يحيى (1) ، وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتج به (2) .
والظاهر أنه غلط في رفع الحديث، فإن أبا داود قال: قد رواه مالك وابن أبي ذئب وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أمِّ سلمة من قولها، لم يذكر أحدٌ منهم النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) .
ز: عبد الرَّحمن بن عبد الله بن دينار: روى له البخاريُّ في "صحيحه" (4) ، ووثقه بعضهم، لكنه غلط في رفع هذا الحديث، والله أعلم.
وقد رواه الحاكم مرفوعاً أيضاً، وقال: هو على شرط البخاريِّ (5) .
وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث في "العلل" فقال: يرويه محمد ابن زيد بن المهاجر بن قنفذ عن أمه عن أمِّ سلمة، واختلف عنه في رفعه.
فرواه عبد الرَّحمن بن عبد الله بن دينار عنه مرفوعاً إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتابعه هشام بن سعد من رواية مالك بن سعير عنه.
وخالفه ابن وهب، فرواه عن هشام بن سعد موقوفاً، وكذلك رواه مالك وابن أبي ذئب وابن لهيعة وأبو غسان محمد بن مطرف وإسماعيل بن جعفر والدراورديُّ عن محمد بن زيد عن أمه عن أمِّ سلمة موقوفًا، وهو الصواب (6) O.
* * * * *
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (4/203 - رقم: 3959) وفيه: (قال يحيى: وفي حديثه ضعف) ا. هـ
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/254 - رقم: 1204) وفيه: (فيه لين، يكتب حديثه ولا يحتج به) ا. هـ
(3) "سنن أبي داود": (1/447 - 448 - رقم: 640) .
(4) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/870 - 871 - رقم: 903) .
(5) "المستدرك": (1/250) .
(6) "العلل": (5/ ق: 171/ أ) .(2/114)
مسألة (119) : يجب ستر المنكبين في الفرض دون النَّفل، خلافًا لهم في قولهم: لا يجب في الجميع.
لنا:
621- ما روى أحمد: ثنا سفيان عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يصلِّي أحدكم في الثَّوب الواحد ليس على منكبيه منه شيءٌ " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) ، إلا أنَّ في حديث البخاريِّ: "ليس على عاتقه" (3) ، وفي حديث مسلم: "عاتقيه".
* * * * *
مسألة (120) : إذا كان على ثوبه أو بدنه نجاسة لم تصحَّ الصَّلاة، إلا يسير الدَّم والقيح.
وقال أبو حنيفة: تصحُّ مع قدر الدّرهم من سائر النَّجاسات، واختلفوا هل يعتبر الدِّرهم في المساحة أو الوزن؟
وقال الشَّافعيُّ: لا تصحُّ إلا مع يسير دم البراغيث، وبقيَّه الدِّماء على
__________
(1) "المسند": (2/243) .
(2) "صحيح البخاري": (1/100 - 101) ؛ (فتح - 1/471 - رقم: 359) .
"صحيح مسلم": (2/61) ؛ (فؤاد - 1/368 - رقم: 516) .
(3) قال القسطلاني في " إرشاد الساري ": (1/390) : ("ليس على عاتقيه": بالتثنية، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: على عاتقه) ا. هـ(2/115)
قولين.
لنا أحاديث:
منها حديث ابن عباس: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين، فقال: " إنَّهما ليعذبان، كان أحدهما لا يستبري من بوله ".
وهو في "الصَّحيحين" (1) ، وقد ذكرناه بإسناده في كتاب الطهارة (2) .
وقد ذكرنا هناك حديثًا قد احتجَّ به أصحابنا هاهنا، وهو قوله: " تعاد الصَّلاة من قدر الدِّرهم من الدَّم ". وبيَّنَّا أنَّه لا يعتمد عليه (3) .
622- وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا أحمد بن عليٍّ الأبَّار ثنا علي بن الجَعْد عن أبي جعفرٍ الرَازيِّ عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تنزَّهوا من البول، فإنَّ عامَّة عذاب القبر منه " (4) .
* * * * *
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/64) ؛ (فتح - 1/317 - رقم: 216) .
"صحيح مسلم": (1/166) ؛ (فؤاد - 1/240 - رقم: 292) .
(2) برقم: (156) .
(3) رقم: (160) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/127) ، وتقدم في "التنقيح" برقم: (159) .(2/116)
مسائل القيام إلى الصَّلاة
مسألة (121) : لا يجوز ترك القيام في السَّفينة.
وقال أبو حنيفة: يجوز إذا كانت سائرة.
لنا ثلاثة أحاديث:
623.- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشر ثنا جابر بن كردي ثنا حسين بن علوان ثنا جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: لمَّا بعث النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة، قال: يا رسول الله، كيف أصلِّي في السَّفينة؟ قال: " صلِّ فيها قائمًا، إلا أن تخاف الغرق " (1) .
624- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن هارون ثنا إبراهيم بن محمد التَّيميُّ ثنا عبد الله بن داود عن رجلٍ من أهل الكوفة من ثقيف عن جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن جعفر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يصلِّي قائماً إلا أن يخشى الغرق (2) .
625- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن موسى بن سهل البَرْبَهاريُّ ثنا بشر بن فأفأ ثنا أبو نُعيم ثنا جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة في السَّفينة، فقال:
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/394) .
(2) المرجع السابق.(2/117)
"قائماً (1) إلاَّ أن تخاف الغرق" (2) .
في هذه الأحاديث مقالٌ:
أما الأوَّل: فقال أبو حاتم الرَّازيُّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) : حسين بن علوان متروك. وقال يحيى بن معين: كذاب (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: يضع الحديث (6) .
وأما الثَّاني: ففيه مجهول.
وأما الثَّالث: فبشر لا يعرف.
ز: بشر ضعفه الدَّارَقُطْنِيُّ (7) ، وقد رواه البيهقيُّ من غير طريقه فقال: 626- أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا محمد بن الحسين (8) بن أبي الحنين (9) ثنا الفضل بن دكين ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: سئل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة في السَّفينة، فقال: كيف أصلِّي في السَّفينة؟ قال: " صلِّ فيها قائماً إلاَّ أن تخاف الغرق " (10) .
__________
(1) في "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (صل قائمًا) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/395) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/61 - رقم: 277) ، وفيه: (واه ضعيف متروك الحديث) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/394) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (4/382 - رقم: 4893) .
(6) "الكامل": (2/359 - رقم: 489) .
(7) " تخريج الأحاديث الضعاف " للغساني: (ص: 167 - رقم: 316) .
(8) في مطبوعة "سنن البيهقي": (الحسن) خطأ، وهو على الصواب في "المستدرك".
(9) في (ب) ومطبوعة "المستدرك": (الحسين) خطأ، وهو على الصواب في "سنن البيهقي".
(10) "سنن البيهقي": (3/155) .(2/118)
قال الحاكم: على شرط مسلم، وهو شاذ بمرة (1) .
627- قال البيهقيُّ: وأنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرَّحمن بن محمد بن إبراهيم الحرضي أنا أبو بكر محمد بن حميد بن سهيل الموصلي ثنا حامد بن شعيب البلخي ثنا الصلت بن مسعود ثنا عبد الله بن داود عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه حين خرجوا إلى الحبشة، أن يصلُّوا في السَّفينة قياماً، ما لم يخالفوا الغرق.
كذا قال، واختلف فيه على عبد الله بن داود، وقيل: لم يسمعه من جعفر، وحديث ابن نعيم الفضل بن دكين حسن.
628- وأنا أبو محمد الحُرْضيُّ أنا محمد بن حميد ثنا حامد البلخيُّ ثنا الصَّلت بن مسعود ثنا عَمرو- أظنه: ابن عبد الغفَّار الفُقَيْميُ - عن جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: كان جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين خرجوا إلى الحبشة، يصلُّون في السَّفينة قيامًا.
629- قال: وأنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو الفضل عبدوس بن الحسين السمسار ثنا أبو حاتم الرَّازيُّ ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدَّثني حميد الطويل قال: سئل أنس بن مالك عن الصَّلاة في السَّفينة، فقال عبد الله بن أبي عتبة - مولى أنس، وهو معنا في المجلس -: سافرت مع أبي الدرداء وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله يصلِّي بنا أمامنا (2) ونصلِّي خلفه قياماً، ولو شئنا لخرجنا.
630- قال: وأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا
__________
(1) "المستدرك": (1/275) .
(2) في "سنن البيهقي": (إماماً قائماً) .(2/119)
أبو العباس بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدُّورِيُّ ثنا يونس بن محمد المؤدِّب ثنا حرب بن ميمون عن النَّضر بن أنس عن أنس أَنَّه كان إذا ركب السَّفينة، فحضرت الصَّلاة والسَّفينةُ محبوسةٌ، صلَّى قائمًا، وإذا كانت تسير، صلَّى قاعدًا في جماعة (1) O.
* * * * *
مسألة (122) : إذا لم يقدر على الرُّكوع والسُّجود، لم يسقط عنه القيام.
وقال أبو حنيفة: يسقط.
631- قال أحمد: ثنا وكيع ثنا إبراهيم بن طَهْمان عن حُسين المعلِّم عن ابن بُريدة عن عمران بن حُصَين قال: كان بي النَّاصُور، فسألتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة، فقال: " صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب " (2) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (3) .
* * * * *
مسألة (123) : إذا عجز عن القعود صلَّى على جنبه، فإن صلَّى
__________
(1) "سنن البيهقي": (1/155) .
(2) "المسند": (4/426) .
(3) "صحيح البخاري": (2/280) ؛ (فتح - 2/587 - رقم: 1117) .(2/120)
مستلقيًّا على ظهره ورجلاه إلى القبلة أجزأه.
وقال أبو حنيفة: لا يجزئه أن يصلِّي إلا مستلقيًّا رجلاه إلى القبلة (1) .
وعن الشافعيِّ كقوله.
وعنه: لا يجزئه إلا على جنبه.
لنا حديثان:
أحدهما: حديث عمران المتقدِّم (2) .
632- والثَّاني: رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إبراهيم بن محمد بن عليٍّ بن بطحا ثنا الحسين بن الحكم الحِبرَيُّ (3) ثنا حسن بن حسين العُرَنيُّ ثنا حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليِّ بن الحسين عن الحسين بن عليٍّ عن عليِّ بن أبي طالب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يصلِّي المريض قائمًا إن استطاع، فإن لم يستطع صلَّى قاعدًا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلِّي قاعدًا صلَّى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلِّي على جنبه الأيمن صلَّى مستلقيًّا، رجلاه مما يلي القبلة " (4) .
ز: الحسن بن الحسين العُرنيُّ: قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لم يكن بصدوق
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: ليس هذا مذهب أبي حنيفة، بل هذا الأولى عنده، ولو صلى على جنب جاز) ا. هـ
(2) برقم: (631) .
وفي هامش الأصل: (زاد النسائي في حديث عمران - بعد: فإن لم تستطع فعلى جنب -: " فإن لم تستطع فمستلقياً، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ") ا. هـ
ولم نقف عليه في مطبوعة "سنن النسائي" وقد أشار إلى هذه الزيادة: ابن قدامة في "المغني": (2/570) ، والمجد ابن تيمية في "المنتقى": (النيل - 3/197) .
(3) في "التحقيق": (الحيري) خطأ.
(4) "سنن الدارقطني": (2/42 - 43) .(2/121)
عندهم، كان من رؤساء الشِّيعة (1) . وقال ابن عَدِيٍّ: روى أحاديث مناكير، ولا يشبه حديثه حديث الثِّقات (2) . وقال ابن حِبَّان: يأتي عن الأثبات بالملزقات، ويروي المقلوبات (3) .
وحسين بن زيد هو: ابن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: ما تقول فيه؟ فحرَّك يده وقلبها، يعني: تعرف وتنكر (4) . وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به، إلا أنِّي
وجدتُ في حديثه بعض النُّكرة (5) O.
* * * * *
مسألة (124) : إذا عجز عن الإيماء برأسه أومأ بطَرْفه، فإن عجز نوى بقلبه.
وقال أبو حنيفة: يسقط عنه فرض الصَّلاة.
لنا:
الحديث المتقدِّم في ذكر الإيماء (6) .
* * * * *
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/6 - رقم: 20) .
(2) "الكامل": (2/332 - رقم: 466) .
(3) كذا نقله ابن الجوزي في "الضعفاء": (1/200 - رقم: 810) ، والذي في مطبوعة "المجروحون": (1/238) : (يروي عن جرير بن عبد الحميد والكوفيين المقلوبات) ا. هـ
ثم وجدنا في الطبعة التي حققها الشيخ حمدي السلفي: (1/289 - رقم: 218) زيادة بعد الكلمة السابقة: (ويأتي عن الأثبات بالملزقات) ا. هـ
(4) "الجرح والتعديل": (3/53 - رقم: 237) .
(5) "الكامل": (2/351 - رقم: 481) .
(6) رقم: (632) .(2/122)
مسائل صفة الصَّلاة
مسألة (125) : يقومون إلى الصَّلاة عند ذكر الإقامة، ويكبرون إذا فرغ منها.
وقال أبو حنيفة: يقومون عند الحيعلة، ويكبرون عند ذكر الإقامة.
وقال الشافعي: يقومون إذا فرغ من الإقامة.
وقد ذكر أصحابنا:
633- أن ابن أبي أوفى روى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا قال بلال: (قد قامت الصَّلاة) نهض.
ز: روى هذا الحديث البيهقيُّ، وقال: لا يرويه إلاَّ حجاج بن فروخ، وكان يحيى بن معين يضعفه (1) . وقال النَّسائيُّ أيضاً: هو ضعيف (2) O.
* * * * *
مسألة (126) : لا تنعقد الصَّلاة إلا بقوله: الله أكبر.
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/22) ، وانظر: "التاريخ" لابن معين - برواية الدوري -: (4/ 87 - رقم: 3274) ، ورواية ابن الجنيد: (ص: 469 - رقم: 796) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 90 - رقم: 167) .(2/123)
وقال أبو حنيفة: تنعقد بكلِّ لفظٍ يقصد به التَّعظيم.
634- قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن [عبد الله بن محمد] (1) بن عَقيل عن محمد بن الحنفيَّة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مفتاحُ الصَّلاة الطَُّهور، وتحريمُها التَّكبير، وتحليلُها التَّسليم " (2) .
قال التِّرمذيُّ: هذا الحديث أصحُّ شيءٍ في هذا الباب وأحسن، وابن عَقيل صدوقٌ، إنَّما تكلَّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وكان أحمد وإسحاق والحميديُّ يحتجُّون بحديثه (3) .
ز: وروى هذا الحديث أبو داود (4) وابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ (6) وأبو يعلى الموصليُّ (7) ، وقد روي نحوه من غير وجهٍ O.
* * * * *
مسألة (127) : لا تنعقد الصَّلاة بقوله: الله الأكبر.
وقال الشَّافعيُّ وداود: تنعقد.
__________
(1) في الأصل و (ب) : (محمد بن عبد الله) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند"، وقد يكون ابن عبد الهادي وضع علامة التقديم والتأخير ولم يُنتبه لها، والله أعلم.
(2) "المسند": (1/123) .
(3) "الجامع": (1/54 - 55 - رقم: 3) بتصرف واختصار.
(4) "سنن أبي داود": (1/177 - رقم: 62) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/101 - رقم: 275) .
(6) "الجامع": (1/54 - رقم: 3) .
(7) "مسند أبي يعلى": (1/456 - رقم: 616) .(2/124)
635- قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الحميد بن جعفر ثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصَّلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه، ثم قال: " الله أكبر " (1) .
636- وقد روى أصحابنا من حديث رفاعة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة، ويقول: الله أكبر ".
ز: قد ذكر بعضهم أن أبا داود روى حديث رفاعة بهذا اللفظ، وإنما رواه بلفظ: " لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يكبر، ويحمد الله جل وعز، ويثني عليه ... " الحديث (2) .
وقد روى الحديث بطوله الطبراني فقال:
637- حدَّثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال، قال الطبراني: وثنا محمد بن حيان المازني ثنا أبو الوليد الطََّيالسيُّ قالا: ثنا همام أنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدَّثني علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمِّه رفاعة بن رافع - زاد أبو الوليد في حديثه: وكان رفاعة ومالك أخوين من أهل بدر - قال:
__________
(1) "الجامع": (1/335 - رقم: 304) ، ولفظه: (كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: " الله أكبر " ... ) الحديث.
وفي هامش الأصل: (حاشية: إنما روى التِّرمذيُّ لفظ: " الله أكبر " في هذا الحديث عن الرفع من الركوع [كذا، ولعلها: عند الرفع للركوع] لا عند الافتتاح، والكلام إنما هو في الافتتاح، ولم يعترض عيه المنقح رحمه الله) ا. هـ وهذه الحاشية ليست لابن عبد الهادي كما هو ظاهر.
(2) "سنن أبي داود": (1/538 - رقم: 853) .(2/125)
بينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس ينظر حوله، فإذا رجل فاستقبل القبلة، فصلَّى ركعتين - وقال حجاج في حديثه: كنت جالسًا عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاء رجلٌ، فدخل المسجد، فصلَّى - فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى القوم، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك، ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ".
قال: فرجع فصلِّى، فجعل يرمق صلاته، لا يدري ما يعيب منها، فلما قضى صلاته، جاء فسلم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى القوم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ ". قال: وذكر ذلك إما مرتين وإما ثلاثًا.
فقال الرجل: ما أدري ما عبت عليّ. قال: فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويحمده، ويقرأن من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر، ثم يكبر فيركع، فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يقول: سمع [الله] (1) لمن حمده، فيستوي قائماً حتى يأخذ كل عظم مأخذه، ويقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته - قال همام: وربما قال: فيمكن وجهه - من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يكبر فيرفع رأسه، فيستوي قاعداً على مقعدته، ويقيم صلبه ". فوصف الصَّلاة هكذا حتى فرغ، ثم قال: "لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك".
واللفظ لحديث حجاج (2) .
ورواه الطبراني أيضاً عن الدبري عن عبد الرَّزَّاق عن داود بن قيس عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الزرقي حدَّثني أبي عن عمِّه - وكان بدرياً - (3) .
ورواه الإمام أحمد: عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن علي بن
__________
(1) زيادة من (ب) و"المعجم الكبير".
(2) "المعجم الكبير": (5/37 - 38 - رقم: 4525) .
(3) "المعجم الكبير": (5/35 - 36 - رقم: 452) .(2/126)
يحيى بن خلاد الزرقي عن رفاعة بن رافع الزرقي - لم يقل عن أبيه (1) -؛ وعن يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمِّه - وكان بدريًّا - (2) .
ورواه أبو داود: عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمِّه؛ وعن الحسن بن علي الحلواني عن هشام بن عبد الملك وحجاج بن منهال عن همام عن إسحاق عن علي بن يحيى عن أبيه عن عمِّه؛ وعن وهب بن بقية عن خالد عن حماد (3) عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة؛ وعن عباد بن موسى عن إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن جدِّه عن رافع (4) .
رواه التِّرمذيُّ عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي عن جدِّه عن رفاعة، ولم يقل: عن أبيه.
وقال: حديث حسن (5) .
ورواه النَّسائيُّ عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر بإسناد عباد (6) ، وعن قتيبة عن بكر بن مضر عن ابن عجلان عن علي بن يحيى عن
__________
(1) "المسند": (4/340) .
(2) المرجع السابق.
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وكلمة: (عن حماد) غير موجودة في "سنن أبي داود" ولا في "تحفة الأشراف" للمزي: (3/169 - رقم: 3604) .
(4) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "سنن أبي داود" و"تحفة الأشراف": (رفاعة بن رافع) .
وهذه الأسانيد عند أبي داود مفرقة في "سننه": (1/538 - 540 - الأرقام: 853 - 855، 857) .
(5) "الجامع": (1/332 - 333 - رقم: 302) .
(6) "سنن النسائي": (2/20 - رقم: 667) مختصرًا.(2/127)
أبيه عن عمِّه - وكان بدريًّا - (1) ؛ وعن قتيبة عن الليث عن ابن عجلان (2) ، وعن سُويد عن عبد الله عن داود بن قيس (3) ، جميعًا عن عليِّ بن يحيى عن أبيه عن عمٍّ له.
وروى ابن ماجه بعضه عن محمد بن يحيى عن حجَّاج عن همَّام (4) .
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن جعفر بن أحمد بن سنان القطَّان عن أبيه وبندار عن يحيى بن سعيد القطَّان عن ابن عجلان بنحو (5) .
وقد روى البخاريُّ حديثًا من رواية عليِّ بن يحيى عن أبيه عن رفاعة بن رافع (6) O.
* * * * *
مسألة (128) : التَّكبير من الصَّلاة.
وقال الحنفيُّون: ليس منها.
638- قال أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدَّثني الحجَّاج بن أبي عثمان قال: حدَّثني (7) يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن
__________
(1) "سنن النسائي": (2/193 - رقم: 1053) .
(2) "سنن النسائي": (3/59 - رقم: 1313) .
(3) "سنن النسائي": (3/60 - رقم: 1314) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/156 - رقم: 460) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (5/88 - رقم: 1787) .
(6) "صحيح البخاري": (1/202) ؛ (فتح - 2/284 - رقم: 799) .
(7) من قوله: (الحجاج) إلى هنا ساقط من (ب) .(2/128)
يسار عن معاوية بن الحكم عن النَّبيِّ قال: "إنَّ هذه الصَّلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام النَّاس، إنَّما هي التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن" (1) .
انفرد بإخراجه مسلم (2) .
احتجُّوا:
بقوله: "وتحريمها التَّكبير"، وقد سبق بإسناده (3) .
قالوا: فأضاف التَّحريم إلى الصَّلاة، والشيءُ لا يضاف إلى نفسه.
قلنا: قد يضاف الجزء إلى الجملة، كقولهم: دهليز الدَّار.
* * * * *
مسألة (129) : يسنُّ رفع اليدين عند الرُّكوع، وعند الرَّفع منه.
وقال أبو حنيفة: لا يسنُّ.
وعن مالك: كالمذهبين.
لنا أحاديث:
639- أحدها: قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصَّلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه،
__________
(1) "المسند": (5/447) .
(2) "صحيح مسلم": (2/70) ؛ (فؤاد - 1/381 - 382 - رقم: 537) .
(3) برقم: (634) .(2/129)
وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين (1) .
أخرجه البخاريُّ (2) ومسلمٌ (3) في "الصَّحيحين".
قال البخاريُّ: قال عليُّ بن المدينيِّ- وكان أعلم أهل زمانه -: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث (4) .
640- حديث آخر: قال البخاريُّ: ثنا هشام بن عبد الملك ثنا شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (5) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (6) .
641- حديث آخر: قال أحمد: ثنا [يونس بن محمد ثنا] (7) عبد الواحد ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: استقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلة، فكبر ورفع يديه، حتى كانتا حذو منكبيه، فلما أراد أن يركع رفع يديه، حتى كانتا حذو منكبيه، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه، حتى كانتا حذو منكبيه (8) .
__________
(1) "المسند": (2/8) .
(2) "صحيح البخاري": (1/187 - 188) ؛ (فتح - 2/218 - رقم: 735) .
(3) "صحيح مسلم": (2/6) ؛ (فؤاد - 1/292 - رقم: 390) .
(4) "رفع اليدين": (ص: 70 - رقم: 2) .
(5) "رفع اليدين": (ص: 74 - رقم: 7) .
(6) "صحيح البخاري": (1/188) ؛ (فتح - 2/219 - رقم: 737) من حديث أبي قلابة عن مالك.
"صحيح مسلم": (2/7) ؛ (فؤاد - 1/293 - رقم: 391) من حديث أبي عوانة عن قتادة به.
(7) زيادة استدركت من "التحقيق" و"المسند".
(8) "المسند": (4/316) .(2/130)
وقد روى هذه السُّنَّة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جماعة من الصحابة منهم: عمر وعليٌّ وأبو موسى ومحمد بن مسلمة وأبو قتادة وابن عمر وابن عمرو وابن عباس وأبو سعيد وأبو أسيد وجابر وأنس وأبو هريرة وسهل بن سعد وابن الزُّبير وغيرهم، ولم يثبت عن أحدٍ من الصحابة أنَّه لم يرفع، وكان ابن عمر إذا رأى رجلاً لا يرفع يديه كلَّما خفض ورفع حصبه حتى يرفع.
642- وقال محمود بن إسحاق الخزاعيُّ: ثنا البخاريُّ ثنا مسدَّد ثنا يزيد بن زُريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنَّما أيديهم المراوح، يرفعونها إذا ركعوا، وإذا رفعوا رؤوسهم (1) .
643- وقال عبد الرَّزَّاق: أخذ أهل مكَّة رفع اليدين في الافتتاح والرُّكوع والرَّفع منه عن ابن جريج، وأخذه عن عطاء، وأخذه عطاء عن ابن الزُّبير، وأخذه ابن الزُّبير عن أبي بكر، وأخذه أبو بكر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قالوا: أحاديثكم منسوخة، صرَّح بذلك حديثان:
644- أحدهما: عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه كلَّما ركع وكلَّما رفع، ثُمَّ صار إلى افتتاح الصَّلاة، وترك ما سوى ذلك.
645- والثَّاني: حديث ابن الزُّبير: أنَّه رأى رجلاً يرفع يديه من الرُّكوع، فقال: مَهْ، فإنَّ هذا شيءٌ فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تركه.
ثُمَّ لو لم ندَّع النَّسخ فهي معارضةٌ بستَّة أحاديث:
646- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن كُليب عن عبد الرَّحمن بن الأسود عن علقمة قال: قال عبد الله: ألا أصلِّي بكم
__________
(1) "رفع اليدين": (ص: 107 - 108 - رقم: 29) .(2/131)
صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فصلَّى فلم يرفع يديه إلا مرة (1) .
646- طريقٌ آخرٌ: أنا عبد الرَّحمن بن محمد القزاز أنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني الحسن بن علي التميمي ثنا عمر بن أحمد الواعظ ثنا عمر بن عبد الله بن عمرو (2) ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع أبي بكر وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلاَّ عند افتتاح الصَّلاة.
647- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا لوين ثنا إسماعيل بن زكريا عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب أنه رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين افتتح الصَّلاة رفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه، ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من صلاته (3) .
648- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان قال: سمعت المسيب بن رافع يحدِّث عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه دخل المسجد فأبصر قوماً قد رفعوا أيديهم، فقال: " قد رفعوها كأنها أذناب الخيل الشمس (4) ، اسكنوا في الصَّلاة " (5) .
انفرد بإخراجه مسلم (6) .
__________
(1) "المسند": (1/388) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: عمر بن عبد الله لا يعرف) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (1/293) .
(4) في " النهاية ": (2/501 - شمس) : (هي جمع شموس، وهو النفور من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته) ا. هـ
(5) "المسند": (5/93) .
(6) "صحيح مسلم": (2/29) ؛ (فؤاد - 1/322 - رقم: 430) .(2/132)
649- الحديث الرابع: أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ عن أبي بكر بن خلف عن أبي عبد الرَّحمن محمد بن الحسن السلمي ثنا حامد بن عبد الله الواعظ ثنا علي بن محمد بن عيسى ثنا محمد بن عكاشة الكرماني ثنا المسيب بن واضح ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزُّهريِّ عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رفع يديه في التكبير فلا صلاة له " (1) .
ز: 650- قال الحاكم في من يضع الحديث في الوقت: وقيل لمحمد ابن عكاشة الكرماني: إن قوماً عندنا يرفعون في الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع. فقال: ثنا المسيب بن واضح ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزُّهريِّ عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له " (2) O.
651- الحديث الخامس: حدثت عن حمد (3) بن نصر أنا علي بن محمد ابن عبد الحميد أنا أبو بكر محمد بن علي بن لال (4) ثنا عبيد (5) الرَّحمن بن علي بن محمد الفقيه قال: حدَّثني أبي ثنا المأمون بن أحمد السلمي ثنا المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن يونس عن الزُّهريِّ عن سعيد عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من رفع يديه في الصَّلاة فلا صلاة له " (6) .
652- الحديث السادس: رووا عنه ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
__________
(1) خرجه من طريق محمد بن الحسين: الجورقاني في " الأباطيل ": (2/15 - رقم: 393) .
(2) " المدخل إلى كتاب الأكليل ": (ص: 50) .
(3) في "التحقيق": (محمد) خطأ.
(4) في "التحقيق": (لاك) .
(5) كذا بالأصل و"التحقيق"، وفي (ب) و" الأباطيل ": (عبد) ، وفي هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها، ويبدو أن فيها إشارة إلى أنه وقع في بعض النسخ: (عبد) ، والله أعلم.
(6) رواه عن حمد بن نصر: الجورقاني في " الأباطيل ": (2/11 - 12 - رقم: 390) .(2/133)
" لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: عند افتتاح الصَّلاة، وعند استقبال البيت، وعند الصفا والمروة، وعند الجمرتين، وعند الموقف ".
653- ورووا عن عمر أنه قال: إن رفع اليدين في الصَّلاة بدعة.
654- وعن علي أنه كان يرفع يديه في أوَّل تكبيرة من الصَّلاة، ثم لا يرفع يديه بعده.
655- وعن مجاهد أنه قال: صليت خلف ابن عمر سنتين، فلم يرفع يديه إلاَّ في التكبيرة الأولى.
قالوا: وهذا يؤيد قولنا: أن أحاديثكم منسوخة.
والجواب: أن من شرط الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ.
وحديث ابن عباس وابن الزبير: لا يعرفان أصلاً، والمحفوظ عنهما الرفع:
656- فروى أبو داود من حديث ميمون المكي أنه رأى ابن الزبير - وصلَّى بهم -، يشير بكفيه: حين يقوم، وحين يركع، وحين يسجد؛ قال: فذهبت إلى ابن عباس فأخبرته بذلك، فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاقتد بصلاة عبد الله بن الزُّبير (1) .
657- روى طاوس عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في المواطن الثلاثة.
وأما أحاديث المعارضة:
فحديث ابن مسعود الأول: قال فيه عبد الله بن المبارك: لا يثبت هذا
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/489 - 490 - رقم: 739) .(2/134)
الحديث (1) . وقال أبو داود: ليس بصحيح (2) . وقال غيرهما: لم يسمع عبد الرَّحمن من علقمة.
ويجوز أن يكون علقمة لم يضبط، وابن مسعود قد خفي عليه هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما خفي عليه غيره، مثل نسخ التَّطبيق.
وأمَّا طريقه الثَّاني: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به محمد بن جابر - وكان ضعيفًا - عن حمَّاد، و [] (3) غير حمَّاد يرويه عن إبراهيم مرسلاً عن عبد الله من قوله (4) غير مرفوع إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصَّواب (5) .
قلت: قال أحمد بن حنبل: لا يحدِّث عن محمد بن جابر إلا من هو شرٌّ منه (6) .
__________
(1) "الجامع" للترمذي: (1/296 - رقم: 256) ، و"سنن الدارقطني": (1/293) .
(2) جاء في النسخة التي عليها شرح " عون المعبود ": (2/448 - رقم: 734) : (قال أبو داود: هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ) ا. هـ
قال صاحب " عون المعبود ": (واعلم أن هذه العبارة موجودة في نسختين عتيقتين عندي، وليست في عامة نسخ أبي داود الموجودة عندي) ا. هـ
ونقل هذا الكلام عن أبي داود: الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد": (9/220) وفيه: (على هذا المعنى) .
وانظر حاشية الأستاذ محمد عوامة على نسخته من "سنن أبي داود": (1/493 - رقم: 748) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قول أبي داود) : " ليس بصحيح " إنما قاله في حديث البراء من رواية ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى كما سيأتي) ا. هـ فالله تعالى أعلم، وانظر: (رقم: 659) .
(3) أقحمت في الأصل: (عن) فحذفت، وهو على الصواب في (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(4) في "سنن الدارقطني": (من فعله) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/295) .
(6) كذا ذكره ابن الجوزي في "الضعفاء" أيضًا: (3/46 - رقم: 2910) ، والذهبي في "الميزان":
(3/496 - رقم: 7301) ، وابن حجر في "التهذيب": (9/78 - رقم: 116) .
ووقفنا على هذه العبارة بحروفها في موضعين من "العلل" لعبد الله بن أحمد: (1/374، =(2/135)
وقال يحيى: ليس بشيء (1) .
وأما حديث البراء: ففيه: يزيد بن أبي زياد، قال عليُّ بن المدينيِّ (2) ويحيى بن معين (3) : هو ضعيف الحديث، لا يحتج به (4) . وقال ابن المبارك:
ارم به (5) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (6) .
__________
= 389 - رقمي: 719، 770) ولكن من كلام يحيى بن معين لا من كلام الإمام أحمد، وكذا رواها عنه العقيلي في "الضعفاء الكبير": (4/42 - رقم: 1589) ، فنخشى أن يكون ابن الجوزي قد وهم في نسبة هذا الكلام إلى الإمام أحمد بسبب وروده في "العلل" لابنه، وتابعه على هذا الوهم من أتى بعده، والله أعلم.
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (3/541 - رقم: 2647) .
(2) نقله ابن الجوزي في "الضعفاء" أيضاً: (3/209 - رقم: 3781) ، وانظر: " الضعفاء الكبير " للعقيلي: (4/380 - رقم: 1993) ، وما يأتي في التعليق (رقم: 6) .
(3) في "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 488 - رقم: 883) : (ليس بحجة، ضعيف الحديث) ؛ وفي "التاريخ" برواية الدوري: (4/60 - رقم: 3144) : (ولا يحتج بحديث يزيد بن أبي زياد) .
(4) هكذا بالأصل و"الضعفاء" لابن الجوزي، وفي (ب) و"التحقيق": (لا يحتج بحديثه) .
(5) عزاه الحافظ ابن حجر في "التهذيب": (11/288 - رقم: 531) إلى "التاريخ" لابن المبارك، وقد أسنده عن ابن المبارك: العقيلي في "الضعفاء الكبير": (4/380 - رقم: 1993) .
(6) يزيد بن أبي زياد الذي في الإسناد والذي نقل ابن الجوزي كلام النقاد فيه هو: القرشي الهاشمي، أبو عبد الله الكوفي، وقد ذكره النسائي في "الضعفاء": (ص: 246 - رقم: 651) وقال عنه: (ليس بالقوي) .
وأما ما نقله عنه هنا فيبدو أنه اشتبه عليه بكلامه في يزيد بن زياد - ويقال: أبي زياد - القرشي الشامي، فهو الذي قال عنه النسائي في "الضعفاء": (ص: 248 - رقم: 644) : (متروك الحديث) ، وكذا نقله عنه ابن عدي في "كامله": (7/259 - رقم: 2161) ، والمزي في "تهذيبه": (32/134 - رقم: 6990) ، والذهبي في " ميزانه ": (4/425 - رقم: 9696) ، ثلاثتهم ذكروا كلمة النسائي في ترجمة يزيد الشامي.
وابن الجوزي لا يفرق ين يزيد الكوفي ويزيد الشامي، فإنه في "الضعفاء" له: (3/209 - رقم: 3781) ، ترجم ليزيد الشامي، وذكر أنه يروي عن الزهري، وأن البخاري قال فيه: (منكر الحديث ... ) وقال عنه النسائي: (متروك الحديث) ، وهذا صحيح، ولكن ما ذكره من أنه يروي عن ابن أبي ليلى، وما ذكر من كلام ابن المبارك وابن المديني ويحيى وابن =(2/136)
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: إنما لقِّنَ يزيد في آخر عمره: (ثم لم يعد) فتلقنه، وكان قد اختلط (1) . وكذا قال سفيان بن عيينة. لقِّن يزيد هذا لما كبر (2) .
قلت: ويمكن أن يكون هذا من الراوي عنه، فإنه قد رواه عنه إسماعيل ابن زكريا ومحمد بن أبي ليلى، وقال أحمد: إسماعيل ضعيفٌ (3) . ومحمد بن أبي ليلى: ضعيفٌ مضطرب الحديث (4) .
ويؤكد أن ذلك من الرواة:
658- ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر الآدميُّ ثنا عبد الله بن محمد بن أيُّوب ثنا عليُّ بن عاصم (5) ثنا محمد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قام إلى الصَّلاة فكبَّر، رفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه، ثم لم يعد. قال [علي] (6) : فلما قدمت الكوفة قيل لي: إن يزيد حيٌّ، فأتيته، فحدَّثني بهذا الحديث، قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء قال: رأيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قام إلى الصَّلاة فكبَّر، ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه. فقلت: إنه أخبرني ابن أبي
__________
= حبان فيه، فكل هذا في يزيد بن أبي زياد الكوفي.
وقد نبه على شيء من ذلك المنقح فيما يأتي (2/637) .
وانظر: "المجروحون" لابن حبان: (3/99) ، وتعقب الدارقطني له في تعليقاته عليه: (ص: 283) .
(1) "سنن الدارقطني": (1/294) .
(2) انظر: المعرفة للفسوي: (3/81) ، "المجروحون" لابن حبان: (3/100) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (1/317 - رقم: 142) من رواية أحمد بن ثابت أبو يحيى عنه.
(4) قوله: (ضعيف) أورده الميموني عنه في " سؤالاته ": (ص: 245 - رقم: 493) ، وقوله: (مضطرب الحديث) أورده ابن عدي في "الكامل": (6/183 - رقم: 1663) من رواية عبد الله بن أحمد عنه.
(5) في هامش الأصل: (علي بن عاصم تكلم فيه غير واحد) ا. هـ
(6) زيادة من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".(2/137)
ليلى أنك قلت: ثم لم يعد. قال: لا أحفظ هذا. فعاودته، فقال: لا أحفظ هذا (1) .
قال البخاريُّ: وكذلك روى الحفاظ الذين سمعوا من يزيد قديماً، منهم: الثوري وشعبة وزهير، ليس فيه: (ثم لم يعد) (2) .
قال أبو داود: ورواه هشيم وخالد وابن إدريس عن يزيد، ولم يذكروا فيه: (ثم لا يعود) (3) .
659- وقد روى محمد بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه حين افتتح الصَّلاة، ثم لم يرفعهما حتى انصرف.
وقد ذكرنا عن أحمد تضعيف محمد بن أبي ليلى (4) ، قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بصحيح (5) .
وأما حديث جابر بن سمرة: فإنه لم يرد به ما نحن فيه، وقد روي ذلك مفسراً:
660- قال أحمد: ثنا محمد بن عبيد ثنا مسعر عن عبيد الله بن القبطية قال: سمعت جابر بن سمرة قال: كنا نقول خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سلمنا:
السلام عليكم، السلام عليكم، يشير أحدنا بيده عن يمينه وشماله، فقال
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/294) .
(2) "رفع اليدين": (ص: 119 - رقم: 34) .
(3) "سنن أبي داود": (1/494 - رقم: 751) .
(4) في الصفحة السابقة.
(5) "سنن أبي داود": (1/494 - رقم: 752) .(2/138)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما بال الذين يرمون بأيديهم في الصَّلاة كأنها أذناب الخيل الشمس، ألا يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم عن يمينه وشماله" (1) .
انفرد بإخراجه مسلم (2) .
وأما حديث أنس: ففيه محمد بن عكاشة، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كان يضع الحديث (3) .
وأما حديث أبي هريرة: ففيه مأمون، وكان كذّاباً، قال ابن حِبَّان: كان دجّالاً من الدَّجّالين (4) .
وأما حديث ابن عباس: فلا يعرف مسنداً، إنما هو موقوف عليه، والمعروف عنه: ترفع الأيدي في سبعة مواطن ... .
ولا يصح ما حكوا عن عمر، ولا عن علي، ولا عن ابن عمر.
ثم أخبارنا مثبتة وأخبارهم نافية، فكانت أولى.
ز: حديث وائل بن حجر: رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجه (7) بنحو ما رواه أحمد.
__________
(1) "المسند": (5/102) .
(2) "صحيح مسلم": (1/29 - 30) ؛ (فؤاد - 1/322 - رقم: 431) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 352 - رقم: 488) .
(4) "المجروحون": (3/45) .
(5) "سنن أبي داود": (1/482 - 484 - الأرقام: 726 - 728) .
(6) "سنن النسائي": (2/126 - رقم: 889) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/281 - رقم: 867) .(2/139)
وحديث ابن مسعود: رواه أبو داود (1) والنَّسائيُّ (2) والتِّرمذيُّ، وقال: حديثٌ حسنٌ (3) .
وفي لفظٍ لأبي داود: ألا أصلِّي بكم صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فصلَّى فرفع يديه في أوَّل مرَّة (4) .
وحديث البراء: رواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) .
661- وروى الدَّارَقُطْنِيُّ بإسناده عن جرير - وهو ابن عبد الحميد - عن حُصين بن عبد الرَّحمن قال: دخلنا على إبراهيم، فحدَّثه عمرو بن مُرَّة قال: صلَّينا في مسجد الحضرميين فحدَّثني علقمة بن وائل عن أبيه أنَّه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه حين يفتتح، وإذا ركع، وإذا سجد. فقال إبراهيم: ما أرى أباه رأى (7) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ذلك اليوم الواحد، فحفظ عنه ذلك، وعبد الله لم يحفظ ذلك منه. ثُمَّ قال إبراهيم: إنَّما رفع اليدين عند افتتاح الصَّلاة (8) .
قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه: هذه علَّةٌ لا تسوى سماعها، لأنَّ رفع اليدين قد صحَّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عند (9) الخلفاء الرَّاشدين، ثُمَّ عن الصَّحابة
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/493 - رقم: 748) .
(2) "سنن النسائي": (2/182 - رقم: 1026) .
(3) "الجامع": (1/297 - رقم: 257) .
(4) "سنن أبي داود": (1/494 - رقم: 749) .
(5) "المسند": (4/301، 302، 303) وليس فيه، (ثم لم يعد ... ) .
(6) "سنن أبي داود": (1/494 - الأرقام: 750 - 752) .
(7) سقط من (ب) قوله: (أباه رأى) بسبب انتقال النظر، والله أعلم.
(8) "سنن الدارقطني": (1/291) .
(9) في مطبوعة "سنن البيهقي": (عن) .(2/140)
والتَّابعين؛ وليس في نسيان عبد الله بن مسعود رفع اليدين ما يوجب أنَّ هؤلاء الصَّحابة لم يروا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه، قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد - وهي المعوذتان -، ونسي ما اتفق العلماء كلُّهم على نسخه وتركه من التَّطبيق، ونسي كيف (1) قيام اثنين خلف الإمام، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى الصُّبح يوم النَّحر في وقتها، ونسي كيفية جمع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والسَّاعد على الأرض في السُّجود، ونسي كيف كان يقرأ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} [الليل: 3] ، وإذا جاز على عبد الله أن ينسى مثل هذا في الصَّلاة خاصة، كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين؟ (2) .
وقال البخاريُّ في كتاب "رفع اليدين" له: قد روينا عن سبعة عشر نفسًا من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهم كانوا يرفعون أيديهم عند الرُّكوع، فمنهم: أبو قتادة الأنصاريُّ وأبو أسيد السَّاعديُّ البدريُّ ومحمد بن مسلمة البدريُّ وسهل ابن سعد السَّاعديُّ وعبد الله بن عمر بن الخطََّاب وعبد الله بن عباس بن عبد المطََّلب الهاشميُّ وأنس بن مالك - خادم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو هريرة وعبد الله ابن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزُّبير ووائل بن حُجْر ومالك بن الحويرث وأبو موسى الأشعريُّ وأبو حميد السَّاعديُّ رضي الله عنهم (3) .
قال البيهقيُّ: وقد رويناه عن هؤلاء وعن أبي بكر الصِّدِّيق وعمر بن الخطََّاب وعليِّ بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر الجُهَنيِّ وعبد الله
__________
(1) كذا بالأصل، وفي (ب) و"سنن البيهقي": (كيفية) .
(2) "سنن البيهقي": (2/81) ، وانظر تعليق ابن التركماني عليه في " الجوهر النقي ": (2/ 80 - 82) .
(3) "رفع اليدين": (ص: 56 - 59 - رقم: 1) .(2/141)
ابن جابر البياضي رضي الله عنهم (1) .
وقد ذكر المؤلف فيما تقدم أن أكثر هؤلاء رووا الرفع عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كتبنا الكلام على أحاديث هذا الباب - حديث ابن مسعود وغيره - مطولاً في غير هذا الموضع، وذكرنا علل ما روي عن علي وابن عمر وغيرهما من الرفع عند افتتاح الصَّلاة فقط، وذكرنا الجواب عما علل به الطحاوي أحاديث الرفع.
وما ذكره المؤلف في هذه المسألة من الاستدلال والجواب حسن، وإن كان عليه فيه مناقشات في غير موضع، والله أعلم O.
* * * * *
مسألة (130) : ترفع اليد حذو المنكب.
وقال أبو حنيفة: حيال الأذنين.
وعن أحمد: التخيير في ذلك.
لنا:
ما تقدم من حديث ابن عمر (2) وحديث وائل بن حجر (3) ، وقد رواه علي عليه السلام (4) عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره.
* * * * *
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/75) .
(2) برقم: (639) .
(3) برقم: (641) .
وفي هامش الأصل: (حـ: حديث وائل روي بالوجهين: " إلى منكبيه "، و" إلى أذنيه ") ا. هـ
(4) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.(2/142)
مسألة (131) : يسن وضع اليمين على الشمال، خلافاً لإحدى الروايتين عن مالك.
لنا أربعة أحاديث:
662- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الواحد ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: لأنظرن كيف يصلِّي. قال: فاستقبل القبلة، وكبر، ورفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه، ثم أخذ شماله بيمينه (1) .
663- طريقٌ آخر: قال مسلم بن الحجاج: ثنا زهير بن حرب ثنا عفان ثنا همام ثنا محمد بن جحادة قال: حدَّثني عبد الجبار بن وائل عن علقمة ابن وائل عن وائل بن حجر أنه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه حين دخل في الصَّلاة، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى (2) .
664- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيد ثنا سفيان قال: حدَّثني سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع هذه على صدره. ووصف (3) يحيى: اليمنى على اليسرى، فوق المفصل (4) .
665- طريقٌ آخر: قال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن سماك ابن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمنا، فيأخذ شماله بيمينه (5) .
__________
(1) "المسند": (4/316) .
(2) "صحيح مسلم": (2/13) ؛ (فؤاد - 1/301 - رقم: 401) .
(3) في "التحقيق": (ووضع) .
(4) "المسند": (5/226) .
(5) "الجامع": (1/292 - رقم: 252) وقال: (حديث حسن) .(2/143)
666- الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن عيسى بن السكين ثنا عبد الحميد بن محمد ثنا مخلد بن يزيد ثنا طلحة عن عطاء عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصَّلاة " (1) .
667- الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا ابن صاعد ثنا زياد بن أيُّوب ثنا النضر بن إسماعيل عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرنا معاشر الأنبياء أن نضرب بأيماننا على شمائلنا في الصَّلاة " (2) .
ز: حديث هلب: رواه ابن ماجه (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) والتِّرمذيُّ (5) .
وحديث ابن عباس: فيه طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي، قال فيه أحمد بن حنبل: لا شيء، متروك الحديث (6) . وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، ضعيف (7) . وتكلم فيه أيضاً البخاريُّ (8) وأبو حاتم وأبو زرعة (9) وأبو داود (10) والجوزجاني (11) والنَّسائيُّ (12) وابن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/284) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/284) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/266 - رقم: 809) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/285) .
(5) ساق ابن الجوزي إسناده (رقم: 664) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (1/411 - رقم: 866) .
(7) "التاريخ" برواية الدوري: (3/63، 76 - رقمي: 243، 303) .
(8) "التاريخ الكبير": (4/350 - رقم: 3104) ؛ و"الضعفاء الصغير": (ص: 449 - رقم: 176) .
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/478 - رقم: 2097) .
(10) "تهذيب الكمال" للمزي: (13/429 - رقم: 2978) .
(11) "الشجرة في أحوال الرجال": (ص: 249 - رقم: 257) .
(12) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 137 - رقم: 315) .(2/144)
الجنيد (1) والدَّارَقُطْنِيُّ (2) وابن حِبَّان (3) وابن عَدِيٍّ (4) وغيرهم.
وحديث أبي هريرة: فيه النضر بن إسماعيل وابن أبي ليلى، وليسا بقويين، قال ابن معين في النضر: ليس بشيء (5) . وقال أبو زرعة (6) والنَّسائيُّ (7) : ليس بالقوي.
668- وقد روى البخاريُّ في "صحيحه" عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه في الصَّلاة. قال أبو حازم: لا أعلمه إلاَّ ينمي ذلك إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (8) .
669- وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلِّي فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضع يده اليمنى على اليسرى.
رواه أبو داود (9) وابن ماجة (10) والنَّسائيُّ (11) والدَّارَقُطْنِيُّ (12) ، واللفظ لأبي داود، وفي إسناده: حجاج بن أبي زينب، وسيأتي الكلام عليه في الحديث الذي بعده.
670- وقد روى أحمد: ثنا محمد بن الحسن الواسطي - يعني: المزني
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (2/65 - رقم: 1741) .
(2) "سؤالات حمزة السهمي": (ص: 220 - رقم: 302) .
(3) "المجروحون": (1/382) .
(4) "الكامل": (4/108 - رقم: 954) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/275 - رقم: 1311) .
(6) "الجرح والتعديل": (8/474 - رقم: 2177) وفيه: (ليس بقوي) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 229 - رقم: 595) .
(8) "صحيح البخاري": (1/188) ؛ (فتح - 2/224 - رقم: 740) .
(9) "سنن أبي داود": (1/495 - رقم: 755) .
(10) "سنن ابن ماجه": (1/266 - رقم: 811) .
(11) "سنن النسائي": (2/126 - رقم: 888) .
(12) "سنن الدارقطني": (1/286 - 287) .(2/145)
- ثنا أبو يوسف - يعني: ابن أبي زينب الصَّيقل - عن أبي سفيان عن جابر قال: مرَّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ يصلِّي، وقد وضع يده اليسرى على اليمنى، فانتزعها، ووضع اليمنى على اليسرى (1) .
وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ (2) .
وأبو يوسف: اسمه حجَّاج، قال فيه أحمد بن حنبل: أخشى أن يكون ضعيف الحديث (3) . وقال ابن معين: ليس به بأس (4) .
وقال ابن المدينيِّ: ضعيف (5) . وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (6) .
وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به فيما يرويه (7) . وقد روى له مسلم في "صحيحه" حديثًا واحدًا (8) .
671- وقد روى الطَّبرانيُّ: ثنا عمر بن عبد العزيز بن مقلاص حدَّثني أبي ثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن يونس بن سيف عن أبي راشد الحُبراني عن الحارث بن غطيف قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعًا يمينه على شماله في الصَّلاة (9) .
__________
(1) "المسند": (3/381) .
وفي هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها.
(2) "سنن الدارقطني": (1/287) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (1/553 - رقم: 1317) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/161 - رقم: 685) من رواية ابن أبي خيثمة.
(5) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/283 - رقم: 343) من رواية الحسن بن شجاع البلخي عنه.
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (5/438 - رقم: 1119) .
(7) "الكامل": (2/231 - رقم: 408) .
(8) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/155 - رقم: 312) .
(9) "المعجم الكبير": (3/276 - رقم: 3400) .(2/146)
رواه زيد بن الحباب وعبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن يونس ابن سيف عن الحارث بن غطيف - أو: غطيف بن الحارث -، ولم يذكر أبا راشد الحُبراني.
وقد روى هذا الحديث أيضًا الإمام أحمد (1) .
672- وقد روى أبو داود عن عبد الله بن الزُّبير قال: صفُّ القدمين، ووضعُ اليد على اليد، من السُّنَّة (2) O.
* * * * *
مسألة (132) : توضع اليمين على الشِّمال تحت الصَّدر، وهو قول الشَّافعيِّ.
وعن أحمد: تحت السُّرَّة.
وعنه: التَّخيير.
وما ذهبنا إليه أليق بالخشوع.
673- وقد رواه أصحابنا عن وائل بن حُجْر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه كان يضعهما فوق السُّرَّة.
674- وقد روى عبد الله بن الإمام أحمد: ثنا محمد بن سليمان لوين ثنا يحيى بن أبي زائدة ثنا عبد الرَّحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد السُّوائيِّ عن أبي
__________
(1) "المسند": (4/105؛ 5/290) .
(2) "سنن أبي داود": (1/495 - رقم: 754) .(2/147)
جحيفة عن علي قال: إن من السنة في الصَّلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة (1) .
وهذا لا يصح، قال أحمد: عبد الرَّحمن بن إسحاق ليس بشيء (2) . وقال يحيى: متروك (3) .
ز: زياد بن [زيد] (4) السوائي: قال فيه أبو حاتم: مجهول (5) .
675- وروى البيهقيُّ من رواية حفص بن غياث عن عبد الرَّحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: إن من سنة الصَّلاة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة (6) .
676- وقد روى أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" عن وائل بن حجر قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووضع يده اليمنى على اليسرى على صدره (7) O.
* * * * *
__________
(1) "المسند": (1/110) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/213 - رقم: 1001) من رواية أبي طالب، وفيه: (ليس بشيء، منكر الحديث) ا. هـ
(3) ذكره ابن الجوزي في "الضعفاء" أيضاً: (2/89 - رقم: 1850) .
(4) في الأصل و (ب) : (يزيد) وهو سبق قلم، وصوابه: (زيد) كما في الإسناد.
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/532 - رقم: 2404) .
(6) "سنن البيهقي": (2/31) .
(7) "صحيح ابن خزيمة": (1/243 - رقم: 479) .(2/148)
مسألة (133) : يسنُّ الاستفتاح (1) .
وقال مالك: لا يسنُّ.
لنا: أحاديث ستأتي فيما بعد هذه المسألة (2) .
* * * * *
مسألة (134) : تستفتح الصَّلاة بـ "سبحانك اللهم وبحمدك".
قال الشَّافعيُّ: تستفتح بقوله: "وجَّهت وجهي".
لنا:
أنَّ ما اخترناه قد رواه جماعة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم عمر بن الخطَّاب:
677- فروى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن جعفر بن محمد ثنا محمد بن نصر المروزيُّ ثنا عبد الله بن شبيب قال: حدَّثني إسحاق بن محمد (3) عن عبد الرَّحمن بن عمرو (4) بن شيبة (5) عن أبيه عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن
__________
(1) في "التحقيق": (الافتتاح) .
(2) رقم (677) وما بعده.
(3) هامش الأصل: (حـ: إسحاق بن محمد هو الفروي، روى له " خ "، وقد تُكلِّم فيه) ا. هـ
(4) كذا بالأصل و (ب) و"التنقيح" للذهبي، وفي "التحقيق" و"سنن الدارقطني" و "إتحاف المهرة" لابن حجر: (12/258 - رقم: 15532) : (عمر) ، والله أعلم.
(5) في "التحقيق": (شبة) .(2/149)
الخطَّاب قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كبَّر للصَّلاة قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك " (1) .
قالوا: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: رفعه هذا الشَّيخ - يعني: عبد الرَّحمن بن عمرو (2) -، والمحفوظ عن عمر من قوله.
قلنا: عبد الرَّحمن ثقةٌ، قد أخرج عنه البخاري في "صحيحه" (3) ؛ ومن وقفه على عمر فقد سمع عمر يقوله، وإنَّما كان يقوله اقتداء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ز: عبد الله بن شبيب: تكلَّم فيه غير واحدٍ.
وإسحاق: روى عنه البخاريُّ في "صحيحه" (4) ، وله مناكير.
وعبد الرَّحمن بن عمرو: غير معروفٍ، ولم يرو له البخاريُّ.
والصَّحيح أنَّ عمر كان يقول ذلك:
678- فروى مسلمٌ في "صحيحه": ثنا محمد بن مهران الرَّازيُّ ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ عن عَبْدَة أنَّ عمر بن الخطََّاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: سبحانَك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك (5) .
وهو منقطع، فإنَّ عَبْدَة - وهو ابن أبي لُبابة - لم يدرك عمر، وإنَّما رواه مسلم لأنَّه سمعه مع حديث غيره، فرواهما جميعًا، وإن لم يكن هذا على شرطه.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/299) .
(2) في "التحقيق": (عمر) .
(3) انظر ما يأتي في كلام المنقح.
(4) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/377 - رقم: 82) .
(5) "صحيح مسلم": (2/12) ؛ (فؤاد - 1/299 - رقم: 399) .(2/150)
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: رواه إبراهيم عن علقمة والأسود عن عمر، وكذلك رواه يحيى بن أيوب عن عمر بن شيبة عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه من قوله، وهو الصواب (1) .
وقد رواه الإمام أحمد من رواية علقمة والأسود وأبي وائل وغيرهم عن عمر.
وقد روى سعيد في "سننه" عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يستفتح بذلك (2) .
ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ بإسناده عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن عثمان (3) .
ورواه ابن المنذر عن عبد الله بن مسعود (4) .
وقال البيهقيُّ: وروي في الاستفتاح بـ "سبحانك اللهم وبحمدك" حديث آخر عن ليث عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مرفوعاً، وليس بالقوي،.... وأصح ما روي فيه الأثر الموقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه (5) .
ثم رواه من رواية شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عمر (5) O.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/299) .
(2) "المنتقى" للمجد ابن تيمية: (النيل - 2/195) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/302) موقوفاً عليه.
(4) "الأوسط" (3/82 - رقم: ث 1269) .
(5) "سنن البيهقي": (2/34 - 35) .(2/151)
ومنهم أنس بن مالك:
679- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا الحسين بن علي بن الأسود ثنا محمد بن الصلت ثنا أبو خالد الأحمر عن حميد عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصَّلاة كبر، ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه، ثم يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله [غيرك] " (1) .
هذا إسناد كلهم ثقات.
ز: الحسين بن علي بن الأسود (2) : قال المروذي: سئل عنه أحمد بن حنبل، فقال: لا أعرفه (3) . وقال أبو حاتم: صدوق (4) . وقال ابن عدي: يسرق الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها (5) . وقال الأزدي: ضعيف جدًّا، يتكلمون في حديثه (6) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: ربما أخطأ (7) O.
ومنهم أبو سعيد الخدري:
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/300) ، وفي الأصل: (غيره) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) فوقه بالأصل رقم: (د، ت) إشارة إلى تخريج أبي داود والتِّرمذيُّ له، وفي هامش الأصل حاشية لم يظهر منها إلاَّ ما يلي: (حـ: قد صحح الـ[] في باب [] ا. هـ ولعل المراد أن التِّرمذي قد صحح له في باب الأطعمة (انظر: "الجامع": 3/416 - 417 - رقم: 1833) ، والله أعلم.
(3) "العلل" برواية المروذي وغيره: (ص: 165 - رقم: 292) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/56) - رقم: 256) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (2/368 - 369 - رقم: 499) باختصار.
(6) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/69 - رقم: 4142) .
(7) "الثقات": (8/190) .(2/152)
680- قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن موسى البصريُّ ثنا جعفر بن سليمان الضُّبَعِيُّ ثنا عليُّ بن عليٍّ الرِّفاعيُّ عن أبي المتوكِّل عن أبي سعيد الخدريِّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصَّلاة بالليل كبَّر، ثمَّ يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك " (1) . ثُمَّ يقول: " أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرَّجيم من هَمْزِهِ ونَفْخِه ونَفْثِه " (2) .
ز: ورواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) وابن ماجه (5) والنَّسائيُّ (6) .
وقال التِّرمذيُّ: قد تُكلِّم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلَّم في عليِّ بن عليٍّ.
وقال: قال أحمد: لا يصحُّ هذا الحديث (7) .
وقال حرب بن إسماعيل عن أحمد بن حنبل: عليُّ بن عليٍّ الرِّفاعيُّ لم يكن به بأسٌ (8) . وقال عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين: ثقةٌ (9) . وقال ابن أبي حاتم: سألتُ أبي عن عليِّ بن عليٍّ الرِّفاعيِّ، فقال: ليس بحديثه بأسٌ.
قلت: يحتجُّ بحديثه؟ قال: لا. ثُمَّ قال: حدَّث وكيعٌ عنه، قال: ثنا عليُّ
__________
(1) في "التحقيق" زيادة: (ثم يقول: " الله أكبر كبيرا ") .
(2) "الجامع": (1/282 - رقم: 242) .
(3) "المسند": (3/50) .
(4) "سنن أبي داود": (1/503 - رقم: 771) .
(5) "سنن ابن ماجه" (1/264 - رقم: 804) .
(6) "سنن النسائي": (2/132 - رقمي: 899 - 900) .
(7) "الجامع": (1/283 - رقم: 242) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/196 - رقم: 1080) .
(9) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 147 - رقم: 503) .(2/153)
ابن علي وكان ثقة (1) . وقال أبو زرعة: ثقة (2) .
وقال أبو داود في هذا الحديث: يقولون هو عن علي بن علي عن الحسن رحمه الله، الوهم من جعفر (3) .
وقال عبد الله بن أحمد: حديث أبي سعيد - حديث علي بن علي - لم [يحمد] (4) أبي إسناده (5) . وقال عبد الله: لم يروه إلاَّ جعفر بن سليمان عن علي بن علي عن أبي المتوكل.
وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصَّلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر، وقد روي فيه من وجوه ليست بذاك (6) O.
ومنهم عائشة:
681- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا الحسين بن عيسى ثنا (7) طلق بن غنام ثنا عبد السلام بن حرب عن بديل بن (8) ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استفتح الصَّلاة قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك " (9) .
فإن قال الخصم: قد قال أبو داود: لم يروه عن عبد السلام غير طلق ابن
__________
(1) "الجرح والتعديل": (6/196 - رقم: 1080) .
(2) المرجع السابق.
(3) "سنن أبي داود": (1/503 - رقم: 771) .
(4) في الأصل و (ب) : (يجد) خطأ والتصويب من "المسائل".
(5) "المسائل": (1/247 - رقم: 334) .
(6) انظر: "فتح الباري" لابن رجب: (6/384 - رقم: 744) .
(7) في "التحقيق": (بن) خطأ.
(8) في "التحقيق": (عن) خطأ.
(9) "سنن الدارقطني": (1/299) .(2/154)
غنَّام، وليس هذا الحديث بالقويِّ (1) .
قلنا: طلق: ثقةٌ، قد أخرج عنه البخاريُّ في "صحيحه" (2) ، وليس لتضعيفه وجهٌ.
وقد روى التِّرمذيُّ حديث عائشة هذا من طريق حارثة بن أبي الرِّجال عن عَمْرَةَ عن عائشة، وقال: لا يعرف إلا من هذا الوجه (3) .
وقد ذكرناه من غير ذلك الوجه، ونحن لا نرتضي طريق حارثة، فإنَّه ضعيفٌ عند الكلِّ.
ز: حديث عائشة من رواية عبد السَّلام: رواه التِّرمذيُّ وابن ماجه (4) وأبو داود، وقال: هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السَّلام، لم يروه إلا طَلْق بن غَنَّام، وقد روى قصَّة الصَّلاة جماعةٌ غير واحد عن بُدَيل بن ميسرة، لم يذكروا فيه شيئًا من هذا (5) .
__________
(1) كذا جاء في "سنن الدارقطني"، وقوله: (ليس هذا الحديث بالقوي) يحتمل أنها من كلام أبي داود، ويحتمل أنها من كلام الدارقطني، ويؤيد الثاني أنها غير موجودة في مطبوعة "سنن أبي داود" ولا نقلها عنه البيهقي في "سننه" بعد أن روى الحديث: (2/34) .
والحافظ المنذري في "مختصر السنن": (1/376 - رقم: 738) بعد أن ذكر نص كلام أبي داود الآتي في كلام المنقح، نقل هذه العبارة عن الدارقطني عن أبي داود كما هنا وقال عقب: ليس هذا الحديث بالقوي: (هذا آخر كلامه) ا. هـ والله أعلم.
وانظر "نتائج الأفكار" (1/411) و"نيل الأوطار" للشوكاني: (2/195) .
(2) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/608 - رقم: 434) .
(3) "الجامع": (1/283 - رقم: 243) .
(4) حديث عائشة من رواية عبد السلام لم نره عند الترمذي ولا عند ابن ماجه ولا عزاه إليهما الحافظ المزي في "تحفة الأشراف": (11/386 - رقم: 10641) ، ونخشى أن يكون المنقح قد ضرب على كلمتي: (الترمذي وابن ماجه) ولكن لم ينتبه النساخ إلى ذلك، والله أعلم.
(5) "سنن أبي داود": (1/504 - رقم: 772) .(2/155)
ورواه الحاكم وقال: على شرطهما (1) .
وقال محمد بن سعد: طلق بن غَنَّام ثقةٌ (2) . وقال أبو عبيد الآجريُّ عن أبي داود: صالح (3) . وقال أبو حاتم: روى حديثًا منكرًا (4) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (5) ، وقد روى له الجماعة إلا مُسلمًا (6) .
وقد روى الحديث من طريق حارثة: الإمام أحمد (7) - وضعَّفه (8) - وابن ماجه (9) والحاكم - وصحَّحه (10) - والبيهقيُّ - وضعَّفه أيضًا (11) -.
__________
(1) "المستدرك": (1/235) وفيه: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ، وفي "التلخيص" للذهبي: (على شرطهما) ا. هـ
ويبدو أن هناك سقطًا وقع في النسخة التي طبع عنها "المستدرك" كما أشار إلى ذلك مصححه، وذلك أن الذهبي في "تلخيصه" أورد حديث عائشة من رواية أبي الجوزاء، وقال عقبه: (على شرطهما) ؛ ثم أورده من رواية حارثة بن أبي الرجال، وذكر عقبه: (صحيح وفي حارثة لين) .
فالظاهر أن ناسخ "المستدرك" انتقل نظره من حديث عائشة الأول إلى حديثها الثاني فأسقط ما بينهما، والله أعلم.
وانظر ما يأتي في التعليق على رواية حارثة.
(2) "الطبقات الكبرى": (6/405) .
(3) " سؤالات أبي عبيد ": (1/341 - رقم: 590) .
(4) "العلل" لابنه: (1/375 - رقم: 1114) .
وفي هامش الأصل: (حـ: " أد الأمانة إلي من ائتمنك ") ا. هـ
(5) "الثقات": (8/327 - 328) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (13/456 - رقم: 2991) .
(7) لم نقف عليه في مطبوعة "المسند"، ولا في "أطرافه" لابن حجر، وقد أسنده من طريق القطيعي عن عبد الله بن أحمد عن أبيه: الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار": (1/ 408) ، وقال عقبه: (أخرجه الحاكم عن القطيعي) ا. هـ وهو فيما يبدو الإسناد الذي سقط من النسخة التي طبع عنها "المستدرك" كما سبق قريبًا.
(8) انظر: "فتح الباري" لابن رجب: (6/384 - رقم: 744) .
(9) "سنن ابن ماجه": (1/265 - رقم: 806) .
(10) "تلخيص المستدرك" للذهبي: (1/235) ، وقد سقط إسناده من مطبوعة "المستدرك"، وقد أشار إليه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" كما سبق.
(11) "سنن البيهقي": (2/34) .(2/156)
682- وقد روي عن المعافى بن عمران عن عبد الله بن عامر الأسلميِّ عن ابن المنكدر عن ابن عمر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استفتح الصَّلاة قال: "وجَّهت وجهي للذي فطر السَّموات ... - إلى قوله: - وأنا من المسلمين، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك".
عبد الله بن عامر: ضعَّفوه.
683- وقال البيهقيُّ: أنا أبو الحسن بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا ابن ناجية ثنا إبراهيم بن يعقوب الجوجازنيُّ ثنا عبد السَّلام بن محمد الحمصيُّ ثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة أنَّ أباه حدَّثه أنَّ محمد بن المنكدر أخبره أنَّ جابر ابن عبد الله أخبره أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استفتح الصَّلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك، وجَّهت وجهي للذي فطر السَّموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين" (1) .
وهذا الحديث والذي قبله فيهما الجمع بين الاستفتاحين، والله أعلم O.
احتجُّوا بحديثين:
684- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا أبو سعيد - مولى بني هاشم - ثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون ثنا عبد الله بن الفضل الهاشميُّ عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كبَّر استفتح، ثُمَّ قال: "وجَّهت وجهي للذي فطر السَّموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له
__________
(1) "سنن البهيقي": (2/35) .(2/157)
وبذلك أمرت وأنا أوَّل (1) المسلمين" (2) .
685- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا يزيد بن عبد ربه ثنا شريح بن يزيد عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استفتح الصَّلاة قال: "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أوَّل المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال، لا يهدي لأحسنها إلاَّ أنت، وقني سيء الأخلاق والأعمال، لا يقي سيئها إلاَّ أنت" (3) .
والجواب: أن هذه أدعية قد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولها في وقت، أو في أوَّل الأمر، أو في النافلة، أو بعد الاستفتاح؛ وإنما الكلام في المسنون الذي يداوم عليه، ويوضح هذا: أن ما ذكروه من حديث علي عليه السلام (4) طرف منه (5) .
686- قال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد ثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون ثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كبر استفتح، ثم قال: " وجهت وجهي للذي فطر السَّموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرتُ وأنا من المسلمين، لا إله إلاَّ أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي،
__________
(1) في (ب) : (من) .
(2) "المسند": (1/94) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/298) .
(4) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(5) في هامش الأصل: (حـ: تأمل ضعفه) ا. هـ(2/158)
فاغفر لي ذنوبي جميعًا، لا يغفر الذُّنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنِّي سيئها، لا يصرف سيئها إلا أنت، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك ". وكان إذا ركع قال: " اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخِّي وعظامي وعَصَبي ".
وإذا رفع رأسه من الرَّكعة قال: " سمع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمد، ملء السَّموات والأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بَعْدُ ". وإذا سجد قال: " اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره فأحسن صوره، وشق سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
وقد اتفقنا أنَّه لا يسنُّ قول هذا كلِّه في الاستفتاح، فدلَّ على ما سبق من الاحتمالات.
ز: حديث جابر: رواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عثمان عن أبي حيوة شُريح بن يزيد عن شُعيب (3) .
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه أبو حيوة شُريح بن يزيد الحضرميُّ عن شُعيب عن ابن المنكدر عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وغيره يرويه عن شُعيب عن ابن المنكدر عن عبد الرَّحمن الأعرج عن محمد بن مسلمة.
والمحفوظ عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي
__________
(1) "المسند": (1/94 - 95) .
(2) "صحيح مسلم": (2/185) ؛ (فؤاد - 1/534 - 536 - رقم: 771) .
(3) "سنن النسائي": (2/129 - رقم: 896) .(2/159)
طالب (1) .
وحديث علي: رواه مسلم بطوله، وزاد فيه ألفاظاً (2) O.
* * * * *
مسألة (135) : يتعوذ قبل القراءة.
وقال مالك: لا يتعوذ في المكتوبة.
لنا:
حديث أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتعوذ، وقد تقدم بإسناده في مسألة الاستفتاح (3) .
احتج الخصم:
687- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن عثمان (4) الصيدلاني ثنا عبيد ابن عبد الواحد ثنا هشام بن عمار ثنا الوليد ثنا الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أنس قال: كنا نصلِّي خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر به (5) .
وفي لفظ أخرج في "الصَّحيحين": كانوا يفتتحون الصَّلاة بالحمد لله
__________
(1) "العلل": (4/ ق: 79/ أ) .
(2) "صحيح مسلم": (2/185 - 186) ؛ (فؤاد - 1/534 - 536 - رقم: 771) .
(3) برقم: (680) .
(4) أقحمت في "التحقيق": (و) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/316) .(2/160)
رب العالمين (1) .
والجواب: أن هذا لا حجة فيه، لأن المراد أنهم كانوا يستفتحون القراءة بهذا، يدل عليه:
688- ما روى أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين (2) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديث صحيح (3) .
وقال الشَّافعيُّ: [المعنى:] (4) إنهم كانوا يفتتحون بهذه قبل قراءة السورة.
ز: 689 - عن أنس أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصَّلاة بالحمد لله رب العالمين (5) .
رواه البخاري بهذا اللفظ (6) O.
* * * * *
__________
(1) هذا لفظ مسلم في "صحيحه": (2/12) ؛ (فؤاد - 1/299 - رقم: 399) ، ولفظ البخاري يأتي في كلام المنقح.
(2) "المسند": (3/101) .
(3) "الجامع": (1/286 - رقم: 246) وفيه حسن صحيح.
(4) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(5) في (ب) زيادة: (لا يقرأوها) وكأنها مقحمة، والله أعلم.
(6) "صحيح البخاري": (1/189) ؛ (فتح - 2/226 - 227 - رقم: 743) .(2/161)
مسألة (136) : يقرأ بعد التعوذ البسملة سرًّا.
وقال مالك: لا يقرأها.
690- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق قال: حدَّثني أخي محمد بن حماد ثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت ثنا عبد الله بن موسى ابن عبد الله بن حسن عن أبيه عن جدِّه عبد الله بن حسن بن الحسن عن أبيه عن الحسن بن علي عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) في صلاته (1) .
وقد احتجوا:
بالحديث المتقدم (2) : (كان يفتتح القراءة بالحمد ... ) معناه: فيما يجهربه.
ز: حديث عليٍّ: قال فيه الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسناد علوي لا بأس به (3) .
وقال شيخنا أبو الحجاج: لا تقوم به حجة، وسليمان لا أعرفه.
691- روى الطبرانيُّ: ثنا عبد الله بن وهيب الغزي ثنا محمد بن أبي السري ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما (4) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/302) .
(2) برقم: (688) .
(3) كلام الدارقطني لم نره في مطبوعة "السنن"، ولا ذكره ابن حجر في "إتحاف المهرة": (11/339 - رقم: 14150) ، ولكن نقل كلامه هذا: الغساني في " تخريج الأحاديث الضعاف ": (ص: 133 - رقم: 223) .
(4) "المعجم الكبير": (1/255 - 256 - رقم: 739) .(2/162)
ورواه أبو جعفر محمد بن عبد الرَّحمن الأرزناني - قال الراوي عنه: الثقة المأمون - عن عبد الله بن وهيب بإسناده مثله (1) O.
* * * * *
مسألة (137) : البسملة ليست آية من كل سورة، وهل هي آية من الفاتحة؟ على روايتين.
وقال الشَّافعيُّ: هي من الفاتحة؛ ومن بقية السور - على قولين -.
لنا ثلاثة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث أنس أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.
وقد سبق بإسناده (2) .
692- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا إسحاق أنا مالك عن العلاء بن عبد الرَّحمن أنه سمع أبا السائب - مولى هشام بن زهرة - يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قال الله تعالى: قسمت الصَّلاة بيني وبين عبدي نصفين ". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله: حمدني عبدي " (3) .
__________
(1) انظر: "المختارة" للضياء: (5/250 - رقم: 1876) .
(2) برقم: (688) .
(3) "المسند": (2/460) .(2/163)
انفرد بإخراجه مسلم (1) .
ز: قد تكلم بعض المتأخرين في هذا الحديث، وقال: ولا يغتر بكونه في "صحيح مسلم"، فإنه من رواية العلاء بن عبد الرَّحمن وقد ضعفه يحيى بن معين (2) .
وكلامه في هذا الحديث ليس بشيء، فإن العلاء: صدوق مشهور، وقد وثقه جماعة من الأئمة، كالإمام أحمد بن حنبل (3) ، وقال: لم نسمع أحدًا ذكر العلاء بشر. وقال: العلاء عندي فوق سهيل (4) .
والذي تكلم في هذا الحديث قد احتج بجماعة مشهورين بالضعف، كعبد الله بن عمرو بن حسان وعمر بن هارون البلخي وغيرهما O.
693- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن عباس الجُشَميِّ عن أبي هريرة عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن سورة من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: (تبارك الذي بيده الملك) " (5) .
ولا يختلف العادون أنها ثلاثون من غير البسملة.
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/9 - 10) ؛ (فؤاد - 1/296 - 297 - رقم: 395) .
(2) انظر: "التاريخ" برواية الدوري: (3/262 - رقم: 1230) ، ورواية الدارمي: (ص: 173 - 174 - رقم: 623) ، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/357 - رقم: 1973) ، و"الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/341 - رقم: 1369) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/483 - رقم: 3171) ، و"سؤالات أبي داود": (ص: 217 - رقم: 187) .
(4) انظر: "العلل" برواية عبد الله: (2/19 - رقم: 1406) ، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/357 - رقم: 1973) .
(5) "المسند": (2/321) .(2/164)
ز: ورواه أبو داود (1) والتِّرمذيُّ - وحسنه (2) - وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ في " اليوم والليلة " (4) والحاكم - وصححه (5) - وابن حِبَّان في "صحيحه" (6) .
و [عباس] (7) الجشمي: يقال: إنه [عباس] (8) بن عبد الله، ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (9) ، ولم يرو له غير هذا الحديث O.
أما حجتهم:
فقد روى لهم الدَّارَقُطْنِيُّ والخطيب، تلخيصها في ستّةٍ:
694- الأوَّل: عن أبي هريرة عن النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا قرأتم الحمد، فاقرؤوا: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، و (بسم الله الرحمن الرحيم) إحدى آياتها " (10) .
وفي لفظ عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: " (الحمد لله رب العالمين) سبع آيات، إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم ".
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/242 - رقم: 1395) .
(2) "الجامع": (5/17 - رقم: 2891) .
(3) "سنن ابن ماجه": (2/1244 - رقم: 3786) .
(4) " عمل اليوم والليلة ": (ص: 433 - رقم: 710) .
(5) "المستدرك": (1/565) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (3/67 - رقم: 787) .
(7، 8) في الأصل و (ب) : (عياض) ، وكأنه سبق قلم من المنقح، والصواب (عباس) كما تقدم في الإسناد.
(9) "الثقات": (5/259) .
(10) "سنن الدارقطني": (1/312) ، و"مختصر الجهر بالبسملة للخطيب" للذهبي: (ص: 170 رقم: 19) .(2/165)
وفي لفظ عن أبي هريرة عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " بسم الله الرحمن الرحيم هي أم القرآن، وهي أم الكتاب، وهي السبع المثاني ".
695- الحديث الثَّاني: عن أبي هريرة أيضاً عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال الله تعالى: إني قسمت الصَّلاة بيني وبين عبدي، يقول عبدي إذا افتتح الصَّلاة: بسم الله الرحمن الرحيم، فيذكرني عبدي، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، فأقول: حمدني عبدي " (1) .
696- الحديث الثَّالث: من رواية طلحة بن عبد الله (2) عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله ". قال: " وقد عد فيما عد علي من أم الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم ".
697- الحديث الرابع: عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح الصَّلاة بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (3) .
يقول (4) : من تركها فقد ترك آية من كتاب الله تعالى من أفضلها.
وقد رواه ابن عمر عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا افتتح الصَّلاة يبدأ بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (5) .
698- الحديث الخامس: عن بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أخرج من المسجد أخبرك بآية - أو: بسورة - لم تنزل على نبي بعد سليمان
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/312) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق": (عبيد الله) ، وهو المعروف.
(3) "سنن الدارقطني": (1/304) .
(4) في هاشم الأصل: (سقط هنا شيء) ا. هـ
(5) "سنن الدارقطني": (1/305) ؛ و" مختصر الجهر بالبسملة للخطيب " للذهبي: (ص: 176 - رقم: 30) .(2/166)
غيري ". فمشى، وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد، فأخرج رجله وبقيت الأخرى، فقلت: أنسي؟ فأقبل عليّ بوجهه، فقال: " بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصَّلاة؟ ". قلت: ببسم الله الرحمن الرحيم. قال: " هي، هي ". ثم خرج.
