863) .
(3) وقد نبه المنقح على هذا في حاشية له على "تحفة الأشراف" مثبتة في هامش نسختها المطبوعة.(4/252)
مسائل الفرائض
مسألة (598) : ذوو الأرحام يرثون.
وقال مالك والشافعيُّ: لا يرثون.
2614- قال الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عيَّاش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي أمامة بن سهل أنَّ رجلا رمى رجلا بسهم فقتله، وليس له وارث إلا خال،
فكتب في ذلك أبو عبيدة إلى عمر، فكتب: أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخال وارث من لا وارث له " (1) .
ز: رواه الترمذيُّ (2) والنسائيُّ (3) وابن ماجة (4) وأبو حاتم البستيُّ (5) من رواية سفيان، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ O.
2615- قال أحمد: وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن بديل عن عليٍّ ابن أبي طلحة عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزنيِّ عن المقدام أبي كريمة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الخال وارث من لا وارث له، يرثه ويعقل عنه " (6) .
__________
(1) "المسند": (1/28)
(2) "الجامع": (3/607- رقم: 2103) .
(3) "السنن الكبرى": (4/76- رقم: 6351) .
(4) "سنن ابن ماجة": (2/914- رقم: 2737) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (13/400- 401- رقم: 6037) .
(6) "المسند": (4/131) .(4/253)
ز: رواه أبو داود (1) والنسائيُّ (2) وابن ماجة (3) من رواية شعبة وغير روايته، وفي إسناده اختلاف.
وقد قال المفضَّل بن غسَّان الغلابيُّ: كان يحيى بن معين يبطل حديث " الخال وارث من لا وارث له "- يعني حديث المقدام-، وقال: ليس فيه حديث قويٌّ (4) O.
احتجُّوا:
2616- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا إسماعيل بن علي الخُطَبَيُّ (5) ثنا موسى بن إسحاق الأنصاريُّ ثنا الربيع بن ثعلب (6) ثنا مسعدة بن اليسع الباهليُّ عن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ميراث العمَّة والخالة، فقال: " لا أدري حتى يأتيني جبريل ". ثم قال: " أين السائل عن ميراث العمَّة والخالة؟ ". قال: فأتى الرجل، فقال: "سارَّني جبريل أنَّه لا شيء لهما ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده غير مسعدة عن محمَّد بن عمرو، وهو ضعيفٌ، وضَّاعٌ للحديث، والصواب مرسل (7) .
قال المصنِّف: قال أحمد بن حنبل: مسعدة ليس بشيءٍ، خرقنا حديثه (8) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/411- رقمي: 2891، 2892) .
(2) "السنن الكبرى": (4/77- رقمي: 6355، 6356) .
(3) "سنن ابن ماجة": (2/914- 915- رقم: 2738) .
(4) "سنن البيهقي": (6/215) .
(5) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (الحطني) خطأ.
(6) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (تغلب) خطأ.
(7) "سنن الدارقطني": (4/99) ، وليس في المطبوعة كلمة: (وضاع للحديث) ، ولا ذكرها الغساني في " تخريج الأحاديث الضعاف ": (ص: 298- رقم: 677) .
(8) "العلل" برواية عبد الله: (3/267- رقم: 5179) .(4/254)
2617- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن زياد ثنا عبيد بن شريك ثنا أبو الجماهر ثنا الدَّرَاورديُّ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب إلى قباء يستخير في ميراث العمَّة والخالة، فأنزل الله عزَّ وجلَّ أن لا ميراث لهما (1) .
قال المصنِّف: هذا مرسلٌ.
ز: الحديث الأوَّل: لم يخرجوه.
والثاني: رواه أبو داود في "المراسيل " عن القَعْنَبِيِّ، عن الدَّرَاورديِّ (2) ، ورواه أبو نعيم ضِرار بن صُرَد- وهو ضعيفٌ- عن الدَّرَاورديُّ موصولاً بذكر أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه O.
*****
مسألة (599) : قاتل الخطأ لا يرث.
وقال مالكٌ: يرث من المال دون الدية.
لنا ثلاثة أحاديث:
2618- الحديث الأوَّل: قال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن إسحاق بن عبد الله عن الزهريِّ عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " القاتل لا يرث " (3) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (4/98) .
(2) " المراسيل ": (ص: 263- رقم: 361) .
(3) "الجامع": (3/612- رقم: 2109) .(4/255)
قال المصنِّف: إسحاق هو: الفرويُّ، متروكٌ.
ز: رواه ابن ماجة أيضًا عن محمَّد بن رمح عن الليث (1) .
وقال الترمذيُّ: هذا حديث لا يصحُّ، ولا يعرف إلا من هذا الوجه، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة تركه بعض أهل العلم (2) .
وقال البخاريُّ: إسحاق تركوه، ونهى أحمد بن حنبل عن حديثه (3) O.
2619- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا الحسن بن عرفة ثنا اسماعيل بن عيَّاش عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس للقاتل من الميراث شيءٌ" (4) .
ز: رواه النسائيُّ عن عليِّ بن حُجر عن إسماعيل بن عيَّاش عن ابن جريج ويحيى بن سعيد وذكر آخر، ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب به.
2620- وعن الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمر قال: إن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس لقاتل شيءٌ ".
قال النسائيُّ: وهو الصواب، وحديث إسماعيل خطأ (5) .
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (2/883- رقم: 2645) .
(2) "الجامع": (3/612- رقم: 2109) .
(3) "التاريخ الكبير": (1/396- رقم: 1260) .
(4) " سنن الدارقطي ": (4/96) .
(5) "السنن الكبرى": (4/79- رقمي: 6367-6368) ، ولم نر كلام النسائي في المطبوعة، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (6/341- رقم: 8817) .(4/256)
وقد جوَّد ابن عبد البر حديث إسماعيل هذا (1) ، والصواب ما قاله النسائيُّ.
وإسماعيل: ضعيف في روايته عن الحجازبين، والله أعلم O.
2621- الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبوطالب الحافظ ثنا عبد الله بن يزيد الأعمى (2) ثنا محمَّد بن سليمان بن أبي داود (3) ثنا عبد الله ابن جعفر (4) عن يحيى بن سعيدعن سعيد بن المسيَّب عن عمر قال: سمعت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليس لقاتل ميراث " (5) .
قال المصنِّف: إسماعيل بن عيَّاش قد تقدَّم الجرح فيه (6) .
ومحمَّد بن سليمان: قال فيه أبو حاتم الرازيُّ: منكر الحديث (7) .
ز: هذا إسناد لا يثبت، وهو غير مخرَّج في شيء من "السنن"، والصواب ما تقدَّم من رواية مالك عن يحيى بن سعيد (8) ، والله أعلم O.
احتجُّوا بثلاثة أحاديث:
__________
(1) قد ذكر ابن عبد البر في "التمهيد": (23/443) رواية إسماعيل، ولم يتكلم عليها بشيء، وكذلك لم نره تكلم عليها في " الاستذكار "، فلعل تجويده لهذه الرواية في كتابه المفرد في الفرائض، والذي سيشير إليه المنقح قريبًا: (ص: 261) .
(2) في هامش الأصل: (ينظر فيه) ا. هـ
(3) في هامش الأصل حاشة لم نتمكن من قراءتها.
(4) في هامش الأصل: (حـ: كأنه المديني) ا. هـ
(5) لم نقف عليه في مطبوعة "سنن الدارقطني"، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة": (12/170- رقم: 15333) .
(6) (ص: 250) .
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/267- رقم: 1459) .
(8) رقم: (2620) .(4/257)
2622 (1) - الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن جعفر المَطيريُّ ثنا إسماعيل بن عبد الله بن ميمون (2) ثنا عبيد الله بن موسى ثنا حسن ابن صالح عن محمَّد بن سعيد عن عمرو بن شعيب قال: أخبرني أبي عن جدِّي عبد الله بن عمرو أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام يوم فتح مكة، فقال: " لا يتوارث أهل ملَّتين، والمرأة ترث من دية زوجها وماله، وهو ورث من ديتها ومالها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدًا، فإن قتل أحدهما صاحبه عمدًا لم يرث من ديته وماله شيئًا، وإن قتل صاحبه خطًأ، ورث من ماله، ولم يرث من ديته ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: محمَّد بن سعيد هو: الطائفيُّ، ثقةٌ (3) .
قلت: الحسن بن صالح مجروحٌ، قال ابن حِبَّان: ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات.
ز: الحسن بن صالح هو: ابن حيٍّ، وهو من الثقات الحفَّاظ المخرَّج لهم في الصحيح (4) ، ولم يتكلَّم فيه ابن حِبَّان، وكلامه هذا الذي ذكره المؤلِّف في آخر مجهول، مختلف في نسبته، يروي عن ثابت عن أنس، ويقال له:
العجليُّ (5) ، وذكره المؤلِّف في "الضعفاء" وحكى كلام ابن حِبَّان فيه، ثم قال: والحسن بن صالح عشرة، ليس فيهم مطعون فيه غيره (6) .
__________
(1) حدث خطأ في الترقيم، فسقط رقم: (2623) ، والرقم الذي يلي هذا هو (2624) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: هو أبو النضر العجلي، قال النسائي: ليس به بأس) ا. هـ (3) "سنن الدارقطني": (4/72- 73) .
(4) "رجال صحيح مسلم": (1/132- رقم: 249) .
(5) "المجروحون": (1/234) ، وفيه: (الحسن بن مسلم) ، وذكر محققه أنه في المخطوطة: (الحسن بن صالح بن مسلم) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (1/203- رقم: 827) .(4/258)
وروى هذا الحديث ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد ومحمَّد بن يحيى، كلاهما عن عبيد الله بن موسى عن الحسن بن صالح عن محمَّد بن سعيد- وقال محمَّد بن يحيى: عن عمر بن سعيد- عن عمرو بن شعيب قال: حدَّثني أبي
عن جدِّي عبد الله بن عمرو به (1) .
وقد وقع في بعض النسخ المتأخرة: (عمرو بن سعيد) ، وكذلك هو في "الأطراف " لأبي القاسم، وهو خطأٌ، قال شيخنا أبو الحجَّاج: والصواب: (عمر بن سعيد) كما وقع في عامة الأصول القديمة (2) .
وقد فرَّق شيخنا في "التهذيب" بين راوي هذا الحديث عن عمرو (3) ، وبين محمَّد بن سعيد الطائفيّ (4) ، وعند الدَّارَقُطْنِيِّ أنَّه الطالفيُّ (5) .
وقد قال بعض الحفَّاظ في هذا الحديث: إنَّه منكر (6) .
وقال الإمام أبو بكر محمَّد بن داود الظاهريُّ في كتاب "الفرائض " له: وهذا الخبر عندنا ضعيف. والله أعلم O.
2624- الحديث الثاني: قال أبو داود: حدَّثنا عيسى بن يونس ثنا حجَّاج عن ابن أبي ذئب عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يرث قاتل عمد ولا خطأ من الدية ".
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (2/914- رقم: 2736) .
(2) "تحفة الأشراف": (6/329- رقم: 8766) .
(3) "تهذيب الكمال": (25/282) ؛ (21/367- رقم: 4244) .
(4) "تهذيب الكمال": (25/280- رقم: 5249) .
(5) "سنن الدارقطني": (4/73) .
(6) لعله يريد الذهبي، فقد حكم عليه بذلك في "تنقيحه": (8/219- رقم: 1898) .(4/259)
ز: هذا الحديث رواه أبو داود في "المراسيل " عن عيسى بن يونس هذا (1) ، وهو الطرسوسيُّ، ولا نعلم أحدًا روى عنه غير أبي داود.
وتمام الحديث: قال الزهريُّ: يرث من غيرها.
وحجاج هو: ابن محمَّد، أحد الأثبات، والله أعلم O.
2625- الحديث الثالث: رواه عبد الله بن الحكم (2) عن مسلمة بن عليٍّ عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال- في الرجل يقتل وليَّه خطأ-: " إنَّه يرث من ماله، ولا يرث من ديته ".
قال المصنِّف: وهذا مرسلٌ، ثم هو يخالف الأصول، وهو الميراث من بعض التركة، وراويه مسلمة بن عليٍّ: قال يحيى: ليس بشيء (3) . وقال الرازيُّ: لا يشتغل به (4) . وقال النسائيُّ (5) والدَّارَقُطْنِيُّّ (6) : متروكٌ.
*****
مسألة (600) : لا يرث اليهوديُّ النصرانيَّ، وكذلك كلُّ أهل ملتين.
وعنه: يتوارثون، وهو قول أبي حنيفة والشافعيِّ.
__________
(1) " المراسيل ": (ص: 261- رقم: 360) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: المعروف بالرواية عن مسلمة: عبد الله بن عبد الحكم الفقيه، والد محمَّد) ا. هـ
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/450- رقم: 5242) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/268- رقم: 1222) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 219- رقم: 570) وفيه: (متروك الحديث) .
(6) " تخريج الأحاديث الضعاف " للغساني: (ص: 181- رقم: 352) .(4/260)
لنا خمسة أحاديث:
2626- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا سفيان عن يعقوب ابن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتوارث أهل ملَّتين شتَّى " (1) .
قال المصنِّف: يعقوب: ضعيف الحديث.
ز: هذا الحديث لم ينفرد به يعقوب عن عمرو، فقد رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد عن حبيب المعلِّم عن عمرو، وقال: (عن جدِّه عبد الله بن عمرو) (2) .
وهذا إسنادٌ جيِّد إلى عمرو، قال أبو عمر بن عبد البر في "الفرائض " (3) له: هذا إسنادٌ لا مطعن فيه عند أحد من أهل العلم بالحديث. لكن تناقض أبو عمر لتضعيفه إياه في كتاب "التمهيد" (4) !
وقد رواه النسائيُّ من رواية عامر الأحول ويعقوب بن عطاء وغيرهما عن عمرو، وقال: يعقوب بن عطاء وعامر الأحول ليسا بالقويين في الحديث (5) .
وقد رواه ابن ماجة عن محمَّد بن رمح عن ابن لهيعة عن خالد ين يزيد
__________
(1) "المسند": (2/178) .
(2) "سنن أبي داود": (3/415- رقم: 2903) .
(3) هذا الكتاب لا نعلم عن وجوده شيئًا، وقد ذكره ابن عبد البر في مواضع من "التمهيد" و" الاستذكار ": (4/367، 368) ، وسمَّاه: " الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف ".
(4) "التمهيد": (9/172) .
(5) "السنن الكبرى": (4/82- رقمي: 6383، 6384) ، ولم نر كلام النسائي في المطبوعة، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (6/319- رقم: 8724) .(4/261)
عن المثنَّى بن الصبَّاح عن عمرو (1) ، والله أعلم O.
2627- الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا حميد بن مسعدة ثنا حُصين بن نمير عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتوارث أهل ملَّتين " (2) .
قال المصنِّف: لا يعرف إلا من حديث ابن أبي ليلى، وفيه ضعفٌ.
ز: هذا الحديث انفرد به الترمذيُّ، وقال: لا نعرفه من حديث جابر إلا من حديث ابن أبي ليلى (3) O.
2628- الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن محمَّد (4) ثنا عليُّ بن حرب ثنا الحسن بن محمَّد ثنا عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ووث أهل ملَّة أهل ملَّة" (5) .
ز: هذا الحديث غير مخرَّج في "السنن".
وعمر بن راشد اليماميُّ: ضعَّفه كثر الأمِّة، والترمذيُّ يحسِّن حديثه، فالله أعلم O.
2629- الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب أنا يونس قال: أخبرني ابن شهاب عن عليِّ بن
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (2/912- رقم: 2731) .
(2، 3) "الجامع": (3/611- رقم: 2108) .
(4) كذا بالأصل و"التحقيق"، وفي (ب) : (أحمد بن محمَّد) ، وفي "سنن الدارقطني": (أحمد بن عبد الله بن محمَّد) وهو الصواب.
(5) "سنن الدارقطني": (4/69) .(4/262)
الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنَّ النبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرث الكافر المسلم، ولا يرث المسلم الكافر " (1) .
ز: أخرجاه في "الصحيحين" من حديث ابن شهاب (2) O.
2630- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا النيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني محمَّد بن عمرو عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرث المسلم النصرانيَّ، إلا أن يكون عبده أو أمته ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: روي موقوفًا، وهو المحفوظ (3) .
ز: رواه النسائيُّ عن يونس بن عبد الأعلى (4) .
ومحمَّد بن عمرو هو: اليافعيُّ المصريُّ، وهو من رجال مسلم (5) ، ولم يرو عنه غير ابن وهب، ووثقه ابن حِبَّان (6) ، وقال أبو سعيد بن يونس: روى عنه ابن وهب وحده، وهو قريب السنِّ من ابن وهب، حدَّث بغرائب،
وما علمت حدَّث عنه غير ابن وهب (7) O.
*****
__________
(1) "سنن الدارقطني": (4/69) .
(2) "صحيح البخاري": (5/443) ؛ (فتح- 8/13- 14- رقم: 4282) .
"صحيح مسلم": (5/59) ؛ (فؤاد- 3/1233- رقم: 1614) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/74- 75) .
(4) "السنن الكبرى": (4/83- 84- رقم: 6389) .
(5) "رجال صحيح مسلم": (2/197- رقم: 1489) .
(6) "الثقات": (9/40) .
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (26/227- رقم: 5521) .(4/263)
مسألة (601) : إذا كان للميِّت أقارب كفَّار، فأسلموا قبل قسمة التركة، استحقُّوا الميراث.
وعنه: لا يستحقُّون شيئًا، وبه قال أكثرهم.
لنا أربعة أحاديث:
2631- الحديث الأوَّل: قال أبو داود: حدَّثنا حجَّاج بن أبي يعقوب ثنا موسى بن داود ثنا محمَّد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل قَسْمٍ قُسم في الجاهليَّة فهو على ما قُسم، وكلُّ فَسْمٍ أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام " (1) .
ز: رواه ابن ماجة عن العبَّاس بن جعفر بن أبي طالب- وهو أخو يحيى- عن موسى بن داود (2) .
ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن محمَّد بن منصور عن موسى (3) ، وإسناده جيِّدٌ O.
2632- الحديث الثاني: قال ابن ماجة: حدَّثنا محمَّد بن رمح ثنا عبد الله بن لهيعة عن عقيل أنَّه سمع نافعًا يخبر عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما كان من ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهليَّة، وما كان من ميراث أدركه الإسلام، فهو على قسمة الأسلام " (4) .
2633- الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/416- رقم: 2906) .
(2) "سنن ابن ماجة": (2/831- رقم: 2485) .
(3) لم نقف عليه في الرواية المطبوعة من "مسند أبي يعلى"، وقد خرجه الضياء في "المختارة": (9/521- رقم: 503) من رواية ابن المقرئ عن أبي يعلى.
(4) "سنن ابن ماجة": (2/918- رقم: 2749) .(4/264)
شعبة عن عمرو بن أبي حكيم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديليِّ قال: كان معاذ باليمن، فارتفعوا إليه في يهوديٍّ مات وترك أخاه مسلمًا، فقال معاذ: إنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الإسلام يزيد ولا ينقص ". فورَّثه (1) .
ز: رواه أبو داود من رواية شعبة وغيره عن عمرو (2) ، وهو ثقةٌ O.
2634- الحديث الرابع: قال سعيد بن منصور: حدَّثنا عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح عن محمَّد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أسلم على شيء فهو له " (3) .
ز: هذا إسنادٌ صحيحٌ، لكنَّّه مرسلٌ.
وفي الاستدلال بهذه الأحاديث على هذه المسألة نظرٌ، والله أعلم O.
__________
(1) "المسند": (5/230) .
(2) "سنن أبي داود": (3/415- 416- رقمي: 2904، 2905) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ذكر أبو القاسم وشيخنا هذا الحديث في ترجمة: أبي الأسود عن معاذ، وقد فكر. البيهقي من "سنن أبي داود" وأدخل بين أبي الأسود ومعاذ رجل- كذا-، فالله أعلم) ا. هـ
+والحديث رواه أبو داود (رقم: 2904) من طريق عمرو الواسطي عن عبد الله بن بريدة أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر- يهودي ومسلم- فورَّث المسلم منهما، وقال: حدَّثني أبو الأسود أن رجلاً حدَّثه أن معاذًا قال ... فذكره.
ثم روا. من طريق شعبة عن عمرو بن أبي حكيم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي أن معاذًا أتي ... إلخ.
والحافظ المزي في "تحفة الأشراف": (8/400- 401- رقم: 11318) ساق الإسنادين تحت ترجمة أبي الأسود عن معاذ بن جبل.
وانظر: "سنن البيهقي": (6/254- 255) .
" سنن سعيد بن منصور ": (3/1/76- رقم: 190) .(4/265)
مسألة (602) : الجدُّ يقاسم الإخوة للأب، ولا يحجبهم.
وقال أبو حنيفة: يسقطهم.
لنا:
أنَّ التوريث بالأخوة منصوصٌ عليه في القرآن، ولا يثبت حجبهم إلا بنصٍّ أو إجماعٍ.
احتجُّوا:
2635- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب بن خالد عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
قالوا: والجدُّ أولى رجل.
وربما رووا في حديث لهم: " فهو لأولى عصبة ". وما نحفظ هذه اللفظة.
قالوا: والجدُّ أولى عصبة، لأنَّ التعصيب منه نشأ.
قلنا: لا نسلِّم أنَّه أولى عصبة، ولا اعتبار بقولهم: (التعصيب منه نشأ) ، فإن تعصيب البنوة مقدَّم على تعصيب الأبوة، وإن كان ذاك أسبق، والجدُّ أسبق من الأب، والأب يسقطه.
__________
(1) "المسند": (1/292) .
(2) "صحيح البخاري": (8/409) ؛ (فتح- 12/11- رقم: 6732) .
"صحيح مسلم": (5/59) ؛ (فؤاد- 3/1233- رقم: 1615) .(4/266)
ز: الصحيح أنَّ الجدَّ يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات، كما يسقطهم الأب، وهذا قول كثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو محمَّد بن حزم: هو الثابت عن أبي بكر وعمر وعثمان (1) .
وقال البخاريُّ: وقال أبو بكر وابن عبَّاس وابن الزبير: الجدُّ أبٌ، وقرأ ابن عبَّاس: (يَا بَنِي آدَمَ) [الأعراف: 26] ، (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) [يوسف: 38] ، ولم يُذكر أنَّ أحدًا خالف أبا بكر في زمانه، وأصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوافرون، ويُذكر عن عمر وعليٍّ وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة (2) .
والدليل على أنَّ الجدَّ أولى من الأخ:
أنَّ الجدَّ له قرابة إيلاد وبعضيَّة فأشبه الأب.
وإذا ازدحمت الفروض سقط الأخ دونه، ولا يسقطه أحد إلا الأب، والأخ والأخوات يسقطون بثلاثة.
ويجمع له بين الفرض والتعصيب كالأب، وهم ينفردون بواحد منهما.