هكذا رواه الدَّارَقُطْنِيُّ (1) ، وفي رواية الخطيب: " أنزل عليّ الليلة آية لم تنزل على نبي غير سليمان وغيري، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم ".
699- الحديث السادس: عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ... " قطعها آية آية، وعدّ (بسم الله الرحمن الرحيم) آية (2) .
والجواب:
أما الحديث الأول: فيرويه أبو بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال، وكان يحيى بن سعيد (3) والثوري (4) يضعفان عبد الحميد.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/310) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/307) .
(3) قال الدوري في "تاريخه": (4/197 - رقم: 3931) : (سمعت يحيى يقول: كان يحيى ابن سعيد القطان يضعف عبد الحميد بن جعفر. قلت ليحيى قد روى عنه يحيى بن سعيد؟
قال: روى عنه ويضعفه. قال يحيى: وقد كان يحيى بن سعيد يروي عن قوم وما كانوا يساوون عنده شيئاً) ا. هـ
وفي "الجرح والتعديل": (6/10 - رقم: 46) ما يخالف هذا، فقال ابن أبي حاتم: (أنا أبو بكر بن أبي خيثمة - فيما كتب إليّ - قال: سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الحميد بن جعفر كان يحيى بن سعيد يوثقه، وكان سفيان الثوري يضعفه) ا. هـ المقصود، والله أعلم.
(4) "العلل" لعبد الله بن أحمد: (2/489 - رقم: 3223) و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/10 - رقم: 46) .(2/167)
قال أبو بكر الحنفي: لقيت نوحاً فحدَّثني به موقوفاً على أبي هريرة (1) .
وأما اللفظ الثَّاني: فعبد الحميد يرويه أيضاً.
والمراد باللفظ الثَّالث: تعريف الفاتحة بما لا تنفك عنه في الغالب وهو البسملة.
وأما الحديث الثاني: فتفرد به عبد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء، وقد أجمعوا على ترك حديثه، وقال مالك: كان كذّاباً (2) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قد روى هذا الحديث جماعة من الثقات عن العلاء، منهم: مالك وابن جريج وابن عيينة وغيرهم، ولم يذكر أحدٌ منهم: بسم الله الرحمن الرحيم (3) .
هكذا قال الدَّارَقُطْنِيُّ عقيب روايته للحديث.
وأما الخطيب فإنه احتج به، وظن أن الأمر [] (4) يخفى فيه.
وأما الحديث الثَّالث: فيرويه سليم (5) بن مسلم المكي، قال يحيى بن معين: ليس بثقة (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/312) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/60 - رقم: 279) من رواية عبد الرحمن بن القاسم عنه.
(3) "سنن الدارقطني": (1/312) .
(4) أقحمت في الأصل: (لا) ، وهو على الصواب في (ب) و"التحقيق".
(5) في "التحقيق": (سلمان) خطأ.
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/315 - رقم: 1368) من رواية الدوري، ولم نره في "تاريخه" المطبوع.(2/168)
وأما الرابع: فلفظه الأول: [] (1) يرويه حماد بن أبي سليمان، وقد كذّبه مغيرة (2) .
ولفظه الثاني (3) : يرويه بحر السقاء، قال يحيى: ليس بشيء، لا يكتب حديثه (4) .
وأما لفظ ابن [عمر] (5) : فيرويه عبد الرَّحمن بن عبد الله العمري عن أبيه، قال أحمد: سمعت منه وتركت حديثه، وكان كذّاباً (6) . وقال يحيى: هو وأبوه ضعيفان (7) .
على أنه لا حجة في الحديث، لأن البداية بها لا تدل على أنها منها.
وأما الخامس: فلفظه الأول: يرويه سلمة بن صالح الأحمر عن يزيد أبي خالد عن عبد الكريم أبي أمية؛ فأما سلمة وعبد الكريم فقال أحمد (8)
__________
(1) أقحمت في الأصل: (لا) ، وهو على الصواب في (ب) و"التحقيق".
(2) انظر ما سيأتي في كلام المنقح: (ص: 171) .
(3) في هامش الأصل: (لم يذكر حديث ابن عباس بلفظين) ا. هـ
وانظر ما تقدم برقم: (697) .
(4) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 488 - رقم: 886) وعنده قوله: (ليس بشيء) ؛ و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/418 - رقم: 1655) من رواية ابن أبي خيثمة، وعنده: (لا يكتب حديثه) .
(5) في الأصل: (عمير) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(6) "العلل" برواية عبد الله: (2/47 - رقم: 1508؛ 3/98 - رقم: 4364) .
(7) لم نقف عليه.
(8) كلامه في سلمة في "العلل" برواية عبد الله: (2/528 - رقم: 3486) ، وكلامه في عبد الكريم في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/60 - رقم: 311) من رواية أبي طالب عنه، وفيها: (ليس هو بشيء، شبه المتروك) ا. هـ(2/169)
ويحيى (1) : ليسا بشيء. قال النَّسائيُّ: ويزيد متروك الحديث (2) .
وأما لفظ حديث الخطيب: فيرويه حفص بن سليمان، قال يحيى: ليس بثقة (3) . وقال أحمد: هو متروك الحديث (4) .
وأما السادس: فيرويه عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج، قال يحيى: ليس بشيء (5) .
ز: حديث ابن عباس: ذكر المؤلف أن حماد بن أبي سليمان رواه، وإنما رواه إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، وقد وثقه ابن معين - في رواية إسحاق بن منصور (6) -، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه (7) . وقال الأزدي:
يتكلمون فيه (8) .
700- قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن عبدة ثنا المعتمر بن سليمان حدَّثني إسماعيل بن حماد عن أبي خالد عن ابن عباس قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح صلاته بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
قال التِّرمذيُّ: ليس إسناده بذاك (9) .
__________
(1) كلامه في سلمة في "التاريخ" برواية الدوري: (3/402 - رقم: 1953) ، وكلامه في عبد الكريم في رواية الدارمي (ص: 181 - رقم: 681) ، ورواية ابن طهمان: (ص: 83 - 84 - رقم: 252) .
(2) انظر ما سيأتي في كلام المنقح: (ص: 173) .
(3) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 98 - رقم: 269) .
(4) "العلل" برواية عبد الله: (2/380 - رقم: 2698) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (4/356 - رقم: 4757) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/164 - رقم: 550) .
(7) المرجع السابق.
(8) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (1/111 - رقم: 365) .
(9) "الجامع": (1/285 - رقم: 245) .(2/170)
وأبو خالد: قيل: هو الوالبي الكوفي، واسمه: هرمز، ويقال: هرم؛ قال أبو حاتم: صالح الحديث (1) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (2) .
وقال ابن أبي حاتم في " الكنى ": أبو خالد: روى عن ابن عباس، روى عنه إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان. سمعت أبي يقول ذلك، وسئل أبو زرعة عن أبي خالد الذي روى عن ابن عباس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، روى عنه إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان. قال: لا أدري من هو، لا أعرفه (3) .
كذا ذكر ابن أبي حاتم في " الكنى " ترجمة أبي خالد هذا، وذكر في " الأسماء " ترجمة أبي خالد [الوالبي] (4) ، وسمّاه: هرمز.
وقال العقيلي في إسماعيل: حديثه غير محفوظ ويحكيه عن مجهول: 701- حدَّثناه عليُّ بن عبد العزيز ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ثنا معتمر بن سليمان عن إسماعيل بن حماد عن أبي خالد عن ابن عباس أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستفتح الصَّلاة بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (5) .
702- وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا خالد بن النضر القرشي ثنا يحيى بن حبيب ابن عربي ثنا معتمر حدَّثني إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان عن أبي خالد عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفتتح الصَّلاة بـ " بسم الله ".
قال ابن عَدِيٍّ: كذا قال لنا خالد بن النضر (إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/120 - 121 - رقم: 508) .
(2) "الثقات": (5/514) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/365 - رقم: 1671) .
(4) في الأصل: (الوهبي) ، والتصويب من (ب) و"الجرح والتعديل".
(5) "الضعفاء الكبير": (1/80 - رقم: 88) .(2/171)
703- وحدَّثنا موسى بن هارون التوزي ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا معتمر قال: سمعت إسماعيل بن حماد يحدِّث عن عمران بن خالد عن ابن عباس أن نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم".
قال ابن عَدِيٍّ: وهذا الحديث لا يرويه غير معتمر، وهو غير محفوظ، سواء قال: عن أبي خالد، أو عن عمران بن خالد، جميعاً مجهولين (1) .
وحديث أم سلمة: رواه ابن خزيمة في "مختصر المختصر" عن الصاغاني (2) عن خالد بن خداش عن عمر (3) بن هارون عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة، ورواه الحاكم وقال: عمر بن هارون أصل في السنة، ولم يخرجاه (4) .
وقد قال ابن مهديٍّ (5) وأحمد (6) والنَّسائيُّ (7) : عمر متروك الحديث.
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (1/311 - رقم: 134) .
(2) في مطبوعة "صحيح ابن خزيمة": (الصنعاني) خطأ، وقال المحقق في الحاشية: (في الأصل: " الصاغاني " والصواب ما أثبتناه) ! وانظر التعليق التالي.
(3) في مطبوعة "صحيح ابن خزيمة" (عمرو) خطأ أيضاً.
وقد نبه على هذا الخطأ والذي قبله: الشيخ الفاضل / عبد العزيز العثيم - رحمه الله - في كتابه النافع: " النقط لما وقع في أسانيد صحيح ابن خزيمة من التصحيف والسقط ": (ص: 22 - 23) .
(4) "المستدرك": (1/232) .
(5) في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/141 - رقم: 765) : (قال أحمد بن حنبل: ... وبلغني أنه - أي: ابن مهدي - قال: حدثني بأحاديث فلما قدم مرة أخرى حدث بها عن إسماعيل بن عياش عن أولئك فترك حديثه) ا. هـ
وفي "تهذيب الكمال" للمزي: (21/527 - رقم: 4317) : (فتركت حديثه) .
وانظر: "الميزان" للذهبي: (3/228 - ر قم: 6237) .
(6) انظر: "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (2/218 - رقم: 2514) ؛ و"الميزان" للذهبي: (3/228 - رقم: 6237) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 183 - رقم: 475) .(2/172)
وقال يحيى: كذَّابٌ خبيثٌ (1) . وقال أبو داود: غير ثقة (2) . وتكلم فيه آخرون.
وما ذكره المؤلف عن النَّسائيِّ أنه قال في يزيد بن أبي خالد (متروك الحديث) وَهْمٌ، فإن قول النَّسائيِّ إنما هو في يزيد بن عبد الملك النوفلي (3) ، وقد قيل: إن كنيته أبو خالد، وهو غير راوي هذا الحديث.
وأما راوي هذا الحديث: فيحتمل أن يكون: هو الدالاني، وهو صدوق لا بأس به، وثقه أبو حاتم الرازي (4) وغيره، وتكلم فيه ابن حِبَّان (5) ، لكن أخطأ في ترجمته خطأ نبهنا عليه في موضع آخر (6) .
ويحتمل أن يكون: غير الدالاني، وهو أشبه، وهو غير مشهور؛ و (يزيد أبو خالد) جماعة، ذكرهم ابن أبي حاتم (7) وغيره، وهم متقاربون في الطبقة، والله أعلم (8) O.
* * * * *
__________
(1) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/189 - رقم: 5899) .
(2) كذا نقل هذه الكلمة عن أبي داود: ابن الجوزي في "الضعفاء": (2/218 - رقم: 2514) ، والذهبي في "الميزان": (3/228 - رقم: 6273) .
وقال الآجري في " سؤالاته لأبي داود ": (2/305 - رقم: 1933) : (سألت أبا داود عن عمر بن هارون فقال: سمعت يحيى يقول: هو غير ثقة) ا. هـ
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 246 - رقم: 645) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/277 - رقم: 1167) وفيه: (صدوق ثقة) .
(5) "المجروحون": (3/105) .
(6) انظر: "تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان": (ص: 284 - 285 - رقم: 394) .
(7) "الجرح والتعديل": (9/300 - رقم: 1282 - 1287) .
(8) في هامش الأصل: (حـ: عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة أنها سئلت عن قراءة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: كان يقطع قراءته [آية آية] : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين. =(2/173)
مسألة (138) : لا يسن الجهر بالبسملة.
وقال الشَّافعيُّ: يسن.
لنا حديثان:
704- الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، وكانوا لا يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (1) .
أخرجه البخاريُّ (2) ومسلمٌ (3) في "الصَّحيحين"، ولفظ حديثهما: فلم أسمع أحداً منهم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (4) .
وفي لفظ: يفتتحون الصَّلاة بـ "الحمد لله رب العالمين".
وقد روينا في لفظ متقدم (5) : كانوا يفتتحون القراءة بـ "الحمد لله رب
__________
= رواه الإمام أحمد وأبو داود [] : أن قراءة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت - فوصف -: بسم الله الرحمن الرحيم.. حرفاً حرفاً، قراءة بطيئة. قطع عفان [قراءته] .
ورواه الحاكم من حديث حفص بن غياث عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة، وقال: على شرطهما.
ورواه [] والدارقطني وقال: كلهم ثقات، وإسناد صحيح) ا. هـ وما بين المعقوفات لم يظهر في مصورتنا، والمثبت منه من المصادر.
انظر: "المسند": (6/302، 323) ، "سنن أبي داود": (4/379 - رقم: 3998) ، "المستدرك" للحاكم: (1/232، 323) ، "سنن الدارقطني": (1/312 - 313) .
(1) "المسند": (3/179، 275) .
(2) "صحيح البخاري": (1/12) ؛ (فتح - 2/226 - 227 - رقم: 743) .
(3) "صحيح مسلم": (2/12) ؛ (فؤاد - 1/299 - رقم: 399) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: هذا لفظ مسلم وحده) ا. هـ وقد ذكر المنقح فيما سبق لفظ البخاري: (برقم: 689) .
(5) برقم: (688) ، وهو عند أحمد.(2/174)
العالمين ".
705- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عفان ثنا [وهيب] (1) عن أبي مسعود الجريري سعيد بن إياس عن قيس بن عباية قال: حدَّثني ابن عبد الله بن المغفل قال: سمعني أبي وأنا أقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ... ، فلما انصرف قال: يا بني، إياك والحدث في الإسلام، فإني صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا لا يستفتحون القراءة بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". ولم أر رجلاً قط أبغض إليه الحدث منه (2) .
ورواه التِّرمذيُّ فقال فيه: صليت مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقولها (3) .
__________
(1) في الأصل و (ب) : (وهب) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (5/55) .
(3) "الجامع": (1/284 - رقم: 244) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ورواه ابن ماجه والنسائي، وقال الترمذيُّ: حديث حسن.
وقال ابن خزيمة: هو غير صحيح من جهة النقل، لأنه عن " ابن عبد الله بن مغفل " غير مسمى. وقال ابن عبد البر: ابن عبد الله بن مغفل مجهول) ا. هـ
انظر: "سنن ابن ماجه": (1/267 - 268 - رقم: 815) ، "سنن النسائي": (2/ 135 - رقم: 908) ، "التمهيد" لابن عبد البر (20/206) .
وكلام ابن خزيمة أورده النووي في " المجموع ": (3/355) نقلاً عن أبي شامة المقدسي فيما يبدو، فإنه قد لخص كتابه في مسألة الجهر بالبسملة هناك (انظر: 3/343) . ولابن خزيمة مصنف مفرد في هذه المسألة أيضاً، فقد قال في "صحيحه": (1/249 - رقم: 494) : (وأمليت مسألة قدر جزئين في الاحتجاج في هذه المسألة أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من كتاب الله في أوائل سور القرآن) ا. هـ
(فائدة) قال ابن عبد الهادي: (قد أفرد هذه المسألة بالتصنيف جماعة، منهم: ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقيُّ وابن عبد البر وآخرون) ا. هـ من "نصب الراية" للزيلعي: (1/335) . وقد استقصى جملة من المصنفات المفردة في هذه المسألة: عبد اللطيف بن محمد الجيلاني في مقدمة تحقيقه لكتاب "الإنصاف" لابن عبد البر: (ص: 97-104) .(2/175)
ثم إن مذهبنا مروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعمار ابن ياسر وعبد الله بن مغفل وابن الزُّبير وابن عباس.
وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم: الحسن والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة وعمر بن عبد العزيز والأعمش والثوري ومالك وأبو حنيفة وأبو عبيد في خلق كثير.
وإنما يروى خلاف هذا عن معاوية وعطاء وطاوس ومجاهد.
وقد سلك أصحاب الشافعي في الاعتراض على أحاديثنا أربعة مسالك: المسلك الأول: الطعن، فتعرضوا لحديث أنس بشيئين:
أحدهما: أنه نقل عنه ضد هذا، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر، على ما سنذكره في حجتهم (1) .
والثاني: أنه قد روي عنه إنكار هذا في الجملة:
706- قال أحمد: ثنا غسان بن مضر ثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة قال: سألت أنساً: أكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، أو الحمد لله رب العالمين؟ قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه - أو: ما سألني أحد قبلك - (2) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسناد صحيح (3) .
__________
(1) رقم: (713) .
(2) "المسند": (3/166) .
وفي هامش الأصل: (حـ: وروى هذا الحديث ابن خزيمة) ا. هـ
ولم نره في "صحيح ابن خزيمة"، ولا عزاه إليه الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة": (2/24 - رقم: 1123) ، فلعله في كتابه المفرد في المسألة، والله أعلم.
(3) "سنن الدارقطني": (1/316) .(2/176)
قالوا: وحديث ابن المغفل يرويه قيس بن عباية، وقد حكى الخطيب أن بعض الفقهاء قال: قيس غير ثابت الرواية.
قال الخطيب: وابن عبد الله بن المغفل مجهول.
المسلك الثاني: التأويل، قالوا: أما قوله: (فكانوا لا يجهرون) فليس في الصحيح، ويحتمل أنهم ما كانوا يجهرون بها كجهرهم ببقية السورة، وهذا لأن القارئ يبتدئ القراءة ضعيف الصوت، ثم يرفعه، يدل عليه قول أنس: (فلم أسمع أحداً منهم يجهر بها) ، وهذا يدل على أنه سمعها منهم، وإذا سمع المأموم قراءة الإمام فهذا هو الجهر؛ ثم قوله: (لم أسمع) شهادة منه ومن ابن المغفل على النفي، فيحتمل أنهما لم يسمعا لبعدهما عن الإمام، وقد كان أنس صبياً حينئذ، وإنما كان يتقدم الأكابر؛ وقوله: (كانوا يفتتحون بالحمد) أي بالسورة.
المسلك الثالث: المعارضة، وقد احتجوا بأحاديث رواها الدَّارَقُطْنِيُّ والخطيب، تلخيصها في تسعة، ونحن نسردها من غير إسناد لئلا يطول الكتاب، ونبين عللها، فكأننا بذكر العلل قد ذكرنا الأسانيد، على أننا قد ذكرنا في المسألة قبلها ما يصلح الاحتجاج به ههنا، وإنما نذكر الآن ما يختص الجهر: 707- الحديث الأوَّل: عن نعيم المجمر قال: صليت خلف أبي هريرة فقال - وفي لفظ: فقرأ -: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
ز: حديث نعيم المجمر: أخرجه النَّسائيُّ (2) وأبو بكر بن خزيمة في
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/305 - 306) ، " مختصر الجهر بالبسملة للخطيب " للذهبي: (ص: 165 رقم: 1) .
(2) "سنن النسائي": (2/134 - رقم: 905) .(2/177)
"صحيحه" (1) ، وقال في "مصنفه في البسملة": فأما الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصَّلاة فقد ثبت وصح عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسنادٍ ثابت متصل، لا شك ولا ارتياب عند أهل المعرفة بالأخبار في صحة سنده واتصاله ... فذكره ثم قال: بان وثبت أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" في الصَّلاة (2) .
وأخرجه ابن حِبَّان في "صحيحه" (3) والدَّارَقُطْنِيُّ وقال: هذا حديث صحيح، وكلهم ثقات (4) .
ورواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (5) .
واستدل به البيهقيُّ في كتاب "الخلافيات" ثم قال: رواة هذا الحديث كلهم ثقات، مجمعٌ على عدالتهم، محتج بهم في الصحيح (6) .
وقال في "السنن الكبير": هو إسنادٌ صحيح وله شواهد (7) .
واعتمد عليه الخطيب في مسألة الجهر بالبسملة، وقال: هذا الحديث ثابت صحيح، لا يتوجه عليه تعليل في اتصال إسناده وثقة رجاله (8) .
وقد اعتمد أكثر من صنف في الجهر على هذا الحديث، وليس هو
__________
(1) "صحيح ابن خزيمة": (1/251 - رقم: 499) .
(2) ذكره النووي في " المجموع ": (3/344 - 345) نقلاً عن كتاب أبي شامة المقدسي في المسألة.
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (5/104 - رقم: 1801) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/306) .
(5) "المستدرك": (1/232) .
(6) "مختصر الخلافيات" لابن فرح: (2/44 - المسألة رقم: 77) .
(7) "سنن البيهقي": (2/46) .
(8) "مختصر الجهر بالبسملة للخطيب" للذهبي: (ص: 166 - رقم: 1) واقتصر على (حديث ثابت صحيح) .
والعبارة بتمامها في "المجموع" للنووي: (3/345) نقلاً عن كتاب أبي شامة المقدسي في المسألة.(2/178)
بصريح في الجهر، وقد أجبتُ عنه بعشرة أوجه ذكرناها في موضع آخر (1) O.
708- الحديث الثاني: عن أبي هريرة أيضاً أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أم الناس جهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (2) .
وفي لفظ: عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "علمني جبريل الصَّلاة".
فقام وكبر لنا، ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) فيما يجهر به في كل ركعة (3) .
709- وقد رواه النعمان بن بشير عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمّني جبريل عند البيت، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " (4) .
710- الحديث الثالث: عن علي وعمار أنهما صلَّيا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (5) .
وفي لفظ: لم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر في السورتين بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (6) .
__________
(1) نقل منها الزيلعي في "نصب الراية": (1/335 - 341) ثلاثة أوجه، وذلك ضمن تلخيصه لكتاب ابن عبد الهادي المفرد في المسألة، والذي سيشير إليه هنا في خاتمة كلامه على الأحاديث التي ذكرها ابن الجوزي: (ص: 199) .
(2) " مختصر الجهر بالبسملة للخطيب " للذهبي: (ص: 168 - رقم: 12) ، وخرجه الدارقطني في "سننه": (1/306 - 307) بلفظ: " إذا أم الناس قرأ ... ".
وقال ابن عبد الهادي في مصنفه المفرد في هذه المسألة: هذا الحديث رواه الدارقطني في "سننه" وابن عدي في "الكامل" فقالا فيه: "فقرأ" عوض "فجهر"، وكأنه رواه - أي الخطيب - بالمعنى) ا. هـ من "نصب الراية" للزيلعي: (1/341) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/307) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/309) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/303) ، و"مختصر الجهر بالبسملة للخطيب" للذهبي: (ص: 171 - رقم: 21) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/304) .(2/179)
712- وقد رواه علي عليه السلام (1) قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ
"بسم الله الرحمن الرحيم" في السورتين جميعاً (2) .
713- الحديث الخامس: عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ
"بسم الله الرحمن الرحيم" (3) .
وقد روى مثل هذا اللفظ: ابن عباس (4) وعائشة (5) .
وفي لفظ عن أنس: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (6) .
وروى مثله بريدة (7) .
وفي لفظ عن أنس: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
714- الحديث السادس: عن سمرة قال: كانت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكتتان:
سكتةٌ إذا قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، وسكتةٌ إذا فرغ من القراءة (8) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدعة، والله أعلم.
(2) "سنن الدارقطني": (1/302) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/308 - 309) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/303) ، "مختصر الجهر بالبسملة للخطيب" للذهبي: (ص: 175 - رقم: 28) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/310 - 311) ، "مختصر الجهر بالبسملة للخطيب" للذهبي: (ص: 177 - رقم: 4) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/308) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/310) ومن قوله: (وفي لفظ عن أنس ... ) إلى هنا سقط من "التحقيق".
(8) "سنن الدارقطني": (1/309) .
وفي هامش الأصل: (حـ: حديث سمرة قال فيه الدارقطني والبيهقي: رواته كلهم ثقات) ا. هـ
وكلام الدارقطني لم نره في مطبوعة "السنن" ولا "إتحاف المهرة" لابن حجر: (6/16 رقم: 2057) ، وقد ذكره الغساني في "تخريج الأحاديث الضعاف": (ص: 136 - رقم: 230) . وأما كلام البيهقي فهو في "الخلافيات"، كما في "مختصره" لابن فرح: (2/47 - المسألة رقم: 77) .(2/180)
715- الحديث السابع: عن الحكم بن عمير قال: صليت خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجهر في الصَّلاة بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" في: صلاة الليل، وصلاة [الغداة] (1) ، وصلاة الجمعة (2) .
716- الحديث الثامن: عن مجالد بن ثور وبشر بن معاوية أنهما وفدا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلمهما فيما علمهما: الابتداء بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، والجهر بها في الصَّلاة (3) .
717- الحديث التاسع: عن عبيد بن رفاعة أن معاوية (4) قدم المدينة، فصلَّى بالناس صلاة، فجهر فيها بالقراءة، وأنه قرأ أم الكتاب ولم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، ثم ركع حينئذ ولم يكبر، ثم قام في الثانية فلم يكبر، فلما صلَّى وسلم ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية: يا معاوية، أسرقت صلاتك أم نسيت؟ أين (بسم الله الرحمن الرحيم) حين افتتحت أم القرآن؟! وأين (الله أكبر) حين وضعت جبينك وحين قمت؟! فلما صلَّى بهم الصَّلاة الأخرى قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، وكبَّر حين سجد وحين قام (5) .
قالوا: وأما الصحابة فقد ذكرنا عن أنس روايته بالجهر عن أبي بكر وعمر (6) .
__________
(1) في الأصل و (ب) : (النهار) والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) "سنن الدارقطني": (1/310) .
(3) " معرفة الصحابة " لأبي نعيم: (1/393 - 394 - رقم: 1182) .
(4) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "سنن الدارقطني" و"مختصر الجهر بالبسملة للخطيب": (إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده أن معاوية) .
(5) "مختصر الجهر بالبسملة للخطيب" للذهبي: (ص: 181 - 182 - رقم: 45) ، و"سنن الدارقطني": (1/311) .
(6) رقم: (713) .(2/181)
718- وروى ابن المسيب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا كانوا يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
719- روى عطاء الخراساني (1) قال: صلَّيت خلف علي بن أبي طالب وعدة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلهم يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
720- وروى ضميرة عن علي قال: من لم يجهر في صلاته بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" فقد خدج صلاته.
721- وقال صالح بن نبهان: صلَّيت خلف أبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس فكانوا يجهرون.
وكذلك روي عن ابن عمر.
المسلك الرابع: الترجيح، فقالوا: نرجح أحاديثنا على أحاديثكم من خمسة أوجه:
أحدها: أن أخباركم رواها صحابيان، وأخبارنا رواها أربعة عشر صحابياً.
والثاني: أن ما رواه الصحابيان يحتمل على ما سبق بيانه، وأخبارنا صريحة لا تحتمل.
والثالث: أن أخباركم شهادة على نفي، وكيف يؤخذ حكم من عدم سماع؟! وأخبارنا شهادة على إثبات، والإثبات مقدم، كما قدمنا قول بلال: (دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيت وصلَّى) على قول أسامة: (لم يصلِّ) .
والرابع: أن أخبارنا تقتضي الزيادة، والأخذ بالزائد أولى.
__________
(1) انظر ما سيأتي نقلاً عن هامش الأصل: (ص: 190 - حاشية رقم: 4) .(2/182)
والخامس: أنَّه يمكننا الجمع بين الأحاديث، فنقول: (كان يفتتح بالحمد) أي بالسُّورة، ولم يسمع منه الجهر من أنكره، وسمعه من رواه؛ وأنتم لا يمكنكم إثبات روايتنا إلا بإسقاط روايتكم.
والجواب:
أمَّا المسلك الأوَّل: فإنَّ التَّعرُض بالطَّعن لحديث أنس لا وجه له، لاتفاق الأئمة على صحَّته؛ ومعارضتُه بما لا يقارب سنده في الصِّحة قبيحٌ بمن يدَّعي علم النَّقل.
وأمَّا حديث أبي مسلمة (1) : فجوابه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّ حديثنا في الصِّحاح بخلافه، فلا يقوى على المعارضة.
والثَّاني: أنَّه يحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره، وكم ممَّن حدَّث ونسي؟! وقد صرَّح أنس بمثل هذا، فسئل يومًا عن مسألة، فقال: عليكم بالحسن فسلوه، فإنَّه حفظ ونسينا.
والثَّالث: أنَّه يحتمل أن يكون مراد السَّائل: أكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكرها في الصَّلاة، أو يتركها أصلاً؟ فلا يكون هذا سؤالاً عن الجهر بها.
وأمَّا حديث ابن مغفَّل: فرجاله ثقاتٌ، وقيس بن عَبَاية قد ذكره البخاريُّ في "تاريخه" (2) وقال أبو بكر الخطيب: لا أعلم أحدًا رماه ببدعةٍ في دينه ولا كذبٍ في روايته (3) .
__________
(1) في "التحقيق": (سلمة) خطأ.
(2) "التاريخ الكبير": (7/156 - رقم: 700) .
(3) في هامش الأصل: (قيس بن عباية وثقه ابن معين) ا. هـ
انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/102 - رقم: 580) من رواية ابن أبي خيثمة.(2/183)
وأما ابن عبد الله: فاسمه يزيد، وقد ذكره البخاريُّ في "تاريخه" (1) .
وأما المسلك الثاني وقولهم: (ليس ذكر الجهر في الصحيح) : قلنا: رجاله رجال الصحيح، فيلزم أن يحكم بصحته.
وقولهم: (يحتمل أنهم ما كانوا يجهرون بها كالجهر بالسورة) وقد ذكرنا في حديث أنس: أنهم ما كانوا يذكرونها، وفي حديث عائشة: كان يفتتح القراءة بالحمد.
وقولهم: (هو شهادة على النفي) قلنا: هو في معنى الإثبات، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يتصور أن يصلِّي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوماً من الدهر يجهر؟ ثم قد روى (2) وقوع هذا في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر وعمر؟ وكهل في زمن عثمان؟ مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث؟!
وأما عبد الله بن المغفل: فإنه كان رجلاً في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ممن بايع تحت الشجرة، وكان يومئذ يمد أغصانها يظلل بها على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من البكائين، وبعثه عمر إلى أهل البصرة يفقههم.
ويؤكد هذا أن عمر كان جهوري الصوت، فلو خفي من الكل لم يخف منه.
وقولهم: (لولا سماعهم ما نقلوا الإخفات) قلنا: يحتمل علمهم بالإخفات أمرين:
__________
(1) "التاريخ الكبير": (8/441 - 442 - رقم: 3633) .
(2) في "التحقيق": (قدروا) !(2/184)
أحدهما: أن يكون الراوي قريباً من الإمام فيسمع ما يخافت به، وذلك لا يسمى جهراً.
والثاني: أن يكونوا علموا بقول منفرد، وتعليم منفصل عن الصَّلاة، كما علموا الاستفتاح والتعوذ.
وقولهم: (المراد بقوله: يفتتحون بالحمد. أي: بالسورة) قلنا: البسملة ليست من السورة على ما سبق بيانه (1) .
وأما المسلك الثالث: فجوابه أن جميع أحاديثكم ضعاف، وأثبتها حديث نعيم، ولا حجة فيه، لأنه حكى (أن أبا هريرة قرأها) ، ولم يقل: (جهر بها) ، فجائزٌ أن يكون سمعها في مخافتته لقربه منه.
وأما الحديث الثاني: فاللفظ الأول منه قال فيه أبو أحمد بن عدي الحافظ: لا يعرف إلاَّ بأبي أويس المديني (2) . قال يحيى بن معين كان أبو أويس يسرق الحديث (3) .
__________
(1) في المسألة السابقة: (رقم: 137) .
(2) "الكامل": (4/183 - رقم: 999) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (4/182 - رقم: 999) من رواية أحمد بن أبي يحيى.
وفي هامش الأصل حاشية لم يظهر السطر الأول منها في مصورتنا، والذي ظهر ما يلي: (.... أبو أويس أنا العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أم الناس جهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
ما حكه من خبر [كذا] ، وفي الدارقطني: افتتح بـ " بسم الله " وقال: كلهم ثقات) ا. هـ
والذي يبدو - والله أعلم - أن أول هذا النص منقول من "التنقيح" للذهبي، فإن فيه ما يلي: (عثمان بن خرزاد حدثني منصور بن أبي مزاحم من كتابه - ثم حكَّه بعد من كتابه - ثنا أبو أويس أنا العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أم للناس جهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
قلت: ما حكه من خبر، وأبو أويس ضعفه أحمد، وقال ابن عدي: كان يسرق الحديث) ا. هـ
من النسخة الخطية لـ "تنقيح الذهبي" وهي بخطه. =(2/185)
وأما اللفظ الثاني: فيرويه خالد بن إلياس، وأجمعوا على ترك حديثه، ثم نحمله على أنه قرأها من غير جهر.
وأما لفظ حديث النعمان: فيرويه [فطر] (1) بن خليفة، وقال السعدي: هو غير ثقة (2) .
وأما الحديث الثالث: فيرويه إسماعيل بن أبان عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل.
فأما إسماعيل: فقال أحمد: حدث بأحاديث موضوعة (3) . وقال
__________
= وهنا أمور:
1- ذكر إسناد هذا الحديث من زيادات الذهبي في "تنقيحه" على ابن الجوزي.
2- كلمة الذهبي: (ما حكه من خبر) يبدو أنه سقط منها خبرها، فإنه قد قال في "مختصر الجهر بالبسملة للخطيب" للذهبي: (ص: 168 - 169 - رقم: 12، 13) (قلت: ما حكه من خبر فهو ساقط) ا. هـ وقد ساق هناك إسناد الخطيب لهذا الحديث بتمامه.
3- قوله: (قال ابن عدي: كان يسرق الحديث) مر أن هذا من كلام ابن معين وإنما نقله عنه ابن عدي، وقد غير قلعجي في طبعته لـ "تنقيح الذهبي" كلمة (ابن عدي) إلى (ابن معين) دون تنبيه أو إشارة، وهذا لا يجوز، خصوصاً وأن النسخة الموجودة هي بخط مؤلفها، وقد وقع لقلعجي تصحيفات وأخطاء أخرى في هذا الموضع لا نطيل بذكرها.
وأما رواية الدارقطني فهي في "سننه": (1/306) ، وأما كلام الدارقطني فلم نره في مطبوعة "السنن" ولا في "إتحاف المهرة" لابن حجر: (15/269 - رقم: 19289) ، وقد ذكره الغساني في "تخريج الأحاديث الضعاف": (ص: 135 - رقم: 227) .
(1) في الأصل: (قطن) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
وكتب فوقها في الأصل الرقوم التالية: (" خ " مقروناً " 4 ") إشارة إلى أن البخاري خرج له مقروناً بغيره بالإضافة إلى أصحاب السنن، انظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (23/312، 316 - رقم: 4773) .
(2) "الشجرة في أحوال الرجال": (ص: 95 - رقم: 74) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (3/211 - رقم: 4912) وانظر التعليق التالي.(2/186)
يحيى: هو كذَّابٌ (1) .
قال: ولا يكتب حديث عمرو بن شمر (2) ، ولا حديث جابر (3) .
وأمَّا أبو الطَُّفيل: فكان مغيرة يكره الرِّواية عنه (4) .
وأمَّا الرَّابع: فاللفظان عن ابن عباس يرويهما عمر بن حفص، وقد أجمعوا على ترك حديثه.
ولفظ حديث عليٍّ: يرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليٍّ، قال ابن عَدِيٍّ: ولا يتابع عليه (5) .
وأمَّا الخامس: فاللفظ الأوَّل: يرويه أحمد بن محمد اليماميُّ، قال ابن عَدِيٍّ: حدَّث بأحاديث مناكير عن الثِّقات، ونسخٍ عجائب (6) .
ولفظ حديث ابن عباس الموافق له قد رواه سعيد بن خثيم (7) ، قال ابن
__________
(1) "تاريخ بغداد" للخطيب: (6/241 - رقم: 3278) من رواية الدوري، ولم نجده في مطبوعة "تاريخه"
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/275 - رقم: 1282) ، و"الكامل" لابن عدي: (5/ 129 - رقم: 1292) من رواية معاوية بن صالح.
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (3/364 - رقم: 1769) وفيه: (لا يكتب حديثه ولا كرامة) ا. هـ
(4) في "الكامل" لابن عدي: (5/87 - رقم: 1264) أن علي بن المديني قال: (سمعت جرير بن عبد الحميد - وقيل له: كان مغيرة ينكر الرواية عن أبي الطفيل؟ - قال: نعم) ا. هـ
كذا فيه: (ينكر) ، وقد يكون صوابها: (يكره) ، والله أعلم.
(5) لم نر حديث علي في مطبوعة "الكامل"، ولكن قال ابن عدي في آخر ترجمة عيسى بن عبد الله: (5/245 - رقم: 1389) : (لعيسى بن عبد الله هذا غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه) ا. هـ
(6) "الكامل": (1/178 - رقم: 18) .
(7) كتب فوقه الرقوم التالية: (ت، س) إشارة إلى تخريج الترمذي والنسائي له، ثم كتب بعد ذلك كلمة نظنها: (ثقة) ، والله أعلم.(2/187)
عدي: وأحاديثه ليست بالمستقيمة (1) .
ورواه شريك، وكان يحيى القطان لا يعبأ بشريك (2) ، وقال ابن المبارك: ليس حديثه بشيء (3) .
ورواه أيضاً الحسن بن عنبر الوشَّاء، قال ابن عدي: حدث بأحاديث أنكرت عليه (4) .
وأما لفظ حديث عائشة الموافق له: فيرويه العباس بن الفضل من حديث أبي الجوزاء، ويرويه الحكم بن عبد الله من حديث القاسم، كلاهما عنها. قال يحيى: العباس (5) والحكم (6) ليسا بثقة. وقال ابن عدي: أحاديث الحكم موضوعة، منها: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر (7) .
وأما اللفظ الثاني عن أنس: فيرويه إسماعيل المكي، قال ابن المديني: لا يكتب حديثه (8) .
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (3/408 - رقم: 835) والذي في مطبوعته: (ليست بمحفوظة) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (4/7 - رقم: 888) .
(3) المرجع السابق.
(4) "الكامل" لابن عدي: (2/343 - رقم: 476) وفيه: (حدث بأحاديث أنكرتها عليه) .
وفي هامش الأصل: (هو الحسن بن محمد بن عنبر، أبو علي، الوشاء، ضعفه ابن قانع، ووثقه البرقاني، وقال ابن الجوزي في "الضعفاء": " الحسن بن علي بن عنبر " ووهم) ا. هـ
وانظر: "تاريخ بغداد" للخطيب: (7/415 - رقم: 3967) .
والذي في مطبوعة "الضعفاء" لابن الجوزي: (1/210 - رقم: 863) : (الحسن بن محمد بن عنبر) ، فقد يكون ما ذكره ابن عبد الهادي خطأ في النسخة التي اطلع عليها، والله أعلم.
(5) "العلل" لعبد الله بن أحمد: (3/7 - رقم: 3901) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (3/171 - رقم: 754) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (2/204 - رقم: 389) باختصار.
(8) "العلل": (ص: 64 - رقم: 85) .(2/188)
وأما لفظ حديث بريدة الموافق له: فيرويه عمرو بن شمر عن جابر، وقد ذكرنا قول يحيى فيهما (1) .
وأما اللفظ الثالث عن أنس: فيرويه الحجاج بن أرطأة، وقد ضعفه يحيى (2) وغيره.
وفي الجملة لا يثبت عن أنس شيء من هذا، بل قد صحت الأخبار بخلافه قولاً وفعلاً.
وأما السادس: فذكر السكتة بعد البسملة غلطٌ، وقد رواه أحمد (3) وأبو داود (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) على الصحة: عن سمرة، قال: حفظت سكتتين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة: سكتةً إذا كبَّر الإمام، وسكتةً إذا فرغ من الفاتحة.
وأما السابع: فرواه موسى بن أبي حبيب، وليس بمعروف (6) .
__________
(1) (ص: 187) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (2/223 - رقم: 406) من رواية الدورقي.
(3) "المسند": (5/7، 11، 15، 20، 21، 23) بنحوه.
(4) "سنن أبي داود": (1/504 - رقم: 773) بنحوه.
(5) "سنن الدارقطني": (1/336) بهذا اللفظ.
(6) في هامش الأصل: (حـ: رواه الدارقطني، قال: ثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن بشر الكوفي ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق الحمار ثنا إبراهيم بن حبيب ثنا موسى بن أبي حبيب الطائفي عن الحكم بن عمير ... فذكره.
وقد ذكر ابن أبي حاتم: موسى بن أبي حبيب في "كتابه"، وذكر عن أبيه أنه قال: هو ضعيف الحديث.
وباقي رجاله لا يعرفون غير الحَمَّار. قاله شيخنا أبو الحجاج.
وقال الدارقطني أيضاً: موسى بن أبي حبيب ضعيف) ا. هـ
وانظر: "سنن الدارقطني": (1/310) ، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/ =(2/189)
وأما الثامن: فيرويه صاعد بن طالب بن نواس يرفعه كل واحد عن أب إلى أب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلهم مجاهيل.
وأما التاسع: فيروه عبد الله بن عثمان بن خثيم (1) ، وقال يحيى: أحاديثه ليست بالقوية (2) .
وأما الرواية عن أبي بكر وعمر: فقد تكلمنا على رواية أنس عنهما.
وأما رواية ابن المسيب: فيرويها عثمان بن عبد الرَّحمن عن الزُّهريِّ، وقد أجمعوا على تضعيف عثمان.
ورواية عطاء: يرويها عنه ابنه يعقوب، وقد ضعَّفه أحمد (3) ويحيى (4) .
__________
= 140 - رقم: 633) .
وكلام الدارقطني لم نره في مطبوعة "السنن" ولا ذكره ابن حجر في "إتحاف المهرة": (4/ 320 - رقم: 4325) ، ولكن ذكره الغساني في " تخريج الأحاديث الضعاف ": (ص: 131 - رقم: 219) .
(1) رقم فوقه بالأصل و (ب) ما يلي: (م، 4) إشارة إلى تخريج مسلم له إضافة إلى أصحاب السنن.
(2) "الكامل" لابن عدي: (4/161 - رقم: 982) من رواية الدورقي.
وفي هامش الأصل: (حـ: وقال ابن معين - في رواية -: عبد الله بن خثيم ثقة حجة.
وقال أبو حاتم: ما به بأس، صالح الحديث) ا. هـ
انظر: "الكامل" لابن عدي: (4/161 - رقم: 982) ، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/111 - 112 - رقم: 510) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (1/397 - رقم: 803) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/211 - رقم: 882) من رواية إسحاق بن منصور وفي هامش الأصل حاشية لم يظهر أولها في مصورتنا، ويبدو أنها تعقب على ابن الجوزي في قوله - عند إيراده لهذا الحديث - (ص: 182) : (روى عطاء الخراساني) .
والذي ظهر من الحاشية ما يلي: ( ... من رواية يعقوب بن عطاء عن أبيه، فهو عطاء بن أبي رباح، وليس بالخراساني.
وابن أبي رباح من الثقات المشهورين، لكنه لم يدرك عليًّا، وابنه يعقوب ضعيف. =(2/190)
وأمَّا رواية ضميرة: ففى طريقه حسين بن عبد الله بن ضميرة، وقد أجمعوا على تكذيبه (1) .
وأمَّا المروي عن ابن عمر: فهو من طريق أبي سعد البقَّال وعمر بن نافع، وقد ضعفهما يحيى (2) ، وقال النَّسائيُّ: ليسا بشيءٍ (3) .
وأمَّا المأثور عن ابن عباس: فمن طريق أبي سعد البقَّال أيضًا وشَريك، وقد بيَّنا القدح فيهما.
وقول صالح مردودٌ، لأنَّ مالك قال: ليس بثقةٍ (4) .
وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علمٌ بالنَّقل أن يعارض بها الأحاديث الصِّحاح، ولولا أن تَعْرض للمتفقه شبهةٌ عند سماعها فيظنها صحيحةً = لكان الإضراب عن ذكرها أولى، ويكفي في هجرانها إعراض المصنِّفين المسانيد والسُّنن عن جمهورها، وقد ذكر الدَّارَقُطْنِيُّ منها طرفًا في
__________
= وإن كان عطاء هو الخراساني فهو أصغر من ابن أبي رباح، فروايته عن علي أولى بالانقطاع من رواية ابن أبي رباح، على أن عطاء الخراساني قد تكلم فيه غير واحد.
والحديث من رواية يعقوب عن أبيه، فهو إذاً من رواية عطاء بن أبي رباح، فقوله: " عن عطاء الخراساني " غلط صريحٌ) ا. هـ
(1) في "التحقيق": (وأما رواية حسين فقد أجمعوا على تكذيبه) .
(2) تضعيف البقال في "الكامل" لابن عدي: (3/383 - رقم: 811) من رواية معاوية وعباس، ولم نره في مطبوعة "التاريخ" برواية الدوري.
وأما عمر بن نافع فهناك اثنان أحدهما ثقة، وهو العدوي المدني، والآخر ضعيف وهو الثقفي الكوفي، وهو الذي ضعفه ابن معين، فقال في "التاريخ" برواية الدوري: (3/499 - رقم: 2437) : (ليس حديثه بشيء) ا. هـ ولم نقف على إسناد هذا الأثر كي نميز عمر الذي في الإسناد، والله أعلم.
(3) لم نقف على كلام النسائي ولا في واحد منهما، ولكن ذكر في "الضعفاء والمتروكون": (ص: 120 - رقم: 270) أبو سعد البقال، وقال: (ضعيف) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/417 - رقم: 1830) .(2/191)
"سننه" فبَّين ضعف بعضها وسكت عن بعضها.
وقد حكى لنا مشايخنا أنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ لما ورد مصر سأله بعض أهلها عن تصنيف شيءٍ في الجهر، فصنَّف جزءًا، فأتاه بعض المالكيَّة فأقسم عليه أن يخبره بالصَّحيح من ذلك، فقال: كلُّ ما روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهر فليس بصحيحٍ، فأمَّا عن الصَّحابة فمنه صحيحٌ، ومنه ضعيفٌ.
ثُمَّ تجرَّد أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر، فأزرى على علمه بتغطية ما ظنَّ أنَّه لا ينكشف، وقد حصرنا ما ذكره وبيَّنا وهنه ووهيه على قدر ما يحتمله التَّعليق، ولم نر أحدًا ممَّن صنَّف تعاليق الخلاف ذكر في تعليقه ما ذكرنا، ولعلَّ أكثرهم لا يهتدي إلى ما فعلنا، وإنَّما بسطنا الكلام بعض البسط لأنَّ هذه المسألة من أعلام المسائل، وهي شعار المذهب من الجانبين، ومبناها على النَّقل.
ثُمَّ إنَّا بعد هذا نحمل جميع أحاديثهم على أحد أمرين:
إمَّا أن يكون جهر بها للتَّعليم أو كما يتَّفق، كما روي أنَّه كان يصلِّي بهم الظُّهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانًا.
والثَّاني: أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر، فقد روى أبو داود بإسناده:
722- عن سعيد بن جُبير أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرَّحيم "، وكان مسيلمة يُدعى: (رحمان اليمامة) ، فقال أهل مكَّة: إنَّما يدعو إله اليمامة. فأمر اللهُ رسولَه بإخفائها، فما جهر بها حتى مات (1) .
وهذا يدلُّ على نسخ الجهر.
__________
(1) " المراسيل ": (ص: 89 - 90 - رقم: 34) .(2/192)
وأما مسلكهم الرابع فجوابه: أن الاعتماد على ما صح لا على ما كثرت رواته، وقد دفعنا وجه الاحتمال، وبينا أنها شهادة معناها الإثبات وإن ظهرت في صورة النفي، بخلاف حديث بلال، وإنما تقتضي أخبارهم الزيادة أن لو صحت، وهذا جواب قولهم: (يجمع بين الأحاديث) .
ز: 723- روى عبد الله بن عمرو بن حسان ثنا شريك عن سالم - هو الأفطس - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
رواه الحاكم في "المستدرك" عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم عن أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان عن عبد الله بن عمرو بن حسان، وقال: صحيح وليس له علة (1) .
كذا قال، وعبد الله بن عمرو بن حسان: قال فيه عليُّ بن المدينيِّ: كان يضع الحديث (2) . وكذبه الدَّارَقُطْنِيُّ (3) ، وقال ابن عَدِيٍّ: هو إلى الضعف أقرب (4) .
وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ في "سننه" من طريق أبي الصلت الهروي عن عباد ابن العوام عن شريك، وقال فيه: يجهر في الصَّلاة (5) .
وأبو الصلت: متروك الحديث.
__________
(1) "المستدرك": (1/208) .
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/284 - رقم: 851) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 264 - رقم: 321) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (4/257 - رقم: 1091) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/303) .(2/193)
724- وقد رواه ابن راهويه في "مسنده" فقال: أنا يحيى بن آدم أنا شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" يمد بها صوته، وكان المشركون يهزأون ... فذكر الحديث.
725- وقال الحاكم: ثنا الأصم [أنا] (1) الربيع أنا الشَّافعيُّ أنا عبد المجيد عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنساً قال: صلَّى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم) لأمِّ القرآن، ولم يقرأها للسورة التي بعدها، ولم يكبر حين يهوي، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كل مكان: يا معاوية، أسرقت الصَّلاة أم نسيت؟ فلما صلَّى بعد ذلك قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) للسورة التي بعد أم القرآن، وكبر حين يهوي ساجدًا.
قال الحاكم: على شرط البخاريِّ ومسلم (2) . وليس كما قال.
ثم قال: وهو علة لحديث قتادة عن أنس: صليت خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر فلم يجهروا بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإن قتادة يدلس (3) .
ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ وقال فيه: فلم يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها، ولم يكبر حين يهوي ... - وقال في آخره: - فلم يصلِّ بعد ذلك إلاَّ قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن، وللسورة التي بعدها، وكبر حين يهوي ساجداً.
ثم رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق إسماعيل بن عياش، فقال:
__________
(1) سقطت من الأصل و (ب) ، واستدركت من "المستدرك" و"تلخيصه".
(2) في هامش الأصل: (حـ: في نسخة: " على شرط مسلم ") ا. هـ وهو الموافق لما في مطبوعة "المستدرك" و"التلخيص" للذهبي.
(3) "المستدرك": (1/233) باختصار.(2/194)
726- حدثنا القاضي أبو طاهر محمد بن أحمد بن نصر وأحمد بن سندي ابن حسن قالا: ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا أبو أيُّوب سليمان بن عبد الرَّحمن ثنا إسماعيل بن عياش ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جدِّه أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة حاجاً أو معتمراً فصلَّى بالناس، فلم يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) حين افتتح القرآن، وقرأ بأم القرآن، فلما قضى الصَّلاة أتاه المهاجرون والأنصار من ناحية المسجد، فقالوا: أتركت صلاتك يا معاوية؟ أنسيت (بسم الله الرحمن الرحيم) ؟ قال: فلما صلَّى بهم الأخرى قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) (1) .
727- وقال الحاكم: ثنا أبو علي الحافظ ثنا علي بن أحمد بن سليمان ابن داود المهري ثنا أصبغ بن الفرج ثنا حاتم بن إسماعيل عن شريك بن عبد الله عن أنس سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
قال: رواته ثقات (2) .
وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ بإسناده عن حاتم بن إسماعيل عن شريك بن عبد الله عن إسماعيل المكي عن قتادة عن أنس (3) .
وإسماعيل متروك.
728- قال الحاكم: وثنا عبد الرَّحمن بن حمدان الجلاب ثنا عثمان بن خرزاذ ثنا محمد بن أبي السري قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/311) .
وفي هامش الأصل حاشية لم نتبين المراد منها.
(2) "المستدرك": (1/233) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/308) .(2/195)
صلاة الصُّبح والمغرب، فكان يجهر بـ " بسم الله " (1) قبل الفاتحة وبعدها، وسمعته يقول: ما آلوا أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلوا أن أقتدي بصلاة أنس ابن مالك، وقال أنس: ما آلوا أن أقتدي بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحاكم: رواته ثقات (2) .
ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ قال: قرأت في أصل كتاب أبي بكر أحمد بن عمرو بن جابر الرملي بخط يده: ثنا عثمان بن خرزاذ ... فذكره (3) .
وقد تقدم (4) أن الطبراني رواه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن أنس أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسر (بسم الله الرحمن الرحيم) .
729- قال الحاكم: وحدَّثني مكي بن أحمد ثنا العباس بن عمران القاضي ثنا سيف بن عمرو ثنا محمد بن أبي السري ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا مالك عن حميد عن أنس قال: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي، فكلهم كانوا يجهرون بقراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) .
قال الحاكم: إنما ذكرته شاهداً (5) .
كذا قال، وقد قيل: إن الحديث صحيح ثابت عن مالك، لكن سقط منه لفظة (لا) .
__________
(1) في (ب) و"المستدرك": (ببسم الله الرحمن الرحيم) .
(2) "المستدرك": (1/233 - 234) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/308) .
(4) رقم: (691) .
(5) "المستدرك": (1/234) .(2/196)
730- قال الحاكم: وأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني ثنا إبراهيم بن أبي العنبس القاضي ثنا سعيد بن عثمان الخزاز (1) ثنا عبد الرَّحمن بن سعد (2) المؤذن ثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن علي وعمار أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر في المكتوبات: بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، ويقنت في الفجر، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق.
قال الحاكم: صحيح (3) .
وهو خبر منكر، لأن عبد الرَّحمن صاحب مناكير، وقد ضعفه يحيى بن معين (4) .
وأما سعيد: فقال بعضهم (5) : إن كان الكريزي فهو ضعيف، وإلاَّ فهو مجهول.
731- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عمر بن الحسن بن علي الشيباني ثنا جعفر ابن محمد بن مروان ثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: صليت خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر، فكانوا يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" (6) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو طاهر أحمد بن عيسى كذّاب (7) .
__________
(1) في "المستدرك": (الخراز) ، والله أعلم.
(2) في مطبوعة "المستدرك": (سعيد) خطأ، وهو على الصواب في "التلخيص" للذهبي، و"إتحاف المهرة" لابن حجر: (11/459 - رقم: 14426) .
(3) "المستدرك": (1/299) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/238 - رقم: 1123) .
(5) لعله الذهبي، فقد قال ذلك في "تلخيص المستدرك".
(6) "سنن الدارقطني": (1/305) .
من قوله: (صليت خلف) إلى هنا سقط من (ب) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 120 - رقم: 53) .(2/197)
732- وقد روى الحاكم بإسناده عن يونس بن بكير ثنا مِسْعَر عن محمد ابن قيس عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ " بسم الله الرَّحمن الرَّحيم " (1) .
ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية يونس بن بكير عن مِسْعَر (2) ، ثُمَّ قال: الصَّواب (أبو معشر) .
ومحمد بن قيس: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (3) ، وقال ابن معين: ليس بشيءٍ (4) .
__________
(1) "المستدرك": (1/232 - 233) .
(2) كذا بالأصل و (ب) وفي مطبوعة "سنن الدارقطني": (معشر) .
وانظر: "سنن البيهقي": (1/47) و"إتحاف المهرة" لابن حجر: (15/587 - رقم: 19946) مع تعليق محققه.
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/203 - رقم: 1503) ، وانظر التعليق التالي.
(4) في الرواة عن أبي هريرة اثنان اسمهما: محمد بن قيس، الأول: هو محمد بن قيس بن مخرمة المطلبي، وهو منسوب إلى الحجاز، وهذا روايته عن أبي هريرة عند مسلم؛ والثاني: محمد بن قيس المدني، قاص عمر بن عبد العزيز، وهذا له رواية عند مسلم لكن عن غير أبي هريرة.
ووقع في مطبوعة "سنن البيهقي": (2/47) تعيينه بمحمد بن قيس بن مخرمة. ولكن في النفس من هذا شيء، لأن أصحاب كتب التراجم - قبل البيهقي - التي اطلعنا عليها أجمعوا على أن شيخ أبي معشر هو محمد بن قيس المدني قاص عمر بن عبد العزيز (انظر: "العلل" لأحمد - برواية عبد الله -: 2/505 - رقم: 3328؛ و"التاريخ" لابن معين - برواية الدوري: 3/196 - رقم: 901؛ و"التاريخ الكبير" للبخاري: 1/213 - رقم: 666؛ و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: 8/63 - رقم 282) ، ولم نجد أحدًا قبل البيهقي ذكر أنه ابن مخرمة.
وقد قال ابن الجوزى في "الضعفاء": (محمد بن قيس، يروى عنه أبو معشر، قال يحيى: ليس بشيء، لا يروى عنه الحديث) ا. هـ
والذي يبدو - والله أعلم - أن محمد بن قيس الذي قال فيه ابن معين هذه العبارة هو الأسدي الكوفي، كما في "الكامل" لابن عدي: (6/250 - رقم: 1728) من رواية معاوية عن يحيى. =(2/198)
وأبو معشر: ضعَّفه غير واحدٍ.
وقد رُوي في الجهر أحاديث ضعيفة غير هذه لا حاجة إلى ذكرها، وقد ذكرت هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث الواردة في الجهر، وذكرت عللها والكلام عليها في كتابٍ مفردٍ، تتبَّعت فيه ما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في مصنَّفه، وهو كتابٌ متعوبٌ عليه، فمن أحبَّ الوقوف عليه فليسارع إليه (1) .
وقد حصل للمؤلِّف فيما ذكره هنا من الكلام على تضعيف الأحاديث أوهامٌ عديدة، وتقصيٌر كثير، فإنَّه ضعَّف غير واحدٍ من الصَّادقين، وترك الكلام على غير واحدٍ من الضُّعفاء والمجهولين:
كتضعيفه إسماعيل بن أبان، وظنِّه أنَّه (القنوي) الكذَّاب، وإنَّما هو (الورَّاق) الثِّقة.
وكقدحه في فطر بن خليفة، وهو صدوقٌ، والحديث لم يثبت إليه، لجهالة من قبله.
وكظنِّه أنَّ عطاء الخراسانيَّ هو والد يعقوب، وإنَّما هو والد عثمان، ويعقوب هو ابن عطاء بن أبي رباح؛ ولو تتبَّعنا ما قصَّر فيه أو وهم لطال الكلام، والله الموفِّق للصَّواب O.
* * * * *
__________
= وقد تابع الذهبيُّ ابنَ الجوزي - فيما يبدو - فنقل هذه العبارة في ترجمة محمد بن قيس المدني من "الميزان": (4/16 - رقم: 8091) ، وتابعهما ابن عبد الهادي هنا فيما يظهر، والعلم عند الله.
والخلاصة: أن محمد بن قيس الذي في الإسناد هو المدني قاص عمر بن عبد العزيز، وأن كلمة ابن معين إنما ذكرها عنه ابن عدي في ترجمة محمد بن قيس الأسدي، والله أعلم.
(1) قد لخص هذا الكتاب الحافظ الزيلعي - رحمه الله - في كتابه "نصب الراية": (1/335 - 358) ، ولكن يبدو - والله أعلم - أن الزيلعي في بعض المواضع أضاف كلامًا من قبله.(2/199)
مسألة (139) : يجهر الإمام والمأمون بآمين.
وقال أبو حنيفة: لا يجهران بها.
لنا حديثان:
733- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا بندار ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرَّحمن بن مهدي قالا: ثنا سفيان عن ابن كُهيل عن حُجْر بن عَنْبس عن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ:} غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ { [الفاتحة: 7] فقال: "آمين". مدّ بها صوته (1) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا حديث صحيح (2) .
قالوا: قد رواه شعبة فقال فيه: وأخفى بها صوته.
فالجواب: أن الدَّارَقُطْنِيَّ قال: يقال: إن شعبة وهم فيه، لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا: ورفع صوته بآمين. وهو الصواب (3) .
ز: وروى هذا الحديث الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) .
وقال التِّرمذيُّ: حديث حسن. قال: وسمعت محمداً يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا، وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث.
__________
(1) "الجامع": (1/288 - رقم: 248) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/333 - 334) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/334) .
(4) "المسند": (4/316) .
(5) "سنن أبي داود": (2/34 - رقم: 929) .(2/200)
وقال: سألت أبا زرعة عن هذا الحديث، فقال: حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة (1) .
734- وقد روى البيهقيُّ في "سننه": أنا أبو عبد الله الحافظ في " الفوائد الكبير " لأبي العباس، وفي " حديث شعبة ": ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن مرزوق البصري ثنا أبو الوليد الطَّيالسيُّ ثنا شعبة عن سلمة ابن كُهَيل قال: سمعت حُجْراً أبا عَنْبس يحدث عن وائل الحضرمي أنه صلَّى خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قال:} وَلَا الضَّالِّينَ { [الفاتحة: 7] قال: آمين. رافعاً بها صوته (2) .
فهذه الرواية عن شعبة توافق رواية سفيان.
وحُجْر بن العَنْبس: كنيته: (أبو العَنْبس) ، ويقال: (أبو السكن) ، وهو كوفي أدرك الجاهلية، قال يحيى بن معين: شيخ كوفي، ثقة مشهور (3) .
وقال أبو حاتم: كان شرب الدم في الجاهلية، وشهد مع علي الجمل وصفين (4) .
وقال أبو بكر الخطيب: كان ثقة، احتج به غير واحد من الأئمة (5) O.
735- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدَّثني عمرو بن الحارث قال: حدَّثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: أخبرني الزُّهريُّ عن
__________
(1) "الجامع": (1/289 - رقم: 248) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/58) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (5/474 - رقم: 1135) من رواية عثمان الدارمي، والذي في مطبوعة "التاريخ" (ص: 94 - رقم: 254) : (شيخ كوفي مشهور) ا. هـ
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/266 - رقم: 119) .
(5) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/274 - رقم: 4374) .(2/201)
أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: "آمين".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسناد حسن (1) .
وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلاَّ أن الراوي: بحر السقاء، وهو متروك، فلا يحتج به.
ز: روى حديث أبي هريرة: الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرطهما، ولم يخرجاه بهذا اللفظ (2) .
وليس كما قال.
وعبد الله بن سالم هو: الأشعري، ثقة (3) .
وإسحاق بن إبراهيم بن زريق (4) : قال أبو حاتم: شيخ، لا بأس به، ولكنهم يحسدونه، سمعت يحيى بن معين أثنى عليه خيراً (5) . وقال
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/335) .
(2) "المستدرك": (1/223) .
(3) رقم فوقه بالأصل: (خ) إشارة إلى تفرد البخاري بالتخريج له دون مسلم، وإلا فقد خرج له أبو داود والنسائي أيضاً.
(4) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "تهذيب الكمال" للمزي: (2/369 - رقم: 330) : (زبريق) .
ورقم فوقه بالأصل: (بخ) إشارة إلى تخريج البخاري له في "الأدب" دون الصحيح.
(5) كذا في "تهذيب الكمال" للمزي: (2/370 - رقم: 330) أيضاً، والذي في مطبوعة " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (2/209 - رقم: 711) : سمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن معين - وأثنى على إسحاق بن الزبريق خيراً - وقال: الفتى لا بأس به، ولكنهم يحسدونه.. قال - أي: ابن أبي حاتم-: وسئل أبي عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، فقال: شيخ) ا. هـ(2/202)
النَّسائيُّ: ليس بثقة (1) . وقال أبو داود: ليس بشيء (2) . وكذّبه محدث حمص محمد بن عوف الطائي (3) .
736- وقال أبوداود: ثنا نصر بن علي أنا صفوان بن عيسى (4) عن بشر بن رافع (5) عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة (6) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تلا: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: "آمين". حتى يسمع من يليه من الصف الأول (7) .
ورواه ابن ماجه وزاد: فيرتج بها المسجد (8) .
وبشر بن رافع هو: الحارثي، أبو الأسباط النجراني، إمام أهل نجران ومفتيهم، ضعفه غير واحد، قال أحمد: ليس بشيء، ضعيف الحديث (9) .
وقال ابن معين: يحدث بمناكير (10) . وقال مرة: ليس به بأس (11) . وقال
__________
(1) "تهذيب الكمال" للمزي: (2/370 - رقم: 330) ، وانظر تعليق محققه.
(2) "سؤالات أبي عبيد الآجري": (2/228 - رقم: 1682) .
(3) المرجع السابق.
(4) رقم فوقه بالأصل: (م، 4) إشارة إلى تخريج مسلم والأربعة له.
(5) رقم فوقه بالأصل: (د، ت، ق) إشارة إلى تخريج أبي داود والترمذي وابن ماجه له.
(6) في هامش الأصل: (حـ: لا يعرف) .
(7) "سنن أبي داود": (2/34 - 35 - رقم: 931) .
(8) "سنن ابن ماجه": (1/278 - رقم: 853) .
(9) "العلل" برواية عبد الله: (1/536 - رقم: 1296) .
(10) "التاريخ" برواية الدوري: (3/174 - رقم: 777) وهذا قاله في أبي أسباط الحارثي، وانظر التعليق التالي.
(11) "التاريخ" برواية الدوري: (3/133 - رقم: 555) ، وهذا قاله في بشر بن رافع.
(تنبيه) : قال ابن عدي في "الكامل": (2/13 - رقم: 249) : (عند البخاري أن بشر ابن رافع هذا هو أبو الأسباط الحارثي، وعند يحيى بن معين أن أبا أسباط شيخ كوفي، ولكن قد ذكر يوسف بن سلمان عن حاتم عن أبي أسباط الحارثي اليماني. وعند النسائي أن بشر بن =(2/203)
البخاري: لا يتابع في حديثه (1) . وقال التِّرمذيُّ: يضعف في الحديث (2) .
وكذا ضعفه أبو حاتم (3) والنَّسائيُّ (4) والحاكم أبو أحمد (5) وابن حِبَّان (6) ، وقال ابن عَدِيٍّ: لا بأس بأخباره، ولم أجد له حديثاً منكراً (7) O.
* * * * *
مسألة (140) : لا تصح الصَّلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب.
وعنه: تجزئه آية، كقول أبي حنيفة.
لنا حديثان:
737- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان ثنا الزُّهريُّ عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (8) .
__________
= رافع غير أبي الأسباط، وما قاله البخاري فمحتمل، وما قاله يحيى والنسائي فمحتمل أيضاً، والله أعلم أنهما واحد أو اثنان، وبشر بن رافع وأبو الأسباط إن كانا اثنين فلهما أحاديث غير ما ذكرته، وكأن أحاديث بشر بن رافع أنكر من أحاديث أبي الأسباط) ا. هـ
(1) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (1/142 - رقم: 524) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (4/119 - رقم: 687) ، وفي "الجامع": (2/329 - رقم: 1020) : (ليس بالقوي في الحديث) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/357 - رقم: 1359) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 254 - رقم: 670) وانظر ما تقدم نقله عن ابن عدي.
(5) " الأسامي والكنى ": (2/42 - رقم: 417) وفيه: (ليس بالقوي عندهم) .
(6) "المجروحون": (1/188 - 189) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (2/13 - رقم: 249) .
(8) "صحيح البخاري": (1/192) ؛ (فتح - 2/236 - 237 - رقم: 756) .(2/204)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
وأخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ بلفظٍ آخر: " لا تجزئ صلاةٌ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ".
وقال: إسناده صحيحٌ (2) .
ورواه بلفظٍ آخرٍ: " لا تقرؤوا بشيءٍ من القرآن إذا جهرتُ إلا بأمِّ القرآن ".
وقال: كلُّ إسناده ثقات (3) .
ز: انفرد زياد بن أيُّوب دَلُّويَه بلفظ: " لا تجزئ "، ورواه جماعة: " لا صلاة لمن لم يقرأ "، وهو الصَّحيح، وكأن زيادًا رواه بالمعنى.
وقد صحَّح الحديث أيضًا ابن القطَّان (4) ، وقال: زياد أحد الثِّقات O.
738- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا إسحاق ثنا مالك عن العلاء بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع أبا السَّائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعتُ أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خداج، هي خداجٌ غير تمامٍ ". فقلت: يا أبا هريرة، أنا أحيانًا أكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسيّ (5) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (6) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/8 - 9) ؛ (فؤاد - 1/295 - رقم: 394) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/321 - 322) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/319) .
(4) انظر: "بيان الوهم والإيهام": (4/161 - رقم: 1611) .
(5) "المسند": (2/460) .
(6) "صحيح مسلم": (2/9) ؛ (فؤاد - 1/296 - رقم: 395) .(2/205)
قالوا: نحمل قوله: (لا صلاة) على الكمال. واستدلُّوا:
739- بما روى أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن ميمون ثنا أبو عثمان النَّهديُّ عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يخرج فينادي: " لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد " (1) .
740- وقال أبو بكر الخطيب: أنا القاضي أبو عبد الله الصَّيْمَريُّ ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله المعدِّل ثنا أحمد بن عبد الله (2) بن سعيد ثنا إسحاق ابن إبراهيم بن حاتم الأنباريُّ ثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الكوفيُّ ثنا نُعيم بن حمَّاد ثنا ابن المبارك أنا أبو حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: نادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة إلا بقراءةٍ ولو بفاتحة الكتاب " (3) .
741- وقال ابن عَدِيٍّ: أنا عليُّ بن سعيد ثنا جبارة (4) ثنا شبيب بن شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ صلاةٍ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج " (5) .
قلنا: قوله: (لا صلاة) نفيٌّ في نكرةٍ فهي (6) تعمُّ.
__________
(1) "المسند": (2/428) .
وفي هامش الأصل: (حـ: روى العقيلي هذا الحديث في ترجمة جعفر، وقال: ولا يتابع عليه، والحديث في هذا الباب ثابت من غير هذا الوجه) ا. هـ
انظر: "الضعفاء الكبير": (1/190 - رقم: 236) .
(2) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "تاريخ بغداد": (محمد) .
(3) "تاريخ بغداد": (4/216 - رقم: 1908) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: جبارة تكلموا فيه) ا. هـ
(5) "الكامل": (4/32 - رقم: 892) في ترجمة شبيب.
(6) في (ب) و"التحقيق": (فهو) .(2/206)
وأما حديث أبي هريرة: ففي طريقة الأول: جعفر بن ميمون (1) قال يحيى بن معين: ليس بثقة (2) .
وطريقة الثاني: تفرد بروايته أحمد بن عبد الله، وهو مجهول الحال، ونعيم مجروح (3) .
وحديث عائشة: يعرف بشبيب بن شيبة، قال ابن عدي: هو زاد فيه " آيتين " (4) . قال يحيى بن معين: شبيب ليس بثقة (5) .
ز: حديث أبي هريرة: رواه أبو داود من رواية جعفر بن ميمون أيضاً (6) ، ورواه التِّرمذيُّ تعليقاً (7) ، والحاكم وقال: صحيح لا غبار عليه (8) .
وجعفر بن ميمون: قال فيه ابن معين - في رواية -: صالح الحديث (9) .
وقال أحمد: ليس بقوي في الحديث (10) . وقال أبو حاتم: صالح (11) . وقال
__________
(1) رقم فوقه بالأصل: (ز، 4) إشارة إلى تخريج البخاري له في "جزء القراءة" وأصحاب السنن.
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (3/578 - رقم: 2831) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: وأحمد بن عبد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم غير معروفين أيضاً) ا. هـ
(4) "الكامل" لابن عدي: (4/32 - رقم: 892) ، وتصحفت الكلمة الأخيرة في مطبوعته إلى: (روايتين) !
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (4/196 - رقم: 3926) .
(6) "سنن أبي داود": (1/520 - رقمي: 815 - 816) .
(7) "الجامع": (1/345 - رقم: 312) .
(8) "المستدرك": (1/239) .
(9) "التاريخ" برواية الدوري: (4/239 - رقم: 4149) .
(10) "العلل" برواية عبد الله: (3/58 - رقم: 4157) .
(11) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/490 - رقم: 2003) .(2/207)
النَّسائيُّ: ليس بالقوي (1) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يعتبر به (2) . ووثقه الحاكم (3) ، وقال ابن عَدِيٍّ: لم أر أحاديثه منكرة، وأرجو أنه لا بأس به، ويكتب حديثه في الضعفاء (4) .
وأما حديث ابن المبارك عن أبي حنيفة: فرواه الحارثي في "مسنده" عن محمد بن المنذر بن سعيد الهروي عن أحمد بن عبد الله بن محمد الكندي؛ وهو الكوفي، وهو اللجلاج، وهو كذَّابٌ، قال ابن عَدِيٍّ: حدث بأحاديث مناكير لأبي حنيفة، وهي بواطيل (5) .
742- وروى أبو يعلى الموصلي: ثنا زهير ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: أمرنا نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر (6) .
رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد (7) ، ورواه أيضاً عن عفان عن همام وعنده: (بفاتحة الكتاب) (8) ، ورواه أبو داود عن أبي الوليد الطَّيالسيُّ عن همام (9) ، ورواه أبو حاتم البستي عن أبي يعلى الموصلي (10) .
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه قتادة وأبو سفيان السعدي عن أبي
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 76 - رقم: 110) .
(2) "سؤالات البرقاني": (ص: 21 - رقم: 78 - ط: الهند) .
(3) "المستدرك": (1/239) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (2/139 - رقم: 337) مع اختلاف يسير.
(5) "الكامل" لابن عدي: (1/195 - رقم: 35) .
(6) "مسند أبي يعلى": (2/417 - رقم: 1210) .
(7) "المسند": (3/3) .
(8) "المسند": (3/45) .
(9) "سنن أبي داود": (1/520 - رقم: 814) .
(10) "الإحسان" لابن بلبان: (5/92 - رقم: 1790) .(2/208)
نضرة مرفوعًا.
ووقفه أبو مسلمة عن أبي نضرة، كذلك قال أصحاب شعبة عنه.
ورواه زَنْبَقَة عن عثمان عن عمر عن شعبة عن أبي مسلمة مرفوعًا، ولا يصحُّ رفعه عن شعبة (1) O.
احتجُّوا:
743- بما روي في "الصَّحيحين" من حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم رجلاً الصَّلاة، فقال: " كبِّر، ثُمَّ اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن ".
وسيأتي بإسناده (2) .
744- ورووا عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو غيرها ".
والجواب:
أمَّا حديث الرَّجل الذي علَّمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون ذلك قبل نزول الفاتحة وتعيينها.
والثَّاني: أن يكون وقت الصَّلاة قد ضاق، وهو لا يحفظ الفاتحة، فجوَّز له قراءة ما يحفظ.
والثَّالث: أن يريد ما تيسَّر ما بعد الفاتحة، وترك ذكر الفاتحة إتكالاّ على علمه بوجوبها.
__________
(1) "العلل": (11/324 - 325 - رقم: 2313) .
(2) برقم: (783) .(2/209)
وأما حديث أبي سعيد: فلا يعرف أصلاً.
ز: روى أبو محمد الحارثي في " مسند أبي حنيفة " حديث أبي سعيد هذا بطرق عن أبي حنيفة عن أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد، ولفظه: " لا تجزئ صلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب ومعها غيرها ".
745- ثم قال: ثنا محمد بن المنذر بن سعيد الهروي ثنا أحمد بن عبد الله ابن محمد الكندي ثنا إبراهيم بن الجراح الكوفي - قاضي - ثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة عن أبي سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري ... وذكر الحديث وفيه: " لا صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب أو غيرها ".
كذا انفرد به الكندي بهذا اللفظ، وقد تقدم قريباً أنه كذاب (1) O.
* * * * *
مسألة (141) : لا تجب القراءة على المأموم.
وقال الشَّافعيُّ: تجب إذا أسر، فإن جهر فعلى قولين.
لنا سبعة أحاديث:
746- الحديث الأول: قال أحمد: ثنا أسود بن عامر ثنا حسن بن صالح عن جابر (2) عن أبي الزُّبير عن جابر عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من كان له
__________
(1) ص: (208) .
(2) قوله: (عن جابر) سقط من مطبوعة "المسند"، وهو موجود في "أطراف المسند" لابن حجر: (2/139 - رقم: 1926) .(2/210)
إمام فقراءته له قراءة " (1) .
747- طريق ثان: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا إسحاق بن منصور عن الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم وجابر عن أبي الزُّبير عن جابر أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان له إمام فقراءته له قراءة " (2) .
748- طريق ثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا محمد بن حرب الواسطي ثنا إسحاق الأزرق عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " (3) .
749- طريق رابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا جعفر بن محمد بن نصير ثنا محمود بن محمد المروزي ثنا سهل بن العباس التِّرمذيُّ ثنا إسماعيل بن علية عن أيُّوب عن أبي الزُّبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى خلف الإمام فقراءة الإمام له قراءة " (4) .
750- طريق خامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا بحر بن نصر ثنا يحيى بن سلام ثنا مالك بن أنس ثنا وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج، إلاَّ أن يكون وراء الإمام " (5) .
__________
(1) "المسند": (3/339) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/331) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/323) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/402) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/327) .(2/211)
751- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن هشام البختري (1) ثنا سليمان بن الفضل (2) ثنا محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان له إمام، فقراءة الامام له قراءة " (3) .
752- الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قرئ على أبي محمد بن صاعد - وأنا أسمع -: حدثكم علي بن حرب وأحمد بن يوسف التغلبي قالا: ثنا غسان بن الربيع عن قيس بن الربيع عن محمد بن سالم عن الشَّعبيِّ عن الحارث عن علي قال: قال رجل للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقرأ خلف الإمام أو أنصت؟ قال: " بل أنصت، فإنه يكفيك " (4) .
753- الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا علي بن زكريا التمار ثنا أبو موسى الأنصاري ثنا عاصم بن عبد العزيز عن أبي سهيل عن عون عن ابن عباس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تكفيك قراءة الإمام، خافت أو جاهر " (5) .
754- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن نصر ثنا يوسف بن موسى ثنا سلمة بن الفضل ثنا حجاج بن أرطأة عن قتادة عن زرارة ابن أوفى عن عمران بن حصين قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي بالناس، ورجل يقرأ خلفه، فلما فرغ قال: " من ذا الذي يخالجني سورتي؟! " فنهاهم عن القراءة خلف الإمام (6) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (ابن البختري) .
(2) في "التحقيق": (المفضل) خطأ.
(3) "سنن الدارقطني": (1/325 - 326) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/330) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/331) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/326 - 327) .(2/212)
755- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا شعيب بن أيُّوب ثنا زيد بن الحبُاب ثنا معاوية بن صالح قال: حدَّثني أبو الزَّاهريَّة عن كثير بن مُرَّة عن أبي الدَّرداء قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفي كلِّ صلاةٍ قراءة؟ قال: " نعم ". فقال رجلٌ من الأنصار: وجبت هذه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لي - وكنت أقرب القوم إليه -: " ما أرى الإمام إذا أمَّ القوم إلا قد كفاهم " (1) .
756- الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا ابن مخلد ثنا الفضل بن العباس الرَّازيُّ ثنا محمد بن عبَّاد ثنا أبو يحيى التَّيميُّ عن [سهيل] (2) بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان له إمام فقراءته له قراءة " (3) .
قالوا: هذه الأحاديث كلُّها ضعاف:
أمَّا حديث جابر: ففي طريقه الأوَّل: جابر الجُعفيُّ، قال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه، ليس بشيءٍ (4) . وقال أبو حنيفة: ما لقيت أكذب منه (5) .