وشمقط ولد الأم، وولد الأب يسقطون بهم بالإجماع إذا استغرقت الفروض المال، وكانوا عصبة، وكذلك ولد الأبوين في المشرَّكة عند الأكثرين.
ولأنه لا يقتل بقتل ابن ابنه، ولا يحدُّ بقذفه، ولا يقطع بسرقة ماله، وتجب عليه نفقته، ويمنع من دفع زكاته إليه كالأب سواء؛ فدلَّ ذلك على قربه.
__________
(1) انظر: "المحلى": (8/314- 315- المسألة رقم: 1731) .
(2) "صحيح البخاري": (8/410- 411) ؛ (فتح- 12/18- كتاب الفرائض- الباب رقم:9) .(4/267)
ولأنَّ ابن الإبن- وإن نزل- يقوم مقام أبيه في الحجب، فكذلك أبو الأب يجب أن يقوم مقام ابنه: ولذلك قال ابن عبَّاس: ألا يتَّقي الله زيد؟! يجعل ابن الابن ابنا، ولا يجعل أبا الأب أبا!
ولأنَّ أبا الأب- و [إن] (1) علا- يسقط بني الإخوة، ولو كانت قرابة الأخ والجدِّ واحدة = لوجب أن يكون أبو الجد مساويا لبني الأخ، لتساوي درجة من أدليا به (2) .
واعلم أن لشيخنا العلامة أبو العبَّاس في هذه المسألة مصنفًا جليلاً، فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه.
ثم إني بعد [أن] (3) كتبت هذا الكلام بمدَّة جمعت الآثار الواردة في هذه المسألة، وذكرت ما جاء عن الصحابة والتابعن ومن بعدهم من الاختلاف فيها في عدَّة كراريس، ثم حكيت كلام شيخنا بحروفه في آخر ذلك، والله أعلم O.
*****
مسألة (603) : الأخوات مع البنات عصبة، خلافًا لابن عبَّاس.
2636- قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي قيس عن الهزيل (4) بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى أبي موسى وسلمان بن ربيعة،
__________
(1) زيادة من (ب) .
(2) ذكر نحوًا من هذا الكلام بطوله: ابن قدامة في "المغني": (9/66- 68) تحت باب* ميراث الجد.
(3) زيادة من (ب) .
(4) في "التحقيق": (هذيل) .
وفي هامش الأصل: (حـ: كان فيه: " هذيل " وهو خطأ) ا. هـ(4/268)
فسألهما عن: (ابنة، وابنة ابن، وأخت لأب وأمٍّ:) ، فقالا: للابنة النصف، وللأخت النصف؛ وائت ابن مسعود فإنَّه سيتابعنا. فأتى ابن مسعود، فقال: لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين! سأقضي فيها بما قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت (1) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (2) .
*****
مسألة (604) : يرث من الجدَّات للأب: (أمُّ أمِّه، وأمُّ أبيه، وأمُّ جدِّه) .
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: ترث الجدَّات وإن كثرن.
وقال مالكٌ وداود: لا ترث إلا جدَّتان: (أمُّ أمِّه وأمُّ أبيه) وأمُّهاتهما وإن علون.
2637- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا موسى ابن عيسى بن المنذر ثنا أحمد بن خالد الوهبيُّ ثنا خارجة بن مصعب عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث جدَّات السدس، ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأمِّ (3) .
ز: هذا مرسلٌ، وخارجة بن مصعب ضعَّفه ابن معين (4) وغيره،
__________
(1) "المسند": (1/389) .
(2) "صحيح البخاري": (8/410) ؛ (فتح- 12/17- رقم: 6736) .
(3) "سنن الدارقطني": (4/90) .
(4) " معرفة الرجال " برواية ابن محرز: (1/68- رقم: 143) .(4/269)
وقال النسائيُّ وغيره: متروكٌ (1) .
وهذا الحديث مشهور من مراسيل إبراهيم:
2638- قال سعيد: ثنا ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَّث ثلاث جدَّات، ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأمِّ (2) .
2639- وقال أحمد: ثنا معاوية (3) عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يورِّثون من الجدَّات ثلاثًا: جدَّتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأمِّ.
2640- وقال أيضا: ثنا وكيع ثنا الفضل عن الحسن أنَّ النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَّث ثلاث جدَّات.
2641- ثنا وكيع ثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله أنَّه قال: ترث ثلاث جدَّات: جدَّتان من قبل الأب، وواحدة من قبل الأمِّ.
2642- ثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن زيد بن ثابت: كان يورِّث ثلاث جدَّات: ثنتين من قبل أبيه، وواحدة من قبل أمه.
وقال محمَّد بن نصر: جاءت الأخبار عن أصحاب النبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجماعة من التابعين أنَّهم ورَّثوا ثلاث جدَّات، مع الحديث المنقطع الذي روي عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه ورَّث ثلاث جدَّات، ولا نعلم عن أحد من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف ذلك، إلا ما روينا عن سعد بن أبي وقَّاص مما لا يثبت أهل المعرفة بالحديث إسناده (4) O.
*****
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 92- رقم: 174) وفيه: (متروك الحديث) .
(2) انظر: " سنن سعيد بن منصور ": (1/3/54) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، ولعل الصواب: (أبو معاوية) ، وقد روى هذا الخبر سعيد بن منصور في "سننه": (1/3/57- رقم: 94) من طريقه عنه عن الأعمش.
(4) "سنن البيهقي": (6/235) .(4/270)
مسألة (605) : ترث أمُّ الأب مع الأب.
وعنه: لا ترث، كقولهم.
لنا:
أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَّث جدَّةً وابنها حيٌّ.
2643- قال الترمذيُّ: حدَّثنا الحسن بن عرفة ثنا يزيد بن هارون عن محمَّد بن سالم عن الشعبيِّ عن مسروق عن عبد الله قال في الجدَّة مع ابنها: إنَّها أوَّل جدَّة أطعمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع ابنها، وابنها حيٌّ (1) .
ز: محمَّد بن سالم ضعَّفوه.
وقال الترمذيُّ في هذا الحديث: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه.
وقال البيهقيُّ: محمَّد بن سالم ينفرد به هكذا، وروي عن يونس عن ابن سيرين قال: أنبئت، وعن أشعث بن سوار عن ابن سيرين عن عبد الله، وعن أشعث بن عبد الملك عن الحسن وابن سيرين عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحديث يونس وأشعث منقطع، ومحمَّد بن سالم غير محتجٍّ به، وإنَّما الرواية الصحيحة فيه عن عمر وعبد الله وعمران بن حصين (2) .
2644- وقال الإمام أحمد: حدََثنا وكيع ثنا سفيان عن أشعث عن ابن سيرين أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطعم جدَّة مع ابنها السدس، فكانت أول جدَّة ورثت في الإسلام.
__________
(1) "الجامع": (3/606- رقم: 22102) .
(2) "سنن البيهقي": (6/226) .(4/271)
2645- ثنا هشيم عن أشعث عن الحسن أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَّث جدَّة وابنها حيٌّ.
2645/أ- ثنا وكيع ثنا الفضل عن الحسن أنَّ عمر ورَّث جدَّة مع ابنها.
2645/ب- ثنا يزيد بن هارون أنا أشعث بن سوار عن ابن سيرين أنَّ أوَّل جدَّة أطعمت [في] (1) الإسلام: أمُّ أب، وابنها حيٌّ.
2645/جـ - ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن إسماعيل عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله أنَّه كان يورِّث الجدَّة مع ابنها.
2645/د- ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الشعبيِّ عن ابن مسعود أنَّ أوَّل جدَّة ورثت في الإسلام: جدَّة مع ابنها. وأنَّ عليًّا وزيدًا كانا لا يورثانها.
2645/هـ- ثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة سمع سعيد بن المسيَّب يقول: ورَّث عمر جدَّة رجل من ثقيف مع ابنها، وهو حيٌّ.
وقال مرَّة: أنَّ عمر قال: ترث مع ابنها O.
*****
مسألة (606) : عصبةُ ولد الملاعنة= أمُّه، فإن عدمت فعصباتها من بعدها.
وعنه: عصبته عصبة أمِّه.
وقال أبوحنيفة: ترثه أمُّه بالفرض والردِّ.
__________
(1) زيادة من (ب) .(4/272)
وقال مالكٌ والشافعيُّ: ترث أمُّه الثلثَ، والباقي لبيت المال، ولا تكون هي ولا عصباتها عصبة له.
2646- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد بن عبد ربِّه ثنا محمَّد بن حرب الخولانيُّ قال: حدَّثني [عمر] (1) بن رؤبة قال: سمعت عبد الواحد النصريَّ يقول: سمعت واثلة بن الأسقع يذكر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المرأة تحوز (2) ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، والولد الذي لاعنت عليه " (3) .
قال أبو حاتم الرازيُّ: عبد الواحد النصريُّ لا يحتجُّ به (4) .
ز: رواه أصحاب " السنن الأربعة " من رواية محمَّد بن حرب (5) .
وقال الترمذيُّ: حديث حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه الا من حديث محمَّد ابن حرب.
ورواه النسائيُّ أيضًا عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن بقيَّة عن أبي سلمة سليمان بن سليم الحمصيِّ عن عمر (6) .
وعبد الواحد بن عبد الله النصريُّ: روى له البخاريُّ في "صحيحه" (7) ،
__________
(1) في الأصل: (عمرو) ، والتصويب من (ب) .
(2) في "التحقيق": (تحرز) .
وفي هامش الأصل: (خ: تحرز) ا. هـ
(3) "المسند": (4/107) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/22- رقم: 115) .
(5) "سنن أبي داود": (3/414- رقم:2898) ؛ "الجامع" للترمذي: (3/615- 616 - رقم: 2115) ؛ "السنن الكبرى" للنسائي: (4/78- رقم: 6361) ؛ " سنن ابن ماجة ": (2/916- رقم: 2742) .
(6) "السنن الكبرى": (4/78- رقم: 6360) .
(7) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/911- رقم: 980) .
وفي هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها.(4/273)
ووثَّقه العجليُّ (1) والدَّارَقُطْنِيُّ (2) وغيرهما.
وعمر بن رؤبة التغلبيُّ الحمصيُّ: محلُّه الصدق، قال دحيم: لا أعلمه إلا ثقة (3) ، وقال البخاريُّ: فيه نظرٌ (4) . وقال أبو حاتم: صالح الحديث (5) . وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" (6) .
واعلم أن هذا الحديث قد تكلَّم فيه الشافعيُّ وغيره (7) ، لكن له شواهد تقوِّيه، والقياس يشهد له ولشواهده بالصحَّة، فإنَّ الولاء مُفرَّعٌ على النسب وملحق به، والولاء في الأصل لموالي الأب، فإذا تعذَّر عوده إليهم صار لموالي الأمّ،
وصاروا عصبة العتيق، فهكذا النسب هو في الأصل للأب، فإذا انقطع النسب من جهته- بلعان أو زنا- عاد إلى جهة الأمّ، وصار عصبةُ الأم عصبةَ الولد، كما كان مواليها مواليه عند انقطاع الولاء من جهة الأب، وعلى هذا فإذا اعترف المتلاعنين بالولد عاد التعصيب، إليه، وانقطع من جهة الأمِّ، وهذا قياسٌ جليٌّ.
وإذا تبيَّن أنَّ عصبتَه عصبةُ أمِّه، فبطريق الأولى تكون هي عصبتَه، لأنَّهم مُفرَّعون عليها وهي الأصل، وتعصيبهم إنَّما نشأ من جهتها؛ فكيف يكونون عصبةً وهي لا تكون عصبة، وهي أقرب منهم وأصلٌ لهم، وبها يدلون إلى هذا الولد؟! وهذا ظاهرٌ بحمد الله (8) .
__________
(1) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 2/107- رقم: 1144) .
(2) "سؤالات البرقاني": (ص: 45- رقم: 306- ط. الهند) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (21/344- رقم: 4232) .
(4) "التاريخ الكبير": (6/155- رقم: 2008) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/108- رقم: 570) وفيه: (سألته عنه، فقال: صالح الحديث. فقلت: تقوم به الحجة؟ فقال: لا، ولكن صالح) .
(6) "الثقات": (7/175) .
(7) انظر: "الأم": (4/82) ، و"المعرفة" للبيهقي: (5/74- رقم: 3890) .
(8) انظر: "تهذيب السنن" لابن القيم: (مع العون- 8/116- رقم: 2889) .(4/274)
وأيضًا فهي قد قامت مقام أبيه وأمِّه في انتسابه إليها، فصارت هي أصل نفسه وجهة الأبوة معدومة في حقِّه، فلم ينشأ نسبه إلا من جهتها، فوجب أن تحوز ميراثه هي وعصبتها من بعدها، والله أعلم O.
2647- وقال أبو داود: حدَّثنا موسى بن إسماعيل ثنا حمَّاد ثنا داود بن أبي هند عن عبد الله بن عبيد عن رجل من أهل الشام أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ولد الملاعنة عصبته عصبة أمِّه " (1) .
ز: هذا الحديث منقطعٌ. قاله البيهقيُّ (2) .
2648- وقال أبو داود: ثنا محمود بن خالد وموسى بن عامر قالا: ثنا الوليد ثنا ابن جابر عن مكحول قال: جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميراث ابن الملاعنة لأمِّه، ولورثتها من بعدها.
2649- قال: وحدَّثنا موسى بن عامر ثنا الوليد أخبرني عيسى أبو محمَّد عن العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله (3) O.
*****
مسألة (607) : لا يرث المولود ولا يورث، حتَّى يستهلَّ صارخا.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: إذا تنفَّس وتحرَّك يورَّث (4) .
__________
(1) " المراسيل ": (ص: 265- رقم: 362) .
(2) "سنن البيهقي": (6/259) .
(3) "سنن أبي داود": (3/414- رقمي: 2899- 2900) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: عند أحمد، إذا تنفس يورث أيضًا) ا. هـ(4/275)
لنا:
2650- ما رواه ابن ماجة، قال: حدَّثنا هشام بن عمَّار ثنا الربيع بن بدر ثنا أبو الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا استهلَّ الصبيُّ صُلِّي عليه وورِّث " (1) .
ز: الربيع بن بدر: يعرف بـ " عُلية "، ضعَّفوه، وقال النسائيُّ وغيره: متروكٌ (2) .
2651- وقد روى الترمذيُّ من حديث إسماعيل بن مسلم المكِّيِّ عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا قال: " الطفل لا يصلَّى عليه، ولايورث، ولا يرث، حتى يستهلَّ ".
وقال: هذا حديث قد اضطرب الناس فيه: فرواه بعضهم مرفوعًا، ورواه أشعث بن سوار وغير واحد عن أبي الزبير عن جابر موقوفًا، وكأنَّ هذا أصحّ من الحديث المرفوع (3) .
وقد رواه النسائيُّ من رواية المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا.
ورواه من رواية ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في المنفوس: يرث إذا سمع صوته. موقوفًا.
وقال: هذا أولى بالصواب من حديث المغيرة بن مسلم، وعند المغيرة
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (2/919- رقم: 2750) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 102- رقم: 200) وفيه: (متروك الحديث) .
(3) "الجامع": (2/339- رقم: 1032) مع اختلاف في كلام الترمذيِّ، وانظر: " تحفة الأشراف " للمزى: (2/288- رقم: 2660) .(4/276)
ابن مسلم عن أبي الزبير غير حديث منكر، وابن جريج أثبت من المغيرة (1) .
وقد رواه الطبرانيُّ من رواية إسحاق الأزرق عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا (2) .
وكذلك رواه البيهقيُّ من رواية بقية عن الأوزاعيِّ عن أبي الزبير، وقال: ورواه أيضًا المغيرة بن صالح عن أبي الزبير مرفوعًا (3) .
وقد رواه ابن إسحاق عن عطاء عن جابر موقوفًا O.
2652- وقال أبو داود: حدَّثنا حسين بن معاذ ثنا عبد الأعلى ثنا محمَّد ابن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا استهلَّ المولود ورِّث " (4) .
ز: هذا إسناد جيِّدٌ.
وحسن: قال أبو داود: كان ثبتا في عبد الأعلى (5) . وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" (6) O.
*****
__________
(1) "السنن الكبرى": (4/77- رقمي: 6358، 6359) ، وسقط منه كلام النسائي في المغيرة، وهو في "تحفة الأشراف" للمزي: (2/330- رقم: 2875) .
(2) ومن طريق الطبراني: خرجه البيهقي في "سننه": (4/8- 9) .
(3) "سنن البيهقي": (4/8- 9) .
(4) "سنن أبي داود": (3/420- رقم: 2912) .
(5) " سؤالات الآجري ": (1/355- رقم: 625) .
(6) "الثقات": (8/187) .(4/277)
مسائل العتق (1)
مسألة (608) : المعتق بعضه: يرث ويورَّث بقدر ما فيه من الحريَّة.
وقال مالكٌ: لا يرث ولا يورَّث.
وقال الشافعيُّ: لا يرث، وهل يورَّث؟ على قولين.
ولا يتصور مع أبي حنيفة، فإنَّ عنده يستسعى وهو حرٌّ.
2653- قال النسائيُّ: أخبرنا محمَّد بن عيسى النقاش ثنا يزيد بن هارون أنا حمَّاد عن قتادة عن خلاس عن عليٍّ وعن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المكاتب يعتق منه بقدر ما أدَّى، ويقام عليه الحدُّ بقدر ما عتق منه، ويرث بقدرما عتق منه " (2) .
ز: هذا الحديث روي موقوفًا ومرسلاً، وفي إسناده اختلافٌ، وقد رواه أبو داود (3) والترمذيُّ (4) من حديث ابن عبَّاس، وحسَّنه الترمذيُّ، والله أعلم O.
*****
__________
(1) ذكر ابن الجوزي من مسائل العتق ما يتعلق بالفرائض، وأبقى باقي المسائل في موضعها من آخر الكتاب (5/91) .
(2) "سنن النسائي": (8/46- رقم: 4811) .
(3) "سنن أبي داود": (5/174- رقمي: 4571- 4572) .
(4) "الجامع": (2/537- 538- رقم: 1259) .(4/278)
مسألة (609) : إذا أعتق عن الغير بغير إذنه، فالولاء للمعتق.
وقال مالكٌ: للمعتق عنه.
لنا:
حديث عائشة: " إنَّما الولاء لمن أعتق ".
وقد سبق بإسناده، وهو في "الصحيحين" (1) .
*****
مسألة (610) : إذا أعتق المسلم عبدًا ذميًّا ورثه بالولاء.
وقال أكثرهم: لا يرثه، إلا أن يموت العبد مسلمًا.
لنا:
قوله: " الولاء لمن أعتق ".
ولنا حديث جابر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرث السلم النصرانيَّ، إلا أن يكون عبده أو أمته ".
وقد سبق بإسناده (2) .
*****
__________
(1) رقم: (2334) .
(2) رقم: (2630) .(4/279)
مسألة (611) : بنت المولى ترث بالولاء.
وعنه: لا ترث، كقول كثرهم.
2654- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن زياد ثنا محمَّد بن غالب ثنا سليمان بن داود المنقريُّ ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن جابر ابن زيد عن ابن عبَّاس أن مولى لحمزة توفي، وترك ابنته وابنة حمزة، فأعطى
النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته النصف، ولابنة حمزة النصف (1) .
ز: سليمان بن داود: هو الشاذكونيُّ، وقد ضعَّفوه، وكذَّبه ابن معين (2) وغيره، وقال أبو حاتم: متروك الحديث (3) . وقال البخاريُّ: هو عندي أضعف من كلِّ ضعيفٍ (4) .
وقد روي أنَّ ابنة حمزة هي المُعْتِقَةُ:
2655- قال النسائيُّ: أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار الكوفيُّ ثنا حسين بن عليٍّ الجعفيُّ عن زائدة عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شدَّادٍ عن ابنة حمزة قالت: مات مولى لي، وترك ابنته، فقسم
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف ولها النصف.
2656- أخبرني أبو بكر بن عليٍّ ثنا عبد الأعلى ثنا حمَّاد بن سلمة عن عبد الله بن عون عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد أنَّ ابنة حمزة ابن عبد المطلب أعتقت مملوكًا لها، فمات، وترك ابنته ومولاته، فورثته ابنته
__________
(1) "سنن الدارقطني": (4/83- 84) .
(2) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 281- رقم: 35) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/115- رقم: 498) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/47- رقم: 4627) .(4/280)
النصف، وورثته ابنة حمزة النصف.
قال أبو عبد الرحمن: وهذا أولى بالصواب من الذي قبله (1) .
وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: هو منقطعٌ، وقد قيل: عن الشعبيِّ عن عبد الله بن شدَّادٍ عن أبيه، وليس بمحفوظٍ (2) .
وقد روى ابنُ ماجة هذا الحديث عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حسين الجُعفيّ (3) .
ورواه أبو داود في "المراسيل " عن محمَّد بن المثنَّى عن محمَّد بن جعفر عن شعبة عن الحكم بنحوه، وقال: رواه عدَّةٌ عن عبد الله بن شدَّادٍ أنَّ بنت حمزة هي المُعْتِقَةُ (4) O.
*****
__________
(1) "السنن الكبرى": (4/86- رقم: 6399) .
(2) "سنن البيهقي": (6/241) .
(3) "سنن النسائي": (2/913- رقم: 2734) .
(4) " المراسيل ": (ص: 267- 268- رقم: 364) .(4/281)
كتاب النكاح
مسألة (612) : الاشتغال بالنكاح في حقِّ غير التائق أفضل من التشاغل بنفل العبادة.
وقال الشافعيُّ: نفل العبادة له أفضل.
لنا أحاديث:
2657- الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يعلى بن عبيدٍ ثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبابًا ليس لنا شيءٌ، فقال: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنَّ الصوم له وجاء " (1) .
ز: أخرجاه في "الصحيحين" من حديث الأعمش عن عمارة (2) ، ومن حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود (3) O.
2658- والثاني: في "الصحيحين" من حديث أنس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لكنِّي أصوم وأفطر، وأتزوَّج النساء، فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي " (4) .
__________
(1) "المسند": (1/424) .
(2) "صحيح البخاري": (7/5) ؛ (فتح- 9/106- رقم: 5065) .
"صحيح مسلم": (4/128) ؛ (فؤاد- 2/1018- 1019- رقم: 1400) .
(3) "صحيح البخاري": (3/478) ؛ (فتح- 4/119- رقم: 1905) .
"صحيح مسلم": (4/128) ؛ (فؤاد- 2/1019- رقم: 1400) .
(4) "صحيح البخاري": (7/4) ؛ (فتح- 9/104- رقم: 5063) .
"صحيح مسلم": (4/129) ؛ (فؤاد- 2/1020- رقم: 1401) .(4/282)
2659- والثالث: رواه أحمد من حديث أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًّا شديدًا، ويقول: " تزوَّجوا الودود الولود، إنِّي مكاثر الأنبياء بكم يوم القيامة " (1) .