وأمَّا الطَّريق الثَّاني: فهو فيه ومعه ليث، وقد ضعَّف ابن عيينة ليثًا (6) ، وقال أحمد: هو مضطرب الحديث (7) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/332) .
(2) في الأصل و (ب) : (سهل) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(3) "سنن الدارقطني": (1/333) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/286، 364 - رقمي: 1356، 1769) .
(5) المرجع السابق: (3/296 - رقم: 1398) .
(6) "الضعفاء والمتروكون" للعقيلي: (4/15 - رقم: 1569) .
(7) "العلل" برواية عبد الله: (2/379 - رقم: 2691) .(2/213)
[وأما الطريق الثالث: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده عن موسى غير أبي حنيفة والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان (1) ] (2) .
وأما الطريق الرابع: ففيه سهل بن العباس، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو حديث منكر، وسهل متروك، ليس بثقة (3) .
وأما الطريق الخامس: ففيه يحيى بن سلام، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ضعيف (4) .
وأما الحديث الثاني: ففيه محمد بن الفضل، قال أحمد: ليس بشيء، حديثه حديث أهل الكذب (5) . وكذا قال يحيى: ليس بشيء، لا يكتب حديثه، كان كذَّاباً (6) . وقال الفلاس (7) والنَّسائيُّ (8) : متروك الحديث.
وأما الحديث الثالث: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرد به غسان بن الربيع، وهو
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/323) .
(2) سقط الكلام على الطريق الثالث من الأصل و (ب) واستدرك من "التحقيق"، ويبدو أنه كان ساقطاً من نسخة المنقح، فهل هو سقط سهواً أم أن بعض متعصبي الحنفية حذفه عمداً لأجل الكلام في الإمام أبي حنيفة؟ الله أعلم.
والذي حملنا على ذكر هذا الاحتمال أنه سيأتي في ذكر إجابة المؤلف عن هذه الاعتراضات كلام في الإمام أبي حنيفة هو ساقط أيضاً من الأصل و (ب) وانظر: ما يأتي: (3/134) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/402) ، وليس في المطبوعة قوله: (ليس بثقة) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/327) .
(5) "العلل" برواية عبد الله: (2/549 - رقم: 3601) .
(6) يبدو أن كلام ابن معين ملفق من عدة روايات، انظر: "التاريخ" برواية الدوري: (4/ 355 - رقم: 4755) ورواية ابن طهمان: (ص: 106 - رقم: 334) ، و" الضعفاء الكبير " للعقيلي: (4/121 - رقم: 1679) و"الكامل" لابن عدي: (6/161 - رقم: 1650) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/57 - رقم: 262) وزاد: كذاب.
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 210 - رقم: 542) .(2/214)
ضعيفٌ، وقيس ومحمد بن سالم: ضعيفان، والمرسل عن الشَّعبيِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا أصحُّ (1) .
وفي الحديث الرَّابع: عاصم، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقويِّ، ورفعه وهمٌ (2) . وقال ابن حِبَّان: كان عاصم يخطئ كثيرًا، فبطل الاحتجاج به إذا انفرد (3) .
وفي الحديث الخامس: حجَّاج بن أرطأة، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه هكذا إلا حجَّاج، ولا يحتجُّ به (4) .
وفي الحديث السَّادس: معاوية بن صالح، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (5) . قال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصَّواب: (فقال أبو الدَّرداء: ما أرى الإمام إلا قد كفاهم) كذلك رواه ابن وهب عن معاوية (6) .
وفي الحديث السَّابع: أبو يحيى التَّيميُّ، واسمه: إسماعيل بن إبراهيم، تفرَّد بهذا الحديث محمد بن عبَّاد عنه، وهما ضعيفان.
والجواب: أمَّا جابر الجعفيُّ: فقد وثَّقه الثَّوريُّ وشعبة (7) ، وناهيك بهما، وقال أحمد: لم يُتكلَّم في جابر لحديثه، بل لرأيه (8) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/330) بتصرف يسير.
(2) "سنن الدارقطني": (1/331) .
(3) "المجروحون": (1/129) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/327) باختصار.
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/383 - رقم: 1750) ونص كلامه: (صالح الحديث، حسن الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به) ا. هـ
(6) "سنن الدارقطني": (1/333) بتصرف يسير.
(7) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/497 - رقم: 2043) .
(8) انظر: "الضعفاء" لابن الجوزي: (1/164 - رقم: 630) .(2/215)
وأما ليث: فقال أحمد: حدث عنه الناس (1) .
[وأما أبو حنيفة: فغير متهم، إنما كان يقع في حديثه غلط وخطأ] (2) .
وأما سهل ومحمد بن الفضل وابن سالم: فلعمري إنهم ضعاف.
وأما يحيى بن سلام وغسان بن الربيع: فلم نر أحداً ضعفهما قبل الدَّارَقُطْنِيّ، وأصحاب الحديث يضعفون بما ليس يضعف عند الفقهاء.
وقوله (وهو مرسل) : قلنا: المرسل عندنا حجة.
وأما عاصم: فإن ضعفه محتمل، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقوي.
وكذلك حجاج ومعاوية بن صالح وأبو يحيى.
ز: هذا الذي أجاب به المؤلف ليس بقوي، وهو يحتج بجابر الجعفي في موضع، ويضعفه في آخر، بل قد قال في موضع: (جابر الجعفي: اتفقوا على تكذيبه (3) !
وقد روى ابن ماجه حديث جابر من رواية جابر الجعفي أيضاً (4) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في حديث عبد الله بن شداد عن جابر: وروى هذا الحديث سفيان الثَّوري وشعبة وإسرائيل وأبو خالد الدالاني وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة عن
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (2/379 - رقم: 2691) .
(2) سقط من الأصل و (ب) واستدرك من "التحقيق".
وانظر: ما سبق (ص: 214 - تعليق رقم: 2) .
(3) انظر: (4/484) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/277 - رقم: 850) .(2/216)
عبد الله بن شداد مرسلاً عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصواب (1) .
وقال في حديث يحيى بن سلام: الصواب موقوف، ثنا أبو بكر ثنا يونس ثنا ابن وهب أن مالكاً أخبره عن وهب بن كيسان عن جابر نحوه موقوفاً (2) .
وقال أحمد في حديث عون عن ابن عباس: هو حديث منكر (3) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في حديث قتادة عن زرارة عن عمران: خالف حجاج ابن أرطأة أصحاب قتادة، منهم: شعبة وسعيد وغيرهما، فلم يذكروا أنه نهاهم عن القراءة، وحجاج لا يحتج به (4) .
757- وروي عن أبي الدرداء أن رجلاً قال: يا رسول الله، أفي كل صلاة قرآن؟ فقال: " نعم ". فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه.
رواه الإمام أحمد - وهذا لفظه (5) - وابن ماجه (6) والنَّسائيُّ وقال: هذا خطأ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من قول أبي الدرداء (7) .
وقد ذكره المؤلف (8) من طريق الدَّارَقُطْنِيِّ أطول من هذا O.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/325) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/327) .
(3) " القراءة خلف الإمام " للبيهقي: (ص: 196 - رقم: 433) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/327) .
(5) "المسند": (5/197) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/274 - 275 - رقم: 842) .
(7) "سنن النسائي": (2/142 - رقم: 923) .
وجاء بعد الكلام السابق كلمة: (لم يقرأ هذا مع الكتاب) ويبدو أنها من كلام راوي "السنن"، والله أعلم.
(8) رقم: (755) .(2/217)
احتجَّ الخصم بأربعة أحاديث:
758- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ في كتاب " القراءة خلف الإمام ": ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الرَّبيع عن عبادة بن الصَّامت قال: صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً جهر فيها، فقرأ رجلٌ خلفه، فقال: " لا يقرأنَّ أحدكم والإمام يقرأ إلا بأمِّ القرآن " (1) .
759- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا العباس ابن محمد الدُّوريُّ ثنا محمد بن عبد الواهب (2) ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى صلاةً مع إمامٍ فجهر، فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته، فإن لم يفعل فصلاته خداج غير تمام " (3) .
760- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان بن أحمد ثنا عيسى ابن عبد الله الطَّيالسيُّ ثنا يزيد بن عمر المدائنيُّ ثنا الرَّبيع بن بدر عن أيُّوب السَّختيانيِّ عن الأعرج عن أبي هريرة قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أقبل علينا بوجهه، فقال: " أتقرأون خلف الإمام؟ " فقلنا: إنَّ فينا من يقرأ. قال: " فبفاتحة الكتاب " (4) .
761- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا أبو زرعة الدِّمشقيُّ ثنا يحيى بن يوسف الزَّميُّ ثنا عبيد الله بن عمرو
__________
(1) " القراءة خلف الإمام ": (ص: 18 - رقم: 64) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" و"سنن الدارقطني" و"إتحاف المهرة" لابن حجر: (9/481 - رقم: 11718) : (عبد الوهاب) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/320 - 321) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/340) .(2/218)
الرقي عن أيُّوب عن أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بأصحابه، فلما قضى صلاته أقبل عليهم، فقال: " أتقرأون في صلاتكم والإمام يقرأ؟ " فسكتوا، قالها ثلاثاً، فقال قائل أو قائلون: إنا لنفعل. فقال: " فلا تفعلوا، وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه " (1) .
والجواب:
وأما الحديث الأول: فقال أحمد: لم يرفعه إلاَّ ابن إسحاق.
قلت: وقد قال مالك (2) وهشام بن عروة (3) وغيرهما: ابن إسحاق كذَّاب. وقال يحيى بن معين: ليس بحجة (4) . وقال ابن المديني: يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة (5) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/340) .
وفي هامش الأصل: (حـ: إسناد جيد، لكن له علة) ا. هـ
(2) "الكامل" لابن عدي: (6/103 - رقم: 1623) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/193 - رقم: 1078) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/225 رقم: 1047) وفيه: (ثقة، ولكنه ليس بحجة) ا. هـ
وانظر: ما تقدم (1/266) .
(5) كذا نسب ابن الجوزي هذه العبارة لعلي في "الضعفاء": (3/41 - رقم: 2883) أيضاً، ويبدو أن ذلك خطأ، وأن هذه العبارة من كلام ابن نمير، فقد قال ابن عدي في "الكامل": (6/106 - رقم: 1623) : (حدثنا ابن العراد ثنا يعقوب سمعت محمد بن عبد الله بن نمير - وذكر محمد بن إسحاق - فقال: إذا حدث عمن سمع من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، إنما أتى أن يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة) ا. هـ وهو كذلك في " تاريخ بغداد " للخطيب: (1/227 - رقم: 214) .
ولابن المديني كلام غير هذا أورده ابن عدي قبل ما سبق مباشرة وبنفس الإسناد، فنخشى أن يكون وقع انتقال نظر لابن الجوزي، أو يكون هناك سقط في نسخته، والله أعلم.
وفي هامش الأصل: (حـ: نقل الذهبي في "الميزان": [3/475] عن ابن المديني أنه قال: حديثه عندي صحيح) ا. هـ(2/219)
فإن قالوا: فقد روي من غير طريق ابن إسحاق:
762- فقال محمود بن إسحاق: ثنا البخاري ثنا هشام (1) ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن ابن (2) ربيعة الأنصاري عن عبادة عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا يقرأن أحدكم إذا جهرت بالقراءة إلاَّ بأم القرآن " (3) .
قلنا: قال أبو زرعة الرَّازيُّ: زيد بن واقد ليس بشيء (4) . على أنه قد وثقه الدَّارَقُطْنِيُّ (5) .
فإن قالوا: فقد رواه إسماعيل بن عيَّاش عن الأوزاعيِّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبادة.
قلنا: قال النَّسائيُّ: إسماعيل ضعيف (6) . وقال ابن حِبَّان: لا يحتج به (7) .
ثم لا نعلم أن شعيباً لقي عبادة.
__________
(1) (ثنا هشام) سقطت من مطبوعة " القراءة خلف الإمام ".
(2) (ابن) سقطت من مطبوعة " القراءة خلف الإمام ".
(3) " القراءة خلف الإمام " للبيهقي: (ص: 18 - 19 - رقم: 65) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/574 - 575 - رقم: 2602) ، وسيأتي في كلام المنقح أن كلام أبي زرعة ليس في زيد الراوي عن مكحول.
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 286 - رقم: 358) في ترجمة ابنه، وانظر: " سنن الدارقطني ": (1/319) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 51 - رقم: 34) .
(7) "المجروحون": (1/125) وفيه: (كان إسماعيل بن عياش من الحفاظ المتقنين في حداثته، فلما كبر تغير حفظه، فما حفظ في صباه وحداثته أتى به على جهته، وما حفظ على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه وأدخل الإسناد في الإسناد وألزق المتن بالمتن وهو لا يعلم، ومن كان هذا نعته حتى صار الخطأ في حديثه يكثر، خرج عن الاحتجاج به فيما لم يخلط فيه) ا. هـ(2/220)
فإن قالوا: فقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق الوليد بن عتبة (1) ، ومن طريق بقية (2) ، ومن طريق إسحاق بن أبي فروة (3) .
قلنا: قال أبو حاتم الرَّازيُّ: الوليد مجهول (4) .
وأمَّا بقية: فمدلس، قال أبو مسهر: أحاديث بقية غير نقية، فكن منها على تقية (5) . قال ابن حِبَّان: لا يحتج ببقية (6) .
وأما إسحاق: فقال ابن المدينيِّ: هو منكر الحديث (7) . وقال يحيى: ليس بشيء، كذّاب (8) . وقال أحمد: لا تحل الرواية عنه (9) .
ثم إن مكحولاً ضعيفٌ أيضاً.
وأمَّا الحديث الثاني: ففيه محمد بن عبد الله بن عبيد، قال يحيى بن معين: هو ضعيف (10) . وقال النَّسائيُّ (11) والدَّارَقُطْنِيُّ (12) : متروك.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/319) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/319 - 320) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/320) .
(4) انظر: ما سيأتي في كلام المنقح: (ص: 225) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/435 - رقم: 1728) .
(6) "المجروحون": (1/201) وفيه: (لا يحل أن يحتج به إذا انفرد بشيء) ا. هـ
(7) "الكامل" لابن عدي: (1/326 - رقم: 154) من رواية إسماعيل بن إسحاق.
(8) في "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 321 - رقم: 195) : (ليس بشيء) ، وفي " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (2/228 - رقم: 792) : (لا شيء، كذاب) من رواية إسحاق بن منصور.
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/227 - رقم: 792) من رواية الجوزجاني، وانظر: " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 213 - رقم: 211) .
(10) "الكامل" لابن عدي: (6/220 - رقم: 1691) من رواية الدورقي.
(11) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 204 - رقم: 522) وفيه: (متروك الحديث) .
(12) "سؤالات البرقاني": (ص: 60 - رقم: 441 - ط: الهند) .(2/221)
وأما الثالث: ففيه الربيع بن بدر، قال النَّسائيُّ (1) والدَّارَقُطْنِيُّ (3) : متروك أيضاً.
وأما الرابع: [فمحمول] (3) على أن [المأموم] (4) يقرأ في نفسه في سكتات الإمام.
ز: حديث عبادة: روي بطرق عن محمد بن إسحاق:
763- فروى الإمام أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدَّثني مكحول عن محمود بن ربيع الأنصاري عن عبادة بن الصامت قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته، أقبل علينا بوجهه، فقال: " إني لأراكم تقرؤون خلف إمامكم إذا جهر ". قال: قلنا: أجل والله، يارسول الله، إنه لهذا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " (5) .
ورواه الإمام أحمد أيضاً عن محمد بن سلمة [ويزيد عن ابن إسحاق (6) ، ورواه أبو داود عن عبد الله بن محمد النفيلي عن محمد بن سلمة] (7) عن ابن إسحاق (8) ، ورواه التِّرمذيُّ عن هناد عن عبدة عن ابن إسحاق، وقال:
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 102 - رقم: 200) وفيه: (متروك الحديث) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/99) وفيه: (متروك الحديث) أيضاً.
(3) في الأصل و (ب) : (فمجهول) ، والتصويب من "التحقيق".
(4) في الأصل: (الإمام) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(5) "المسند": (5/322) .
(6) "المسند": (5/313، 316) .
(7) زيادة من (ب) .
(8) "سنن أبي داود": (1/521 - 522 - رقم: 819) .(2/222)
حديث حسن (1) .
ورواه أبو يعلى الموصلي عن جعفر بن مهران السباك عن عبد الأعلى عن ابن إسحاق (2) ، ورواه الطبراني عن عبيد بن غنام عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن ابن إسحاق (3) ، ورواه أبو حاتم البستيُّ عن ابن خزيمة عن الفضل بن يعقوب الجزري عن عبد الأعلى عن ابن إسحاق (4) ، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ بطرق عن ابن إسحاق وقال: هذا إسناد حسن (5) .
وتضعيف المؤلف لابن إسحاق ليس بشيء، فإنه صدوق، وكان شعبة وسفيان يقولان: هو أمير المؤمنين في الحديث (6) . وهو يحتج به في موضع و [يضعفه] (7) في آخر!
وكذلك تضعيفه لمكحول فإنه ثقة روى له مسلم في "صحيحه" (8) .
وحديث زيد بن واقد: رواه الطبرانيُّ فقال:
764- ثنا أحمد بن المعلى ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن نافع بن محمود بن ربيعة (9) الأنصاري
__________
(1) "الجامع": (1/343 - رقم: 311) .
(2) خرجه من طريق أبي يعلي: الضياء في "المختارة": (8/339 - رقم: 411) من رواية ابن المقرئ.
(3) "مسند عبادة" ضمن الأجزاء المخرومة من "المعجم الكبير"، ولكن خرجه من طريق الطبراني: الضياء في "المختارة": (8/340 - 341 - رقم: 414) .
(4) "الإحسان" لابن بلبان: (5/156 - رقم: 1848) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/318 - 319) .
(6) "الثقات" لابن حبان: (7/383) .
(7) في الأصل: (يضعف) ، والمثبت من (ب) .
(8) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/275 - 276 - رقم: 1683) .
(9) في هامش الأصل: (حـ: ربيعة هو المشهور، ويقال: ابن ربيعة [كذا] ) ا. هـ وفوق (ربيعة) رمز: (4) إشارة إلى تخريج أصحاب السنن له. =(2/223)
عن عبادة بن الصَّامت قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض الصَّلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فقال: " ألا لا يجهر أحدٌ منكم إذا جهرت إلا بأمِّ القرآن " (1) .
رواه أبو داود عن الرَّبيع بن سليمان عن عبد الله بن يوسف عن الهيثم بن حُميد عن زيد بن واقد عن مكحول عن نافع (2) ، ورواه النَّسائيُّ عن هشام بن عمَّار بإسناده ولم يذكر مكحولاً (3) ، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ وقال: هذا إسنادٌ حسنٌ، ورجاله ثقاتٌ كلُّهم (4) .
وقال ابن حِبَّان في كتاب "التَّاريخ": نافع بن محمود بن ربيعة، سمع عبادة بن الصَّامت، حديث القراءة خلف الإمام موقوفًا، كما سمعه محمود بن الرَّبيع الأنصاريُّ عن عبادة مرفوعًا، ومتناهما متباينان (5) .
وزيد بن واقد هو: القرشيُّ أبو عُمر - ويقال: أبو عَمرو - الشَّاميُّ الدِّمشقيُّ، وثَّقه الإمام أحمد (6) ويحيى بن معين (7) ودحيم (8) والعجليُّ (9)
__________
= والذي في "تهذيب الكمال" للمزي: (29/291 - 292 - رقم: 6369) : (نافع بن محمود بن الربيع، ويقال: ابن ربيعة) ثم قال: (روى له البخاري في " القراءة خلف الإمام " وفي " أفعال العباد " وأبو داود والنسائي) ا. هـ
(1) "مسند عبادة" ضمن الأجزاء المخرومة من "المعجم الكبير"، ولكن روى الحديث من طريق الطبراني: المزيُّ في "تهذيب الكمال": (29/292 - 293 - رقم: 6369) تحت ترجمة نافع بن محمود.
(2) "سنن أبي داود": (1/522 - رقم: 820) .
(3) "سنن النسائي": (2/141 - رقم: 920) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/320) .
(5) " مشاهير علماء الأمصار ": (ص: 117 - رقم: 907) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (10/109 - رقم: 2130) .
(7) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 113 - رقم: 341) .
(8) "تهذيب الكمال" للمزي: (10/109 - رقم: 2130) .
(9) "الثقات": (ترتيبه - 1/379 - رقم: 532) .(2/224)
والدَّارَقُطْنِيُّ (1) وابن حِبَّان (2) ، وروى له البخاريُّ في "صحيحه" (3) ، ووهم المؤلف في نقله عن أبي زرعة تضعيفه، فإنه إنما قال: ضعف (4) زيد بن واقد أبا علي السمتي البصري نزيل الري (5) .
ووهم في قوله: (وثقه الدَّارَقُطْنِيُّ) فإنه إنما وثق الدمشقي (6) ، وأما البصري فإن أبا حاتم روى عنه ووثقه، وقال: كان شيخاً فانياً كبيراً (7) .
ووهم أيضاً في قوله: (قال أبو حاتم الرَّازيُّ: الوليد بن عتبة مجهول) فإن قول أبي حاتم إنما هو في الوليد بن عتبة الدمشقي، الذي روى عن معاوية ابن صالح، وروى عنه محمد بن عبد العزيز الرملي؛ وأما راوي حديث القراءة فإنه الوليد بن عتبة الدمشقي أبو العباس، ولم يذكر فيه أبو حاتم جرحاً، روى عن بقية والوليد بن مسلم وغيرهما (8) O.
* * * * *
__________
(1) سبق (ص: 220) .
(2) "الثقات": (6/313) وقال: (يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عبد الخالق بن زيد) ا. هـ
(3) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/584 - رقم: 390) .
(4) كذا بالأصل و (ب) ، ولعل كلمة (قال) زائدة، فتكون العبارة: (فإنه إنما ضعف) ، والله أعلم.
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/574 - رقم: 2602) .
(6) أي أنه وهم في ذلك بناءاً على ظنه أن الذي في الإسناد هو البصري، والدارقطني إنما وثق الدمشقي.
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/574 - رقم: 2602) وليس فيه ذكر التوثيق، ولكن نقل توثيقه الذهبي في "الميزان": (2/106 - رقم: 3029) ، وقال الحافظ ابن حجر في "اللسان": (3/204 - رقم: 3602) : (لم أر توثيقه) ا. هـ
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/12 - 13 - رقمي: 54 - 55) .(2/225)
مسألة (142) : يسن للمأموم أن يقرأ بالحمد وسورة فيما يخافت فيه الإمام.
وقال أبو حنيفة: لا تسن القراءة خلف الإمام.
765- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا عبد الرَّحمن بن عمرو الدمشقي ثنا محمد بن المبارك الصوري ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم (1) ومكحول عن نافع بن محمود أنه سمع عبادة بن الصامت يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقرأن أحد منكم شيئاً من القرآن إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: رجاله كلهم ثقات (2) .
ز: تقدم هذا الحديث والكلام [عليه] (3) O.
766- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عمر بن أحمد الجوهري ثنا أحمد بن سيار ثنا زكريا بن يحيى الوقار ثنا بشر بن بكر ثنا الأوزاعيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا معي، وإذا جهرت فلا يقرأن معي أحد " (4) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حرام بن حكيم وثقه [العجلي] ودحيم) ا. هـ وكلمة (العجلي) مقطوعة من طرف الورقة، وأثبتناها من "تهذيب الكمال" للمزي: (5/518 - رقم: 1153) وفوقه بالأصل الرقوم: (ز، 4) إشارة إلى تخريج البخاري له في " جزء القراءة " إضافة إلى أصحاب السنن.
(2) "سنن الدارقطني": (1/320) وفيه (إسناد حسن، ورجاله ثقات كلهم) .
(3) برقمي: (762، 764) ، وما بين المعقوفتين زيادة من (ب) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/333) .(2/226)
قال المؤلِّف: الاعتماد على الحديث الأوَّل، لا على هذا، فإنَّ هذا ممَّا تفرَّد به زكريا، وكان يضع الحديث.
ز: قال العقيليُّ: زكريا بن يحيى، أبو يحيى، الوَقَار (1) ، مصريٌّ.
767- حدَّثنا زكريا بن يحيى الحلوانيُّ ثنا أبو يحيى الوَقَار (2) ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعيِّ (3) عن يحيى بن أبي [كثير] (4) اليماميِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى يومًا صلاةً، فلمَّا قضاها قال: " هل قرأ أحدٌ منكم معي بشيءٍ من القرآن؟ " فقال رجلٌ من القوم: أنا، يا رسول الله. فقال: " إنِّي أقول ما لي أنازع القرآن؟ إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا معي، وإذا جهرت فلا يقرأنَّ معي أحدٌ ".
قال أبو يحيى - هو الحلواني -: فصرنا إلى أبي الطَّاهر أحمد بن عمرو بن السرح فذكرنا له هذا الحديث، فقال: هذا باطلٌ. ثُمَّ قام يجرُّ إزاره حتَّى دخل إلى بيته، فأخرج " كتاب بشر بن بكر " فإذا فيه: (حدَّثنا بشر بن بكر عن الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي كثير أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو عن الأوزاعيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال أبو يحيى: أنا (5) شككت -) فقال: انظروا كيف وصله فجعله (عن أبي سلمة عن أبي هريرة) واغتاظ من ذلك (6) O.
احتجُّوا:
بحديث عمران بن حُصين أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاهم عن القراءة خلف
__________
(1، 2) تصحف في مطبوعة "الضعفاء الكبير" إلى (الوقاد) .
(3) من قوله: (بشر بن بكر ثنا الأوزاعي) في الإسناد السابق إلى هنا ساقط من (ب) .
(4) في الأصل و (ب) : (كبير) ، والتصويب من "الضعفاء الكبير".
(5) في (ب) : (إنما) .
(6) "الضعفاء الكبير": (2/87 - رقم: 541) .(2/227)
الإمام، وقد سبق في المسألة قبلها (1) .
قلنا: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يقل كذا غير حجاج، وخالفه أصحاب قتادة - منهم شعبة وسعيد وغيرهما - فلم يذكروا أنه نهاهم عن القراءة، وحجاج لا يحتج به (2) .
* * * * *
مسألة (143) : تجب القراءة في كل ركعة.
قوال أبو حنيفة: لا تجب إلاَّ في ركعتين.
لنا ثلاثة أحاديث:
768- الحديث الأوَّل: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم الأعرابي الصَّلاة فأمره بالقراءة، ثم قال: " افعل ذلك في صلاتك كلها ". وسيأتي بإسناده من حديث أبي هريرة (3) ، وهو في "الصحيحين"، ويأتي أيضاً من حديث رفاعة الزرقي (4) .
769- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا يونس ثنا أبان عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلِّي، فيقرأ في الظُّهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم
__________
(1) رقم: (754) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/327) .
(3) رقم: (783) .
(4) رقم: (784) .(2/228)
الكتاب، وكان يطيل أوَّل ركعة من صلاة الفجر، وأوَّل ركعة من صلاة الظُّهر (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
770- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا عبد الرَّحمن (3) عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن (4) كثير بن مُرَّة عن أبي الدرداء أن رجلاً قال: يا رسول الله، أفي كل صلاة قرآن (5) ؟ فقال: " نعم ". فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه (6) .
771- وقد روى أصحابنا من حديث عبادة وأبي سعيد قالا: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ بالفاتحة في كل ركعة.
772- ورووا أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة لمن لا يقرأ في كل ركعة ".
وما عرفت هذين الحديثين.
ز: حديث عبادة وأبي سعيد: رواه إسماعيل بن سعيد الشالنجي.
وروى حديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب " من حديث أبي سعيد أيضاً O.
__________
(1) "المسند": (5/300) .
(2) "صحيح البخاري": (1/197) ؛ (فتح - 2/260 - رقم: 776) .
"صحيح مسلم": (2/37) ؛ (فؤاد - 1/333 - رقم: 451) .
(3) في "التحقيق": (أحمد بن عبد الرحمن) خطأ.
(4) سقطت (عن) من "التحقيق".
(5) في "التحقيق" ومطبوعة "المسند": (قراءة) .
(6) "المسند": (5/197) .
وفي هامش الأصل: (تقدم هذا الحديث) ا. هـ
انظر: رقم: (755) ، ورقم: (757) .(2/229)
احتج الخصم بثلاثة أحاديث:
773- أحدها: أن الأشعريين قالوا لأبي مالك الأشعري: صلِّ بنا صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقرأ في الأوليين ولم يقرأ في الأخريين.
774- والثَّاني: عن علي عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين ".
775- والثَّالث: رواه محمد بن مهاجر ثنا وهب بن جرير عن أبيه عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس قال: ليس في الظُّهر والعصر قراءة (1) .
وهذه الأحاديث لا تعرف.
وقد قيل في الأول: إنه يرويه شهر بن حوشب، قال ابن عَدِيٍّ: لا يحتج بحديثه (2) . ثم لو صح حمل على الجهر في الأوليين أو على ما زاد على الفاتحة.
وقيل في الثاني: إنه موقوف على علي غير مرفوع، وراويه الحارث الكذّاب.
والثالث: من عمل محمد بن مهاجر، قال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث على الثقات، ويزيد في الأخبار ألفاظاً ويسويها على مذهبه (3) .
* * * * *
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: قال أبو داود في "سننه" [1/516 - رقم: 805] : ثنا زياد بن أيوب ثنا هشيم أنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما أدري أكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الظهر والعصر أم لا؟) ا. هـ وقد سقط من مطبوعة "السنن": (ثنا هشيم) وهو ثابت في "تحفة الأشراف": (5/122 - رقم: 6035) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (4/40 - رقم: 898) .
(3) "المجروحون": (2/310) باختصار.(2/230)
مسألة (144) : لا تسنُّ قراءة السُّورة في الأخريين، خلافًا لأحد قولي الشَّافعيِّ.
لنا:
حديث أبي قتادة، وقد تقدَّم بإسناده (1) .
ز: 776- روى أبو سعيد الخدريُّ قال: كنَّا نَحْزُر قيام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظُّهر والعصر، فَحَزَرنا قيامَه في الرَّكعتين الأوليين من الظُّهر قدر: " آلم تنزيل السَّجدة "، وحَزَرْنا قيامَه في الأخريين قدر النِّصف من ذلك، وحَزَرْنا قيامَه في الرَّكعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظُّهر، وفي الأخريين من العصر على النِّصف من ذلك.
وفي رواية بدل: (تنزيل السَّجدة) : قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية؛ وفي العصر في الرَّكعتين الأوليين في كلِّ ركعة قدر خمس عشرة، وفي الأخريين قدر نصف ذلك.
رواه مسلم (2) ، وهو حجَّةٌ لأحد قولي الشَّافعيِّ، وإحدى الرِّوايتين عن أحمد O.
* * * * *
مسألة (145) : يستحب أن يطيل القراءة في الرَّكعة الأولى من كلِّ صلاة.
وقال أبو حنيفة: في الفجر خاصةً.
__________
(1) رقم: (769) .
(2) "صحيح مسلم": (2/38) ؛ (فؤاد - 1/334 - رقم: 452) .(2/231)
وقال الشَّافعيُّ: لا يطيل في الكلِّ.
لنا:
حديث أبي قتادة، وقد تقدَّم (1) .
* * * * *
مسألة (146) : لا يكره عدُّ الآي في الصَّلاة.
وقال أبو حنيفة: يكره.
777- وقد روى أصحابنا من حديث أنس قال: رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعدُّ الآي في الصَّلاة.
778- وإنَّما يروى هذا عن الحسن وإبراهيم وعروة وعطاء وطاوسٍ أنَّهم كانوا لا يرون بعدِّ الآي في الصَّلاة بأسًا (2) .
* * * * *
مسألة (147) : إذا لم يحسن القراءة سبَّح بقدر الفاتحة.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يلزمه الذِّكر.
779- قال التِّرمذيُّ: ثنا عليُّ بن حُجْر أنا إسماعيل بن جعفر عن يحيى
__________
(1) رقم: (769) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: وروي أيضاً عن سعيد بن جبير وابن سيرين والشعبي) ا. هـ(2/232)
ابن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن جدِّه عن رفاعة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم رجلاً فقال: " إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلاَّ فاحمد الله وكبره وهلله، ثم اركع " (1) .
780- وقال النَّسائيُّ: أنا يوسف بن عيسى ومحمود بن غيلان عن الفضل بن موسى ثنا مسعر عن إبراهيم السكسكي عن ابن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن، فعلمني شيئاً يجزئني من القرآن. فقال: " قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله " (2) .
781- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه ثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان الثوري عن أبي خالد - وهو الدالاني - عن إبراهيم - وهو السكسكي - عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلاً جاء إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يارسول الله، إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، فما يجزئني في صلاتي؟
قال: " تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله، والله أكبر، ولا إله إلا الله ". قال: هذا لله، فما لي؟ قال: " تقول: اللهم اغفر لي، وارحمني، وارزقني، واهدني، وعافني " (3) .
ز: حديث رفاعة: تقدم أصله والكلام عليه (4) .
وحديث ابن أبي أوفى: رواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) وغيرهما،
__________
(1) "الجامع": (1/332 - رقم: 302) .
(2) "سنن النسائي": (2/143 - رقم: 924) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/314) .
(4) برقم: (636، 637) .
(5) "المسند": (4/353، 356، 382) .
(6) "سنن أبي داود": (1/526 - رقم: 828) .(2/233)
ورواه الحاكم من رواية مِسْعر عن إبراهيم، وقال: على شرط (خ) (1) .
وإبراهيم السَّكسكيُّ: صالح الحديث، وقد ضعَّفه شعبة (2) وأحمد بن حنبل (3) ، وروى له البخاريُّ في "صحيحه" (4) ، وقال النَّسائيُّ: ليس بذاك القويِّ، يكتب حديثه (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: لم أجد له حديثًا منكر المتن، وهو إلى الصِّدق أقرب منه إلى غيره، ويكتب حديثه كما قال النَّسائيُّ (6) .
782- وقال الطَّبرانيُّ: ثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق النَّيسابوريُّ ثنا أبو أميَّة محمد بن إبراهيم ثنا الفضل بن موفَّق ثنا مالك بن مِغْول عن طلحة بن مصرِّف عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنِّي لا أستطيع أن أتعلَّم القرآن، فعلِّمني ما يجزئني من القرآن. فقال: " قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ". قال: هذه لله، فما لي؟ قال: " قل: ربِّ اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني ". فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد ملأ يديه خيرًا ".
رواه أبو حاتم البستيُّ عن الحسن بن إسحاق الأصبهانيِّ عن أبي أميَّة (7) .
والفضل بن موفَّق: ضعَّفه أبو حاتم الرَّازيُّ وقال: كان شيخًا صالحًا،
__________
(1) "المستدرك": (1/241) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/111 - رقم: 331) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (2/132 - رقم: 201) .
(4) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/353 - رقم: 51) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (1/211 - رقم: 57) ، وفي "الضعفاء" للنسائي: (ص: 46 - رقم: 18) : (ليس بذاك القوي) فحسب.
(6) "الكامل": (1/211 - رقم: 57) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (5/116 - 117 - رقم: 1810) .(2/234)
وكان يروي أحاديث موضوعة (1) .
ومحمّد بن إبراهيم أبو أميَّة: حافظ ثقة، قال الحاكم: صدوق كثير الوهم (2) O.
* * * * *
مسألة (148) : الطمأنينة في الركوع والسجود فرض.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا تجب (3) .
وكذا الخلاف مع أبي حنيفة في الاعتدال من الركوع والسجود.
لنا سبعة أحاديث:
783- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا يحيى عن (4) عبيد الله قال: حدَّثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: دخل رجل فصلَّى، والنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد، ثم جاء إلى النَبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم فرد عليه السلام وقال: " ارجع فصلِّ، فإنك لم تصل ". ففعل ذلك ثلاث مرات، فقال: والذي بعثك بالحق نبياً ما أحسن غير هذا، فعلمني. قال: " إذا قمت إلى الصَّلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/68 - رقم: 387) .
(2) " سؤالات مسعود بن علي السجزي ": (ص: 158، 246 - رقمي: 169، 328) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: صوابه: ليس بفرض) ا. هـ
ولا ندري عن هذه الحاشية هل هي من المنقح أم من الناسخ؟
(4) في "التحقيق": (بن) خطأ.(2/235)
تعتدل قائمًا، ثُمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثُمَّ ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثُمَّ افعل ذلك في صلاتك كلِّها " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
784- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يزيد بن هارون أنا محمد بن عمرو عن عليِّ بن يحيى بن خلاَّد الزُّرقيِّ عن أبيه عن رفاعة بن رافع قال: جاء رجلٌ ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسٌ في المسجد، فصلَّى قريبًا منه، ثُمَّ انصرف إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلَّم عليه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعد صلاتك، فإنَّك لم تصلِّ ". فرجع فصلَّى كنحو ما صلَّى، ثُمَّ انصرف إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " أعد صلاتك، فإنَّك لم تصلِّ ". فقال: يا رسول الله، علِّمني. قال: " إذا استقبلت القبلة فكبِّر، ثُمَّ اقرأ بأمِّ القرآن، ثُمَّ اقرأ بما شئت، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك، ومكِّن لركوعك، فإذا رفعت رأسك فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، فإذا سجدت فمكِّن لسجودك، فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى، ثُمَّ اصنع ذلك في كلِّ ركعة وسجدةٍ " (3) .
785- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا هشام بن عبد الملك ثنا همَّام بن يحيى قال: حدَّثني إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة عن عليِّ بن يحيى بن خلاَّد عن أبيه عن عمِّه رفاعة بن رافع قال: دخل رجلٌ فصلَّى، ثُمَّ جاء فسلَّم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك، ارجع فصلِّ فإنَّك لم تصلِّ ". فجعل الرَّجل يصلِّي،
__________
(1) "المسند": (2/437) .
(2) "صحيح البخاري": (1/200 - 201) ؛ (فتح - 2/276 - 277 - رقم: 793) .
"صحيح مسلم": (2/10 - 11) ؛ (فؤاد - 1/298 - رقم: 397) .
(3) "المسند": (4/340) .
وفي هامش الأصل: (تقدم هذا الحديث) ا. هـ وانظر: رقم: (637) .(2/236)
وجعلنا نرمق صلاته، لا ندري ما يعيب منها؟! فلما صلَّى جاء فسلم، فقال له النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وعليك، ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ" - قال همام: لا أدري أمره بذلك مرتين أو ثلاثاً -. فقال الرجل: ما ألوت، وما أدري ما عبت علي من صلاتي؟! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويثني عليه، ثم يقرأ أم القرآن وما أذن له فيه وتيسر، ثم يكبر فيركع، فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله، ويقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائمًا حتى يقيم صلبه ويأخذ كل عظم مأخذه، ثم يكبر ويسجد فيمكن وجهه - وربما قال: جبهته - من الأرض حتى تطمئن مفاصله، ثم يكبر ويستوي قاعداً ويقيم صلبه ... " ووصف الصَّلاة (1) .
786- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا الأعمش عن عمارة بن عمير الليثي (2) عن أبي معمر الأزدي (3) عن أبي مسعود عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود " (4) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديث صحيح (5) .
787- الحديث الرابع: قال أحمد: وثنا عبد الصمد و [سريج] (6)
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/95 - 96) .
(2) فوقه بالأصل: (ع) إشارة إلى تخريج الجماعة له.
(3) فوقه بالأصل: (ع) إشارة إلى تخريج الجماعة له.
وفي هامش الأصل: (حـ: أبو معمر الأزدي، اسمه عبد الله بن سخبرة، وثقه ابن معين وغيره) ا. هـ
(4) "المسند": (4/122) .
(5) "الجامع": (1/304 - رقم: 265) وفيه: (حسن صحيح) ا. هـ
(6) في الأصل و (ب) : (شريح) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".(2/237)
قالا: ثنا ملازم بن عمرو أنا عبد الله بن بدر أن عبد الرَّحمن بن علي حدثه أن أباه علي بن شيبان حدَّثه أنه خرج وافداًَ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فصلينا خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمح بمؤخر عينه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فلما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا معشر المسلمين، إنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود " (1) .
788- طريق آخر: قال أحمد: وثنا أبو النضر ثنا أيُّوب بن عتبة ثنا عبد الله بن بدر عن عبد الرَّحمن بن علي بن شيبان عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا ينظر الله عز وجل إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده" (2) .
789- الحديث الخامس: قال أحمد: وثنا يحيى بن آدم ثنا عامر بن يساف قال: حدَّثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن بدر الحنفي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين (3) ركوعه وسجوده" (4) .
790- الحديث السادس: قال أحمد: وثنا عفان ثنا مهدي ثنا واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعاً ولا سجوداً، فلما انصرف من صلاته دعاه حذيفة، فقال له: منذ كم صليت هذه الصَّلاة؟ قال: قد صليتها منذ كذا وكذا. فقال حذيفة: ما صليت - أو: ما صليت لله صلاة (شك مهدي) -. وأحسبه قال: لو متَّ متَّ على غير سنة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) .
__________
(1) "المسند": (4/23) .
(2) "المسند": (4/22) .
(3) في "التحقيق": (من) !
(4) "المسند": (2/525) .
(5) "المسند": (5/396) .(2/238)
انفرد بإخراجه البخاريُّ (1) .
791- الحديث السَّابع: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار ومحمد بن المثنَّى قالا: ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الحميد بن جعفر (2) ثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حُميد السَّاعدي قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصَّلاة اعتدل قائماً ورفع يديه حتى يحاذي منكبيه [ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه] (3) ، ثُمَّ قال: " الله أكبر " وركع، ثُمَّ اعتدل فلم يصوِّب رأسه ولم يُقْنع، ووضع يديه على ركبتيه، ثُمَّ قال: " سمع الله لمن حمده " ورفع يديه، واعتدل حتى رجع كلُّ عظمٍ في موضعه معتدلاً، ثُمَّ يهوي إلى الأرض ساجدًا، ثُمَّ قال: " الله أكبر "، ثُمَّ جافى عضديه عن أبطيه وفتح أصابع رجليه، ثُمَّ ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثُمَّ اعتدل حتى رجع كل عظمٍ في موضعه معتدلاً، ثُمَّ هوى ساجدًا، ثمَّ قال: " الله أكبر "، ثُمَّ ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كلُّ عضوٍ في موضعه، ثُمَّ نهض فصنع في الرَّكعة الثَّانية مثل ذلك، حتى إذا قام من السَّجدتين كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما صنع حين افتتح الصَّلاة، ثُمَّ صنع كذلك. ثُمَّ ذكر أنَّه يقعد متورِّكًا، ثُمَّ يسلِّم (4) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (5) .
792- وقد روى أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن خالد عن أبي
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/108) ؛ (فتح - 1/495 - رقم: 389) .
(2) رقم فوقه بالأصل: (م، 4) إشارة إلى تخريج مسلم له إضافة إلى أصحاب السنن.
(3) زيادة من "التحقيق".
(4) "الجامع": (1/335 - 336 - رقم: 304) .
(5) "صحيح البخاري": (1/210) ؛ (2/305 - رقم: 828) وليس فيه بعض الألفاظ التي في هذه الرواية، وسيأتي لفظه برقم (863) .(2/239)
قلابة عن مالك بن الحويرث عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي " (1) .
ز: حديث أبي مسعود: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ (3) وابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5) والدَّارَقُطْنِيُّ - وقال: إسناده ثابت صحيح (6) - والبيهقيُّ - وقال: إسنادٌ صحيح (7) -.
793- روى يحيى بن أبي بكير عن إسرائيل عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً: " لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ".
رواه البيهقيُّ وقال: تفرد به يحيى بن أبي بكير (8) .
وحديث علي بن شيبان: رواه ابن ماجه (9) ، وعبد الله بن بدر: وثقه ابن معين (10) وأبو زرعة (11) والعجليُّ (12) وابن حِبَّان (13) .
__________
(1) "المسند": (5/53) .
(2) "سنن أبي داود": (1/537 - رقم: 851) .
(3) "الجامع": (1/303 - رقم: 265) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/282 - رقم: 870) .
(5) "سنن النسائي": (2/183 - رقم: 1027) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/348) .
(7) "سنن البيهقي": (2/88) .
(8) "سنن البيهقي": (2/88 - 89) .
(9) "سنن ابن ماجه": (1/282 - رقم: 871) .
(10) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 144 - رقم: 487) .
(11) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/12 - رقم: 56) .
(12) "الثقات": (ترتيبه - 2/22 - رقم: 856) .
(13) "الثقات": (7/46) .(2/240)
وعامر بن يساف - في حديث أبي هريرة -: قال أبو حاتم: هو صالح (1) . وقال أبوداود: رجل صالح، ليس به بأس (2) . وقال ابن عَدِيٍّ: منكر الحديث عن الثقات (3) .
وحديث أبي حميد: لم يروه البخاري مطولاً، ولم يروه من طريق عبد الحميد بن جعفر.
وحديث مالك: رواه البخاريُّ (4) O.
احتجُّوا:
794- بحديث يروى عن [ابن] (5) أبزى قال: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يكبر بين السجدتين.
قال أحمد: هو حديث منكر، ما أراه محفوظاً.
قلت: والذي روينا عن ابن أبزى نحو حديث أبي حميد من الطمأنينة.
* * * * *
مسألة (149) : يجمع الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد، ويقتصر المأموم على التحميد.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/329 - رقم: 1833) .
(2) "سؤالات أبي عبيد الآجري": (1/408 - 409 - رقم: 815) بتقديم وتأخير.
(3) "الكامل" لابن عدي: (5/85 - رقم: 1262) .
(4) "صحيح البخاري": (1/162) ؛ (فتح - 2/111 - رقم: 631) .
(5) سقطت من الأصل و (ب) ، والتصويب من "التحقيق" وسيأتي على الصواب.(2/241)
وقال أبوحنيفة ومالك كقولنا في المأموم، فأما الإمام والمنفرد فيقتصران على التسميع.
وقال الشَّافعيُّ: يجمع المأموم بينهما أيضاً.
795- قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ (1) عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد " (2) .
أخرجاه في "الصحيحين" (3) .
796- قال أحمد: وثنا وكيع ثنا الأعمش عن عبيد بن الحسن المزني قال: سمعت ابن أبي أوفى يقول: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الركوع قال: " سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد " (4) .
797- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا أحمد بن الحسن ابن سعيد ثنا أبي ثنا سعيد بن عثمان الخزاز ثنا عمرو بن شمر عن جابر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال لي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بريدة، إذا رفعت راسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد " (5) .
__________
(1) في (ب) : (ثنا معتمر عن الترمذي) خطأ.
(2) "المسند": (3/162) .
(3) "صحيح البخاري": (1/203) ؛ (فتح - 2/310 - رقم: 805) .
"صحيح مسلم": (2/18) ؛ (فؤاد - 1/308 - رقم: 411) .
(4) "المسند": (4/353) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/339) .(2/242)
798- وقال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطَّيالسيُّ ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي (1) سلمة بن الماجشون ثنا عمَّي عن عبد الرَّحمن الأعرج عن عُبيد الله بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الرُّكوع قال: " سمع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمد، ملء السَّماء، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بعد ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2) .
799- قال التِّرمذيُّ: وثنا الأنصاريُّ ثنا مَعْن ثنا مالك عن سُميٍّ عن أبي صالح عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربَّنا ولك الحمد، فمن وافق قولُه قولَ الملائكة غفر له ما تقدَّم من ذنبه ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
800- وقال البخاريُّ: ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبريِّ عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قال: " سمع الله لمن حمده " = قال: " اللهم ربَّنا ولك الحمد " (4) .
801- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو طالب الحافظ ثنا يزيد بن محمد بن
__________
(1) سقطت كلمة (أبي) من "التحقيق".
(2) "الجامع": (1/304 - 305 - رقم: 266) وفي: (حسن صحيح) .
(3) "الجامع": (1/305 - 306 - رقم: 267) .
وفي هامش الأصل: (حـ: متفق عليه) ا. هـ
انظر: "صحيح البخاري": (1/201) ؛ (فتح - 2/283 - رقم: 796) ، و "صحيح مسلم": (2/17) ؛ (فؤاد - 1/306 - رقم: 409) .
(4) "صحيح البخاري": (1/201) ؛ (2/282 - رقم: 795) .(2/243)
عبد الصَّمد ثنا يحيى بن عمرو بن عمارة قال: سمعت ابن ثوبان يقول: حدَّثني عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فليقل من وراءه: ربَّنا ولك الحمد " (1) .
802- وقد رواه أبو زرعة عبد الرَّحمن بن عمرو عن يحيى عن ابن ثوبان عن ابن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة قال: كنَّا إذا صلَّينا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " سمع الله لمن حمده " = قال من وراءه: سمع الله لمن حمده.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: المحفوظ الأوَّل (2) .
ز: حديث ابن أبي أوفى: رواه مسلم (3) وأبو داود (4) وابن ماجه (5) ، ورواه شعبة عن عُبيد.
وحديث بُريدة: إسناده ساقطٌ، وعمرو وجابر: ضعيفان، وكذلك سعيد بن عثمان، وشيخ ابن عقدة وأبوه: لا يعرفان.
وحديث عليٍّ: تقدَّم بطوله في الاستفتاح (6) .
803- وروى أبو سعيد الخدريُّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الرُّكوع قال: " اللهم ربَّنا (7) لك الحمد، ملء السَّموات والأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثاء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلُّنا لك عبدٌ،
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/340) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/340) .
(3) "صحيح مسلم": (1/46 - 47) ؛ (1/346 - رقم: 476) .
(4) "سنن أبي داود": (1/533 - رقم: 842) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/284 - رقم: 878) .
(6) برقمي: (684، 686) .
(7) في مطبوعة "صحيح مسلم": (قال: ربنا) .(2/244)
اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ ".
رواه مسلمٌ (1) .
804- وعن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رفع رأسه من الرُّكوع قال: " اللهم ربَّنا لك الحمد، ملء السَّموات، وملء الأرض، وما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بعدُ، أهل الثَّناء والمجد (2) ، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجدُّ ".
رواه مسلمٌ أيضًا (3) O.
* * * * *
مسألة (150) : التَّكبيرُ بعد الافتتاحِ، والتَّسميعُ، والتَّحميدُ، وقولُ: " ربِّ اغفر لي "، والتَّشهدُ الأوَّل: واجبٌ، خلافًا لأكثرهم في قولهم أنَّه سُنَّة.
لنا:
أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد صحَّ عنه أنَّه كان يفعل ذلك، وقد قال: " صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ".
ز: وقد صحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه كان يقول ويفعل في الصَّلاة أشياء غير
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/47) ؛ (فؤاد - 1/347 - رقم: 477) .
(2) من قوله: (أحق ما قال العبد) في الحديث السابق إلى هنا سقط من (ب) .
(3) "صحيح مسلم": (2/47) ؛ (فؤاد - 1/347 - رقم: 478) .(2/245)
واجبة، مع قوله: " صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي " O.
قال المؤلِّف: ولنا حديث عليٍّ (1) وبُريدة (2) ، وقد سبق ذلك في المسألة قبلها.
805- وقال الإمام أحمد: ثنا حجَّاج ثنا ليث قال: حدَّثني عُقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع أبا هريرة يقول: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصَّلاة يكبِّر حين يقوم، ثُمَّ يكبِّر حين يركع، ثُمَّ يقول: " سمع الله لمن حمده " حين يرفع صلبه من الرَّكعة، ثُمَّ يقول وهو قائمٌ: " ربَّنا لك الحمد "، ثُمَّ يكبِّر حين يهوي ساجدًا، ثُمَّ يكبِّر حين يرفع رأسه، ثُمَّ يفعل ذلك في الصَّلاة كلِّها حتَّى يقضيها، ويكبِّر حين يقوم من الثِّنتين بعد الجلوس (3) .
أخرجه البخاريُّ (4) ومسلمٌ (5) في "الصَّحيحين".
806- وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرَّحمن بن الأسود عن علقمة والأسود عن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في كلِّ خفضٍ ورفعٍ، وقيامٍ وقعودٍ، وأبو بكر وعمر.
قال التِّرمذيُّ: هذاحديثٌ صحيحٌ (6) .
807- قال التِّرمذيُّ: وثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود أنبأنا شعبة عن
__________
(1) رقم: (798) .
(2) رقم: (797) .
(3) "المسند": (2/454) .
(4) "صحيح البخاري": (1/200) ؛ (فتح - 2/272 - رقم: 789) .
(5) "صحيح مسلم": (2/7 - 8) ؛ (فؤاد - 1/293 - 294 - رقم: 392) .
(6) "الجامع": (1/293 - رقم: 253) وفيه: (حسن صحيح) .(2/246)
الأعمش قال: سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن المستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة أنه صلَّى مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يقول في ركوعه: " سبحان ربي العظيم "، وفي سجوده: " سبحان ربي الأعلى ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديث صحيح (1) .
808- وقال أحمد: ثنا أبو عبد الرَّحمن ثنا موسى بن أيُّوب الغافقي قال: حدَّثني عمي إياس بن عامر قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} [الواقعة: 74، 96؛ والحاقة: 52] قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجعلوها في ركوعكم "، فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قال: " اجعلوها في سجودكم " (2) .
809- قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان (3) بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد " (4) .
قال معمر عن الزُّهريِّ عن أنس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله.
وقد سبق في مسألة الطمأنينة حديث:
__________
(1) "الجامع": (1/301 - 302 - رقم: 262) وفيه: (حسن صحيح) .
(2) "المسند": (4/155) .
في هامش الأصل: (حـ: وزاد أبو داود في روايته هذا الحديث: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع قال: " سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاثاً، وإذا سجد قال: " سبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاثاً.
وقال: وهذه الزيادة نخاف ألا تكون محفوظة) ا. هـ
"سنن أبي داود": (2/6 - 7 - رقم: 866) .
(3) في "التحقيق": (خطاب) خطأ.
(4) "المسند": (4/394) وفيه: (ربنا لك الحمد) .(2/247)
810- رفاعة بن رافع عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء، ثم يكبر، ثم يقرأ أم القرآن، ثم يكبر فيركع، ويقول: سمع الله لمن حمده، ثم يكبر ويسجد، ثم يكبر ويستوي قاعداً ".
ذكرناه بإسناده هناك (1) .
ز: حديث ابن مسعود: رواه الإمام أحمد (2) والنَّسائيُّ (3) أيضاً.
وحديث حذيفة: رواه الإمام أحمد (4) ومسلم (5) وأبوداود (6) وابن ماجه (7) والنَّسائيُّ (8) .
وحديث عقبة: رواه أبوداود عن أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي وموسى بن إسماعيل البصري (9) ، ورواه ابن ماجه عن عمرو بن رافع القزويني (10) ، ثلاثتهم عن ابن المبارك عن موسى.
ورواه الحاكم وصححه (11) .
__________
(1) رقم: (785) مطولاً.
(2) "المسند": (1/386) .
(3) "سنن النسائي": (2/205 - رقم: 1083) .
(4) "المسند": (5/382) .
(5) "صحيح مسلم": (2/186) ؛ (فؤاد - 1/536 - 537 - رقم: 772) .
(6) "سنن أبي داود": (2/7 - رقم: 867) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/429 - رقم: 1351) وليس فيه محل الشاهد، وخرجه في موضع آخر: (1/287 - رقم: 888) من رواية ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبي الأزهر عن حذيفة أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا ركع: " سبحان ربي العظيم " ثلاث مرات، وإذا سجد قال: " سبحان ربي الأعلى " ثلاث مرات.
(8) "سنن النسائي": (2/176 - 177 - رقم: 1008) .
(9) "سنن أبي داود": (2/6 - رقم: 865) .
(10) "سنن ابن ماجه": (1/287 - رقم: 887) .
(11) "المستدرك": (1/225) .(2/248)
وليس لإياس عند أبي داود وابن ماجه غير هذا الحديث، قال أبو سعيد ابن يونس: كان إياس من شيعة علي، والوافدين عليه من أهل مصر، وشهد معه مشاهده (1) .
وموسى بن أيُّوب الغافقي: قال إسحاق بن منصور (2) وعباس الدوري (3) عن يحيى بن معين: هو ثقة. ووثقه أبو داود (4) وابن حِبَّان (5) أيضاً، وقال يحيى بن بكير: موسى بن أيُّوب أوَّل من أحدث القياس بمصر (6) .
وحديث أبي موسى: رواه جماعة عن قتادة، وأخرجه مسلم (7) وأبو داود (8) والنَّسائيُّ (9) وابن ماجه (10) O.
* * * * *
مسألة (151) : السنة أن يضع ركبتيه قبل يديه إذا سجد.
وقال مالك: السنة أن يسبق بيديه، وعن أحمد نحوه.
__________
(1) "تهذيب الكمال" للمزي: (3/404 - رقم: 591) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/134 - رقم: 606) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/430 - رقم: 5132) .
(4) " سؤالات أبي عبيد الآجري ": (2/183 - رقم: 1540) .
(5) "الثقات": (7/449) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (29/32 - رقم: 6238) .
(7) "صحيح مسلم": (2/14 - 15) ؛ (فؤاد - 1/303 - 304 - رقم: 404) .
(8) "سنن أبي داود": (2/50 - 51 - رقم: 964) .
(9) "سنن النسائي": (2/96 - 97 - رقم: 830) .
(10) "سنن ابن ماجه": (1/276، 291 - رقمي: 847، 901) مختصراً، وليس عنده محل الشاهد.(2/249)
لنا حديثان:
811- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا سلمة بن شبيب ثنا يزيد بن هارون أنا شريك عن عاصم بن كليب (1) عن أبيه عن وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض يرفع يديه قبل ركبتيه.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديث حسن غريب، ورواه همام عن عاصم مرسلاً (2) .
وهذا لا يضر، لأن الراوي قد يرفع وقد يرسل.
ز: ورواه أبو داود (3) والنَّسائيُّ (4) وابن ماجه (5) والحاكم - وقال: على شرط مسلم (6) - والدَّارَقُطْنِيُّ وقال: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به، والله أعلم (7) .
وقال البيهقيُّ: هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي (8) .
__________
(1) رقم فوقه بالأصل: (م، 4) إشارة إلى تخريج مسلم له إضافة إلى أصحاب السنن.
(2) "الجامع": (1/306 - 307 - رقم: 268) .
(3) "سنن أبي داود": (1/529 - رقم: 834) .
(4) "سنن النسائي": (2/206 - 207 - رقم: 1089) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/286 - رقم: 882) .
(6) "المستدرك": (1/226) وقد سقط إسناده من المطبوعة، وهو ثابت في "إتحاف المهرة" لابن حجر: (13/673 - رقم: 17291) ، وذكر طرفه الأول: الذهبي في "تلخيصه".
(7) "سنن الدارقطني": (1/345) .
(8) "سنن البيهقي": (2/99) .(2/250)
وقال يزيد بن هارون: ولم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث (1) .
وقال الخطابي: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة (2) O.
812- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا العباس بن محمد ثنا العلاء بن إسماعيل العطار ثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انحط بالتكبير، فسبقت ركبتاه يديه (3) .
ز: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرد به العلاء بن إسماعيل عن حفص بهذا الإسناد، والله أعلم (4) .
ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرطهما، ولا أعرف له علة (5) .
وليس كما قال، فإن العلاء بن إسماعيل: غير معروف O.
احتجوا بأحاديث:
813- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن الحسين (6) بن عبد الرَّحمن القاضي ثنا محمد بن الأصبغ بن الفرج ثنا أبي ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سجد يضع
__________
(1) "الجامع": (1/306 - رقم: 268) .
(2) "معالم السنن": (1/398 - رقم: 803) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/345) .
(4) الموضع السابق.
(5) "المستدرك": (1/226) .
(6) فوقها بالأصل: (صح) إشارة إلى صحة تكرار كلمة: (الحسين) .(2/251)
يديه قبل ركبتيه (1) .
814- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن خالد ثنا مروان بن محمد ثنا عبد العزيز بن محمد ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل رجليه، ولا يبرك بروك البعير " (2) .
ورواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن الحسن (3) .
815- وقال أحمد: ثنا سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد قال: حدَّثني محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل، وليضع يديه قبل ركبتيه " (4) .
والجواب: أن أحاديثنا أشهر في كتب السنن وأثبت، وما ذهبنا إليه أليق بالأدب والخشوع.
ز: حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: في " الأفراد ": تفرد به أصبغ بن الفرج عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله (5) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/344) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/344 - 345) .
(3) "الجامع": (1/307 - رقم: 269) .
في هامش الأصل: (حـ: محمد بن عبد الله بن حسن وثقه النسائي) ا. هـ
انظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (25/466 - رقم: 5338) .
(4) "المسند": (2/381) .
(5) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (3/472 - رقم: 3309) .
وفي هامش الأصل: (حـ: وعلقه البخاري في "صحيحه"، قال: وقال نافع: كان ابن =(2/252)
وقد رواه أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه":
816- ثنا محمد بن عمرو بن تمام المصري ثنا أصبغ بن الفرج ثنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذلك.
وقال بعده: ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين قبل الرُّكبتين عند السجود منسوخ، وأن وضع الرُّكبتين قبل اليدين ناسخ.
وروى من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبيه (1) عن سلمة عن مصعب بن سعد عن سعد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين (2) .
وهذا إسناد ضعيف، فإن يحيى بن سلمة بن كهيل قال البخاريُّ: في حديثه مناكير (3) . وقال ابن نمير: ليس ممن يكتب حديثه (4) . وقال ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه (5) وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (6) .
__________
= عمر يضع يديه قبل ركبتيه) ا. هـ
انظر: "صحيح البخاري": (1/202) ؛ (فتح - 2/310 - كتاب الأذان - الباب رقم: 128) .
(1) فوقها: (صح) للتنبيه على صحة تكرار كلمة (أبيه) .
وفي هامش الأصل: (حـ: المعروف: إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، وإبراهيم ضعيف، وأبوه متروك) ا. هـ
(2) "صحيح ابن خزيمة": (1/318 - 319 - رقمي: 627 - 628) .
(3) "التاريخ الكبير" للبخاري: (8/277 - 278 - رقم: 2989) ؛ "الضعفاء الصغير" للبخاري: (ص: 499 - رقم: 397) .
(4) "المجروحون" لابن حبان: (3/113) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/277، 314 - رقمي: 1325 - 1494) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 242 - رقم: 631) .(2/253)
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ضعيفٌ (1) . وقال ابن عَدِيٍّ: ومع ضعفه يكتب حديثه (2) .
والمشهور عن مصعب بن سعد عن أبيه نسخ التَّطبيق.
817- وقال الحاكم: ثنا محمد بن أحمد بن بُطََّة الأصبهانيُّ ثنا عبد الله ابن محمد بن زكريا ثنا مُحْرِز بن سلمة ثنا الدَّراورديُّ عن عُبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذلك.
قال الحاكم: على شرط مسلم (3) . فلم يتفرَّد به أصبغ (4) .
وحديث أبي هريرة: رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) ، وقال التِّرمذيُّ: حديث أبي هريرة حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه (7) .
ورواه البخاريُّ في "تاريخه" في ترجمة محمد بن عبد الله، وقال: لا يتابع عليه، ولا أدري سمع من أبي الزِّناد أم لا (8) ؟
818- وعن عبد الله بن سعيد المَقْبُريِّ عن جدِّه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الجمل".
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (3/196 - رقم: 3720) ، والدارقطني ذكره في "ضعفائه": (ص: 391 - رقم: 574) .
(2) "الكامل": (7/197 - رقم: 2103) .
(3) "المستدرك": (1/226) .
(4) في هامش الأصل: (قال البيهقي في حديث محرز: لا أراه إلا وهماً) ا. هـ
انظر: "سنن البيهقي": (2/100) .
(5) "سنن أبي داود": (1/530 - رقمي: 836 - 837) .
(6) "سنن النسائي": (2/207 - رقمي: 1090 - 1091) .
(7) "الجامع": (1/307 - رقم: 269) .
(8) "التاريخ الكبير": (1/139 - رقم: 418) .(2/254)
رواه البيهقيُّ، وقال: إلا أنَّ عبد الله بن سعيد المَقْبُريِّ ضعيفٌ (1) .
وقال التِّرمذيُّ: في " جامعه " وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد المَقْبُريِّ عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الله بن سعيد ضعَّفه يحيى بن سعيد القطَّان وغيره.
قال التِّرمذيُّ هذا بعد روايته حديث أبي هريرة مختصرًا من طريق أبي (2) حسن (3) .
819- وقال أبو يعلى الموصليُّ في "مسنده": حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جدِّه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل " (4) O.
* * * * *
مسألة (152) : لا يجزئ الاقتصار على الأنف في السُّجود، وفي الجبهة روايتان.
وقال أبو حنيفة: يجزئ.
لنا:
820- حديث رِفاعة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تتمُّ صلاة أحدكم حتى يسبغ
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/100) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، ولعل الصواب: (ابن) .
(3) "الجامع": (1/307 - رقم: 269) .
(4) "مسند أبي يعلى": (11/414 - رقم: 6540) .(2/255)
الوضوء ويكبر ... - فوصف الصَّلاة، ثم قال: - ويسجد فليمكن وجهه - وربما قال: جبهته - من الأرض".
وقد سبق بإسناده في مسألة الطمأنينة (1) .
821- وقال التِّرمذيُّ: ثنا بندار ثنا أبو عامر ثنا فليح بن سليمان قال: حدَّثني عباس بن سهل عن أبي حميد الساعدي أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديث حسن صحيح (2) .
822- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو عبد الله بن المهتدي ثنا الحسن بن علي ابن خلف ثنا سليمان بن عبد الرَّحمن حدَّثني ناشب بن عمرو الشيباني ثنا مقاتل بن حيان عن عروة عن عائشة قالت: أبصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة من أهله تصلِّي ولا تضع أنفها بالأرض، فقال: "يا هذه، ضعي أنفك بالأرض، فإنه لا صلاة لمن لم يضع أنفه بالأرض مع جبهته في الصَّلاة" (3) .
فإن قالوا: قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ناشب ضعيف (4) .
قلنا: ما قدح فيه غيره، ولا يقبل التضعيف حتى يبين سببه.
ز: هذا الكلام يدل على قلة علم المؤلف بالدَّارَقُطْنِيِّ، فإن الدَّارَقُطْنِيّ قلّ أن يضعف رجلاً ويكون فيه طب، ولا يطلب بيان السبب في التضعيف إلا إذا عارضه تعديل، وقد تكلم البخاري في ناشب أيضاً، وقال: هو منكر الحديث (5) .
__________
(1) رقم: (785) .
(2) "الجامع": (1/308 - رقم: 270) وفيه: (حسن صحيح) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/348) .
(4) الموضع السابق
(5) "الميزان" للذهبي: (4/239 - رقم: 8986) .(2/256)
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في هذا الحديث: ولا يصح مقاتل عن عروة O.
823- وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا يحيى بن عثمان ثنا محمد بن حمير عن الضَّحَّاك بن حُمْرة عن منصور بن زاذان عن عاصم البجلي عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يلصق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد، لم تجز صلاته " (1) .
قال يحيى: الضَّحَّاك بن حُمْرة ليس بشيء (2) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (3) .
وقد روي حديث يختص الأنف:
824- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا الجرَّاح بن مخلد ثنا أبو قتيبة ثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض ".
وفي لفظ: " لا صلاة لمن لم يصب أنفه من الأرض ما تصيب جبهته " (4) .
فإن قالوا: قال أبو بكر بن أبي داود: لم يرفعه إلاَّ أبو قتيبة (5) .
قلنا: هو ثقة، أخرج عنه البخاريُّ (6) ، والرفع زيادة، وهي من الثقة
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (4/98 - رقم: 946) تحت ترجمة ضحاك بن حمرة.
في هامش الأصل: (حـ: رواه الط [] ) ا. هـ وآخر الكلمة الثانية مقطوع مع طرف الورقة، ولعلها: (الطبراني) ، وهذا الحديث خرجه الطبراني في "الأوسط": (4/250 - رقم: 4111) وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد": (2/129) إلى " الكبير " أيضاً.
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (4/380 - رقم: 4877) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 136 - رقم: 312) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/348 - 349) .
(5) المرجع السابق، وفيه: (لم يسنده عن سفيان وشعبة إلا أبو قتيبة) .
(6) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/1142 - رقم: 1356) .(2/257)
مقبولة.
ز: وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في هذا الحديث: الصواب عن عاصم عن عكرمة مرسلاً (1) .
ورواه الحاكم في "المستدرك" (2) .
825- وروى إسماعيل بن عبد الله - المعروف بـ (سمويه) - في "فوائده" عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا سجد أحدكم فليضع أنفه على الأرض، فإنكم قد أمرتم بذلك.
ورواه البيهقيُّ من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس.
826- وقال: ورواه حرب بن ميمون عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ضع أنفك فليسجد معك".
وقال: قال أبو عيسى التِّرمذيُّ (3) : حديث عكرمة عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل أصح (4) O.
احتجُّوا:
827- بما روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله قال: قلت لوهب بن كيسان: مالك لا تمكن جبهتك وأنفك من الأرض؟ قال: ذلك أني سمعت
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/349) .
(2) "المستدرك": (1/270) وقال: (حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وقد أوقفه شعبة عن عاصم) ا. هـ
(3) هو في "العلل الكبير": (ترتيبه - ص: 70 - رقم: 102) .
(4) "سنن البيهقي": (2/104) .(2/258)
جابر بن عبد الله يقول: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد على (1) جبهته على قصاص الشَّعر.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به عبد العزيز عن وهب، وليس بالقويِّ (2) .
قلت: قال يحيى بن معين: هو ضعيفٌ (3) . وقال أبو زرعة: مضطرب الحديث، واهي الحديث (4) .
قال النَّسائيُّ: وإسماعيل بن عيَّاش ضعيفٌ (5) . وقال ابن حِبَّان: خرج عن حدِّ الاحتجاج به (6) .
وقد رُوي حديثٌ لا يثبت:
828- قال ابن عَدِيٍّ: ثنا أحمد بن محمد الشَّرقيُّ ثنا إسحاق بن إبراهيم (7) ثنا حفص بن عبد الله قال: حدَّثني محمد بن الفضل بن عطيَّة عن محمد بن عجلان (8) عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " السُّجود على الجبهة فريضةٌ، وعلى الأنف تطوُّعٌ " (9) .
وهذا لا يصحُّ، قال أحمد: محمد بن الفضل حديثه حديث أهل
__________
(1) في "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (بأعلى) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/349) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/429 - رقم: 5127) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/388 - رقم: 1805) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 51 - رقم: 34) .
(6) "المجروحون": (1/125) .
(7) في "التحقيق": (إسماعيل) .
(8) من قوله: (ثنا حفص) إلى هنا ساقط من "التحقيق".
(9) "الكامل": (6/165 - رقم: 1650) .(2/259)
الكذب (1) . وقال يحيى: كان كذَّاباً (2) .
* * * * *
مسألة (153) : لا يجزئ السجود على كور العمامة.
وعنه: يجزئ.
لنا:
الأحاديث المتقدمة.
وقد روى من أجاز ذلك: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسجد على كور العمامة.
ز: 829- روى خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا.
رواه البيهقيُّ عن أبي عبد الله الحافظ عن أبي بكر بن إسحاق الفقيه عن الحسن بن علي بن زياد عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب (3) .
وقد رواه مسلم من رواية زهير وغيره عن أبي إسحاق، وليس فيه:
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (2/549 - رقم: 3601) .
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (4/121 - رقم: 1679) من رواية محمد بن عثمان بن أبي شيبة.
(3) "سنن البيهقي": (2/104 - 105) .(2/260)
(في جباهنا وأكفِّنا) (1) .
830- وعن عليٍّ قال: إذا كان أحدكم يصلِّي فليحسر العمامة عن جبهته.
831- وعن نافع أنَّ ابن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض.
832- وعن عبادة بن الصَّامت أنَّه كان إذا قام إلى الصَّلاة حسر العمامة عن جبهته.
رواها البيهقيُّ (2) ، وقال: وأمَّا ما روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السُّجود على كور العمامة، فلا يثبت شيءٌ من ذلك (3) .
833- وعن هشام عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرَّجل منهم على عمامته.
رواه البيهقيُّ (4) O.
* * * * *
مسألة (154) : لا يجب كشف اليدين في السُّجود، خلافًا لأحد قولي
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/109) ؛ (فؤاد - 1/433 - رقم: 619) .
(2) "سنن البيهقي": (2/105) .
(3) "سنن البيهقي": (2/106) .
(4) المرجع السابق.
وفي هامش الأصل حاشية لم يتضح لنا المراد منها.(2/261)
الشَّافعيِّ: يجب.
لنا:
834- ما روى أحمد من حديث عبد الله بن عبد الرَّحمن الأنصاريِّ قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) في مسجد بني عبد الأشهل، فرأيته واضعًا يديه في ثوبيه (2) إذا سجد (3) .
835- وقال محمود بن إسحاق: ثنا البخاريُّ ثنا محمد بن مقاتل ثنا عبد الله ثنا زائدة بن قدامة ثنا عاصم بن كليب الجرميُّ ثنا أبي أنَّ وائل بن حُجْر أخبره قال: قلت: لأنظرنَّ إلى صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كيف يصلِّي؟ فنظرت إليه، فقام فكبَّر، فرفع يديه، ثُمَّ لمَّا أراد أن يركع رفع يديه مثلها، ثُمَّ رفع رأسه فرفع يديه مثلها؛ ثُمَّ جئت بعد ذلك في زمان فيه برد، عليهم جلُّ الثِّياب تحرَّك أيديهم من تحت الثِّياب (4) .
ز: 836- عن عبد الله بن عبد الرَّحمن بن ثابت بن الصَّامت عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى في بني عبد الأشهل وعليه كسَاءٌ متلفِّفٌ فيه، يضع يديه عليه، يقيه برد الحصى.
رواه ابن ماجه عن جعفر بن مسافر عن إسماعيل بن أبي أويس عن إبراهيم بن إسماعيل الأشهليِّ - وهو ابن أبي حبيبة، وفيه كلام - عن عبد الله بن عبد الرَّحمن (5) .
__________
(1) في هامش الأصل: (خـ: وقد روى أصحابنا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم) ا. هـ وهذا إشارة إلى ما وقع في بعض نسخ "التحقيق"، وهو الموافق لما في المطبوعة.
(2) في "التحقيق": (فلم يخرج يديه من ثوبه) .
(3) "المسند": (4/234 - 235) .
(4) "جزء رفع اليدين": (ص: 109 - 110 - رقم: 31) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/329 - رقم: 1032) .(2/262)
ورواه البيهقيُّ وقال: في إسناده بعض الضعف.
837- ورواه الإمام أحمد (1) وابن ماجه (2) أيضًا عن عبد الله بن عبد الرَّحمن قال: جاءنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجد بني الأشهل فرأيته واضعًا يديه على ثوبه إذا سجد.
وعبد الله: ليست له صحبة، والصَّواب الأوَّل O.
* * * * *
مسألة (155) : يجب السُّجود على سبعة أعضاء.
وقال أبو حنيفة: لا يجب إلا على الجبهة.
وعن الشَّافعيِّ: فيما عدا الجبهة قولان.
لنا حديثان:
838- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا عبد الله بن جعفر (3) عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن العباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سجد الرَّجل سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفَّاه،
__________
(1) "المسند": (4/335) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/328 - 329 - رقم: 1031) .
وفي هامش الأصل: (حـ: روى هذه الطريق ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن الدراوردي عن إسماعيل بن أبي حبيبة و [] عن عبد الله بن عبد الرحمن) ا. هـ وما بين المعقوفتين كلمة لم تظهر في مصورتنا.
(3) في هامش الأصل: (عبد الله بن جعفر هو المخرمي، وقد تكلم فيه، وقد روي من غير طريقه) ا. هـ(2/263)
وركبتاه، وقدماه " (1) .
انفرد بإخراجه مسلم (2) .
839- الحديث الثَّاني: قال البخاريُّ: ثنا قَبيصة ثنا سفيان عن عمرو ابن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: أُمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكفَّ شعرًا ولا ثوبًا، الجبهة واليدين والرُّكبتين والرِّجلين (3) .
840- قال البخاريُّ: وثنا مسلم بن إبراهيم ثنا شعبة عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أُمرنا أن نسجد على سبعة أعظم، ولا نكفَّ ثوبًا ولا شَعرًا " (4) .
الطَّريقان في "الصَّحيحين".
* * * * *
مسألة (156) : المستحب أن ينهض في (5) السُّجود على صدور قدميه
__________
(1) "المسند": (1/206) .
(2) "صحيح مسلم": (فؤاد - 1/355 - رقم: 491) .
(تنبيه) : هذا الحديث يبدو أنه غير موجود في بعض نسخ "صحيح مسلم" فلم نره في الطبعة التركية: (2/53) ، وانظر: " النكت الظراف " لابن حجر: (4/265 - رقم: 5126) .
(3) "صحيح البخاري": (1/206) ؛ (فتح - 2/295 - رقم: 809) .
"صحيح مسلم": (2/52) ؛ (فؤاد - 1/354 - رقم: 490) .
(4) "صحيح البخاري": (1/206) ؛ (فتح - 2/295 - رقم: 810) .
"صحيح مسلم": (2/52) ؛ (فؤاد - 1/354 - رقم: 490) .
(5) في "التحقيق": (من) .(2/264)
معتمدًا على ركبتيه.
وعنه: أنَّه يجلس جلسة الاستراحة على قدميه وأليتيه، وبه قال الشَّافعيُّ، إلا أنَّه قال: صفة الجلسة كالتي بين السَّجدتين.
وقال مالك: ينهض من غير اعتماد ولا جلوس.
841- قال التِّرمذيُّ: ثنا [يحيى] (1) بن موسى ثنا أبو معاوية ثنا خالد بن إلياس عن صالح مولى التَّوأمة عن أبي هريرة قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهض في الصَّلاة على صدور قدميه (2) .
842- قال التِّرمذيُّ: ثنا عليُّ بن حُجْر أنا هُشيم عن خالد الحذَّاء عن أبي قِلابة عن مالك بن الحُويرث أنَّه رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي، فكان إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي جالسًا.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
والذي قبله فيه خالد بن إلياس، قال أحمد: خالدٌ متروك الحديث (4) .
وقال يحيى: ليس بشيءٍ، ولا يكتب حديثه (5) .
ز: حديث مالك بن الحويرث: رواه البخاريُّ (6) .
__________
(1) في الأصل و (ب) : (محمد) ، والتصويب من "التحقيق" و"الجامع".
(2) "الجامع": (1/319 - رقم: 288) .
وفي هامش الأصل: (صالح مولى التوأمة تكلموا فيه أيضًا) ا. هـ
(3) "الجامع": (1/319 - رقم: 287) وفيه: (حسن صحيح) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/321 - رقم: 1440) من رواية أبي طالب.
(5) "الكامل" لابن عدي: (3/5 - رقم: 571) من رواية ابن أبي مريم.
(6) "صحيح البخاري": (1/208 - 209) ؛ (فتح - 2/302 - رقم: 823) .(2/265)
843- وعن عبد الرَّحمن بن يزيد أنه رأى عبد الله بن مسعود يقوم على صدور قدميه في الصَّلاة، ولا يجلس إذا صلَّى في أوَّل ركعة حين يقضي السُّجود.
844- وعن عطية العوفي قال: رأيت ابن عمر وابن عباس وابن الزُّبير وأبا سعيد الخدري يقومون على صدور أقدامهم في الصَّلاة.