ز: رواه أحمد عن عفَّان عن خلف بن خليفة عن حفص عن أنس، ولا أدري لم لم يذكر المؤلِّف إسناده، وإسناد الذي قبله، وإسناد ما بعده من الأحاديث؟! O.
2660- والرابع: رواه أحمد من حديث أبي ذرٍّ أنَّ النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعكاف بن بشر: " هل لك من زوجة؟ ". قال: لا. قال: " ولا جارية؟ ".
قال: ولا جارية. قال: " وأنت موسر بخير؟ ". قال: وأنا موسر. قال: " أنت إذا من إخوان الشياطين، إنَّ سنَّتنا النكاح، شراركم عزَّابكم (2) ، وأراذل موتاكم عزَّابكم، أبا لشياطين تمرَّسون " (3) .
ز: هذا حديثٌ ضعيفٌ، واختصره المؤلِّف، وقد رواه أحمد بطوله (4) عن عبد الرزَّاق عن محمَّد بن راشد عن مكحولٍ عن أبي ذرٍّ (5) .
وقيل: إنه موضوع.
__________
(1) "المسند": (3/158) .
(2) في " التحقيق ": (عذَّابكم) !
(3) "المسند": (5/163- 164) .
(4) في هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها.
(5) كذا بالأصل و (ب) ، والحديث في "المسند" و"أطرافه" لابن حجر: (6/213- رقم: 8142) : (عن مكحول عن رجل عن أبي ذر) ، وكذا هو في" مصنف عبد الرزاق ": (6/171- رقم: 10387) .
(فائدة) : قال الحافظ ابن حجر في "أطراف المسند": (الرجل المبهم هو غضيف بن الحارث، سمَّاه محمَّد بن أبي السري عن عبد الرزاق، وذكره ابن منده في "المعرفة" عنه، وللحديث طرق عزيزة) ا. هـ(4/283)
وقد اختلف في إسناده:
2661- قال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ثنا بقيَّة بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحولٍ عن غضيف بن الحارث عن عطيَّة بن بُسْر المازنيِّ قال: جاء عكاف بن وداعة الهلاليُّ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " يا عكاف، ألك زوجة؟ ... " الحديث بطوله (1) O.
احتجُّوا بثلانة أحاديث:
2662- أحدها في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ الله عز وجل يقول: الصوم لي " (2) .
2663- والثاني: في أفراد البخاريِّ من حديث أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يروي عن ربِّه عز وجل أنَّه قال: " ما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتَّى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به " (3) .
قالوا: ومثل ذلك لا يُلفَى في النكاح.
2664- والثالث-: رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن سالم عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعلموا أنَّ خير أعمالكم الصلاة " (4) .
__________
(1) "مسند أبي يعلى": (12/260- 262- رقم: 6856) .
(2) "صحيح البخاري": (3/478) ؛ (فتح- 4/118- رقم: 1904) .
"صحيح مسلم": (3/158) ؛ (فؤاد- 2/807- رقم: 1151)
(3) "صحيح البخاري": (8/353) ؛ (فتح- 11/340- 341- رقم: 6502) .
(4) "المسند": (5/276- 277) .(4/284)
ز: رواه ابن ماجة من رواية منصور عن سالم (1) ، وهو ابن أبي الجعد، ولم يسمع من ثوبان، بينهما معدان. قاله أحمد بن حنبل (2) .
وقد رواه أبو كبشة السلوليُّ وسلمان بن شُمير (3) وعبد الرحمن بن ميسرة عن ثوبان، فهو إذا حديث صحيح O.
*****
مسألة (613) : لا يجوز للمرأة أن تلي عقد النكاح.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
وقال محمَّد بن الحسن: إن أذن لها وليُّها صحَّ.
وقال مالكٌ: لا تلي، وهل لها أن تأذن لرجل أن يزوِّجها؟ على ثلاث روايات عنه: إحداهن: يجوز؛ والثانية: لا يجوز؛ والثالثة: إن كانت شريفة لم يجز، وإن كانت دنئة جاز.
وقال داود: إن كانت ثيِّبًا جاز.
لنا ثمانية إحاديث:
2665- الحديث الأوَّل: قال الترمذيُّ: حدَّثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان ابن عيينة عن ابن جريج عن سليمان عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة أنَّ رسول
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (1/101- 102- رقم: 277) .
(2) " المراسبل ": (ص: 79- 80- رقم: 285) و"الجرح والتعديل": (4/181- رقم: 785) كلاهما لابن أبي حاتم، من رواية محمَّد بن يحيى.
(3) كذا بالأصل و (ب) ، ولعل الصواب: (سُمير) بالمهملة، والله أعلم.(4/285)
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما امرأة نُكحت بغير إذن وليِّها، فنكاحها باطلٌ، فنكاحها باطلٌ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحلَّ من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له " (1) .
فإن قيل: قد قال ابن جريج: لقيت الزهريَّ فأخبرته بهذا الحديث، فأنكره (2) .
قلنا: هذا الحديث صحيحٌ، ورجاله رجال الصحيح، وقد أخرجه أبو عبد الله الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " (3) ، وما ذكرتموه عن ابن جريج فإنَّه ليس في هذه الرواية التي ذكرناها، قال الترمذيُّ: لم يذكره عن ابن جريج إلا ابن عليَّة، وسماعه من ابن جريج ليس بذاك (4) .
2666- وقد رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا إسماعيل ثنا ابن جريج قال: أخبرني سليمان بن موسى عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا نكحت المرأة بغير إذن وليِّها فنكاحها باطل، فنكحها باطل، فان أصابها فلها مهرها بما أصابها، فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له ".
قال ابن جريج: فلقيت الزهريَّ فسألته عن هذا الحديث، فلم يعرفه، قال: وكان سليمان بن موسى وكان ... فأثنى عليه (5) .
قال المصنِّف: قلت: وإذا ثبت هذا عن الزهريِّ كان نسيانا منه، وذلك لا يدلُّ على الطعن في سليمان لأنَّه ثقةٌ، ويدلُّ على أنَّه نسي: أنَّ هذا
__________
(1) "الجامع": (2/392- 393- رقم: 1102) .
(2) "الجامع" للترمذي: (2/395- رقم: 1102 م) .
(3) "المستدرك": (2/168) .
(4) انظر ما يأتي في كلام المنقح.
(5) "المسند": (6/47) .(4/286)
الحديث قد رواه عنه جعفر بن ربيعة وقرَّة بن عبد الرحمن وابن إسحاق، فدلَّ على ثبوته عنه.
والإنسان قد يحدِّث وينسى، قال أحمد بن حنبل: كان ابن عيينة يحدِّث بأشياء ثم يقول: ليس هذا من حديثي، ولا أعرفه. وروي عن سهيل بن أبي صالح أنه ذُكر له حديثٌ فأنكره، فقال له ربيعة: أنت حدَّثتني به عن أبيك! فكان
سهيل يقول: حدَّثني ربيعة عنِّي! وقد جمع الدَّارَقُطْنِيُّ جزءًا فيمن حدَّث ونسي (1) .
ز: هذا الحديث رواه أبو داود (2) وابن ماجة (3) أيضًا من حديث ابن جريجٍ عن سليمان، وحسَّنه الترمذيُّ.
وقول المؤلِّف: (ورجاله رجال الصحيح) فيه نظرٌ، فإنَّ سليمان بن موسى ليس هو من رجال الصحيح، بل هو إمام صدوق، قال النسائيُّ: هو أحد الفقهاء، وليس بالقويِّ في الحديث (4) . وقد تكلَّم المؤلِّف فيه في بعض
المواضع، وإنَّما غرَّه في هذا القول إخراج الحاكم له، والحاكم قد عرف تساهله، مع أن هذا الحديث من أجود ما رواه الحاكم في " مستدركه ".
وما حكاه المؤلِّف عن الترمذيِّ (من أنَّ سماع ابن عليَّة من ابن جريجٍ ليس بذاك) ، ليس هو من قول الترمذيِّ، وإنَّما الترمذيُّ حكاه عن يحيى بن معين (5) ، وقد تكلَّم في حكاية ابن عليَّة عن ابن جريج هذه: أحمد (6) وابن
__________
(1) ذكره الروداني في " صلة الخلف بموصول السلف ": (ص: 212- حرف الجيم) .
(2) "سنن أبي داود": (3/20- رتم: 2076) .
(3) "سنن ابن ماجة": (1/605- رقم: 1879) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 116- رقم: 252) .
(5) "الجامع": (2/395- رقم: 1102 م) .
(6) "العلل" لابن أبي حاتم: (1/408- رقم: 1224) ، و"المستدرك" للحاكم: (2/169) ، و"سنن البيهقي": (7/105- 106) .(4/287)
معين (1) وغيرهما.
وقد صحَّح حديث سليمان هذا: ابنُ معين في رواية الدوريِّ عنه (2) ، والبيهقيُّ (3) ، وغير واحد.
وضعَّفه: أحمدُ في رواية حربٍ عنه.
وحديث جعفر بن ربيعة عن الزهريِّ: رواه أبو داود عن القعنبيِّ عن ابن لهيعة عنه، وقال: جعفر لم يسمع من الزهريِّ، كتب إليه (4) O.
وقد روي هذا الحديث عن عائشة بلفظٍ آخر:
2667- قال الإمام أحمد: حدَّثنا مُعَمَّر بن سليمان الرَّقِّيُّ ثنا حجَّاج عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليٍّ، والسلطان وليٌّ من لا وليَّ له " (5) .
قال المصنِّف: الحجَّاج هو: ابن أرطأة، وهو ضعيفٌ.
ز: رواه ابن ماجة عن أبي كريب عن ابن المبارك عن حجَّاج (6) O.
وقد روي هذا الحديث عن عائشة بلفظٍ آخر:
2668- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو ذرٍّ أحمد بن محمَّد ثنا أحمد بن
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (3/86- رقم: 361) ؛و"الجامع"للترمذي: (2/395- رقم: 1102 م) ؛ و"المستدرك" للحاكم: (2/169) ؛ و"سنن البيهقي": (7/106) .
(2) "التاريخ" برواية الدورى: (3/232- رقم: 1089) .
(3) "سنن البيهقي": (7/107) .
(4) "سنن أبي داود": (3/20- رقم: 2077) .
(5) "المسند": (1/250- 251) .
(6) "سنن ابن ماجة": (1/605- رقم: 1880) .(4/288)
الحسين بن عبَّاد النسائيُّ ثنا محمَّد بن يزيد بن سنان ثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليِّ وشاهدي عدلٍ " (1) .
قال المصنِّف: في هذا الإسناد يزيد بن سنان، قال أحمد (2) وعليٌّ (3) : هو ضعيفٌ. وقال يحيى: ليس بثقةٍ (4) . وقال النسائيُّ: متروك الحديث (5) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو وأبوه ضعيفان.
ز: قول الدَّارَقُطْنِيِّ إنَّما هو في محمَّد وأبيه، وهما راويا الحديث، لا في يزيد وأبيه (6) ، وكذلك ذكره المؤلِّف في "الضعفاء" (7) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رواه عن هشام: سعيد بن خالد بن عبد الله بن عمرو ابن عثمان ونوح بن دراج وعبد الله بن حكيم، وقالوا فيه: " وشاهدي عدل " (8) O.
وقد روي عن عائشة بلفظ آخر:
2669- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا أبو واثلة عبد الرحمن ابن الحسين ثنا الزبير بن بكَّار ثنا خالد بن الوضَّاح عن أبي الخصيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بدَّ في النكاح من
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/227) .
(2) "المسائل" برواية ابن هانئ: (2/238- رقم: 2319) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/266- رقم: 1120) .
(4) " التارلخ " برواية الدوري: (4/411- رقم: 5023) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 248- رقم: 650) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/172) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (3/107، 209- رقمي: 3250، 3786) .
(8) " سنن الدارقطنى ": (3/226- 227) .(4/289)
أربعة: الوليِّ، والزوج، والشاهدين ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو الخصيب اسمُه: نافع بن ميسرة، وهو مجهولٌ (1) .
ز: هذا الحديث منكرٌ جدًّا، والأشبه أن يكون موضوعًا، وقد روي نحوه من وجهين ضعيفين عن أبي هريرة مرفوعًا.
ومن وجه آخر ضعيف عن ابن عبَّاس مرفوعًا.
وروي من وجه آخر صحيح عن قتادة عن ابن عبَّاس موقوفًا، إلا أنَّه منقطعٌ، لأنَّ قتادة لم يدرك ابن عبَّاس، والله أعلم O.
2670- الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع وعبد الرحمن عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليٍّ " (2) .
فإن قيل: قد رواه أسباط وزيد بن الحباب فقالا: (عن أبي بردة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ولم يذكرا أبا موسى، وكذلك رواه شعبة وسفيان (3) .
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنَّ الترمذيَّ قال: قد رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة (4) وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع فذكروا أبا موسى. قال: وقول
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/224- 225) .
(2) "المسند": (4/394) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: شعبة وسفيان روياه عن أبي إسحاق مرسلاً، وأسباط وزهير روياه عن يونس عن أبيه متصلاً) اهـ
(4) في هامش الأصل: (حـ: لم يسمعه أبو عوانة من أبي إسحاق، بينهما إسرائيل) ا. هـ(4/290)
هؤلاء أصحُّ (1) .
2671- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عبد الرحمن بن الحسن (2) الهمدانيُّ ثنا يحيى بن عبد الله بن ماهان ثنا محمَّد بن مخلد السعديُّ ثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليٍّ ". قال: فقلت لعبد الرحمن: إنَّ شعبة وسفيان يوقفانه على أبي
بردة. فقال: إسرائيل عن أبي إسحاق أحبُّ إليَّ من شعبة وسفيان.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا دعلج ثنا أحمد بن محمَّد بن مهديٍّ ثنا صالح جزرة ثنا عليُّ بن المدينيِّ قال: سمعت عبد الرحمن بن مهديٍّ يقول: كان إسرائيل يحفظ حديث أبي إسحاق كلما يحفظ " سورة الحمد ". قال صالح:
إسرائيل أتقن في أبي إسحاق خاصَّةً (3) .
ثم قد روينا عن شعبة أنَّه رفعه:
2672- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن سليمان المالكيُّ ثنا محمَّد بن موسى الحرشيُّ ثنا يزيد بن زريع عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليِّ " (4) .
والجواب الثاني: أنَّ الراوي قد يسند ويرسل، فيجوز أن يكون أبو بردة قد قال مرَّة: قال رسول الله كذا، وهو عنده عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ز: وقد روى حديث أبي إسحاق هذا عن أبي بردة عن أبي موسى:
__________
(1) "الجامع": (2/393- 394- رقم: 1102) باختصار.
(2) في "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (الحسن) ، ولعله هو الصواب، والله أعلم.
(3، 4) "سنن الدارقطني": (3/220) .(4/291)
أبو داود (1) والترمذيُّ (2) وابن ماجة (3) ، وأطال الترمذيُّ الكلام عليه، وقال: وروى أسباط بن محمَّد وزيد بن الحباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى (4) .
وهذا يخالف ما ذكره المؤلِّف عنهما.
وقال ابن المدينيِّ: حديث إسرائيل صحيحٌ في لا نكاح إلا بوليٍّ (5) .
وسئل عنه البخاريُّ، فقال: الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس: ثقةٌ، وإن كان شعبة والثوريُّ أرسلاه، فإنَّ ذلك لا يضرُّ الحديث (6) .
2673- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في كتاب "المستدرك" (7) ثنا أبو عليٍّ الحافظ أنا أبو جعفر محمَّد بن أحمد الضبعيُّ ببغداد ثنا محمَّد بن سهل بن عسكر ثنا قبيصة بن عقبة ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي
بردة عن أبي موسى عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليٍّ ". قال ابن عسكر: فقال لي قبيصة بن عقبة: جاءني عليُّ بن المدينيِّ فسألني عن هذا الحديث، فحدَّثته به، فقال عليُّ بن المدينيِّ: قد استرحنا من خلاف أبي إسحاق.
2674- وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكِّي أنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي ثنا عبد الملك بن محمَّد الرقاشيُّ ثنا سليمان بن داود
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/20- 21- رقم: 2078) .
(2) "الجامع": (2/392- رقم: 1101) .
(3) "سنن ابن ماجة": (1/605- رقم: 1881) .
(4) "الجامع": (2/393- رقم: 1102) .
(5) "المستدرك" للحاكم: (2/170) ، و"سنن البيهقي": (7/108) .
(6) "سنن البيهقي": (7/108) .
(7) (2/171) .(4/292)
حدَّثني النعمان بن عبد السلام عن شعبة وسفيان الثوريِّ عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعريِّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليٍّ ".
قال البيهقيُّ: تفرَّد به سليمان بن داود الشاذكونيُّ عن النعمان بن عبد السلام، وقد روي عن مؤمل بن إسماعيل وبشر بن منصور عن الثوريِّ موصولاً، وعن يزيد بن زريع عن شعبة موصولاً، والمحفوظ عنهما غير
موصول، والاعتماد على ما مضى من رواية إسرائيل ومن تابعه في وصل الحديث، والله أعلم (1) O.
2675- الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا مُعَمَّر بن سليمان الرَّقِّيُّ عن الحجَّاج عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بوليِّ، والسلطان وليُّ من لا وليَّ له " (2) .
قال المصنِّف: الحجَّاج هو: ابن أرطأة، وفيه ضعفٌ.
ز: روى ابن ماجة قوله: " لا نكاح إلا بوليٍّ " عن أبي كريب عن ابن المبارك عن حجَّاجٍ (3) .
وفي سماع حجَّاجٍ من عكرمة نظرٌ، قال حنبلٌ: ذكرت هذا لأبي عبد الله، فقال: لم يسمع حجَّاج من عكرمة شيئًا، إنَّما يحدِث عن داود بن الحصين عن عكرمة (4) .
2676- وقال الطبرانيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسحاق التستريُّ ثنا سهل
__________
(1) "سنن البيهقي": (7/109) .
(2) "المسند": (1/250) .
(3) "سنن ابن ماجة": (1/605- رقم: 1880) .
(4) " جامع التحصبل " للعلائي: (ص: 160- رقم: 123) .(4/293)
ابن عثمان ثنا ابن المبارك عن خالد الحذَّاء عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليٍّ " (1) .
وقد رواه البيهقيُّ من رواية سهل عن ابن المبارك عن حجَّاج (2) ، فالله أعلم O.
وقد روى هذا الحديث عديُّ بن الفضل عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أنَّ عديًّا وعبد الله لا يحتجُّ بهما.
ز: عديٌّ: متروكٌ.
وابن خثيمٍ: روى له مسلمٌ (3) .
والصواب ما رواه الثوريُّ وغيره عن ابن خُثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس موقوفًا O.
2677- طريقٌ آخرٌ: قال العقيليُّ: حدَّثنا الفضل بن عبد الله ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا الربيع بن بدر عن النهَّاس بن قَهْم عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البغايا اللاتي تُنكحن أنفسهنَّ، لا يجوز النكاح إلا بوليٍّ، وشاهدين، ومهرٌ قلَّ أو كثر " (4) .
قال يحيى: النهَّاس ضعيفٌ (5) . وقال ابن أبي عديٍّ: لا يساوي النهَّاس شيئًا (6) .
__________
(1) "المعجم الكبير": (11/269- رقم: 11944) .
(2) "سنن البيهقي": (7/109- 110) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/377- رقم: 827) .
(4) "الضعفاء الكبير": (4/312- رقم: 1913) تحت ترجمة النهاس.
(5) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 219- رقم: 824) .
(6) "التاريخ" لابن معين- برواية الدوري-: (4/195- رقم: 3920) .(4/294)
ز: الربيع بن بدر هو: عُلَيْلَة، وقد ضعَّفوه.
وابن أبي عديٍّ الذي تكلَّم في النهَّاس هو: محمَّد O.
2678- الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا عمر بن [شَبَّة] (1) ثنا بكر بن بكار ثنا عبد الله بن مُحَرَّر عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليّ وشاهدي عدلٍ " (2) .
قال يحيى بن معين: بكر بن بكار ليس بمشيءٍ (3) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: عبد الله بن مُحَرَّر متروكٌ (4) .
ز: رواه أبو نعيم الفضل بن دكين عن عبد الله بن مُحَرَّر، ولم يذكر ابن مسعود.
ورواه ابن وهب عن الضحَّاك بن عثمان عن عبد الجبَّار عن الحسن مرسلاً، وهو الصواب.
قال الشافعيُّ: وهذا وإن كان منقطعًا دون النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنَّ أكثر أهل العلم يقول به (5) O.
2679- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا
__________
(1) في الأصل و (ب) : (شيبة) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) " سنن الدارقطي ": (3/225) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/209- رقم: 3997) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/76) .
(5) "الأم": (5/168) .(4/295)
عبد الله بن أبي [سعد] (1) ثنا إسحاق بن هشام التمار (2) ثنا ثابت بن زهير ثنا نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليِّ، وشاهدي عدلٍ " (3) .
قال أبو حاتم الرازيُّ: ثابت بن زهير منكر الحديث، لا يشتغل به (4) .
وقال ابن عديٍّ: كلُّ أحاديثه يخالف فيها الثقات إسنادًا ومتنًا (5) . وقال ابن حِبَّان: خرج عن جملة من يحتجُّ به (6) .
2680- الحديث السادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن عبد الكريم الفزاريُّ ثنا جميل بن الحسن الجهضميُّ ثنا محمَّد بن مروان العقيليُّ ثنا هشام بن حسَّان عن محمَّد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُزوِّج المرأةُ المرأةَ، ولا تُزوِّج الرأةُ نفسَها، فإنَّ الزانيةَ هي التي تُزوِّج نفسَها " (7) .
2681- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا دَعلج ثنا موسى بن هارون ثنا مسلم ابن أبي مسلم الجرميُّ ثنا مخلد بن الحسن ثنا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُنكح المرأةُ المرأةَ، ولا تُنكح المرأةُ نفسَها، إنَّ التي تُنكح نفسَها هي البغيُّ " (8) .
__________
(1) في الأصل و (ب) : (سعيد) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) في هامش الأصل: (حـ: ينظر فيه) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (3/225) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/452- رقم: 1819) .
(5) "الكامل": (2/95- رقم: 312) .
(6) "المجروحون": (1/206) ونصه: (كان يخطئ حتى خرج عن جملة من يحتج بهم إذا انفردوا) ا. هـ
(7) "سنن الدارقطني": (3/227) .
(8) "سنن الدارقطني": (3/228) .(4/296)
قال المصنِّف: في الطريق الأوَّل: جميل، وفي الثاني: مسلم، وكلاهما لا يعرف.
ز: جميل بن الحسن الأزديُّ، العتكيُّ، الأهوازيُّ: مشهورٌ، روى عنه ابن خزيمة وابن أبي داود وخلق، وروى عنه ابن ماجة (1) وابن خزيمة (2) هذا الحديث، ووثَّقه ابن حِبَّان (3) وتكلَّم فيه ابن عبدان (4) ، وذكره المؤلِّف في
كتاب "الجرح والتعديل"، وذكر كلام عبدان وابن [عَدِيٍّ] (5) فيه (6) .
ومسلم الجرميُّ هو: ابن عبد الرحمن، وقد روى عنه الحسن بن سفيان أيضًا هذا الحديث، وقال: سألت يحيى بن معين عن رواية مخلد بن حسين عن هشام بن حسان، فقال: ثقة. فذكرت له هذا الحديث، قال: نعم، قذ كان
شيخ عندنا يرفعه عن مخلد (7) . وقال ابن أبي حاتم: مسلم بن عبد الرحمن الجرميُّ من الغزاة، روى عن مخلد بن حسين، روى عنه المنذر بن شاذان الرازيُّ الصادق، قال: إنَّه قتل من الروم مائة ألف (8) !
وقد روى هذا الحديث بحر بن نصر عن بشر بن بكر عن الأوزاعيِّ عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أشبه، وكذلك قاله ابن عيينة عن هشام
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (1/606- رقم: 1882) .
(2) "سنن البيهقي": (7/110) .
(3) "الثقات": (8/164) وقال: (يغرب) .
(4) كلذا بالأصل و (ب) ، ولعل الصواب: (عبدان) كما في "الكامل" لابن عدي: (2/ 172- رقم: 360) .
وعبدان هو: عبد الله بن عثمان العتكي، والله أعلم.
(5) في الأصل: (علي) ، والتصويب من (ب) و"الضعفاء والمتروكون".
(6) "الضعفاء والمتروكون": (1/175- رقم: 687) .
(7) "سنن البيهقي": (7/110) .
(8) "الجرح والتعديل": (8/188- رقم: 824) .(4/297)
ابن حسَّان عن ابن سيرين، والله أعلم O.
2682- الحديث السابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو عليٍّ محمَّد بن سليمان المالكيُّ ثنا أبو موسى ثنا عبد الوهاب الثقفيُّ عن يونس عن الحسن أنَّ معقل بن يسارٍ زوَّج أختًا له فطلَّقها الرجل، ثم أنشأ يخطبُها، فقال: زوَّجتك
كريمتي فطلَّقتها، ثم أنشأت تخطبُها!! فأبى أن يزوِّجه، وهويته المرأة، فأنزل الله عز وجل: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) [البقرة: 232] (1) .
أخرجه البخاريُّ (2) .
2683- الحديث الثامن: أخبرنا أبو منصور القزَّاز أنا أبو بكر بن ثابتٍ أنا محمَّد بن عمر بن إسماعيل الداوديُّ ثنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا محمَّد بن الحسين بن محمَّد بن حاتم ثنا محمَّد بن عبد الرحمن الطبريُّ ثنا الحسين بن إسماعيل ابن خالد الطبريُّ ثنا يوسف بن يعقوب (3) أبو المثنَّى عن أبي عصمة عن مقاتل ابن حيَّان عن قبيصة بن ذؤيب عن معاذ بن جبل عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما امرأة زوَّجت نفسها من غير وليٍّ فهي زانية " (4) .
قال المصنِّف: أبو عصمة اسمه: نوح بن أبي مريم، قال يحيى: ليس بشيء (5) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو متروكٌ (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/222) .
(2) "صحيح البخاري": (6/518) ؛ (فتح- 8/192- رقم: 4529) .
(3) في "تاريخ بغداد": (سعيد) .
(4) "تاريخ بغداد": (2/312- رقم: 796) تحت ترجمة محمَّد بن عند الرحمن بن حرة الطبري.
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (30/59- رقم: 6495) .
(6) "سنن الدارقطني": (2/12) ؛ "العلل": (9/221- رقم: 1730) .(4/298)
ز: هذا إسنادٌ مظلمٌ إلى أبي عصمة، فيه غير واحد من المجهولين.
ومحمَّد بن الحسين شيخ الدَّارَقُطْنِيُّ: يعرف أبوه بـ " عبيد العجليِّ "، وكان محمَّدٌ سيءَ الحال فىِ الحديث.
ومقاتل: لم يلق قبيصة.
ونوح: متَّهم.
والأشبه أنَّ الحديث موضوعٌ، والله أعلم O.
احتجُّوا بحديثين:
2684- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرحمن عن مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها" (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
ووجه حجَّته: أنَّه شارك بينها وبين الوليِّ، ثم قدمها بقوله: "أحقُّ "، وقد صحَّ العقد منه، فوجب أن يصحَّ منها.
2685- الحديث الثاني: قال سعيد بن منصور: ثنا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: إنَّ أبي أنكحني رجلاً وأنا كارهة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) "المسند": (1/219) .
(2) "صحيح مسلم": (4/141) ؛ (فؤاد- 2/1037- رقم: 4121) .(4/299)
لأبيها: " لا نكاح لكَ، اذهبي انكحي من شئت " (1) .
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فإنَّه أثبت لها حقًّا، وجعلها أحقّ، لأنَّه ليس إلى الوليِّ إلا مباشرة العقد، ولا يجوز له أن يزوِّجها إلا بإذنها.
وأمَّا الحديث الثاني: فهو حديث خنساء بنت خِذَامٍ، وأنَّ أباها أنكحها وهي كارهةً، فردَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك.
هذا قدر ما أخرج في الصحيح (2) .
وأمَّا قوله: " انكحي من شئت " فرواه أبو سلمة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، والمرسل ليس بحجَّةٍ، ثم لو قلنا إنَّه حجَّةٌ، فالمراد به: تخيَّري الأكفاء.
*****
مسألة (614) : ولاية الفاسق لا تصحُّ.
وعنه: تصح، كقول أبي حنيفة ومالك.
لنا حديثان ضعيفان:
2686- الحديث الأوَّل: أنبأنا محمَّد بن ناصر أنبأ أبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلانيّذُ (3) عن أبي بكر أحمد بن محمَّد البرقانيِّ قال: قرأت على أبي العبَّاس محمَّد بن أحمد بن حمدان قال: حدَّثني محمَّد بن عبد الله قال: حدَّثني
__________
(1) " سنن سعيد بن منصور ": (1/3/157- رقم: 568) .
(2) "صحيح البخاري": (7/25) ؛ (فتح- 9/194- رقم: 5138) .
(3) في (ب) و"التحقيق": (الباقلاوي) .(4/300)
أبي ثنا قطن بن نُسير ثنا عمرو بن النعمان بن عبد الرحمن ثنا محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليّ مرشد، وشاهدي عدل ".
قال أحمد: ترك الناس حديث العرزميِّ. وقال الفلاس والنسائيُّ: هو متروكٌ. وقال يحيى: لا يكتب حديثه، وقد حدَّث عنه شعبة وسفيان.
وقطن بن نُسير: ضعيفٌ.
ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه.
وقطن: روى عنه مسلمٌ (1) .
وعمرو بن النعمان هو: الباهليُّ، بصريٌّ، وثَّقه ابن حِبَّان (2) ، وقال ابن عديٍّ: ليس بالقويِّ في الحديث، روى عن جماعة من الضعفاء، أحاديثه منكرة، فلا أدري البلاء منه أو من الضعيف الذي روى هو عنه (3) O.
2687- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن الهيثم ومحمَّد بن جعفر المَطيريُّ قالا: ثنا عيسى بن أبي حرب ثنا يحيى بن أبي [بكير] (4) ثنا عديُّ بن الفضل عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليٍّ وشاهدي
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/148- رقم: 1374) .
(2) "الثقات": (8/482) .
(3) "الكامل": (5/120- رقم: 1285) .
(4) في الأصل و (ب) : (كثير) ، وفي "التحقيق": (بكر) ، والتصويب من " سنن الدارقطني ".(4/301)
عدلٍ، وأيُّما امرأة أنكحها وليُّ مسخوط عليه، فنكاحها باطلٌ " (1) .
قال المصنِّف: في هذا الإسناد عديٌّ، قال يحيى: ليس بثقة، لا يكتب حديثه (2) . وقال أبو حاتم الرازيُّ: متروك الحديث (3) .
وفيه: عبد الله بن عثمان، قال يحيى: ليست أحاديثه بالقويَّة (4) .
ز: وقد روى هذا الحديث أيضًا عن عديِّ بن الفضل: سعيد بن سليمان، والصواب ما رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عيَّاش عن جعفر ابن الحارث عن ابن خثيم موقوفًا على ابن عبَّاس (5) .
وابن خثيم: روى له مسلمٌ (6) O.
*****
مسألة (615) : يملك الأب إجبار البكر البالغ على النكاح.
وعنه: لا يملك، كقول أبي حنيفة.
لنا حديثان:
__________
(1) " سنن الدارقطنى ": (3/221- 222) .
(2) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 163- رقم: 578) ، وبرواية الدوري: (4/183 - رقم: 3844) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/4- رقم: 11) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (4/161- رقم: 982) .
(5) " سنن سعيد بن منصور ": (1/3/154- رقم: 553) .
(6) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/377- رقم: 827) .(4/302)
2688- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل سمع نافع بن جبير يذكر عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبكر يستأمرها أبوها في نفسها " (1) .
فوجه الدليل: أنَّه قسم النساء قسمين: ثيبًا وأبكارا، ثم خصَّ الثيِّب بأنَّها أحقُّ من وليِّها، مع أنَّها هي والبكر اجتمعا في ذهنه، فلو أنَّها كالثيِّب في ترجّح حقِّها على حقِّ الوليِّ لم يكن لإفراد الثيِّب بهذا معنى، وصار هذا كقوله: " في سأمِّة الغنم الزكاة ".
فإن قالوا: لفظ الصحيح في هذا الحديث: " الأيِّم " (2) ، وهي: التي لا زوج لها، بكرًا كانت أو ثيِّبًا.
وجواب هذا من وجهين:
أحدهما: أن لفظ الثيِّب صحيحٌ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: روى هذا الحديث جماعة عن مالك عن عبد الله بن الفضل بهذا الإسناد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الثيِّب أحقُّ بنفسها "، منهم شعبة وابن مهديٍّ وعبد الله بن داود الخُريبيُّ وسفيان بن عيينة ويحيى بن أيُّوب المصريُّ وغيرهم (3) .
وكلُّهم قال: " الثيِّب ".
والثاني: أنَّ المراد ههنا بالأيِّم: الثيِّب، لأنَّه لمَّا ذكر البكر علم أنَّه أراد الثيِّب، إذ ليس ثمَّ قسمٌ ثالثٌ.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/240) .
(2) تقدم برقم: (2684) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/240) .(4/303)
ز: لفظ " الثيِّب " في " الصحيح " أيضًا، رواه مسلم عن قتيبة وابن أبي عمر كلاهما عن سفيان عن زياد به (1) ، ولا دلالة في هذا الحديث على أنَّ البكر ليست أحقَّ بنفسها إلا من جهة المفهوم، والحنفيون لا يقولون به.
ثم على تقدير القول به- كما هو الصحيح- لا حجَّة فيه على إجبار كلِّ بكرٍ، لأنَّ المفهوم لا عموم له، فيمكن حمله على من لها دون التسع، أو من هي دون البلوغ.
ثم إنَّ هذا المفهوم قد خالفه منطوقه، وهو قوله: " والبكر تستاذن "، والاستئذان منافٍ للإجبار، وإنَّما وقع التفريق في الحديث بين الثيِّب والبكر= لأنَّ الثيِّب تخطب إلى نفسها، فتأمر الوليَّ بتزويجها، والبكر تخطب إلى وليِّها
فيستأذنها، ولهذا فرَّق بينهما في كون الثيِّب إذنها الكلام، والبكر إذنها الصمات، لأنَّ البكر لمَّا كانت تستحيى أن تتكلَّم في أمر نكاحها لم تخطب إلى نفسها، بل إلى وليِّها، بخلاف الثيِّب، فإنَّها تخطب إلى نفسها، لزوال حياء البكر عنها،
فتتكلم بالنكاح، وتأمر وليَّها أن يزوِّجها، فلم يقع التفريق في الحديث بين الثيِّب والبكر لأجل الإجبار وعدمه، والله أعلم O.
2689- الحديث الثاني: قال سعيد بن منصور: حدَّثنا هشيم ثنا ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تستأمر الأبكار في أنفسهن، فان أبين أجبرن " (2) .
قال المصنِّف: هذا مرسلٌ، وفي إسناده عبد الكريم البصريُّ، وقد أجمعوا على الطعن فيه.
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/141) ؛ (فؤاد- 2/1037- رقم: 4121) .
(2) " سنن سعيد بن منصور ": (1/3/156- رقم: 565) ، وفي مطبوعته: (خُيِّرن) بدل (أجبرن) ، والله أعلم بالصواب.(4/304)
احتجُّوا بسبعة أحاديث:
2690- الحديث الأوَّل: حديثنا، وهو قوله " البكر تستأمر ".
2691- الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسين ثنا جرير عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ جاريةً بكرًا أتت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت أنَّ أباها زوَّجها وهي كارهة، فخيَّرها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
ز: رواه أبو داود (2) وابن ماجة (3) من رواية حسين، وهو: ابن محمَّد المرُّوذِيُّ، أحد الثقات المخرَّج لهم في "الصحيحين" (4) .
وقال البيهقيُّ: هذا حديث أخطأ فيه جرير بن حازم على أيُّوب السَّختيانيِّ، والمحفوظ عن أيُّوب عن عكرمة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا (5) .
وقد رواه أبو داود عن محمَّد بن عبيد عن حمَّاد بن زيد عن أيُّوب عن عكرمة مرسلا، وقال: وكذلك يروى مرسل معروفٌ (6) .
وقد رواه ابن ماجة من رواية زيد بن حِبَّان عن أيُّوب موصولا (7) ، وزيد مختلف في توثيقة.
وقد سأل ابن أبي حاتم [أباه] (8) عن حديث حسين، فقال: هذا
__________
(1) "المسند": (1/273) .
(2) "سنن أبي داود": (3/26- رقم: 2089) .
(3) "سنن ابن ماجة": (1/603- رقم: 1875) .
(4) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/495- رقم: 241) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/136- رقم: 260) .
(5) "سنن البيهقي": (7/117) .
(6) "سنن أبي داود": (3/26- رقم: 2090) .
(7) "سنن ابن ماجة": (1/603- رقم: 1875) .
(8) زيادة استدركت من (ب) .(4/305)
خطأ، إنما هو كما روى الثقات عن أيُّوب عن عكرمة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.... مرسلٌ، ابن عليَّة وحمَّاد بن زيد، وهو الصحيح. قلت: الوهم ممن هو؟ قال: من حسين، ينبغي أن يكون، فإنَّه لم يروه عن جرير غيره. قال أبي: رأيت حسين المرُّوذِيَّ ولم أسمع منه (1) .
وقال الخطيب: قد رواه سليمان بن حرب عن جرير بن حازم أيضًا كما رواه حسين، فبرئت عهدته، وزالت تبعته.
ثم ذكره بإسناده، وقال: ورواه أيُّوب بن سويد هكذا عن الثوريِّ عن أيُّوب موصولا، وكذلك رواه مُعَمَّر بن سليمان عن زيد بن حِبَّان عن أيُّوب (2) O.
2692- الحديث الثالث: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء الخراسانيُّ عن ابن عبَّاس أن خِذَاما أبا وديعة أنكح ابنته رجلاً، فأتت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتكت إليه أنها أنكحت وهي كارهة،
فانتزعها النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من زوجها، وقال: " لا تكرهوهن " (3) .
ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحد من أمِّة "الكتب السِّتَّة" من هذا الوجه، وهو منقطعٌ، فإنَّ عطاء الخراسانيَّ: لم يدرك ابن عبَّاس، ولم يره.
قاله أبو داود (4) .
وهذه المرأة التي زوَّجها أبوها هي: خنساء بنت خِذَام، وقد روى
__________
(1) "العلل": (1/417- رقم: 1255) .
(2) "تاريخ بغداد": (8/89- رقم: 4184) تحت ترجمة حسين بن محمَّد بن بهرام المروذي
(3) "المسند": (1/364) .
(4) " المراسيل ": (ص: 257- رقم: 349) .(4/306)
البخاريُّ وغيره حديثها من غير هذا الوجه- وسيأتي (1) - وفيه: أنَّها كانت ثيِّبًا، وقد روى بعضهم عنها أنَّها قالت: انكحني أبي وأنا بكرٌ. والله أعلم O.
2693- الحديث الرابع: قال أحمد: وحدَّثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عائشة قالت: جاءت فتاةٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، إنَّ أبي- ونعم الأب هو- زوَّجني ابن أخيه ليرفع من خَسِيسَتَه (2) . قالت: فجعل الأمر إليها، فقالت: إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكنِّي أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيءٌ (3) .
ز: رواه النسائيُّ عن زياد بن أيُّوب عن عليِّ بن غراب عن كهمس، وعنده: (ليرفع بي خَسِيسَتَه) (4) .
ورواه البيهقيُّ من رواية عبد الوهاب بن عطاء عن كهمس، وعنده: (ليرفع بها) ، وقال: وهذا مرسل، ابن بريدة لم يسمع من عائشة، وإن صحَّ هذا الحديث فإنَّما جعل الأمر إليها لوضعها في غير كفو، والله أعلم (5) O.
2694- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن عليِّ بن إسماعيل الأبليُّ ثنا أحمد بن عبد الله بن سليمان الصنعانيُّ ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الملك الذماريُّ عن سفيان عن هشام صاحب الدستوائيِّ عن يحيى بن أبي
كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردَّ نكاح بكرٍ وثيِّبٍ أنكحهما
__________
(1) رقم: (2698) .
(2) في " النهاية ": (2/31- خسس) : (الخسيس: الدني، والخسيسة والخساسة: الحالة التى يكون علها الخسيس) اهـ
(3) "المسند": (6/136) .
(4) "سنن النسائي": (6/86- 87- رقم: 3269) .
(5) "سنن البيهقي": (7/118) بتقديم وتأخير.(4/307)
أبوهما وهما كارهتان، فردَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكاحهما (1) .
ز: إسحاق بن إبراهيم هذا، هو: ابن جوني الطبريُّ، الصنعانيُّ، وقد ضعَّفوه، وقد قال المؤلِّف فيما تقدَّم في السلم: إنَّه مجهولٌ، ولم يصب في ذلك، وكذلك قال ابن حزمٍ، وقد ذكرنا كلام الأئمة عليه هناك بما فيه كفاية (2) .
ولم يتفرَّد بهذا الحديث عن الذماريِّ، فقد رواه البيهقيُّ من رواية أبي سلمة المسلم بن محمَّد بن عمَّار الصنعانيِّ عن الذماريِّ.
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ (3) : هذا وهمٌ، والصواب عن يحيى عن المهاجر عن عكرمة مرسلٌ، وَهِمَ فيه الذماريُّ على الثوريِّ، وليس بقويٍّ.
قال البيهقيُّ: فهو في "جامع الثوريِّ " عن الثوريِّ كما ذكره أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله مرسلا، وكذلك رواه عامَّة أصحابه عنه، وكذلك رواه الثوريُّ عن هشام (4) O.
2695- الحديث السادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عمر بن محمَّد بن القاسم الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن أحمد بن راشد ثنا موسى بن عامرٍ ثنا الوليد قال: قال ابن أبي ذئب: أخبرني نافع عن ابن عمر أنَّ رجلاً زوَّج ابنته بكرًا، فكرهت
ذلك، فردَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكاحها (5) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/234) .
(2) رقم: (2445) .
(3) هو في "سنن الدارقطني": (3/234) .
(4) "سنن البيهقي": (7/117) .
(5) "سنن الدارقطني": (3/236) .(4/308)
وفي رواية أخرى عن ابن عمر قال: كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتزع النساء من أزواجهن ثيبًا وأبكارا، بعد أن يزوِّجهن الآباء، إذا كرهوا ذلك.
ز: رواه الهيثم بن كليب الشاشيُّ عن صاحب بن محمود عن عبد الرحمن ابن إبراهيم عن الوليد بن مسلم.
وقد سئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه صدقة بن عبد الله والوليد بن مسلم عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر مختصرا.
وخالفهم ابن أبي فديك، فرواه عن ابن أبي ذئب عن عمر بن حسين عن نافع عن ابن عمر بلفظ آخر، وبيَّن فيه أنَّ ابن أبي ذئب سمعه من نافع، وأتى به بطوله على الصواب، وكذلك رواه محمَّد بن إسحاق وعبد العزيز بن المطَّلب عن عمر، ومن قال فيه: (عمر بن علي بن حسين) فقد وهم.
وقد رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن نافع، والصحيح عن ابن إسحاق عن عمر بن حسين عن نافع.
وفي هذه الأحاديث بيان أنَّ التزويج كان من قدامة بن مظعون- أخي عثمان بن مظعون- لابنة عثمان- وهو عمُّها-، وهو أصحُّ من قول من قال: زوَّجها أبوها، لأنَّ ابن عمر إنَّما تزوَّجها بعد وفاة أبيها عثمان بن مظعون، وهو
خال ابن عمر O.
2696- الحديث السابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن محمَّد الزعفرانيُّ ثنا الحكم بن موسى ثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعيِّ عن عطاء عن جابر أنَّ رجلاً زوَّج ابنته- وهي بكر- من غير أمرها،
فأتت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففرَّق بينهما (1) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/233) .(4/309)
ز: ذكر الأثرم لأبي عبد الله حديث شعيب هذا، فقال: ثناه أبو المغيرة عن الأوزاعيِّ عن عطاء مرسلا، مثلُ هذا عن جابرٍ؟! كالمنكر أن يكون (1) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصحيح مرسل، وقول شعيب وَهْمٌ (2) .
وقال أبو عليٍّ الحافظ: لم يسمعه الأوزاعيُّ من عطاء، والحديث في الأصل مرسل لعطاء، إنما رواه الثقات عن الأوزاعيِّ عن إبراهيم بن مرَّة عن عطاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا (3) .
وقد روي من وجه آخر ضعيف عن أبي الزبير عن جابر، والله أعلم O.
والجواب:
أمَّا استئمار البكر فلتطييب قلبها.
وجمهور الأحاديث محمولٌ على أنَّه زوَّج من غير كفء، وقولها: (زوجني ابن أخيه) يكون ابن عمِّها من الأمِّ (4) .
على أنَّه قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ حديث ابن عبَّاس وجابر وعائشة مراسيل (5) ، وابن بريدة لم يسمع من عائشة (6) .
وقد أنكر أحمد حديث جابر (7) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصحيح أنَّه مرسلٌ عن عطاء أنَّ رجلاً ... ، وقول
__________
(1، 2) "سنن الدارقطني": (3/233) .
(3) "سنن البيهقي": (7/117) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: لا معنى لقوله: " من الأم ") اهـ
(5) انظر: "سنن الدارقطني": (3/233- 236) .
(6) " سن الدارقطني ": (3/233) .