رواهما البيهقيُّ وقال: هو عن ابن مسعود صحيح، وعطية العوفي لا يحتج به (1) O.
* * * * *
مسألة (157) : التشهد الأخير فرض.
وقال مالك (2) : تجب الجلسة دون الذِّكر.
لنا:
أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمهم التشهد وأمرهم به، فقال: " قولوا: التحيات لله ... "، وسيأتي مسنداً - إن شاء الله - (3) .
844- وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا أحمد بن سنان القطان ثنا موسى بن داود ثنا زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي، وزعم أن ابن مسعود أخذ بيده، وزعم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيده فعلمه التشهد ... - إلى قوله: وأن محمداً
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/125 - 126) بتقديم وتأخير.
(2) في "التحقيق": (أبو حنيفة ومالك) .
(3) رقم: (847) .(2/266)
عبده ورسوله - قال: " إذا قضيت هذا - أو فعلت هذا - فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تجلس فاجلس ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّحيح أنَّ قوله: (إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك) من كلام ابن مسعود، فصله شَبابة عن زهير، وجعله من كلام ابن مسعود، وقوله أشبه بالصَّواب ممَّن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه (1) .
845- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأنا محمد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير عن عبد الرَّحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرَّحمن بن رافع وبكر (2) بن سوادة عن عبد الله بن عمرو أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قضى الإمام الصَّلاة وقعد، فأحدث قبل أن يسلِّم، فقد تمت صلاته ومن كان خلفه ممَّن ائتم به " (3) .
وهذا لا يصحُّ، قال أحمد: عبد الرَّحمن بن زياد لا يُروى عنه شيئًا.
وقال يحيى (4) والنَّسائيُّ (5) : ضعيفٌ. وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الثِّقات ويدلِّس (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/353) مع اختلاف في كلام الدارقطني.
(2) في (ب) : (بكير) خطأ.
(3) "سنن الدارقطني": (1/379) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/235 - رقم: 1111) من رواية ابن أبي خيثمة.
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 149 - رقم: 361) .
(6) "المجروحون": (2/50) باختصار.
وفي هامش الأصل: (قلت: عبد الرحمن بن زياد الإفريقي قد وثقه القطان، وقال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: يحتج به؟ قال: نعم. قلت: صحيح الكتاب؟ قال: نعم. وقد أخرج له البخاري في كتاب "الأدب" خارج الصحيح) ا. هـ ولا ندري هل هذه الحاشية من المنقح أم من الناسخ؟
وانظر: "الكامل" لابن عدي: (4/280 - رقم: 1108) ، و"تاريخ بغداد" للخطيب: (10/214 - 215 - رقم: 5354) ، و"تهذيب الكمال" للمزي: (17/ =(2/267)
ز: حديث ابن مسعود: رواه أحمد (1) وأبو داود (2) .
وحديث عبد الله بن عمرو: رواه أبوداود (3) والتِّرمذيُّ وقال: ليس إسناده بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده (4) .
وسيأتي (5) .
846- وعن عاصم بن ضمرة عن عليٍّ عليه السلام (6) قال: إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث، فقد تمت صلاته.
قال عليُّ بن سعيد: سألت أحمد بن حنبل عمن ترك التشهد فقال: يعيد.
فقلت: فحديث علي: (من قعد مقدار التشهد) . فقال: لا يصح (7) O.
* * * * *
مسألة (158) : أفضل التشهد تشهد ابن مسعود.
وقال مالك: تشهد ابن عمر (8) .
__________
= 110 - رقم: 3817) .
(1) "المسند": (1/422) .
(2) "سنن أبي داود": (2/49 - رقم: 962) .
(3) "سنن أبي داود": (1/439 - رقم: 617) .
(4) "الجامع": (1/433 - رقم: 408) .
(5) رقم: (866) .
(6) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(7) "سنن البيهقي": (2/140) .
(8) في هامش الأصل: (حـ: في "المغني": وقال مالك أفضل التشهد تشهد عمر) ا. هـ انظر: " المغنى ": (2/220) .(2/268)
وقال الشَّافعيُّ: تشهد ابن عباس.
ذكر التَّشهُّدات
تشهُّد ابن مسعود:
847- قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: كنَّا إذا جلسنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة قلنا: (السَّلام على الله قبل عباده، السَّلام على جبريل، السَّلام على ميكائيل، السَّلام على فلان، السَّلام على فلان ... ) فسَمِعَنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إن الله عزَّ جلَّ هو السَّلام، فإذا جلس أحدكم في الصَّلاة فليقل: التَّحيات لله والصَّلوات والطَّيِّبات، السَّلام عليك أيُّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين - فإذا قالها اصابت كلَّ عبدٍ صالحٍ في السَّماء والأرض -، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. ثُمَّ يتخيَّر بعدُ من الدُّعاء " (1) .
أخرجه البخاريُّ (2) ومسلمٌ (3) في " الصَّحيح ".
وقال التِّرمذيُّ: أصحُّ حديثٍ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التَّشهد: حديث ابن مسعود، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين (4) .
848- قال أحمد: وثنا يحيى بن آدم ثنا شَريك عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلِّمنا التَّشهد كما يعلِّمنا
__________
(1) "المسند": (1/382) .
(2) "صحيح البخاري": (1/211) ؛ (فتح - 2/311 - رقم: 831) .
(3) "صحيح مسلم": (2/13 - 14) ؛ (فؤاد - 1/301 - 302 - رقم: 402) .
(4) "الجامع": (1/321 - رقم: 289) .(2/269)
السورة من القرآن (1) .
وهذا يقوي إيثاره (2) على غيره، ثم فيه (الواو) في قوله: (والصلوات والطيبات) ، وهي موجبة للغيرية، فالصلوات شيء، والطيبات شيء.
تشهد ابن عباس:
849- قال أحمد: ثنا يونس ثنا ليث عن أبي الزُّبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، فكان يقول: " التحيات المباركات الصلوات لله، السلام عليك أيها النَّبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إِلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله " (3) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديث حسن صحيح غريب (4) .
ز: روى هذا الحديث مسلم (5) وغيره O.
تشهد ابن عمر:
850- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا محمد بن علي بن إسماعيل السكري ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد:
__________
(1) "المسند": (1/394) .
(2) في "التحقيق": (إسناده) خطأ.
(3) "المسند": (1/292) .
في هامش الأصل: (خ: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ا. هـ
(4) "الجامع": (1/322 - رقم: 290) .
(5) "صحيح مسلم": (2/14) ؛ (فؤاد - 1/302 - 303 - رقم: 403) .(2/270)
" التحيات الطيبات الزاكيات لله، السلام عليك أيها النَّبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إِلا لله وحده لا شريك له، وأن محمَّداً عبده ورسوله " (1) .
هذا لا يصح، قال يحيى: خارجة غير ثقة (2) . وقال أحمد لابنه: لا تكتب عنه (3) . وقال ابن حِبَّان: لا يحل الاحتجاج بخبره (4) .
قال أحمد: ولا تحل عندي الرواية عن موسى بن عبيدة (5) . وقال يحيى: لا يحتج بحديثه (6) .
ز: سقط من إسناد حديث ابن عمر رجلان: خارجة بن مصعب؛ ومغيث بن بديل.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا محمد بن علي بن إسماعيل السكري ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة، وحدَّثني أحمد بن محمد بن أبي عثمان الغازي أبو سعيد النيسابوريُّ ثنا أبو العباس محمد بن عبد الرَّحمن الدغولي ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة، ثنا مغيث بن بديل ثنا خارجة بن مصعب عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر فذكره.
ثم قال: هذا لفظ ابن أبي عثمان، وموسى بن عبيدة وخارجة بن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/351) ووقع في الإسناد سقط سينبه عليه المنقح.
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (3/356 - رقم: 1726) وفيه: (ليس بثقة) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/318 - رقم: 2409) بالمعنى.
(4) "المجروحون": (1/288) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/152 - رقم: 686) من رواية الجوزجاني.
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (3/258 - رقم: 1210) .(2/271)
مصعب ضعيفان (1) .
وخارجة بن مصعب - الصَّغير -: هو حفيد الكبير، قال ابن الجوزيِّ في كتاب " الضُّعفاء " بعد ذكر خارجة بن مصعب الكبير: وثَمَّ خارجة بن مصعب بن خارجة أبو منصور، يروي عن مغيث بن بُديل، لا يعرف فيه طعنًا (2) .
851- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا نصر بن عليٍّ قال: أخبرني أبي أنا شعبة عن أبي بشر قال: سمعتُ مجاهدًا يحدِّث عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في التَّشهُّد: " التَّحيَّات لله الصَّلوات الطََّيبات، السَّلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله - قال ابن عمر: وزدت فيها: وبركاته - السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله - قال ابن عمر: وزدت فيها: وحده لا شريك له -، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وقد تابعه على رفعه ابن أبي عَدِيٍّ عن شعبة، ووقفه غيرهما (3) .
ورواه أبو داود (4) وأبو يعلى الموصليُّ وإسماعيل بن عبد الله سمويه وغيرهم عن نصر بن عليٍّ بنحوه.
852- وقال الطبرانيُّ: ثنا عبدان بن أحمد ثنا دُحيم ثنا يحيى بن حسَّان ثنا سليمان بن موسى (5) ثنا جعفر بن سعد بن سمرة حدَّثني خُبيب بن سليمان
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/351) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (1/243 - رقم: 1048) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/351) .
(4) "سنن أبي داود": (2/50 - رقم: 963) .
(5) رَقَم فوقه: (د) إشارة إلى تخريج أبي داود له.(2/272)
عن أبيه سليمان عن سمَرة قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كُنَّا في وسط الصَّلاة أو حين انقضائها: " فابدؤا قبل التَّسليم بقول: التَّحيات الطََّيبات الصَّلوات والسَّلام والملك لله، ثُمَّ سلموا على النَّبيَّين، ثُمَّ سلَّموا على أقاربكم وعلى أنفسكم " (1) رواه أبو داود عن محمد بن داود بن سفيان عن يحيى بن حسَّان بنحوه (2) .
853- وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلِّمنا التَّشهُّد كما يعلِّمنا السُّورة من القرآن: " بسم الله وبالله، التَّحيَّات لله والصَّلوات والطَّيَّبات، السَّلام عليك أيُّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أسأل الله الجنَّة وأعوذ بالله من النَّار ".
رواه ابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) من رواية أيمن بن نابل عن أبي الزُّبير عن جابر.
وقد أنكره الدَّارَقُطْنِيُّ على أيمن بن نابل (5) ، وقيل: إنَّ المحفوظ ما رواه الليث عن أبي الزُّبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس.
__________
(1) "المعجم الكبير": (7/250 - رقم: 7018) .
(2) "سنن أبي داود": (2/53 - 54 - رقم: 967) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/292 - رقم: 902) .
(4) "سنن النسائي": (2/243 - رقم: 1175، 3/43 - رقم: 1281) .
(5) قال الدارقطني في "العلل": (4/ ق: 81 - ب) عن هذا الحديث: (يرويه الثوري وابن جريج وأيمن بن نابل عن أبي الزبير عن جابر.
وخالفهم ليث بن سعد وعمرو بن الحارث رواه [كذا] عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس.
ورواه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي وزكريا بن خالد - شيخ لأهل الكوفة يروي عنه قيس بن الربيع وغيره - عن أبي الزبير عن طاوس وحده عن ابن عباس.
وحديث ابن عباس أشبه بالصواب من حديث جابر) ا. هـ(2/273)
وقال النَّسائيُّ: ولا نعلم أحدًا تابع أيمن على هذا الحديث، وخالفه الليث ابن سعد في إسناده، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ، وبالله التوفيق (1) .
854- وعن عبد الرَّحمن بن عبدٍ القاري أنَّه سمع عمر بن الخطََّاب - وهو على المنبَّر، وهو يعلم النَّاس التَّشهُّد - يقول: قولوا: التَّحيَّات لله، الزَّاكيات لله، الصَّلوات الطََّيبات لله، السَّلام عليك أيُّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
رواه مالك في "الموطأ" (2) .
855- وعن القاسم بن محمد أن عائشة زوج النَّبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت تقول إذا تشهَّدتْ: التَّحيَّات الطََّّيبات الصَّلوات الزَّاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، السَّلام عليك أيَّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، السَّلام عليكم.
رواه مالك في "الموطأ" أيضًا (3) .
وقد روى مسلم حديث حطَّان بن عبد الله الرَّقاشيِّ عن أبي موسى في التَّشهُّد (4) .
وبأيِّ تشهُّدٍ تشهد مما صحَّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاز O.
* * * * *
__________
(1) "سنن النسائي": (3/43 - رقم: 1281) ، وليس فيه: (وخالفه الليث بن سعد في إسناده) ، وهو موجود في "تحفة الأشراف": (2/288 - رقم: 2665) .
(2) "الموطأ": (1/90 - 91 - رقم: 53 - كتاب الصَّلاة) .
(3) "الموطأ": (1/91 - رقم: 55 - كتاب الصَّلاة) .
(4) "صحيح مسلم": (2/14 - 15) ؛ (فؤاد - 1/303 - 304 - رقم: 404) .(2/274)
مسألة (159) : والصَّلاة على النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه فرضٌ.
وعنه: أنَّها سنَّةٌ، كقول أبي حنيفة ومالك.
لنا أربعة أحاديث:
856- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم قال: سمعتُ ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عُجرة فقال: ألا أهدي لك هديَّة؟! خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد علمنا - أو: قد عرفنا - كيف السَّلام عليك، فكيف الصَّلاة؟ فقال: " قولوا: اللَّهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلَّيت على آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ، اللَّهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ " (1)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
__________
(1) "المسند": (1/241) .
(2) "صحيح البخاري": (4/180) ؛ (فتح - 6/469 - 470 - رقم: 3370 - ط. الريان) .
"صحيح مسلم": (2/16) ؛ (فؤاد - 1/305 - رقم: 406) .
(لطيفة) عزى الحافظ المزي في "تحفة الأشراف": (8/299) هذا الحديث الى البخاري في كتاب الصلاة، فتعقبه الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف "، فقال: (لم يقع له في الصلاة ذكر، حتى ولا في كتاب الجمعة، وإنما ذكره بالإسناد المذكور في ترجمة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء، وقد اغتر غير واحد من الشراح بما وقع هنا أن (خ) ذكره في الصلاة - منهم مغلطاي وشيخنا ابن الملقن - فإنهما لما وصلا في الشرح إلى أحاديث الأنبياء، ذكرا أن هذا الحديث تقدم في كتاب الصلاة، فأحالا شرحه على كتاب الصلاة، وليس له فيها ذكر ولا لشرحه!) ا. هـ
وهذا يُظهر عظم النفع الذى حصل من كتاب "تحفة الأشراف" للحافظ المزي، وإن لم يصرح بذلك المستفيدون منه، فرحم الله الحافظ المزي رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.(2/275)
وقد رواه التِّرمذيُّ وصحَّحه، فقال فيه: " اللَّهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ " (1) .
857- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن عبد الله الشَّافعيُّ ثنا محمد بن غالب ثنا عليُّ بن بحر ثنا عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جدِّه سهل بن سعد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة لمن لم يصلِّ على نبيِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: عبد المهيمن ليس بالقويِّ (2) . وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به (3) .
ز: 858- قال الطَّبرانيُّ: ثنا عبد الرَّحمن بن معاوية العتبيُّ المصريُّ ثنا عبيد الله بن محمد الكنديُّ (4) ثنا ابن أبي فديك عن أُبيِّ بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لا يصلِّي على نبيِّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا صلاة لمن لا يحبُّ الأنصار " (5) .
وقد روي عن ابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عباس، وهو أشبه بالصَّواب.
__________
(1) "الجامع": (1/494 - رقم: 483) .
وفي هامش الأصل: (حـ: وقد روي من رواية أبي حميد الساعدي وأبي سعيد الخدري وأبي مسعود الأنصاري، وقد روي من حديث غيرهم في السنن) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (1/355) .
(3) "المجروحون": (2/149) بمعناه.
(4) في "المعجم الكبير": (المنكدري) .
(5) "المعجم الكبير": (6/121 - رقم: 5699) .(2/276)
وأُبيُّ بن عباس بن سهل بن سعد: تكلَّم فيه أيضًا الإمام أحمد (1) وابن معين (2) والدُّولابيُّ (3) والنَّسائيُّ (4) والعُقيليُّ (5) ، وقد روى له البخاريُّ حديثًا: عن عليِّ بن المدينيِّ عن معن بن عيسى عن أُبيِّ بن عباس عن أبيه عن جدِّه كان للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسٌ يقال له: اللُّحَيف (6) O.
859- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا جعفر بن عليِّ بن نجيح ثنا إسماعيل بن صبيح عن سفيان بن إبراهيم عن عبد المؤمن بن القاسم عن جابر عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى صلاةً لم يصلِّ فيها عَلَيَّ ولا على أهل بيتي، لم تقبل منه ".
جابرٌ ضعيفٌ، وقد اختلف عنه: فوقفه على أبي مسعود تارة، ورفعه تارة (7) .
860- الحديث الرَّابع: موقوفٌ، رواه ابن ماجه من حديث ابن
__________
(1) في "تهذيب الكمال" للمزي: (2/260 - رقم: 277) : (قال أحمد بن حنبل: منكر الحديث) ا. هـ
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/16 - رقم: 1) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (2/259 - رقم: 277) ، وانظر تعليق المحقق و"الكامل" لابن عدي: (1/420 - رقم: 236) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 47 - رقم: 23) .
(5) "الضعفاء الكبير": (1/16 - 17 - رقم: 1) .
(6) "صحيح البخاري": (4/37) ؛ (فتح - 6/68 - 69 - رقم: 2855 - ط. الريان) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/355) بتصرف.
وفي هامش الأصل: (حـ: قال ابن داود: هذا الخبر إن سلم أن يكون من وضع جابر الجعفي = فلن يسلم من أن يكون خلوًا من الحجة لما قاله الشافعي) ا. هـ
وهذا النص بحروفه نقله ابن الملقن في "البدر المنير" (النسخة الخطية - تحت الحديث السابع بعد المائة من باب صفة الصلاة) .(2/277)
مسعود أنه قال: إذا صليتم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد؛ وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد (1) .
ز: 861- عن يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا تشهد أحدكم في الصَّلاة فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمداً وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
رواه البيهقيُّ (2) .
862- وروى الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) والتِّرمذيُّ وصححه (6) وابن حِبَّان في "صحيحه" (7) من حديث حيوة بن شريح: ثنا أبو هانئ الخولاني حدثني عمرو بن مالك الجنبي سمع فضالة بن عبيد يقول: سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يدعو في صلاته، فلم يصلِّ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" عجل هذا ". ثم دعاه، فقال له ولغيره: " إذا صلَّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ليدع بعد ما شاء ".
رواه الحاكم وقال: هو على شرط مسلم. وقال في موضع آخر: على
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/293 - 294 - رقم: 906) وفي أوله زيادة لم يذكرها ابن الجوزي.
(2) "سنن البيهقي": (2/379) .
(3) "المسند": (6/18) .
(4) "سنن أبي داود": (1/280 - رقم: 1476) .
(5) "سنن النسائي": (3/44 - رقم: 1284) .
(6) "الجامع": (5/464 - رقم: 3477) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (5/290 - رقم: 1960) .(2/278)
شرطهما (1) O.
* * * * *
مسألة (160) : يجلس في التشهد الأول مفترشاً، وفي الثاني متوركاً.
وقال مالك: يجلس في الجميع متوركاًَ.
وقال أبو حنيفة: يفترش في الكل.
لنا ثلاثة أحاديث:
863- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن خالد عن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرنا صلاة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأيته إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، وإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعده.
انفرد بإخراجه البخاريُّ (2) .
__________
(1) "المستدرك": (1/230، 268) .
(2) "صحيح البخاري": (1/210) ؛ (فتح - 2/305 - رقم: 828) .(2/279)
864- الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا أبو كريب ثنا عبد الله بن إدريس ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: قدمت المدينة، فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما جلس افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ونصب رجله اليمنى (1) .
865- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا بندار ثنا عبد الوهاب ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: سنة الصَّلاة أن يفترش اليسرى، وينصب اليمنى (2) .
* * * * *
مسألة (161) : الخروج من الصَّلاة بالتسليم فرض.
وقال أبو حنيفة: لا يجب، بل يجوز أن يخرج بكل ما ينافيها.
لنا:
قوله عليه السلام: "وتحليلها التسليم"، وقد سبق بإسناده (3) .
احتجُّوا بحديثين:
866- أحدهما: رواه التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن محمد ثنا عبد الله بن المبارك أنا عبد الرَّحمن بن زياد عن عبد الرَّحمن بن رافع وبكر بن سوادة أخبراه
__________
(1) "الجامع": (1/323 - 324 - رقم: 292) .
وفي هامش الأصل: (صحَّحه " ت " ولا حجة فيه) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (1/349) .
(3) رقم: (634) .(2/280)
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أحدث وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلِّم، فقد جازت صلاته ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ ليس إسناده بالقويِّ، وقد اضطربوا في إسناده (1) .
قلت: وهذا الحديث قد سبق بلفظٍ آخر في مسألة: التَّشهُّد الأخير، وذكرنا الجرح للأفريقيِّ (2) .
وحديثهم الثَّاني: حديث ابن مسعود أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه التَشهُّد، وقال: " فإذا قلت ذلك فقد تمَّت صلاتك ". وقد سبق هناك بإسناده والكلام عليه (3) .
* * * * *
مسألة (162) : السَّلام من الصَّلاة.
وقال أبو حنيفة: ليس منها.
لنا:
قوله: " وتحليلها التَّسليم "، وقد سبق (4) .
وقول ابن مسعود: لا أنسى تسليم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة.
__________
(1) "الجامع": (1/433 - رقم: 408) .
(2) رقم: (845) .
(3) رقم: (844) .
(4) رقم: (634) .(2/281)
وقول سهل بن سعد وعائشة: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته.
وسيأتي ذلك بأسانيده (1) .
* * * * *
مسألة (163) : تجب التَّسليمة الثَّانية في المكتوبة.
وعنه: أنَّها سنَّةٌ، كقول أبي حنيفة والشَّافعيِّ في الجديد.
وقال مالك: السُّنَّة الاقتصار على واحدة.
لنا سبعة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث جابر بن سَمُرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثُمَّ يسلِّم عن يمينه وشماله ".
وقد ذكرناه بإسناده في مسألة: رفع الأيدي (2) .
867- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا البغويُّ ثنا منصور بن أبي مزاحم (3) ثنا أبو سعيد المؤدِّب عن زكريا عن الشَّعبيِّ عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: ما نسيت من الأشياء فلم أَنْسَ تسليم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة عن يمينه وعن شماله: " السَّلام عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله " (4) .
__________
(1) الأرقام: (867، 871، 879) .
(2) رقم: (660) .
(3) في "التحقيق": (عن ابن أبي مزاحم) خطأ.
(4) "سنن الدارقطني": (1/357) .(2/282)
868- طريق آخر: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره: " السَّلام عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله " (1) .
869- طريق آخر: قال أحمد: وثنا حميد بن عبد الرَّحمن ثنا الحسن عن أبي إسحاق ثنا أبو الأحوص عن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده (2) .
ز: ورواه أبو داود (3) والنَّسائيُّ (4) وابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ وقال: حديث حسن صحيح (6) .
وقال العقيليُّ: والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود في التسليمتين، ولا يصح في تسليمة شيء (7) .
870- وعن أبي معمر (8) أن أميراً كان بمكة يسلم تسليمتين، فقال عبد الله - يعني ابن مسعود -: أنى عَلِقَها؟! إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله.
__________
(1) "المسند": (1/444) .
(2) "المسند": (1/408) .
وهذه الطريق سقطت من مطبوعة "التحقيق".
(3) "سنن أبي داود": (2/61 - 62 - رقم: 988) .
(4) "سنن النسائي": (3/63 - 64 - الأرقام: 1322- 1325) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/296 - رقم: 914) وفيه: (عن ابن الأحوص) خطأ.
(6) "الجامع": (1/326 - 327 - رقم: 295) .
(7) "الضعفاء الكبير": (1/178 - رقم: 223) تحت ترجمة ثمامة بن عبيدة، وليس فيه (ولا يصح في تسليمة شيء) ، ثم وجدناه في الطبعة التي بتحقيق الشيخ حمدي السلفي: (1/195 - رقم: 223) .
وله كلام آخر تحت ترجمة روح بن عطاء، سيذكره المنقح في الهامش (ص: 288) .
(8) هو عبد الله بن سخبرة الأزدي.(2/283)
رواه مسلم (1) O.
871- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن محمد بن عبد الله بن مالك عن سهل بن سعد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم في صلاته عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده (2) .
872- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا ابن مهدي ثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده، وعن يساره حتى يرى بياض خده (3) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسناد صحيح.
قلت: انفرد بإخراجه مسلم (4) .
873- الحديث الخامس: قال أحمد: وثنا عبد الصمد ثنا ملازم قال: حدَّثني هوذة بن قيس بن طلق عن أبيه عن جدِّه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيمن وبياض خده الأيسر (5) .
ز: ورواه إسماعيل بن عبد الله عن عليِّ بن المدينيِّ عن ملازم بن عمرو، ورواه الإمام أحمد أيضاً عن عليِّ بن المدينيِّ قبل أن يمتحن (6) ، ورواه أبو القاسم الطَّبرانيُّ عن العباس بن محمد المجاشعي الأصبهاني عن محمد بن أبي
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/91) ؛ (فؤاد - 1/409 - رقم: 581) .
(2) "المسند": (5/338) .
(3) "المسند": (1/172) .
(4) "صحيح مسلم": (2/91) ؛ (فؤاد - 1/409 - رقم: 582) .
(5) لم نقف عليه في مطبوعة "المسند"، وقد ساق متنه الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/148) ، وساق إسناده الحافظ ابن حجر في "أطراف المسند": (2/624 - 625 - رقم: 2946) .
(6) "أطراف المسند" لابن حجر: (2/625 - رقم: 2946) .(2/284)
يعقوب الكرماني عن ملازم (1) O.
874- الحديث السادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا فضالة بن الفضل ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار بن ياسر قال: كان رسول الله إذا سلم عن يمينه يرى بياض خده الأيمن، وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر، وكان تسليمه: " السَّلام عليكم ورحمة الله " (2) .
ز: قال ابن أبي حاتم: فضالة بن الفضل الكوفي، روى عن أبي بكر ابن عياش، كتب عنه أبي، وسئل عنه فقال: صدوق (3) .
وصححه (4) النَّسائيُّ (5) وابن حِبَّان (6) O.
875- الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا عمرو بن علي ثنا عبد الله بن داود عن حريث عن الشَّعبيِّ عن البراء بن عازب أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمتين (7) .
ز: حريث هو: ابن أبي مطر - واسمه: عمرو الفزاريُّ - أبو عمرو الحنَّاط الكوفيُّ، وقد تكلم فيه ابن معين (8) والفلاس (9) وأبو حاتم (10)
__________
(1) "المعجم الكبير" للطبراني: (8/333 - رقم: 8246) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/356) .
(3) "الجرح والتعديل": (7/78 - رقم: 446) .
(4) كذا بالأصل و (ب) ، ولعلها سبق قلم صوابه: (وثقه) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (23/190 - رقم: 4727) .
(6) "الثقات": (9/10) وقال: (ربما أخطأ) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/357) .
(8) " من كلام ابن معين في الرجال " رواية ابن طهمان: (ص: 55 - رقم: 111) .
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/264 - رقم: 1179) .
(10) المصدر السابق.(2/285)
والبخاريُّ (1) ، وتركه النَّسائيُّ (2) وابن الجنيد (3) والدُّولابيُّ (4) والأزديُّ (5) .
876- وعن وائل بن حُجْر قال: صلَّيت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يسلِّم عن يمينه: " السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته "، وعن شماله: " السَّلام عليكم ورحمة الله ".
رواه أبو داود (6) .
877- وعن أبي موسى قال: صلَّى بنا عليٌّ يوم الجمل صلاةً ذكَّرنا صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإمَّا أن نكون نسيناها، وإمَّا أن نكون تركناها، فسلَّم عن يمينه وعن شماله.
رواه ابن ماجه (7) ، وإسناده صحيحٌ.
878- وعن حذيفة بن اليمان قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلِّم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خدِّه: " السَّلام عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله " (8) .
رواه ابن ماجه أيضًا، وإسناده صحيحٌ، وفي بعض النُّسخ الصَّحيحة:
__________
(1) "التاريخ الكبير": (3/71 - رقم: 254) ، "الضعفاء الصغير": (ص: 425 - رقم: 90) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 79 - رقم: 120) .
(3) الضعفاء والمتروكون " لابن الجوزي: (1/197 - رقم: 793) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (5/564 - رقم: 1173) .
(5) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (1/197 - رقم: 793) .
(6) "سنن أبي داود": (2/62 - رقم: 989) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/296 - رقم: 917) .
(8) "سنن ابن ماجه": (1/296 - رقم: 916) ، وانظر التعليق التالي.(2/286)
(عمَّار بن ياسر) بدل (حذيفة) وهو سهوٌ (1) O.
احتجُّوا بأربعة أحايث:
879- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن يحيى النَّيسابوريُّ ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلِّم في الصَّلاة تسليمةً واحدةً تلقاءَ وجهه، ثُمَّ يميلُ إلى الشِّق الأيمن شيئًا (2) .
880- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يزداد بن عبد الرَّحمن ثنا الزُّبير بن بكَّار ثنا عتيق بن يعقوب ثنا عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جدِّه أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلِّم تسليمةً واحدةً لا يزيد عليها (3) .
881- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن خلف (4) ثنا الرَّماديُّ ثنا نُعيم ثنا رَوْح بن عطاء بن أبي ميمونة (5) عن أبيه عن الحسن عن
__________
(1) في مطبوعة "سنن ابن ماجه": (عمار بن ياسر) ، وانظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (3/ 43 - رقم: 3356) ؛ " النكت الظراف " لابن حجر: (7/476 - رقم: 10355) .
وفي هامش الأصل: (قال ابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير ": يعقوب بن حصين، أخبرنا أحمد بن جناب ثنا عيسى بن يونس عن عبد الوهاب بن مجاهد عن مجاهد عن يعقوب بن الحصين قال: كأني أنظر إلى خدَّي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة، وهو يسلِّم عن يمينه وعن شماله، يجهر بالتسليم.
قال لي يحيى بن معين: عبد الوهاب بن مجاهد ضعيف) ا. هـ
انظر: " الإصابة " لابن حجر: (3/667 - 668 - رقم: 9354) .
(2) "الجامع": (1/327 - رقم: 296) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/359) .
(4) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "سنن الدارقطني": (مخلد) .
وفي هامش الأصل: (ما ذكر الدارقطني: " مخلد ") ا. هـ وفوق " مخلد ": (صح) .
(5) في "سنن الدارقطني": (ميمون) خطأ.(2/287)
سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم واحدة في الصَّلاة قبل وجهه، فإذا سلم عن يمينه سلم عن يساره (1) .
882- الحديث الرَّابع: قال ابن ماجه: ثنا محمد بن الحارث المصري ثنا يحيى بن راشد عن يزيد - مولى سلمة - عن سلمة بن الأكوع قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي، فسلم مرة واحدة (2) .
والجواب: أن هذه الأحاديث ضعاف:
أما الأوَّل: ففيه زهير بن محمد، قال البخاريُّ: هو من أهل الشام، يروى عنه مناكير (3) . وقال يحيى: ضعيف (4) .
وقال التِّرمذيُّ: لا يعرف هذا الحديث مرفوعاً إلا من هذا الوجه (5) .
وفي الحديث الثاني: عبد المهيمن، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/358 - 359) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: قال العقيلي في ترجمة روح: ومن حديثه: ما حدثنا به حمزة ابن محمد الجرجرائي ثنا نعيم بن حماد ثنا روح بن عطاء عن أبي ميمونة ثنا أبي عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم في الصَّلاة تسليمة قبالة وجهه، فإذا سلم عن يمينه سلم عن يساره.
قال العقيلي: والحديث في تسليمة واحدة أسانيدها لينة، والأحاديث الصحاح عن ابن مسعود في التسليمتين وسعد بن أبي وقاص) ا. هـ
انظر: "الضعفاء الكبير": (2/58 - رقم: 494) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/297 - رقم: 920) .
(3) في هامش الأصل: (صـ: الذي قاله البخاري: ما يروي عنه أهل الشام فإنه مناكير) ا. هـ وكذا هو في "تهذيب الكمال": (91/418 - رقم: 2017) .
وفي "التاريخ الكبير": (3/427 - رقم: 1420) : (روى عنه أهل الشام أحاديث مناكير) ا. هـ وكذا هو في "الضعفاء الصغير": (ص: 437 - رقم: 127) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (3/217 - رقم: 714) من رواية معاوية بن صالح.
(5) "الجامع": (1/328 - رقم: 296) .(2/288)
بالقويِّ (1) .
وقال ابن حِبَّان: بطل الاحتجاج به (2) .
وفي الحديث الثَّالث: رَوْح، قال أحمد: منكر الحديث (3) وتركه يحيى (4) .
وفي الرَّابع: يحيى بن راشد، قال يحيى: ليس بشيءٍ (5) وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (6) .
ز: حديث عائشة: رواه ابن ماجه (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8) والحاكم وقال: على شرطهما، ورواه وهيب عن عُبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة أنَّها كانت تُسلِّم تسليمةً واحدةً (9) .
وزهير بن محمد: من رجال "الصَّحيحين" (10) ، لكن له مناكير،
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/355) .
(2) "المجروحون": (2/149) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/497 - رقم: 2253) من رواية عبد الله، وفي روايته المطبوعة: (3/12 - رقم: 3926) : (منكر) فحسب.
(4) "المجروحون" لابن حبان: (1/300) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/143 - رقم: 603) من رواية الدوري، ولم نره في مطبوعة "التاريخ".
(6) "الكامل" لابن عدي: (7/211 - رقم: 2111) .
وفي هامش الأصل: (صوابه: وضعفه) ا. هـ ولم يظهر لنا المراد، والله أعلم.
(7) "سنن ابن ماجه": (1/297 - رقم: 919) .
(8) "سنن الدارقطني": (1/357 - 358) .
(9) "المستدرك": (1/230 - 231) .
(10) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/594 - 595 - رقم: 412) ؛ " رجال صحيح مسلم " لابن منجويه: (1/225 - رقم: 485) .(2/289)
وهذا الحديث منها. قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو حديثٌ منكرٌ (1) .
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله - وذكر رواية الشَّاميين عن زهير بن محمد - قال: يروون عنه أحاديث مناكير هؤلاء. ثُمَّ قال: أمَّا رواية أصحابنا عنه فمستقيمة - عبد الرَّحمن بن مهديٍّ وأبو عامر -، وأمَّا أحاديث أبي حفص ذاك التَّنَّيسيُّ عنه، فتلك بواطيل موضوعة. أو نحو هذا، فأما (بواطيل) [] (2) فقد قاله (3) .
وحديث سهل بن سعد: رواه ابن ماجه أيضًا (4) ، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ أيضاً (5) من رواية عبد الله بن نافع الصائغ عن عبد المهيمن.
883- وروت عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة، فيحمد الله ويذكره ويدعو، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلِّي التاسعة فيجلس فيذكر الله عزَّ وجلَّ ويدعو، ويسلم تسليمة يسمعنا، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس، فلما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلِّي السابعة، ثم يسلم تسليمة، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس.
رواه الإمام أحمد (6) والنَّسائيُّ - وهذا لفظه (7) - وزاد الإمام أحمد: ثم يسلم تسليمة واحدة: " السَّلام عليكم " يرفع بها صوته حتى يوقظنا.
__________
(1) "العلل" لابنه: (1/148 - رقم: 414) .
(2) في الأصل أعاد الجملة السابقة: (موضوعة أو نحو هذا فأما بواطيل) ، فحذفنا المكرر.
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (9/417 - رقم: 2017) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/297 - رقم: 918) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/359) .
(6) "المسند": (6/236) .
(7) "سنن النسائي": (3/240 - رقم: 1719) .(2/290)
وإسناده صحيحٌ.
884- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفصل بين الشَّفع والوتر بتسليمة يسمعناها.
رواه الإمام أحمد (1) O.
* * * * *
مسألة (164) : وينوي بالسَّلام الخروج من الصَّلاة.
وقال الحنفيَّة والشَّافعيَّة: ينوي السَّلام على الملائكة والمأمومين.
لنا:
قوله عليه السَّلام: " وتحليلها التَّسليم "، وقد سبق (2) .
* * * * *
__________
(1) "المسند": (2/76) .
(2) رقم: (634) .(2/291)
مسائل ما يجوز في الصَّلاة وما لا يجوز
مسألة (165) : لا يجوز أن يدعو في صلاته بما ليس فيه قربة إلى الله عزَّ وجلَّ، ولا ورد به الأثر، كقوله: ارزقني جاريةً حسناء، بستانًا أنيقًا.
وقال مالك والشَّافعيُّ: يجوز.
لنا:
قوله عليه السَّلام: " إنَّ هذه الصَّلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام النَّاس، إنَّما هي التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن ".
وقد ذكرناه بإسناده في مسألة: التَّكبير وأنَّه من الصَّلاة (1) .
ز: احتجَّ لمالك والشَّافعيِّ بقول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن مسعود: " ثُمَّ ليتخيَّر من الدُّعاء أعجبه إليه " (2) ، وفي لفظٍ: " ثُمَّ يتخيَّر من المسألة ما شاء " (3) .
متفقٌ عليهما.
وحمله من لم يجوِّز ذلك على أنَّه يتخيرَّ من الدُّعاء المأثور O.
__________
(1) رقم: (638) .
(2) "صحيح البخاري": (1/212) ؛ (فتح: 2/320 - رقم: 835) .
"صحيح مسلم": (2/14) ؛ (فؤاد - 1/302 - رقم: 402) .
(3) "صحيح مسلم": (2/13) ؛ (فؤاد - 1/302 - رقم: 402) . وعند البخاري (8/ 286) ؛ (فتح - 11/13 - رقم: 6230) : (ثم يتخير بعد من الكلام ما شاء) ، وفي موضع آخر: (8/311) ؛ (فتح - 11/131 - رقم: 6328) : (ثم يتخير من الثناء ما شاء) .(2/292)
مسألة (166) : الإغماء لا يسقط فرض الصَّلاة قلَّ أو كثر.
وقال أبو حنيفة: إن كان يومًا وليلة لم يسقط.
وقال مالك والشَّافعيُّ: يسقط الصَّلاة.
وهذه مسألةٌ قد اختلف فيها الصَّحابة والتَّابعون.
فأصحابنا يستدلُّون:
885- بما روي عن عليٍّ وعمَّار أنَّهما قضيا ما فات حال الإغماء، وكذلك قال عمران وسمرة.
886- وقال عطاء: يقضي صلاته كلَّها.
887- وروى نافع عن ابن عمر أَنَّه أغمي عليه ثلاثة أيَّام فلم يقض شيئًا وأعاد صلاة يومه الذي أفاق فيه فحسب.
888- وأغمي على محمد بن سيرين ستَّة أيَّام فلم يقض.
889- وقال النَّخعيُّ: يعيد صلاة يومه وليلته، ولا يعيد ما كان قبل ذلك.
890- وقال الحسن: إذا أغمي على الرَّجل صلاتين فلا إعادة عليه، فإن أغمي عليه صلاةً واحدةً أعادها.
ولا نعرف في ذلك حديثًا مرفوعًا إلا:
891- ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمد بن الفضل بن سلمة (1) ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدَّثني إسماعيل بن داود
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: محمد لا يعرف) ا. هـ(2/293)
ابن عبد الله بن مخراق عن سليمان بن بلال عن أبي حسين (1) عن الحكم بن عبد الله الأيلي أن القاسم بن محمد حدَّثه أن عائشة سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يغمى عليه، فيترك الصَّلاة، فقالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس لشيء من ذلك قضاء، إِلاَّ أن يغمى عليه في وقت صلاة فيفيق وهو في وقتها فيصليها " (2) .
وهذا حديث لا يصح: قال أحمد: لا ينبغي أن يروى عن الحكم بن عبد الله شيء (3) . وقال يحيى: ليس بشيء (4) . وقال أبو داود: تركوا حديثه (5) .
ز: هذا الكلام الذي حكاه المؤلف إنما قاله أحمد وابن معين وأبو داود في الحكم بن عبد الله بن مسلمة أبي مطيع البلخي القاضي.
وأما راوي هذا الحديث: هو الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، قال أحمد: أحاديثه موضوعة (6) . وقال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون (7) .
وكذّبه الجوزجاني (8) وأبو حاتم (9) ، وتركه النَّسائيُّ (10) وابن الجنيد (11)
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: أبو حسين مجهول قاله البيهقي) ا. هـ وسيأتي في الجوف أيضاً.
(2) "سنن الدارقطني": (2/82) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (3/299 - 300 - رقم: 5331) باختصار.
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/356 - رقم: 4760) .
(5) " سؤالات أبي عبيد الأجري ": (2/289 - رقم: 1800) .
(6) "التاريخ" لأبي زرعة الدمشقي: (1/453 رقم: 1144) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (2/202 - رقم: 389) من رواية ابن أبي مريم.
(8) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 259 - رقم: 271) .
(9) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/121 - رقم: 559) .
(10) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 79 - رقم: 122) .
(11) "الضعفاء" لابن الجوزي: (1/227 - رقم: 958) .(2/294)
والدَّارَقُطْنِيُّ (1) ، وقال البخاريُّ: تركوه (2) . وقال أبو زرعة: [اضربوا] (3) على حديثه (4) . وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (5) .
ولا يصح إسناد هذا الحديث إلى الحكم، فإنه مظلم.
وأبو الحسن مجهول. قاله البيهقيُّ (6) .
وقد روى ابن عدي هذا الحديث في كتاب "الكامل" من رواية خارجة ابن مصعب - وهو ضعيف - عن عبد الله بن عطاء عن الحكم بن عبد الله الأيلي عن القاسم عن عائشة.
ورواه أيضًا من رواية خارجة عن عبد الله بن عطاء عن الحكم عن نافع عن ابن عمر (7) ، ورواه عن الحكم، وهو متهم (8) O.
* * * * *
مسألة (167) : إذا سُلِّم على المصلي ردَّ بالإشارة.
وقال أبو حنيفة: لا يرد.
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 180 - 181 - رقم: 161) .
(2) "التاريخ الكبير": (2/345 - رقم: 2695)
(3) في الأصل و (ب) : (اضطربوا) ، وهو سبق قلم، والله أعلم.
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/121 - رقم: 559) .
(5) "المجروحون": (1/248) .
(6) "سنن البيهقي": (2/352) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (3/57 - رقم: 609) تحت ترجمة خارجة بن مصعب.
(8) كذا بالأصل و (ب) .(2/295)
لنا ثلاثة أحاديث:
892- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حجَّاج بن محمد ثنا ليث بن سعد قال: حدَّثني بكير بن عبد الله بن الأشج عن نابل - صاحب العباء - عن عبد الله بن عمر عن صهيب قال: مررت برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلِّي، فسلَّمت، فردَّ إليَّ إشارةً. وقال: لا أعلم إلا أنَّه قال: إشارة بأصبعه (1) .
ز: ورواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ، لا نعرفه إلا من حديث بكير (4) .
ورواه الطَّبرانيُّ (5) وأبو حاتم البستيُّ (6) O.
893- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا وكيع ثنا هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يردُّ عليهم حين كانوا يسلِّمون عليه في الصَّلاة؟ قال: كان يشير بيده (7) .
قال التِّرمذيُّ: كلا الحديثين عندي صحيحٌ، ويحتمل أن يكون ابن عمر سمعه منهما جميعًا (8) .
ز: ورواه أبو داود عن الحسين بن عيسى الدَّامغانيِّ عن جعفر بن عون
__________
(1) "المسند": (4/332) .
(2) "سنن أبي داود": (2/28 - رقم: 922) .
(3) "سنن النسائي": (3/5 - رقم: 1186) .
(4) "الجامع": (1/394 - 395 - رقم: 367) .
(5) "المعجم الكبير": (8/30 - رقم: 7293) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (6/34 - رقم: 2259) .
(7) "المسند": (6/12) .
(8) "الجامع": (1/394 - رقم: 368) باختصار.(2/296)
عن هشام (1) .
ورواه التِّرمذيُّ عن محمود بن غيلان عن وكيع، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (2) .
ورواه أبو يعلى الموصليُّ ومحمد بن هارون الرُّويانيُّ (3) والطَّبرانيُّ (4) .
894- وروى إسماعيل بن عبد الله العبديُّ سمُّويه: ثنا أبو الوليد ثنا حمَّاد عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصَّلاة O.
895- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا سلمة بن شبيب ثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن الزُّهريِّ عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصَّلاة (5) .
ز: وروى هذا الحديث الإمام أحمد عن عبد الرَّزَّاق عن معمر (6) ، ورواه أبو داود في "سننه" عن أحمد بن محمد بن شَبُّويه ومحمد بن رافع عن عبد الرَّزَّاق (7) ، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن محمد بن رافع (8) ،
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/29 - رقم: 924) .
(2) "الجامع": (1/394 - رقم: 368) .
(3) " مسند الروياني ": (2/19 - رقم: 756) .
(4) "المعجم الكبير": (1/342 - رقم: 1027) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/84) .
وفي هامش الأصل: (قال الدارقطني: ثنا ابن صاعد ثنا محمد بن سهل بن عسكر ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: أنه كان يشير في الصلاة) ا. هـ انظر: سنن الدارقطني: (2/84) .
(6) "المسند": (3/138) .
(7) "سنن أبي داود": (2/38 - رقم: 940) .
(8) "صحيح ابن خزيمة": (2/48 - رقم: 885) .(2/297)
ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن يحيى بن معين عن عبد الرَّزَّاق (1) ، ورواه أبو القاسم الطَّبرانيُّ عن إسحاق بن إبراهيم الدَّبريِّ عن عبد الرَّزَّاق (2) ، ورواه ابو حاتم ابن حِبَّان عن أبي يعلى عن يحيى (3) .
قال أبو حاتم الرَّازيُّ: اختصر عبد الرَّزَّاق هذه الكلمة من حديث النََّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه ضَعُف، فقدَّم أبا بكر يصلِّي بالناس ... وقال: أخطأ عبد الرَّزَّاق في اختصاره هذه الكلمة، وأدخله في باب من كان يشير بأصبعه في الصَّلاة (4) ، وأوهم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّما أشار بيده في التَّشهُّد، وليس كذلك.
قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: فإشارة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر، كان في الصَّلاة، أو قبل دخول الصَّلاة؟ فقال: أمَّا في حديث شعيب عن الزُّهريِّ لا يدلُّ على شيءٍ من هذا. انتهى كلام أبي حاتم (5) .
وقد روى هذا الحديث غير عبد الرَّزَّاق:
896- فروى الطَّبرانيُّ: ثنا عبد الصَّمد بن محمد العَيْنُونيُّ المقدسيُّ ثنا أبو هبيرة الوليد بن محمد الدِّمشقيُّ ثنا سلامة بن بشر ثنا يزيد بن السِّمط ثنا الأوزاعيُّ عن الزُّهريِّ عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصَّلاة.
قال الطَّبرانيُّ: لم يروه عن الأوزاعيِّ إلا يزيد، تفرَّد به سلامة (6) O.
__________
(1) "مسند أبي يعلى": (6/266 - رقم: 3569) .
(2) لم نره في معاجم الطبراني، وقد رواه من طريق أبي نعيم عن الطبراني: الضياءُ في "المختارة": (7/174 - رقم: 2605) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (6/42 - رقم: 2264) .
(4) في "العلل": (التشهد) .
(5) "العلل": (1/160 - 161 - رقم: 453) .
(6) "المعجم الأوسط": (5/108 - رقم: 4814) .
وفي هامش الأصل: (حـ: يزيد بن السمط: وثقه أبو داود وضعفه الحاكم، وسلامة بن =(2/298)
احتجُّوا:
897- بما روى ابن شاهين: ثنا يوسف بن يعقوب النَّيسابوريُّ ثنا إسماعيل بن حفص ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن أبي غطفان عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أشار في الصَّلاة إشارةً تفقه - أو: تفهم - فقد قطع الصَّلاة " (1) .
قال المؤلِّف: وهذا حديثٌ لا يصحُّ، ابن إسحاق مجروحٌ قد كذَّبه مالك (2) وهشام بن عروة (3) ، وأبو غطفان مجهولٌ.
ز: روى هذا الحديث أبو داود في "سننه" عن عبد الله بن سعيد عن يونس بن بكير، وقال: وهذ الحديث وَهْمٌ (4) .
وأبو غطفان هو: ابن طَريف، ويقال: ابن مالك المُرِّيُّ، قال عباس الدُّوريُّ: سمعت يحيى بن معين يقول فيه: ثقةٌ (5) . وقال النَّسائيُّ في " الكنى ": أبو غطفان ثقةٌ، قيل: اسمه سعد (6) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب
__________
= بشر: قال أبو حاتم: صدوق) ا. هـ
انظر: " سؤالات الآجري ": (2/217 - رقم: 1650 م) ، " سؤالات مسعود السجزي ": (ص: 162 - رقم: 178) ، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/ 302 - رقم: 1312) .
(1) " ناسخ الحديث ومنسوخه ": (ص: 200 - رقم: 211) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قد قيل: إن هذه الزيادة من كلام ابن إسحاق) ا. هـ
(2) "الكامل" لابن عدي: (6/103 - رقم: 1623) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/193 - رقم: 1087) .
(4) "سنن أبي داود": (2/38 - 39 - رقم: 941) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/191 - رقم: 861) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (34/177 - 178 - رقم: 7565) .(2/299)
"الثِّقات" (1) ، وروى له مسلم في "صحيحه" (2) .
[وذكر] (3) ابن القطان أن راوي هذا الحديث غير المُرِّيِّ، لا يعرف (4) . وليس كما قال.
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: سئل أبو عبد الله عن حديث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد الصَّلاة ". قال: لا يثبت هذا الحديث، إسناده ليس بشيء (5) .
وقال عبد الغني بن سعيد المصري: أبو غطفان بن طريف المُرِّيِّ، قيل: إن اسمه يزيد (6) .
وقال البيهقيُّ: قال عليُّ - يعني: الدَّارَقُطْنِيّ -: قال لنا ابن أبي داود: أبو غطفان مجهول (7) O.
* * * * *
مسألة (168) : تنبيه الآدميِّ بالتسبيح والتكبير والقرآن لا يبطل الصَّلاة.
__________
(1) "الثقات": (5/567) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/397 - 398 - رقم: 2101) .
(3) في الأصل و (ب) : (وذكره) ، والهاء زائدة.
(4) " بيان الوهم والإيهام ": (5/321 - رقم: 2496) .
(5) "مسائل ابن هانئ": (2/191 - رقم: 2038) .
(6) " مشتبه النسبة ": (ص: 73) .
(7) "سنن البيهقي": (1/262) ، وهو في "سنن الدارقطني": (2/83) .(2/300)
وقال أبو حنيفة: يبطل، وعن أحمد مثله.
لنا حديثان:
898- الأوَّل: قال أحمد: ثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن زيد ثنا أبو حازم عن سهل بن سعد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا نابكم (1) في صلاتكم شيءٌ فليسبِّح الرِّجال، وليصفِّح (2) النِّساء " (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
899- الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّسبيح للرِّجال، والتَّصفيق للنِّساء ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5) .
ز: حديث أبي هريرة: رواه الجماعة (6) O.
* * * * *
__________
(1) في "التحقيق": (فاتكم) !
(2) في " النهاية ": (3/33 - 34 - صفح) : (التصفيح والتصفيق واحد، وهو من ضرب صفحة الكف على صفحة الكف الآخر) ا. هـ
(3) "المسند": (5/332) .
(4) "صحيح البخاري": (1/174) ؛ (فتح - 2/167 - رقم: 684) .
"صحيح مسلم": (2/25 - 26) ؛ (فؤاد - 1/316 - 317 - رقم: 421) .
(5) "الجامع": (1/394 - 396 - رقم: 369) وفيه: (حسن صحيح) .
(6) "صحيح البخاري": (2/299 - 300) ، (فتح - 3/77 - رقم: 1203) ؛ " صحيح مسلم ": (2/27) ، (فؤاد - 1/318 - 319 - رقم: 422) ؛ "سنن أبي داود": (2/37 - رقم: 936) ؛ "سنن النسائي": (3/11 - رقم: 1209) ؛ " سنن ابن ماجه ": (1/329 - رقم: 1034) .(2/301)
مسألة (169) : والمرأة تصفِّق.
وقال مالك: تسبِّح كالرجل.
لنا:
ما تقدَّم من الحديثين.
* * * * *
مسألة (170) : إذا تكلَّم في الصَّلاة عامدًا بطلت.
وقال مالك: إذا كان لمصلحة الصَّلاة لم تبطل، ووافقه الخِرَقيُّ في كلام الإمام دون المأموم.
لنا:
900- ما روى الإمام أحمد: ثنا سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنَّا نسلِّم على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كنَّا بمكَّة قبل أن نأتي أرض الحبشة - يعني وهو في الصَّلاة -، فلمَّا قدمنا من أرض الحبشة أتيناه فسلَّمنا عليه، فلم يردَّ، فأخذني ما قرب وما بعد حتى قضوا الصَّلاة، فسألتُه، فقال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحدث من أمره ما يشاء، وإنَّه قد أحدث من أمره أن لا تتكلَّموا في الصَّلاة " (1) .
ز: هذا حديثٌ صحيحٌ، وقد أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) بغير هذا
__________
(1) "المسند": (1/377) وفيه: (أن لا نتكلم في الصلاة) .
(2) "صحيح البخاري": (2/298) ؛ (فتح - 3/72 - رقم: 1199) . =(2/302)
اللفظ:
901- فروى الأعمش عن إبراهيم [عن] (1) علقمة عن عبد الله قال: كنَّا نسلِّم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الصَّلاة فيردُّ علينا، فلمَّا رجعنا من عند النَّجاشيِّ سلَّمنا عليه، فلم يردَّ علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنَّا نسلِّم عليك في الصَّلاة فتردَّ علينا. فقال: " إنَّ في الصَّلاة شُغْلاً ".
لفظ مسلم O.
* * * * *
مسألة (171) : إذا تكلَّم في الصَّلاة ناسيًا لم تبطل صلاتُه، وكذلك إذا تكلَّم مكرهًا أو جاهلاً بتحريم الكلام، وهو قول مالك والشَّافعيِّ.
وقال أبو حنيفة: تبطل، وعن أحمد مثله.
لنا:
902- ما روى البخاريُّ قال: حدَّثني إسحاق ثنا ابن شميل أنا ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى صلاتي العَشِيِّ، فصلَّى بنا ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتَّكأ عليها كأنَّه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبَّك بين أصابعه، ووضع خدَّه الأيمن على ظهر كفِّه اليسرى، وخرجت السَّرعان من
__________
= "صحيح مسلم": (2/71) ؛ (فؤاد - 1/382 - رقم: 538) .
وفي هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها.
(1) في الأصل و (ب) : (بن) ، والتصويب من "الصحيحين".(2/303)
أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصَّلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلِّماه، وفي القوم رجلٌ في يديه طولٌ، يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، نسيت أم قصرت الصَّلاة؟ فقال: " لم أنسَ ولم تقصر ". فقال: " أكما يقول ذو اليدين؟ " فقالوا: نعم. فتقدَّم فصلَّى ما ترك، ثمَّ سلَّم، ثمَّ كبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثُمَّ رفع رأسه، ثُمَّ كبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثُمَّ رفع رأسه وكبَّر. فربَّما سألوه: ثُمَّ سلَّم؟ فيقول (1) : نبئت أنَّ عمران بن حصين قال: ثُمّ َسلَّم (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
903- وقال أحمد: ثنا إسماعيل أنا خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حُصين أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلَّم في ثلاث ركعات من العصر، ثُمَّ قام فدخل، فقام إليه رجلٌ يقال له: الخرباق، فكان في يديه طولٌ، فقال: يا رسول الله. فخرج إليه، فذكر له صنيعه، فجاء فقال: " أصدق هذا؟ " قالوا: نعم. فصلَّى الرَّكعة التي ترك، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ سجد سجدتين، ثُمَّ سلَّم (4) .
انفرد بإخراجه مسلم (5) .
ووجه دليلنا: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكلَّم معتقدًا أن صلاته قد تمَّت، وأنَّه ليس في الصَّلاة، وكذلك ذو اليدين تكلَّم معتقدًا أنَّها قد تمَّت لإمكان النَّسخ.
__________
(1) في "التحقيق": (فنقول) !
(2) "صحيح البخاري": (1/129 - 130) ؛ (فتح - 1/565 - 566 - رقم: 482) .
(3) "صحيح مسلم": (2/86) ؛ (فؤاد - 1/403 - رقم: 573) .
(4) "المسند": (4/427) .
(5) "صحيح مسلم": (2/87) ؛ (1/404 - 405 - رقم: 574) .(2/304)
اعترض الخصم على حديث أبي هريرة بشيئين:
أحدهما: الطعن فيه، وذلك من وجهين: أحدهما: أن راويه أبو هريرة، وإنما أسلم في سنة سبع، وذو اليدين قتل يوم بدر، وكيف يحكي أبو هريرة حالة ما شاهدها؟ والثاني: أن ألفاظه تختلف، وذلك يدل على وهائه، فتارةً يروي: (فسلم من ركعتين) ، وتارةً: (من ثلاث) .
والثاني: أن هذا كان حين [كان] (1) الكلام مباحاً في الصَّلاة، ولهذا تكلم أبو بكر وعمر والناس عامدين.
قلنا:
أما الطعن فلا وجه له، لاتفاق الأئمة على صحته، واسم ذي اليدين: الخرباق، كما ذكرنا في حديث عمران، وعاش بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما المقتول يوم بدر: ذو الشمالين، واسمه عمير، وإنما وقع اعتراضهم على رواية الزهري لهذا الحديث، فإنه قال في روايته: فقام ذو الشمالين. قال أبو داود السجستاني: وهم الزهري في هذا الحديث، فرواه عن ذي الشمالين، ظنًّا منه أن ذا الشمالين وذا اليدين واحد.
وأما اختلاف ألفاظه، فجوابه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن لفظ حديث أبي هريرة لم يختلف، وإنما يروي الثلاث عمران، وهو من أفراد مسلم، وحديث أبي هريرة أصح.
والثاني: أن الشك في العدد لا يضر مع حفظ أصل الحديث، وثبوت الكلام ناسيًا.
والثالث: أنه يحتمل أن يكون من الرواة.
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق".(2/305)
وأما تحريم الكلام:
فقال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: إنما كان بمكة، فلما بلغ المسلمين بالمدينة سكتوا، فقال زيد بن أرقم - وهو من أهل المدينة - يحكي الحال: كنا نتكلم في الصَّلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت (1) .
وقال أبو سليمان الخطََّّابيُّ: نسخ الكلام بعد الهجرة بمدَّةٍ يسيرة (2) .
وعلى القولين قد كان ذاك قبل إسلام أبي هريرة بسنين.
وأمَّا كلام أبي بكر وعمر والنَّاس: فقد ذكر الخطََّابيُّ فيه وجهين: أحدهما: أنَّ في رواية حمَّاد بن زيد عن أيُّوب أنَّهم أومؤا - أي نعم -، فدلَّ ذلك على أنَّ رواية من روى أنَّهم قالوا: (نعم) تجوز، كما يقول الرَّجل: قلت بيدي وبرأسي، وكقول الشَّاعر:
فقالت له العينان سمعاً وطاعةً. . . . . . . . . . .
والثَّاني: أن يكونوا قالوا بألسنتهم، ولا يضر ذلك، لأنَّه لم ينسخ من الكلام ما كان جواباً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] (3) .
904- وفي أفراد البخاريِّ من حديث أبي سعيد بن المعلَّى قال: كنت أصلِّي في المسجد، فدعاني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم أجبه، ثُمَّ أتيته فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلِّي. فقال: " ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
__________
(1) انظر: "الإحسان" لابن بلبان: (6/27 - 28 - رقم: 2250) .
(2) " أعلام الحديث ": (1/413 - رقم: 128) ، وفي "معالم السنن": (1/462 - رقم: 970) : (نسخ الكلام كان بمكة) ا. هـ
(3) "معالم السنن": (1/462 - 463 - رقم: 970) .(2/306)
دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] " (1) .
وإذا ثبت أنَّ جواب الرَّسول واجبٌ، لم تبطل.
ز: روى حديث ذي اليدين: ابن عمر أيضًا:
05- 9- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو صالح الأصبهانيُّ عبد الرَّحمن بن سعيد ابن هارون وآخرون قالوا: ثنا أحمد بن سنان القطَّان ثنا أبو أسامة عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني صلاةً -، فسهى فيها، فسلَّم في الرَّكعتين، فقال له رجلٌ يقال له ذو اليدين: يا رسول الله، أقصرت الصَّلاة أو نسيت؟ فقال: " ما قصرت الصَّلاة، وما نسيت ". فقال: إنَّك صلَّيت ركعتين. قال: " أكما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: نعم. فتقدَّم فصلَّى ركعتين، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ سجد سجدتي السَّهو.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا حديثٌ غريبٌ من حديث عبيد الله عن نافع، تفرَّد به أبو أسامة حمَّاد بن [أسامة] (2) عنه، ولا نعلم حدَّث به عنه غير أحمد ابن سنان القطَّان، وهو من الثِّقات الأثبات (3) .
ورواه أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" عن أبي كريب الهمدانيِّ وبشر بن خالد العسكريِّ عن أبي أسامة (4) .
ورواه أبو داود (5) وابن ماجه (6) جميعًا عن أبي كريب بنحوه.
__________
(1) "صحيح البخاري": (6/502) ؛ (فتح - 8/156 - رقم: 4474) .
(2) في الأصل: (سلمة) ، والتصويب من (ب) .
(3) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (3/476 - 477 - رقم: 3324) .
(4) "صحيح ابن خزيمة": (12/17 - رقم: 1034) .
(5) "سنن أبي داود": (2/71 - رقم: 1009) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/383 - رقم: 1213) .(2/307)
ورواه أبو داود أيضًا عن أحمد بن محمد بن ثابت عن أبي أسامة.
ورواه ابن ماجه أيضًا عن أحمد بن سنان.
فالعجب من الإمام الحافظ الدَّارَقُطْنِيُّ مع كثرة حديثه ومعرفته بالحديث، قال: (لا نعلم حدَّث به عن أبي أسامة غير أحمد بن سنان) وقد رواه عنه أبو كريب وأبو همَّام وبشر بن خالد العسكريُّ وغيرهم.
وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله: حديث السَّهو - حديث ابن عمر - يرويه أحدٌ غير أبي أسامة؟ فقال: أبو أسامة وحده. وكأنَّه ضعَّفه.
قال أبو عبد الله: زعموا أن يحيى بن سعيد قال: إنما هو عبيد الله عن نافع مرسل O.
احتجُّوا بحديثين:
906- الحديث الأوَّل: رواه أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدَّثني الحجَّاج بن أبي عثمان قال: حدَّثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال: بينا نحن نصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرَمَاني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثُكلَ أُمَّياه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتهم يُصَمِّتوني، لكنِّي سكتُّ، فلمَّا صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبأبي هو وأمِّي، ما رأيت معلِّما قبله ولا بعده أحسنَ تعليماً منه، والله ما كَهَرَنِي ولا شَتَمَني ولا ضَرَبَنِي، قال: " إنَّ هذه الصَّلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام النَّاس هذا، إنَّما هي التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن " (1) .
__________
(1) "المسند": (5/447) .(2/308)
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1) .
وجوابه: أنَّه حجَّة عليهم من جهة أنَّه لم يأمره بالإعادة، وإنَّما علَّمه أحكام الصَّلاة، ولا فرق بالاتفاق بين من تكلَّم جاهلاً بحظر الكلام، ومن تكلَّم ناسيًا، وإنَّما قال له: " لا يصلح " لأنَّه محظورٌ في الصَّلاة.
الحديث الثَّاني: حديث جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الكلام ينقض الصَّلاة، ولا ينقض الوضوء ".
وقد ذكرناه بإسناده، والكلام عليه، في مسألة القهقهة (2) .
* * * * *
مسألة (172) : إذا سبقه الحدث في الصَّلاة توضَّأ وابتدأ.
وعنه: أنَّه يبني، كقول أبي حنيفة.
وعنه: إن كان من السَّبيلين ابتدأ، وإن كان من غيرهما بنى.
وعن الشَّافعيِّ كالروايتين الأوليين.
907- قال أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حِطَّان عن مسلم بن سلاَّم عن عليِّ بن طَلْق قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فَسَا أحدكم في الصَّلاة فلينصرف، فليتوضَّأ،
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/70) ؛ (فؤاد - 1/381 - 382 - رقم: 537) .
(2) رقم: (329) .(2/309)
وليعد صلاته " (1) .
ز: ورواه الإمام أحمد (2) والتِّرمذيُّ (3) والنَّسائيُّ (4) O.
احتجُّوا:
بحديث أبي سعيد وعائشة: " إذا قاء أحدكم في صلاته فلينصرف فليتوضأ، ثُمَّ ليبن على مامضى من صلاته ".
وقد ذكرنا إسنادهما في نواقض الوضوء، وتكلَّمنا عليهما (5) .
* * * * *
مسألة (173) : إذا سبق الإمام الحدث جاز له الاستخلاف على الرِّواية التي تقول: إنَّ صلاة المأموم لا تبطل بحدثه (6) .
وقال الشَّافعيُّ في القديم: لا يجوز الاستخلاف، وعن أحمد نحوه (7) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/249 - 250 - رقم: 207) .
(2) لم نقف عليه في مطبوعة "المسند"، ويبدو أنه ساقط منها، فقد ذكره الحافظ ابن حجر في "أطراف المسند": (4/384 - رقم: 6162) .
وقد خرجه من طريق الإمام أحمد: الحافظ المزي في "تهذيب الكمال": (20/495 - رقم: 4091) تحت ترجمة علي بن طلق.
(3) "الجامع": (2/456 - رقم: 1164) .
(4) "السنن الكبرى": (5/324 - 325 - الأرقام: 9023 - 9026) .
(5) برقمي: (314، 317) .
(6) أي حدث الإمام، وفي "التحقيق": (تبطل بحدثه) خطأ.
(7) في هامش الأصل: (حـ: وقال أبو بكر عبد العزيز: إذا سبق الإمام الحدث بطلت صلاة المأمومين، رواية واحدة، لأنه فُقد شرط صحة الصَّلاة في حق الإمام، فبطلت صلاة =(2/310)
لنا:
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج وأبو بكر يصلِّي، فصلَّى بالنَّاس تمام صلاة أبي بكر.
908- قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: وجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خِفَّة، فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي بالنَّاس قاعدًا، وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنَّاس يقتدون بصلاة أبي بكر (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
* * * * *
مسألة (174) : إذا تعمَّد المأموم سبق الإمام بركن بطلت صلاته.
وقال الشَّافعيُّ: لا تبطل.
لنا:
909- ما روى أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهري عن أنس
__________
= المأموم، كما لو تعمد الحدث.
والمشهور: عدم البطلان، لأن عمر لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فأتم بهم الصَّلاة، ولم ينكره منكرٌ) ا. هـ
(1) "المسند": (6/224) .
(2) "صحيح البخاري": (1/169) ؛ (فتح - 2/151 - 152 - رقم: 664) .
"صحيح مسلم": (2/22 - 23) ؛ (فؤاد - 1/311 - 314 - رقم: 418) .(2/311)
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
ز: 910- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار ".
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
قال الإمام أحمد: لو كان لمن سبق الإمام صلاةً لرجي له الثَّواب ولم يخش عليه العقاب.
911- وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيُّها النَّاس، إنِّي إِمامُكم، فلا تسبقوني بالرُّكوع، ولا بالسُّجود، ولا بالقيام، ولا بالقعود، ولا بالانصراف ".
رواه أحمد (4) ومسلم (5) O.
* * * * *
__________
(1) "المسند": (3/162) باختصار.
(2) "صحيح البخاري": (1/203) ؛ (فتح - 2/173 - رقم:689) .
"صحيح مسلم": (2/18) ؛ (فؤاد - 1/308 - رقم: 411) .
(3) "صحيح البخاري": (1/177) ؛ (فتح - 2/182 - 183 - رقم: 691) .
"صحيح مسلم": (2/28 - 29) ؛ (فؤاد - 1/320 - 321 - رقم: 427) .
(4) "المسند": (3/102) .
(5) "صحيح مسلم": (2/28) ؛ (فؤاد - 1/320 - رقم: 426) .(2/312)
مسألة (175) : يقطع الصَّلاة الكلب الأسود البهيم، وفي المرأة والحمار روايتان.
وحكى التِّرمذيُّ قال: قال أحمد: الذي لا أشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصَّلاة، وفي نفسي من الحمار والمرأة شيءٌ (1) .
وقال أكثر الفقهاء: لا يقطع شيءٌ من ذلك.
912- قال الإمام أحمد: ثنا عفان ثنا شعبة قال: أخبرني حميد بن هلال أنَّه سمع عبد الله بن الصَّامت عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقطع صلاة الرَّجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود ". قلت: فما بال الأسود من الأحمر؟ قال: ابن أخي، سألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما سألتني، فقال: " الكلب الأسود شيطانٌ " (2) .
913- قال أحمد: وثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن قتادة عن زرارة (3) بن أبي أوفى عن سعد (4) بن هشام عن أبي هريرة أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصَّلاة: المرأة، والكلب، والحمار " (5) .
انفرد بإخراج الحديثين مسلمٌ.
914- قال أحمد: وثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن
__________
(1) "الجامع": (1/370 - رقم: 338) .
(2) "المسند": (5/149) ؛ "صحيح مسلم": (2/59) ، (فؤاد -1/365 - رقم: 510) .
(3) في "التحقيق": (أبي زرارة) خطأ.
(4) في مطبوعة "المسند": (سعيد) خطأ.
(5) "المسند": (2/299) ؛ "صحيح مسلم": (2/59 - 60) ؛ (فؤاد - 1/365 - 366 - رقم: 511) .(2/313)
عبد الله بن مُغفَّل عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصَّلاة: المرأة، والكلب، والحمار " (1) .
ز: عبد الله بن الصَّامت هو: ابن أخي أبي ذرٍّ الغفاريُّ البصريُّ، استشهد به البخاريُّ في "صحيحه"، واحتجَّ به مسلمٌ (2) ، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه (3) . وقال النَّسائيُّ: ثقةٌ (4) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (5) .
وقال البيهقيُّ: وأعرض محمد بن إسماعيل البخاريُّ عن الاحتجاج برواية عبد الله بن الصَّامت، واحتجَّ بها غيره من الحفَّاظ، وقد أشار الشَّافعيُّ إلى تضعيف الحديث في هذا الباب، وخلافه ما هو أثبت منه، فإمَّا أن يكون غير محفوظ، أو يكون المراد به أنَّه يلهو ببعض ما يمرُّ بين يديه فيقطعه عن الاشتغال بها، لا أنَّه يفسد الصَّلاة (6) .
وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث سعد بن هشام عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقطع الصَّلاة: المرأة، والكلب، والحمار "، فقال: يرويه قتادة واختلف عنه:
فرواه هشام الدَّستوائيُّ، واختلف عن هشام:
فرواه معاذ بن هشام ومحمد بن أبي عدي عن هشام عن قتادة عن زرارة
__________
(1) "المسند": (5/57) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/369 - 370 - رقم: 806) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/84 - رقم: 388) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (15/121 - رقم: 3339) .
(5) "الثقات": (5/30) .
(6) "سنن البيهقي": (2/274) .(2/314)
ابن أبي أوفى (1) عن سعد بن هشام عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال يحيى القطان: عن هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى (2) عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وخالفه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ وابن عليَّة ومسلم بن إبراهيم، رووه عن هشام عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة موقوفًا، ولم يذكروا فيه سعد بن هشام.
وكذلك رواه معاذ بن معاذ وابن أبي عدي عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة موقوفًا.
ورواه ابن عُليَّة عن سعيد فخالفهم، فقال: عن قتادة عن زرارة عن سعد ابن هشام عن أبي هريرة، وقال فيه: أحسِبه ذكره عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورواه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن همَّام (3) عن قتادة عن زرارة عن سعد ابن هشام عن أبي هريرة موقوفًا.
ورواه الحكم بن عبد الملك عن قتادة فقال: عن الحسن [عن أبي هريرة ورفعه. ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن] (4) عن عبد الله بن مغفَّل عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتابعه الخليل بن مُرَّة عن قتادة.
ورواه شعبة عن قتادة عن عروة عن عائشة موقوفًا.
ورواه حوشب عن الحسن عن الحكم بن عمرو الغفاريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والصَّحيح حديث قتادة عن زرارة عن سعد عن أبي هريرة، وحديث
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي مطبوعة "العلل": (زرارة بن أوفى) .
(2) في (ب) : (زرارة بن أبي أوفى) .
(3) في مطبوعة "العلل": (هشام) خطأ، وهمام هو: ابن يحيى.
(4) سقط من الأصل و (ب) ، واستدرك من "العلل".(2/315)
قتادة عن الحسن عن عبد الله بن مغفَّل. انتهى كلامه (1) .
وحديث عبد الله بن مغفَّل: رواه ابن ماجه أيضًا عن جميل بن الحسن العَتَكيِّ عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى (2) ، وإسناده صحيحٌ.
915- وروى أبو يعلى الموصليُّ: ثنا زهير ثنا يحيى - هو ابن سعيد - عن شعبة ثنا قتادة قال: سمعت جابر بن زيد يحدِّث عن ابن عباس - قال يحيى: لم يرفعه غير شعبة - قال: " يقطع الصَّلاة: المرأة الحائض، والكلب " (3) .
ورواه أبو داود وقال: وقفه سعيد وهشام وهمَّام عن قتادة على ابن عباس (4) .
ورواه النَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) وأبو حاتم البستيُّ (7) والطَّبرانيُّ (8) .
916- وروى المحامليُّ: ثنا محمد بن موسى البصريُّ ثنا محمد بن عبد الله الأنصاريُّ ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعًا: " يقطع الصَّلاة: الكلب، والحمار، والمرأة " (9) .
يحتمل أن يكون شيخ المَحامليِّ: محمد بن يونس بن موسى الكديميُّ،
__________
(1) "العلل": (9/91 - 93 - رقم: 1657) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/306 - رقم: 951) .
(3) لم نقف عليه في الرواية المطبوعة من "مسند أبي يعلى"، وقد خرجه من طريقه - من رواية ابن المقرىء عنه -: الحافظ الضياء في "المختارة": (9/518 - رقم: 500) .
(4) "سنن أبي داود": (1/472 - رقم: 703) .
(5) "سنن النسائي": (2/64 - رقم: 751) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/305 - رقم: 949) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (6/148 - رقم: 2387) .
(8) "المعجم الكبير": (12/140 - رقم: 12824) .
(9) ومن طريقه خرجه الضياء في "المختارة": (7/114 - رقم: 2538) .(2/316)
وهو ضعيفٌ.
917- وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: حدَّثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم الأُشْنَانِيُّ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا أبو حمزة الأنصاريُّ ثنا أبو زيد سعيد بن الرَّبيع الهرويُّ ثنا شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر سمع أنسًا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصَّلاة: الحمار، والمرأة، والكلب " (1) .
أبو حمزة الأنصاريُّ هو: أنس بن خالد O.
فإن قال قائلٌ: الحديث واحدٌ في حقِّ المرأة والحمار والكلب، فما وجه ما حكيتم عن أحمد أنَّه قال: (الذي لا أشكُّ فيه الكلب الأسود، وفي قلبي من المرأة والحمار شيءٌ) ؟
قلنا: لأنَّه قد صحَّ في الحديث:
918- عن عائشة أنَّها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي وأنا معترضةٌ بين [يديه] (2) كاعتراض الجنازة.
919- وصحَّ عن ابن عباس أنَّه قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلِّي، فنزلت عن الحمار وتركته أمام الصفِّ، فما بالاه.
فهذا فهمٌ عجيب من أحمد حين رأى هذا مرويًّا في الحمار والمرأة ولم يجد شيئًا في الكلب الأسود (3) .
احتجُّوا بخمسة أحاديث:
__________
(1) "تاريخ بغداد": (7/49 - رقم: 3505) .
(2) في الأصل: (يدي) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(3) انظر: " مسائل الإمام أحمد " لأبي داود: (ص: 67 - رقم: 318) ولابنه عبد الله (2/ 340 - رقم: 484) .(2/317)
920- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا إسحاق بن بهلول ثنا يحيى بن المتوكِّل ثنا إبراهيم بن يزيد ثنا سالم بن عبد الله عن أبيه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر قالوا: " لا يقطع صلاة المسلم شيءٌ، وادرأ ما استطعت " (1) .
921- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا أحمد بن عبد الوهَّاب ثنا أبي ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقطع صلاة المرء امرأةٌ ولا كلبٌ ولا حمار، وادرأ ما بين يديك ما استطعت " (2) .
922- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا إبراهيم بن حمَّاد ثنا أحمد ابن بديل ثنا أبو أسامة ثنا مُجالد عن أبي الودَّاك عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقطع الصَّلاة شيءٌ " (3) .
923- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن الحسين ثنا أيُّوب ابن سليمان ثنا أبو اليمان ثنا [عفير] (4) بن معدان عن سُليم بن عامر عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقطع الصَّلاة شيءٌ " (5) .
924- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن الحسين (6)
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/367 - 368) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/368 - 369) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/368) .
(4) في الأصل و (ب) : (عقبة) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(5) "سنن الدارقطني": (1/368) .
(6) في "التحقيق": (الحسن) .
وفي هامش الأصل: (كان فيه: " الحسن " وهو وهم) ا. هـ(2/318)
الأنطاكيُّ ثنا إبراهيم بن منقذ الخولانيُّ ثنا إدريس بن يحيى الخولانيُّ عن بكر بن مضر عن صخر بن عبد الله بن حرملة أنَّه سمع عمر بن عبد العزيز يحدِّث عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقطع الصَّلاة شيءٌ " (1) .
والجواب: أنَّ هذه الأحاديث كلَّها ضعاف:
أما الأوَّل: ففيه إبراهيم بن يزيد الخُوزيُّ، قال أحمد بن حنبل (2) والنَّسائيُّ (3) : هو متروكٌ. وقال يحيى: ليس بشيءٍ (4) .
وأمَّا الثَّاني: ففيه ابن أبي فَروة، قال أحمد: لا تحلُّ عندي الرِّواية عنه (5) . وقال يحيى: كذَّابٌ (6) . وقال الفلاَّس (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8) : متروك الحديث.
وأمَّا الثَّالث: ففيه مُجالد، وقد ضعَّفه يحيى (9) والنَّسائيُّ (10) والدَّارَقُطْنِيُّ (11) . وقال أحمد: ليس بشيءٍ (12) . وقال ابن حِبَّان: لا يجوز
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/367) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/146 - رقم: 480) من رواية ابنه صالح.
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 45 - رقم: 14) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/139 - رقم: 581) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/227 - رقم: 792) من رواية الجوزجاني.
(6) المرجع السابق: (2/228 - رقم: 792) من رواية إسحاق بن منصور وعلي بن الحسن.
(7) المرجع السابق، من رواية محمد بن إبراهيم.