(7) "سنن الدارقطني": (3/233) .(4/310)
شعيب (1) وَهْمٌ (2) .
قال: وحديث الذَّماريِّ وهمٌ، وَهِمَ فيه النَّماريُّ على سفيان، والصواب عن عكرمة مرسلٌ (3) .
قال: وحديث ابن عمر لا يثبت عن ابن أبي ذئب، لم يسمعه من نافع، إنَّما سمعه من عمر بن حسين (4) .
وقد سُئل عن هذا الحديث أحمد، فقال: باطلٌ. ا. هـ
ز: في بعض ما ذكره المؤلِّف من الأجوبة نظرٌ، وقد تكلَّمنا على ما مضى من الأحاديث بأبسط مما ذكره، والله أعلم O.
مسألة (616) : لا يملك الأب إجبار الثيِّب الصغيرة، في أحد الوجهين.
وفي الآخر: يملك، كقول أبي حنيفة.
لنا أربعة أحاديث:
الحديث الأوَّل: الحديث المتقدِّم (5) : " الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها " (6) .
__________
(1) في هامش الأصل: (خ: شعبة) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/233) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/234) .
وفي هامش الأصل: (حـ: تقدم عن المهاجر عن عكرمة) ا. هـ.
(4) "سنن الدارقطني": (3/236) مع اختلاف يسير.
(5) رقم: (2688) .
(6) في هامش الأصل: (حـ: قوله: " الثيِّب أحق بنفسها " عام في الصغيرة والكبيرة....) ا. هـ
ولها تتمة لم نتمكن من قراءتها.(4/311)
2697- الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا إسحاق بن منصور أنا محمَّد بن يوسف ثنا الأوزاعيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تنكح الثيِّب حتى تستأمر ".
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
ز: رواه مسلم عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس عن الأوزاعيِّ (2) O.
2698- الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ ثنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساء ابنة خِذَام أنَّ أباها زوَّجها وهي كارهة، وكانت ثيِّبًا
فردَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكاحه.
انفرد بإخراجه البخاريُّ (3) .
2699- طريق آخر: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الرزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء الخراسانيُّ عن ابن عبَّاس أن خِذَاما أبا وديعة أنكح ابنته رجلاً، فأتت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتكت إليه أنَّها أنكحت وهي كارهة، فانتزعها
النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من زوجها، وقال: " لا تكرهوهن ". قال: فنكحت بعد ذلك أبا لبابة الأنصاريَّ، وكانت ثيِّبا (4) .
ز: تقدَّم هذا الحديث مختصرًا (5) ، وهو منقطعٌ O.
__________
(1) "الجامع": (2/400- رقم: 1107) .
(2) "صحيح مسلم": (4/140) ؛ (فؤاد- 2/1036- رقم: 1419) .
(3) "صحيح البخاري": (7/25) ؛ (فتح- 9/194- رقم: 5138) .
(4) "المسند": (1/364) .
(5) رقم: (2685) .(4/312)
2700- طريق آخر: قال أحمد: وحدَّثنا يزيد بن هارون أنا محمَّد بن إسحاق عن الحجَّاج بن السائب بن أبي لبابة قال: كانت بنت خِذَام عند رجل فأمَتْ منه، فزوَّجها أبوها رجلاً من بني عوف، وحَطَّت (1) هي إلى أبي لبابة،
فأبى أبوها إلا أن يلزمها العوفي، وأبت هي، حتى ارتفع شأنهما إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " هي أولى بأمرها فألحقها بهواها ". فزوجت أبا لبابة، فولدت له أبا السائب (2) .
ز: كذا فيه: (فولدت له أبا السائب) (3) ، والصواب: (فولدت له السائب) ، وهو والد الحسين وحجَّاج.
وهذا الإسناد غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وهو منقطعٌ، وقد قيل فيه: عن الحجَّاج عن أبيه.
قال البخاريُّ في "التاريخ": حجَّاج بن السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاريُّ المدنيُّ عن أبيه عن جدَّته الخنساء بن خِذَام. قاله محمَّد بن سعيدٍ أنا عبد الرحيم عن ابن إسحاق (4) .
وذكره ابن أبي حاتمٍ نحو ما ذكره البخاريُّ، لم يزد (5) ، والله أعلم O.
2701- الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزَّاق أنا معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس للوليِّ مع الثيِّب أمرٌ ".
__________
(1) أي مالت إليه، ونزلت بقلبها نحوه. انظر: " النهاية ": (1/402- حطط) .
(2) "المسند": (6/328) .
(3) وكذا في مطبوعة "المسند".
(4) "التاريخ الكبير": (2/376- رقم: 2825) .
(5) "الجرح والتعديل": (3/161- 162- رقم: 686) .(4/313)
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسمعه صالحٌ من نافع، إنَّما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه، قال النيسابوريُّ: والذي عندي أَنَّ معمرًا أخطأ فيه (1) .
ز: رواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن عبد الرزَّاق به (2) .
ورواه النسائيُّ عن محمَّد بن رافع عن عبد الرزَّاق، وقال: لعل صالح ابن كيسان سمعه من عبد الله بن الفضل (3) .
ورواه عن أحمد بن سعيد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمَّد بن إسحاق عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل (4) .
وقال ابن حِبَّان في " الأنواع ": ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنَّ هذا الخبر تفرَّد به عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم.
ثم ذكره من رواية صالحٍ عن نافعٍ (5) ، ولم يصنع شيئًا، فإنَّ صالحًا إنَّما سمعه من عبد الله بن الفضل، والله أعلم O.
*****
مسألة (617) : إذا ذهبت بكارتها بالزنا، زوِّجت تزويج الثيِّب.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/239) .
(2) "سنن أبي داود": (3/27- رقم: 2093) .
(3) "سنن النسائي": (6/85- رقم: 3263) ، وكلام النسائي لم نجده في المطبوعة، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (5/258- رقم: 6517) .
(4) "سنن النسائي": (6/84- رقم: 3262) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (9/399- رقم: 4089) .(4/314)
وقال أبو حنيفة ومالك: تزويج البكر (1) .
لنا حديثان:
الحديث الأوَّل: قوله: " الثيِّب أحقُّ بنفسها ". وقد تقدَّم.
2702- الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسحاق بن عيسى قال: حدَّثني ليث بن سعدٍ قال: حدَّثني عبد الله بن عبد الرحمن عن عديِّ بن عديٍّ الكنديِّ عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الثيِّب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها " (2) .
ز: رواه ابن ماجة عن عيسى بن حمَّاد عن الليث عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين به (3) .
ورواه يحيى بن أيُّوب المصريُّ عن ابن أبي حسينٍ عن عديِّ بن عديٍّ عن أبيه عن العرس- رجلٍ من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) O.
*****
مسألة (618) : لا يجوز لأحدٍ إنكاح الصغير والصغيرة اليتيمين.
وقال الشافعيُّ: يجوز ذلك للجدِّ وحده.
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: قول أبي حنيفة ومالك هو الصحيح في هذه المسألة) اهـ
(2) "المسند": (4/192) .
(3) "سنن ابن ماجة": (1/602- رقم: 1872) .
(4) انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (7/286- رقم: 9882) .(4/315)
وعن أحمد: يجوز لجميع العصبات، ويثبت لها الخيار إذا بلغت، وهو قول أبي حنيفة.
2703- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قرىء على ابن صاعدٍ - وأنا أسمع-: حدَّثكم عبيد الله بن سعيدٍ الزهريُّ ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني عمرُ بنُ حسينٍ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ قال: توفِّي عثمان بن مظعون وترك بنتا
له، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هي يتيمة، لا تنكح إلا باذنها " (1) .
ز: رواه الإمام أحمد مطوَّلا عن يعقوب بن إبراهيم به (2) O.
فإن قالوا: المراد باليتيمة البالغة، إذ غير البالغة لا إذن لها.
2704- قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيعٌ ثنا يونس بن أبي اسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها " (3) .
ز: هذا إسناد جيِّد، وقد رواه غير يونس:
2705- قال أحمد: ثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه رفعه قال: " تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت فلا تزوَّج " (4) .
وقد روى هذا الحديث أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة (5) O.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/230) .
(2) "المسند": (2/130) .
(3) "المسند": (4/394) مع اختلاف يسير في لفظه.
(4) "المسند": (4/408) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ينظر في استدلاله بهذه الأحاديث في هذه المسألة) ا. هـ
(5) "سنن أبي داود": (3/24- 25- رقم: 2086) .(4/316)
قلنا: إنَّما يشير بذلك إلى زمان جواز الإذن، وهو البلوغ، فسمَّاها يتيمةً بالاسم الذي كان لها (1) .
احتجُّوا:
بأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوَّج أمامةَ بنتَ حمزة من عمر بن أبي سلمة وكانت صغيرةً، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنُ عمِّها.
والجواب:
أنَّه إنَّما زوَّجها بولاية النبوة لا بالقرابة، بدليل أنَّ العبَّاس أقرب منه إليها، لأنَّه عمٌّ، ولا ولاية لابن العمِّ مع وجود العمِّ، والرجل المتزوِّج: (سلمة بن أبي سلمة) ، لا عمر، فقد غلط من قال: عمر.
*****
مسألة (619) : تستفاد ولاية النكاح بالبنوة.
وقال الشافعيُّ: لا تستفاد بالبنوة.
وقد استدلَّ أصحابنا بحديثين:
أحدهما: أن عمر بن أبي سلمة زوَّج أمَّه أمَّ سلمةَ برسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والثاني: أنَّ أنسَ بنَ مالكٍ زوَّج أمَّه أبا طلحة.
2706- أمَّا الأوَّل: فرواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: ينظر في هذا الجواب والسؤال الذي قبله) اهـ(4/317)
ابن سلمة قال: أنا ثابت قال: حدَّثني ابنُ عمر بن أبي سلمة عن أبيه: أنَّ أمَّ سلمة لما انقضت عدَّتُها من أبي سلمةَ بعث إليها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: مرحبًا برسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبرسولِه، أخبر رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي امرأةٌ غَيْري، وأني مصبية، وأنَّه ليس أحدٌ من أوليائي شاهد. فبعث إليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّا قولك: إنِّي مصبية، فإنَّ الله سيكفيك صبيانك؛ وأمَّا قولك: إنِّي غيري، فسأدعو الله أن
يذهب غيرتَك؛ وأمَّا الأوَّلياء، فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضى بي ".
فقالت: يا عمر، قم فزوِّج رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
قال المصنِّف: قلت: هكذا روي لنا الحديث (أنَّها قالت: يا عمر قم) ، وأصحابنا قد ذكروا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قم يا غلام، فزوِّج أمَّك ".
وما عرفنا هذا.
وفي هذا الحديث نظرٌ، لأنَّ عمر كان له من العمر يوم تزوَّجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، وكيف يقال له: زوِّج؟! وهذا لأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّجها في سنة أربع، ومات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولعمر تسع سنين، فعلى هذا يحمل قولها لعمر: قم فزوِّج= أن يكون على وجه المداعبة للصغير.
ولو صحَّ أن يكون الصغير قد زوَّجها= فلأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يفتقر نكاحُه إلى وليٍّ، قال أبو الوفاء ابن عقيلٍ: ظاهر كلام أحمد أنَّه يجوز أن يتزوَّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير وليٍّ لأنَّه مقطوعٌ بكفاءته.
2707- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن أبي داود ثنا عمِّي ثنا ابن الأصبهانيِّ ثنا شَريك عن أبي هارون (2) عن أبي سعيد قال: لا نكاح إلا بوليٍّ
__________
(1) "المسند": (6/313-314) .
(2) في مطبوعة " سنن الدارقطنى ": (الزهري) .
وفي هامش الأصل: (حـ: أبو هارون العبدي ضعيفٌ) ا. هـ(4/318)
وشهودٍ ومهرٍ إلا ما كان من النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
وقد ذكر بعض أصحابنا عن أحمد أنَّه قال: من يقول إن عمر كان صغيرًا؟!
وهذا إن ثبت عن أحمد فلعلَّه قاله قبل أن يعلم مقدار سنِّه، وقد ذكر مقدار سنِّه جماعةٌ من المؤرِّخين، منهم: محمَّد بن سعدٍ في " الطبقات ".
وقد اعتذر الخصم عن تزويج عمر أمَّه، قالوا: إنَّما زوَّجها لكونه ابن عمِّها، فإنَّ أمَّ سلمة هندُ بنتُ أبي أميَّة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وابنها عمرُ بنُ عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
قال أصحابنا: فقد كان لها من هو أولى من عمِّها فكيف ابن عمها؟!
وهو عبد الله بن أبي أميَّة أخوها.
قال المصنِّف: قلت: ذاك كان كافرًا يومئذٍ ولم يسلم بعد.
ز: حديث أمِّ سلمة هذا: رواه النسائيُّ عن محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم عن يزيد بن هارون عن حمَّاد بن سلمة به، وعنده: فقالت لابنها: يا عمر، قم فزوِّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فزوَّجه (2) .
وكذلك رواه أبو يعلى الموصليُّ عن إبراهيم بن الحجَّاج عن حمَّاد (3) .
ورواه الحاكم، وقال: على شرط مسلمٍ (4) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/220) .
(2) "سنن النسائي": (6/81- 82- رقم: 3254) .
(3) "مسند أبي يعلى": (12/334- 335- رقم: 6907) .
(4) "المستدرك": (2/178- 179) .(4/319)
وليس كما قال، وابن عمر بن أبي سلمة ليس بالمشهور، لكن رواية ثابت عنه ممَّا يقوِّي أمره، وقد جاء في روايةٍ ضعيفةٍ تسميتُه محمَّدًا.
2708- وقال أبو يعلى: ثنا هدبة بن خالد ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابتٍ قال: حدَّثني ابن أمِّ سلمة ... فذكر الحديث، وفيه: فقالت لابنها: زوِّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فزوَّجه (1) .
وقول المؤلِّف: (أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات ولعمر تسع سنين) بعيدٌ، وإن كان قد قاله أبو نصر الكلاباذيُّ وغير واحد، فإنَّ ابن عبد البر قال: إنَّه ولد في السنة الثانية من الهجرة إلى الحبشة (2) .
وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوَّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّه أمَّ سلمة، أليس كان صغيرًا؟ قال: ومن يقول كان صغيرًا؟! ليس فيه بيان (3) .
ومما يقوِّي هذا ما رواه مسلم في "صحيحه" عن عمر بن أبي سلمة أنَّه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيقبِّل الصائم؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سل هذه " لأمِّ سلمة، فأخبرتْه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما والله، إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له " (4) .
وظاهر هذا أنَّ عمر كان كبيرًا.
__________
(1) "مسند أبي يعلى": (12/337- 338- رقم: 6908) .
(2) " الاستيعاب ": (بهامش الإصابة- 3/474) ، وفيه: (ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة) اهـ
(3) "المغني" لابن قدامة: (9/357- 358- المسألة رقم: 1102) .
(4) "صحيح مسلم": (3/136- 137) ؛ (فؤاد- 2/779- رقم: 1108) .(4/320)
وقد قيل: إنَّ عمر المقول له زوِّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو عمر بن الخطَّاب.
والمعنى: أنها رضيت، وأجابت إلى أن يتزوَّج بها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمزوِّج لها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنُها سلمة بن أبي سلمة.
2709- قال سعيد بن يحيى الأمويُّ: حدَّثني أبي ثنا محمَّد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيحٍ، وعن أبان بن صالحٍ عن عطاء بن أبي رباحٍ عن (1) مجاهدٍ عن ابن عبَّاس أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّج ميمونةَ بنتَ الحارث وهو حرامٌ، وأقام بمكة ثلاثا ... فذكر الحديث إلى أن قال: وقد جاءتْه بنتُ حمزةَ بنِ عبد الطلب وكانت مع خالتها- بمكَّة- أسماءَ بنتِ عميسٍ ليخرجها معه، فاختصم فيها عليٌّ وزيدٌ وجعفرٌ، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين زيدٍ وحمزةَ، فقضى بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفرٍ لمكان خالتِها أسماءَ بنتِ عميسٍ، وزوَّجها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمةَ بنَ أبي سلمةَ، فماتَا قبل أن يجتمعَا، فكان نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هل حزنت سلمة؟! ". وهو كان زوَّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّه.
كذا فيه: (عن مجاهدٍ) ، والصواب: (ومجاهدٍ) .
2710- قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفرٍ الرزاز ثنا أحمدُ بنُ الخليل ثنا الواقديُّ؟ ثنا عمر بن عثمان المخزوميُّ عن سلمة بن عبد الله بن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب أمَّ سلمةَ ... ثم قال: " مري ابنك أن يزوِّجك ". أو قال: " زوَّجها ابنها "، وهو يومئذٍ صغير لم يبلغ (2) .
الواقديُّ غير محتجٍّ به، والله أعلم O.
__________
(1) كتب فوقها بالأصل: (كذا) .
(2) "سنن البيهقي": (7/131) .(4/321)
2711- الحديث الثاني: عن أنسٍ رضي الله عنه، أخبرنا محمَّد بن عبد الباقي بن سليمان أنا حمد بن أحمد ثنا أبو نعيمٍ أحمد بن عبد الله ثنا محمَّد بن عليٍّ ثنا الحسين بن محمَّدٍ الحرَّانيُّ ثنا أحمد بن سنانٍ ثنا يزيد بن هارون أنا حمَّادٌ عن ثابتٍ عن أنسٍ أنَّ أبا طلحةَ خطب أمَّ سليمٍ، فقالت: يا أبا طلحة، ألست تعلم أنَّ إلهك الذي تعبد خشبةٌ تنبتُ من الأرضِ نجرها حبشيُّ بني فلان؟! قال: بلى. قالت: أفلا تستحي أن تعبد خشبةَ من نباتِ الأرض نجرها حبشيُّ
بني فلانٍ؟! إن أنت أسلمت لم أرد منك من الصداق غيره. قال: حتى أنظر في أمري، فذهب، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله. قالت: يا أنس، زوِّج أبا طلحة.
قال المصنِّف: وهذا أيضًا فيه نظرٌ، لأنَّه لا خلاف أنَّ أبا طلحةَ شهد العقبة مسلمًا، والعقبةُ قبل الهجرةِ، وقدم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنس بن مالك ابن عشرٍ، فإن كان زوَّج أمَّه فقد زوَّجها وهو ابن سبعٍ أو ثمانٍ، ومثل هذا ليس بوليٍّ، ثم قد كان هذا قبل تقرير الأحكام.
ز: قال البيهقيُّ: أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا عليُّ بن حمشاذ العدل ثنا عليُّ بن عبد العزيز ثنا مسلم بن إبراهيم وحجَّاج بن منهالٍ قالا: ثنا حمَّاد بن سلمة عن ثابتٍ وإسماعيل بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنسٍ أنَّ أبا طلحةَ خطب أمَّ سليمٍ ... فذكره بنحو ما تقدَّم (1) .
وإسماعيل: ثقةٌ، وهو أخو إسحاق.
وقال الحاكم: هذا الحديث على شرط مسلمٍ (2) .
__________
(1) " سنن البذيهقي ": (7/132) .
(2) "المستدرك": (2/179) .(4/322)
وقال البيهقيُّ: أنس بن مالك ابنها وعَصَبَتُها، فإنَّه أنس بن مالكِ بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرامٍ، من بني عَدِيِّ بن النجار؛ وأمُّ سليم هي: ابنة ملحان بن خالدٍ بن يزيد بن حرامٍ، من بني عَدِيِّ بن النجار (1) .
واعلم أنَّ هذا الحديث- وإن كان إسناده صحيحًا- إلا أنَّ قوله: (قالت: يا أنس، زوِّج أبا طلحة) شاذٌ منكرٌ، وقد روى النسائيُّ (2) وغيره هذا الحديث من رواية جعفر بن سليمان عن ثابتٍ عن أنسٍ، وليس فيه أنَّ أنسًا كان وليًّا، وهو الصحيح O.
*****
مسألة (620) : يصحُّ إذن بنتِ تسعِ سنين في النكاح، خلافًا لأكثرهم.
2712- أنبأنا أحمدُ بن الحسن بن البنا قال: أنبأنا أبو يعلى محمَّدُ بن الحسين الفقيه قال: أخبرني أخي أبو خازم قال: قرىء على أبي الحسن عليُّ بنُ أحمد بنُ محمَّدٍ بنُ داود الرزاز- وأنا أسمع- قال: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله
الشافعيُّ ثنا محمَّد بن إسماعيل السلميُّ ثنا عبد الملك بن مهران الرِّقاعيُّ ثنا سهل ابن أسلم العدويُّ قال: حدَّثني محمَّد بن قرَّة اليزنيُّ قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأةٌ " (3) .
قال المصنِّف: في إسناده مجاهيل، منهم: عبد الملك، قال أبو أحمد بن
__________
(1) "سنن البيهقي": (7/132) .
(2) "سنن النسائي": (6/114- رقم: 3341) .
(3) الحديث رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان ": (2/273) من طريق سليمان بن بنت شرحبيل عن عبد الملك عن سهل بن أسلم عن معاوية- كذا- بن قرة عن ابن عمر به.(4/323)
عديٍّ: هو مجهولٌ غير معروفٍ (1) .
ز: عبد الملك هذا، هو: أبو هاشم الرِّقاعيُّ- بالقاف-، يروي أحاديث منكرة، ولم يدركه محمَّد بن إسماعيل السلميُّ، بل قد سقط بينهما شيءٌ.
ولهم أبو هشام محمَّد بن يزيد الرفاعيُّ- بالفاء-.
والمشهور ما ذكره البخاريُّ عن عائشة أنَّها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة.
ورواه الإمام أحمد بإسناده عنها (2) O.
2713- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن محمَّد المصريُّ ثنا إسماعيل بن محمود النيسابوريُّ قال: حدَّثني عمير بن المتوكل قال: حدَّثني أحمد بن موسى الضَّبيُّ قال: حدَّثني عبَّاد بن عبَّاد المهلّبيُّ قال: أدركت فينا- يعني المهالبة-
امرأةً صارت جدَّةً وهي بنت ثمان عشرة سنة، ولدت لتسع سنين ابنةً، فولدت ابنتُها لتسع سنين ابنةً، فصارت هي جدَّةٌ وهي ابنة ثمان عشرة سنة (3) .
__________
(1) "الكامل": (5/307- رقم: 1457) .
(2) لم نقف عليه في شيء من مصنفات الإمام أحمد ولا البخاري التي بين أيدينا، ولكن قال الترمذيُّ في " جامعه ": (2/403- رقم: 1109) : (وقال أحمد وإسحاق: إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزوجت، فرضيت، فالنكاح جائز، ولا خيار لها إذا ادركت.
واحتجَّا بحديث عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنى بها وهي بنت تسع سنين، وقد قالت عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امراة) ا. هـ
فنخشى أن قوله: (ما ذكره البخاري) سبق قلم، وصوابه: (الترمذيُّ) ، والله أعلم.