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 143 - رقم: 94) وفيه: (متروك) .
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/361 - 362 - رقم: 1653) من رواية ابن أبي خيثمة.
(10) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 213 - رقم: 552) .
(11) "الضعفاء" لابن الجوزي: (3/35 - رقم: 2851) ، وانظر: ما تقدم: (1/141) .
(12) "الضعفاء الصغير" للبخاري: (ص: 490 - رقم: 368) .(2/319)
الاحتجاج به (1) .
وأمَّا الرَّابع: ففيه عفير، قال أحمد: ضعيفٌ، منكر الحديث (2) .
وقال يحيى: ليس بثقةٍ (3) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: ليس بشيءٍ (4) .
وأمَّا الخامس: ففيه صخر بن عبد الله، قال ابن عَدِيٍّ: يحدِّث عن الثِّقات بالأباطيل، عامة ما يرويه منكرٌ أو من موضوعاته (5) . وقال ابن حِبَّان: لا تحلُّ الرِّواية عنه (6) .
ز: حديث أبي سعيد: رواه أبو داود عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة، ثُمَّ قال:
925- ثنا مسدَّد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا مُجالد ثنا أبو الودَّاك قال: مرَّ شابٌّ من قريش بين يدي أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه وهو يصلِّي، فدفعه، ثُمَّ عاد، فدفعه - ثلاثَ مرَّات -، فلمَّا انصرف قال: إنَّ الصَّلاة لا يقطعها شيءٌ، ولكن قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادرؤوا ما استطعتم، فإنَّه شيطانٌ " (7) .
وصخر بن عبد الله بن حرملة - الرَّاوي عن عمر بن عبد العزيز -: لم يتكلَّم فيه ابن عَدِيٍّ ولا ابن حِبَّان، بل ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (8) ،
__________
(1) "المجروحون": (3/10) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (5/380 - رقم: 1544) من رواية أحمد بن أبي يحيى.
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/423 - رقم: 5088) .
(4) هذه الكلمة ذكرها ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (7/36 - رقم: 195) من رواية أبي حاتم عن دحيم.
(5، 6) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(7) "سنن أبي داود": (1/478 - 479 - رقمي: 719 - 720) .
(8) "الثقات": (6/473) .(2/320)
وقال النَّسائيُّ: هو صالحٌ (1) . وإنَّما ضعَّف ابن عَدِيٍّ: صخر بن عبد الله الكوفيَّ، المعروف بـ (الحاجبيِّ) (2) ، وهو متأخر عن ابن حرملة، روى عن مالك والليث وغيرهما.
وعلى تقدير ثبوت قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقطع الصَّلاة شيءٌ " لا يعارض به حديث أبي ذرٍّ وأبي هريرة وابن المغفَّل، لأنها خاصةٌ، فيجب تقديمها على العام O.
* * * * *
__________
(1) "تهذيب الكمال" للمزي: (13/123 - رقم: 2857) .
(2) "الكامل": (4/92 - رقم: 943) .(2/321)
مسائل سجود التِّلاوة
مسألة (176) : سجود التِّلاوة سُنَّةٌ.
وقال أبو حنيفة: واجبٌ.
926- قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب (1) عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط عن عطاء عن زيد بن ثابت قال: قرأت على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " النَّجم " فلم يسجد (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
وقد تأوَّله بعضهم فقال: إنَّما لم يسجد رسول الله لأنَّ زيدًا لم يسجد.
فيقال له: لو كانت السَّجدة واجبةٌ لأمره بها.
ز: 927- وعن ربيعة بن عبد الله بن الهُدَير التَّيميِّ - قال أبو بكر (هو ابن أبي مليكة) : وكان ربيعة من خيار النَّاس - عمَّا (4) حضر ربيعة من عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة " النَّحل " حتى
__________
(1) في "التحقيق": (ابن ذئب) خطأ.
(2) "المسند": (5/183) .
(3) "صحيح البخاري": (2/271) ؛ (فتح - 2/554 - رقم: 1073) .
"صحيح مسلم": (2/88) ؛ (فؤاد - 1/406 - رقم: 577) .
(4) قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": (2/558 - 559) : (قوله: " عما حضر ربيعة من عمر " متعلق بقوله: " أخبرني "، أي: أخبرني راويًا عن عثمان عن ربيعة عن قصة حضوره مجلس عمر) ا. هـ(2/322)
إذا جاء السَّجدة نزل فسجد وسجد النَّاس، حتَّى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السَّجدة قال: يا أيُّها النَّاس، إنَّما نمرُّ بالسُّجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه. ولم يسجد عمر.
وزاد نافع عن ابن عمر: إنَّ الله جلَّ وعزَّ لم يفرض السُّجود إلا أن نشاء.
رواه بالزِّيادة البخاريُّ (1) O.
* * * * *
مسألة (177) : في الحجِّ سجدتان.
وقال أبو حنيفة ومالك: ليس فيها إلا الأولى.
928- قال أحمد: ثنا أبو سعيد - مولى بني هاشم - ثنا ابن لهيعة عن مِشْرَح ابن هَاعَان عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله، أفضِّلت سورة " الحجِّ " بأنَّ فيها سجدتين؟ قال: " نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " (2) .
فإن قالوا: ابن لهيعة ضعيفٌ.
قلنا: قال ابن وهب: هو صادقٌ (3) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/272) ؛ (فتح - 2/557 - رقم: 1077) .
وفي الهامش حاشية من كلمتين: ( [] تعليقًا) ا. هـ والكلمة الأولى لم تظهر في مصورتنا.
وانظر: "تحفة الأشراف" و" النكت الظراف ": (8/71 - 72 - رقم: 10564) و " تغليق التعليق ": (2/413 - 414) .
(2) "المسند": (4/151) .
(3) ذكره ابن الجوزي في "الضعفاء" له: (2/136 - رقم: 2096) .(2/323)
ز: ورواه أبو داود (1) والتِّرمذيُّ وقال: ليس إسناده بالقويِّ (2) .
ولفظ أبي داود: قلت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في سورة " الحجِّ " سجدتان؟
[قال: " نعم] (3) ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما ".
929- وعن عمرو بن العاص أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرأه خمسَ عشرة سجدةً في القرآن، منها ثلاثٌ في المفصَّل، وفي " الحجِّ " سجدتين.
رواه ابن ماجه (4) وأبو داود، وعنده: وفي سورة " الحجِّ " سجدتين (5) .
وسيأتي بإسناده (6) .
930- وعن أبي عبد الرَّحمن السُّلميِّ عن عليٍّ عليه السَّلام (7) أنَّه كان يسجد في " الحجِّ " سجدتين.
931- وعن ابن عمر أنَّ عمر بن الخطَّاب سجد في " الحجِّ " سجدتين، وقال: إنَّ هذه السُّورة فضِّلت على سائر القرآن بسجدتين.
رواهما سعيد بن منصور.
932- وعن عبد الله بن ثعلبة قال: رأيتُ عمر سجد في " الحجِّ " سجدتين. قلت: في الصُّبح؟ قال: في الصُّبح.
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/243 - 244 - رقم: 1397) .
(2) "الجامع": (1/576 - 577 - رقم: 578) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/335 - رقم: 1057) .
(5) "سنن أبي داود": (2/243 - رقم: 1396) .
(6) برقم: (950) .
(7) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع.(2/324)
رواه الدَّارَقُطْنِيُّ (1) .
933- وعن نافع قال: كان ابن عمر يسجد فيها سجدتين.
رواه البيهقيُّ.
قال: وروي عن عليٍّ وعبد الله بن مسعود وعمَّار وأبي موسى وأبي الدَّرداء أنَّهما كانوا يسجدون في " الحجِّ " سجدتين.
934- وروى عن ابن عباس قال: في سورة " الحجِّ " سجدتان (2) O.
* * * * *
مسألة (178) سجدة " ص ": سجدةُ شكرٍ.
وعنه: أنَّها من سجود التَّلاوة، وهو قول أبي حنيفة ومالك.
935- وقال التِّرمذيُّ: ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد في " ص ".
قال ابن عباس: وليست من عزائم السُّجود.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
936- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمد بن عبد الله
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/408 - 409) .
(2) انظر: "سنن البيهقي": (2/317 - 318) .
(3) "الجامع": (1/575 - 576 - رقم: 577) وفيه: (حسن صحيح) .(2/325)
ابن عبد الحكم ثنا أبي وشعيب بن الليث قالا: ثنا الليث ثنا خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح عن أبي سعيد الخدريِّ أنَّه قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا، فقرأ " ص "، فلمَّا مرَّ بالسُّجود، نزل فسجد وسجدنا معه، وقرأها مرَّة أخرى، فلما بلغ السَّجدة تشزَّنا (1) للسجود، فلما رآنا قال: " إنَّما هي توبةُ نبيٍّ، ولكنِّي أراكم قد استعددتم للسُّجود ". فنزل فسجد وسجدنا (2) .
ز: حديث ابن عباس: رواه البخاريُّ في "صحيحه" (3) .
وحديث أبي سعيد: رواه أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن أبي هلال بنحوه (4) .
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن ابن سلم عن حرملة عن ابن وهب (5) ، ورواه البيهقيُّ عن الحاكم عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن [بحر] (6) بن نصر عن ابن وهب، وقال: هذا حديثٌ حسن الإسناد صحيحٌ (7) .
__________
(1) في " النهاية ": (2/471 - شزن) : (التَّشزُّن: التأهب والتهيؤ للشيء، والاستعداد له، مأخوذ من عُرْض الشيء وجانبه، كأن المتشزِّن يدع الطمأنينة في جلوسه، ويقعد مستوفزًا على جانب) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (1/408) .
(3) "صحيح البخاري": (2/270) ؛ (فتح - 2/552 - رقم: 1069) .
(4) "سنن أبي داود": (2/246 - رقم: 1405) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (6/470 - 471 - رقم: 2765) .
(6) في الأصل و (ب) : (محمد) ، والتصويب من "سنن البيهقي" و"المستدرك".
(7) "سنن البيهقي": (2/318) ، وهو في "المستدرك": (2/431 - 432) وقال الحاكم عقبه: (حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) .
وفي هامش الأصل: (قد أعله ابن خزيمة) ا. هـ
وقال ابن خزيمة في "صحيحه": (2/254 - الباب رقم: 695) : (باب النزول عن المنبر للسجود إذا قرأ الخاطب السجدة على المنبر، إن صح الخبر، فإن في القلب من هذا =(2/326)
937- وعن مجاهد أنَّه سأل ابن عباس: أفي " ص " سجدة؟ قال: نعم. ثُمَّ تلا: {وَوَهَبْنَا لَهُ ... } إلى قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 84 - 90] ثُمَّ قال: هو منهم.
زاد يزيد بن هارون [و] (1) محمد بن عبيد وسهل بن يوسف عن العوَّام عن مجاهد: قلت لابن عباس....: فقال: نبيُّكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممَّن أُمر أن يقتدي بهم O.
احتجُّوا:
938- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا محمد بن آدم ثنا حفص بن غياث عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في " ص " (2) .
939- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن نوح الجُنْدَيْسَابوريُّ ثنا جعفر بن محمد بن حبيب ثنا عبد الله بن رُشَيْد ثنا عبد الله بن بزيع عن عمر بن ذرٍّ عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سجد بها نبيُّ الله داود، وسجدناها شكرًا " يعني صاد (3) .
والجواب: أما الحديث الأوَّل: فقد ذكرنا أنَّه سجد، وبيَّن في حديثنا أنَّها ليست من سجود التِّلاوة.
__________
= الإسناد، لأن بعض أصحاب ابن وهب أدخل بين ابن أبي هلال وبين عياض بن عبد الله في هذا الخبر = إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث، ولست أرى الرواية عن ابن أبي فروة هذا) ا. هـ
(1) في الأصل: (أو) ، والتصويب من (ب) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/406) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/407) .(2/327)
وأمَّا الحديث الثَّاني: ففيه ابن بزيع، قال ابن عَدِيٍّ: ليس ممَّن يحتجُّ به (1) .
ز: حديث أبي هريرة: قال ابن أبي داود: لم يروه إلا حفص (2) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل": انفرد حفص بن غياث بذلك، وخالفه إسماعيل بن جعفر وغيره عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في " إذا السَّماء انشقت "، وهو الصَّواب (3) .
وحديث ابن عباس: لم ينفرد به ابن بزيع عن عمر بن ذرٍّ، فقد رواه النَّسائيُّ عن إبراهيم بن الحسن المقْسَميِّ عن حجَّاج بن محمد عن عمر (4) .
ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ من وجه آخر عن عمر (5) .
940- وعن أبي سعيد الخدريِّ قال: رأيت رؤيا: وأنا أكتب سورة " ص "، فلمَّا بلغت السَّجدة رأيت الدَّواة والقلم وكلُّ شيءٍ يحضرني انقلب ساجدًا! قال: فقصصتها على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل يسجد بها.
رواه الإمام أحمد من رواية بكر بن عبد الله المزنيِّ عن أبي سعيد (6) .
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه حميد الطََّويل وعاصم الأحول ومحمد ابن جحادة عن بكر، واختلفوا فيه:
فرواه حميد الطَّويل واختلف عنه:
__________
(1) "الكامل": (4/254 - رقم: 1087) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/406) .
(3) "العلل": (8/12 - رقم: 1376) .
(4) "سنن النسائي": (2/159 - رقم: 957) ، وفي المطبوعة: (عمرو بن ذر) خطأ.
(5) "سنن الدارقطني": (1/407) .
(6) "المسند": (1/84) .(2/328)
قال هُشيم: عن حميد عن بكر عن أبي سعيد، وقال مسدَّد: عن هُشيم عن حميد عن بكر عن رجل عن أبي سعيد.
وأرسله ابن أبي عَدِيٍّ وحمَّاد بن سلمة عن حميد عن بكر أنَّ أبا سعيد رأى فيما يرى النَّائم.
وقال ابن جحادة: عن بكر أنَّ أبا موسى الأشعريَّ أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال عاصم: عن بكر أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمِّه.
وقول مسدَّد عن هُشيم أشبهها بالصَّواب (1) O.
* * * * *
مسألة (179) : في المفصَّل ثلاث سجدات.
وقال مالك في رواية: لا سجود في المفصَّل.
941- قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر الأنصاريِّ عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر المخزوميِّ (2) عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ " (3) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ من هذه الطََّريق (4) ، وقد أخرجاه من طريق آخر
__________
(1) "العلل": (11/304 - 305 - رقم: 2299) .
(2) في "التحقيق": (المخرمي) خطأ.
(3) "المسند": (2/247) .
(4) لم نره في مسلم من طريق أبي بكر المخزومي عن أبي هريرة، وهو فيه: (2/89) ؛ (فؤاد - 1/406 - 407 - رقم: 578) بهذا اللفظ من رواية عبد الرحمن الأعرج وعطاء بن ميناء =(2/329)
ليس فيها: (" اقرأ ") (1) .
ز: لم أر هذه الطَّريق في "صحيح مسلم".
وأبو بكر الأنصاريُّ هو: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
وأبو بكر المخزوميُّ هو: أبو بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام.
وقد روى هذا الحديث التِّرمذيُّ (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) من رواية سفيان بن عيينة أيضًا.
وقال الذُّهليُّ: لا أعلم روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد غير ابن عيينة، وهو عندي وهمٌ، إنَّما روى النَّاس عن يحيى في هذا الإسناد حديث الإفلاس (5) .
وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث أبي بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة: سجدنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ باسم ربك ".
فقال: يرويه عمر بن عبد العزيز واختلف عنه:
__________
= عن أبي هريرة.
وسينبه المنقح على هذا أيضًا.
(1) "صحيح البخاري": (2/271) ؛ (فتح - 2/556 - رقم: 1074) .
"صحيح مسلم": (2/88 - 89) ؛ (فؤاد - 1/406 - 407 - رقم: 578) .
(2) "الجامع": (1/572 - رقم: 574) .
(3) "سنن النسائي": (2/161 - رقم: 963) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/336 - رقم: 1059) .
(5) "تاريخ بغداد": (3/416 - رقم: 1548) تحت ترجمة الذهلي.(2/330)
فرواه ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن [عمرو] (1) ابن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة.
وكذلك روي عن الثَّوريِّ - وهو غريبٌ عنه -، قاله أحمد بن عبيد عن أبي أحمد الزُّبيريِّ عنه.
وكذلك روي عن مالك عن يحيى، قاله أبو يحيى بن أبي ميسرة عن محمد ابن حرب عن مالك.
ورواه محمد بن قيس القاص عن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة:
942- حدَّثنا محمد بن عبد الله بن الحسين العلاَّف - ولم نكتبه إلا عنه - ثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ثنا أبو أحمد الزُّبيريُّ ثنا سفيان الثَّوريُّ ثنا يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة قال: سجدنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ باسم ربك ". [قال] (2) أبو أحمد: قلت لسفيان: و" اقرأ باسم ربك "؟ قال: نعم (3) O.
943- وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا سفيان بن عيينة عن أيُّوب بن موسى عن عطاء بن مينَاء عن أبي هريرة قال: سجدنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " اقرأ باسم ربك " و" إذا السَّماء انشقَّت " (4) .
__________
(1) في الأصل: (عمر) ، والتصويب من (ب) و"العلل".
(2) في الأصل و (ب) : (قاله) ، والتصويب من: "العلل".
(3) "العلل": (9/66 - 67 - رقم: 1646) .
(4) "الجامع": (1/572 - رقم: 573) .(2/331)
944- قال التِّرمذيُّ: وثنا هارون بن عبد الله البزَّاز ثنا عبد الصَّمد بن عبد الوارث ثنا أبي عن أيُّوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: سجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها - يعني: " النَّجم " - والمسلمون والمشركون (1) .
قال التِّرمذيُّ: الحديثان صحيحان (2) .
قال المؤلِّف: قلت: وقد انفرد بهذا الحديث البخاريُّ (3) .
ز: حديث عطاء بن ميناء عن أبي هريرة: رواه مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو النَّاقد عن ابن عيينة عن أيُّوب بن موسى (4) .
ورواه الثَّوريُّ وابن جريج أيضًا عن أيُّوب بن موسى، واختلف عن الثوريِّ: فقيل: عن وكيع عن الثَّوريِّ عن أيُّوب بن موسى عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا وهمٌ، والصَّحيح: عطاء [بن] (5) ميناء: 945- حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان (ح) وثنا أحمد ابن العباس البغويُّ ثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطََّان، قالا: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن أيُّوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة: سجدنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ باسم ربك الذي خلق " (6) .
__________
(1) "الجامع": (1/573 - رقم: 575) .
(2) قال عقب كل حديث منهما: (حسن صحيح) .
(3) "صحيح البخاري": (2/271) ؛ (فتح - 2/553 - رقم: 1071) .
(4) "صحيح مسلم": (2/89) ؛ (فؤاد - 1/406 - رقم: 578) .
(5) زيادة من (ب) و"العلل".
(6) "العلل": (8/343 - 344 - رقم: 1612) .(2/332)
946- وقال مسلمٌ: وثنا محمد بن رمح أنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن صفوان بن سُليم عن عبد الرَّحمن (1) الأعرج - مولى بني مخزوم - عن أبي هريرة أنَّه قال: سجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السَّماء انشقَّت " و" اقرأ باسم ربك " (2) .
947- وعن أبي رافع قال: صلَّيت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ: " إذا السَّماء انشقَّت "، فسجد فيها. فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه.
رواه البخاريُّ (3) ومسلمٌ، وعنده: ما هذه السَّجدة (4) ؟
948- وعن عبد الله - هو ابن مسعود - عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قرأ " والنَّجم " بمكَّة، فسجد فيها وسجد من كان معه، غير أنَّ شيخًا أخذ كفًّا من حصى وتراب، فرفعه إلى جبهته، وقال: يكفيني هذا. قال عبد الله: لقد رأيته بعدُ قتل كافرًا.
رواه البخاريُّ (5) ومسلمٌ وهذا لفظه، غير أنَّه لم يقل: (بمكَّة) (6) ، وهو في البخاريِّ وفيه: وسجد من معه.
949- وعن المطََّّلب بن أبي وداعة قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في " النَّجم " وسجد النَّاس معه. قال المطََّلب: ولم أسجد معهم - وهو يومئذٍ
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: هو ابن سعد المقعد) ا. هـ
(2) "صحيح مسلم": (2/89) ؛ (فؤاد - 1/406 - 407 - رقم: 578) .
(3) "صحيح البخاري": (1/194) ؛ (فتح - 2/250 - رقم: 766) .
(4) "صحيح مسلم": (2/89) ؛ (فؤاد - 1/407 - رقم: 578) .
(5) "صحيح البخاري": (2/270) ؛ (فتح - 2/551 - رقم: 1067) .
(6) "صحيح مسلم": (2/88) ؛ (فؤاد - 1/405 - رقم: 576) .(2/333)
مشركٌ -. قال المطَّلب: ولا أدع السُّجود فيه أبدًا.
رواه الإمام أحمد (1) والنَّسائيُّ (2) O.
950- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا [محمد بن أحمد] (3) بن عمرو ثنا أحمد بن محمد بن رشدين ثنا ابن أبي مريم ثنا نافع [بن] (4) يزيد عن الحارث بن سعيد عن عبد الله بن مُنْين عن عمرو بن العاص أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصَّل، وفي سورة " الحجِّ " سجدتين (5) .
وهذ الحديث لا يعتمد عليه، قال ابن عَدِيٍّ: ابن رشدين كذَّبوه، وأنكرت عليه أشياء (6) . وقال يحيى: ابن أبي مريم ليس بشيءٍ (7) .
ز: ابن أبي مريم الذي تكلَّم فيه يحيى هو أبو بكر، وأمَّا راوي هذا الحديث فهو سعيد بن أبي مريم، وقد احتجَّ به البخاريُّ (8) ومسلمٌ (9) في " صحيحيهما "، ووثَّقه أبو حاتم الرَّازيُّ (10) والعجليُّ (11) ، وقال أبو داود:
__________
(1) "المسند": (4/215) .
(2) "سنن النسائي": (2/160 - رقم: 958) .
(3) في الأصل و (ب) : (أحمد بن محمد) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني"، وقد يكون ابن عبد الهادي قد وضع فوق الكلمتين علامة التقديم والتأخير ولم ينتبه لها النساخ، والله أعلم.
(4) في الأصل و (ب) : (عن) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(5) "سنن الدارقطني": (1/408) .
(6) "الكامل": (1/198 - رقم: 42) ، ولم نر فيه كلمة: (كذبوه) .
(7) "التاريخ" برواية الدوري: (4/437 - رقم: 5173) وفيه: (ليس حديثه بشيء) .
(8) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/1077 - رقم: 1266) .
(9) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/250 - رقم: 538) .
(10) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/14 - رقم: 49) .
(11) "الثقات": (ترتيبه - 1/396 - رقم: 581) .(2/334)
هو عندي حجَّةٌ (1) .
وقد حدَّث بهذا الحديث عنه غير أحمد بن محمد بن رشدين، فرواه أبو داود عن محمد بن عبد الرَّحيم بن البَرْقيِّ عنه عن نافع بن يزيد (2) ، ورواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى الذُّهليِّ عن ابن أبي مريم أيضًا (3) .
وإسناد الحديث لا بأس به، لكن عبد الله بن مُنين فيه جهالة، لم يرو عنه غير الحارث، وقال عبد الحقِّ في " الأحكام ": عبد الله بن مُنين لا يحتجُّ به (4) O.
احتجُّوا:
951- بما رواه أبو داود: ثنا محمد بن رافع ثنا أزهر بن القاسم ثنا أبو قدامة عن مَطَر الورَّاق عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسجد في شيءٍ من المفصَّل منذ تحوَّل إلى المدينة (5) .
والجواب: أنَّ هذا لا يصحُّ، وأبو قدامة اسمه: الحارث بن عبيد، قال أحمد: هو مضطرب الحديث (6) . وقال يحيى: ليس بشيءٍ، ولا يكتب حديثه (7) .
__________
(1) " سؤالات الآجري ": (2/180 - رقم: 1526) .
(2) "سنن أبي داود": (2/243 - رقم: 1396) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/335 - رقم: 1057) .
(4) " الأحكام الوسطى ": (2/929) .
(5) "سنن أبي داود": (2/244 - رقم: 1398) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (3/28 - رقم: 4005) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (2/189 - رقم: 372) من رواية ابن أبي مريم.(2/335)
ز: الحارث بن عبيد: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (1) ، وتكلَّم فيه أيضًا أبو حاتم الرَّازيُّ (2) والنَّسائيُّ (3) والأزديُّ وابن حِبَّان (4) .
وأزهر بن القاسم: وثَّقه الإمام أحمد بن حنبل (5) والنَّسائيُّ (6) ، وقال [أبو حاتم] (7) : شيخٌ يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (8) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: كان يخطىء (9) .
وقد رواه أبو داود الطَّيالسيُّ عن الحارث أبي قدامة عن مَطَر الورَّاق - أو رجل - عن عكرمة عن ابن عباس (10) .
ولو صحَّ هذا الحديث كان حديث ابن مسعود وأبي هريرة مقدَّمًا عليه، لأنَّه إثباتٌ، والإثبات مقدَّمٌ على النَّفي، وأبو هريرة إنَّما أسلم بعد الهجرة في السَّنة السَّابعة.
ويمكن الجمع بين الأحاديث بحمل السُّجود على الاستحباب، وتركه السُّجود يدلُّ على عدم الوجوب، فلا تعارض إذًا.
952- وروي عن أبي الدَّرداء قال: سجدت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/172 - رقم: 349) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/81 - رقم: 371) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 78 - رقم: 119) .
(4) "المجروحون": (1/224) .
(5) "العلل" برواية عبد الله: (3/56 - رقم: 4148) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (2/329 - رقم: 311) .
(7) وقع في الأصل و (ب) : (ابن حبان) ويبدو أنها سبق قلم، بدليل ما بعدها، والله أعلم.
(8) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/315 - رقم: 1186) .
(9) "الثقات": (8/131) .
(10) " مسند الطيالسي ": (4/407 - رقم: 2811- طبعة التركي) .(2/336)
عشرة سجدة، ليس فيها من المفصَّل شيءٌ.
رواه ابن ماجه هكذا (1) ، وقال أبو داود: إسناده واهٍ (2) .
953- وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدَّثنا يحيى بن غيلان ثنا رشدين قال: حدَّثني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عمر الدِّمشقيِّ أنَّ مخبرًا عن أمِّ الدَّرداء عن أبي الدَّرداء أنَّه قال: سجدت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى عشرة سجدة، منهنَّ " النَّجم " (3) .
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ O.
* * * * *
مسألة (180) سجود الشُّكر عند تجدُّد النِّعم واندفاع النِّقم سنَّةٌ.
وقال أبو حنيفة ومالك: ليس بسنَّةٍ ويكره.
لنا أربعة أحاديث:
954- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا سليمان بن بلال ثنا عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرَّحمن بن عوف عن عبد الرَّحمن بن عوف قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتوجَّه نحو صدقته، فدخل، فاستقبل القبلة، فخرَّ ساجدًا، فأطال السُّجود
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/335 - رقم: 1056) .
(2) "سنن أبي داود": (2/243 - رقم: 1396) .
(3) "المسند": (6/442) .(2/337)
حتى ظننت أنَّ الله عزَّ وجلَّ قبض نفسه فيها، فدنوت منه، ثُمَّ جلست، فرفع رأسه، فقال: " من هذا؟ " قلت: عبد الرَّحمن. قال: " ما شأنك؟ " قلت: يا رسول الله، سجدت سجدةً خشيت أن يكون الله عزَّ وجلَّ قد قبض نفسك فيها. فقال: " إنَّ جبريل أتاني فبشَّرني، فقال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول لك: من صلَّى عليك صليتُ عليه، ومن سلَّم عليك سلَّمت عليه. فسجدت لله عزَّ وجل شكرًا " (1) .
ز: 955- ورواه أحمد بن عمرو بن أبي عاصم: ثنا الحَوْطيُّ عبد الوهَّاب بن نَجْدة ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد - وهو ابن محمد بن عبد الرَّحمن بن عوف - عن أبيه عن جدِّه (2) قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد سجدةً فأطال، فرفع رأسه، فسألته عن ذلك، فقال: " إنَّ جبريل لقيني فقال: من صلَّى عليك صلَّى الله عليه، ومن سلَّم عليك سلَّم الله عليه - قال: أحسبه (عشرًا) قال: - فسجدت لله شكرًا " (3) .
سئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث عبد الواحد بن محمد بن عبد الرَّحمن بن عوف عن جدِّه عبد الرَّحمن أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطال في سجوده ... الحديث، فقال: يرويه عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد، واختلف عنه: فرواه سعيد ابن سلمة بن أبي الحسام والدَّرَاورَدِيُّ عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن محمد عن عبد الرَّحمن بن عوف.
وخالفهما سليمان بن بلال، فرواه عن عمرو بن أبي عمرو عن عاصم بن
__________
(1) "المسند": (1/191) .
(2) كتب فوقها بالأصل و (ب) : (كذا) ، وإشارة إلى أنه هكذا وقع في هذه الرواية: (عن أبيه عن جده) .
(3) " الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": (ص: 40 - رقم: 47) .(2/338)
عمر عن قتادة عن عبد الواحد، زاد في إسناده: عاصمًا.
ورواه الحمانيُّ فجعله عن عبد الواحد عن أبيه عن عبد الرَّحمن بن عوف، وليس ذلك بمحفوظ.
والصواب قول سعيد بن سلمة والدَّرَاوْرَدِيُّ.
[وعند عمرو بن أبي عمرو] (1) فيه إسنادٌ آخر: يرويه الليث عن ابن الهاد عن عمرو عن عبد الرَّحمن أبي الحويرث عن محمد بن جبير عن عبد الرَّحمن ابن عوف.
ورواه أبو الزُّبير المكيُّ، واختلف عنه:
فرواه عمرو بن الحارث عن أبي الزُّبير عن سهيل بن عبد الرَّحمن عن عبد الرَّحمن بن عوف.
وخالفه إسحاق بن أبي فروة، فرواه عن أبي الزُّبير عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبيه (2) O.
956- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إسماعيل بن العباس الورَّاق ثنا عليُّ بن حرب ثنا أبو عاصم عن بكَّار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن أبي بكرة قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الشيءُ يسرُّه خرَّ ساجدًا شكرًا لله عزَّ وجل (3) .
__________
(1) في مطبوعة "العلل": (عن عمرو بن أبي عمرو) ، وجاءت متصلة بالجملة السابقة.
وقد نقل هذ النص الضياء في "المختارة": (8/130 - رقم: 932) كما هنا.
(2) "العلل": (4/296 - 298 - رقم: 577) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/410) .(2/339)
ز: رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والتِّرمذيُّ (3) وابن ماجه (4) والحاكم وصحَّحه (5) .
ولفظ أحمد: أنَّه شهد النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه بشيرٌ يبشِّره بظفر جندٍ له على عدوِّهم ورأسه في حجر عائشة، فقام فخرَّ ساجدًا له.
وبكَّار بن عبد العزيز بن أبي بكرة: تكلَّموا فيه، قال عباس الدُّوريُّ وغيره عن يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (6) . وقال إسحاق بن منصور عن يحيى: صالحٌ (7) . وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به، وهو من جملة الضُّعفاء الذين يكتب حديثهم (8) . وقال الحاكم: بكَّار صدوقٌ (9) O.
957- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن هارون ثنا عبد الرَّحمن بن واقد ثنا هُشيم عن جابر الجُعفيِّ عن أبي جعفر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً من النُّغاشيين فخرَّ ساجدًا (10) .
قال المؤلِّف: النُّغاشيُّ: الرَّجل القصير.
__________
(1) "المسند": (5/45) .
(2) "سنن أبي داود": (3/347 - رقم: 2768) .
(3) "الجامع": (3/234 - 235 - رقم: 1578) ، وقال: (حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث بكار بن عبد العزيز) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/446 - رقم: 1394) .
(5) "المستدرك": (1/276) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (4/86 - رقم: 3267) وفيه: (ليس حديثه بشيء) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/408 - رقم: 1604) .
(8) "الكامل" لابن عدي: (2/43 - رقم: 280) .
(9) "المستدرك": (1/276) وفيه: (صدوق عند الأئمة) .
(10) "سنن الدارقطني": (1/410) .(2/340)
ز: هذا إسنادٌ منقطع، وجابر الجعفيُّ ضعيفٌ O.
958- الحديث الرَّابع: قال ابن ماجه: ثنا يحيى بن عثمان (1) المصريُّ قال: حدَّثني أبي قال: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد ابن عبدة (2) السَّهميِّ، عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشِّر بحاجةٍ فخرَّ ساجدًا (3) .
ز: هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فإنَّ ابن لهيعة غير محتجٍّ به.
وعمرو لم يروه عنه غير يزيد، وهو ابن الوليد بن عبدة القرشيُّ السَّهميُّ البصريُّ مولى عمرو بن العاص، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (4) ، وقال سعد ابن عمير: (5) كان فاضلاً فقيهًا.
959- وقد روى أبو داود سليمان بن الأشعث: ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن أبي فديك قال: حدَّثني موسى بن يعقوب عن ابن [عثمان] (6) - قال أبو داود: وهو يحيى بن الحسن بن عثمان - عن أشعث بن إسحاق بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكَّة نريد المدينة، فلمَّا كنَّا قريبًا من عَزُوْرَا، نزل فرفع يديه، فدعا الله ساعةً، ثُمَّ خرَّ ساجدًا، فمكث طويلاً، ثُمَّ قام فرفع يديه فدعا الله ساعةً، ثُمَّ خرَّ ساجدًا - ذكره أحمد
__________
(1) في "التحقيق": (عمار) خطأ.
(2) في هامش الأصل: (كان فيه: " عن عبدة " وهو وهم) ا. هـ وهو على الصواب في مطبوعة "التحقيق".
(3) "سنن ابن ماجه": (1/445 - رقم: 1392) .
(4) "الثقات": (5/184) .
(5) كذا بالأصل و (ب) ، وقد يكون الصواب: (سعيد بن عفير) ، وانظر: " تهذيب التهذيب " لابن حجر: (8/103 - رقم: 193) .
(6) في الأصل: (عمار) ، والتصويب من (ب) و"سنن أبي داود".(2/341)
ثلاثًا -، قال: " إنِّي سألت ربِّي وشفعتُ لأُمَّتي، فأعطاني ثلث أمَّتي، فخررت ساجدًا شكرًا لربِّي، ثُمَّ رفعت رأسي فسألت ربِّي لأمَّتي، فأعطاني ثلث أمَّتي، فخررت ساجدًا لربِّي شكرًا، ثُمَّ رفعت رأسي، فسألت ربِّي لأمَّتي، فأعطاني الثُّلث الآخر، فخررت ساجدًا لربِّي ".
قال أبو داود: (أشعث بن إسحاق) أسقطه أحمد بن صالح حين حدَّثنا به، فحدَّثني به عنه موسى بن سهل الرَّمليُّ (1) .
ولم يرو أبو داود لأشعث بن إسحاق بن سعد بن أبي وقَّاص سوى هذا الحديث الواحد.
960- وسجد أبو بكر رضي الله عنه حين جاءه قتل مسيلمة.
رواه سعيد.
961- وسجد عليٌّ رضي الله عنه حين وجد ذا الثُّديَّة في الخوارج.
رواه أحمد في "مسنده" (2) .
962- وسجد كعب بن مالك في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لماَّ بشِّر بتوبة الله عليه.
وقصَّته في "الصَّحيحين" (3) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/347 - 348 - رقم: 2769) .
(2) "المسند": (1/107 - 108) .
(3) "صحيح البخاري": (6/489) ؛ (فتح - 8/115 - 116 - رقم: 4418) .
"صحيح مسلم": (8/110) ؛ (فؤاد - 4/2126 - رقم: 2769) .(2/342)
وقال الحاكم بعد أن روى حديث بكَّار بن عبد العزيز بن أبي بكر عن أبيه: وله شواهد: منها أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى القرد فخرَّ ساجدًا، ومنها أنَّه رأى رجلاً به زمانة فخرَّ ساجدًا، ومنها أنَّه رأى نُغاشيًّا فخرَّ ساجدًا (1) .
ذكرها بلا إسناد.
963- وروى البيهقيُّ بإسناده عن حفص بن غياث عن مِسْعَر عن محمد ابن عبيد الله عن عرفجة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبصر رجلاً به زمانة فسجد. قال محمد بن عبيد الله: وأنَّ أبا بكر رضي الله عنه أتاه فتحٌ فسجد، وأنَّ عمر رضي الله عنه أتاه فتحٌ فسجد، أو أبصر رجلاً به زمانة فسجد.
قال البيهقيُّ: يقال هذا عرفجة السُّلميُّ، ولا يرون له صحبة، فيكون مرسلاً (2) O.
* * * * *
مسألة (181) : إذا مرَّ بالمصلِّي آية رحمة سأل ذلك، وإذا مرَّت به آية عذاب استعاذ منه.
وعنه أنَّه يجوز ذلك في النَّفل ويكره في الفرض، وبه قال أبو حنيفة.
وكان شيخنا أبو بكر الدِّينوريُّ يقول: المراد بمذهبنا أنَّه يعيد الآية.
ونِعْمَ ما قال! لأنَّه لا يجوز الكلام في الصَّلاة.
__________
(1) "المستدرك": (1/276) .
(2) "سنن البيهقي": (2/371) .(2/343)
دليلنا:
964- ما روى الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الأعمش عن سعد (1) بن عُبيدة عن المستورد عن صِلَة عن حذيفة قال: صلَيت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما مرَّ بأية رحمة إلا وقف عندها فسأل، ولا آية عذاب إلا تعوَّذ منها (2) .
ز: روه مسلم (3) وأصحاب " السُّنن الأربعة " (4) من حديث جماعة عن الأعمش O.
* * * * *
مسألة (182) : إذ شكَّ في عدد الرَّكعات بنى على اليقين، وهو الأقل.
وعنه: أَنَّه يتحرَّى، فإن لم يكن له رأي بنى على اليقين.
وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك أوَّل مرَّة بطلت صلاته، وإن تكرَّر منه تحرَّى، فإن لم يكن له ظنٌّ بنى على اليقين.
__________
(1) في "التحقيق": (سعيد) خطأ.
(2) "المسند": (5/382) .
(3) "صحيح مسلم": (2/186) ؛ (فؤاد - 1/536 - 537 - رقم: 772) .
(4) "سنن أبي داود": (2/7 - رقم: 867) ؛ "الجامع": (1/301 - رقم: 262) ؛ "سنن النسائي": (2/176 - رقم: 1008) ؛ "سنن ابن ماجه": (1/429 - رقم: 1351) .(2/344)
لنا على أنَّه يبني على اليقين حديثان:
965- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار ثنا محمد بن خالد ثنا إبراهيم بن سعد قال: حدَّثني محمد بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرَّحمن بن عوف قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلَّى أو اثنتين؟ فليبن على واحدة، فإن لم يدر أثنتين صلَّى أو ثلاثًا فليبن على اثنتين، فإن لم يدر ثلاثًا صلَّى أو أربعًا؟
فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلِّم ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
ز: وروى هذا الحديث الإمام أحمد (2) وابن ماجه (3) وأبو يعلى الموصليُّ (4) والحاكم (5) بنحوه من حديث ابن إسحاق.
ورواه إسماعيل المكيُّ عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: 966- قال الهيثم بن كليب الشَّاشيُّ: ثنا العباس الدُّوريُّ ثنا محمد بن عبد الله ثنا إسماعيل المكيُّ عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كنت أذاكر عمر شيئًا من الصَّلاة، قال: فأتانا عبد الرَّحمن بن عوف فقال: ألا أحدِّثكما حديثًا سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلنا: بلى. قال: أشهد شهادة الله لسمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كان أحدكم في شكٍّ من
__________
(1) "الجامع": (1/423 - 424 - رقم: 398) وفيه: (حسن صحيح) .
(2) "المسند": (1/190) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/381 - 382 - رقم: 1209) .
(4) "مسند أبي يعلى": (2/152 - رقم: 839) .
(5) "المستدرك": (1/324) .(2/345)
النُّقصان في صلاته، فليصلِّ حتى يكون في شكٍّ من الزِّيادة " (1) .
967- قال الهيثم: وثنا أبو حاتم الرَّازيُّ محمد بن إدريس ثنا الأنصاريُّ ثنا إسماعيل عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن عوف أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلا يدري ثلاثًا صلَّى أم أربعًا؟ فليصلِّ ركعة ثُمَّ ليسجد سجدتين " (2) .
ورواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرَّزَّاق عن ابن المبارك عن إسماعيل ابن مسلم (3) .
وسئل الدَّارَقُطْنِيُّ عنه، فقال: رواه إبراهيم بن سعد ومحمد بن سلمة وعيسى بن عبد الله الأنصاريُّ وطلحة بن زيد عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرَّحمن بن عوف.
ورواه حمَّاد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن مكحول مرسلاً، وكذلك سمعه محمد بن إسحاق عن مكحول مرسلاً.
ورواه إسماعيل بن عُليَّة وعبد الله بن نمير وعبد الرَّحمن المحاربيُّ عن محمد بن إسحاق عن مكحول مرسلاً، وعن محمد بن إسحاق عن حسين بن عبد الله عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرَّحمن.
فضبط هؤلاء الثَّلاثة عن ابن إسحاق المرسل والمتَّصل.
وروى هذا الحديث الزُّهريُّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، حدَّث به عنه إسماعيل بن مسلم المكيُّ وبحر السَّقَّاء.
__________
(1) " مسند الشاشي ": (1/264 - رقم: 231) .
(2) " مسند الشاشي ": (1/265 - رقم: 233) .
(3) عزاه إليه أيضًا: الضياء في "المختارة": (3/101 - رقم: 902) .(2/346)
ورواه محمد بن يزيد الواسطيُّ واختلف عنه:
فرواه إسماعيل بن هود عنه عن ابن إسحاق عن الزُّهريِّ.
ورواه إسحاق بن بهلول عن عمَّار بن سلام عن محمد بن يزيد عن سفيان ابن حسين.
وكلاهما وهمٌ.
ورواه أحمد بن حنبل عن محمد بن يزيد على الصواب: (عن إسماعيل ابن مسلم عن الزُّهريِّ) فرجع الحديث إلى إسماعيل بن مسلم، وإسماعيل ضعيفٌ. انتهى كلام الدَّارَقُطْنِيِّ (1) .
968- وفي "مسند الإمام أحمد": ثنا إسماعيل ثنا محمد بن إسحاق حدَّثني مكحول أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلَّى أحدكم فشكَّ ... " فذكره، قال محمد بن إسحاق: وقال لي حسين بن عبد الله: هل أسنده لك؟
فقلت: لا. فقال: لكنَّه حدَّثني أنَّ كريبًا مولى ابن عباس حدَّثه عن ابن عباس قال: جلست إلى عمر بن الخطاب ... فذكر الحديث (2) .
وحسين بن عبد الله: تكلَّم فيه غير واحدٍ O.
969- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا يونس بن محمد ثنا فليح عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدريِّ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلَّى؟ فليبن على اليقين، حتى إذ استيقن أن قد أتمَّ فليسجد قبل أن يسلِّم، فإنَّه إن كانت صلاته وترًا شفعها، وإن كانت شفعًا
__________
(1) "العلل": (4/257 - 260 - رقم: 547) .
(2) "المسند": (1/193) .(2/347)
كان ذانك ترغيمًا للشَّيطان " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
ولنا على أنه يتحرَّى:
970- ما روى أحمد: ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا شكَّ أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب، فإذا سلَّم فليسجد سجدتين " (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
ولنا على أنَّ صلاته لا تبطل:
ما تقدَّم من الأحاديث.
ز: المشهور في مذهب الإمام أحمد: أنَّ المنفرد يبني على اليقين، والإمام يبني على غالب ظنِّه للجمع بين الأحاديث، ومن جهة المعنى: أنَّ الإمام له من ينبهه ويذكِّره إذا أخطأ، فيتأكد عنده صواب نفسه، ولأَنَّه إن أصاب أقرَّه المأمومون، وإن أخطأ سبَّحوا به فرجع إليهم، فيحصل له الصَّواب في الحالين، بخلاف المنفرد ليس له من يذكِّره فيبني على اليقين، ليحصل له إتمام صلاته. هذا اختيار الخرقيِّ.
والقول بالبناء على اليقين مطلقًا اختاره أبو بكر عبد العزيز، وروي عن
__________
(1) "المسند": (3/72) .
(2) "صحيح مسلم": (2/84) ؛ (فؤاد - 1/400 - رقم: 571) .
(3) "المسند": (1/379) .
(4) "صحيح البخاري": (1/110 - 111) ؛ (فتح - 1/503 - رقم: 401) .
"صحيح مسلم": (1/84) ؛ (فؤاد - 1/400 - رقم: 572) .(2/348)
ابن عمر وابن عباس وابن عَمرو وغيرهم، وهو قول ربيعة ومالك والثَّوريِّ والأوزاعيِّ والشافعيِّ وإسحاق، وروي عن أحمد.
والقول بالبناء على غلبة الظَّن مطلقًا رواه الأثرم عن أحمد، وروي عن عليِّ بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنه، وهو قول النَّخعيِّ O.
* * * * *
مسألة (183) : سجود السَّهو قبل السَّلام إلا في موضعين:
أحدهما: إذا سلم من نقصان، والثاني: إذا شكَّ الإمام - وقلنا: يتحرَّى، على رواية - فإنَّه يسجد بعد السَّلام استحساناً لمكان الحديث.
وعنه: أنَّ الكل قبل السَّلام، وهو قول الشَّافعيِّ.
وعنه: إن كان من نقصان كان قبل السَّلام، وإن كان من زيادة كان بعد السَّلام، وهو قول مالك.
وقال أبو حنيفة وداود: كلُّه بعد السَّلام.
فإذا دللنا على أبي حنيفة، فلنا سبعة أحاديث:
971- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا الليث عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بُحَيْنَةَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام في صلاة الظُّهر وعليه جلوس، فلمَّا أتمَّ صلاته سجد سجدتين، وكبَّر في كلِّ سجدة وهو جالسٌ قبل أن يسلِّم، وسجدهما النَّاس معه مكان ما نسي من الجلوس (1) .
__________
(1) "الجامع": (1/415 - رقم: 391) ، وقال: (حديث حسن) ، وفي بعض النسخ: (حسن صحيح) .(2/349)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
الحديث الثَّاني: حديث عبد الرَّحمن بن عوف.
والثَّالث: حديث أبي سعيد الخدريِّ.
والرَّابع: حديث ابن مسعود (2) .
وقد تقدَّموا بأسانيدهم (3) .
972- الحديث الخامس: قال التِّرمذيُّ: وثنا محمد بن يحيى ثنا محمد ابن عبد الله الأنصاريُّ قال: أخبرني أشعث عن ابن سيرين عن خالد الحذَّاء عن أبي قِلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حُصين أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بهم فسهَا، فسجد سجدتين، ثُمَّ تشهَّد، ثُمَّ سلَّم (4) .
ز: ورواه أبو داود عن محمد بن يحيى (5) ، ورواه الحاكم وقال: على شرطهما (6) .
وأشعث هو: ابن عبد الملك الحُمرانيُّ، قال يحيى القطََّان: هو عندي
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/307) ؛ (فتح - 3/99 - رقم: 1230) .
"صحيح مسلم": (2/83) ؛ (فؤاد - 1/399 - رقم: 570) .
(2) في هامش الأصل: (حاشية: حديث ابن مسعود فيه السجود قبل السلام لا بعده) ا. هـ
ولعل الصواب العبارة: (بعد السلام لا قبله) ، واللفظ الذي ساقه ابن الجوزي فيما تقدم ليس فيه ذكر موضع السجود، ولا ندري هل هذه الحاشية من ابن عبد الهادي أم من الناسخ؟
(3) الأرقام: (965، 969، 970) .
وفي هامش الأصل: (صوابه: وقد تقدمت بأسانيدها) ا. هـ
(4) "الجامع": (1/420 - رقم: 395) ، وقال: (حديث حسن غريب) .
(5) "سنن أبي داود": (2/79 - رقم: 1031) .
(6) "المستدرك": (1/323) .(2/350)
ثقةٌ مأمونٌ (1) . ووثَّقه يحيى بن معين (2) والنَّسائيُّ (3) وغيرهما، ولم يخرِّجا له في "الصَّحيحين".
وقال البيهقيُّ: تفرَّد بهذا الحديث أشعث الحُمْرانيُّ، وقد رواه شعبة ووهيب وابن عُليَّة والثَّقفيُّ وهُشيم وحمَّاد بن زيد ويزيد بن زُريع وغيرهم عن خالد الحذَّاء، لم يذكر أحدٌ منهم ما ذكره أشعث عن محمد عنه.
ورواه أيوب عن محمد قال: أخبرت عن عمران ... فذكر السَّلام دون التَّشهُّد.
وفي رواية هُشيم ذكر التَّشهُّد قبل السَّجدتين، وذلك يدلُّ على خطأ أشعث فيما رواه (4) O.
973- الحديث السَّادس: قال التِّرمذيُّ: وثنا قتيبة ثنا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الشَّيطان يأتي أحدكم في صلاته فيَلْبِسُ عليه، حتى لا يدري كم صلَّى؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجدْ سجدتين وهو جالسٌ ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5) .
ز: ورواه أبو داود (6) وابن ماجه، وفيه: " فليسجد سجدتين قبل أن
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/275 - رقم: 990) من رواية ابن المديني.
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (4/81 - رقم: 3233) .
(3) "السنن الكبرى": (كما في "تحفة الأشراف": 10/365 - رقم: 14597) ، وهو في "تهذيب الكمال" للمزي: (3/285 - رقم: 531) .
(4) "سنن البيهقي": (2/355) .
(5) "الجامع": (1/423 - رقم: 397) ، وفيه: (حسن صحيح) .
(6) "سنن أبي داود": (2/76 - رقم: 1022) .(2/351)
يسلِّم " (1) . وهو لبقيَّة الجماعة إلا قوله: (قبل أن يسلَّم) (2) O.
974- الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب قال: حدَّثني ذؤيب بن عمامة ثنا عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جدِّه عن المنذر بن عمرو أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد سجدتي السَّهو قبل التَّسليم (3) .
ذؤيب وعبد المهيمن: ضعيفان.
ز: وعبد الله بن شبيب: ضعَّفه غير واحد O.
قال أصحاب أبي حنيفة: نعارض أحاديثكم بستَّة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث ذي اليدين، وأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد بعد السَّلام وقد سبق في رواية أبي هريرة وعمران (4) .
975- الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى الظُّهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصَّلاة؟ فسجد سجدتين بعد ما سلَّم (5) .
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/384 - رقم: 1216) .
(2) "صحيح البخاري": (2/307) ، (فتح - 3/103 - رقم: 1231) ؛ " صحيح مسلم ": (2/82 - 83) ، (فؤاد - 1/398 - رقم: 389) ؛ "سنن النسائي": (3/ 30 - 31 - رقم: 1252) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/374) .
(4) برقمي: (902 - 903) .
(5) "الجامع": (1/418 - رقم: 392) ، وقال: (حديث حسن صحيح) .(2/352)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) ، وفي لفظٍ متَّفقٍ عليه: سجد بعد السَّلام والكلام (2) .
976- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا حمَّاد بن خالد ثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة قال: سجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجدتي السَّهو بعد السَّلام (3) .
977- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا حجَّاج قال: قال ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع أنَّ مصعب بن شيبة أخبره عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من شكَّ في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلِّم " (4) .
978- الحديث الخامس: قال أحمد: وثنا الحكم بن نافع ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عبيد الله بن عبيد الكَلاعيِّ عن زهير عن عبد الرَّحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نفير عن ثوبان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكلِّ سهوٍ سجدتان بعدما يسلِّم " (5) .
979- الحديث السَّادس: قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الشَّعبيِّ عن المغيرة بن شعبة أنَّه قام في الرَّكعتين الأوليين فسبَّحوا به فلم يجلس، فلما قضى صلاته سجد سجدتين بعد التَّسليم، ثُمَّ قال: هكذا فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/305) ؛ (فتح - 3/93 - 94 - رقم: 1226) .
"صحيح مسلم": (2/85) ؛ (فؤاد - 1/402 - رقم: 572) .
(2) لم نقف عليه عند مسلم، وانظر: " الجمع بين الصحيحين " للحميدي: (1/211 - رقم: 231) ؛ ولعبد الحق: (1/382 - رقم: 799) .
(3) "المسند": (2/532) .
(4) "المسند": (1/205) .
(5) "المسند": (5/280) .
(6) "المسند": (4/248) .(2/353)
والجواب: أمَّا حديث ذي اليدين: فنحن نقول به استحسانًا.
وكذلك حديث ابن مسعود، نحمله على الإمام إذا شكَّ - وقلنا: يتحرَّى - بدليل: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جرى له ذلك في حالة الإمامة، وقال لهم ذلك، فكأنَّه علَّم الأئمة ما يصنعون إذا شكُّوا، وهذان الموضعان اللذان استثنيناهما في رأس المسألة.
وأمَّا حديث أبي هريرة: ففيه داود بن الحصين، وهو ضعيفٌ، قال ابن حِبَّان: حدَّث عن الثِّقات بما لا يشبه حديث الأثبات، فيجب مجانبة روايته (1) .
وأمَّا حديث ابن جعفر: ففيه مصعب بن شيبة، قال أحمد: روى أحاديث مناكير (2) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقويِّ ولا بالحافظ (3) .
وأمَّا حديث ثوبان: ففيه إسماعيل بن عيَّاش، وقد سبق القدح فيه (4) .
وأما حديث المغيرة: ففيه ابن أبي ليلى، وقد ضعَّفوه.
قال أبو بكر الأثرم: لا يثبت حديث ابن جعفر ولا حديث ثوبان، وحديث المغيرة قد رواه ابن عون موقوفًا، وهو أثبت من ابن أبي ليلى.
ثُمَّ نحمل أحاديثهم على أحد أمرين:
إمَّا أن تكون منسوخة، بدليل قول الزُّهريِّ: كان آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجود قبل السَّلام.
__________
(1) "المجروحون": (1/290 - 291) وفيه: (حدث حديثين منكرين عن الثقات ... ) ، ولكن كلام ابن حبان في داود بن الحصين بن عقيل من أهل المنصورة، والذي في الإسناد هو داود بن الحصين الأموي، وانظر ما تقدم: (1/78) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/305 - رقم: 1409) من رواية الأثرم.
(3) "سنن الدارقطني": (1/113) .
(4) (1/86) .(2/354)
والثَّاني: على ما إذا كان السَّهو في أحد الموضعين المستثنيين.
ز: داود بن الحصين في حديث أبي هريرة: محتجٌ به في "الصحيحين" (1) ، ووثَّقه يحيى بن معين (2) وغيره، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" أيضًا وقال: كان يذهب مذهب الشَّراة، وكلُّ من ترك حديثه على الإطلاق وَهِمَ، لأَنَّه لم يكن داعيةً إلى مذهبه (3) .
ويحتمل أن يكون حديث أبي هريرة هذا بعض حديث ذي اليدين، بل الظَّاهر أنَّه مختصرٌ منه، وقد رواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن مالك فذكر قصَّة ذي اليدين (4) .
وأمَّا حديث عبد الله بن جعفر: فرواه إمام الأئمة (5) ابن خزيمة في "صحيحه":
980- ثنا أبو موسى ثنا روح ثنا ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن مسافع أنَّ مصعب بن شيبة أخبره عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفرعن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نسي شيئًا من صلاته فليسجد سجدتين وهو جالسٌ ".
قال ابن خزيمة: هكذا قال لنا أبو موسى: (عن عقبة بن محمد بن الحارث) ، وهذا الشَّيخ يختلف أصحاب ابن جريج في اسمه، قال حجَّاج بن
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/565 - رقم: 354) ؛ و"رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/195 - 196 - رقم: 413) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (3/178، 194، 235 - الأرقام: 790، 888، 1100) .
(3) "الثقات": (6/284) .
(4) "سنن النسائي": (3/22 - رقم: 1226) .
(5) يعني في زمنه.(2/355)
محمد وعبد الرَّزَّاق: (عن عتبة بن محمد) وهذا هو الصَّحيح علمي (1) .
981- وقال الطَّبرانيُّ: ثنا إدريس بن جعفر العطَّار (2) ثنا روح بن عبادة، (ح) قال الطَّبرانيُّ: وثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن معين ثنا حجَّاج بن محمد، كلاهما عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع عن مصعب ابن شيبة عن عُقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من شكَّ في شيءٍ من صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلِّم " (3) .
ورواه الإمام أحمد أيضًا: عن روح بن عبادة (4) ؛ وعن عليِّ بن إسحاق عن ابن المبارك، ولم يذكر مصعب بن شيبة في هذه الرِّواية (5) .
ورواه أبو داود عن أحمد بن إبراهيم عن حجَّاج بن محمد بإسناده، غير أنَّ عنده: عتبة بن محمد (6) .
ورواه النَّسائيُّ عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن حجَّاج (7) ، وعن هارون بن عبد الله عن حجَّاج وروح (8) ، وعن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك (9) ، وعن محمد بن هاشم البعلبكِّيِّ عن الوليد (1) ، جميعًا عن ابن
__________
(1) "صحيح ابن خزيمة": (2/116 - رقم: 1033) .
(2) وقع في مطبوعة "المعجم الكبير": (أحمد بن بشر بن جعفر العطار) ويبدو أنه خطأ، انظر: "تاريخ بغداد" للخطيب: (7/13 - رقم: 3479) و"المختارة" للضياء: (9/183 - رقم: 164) .
(3) "المعجم الكبير": (قطعة من الجزء13 - ص: 84 - رقم: 208) .
(4) "المسند": (1/204) .
(5) "المسند": (1/205) .
(6) "سنن أبي داود": (2/77 - رقم: 1025) .
(7) "سنن النسائي": (3/30 - رقم: 1250) .
(8) "سنن النسائي": (3/30 - رقم: 1251) .
(9) "سنن النسائي": (3/30 - رقم: 1248) .
(10) "سنن النسائي": (3/30 - رقم: 1249) .(2/356)
جريج عن عبد الله بن مسافع عن عتبة (1) بن محمد، ولم يذكر مصعبًا (2) .
وعتبة بن محمد: قال النَّسائيُّ فيه: ليس بمعروف. قال: وقيل: عقبة (3) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4) ، وقال الإمام أحمد: أخطأ روح في قوله: (عقبة) إنَّما هو (عتبة) (5) .
ومصعب بن شيبة: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (6) ، وتكلَّم فيه غير واحدٍ.
وقال البيهقيُّ: إسناد هذا الحديث لا بأس به (7) .
وأمَّا حديث ثوبان: فرواه أبو داود عن عمرو بن عثمان والرَّبيع بن نافع وعثمان بن أبي شيبة وشجاع بن مَخْلد، أربعتهم عن إسماعيل بن عيَّاش عن عبيد الله بن عُبيد الكَلاعيِّ عن زهير بن سالم العَنْسيِّ عن عبد الرَّحمن بن جُبير بن
__________
(1) في مطبوعة " السنن الصغرى ": (عقبة) ، ثم رجعنا إلى نسخة هندية مطبوعة على الحجر فوجدنا فيها: (عتبة) وفي الحاشية التنبيه إلى أنه وقع في نسخة: (عقبة) .
وأما مطبوعة "السنن الكبرى": (1/370 - 371 - الأرقام: 1171 - 1174) ففيها: (عتبة) .
وقال الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" للمزي: "تهذيب الكمال": (19/322 - رقم: 3784) : (وقال النسائي - فيما قرأت بخطه -: عتبة ليس بمعروف، وقيل: عقبة) ا. هـ
وانظر: "تحفة الأشراف": (4/303 - رقم: 5224) .
(2) رواية ابن المبارك والوليد ليس فيها ذكر مصعب، وأما رواية حجاج وروح ففيها ذكر مصعب.
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (19/322 - رقم: 3784) و"تحفة الأشراف" له: (4/ 303 - رقم: 5224) .
(4) "الثقات": (5/249) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (19/322 - رقم: 3784) .
(6) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/258 - رقم: 1637) .
(7) "سنن البيهقي": (2/336) .(2/357)
نُفير - قال عمرو وحده: عن أبيه - عن ثوبان، ولم يقل: (عن أبيه) غير عمرو (1) .
ورواه ابن ماجه عن عثمان بن أبي شيبة بإسناده ولم يقل: (عن أبيه) (2) .
وزهير بن سالم العَنْسيُّ - بالنون -: كنيته أبو المخارق، وهو شاميٌّ، ذكره أبو حاتم ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (3) ، ولم يرو له أبو داود وابن ماجه غير هذا الحديث.
وقال البيهقيُّ: في إسناده ضعفٌ (4) .
وقد رواه عبد الرَّزَّاق عن إسماعيل بن عيَّاش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن عبد الرَّحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان (5) .
وأمَّا ابن أبي ليلى في حديث المغيرة: فلم يضعِّفه الكلُّ، بل ضعَّفه غير واحد كالقطَّان (6) ، وقال أبو حاتم: محلُّه الصِّدق، كان سيء الحفظ (7) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/79 - رقم: 1030) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/385 - رقم: 1219) .
(3) "الثقات": (6/336) .
(4) "سنن البيهقي": (2/337) .
(5) هكذا ورد الإسناد في الأصل و (ب) ، وفي مطبوعة " المصنف " لعبد الرزاق (2/322 - رقم: 3533) : (عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله الكلاعي عن زهير بن سالم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن ثوبان) ا. هـ
وقد رواه الطبراني في " معجمه الكبير ": (2/92 - رقم: 1412) من طريق إسحاق بن إبراهيم الدبري - وهو راوي " المصنف " - عن عبد الرزاق بالإسناد الذي ذكره ابن عبد الهادي.
فنخشى أن يكون ما وقع في مطبوعة " المصنف " من تصرف المحقق، فليحرر، والله أعلم.
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/322 - رقم: 1739) .
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/323 - رقم: 1739) .(2/358)
وقال أبو زرعة: صالحٌ، ليس بالقويِّ (1) .
وقد روى حديثه هذا أبو عيسى التِّرمذيُّ عن أحمد بن منيع عن هُشيم عنه، ولفظه: ثُمَّ سجد سجدتي السَّهو وهو جالسٌ. ولم يقل بعد التَّسليم.
ثُمَّ قال التِّرمذيُّ: قد تكلَّم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه، قال أحمد: لا يحتجُّ بحديث ابن أبي ليلى. وقال محمد بن إسماعيل: ابن أبي ليلى صدوقٌ ولا أروي عنه، لأنَّه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه (2) O.
* * * * *
مسألة (184) : إذا سبَّح بالإمام ثقتان (3) من المأمومين لزمه الرُّجوع إلى قولهما بكلِّ حالٍ.
وقال الشَّافعيُّ: لا يرجع، ويبني على يقين نفسه (4) .
وقال أبو حنيفة: يرجع إلى قول واحد.
لنا:
حديث ذي اليدين، وقد تقدَّم بإسناده (5) ، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرجع إلى قوله وحده، ورجع إلى قول أبي بكر وعمر.
__________
(1) المرجع السابق، وفيه: (ليس بأقوى ما يكون) .
(2) "الجامع": (1/390 - 391 - رقم: 364) .
(3) في "التحقيق": (نفسان) !
(4) في هامش الأصل: (حـ: وقال الشافعي: إن غلب على ظنه خطأهما لم يعمل بقولهما) ا. هـ
(5) رقم: (902) .(2/359)
ز: قوله: (بكلِّ حالٍ) يعني سواء غلب على ظنِّه صواب قولهما أو خلافه، فأمَّا إن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يجز له متابعتهم.
وقال أبو الخطََّاب: يلزمه الرُّجوع كالحاكم يحكم بالشَّاهدين، ويترك يقين نفسه.
قال صاحب "المغني": وليس بصحيحٍ، لأَنَّه يعلم خطأهم فلا يتبعهم في الخطأ، وكذا نقول في الشَّاهدين، متى علم الحاكم كذبهما لم يجز له الحكم بقولهما، لعلمه انَّهما شاهدا زورٍ، ولا يحلُّ الحكم بقول الزُّور، ولأنَّ العدالة اعتبرت في الشَّهادة ليغلب على الظَّنِّ صدق الشُّهود، وردَّت شهادة غيرهم لعدم ذلك، فمع يقين الكذب أولى أن لا تقبل (1) O.
* * * * *
مسألة (185) : إذا قام إلى خامسةٍ ساهيًا ثُمَّ ذكر، عاد إلى ترتيب صلاته.
وقال أبو حنيفة: إن سجد في الخامسة أتمَّها وأضاف إليها أخرى، فإن كان قعد في الرَّابعة فقد تمَّ ظهره، والرَّكعتان نافلة، وإن لم يكن قعد فالجميع نفل (2) .
لنا:
حديث ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى خمساً، فقيل له فسجد. وقد
__________
(1) "المغني": (2/413 - المسألة رقم: 215) .
(2) أي تبطل الصلاة، ويلزمه إعادتها. انظر: "المغني": (2/429) .(2/360)
سبق بإسناده (1) ، والحُجَّة فيه: أَنَّه لم يضف إلى الخامسة شيئًا ولا أعاد.
* * * * *
مسألة (186) : إذا سها عن واجب سجد للسَّهو.
وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: لا يسجد إلا للتَّشهُّد الأوَّل والقنوت.
لنا:
حديث ثوبان: " لكلِّ سهوٍ سجدتان ".
وقد سبق بإسناده (2) .
* * * * *
مسألة (187) : إذا: قرأ في الرَّكعتين الأخريين بالحمد وسورة؛ أو صلَّى على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التَّشهُّد الأوَّل؛ أو قرأ في موضع تشهُّد؛ أو تشهّد في قيامه = سجد في جميع ذلك للسَّهو.
وعنه: لا يسجد، كقول أكثرهم.
__________
(1) رقم: (975) .
(2) رقم: (978) .
وفي هامش الأصل: (حـ: لما احتج الحنفية على المؤلف بحديث ثوبان طعن فيه، ثم احتج هو به!) ا. هـ(2/361)
لنا:
حديث ثوبان المتقدِّم (1) .
* * * * *
مسألة (188) : إذا تعمَّد تَرْك ما يُسْجَدُ لأجله لم يسجد.
وقال الشَّافعيُّ: يسجد.
لنا:
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل سجود السَّهو ترغيماً للشَّيطان - على ما ذكرناه في حديث أبي سعيد، وقد تقدَّم بإسناده (2) -، وهذا يختصُّ بالسَّهو.
* * * * *
مسألة (189) : سجود السَّهو واجبٌ.
ووافقنا مالك إذا كان عن نقصان.
وقال الشَّافعيُّ: هو مسنونٌ.
لنا:
__________
(1) رقم: (978) .
(2) رقم: (969) .(2/362)
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر به بقوله: " من شكَّ في صلاته فليسجد ".
وقد ذكرناه في حديث عبد الرَّحمن بن عوف (1) وابن مسعود (2) .
* * * * *
مسألة (190) : إذا نسي السجود في محلِّه سجد ما لم يتطاول الزَّمان، أو يخرج من المسجد، وإن تكلَّم.
وعنه: يسجد وإن خرج وتباعد.
وقال أبو حنيفة: لا يسجد بعد الكلام والخروج.
وقال الشَّافعيُّ: إن ذكر قريبًا سجد، وإن تباعد فعلى قولين.
لنا:
حديث ابن مسعود، وأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد بعد السَّلام والكلام، وقد سبق (3) .
* * * * *
__________
(1) رقم: (965) .
(2) رقم: (970) .
(3) رقم: (975) .(2/363)
مسائل أوقات النَّهيِّ
مسألة (191) : يجوز قضاء الفوائت في الأوقات المنهيِّ عن الصَّلاة فيها.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز عند طلوع الشَّمس وزوالها وغروبها.
لنا ثلاثة أحاديث:
982- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا شعبة (1) عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسي صلاة أو نام عنها، فكفارتها أن يصلِّيها إذا ذكرها " (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
983- الحديث الثَّاني: قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا حرملة بن يحيى أنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نسي الصَّلاة فليصلِّها إذا ذكرها " (4) .
984- الحديث الثَّالث: قال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا حمَّاد بن زيد عن
__________
(1) في مطبوعة "المسند": (سعيد) ، وفي " الأطراف " لابن حجر: (1/495 - رقم: 900) : (شعبة) ، وكثيرًا ما تتصحف (شعبة) إلى (سعيد) والعكس أقل.
(2) "المسند": (3/100) .
(3) "صحيح البخاري": (1/155) ؛ (فتح - 2/70 - رقم: 597) .
"صحيح مسلم": (2/142) ؛ (فؤاد - 1/477 - رقم: 684) .
(4) "صحيح مسلم": (2/138) ؛ (فؤاد - 1/471 - رقم: 680) .(2/364)
ثابت البُنَانيِّ عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا نسي أحدكم صلاةً أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكرها ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
ز: 985- عن أبي قتادة قال: ذكروا للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نومهم عن الصَّلاة، قال: " إنه ليس في النَّوم تفريط، إنَّما التَّفريط على من لم يصلِّ الصَّلاة حتى يجيء وقت الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلِّها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلِّها عند وقتها ".
رواه مسلم هكذا (2) ، وقيل: إنَّ قوله: (إذا كان الغد فليصلِّها عند وقتها) وهمٌ من عبد الله بن رباح الذي روى عن أبي قتادة، أو من أحد الرُّواة في إسناد حديثه، والله أعلم (3) .
وفي آخر حديث أبي قتادة: قال عبد الله بن رباح: إنِّي لأحدِّث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حُصين: انظر أيُّها الفتى كيف تحدِّث! فإنِّي أحد الرَّكب تلك الليلة. قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال: ممَّن أنت؟ قلت: من الأنصار. قال: حدِّث، فأنتم أعلم بحديثكم. قال: فحدَّث (4) القوم، فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة، وما شعرت أنَّ أحدًا حفظه كما حفظته!
وحُكي عن البخاريِّ أنَّه قال: لا يتابع في قوله: (فليصلِّ إذا ذكرها
__________
(1) "الجامع": (1/218 - 219 - رقم: 177) وفيه: (حسن صحيح) .
(2) "صحيح مسلم": (2/139) ؛ (فؤاد - 1/472 - 473 - رقم: 681) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: ويحتمل أن يكون قوله: " فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها " يعني فليصل الصلاة الآتية عند وقتها، ولا يتهاون فيها) ا. هـ
(4) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "صحيح مسلم": (فحدثت) .(2/365)
ولوقتها من الغد) (1) O.
احتجُّوا بخمسة أحاديث:
986- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا بَهْز ثنا أبان عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس قال: شهد عندي رجالٌ مرضيُّون، وأرضاهم عندي عمر، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشَّمس، ولا صلاة بعد صلاة الصُّبح حتى تطلع الشَّمس " (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
987- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى ثنا هشام بن عروة قال: أخبرني أبي قال: أخبرني ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تتحرَّوا بصلاتكم طلوع الشَّمس ولا غروبها، فإنَّها تطلع بين قرني شيطان، فإذا طلع
__________
(1) "التاريخ الكبير" للبخاري: (5/84 - رقم: 231) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: روى الإمام أحمد عن عمران بن حصين قال: سرت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما كان في آخر الليل عرسنا، فلم نستيقظ حتى أيقظتنا الشمس، فجعل الرجل يقوم دهشًا إلى طهوره. قال: فأمرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسكنوا، ثم ارتحلنا، فسرنا، حتى إذا ارتفعت الشمس توضَّأ، ثم أمر بلالاً فأذن، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، ثم أقام، فصلينا، فقالوا: يا رسول الله، ألا نعيدها في وقتها من الغد؟ قال: " أينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا ويقبله منكم؟! ".
وفي هذا دليل على ما قال (خ) ، لأن عمران كان حاضرًا، ولم يذكر ما قال عبد الله بن رباح عن أبي قتادة في إعادة الصلاة.
وسيأتي هذا الحديث بإسناده) ا. هـ
وهذه الحاشية فيما يبدو أنها من الناسخ وليست للمنقح، والله أعلم.
وانظر: "المسند": (4/441) وما يأتي برقم: (1023) .
(2) "المسند": (1/18) .
(3) "صحيح البخاري": (1/152) ؛ (فتح - 2/58 - رقم: 581) .
"صحيح مسلم": (2/207) ؛ (فؤاد - 1/566 - 567 - رقم: 826) .(2/366)
حاجب الشَّمس فلا تصلُّوا حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشَّمس فلا تصلُّوا حتى تغيب " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
988- الحديث الثَّالث: قال يحيى بن يحيى: أنا عبد الله بن وهب عن موسى بن عُلَيٍّ عن أبيه قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهانا أن نصلِّي فيهن أو نَقْبُر فيهن موتانا: حين تطلع الشَّمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظَّهيرة حتى تميل الشَّمس، وحين تضيَّف الشَّمس للغروب حتى تغرب.
انفرد بإخراجه مسلمٌ عن يحيى بن يحيى (3) .
989- الحديث الرَّابع: أخرجه في أفراده أيضًا من حديث عمرو بن عَبَسَة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " صلِّ الصُّبح ثُمَّ أقصر عن الصَّلاة حتى تطلع الشَّمس، فإذا طلعت فلا تصلِّ حتى ترتفع، فإنَّها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار، [ثم صلِّ حتى تصلِّي العصر، ثم أقصر عن الصَّلاة حتى تغرب الشَّمس، فإنَّها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار] (4) " (5) .
990- الحديث الخامس: أخرجه في أفراده من حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الصَّلاة بعد الفجر حتى تطلع الشَّمس، وبعد العصر
__________
(1) "المسند": (2/13) .
(2) "صحيح البخاري": (1/152) ؛ (فتح - 2/58 - رقمي: 582 - 583) .
"صحيح مسلم": (2/207) ؛ (فؤاد - 1/567 - 569 - رقم: 828) .
(3) "صحيح مسلم": (2/208) ؛ (فؤاد - 1/568 - 569 - رقم: 831) .
(4) زيادة استدركت من (ب) و"التحقيق".
(5) "صحيح مسلم": (2/208 - 209) ؛ (فؤاد - 1/569 - 570 - رقم: 832) .(2/367)
حتى تغرب الشَّمس (1) .
وهذا كلُّه محمولٌ على النَّافلة بأدلَّتنا.
ز: حديث أبي هريرة: لم ينفرد بإخراجه مسلم، بل رواه البخاريُّ أيضًا (2) .
991- وأخرجاه في "الصَّحيحين" من حديث أبي سعيد الخدريِّ أيضًا قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا صلاة بعد الصُّبح حتى تطلع الشَّمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشَّمس " (3) O.
* * * * *
مسألة (192) : لا يجوز فعل النَّافلة في أوقات النَّهي وإن كان لها سبب.
وعنه: الجواز فيما لها سبب، كقول الشَّافعيِّ.
لنا:
الأحاديث المتقدِّمة.
992- وقال التِّرمذيُّ: ثنا عقبة بن مكرم العَمِّيُّ ثنا عمرو بن عاصم ثنا همَّام عن قتادة عن النَّضر بن أنس عن بَشير بن نَهِيك عن أبي هريرة قال: قال
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/206 - 207) ؛ (فؤاد - 1/566 - رقم: 825) .
(2) "صحيح البخاري": (1/152) ؛ (فتح - 2/58 - رقم: 584) .
(3) "صحيح البخاري": (1/152) ؛ (فتح - 2/61 - رقم: 586) .
"صحيح مسلم": (2/207) ؛ (فؤاد - 1/567 - رقم: 827) .(2/368)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يصلِّ ركعتي الفجر، فليصلِّهما بعد ما تطلع الشَّمس " (1) .
فإن قالوا: قد قال التِّرمذيُّ: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن عاصم.
قلنا: عمرو ثقةٌ، أخرج عنه البخاريُّ في "صحيحه" (2) .
ز: ورواه الحاكم وقال: على شرطهما. ولفظه: " من لم يصلِّ ركعتي الفجر حتى تطلع الشَّمس فليصلِّهما " (3) O.
احتجُّوا:
993- بما روى التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن عمرو السَّوَّاق ثنا عبد العزيز بن محمد عن سعد بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن جدِّه قيس - وهو ابن عمرو ابن سهل (4) - قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقيمت الصَّلاة، فصلَّيت معه الصُّبح، ثُمَّ انصرف، فوجدني أُصلِّي، فقال: " مهلاً يا قيس، أصلاتان معًا؟! " قلت: يا رسول الله، إنِّي لم أكن ركعتُ ركعتي الفجر. قال: " فلا إذًا " (5) .
والجواب: قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من حديث سعد بن
__________
(1) "الجامع": (1/448 - رقم: 423) .
وفي هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها.
(2) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/983 - رقم: 1114) .
(3) "المستدرك": (1/274) .
(4) في هامش الأصل: (قال ابن أبي حاتم: قيس بن عمرو - ويقال: ابن قهد - الأنصاري، مدنيٌّ، جد يحيى بن سعيد الأنصاري، له صحبة، روى عنه محمد بن إبراهيم التيمي وقيس ابن أبي حازم) ا. هـ
انظر: "الجرح والتعديل": (7/101 - رقم: 575) .
(5) "الجامع": (1/447 - رقم: 422) .(2/369)
سعيد، وإسناده ليس بمتصل، محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس.
قلت: قال أحمد بن حنبل: سعد بن سعيد ضعيفٌ (1) . وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (2) .
ز: وروى هذا الحديث الإمام أحمد (3) وابن ماجه (4) وأبو داود، ولفظه: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يصلِّي بعد صلاة الصُّبح ركعتين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الصُّبح ركعتان! ". فقال الرَّجل: إنِّي لم أكن صلَّيت الرَّكعتين اللتين قبلهما، فصلَّيتهما الآن. فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) .
وإسناد الحديث ليس بمتَّصلٍ. قاله الإمام أحمد (6) والتِّرمذيُّ (7) .
وسعد بن سعيد: هو أخو يحيى وعبد ربِّه، وقد روى له مسلم في "صحيحه" (8) ، وقال ابن معين: صالح (9) . وقال محمد بن سعد: كان ثقةً، قليل الحديث (10) . وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (11) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/84 - رقم: 370) من رواية ابنه صالح.
(2) انظر ما يأتي في كلام المنقح.
(3) "المسند": (5/447) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/365 - رقم: 1154) .
(5) "سنن أبي داود": (2/180 - 181 - رقم: 1261) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ورواه الحاكم من حديث الليث عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده) ا. هـ
انظر: "المستدرك": (1/274 - 275) .
(6) انظر: " مسائل أبي داود ": (ص: 396 - رقم: 1881) .
(7) "الجامع": (1/448 - رقم: 422) .
(8) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/234 - رقم: 501) .
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/84 - رقم: 370) من رواية إسحاق بن منصور.
(10) " الطبقات ": (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة - ص: 338 - 339 - رقم: 246) .
(11) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 124 - رقم: 283) .(2/370)
ولم يتكلَّم فيه ابن حِبَّان، بل ذكره في كتاب "الثِّقات" وقال: كان يخطئ (1) . وإنَّما تكلَّم في سعد بن أبي سعيد المقبريِّ (2) O.
* * * * *
مسألة (193) : يكره التَّنفل في أوقات النَّهي بمسجد مكَّة كغيره إلا ركعتي الطَّواف.
وقال الشَّافعيُّ: لا يكره.
لنا:
عموم النَّهي في الأحاديث المتقدِّمة.