وقد ذكر ابن قدامة أيضًا في "المغني": (9/404- المسألة: 1119) أن الإمام أحمد روى هذا الخبر بإسناده، ولم يعزه إلى كتاب معين.
(3) "سنن الدارقطني": (3/323) .(4/324)
ز: قال ابن عديٍّ: ثنا أحمد بن عليٍّ المدائنيُّ ثنا يحيى بن عثمان ثنا بكر ابن سعيد أبو سعيد الأحدب الخولانيُّ حدَّثني ابن وهبٍ حدَّثني الليث حدَّثني كاتبي عبد الله بن صالح أنَّ امرأةً في جوارهم حملت وهي بنت تسع سنين (1) O.
*****
__________
(1) "الكامل": (4/206- رقم: 1015) تحت ترجمة عبد الله بن صالح.(4/325)
مسائل الشهادة
مسألة (621) : الشهادة شرطٌ في النكاح.
وعنه: ليست شرطًا، كقول مالك.
لنا ثلاثة أحاديث:
الحديث الأوَّل: قوله: " لا ناح إلا بوليٍّ، وشاهدي عدلٍ ".
وقد سبق فيما مضى والكلام فيه (1) .
2714- الحديث الثاني: قال الترمذيُّ: حدَّثنا يوسف بن حمَّاد ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عبَّاس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البغايا اللاتي يُنكحن أنفسهنَّ بغير بيِّنة ".
قالوا: قد قال الترمذيُّ: لا نعلم أحدًا رفعه إلا عبد الأعلى، وقد وقفه في مكان أخر، والصحيح أنَّه من قول ابن عبَّاس (2) .
قلنا: عبد الأعلى ثقةٌ، والرفع زيادةٌ، والزيادة من الثقة مقبولةٌ، وقد يرفع الراوي الحديث وقد يقفه.
ز: الصحيح وقف هذا الحديث، فقد رواه الترمذيُّ أيضًا عن قتيبة
__________
(1) في المسألة (613) .
(2) "الجامع": (2/396- 397- رقم: 1103) بتصرف في كلام الترمذي.(4/326)
عن غندرٍ عن سعيدٍ نحوه، ولم يرفعه.
وقال يوسف: رفع عبد الأعلى هذا الحديث في التفسير، وأوقفه في كتاب الطلاق ولم يرفعه (1) .
قال البيهقيُّ: والصواب موقوفٌ (2) O.
2715- الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عثمان بن جعفر بن محمَّد الأحول (3) ثنا محمَّد بن إبراهيم ثنا محمَّد بن إسماعيل الجعفريُّ ثنا عبد الله ابن سلمة بن أسلم قال: حدَّثني محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدريِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يضرُّ أحدكم بقليلٍ من ماله تزوَّج أو بكثيرٍ بعد أن يشهد " (4) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ابن أسلم ضعيفٌ (5) .
قال أحمد: لم يثبت في الشهادة شيءٌ (6) .
وقال ابن المنذر: الأحاديث في الشهادة لا تصحُّ (7) .
ز: حديث أبي سعيد هذا لا يصحُّ، وقد رواه تمَّام (8) والبيهقيُّ (9) من
__________
(1) "الجامع": (2/396- 397- رقم: 1104) بتقديم وتأخير.
(2) "سنن البيهقي": (7/126) .
(3) كتب فوقها بالأصل: (ثقة) .
(4) "سنن الدارقطني": (3/244) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/121) .
(6) نسبه الزركشي في " شرح مختصر الخرقي ": (5/23- رقم: 2409) إلى رواية الميموني.
(7) "المغني" لابن قدامة: (9/347- المسألة: 1099) .
(8) "الروض البسام" للفهيد: (2/417- رقم: 770) .
(9) "سنن البيهقي": (7/239) .(4/327)
رواية أبي هارون العبديِّ عن أبي سعيدٍ، وسيأتي (1) ، وإسناده ضعيفٌ إلى أبي هارون غير محتجٍّ به.
2716- وقد روى عبد الوهاب بن عطاءٍ عن سعيدٍ عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيَّب أنَّ عمرَ قال: لا نكاح إلا بوليٍّ وشاهدي عدلٍ.
قال البيهقيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، ابن المسيَّب كان يقال له: راوية عمر، وكان ابن عمر يرسل إليه يسأله عن بعض شأن عمر وأمره (2) .
2717- وروى مالكٌ عن أبي الزبير قال: أُتي عمر بنكاحٍ لم يَشْهَد عليه إلا رجلٌ وامرأةٌ، فقال: هذا نكاح السرِّ ولا أجيزه، ولو كنت تقدَّمت فيه لرجمت (3) O.
*****
مسألة (622) : لا ينعقد النكاح بشهادة فاسقين.
وقال أبو حنيفة: ينعقد.
وقد استدلَّ أصحابنا بقوله: " وشاهدي عدلٍ " على ما سبق (4) .
*****
__________
(1) رقم: (2774) .
(2) "سنن البيهقي": (7/126) .
(3) "الموطأ": (2/535- النكاح- الباب: 11) .
(4) المسألة: (613) .(4/328)
مسألة (623) : لا ينعقد النكاح بشاهد وامرأتين.
وقال أبو حنيفة: ينعقد.
لنا:
قوله: " وشاهدي عدلٍ ". وهذا إنما يطلق على الذكور.
وقد قال الزهريُّ: مضت السنَّة من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود والنكاح والطلاق.
ز: 2718- قال سعيد بن منصور: ثنا هشيم أنا حجَّاج عن عطاء عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنَّه أجاز شهادة النساء مع الرجل في النكاح (1) .
قال البيهقي: هذا منقطعٌ، والحجَّاج بن أرطأة: لا يحتجُّ به (2) O.
*****
مسألة (624) : لا ينعقد نكاح المسلم للذمِّيَّة بشهادة أهل الذِّمَّة.
وقال أبو حنيفة: ينعقد.
الحديث المتقدِّم، وقوله: " وشاهدي عدلٍ ".
*****
__________
(1) " سنن سعيد بن منصور ": (1/222- رقم: 875) .
(2) "سنن البيهقي": (7/126) .(4/329)
مسائل الكفاءة
مسألة (625) : شروط الكفاءة خمسة: النسب والدِّين والحريَّة والصناعة والمال
وعنه: أنَّها شرطان: النسب والدِّين.
وقال أبو حنيفة: النسب والدِّين والحريَّة.
وعنه: الدِّين والحريَّة والسلامة من العيوب.
لنا:
2719- ما روى الدَّارَقُطْنِيُّ، قال: حدَّثنا أبو حامد محمَّد بن هارون الحضرميُّ ثنا محمَّد بن زكريا الأزرق ثنا سويد ثنا بقية بن الوليد قال: حدَّثني محمَّد بن الفضل عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس أكفاء: قبيلة لقبيلة، وعربيٌّ لعربيٍّ، ومولى لولى، إلا حائك أو حجَّام " (1) .
2720- طريق آخر: قال ابن عديٍّ: حدَّثنا الحسن بن سفيان ثنا محمَّد بن عبد الله بن عمَّار ثنا عثمان بن عبد الرحمن عن عليِّ بن عروة عن نافعٍ (2) عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العرب بعضها لبعضٍ أكفاء، والموالي
__________
(1) هذا الحديث لم نقف عليه في "سنن الدارقطني"، وابن الجوزي رواه عن الدارقطني بالإسناد الذي يروي به أحاديث " الأفراد "، وهو في " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (3/482- رقم: 3343) .
(2) في "الكامل": (عن علي بن عروة عن ابن جريج عن نافع) وسينبه عليه المنقح.(4/330)
بعضها لبعضٍ أكفاء، إلا حائك أو حجَّام " (1) .
قال المصنِّف: محمَّد بن الفضل وعثمان بن عبد الرحمن وعليُّ بن عروة كلُّهم ضعافٌ.
ز: الطريقان لا يحتجُّ بهما.
وعثمان بن عبد الرحمن هو: الطرائفيُّ، من أهل حرَّان، وهو صدوقٌ إلا أنَّه يروي عن المجهولين، فهو في الجزريين كبقيَّة في الشاميين.
وقد سقط بين عليِّ بن عروة وبين نافعٍ: ابنُ جريجٍ، كذلك هو في ترجمة عليِّ بن عروة من كتاب ابن عديٍّ.
وقد روى هذا الحديث أبو عتبة عن بقية عن زرعة بن عبد الله الزبيديِّ عن عمران بن أبي الفضل عن نافع، وهو ضعيفٌ.
وقد روي من وجهٍ آخر عن عائشة، وهو ضعيفٌ بمرَّةٍ.
2721- وقال الحاكم: ثنا الأصم ثنا الصَّغانيُّ ثنا شجاع بن الوليد ثنا بعض إخواننا عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العرب بعضها أكفاءٌ لبعضٍ: قبيلة بقبيلة، ورجل برجل؛ والموالي بعضها أكفاءٌ لبعضٍ: قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، إلا حائك او حجَّام " (2) .
هذا منقطعٌ بين شجاعٍ وابن جريجٍ، حيث لم يسم شجاع بعض أصحابه O.
احتجُّوا:
__________
(1) "الكامل": (5/209- رقم: 1362) تحت ترجمة علي بن عروة.
(2) ومن طريقه خرجه البيهقي في "سننه": (7/134) .(4/331)
2722- بما رواه ابن عديٍّ، قال: حدَّثنا إبراهيم بن دحيم بمكة ثنا خالد بن يزيد الرمليُّ ثنا ضمرة عن إسماعيل بن عيَّاش عن محمَّد بن الوليد الزبيديِّ وابن سمعان عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة أنَّ أبا هند مولى بياضة
كان حجَّاما حجم النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سرَّه أن ينظر إلى من صوَّر
الله الكتاب في قلبه فلينظر إلى أبي هند، أنكحوا أبا هند، وانكحوا إليه ".
قال ابن عديٍّ: هذا الحديث ينفرد به ابن عيَّاش عن الزبيديِّ، وهو منكرٌ من حديث الزبيديِّ، إلا أنَّ خالد بن يزيدٍ ذكر الزبيديَّ وابن سمعان، فكأن ابن عيَّاش حمل حديث الزبيديِّ على حديث ابن سمعان فأخطأ (1) .
قال المصنِّف: قلت: أمَّا ابن عيَّاش: فقال ابن حِبَّان: لمَّا كبر إسماعيل تغيَّر حفظه، فكثر الخطأ في حديثه ولا يعلم، فخرج عن حدِّ الاحتجاج به (2) .
وأما ابن سمعان: فقال مالكٌ (3) ويحيى بن معينٍ (4) : هو كذَّابٌ.
ز: هذا الحديث لم يخرِّجوه، وقد ذكره ابن عديٍّ في ترجمة إسماعيل، وقال آخر ما تكلم عليه: والزبيدي ثقة، وابن سمعان ضعيف.
وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه:
2723- قال أبو داود: ثنا عبد الواحد بن غياث ثنا حمَّاد ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ أبا هند حجم النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليافوخ (5) ،
__________
(1) "الكامل": (1/295- 296- رقم: 127) تحت ترجمة إسماعيل بن عياش.
(2) "المجروحون": (1/125) باختصار وتصرف.
(3) "الجرح والتعديل": (5/60- رقم: 279) من رواية عبد الرحمن بن القاسم عنه.
(4) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/255- رقم: 808) من رواية عبيد بن محمَّد عنه.
(5) في " المصباح المنير ": (1/16- أفخ) : (اليافوخ: وسط الرأس) اهـ وفي " لسان العرب ": (3/5- أفخ) : (اليافوخ: حيث التقى عظم مقدم الرأس وعظم مؤخره)(4/332)
فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند، وانكحوا إليه " (1) هذا إسناد جيِّد O.
*****
مسألة (626) : فقد الكفاءة يبطل النكاح.
وعنه: لا يبطل، ويقف على اعتراض الأولياء، كقول أكثرهم.
2724- أخبرنا أبو منصور القزَّاز أنا أبو بكر أحمد بن عليٍّ ثنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشميُّ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن أحمد الأثرم ثنا عليُّ بن حرب الطائيُّ ثنا الحارث بن عمران عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " تخيَّروا لنطفكم، ولا تضعوها إلا في الأكفاء " (2) .
2725- طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا القاضي أحمد بن إسحاق ابن البهلول ثنا أبو سعيد الأشج ثنا الحارث بن عمران الجعفريُّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تخيَّروا لنطفكم، فأنكحوا الأكفَّاء وانكحوا إليهم ".
قال المصنِّف: مدار الطريقن على الحارث بن عمران، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ضعيفٌ (3) . وقال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث على الثقات (4) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/28- رقم: 2095) .
(2) "تاريخ بغداد": (1/264- رقم: 97) تحت ترجمة محمَّد بن أحمد الأثرم.
(3) ذكره الدارقطني في "الضعفاء والمتروكون": (ص: 176- رقم: 154) ، وقال عنه في "سؤالات البرقاني": (ص: 24- رقم: 103) : (متروك) .
(4) "المجروحون": (1/225) .(4/333)
ز: كان فيه: (الحارث بن عمران الجعفيُّ) وهو خطأٌ، والصواب: (الجعفريُّ) .
وقد رواه ابن ماجة عن الأشج (1) .
وقال أبو حاتمٍ الرازيُّ: ليس بقويٍّ، والحديث الذي رواه عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تخيَّروا لنطفكم " لا أصل له (2) .
وقد روى هذا الحديث عن هشام أيضًا: عكرمة بن إبراهيم وأبو أميَّة بن يعلى، وكلاهما ضعيفٌ.
وقد رواه غيرُهما عن هشام من الضعفاء.
وقال الخطيب: كلُّ طرقه واهية، ورواه أبو المقدام هشام بن زيادٍ عن هشام بن عروةَ عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وهو أشبه بالصواب (3) O.
ولهم:
حديث عائشة: أنَّّ فتاةً جاءت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: إنَّ أبي- ونعم الأب هو- زوَّجني ابنَ أخيه ليرفع بي خسيسته. فجعل الأمر إليها، فقالت: إنِّي قد أجزت ما صنع أبي، ولكنِّي أردت أن تعلم النساء= أن ليس إل الآباء من الأمر شيءٌ.
وقد ذكرناه بإسناده في مسألة إجبار البكر البالغ (4) .
*****
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (1/633- رقم: 1968) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/84- رقم: 385) .
(3) " تادريخ بغداد ": (1/264- رقم: 97) .
(4) رقم: (2693) .(4/334)
مسألة (627) : لا ينعقد النكاح إلا بلفظي الإنكاح والتزويج، أو معناهما الخاص في حقِّ من لم يحسن اللفظين.
وقال أبو حنيفة: ينعقد بهما، وبكلِّ لفظٍ يدلُّ على التمليك، كلفظ البيع والهبة والملك.
وأصحابنا يستدلون:
بقوله تعالى: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) إلى قوله: (خَالِصَةً لَّكَ} [الأحزلب: 50] .
2726- وبما رواه أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدَّثنا الحسن بن الصبَّاح ثنا مكِّّي بن إبراهيم ثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّها الناس، إنَّ النساء عوان عندكم لا يملكن لأنفسهن ضرًّا ولا نفعًا، أخذتموهن بأمانة الله عز وجلَّ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ".
قالوا: وكلمة الله هي المذكورة في القرآن، ولم يذكر إلا الإنكاح والتزويج، فدلَّ على أن غير الكلمة لا يستحلُّ بها.
ز: هذا الحديث من هذا الوجه غير مخرَّجٍ في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة".
وموسى بن عبيدة الزبيديُّ: ضعَّفه جماعةٌ من الأئمة.
وقد أبعد المؤلِّف في ذكر هذا الحديث بهذا الإسناد وتركه:
2727- ما رواه مسلمٌ في حديث جابرٍ الطويل في الحجِّ: " فاتقوا الله قي النساء فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " (1) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (4/41) ؛ (فؤاد- 2/889 - رقم: 1218) .(4/335)
واعلم أنَّ الآية والحديث لا يدلان على أنَّ النكاح لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج.
قال شيخنا العلامة أبو العبَّاس: أصحُّ قولي العلماء أنَّ النكاح ينعقد بكلِّ لفظٍ يدلُّ عليه، وهذا مذهب جمهور العلماء، كأبي حنيفة ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد، بل نصوصه لم تدل إلا على هذا الوجه.
وأمَّا الوجه الآخر- وهو: أنَّه إنَما ينعقد بلفظ الإنكاح أو التزويج- فهو قول أبي عبد الله بن حامدٍ وأتباعه، كالقاضي ومتبعيه.
وأمَّا قدماء أصحاب أحمد وجمهورهم= فلم يقولوا بهذا الوجه، وقد نصَّ أحمد في غير موضعٍ على أنَّه إذ قال: (أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها) انعقد النكاح، وليس هذا لفظ إنكاح وتزويجٍ، ولهذا ذكر ابن عقيلٍ
وغيره أنَّ هذا يدلُّ على أنَّه لا يختص النكاح بلفظٍ.
وأمَّا ابن حامدٍ فطرد قوله، فقال: لا بدَّ أن يقول مع ذلك: وتزوجتها.
والقاضي أبو يعلى جعل هذا خارجًا عن القياس، فجوَّز النكاح هنا بدون لفظ الإنكاح والتزويج.
وأصول أحمد ونصوصه تخالف هذا، فإنَّ من أصله أنَّ العقود تنعقد بما يدلُّ على مقصودها من قولٍ وفعلٍ، فهو لا يرى اختصاصها بالصيغ (1) .
وقال شيخنا في موضعٍ آخر: وقد ظنَّ بعض الناس أنَّ المراد بكلمة الله قولُه: (أنكحتك وزوَّجتك) ، وليس كذلك، فإنَّ هذا ليس كلام الله، بل هذا كلام المخلوقين، وهو مخلوقٌ، وكلام الله غير مخلوقٍ، وإنَّما كلمته:
__________
(1) " مجموع الفتاوى ": (20/533- 534) ، وانظر: " الا ختيارات ": (ص: 293) .(4/336)
ما تكلم به، وهو شرعه وإباحته وإذنه في ذلك (1) O.
احتجُّوا:
2728- بما رواه البخاريُّ، قال: حدَّثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي. فنظر إليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصعَّد النظر فيها، وصوَّبه، ثم طأطأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه، فلما رأت المرأة أنَّه
لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجلٌ من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنيها. قال: " هل عندك من شيءٍ؟ " قال: لا والله! فقال: " اذهب إلى أهلك فانظر، هل تجد شيئًا؟ " فذهب، ثمي رجع فقال: لا
والله ما وجدت شيئًا! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انظر ولو خاتمًا من حديدٍ ".
فذهب، ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري، فلها نصفه. فقال: " ما تصنع بإزارك إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبستْه لم يكن عليك منه شيء؟! ". فجلس الرجل حتى إذا طال
مجلسه قام، فرآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مولِّيًا، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: " ماذا معك من القرآن؟ ". قال: معي سورة كذا وسورة كذا ... عدَّدها. فقال: " تقرأهن عن ظهر قلبك؟ ". قال: نعم. قال: " اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن " (2) .
أخرجه البخاريُّ ومسلم (3) في "الصحيحين".
__________
(1) انظر: " درء التعارض ": (7/268 - 269) .
وقد ذكر المنقح في " العقود الدرية": (ص: 58) ضمن مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية: (قاعدة في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استحللتم فروجهن بكلمة الله ") ا. هـ
(2) "صحيح البخاري": (7/10- 11) ؛ (فتح- 9/131- رقم: 5087) .
(3) "صحيح مسلم": (4/143) ؛ (فؤاد- 2/1040- 1041- رقم: 1425) .(4/337)
والجواب:
أنَّ هذا الحديث قد رواه مالكٌ والثوريُّ وابن عيينة وحمَّاد بن زيد وزائدة ووهيب والدَّراورديُّ وفضيل بن سليمان، فكلُّهم قال: زوجتكها.
ورواه أبو غسان فقال: أنكحناكها.
وإنَّما روى (ملكتكها) ثلاثة أنفس: معمرٌ- وكان كثير الغلط- وعبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب الإسكندرانيُّ- وليسا بحافظين-، والأخذ برواية الحفَّاظ الفقهاء مع كثرتهم أولى.
ز: هذا الحديث قد روي بألفاظٍ عدَّة، ولم يتكلَّم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها كلِّها، وإنَّما تكلَّم [بلفظ] (1) واحد منها، والباقي مرويٌّ بالمعنى.
والنكاح ينعقد بكلِّ واحدٍ منها على الصحيح، وفي جواب المؤلِّف نظرٌ، فإنَّ رواية ابن عيينة: (أنكحتكها) ، ورواية الثوريِّ: (أملكتكها) ، ورواية أبي غسان: (أمكناكها) ، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصواب رواية من روى: (زوجتكها) . وقال: وهم أكثر وأحفظ (2) O.
*****
مسألة (628) : إذا زوَّج ابنته بدون مهر مثلها جاز.
وقال الشافعيُّ: لا يجوز.
__________
(1) غير واضحة في الأصل، فأثبتت من (ب) .
(2) " إكمال المعلم " للقاضي عياض: (4/583- رقم: 1425) ؛ " شرح صحيح مسلم " للنووي: (9/214) .(4/338)
وقال أبو حنيفة ومالك: إن كانت صغيرة كقولنا، وإن كانت كبيرة كقول الشافعيِّ.
لنا:
أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوَّج ابنته فاطمة بمهرٍ قليلٍ، وهي أشرف نساء العرب.
2729- أخبرنا ابن ناصر الحافظ قال: أنبأنا الحسن بن أحمد ثنا أبو القاسم بن بشران أنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد الله البصريُّ ثنا إبراهيم بن بشَّار ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن أبيه قال: أخبرني
من سمع عليًّا عليه السلام (1) قال: خطبت فاطمة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وهل عندك شيءٌ؟ ". قلت: لا. قال: " فأين درعك الحُطميَّة التي كنت أعطيتك يوم كذا وكذا؟ ". قلت: عندي. قال: " فأت بها ". فأتيت بها، فأنكحنيها (2) .
ز: هذا الإسناد غير مخرَّج في شيءٍ من "الكتب السِّتَّة"، وفيه رجلٌ مبهمٌ.
وإبراهيم بن بشَّار الرماديُّ: صدوقٌ، وقد تكلَّم فيه أحمد (3) ويحيى (4) .
2730- وقال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا الحسن بن حمَّاد الكوفيُّ عَبدة بن سليمان ثنا سعيد بن أبي عروبة عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: لما
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- بالتسليم ليس من عمل السلف، بل فيه مشابهة بأهل البدع.
(2) " زوائد فضائل الصحابة " لعبد الله بن أحمد: (2/783- رقم: 1076) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (3/438- رقم: 5865) .
(4) " معرفة الرجال " برواية ابن محرز: (1/68- رقم: 139) .(4/339)
تزوَّج عليٌّ فاطمة، قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعطها شيئًا ". قال: ما عندي شيءٌ.
قال: " فأين درعك الحُطميَّة؟ " (1) .
رواه أبو داود (2) والنسائيُّ (3) من حديث عَبدة O.
2731- أخبرنا ابن ناصر قال: أنبأنا الحسن بن أحمد أنا أبو عليٍّ بن شاذان ثنا محمَّد بن نهار التيميُّ ثنا عبد الملك بن حيار ثنا محمَّد بن دينار ثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن أنسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عليٌّ، إن الله أمرني أن أزوِّجك فاطمة، وإنِّي قد زوجتكها على أربعمائة مثقالٍ فضَّةٍ ".
ز: هذا حديث باطلٌ.
ومحمَّد بن دينار: مجهولٌ.
وكذلك عبد الملك، وقيل: إنما هو ابن خيار- بالخاء المعجمة-.
ومحمَّد بن نهار: ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (4) ، ولم يدركه ابن شاذان (5) ، بل سقط بينهما رجل، إمَّا أبو بكر الشافعيُّ أو ابن أبي نجيح أو غيرهما، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "مسند أبي يعلى": (4/328- رقم: 2439) .
(2) "سنن أبي داود": (3/39- رقم: 2118) .
(3) "سنن النسائي": (6/130- رقم: 3376) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (3/328- رقم: 1434) من رواية الرزاز، ونقله الحافظ ابن حجر في "اللسان": (6/586- رقم: 8204) عن كتاب " غرائب مالك ".
(5) في هامش الأصل: (حـ: محمَّد بن نهار مات سنة اثنين وثمانين ومائتين) ا. هـ(4/340)
مسألة (629) : إذا أذنت لوليين في تزويجها، فزوَّج أحدهما بعد الآخر، فالنكاح للأوَّل.
وقال مالكٌ: إن دخل بها الثاني فهو أحقُّ بها.
لنا حديثان:
2732- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يونس ثنا أبان ثنا قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أنكح الوليَّان فهو للأوَّل منهما، وإذا باع الرجل بيعا من رجلين فهو للأوَّل منهما " (1) .
2733- الحديث الثاني: قال أحمد: وحدَّثنا عبد الصمد ثنا هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أنكح الوليَّان فهو للأوَّل، وإذا باع وليَّان فالبيع للأوَّل " (2) .
ز: روى حديث الحسن عن سمرة أصحاب " السنن الأربعة " (3) ،
وحسَّنه الترمذيُّ.
وروى حديث الحسن عن عقبة: النسائيُّ (4) ، ورواه ابن ماجة عن عقبة أو سمرة بالشك (5) .
وسماع الحسن من سمرة مختلفٌ فيه، ولم يسمع من عقبة بن عامر شيئًا.
__________
(1) "المسند": (4/149) .
(2) "المسند": (5/11) .
(3) "سنن أبي داود": (3/23- رقم: 2081) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/403- رقم: 1110) ؛ "سنن النسائي": (7/314- رقم: 4682) ؛ "سنن ابن ماجة": (2/738- رقم: 2191) .
(4) "السنن الكبرى": (4/57- رقم: 6279) .
(5) "سنن ابن ماجة": (2/338- رقم: 2190) .(4/341)
قاله ابن المدينيِّ (1) .
وقال البيهقيُّ: الصحيح رواية من رواه عن سمرة (2) O.
*****
مسألة (630) : إذا كان الوليُّ ممن يجوز له التزويج بموليته، لم يجز أن يتولَّى طرفي العقد، كابن العم والمعتق.
وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة ومالك.
استدلَّ أصحابنا:
بقوله عليه السلام: " لا بدَّ في النكاح من أربعة ... ". وقد سبق بإسناده (3) .
2734- وروى أصحابنا من حديث سعيد بن المسيَّب أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتزوَّج الرجل المرأة حتى يكون الوليُّ غيره ".
ز: كلا الحديثين لا يجوز الاحتجاج به، والله أعلم O.
احتجُّوا:
2735- بما رواه الإمام أحمد، قال: حدَّثنا هشيم ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفيَّة بنتَ حييٍّ، وجعل
__________
(1) "العلل": (ص: 57- رقم: 68) .
(2) "سنن البيهقي": (7/141) .
(3) رقم: (2669) .(4/342)
عتقَها صداقَها (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
قالوا: ولم ينقل أنَّه تولاها غيره.
*****
مسألة (631) : إذا قال: (أعتقت أمتي، وجعلت عتقها صداقها) بحضرة شاهدين= صحَّ النكاح.
وعنه: لا يصحُّ، كقول أكثرهم.
لنا:
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفيَّة، وجعل عتقَها صداقَها.
ز: قال البيهقيُّ: وقد روي من حديث ضعيف أنَّه أمهرها..... ثم ذكره بإسناده.
2736- وروى من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر يكره أن يجعل عتق المرأة مهرها، حتى يفرض لها صداقًا (3) O.
__________
(1) "المسند": (3/99) .
(2) "صحيح البخاري": (2/239) ؛ (فتح- 2/438- رقم: 947) .
"صحيح مسلم": (4/146) ؛ (فؤاد- 2/1045- رقم: 1365) .
في هامش الأصل: (حـ: لم يخرجاه من حديث هشيم) ا. هـ
(3) "سنن البيهقي": (7/128- 129) .(4/343)
مسألة (632) : لا يتزوَّج العبد كثر من امرأتين.
وقال مالك وداود: يتزوَّج أربعًا.
2737- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا عبد الرحمن بن بشر ثنا سفيان عن محمَّد بن عبد الرحمن مول آل طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلِّق طلقتين، وتعتدُّ
الأمة حيضتين (1) .
وقال الحكم: أجمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ العبد لا ينكح أكثر من امرأتين.
ز: 2738- رواه البيهقيُّ عن الحكم فقال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ إجازةً أنا أبو الوليد ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر ثنا المحاربيُّ عن ليث عن الحكم قال: اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أنَّ المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين (2) O.
*****
مسألة (633) : إذا كانت معتدَّة من طلاقه لم يجز أن يتزوَّج أختها وأربعا سواها.
وقال مالكٌ والشافعيُّ: إذا كانت العدَّة من طلاق بائن جاز.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/308) .
(2) "سنن البيهقي": (7/158) .(4/344)
وأصحابنا يستدلُّون:
بقوله: (وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) [النساء: 23] .
قالوا: وإذا تزوَّج أختها جمع بينهما في استلحاق نسب ولديهما، وحبسهما عن الأزواج لحقِّه.
واستدلُّوا بقوله عليه السلام: " ملعون من جمع ماءه في رحم أختين ".
ز: هذا الحديث لم أر له سندًا بعد أن فتشت عليه في كتب كثيرة O.
*****
مسألة (634) : إذا دخل بامرأة حرمت عليه ابنتها.
وقال داود: لا تحرم إلا إذا كانت في حجره.
لنا حديثان ضعيفان:
2739- الحديث الأوَّل: قال الترمذيُّ: حدَّثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما رجلٍ نكح امرأةً فدخل بها فلا يحلُّ له نكاح ابنتها، وإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها، وأيُّما رجلٍ نكح امرأةً فدخل بها- أو لم يدخل بها- فلا يحلُّ له نكاح أمِّها ".
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ لا يصحُّ من قبل إسناده، إنَّما رواه ابن لهيعة والمثنَّى بن الصبَّاح عن عمرو، وابن لهيعة والمثنَّى يضعَّفان (1) .
__________
(1) "الجامع": (2/410- 411- رقم: 1117) .(4/345)
قال المصنِّف: قلت: قال أبو زرعة: ابن لهيعة ليس ممَّن يحتجُّ به (1) .
وقال أحمد بن حنبل (2) والرازيُّ (3) : المثنَّى بن الصبَّاح لا يساوي شيئًا. وقال النسائيُّ: متروك الحديث (4) .
ز: هذا الحديث انفرد به الترمذيُّ، وقد أسقط المؤلِّف منه قوله: (أو لم يدخل بها) ولا بد منه.
وقد رواه البيهقيُّ من رواية: ابن المبارك عن مثنَّى؛ ومن رواية أبي الأسود عن ابن لهيعة (5) .
والأشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن مثنَّى، ثم أسقطه، وقال: (عن عمرو) ، وقد قال أبو حاتمٍ الرازيُّ: لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيبٍ شيئًا (6) O.
2740- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر الشافعيُّ ثنا محمَّد بن شاذان ثنا معلَّى بن منصور ثنا حفص بن غياث عن ليث عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: لا ينظر الله عز وجل إلى رجلٍ
نظر إلى فرج امرأةٍ وابنتها. موقوف.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/147- 148- رقم: 682) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (2/298 - رقم: 2324) وفيه: (لا يسوى حديثه شيئًا، مضطرب الحديث) اهـ
(3) وذكر هذا ابن الجوزي في "الضعفاء" أيضًا: (3/34- رقم: 2844) ، ولم نقف عليه في مصدر أصلي، وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (8/324- رقم: 1494) : (سألت أبي وأبا زرعة عن المثنى بن الصباح، فقالا: لين الحديث. قال أبي: يروي عن عطاء ما لم يرو عنه أحد، وهو ضعيف) ا. هـ
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 221- رقم: 576) .
(5) "سنن البيهقي": (7/160) .
(6) " المراسيل " لابنه: (ص: 114- رقم: 417) .(4/346)
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليث وحمَّاد ضعيفان (1) .
*****
مسألة (635) : لا يجوز نكاح الزانية إلا بعد انقضاء عدَّتها.
وقال أبو حنيفة والشافعيُّ: يجوز، إلا أنَّ أبا حنيفة قال: لا يطأ (2) إلا بعد انقضاء العدَّة.
لنا حديثان:
2741- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: حدَّثني محمَّد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق - مولى تُجِيب- عن رويفع بن ثابت الأنصاريِّ قال: كنت مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين افتتح خيبر (3) ، فقام فينا خطيبًا، فقال: " لا يحلُّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرعَ غيرِه " (4) .
ز: رواه أبو داود من رواية محمَّد بن سلمة وأبي معاوية كلاهما عن ابن إسحاق، وزاد: (حنشًا الصنعانيَّ) بين رويفع وأبي مرزوق (5) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (3/268 - 269) .
(2) في "التحقيق": (توطأ) .
(3) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "المسند": (حنينا) ، وفي "سنن أبي داود": (يوم حنين) .
(4) "المسند": (4/108) .
(5) "سنن أبي داود": (3/52- 53- رقمي: 2151- 2152) .(4/347)
وكذلك رواه أحمد عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق (1) .
وحنش: ثقةٌ، روى له مسلمٌ (2) .
وأبو مرزوق: ثقةٌ.
وقد رواه الترمذيُّ عن عمر بن حفص الشيبانيِّ البصريِّ عن ابن وهبٍ عن يحيى بن أيُّوب عن ربيعة بن سليمٍ عن بسر بن عُبيد الله عن رويفع مختصرًا، وقال: حديثٌ حسنٌ (3) O.
2742- الحديث الثاني: قال أبو داود: حدَّثنا الحسن بن عليٍّ ثنا عبد الرزَّاق أنا ابن جريجٍ عن صفوان بن سُليمٍ عن سعيد بن المسيَّب عن رجلٍ من الأنصار- يقال له: بصرة- قال: تزوَّجت امرأةً بكرًا في سترها، فدخلت
عليها، فإذا هي حبلى، فقال لي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبدٌ لك، فاذا ولدت فاجلدوها " (4) .
قال المصنِّف: ومعنى قوله: (عبدٌ لك) أي: كالعبد لك.
ز: قال البيهقيُّ: هذا الحديث إنَّما أخذه ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سُليم، وإبراهيم مختلفٌ في عدالته (5) .
وقد رواه أبو داود أيضًا:
قال: ثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا عثمان بن عمر ثنا عليٌّ عن يحيى عن يزيد بن
__________
(1) "المسند": (4/108) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/179- رقم: 370) .
(3) "الجامع": (2/424- رقم: 1131) .
(4) "سنن أبي داود": (3/41- رقم: 2124) .
(5) "سنن البيهقي": (7/157) .(4/348)
نعيمٍ عن سعيد بن المسيَّب أنَّ رجلاً يقال له بصرة بن أكثم نكح امرأةً ... فذكر معناه، زاد: وفرَّق بينهما (1) O.
*****
مسألة (636) : لا يحلُّ للزاني أن يتزوَّج بالزانية حتَّى يتوبا، خلافًا لأكثرهم.
2743- قال أبو داود: حدَّثنا إبراهيم بن محمَّد التيميُّ ثنا يحيى ثنا عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ مرثدَ بن أبي مرثدٍ الغنويَّ كان يحمل الأسارى بمكَّة، وكان بمكَّة بغيٌّ يقال لها: عَناق، وكانت
صديقته، قال: فجئت إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أنكح عَناقًا؟ فسكت عنِّي، فنزلت: (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور: 3] ، فدعاني، فقرأها عليَّ، وقال لي: " لا تنكحها " (2) .
2744- قال أبو داود: وحدَّثنا مسدَّد ثنا عبد الوارث عن حبيب قال: حدَّثني عمرو بن شعيبٍ عن سعيد المقبريِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " (3) .
ومعلومٌ أنَّه بعد التوبة لا يسمَّى زانيًا (4) .
ز: حديث عبيد الله بن الأخنس عن عمرو: رواه النسائيُّ عن إبراهيم
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/41- 42- رقم: 2125) .
(2) "سنن أبي داود": (3/7- 8 رقم: 2044) .
(3) "سنن أبي داود": (3/8- رقم: 2045) .
(4) "سنن النسائي": (6/66- 67- رقم: 3228) .(4/349)
ابن محمَّد التيميِّ به (1) .
وإبراهيم: من القضاة الأثبات (2) .
ورواه الترمذيُّ عن عبد بن حميد عن روح بن عبادة عنه، وقال: حديث حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه (3) .
وحديث حبيبٍ عن عمروٍ: رواه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه (4) ، وإسنادُه جيِّدٌ، والله أعلم O.
*****
مسألة (637) : الزنا يثبت تحريم المصاهرة.
وقال الشافعيُّ: لا يثبت.
وعن مالك كالمذهبين.
وأصحابنا يستدلُّون:
__________
(1) وقع في مطبوعة "التحقيق" الزيادة التالية: (أنبأني غير واحد عن أسعد بن أبي حاتم قال: أنبأنا جعفر بن عبد الوهاب الثقفي أنبأنا عبد الرزاق حدَّثنا عبد الله حدَّثنا الصوفي حدَّثنا إبراهيم بن محمَّد عن عرعرة حدئنا معتمر عن أبيه قال: حدَّثني الحضرمي عن القاسم بن محمَّد عن عبد الله بن عمرو أن امرأة يقال لها: أم مهزول، كانت تسافح، وكانت تشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة، فذكر ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقرأ هذه الآية: (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ) [النور: 3] ) اهـ
وذكر محققه في الحاشية: أنها وردت في حاشية النسخة (ف) فقط!
في (ب) : (القضاة الثقات) .
"الجامع": (5/237- 238- رقم: 3177) .
"المسند": (2/324) .(4/350)
بقوله تعال: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكْم) [النساء: 22] .
والنكاح حقيقة في الوطء.
احتجَّ الخصم بحديثين:
2745- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا جعفر بن محمَّد بن الحسن الرازيُّ (1) ثنا الهيثم بن اليمان (2) ثنا عثمان ابن عبد الرحمن عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الحلال لا يفسد بالحرام " (3) .
2746- طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يوسف بن يعقوب ثنا جدِّي ثنا عبد الله بن نافع- مولى بني مخزوم- عن المغيرة بن إسماعيل عن عثمان بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الرجل يتبع المرأة حرامًا ثم ينكح ابنتها، أو يتبع الابنة ثم ينكح أمِّها؟ قال: " لا يحرِّم الحرامُ الحلال " (4)
2747- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا القاضي الحسين بن إسماعيل ثنا عليُّ بن أحمد الجواربيُّ (5) ثنا إسحاق بن محمَّد الفرويُّ ثنا عبد الله بن
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: صدَّقه أبو حاتم) ا. هـ وانظر: " الجرح " لابنه: رقم: 1994) .
(2) كتب فوقها بالأصل: (قال أبو حاتم: صالح) ا. هـ وانظر: " الجرح " لابنه: (9/86- رقم: 355) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/267) .
(4) "سنن الدارقطني": (3/268) .
(5) في "التحقيق": (الجوزاني) خطأ.(4/351)
عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحرِّم الحرامُ الحلال ".
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: ففي الطريقين الأوَّلين: عثمان بن عبد الرحمن، وهو: الوقَّاصيُّ، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ، كان يكذب (1) . وضعَّفه ابن المدينيِّ جدًّا (2) ، وقال البخاريُّ والنسائيُّ والرازيُّ (3) وأبو داود (4) : ليس بشيءٍ. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (5) . وقال ابن حِبَّان: كان يروي عن الثقات الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به (6) .
وفي الحديث الثاني: عبد الله بن عمر، وهو: أخو عبيد الله، قال ابن حِبَّان: فحش خطؤه فاستحقَّ الترك (7) .
وفيه: إسحاق الفرويُّ، قال يحيى: لبس بشيءٍ، كذَّابٌ. وقال البخاريُّ: تركوه (8) .
ز: حديث عائشة: لم يخرِّجوه.
وحديث ابن عمر: رواه ابن ماجة عن يحيى بن معلَّى بن منصور عن
__________
(1) الكلمة الأولى في "التاريخ" برواية الدوري: (3/286- رقم: 1359) ، والثانية في رواية ابن الجنيد:) ص: 334- رقم: 245) .
(2) "تاريخ بغداد": (11/280- رقم: 6051) من رواية ابنه عبد الله.
(3) انظر ما يأتي من كلام المنقح.
(4) " سؤالات الآجري ": (2/305- رقم: 1943) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/150) .
(6) " المجرحون ": (2/98) .
(7) " المجرحون ": (2/7) .
(8) انظر ما يأتي من كلام المنقح.(4/352)
إسحاق بن محمَّد الفروي (1) .
وقال البيهقيُّ: حديث عائشة تفرَّد به عثمان بن عبد الرحمن الوقَّاصيُّ، وهو ضعيفٌ. قال يحيى بن معين وغيره من أئمة الحديث: والصحيح عن ابن شهاب الزهريِّ عن عليٍّ رضي الله عنه مرسلا موقوفا، وعنه عن بعض العلماء،
وحديث عبد الله العمريِّ أمثل، والله أعلم (2) .
وقد وهم المؤلِّف في الكلام على الوقَّاصيِّ والفرويِّ، أمَّا الوقاصيُّ: فإنَّما قال فيه أبو حاتم الرازيُّ: متروك الحديث، ذاهب الحديث، كذَّاب (3) .
وكذلك النسائيُّ، إنَّما قال فيه: متروك الحديث (4) . وقال مرَّة: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه (5) . وكذلك البخاريُّ، إنَّما قال فيه: تركوه (6) .
وأمَّا الفرويُّ: فإنَّ الكلام الذي حكاه فيه عن يحيى (7) والبخاريِّ (8) إنَّما هو في: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وأمَّا راوي هذا الحديث فهو: إسحاق بن محمَّد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي الفرويُّ المدنيُّ، وقد روى
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (1/649- رقم: 2015) .
(2) "سنن البيهقي": (7/169) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/157- رقم: 865) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 166- رقم: 418) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (19/427- رقم: 3837) .
(6) "التاريخ الكبير": (6/238- رقم: 2270) ؛ و"الضعفاء الصغير": (ص: 464 - رقم: 250) .
(7) في "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 321- رقم: 195) : (ليس بشيء) ، وفي " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (2/228- رقم: 792) : (لا شيء، كذاب) من رواية إسحاق بن منصور.
(8) "التاريخ الكبير": (1/396- رقم: 1260) ؛ و"الضعفاء الصغير": (ص: 410 - رقم: 20) .(4/353)
عنه البخاريُّ في "صحيحه" (1) ، وتكلَّم فيه بعضهم، وهو متأخرٌ عن إسحاق ابن عبد الله، والله أعلم O.
*****
مسألة (638) : إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة اختار منهن أربعًا، وكذلك إذا كان تحته أختان.
وقال أبو حنيفة: إن تزوجهنَّ في عقد واحد= بطل نكاح الجميع؛ وإن كنَّ في عقود= بطل نكاح ما بعد الأربع، والثانية من الأختين.
2748- قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل أنا معمر عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه أنَّ غيلان بن سلمة الثقفيَّ أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اختر منهن أربعا ". فلما كان في عهد عمر طلَّق نساءه، وقَسَم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال: إنِّي لأظنُ الشيطان- فيما يسترق من السمع- سمع بموتك، فقذفه في نفسك، وأيم الله، لتراجعنَّ نساءك، ولترجعن مالك، أو لأورثهنَّ، ولآمرنَّ بقبرك فيرجم، كلما رجم قبر أبي رغال (2) .
2749- وقال الترمذيُّ: حدَّثنا هنَّاد ثنا عَبْدةُ عن سعيد بن أبي عَرُوبة عن مَعْمَر عن الزهريِّ عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنَّ غيلان بن سلمة الثقفيَّ أسلم وله عشر نسوة في الجاهليَّة، فأسلمن معه، فأمره النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتخيَّر أربعًا منهنَّ.
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/377- رقم: 82) .
(2) "المسند": (2/14) .(4/354)
قال الترمذيُّ: سمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: هذا حديثٌ غير محفوظٍ، والصحيح ما روى شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهريِّ قال: حدِّثت عن محمَّد بن سويد الثقفيِّ أنَّ غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة.
قال محمَّد: وإنَّما حديث سالم عن أبيه أنَّ رجلاً من ثقيف طلَّق نساءه، فقال له عمر: لتراجعنَّ نساءك، أو لأرجمنَّ قبرك كما رجم قبر أبي رغال (1) .
ز: رواه ابن ماجة عن يحيى بن حكيم عن محمَّد بن جعفر عن مَعْمَر (2) .
ورواه أبو حاتم البُسْتِيُّ عن أبي يعلى الموصليِّ عن أبي خَيثمة عن إسماعيل (3) ، وعن عبد الله بن محمَّد الأزْدِيِّ عن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى ابن يونس (4) عن مَعْمَر.
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رواه مَعْمَر بالبصرة عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدَّث به ابن عليَّة ومروان بن معاوية وابن أبي عَروبة.
وقيل عن سفيان الثوريِّ ويزيد بن زُريع والفضل بن موسى ويحيى بن أبي كثير وغُنْدَر عن مَعْمَر كذلك.
وخالفهم عبد الرَّزَّاق، رواه عن مَعْمَر (5) عن الزهريِّ مرسلاً.
ورواه يونس عن الزهريِّ أنَّه بلغه عن عثمان بن محمَّد بن أبي سويد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) "الجامع": (2/421- 423- رقم: 1128) .
(2) "سنن ابن ماجة": (1/628- رقم: 1953) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (9/463- رقم: 4156) .
(4) "الإحسان" لابن بلبان: (9/466- رقم: 4158) .