ولهم:
994- ما روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا عليُّ بن حرب ثنا سعيد بن سالم القدَّاح عن عبد الله بن المؤمّل المخزوميِّ عن حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: قدم أبو ذرٍّ فأخذ بعضادة باب الكعبة، ثمَّ قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يصلِّينَّ أحدٌ بعد الصُّبح إلى طلوع الشَّمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشَّمس إلا بمكَّة ". يقول ذلك ثلاثًا (3) .
__________
(1) "الثقات": (6/379) ، وفيه: (كان يخطئ، لم يفحش خطأه، فلذلك سلكناه مسلك العدول) ا. هـ
(2) "المجروحون": (1/357) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/265 - 266) .
وفي هامش الأصل: (حـ: يكتب بإسناده من نسخة صحيحة للدارقطني، قال البيهقي: رواه سعيد بن سالم القداح عن عبد الله بن المؤمل عن حميد مولى عفراء عن مجاهد، لم يذكر =(2/371)
والجواب: أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ، قال أحمد: أحاديث ابن المؤمَّل مناكير (1) . وقال يحيى: هو ضعيف الحديث (2) .
ز: وروى هذا الحديث الشَّافعيُّ وغيره عن عبد الله بن المؤمَّل.
وقال البيهقيُّ: وهذا الحديث يُعدُّ في أفراد عبد الله بن المؤمَّل، وهو ضعيفٌ، إلا أنَّ إبراهيم بن طهمان قد تابعه في ذلك عن حميد، وأقام إسناده: 995- أخبرناه أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة أنا أبو محمد أحمد ابن إسحاق بن شيبان بن البغداديُّ الهرويُّ بها أنا معاذ بن نجدة ثنا خلاَّد بن يحيى ثنا إبراهيم [] (3) - هو ابن طهمان - ثنا حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: جاءنا أبو ذرٍّ فأخذ بحلقة الباب، ثُمَّ قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول - بأذنيَّ هاتين -: " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشَّمس، ولا بعد الفجر حتى تطلع الشَّمس، إلا بمكَّة، إلا بمكَّة، إلا بمكَّة ".
قال البيهقيُّ: حميد الأعرج ليس بالقويِّ، ومجاهدٌ لا يثبت له سماعٌ من أبي ذرٍّ، وقوله: (جاءنا) يعني جاء بلدنا، والله أعلم.
996- وقد روي من وجه آخر عن مجاهد: أنا أبو سعد المالينيُّ أنا أبو أحمد ابن عَدِيٍّ ثنا محمد بن يونس العُصفُرِيُّ ثنا محمد بن موسى الحَرَشيُّ حدَّثني اليسع بن طلحة القرشيُّ من أهل مكَّة قال: سمعتُ مجاهدًا يقول: بلغنا أنَّ أبا
__________
= قيس) ا. هـ وانظر: "سنن البيهقي": (2/461) .
وإسناده في مطبوعة "سنن الدارقطني" كما بالأصل.
(1) "العلل" برواية عبد الله: (1/567 - رقم: 1361) .
(2) " معرفة الرجال " برواية ابن محرز: (1/72 - رقم: 180) .
(3) وقع هنا في الأصل: (بن طهمان) وما بعدها يبين أنها زيادة مقحمة، وهي غير موجودة في (ب) ولا "سنن البيهقي".(2/372)
ذرٍّ قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخذٌ بحلقتي الكعبة، يقول ثلاثًا: " لا صلاة بعد العصر إلا بمكَّة ".
قال البيهقيُّ: اليسع بن طلحة ضعَّفوه، والحديث منقطع، مجاهدٌ لم يدرك أبا ذرٍّ، والله أعلم (1) .
وسيأتي حديث جبير بن مطعم في المسألة التي بعد هذه (2) ، وهو حجَّة الشَّافعيِّ على أنَّ النَّفل في أوقات النَّهي بمكَّة لا يكره.
997- وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا صلَّى عند هذا البيت، أيَّة ساعة شاء من ليلٍ أو نهارٍ ".
رواه الدَّارَقُطْنِيُّ (3) .
998- وروى أيضًا من رواية أبي الوليد العدنيِّ عن رجاء أبي سعيد عن مجاهد عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا بني عبد المطلب - أو: يا بني عبد مناف -، لا تمنعوا أحدًا يطوف بالبيت ويصلِّي، فإنه لا صلاة بعد الصُّبح حتى تطلع الشَّمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشَّمس، إلا عند هذا البيت، يطوفون ويصلُّون " (4) .
قال الشَّيخ الضِّياء: أبو الوليد العدنيُّ: لم أر له ذكرًا في " الكنى " لأبي أحمد الحاكم.
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/461 - 462) .
(2) رقم: (999) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/424) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/425 - 426) .(2/373)
ورجاء بن الحارث أبو سعيد المكيُّ: ضعَّفه يحيى بن معين (1) O.
* * * * *
مسألة (194) : ولا تكره ركعتا الطَّواف في أوقات النَّهي.
وقال أبو حنيفة: تكره.
999- قال النَّسائيُّ: أنا محمد بن منصور، وقال التِّرمذيُّ: ثنا عليُّ ابن خَشْرَم (2) ، قالا: أنا سفيان بن عيينة عن أبي الزُّبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مُطعم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلَّى، أيَّة ساعة شاء من ليلٍ أو نهارٍ " (3) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4) .
ز: ورواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) وابن ماجه (7) وأبو حاتم البستيُّ (8) من رواية أبي الزُّبير عن عبد الله بن باباه.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/501 - 502 - رقم: 2269) من رواية إسحاق ابن منصور.
(2) في "التحقيق": (حشرم) خطأ.
(3) "سنن النسائي": (1/284 - رقم: 585) .
(4) "الجامع": (2/210 - 211 - رقم: 868) وفيه: (حسن صحيح) .
(5) "المسند": (4/80) .
(6) "سنن أبي داود": (2/479 - 480 - رقم: 1889) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/398 - رقم: 1254) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (4/420 - 421 - الأرقام: 1552 - 1554) .(2/374)
ورواه الإمام أحمد أيضًا عن يعقوب عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن عبد الله بن باباه (1) ، ويقال فيه: (ابن بابيه) ، ويقال: (ابن بابي) ، وهو مكيٌّ.
قال أبو الحسن محمد بن أحمد بن البرَّاء: قال عليُّ بن المدينيِّ: عبد الله ابن بابيه، من أهل مكَّة، معروفٌ، ويقال له أيضًا: ابن باباه (2) . وقال البخاريُّ: عبد الله بن باباه - ويقال: ابن بابي (3) -.
وقال عباس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين: هؤلاء ثلاثة مختلفون (4) .
قال ابن البرَّاء: والقول عندي ما قال ابن المدينيِّ والبخاريُّ، لا ما قال يحيى بن معين (5) .
وقال النَّسائيُّ: عبد الله بن باباه: ثقةٌ (6) .
1000- وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا جعفر بن أحمد بن عاصم ثنا هشام بن عمَّار ثنا مروان بن معاوية ثنا سعيد بن أبي راشد عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مرفوعًا: " لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشَّمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشَّمس، من طاف فليصلِّ، أي حينٍ طاف ".
__________
(1) "المسند": (4/82) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/12 - رقم: 58) ، وهو بتمامه في " الموضح " للخطيب: (1/308) .
(3) "التاريخ الكبير": (5/48 - رقم: 101) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/87 - رقم: 364) ، وانظر: " الموضح " للخطيب: (1/308) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (14/321 - رقم: 3172) .
(6) المرجع السابق.(2/375)
قال ابن عَدِيٍّ: وهذا يرويه عن عطاء: سعيدٌ، وزاد في متنه: (من طاف فليصلِّ أي حين طاف) .
قال: وهو يحدِّث عن عطاء وغيره بما لا يتابع عليه (1) .
وقال البيهقيُّ: وذكره البخاريُّ في "التَّاريخ" وقال: لا يتابع عليه (2) O.
* * * * *
مسألة (195) : يكره التَّنفُّل يوم الجمعة عند الزَّوال.
وقال الشَّافعيُّ: لا يكره.
لنا:
عموم النَّهي في الأحاديث المتقدِّمة.
وللشَّافعيِّ:
1001- حديث رواه أبو داود: ثنا محمد بن عيسى ثنا حسَّان بن إبراهيم عن ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه كره الصَّلاة نصف النَّهار إلا يومَ الجمعة، وقال: " إنَّ جهنم تُسْجَرُ، إلا يوم الجمعة ".
__________
(1) "الكامل": (3/389 - رقم: 816) .
(2) "سنن البيهقي": (2/462) ، وهو في "التاريخ الكبير": (3/492 - 494 - رقم: 1645) .(2/376)
قال أبو داود: هو مرسل، أبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة (1) .
قلت: وليثٌ ضعيفٌ بمرَّةٍ.
ز: 1002- وعن أبي خالد الأحمر عن شيخ من أهل المدينة يقال له: عبد الله عن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحرم - يعني الصَّلاة - إذا انتصف النَّهار كلَّ يومٍ، إلا يوم الجمعة ".
رواه البيهقيُّ، ورواه أيضًا من رواية الإمام الشَّافعيِّ عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله (2) عن سعيد عن أبي هريرة (3) .
وإبراهيم بن محمد هو: ابن أبي يحيى الأسلميُّ، وقد كذَّبه مالك (4) ويحيى القطَّان (5) ويحيى بن معين (6) وغيرهم O.
* * * * *
مسألة (196) : تحرم النَّوافل بطلوع الفجر إلا ركعتي الفجر.
وقال أكثرهم: لا تحرم إلا بعد صلاة الفجر.
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/100 - رقم: 1076) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال أبو داود: مجاهد أكبر من أبي الخليل) ا. هـ
والمراد أن أبا داود قال هذا قبل قوله: (أبو الخليل لم يسمع ... ) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: إسحاق بن عبد الله هو ابن أبي طلحة، ويحتمل أن يكون ابن أبي فروة. قاله شيخنا) ا. هـ ولعله يريد بشيخه هنا الحافظ المزي، والله أعلم.
(3) "سنن البيهقي": (2/464) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (1/217 - رقم: 61) .
(5) "العلل" للإمام أحمد - برواية عبد الله -: (2/535 - رقم: 3533) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (3/166 - رقم: 721) .(2/377)
لنا حديثان:
1003- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن عَبْدة الضَّبِّيُّ ثنا عبد العزيز بن محمد عن قدامة بن موسى عن محمد بن الحصين عن أبي علقمة عن يسار - مولى ابن عمر - عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين " (1) .
1004- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يزيد بن الحسن البَّزار ثنا محمد بن إسماعيل الحسَّانيُّ ثنا وكيع ثنا سفيان ثنا عبد الرَّحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين " (2) .
قالوا: أمَّا الحديث الأوَّل: فقد قال التِّرمذيُّ: هو غريب، لا نعرفه إلا من حديث قدامة (3) .
وأمَّا الثَّاني: فابن أنعم هو: الأفريقيُّ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بقويٍّ (4) .
قلنا: أمَّا قدامة: فمعروفٌ، ذكره البخاريُّ (5) في "تاريخه" (6) ،
__________
(1) "الجامع": (1/443 - رقم: 419) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/419) .
(3) "الجامع": (1/444 - رقم: 419) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 274 - رقم: 337) .
(5) وقع هنا زيادة في "التحقيق" فيها نقل كلام العلماء في تضعيف عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، والذي يبدو والله أعلم أن هذه الزيادة كانت حاشية في أصل إحدى النسخ ثم أقحمت في جوف الكتاب، لأن هذا الموضع الذي فيه هذه الحاشية ليس في الكلام على الأفريقي، وإنما هو في الكلام على قدامة، ثم ابن الجوزي أورد بعد ذلك الجواب عن تضعيف خصمه للأفريقي بكلام ابن معين الآتي، والله أعلم.
(6) "التاريخ الكبير": (7/179 - رقم: 803) .(2/378)
وأخرج عنه مسلمٌ في "صحيحه" (1) .
وأمَّا الأفريقيُّ: فقد قال يحيى بن معين: لا يسقط حديثه (2) .
ز: حديث ابن عمر: رواه الإمام أحمد:
1005- ثنا عفان ثنا وهيب ثنا قدامة بن موسى ثنا أيُّوب بن حُصين التَّميميُّ عن أبي علقمة مولى عبد الله بن عباس عن يسار - مولى عبد الله بن عمر - قال: رآني ابن عمر وأنا أصلِّي بعد ما طلع الفجر، فقال: يا يسار، كم صلَّيت؟ قلت: لا أدري. قال: لا دريت، إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج علينا ونحن نصلِّي هذه الصَّلاة، فقال: " ألا ليبلِّغ شاهدكم غائبكم، ألا لا صلاة بعد الصُّبح إلا سجدتان " (3) .
ورواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب (4) ، وروى منه ابن ماجه: " ليبلِّغ شاهدكم غائبكم " عن أحمد بن عبدة بإسناد التِّرمذيِّ (5) .
قال ابن أبي حاتم: محمد بن حصين التَّميميُّ، وقال بعضهم: أيُّوب ابن حصين، ومحمد أصحُّ (6) .
وسُئل عنه الدَّارَقُطَْنِيُّ فقال: يرويه الدَّراورديُّ عن قدامة بن موسى عن محمد بن الحصين عن أبي علقمة مولى ابن عباس عن يسار مولى ابن عمر عن ابن
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/149 - رقم: 1376) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (4/279 - رقم: 1108) من رواية معاوية، وتمامه: (وهو ضعيف) .
(3) "المسند": (2/104) .
(4) "سنن أبي داود": (2/185 - 186 - رقم: 1272) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/86 - رقم: 235) .
(6) "الجرح والتعديل": (7/235 - رقم: 285) .(2/379)
عمر، وتابعه عمر بن عليٍّ المقدَّميُّ.
وخالفهم سليمان بن بلال ووهيب فروياه عن قدامة بن موسى عن أيُّوب ابن الحصين عن أبي علقمة عن يسار عن ابن عمر.
ويشبه أن يكون القول قول سليمان بن بلال ووهيب، لأنَّهما ثبتان.
فقد اختلف قول ابن أبي حاتم وقول الدَّارَقُطْنِيِّ، والله أعلم بالصَّواب.
1006- وقال الطَّبرانيُّ: ثنا يحيى بن أيُّوب العلاف ثنا سعيد بن أبي مريم أنا يحيى بن أيُّوب حدَّثني محمد بن النّيل أنَّ أبا بكر بن يزيد بن سرجس حدَّثه أنَّ عبد الله بن عمر رأى مولى له - يقال له: يسار - يصلِّي بعد طلوع الفجر، فقال: ما هذه الصَّلاة؟ فقال: شيءٌ بقي عليَّ من حزبي. فقال ابن عمر: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد صلاة الفجر، فقال: " إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتين، فليبلِّغ الشَّاهد الغائب ".
محمد بن النّيل وشيخه: لا يعرفان.
1007- وقال أبو يعلى الموصليُّ في "مسنده": " حدَّثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب ثنا يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن زَحْر عن محمد بن أبي أيُّوب عن أبي علقمة مولى بني هاشم عن عبد الله بن عمر أنَّه رأى مولى له - يقال له: يسار - يصلِّي بعد الفجر فنهاه، فقال: إنَّه بقي من حزبي. فقال له عبد الله: أفلا أخَّرته حتى يكون ذلك من النَّهار؟ ثُمَّ قال عبد الله: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنَّاس يصلُّون بعد طلوع الفجر، فقال: " إنَّه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتان " (1) .
__________
(1) "مسند أبي يعلى": (10/115 - رقم: 5745) .(2/380)
1008- وقال أبو أحمد بن عَدِيٍّ في ترجمة محمد بن الحارث الحارثيِّ: حدَّثنا عمران بن موسى بن فضالة ثنا بندار ثنا محمد بن الحارث حدَّثني محمد بن عبد الرَّحمن عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الرَّكعتين قبل المكتوبة " (1) .
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فإنَّ محمد بن الحارث الحارثيَّ ومحمد بن عبد الرَّحمن البيلمانيَّ: مجمعٌ على ضعفهما.
وقد استوفيت الكلام على طرق حديث ابن عمر هذا في جزءٍ مفردٍ.
وأمَّا حديث عبد الله بن عمرو: فلا يصحُّ، والأكثر على تضعيف الأفريقيِّ، وقد رواه جعفر بن عون عنه عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن [عمرو] (2) موقوفًا، ولفظه: لا صلاة بعد أن يصلِّي الفجر إلا ركعتين.
1009- وروى الحسين بن حفص عن سفيان عن عبد الرَّحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيّب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة بعد النِّداء إلا سجدتين - يعني الفجر - ".
رواه البيهقيُّ وقال: روي موصولاً بذكر أبي هريرة فيه، ولا يصحُّ وصله (3) .
والصَّحيح أنَّ النَّهي في الفجر لا يتعلَّق بطلوعه، بل بفعل الصَّلاة، كالعصر، وهذا مذهب الشَّافعيِّ وإحدى الرِّوايتين عن الإمام أحمد.
والدَّليل على ذلك:
__________
(1) "الكامل": (6/177 - رقم: 1660) .
(2) في الأصل: (عمر) ، والمثبت من (ب) .
(3) "سنن البيهقي": (2/466) .(2/381)
1010- ما أخرجاه في "الصَّحيحين" - واللفظ لمسلم - عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشَّمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشَّمس " (1) .
1011- وروى البخاريُّ عن عمر رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشَّمس، ولا صلاة بعد صلاة الصُّبح حتى تطلع الشَّمس " (2) .
ورواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) وقالا فيه: (بعد صلاة العصر) .
وقد تقدَّم (5) حديث عمرو بن عَبَسة وفيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " صلِّ الصُّبح ثُمَّ أقصر عن الصَّلاة حتى تطلع الشَّمس ".
رواه مسلمٌ (6) ، وفي رواية للإمام أحمد - وهذا لفظه (7) - وأبي داود (8) وابن ماجه (9) : يا رسول الله، علِّمني ممَّا تعلم وأجهل، فهل من السَّاعات
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/152) ؛ (فتح - 2/61 - رقم: 586)
"صحيح مسلم": (2/207) ؛ (فؤاد - 1/567 - رقم: 827) .
(2) "صحيح البخاري": (1/152) ؛ (فتح - 2/58 - رقم: 581) .
(3) "المسند": (1/18) .
(4) "سنن أبي داود": (2/184 - رقم: 1270) .
(5) رقم: (989) .
(6) "صحيح مسلم": (2/208 - 209) ؛ (فؤاد - 1/569 - 570 - رقم: 832) .
(7) "المسند": (4/111 - 112) .
(8) "سنن أبي داود": (2/185 - رقم: 1271) .
(9) "سنن ابن ماجه": (1/396 - رقم: 1251) .
وفي هامش الأصل: (حـ: وفي لفظ ابن ماجه: " فصلِّ ما بدا لك حتى يطلع [] ) ا. هـ وفي آخره أربع كلمات لم نتمكن من قراءتها، وفي مطبوعة "سنن ابن ماجه": (حتى يقوم العمود على ظله) .(2/382)
ساعةٌ أفضل من الأخرى؟ قال: " جوف الليل الآخر أفضل، فإنَّها مشهودةٌ متقبَّلةٌ حتى تصلِّي الفجر، ثُمَّ الهه حتى تطلع الشَّمس، وما دامت كالحَجَفة (1) حتى تنتشر " O.
* * * * *
مسألة (197) : إذا طلعت الشَّمس وهو في صلاة الصُّبح أتمَّ.
وقال أبو حنيفة: تبطل صلاته.
لنا ثلاثة أحاديث:
1012- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشَّمس فقد أدركها، ومن أدرك [من] الصُّبح ركعة قبل أن تطلع الشَّمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة " (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
1013- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا زكريا بن عَدِيٍّ ثنا ابن المبارك عن يونس عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله
__________
(1) في " النهاية ": (1/345 - حجف) : (الحجفة: الترس) ا. هـ
(2) "المسند": (2/254، 270 - 271) .
(3) "صحيح البخاري": (1/146) ؛ (فتح - 2/37 - 38 - رقم: 556) .
"صحيح مسلم": (2/103) ؛ (فؤاد - 1/424 - رقم: 608) .(2/383)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشَّمس، ومن الفجر قبل أن تطلع الشَّمس فقد أدركها " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ، وليس في حديثه ذكر الفجر (2) .
1014- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا العباس بن يزيد ثنا معاذ بن هشام قال: حدَّثني أبي عن قتادة عن عَزْرة بن تميم (3) عن أبي هريرة أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلَّى أحدكم ركعةً من صلاة الصُّبح، ثُمَّ طلعت الشَّمس فليصلِّ إليها أخرى " (4) .
ز: رواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عليٍّ عن معاذ (5) O.
احتجُّوا:
1015- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عمر بن أحمد بن عليٍّ المروزيُّ ثنا أحمد بن عتيق ثنا محمد بن سنان ثنا همَّام قال: سمعتُ قتادة يحدِّث عن النَّضر بن أنس عن بشير بن نَهِيك عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلَّى ركعة من الصُّبح، ثُمَّ طلعت الشَّمس، فليصلِّ الصُّبح " (6) .
وهذا لا حجَّة فيه، لأنَّ معناه فليتمَّ صلاة الصُّبح، بيانه:
__________
(1) "المسند": (6/78) .
(2) "صحيح مسلم": (2/102 - 103) ؛ (فؤاد - 1/424 - رقم: 609) ولفظه: " من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أدركها ".
(3) في "التحقيق": (نعيم) .
وفي هامش الأصل: (كان فيه: " نعيم " وهو تصحيف) ا. هـ
(4) "سنن الدارقطني": (1/381 - 382) .
(5) "السنن الكبرى": (1/176 - رقم: 463) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/382) .(2/384)
1016- أنَّا قد روينا بهذا الإسناد إلى قتادة عن خِلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلَّى ركعةً من صلاة الصُّبح، ثُمَّ طلعت الشَّمس، فليتمَّ صلاته " (1) .
ز: وروى هذا الحديث الحاكم، فقال:
1017- أنا المحبوبيُّ ثنا أبو النَّضر أحمد بن عتيق المروزيُّ ثنا محمد بن سنان العَوَقِيُّ ثنا همَّام ثنا قتادة عن النَّضر بن أنس عن بشير بن نَهِيك عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلَّى ركعة من الصُّبح ثُمَّ طلعت الشَّمس، فليصلِّ الصُّبح ".
قال الحاكم: على شرطهما إن كان ابن عتيق حفظه، وهو ثقةٌ لكن ثناه أبو إسحاق المزكيُّ ثنا عمر بن عليٍّ الجوهريُّ ثنا أحمد بن عتيق ثنا محمد ثنا همَّام عن قتادة عن خِلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعًا، والإسنادان صحيحان (2) .
1018- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن العباس البغويُّ ثنا عبَّاد بن الوليد (3) ثنا عفَّان ثنا همَّام قال: سئل قتادة عن رجلٍ صلَّى ركعةً من صلاة الصُّبح، ثُمَّ طلعت الشَّمس، فقال: حدَّثني خِلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يتمُّ صلاته " (4) .
ورواه النَّسائيُّ عن أبي داود عن أبي الوليد عن همَّام (5) O.
* * * * *
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/382) .
(2) "المستدرك": (1/274) باختصار.
(3) في هامش الأصل: (حـ: عباد بن الوليد هو: الغُبَريُّ، وهو صدوقٌ) ا. هـ
(4) "سنن الدارقطني": (1/382) .
(5) "السنن الكبرى": (1/176 - 177 - رقم: 464) .(2/385)
مسألة (198) : إذا صلَّى فريضة ثُمَّ أدركها في جماعة، استحبَّ له إعادتها، إلا المغرب.
وعنه: أَنَّه يفعل المغرب، إلا أنَّه يشفعها برابعة.
وقال أبو حنيفة: لا يعيد إلا الظُّهر وعشاء الآخرة.
وقال الشَّافعيُّ: يعيد الجميع والمغرب ولا يشفعها (1) .
1019- قال الإمام أحمد: ثنا هُشيم أنا يعلى بن عطاء قال: حدَّثني جابر (2) بن يزيد بن الأسود العامريُّ عن أبيه قال: شهدتُ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّته. قال: فصلَّيت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف، فلمَّا قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر المسجد لم يصلِّيا معه، فقال: " عَلَيَّ بهما " فأُتي بهما ترعد فرائصهما، قال: " ما منعكما أن تصلِّيا معنا؟ ". قالا: يا رسول الله، قد صلِّينا في رحالنا. قال: " فلا تفعلا، إذا صلَّيتما في رحالكما، ثُمَّ أتيتما مسجد جماعة، فصلِّيا معهم، فإنَّها لكما نافلة " (3) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4) .
1020- قال أحمد: وثنا وكيع ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن ابن مِحْجَن عن أبيه قال: أتيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المسجد، فحضرت الصَّلاة، فصلَّى، وقال لي: " ألا صلَّيت؟ " قلت: يا رسول الله، إنِّي قد صلَّيت في الرَّحل، ثُمَّ أتيتك. قال: " فإذا جئت فصلِّ معهم، واجعلها نافلة " (5) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: حكى بعضهم عن الشافعي: يشفعها إذا أعاد) ا. هـ
(2) في "التحقيق": (حسان) خطأ.
(3) "المسند": (4/160 - 161) .
(4) "الجامع": (1/258 - 259 - رقم: 219) وفيه: (حسن صحيح) .
(5) "المسند": (4/338) .(2/386)
وقد روى قومٌ حديث العامريِّ فقالوا: (وليجعل التي صلَّى في بيته نافلة) .
والصَّحيح جعل هذه نافلة، كذلك رواه المتقنون.
ز: حديث يزيد بن الأسود: رواه أبو داود (1) والتِّرمذيُّ (2) والنَّسائيُّ (3) .
وجابر بن يزيد: وثَّقه النَّسائيُّ (4) .
وحديث مِحْجَن: رواه النَّسائيُّ (5) .
1021- وعن أبي ذرٍّ قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخِّرون الصَّلاة عن وقتها - أو يميتون الصَّلاة عن وقتها - ".
قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: " صلِّ الصَّلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ، فإنَّها لك نافلةٌ ".
رواه مسلمٌ (6) ، وفي الباب عن جماعة من الصَّحابة O.
احتجُّوا:
1022- بما رواه الإمام أحمد: ثنا يحيى عن حسين بن ذكوان ثنا عمرو ابن شعيب ثنا سليمان مولى ميمونة (7) قال: أتيت على ابنِ عمر ذات يومٍ - وهو
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/422 - 423 - رقم: 576) .
(2) "الجامع": (1/258 - 259 - رقم: 219) .
(3) "سنن النسائي": (2/112 - 113 - رقم: 858) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (4/465 - رقم: 878) .
(5) "سنن النسائي": (2/112 - رقم: 857) .
(6) "صحيح مسلم": (2/120) ؛ (فؤاد - 1/448 - رقم: 648) .
(7) في هامش الأصل: (حـ: سليمان هو: [بن] يسار من الأئمة الثقات) ا. هـ وما بين المعقوفتين زيادة لابد منها.(2/387)
بالبلاط - والنَّاس يصلُّون في المسجد، فقلت: ما يمنعك أن تصلِّي مع النَّاس؟
قال: إنِّي قد صلَّيت، إنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تصلِّ صلاةً في يومٍ فريضتين " (1) .
وجواب هذا: أنَّه لا يعتقد وجوب فريضتين، إنَّما تقع الثَّانية نافلة.
ز: وروى هذا الحديث أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) وأبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" (4) وأبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (5) وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ بطرقٍ عن حسين المعلِّم.
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به حسين المعلِّم عن عمرو بن شعيب، والله أعلم (7) O.
* * * * *
__________
(1) "المسند": (2/19) .
(2) "سنن أبي داود": (1/424 - رقم: 580) .
(3) "سنن النسائي": (2/114 - رقم: 860) .
(4) "صحيح ابن خزيمة": (3/69 - رقم: 1641) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (6/155 - 156 - رقم: 2396) .
(6) "المعجم الكبير": (12/256 - رقم: 13270) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/416) .(2/388)
مسائل التَّطوُّع
مسألة (199) : النَّوافل الرَّاتبة تقضى.
وقال مالك: لا تقضى.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين.
وقال أبو حنيفة: لا تقضى إلا إذا فاتت مع الفرائض.
لنا أربعة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث أبي هريرة: " من لم يصلِّ ركعتي الفجر، فليصلِّهما بعد ما تطلع الشَّمس ".
والحديث الثَّاني: حديث قيس.
وقد سبقا (1) بإسنادهما في مسألة: فعل النَّافلة في أوقات النَّهي (2) .
1023- الحديث الثَّالث: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد أنا هشام عن الحسن عن عمران بن حُصين قال: سرينا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما كان من آخر الليل عرَّسنا، فلم نستيقظ حتى أيقظنا حرُّ الشَّمس، فجعل الرَّجل منَّا يقوم دهشًا إلى طهوره، فأمرهم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسكنوا، ثُمَّ ارتحلنا، فسرنا حتى إذا
__________
(1) برقمي: (992، 993) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: حديث قيس ضعفه المؤلف في تلك المسألة، ثم احتج به هنا!) ا. هـ(2/389)
ارتفعت الشَّمس نزلنا، ثُمَّ أمر بلالاً فأذَّن، ثُمَّ صلَّى الرَّكعتين قبل الفجر، ثُمَّ أقام فصلَّينا، فقالوا: يا رسول الله، إلا نعيدها في وقتها من الغد؟ قال: " أينهاكم ربُّكم تعالى عن الرِّبا ويقبله منكم؟! " (1) .
ز: قال عليُّ بن المدينيِّ (2) وأبو حاتم الرَّازيُّ (3) وغيرهما: الحسن لم يسمع من عمران O.
1024- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فقال: " من يكلؤنا الليلة؟ ". فقال بلالٌ: أنا. فاستقبل مطلع الشَّمس، فما أيقظهم إلا حرُّ الشَّمس، فقاموا، فأذَّن بلالٌ، وصلَّوا الرَّكعتين، ثُمَّ صلَّوا الفجر (4) .
ز: ورواه النَّسائيُّ (5) ومحمد بن هارون الرُّويانيُّ وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (6) بطرقٍ عن حمَّاد بن سلمة.
وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه حمَّاد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه.
وخالفه ابن عيينة، فرواه عن عمرو عن نافع بن جبير عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يسمِّه.
__________
(1) "المسند": (4/441) .
(2) "العلل": (ص: 51 - رقم: 50) .
(3) " المراسيل " لابنه: (ص: 38 - رقم: 123) .
(4) "المسند": (4/81) .
(5) "سنن النسائي": (1/298 - رقم: 624) .
(6) "المعجم الكبير": (2/133 - 134 - رقم: 1565) .(2/390)
وخالفه إبراهيم بن يزيد الخوزيُّ، فرواه عن عمرو عن نافع بن جبير عن أبي شُريح الخزاعيِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهم فيه.
وأشبهها بالصَّواب قول ابن عيينة O.
* * * * *
مسألة (200) : إذا أدرك الإمام وهو في فرض الصُّبح ولم يصلِّ سنَّة الفجر، دخل معه في الفرض.
وقال أبو حنيفة: إن كان خارج المسجد ولم يخش فوات الرُّكوع في الثَّانية صلَّى ركعتي الفجر.
1025- قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال: " إذا أقيمت الصَّلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
* * * * *
مسألة (201) : الأفضل في التَّطوُّع أن يسلِّم من كل ركعتين.
وقال أبو حنيفة: من أربع.
__________
(1) "المسند": (2/455) .
(2) "صحيح مسلم": (2/154) ؛ (فؤاد - 1/493 - رقم: 710) .(2/391)
لنا أربعة أحاديث:
1026- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، كيف تأمرنا أن نصلِّي من الليل؟
قال: " يصلِّي أحدكم مثنى مثنى، فإذا خشي الصُّبح صلَّى واحدة فأوترت له ما صلَّى من الليل " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
1027- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن عليٍّ الأزديِّ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الليل والنَّهار مثنى مثنى " (3) .
ز: ورواه أبو داود (4) والتِّرمذيُّ (5) وابن ماجه (6) والنَّسائيُّ (7) وابن خزيمة في "صحيحه" (8) وأبو حاتم البستيُّ (9) والدَّارَقُطْنِيُّ (10) بطرقٍ عن شعبة.
وقال التِّرمذيُّ: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر، فرفعه
__________
(1) "المسند": (2/5) .
(2) "صحيح البخاري": (1/128) ؛ (فتح - 1/562 - رقم: 473) .
"صحيح مسلم": (2/171 - 172) ؛ (فؤاد - 1/516 - رقم: 749) .
(3) "المسند": (2/26) .
(4) "سنن أبي داود": (2/193 - رقم: 1289) .
(5) "الجامع": (1/589 - رقم: 597) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/419 - رقم: 1322) .
(7) "سنن النسائي": (3/227 - رقم: 1666) .
(8) "صحيح ابن خزيمة": (2/214 - رقم: 1210) .
(9) "الإحسان" لابن بلبان: (6/231 - رقم: 2482) .
(10) "سنن الدارقطني": (1/417) .(2/392)
بعضهم، ووقفه بعضهم.
وسئل البخاريُّ عن هذا الحديث: أصحيحٌ هو؟ فقال: نعم (1) .
وقال النَّسائيُّ: هذا الحديث عندي خطأٌ، والله أعلم.
وقال ابن أبي داود: هذه سنَّةٌ تفرَّد بها أهل مكَّة (2) O.
1028- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا روح ثنا شعبة قال: سمعتُ عبدَ ربِّه بن سعيد يحدِّث عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطَّلب بن ربيعة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال: " الصَّلاة مثنى مثنى، وتشهد في كلِّ ركعتين " (3) .
ز: ورواه أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) إلا أنَّه قال: (المطَّلب بن أبي وداعة) وهو وهمٌ.
وقال التِّرمذيُّ: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربِّه فأخطأ في مواضع: فقال: (عن أنس بن أبي أنس) وهو: (عمران بن أبي أنس) ؛ وقال: (عن عبد الله بن الحارث) وإنَّما هو: (عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث) ؛ وقال: (عن عبد الله بن الحارث عن المطَّلب) وإنَّما هو: (ربيعة بن الحارث بن عبد المطَّلب عن الفضل
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/487) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/417) .
(3) "المسند": (4/167) .
(4) "سنن أبي داود": (2/193 - رقم: 1290) .
(5) "السنن الكبرى": (1/451 - رقم: 1441) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/419 - رقم: 1325) .(2/393)
ابن عباس) . قال: وحديث الليث بن سعد أصحُّ من حديث شعبة (1) O.
1029- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا عليُّ بن إسحاق ثنا ابن المبارك ثنا ليث بن سعد ثنا عبد ربِّه بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله ابن نافع عن ربيعة (2) بن الحارث عن الفضل بن العباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلِّ ركعتين " (3) .
ز: رواه التِّرمذيُّ (4) والنَّسائيُّ (5) عن سويد بن نصر عن ابن المبارك O.
احتجُّوا:
1030- بما روى أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا عُبيدة عن إبراهيم عن سَهْم ابن مِنْجَاب عن قَزَعَة عن القَرْثَع عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال: أدمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع ركعات عند زوال الشَّمس، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرَّكعات التي أراك قد أدمنتها؟ قال: " إنَّ أبواب السَّماء تفتح عند زوال الشَّمس، فلا ترتج حتى يصلَّى الظُّهر، فأحبُّ أن يصعد لي فيها خيرٌ ". قلت: يا رسول الله، يقرأ فيهنَّ كلهنَّ؟ قال: " نعم ". فقلت: فيهما سلامٌ فاصلٌ؟ قال: " لا " (6) .
فالجواب: أنَّ هذا الحديث ضعيفٌ:
__________
(1) "الجامع": (1/410 - رقم: 385) .
وفي هامش الأصل: (حـ: هو الذي قبله) ا. هـ ولعل صوابها: (الذي بعده) .
(2) في "التحقيق": (سعد) خطأ.
(3) "المسند": (1/211) .
(4) "الجامع": (1/409 - رقم: 385) .
(5) "السنن الكبرى": (1/450 - رقم: 1440) .
(6) "المسند": (5/416 - 417) .(2/394)
أمَّا عُبيدة فهو: ابن مُعَتِّب، قال يحيى: ليس بشيءٍ (1) . وقال أحمد: ترك النَّاس حديثه (2) . وقال محمد بن سعد: كان ضعيفًا جدًّا (3) . وقال الفلاَّس: متروكٌ (4) . وقال النَّسائيُّ: كان قد تغيَّر (5) . قال ابن حِبَّان: اختلط بأخرة، فبطل الاحتجاج به (6) .
وأمَّا قَزَعَة فهو: ابن سُويد (7) ، قال أحمد: هو مضطرب الحديث (8) .
وقال الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (9) .
قال أحمد بن خازم: رأيت أحمد بن حنبل وإسحاق بن أبي إسرائيل جاءا إلى الجامع قبل الصَّلاة، فصلَّى أبو عبد الله قبل الصَّلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين، وصلَّى إسحاق ثمان ركعات، أربعًا أربعًا، لم يفصل بينهنَّ بسلام، فقلت لإسحاق: صلَّيت أربعًا؟! فقال: حديث أبي أيُّوب. فجئت إلى أبي عبد الله، فقلت له: صلَّيت مثنى مثنى؟! فقال: حديث ابن عمر: صلاة الليل والنَّهار مثنى مثنى. فقلت له: حديث أبي أيُّوب؟ فقال: رواه قَزَعَة وقَرْثع، ومن قَزَعَة؟ ومن قَرْثع؟
ثُمَّ نحمله على الجواز لا على الأفضل.
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (3/280 - رقم: 1345) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (2/549 - رقم: 3602) .
(3) " الطبقات ": (6/355) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/94 - رقم: 487) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 161 - رقم: 405) .
(6) "المجروحون": (2/173) باختصار.
(7) سيأتي في كلام المنقح أن قزعة الذي في الإسناد ليس ابن سويد، وإنما هو ابن يحيى.
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/139 - رقم: 782) من رواية أبي طالب.
(9) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/140 - رقم: 782) وفيه: (ليس بذاك القوي، محله الصدق، وليس بالمتين، يكتب حديثه ولا يحتج به) .(2/395)
ز: روى هذا الحديث أبو داود عن ابن مثنَّى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عُبيدة عن إبراهيم عن ابن مِنْجَاب - وهو سهم - عن قَرْثَع، وقال: عُبيدة ضعيفٌ (1) .
ورواه التِّرمذيُّ في " الشَّمائل " عن أحمد بن منيع عن هُشيم عن عُبيدة عن إبراهيم عن سَهْم عن قَرْثَع - أو قَزَعَة عن قَرْثَع -، وعن أحمد بن مَنِيع عن أبي معاوية عن عُبيدة عن قَزَعَة عن قَرْثَع، بلا شكٍّ (2) .
ورواه ابن ماجه عن عليِّ بن محمد الطَّنافسيِّ عن وكيع عن عُبيدة بن مُعَتِّب الضَّبِّيِّ (3) .
وقَزَعَة هو: ابن يحيى - ويقال: ابن الأسود -، أبو الغادية البصريُّ، تابعيٌّ، روى عن ابن عمر وأبي سعيد وغيرهما، واحتجَّ به البخاريُّ (4) ومسلمٌ (5) في " صحيحيهما "، وقال العجليُّ: بصريٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ (6) .
وقال ابن خراش: صدوقٌ (7) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (8) .
وأمَّا قَزَعَة بن سُويد بن حُجَير الباهليُّ، أبو محمد البصريُّ، فمتأخرٌ عن ابن يحيى، روى عن ابن المنكدر وأبي الزُّبير وغيرهما، وروى له التِّرمذيُّ
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/182 - رقم: 1264) .
(2) " الشمائل ": (ص: 172 - رقم: 277) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/365 - 366 - رقم: 1157) .
(4) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/1072 - رقم: 1261) .
(5) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/149 - رقم: 1377) .
(6) "الثقات": (ترتيبه - 2/218 - رقم: 1522) .
(7) "تهذيب الكمال": (23/599 - رقم: 4877) .
(8) "الثقات": (5/324) .(2/396)
وابن ماجه، وتكلَّم فيه الإمام أحمد (1) ويحيى - في رواية (2) - وأبو حاتم الرَّازيُّ (3) والبخاريُّ (4) وأبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) ، ووثَّقه ابن معين - في رواية الدَّارميِّ (7) -، وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به (8) .
وأمَّا قَرْثع فهو: الضَّبيُّ الكوفيُّ، وقد روى عنه أربعة نفر، وقال أبو معشر: ثنا إبراهيم عن علقمة عن القرثع الضَّبِّيِّ وكان من القرَّاء الأوَّلين (9) .
وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث قرثع هذا، فتكلَّم عليه، وذكر الاختلاف فيه، ثُمَّ قال: وقول أبي معاوية أشبه بالصَّواب (10) .
وذكره ابن خزيمة في "مختصر المختصر" بإسناده، ثُمَّ ضعَّفه وقال: عُبيدة بن مُعَتِّب: ليس ممَّن يجوز الاحتجاج بخبره عند من له معرفة برواية الأخبار، وسمعت أبا موسى يقول: ما سمعت يحيى بن سعيد ولا عبد الرَّحمن ابن مهديٍّ حدَّثا عن سفيان عن عُبيدة بن مُعَتِّب بشيءٍ قطُّ، وسمعت أبا قِلابة يحكي عن هلال بن يحيى قال: سمعتُ يوسف بن خالد السَّمتيَّ يقول لعُبيدة بن مُعَتِّب: هذا الذي ترويه عن إبراهيم، سمعته كلّها؟ قال: منه ما سمعتُه، ومنه ما أقيس عليه. قال: قلت: حدِّثني بما سمعت، فإنِّي أعلم بالقياس منك.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/139) من رواية أبي طالب.
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (4/123 - رقم: 3484) .
(3) "الجرح والتعديل": (7/139 - 140 - رقم: 782) وسبق ذكر نص كلامه.
(4) "التاريخ الكبير": (7/192 - رقم: 854) .
(5) " سؤالات الآجري ": (1/373 - رقمي: 689، 690) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 194 - رقم: 500) .
(7) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 192 - رقم: 702) .
(8) "الكامل": (6/50 - رقم: 1590) .
(9) "سنن النسائي": (3/104 - رقم: 1403) وأبو معشر هو زياد بن كليب.
(10) "العلل": (6/128 - 129 - رقم: 1027) .(2/397)
قال ابن خزيمة: وروى شبيهًا بهذا الخبر الأعمش عن المسيَّب بن رافع عن عليِّ بن الصَّلت عن أبي أيُّوب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أَنَّه ليس فيه: (لا يسلِّم بينهن) ، حدَّثناه أبو موسى ثنا أبو أحمد ثنا شَريك عن الأعمش (ح) وحدَّثنا أبو موسى ثنا مؤمَّل بن إسماعيل ثنا سفيان عن الأعمش عن المسَّيب بن رافع عن رجل من الأنصار عن أبي أيُّوب.
قال ابن خزيمة: ولست أعرف عليَّ بن الصَّلت هذا، ولا أدري من أيِّ بلاد الله هو؟ ولا أدري ألقي أبا أيُّوب أم لا؟ ولا يحتجُّ بمثل هذه الأسانيد علمي إلا معاند أو جاهل (1) O.
* * * * *
مسألة (202) : الوتر سنَّةٌ.
وقال أبو حنيفة: واجبٌ.
لنا أحاديث:
1031- قال الإمام أحمد: ثنا عليُّ بن بحر ثنا عيسى بن يونس ثنا زكريا عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أهل القرآن، أوتروا، فإنَّ الله يحبُّ الوتر " (2) .
وقد روى أبو داود من حديث ابن مسعود عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه، وقال فيه: فقال أعرابيٌّ: ما تقول؟ قال: " ليس لكَ، ولا لأصحابك " (3) .
__________
(1) "صحيح ابن خزيمة": (2/221 - 223 - رقم: 1214) .
(2) "المسند": (1/110) .
(3) "سنن أبي داود": (2/249 - رقم: 1412) .(2/398)
1032- قال أحمد: وثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ قال: الوتر ليس بحتم كهيئة الصَّلاة، ولكنَّه سنَّةٌ سنَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
ز: حديث عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ - وحسَّنه - (3) وابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5) وابن خزيمة في "صحيحه" (6) وأبو يعلى الموصليُّ (7) وأبو القاسم الطَّبرانيُّ (8) وغيرهم.
وحديث ابن مسعود: رواه ابن ماجه (9) أيضًا، وقد روي مرسلاً، ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل" وبيَّن الاختلاف فيه (10) O.
1033- قال أحمد: وثنا يزيد أنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حَبَّان أنَّ ابن مُحَيْرِيز القرشيَّ أخبره أنَّ المُخْدَجِيَّ - رجلٌ من بني كنانة - أخبره أنَّ رجلاً من الأنصار بالشَّام يُكْنى أبا محمد أخبره أنَّ الوتر واجبٌ، فذكر المُخْدَجِيُّ أنَّه راح إلى عبادة بن الصَّامت، فذكر له أنَّ أبا محمد يقول: الوتر واجبٌ.
فقال: كذب أبو محمد، سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خمس صلوات كتبهنَّ
__________
(1) "المسند": (1/98) .
(2) "سنن أبي داود": (2/249 - رقم: 1411) .
(3) "الجامع": (1/470 - رقم: 453) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/370 - رقم: 1169) .
(5) "سنن النسائي": (3/228 - 229 - رقم: 1675) .
(6) "صحيح ابن خزيمة": (2/136 - 137 - رقم: 1067) .
(7) "مسند أبي يعلى": (1/439 - رقم: 585) .
(8) "المعجم الأوسط": (2/211 - رقم: 1760) باللفظ الثاني: (الوتر ليس بحتم ... ) ، وانظر: "المختارة" للضياء: (2/137 - رقم: 506) .
(9) "سنن ابن ماجه": (1/370 - رقم: 1170) .
(10) "العلل": (4/76 - 79 - رقم: 439) .(2/399)
الله تعالى على العباد، مَنْ أتى بهنَّ كان له عند الله تعالى عهد أن يدخله الجنَّة، ومن لم يأت بهنَّ فليس له عند الله عهدٌ، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له " (1) .
قال الخطَّابيُّ: أراد بقوله: (كذب) أخطأ في الفتوى، لأنَّ الكذب إنَّما يكون في الأخبار، ولم يخبر عن غيره.
قال: وأبو محمد هو صحابيٌّ، اسمه: مسعود بن زيد بن سبيع (2) .
كذا قال، ولا نعرفه في الصَّحابة (3) .
ز: روى هذا الحديث أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) والرُّويانيُّ والطَّبرانيُّ (7) وأبو حاتم البستيُّ وقال: المُخْدَجِيُّ هو: أبو رفيع (8) .
وذكره في كتاب "الثِّقات" (9) ، وقيل: إنَّ المُخْدَجِيَّ رفيع (10) O.
1034- قال أحمد: وثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن مالك عن أبي بكر ابن عمر بن عبد الرَّحمن عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوتر
__________
(1) "المسند": (5/315 - 316) .
(2) " غريب الحديث ": (2/302) .
في هامش الأصل: (حـ: قال الحاكم أبو أحمد: أبو محمد البدري حديثه في قصة الوتر، روى عنه المخدجيُّ ولم يسمه) ا. هـ
(4) "سنن أبي داود": (2/251 - رقم: 1415) .
(5) "سنن النسائي": (1/230 - رقم: 461) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/449 - رقم: 1401) .
(7) خرجه من طريقه الضياء في "المختارة": (8/365 - رقمي: 448 - 449) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (5/23 - 24 - رقم: 1723) .
(9) "الثقات": (5/570) .
(10) في هامش الأصل: (حـ: ورواه أبو داود عن عبد الله الصنابحي قال: زعم أبو محمد أن الوتر واجب) ا. هـ وانظر: "سنن أبي داود": (1/352 - رقم: 428) .(2/400)
على البعير (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
1035- وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا مالك بن أنس عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرَّحمن عن سعيد بن يسار قال: كنت مع ابن عمر في سفرٍ فتخلَّفت عنه، فقال: أين كنت؟ فقلت: أوترت. فقال: أليس لك في رسول الله أسوة؟! رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر على راحلته (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
وقد استدلَّ أصحابنا بأحاديث أخر فيها ضعفٌ:
1036- قال الإمام أحمد: ثنا شجاع بن الوليد عن أبي جناب الكلبيِّ عن عكرمة عن ابن عباس قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ثلاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فرائض، وهُنَّ لكم تطوُّع: الوتر، والنَّحر (5) ، وصلاة الضحى " (6) .
1037- قال أحمد: وثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرتُ بركعتي الضُّحى والوتر، ولم تكتب " (7) .
__________
(1) "المسند": (2/7) .
(2) "صحيح البخاري": (2/251 - 252) ؛ (فتح - 2/488 - رقم: 999) .
"صحيح مسلم": (2/149) ؛ (فؤاد - 1/486 - 487 - رقم: 700) .
(3) "الجامع": (1/484 - رقم: 472) .
(4) سبق عزوه.
(5) في "التحقيق": (الفجر) !
(6) "المسند": (1/231) .
(7) "المسند": (1/232) .(2/401)
1038- وقال ابن شاهين: حدَّثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا محمد بن أحمد بن زياد ثنا وضَّاح بن يحيى ثنا مِنْدل عن يحيى بن سعيد عن عكرمة عن ابن عباس [قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (1) : " ثلاثٌ عَلَيَّ فريضة، وهُنَّ لكم تطوُّع: الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضُّحى " (2) .
1039- قال ابن شاهين: وثنا محمد بن عيسى البُرُوجِرْديُّ ثنا عمير (3) بن مرداس ثنا محمد بن بكير ثنا مروان بن معاوية ثنا عبد الله بن [محرَّر] (4) عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت بالضُّحى والوتر، ولم تفرض عَلَيَّ " (5) .
أمَا أبو جناب: فاسمه: يحيى بن أبي حيَّة، قال يحيى القطَّان: لا أستحلُ الرِّواية عنه (6) . وقال الفلاَّس: متروكٌ (7) .
وأمَّا جابر الجُعفيُّ: فقد سبق جرحه في مواضع (8) .
وأمَّا الوضَّاح: فقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به (9) .
__________
(1) زيادة استدركت من "التحقيق" و" ناسخ الحديث ومنسوخه ".
(2) " ناسخ الحديث ومنسوخه ": (ص: 192 - رقم: 201) .
(3) في "التحقيق": (عمر) خطأ.
(4) في الأصل: (محرز) ، وفي "التحقيق": (محمد) ، والتصويب من (ب) و" ناسخ الحديث ومنسوخه ".
(5) " ناسخ الحديث ومنسوخه ": (ص: 193 - رقم: 202) .
(6) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (3/193 - رقم: 3701) ، وانظر: "الكامل" لابن عدي: (7/212 - رقم: 2112) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (7/213 - رقم: 2112) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال البيهقي في أبي جناب: كان يزيد بن هارون يصدقه، ويرميه بالتدليس) ا. هـ وانظر: "سنن البيهقي": (2/468) .
(8) انظر: فهرس الأعلام.
(9) "المجروحون": (3/85) باختصار.(2/402)
قال: وابن [محرَّر] (1) : كان يكذب (2) .
احتجَّ الخصم بأحاديث:
1040- قال أحمد: ثنا الحسين (3) بن يحيى ثنا الفضل بن موسى عن عبيد الله العتكيِّ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوتر حقٌّ، فمن لم يوتر فليس منَّا " (4) .
1041- قال أحمد: وثنا وكيع قال: حدَّثني خليل بن مرَّة عن معاوية ابن قُرَّة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يوتر فليس منَّا " (5) .
1042- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إسماعيل بن العباس الورَّاق ثنا محمد بن حسَّان الأزرق ثنا سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ عن عطاء بن يزيد عن أبي أيُّوب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الوتر حقٌّ واجبٌ، فمن شاء أن يوتر بثلاث فليوتر، ومن شاء أن يوتر بواحدة فليوتر بواحدة " (6) .
1043- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا حمزة بن العباس ثنا عبدان ثنا أبو حمزة قال: سمعتُ محمد بن عبيد الله يحدِّث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: مكثنا زمانًا لا نزيد على الصَّلوات الخمس، فأمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاجتمعنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قال: " إن الله قد
__________
(1) في الأصل: (محرز) ، وفي "التحقيق": (محمد) ، والتصويب من (ب) .
(2) "المجروحون": (2/22 - 23) ، وفيه: (يكذب ولا يعلم ... ) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" و"المسند" و"أطرافه" لابن حجر: (1/627 - رقم: 1271) : (الحسن) .
(4) "المسند": (5/357) .
(5) "المسند": (2/443) .
(6) "سنن الدارقطني": (2/22) .(2/403)
زادكم صلاة ". فأمرنا بالوتر (1) .
1044- قال أحمد: وثنا يزيد بن هارون ثنا الحجَّاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله قد زادكم صلاةً، وهي الوتر " (2) .
1045- وقد روي هذا الحديث عن النَّضر [أبي] (3) عُمر (4) عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله أمدَّكم بصلاةٍ، وهي الوتر ".
1046- قال أحمد: وثنا يزيد بن هارون أنا محمد بن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد عن عبد الله بن أبي مُرَّة عن خارجة بن حذافة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة، فقال: " لقد أمدَّكم الله بصلاةٍ هي خير لكم من حُمْر النَّعم ". قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: " الوتر فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر " (5) .
1047- قال أحمد: وثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة ثنا عبد الله بن هبيرة قال: سمعت أبا تميم الجيشانيَّ يقول: سمعت عمرو بن العاص يقول: أخبرني رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/31) .
(2) "المسند": (2/180، 208) .
(3) في الأصل و (ب) : (بن) ، والتصويب من "التحقيق".
(4) في هامش الأصل: (حـ: كان فيه: " عمرو" وهو وهم) ا. هـ وفي مطبوعة "التحقيق": (أبي عمر، وعن عكرمة) .
(5) " مسند خارجة بن حذافة " من المسانيد الساقطة من "مسند الإمام أحمد" وقد ذكره ابن عساكر في " ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل ": (ص: 51 - رقم: 101) ، وهذا الحديث أورده الحافظ ابن حجر في " الأطراف ": (2/292 - رقم: 2285) .(2/404)
زادكم صلاةً فصلُّوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصُّبح، الوتر، الوتر ". ألا وإنَّه أبو بصرة الغفاريُّ. قال أبو تميم: فكنت أنا وأبو ذرٍّ قاعدين، فأخذ بيدي أبو ذرٍّ، فانطلقنا إلى أبي بصرة، فقال أبو ذرٍّ: يا أبا بصرة أنت سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنَّ الله زادكم صلاةً فصلُّوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصُّبح، الوتر، الوتر "؟ قال: نعم. قال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: أنت سمعته؟ قال: نعم (1) .
1048- وقال عبد الله بن الإمام أحمد: ثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن زحر عن عبد الرَّحمن بن رافع التَّنوخيِّ القاضي أنَّ معاذ بن جبل قدم الشَّام، وأهل الشَّام لا يوترون، [فقال لمعاوية: ما لي أرى أهل الشَّام لا يوترون؟] (2) فقال معاوية: وواجب ذلك عليهم؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " زادني ربِّي عزَّ وجلَّ صلاةً، وهي الوتر، ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر " (3) .
1049- وقد روى أحمد بن عبد الرَّحمن بن وهب عن عمِّه ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ الله زادكم صلاةً إلى صلاتكم، وهي الوتر ".
والجواب:
أمَّا حديث بريدة: ففي إسناده عبيد الله العتكيُّ، قال البخاريُّ: عنده
__________
(1) "المسند": (6/397) .
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(3) "المسند": (5/242) ، وفيه: (حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هارون بن معروف، قال عبد الله: وسمعته أنا من هارون) .(2/405)
مناكير (1) . وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (2) . وقد وثَّقه يحيى في رواية (3) .
وأمَّا حديث أبي هريرة: ففيه الخليل بن مُرَّة، ضعَّفه يحيى (4) والنَّسائيُّ (5) ، وقال البخاريُّ: منكر الحديث (6) .
وأمَّا حديث أبي أيُّوب: ففيه محمد بن حسَّان، وقد ضعَّفوه، قال الدَّارَقُطْنِِيُّ: قوله: (واجب) ليس بمحفوظٍ، لا أعلم أحدًا تابع محمد بن حسَّان عليه، إنَّما روي: (الوتر حقٌّ) (7) .
وقال أصحابنا: لو ثبت (8) لفظة: (حقٍّ) فمعناها: أنَّه مشروع في السّنة؛ وقوله: (ليس منَّا) إذا صحَّ، كان المراد به: لم يتخلَّق بأخلاقنا.
وقد روى حديث أبي أيُّوب أبو داود، فقال فيه: (حقٌّ على كلِّ مسلمٍ) (9) ويتأوَّل (10) : أنَّه حقٌّ في باب الاستحباب.
وأمَّا حديث عمرو بن شعيب: ففيه محمد بن عبيد الله العرزميُّ، قال
__________
(1) "التاريخ الكبير": (5/388 - رقم: 1245) ، "الضعفاء الصغير": (ص: 457 - رقم: 213) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 147 - رقم: 351) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/362 - رقم: 4794) ، ورواية الدارمي: (ص: 138 - رقم: 457) .
(4) "المجروحون": (1/286) من رواية أحمد بن زهير.
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 93 - رقم: 178) .
(6) "الجامع" للترمذي: (4/401 - رقم: 2666) .
(7) "سنن الدارقطني": (2/22 - 23) باختصار.
(8) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق": (ثبتت) .
(9) "سنن أبي داود": (2/252 - رقم: 1417) .
(10) في "التحقيق": (ويتناوله) !(2/406)
أحمد: ترك النَّاس حديثه (1) .
وطريقه الثَّاني: فيه الحجَّاج بن أرطأة، قال أحمد: لا يحتجُّ به (2) .
وأمَّا حديث ابن عباس: ففيه النَّضر، قال أحمد: ليس بشيءٍ (3) .
وقال يحيى: لا يحلُّ لأحدٍ أن يروي عنه (4) .
وأمَّا حديث خارجة: ففيه ابن إسحاق، وقد كذَّبه مالك (5) .
وفيه عبد الله بن راشد، وقد ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (6) ، وقال البخاريُّ: لا يعرف إلا بحديث الوتر، ولا يعرف سماع ابن راشد من ابن أبي مُرَّة (7) .
وأمَّا حديث أبي تميم: ففيه ابن لهيعة، وهو متروكٌ.
وأمَّا حديث معاذ: ففيه عبيد الله بن زحر، قال يحيى: ليس بشيءٍ (8) .
وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (9) .
وفيه عبد الرَّحمن بن رافع، قال البخاريُّ: في حديثه مناكير (10) .
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (1/313 - 314 - رقم: 539) .
(2) انظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/280 - رقم: 342) من رواية الحسن بن علي.
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/475 - رقم: 2181) من رواية عبد الله، وانظر "العلل": (3/37 - رقم: 4065) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/475 - رقم: 2181) من رواية الدوري، ولم نقف عليه في مطبوعة "التاريخ".
(5) "الكامل" لابن عدي: (6/103 - رقم: 1623) .
(6) انظر ما سيأتي في كلام المنقح (ص: 410) .
(7) "التاريخ الكبير": (5/88 - رقم: 241) مع اختلاف يسير.
(8) "التاريخ" برواية الدوري: (4/426 - رقم: 5107) .
(9) "المجروحون": (2/62) .
(10) "التاريخ الكبير": (5/280 - رقم: 912) ، "الضعفاء الصغير": (ص: 457 - رقم: 211) .(2/407)
وأمَّا حديث ابن عمر: فقال ابن حِبَّان: لا يخفى على من كتب حديث ابن وهب أن هذا الحديث موضوع، وأحمد بن عبد الرَّحمن كان يأتي عن عمِّه بما لا أصل له (1) .
ز: حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه: رواه أبو داود عن محمد بن المثنَّى عن أبي إسحاق الطََّالْقانيِّ عن الفضل بن موسى (2) .
ورواه الحاكم وصحَّحه وقال: أبو المنيب ثقةٌ (3) . يعني عبيد الله العتكيَّ، ووثَّقه يحيى بن معين أيضًا (4) ، وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو صالح الحديث. وأنكر على البخاريِّ إدخاله في كتاب " الضُّعفاء " وقال: يحوَّل (5) . وقد تكلَّم فيه أيضًا النَّسائيُّ (6) وابن حِبَّان (7) والعقيليُّ (8) ، وقال ابن عَدِيٍّ: هو عندي لا بأس به (9) .
وأمَّا حديث معاوية بن قُرَّة عن أبي هريرة: فإنَّه منقطع، قال أحمد: لم يسمع معاوية بن قُرَّة من أبي هريرة ولا لقيه.
1050- وأمَّا حديث أبي أيُّوب: فرواه الطَّبرانيُّ: ثنا معاذ بن المثنَّى ثنا عبد الرَّحمن بن المبارك ثنا قريش بن حيَّان عن بكر بن وائل عن الزُّهريِّ عن
__________
(1) "المجروحون": (1/149) ويبدو أنه وقع فيه سقط، ثم وجدناه بقريب مما هنا في طبعة الشيخ حمدي السلفي: (1/164 - رقم: 83) .
(2) "سنن أبي داود": (1/250 - 251 - رقم: 1414) .
(3) "المستدرك": (1/305 - 306) .
(4) سبق قريبًا.
(5) "الجرح والتعديل": (5/322 - رقم: 1529) .
(6) سبق قريبًا.
(7) "المجروحون": (2/64) .
(8) "الضعفاء الكبير": (3/121 - رقم: 1103) .
(9) "الكامل": (4/330 - رقم: 1161) .(2/408)
عطاء بن يزيد عن أبي أيُّوب قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوتر حقٌّ، فمن أحبَّ أن يوتر بخمس فليوتر، ومن أحبَّ أن يوتر بواحدة فليوتر " (1) .
ورواه من طريقٍ أخرى عن عطاء عن أبي أيُّوب مرفوعًا، ولفظه: " فمن شاء يوتر بسبع، ومن شاء يوتر بخمس، ومن شاء يوتر بثلاث، ومن شاء أن يوتر بواحدة " (2) .
ورواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) وابن ماجه (5) والنَّسائيُّ (6) وأبو حاتم البستيُّ (7) والحاكم وقال: على شرطهما (8) .
وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه بكر بن وائل والأوزاعيُّ والزُّبيديُّ ومحمد بن أبي حفصة وسفيان بن حسين ومحمد بن إسحاق عن الزُّهريِّ مرفوعًا إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
واختلف عن يونس: فرواه حرملة عن ابن وهب عن يونس مرفوعًا.
وخالفه ابن أخي ابن وهب عن عمِّه عن يونس فوقفه.
وتابعه عثمان بن عمر عن يونس.
واختلف عن معمر: فرفعه عديُّ بن الفضل عن معمر.
__________
(1) "المعجم الكبير": (4/147 - رقم: 3962) .
(2) "المعجم الكبير": (4/147 - رقم: 3961) .
(3) "المسند": (5/418) .
(4) "سنن أبي داود": (2/252 - رقم: 1417) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/376 - رقم: 1190) .
(6) "سنن النسائي": (3/238 - 239 - رقم: 1712) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (6/167 - 168 - رقم: 2407) .
(8) "المستدرك": (1/302) .(2/409)
ووقفه حمَّاد بن زيد وابن عُليَّة وعبد الأعلى وعبد الرَّزَّاق.
واختلف عن ابن عيينة: فرفعه محمد بن حسَّان الأزرق عنه.
ووقفه الحميديُّ وقتيبة وسعيد بن منصور.
والذين وقفوه عن معمر أثبت ممَّن رفعه (1) .
وأمَّا قوله في حديث أبي أيُّوب: (فيه محمد بن حسَّان، وقد ضعَّفوه) فليس بصحيح، ولا نعلم أحدًا ضعَّف محمد بن حسَّان، بل قال عبد الرَّحمن ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي، وهو صدوقٌ، ثقةٌ (2) .
وأمَّا حديث خارجة: فرواه أبو داود (3) وابن ماجه (4) والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث يزيد (5) . ورواه الحاكم وصحَّحه وقال: تركاه لتفرُّد التَّابعيِّ عن الصَّحابيِّ (6) .
وتضعيف المؤلِّف لابن إسحاق ليس بشيءٍ، وقد تابعه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب.
وقوله في عبد الله بن راشد: (ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ) وهمٌ بيِّن، فإنَّه إنَّما ضعَّف عبد الله بن راشد البصريَّ، مولى عثمان بن عفَّان، الرَّاوي عن أبي سعيد
__________
(1) "العلل": (6/98 - 100 - رقم: 1005) .
(2) "الجرح والتعديل": (7/239 - رقم: 1309) .
وانظر: ما يأتي: (3/544 - 545) .
(3) "سنن أبي داود": (2/249 - 250 - رقم: 1413) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/369 - رقم: 1168) .
(5) "الجامع": (1/469 - رقم: 452) .
(6) "المستدرك": (1/306) .(2/410)
الخدريِّ (1) .
وأمَّا راوي حديث خارجة فهو: الزَّوفيُّ، أبو الضَّحاك، المصريُّ، قال ابن إسحاق: الزَّوْفيُّ من حمير، وليس إلا حديثه في الوتر، ولا يعرف سماعه من ابن أبي مُرَّة (2) . وكذلك قال البخاريُّ: لا يعرف سماعه منه (3) . وذكره أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4) .
وأمَّا حديث أبي تميم: فرواه غير ابن لهيعة عن ابن هبيرة، قال الإمام أحمد: ثنا عليُّ بن إسحاق ثنا عبد الله - يعني ابن مبارك - أنا سعيد بن يزيد حدَّثني ابن هبيرة فذكره (5) .
وسعيد بن يزيد من الثِّقات، ورواه يحيى الحمانيُّ عن ابن المبارك.
__________
(1) "الضعفاء" لابن الجوزي: (2/122 - رقم: 2021) .
وقال الدارقطني في "العلل": (3/38 - 39 - رقم: 271) - بعد أن سئل عن حديث -: (يرويه عبد الواحد بن زيد عن عبد الله بن راشد عن عثمان، وخالفه الحسن بن ذكوان، رواه عن عبد الله بن راشد عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهما بصريان ضعيفان، والحديث غير ثابت) ا. هـ
وقوله: (وهما بصريان ... ) لا ندري على من يعود، والأقرب أنه يريد عبد الواحد والحسن، والله أعلم.
(2) "التاريخ الكبير" للبخاري: (5/88 - رقم: 241) ، ولا ندري عن قوله: (وليس إلا حديثه في الوتر ... ) من كلام ابن إسحاق أم من كلام البخاري؟ وكونه من كلام البخاري أقرب، ويقوي هذا أن ابن عدي في "كامله": (4/222 - رقم: 1032) نقل هذا القول منسوباً للبخاري، ولكن الحافظ المزي في "تهذيب الكمال": (14/484 - رقم: 3254) أورد الكلام كله منسوباً لابن إسحاق، فالله تعالى أعلم.
(3) انظر التعليق السابق.
(4) "الثقات": (7/35) وقال: (يروي عن عبد الله بن أبي مرة - إن كان سمع منه -، روى عنه يزيد بن أبي حبيب: " إن الله زادكم صلاة وهي الوتر "، من اعتمده فقد اعتمد إسناداً مشوشاً) ا. هـ
(5) "المسند": (6/7) .(2/411)
وأمَّا حديث معاذ: فلا يثبت، لأنَّ في إسناده ضعفًا (1) وانقطاعًا، فإنَّ عبد الرَّحمن بن رافع التَّنُوخِيَّ - قاضي أفريقية - لم يدرك معاذًا، والله أعلم.
وقد روي في ركعتي الفجر حديث صحيح كما روي في الوتر:
1051- قال البيهقيُّ: أنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني أبو الحسن أحمد ابن محتاج الكُشَانيُّ - ببخارى من أصل كتابه - ثنا عمر بن محمد بن بُجَيْر ثنا العباس بن الوليد الخلاَّل - بدمشق - ثنا مروان بن محمد الدِّمشقيُّ ثنا معاوية بن سلاَّم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي نضرة العبديِّ عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ زادكم صلاةً إلى صلاتكم، هي خير من حُمْر النَّعم، إلا وهي الرَّكعتان قبل صلاة الفجر ".
قال العباس بن الوليد: قال لي يحيى بن معين: هذا حديثٌ غريبٌ من حديث معاوية بن سلاَّم، ومعاوية بن سلاَّم محدِّث أهل الشَّام، وهو صدوق الحديث، ومن لم يكتب حديثه - مسنده ومنقطعه - فليس بصاحب حديث.
وقال ابن خزيمة: لو أمكنني أن أرحل إلى ابن بُجَيْر لرحلت إليه في هذا الحديث (2) O.
* * * * *
مسألة (203) : يجوز الوتر بركعة، فإن أوتر بثلاث فصل بسلام.
وقال أبو حنيفة: الوتر ثلاث بسلام واحد، لا يزيد ولا ينقص.
__________
(1) في (ب) : (ضعيفًا) .
(2) "سنن البيهقي": (2/469) .(2/412)
وقال مالك: بل يسلِّم عقيب الثَّانية.
لنا أحاديث:
1052- قال البخاريُّ: ثنا أبو النُّعمان ثنا حمَّاد بن زيد ثنا أنس بن سيرين عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة (1) .
1053- قال البخاريُّ: وثنا عبيد الله (2) بن موسى أنا حنظلة عن القاسم بن محمد عن عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر (3) .
الحديثان في "الصَّحيحين".
1054- وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الصَّمد ثنا همَّام ثنا قتادة عن أبي مجلز قال: سألت ابن عباس عن الوتر، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ركعة من آخر الليل " (4) .
وقد ذكرنا في مسألة التَّطوُّع بركعتين (5) من حديث ابن عمر: " فإذا خشي الصُّبح صلَّى واحدة، فأوترت له ما صلَّى من الليل ".
وهو في "الصَّحيحين".
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/251) ؛ (فتح - 2/486 - رقم: 995) .
"صحيح مسلم": (2/174) ؛ (فؤاد - 1/519 - رقم: 749) .
(2) في "التحقيق": (عبد الله) ، والصواب ما بالأصل.
(3) "صحيح البخاري": (2/284) ؛ (فتح - 3/20 - رقم: 1140) .
"صحيح مسلم": (2/167) ؛ (فؤاد - 1/510 - رقم: 738) .
(4) "المسند": (1/311) .
(5) (ص: 392) .(2/413)
1055- وقال النَّسائيُّ: أنا الحسن بن محمد عن عفَّان ثنا همَّام ثنا قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أنَّ رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة الليل، قال: " مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ من آخر الليل " (1) .
1056- قال النَّسائيُّ: وثنا قتيبة ثنا خالد بن زياد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ واحدةٌ " (2) .
ز: روى حديث عبد الله بن شقيق عن ابن عمر: أبو داود عن محمد ابن كثير عن همَّام (3) .
وخالد بن زياد: وثَّقه ابن حِبَّان (4) وغيره، وكان على القضاء بترمذ O.
فصلٌ
ويدلُّ على الفصل بالسَّلام:
1057- ما روى أحمد: ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعيُّ قال: حدَّثني أسامة بن زيد قال: حدَّثني زبان (5) بن عبد العزيز قال: حدَّثني عمر بن عبد العزيز عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي في الحجرة وأنا في البيت، فيفصل بين الشَّفع والوتر بتسليم يسمعناه (6) .
__________
(1) "سنن النسائي": (3/232 - 233 - رقم: 1691) .
(2) "سنن النسائي": (3/233 - رقم: 1693) .
(3) "سنن أبي داود": (2/252 - رقم: 1416) .
(4) "الثقات": (6/263) وقال: (يروي عن نافع صحيفة مستقيمة، وعن قتادة الحرف بعد الحرف) ا. هـ
(5) في "التحقيق": (زياد) خطأ.
(6) "المسند": (6/83 - 84) .(2/414)
1058- قال أحمد: وثنا عتَّاب بن زياد ثنا أبو حمزة السُّكَّريُّ عن إبراهيم الصَّائغ عن نافع عن ابن عمر: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفصل بين الوتر والشَّفع بتسليمة يسمعناها (1) .
أمَّا الحديث الأوَّل: فمنقطعٌ، لأنَّ (2) عمر لم يسمع من عائشة؛ وأسامة ضعيفٌ.
والثَّاني أصلح.
ز: أسامة بن زيد هو: الليثيُّ المدنيُّ، روى له مسلم في "صحيحه" (3) ، ووثَّقه ابن معين (4) وغيره، وتكلَّم فيه الإمام أحمد (5) وغيره.
وزبان بن عبد العزيز: هو أخو عمر، ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقال: روى عنه الليث بن سعد (6) . وفي ذلك نظرٌ.
وروى حديث نافع عن ابن عمر: أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (7) والطَّبرانيُّ وقال: لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم الصَّائغ إلا أبو حمزة السُّكَّريُّ (8) .
__________
(1) "المسند": (2/76) .
(2) في "التحقيق": (ابن) خطأ.
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/70 - رقم: 98) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: قلت: روى له الأربعة أيضًا، وقال الحاكم: روى مسلم نسخة لابن وهب عن أسامة، واستدللت بكثرة إخراجه له أنه عنده صحيح الحديث، على أن أكثر تلك الأحاديث مستشهد بها، ومقرون بآخر) ا. هـ
انظر: " المدخل إلى الصحيح " للحاكم: (4/113) ، وما يأتي (رقم: 2262) .
(4) انظر ما تقدم (2/30 - 31) .
(5) انظر ما تقدم (2/30) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/616 - رقم: 2787) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (6/191 - رقم: 2435) .
(8) "المعجم الأوسط": (1/229 - رقم: 753) .(2/415)
وإبراهيم بن ميمون الصَّائغ: وثَّقه ابن معين (1) والنَّسائيُّ في رواية (2) ، وقال مرَّةً: ليس به بأس (3) . وقال أحمد: ما أقرب حديثه (4) . وقال أبو زرعة: لا بأس به (5) . وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (6) .
وقد روى ابن حِبَّان هذا الحديث من رواية الوليد بن مسلم عن الوَضِين ابن عطاء عن سالم عن أبيه (7) .
الوَضِين فيه كلامٌ O.
فصلٌ
ويدلُّ على جواز الزِّيادة على الثَّلاث:
1059- ما روى أحمد: ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن الحكم عن مِقْسم عن أمِّ سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بسبعٍ وبخمسٍ، لا يفصل بينهن بسلامٍ ولا كلامٍ (8) .
ز: رواه النَّسائيُّ من حديث جرير (9) وسفيان (10) ، ورواه ابن ماجه
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/135 - رقم: 425) من رواية إسحاق بن منصور.
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (2/224 - رقم: 256) .
(3) المرجع السابق.
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/135 - رقم: 425) من رواية الأثرم.
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/135 - رقم: 425) .
(6) المرجع السابق.
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (6/190 - رقم: 2434) .
(8) "المسند": (6/290) .
(9) "سنن النسائي": (3/239 - رقم: 1714) .
(10) "السنن الكبرى": (1/170 - رقم: 432) .(2/416)
من حديث زهير (1) ، كلُّهم عن منصور.
ورواه النَّسائيُّ أيضًا من رواية إسرائيل عن منصور، فزاد فيه: ابن عباس (2) .
1060- وروى عن إسماعيل بن مسعود عن يزيد - هو ابن زُريع - عن شُعبة عن الحكم قال: قلت لمِقْسم: إنِّي أسمع الأذان فأوتر بثلاث، ثُمَّ أخرج إلى الصَّلاة خشية أن تفوتني. فقال: إنَّ ذلك لا يصلح إلا بسبع أو خمس. فحدَّثت بذلك مجاهداً ويحيى بن الجزَّار فقالا: سله عمَّن؟ فسألته، فقال: عن الثَّقة عن الثَّقة عن عائشة وميمونة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) O.
1061- وقال التِّرمذيُّ: ثنا إسحاق بن منصور أنا عبد الله بن نمير ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كانت صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمسٍ، لا يجلس إلا في آخرهنَّ (4) .
ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" (5) O.
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/376 - رقم: 1192) .
(2) "سنن النسائي": (3/239 - رقم: 1715) .
(3) "السنن الكبرى": (1/442 - رقم: 1406) .
(4) "الجامع": (1/474 - رقم: 459) .
(5) لم نقف عليه بهذا اللفظ إلا عند مسلم: (2/166) ؛ (فؤاد - 1/508 - رقم: 737) وإليه وحده عزاه عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين ": (1/488) وابن عبد الهادي في " المحرر ": (1/233 - رقم: 339) .
ولكن عزاه إلى "الصحيحين": الحميدي في " الجمع بين الصحيحين ": (4/39 - رقم: 3160) .
وأورده الحافظ عبد الغني في " العمدة ": (رقم: 132) .
وقد خرج البخاري في "صحيحه": (2/292) ؛ (فتح - 3/45 - 46 - رقم: 1170) من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلِّي إذا سمع النداء بالصُّبح ركعتين خفيفتين.(2/417)
احتجَّ الخصم بأربعة أحاديث:
1062- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بثلاث (1) .
1063- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسن بن رشيق ثنا محمد بن أحمد بن حمَّاد ثنا أبو خالد يزيد بن سنان ثنا يحيى بن زكريا الكوفيُّ ثنا الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرَّحمن بن يزيد النَّخعيِّ عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وتر الليل ثلاث، كوتر النَّهار - صلاة المغرب - " (2) .
1064- الحديث الثَّالث: قال أبو حاتم بن حِبَّان: أنا أحمد بن يحيى ابن زهير ثنا عبد الله بن الصَّباح ثنا أبو بحر (3) البكراويُّ عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوتر ثلاث، كصلاة المغرب " (4) .
1065- الحديث الرَّابع: رووا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن البتيراء.
قالوا: وهي الوتر بركعة.
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه الحارث الأعور، قال الشَّعبيُّ (5) وابن
__________
(1) "الجامع": (1/475 - رقم: 460) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/27 - 28) .
(3) في مطبوعة "المجروحون": (بكر) خطأ.
(4) "المجروحون": (1/121) تحت ترجمة إسماعيل بن مسلم المكي.
(5) " مقدمة صحيح مسلم ": (1/14) ؛ (فؤاد - 1/19) .(2/418)
المدينيِّ (1) : هو كذَّابٌ.
ثُمَّ لا حجَّة في الحديث، فإنَّا لا نمنع من الوتر بثلاث.
وأمَّا حديث ابن مسعود: ففيه يحيى بن زكريا (2) ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه عن الأعمش مرفوعًا غيره، وهو ضعيفٌ (3) .
وأمَّا حديث عائشة: ففيه إسماعيل المكيُّ، قال يحيى: ليس بشيءٍ (4) .
وقال ابن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (5) . وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (6) .
وأمَّا الحديث الرَّابع: فالمروي عن ابن عمر أَنَّه فسَّر البتيراء: أن يصلِّي بركوعٍ ناقصٍ، وسجودٍ ناقص (7) .
وقد قابل أصحابنا هذين الحديثين بحديث رواه الدَّارَقُطْنِيُّ:
1066- ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا موهب بن يزيد بن خالد ثنا عبد الله ابن وهب قال: حدَّثني سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل (8) عن أبي سلمة و (9) الأعرج (10) عن أبي هريرة عن رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) " الشجرة في أحوال الرجال " للجوزجاني: (ص: 42 - رقم: 13) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: ويعرف يحيى بـ: ابن أبي الحواجب) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (2/28) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/82 - رقم: 3237) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (1/283 - رقم: 120) ، وانظر ما تقدم (1/192) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 52 - رقم: 36) وفيه: (متروك الحديث) .
(7) في هامش الأصل: (حـ: لا يعرف للحديث الرابع إسناد صحيح، إنما رواه ابن عبد البر في "التمهيد" بإسناد ضعيف) ا. هـ
انظر: "التمهيد": (13/254) .
(8) في هامش الأصل: (حـ: عبد الله بن الفضل وثَّقه ابن معين وأبو حاتم، وقال أحمد: لا بأس به) ا. هـ
(9) في "التحقيق": (عن) خطأ.
(10) في "سنن الدارقطني": (عبد الرَّحمن الأعرج) .(2/419)
قال: " لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس أو بسبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كلُّهم ثقات (1) .
ز: ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ أيضًا عن ابن أبي داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب، ورواه الحاكم وقال: على شرطهما (2) .
1067- وروى الحاكم أيضًا من رواية عمرو بن الرَّبيع بن طارق ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة ركعة، أو أكثر " (3) O.
فصلٌ
واحتجَّ الخصم على أنَّه لا يسلِّم من ركعتين:
1068- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن منصور ثنا شجاع بن الوليد ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسلِّم في ركعتي الوتر (4) .
وهذا لا حجَّة لهم فيه، لأنَّه جائزٌ عندنا أن يوتر بثلاث بسلامٍ واحد،
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/24 - 25) .
(2) "المستدرك": (1/304) .
(3) المرجع السابق.
(4) "سنن الدارقطني": (2/32) .(2/420)
ولكن يجلس عقيب الثَّانية.
ز: روى هذا الحديث الإمام أحمد بغير هذا اللفظ (1) ، ورواه النَّسائيُّ بهذا اللفظ عن إسماعيل بن مسعود عن بشر بن المفضَّل عن سعيد (2) ، ورواه الحاكم ولفظه: (لا يسلِّم في الرَّكعتين الأوليين من الوتر) وقال: على شرطهما (3) .
وقد نقل عن الإمام أحمد أَنَّه ضعَّف إسناد هذا الحديث (4) .
1069- وقال شيبان بن فرُّوخ: ثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن زرارة عن سعد عن عائشة كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بثلاث، لا يقعد إلا في آخرهن.
رواه الحاكم (5) O.
* * * * *
مسألة (204) : يجوز التَّنفُّل بركعة.
وعنه: لا يجوز، كقول أبي حنيفة.
لنا:
ما تقدَّم من أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوتر بركعة (6) .
* * * * *
__________
(1) "المسند": (6/53 - 54) في حديث طويل.
(2) "سنن النسائي": (3/234 - 235 - رقم: 1698) .
(3) "المستدرك": (1/304) .
(4) "المنتقى" للمجد ابن تيمية: (مع النيل - 3/35) .
(5) "المستدرك": (1/304) .
(6) رقم: (1052) .(2/421)
مسألة (205) : المستحبُّ لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، وفي الثَّانية: بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} ، وفي الثَّالثة: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ (1) : يضمُّ إلى سورة الإخلاص المعوذتين.
لنا حديثان:
1070- قال الإمام أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى ثنا إسرائيل (2) عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الوتر: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) .
ز: رواه التِّرمذيُّ (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) .
وكذا رواه شريك وزكريا بن أبي زائدة ويونس بن أبي إسحاق.
ورواه أبو نعيم عن زهير عن أبي إسحاق، ولم يرفعه O.
1071- قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان عن زبيد عن ذرٍّ بن عبد الله المُرْهبي عن سعيد بن عبد الرَّحمن بن أبزى عن أبيه قال: كان رسول الله
__________
(1) (والشافعي) غير موجودة في "التحقيق".
(2) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "المسند" و"أطرافه": (3/97 - رقم: 3356) : (شريك) .
(3) "المسند": (1/299) .
(4) "الجامع": (1/477 - رقم: 462) .
(5) "سنن النسائي": (3/236 - رقم: 1702) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/370 - رقم: 1172) .(2/422)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ؛ وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال: " سبحان الملك القدُّوس ". ثلاث مرَّات، ثُمَّ يرفع صوته في الثَّالثة (1) .
ز: رواه النَّسائيُّ بطرقٍ كثيرة (2) ، وقد أرسله بعضهم O.
احتجُّوا:
1072- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدميُّ ثنا أحمد بن منصور ثنا سعيد بن عفير ثنا يحيى بن أيُّوب عن يحيى بن سعيد عن عَمْرة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الرَّكعتين اللتين يوتر بعدهما: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} ؛ ويقرأ في الوتر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (3) .
وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث محمد بن سلمة (4) .
والطَّريقان لا يصحَّان:
أمَّا الأوَّل: فإنَّ يحيى بن أيُّوب لا يحتجُّ به، قاله أبو حاتم الرَّازيُّ (5) .
__________
(1) "المسند": (3/406 - 407) .
(2) "سنن النسائي": (3/235، 244 - 247 - الأرقام: 1699 - 1701، 1729 - 1744) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/24) .
(4) لم نقف عليه في مطبوعة "سنن الدارقطني".
وفي هامش الأصل: (حـ: ينظر في الدارقطني حديث محمد، فإنِّي لم [] ) ا. هـ والكلمة الأخيرة لم تظهر في مصورتنا ولعلها (أره) .
وفي هامش آخر تعليقًا على كلمة (الدارقطني) : (لعله " ت ") ا. هـ أي أن صوابها: (الترمذي) فإنه قد أخرج الحديث في " جامعه ": (1/478 - رقم: 463) من طريق محمد بن سلمة عن خصيف عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة، والله أعلم.
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/128 - رقم: 542) .(2/423)
وأمَّا محمد بن سلمة: فضعيفٌ.
وقد أنكر أحمد ويحيى زيادة المعوِّذتين.
ز: يحيى بن أيُّوب: من رجال "الصَّحيحين" (1) وقد روى حديثه هذا الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرطهما (2) .
ورواه ابن أبي مريم عن يحيى بن أيُّوب.
وقال الخلال في "العلل": ثنا محمد بن إسماعيل ثنا ابن أبي مريم قال: أخبرني عثمان بن الحكم - وكان من أفضل من بمصر - قال: سألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فقال: لا أعرفه. يعني حديث الوتر (3) .
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن يحيى بن أيُّوب المصريِّ، فقال: كان يحدِّث من حفظه، وكان لا بأس به، وكان كثير الوهم في حفظه.
فذكرت له من حديثه: عن يحيى عن عَمْرة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الوتر ... الحديث، فقال: ها، من يحتمل هذا (4) ؟! .
وقال مرَّةً: كم قد روى هذا عن عائشة من النَّاس، ليس فيه هذا، وأنكر حديث يحيى خاصةً. انتهى ما ذكره (5) .
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/1203 - 1204 - رقم: 1449) ؛ " رجال صحيح مسلم " لابن منجويه: (2/331 - 332 - رقم: 1810) .
(2) "المستدرك": (1/305) .
(3) انظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (4/392 - رقم: 2011) .
(4) انظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (4/391 - 392 - رقم: 2011) .
(5) أي الخلال، والله أعلم.(2/424)
وأمَّا محمد بن سلمة الخزاعيُّ (1) : فصدَّقه أحمد (2) وغيره، وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (3) ، وقد روى حديثه أبو داود (4) وابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ وقال: حديث حسنٌ غريبٌ (6) .
رواه محمد بن سلمة عن خُصيف عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة.
وقال البخاريُّ: عبد العزيز بن جريج عن عائشة في الوتر لا يتابع في حديثه (7) O.
* * * * *
مسألة (206) : يسنُّ القنوت في الوتر في جميع السَّنة.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يسنُّ إلا في النِّصف الأخر من رمضان.
لنا:
1073- ما روى الإمام أحمد: ثنا يزيد أنا حمَّاد بن سلمة عن هشام عن
__________
(1) كذا في الأصل و (ب) ، وفي "تهذيب الكمال": (25/289 - رقم: 5255) : (الباهلي مولاهم ... الحراني) فالله أعلم.
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/276 - رقم: 1494) من رواية الجوزجاني، وفيه: (شيخ صدوق، وكان أمثل من عتاب بن بشير) ا. هـ
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/181 - رقم: 1445) .
(4) "سنن أبي داود": (2/253 - رقم: 1419) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/371 - رقم: 1173) .
(6) "الجامع": (1/478 - رقم: 463) .
(7) "التاريخ الكبير": (6/23 - رقم: 1564) .(2/425)
عمرو (1) عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في آخر وتره: " اللهم إنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " (2) .
ز: رواه أبو داود (3) والتِّرمذيُّ (4) وابن ماجه (5) والنَّسائيُّ (6) من حديث حمَّاد، وقال التِّرمذيُّ: حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حمَّاد بن سلمة.
وهشام بن عمرو الفزاريُّ: وثَّقه الإمام أحمد (7) ويحيى بن معين (8) وأبو حاتم الرَّازيُّ (9) وغيرهم، وقال أبو داود: هشام أقدم شيخٍ لحمَّاد، وبلغني عن يحيى بن معين أَنَّه قال: لم يرو عنه غير حمَّاد بن سلمة (10) .
وسئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث، فقال: روي عن إبراهيم بن الحجَّاج عن حمَّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عبد الرَّحمن بن الحارث عن عليٍّ، وهو وهمٌ.
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق": (هشام بن عمرو) .
وفي هامش الأصل: (قلت: صوابه " هشام بن عمر ") ا. هـ
ولا ندري عن هذه الحاشية هل هي لابن عبد الهادي أم غيره؟
(2) "المسند": (1/96) .
(3) "سنن أبي داود": (2/254 - 255 - رقم: 1422) .
(4) "الجامع": (5/527 - 528 - رقم: 3566) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/373 - رقم: 1179) .
(6) "سنن النسائي": (3/248 - 249 - رقم: 1747) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/64 - رقم: 251) .
(8) "التاريخ" برواية الدوري: (4/102 - رقم: 3366) .
(9) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/64 - رقم: 251) .
(10) "سنن أبي داود": (2/255 - رقم: 1422) .(2/426)
وقال أسود بن عامر: شاذان عن حمَّاد بن سلمة عن هشام بن عمرو عن عبد الرَّحمن بن الحارث عن عليٍّ، وهو الصَّحيح (1) .
وقد رواه عبد الله بن أحمد عن إبراهيم بن الحجَّاج عن حمَّاد على الصَّواب (2) ، فلعل بعض الرُّواة عن إبراهيم غلط فيه، والله أعلم (3) O.
احتجُّوا:
1074- بما روى الجوهريُّ أنا الحسين بن عمر الضَّرَّاب ثنا حامد بن محمد بن شعيب ثنا شريح (4) بن يونس ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن أنَّ عمر ابن الخطَّاب جمع النَّاس على أُبيِّ بن كعب، فكان يصلِّي بهم عشرين ليلة من الشَّهر، ولا يقنت بهم إلا في النِّصف الثَّاني، فإذا كان العشر الأواخر تخلَّف فصلَّى في بيته.
والجواب:
أنَّ هذا الحديث منقطع، فإنَّ الحسن لم يدرك عمر (5) .
ثُمَّ هو فعل صحابيٍّ، وما روينا فعل رسول الله، فهو مقدَّمٌ.
ز: 1075- قال أبو داود: ثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن بكر أنا هشام عن محمد عن بعض أصحابه أنَّ أُبيَّ بن كعب أمَّهم - يعني في رمضان - وكان يقنت في النِّصف الآخر من رمضان.
__________
(1) "العلل": (4/14 - 15 - رقم: 410) .
(2) "المسند": (1/150) .
(3) انظر: "المختارة" للضياء: (2/254 - رقم: 631) .
(4) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وصوابه: (سريج) .
(5) في هامش الأصل: (مولد الحسن لسنتين بقيا من خلافة عمر) ا. هـ(2/427)
1076- قال أبو داود: ثنا شجاع بن مَخْلد ثنا هُشيم أنا يونس بن عُبيد عن الحسن أنَّ عمر بن الخطَّاب جمع النَّاس على أُبيِّ بن كعب، فكان يصلِّي لهم عشرين ليلة "، ولا يقنت بهم إلا في النِّصف الباقي، فإذا كانت العشر الأواخر تخلَّف فصلَّى في بيته، فكانوا يقولون: أَبَقَ أُبيٌّ.
قال أبو داود: وهذان الحديثان يدلان على ضعف حديث أُبيٍّ: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت في الوتر (1) .
1077- وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا الحسين بن عبد الله القطَّان ثنا أيُّوب الوزَّان ثنا غسَّان بن عبيد ثنا أبو عاتكة عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت في النِّصف من رمضان إلى آخره (2) .
أبو عاتكة: طريف بن سلمان، وهو ضعيفٌ؛ وقال البيهقيُّ: هذا حديثٌ ضعيفٌ، لا يصحُّ إسناده (3) O.
* * * * *
مسألة (207) : لا يسنُّ القنوت في الفجر.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: يسنُّ.
لنا تسعة أحاديث:
1078- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا أبو مالك قال: قلت لأبي: يا أبت، إنَّك قد صلَّيت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/256 - رقمي: 1423 - 1424) .
(2) "الكامل" (4/118 - رقم: 963) .
(3) "سنن البيهقي": (2/499) .(2/428)
بكر وعمر وعثمان وعليٍّ ههنا بالكوفة قريباً من خمس سنين، أكانوا يقنتون؟
فقال: أي بني محدثٌ (1) .
1079- وقال النَّسائيُّ: أنا قتيبة عن خلف عن أبي مالك الأشجعيِّ عن أبيه قال: صلَّيت خلف النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يقنت، وصلَّيت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصلَّيت خلف عمر فلم يقنت، وصلَّيت خلف عثمان فلم يقنت، وصلَّيت خلف عليٍّ فلم يقنت. ثُمَّ قال: يا بنيَّ، إنُّها بدعةٌ (2) .
اسم أبي مالك: سعد بن طارق بن الأشيم، قال البخاريُّ: طارق بن الأشيم، له صحبة (3) .
وهذا الإسناد صحيحٌ، وقد تعصَّب أبو بكر الخطيب فقال: في صحبة طارق نظرٌ. قال: وإن صحَّ الحديث حملناه على دعاءٍ أحدثه أهل ذلك العصر.
وهذا منه تعصُّبٌ باردٌ، إذ لا وجه للنَّظر بعد ثبوت صحبته عند البخاريِّ ومحمد بن سعدٍ (4) وغيرهما ممَّن ذكر الصَّحابة؛ وأمَّا حمله فحمل من لا يفهم، لأنَّ الإنكار كان للدُّعاء في ذلك الوقت، لا لنفس الدُّعاء.
ز: روى هذا الحديث أيضًا: ابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (6) .
__________
(1) "المسند": (3/472) .
(2) "سنن النسائي": (2/204 - رقم: 1080) .
(3) "التاريخ الكبير": (4/352 - رقم: 3113) .
(4) "الطبقات الكبرى": (6/5، 37) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/393 - رقم: 1241) .
(6) "الجامع": (1/428 - رقم: 402) .(2/429)
وقد وثَّق أبا مالك: الإمام أحمد بن حنبل (1) ويحيى بن معين (2) وأحمد ابن عبد الله العجليُّ (3) ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه (4) .
وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ (5) . وقال العقيليُّ: لا يتابع على حديثه عن أبيه في القنوت (6) . وذكره أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (7) .
وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج الأشبيليُّ النَّباتيُّ (8) : يقال: أمسك يحيى القطَّان عن الرِّواية عنه (9) .
وقد روى مسلم في "صحيحه" حديثين من رواية يزيد بن هارون عن أبي مالك عن أبيه سوى هذا (10) .
وقال البيهقيُّ: طارق بن أشيم الأشجعيُّ لم يحفظه عن من صلَّى خلفه، فرآه محدثاً، وقد حفظه غيره، فالحكم له دونه (11) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/87 - رقم: 378) من رواية الأثرم.
(2) " من كلام ابن معين في الرجال " برواية ابن طهمان: (ص: 87 - رقم: 276) .
(3) "الثقات": (ترتيبه - 1/391 - رقم: 565) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/87 - رقم: 378) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (10/270 - رقم: 2211) .
(6) "الضعفاء الكبير": (2/119 - رقم: 597) .
(7) "الثقات": (4/294) .
(8) هو صاحب كتاب " الحافل " الذي ذيَّل به على كتاب "الكامل" لابن عدي، وكانت وفاته سنة (637) .
انظر: " سير أعلام النبلاء ": (23/58 - رقم: 40) و" تذكرة الحفاظ ": (4/ 1425 - رقم: 1138) .
(9) " ميزان الاعتدال " للذهبي: (2/122 - رقم: 3116) .
وانظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/119 - رقم: 597) .
(10) انظر: "تحفة الأشراف": (4/205 - 206 - رقمي: 4977 - 4978) .
(11) "سنن البيهقي": (2/213) .(2/430)
كذا قال.
وقال غيره: ليس في هذا الحديث دليلٌ على أنَّهم ما قنتوا قطُّ، بل [] (1) اتَّفق أن طارقًا صلَّى خلف كلٍّ منهم، وأخير بما رأى، ومن المعلوم أنَّهم كانوا يقنتون في النَّوازل، وهذا الحديث يدلُّ على أنَّهم ما كانوا يحافظون على قنوتٍ راتبٍ O.
1080- الحديث الثَّاني (2) : قال الخطيب في كتاب "القنوت" له: أخبرني عُبيد الله بن أبي الفتح ثنا المعافى بن زكريا (3) ثنا محمد بن مرزوق ثنا محمد ابن عبد الله الأنصاريُّ ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقنت إلا إذا دعا لقومٍ أو دعا على قومٍ (4) .
ز: هذا إسنادٌ صحيحٌ، والحديث نصٌّ في أنَّ القنوت مختصٌّ بالنَّازلة.
1081- وروى أبو حاتم بن حِبَّان من حديث إبراهيم بن سعد عن الزُّهريِّ عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحدٍ أو يدعو على أحدٍ (5) .
__________
(1) أقحمت في الأصل: (إن) ، والتصويب من (ب) ، وهذ الكلام للذهبي في "تنقيحه"، وفيه كالذي بـ (ب) .
(2) وقع في النسخة (ب) بدل (الحديث الثاني) : (مسألة) وكذا في الأحاديث التالية إلى الحديث التاسع، ويبدو والله أعلم أن أعداد الأحاديث كانت مكتوبة في الأصل الذي اعتمده الناسخ بالحمرة كعناوين المسائل، ويبدو أيضًا أنها تأثرت بمرور الزمن فلم تصبح واضحة، فظن الناسخ أن أعداد الأحاديث عناوين لمسائل! وهذا مما يؤكد أنه لم يكن من أهل العلم.
(3) في هامش الأصل: (حـ: سقط رجل، فيحتمل أن يكون ابن جرير) ا. هـ وهذا يحتاج إلى مزيد تحرير، والمعافى بن زكريا لم يسمع من ابن جرير، والله أعلم.
(4) وهو عند ابن خزيمة في "صحيحه": (1/314 - رقم: 620) من طريق ابن مرزوق.
وانظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر: (2/208 - رقم: 1565) .
(5) لم نقف عليه في "الإحسان" لابن بلبان، ولا ذكره الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة": =(2/431)
رواته ثقات O.
1082- الحديث الثَّالث: قال الخطيب: وأخبرني الحسين بن أبي الحسن ثنا عمر بن أحمد الواعظ ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا الحسن بن عليٍّ ابن عفَّان ثنا عبد الحميد الحمَّانيُّ عن سفيان عن عاصم عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقنت إلا شهرًا واحدًا حتى مات.
فإن قالوا: عبد الحميد قد ضعَّفه أحمد (1) .
قلنا: قد وثَّقه يحيى بن معين (2) .
ز: عبد الحميد بن عبد الرَّحمن أبو يحيى الحمَّانيُّ: روى له البخاريُّ في "صحيحه" (3) .
وابن سعيد هو: ابن عقدة الحافظ، وهو صاحب مناكير O.
1083- الحديث الرَّابع: قال أبو بكر أحمد بن عليٍّ: وأنا أحمد بن أبي
__________
= (14/728 - رقم: 18597) .
وهو عند ابن خزيمة في "صحيحه": (2/153 - رقم: 1097) ولكنه قدم المتن على الإسناد.
(تنبيه) قال السيوطي في " تدريب الراوي ": (1/557 - النوع: 26) : (فائدة: قال شيخ الإسلام - أي: ابن حجر -: تقديم الحديث على السند يقع لابن خزيمة إذا كان في السند من فيه مقال فيبتدىء به، ثم بعد الفراغ يذكر السند.
قال: وقد صرح ابن خزيمة بأن من رواه على غير ذلك الوجه لا يكون في حل منه، فحينئذ ينبغي أن يمنع هذا ولو جوزنا الرواية بالمعنى) ا. هـ
وانظر: "فتح الباري" لابن حجر: (8/559 - كتاب التفسير - الباب رقم: 41) .
(1) "المعرفة" للفسوي: (3/82) ؛ "الكامل" لابن عدي: (5/321 - رقم: 1470) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (3/270، 516 - رقمي: 1273، 2522) ، وبرواية الدارمي: (ص: 186 - رقم: 674) .
(3) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/909 - رقم: 977) .(2/432)
جعفر أنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب ثنا إسحاق بن بيان أنا أبو همَّام ثنا عمر بن عبد الواحد عن ابن ثوبان عن الحسن بن الحرِّ عن إبراهيم عن الأسود عن عمر ابن الخطَّاب أنَّه لم يكن يقنت إلا أن يستنصر، قال: ولا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر.
فإن قالوا: ابن ثوبان ضعيفٌ.
قلنا: قد قال يحيى: ليس به بأس (1) .
ز: ابن ثوبان هو: عبد الرَّحمن بن ثابت بن ثوبان، قال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير (2) . ووثَّقه أبو حاتم (3) وغيره، وقال أبو زرعة: لا بأس به (4) .
وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (5) O.
1084- الحديث الخامس: قال أحمد بن عليِّ بن ثابت: وأنا الحسين ابن عمر بن برهان ثنا إسماعيل بن محمد الصَّفَّار أنا عبد الرَّحمن بن مرزوق ثنا شبابة ثنا قيس بن الرَّبيع عن عاصم بن سليمان قال: قلنا لأنس: إنَّ قومًا يزعمون أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يزل يقنت بالفجر. فقال: كذبوا، إنَّما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا واحدًا، يدعو على حيٍّ من أحياء المشركين.
فإن قالوا: انفرد به قيس بن الرَّبيع، وقد ضعَّفه يحيى (6) .
قلنا: قد كان شعبة يثني عليه (7) .
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (4/463 - رقم: 5307) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/219 - رقم: 1031) من رواية الأثرم.
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/219 - رقم: 1031) .
(4) المرجع السابق.
(5) "الكامل" لابن عدي: (4/281 - رقم: 1109) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/98 - رقم: 553) من رواية ابن أبي خيثمة.
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/98 - رقم: 553) .(2/433)
1085- الحديث السَّادس: قال الإمام أحمد: ثنا يحيى عن هشام ثنا قتادة عن أنس قال: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا بعد الرُّكوع، يدعو على حيٍّ من أحياء العرب، ثُمَّ تركه (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
1086- الحديث السَّابع: قال الحافظ أبو بكر الخطيب: ثنا الحسن بن الحسن بن المنذر ثنا عثمان بن أحمد ثنا إبراهيم بن الهيثم ثنا أبو غسَّان ثنا شريك عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه لم يكن يقنت في شيءٍ من الصَّلوات إلا الوتر، وكان إذا حارب قنت في الصَّلوات كلِّها، يدعو على المشركين.
وفي لفظٍ يرويه أبو حمزة أيضًا عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: ما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الغداة إلا ثلاثن ليلة، كان يدعو على فخذٍ من بني سليم، ثُمَّ تركه بعد.
أبو حمزة: اسمه ميمون، قال أحمد بن حنبل: هو متروك الحديث (3) .
وقال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه، ليس بشيءٍ (4) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (5) .
1087- الحديث الثَّامن: قال أبو بكر بن ثابت: وثنا عليُّ بن أبي
__________
(1) "المسند": (3/115) .
(2) "صحيح البخاري": (5/390) ؛ (فتح - 7/385 - رقم: 4089) .
"صحيح مسلم": (2/137) ؛ (فؤاد - 1/469 - رقم: 677) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/488 - رقم: 3214) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/236 - رقم: 1061) من رواية ابن أبي خيثمة.
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 222 - رقم: 581) .(2/434)
عليٍّ المعدِّل أنا أبو زرعة أحمد بن الحسين الرَّازيُّ ثنا عبد الرَّحمن بن محمد الحنظليُّ ثنا أبي ثنا هشام بن عبيد الله ثنا ابن جابر عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة والأسود قالا: قال عبد الله: ما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ من الصَّلوات إلا في الوتر، وأنَّه كان إذا حارب يقنت في الصَّلاة كلِّها يدعو على المشركين، وما قنت أبو بكر ولا عمر ولا عثمان حتى ماتوا، ولا قنت عليٌّ حتى حارب أهلَ الشَّام.
ابن جابر: اسمه محمد، وقد ضعَّفه يحيى (1) والنَّسائيُّ (2) ، وقال أحمد بن حنبل: لا يحدِّث عنه إلا من هو شرٌّ منه (3) . وقال الفلاَّس: متروك الحديث (4) .
1088- الحديث التَّاسع: قال الخطيب: وأنا محمد بن عبد الملك ثنا عليُّ بن عمر ثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول قال: حدَّثني أبي ثنا محمد بن يعلى السُّلميُّ عن عنبسة بن عبد الرَّحمن عن ابن نافع عن أبيه عن أمِّ سلمة قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القنوت في الفجر.
محمد بن يعلى: ليس بشيءٍ، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو متروكٌ (5) .
وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به فيما خالف الثِّقات (6) .
وقد روى هذا الحديث هيَّاج بن بسطام عن عنبسة عن ابن نافع عن أبيه عن صفيَّة بنت أبي عبيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/219 - رقم: 1215) من رواية الدوري، ولم نر التصريح بالتضعيف في النسخة المطبوعة من "التاريخ".
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 207 - رقم: 533) ، وفيه: (اليماني) وصوابه: (اليمامي) .
(3) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (3/46 - رقم: 2910) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (6/148 - رقم: 1646) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/131 - رقم: 587) وفيه: (متروك الحديث) .
(6) "المجروحون": (2/267 - 268) .(2/435)
قال أحمد: هيَّاج متروك الحديث (1) . وقال يحيى: ليس بشيءٍ (2) .
وقال ابن حِبَّان: يروي المعضلات عن الثِّقات (3) .
وقال يحيى: وعنبسة ليس بشيءٍ (4) . وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (5) .
وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان يضع الحديث (6) . وقال ابن حِبَّان: هو صاحب أشياء موضوعة، لا يحلُّ الاحتجاج به (7) .
وأمَّا ابن نافع: فاسمه عبد الله، قال يحيى: ليس بشيءٍ (8) . وقال عليٌّ: يروي أحاديث منكرة (9) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (10) .
ونافع لم يصحّ له سماع من أمِّ سلمة (11) .
وصفيَّة بنت أبي عبيد لم تدرك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والاعتماد على الأحاديث الأُول، دون هذه المتأخرة، وإنَّما ذكرناها بعللها لئلا يظنَّ ظانٌّ أنَّا تركنا ما يحتجُّ به.
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (3/178 - رقم: 3617) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (3/278 - رقم: 1329) .
(3) "المجروحون": (3/96) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/414 - رقم: 5040) ، ورواية ابن الجنيد: (ص: 387 - رقم: 471) وفيها: (ضعيف الحديث، ليس بشيء) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 169 - رقم: 428) وفيه: (متروك الحديث) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/403 - رقم: 2247) .
(7) "المجروحون": (2/178) .
(8) "المجروحون" لابن حبان: (2/20) من رواية ابن أبي خيثمة.
(9) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/311 - رقم: 895) من رواية إسماعيل القاضي.
(10) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 145 - رقم: 344) .
(11) في هامش الأصل: (حـ: روى عبد الله عن نافع قال: سألت أم سلمة) ا. هـ(2/436)
ز: روى حديث أمِّ سلمة: ابن ماجه عن حاتم بن بكر (1) الضَّبِّيِّ عن محمد بن يعلى زُنْبُور (2) O.
وفد احتجَّ الخصم بأحاديث، وأحاديثهم تنقسم أربعة أقسام:
أحدها: ما هو مطلق، وأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت؛ وهذا لا تنازع فيه، لأَنَّه قد ثبت أنَّه قنت.
والثَّاني: مقيَّدٌ بأنَّه قنت في صلاة الصُّبح، وهذا لا نزاع فيه، لأنَّه قد فعل ذلك شهرًا.
والثَّالث: لفظ محتمل (كان يقنت في الصُّبح) فنحمله على ما فعله شهر [اً] (3) بأدلتنا، ومنه:
1089- ما رواه التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مُرَّة عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقنت في صلاة الصُّبح والمغرب (4) .
ز: رواه الإمام أحمد (5) ومسلم (6) وأبو داود (7) والنَّسائيُّ (8) ، وقال التِّرمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ.
__________
(1) في مطبوعة "سنن ابن ماجه": (نصر) خطأ.
(2) "سنن ابن ماجه": (1/393 - 394 - رقم: 1242) .
(3) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(4) "الجامع": (1/427 - رقم: 401) .
(5) "المسند": (4/280، 285) .
(6) "صحيح مسلم": (2/137) ؛ (فؤاد - 1/470 - رقم: 678) .
(7) "سنن أبي داود": (2/263 - رقم: 1436) .
(8) "سنن النسائي": (2/202 - رقم: 1076) .(2/437)
ولم يذكر بعض الرُّواة (المغرب) ، وقال الإمام أحمد بن حنبل: ليس يروى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث (1) O.
1090- أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال: أنبأنا أبو محمد الجوهريُّ أنا عليُّ بن محمد بن لؤلؤ أنا أحمد بن الوليد بن إبراهيم الأزديُّ ثنا عبد الله بن عبد المؤمن ثنا عمر بن حبيب عن هشام عن الحسن عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقنت بعد الرُّكوع في صلاة الصُّبح في الرَّكعة الأخيرة.
ز: هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فإنَّ عمر بن حبيب هو: العدويُّ القاضي، وقد كذَّبه يحيى بن معين في رواية (2) ، وضعَّفه في أخرى (3) ، وقال البخاريُّ: يتكلَّمون فيه (4) . وقال النَّسائيّ: ضعيفٌ (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: هو حسن الحديث، يكتب حديثه مع ضعفه (6) . وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به (7) .
وعبد الله بن عبد المؤمن الواسطيُّ: محلُّه الصِّدق، وقد روى عنه ابن ماجه، وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (8) .
وأحمد بن الوليد: ذكره الخطيب في "تاريخه" وقال: كان صدوقًا (9) O.
__________
(1) "المسند": (4/280) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/105 - رقم: 553) من رواية ابن أبي حاتم قال: قرئ على العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين.
(3) "التاريخ" برواية الأصم عن الدوري: (4/134 - رقم: 3558) ، وكذا في " تاريخ بغداد " للخطيب: (11/199 - رقم: 5903) من رواية الحسن بن أحمد قال: قرئ على العباس بن محمد ... إلخ.
(4) "التاريخ الكبير": (6/148 - رقم: 1987) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 182 - رقم: 471) .
(6) "الكامل": (5/39 - رقم: 1208) .
(7) "المجروحون": (2/89) .
(8) "الثقات": (8/366) .
(9) "تاريخ بغداد": (5/189 - 190 - رقم: 2645) .(2/438)
واللفظ الرَّابع صريحٌ فيه (1) حجَّتهم:
1091- قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق أنا أبو جعفر الرَّازيُّ عن الرَّبيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: مازال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت في الفجر حتى فارق الدُّنيا (2) .
1092- وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: أنا عبد الله بن يحيى السُّكَّريُّ أنا جعفر بن محمد بن أحمد الواسطيُّ ثنا موسى بن إسحاق ثنا يحيى بن بشر ثنا جعفر الأحمر عن عيسى بن ماهان عن الرَّبيع بن أنس قال: كنت عند أنس بن مالك، فجاء رجلٌ فقال: ما تقول في القنوت؟ فبدره رجلٌ فقال: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين يومًا. فقال أنس: ليس كما تقول، قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبضه الله عزَّ وجلَّ.
1093- قال الخطيب: وأنا البرقانيُّ أنا إبراهيم بن محمد المزكيُّ أنا أحمد ابن محمد الأزهر ثنا أبو حمة محمد بن يوسف ثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان عن أبي جعفر الرَّازيِّ عن الرَّبيع بن أنس عن أنس قال: مازال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت حتى فارق الدُّنيا.
1094- قال الخطيب: وأنا أبو القاسم الأزهريُّ أنا القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد بن عتبة (3) أنا أبو بكر بن زياد النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن يوسف السُّلميُّ ثنا عبيد الله بن موسى ثنا أبو جعفر الرَّازيُّ عن الرَّبيع بن أنس عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت شهرًا، يدعو عليهم، ثُمَّ تركه، وأمَّا في الصُّبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدُّنيا.
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق".
(2) "المسند": (3/162) .
(3) في (ب) و"التحقيق": (عقبة) .(2/439)
1095- قال الخطيب: وأنا إبراهيم بن عمر البرمكيُّ أنا أبو الفتح محمد بن الحسين الحافظ (1) أنا إبراهيم بن عبد العزيز ثنا أحمد بن حمدون ثنا ابن عمَّار (2) ثنا عمر بن أيُّوب عن قيس بن الرَّبيع عن أبي حصين قال: قلت لأنس ابن مالك: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك القنوت؟ قال: والله ما زال يقنت حتى لحق بالله.
1096- قال الخطيب: وأنا ابن الفضل أنا أحمد بن عثمان الآدميُّ ثنا [الحسن] (3) بن الفضل الزَّعفرانيُّ ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث بن سعيد عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال: قيل لأنس بن مالك: إنَّما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا. قال: مازال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات.
1097- قال الخطيب: وأنا محمد بن أحمد بن رزق (4) أنا أحمد بن كامل القاضي ثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غالب ثنا دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت في صلاة الصُّبح حتى مات.
1098- قال الخطيب: وأنا البرقانيُّ أنا أبو بكر الإسماعيليُّ ثنا موسى ابن عيسى بن محمد بن حكيم ثنا صهيب بن محمد بن عبَّاد ثنا حسين بن حكيم
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: ينظر في إبراهيم ومحمد) ا. هـ ولسنا بمتحققين من موضع هذا الهامش.
(2) في هامش الأصل: (حـ: هو محمد بن عبد الله بن عمَّار الموصلي الحافظ، شيخ النسائي) ا. هـ
(3) في الأصل و (ب) : (الحسين) ، والتصويب من "التحقيق".
وفي هامش الأصل: (حـ: هو البوصرائي، تكلم فيه [] ) ا. هـ
والكلمة الأخيرة لم نتمكن من قراءتها، وانظر: "تاريخ بغداد": (7/401 - رقم: 3943) .
(4) في "التحقيق": (أبزى) .(2/440)
البصريُّ ثنا السَّريُّ بن عبد الرَّحمن عن أيُّوب عن الحسن ومحمد عن أنس قال: ما زال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت حتى مات.
والجواب:
أنَّ جميع هذه الأحاديث الصَّريحة ضعاف:
أمَّا الأربعة الأوائل: فراويها أبو جعفر الرَّازيُّ، واسمه عيسى بن ماهان، قال عليُّ بن المدينيِّ: كان يخلِّط (1) . وقال يحيى: كان يخطئ (2) .
وقال أحمد بن حنبل: ليس بقويٍّ في الحديث (3) . وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرًا (4) . وقال ابن حِبَّان: كان يتفرَّد بالمناكير عن المشاهير (5) .
وأمَّا حديث أبي حصين: فيرويه قيس بن الرَّبيع، قال يحيى: ليس بشيءٍ (6) . وقال أحمد: كان كثير الخطأ في الحديث، وروى أحاديث منكرة (7) .
ثُمَّ إنَّ الرَّاوي عنه عمر بن أيُّوب، قال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (8) .
وأمَّا حديث عمرو بن عبيد: فقال أيُّوب السَّختيانيُّ (9) ويونس (1) :
__________
(1) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/146 - رقم: 5843) من رواية ابنه عبد الله.
وانظر ما تقدم: (1/175 - تعليق رقم: 2) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/146 - 147 - رقم: 5843) من رواية ابن أبي مريم.
(3) "العلل" برواية عبد الله: (3/133 - رقم: 4578) .
(4) " سؤالات البرذعي لأبي زرعة ": (2/443) وفيه: (شيخ يهم كثيرًا) .
(5) "المجروحون": (2/120) .
(6) "الكامل" لابن عدي: (6/39 - رقم: 1586) من رواية أبي يعلى.
(7) الجملة الأولى: في "الكامل" لابن عدي: (6/39 - رقم: 1586) من رواية أبي طالب، والجملة الثانية: في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/97 - 98 - رقم: 553) من رواية حرب الكرماني.
(8) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(9) انظر: " مقدمة صحيح مسلم ": (1/18) ؛ (فؤاد - 1/23) .
(10) " مقدمة صحيح مسلم ": (1/17) ؛ (فؤاد - 1/22) . ويونس هو: ابن عبيد.(2/441)
كان عمرو يكذب في الحديث. وقال ابن المدينيِّ: ليس بشيءٍ (1) . وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (2) .
وأمَّا حديث دينار: فإيراد الخطيب له محتجًا به، مع السكوت عن القدح فيه وقاحةٌ عند علماء النَّقل، وعصبيَّةٌ باردةٌ، وقلَّة دينٍ، لأنَّه يعلم أنَّه باطل، قال أبو حاتم بن حِبَّان: دينار يروي عن أنس أشياء موضوعة، لا يحلُّ ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه (3) .
فواعجباً للخطيب! أما سمع في الحديث الصَّحيح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حدَّث عنِّي حديثًا يرى أنَّه كذبٌ، فهو أحد الكاذبين "، وهل مثله إلا كمثل من أنفق بهرجًا ودلَّسه، فإن أكثر النَّاس لا يعرفون الكذب من الصَّحيح، وإذا أورد الحديث محدثٌ حافظٌ، وقع في النُّفوس أنَّه ما احتجَّ به إلا وهو صحيحٌ، ولكنَّ عصبيَّته معروفةٌ، ومن نظر من علماء النَّقل في: كتابه الذي صنَّفه في القنوت، وكتابه الذي صنَّفه في الجهر، ومسألة الغيم، واحتجاجه بالأحاديث التي يعلم وهاءها = عَلِم فرط عصبيَّته.
1099- وقد روى في كتاب "القنوت" من حديث حمَّاد بن زيد عن العوَّام - رجلٌ من بني مازن - أنَّ أبا بكر وعمر قنتا.
أترى هذا يثبت برجلٍ مجهولٍ (4) ؟!
__________
(1) انظر: "تاريخ بغداد": (12/184 - رقم: 6652) من رواية ابنه عبد الله.
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 174 - رقم: 445) وفيه: (متروك الحديث) .
(3) "المجروحون": (1/295) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: العوام بن حمزة المازني ليس بمجهول، لكن تكلم فيه أحمد ويحيى ابن معين، وروى عنه القطان، وقال: ما أقربه من مسعود بن علي. ومسعود بن علي لم يكن به بأسٌ) ا. هـ(2/442)
وروى من طريق جابر الجُعفيِّ عن عمر وعليٍّ، وجابرٌ كذَّاب.
وروى عن عليٍّ من طريق فطر، وهو ضعيفٌ (1) .
وعن ابن عباس من طريق عمر بن حبيب، وقال يحيى: كان عمر يكذب (2) .
ومن طريق خلاس بن عمرو، وكان لا يعبأون بحديثه (3) (*) ، والبهارج لا تخفى على النُّقاد (4) .
وأما حديث السَّريِّ (5) : ففيه مجاهيل.
ثُمَّ جميع هذه الأحاديث محمولةٌ على أَنَّه لم يترك الدُّعاء عند النَّوازل، والكلام في غير النَّوازل.
ز: أجود هذه الأحاديث حديث أبي جعفر الرَّازيِّ، وله طرقٌ عدَّةٌ في كتاب "القنوت" للحافظ أبي موسى المدينيِّ.
1100- قال المحَامليُّ: ثنا أحمد بن منصور وأحمد بن عيسى قالا: ثنا أبو نُعيم ثنا أبو جعفر الرَّازيُّ عن الرَّبيع بن أنس قال: كنت جالسًا عند أنس، فقيل له: إنَّما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا. فقال: ما زال يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدُّنيا.
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: فطر بن خليفة روى له البخاري مقرونًا بغيره، وهو صدوق، وفيه تشيع يسير) ا. هـ
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/105 - رقم: 553) .
وانظر ما تقدم قريبًا (ص: 438) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: خلاس بن عمرو الهجري روى له الجماعة - البخاري مقرونًا بغيره -، ووثقه أحمد وابن معين وأبو داود، وتكلم فيه أبو حاتم وغيره) ا. هـ
(4) انظر مناقشة العلامة الحافظ عبد الرحمن المعلمي لابن الجوزي في كتابه " التنكيل ": (1/149 - 154) .
(5) في "التحقيق": (السدي) خطأ.
______
(*) قال معد الكتاب للشاملة: بحثت لتصحيح العبارة لكن لم أجد في كتب الرجال والتراجم إلا: كان مغيرة لا يعبأ بحديث خلاس بن عمرو(2/443)
1101- وقال الحافظ أبو موسى: أنا الحدَّاد أنا أبو نعيم ثنا فاروق ثنا أبو مسلم ثنا أبو عمر الضَّرير ثنا النُّعمان بن عبد السَّلام عن أبي جعفر الرَّازيِّ عن الرَّبيع عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت حتى مات.
1102- وقال ابن المقرئ: ثنا أبو يعلى ثنا زهير ثنا وكيع ثنا أبو جعفر الرَّازيُّ عن الرَّبيع عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت في الفجر (1) .
قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ سنده، وثقةٌ رواته، ذاكرت به بعض الحفَّاظ فقال: غير الرَّبيع بن أنس. فما زلت أتأمَّل التَّواريخ وأقاويل الأئمة في الجرح والتعديل فلم أجد أحدًا طعن فيه (2) .
__________
(1) لم نقف عليه في الرواية المطبوعة من "مسند أبي يعلى" وهي رواية ابن حمدان، وقد عزاه إلى أبي يعلى الحافظ الضياء في "المختارة": (7/129 - رقم: 2127) .
(2) كلام الحاكم نقله عنه البيهقي في "سننه": (2/201) و" خلافياته ": (مختصرة - 2/ 138 - المسألة: 86) ، إلى قوله: (وثقة رواته) . وأما قوله: (ذاكرت به بعض الحفاظ ... إلخ) فليست من كلام ابن عبد الهادي جزمًا، لأن الحافظ الذهبي نقل هذه العبارة في "تنقيحه": (3/221 - رقم: 795) أيضًا.
فيحتمل أن تكون تتمة لكلام الحاكم ولكن لم يذكرها البيهقي، ويحتمل أنها من كلام أبي موسى المديني، والذي نرجح أن أغلب ما يأتي مستفاد من كتابه "القنوت" الذي أشار إليه المنقح في صدر الكلام، والله أعلم.
ونقل هذا الكلام عن الحاكم ابن الملقن في "البدر المنير": (مخطوط - باب صفة الصلاة - الحديث 58) وقال بعد نقله الجملة الأولى عن البيهقي: (زاد غيره عن الحاكم أنه قال: ذاكرت به بعض الحفاظ.... إلخ) .
وقد عزى ابن الملقن الحديث إلى الحاكم في كتابه " الأربعين " كما في " خلاصة البدر المنير ": (1/127 - رقم: 417) ووهَّم النووي في عزوه إياه لـ "المستدرك".
وأما الحافظ ابن حجر فقال في "التلخيص": (1/262) : (وعزاه النووي إلى "المستدرك" للحاكم، وليس هو فيه، وإنما أورده وصححه في جزء له مفرد في القنوت) ا. هـ
وهذا الجزء قد ذكره أيضًا الحافظ ابن كثير في " إرشاد الفقيه ": (1/139) فقال - بعد أن عزى الحديث والتصحيح لـ "المستدرك" -: (وصنف الحاكم أبو عبد الله مصنفًا في ذلك وفيه غرائب، فمنها: ... ) ونقل عنه بعض النقول، وهذا يشعر بأن الحافظ ابن كثير قد اطلع على هذا المصنف، والله تعالى أعلم.(2/444)
وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: الرَّبيع بن أنس صدوق، وهو أحبُّ أليَّ في أبي العالية من أبي خلدة (1) . وقال العجليُّ: بصريٌّ صدوقٌ (2) . وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ (3) .
وقال الإمام أحمد بن حنبل في أبي جعفر الرَّازيِّ: صالح الحديث. رواه حنبل عنه (4) . وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس بالقويِّ في الحديث (5) .
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: كان ثقةً خراسانيًّا، انتقل إلى الرَّيِّ، ومات بها (6) . وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين: يكتب حديثه ولكنَّه يخطئ (7) . وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: صالحٌ (8) . وقال عباس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين: ثقةٌ، وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة (9) . وقال عبد الله بن عليِّ بن المدينيِّ عن أبيه: هو نحو موسى بن عبيدة، وهو يخلِّط فيما روى عن مغيرة ونحوه (1) . وقال محمد بن
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/454 - رقم: 2054) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (9/61 - رقم: 1853) ، وهو في "الثقات": (ترتيبه - 1/ 350 - رقم: 448) ولكن فيه: (بصري ثقة) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (9/61 - رقم: 1853) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/146 - رقم: 5843) .
(5) "العلل": (3/133 - رقم: 4578) .
(6) التوثيق في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/281 - رقم: 1556) ، وتمته في "الكامل" لابن عدي: (5/255 - رقم: 1400) ، وانظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (33/194 - رقم: 7284) .
(7) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/146 - 147 - رقم: 5843) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/281 - رقم: 1556) .
(9) "التاريخ": (4/358 - رقم: 4772) .
(10) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/146 - رقم: 5843) .
وانظر: ما تقدم (1/157) .(2/445)
عثمان بن أبي شيبة عن عليِّ بن المدينيِّ: كان عندنا ثقةٌ (1) . وقال محمد بن عبد الله بن عمَّار الموصليُّ: ثقةٌ (2) . وقال عمرو بن عليٍّ: فيه ضعفٌ، وهو من أهل الصِّدق، سيء الحفظ (3) . وقال أبو زرعة: شيخٌ يهم كثيرًا (4) . وقال أبو حاتم: ثقةٌ، صدوقٌ، صالحُ الحديث (5) . وقال زكريا بن يحيى السَّاجيُّ: صدوقٌ، ليس بمتقن (6) . وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (7) . وقال ابن خراش: سيء الحفظ، صدوقٌ (8) . وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه النَّاس، وأحاديثه عامتها مستقيمة، وأرجو أَنَّه لا بأس به (9) .
وقال محمد بن سعد: كان أصله من مرو، ومن قريةٍ يقال لها: (بُرَز) ، وهي التي نزلها الرَّبيع بن أنس، ثُمَّ تحوَّل أبو جعفر بعد ذلك إلى الرَّيِّ فمات بها، فقيل له: الرَّازيُّ، وكان ثقةً، وكان يقدم بغداد فيسمعون منه (10)
وإن صحَّ الحديث فهو محمولٌ على أَنَّه ما زال يطوِّل في صلاة الفجر، فإنَّ القنوت لفظٌ مشتركٌ بين الطَّاعة والقيام والسُّكوت والخشوع وغير ذلك، قال الله تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120] ، وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9] ، وقال تعالى: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} الاَية [الأحزاب: 31] ، وقال: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي
__________
(1) "سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة": (ص: 122 - رقم: 148) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/147 - رقم: 5843) .
(3) المرجع السابق.
(4) " سؤالات البرذعي لأبي زرعة ": (2/443) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/281 - رقم: 1556) .
(6) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/147 - رقم: 5843) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (5/254 - رقم: 1400) .
(8) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/147 - رقم: 5843) .
(9) "الكامل": (5/255 - رقم: 1400) .
(10) "الطبقات الكبرى": (7/380) .(2/446)
وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] ، وقال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، وقال {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116] ، وقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضل الصَّلاة طول القنوت ".
1103- وقال الحسن بن سفيان في "مسنده": ثنا جعفر بن مهران السَّبَّاك ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا عوف عن الحسن عن أنس قال: صلَّيت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل يقنت في صلاة الغداة حتى فارقته، وخلف عمر فلم يزل يقنت في صلاة (1) حتى فارقت.
رواه أبو سعيد النَّقَّاش عن بشر بن أحمد ومنصور بن العباس ومحمد بن أحمد العُمريُّ ومحمد بن أحمد بن القاسم الدِّهِسْتانيُّ قالوا: ثنا الحسن بهذا.
قال الحافظ أبو موسى: وجعفر بن مهران من جملة الثِّقات، فلم يبق في هذا الإسناد إشكالٌ يطعن به عليه.
1104- وقال أبو خليفة: ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث عن عمرو عن الحسن عن أنس قال: صلَّيت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يزل يقنت بعد الرُّكوع حتى فارقته، وصلَّيت مع أبي بكر وعمر فلم يزالا يقنتان بعد الرُّكوع في صلاة الغداة حتى فارقتهما.
وكذا رواه أبو عمر الحوضيُّ عن عبد الوارث فقال: عن عمرو، وهو ابن عبيد رأس الاعتزال.
وهذا هو المحفوظ عن عبد الوارث، وهو علَّةٌ لحديث السَّبَّاك، ولعلَّه عند عبد الوارث عن هذا وعن هذا لكنَّه بعيدٌ، ولو كان عند أبي معمر عن عبد الوارث عن عوف ما تأخَّر البخاريُّ عن إخراجه، والسَّبَّاك ثقةٌ، لكنَّ الثِّقة يغلط.
__________
(1) كذا با لأصل و (ب) ، وفي "التنقيح" للذهبي: (3/223 - رقم: 795) : (صلاة الغداة) .(2/447)
1105- وقال سفيان: عن منصور عن إبراهيم عن أبي الشَّعثاء - وهو من أئمة التَّابعين - قال: سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر، فقال: ما شعرت أنَّ أحدًا يفعله.
1106- وقال مالك عن نافع: كان ابن عمر لا يقنت في الفجر.
1107- وقال عبد الله بن أبي نجيح: سألت سالم بن عبد الله: هل كان عمر يقنت في الصُّبح؟ قال: لا، إنَّما هو شيءٌ أحدثه النَّاس.
1108- وقال معمر: كان الزُّهريُّ يقول: من أين أخذ النَّاس القنوت - وتعجَّب -؟! إنَّما قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيَّامًا ثُمَّ ترك ذلك.
قال أبو محمد بن حزم: صحَّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن أصحابه، أنَّهم قنتوا وتركوا، وكلٌّ مباح؛ فأمَّا قول مالك (1) الأشجعيِّ (إنَّه بدعة) فمراده الرَّاتب، وأخبر بما رأى من التَّرك: وجهل الفعل في وقتٍ.
قال: والعجب من المالكيَّة يحتجُّون بابن عمر قولاً وفعلاً ثُمَّ سهل عليهم مخالفته ومخالفة أبيه وابنه!
قال: والقنوت يمكن أن يخفى، لأنَّه سكوتٌ متصلٌ بقيامٍ (2) .
وقد قنت نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّات في أوقاتٍ مختلفةٍ، قنت للقرَّاء، وقنت يدعو بالنَّجاة للمستضعفين بمكَّة، وقنت يوم أحدٍ.
واعلم أنَّ قول المؤلِّف في حديث قيس بن الرَّبيع: (ثُمَّ إنَّ الرَّاوي عنه عمر بن أيُّوب، قال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به) وهمٌ، فإن ابن حِبَّان
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "المحلى": (والد أبي مالك) .
(2) "المحلى": (3/57 - 58 - المسألة: 459) باختصار واختلاف يسير.(2/448)
إنَّما ضعَّف عمر بن أيُّوب المزنيَّ (1) ، وأمَّا الرَّاوي عن قيس فهو الموصليُّ أبو حفص العبديُّ، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (2) ، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل، وأثنى عليه (3) ، وقال يحيى بن معين: ثقةٌ مأمون (4) . وقال أبو داود: ثقةٌ (5) .
قد ترك المؤلِّف الكلام على غير واحدٍ من الضُّعفاء والمجاهيل، وتكلَّم في من هو أحسن حالاً منهم، فممَّن لم ينبِّه عليه من الضُّعفاء: أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن غالب، الرَّاوي عن دينار، ويعرف بـ " غلام خليل "، وكان كذَّابًا، وقال أبو داود: أخشى أن يكون دجَّال بغداد (6) . ولمَّا مات لم يصلِّ عليه أبو داود، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (7) . وقال ابن عَدِيٍّ: هو بيِّن الأمر في الضُّعفاء (8) O.
* * * * *
مسألة (208) : الأفضل في القنوت بعد الرُّكوع.
وقال مالك وأبو حنيفة: قبله.
__________
(1) "المجروحون": (2/92 - 93) وفيه: (المدني) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/33 - رقم: 1078) .
(3) "سؤالات الآجري لأبي داود": (2/275 - رقم: 1834) ، وانظر: " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (6/98 - 99 - رقم: 513) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/465 - رقم: 5319) .
(5) " سؤالات الآجري لأبي داود ": (2/274 - رقم: 1826) .
(6) "تاريخ بغداد" للخطيب: (5/79 - رقم: 2465) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 122 - رقم: 58) .
(8) "الكامل": (1/196 - رقم: 38) .(2/449)
لنا حديثان:
أحدهما: حديث أنس: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الرُّكوع شهرًا. وقد تقدَّم بإسناده (1) ، وهو في "الصَّحيحين".
1109- وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى أنا التَّيميُّ عن أبي مجْلَز عن أنس قال: قنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهرًا بعد الرُّكوع، يدعو على رِعْل وذَكْوان (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
1110- الحديث الثَّاني: قال الخطيب: أنا محمد بن أحمد الدَّقَّاق أنا محمد بن عبد الله الشَّافعيُّ ثنا أبو الوليد محمد بن أحمد الأنطاكيُّ ثنا محمد بن كثير (4) عن الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت في صلاة العشاء الآخرة، في الرَّكعة الأخيرة بعد الرُّكوع.
احتجُّوا بحديثين:
1111- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا عاصم الأحول عن أنس، قال: سألته عن القنوت: أقبل الرُّكوع أو بعد الرُّكوع؟
[فقال: قبل الركوع.] (5) فقلت: إنََّّهم يزعمون أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت بعد الرُّكوع؟ فقال: كذبوا (6) .
__________
(1) رقم: (1085) .
(2) "المسند": (3/116) .
(3) "صحيح مسلم": (2/136) ؛ (فؤاد - 1/468 - رقم: 677) .
وهو عند البخاري أيضًا: (2/252؛ 5/392) ؛ (فتح - 2/490 - رقم: 1003؛ 7/389 - رقم: 4094) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: المصيصي) .
(5) زيادة من "التحقيق" و"المسند".
(6) "المسند": (3/167) .(2/450)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
1112- الحديث الثَّاني: قال الخطيب: ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد الأهوازيُّ أنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا أحمد بن الحسين بن عبد الملك ثنا منصور ابن أبي نويرة عن شريك عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقنت في الوتر قبل الرُّكوع.
والجواب:
أنَّ حفَّاظ الحديث قدَّموا أحاديثنا، فقال أبو بكر الخطيب: الأحاديث التي جاء فيها قبل الرُّكوع كلُّها معلولةٌ.
ز: خبر عاصم في "الصَّحيحين"، وقد نقل أنَّه محمول على طول القيام، وتطويل الصُّبح.
1113- وروى عبد العزيز بن صهيب عن أنس أنَّه سئل عن القنوت: بعد الرُّكوع أو عند فراغٍ من القراءة؟ قال: لا، بل عند فراغٍ من القراءة.
رواه البخاريُّ (2) .
وقال الأثرم: قلت لأحمد: يقول أحدٌ في حديث أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت قبل الرُّكوع غير عاصم الأحول؟ فقال: ما علمت أحدًا يقوله غيره، خالفهم كلَّهم: هشام عن قتادة، والتَّيميُّ عن أبي مجلز، وأيُّوب عن ابن سيرين، وغير واحدٍ عن حنظلة السَّدوسيُّ، كلَّهم عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت بعد الرُّكوع.
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/252) ؛ (فتح - 2/489 - 490 - رقم: 1002) .
"صحيح مسلم": (2/136) ؛ (فؤاد - 1/469 - رقم: 677) .
(2) "صحيح البخاري": (5/390) ؛ (فتح - 7/385 - رقم: 4088) .(2/451)
قيل لأحمد بن حنبل: سائر الأحاديث أليس إنَّما هي بعد الرُّكوع؟
قال: بلى، خُفاف بن إيماء وأبو هريرة. قلت لأبي عبد الله: فلم ترخِّص إذًا في القنوت قبل الركوع، وإنما صحَّ بعده؟! فقال: القنوت في الفجر بعد الرُّكوع، وفي الوتر يختار بعد الرُّكوع، ومن قنت قبل الرُّكوع فلا بأس، لفعل الصَّحابة واختلافهم، فأمَّا في الفجر فبعد الرُّكوع (1) .
1114- وقال أبو همَّام السَّكونيُّ: ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس، وسئل عن القنوت في صلاة الصُّبح: قبل الرُّكوع أم بعد؟ فقال: كلاً قد كنا نفعل، قبل وبعد.
رواه ابن ماجه عن نصر بن عليٍّ عن سهل بن يوسف عن حميد (2) .
وقال أبو موسى المدينيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، لا مطعن على أحدٍ من رواته بوجهٍ O.
* * * * *
__________
(1) " زاد المعاد " لابن القيم: (1/281 - 282) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/374 - رقم: 1183) .(2/452)
مسائل الجماعة والإمامة
مسألة (209) : الجماعة واجبةٌ على الأعيان.
وزاد داود فجعلها شرطًا.
وقال أكثرهم: لا تجب.
لنا ثلاثة أحاديث:
1115- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد هممت أن آمر المؤذِّن فيؤذِّن، ثُمَّ آمر رجلاً فيصلِّي بالنَّاس، ثُمَّ انطلق معي برجالٍ معهم حزم الحطب إلى قومٍ يتخلَّفون عن الصَّلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنَّار " (1) .
أخرجه البخاري ومسلم في "الصَّحيحين" (2) .
1116- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد هممت أن آمر رجلاً فيصلِّي بالنَّاس، ثُمَّ آمر بأُناسٍ لا يصلُّون معنا، فنحرِّق عليهم بيوتهم " (3) .
__________
(1) "المسند": (2/424) .
(2) "صحيح البخاري": (1/167) ؛ (فتح - 2/141 - رقم: 657) .
"صحيح مسلم": (2/123) ؛ (فؤاد - 1/451 - 452 - رقم: 651) .
(3) "المسند": (1/394) .(2/453)
ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ بغير هذا اللفظ، فقال:
1117- ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا زهير ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص سمعه منه عن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لقومٍ يتخلَّفون عن الجمعة: " لقد هممت أن آمر رجلاً يصلِّي بالنَّاس، ثُمَّ أحرِّق على رجالٍ يتخلَّفون عن الجمعة بيوتهم " (1) .
1118- قال مسلمٌ: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر العبديُّ ثنا زكريا بن أبي زائدة ثنا عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: لقد رأيتنا وما تخلَّف عن الصَّلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريضٌ، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصَّلاة. وقال: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمنا سنن الهدى، وإنَّ من سنن الهدى الصَّلاة في المسجد الذي يؤذَّن فيه (2) .
1119- قال مسلم: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الفضل بن دكين عن أبي العميس عن عليِّ بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصَّلوات حيث ينادى بهنَّ، فإنَّ الله شرع لنبيِّكم سنن الهدى، وإنَّهنَّ من سنن الهدى، ولو أنَّكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنَّة نبيِّكم، ولو تركتم سنَّة نبيِّكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهَّر فيحسن الطُّهور، ثُمَّ يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكلِّ خطوةٍ يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجة، ويحطُّ عنه بها سيِّئةً، ولقد رأيتنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النِّفاق، ولقد كان الرَّجل يؤتى به يهادى بين الرَّجلين حتى يقام في الصَّف (3) O.
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/124) ؛ (فؤاد - 1/452 - رقم: 652) .
(2) "صحيح مسلم": (2/124) ؛ (فؤاد - 1/453 - رقم: 654) .
(3) "صحيح مسلم": (2/124) ؛ (فؤاد - 1/453 - رقم: 654) .(2/454)
1120- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا أبو النَّضر ثنا شيبان عن عاصم عن أبي رزين عن عمرو بن أمِّ مكتوم قال: جئت رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أنا ضريرٌ، شاسع الدَّار، ولي قائدٌ لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلِّي في بيتي؟ قال: " أتسمع النِّداء؟ " قلت: نعم. قال: " ما أجد لك رخصةً " (1) .
ز: رواه أبو داود من حديث حمَّاد بن زيد عن عاصم بن بهدلة (2) ، وابن ماجه من رواية زائدة عن عاصم (3) ، والحاكم في "المستدرك" من طريق حمَّاد بن سلمة عن عاصم (4) .
1121- وروى سفيان الثَّوريُّ عن عبد الرَّحمن بن عابس عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن ابن أمِّ مكتوم أَنَّه قال: يا رسول الله، إنَّ المدينة كثيرة الهوام والسِّباع. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تسمع (حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح) ؟ " قال: نعم. قال: " فحيَّ هلاً ".
رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) والحاكم أبو عبد الله وصحَّحه (7) .
قال النَّسائيُّ: وقد اختلف على ابن أبي ليلى في هذا الحديث، فرواه بعضهم عنه مرسلاً (8) O.
__________
(1) "المسند": (3/423) .
(2) "سنن أبي داود": (1/413 - 414 - رقم: 553) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/260 - رقم: 792) .
(4) "المستدرك": (1/247) .
(5) "سنن أبي داود": (1/414 - رقم: 554) .
(6) "سنن النسائي": (2/109 - 110 - رقم: 851) .
(7) "المستدرك": (1/246 - 247) .
(8) لم نره في مطبوعتي " السنن الصغرى " و"السنن الكبرى" للنسائي، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (8/171 - رقم: 10787) .(2/455)
1122- طريق آخر: قال أحمد: وثنا عبد الصَّمد (1) ثنا عبد العزيز ابن مسلم ثنا الحصين عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد عن ابن أمِّ مكتوم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى المسجد فرأى في القوم رقةً، فقال: " أنِّي لأهمُّ أن أجعل للنَّاس إمامًا، ثُمَّ أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلَّف عن الصَّلاة في بيته إلا أحرقته عليه ".
فقال ابن أمِّ مكتوم: يا رسول الله، إنَّ بيني وبين المسجد نخلاً وشجرًا، ولا أقدر على قائدٍ كلَّ ساعةٍ، أيسعني أن أصلِّي في بيتي؟ فقال: " أتسمع الإقامة؟ " قال: نعم. قال: " فأتها " (2) .
ز: رواه الحاكم في " مستدركه " بمعناه، من رواية أبي جعفر الرَّازيِّ عن حصين بن عبد الرَّحمن، وصحَّحه (3) O.
احتجَّ داود:
1123- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن يحيى [بن] (4) مرداس ثنا أبو داود ثنا قتيبة ثنا جرير عن أبي جناب عن مغراء العبديِّ عن عَدِيٍّ بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سمع المنادي فلم يمنعه من اتِّباعه عذرٌ - قالوا: وما العذر؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ - لم تقبل منه الصَّلاة التي صلَّى " (5) .
أبو جناب: اسمه يحيى بن أبي حيَّة، كان يحيى القطَّان يقول: لا
__________
(1) قوله: (ثنا عبد الصمد) سقط من "التحقيق".
(2) "المسند": (3/423) .
(3) "المستدرك": (1/247) .
(4) في الأصل و (ب) : (ثنا) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(5) "سنن الدارقطني": (1/420) .(2/456)
أستحل أن أروي عنه (1) . وقال الفلاَّس: متروك الحديث (2) . وقال يحيى ابن معين: هو صدوقٌ، لكنَّه يدلِّس (3) .
ز: روى هذا الحديث أبو داود في "سننه" بهذا الإسناد (4) وأبو حاتم البستيُّ (5) والحاكم (6) بنحوه.
وأبو جناب: ضعَّفه عثمان بن سعيد الدَّارميُّ (7) ومحمد بن سعد كاتب الواقديِّ (8) وأحمد بن عبد الله العجليُّ (9) ويعقوب بن سفيان الفارسيُّ (10) والنَّسائيُّ (11) والدَّارَقُطْنِيُّ (12) وغيرهم، وقال أبو زرعة الرَّازيُّ (13) وابن خراش (14) : كان صدوقًا، وكان يدلِّس. وقال ابن عَدِيٍّ: هو من جملة الشِّيعة (15) .
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": لابن الجوزي: (3/193 - رقم: 3701) ، وانظر: "الكامل" لابن عدي: (7/213 - رقم: 2112) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (7/213 - رقم: 2112) .
(3) انظر: "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 238 - رقم: 928) ، و"الكامل" لابن عدي: (7/213 - رقم: 2112)
(4) "سنن أبي داود": (1/413 - رقم: 552) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (5/415 - رقم: 2064) .
(6) "المستدرك": (1/245 - 246) .
(7) "التاريخ": (ص: 238 - رقم: 928) .
(8) "الطبقات الكبرى": (6/360) .
(9) "الثقات": (ترتيبه - 2/393 - رقم: 2110) .
(10) "المعرفة": (3/108) .
(11) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 244 - رقم: 640) .
(12) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 392 - رقم: 576) .
(13) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/139 - رقم: 587) .
(14) "تهذيب الكمال" للمزي: (31/288 - رقم: 6817) .
(15) "الكامل": (7/214 - رقم: 2112) وفيه: (هو من جملة المتشيعين بالكوفة) .(2/457)
1124- وقال ابن ماجه في "سننه": ثنا عبد الحميد بن بيان الواسطيُّ أنا هُشيم عن شعبة عن عَدِيٍّ بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سمع النِّداء فلم يأته، فلا صلاة له، إلا من عذر " (1) .
ورواه بقي بن مخلد عن عبد الحميد، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ عن عليِّ بن عبد الله بن مبشّر عن عبد الحميد (2) ، وهو ثقةٌ من شيوخ مسلم (3) .
1125- وقال قاسم بن أصبغ: ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا حفص بن عمر وسليمان بن حرب وعمرو بن مرزوق قالوا: ثنا شعبة عن عَدِيِّ بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من سمع النِّداء فلم يجب، فلا صلاة له، إلا من عذر.
قال إسماعيل: فبهذا الإسناد رواه النَّاس عن شعبة.
1126- وحدَّثنا أيضًا سليمان عنه عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سمع النِّداء فلم يجب فلا صلاة له ". ثنا بهذا سليمان مرفوعًا، وبالأوَّل موقوفًا (4) .
1127- وروى الدَّارَقُطْنِيُّ (5) والحاكم (6) من رواية عبد الرَّحمن بن غزوان قراد عن شعبة عن عَدِيِّ بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنَّ
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/260 - رقم: 793) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/420) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/440 - رقم: 986) .
(4) انظر: "المحلى" لابن حزم: (3/105 - المسألة رقم: 485) ، و" الأحكام الوسطى " لعبد الحق: (1/274) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/420) .
(6) "المستدرك": (1/245) .(2/458)
النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سمع النِّداء فلم يجب، فلا صلاة له ".
ورواه الحاكم أيضًا من رواية عبد الحميد وغيره عن هُشيم ثنا شعبة ...
فذكره، وقال: على شرطهما، وقد وقفه غُنْدر وأكثر أصحاب شعبة، وهُشيم وقُراد ثقتان (1) .
1128- وروى الحاكم من رواية سوار بن سهل البصريِّ: ثنا سعيد ابن عامر عن شعبة عن عَدِيٍّ عن سعيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سمع النِّداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذرٍ " (2) .
تابعه داود عن الحكم عن شعبة.
وداود وسوار لا يعرفان. قاله شيخنا أبو الحجَّاج.
1129- وروى أيضًا من رواية أبي بكر بن عيَّاش عن أبي حَصِيْن عن أبي بُردة عن أبيه: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سمع النِّداء فارغًا صحيحًا فلم يجب، فلا صلاة له ".
وقال: صحيحٌ (3) .
كذا رواه مرفوعًا، والمعروف أَنَّه موقوفٌ على أبي موسى.
وقد رواه البيهقيُّ من رواية أبي بكر بن عيَّاش عن أبي حَصِيْن مرفوعًا، ومن رواية مِسْعَر وزائدة بن قدامة عن أبي حَصِيْن موقوفًا (4) ، والله أعلم O.
* * * * *
__________
(1) "المستدرك": (1/245) .
(2) "المستدرك": (1/245) .
(3) "المستدرك": (1/246) .
(4) "سنن البيهقي": (3/174) .(2/459)
مسألة (210) : يكبِّر المأموم بعد فراغ الإمام من التَّكبير.
وقال أبو حنيفة: إن شاء كبَّر معه، وإن شاء كبَّر بعده.
لنا أربعة أحاديث:
1130- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما جعل الإمام ليؤتَّم به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا " (1) .
1131- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى ثنا هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا " (2) .
1132- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا عبد الرَّحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن [يزيد] (3) ثنا البراء بن عازب قال: كنَّا إذا صلَّينا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرفع رأسه من الرُّكوع، لم يحن رجلٌ منَّا ظهره حتى يسجد رسول الله فنسجد (4) .
الأحاديث الثَّلاثة في "الصَّحيحين".
1133- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا يحيى بن سعيد ثنا هشام ثنا
__________
(1) "المسند": (3/162) باختصار، وانظر ما تقدم: (رقم: 909) .
(2) "المسند": (6/51) ؛ "صحيح البخاري": (7/154) ، (فتح - 10/120 - رقم: 5658) ؛ "صحيح مسلم": (2/19) ، (فؤاد - 1/309 - رقم: 412) .
(3) في الأصل و (ب) : (زيد) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(4) "المسند": (4/300) ؛ "صحيح البخاري": (1/177) ، (فتح - 2/181 - رقم: 690) ؛ "صحيح مسلم": (2/45 - 46) ، (فؤاد - 1/345 - رقم: 474) .(2/460)
قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " أقيموا صفوفكم، وليؤمَّكم أقرؤكم، فإذا كبَّر وركع، فكبِّروا واركعوا، فإنَّ الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم، وإذا كبَّر وسجد، فكبِّروا واسجدوا، فإنَّ الإمام يسجد قبلكم، ويرفع قبلكم ".
انفرد بإخراجه مسلم (2) .
* * * * *
مسألة (211) : لا يكره للعجوز حضور الجماعة.
وقال أبو حنيفة: يكره إلا الفجر والعشاء والعيد.
1134- قال الإمام أحمد: ثنا يحيى عن عُبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " (3) .
1135- قال أحمد: وثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا استأذنت أحدكم امرأته أن تأتي المسجد فلا يمنعها " (4) .
1136- قال أحمد: وثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن الأعمش ثنا مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائذنوا للنساء إلى
__________
(1) "المسند": (4/409) باختصار.
(2) "صحيح مسلم": (2/14 - 15) ؛ (فؤاد - 1/303 - 304 - رقم: 404) .
(3) "المسند": (2/16) ؛ "صحيح البخاري": (2/227) ، (فتح - 2/382 - رقم: 900) ؛ "صحيح مسلم": (2/32) ، (فؤاد - 1/327 - رقم: 442) .
(4) "المسند": (2/7) ؛ "صحيح البخاري": (1/220) ، (فتح - 2/351 - رقم: 873) ؛ "صحيح مسلم": (2/32) ، (فؤاد - 1/327 - رقم: 442) .(2/461)
المسجد بالليل " (1) .
الطرق الثَّلاثة في "الصَّحيحين".
* * * * *
مسألة (212) : يستحبُّ للنِّساء أن يصلِّين جماعةً.
وعنه: لا يستحبُّ، كقول أبي حنيفة ومالك.
لنا:
حديث أمِّ ورقة: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن لها أن تؤمَّ نساءها. وقد سبق في مسائل الأذان (2) .
وروي في حديث: وتصلِّي معهنَّ في الصَّفِّ.
* * * * *
مسألة (213) : إذا صلَّت امرأةٌ في صفِّ الرِّجال لم تبطل صلاتها، ولا صلاة من يليها.
وقال أبو حنيفة: تبطل صلاة من يلي جانبيها، ومن يحاذيها من ورائها.
__________
(1) "المسند": (2/127) ؛ "صحيح البخاري": (2/227) ، (فتح - 2/382 - رقم: 899) ؛ "صحيح مسلم": (2/33) ، (فؤاد - 1/327 - رقم: 442) .
(2) رقم: (575) .(2/462)
وقال داود: تبطل صلاتها دون الرِّجال.
لنا:
1137- ما روى الإمام أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي صلاته من الليل، وأنا معترضةٌ بينه وبين القبلة، كاعتراض الجنازة (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
احتجُّوا بحديثين:
الحديث الأوَّل: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقطع الصَّلاة: المرأة، والكلب، والحمار ".
وقد ذكرناه بإسناده فيما يقطع الصَّلاة (3) .
قلنا: إنَّما هذا إذا مرَّت بين يديّ المصلِّي، ولهذا في أوَّل حديث أبي ذرٍّ: " يقطع صلاة الرَّجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرَّحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود "، وقد ذكرناه أيضًا بإسناده (4) .
1138- الحديث الثَّاني: قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنَّ جدَّته مليكة دعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لطعامٍ صنعته، فأكل منه، ثُمَّ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قوموا فلأُصَلِّي لكم ". قال أنس: فقمت إلى حصيرٍ لنا قد اسودَّ من
__________
(1) "المسند": (6/37) .
(2) "صحيح البخاري": (1/107) ؛ (فتح - 1/492 - رقم: 383) .
"صحيح مسلم": (2/60) ؛ (2/366 - رقم: 512) .
(3) رقم (913) .
(4) رقم (912) .(2/463)
طول ما لُبس (1) ، فنضحته بماءٍ، فقام عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقمت أنا واليتيم وراءه، وقامت العجوز من ورائنا، فصلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين، ثُمَّ انصرف (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
قالوا: وهذا يدلُّ على أنَّه ليس لها في الصَّفِّ موقفٌ.
قلنا: لا ينكر أنَّ موقفها متأخِّرٌ، لكن ندبًا لا وجوبًا.
* * * * *
مسألة (214) : القارئ الخاتم إذا كان يعرف أحكام الصَّلاة، أولى من الفقيه الذي لا يحسن إلا الفاتحة، خلافًا لهم.
لنا أربعة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث أبي موسى: " وليؤمّكم أقرؤكم ".
وقد تقدَّم بإسناده (4) .
1139- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضَمْعَج (5) عن أبي مسعود الأنصاريِّ قال:
__________
(1) "التحقيق": (ما لبث) !
(2) "صحيح مسلم": (2/127) ؛ (فؤاد - 1/457 - رقم: 658) .
(3) "صحيح البخاري": (1/106 - 107) ؛ (فتح - 1/488 - رقم: 380) .
(4) رقم (1133) .
(5) في الهامش الأصل: (حـ: قال الأصمعي: يقال: ناقة ضمعج إذا كانت غليظة) ا. هـ
وانظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (3/390 - 391 - رقم: 579) .(2/464)
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسُّنَّة، فإن كانوا في السُّنَّة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأكبرهم سنًّا، ولا تؤمَّنَّ رجلاً في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته في بيته، حتى يأذن لك " (1) .
ز: إسماعيل بن رجاء الزُّبيديُّ الكوفيُّ: وثَّقه يحيى بن معين (2) وأبو حاتم (3) والنَّسائيُّ (4) ، وقال الأعمش: كان يجمع صبيان المكاتب ويحدِّثهم، لكي لا ينسى حديثه (5) .
وأوس بن ضَمْعَج الحضرميُّ ويقال: النخعيُّ الكوفيُّ، روى له الجماعة سوى البخاريُّ هذا الحديث الواحد (6) ، وقال ابن أبي حاتم: ثنا محمد بن سعيد المقرئ قال: قيل لعبد الرَّحمن - يعني: ابن الحكم بن بشير -: من أوس ابن ضَمْعَج؟ فقال: قال إسماعيل بن أبي خالد: كان من القرَّاء الأُول.
وذكر منه فضلاً (7) . وقال محمود بن غيلان: ثنا شبابة ثنا شعبة - وذكر عنده أوس بن ضَمْعَج - فقال: والله ما أراه إلا كان شيطانًا! يعني لجودة حديثه (8) .
وقال أبو معين الحُسين بن الحسن الرَّازيُّ: قيل ليحيى بن معين: أوس بن
__________
(1) "المسند": (4/121) ؛ "صحيح مسلم": (2/133 - 134) ، (فؤاد - 1/465 - رقم: 673) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/168 - رقم: 565) من رواية إسحاق بن منصور.
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/168 - رقم: 565) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (3/91 - رقم: 443) .
(5) "الطبقات الكبرى" لابن سعد: (6/318) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (3/391 - رقم: 579) .
(7) "الجرح والتعديل": (2/304 - رقم: 1130) .
(8) انظر: " تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (1/133) ، و"تهذيب الكمال" للمزي: (3/390 - رقم: 579) .(2/465)
ضَمْعَج الذي روى عن سلمان، وروى عنه أبو إسحاق الهمداني؟ قال: لا أعرفه (1) . قال شيخنا أبو الحجَّاج: كأنَّه أراد أنَّه غير الذي روى عنه إسماعيل بن رجاء، وأمَّا الذي روى عنه إسماعيل بن رجاء فإنَّه معروفٌ مشهورٌ، والله أعلم (2) O.
1140- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا يحيى ثنا هشام (3) وشعبة قالا: ثنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كانوا ثلاثة فليؤمُّهم أحدهم، وأحقُّهم بالإمامة أقرؤهم " (4) .
انفرد مسلمٌ بإخراج هذه الأحاديث الثَّلاثة.
1141- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا إسماعيل أنا أيُّوب عن عمرو ابن سَلِمة قال: كان الرُّكبان يمرُّون بنا راجعين من عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأدنو منهم، فأسمع، حتى حفظت قرآنًا، فانطلق أبي بإسلام قومه، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قدِّموا أكثركم قرآنًا ". فنظروا، فما وجدوا منهم أحدًا أكثر قرآنًا منِّي، فقدَّموني وأنا غلامٌ، فصلَّيت بهم (5) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (6) .
* * * * *
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/304 - رقم: 1130) .
(2) "تهذيب الكمال": (3/390 - رقم: 579) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق": (همام) ، وانظر: "أطراف المسند" لابن حجر: (6/366 - رقم: 8578) .
(4) "المسند": (3/24) ؛ "صحيح مسلم": (2/133) ، (فؤاد - 1/464 - رقم: 672) .
(5) "المسند": (5/30) .
(6) "صحيح البخاري": (5/447) ؛ (فتح - 8/22 - رقم: 4302) .(2/466)
مسألة (215) : لا تصحُّ إمامة الفاسق.
وعنه: تصحُّ، كقول أبي حنيفة والشَّافعيِّ.
لنا ثلاثة أحاديث:
1142- الحديث الأوَّل: قال أبو بكر أحمد بن عليٍّ الخطيب: أنبأ أبو الحسن عليُّ بن أحمد الرزَّاز أنا أبو الحسين محمد بن إسماعيل بن موسى الرَّازيُّ ثنا عمرو بن تميم الطَّبريُّ ثنا هوذة بن خليفة عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن سَرَّكم أن تزكُّوا صلاتكم، فقدِّموا خياركم ".
قال الخطيب: هذا حديثٌ منكرٌ بهذا الإسناد، ورجاله كلُّهم ثقات، والحمل فيه على الرَّازيِّ (1) .