(5) من قوله: (كذلك) إلى هنا سقط من (ب) .(4/355)
وقول يونس أشبهها بالصواب.
ورواه سَرَّار بن مُجَشِّر أبو عبيدة- ثقة من أهل البصرة- عن أيُّوب عن نافع وسالم عن ابن عمر أنَّ عثمان بن سلمة الثقفيَّ أسلم وعنده عشر نسوة، فأمره النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمسك منهن أربعًا.
تفرَّد به سيف بن عبيد الله الجرميُّ عن سَرَّار.
ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ بعد هذا الكلام عن عبد الله بن محمَّد بن سعيد عن أحمد ابن يوسف التغلبيِّ عن أبي عُبيد القاسم بن سلام عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن مَعْمَر عن الزهريِّ عن أبيه أسلم غَيْلان ... فذكره، وقال: تفرَّد به أبو
عُبيد عن يحيى القطَّان عن الثوريِّ.
وقال الأثرم: ذكرت لأبي عبد الله هذا الحديث، فقال: ما هو صحيحًا، هذا حدَّث به مَعْمَر بالبصرة فأسنده لهم، وقد حدَّث بأشياء بالبصرة فأخطأ فيها، أسند أحاديث وأخطأ، والناس يهمون.
وقال مُهَنَّا: سألت أحمد عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح، والعمل عليه. وسألت يحيى عنه، فقال: كان مَعْمَر يخطىء فيه بالعراق، وأمَّا باليمن فكان يقول: عن الزهريِّ مرسلاً.
وقال مسلم بن الحجَّاج في حديث مَعْمَر: أهل اليمن أعرف بحديث مَعْمَر من غيرهم، فإنَّه حدَّث بهذا الحديث عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه بالبصرة، وقد تفرَّد بروايته عنه البصريون، فإن حدَّث به ثقةٌ من غير أهل
البصرة صار الحديث حديثًا، وإلا فالإرسال أولى (1) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (7/182) .(4/356)
قال البيهقيُّ: قد رويناه عن غير أهل البصرة عن مَعْمَر كذلك موصولاً، فالله أعلم (1) O.
2750- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن عمرو بن البختريِّ ثنا أحمد ابن الخليل ثنا الواقديُّ ثنا عبد الله بن جعفر الزهريُّ عن عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: أسلم غيلان بن سلمة وتحته عشر نسوة، فأمره
النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمسك أربعا، ويفارق سائرهن (2) .
2751- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا أحمد بن الأزهر ثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيُّوب قال: حدَّثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الجيشانيِّ عن الضحَّاك بن فيروز الديلميِّ عن
أبيه قال: قلت: يا رسول الله، إنِّي أسلمت وتحتي أختان؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلِّق أيتهما شئت " (3) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (7/182- 183) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: قال العقيلي في كتاب "الضعفاء" [1/299- رقم: 373] : حميضة بن الشمردل، حدَّثنا علي بن عبد العزيز ثنا عمرو بن عون الواسطي ثنا هثشيم أنا ابن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل عن الحارث بن قيس الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فقال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " اختر منهن أربعًا ".
حدَّثني آدم قال: سمعت البخاري قال: حميضة بن الشمردل عن الحارث بن قيس، فيه نظر.
وقد روى معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة، فأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يختار منهن أربعًا وقال بعضهم: عن معمر عن الزهري أن غيلان بن سلمة.
ورواه مالك عن ابن شهاب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة.
ورواه ابن لهيعة عن عُقيل ويونس وقرَّة عن ابن شهاب عن عثمان بن محمَّد بن أبي سويد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لغيلان بن سلمة فذكره) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (3/269) .
(3) "سنن الدارقطني": (3/273) .(4/357)
قال المصنِّف: هذا الحديث أثبت من الذي قبله، لأنَّ ذاك فيه الواقديُّ، وقد كذَّبوه.
ز: حديث فيروز: رواه أبو داود عن يحيى بن معين عن وهب بن جرير (1) .
وقال البيهقي: إسناده صحيحٌ (2) .
ورواه الترمذيُّ (3) وابن ماجة (4) من رواية ابن لَهِيعة عن أبي وهب.
وقال البخاريُّ: الضحَّاك بن فيروز عن أبيه، روى عنه أبو وهب الجيشانيُّ، لا يعرف سماع بعضهم من بعض (5) O.
*****
مسألة (639) : إذا هاجرت الحربيَّة بعد الدخول= وقفت (6) الفرقة على انقضاء العدَّة.
وقال أبو حنيفة: تقع الفرقة باختلاف الدارين.
__________
(1) "سنن أبي داود". (3/94- رقم: 2237) .
(2) لم نقف على كلام البيهقي.
(3) "الجامع": (2/423- رقم: 1129) .
(4) "سنن ابن ماجة": (1/627- رقم: 1951) .
(5) "التاريخ الكبير": (4/333- رقم: 3023) .
(6) في (ب) و"التحقيق": (وقعت) .(4/358)
أنَّ عكرمة وصفوان هربَا يوم الفتح إلى الطائف والساحل، فأسلمت امرأتاهما، فأخذتا لهما الأمان.
وأسلم أبو سفيان بمر الظهران، وامرأته مقيمةٌ بمكَّة، وأقرهم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النكاح، وكانت مكَّة واليمن والطائف [والساحلٍ] (1) دار شركٍ.
*****
مسألة (640) : أنكحة الكفار صحيحةٌ.
وقال مالكٌ: باطلةٌ.
2752- أخبرنا محمَّد بن عبد الباقي البزَّاز أنا أبو محمَّد الجوهريُّ أنا أبو عمر بن حيويه أنا أحمد بن معروف ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا محمَّد بن سعد أنا محمَّد بن عمر الأسلميُّ قال: حدَّثني محمَّد بن عبد الله بن مسلم عن [عمِّه] (2) الزهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خرجت من نكاح
غير سفاح " (3) .
ز: محمَّد بن عمر هو: الواقديُّ، وقد طعن فيه المؤلِّف قريبًا (4) .
وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه.
__________
(1) زيادة استدركت من (ب) و"التحقيق".
(2) في الأصل: (عمر) ، وفي (ب) : (محمَّد) ، والتصويب من "التحقيق" و" الطبقات الكبرى ".
(3) "الطبقات الكبرى" لابن سعد: (1/61) .
(4) (ص: 358) .(4/359)
2753- وقال البيهقيُّ: أنا أبو نضر بن قتادة أنا أبو علي حامد بن محمَّد الرفاء أنا عليُّ بن عبد العزيز ثنا محمَّد بن أبي نُعيم ثنا هُشيم حدَّثني المدينيُّ عن أبي الحُويرث عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء، ما ولدني إلا نكاح [] (1) كنكاح الإسلام " (2) .
ورواه الطبرانيُّ في "المعجم الكبير" عن عليِّ بن عبد العزيز، ثُمَّ قال: المدينيُّ هو عندي: فليح بن سليمان (3) .
كذا قال، والظاهر أنَّه إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيفٌ.
وقال بعضهم: يحتمل أن يكون عبد الله بن جعفر، والد عليِّ بن المدينيِّ. وهو ضعيفٌ أيضًا.
وأبو الحويرث: اسمه: عبد الرحمن بن معاوية، وهو متكلَّمٌ فيه O.
*****
مسألة (641) : نكاح الشغار باطلٌ.
وقال أبو حنيفة: ليس بباطلٍ.
وصفة الشغار: أن يقول: زوَّجتك ابنتي على أن تزوِّجني ابنتك بغير صداق.
وقال الشافعيُّ: هذه صفته، وأن يقول: (ونضع كلَّ واحدةٍ منهما مهر
__________
(1) أقحمت في الأصل كلمة: (إلا) .
(2) "سنن البيهقي": (7/190) .
(3) "المعجم الكبير": (10/329- رقم: 10812) .(4/360)
الأخرى) فإن لم يقل فالنكاح صحيحٌ.
2754- قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ ثنا مالك عن نافعٍ عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الشغار (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
*****
مسألة (642) : إذا تزوَّج امرأةً وشرط لها دارها، أو أن لا يتسرَّى عليها، فمتى لم يف كان لها الخيار، خلافًا لأكثرهم في قولهم: لا يثبت لها الخيار.
2755- قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر قال: حدَّثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزنيِّ عن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ أحقَّ الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج " (3) .
أخرجاه في "الصحيحين" (4) .
احتجُّوا:
__________
(1) "المسند": (2/7) .
(2) "صحيح البخاري": (9/470) ؛ (فتح- 12/333- رقم: 6960) .
"صحيح مسلم": (4/139) ؛ (فؤاد- 2/1034- رقم: 1415) .
(3) "المسند": (4/144) .
(4) " صحيح للبخاري ": (3/693) ؛ (فتح- 5/323- رقم: 2721) .
"صحيح مسلم": (4/140) ؛ (فؤاد- 2/1035- 1036- رقم: 1418) .
وفي هامش الأصل: (حـ: رواه " خ " من حديث الليث عن يزيد، ورواه " م " من حديث عبد الحميد) ا. هـ(4/361)
2756- بما رواه الإمام أحمد قال: حدَّثنا إسحاق بن عيسى قال: حدَّثني ليث قال: حدَّثني ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟! من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له، وإن شرط مائة شرط، شرط الله أحقُّ وأوثق " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
وجوابه:
أنَّا نقول به، ولا نسلِّم أنَّ هذا الشرط ليس في كتاب الله، فإنَّه قال تعالى: (أَوْفُوا بالْعُقُودِ} [المائدة: 2] .
وقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شرط شرطًا لزمه الوفاء به ".
ز: هذا الحديث لم يذكره المؤلِّف بإسناده، ولا أعرف له إسنادًا، والله أعلم O.
*****
مسألة (643) : اذا تزوج امرأةً على أنَّه متى أحلَّها للأوَّل طلَّقها= لم يصحّ.
وقال أبو حنيفة: يصحُّ، ويبطل الشرط.
__________
(1) "المسند": (6/82) .
(2) "صحيح البخاري": (3/643- 644) ؛ (فتح- 5/187- 188- رقم: 2561) .
"صحيح مسلم": (4/213) ؛ (فؤاد- 2/1141- 1142- رقم: 1504) .(4/362)
2757- قال الإمام أحمد: حدَّثنا الفضل بن دُكين ثنا سفيان عن أبي قيس عن هُزَيل بن شُرَحبيل عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المحلَّ والمحلَّل له (1) .
قال الترمذيُّ: هذا حديث صحيحٌ، وأبو قيس اسمه: عبد الرحمن بن ثروان (2) .
ز: رواه النسائيُّ من حديث أبي نُعيم (3) ، ورواه الترمذيُّ من حديث أيى أحمد الزبيريِّ عن سفيان.
2758- وقد روى أحمد (4) وأبو داود (5) وابن ماجة (6) والترمذيُّ (7) من حديث الشَّعبيِّ عن الحارث عن عليٍّ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه لعن المحلَّ والمحلَّل له.
2759- وروى أحمد (8) وابن أبي شيبة (9) والجُوزجانيُّ والبيهقيُّ (10) بإسنادٍ جيِّدٍ عن المَقْبُرِيِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعن الله المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له ".
__________
(1) "المسند": (2/223) .
(2) "الجامع": (2/414- رقم: 1120) وفيه: (حسن صحيح) .
(3) "سنن النسائي": (6/149- رقم: 3416) .
(4) "المسند": (1/83، 87، 107، 121، 150، 185) .
(5) "سنن أبي داود": (3/17- رقم: 2069) .
(6) "سنن ابن ماجة": (1/622- رقم: 1935) .
(7) "الجامع": (2/413- رقم: 1119) .
(8) "المسند": (2/323) .
(9) " المصنِّف ": (3/553- رقم: 17092) .
(10) "سنن البيهقي": (7/208) .(4/363)
وروى ابن ماجة عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ذلك (1) .
وقد صنَّف شيخنا العلامة أبو العبَّاس في هذه المسألة كتابًا جليلاً سمَّاه " كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل " (2) ، ينبغي لكلِّ ذي لبٍّ أن ينظر فيه، لتقرَّ عينه، وينشرح صدره، والله الموفق O.
*****
مسألة (644) : ينفسخ النكاح بالجنون، والجُذَام، والبرص، والقرن، والفتق، والجَبِّ، والعُنَّة.
ووافق الشافعيُّ ومالكٌ إلا في الفتق.
وقال أبو حنيفة: لا يفسخ إلا بالجَبِّ والعُنَّة.
2760- قال سعيد بن منصور: ثنا أبو معاوية ثنا جميل بن زيد الطائيُّ عن زيد بن كعب بن عُجْرَة قال: تزوَّج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأةً من بني غفار، فلمَّا دخلت عليه وضعت ثيابها، فرأى بكَشْحها (3) بياضًا، فقال: " البسي ثيابك، والحقي بأهلك " (4) .
ز: جميل بن زيد: ليس بثقة. قاله يحيى بن معين (5) ، وقال
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (1/622- رقم: 1934) .
(2) وهو مطبرع بتحقيق الشيخ / حمدي السلفي.
(3) في " النهاية ": (4/175- كشح: (الكشح: الخَصْر) ا. هـ
(4) " سنن سعيد بن منصور ": (3/1/214- رقم: 829) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (2/171- رقم: 358) .(4/364)
النسائيُّ: ليس بالقويِّ (1) .
وقد اختلف عليه في هذا الحديث:
فقيل عنه: هكذا.
وقال غير واحد عنه: عن ابن عمر.
وقيل عنه: عن سعيد بن زيد، قال: وكان من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل عنه: عن عبد الله بن كعب.
وقيل عنه: عن كعب بن زيد- أو زيد بن كعب-.
وقال البخاريُّ: لم يصحّ حديثه (2) .
وقد روى أبو بكر بن عيَّاش عن جميل بن زيد قال: هذه أحاديث ابن عمر ما سمعت من ابن عمر شيئًا (3) .
2761- وقال الإمام أحمد في "المسند": ثنا القاسم بن مالك المُزَنِيُّ أبو جعفر قال: أخبرني جميل بن زيد قال: صحبت شيخًا من الأنصار، ذكر أنه كانت له صحبة، يقال له: كعب بن زيد- أو: زيد بن كعب-، فحدَّثني أنَّ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّج امرأةً من بني غِفَار، فلمَّا دخل عليها فوضع ثوبه، وقعد على الفراشى أبصر بكَشْحها بياضا، فانحاز عن الفراش، ثم قال: " خذي عليك ثيابك ". ولم يأخذ مما أتاها شيئا (4) O.
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 75- رقم: 106) وفي المطبوعة: (جميع) خطأ.
(2، 3) " التاريخ الأوسط ": (2/66- رقم: 1177) .
(4) "المسند": (3/493) .(4/365)
2762- قال سعيد: وثنا هُشيم أنا يحيى بن سعيد ثنا سعيد بن المسيَّب أنَّ عمر بن الخطَّاب قال: أيُّما رجلٍ تزوَّج امرأةً، فدخل بها، فوجد بها برصا، أو مجنونة، أو مجذومة، فلها الصداق بمسيسه إياها، وهو له على من
غرَّه منها (1) .
2763- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: محمَّد بن مخلد ثنا عيسى بن أبي حرب ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا شعبة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيَّب قال: قضى عمر في البرصاء والجذماء والمجنونة- إذا دخل بها- فُرِّق بينهما، والصداق لها بمسيسه إيَّاها، وهو له على وليِّها. قال: قلت له: أنت سمعته؟ قال: نعم (2) .
ز: روى نحو هذا مالك عن يحيى بن سعيد.
وعيسى هو: ابن موسى بن أبي حرب الصفَّار، وهو ثقةٌ، قال أبو داود: سمعت ابن حساب يقول: أكثر الله في الناس مثله (3) O.
*****
مسألة (645) : إذا أعتقت الأمة تحت حرٍّ لم يثبت لها الخيار.
وقال أبو حنيفة: لها الخيار.
2764- قال الترمذيُّ: حدَّثنا عليُّ بن حُجْر أنا جرير بن عبد الحميد
__________
(1) " سنن سعيد بن منصور ": (3/1/212- رقم: 818) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/267) .
(3) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/166- رقم: 5863) .(4/366)
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان زوج بَرِيرة عبدًا، فخيَّرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاختارت نفسها، ولو كان حرًّا لم تخيَّر (1) .
2765- قال الترمذيُّ: وحدَّثنا هنَّاد (2) ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كان زوج بَرِيرة حرًّا فخيَّرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) .
الحديثان صحيحان، ولكن قد قال البخاريُّ: قول الأسود منقطعٌ (4) .
ثُمَّ إنَّ راويه (5) عروة عن عائشة وهي خالته، والقاسم عنها وهي عمته أولى من البعيدة (6) .
ز: حديث جرير عن هشام: رواه مسلمٌ (7) وأبو داود (8) ، ورواه النسائيُّ، وقال في آخره: قال عروة: لو كان حرًّا ما خيَّّرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (9) .
وحديث الأعمش عن إبراهيم: رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عنه بنحوه: أنَّها أعتقت بريرة، فخيَّرها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان لها زوجٌ حرٌّ (1) .
__________
(1) "الجامع": (2/448- 449- رقمي: 1154، 1155) .
(2) في (ب) : (حماد) .
(3) "الجامع": (2/448- 449- رقمي: 1154، 1155) .
(4) "صحيح البخاري": (8/414) ؛ (فتح- 12/41- رقم: 6754) .
(5) في (ب) و"التحقيق": (رواية) .
(6) في (ب) و"التحقيق": (البعيد) .
(7) "صحيح مسلم": (4/214) ؛ (فؤاد- 2/143- رقم: 1504) .
(8) "سنن أبي داود": (3/90- رقم: 2226) .
(9) "سنن النسائي": (6/164- 165- رقم: 3451) .
(10) "سنن ابن ماجة": (1/670- رقم: 2074) .(4/367)
ورواه أبو داود (1) والنسائيُّ (2) من رواية منصور عن إبراهيم، ورواه النسائيُّ من رواية الحكم عنه (3) .
ولم يذكر المؤلِّف إسناد حديث القاسم عن عائشة، وقد رواه مسلمٌ (4) وأبو داود (5) والنسائيُّ (6) من رواية سِمَاك بن حَرْبٍ عن عبد الرحمن بن القاسم عنه.
وقد روى ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن عائشة أنَّ زوج بَرِيرة كان عبدًا.
وكذلك رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية عثمان بن مِقْسَم عن يحيى بن سعيد عن عمرو (7) عن عائشة (8) .
وقال البيهقيُّ في حديث الأسود عن عائشة: وقوله: (وكان زوجها حرًّا) من قول الأسود، لا من قول عائشة. ثُمَّ ذكر الدليل على ذلك (9) .
وقال البخاريُّ: قول الأسود منقطعٌ، وقول ابن عباس رأيته عبدًا أصحُّ (10) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/90- رقم: 2228) .
(2، 3) "سنن النسائي": (6/163- رقمي: 3449، 3450) .
وفي هامش الأصل: (رواه " خ " من رواية الحكم) اهـ
وانظر: "صحيح البخاري": (8/413) ؛ (فتح- 12/39- رقم: 6751) .
(4) "صحيح مسلم": (4/215) ؛ (فؤاد- 2/1143- 1144- رقم: 1504) .
(5) "سنن أبي داود": (3/90- رقم: 2227) .
(6) "سنن النسائي": (6/165- 166- رقم: 3454) .
(7) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "سنن الدارقطني": (عمرة) .
(8) "سنن الدارقطني": (3/292) .
(9) "سنن البيهقي": (7/223) .
(10) "صحيح البخاري": (8/414) ؛ (فتح- 12/41- رقم: 6754) .(4/368)
وقال إبراهيم بن أبي طالب: خالف الأسود بن يزيد الناس في زوج بَرِيرة، فقال: حرٌّ. وقال الناس: أنَّه كان عبدًا.
قال البيهقيُّ: وقد روي عن أبي حذيفة عن الثوريِّ عن منصور عن إبراهيم، وعن أبي جعفر الرازيِّ عن الأعمش عن إبراهيم، عن الأسود عن عائشة، قال أحدهما: أنَّ زوج بَرِيرة كان عبدًا حين أعتقت. وقال الآخر:
قالت: كان زوج بَرِيرة مملوكًا لآل أبي أحمد.
وليس ذاك بشيءٍ من هذين الوجهين، فرواية الجماعة عن الثوريِّ والأعمش بخلاف ذلك، وبالله التوفيق (1) O.
*****
فصل (646)
فإن أعتقت تحت عبد فلها الخيار، ما لم تمكِّنه من وطئها.
وعن الشافعيِّ: كقولنا، وعنه: لها الخيار إلى ثلاث، وعنه: إن لم تختر على الفور فلا خيار لها.
2766- قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم أنا خالد عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: لمَّا خُيِّرت بَرِيرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة، ودموعه تسيل على لحيته، فكلَّم العبَّاس ليكلِّم فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بَرِيرة، إنَّه زوجك ". قالت: تأمرني به يا رسول الله؟ قال: " إنما
أنا شافع ". قال: فخيَّرها، فاختارت نفسها، وكان عبدًا لآل المغيرة، يقال
__________
(1) "سنن البيهقي": (7/224) .(4/369)
له: مغيث (1) .
ز: رواه البخاريُّ عن محمَّد عن الثقفيِّ عن خالد بنحوه (2) .
وقوله: (فكلَّم العبَّاس) فيه نظر، فإن عتق بريرة كان قبل إسلام العباس، ويحتمل أن ذلك كان وقت فدائه بعد بدر (3) O.
2767- قال أحمد: وحدَّثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن عبيد الله ابن أبي جعفر عن الفضل بن عمرو بن أميَّة عن أبيه قال: سمعت رجالاً يتحدَّثون عن النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا أُعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها، إن شاءت فارقته، وإن وطئها فلا خيار لها، ولا تستطيع فراقه (4) ".
ز: ابن لهيعة: لا يحتجُّ به.
والفضل: ليس بذاك المشهور، قال ابن أبي حاتم: الفضل بن عمرو ابن أُميَّة، روى عن أبيه عمرو بن أُميَّة، روى عنه صالح بن كيسان، سمعت أبي يقول ذلك (5) .
وقد روى النسائيُّ نحو هذا الحديث عن أحمد بن عبد الواحد عن مروان ابن محمَّد عن الليث- وذكر آخر قبله (6) - عن عبيد الله بن أبي جعفر عن الشَّعبيِّ عن عمرو بن أُميَّة الضَّمْرِيِّ أنَّ رجالاً من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدَّثوه به.
__________
(1) "المسند": (1/215) .
(2) "صحيح البخاري": (7/64) ؛ (فتح- 9/408- رقم: 5283) .
(3) انظر: "الفتح" لابن حجر: (9/409- رقم: 5283) .
(4) "المسند": (4/65) .
(5) "الجرح والتعديل": (7/64- رقم: 365) .
(6) في هامش الأصل: (هو ابن لهيعة) .(4/370)