ز: هذا الحديث ليس بصحيحٍ، ولو صحَّ لم يكن فيه دليلٌ على أنَّ إمامة الفاسق لا تصحُّ.
ومحمد بن إسماعيل بن موسى بن هارون أبو الحسين الرَّازيُّ المكتب: ذكره الخطيب في "التَّاريخ"، وروى له أحاديث باطلة غير هذا الحديث، وقال: كان غير ثقةٍ (2) . وقال حمزة السَّهميُّ: سمعت أبا محمد ابن غلام الزُّهريِّ يقول: محمد بن إسماعيل بن موسى الرَّازيُّ المكتب ضعيفٌ (3) .
وكذَّبَه هبة الله بن الحسن الطَّبريُّ اللالكائيُّ الحافظ (4) O.
1143- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن أحمد بن أسد
__________
(1) "تاريخ بغداد": (2/51 - رقم: 448) تحت ترجمة محمد بن إسماعيل الرازي.
(2) "تاريخ بغداد": (2/51 - رقم: 448) .
(3) " سؤالات حمزة السهمي ": (ص: 100 - رقم: 51) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (2/52 - 53 - رقم: 448) .(2/467)
الهرويُّ ثنا الحسين بن نصر المؤدِّب ثنا سلام بن سليمان ثنا عمر - قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو عندي عمر بن يزيد، قاضي المدائن - عن محمد بن واسع عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجعلوا أئمَّتكم خياركم، فإنَّهم وفدكم فيما بينكم وبين ربِّكم " (1) .
ز: هذا حديث منكرٌ، ولو صحَّ حُمل على الأولويَّة.
وسلام بن سليمان هو: أبو العباس المدائنيُّ الضَّرير، وقد تكلَّم فيه أبو حاتم (2) والعقيليُّ (3) وابن عَدِيٍّ (4) .
والحسين بن نصر هو: المؤدِّب، أبو عليٍّ الفارسيُّ، ويعرف بـ " الخُرْسيِّ "، ذكره الخطيب في "التَّاريخ"، ولم يتكلَّم فيه بجرحٍ ولا تعديل (5) .
وشيخ الدَّارَقُطْنِيُّ: وثَّقه الخطيب، ووصفه بالحفظ، ويعرف بـ " ابن البُسْتنبان " (6) .
وقد روى البيهقيُّ هذا الحديث في " السُّنن الكبير " عن أبي حازم الحافظ عن أبي أحمد الحافظ عن أبي بكر محمد بن أحمد بن أسد الهرويِّ عن حسين بن نصر عن سلام بن سليمان عن عمر بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن ابن واسع.
وقال: إسناد هذا الحديث ضعيفٌ (7) O.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/87 - 88) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/259 - رقم: 1120) .
(3) "الضعفاء الكبير": (2/161 - رقم: 668) .
(4) "الكامل": (3/309 - رقم: 772) .
(5) "تاريخ بغداد": (8/143 - رقم: 4239) .
(6) "تاريخ بغداد": (1/279 - رقم: 121) .
(7) "سنن البيهقي": (3/90) .(2/468)
1144- الحديث الثَّالث: رواه أصحابنا من حديث عليٍّ عليه السَّلام (1) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تقدِّموا صبيانكم ولا سفهاءكم في صلاتكم، فإنَّهم وفدكم إلى الله تعالى " (2) .
ز: هذا حديثٌ لا يصحُّ، ولا يعرف له إسنادٌ صحيحٌ، بل روي بعضه بإسنادٍ مظلمٍ:
1145- قال عبد الله بن زيدان البجليُّ الكوفيُّ: ثنا أبي ثنا موسى بن هشام البجليُّ عن يحيى بن يعلى ثنا عبد الله بن زيد عن حرملة بن عمر عن (3) عبد العزيز بن حكيم عن عليٍّ بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقدِّموا سفهاءكم في صلاتكم، ولا على جنائزكم، فإنَّهم وفدكم إلى ربِّكم ".
قال شيخنا أبو الحجَّاج: في إسناده غير واحدٍ من المجهولين.
1146- وقد روي عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تؤمَّنَّ امراةٌ رجلاً، ولا أعرابيٌّ مهاجرًا، ولا يؤمَّنَّ فاجرٌ مؤمنًا، إلا أن يقهره بسلطانٍ، يخاف سوطه وسيفه ".
رواه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن الوليد بن بكير عن عبد الله بن محمد عن عليِّ بن زيد بن جُدعان عن سعيد بن المسيّب عن جابر (4) .
ورواه موسى بن داود عن الوليد بن بكير فقال: عن محمد بن عبد الله (5) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد الصحابة بالتسليم لا يعرف عن السلف، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(2) في هامش الأصل: (حـ: رواه النجاد بإسناده) ا. هـ
(3) في (ب) : (بن) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/343 - رقم: 1081) .
(5) انظر: "تحفة الأشراف": (2/182 - رقم: 2258) .(2/469)
وابن جُدعان: تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة.
والحمل في هذا الحديث على: عبد الله بن محمد العدويِّ التَّميميِّ، ويكنى أبا الحباب، قال وكيع: يضع الحديث. رواه ابنه سفيان عنه (1) ، وقال البخاريُّ: منكر الحديث، لا يتابع في حديثه (2) . وقال أبو حاتم: منكر الحديث، شيخٌ مجهولٌ (3) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (4) . وقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج بخبره (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: له من الحديث شيءٌ يسيرٌ (6) O.
احتجُّوا بستَّة أحاديث:
1147- الحديث الأوَّل: قال عمر (7) بن شاهين: ثنا أحمد بن محمد ابن [أبي] (8) شيبة ثنا [محمد بن عمرو] (9) بن حنان (10) ثنا أبو إسحاق القِنَّسْرِينيُّ قال: حدَّثني فرات بن سلمان عن محمد بن علوان (11) عن الحارث
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: 41/180 - رقم: 998) .
(2) "التاريخ الكبير": (5/190 - رقم: 598) و"الضعفاء الصغير": (ص: 453 - رقم: 192) ، وليس فيهما: (لا يتابع في حديثه) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/156 - رقم: 715) .
(4) "سؤالات البرقاني": (ط. الهند - ص: 40 - رقم: 261) .
(5) "المجروحون": (2/9) .
(6) "الكامل": (4/182 - رقم: 998) .
(7) في "التحقيق": (عمرو) خطأ.
(8) زيادة من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(9) في الأصل و (ب) : (عمرو بن محمد) ، والتصويب من "سنن الدارقطني"، وقد يكون الحافظ ابن عبد الهادي قد وضع فوق الاسمين علامة التقديم والتأخير، ولكن لم ينتبه لها الناسخ، والله أعلم.
(10) في "التحقيق": (حبان) خطأ.
(11) في هامش الأصل: (حـ: أبو إسحاق ومحمد بن علوان مجهولان، وقال الأزدي: محمد بن علوان روى عن نافع، متروك الحديث) ا. هـ(2/470)
عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصل الدِّين الصَّلاة خلف كلِّ برٍّ وفاجرٍ، والصَّلاة على من مات من أهل القبلة " (1) .
1148- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن أحمد بن أسد الهرويُّ ثنا أبو الأخوص محمد بن نصر المخرميُّ (2) ثنا محمد بن أحمد الحرانيُّ ثنا مخلد بن يزيد عن عمر بن صبح عن منصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثٌ من السُّنَّة: الصَّفُّ خلف كلِّ إمامٍ، لك صلاتك وعليه إثمه؛ والجهاد مع كلِّ أميرٍ، لك جهادك وعليه شرُّه؛ والصَّلاة على كلِّ ميِّتٍ من أهل التَّوحيد، وإن كان قاتل نفسه " (3) .
1149- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرميُّ ثنا عليٌّ ثنا عليُّ بن مسلمٍ ثنا ابن أبي فديك ثنا عبد الله بن محمد ابن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن أبي صالح السَّمَّان عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سيليكم بعدي ولاةٌ، فيليكم البرُّ ببرِّه، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا فيما وافق الحقَّ، وصلَّوا وراءهم، فإن أحسنوا فلكم، وإن أساءوا فلكم وعليهم " (4) .
1150- طريقٌ ثانٍ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن سليمان النُّعمانيُّ ثنا محمد بن عمرو بن حَنان ثنا بقيَّة ثنا الأشعث (5) عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلاة واجبةٌ عليكم مع كلِّ مسلمٍ، برٍّ كان أو فاجرٍ، وإن هو عمل بالكبائر؛ والجهاد واجبٌ عليكم مع كلِّ
__________
(1) خرجه الدارقطني أيضًا: (2/57) أيضًا من طريق أحمد بن محمد بن أبي شيبة.
(2) في هامش الأصل و (ب) : (خ: المخزومي) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/57) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/55) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: ينظر في أشعث ابن من هو؟) .(2/471)
أمير، برٍّ كان أو فاجرٍ وإن هو عمل بالكبائر " (1) .
1151- طريقٌ ثالثٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو روق الهِزَّانيُّ ثنا بحر ابن نصر ثنا ابن وهبٍ قال: حدَّثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث (2) عن مكحول عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلُّوا خلف كلِّ برٍّ وفاجرٍ، وصلُّوا على كلِّ برٍّ وفاجرٍ، وجاهدوا مع كلِّ برٍّ وفاجرٍ " (3) .
1152- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن عبد الله الشَّافعيُّ ثنا محمد بن حمَّاد بن ماهان ثنا عيسى بن إبراهيم البركيُّ (4) ثنا الحارث ابن نبهان ثنا عتبة بن اليقظان عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تكفِّروا أهل مِلَّتكم (5) ، وإن عملوا بالكبائر، وصلُّوا مع كلِّ إمامٍ، وجاهدوا مع كلِّ أميرٍ، وصلُّوا على كلِّ ميِّتٍ ".
وفي رواية عتبة عن أبي سعيد الشَّاميِّ، وفيه: " صلُّوا على كلِّ ميِّتٍ من أهل القبلة " (6) .
1153- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا إسماعيل بن العباس الورَّاق ثنا عبَّاد بن الوليد ثنا الوليد بن الحجَّاج الخرسانيُّ (7) عن مكرم بن حكيم
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/56) .
(2) في هامش الأصل: (العلاء بن الحارث ثقة فقيه، روى له " م " وتكلم فيه " خ ") ا. هـ
ووضع فوقه رقم: (م، 4) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/57) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: عيسى بن إبراهيم صَدَّقه أبو حاتم) ا. هـ
(5) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (قبلتكم) .
(6) "سنن الدارقطني": (2/57) .
(7) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "سنن الدارقطني": (ثنا عباد بن الوليد ثنا الوليد ابن الفضل أخبرني عبد الجبار بن الحجاج بن ميمون الخراساني) ، وكذا نقله الذهبي في "الميزان": (4/343 - رقم: 9394) تحت ترجمة الوليد بن الفضل، ولم نقف عليه في موضعه من "إتحاف المهرة" لابن حجر، والله أعلم.(2/472)
الخثعميِّ عن سيف بن منير (1) عن أبي الدَّرداء قال: أربع خصال سمعتهن من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [سمعته] (2) يقول: " لا تكفِّروا أحدًا من أهل قبلتي بذنبٍ، وإن عملوا الكبائر، وصلُّوا خلف كلِّ إمام، وجاهدوا مع كلِّ أميرٍ، والرَّابعة: لا تقولوا في أبي بكر الصِّدِّيق ولا في عمر ولا في عثمان بن عفَّان ولا في عليٍّ إلا خيرًا، قولوا: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134] (3) .
1154- طريقٌ ثانٍ: قال العقيليُّ: ثنا إبراهيم بن عبد الوهَّاب الأَبْزَاريُّ ثنا إسحاق بن وهب العلاَّف (4) ثنا الوليد بن الفضل العنزيُّ (5) ثنا عبد الجبَّار بن الحجَّاج بن ميمون عن مكرم بن حكيم عن منير بن سيف عن أبي الدَّرداء قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " صلُّوا خلف كلِّ إمامٍ، وقاتلوا مع كلِّ أميرٍ " (6) .
1155- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا محمد بن عبد الله البصريُّ ثنا حجَّاج بن نصير ثنا عثمان بن عبد الرَّحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا على من
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: مكرم بن حكيم: قال الأزدي: ليس حديثه بشيء.
والوليد: لا يعرف.
وسيف بن منير: ضعفه الدارقطني، وقال الأزدي: لا يكتب حديثه) ا. هـ
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(3) "سنن الدارقطني": (2/55 - 56) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: إسحاق بن وهب: صدَّقه أبو حاتم الرازي.
عبد الجبار بن الحجاج بن ميمون الخراساني: قال الأزدي: متروك الحديث) ا. هـ
(5) في هامش الأصل: (حـ: الوليد: قال فيه أبو حاتم: مجهول. وقال ابن حبان: يروي المناكير التي لا يُشك أنها موضوع) ا. هـ
(6) "الضعفاء الكبير": (3/90 - رقم: 1061) تحت ترجمة عبد الجبار بن الحجاج بن ميمون، وقال: (ليس في هذا المتن إسناد يثبت) .(2/473)
قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا خلف من قال: لا إله إلا الله " (1) .
1156- طريقٌ ثانٍ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن عمرو [بن] (2) البختريُّ ثنا محمد بن عيسى بن حَيَّان ثنا محمد بن الفضل ثنا سالم الأفطس (3) عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا على من قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا وراء من قال: لا إله إلا الله " (4) .
1157- طريقٌ ثالثٌ: قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عليِّ بن ثابت الخطيب: ثنا محمد بن عليِّ بن يعقوب القاضي ثنا إسحاق بن إبراهيم بن أحمد الجرجانيُّ ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرَّازيُّ ثنا العباس بن حمزة ثنا عبد السَّلام بن مسلم الدِّمشقيُّ ثنا وهب بن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلُّوا خلف من قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا على من قال: لا إله إلا الله " (5) .
1158- طريقٌ رابعٌ: قال الخطيب: وأنا محمد بن عليٍّ بن مخلد ثنا أبو حفص عمر بن محمد النَّاقد ثنا عليُّ بن إسحاق بن زاطِيَا ثنا عثمان بن عبد الله العثمانيُّ ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلُّوا خلف من قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا على من مات من أهل لا إله إلا الله " (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/56) .
(2) زيادة من (ب) و"سنن الدارقطني": وفي "التحقيق": (عمرو بن البختري) سقط منه الاسم الأول.
(3) في "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (سالم بن الأفطس) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/56) .
(5) "تاريخ بغداد": (6/403 - رقم: 3461) تحت ترجمة إسحاق بن إبراهيم الجرجاني.
وفي هامش الأصل: (حـ: في هذا الإسناد من تجهل حاله قبل وهب) ا. هـ
(6) "تاريخ بغداد": (11/283 - رقم: 6053) تحت ترجمة عثمان بن عبد الله الأموي.(2/474)
1159- طريقٌ خامسٌ: قال الخطيب: وأنا أبو الحسين محمد بن عبد الرَّحمن بن عثمان (1) التَّميميُّ أنا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجيُّ ثنا عثمان بن نصر الطَّائيُّ ثنا العلاء بن سالم (2) الواسطيُّ ثنا أبو الوليد المخزوميُّ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا على من قال: لا إله إلا الله، وصلُّوا وراء من قال: لا إله إلا الله " (3) .
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه الحارث الأعور، قال الشَّعبيُّ (4) وابن المدينيِّ (5) : كان كذَّابًا.
وفيه فرات بن سلمان، قال ابن حِبَّان: منكر الحديث جدًّا، يأتي بما لا يشكُّ أَنَّه معمولٌ (6) .
وأمَّا حديث ابن مسعود: ففيه عمر بن صُبح، قال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث (7) .
وأمَّا حديث أبي هريرة: ففي طريقه الأوَّل: عبد الله بن محمد بن
__________
(1) في "التحقيق": (عمر) .
(2) في مطبوعة "تاريخ بغداد": (مسلم) .
(3) "تاريخ بغداد": (11/293 - رقم: 6070) تحت ترجمة عثان بن نصر الطائي.
(4) " مقدمة صحيح مسلم ": (1/14) ؛ (فؤاد - 1/19) .
(5) " الشجرة في أحوال الرجال " للجوزجاني: (ص: 42، رقم: 13) .
(6) ابن حبان قد ذكر فرات بن سلمان الرقي في "الثقات": (7/322) ، وهذه العبارة التي ذكرها ابن الجوزي إنما قالها ابن حبان في فرات بن سليم كما في "المجروحون": (2/207) ، والله أعلم.
(7) "المجروحون": (2/88) .(2/475)
يحيى، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو متروك الحديث (1) . وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ كتب حديثه (2) .
وفي طريقه الثَّاني: أشعث، وهو مجروحٌ (3) .
وبقيَّة مدلسٌ لا يعوَّل على روايته.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ومكحول لم يلق أبا هريرة (4) .
وقد روى محمد بن سعد أنَّ جماعةً من العلماء ضعَّفوا رواية مكحول (5) .
وأمَّا طريقه الثَّالث: ففيه معاوية بن صالح، قال الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (6) .
وأمَّا حديث واثلة: ففيه مكحول، وقد قلنا فيه، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأبو سعيد مجهولٌ (7) .
وفيه عتبة، قال عليُّ بن الحسين بن الجنيد: لا يساوي شيئًا (8) .
وفيه الحارث بن نبهان، قال يحيى: ليس بشيءٍ (9) . وقال النَّسائيُّ:
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/158 - رقم: 729) .
(2) "المجروحون": (2/10 - 11) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: أشعث المجروح الذي أشار إليه هو ابن سوار، وليس هو راوي هذا الحديث، وينظر في أشعث راوي هذا الحديث) ا. هـ
(4) "سنن الدارقطني": (2/57) وفيه: (لم يسمع) .
(5) انظر: "الطبقات الكبرى": (7/454) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/382 - 383 - رقم: 1750) ونصه: (صالح الحديث، حسن الحديث يكتب حديثه، ولا يحتج به) .
ومن قوله: (وأما طريق الثالث) إلى هنا ساقط من (ب) .
(7) "سنن الدارقطني": (2/57) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/374 - رقم: 2068) .
(9) "الكامل": (2/191 - رقم: 374) من رواية الدوري، وهو في مطبوعة "التاريخ": (4/225 - رقم: 4085) ولفظه: (ليس حديثه بشيء) .(2/476)
متروكٌ (1) . وقال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ به (2) .
وأمَّا حديث أبي الدَّرداء: فقال العقيليُّ في الطريق الثَّاني: إسناده مجهولٌ، غير محفوظٍ (3) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في الطََّريق الأوَّل: لا يثبت إسناده، ما (4) بين عبَّاد وأبي الدَّرداء ضعفاء (5) .
وأمَّا حديث ابن عمر: ففي طريقه الأوَّل: عثمان بن عبد الرَّحمن، قال يحيى: ليس بشيءٍ، كان يكذب (6) . وقال البخاريُّ (7) والنَّسائيُّ والرَّازيُّ (8) وأبو داود (9) : ليس بشيءٍ. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (10) .
وفي طريقه الثَّاني: محمد بن الفضل، قال أحمد: ليس حديثه بشيءٍ، حديثه حديث أهل الكذب (11) . وقال يحيى: كان كذَّابًا (12) . وقال
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 78 - رقم: 116) وفيه: (متروك الحديث) .
(2) "المجروحون": (1/222 - 223) ونصه: (كان من الصالحين الذين غلب عليهم الوهم حتى فحش خطؤه، وخرج عن حد الاحتجاج به) ا. هـ
(3) "الضعفاء الكبير": (3/90 - رقم: 1061) .
(4) في "سنن الدارقطني": (من) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/56) .
(6) الكلمة الأولى في "التاريخ" برواية الدوري: (3/286 - رقم: 1359) ، والثانية في رواية ابن الجنيد: (ص: 334 - رقم: 245) .
(7، 8) "الضعفاء" لابن الجوزي: (3/169 - رقم: 2271) .
(9) " سؤالات الآجري ": (2/305 - رقم: 1943) .
(10) "سنن الدارقطني": (2/150) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال النسائي في عثمان: متروك. وقال " خ " مرة: تركوه.
وقال الرازي: متروك الحديث، ذاهب الحديث، كذاب) ا. هـ
وسيتعقب المنقح ابن الجوزي في موضع آخر: (النكاح - ص: 210 - رقم: 2747) .
(11) "العلل" برواية عبد الله: (2/549 - رقم: 3601) .
(12) " من كلام ابن معين في الرجال " برواية ابن طهمان: (ص: 106 - رقم: 334) .(2/477)
النَّسائيُّ: متروك الحديث (1) .
وأمَّا الطَّريق الثَّالث: ففيه وهب بن وهب، وكان كذَّابًا يضع الحديث بإجماعهم.
وأمَّا الطَّريق الرَّابع: ففيه عثمان بن عبد الله، قال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث على الثِّقات، لا يحلُّ كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار (2) . وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث موضوعات (3) .
وفي طريقه الخامس: أبو الوليد المخزوميُّ، واسمه: خالد بن إسماعيل، قال ابن عَدِيٍّ: كان يضع الحديث على الثِّقات (4) .
وقال أبو جعفر العقيليُّ: وليس في هذا المتن إسنادٌ يثبت (5) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس فيها ما يثبت (6) .
وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: " صلُّوا خلف كلِّ برٍّ وفاجرٍ "، فقال: ما سمعنا بهذا.
ثُمَّ لو قدَّرنا الصِّحَّة - ولا وجه لها - حملناه على الأُمراء الَّذين يخاف منهم، فيصلِّي وراءهم ما لا يكون إلا بهم، كالجمعة والعيدين.
ز: هذه الأحاديث في بعض أسانيدها مجاهيل وضعفاء لم يتكلَّم عليهم
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 210 - رقم: 542) .
(2) "المجروحون": (2/102) .
(3) "الكامل": (5/178 - رقم: 1336) .
(4) "الكامل": (3/41 - رقم: 600) .
(5) "الضعفاء الكبير": (3/90 - رقم: 1061) .
(6) "سنن الدارقطني": (2/57) .(2/478)
المؤلِّف، وقد نُبِّه على بعضهم في الحواشي، وما نقله من الكلام في غير واحدٍ من الضُّعفاء يشتمل على عِدَّةٍ أوهام، وقد نُبِّه أيضًا على بعضها في الحواشي.
ثُمَّ إنَّه أخذ يتكلَّم في مكحول ومعاوية بن صالح وهما من رجال الصَّحيح!
وقد روى حديث مكحول عن أبي هريرة: أبو داود في "سننه" عن أحمد ابن صالح عن ابن وهب عن معاوية بن صالح (1) .
وقال التِّرمذيُّ وغيره: مكحول لم يسمع من أبي هريرة (2) .
وروى حديث مكحول عن واثلة بن الأسقع: ابن ماجه في "سننه" عن أحمد بن يوسف السُّلميِّ عن مسلم بن إبراهيم عن الحارث بن نبهان عن عتبة بن يقظان (3) .
وروى حديث عثمان بن عبد الله العثمانيِّ عن مالك عن نافع عن ابن عمر: تمَّام في "فوائده" عن أبي الحسن علي بن الحسين بن محمد بن هاشم الوَّراق البغداديِّ عن أبي العباس أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه عن عثمان (4) .
وروى حديث أبي الوليد المخزومي عن عبيد الله بن عُمر عن نافع عن ابن عمر: الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" من طريق الدَّارَقُطْنِيُّ ثنا يحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن مخلد قالا: ثنا العلاء بن سالم ثنا أبو الوليد المخزومي فذكره (5) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/228 - رقم: 2525) ، وانظر: (1/431) من "سنن أبي داود".
(2) "الجامع": (5/551 - رقم: 3601) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/488 - رقم: 1525) مختصرًا.
(4) "الروض الباسم" للفهيد: (1/317 - رقم: 294) .
(5) وهو في "سنن الدارقطني": (2/56) .(2/479)
وأبو الوليد المخزومي: اسمه خالد بن إسماعيل، وهو كذَّابٌ وضَّاعٌ، وكأنَّ الحافظ أبا عبد الله لم يعرف اسمه، وفي "المختارة" أحاديث كثيرة ضعيفة، وهذا الحديث منها O.
* * * * *
مسألة (216) : لا تصحُّ إمامة الصَّبيِّ في الفرض، وفي النَّفل روايتان.
وقال الشَّافعيُّ: تصحُّ في الموضعين.
وقد ذكرنا أنَّ أصحابنا قد رووا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا تقدِّموا صبيانكم ".
احتجَّ الخصم:
1160- بما روى البخاريُّ: ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد بن زيد عن أيُّوب عن أبي قِلابة عن عمرو بن سَلِمة قال: كنَّا بماء ممرِّ النَّاس، وكان يمرُّ بنا الرُّكبان، فنسألهم: ما للنَّاس؟ ما للنَّاس؟ ما هذا الرَّجل؟ فيقولون: يزعم أنَّ الله أرسله وأوصى إليه بكذا. وكنت أحفظ ذلك الكلام، وكانت العرب تلوَّم (1) بإسلامها الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنَّه إن ظهر عليهم فهو نبيٌّ صادقٌ. فلمَّا كانت وقعة الفتح بادر كلُّ قومٍ بإسلامهم، وبادر أبي قومي بإسلامهم، فلمَّا قدم قال: جئتكم من عند النَّبيِّ حقًّا، قال: " صلُّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصَّلاة فليؤذِّن أحدكم، وليؤمُّكم أكثركم قرآنًا " فنظروا، فلم يكن أحدٌ أكثر قرآنًا مني، لما
__________
(1) في " النهاية ": (4/278 - لوم) : (أي: تنتظر) ا. هـ(2/480)
كنت أتلقى من الرُّكبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابن ستِّ سنين، أو سبع سنين، وكانت عَلَيَّ بردةٌ، كنت إذا سجدتُ تقلَّصت عنِّي، فقالت امرأة من الحيِّ: ألا تغطُّوا عنَّا است قارئكم؟! فقطعوا لي قميصًا، فما فرحت بشيءٍ فرحي بذلك القميص.
انفرد بإخراجه البخاريُّ (1) .
والجواب:
أَنَّه لا حجَّة في هذا، لأَنَّه كان في أوَّل إسلام القوم، ولم يعلموا بجميع الواجبات، وليس فيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرَّ على ذلك.
ز: قال أبو داود: قيل لأحمد: حديث عمرو بن سَلِمة. قال: لا أدري أيُّ شيءٍ هذا؟! (2) .
وقال الخطَّابيُّ: كان أحمد يضعِّف أمر عمرو بن سلمة، وقال مرَّةً: دعه، ليس بشيءٍ (3) .
وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم في عمرو بن سلمة: وروى بعضهم أنَّ أباه ذهب به إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) .
وقال الحافظ عبد الغني المقدسيُّ: هو معدودٌ فيمن نزل البصرة، ولم يلق النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يثبت له سماعٌ منه، وقد وفد [أبوه] (5) سلمة على النَّبيِّ
__________
(1) "صحيح البخاري": (5/447 - 448) ؛ (فتح - 8/22 - رقم: 4302) .
(2) "مسائل أبي داود": (ص: 62 - رقم: 294) .
(3) "معالم السنن": (1/306 - رقم: 553) .
(4) "الجرح والتعديل": (6/235 - رقم: 1301) .
(5) في الأصل: (أبو) ، والمثبت من (ب) .(2/481)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد روي من وجهٍ غريبٍ أنَّ عَمْرواً أيضًا قدم على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
1161- وقد روى الأثرم في "سننه" عن ابن مسعودٍ أنَّه قال: لا يؤمُّ الغلام حتى تجب عليه الحدود.
1162- وعن ابن عباس قال: لا يؤمُّ الغلام حتى يحتلم (2) .
وذكر أبو الخطَّاب روايةً عن الإمام أحمد في صحة إمامة الصَّبيِّ في الفرض.
وقال ابن عقيل: يخرَّج في صحة إمامة ابن عشر سنين وجهٌ، بناءً على القول بوجوب الصَّلاة عليه O.
* * * * *
مسألة (217) : لا يصحُّ اقتداء المفترض بالمتنفِّل، ولا من يصلِّي الظُّهر بمن يصلِّي العصر.
وقال الشَّافعيُّ: يصحُّ، وعن أحمد نحوه.
لنا:
1163- ما روى الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما جعل الإمام ليؤتَّم به، فلا تختلفوا عليه " (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
__________
(1) انظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (22/51 - رقم: 4377) .
(2) ذكر الأثرين المجد في "المنتقى" وعزاهما إلى "السنن" للأثرم: (مع النيل 3/165) .
(3) "المسند": (3/162) باختصار.
(4) "صحيح البخاري": (1/203) ؛ (فتح - 2/173 - رقم: 689) .
"صحيح مسلم": (2/18) ؛ (فؤاد - 1/308 - رقم: 411) .(2/482)
ز: هذا الحديث لا دليل فيه على عدم جواز ائتمام المفترض بالمتنفِّل، بل المراد به عدم الاختلاف في الأفعال، لأنَّه إنَّما ذكر في الحديث الأفعال فقال: " فإذا سجد فاسجدوا "، ولهذا صحَّ ائتمام المتنفِّل بالمفترض O.
احتجُّوا بثلاثة أحاديث:
1164- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن عمرو سمعه من جابر قال: كان معاذ يصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يرجع فيؤمُّنا.
وقال مرَّةً: فيصلِّي بقومه (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
وجوابه:
أن يقال: هذه قضيَّة في عينٍ، فيحتمل أن يكون معاذ يصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نافلة (3) .
__________
(1) "المسند": (3/308) .
(2) "صحيح البخاري": (1/179) ؛ (فتح - 2/192 - رقم: 700) .
"صحيح مسلم": (2/41) ؛ (فؤاد - 1/339 - رقم: 465) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: عن معاذ بن رفاعة عن سليم - رجل من بني سلمة - أنه أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، إن معاذ بن جبل يأتينا بعد ما ننام، ونكون في أعمالنا بالنهار، فينادي بالصلاة، فنخرج إليه، فيطول علينا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معاذ، لا تكن فتانًا، إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف على قومك ".
رواه أحمد، قال صاحب "المنتقى": وقد احتج به بعض من منع اقتداء المفترض بالمتنفل، قال: لأنه يدل على أنه متى صلى معه امتنعت إمامته، وبالإجماع لا تمنع بصلاة النفل معه، فعلم أنه أراد بهذا القول صلاة الفرض وأن الذي كان يصلي معه كان ينويه نفلاً) ا. هـ
ولا ندري عن هذه الحاشية هل هي من الناسخ أم المنقح؟
(3) في هامش الأصل: (حـ: يبعد من معاذ أن يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نافلة ويصلي بقومه فريضة، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ".
وقد نص أحمد على صحة ائتمام المفترض بالمتنفل في رواية أبي داود وإسماعيل بن سعيد، قال =(2/483)
فإن قالوا: قد جاء في الحديث: (فتكون له تطوَّعًا) (1) .
قلنا: هذا ظنٌّ من الرَّاوي.
1165- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمد بن عمرو بن أبي مذعور ثنا عبد الوهَّاب الثقفيُّ ثنا عنبسة عن الحسن عن جابر أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان محاصِرًا بني محارب، طائفةٌ مقبلةٌ على العدو، وصلَّى بطائفة ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فانصرفوا، فكانوا مكان إخوانهم، وجاءت الطَّائفة الأخرى، فصلَّى بهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين، فكان للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع ركعات، ولكلِّ طائفةٍ ركعتين (2) .
فحجتَّهم أَنَّه كان بالرَّكعتين الأخريين متنفِّلاً.
وجواب هذا:
أَنَّه لا يصحُّ، قال يحيى بن معين: عنبسة ليس بشيءٍ (3) . وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (4) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان يضع الحديث (5) . وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (6) .
ز: عنبسة الذي ذكر المؤلِّف فيه الجرح: هو عنبسة بن عبد الرً حمن بن
__________
= صاحب "المغني": وهي أصح. وقيل: يصح أن يؤم المتنفل المفترض للحاجة، والله أعلم) ا. هـ
(1) في هامش الأصل: (حـ: هذه الزيادة رواها الشافعي والدارقطني) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (2/60) .
(3) "المجروحون": (2/179) من رواية أحمد بن زهير (ابن أبي خيثمة) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 169 - رقم: 428) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/403 - رقم: 2247) .
(6) "المجروحون": (2/178) .(2/484)
عنبسة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميَّة الأمويُّ، وقد تركوه.
قاله البخاريُّ (1) ، وروى له من أصحاب " السُّنن ": التِّرمذيُّ وابن ماجه (2) .
وأمَّا راوي هذا الحديث فهو عنبسة بن سعيد القطَّان الواسطيُّ، ويقال: البصريُّ، أخو أبي الرَّبيع السَّمَّان أشعث بن سعيد، وقد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة، قال عباس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين: ضعيفٌ (3) . وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يأتي بالطَّامات (4) . وقال الفلاَّس: كان مختلطًا، لا يروى عنه، قد سمعت منه، وجلست إليه، متروك الحديث، وكان صدوقًا لا يحفظ (5) . وقال أبو عبيد الآجريُّ عن أبي داود: ثقةٌ (6) . وقال ابن عَدِيٍّ: بعض أحاديثه مستقيمة، وبعضها لا يتابع عليه (7) . وقد روى له أبو داود حديثًا واحدًا، مقرونًا بحميد الطَّويل (8) .
1166- قال النَّسائيُّ في "سننه": أخبرني إبراهيم بن يعقوب ثنا عمرو بن عاصم ثنا حمَّاد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن جابر بن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بطائفةٍ من أصحابه ركعتين، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ صلَّى بآخرين أيضًا
__________
(1) "التاريخ الكبير": (7/39 - رقم: 169) ؛ "الضعفاء الصغير": (ص: 471 - رقم: 287) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (22/416 - رقم: 4536) .
(3) "التاريخ": (4/222 - رقم: 4067) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/399 - رقم: 2231) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (5/264 - رقم: 1410) .
(6) " سؤالات أبي عبيد الآجري ": (1/176 - رقم: 100) .
(7) "الكامل": (5/265 - رقم: 1410) .
(8) انظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (22/414 - رقم: 4534) .
(تنبيه) استظهر الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": (8/140 - 141 - رقم: 286) أن عنبسة الذي روى له أبو داود مقرونًا بحميد هو ابن أبي رائطة الغنوي، والله أعلم.(2/485)
ركعتين، ثُمَّ سلَّم (1) .
1167- وروى هشام الدَّستوائيُّ عن قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر قال: فصلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالَّذين يلونه ركعتين، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ تأخَّر الَّذين يلونه على أعقابهم، فوقفوا مقام أصحابه (2) ، وجاء الآخرون فصلَّى بهم ركعتين، والأخرى تحرس، ثُمَّ سلَّم.
تابعه أبو بشر عن سليمان.
وقد اعتمد على هذا الحديث أبو محمد بن حزم (3) .
وقال التِّرمذيُّ: سمعت محمَّدًا يقول: سليمان اليشكريُّ يقال: إنَّه مات في حياة جابر، ولم يسمع منه قتادة ولا أبو بشر. قال: ولا أعرف لأحدٍ منه سماعًا، إلا أن يكون عمرو بن دينار، فلعلَّه سمع منه في حياة جابر، وإنَّما يحدِّث قتادة عن صحيفة سليمان (4) .
وقال أبو زرعة (5) والنَّسائيُّ (6) : سليمان ثقة. وقال أبو حاتم: جالس جابرًا وسمع منه، وكتب عنه صحيفةً، وتوفي وبقيت الصَّحيفة عند امرأته،
__________
(1) "سنن النسائي": (1/178 - رقم: 1552) .
وفي هامش الأصل: (حـ: روى البخاري ومسلم حديث جابر، لكن ما فيه أنه عليه السلام سلم من الثنتين) ا. هـ
وفي هامش آخر: (حـ: في أطراف ابن عساكر وشيخنا: " ثم صلى بآخرين ركعة " وهو وهم) ا. هـ
(2) في (ب) : (أصحابهم) .
(3) "المحلى": (3/145 - المسألة: 494) .
(4) "الجامع": (2/581 - رقم: 1312) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/136 - رقم: 596) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/55 - رقم: 2556) .(2/486)
وروى أبو الزُّبير وأبو سفيان والشَّعبيُّ عن جابر، وهم قد سمعوا من جابر، وأكثره من الصَّحيفة، وكذلك قتادة (1) . وقال أبو داود: مات قبل جابر، في فتنة ابن الزُّبير (2) . وقال ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات": يقال: إنَّه مات في فتنة ابن الزُّبير، قبل جابر (3) O.
1168- الحديث الثَّالث: رووه عن أبي بكرة أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بقومٍ المغرب ثلاث ركعات، ثُمَّ جاء آخرون فصلَّى بهم ثلاث ركعات.
وهذا لا يعرف.
ز: 1169- قال أبو داود في "سننه": ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خوفٍ الظُّهر، فصفَّ بعضهم خلفه، وبعضهم بإزاء العدو، فصلَّى ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فانطلق الَّذين صلُّوا معه، فوقفوا موقف أصحابه (4) ، ثُمَّ جاء أولئك، فصلَّوا خلفه، فصلَّى بهم ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فكانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعاً، ولأصحابه ركعتين ركعتين. وبذلك كان يفتي الحسن.
قال أبو داود: وكذلك في المغرب، يكون للإمام ستُّ ركعاتٍ، وللقوم ثلاثٌ ثلاثٌ.
قال: وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك قال سليمان اليشكريُّ عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/136 - رقم: 596) .
وهذه فائدة نفيسة تساوي رحلة!
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/56 - رقم: 2556) .
(3) "الثقات": (4/309 - 310) .
(4) في (ب) : (أصحابهم) .
(5) "سنن أبي داود": (2/172 - رقم: 1242) .(2/487)
1170- وقال النَّسائيُّ: أنا محمد بن عبد الأعلى وإسماعيل بن مسعود - واللفظ له - قالا: ثنا خالد عن أشعث عن الحسن عن أبي بكرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بالقوم في الخوف ركعتين، ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ صلَّى بالقوم الآخرين ركعتين، ثُمَّ سلَّم، فصلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعًا (1) .
1171- قال: وأنا عمرو بن عليٍّ ثنا يحيى بن سعيد ثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الخوف، صلَّى بهم ركعتين، وبهؤلاء ركعتين، فكانت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعًا، ولهم ركعتان ركعتان (2) .
وقد روى ابن حزم حديث أبي بكرة من رواية القطَّان ومعاذ بن معاذ عن أشعث الحمراني، وساق أحاديث في هذا، ثُمَّ قال: وفي هذا دليلٌ على أنَّه صلَّى تطوَّعًا بقومٍ، وهذا قول جمهور الصَّحابة وطاوس وعطاء والشَّافعيِّ وأبي ثور وداود، لأنَّهم صحَّ عندهم جواز صلاة الإمام الفرض بجماعةٍ، ثُمَّ يصلِّي تلك الصَّلاة بطائفةٍ أخرى في حال الأمن، وبغير ضرورةً O.
* * * * *
مسألة (218) : لا يصحُّ أن يأتمَّ القادر على القيام بالعاجز، إلا إذا كان إمام الحيِّ مريضًا، وكان يرجى برؤه.
وقال أبو حنيفة: يجوز بكلِّ حالٍ.
__________
(1) "سنن النسائي": (3/178 - رقم: 1551) .
(2) "السنن الكبرى": (1/598 - رقم: 1943) ، وانظر: " الصغرى ": (3/179 - رقم: 1555) .(2/488)
وعن مالك: كمذهبهم، وعنه: المنع على الإطلاق.
1172- قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد خفَّةً، فخرج، فجلس إلى جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر يصلِّي قائمًا، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي قاعدًا (1) .
1173- قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: وجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خِفَّةً، فجاء وأبو بكر يصلِّي بالنَّاس، فجلس عن يسار أبي بكر، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي بالنَّاس قاعدًا، وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنَّاس يقتدون بصلاة أبي بكر (2) .
الحديثان في "الصَّحيحين".
* * * * *
مسألة (219) : فإن صلَّى بهم جالسًا من أوَّل الصَّلاة، فمذهب أحمد أنَّهم يصلُّون خلفه جلوسًا، خلافًا لأكثر الفقهاء.
__________
(1) "المسند": (6/251) مطولاً؛ "صحيح البخاري": (1/175 - 176) ، (فتح - 2/172 - 173 - رقم: 687) ؛ "صحيح مسلم": (2/20 - 21) ، (فؤاد - 1/ 311 - 312 - رقم: 418) .
(2) "المسند": (6/224) ؛ "صحيح البخاري": (1/169) ، (فتح - 2/151 - 152 - رقم: 664) ؛ "صحيح مسلم": (2/22 - 23) ، (فؤاد - 1/313 - 314 - رقم: 418) .(2/489)
ويستدلُّ أحمد بثلاثة أحاديث:
1174- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن أنس قال: سقط رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرسٍ، فجحش (1) شقه الأيمن، فدخلوا عليه، فصلَّى بهم قاعدًا، وأشار إليهم أن اقعدوا، فلمَّا سلَّم، قال: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، واذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربَّنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، واذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون " (2) .
1175- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى ثنا هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليه النَّاس في مرضه يعودونه، فصلَّى بهم جالسًا، فجعلوا يصلُّون قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلمَّا فرغ، قال: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، واذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا " (3)
1176- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: صرع (4) النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرسٍ على جذع نخلةٍ، فانفكَّت قدمه، فدخلنا عليه نعوده، فوجدناه يصلِّي، فصلَّينا بصلاته ونحن قيام، فلمَّا صلَّى، قال: " إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإن صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإن صلَّى جالسًا فلا تقوموا وهو جالس، كما تفعل أهل فارس
__________
(1) في " النهاية ": (1/241 - جحش) : (أي انخدش جلده وانسحج) ا. هـ
(2) "المسند": (3/162) ؛ "صحيح البخاري": (1/203) ، (فتح - 2/173 - رقم: 689) ؛ "صحيح مسلم": (2/18) ، (فؤاد - 1/308 - رقم: 411) .
(3) "المسند": (6/51) ؛ "صحيح البخاري": (7/154) ، (فتح - 10/120 - رقم: 5658) ؛ "صحيح مسلم": (2/19) ، (فؤاد - 1/309 - رقم: 412) .
(4) في " النهاية ": (3/24 - صرع) : (أي سقط عن ظهرها) ا. هـ(2/490)
بعظمائها " (1) .
انفرد بإخراج هذا مسلم (2) ، واللذان قبله في "الصَّحيحين".
وقد حكى البخاريُّ عن الحميديِّ أنَّه قال: هذا كان في مرضه القديم، ثُمَّ صلَّى بعد جالسًا والنَّاس خلفه قيام، لم يأمرهم بالقعود، وإنَّما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) .
قال المؤلِّف: وهذا عندي هو الصَّحيح.
ز: قد روي أنَّ أبا بكر كان هو الإمام في آخر الأمر:
1177- قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا عبد الله بن أبي زياد ثنا شبابة بن سَوَّار ثنا محمد بن طلحة عن حميد عن ثابت عن أنس قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه خلف أبي بكر قاعدًا في ثوبٍ متوشِّحًا به.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وهكذا رواه يحيى بن أيُّوب عن حميد عن ثابت عن أنس، وقد رواه غير واحد عن حميد عن أنس، ولم يذكروا فيه: (عن ثابت) ، ومن ذكر فيه: (عن ثابت) فهو أصحُّ (4) .
1178- وقال محمد بن إسماعيل التِّرمذيُّ: ثنا أيُّوب بن سليمان حدَّثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان عن حميد عن ثابت البنانيِّ عن أنس قال: آخر صلاةٍ صلاَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع القوم، صلَّى في ثوبٍ واحدٍ متوشِّحًا
__________
(1) "المسند": (3/300) .
(2) "صحيح مسلم": (2/19) ؛ (فؤاد - 1/309 - رقم: 413) .
(3) "صحيح البخاري": (1/177) ؛ (فتح - 2/173 - رقم: 689) .
(4) "الجامع": (1/390 - رقم: 363) .(2/491)
به، خلف أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه (1) .
ورواه أبو حاتم محمد بن حِبَّان البستيُّ عن عمر بن محمد بن بحير الهمدانيِّ عن إسحاق بن إبراهيم بن سويد الرَّملي (2) عن أيُّوب بن سليمان (3) .
1179- وقال خيثمة بن سليمان: ثنا إسحاق بن سيَّار أبو يعقوب النَّصِيبيُّ ثنا [عمرو] (4) بن الرَّبيع قال: حدَّثني يحيى بن أيُّوب عن حميد قال: حدَّثني ثابت البنانيُّ عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى خلف أبي بكر في ثوبٍ واحدٍ، فخالف بين طرفيه، فلمَّا أراد أن يقوم قال: " ادعوا لي أسامة ".
فجاءه، فأسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاةٍ صلاَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) .
1180- وقال النَّسائيُّ: أنا عليُّ بن حُجر ثنا إسماعيل (6) ثنا حميد عن أنس قال: آخر صلاة صلاَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع القوم، صلَّى في ثوبٍ واحدٍ، متوشِّحًا به، خلف أبي بكر (7) .
هكذا رواه النَّسائيُّ في "سننه"، ولم يذكر ثابتًا.
1181- وقال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا شبابة عن شعبة عن
__________
(1) ومن طريق محمد بن إسماعيل الترمذي خرجه الضياء في "المختارة": (5/85 - رقم: 1706) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: إسحاق بن إبراهيم بن سويد البلوي، أبو يعقوب، الرملي، وقد ينسب إلى جده، وثقه النسائي وابن أبي داود) ا. هـ ورقم فوقه: " د ".
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (5/496 - رقم: 2125) .
(4) في الأصل و (ب) : (عمر) ، والتصويب من "المختارة" وكتب الرجال.
(5) ومن طريق خيثمة بن سليمان: خرجه الضياء في "المختارة": (5/86 - رقم: 1708) .
(6) في هامش الأصل: (حـ: إسماعيل هو: ابن جعفر) ا. هـ
(7) "سنن النسائي": (2/79 - رقم: 785) .(2/492)
نُعيم بن أبي هند (1) عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدًا.
قال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ (2) .
1182- وقال النَّسائيُّ: أنا محمد بن المثنى ثنا بكر بن عيسى سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أن أبا بكر صلَّى بالنَّاس، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّفِّ (3) .
قال التِّرمذيُّ: وقد روي عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا صلَّى الإمام جالسًا فصلُّوا جلوسًا ".
وروي عنها أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في مرضه، وأبو بكر يصلِّي بالنَّاس، فصلَّى إلى جنب أبي بكر، النَّاس يأتمُّون بأبي بكر، وأبو بكر يأتمُّ بالنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروي عنها أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى خلف أبي بكر قاعدًا (4) O.
* * * * *
مسألة (220) : يجوز أن ينفرد [المأموم] (5) لعذر، فإن لم يكن عذر، فعلى روايتين.
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: نعيم بن أبي هند: قال فيه أبو حاتم: صالح الحديث صدوق) ا. هـ ورقم فوقه: " م ".
(2) "الجامع": (1/388 - 389 - رقم: 362) .
(3) "سنن النسائي": (2/79 - رقم: 786) .
(4) قاله عقب الحديث السابق.
(5) في الأصل: (الإمام) .(2/493)
وقال أبو حنيفة: لا يجوز بحال، فإن فعل بطلت الصَّلاة.
لنا:
أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بهم ركعة في الخوف، ثُمَّ انتظرهم حتى أتمُّوا لأنفسهم.
وسيأتي مسندًا إن شاء الله.
* * * * *
مسألة (221) : يكره للإمام أن يكون موضعه أعلى من المأموم.
وقال الشَّافعيُّ: إذا كان يعلّمهم الصَّلاة، استحبَّ ذلك.
لنا حديثان:
1183- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا محمد بن غالب ثنا زكريا بن يحيى زحمويه ثنا زياد بن عبد الله بن الطُّفيل عن الأعمش عن إبراهيم عن همَّام عن أبي مسعود الأنصاريِّ قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقوم الإمام فوق شيءٍ والنَّاس خلفه. يعني أسفل منه (1) .
فإن قالوا: قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه غير زياد، ولم يروه غير همَّام، فيما أعلم.
وقد ضعَّف ابنُ المدينيِّ (2) ويحيى (3) زيادًا.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/88) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/478 - رقم: 4592) من رواية ابنه عبد الله.
(3) انظر: "التاريخ" برواية الدوري: (3/278 - رقم: 1331) ، ورواية ابن محرز: (1/ 73 - رقم: 186) ، و"تاريخ بغداد" للخطيب: (8/477 - رقم: 4592) .(2/494)
قلنا: قال أحمد: هو ثقةٌ. وقال أبو زرعة: صدوقٌ (1) .
ز: زياد بن عبد الله: هو البَكَّائيُّ، وقد روى له البخاريُّ حديثًا واحدًا مقرونًا بغيره (2) ، ومسلم (3) والتِّرمذيُّ وابن ماجه (4) ، وقال عبد الله ابن أحمد عن أبيه: ليس به بأسٌ، حديثه حديث أهل الصِّدق (5) . وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (6) . وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (7) . وقال مرَّةً: ليس بالقويِّ (8) . وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه الثِّقات من النَّاس، وما أرى برواياته بأسًا (9) .
1184- وقال أبو بكر محمد بن عبد الله بن ابراهيم الشَّافعيُّ: ثنا محمد ابن غالب بن حرب ثنا زكريا بن يحيى ثنا زياد - يعني البَكَّائيُّ - ثنا الأعمش عن إبراهيم عن همَّام (10) قال: صلَّى حذيفة بالنَّاس بالمدائن، فقام فوق دكَّان، فأتى أبو مسعود فجمع ثيابه فمدَّه، فرجع ورآه، فلمَّا قضى الصَّلاة، قال له أبو مسعود: الم تعلم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يقوم الإمام فوق شيءٍ والنَّاس خلفه؟ قال: أفلم تراني أجبتك حين مددتني.
1185- وقال أبو داود: ثنا أبو مسعود الرَّازيُّ أحمد بن الفرات وأحمد
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/538 - رقم: 2425) .
(2) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/587 - رقم: 396) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/222 - رقم: 480) .
(4) انظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (9/490 - رقم: 2053) .
(5) "العلل": (3/298 - رقم: 5325) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/538 - رقم: 2425) .
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (9/488 - رقم: 2053) .
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 109 - رقم: 226) .
(9) "الكامل": (3/193 - رقم: 691) .
(10) (عن همَّام) غير موجودة في (ب) .(2/495)
ابن سنان - المعنى - قالا: ثنا يعلى ثنا الأعمش عن إبراهيم عن همَّام أنَّ حذيفة أمَّ النَّاس بالمدائن على دكَّان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلمَّا فرغ من صلاته، قال: ألم تعلم أنَّهم كانوا ينهون عن ذلك؟! قال: بلى، قد ذكرت حين مددتني (1) O.
1186- الحديث الثَّاني: قال أبو داود: ثنا أحمد بن إبراهيم (2) ثنا حجَّاج عن ابن جريج قال: أخبرني أبو خالد عن عَدِيِّ بن ثابت الأنصاريِّ قال: حدَّثني رجلٌ أنَّه كان مع عمَّار بن ياسر بالمدائن، فأقيمت الصَّلاة، فتقدَّم عمَّار [فقام] (3) على دكَّان يصلِّي، والنَّاس أسفل منه، فتقدَّم حذيفة، فأخذ على يديه، فاتَّبعه عمَّار، حتى أنزله حذيفة، فلمَّا فرغ عمَّار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا أمَّ الرَّجلُ القوم قلا يقم في مكان أرفع من مقامهم - أو نحو ذلك - ". قال عمَّار: لذلك اتَّبعتك حين أخذت على يدي (4) .
ز: في إسناد هذا الحديث رجلٌ مبهمٌ، وأبو خالد ليس بمعروفٍ، ويحتمل أن يكون الدَّالانيُّ، وفيه كلامٌ O.
* * * * *
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/432 - رقم: 597) .
(2) في مطبوعة "السنن": (ثنا إبراهيم) ، وما بالأصل موافق لما في "تحفة الأشراف": (3/ 58 - رقم: 3396) .
(3) في الأصل: (فقال) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(4) "سنن أبي داود": (1/432 - رقم: 598) .(2/496)
مسألة (222) : صلاة الفذِّ خلف الصَّفِّ باطلةٌ، خلافًا لأكثرهم.
لنا حديثان:
1187- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن
عمرو بن مُرَّة عن هلال بن يَساف عن عمرو بن [راشد] (1) عن وابصة بن معبد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يصلِّي وحده خلف الصَّفِّ، فأمره أن يعيد صلاته (2) .
ز: روى هذا الحديث أبو داود (3) والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ (4) .
وقال الإمام أحمد: حديث وابصة حديثٌ حسنٌ (5) .
وقال ابن المنذر: ثبَّته أحمد وإسحاق (6) .
وقد رواه التِّرمذيُّ أيضًا من رواية حُصَين عن هلال بن يَساف قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرَّقة، فقام بي على شيخٍ يقال له: وابصة، فقال زياد: حدَّثني هذا الشَّيخ - والشَّيخ يسمع - أن رجلاً صلَّى ... فذكر معناه.
قال: واختلف أهل العلم في هذا: فقال بعضهم: حديث عمرو بن مُرَّة أصحُّ، وقال بعضهم: حديث حُصين أصحُّ، وهو عندي أصحُّ من
__________
(1) في الأصل و (ب) : (أسد) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (4/227 - 228) .
(3) "سنن أبي داود": (1/464 - رقم: 682) .
(4) انظر: "الجامع": (1/268 - 270 - رقمي: 230) (*) ، وما ينقله المنقح عن الترمذي بعد قليل.
(5) "المغني" لابن قدامة: (3/50 - باب الإمامة - المسألة: 259) .
(6) "الأوسط": (4/184 - ر قم: 1996) .
______
(*) قال معد الكتاب للشاملة: راجعت شرح الترمذي نسخة موافقة في الترقيم للمعجم المفهرس فوجدت الحديث برقمي (230 - 231)(2/497)
حديث عمرو (1) .
ورواه ابن ماجه من حديث حُصين عن هلال بن يَساف قال: أخذ بيدي زياد بن أبي الجعد، فأوقفني على شيخٍ بالرَّقَّة - يقال له: وابصة بن معبد - فقال: صلَّى رجلٌ خلف الصَّفِّ وحده، فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد (2) .
ولم يذكر: (حدَّثني هذا الشَّيخ) ، فكأنَّ هلالاً رواه عن وابصة نفسه (3) O.
1188- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا عبد الصَّمد ثنا ملازم بن عمرو أنا عبد الله بن بدر أنَّ عبد الرَّحمن بن عليٍّ حدَّثه أنَّ أباه عليَّ بن شيبان حدَّثه أَنَّه خرج وافدًا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فصلَّينا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يصلِّي خلف الصَّفِّ، فوقف حتى انصرف الرَّجل، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استقبل صلاتك، فلا صلاة لفردٍ خلف الصَّفِّ " (4) .
__________
(1) "الجامع": (1/268 - 270 - رقم: 230) باختصار.
(2) "سنن ابن ماجه": (1/321 - رقم: 1004) .
(3) في هامش الأصل: (حاشية: قلت: رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: أن رجلاً صلَّى خلف النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده، لم يتصل بأحد، فأمره أن يعيد الصلاة.
ثم قال ابن حبان: سمع هذا الخبر هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد، وسمعه من زياد بن أبي الجعد عن وابصة، والطريقان محفوظان.
ثم ذكر أن هلال بن يساف لم ينفرد بهذا الخبر بل تابعه عليه زياد بن أبي الجعد) ا. هـ
وانظر: "الإحسان" لابن بلبان: (5/577 - 578 - رقم: 2200) .
والذي يبدو أن هذه الحاشية للناسخ، والله أعلم.
(4) "المسند": (4/23) .
وفي هامش الأصل: (قلت: وفاته حديث ابن عباس، وهو في " مسند البزار " بنحو حديث شيبان) ا. هـ ويبدو أن هذه الحاشية للناسخ، والله أعلم.
وانظر: " كشف الأستار " للهيثمي: (1/250 - رقم: 516) .(2/498)
ز: روى هذا الحديث ابن ماجه في "سننه" بنحوه عن أبي بكر عن ملازم (1) ، وإسناده قويٌّ.
وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: حديث ملازم بن عمرو - يعني هذا الحديث - في هذا أيضًا حسنٌ؟ قال: نعم (2) O.
* * * * *
مسألة (223) : إذا أحسَّ الإمام بداخلٍ، استحبَّ له الانتظار ما لم يشق (3) .
وقال أبو حنيفة ومالك: يكره.
لنا:
أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتظر النَّاس في صلاة الخوف، لإدراك فضيلة الجماعة.
وسيأتي مسندًا.
* * * * *
مسألة (224) : إذا صلَّى الكافر حكم بإسلامه.
وقال أبو حنيفة: إن صلَّى في جماعة.
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/320 - رقم: 1003) .
(2) "المغني" لابن قدامة: (3/50 - باب الإمامة - المسألة: 259) .
(3) في "التحقيق": (ما لم يسوء) !(2/499)
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ وداود: لا يحكم بإسلامه.
وقد استدلَّ أصحابنا:
1189- بما رووا أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم ".
وهذا الحديث إنَّما نعرفه بتمامٍ يمنع الاستدلال به.
1190- قال الإمام أحمد: ثنا عليُّ بن إسحاق أنا عبد الله بن مبارك ثنا حميد الطَّويل عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل النَّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، واسقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلُّوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقِّها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم " (1) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (2) .
* * * * *
مسألة (225) : إذا صلَّى بقومٍ وهو محدثٌ: فإن كان عالمًا بحدث
__________
(1) "المسند": (3/199) .
(2) "صحيح البخاري": (1/108 - 109) ؛ (فتح - 1/497 - رقم: 392) .
وفي هامش الأصل: (حـ: واحتج من قال: يحكم بإسلامه أيضًا بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نهيت عن قتل المصلين ".
وبقوله: " بيننا وبينهم الصلاة " فجعل الصلاة حدًّا بين المسلم والكافر، فمن صلى فقد دخل في حد الإسلام.
وقال في المملوك: " إذا صلى فهو أخوك ". رواه أحمد) ا. هـ(2/500)
نفسه، أعاد وأعادوا بكلِّ حالٍ؛ وإن كان ناسيًا فذكر في أثناء الصلاة، فعليه الإعادة، وفي المأموم روايتان؛ وإن ذكر بعد الفراغ أعاد وحده.
وقال مالكٌ: إن تعمَّد أعاد وأعادوا، وإن كان ناسيًا أعاد وحده.
وقال الشَّافعيُّ: يعيد، ولا يعيدون بكلِّ حالٍ.
وقال أبو حنيفة: يعيد، ويعيدون بكلِّ حالٍ.
1191- قال أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن محمد بن سعيد البزَّاز ثنا جحدر بن الحارث (1) ثنا بقيَّة بن الوليد عن عيسى بن إبراهيم (2) عن جويبر عن الضَّحاك عن البراء بن عازب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيُّما إمامٍ سهى، فصلَّى بالقوم وهو جنب، فقد مضت صلاتهم، ثُمَّ ليغتسل هو، ثُمَّ ليعيد صلاته، فإن صلَّى بغير وضوءٍ فمثل ذلك " (3) .
1192- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عبد الله بن أحمد بن عتاب ثنا أحمد بن الفرج الحمصيُّ ثنا بقيَّة بن الوليد ثنا عيسى بن عبد الله الأنصاريُّ عن جويبر عن الضَّحَّاك عن البراء قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقومٍ وليس هو على وضوءٍ، فتمَّت للقوم صلاتهم، وأعاد النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) .
هذان حديثان لا يصحَّان، بقيَّة مدلسٌ، وعيسى ضعيفٌ، وجويبر متروكٌ، والضَّحَّاك لم يلق البراء.
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: جحدر: اسمه: أحمد بن عبد الرَّحمن، كان يسرق الحديث. قاله ابن عدي) ا. هـ
(2) في هامش الأصل: (حـ: عيسى بن إبراهيم هو: الهاشمي، قال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال البخاري والنسائي وغيرهما: متروك الحديث) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (1/364) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/363) .(2/501)
ز: عيسى بن عبد الله الأنصاريُّ: قال ابن عَدِيٍّ: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وروى هذا الحديث في ترجمته، ولم يذكر جويبرًا في الإسناد، فقال:
1193- حدَّثنا أبو عروبة ثنا ابن مصفَّى ثنا بقيَّة عن عيسى بن عبد الله الأنصاريِّ عن الضَّحَّاك بن مزاحم عن البراء قال: صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه على غير وضوءٍ، فأعاد ولم يعيدوا (1) O.
احتجُّوا بثلاثة أحاديث:
1194- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يعقوب بن إبراهيم البزَّاز ثنا أحمد بن محمد بن يحيى (2) الجلاب ثنا أبو معاوية ثنا ابن أبي ذئب عن أبي جابر البياضيِّ (3) عن سعيد بن المسيّب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بالنَّاس وهو جنب، فأعاد وأعادوا (4) .
1195- الحديث الثَّاني: رووه عن عليٍّ عن النَّبيِّ أَنَّه صلَّى بهم، ثُمَّ انصرف، ثُمَّ جاءَ ورأسه يقطر، فأعاد بنا.
1196- الحديث الثَّالث (5) : رووه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فسدت صلاة الإمام، فسدت صلاة من خلفه ".
__________
(1) "الكامل": (5/253 - 254 - رقم: 1397) .
(2) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (أحمد بن يحيى بن عطاء) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: أبو جابر البياضي: اسمه: محمد بن عبد الرَّحمن، تركوه، وكذبه يحيى بن معين، وقال مالك: ليس بثقة، وكنا نتهمه بالكذب. وقال الشافعي وغيره: من حدث عن أبي جابر البياضي بيَّض الله عينيه) ا. هـ
(4) "سنن الدارقطني": (1/364) .
(5) في (ب) : (مسألة) ! ويبدو أن الكلمة كانت مكتوبة بالحمرة فلما لم تظهر ظنها (مسألة) .(2/502)
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو مرسلٌ، وأبو جابر متروك الحديث (1) .
وأمَّا الحديثان الآخران: فلا يعرفان.
ز: 1197- روى ابن المنكدر عن الشَّريد الثَّقفيِّ أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه صلَّى بالنَّاس وهو جنبٌ، فأعاد، ولم يأمرهم أن يعيدوا.
1198- وعن عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن هُشيم عن خالد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن الحارث بن أبي ضرارٍ أنَّ عثمان بن عفَّان رضي الله عنه صلَّى بالنَّاس وهو جنبٌ، فلمَّا أصبح نظر في ثوبه احتلامًا، فقال: كبرت والله، لا أراني أجنب ثُمَّ لا أعلم! ثُمَّ أعاد، ولم يأمرهم أن يعيدوا.
قال عبد الرَّحمن: وهذا المجتمع عليه، الجنب يعيد ولا يعيدون، ما أعلم فيه اختلافًا.
1199- وعن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ عن سالم عن ابن عمر أنَّه صلَّى بهم وهو على غير وضوءٍ، فأعاد، ولم يأمرهم بالإعادة.
1200- وعن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّه صلَّى بالقوم وهو جنب، فأعاد، ثُمَّ أمرهم فأعادوا.
روى هذا كلَّه البيهقيُّ، وقال في حديث عليٍّ: إنَّما يرويه عمرو بن خالد، أبو خالد الواسطيُّ، وهو متروكٌ، رماه الحفَّاظ بالكذب، وقال وكيع: كان كذَّابًا، فلمَّا عرفناه بالكذب تحوَّل إلى مكانٍ آخر، حدَّث عن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/364) .(2/503)
حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن عليٍّ أنَّه صلَّى بهم وهو على غير طهارة، فأعاد وأمرهم بالإعادة.
وقال عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن سفيان الثَّوريِّ: حبيب بن أبي ثابت لم يرو عن عاصم بن ضمرة شيئًا قطُّ.
وقال عبد الله بن المبارك: ليس في الحديث قوَّةً لمن يقول: إذا صلَّى الإمام بغير وضوءٍ أنَّ أصحابه يعيدون، والحديث الآخر أثبت أن لا يعيد القوم، هذا لمن أراد الإنصاف بالحديث.
1201- وقال عليُّ بن المدينيِّ: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن سفيان وشعبة عن مغيرة عن إبراهيم في الرَّجل يصلِّي بقومٍ وهو على غير وضوءٍ، قال: يعيد ولا يعيدون. قال عبد الرَّحمن: قلت لسفيان: تعلم أحدًا قال: يعيد ويعيدون، غير حمَّاد؟ قال: لا (1) O.
ويُحتجُّ على الشَّافعيِّ:
1202- بما روى الإمام أحمد: ثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإمام ضامن " (2) .
ز: روى مسلم بهذا الإسناد نحوًا من أربعة عشر حديثًا (3) .
وروى أبو داود هذا الحديث عن الحسن بن عليٍّ عن ابن نمير عن الأعمش قال: نُبِّئت عن أبي صالح ولا أراني إلا وقد سمعته منه.
وعن أحمد بن حنبل عن ابن فُضَيل عن الأعمش عن رجل عن أبي
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/399 - 401) باختصار.
(2) "المسند": (2/419) .
(3) انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (9/410 - 412) .(2/504)
صالح (1) .
ورواه التِّرمذيُّ عن هنَّاد عن أبي الأحوص وأبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح، وقال: رواه سفيان الثَّوريُّ وحفص بن غياث وغير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. وروى أسباط عن الأعمش قال: حدِّثت عن أبي صالح عن أبي هريرة.
وروى نافع بن [] (2) سليمان عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن
عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث.
وسمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصحُّ من حديث أبي صالح عن عائشة.
وسمعت محمدًا يقول: حديث أبي صالح عن عائشة أصحُّ. وذكر عن عليِّ بن المدينيِّ أنَّه لم يثبت حديث أبي صالح عن أبي هريرة، ولا حديث أبي صالح عن عائشة في هذا (3) O.
* * * * *
مسألة (226) : ما يدركه المأموم آخر صلاته.
وعنه: أوَّلها، كقول الشَّافعيِّ.
1203- قال محمود بن إسحاق الخزاعيُّ: ثنا البخاريُّ ثنا أبو نعيم ثنا
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/399 - رقمي: 518 - 519) .
(2) اقحمت في الأصل و (ب) كلمة: (أبي) .
(3) "الجامع": (1/348 - 349 - رقم: 207) .(2/505)
ابن عيينة عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فاقضوا " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
وفي لفظٍ أخرجه مسلم: " واقض ما سبقك " (3) .
وكذلك روى أبو سلمة وابن سيرين وأبو رافع، كلُّهم عن أبي هريرة: " واقضوا ".
وكذلك روى أبو ذرٍّ وأنس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " واقضوا " (4) .
وقد روى جماعة عن أبي هريرة: " وما فاتكم فأتمُّوا "، منهم ابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب عن الزُّهريِّ.
وما ذهبنا إليه أكثر وأقوى، ثُمَّ نحمله على أن يكون المعنى: فأتمُّوا قضاءً.
ز: لم يخرِّج البخاريُّ ومسلمٌ قوله: " وما فاتكم فاقضوا " في " صحيحيهما "، وإنَّما لفظهما: " وما فاتكم فأتمُّوا ":
1204- فعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ سمع جَلبَة رجالٍ، فلمَّا صلَّى قال: " ما شأنكم؟ " قالوا: استعجلنا إلى الصَّلاة. قال: " فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصَّلاة فعليكم السَّكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا ".
__________
(1) " جزء القراءة خلف الإمام ": (ص: 42 - رقم: 177) .
(2) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(3) "صحيح مسلم": (2/100) ؛ (فؤاد - 1/421 - رقم: 602) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: أبو ذر اختلف عنه، وأنس روى: " فأتموا " كما سيأتي) ا. هـ(2/506)
متفقٌ عليه (1) .
1205- وعن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سمعتم الإقامة فامشُوا إلى الصَّلاة وعليكم السَّكينة والوقار، ولا تُسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا ".
متفقٌ عليه (2) ، وهذا لفظ البخاريِّ.
وفي لفظٍ لمسلمٍ: " صلِّ ما أدركت، واقض ما سبقك ".
ورواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة: " وما فاتكم فاقضوا " (3) .
ورواه مسلمٌ عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو النَّاقد وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ عن سعيد عن أبي هريرة - ولم يذكر لفظه -، ثُمَّ ساقه من طريق إبراهيم بن سعد عن الزُّهريِّ - ولم يذكر لفظه أيضًا -، ثُمَّ ذكره من طريق يونس عن الزُّهريِّ ولفظه: " وما فاتكم فأتمُّوا " (4) .
وقال أبو داود: قال يونس والزُّبيديُّ وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة عن الزُّهريِّ: " وما فاتكم فأتمُّوا "، وقال ابن عيينة عن الزُّهريِّ وحده: " فاقضوا ".
وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وجعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة: " فأتمُّوا ".
وابن مسعود عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو قتادة وأنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلُّهم:
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/163) ؛ (فتح - 2/116 - رقم: 635) .
"صحيح مسلم": (2/100) ؛ (فؤاد - 1/421 - 422 - رقم: 603) .
(2) "صحيح البخاري": (1/164) ؛ (فتح - 2/117 - رقم: 636) .
"صحيح مسلم": (2/99 - 100) ؛ (فؤاد - 1/420 - 421 - رقم: 602) .
(3) "المسند": (2/238) .
(4) "صحيح مسلم": (2/99 - 100) ؛ (فؤاد - 1/420 - 421 - رقم: 602) .(2/507)
" فأتمُّوا " (1) .
وروى البيهقيُّ من طريق أحمد بن سلمة قال: سمعت مسلم بن الحجَّاج يقول: لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزُّهريِّ غير ابن عيينة: " واقضوا ما فاتكم ". قال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة (2) .
وقال البيهقيُّ: والَّذين قالوا: " فأتمُّوا " أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة، فهو أولى، والله أعلم (3) .
1206- وقال أبو داود: ثنا أبو الوليد الطَّيالسيُّ ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ائتوا الصَّلاة وعليكم السَّكينة، فصلُّوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم ".
قال أبو داود: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة: " ويقضي "، وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة.
وأبو ذرٍّ روي عنه: " فأتمُّوا " و" اقضوا " اختلف عنه (4) .
والتَّحقيق أنَّه ليس بين اللفظين فرقٌ، فإنَّ القضاء هو الإتمام في عرف الشَّارع، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] ، وقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] (5) O.
* * * * *
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/421 - 422 - رقم: 573) .
(2) "سنن البيهقي": (2/297) .
(3) "سنن البيهقي": (2/298) .
(4) "سنن أبي داود": (1/422 - رقم: 574) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: قال الجوهري: وقد يكون القضاء بمعنى الأداء والإنهاء) ا. هـ
وانظر: " الصحاح ": (6/2463 - قضى) .(2/508)
مسألة (227) : يجوز إعادة الجماعة في مسجدٍ له إمامٌ راتبٌ.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
وقال أبو يوسف: يجوز، لكن لا تجوز إعادة الأذان والإقامة.
وقال أصحاب الشَّافعيِّ: لا يجوز ذلك في المسجد الذي لا تكرَّر فيه الجماعة، مثل مساجد الدُّروب، ويجوز ذلك في مساجد الأسواق التي تكرَّر فيها.
لنا ثلاثة أحاديث:
1207- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن أبي عَدِيٍّ عن سعيد بن أبي عروبة قال: حدَّثني سليمان النَّاجيُّ عن أبي المتوكِّل عن أبي سعيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بأصحابه، ثُمَّ جاء رجلٌ، فقال نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يتَّجر على هذا - أو: من يتصدَّق على هذا - فيصلِّي معه؟ " قال: فصلَّى معه رجلٌ (1) .
ز: روى هذا الحديث أبو داود (2) والتِّرمذيُّ - وقال: حديثٌ حسنٌ (3) - وأبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" (4) وابن حِبَّان (5) والحاكم وقال: على شرط مسلم (6) O.
__________
(1) "المسند": (3/5) .
وفي هامش الأصل: (حـ: وقد رواه وهيب عن الناجي) ا. هـ
(2) "سنن أبي داود": (1/422 - رقم: 575) .
(3) "الجامع": (1/260 - رقم: 220) .
(4) "صحيح ابن خزيمة": (3/63 - 64 - رقم: 1632) .
(5) " الاحسان " لابن بلبان: (6/157 - 159 - الأرقام: 2397- 2399) .
(6) "المستدرك": (1/209) .(2/509)
1208- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا إسحاق ابن داود بن عيسى ثنا خالد بن عبد السَّلام الصَّدفيُّ ثنا الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد صلَّى الظُّهر وقعد في المسجد، إذ دخل رجلٌ يصلِّي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا رجلٌ يقوم فيتصدَّق على هذا فيصلِّي معه؟ " (1) .
وهذا الحديث ضعيفٌ من جهة الفضل بن المختار، قال الرَّازيُّ: هو مجهولٌ، وأحاديثه منكرة، يحدِّث بالأباطيل (2) .
ز: 1209- عن حمَّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلاً جاء وقد صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام يصلِّي وحده، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يتَّجر على هذا فيصلِّي معه؟ ".
رواه الدَّارَقُطْنِيُّ عن ابن صاعد عن عمر بن محمد بن الحسن الأسديِّ عن أبيه عن حمَّاد (3) .
ورواه الطَّبرانيُّ عن محمد بن العباس الأخرم عن عمر بن محمد، وقال: لم يروه عن حمَّاد بن سلمة إلا محمد بن الحسن الأسديُّ (4) .
ومحمد بن الحسن بن الزُّبير الأسديُّ المعروف بـ " التَّل "، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ. حكاه ابن عَدِيٍّ (5) وغيره عنه، وحكى ابن أبي حاتم عن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/277 - 278) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/69 - رقم: 391) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/276) .
(4) "المعجم الأوسط": (7/207 - رقم: 7286) .
(5) "الكامل": (6/173 - رقم: 1657) من رواية الدوري، وهو في "التاريخ": (3/ 350 - رقم: 1687) .(2/510)
يحيى أَنَّه قال: هو شيخٌ (1) . وقال أبو حاتم: شيخٌ (2) . وقال أبو عبيد الآجريُّ عن أبي داود: صالحٌ، يكتب حديثه (3) . وقال أبو جعفر العقيليُّ: لا يتابع على حديثه (4) . وقال ابن عَدِيٍّ: حدَّث عنه الثِّقات من النَّاس، ولم أر بحديثه بأسًا (5) .
وقال أبو حاتم في ابنه عمر: محلُّه الصِّدق (6) . وقال النَّسائيُّ: صدوقٌ (7) . وقد روى البخاريُّ عن عمر بن محمد عن أبيه (8) O.
الحديث الثَّالث: حديث محجن: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " صلِّ وإن كنت قد صلَّيت ".
وقد سبق بإسناده في مسائل أوقات النَّهي (9) .
احتجَّ الخصم:
بقوله: " لا تصلُّوا صلاةً في يومٍ مرَّتين ".
__________
(1) "الجرح والتعديل": (7/225 - رقم: 1249) من رواية الدوري، وهذا وقع في بعض النسخ كما في حاشية مصححه، ووقع في أخرى: (ليس بشيء) ويؤيد هذا رواية الدوري السابقة.
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/226 - رقم: 1249) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (25/69 - رقم: 5149) ، ولم نقف عليه في مطبوعة " سؤالات الآجري " فلعله ضمن الأجزاء المخرومة، والله أعلم.
(4) "الضعفاء الكبير": (4/50 - رقم: 1602) .
(5) "الكامل": (6/174 - رقم: 1657) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/132 - رقم: 725) .
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (21/498 - رقم: 4302) .
(8) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/939 - رقم: 1033) ، وانظر: " هدي الساري " لابن حجر: (ص: 438) .
(9) رقم: (1020) .(2/511)
وقد سبق في مسائل أوقات النَّهي وجوابه (1) .
* * * * *
مسألة (228) : الترتيب مستحقٌّ في قضاء الفوائت وإن كثرت.
وقال الشَّافعيُّ: لا يستحقُّ.
وقال أبو حنيفة ومالك في الخمس فما دون كقولنا، وفيما زاد كقوله (2) .
لنا ثلاثة أحاديث:
1210- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله أنَّ عمر جاء يوم الخندق بعدما غربت الشَّمس، فجعل يسبُّ كفَّار قريش، وقال: يا رسول الله، ما كدت أُصلِّي حتى كادت الشَّمس تغرب؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله ما صلَّيتها ". فنزلنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطحان، فتوضَّأ وتوضَّأنا، فصلَّى العصر بعد ما غربت الشَّمس، ثُمَّ صلَّى بعدها المغرب (3) .
__________
(1) رقم: (1022) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: المشهور في مذهب الإمام أحمد وجوب الترتيب وإن كثرت الفوائت، ويسقط بشيئين: خشية فوات الحاضرة، ونسيانه.
وعنه: أن النسيان ليس مسقطًا، وهو قول مالك.
وعنه: ولا خشية خروج الوقت، اختارها الخلال.
وعنه: لا يجب الترتيب، بل هو مستحب، وهو قول الشافعي.
وعنه: إن كانت الفوائت [] ، اختارها أبو حفص العكبري.
وقيل: يجب الترتيب [] ، اختارها بعض أصحابنا، وهو قول مالك) ا. هـ وما بين المعقوفات لم نتمكن من قراءته.
(3) "صحيح البخاري": (5/397) ؛ (فتح - 7/405 - رقم: 4112) .(2/512)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
1211- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا موسى بن داود ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن يزيد أنَّ عبد الله بن عوف حدَّثه أنَّ أبا جمعة حبيب بن سباع حدَّثه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الأحزاب صلَّى المغرب، فلمَّا فرغ قال: " هل علم أحدٌ منكم أنِّي صلَّيت العصر؟ " قالوا: لا يا رسول الله، ما صلَّيتها. فأمر المؤذِّن فأقام، فصلَّى العصر، ثُمَّ أعاد المغرب (2) .
ز: ابن لهيعة فيه، وهو ضعيفٌ، لا يحتجُّ به إذا انفرد.
ومحمد بن يزيد هو: ابن أبي زياد الفلسطينيُّ، صاحب حديث الصُّور، روى عنه جماعة، لكن قال أبو حاتم: هو مجهول (3) . وقال ابن يونس: كان يجالس يزيد بن أبي حبيب (4) .
وعبد الله بن عوف هو: القارئ، روى عنه الزُّهريُّ وغيره، وكان عامل عمر بن عبد العزيز على ديوان فلسطين O.
1212- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: روى أبو إبراهيم التُّرجمانيُّ عن سعيد بن عبد الرَّحمن الجمحيِّ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسي صلاةً فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فليصلِّ مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته، فليعد الصَّلاة التي نسي، ثُمَّ ليعد الصَّلاة التي صلاَّها مع الإمام " (5) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/113) ؛ (فؤاد - 1/438 - رقم: 631) .
(2) "المسند": (4/106) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/126 - رقم: 567) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (27/18 - رقم: 5699) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/421) .(2/513)
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وهم في رفعه التُّرجمانيُّ، والصَّحيح أنَّه موقوفٌ من قول ابن عمر، كذلك رواه مالكٌ عن نافع عن ابن عمر قوله (1) .
ز: روى هذا الحديث أبو يعلى الموصليُّ عن إسماعيل بن إبراهيم أبي إبراهيم التُّرجمانيِّ (2) مرفوعًا (3) .
ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ عن جعفر بن محمد الواسطيِّ عن موسى بن هارون عن يحيى بن أيُّوب عن سعيد بن عبد الرَّحمن عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: إذا نسي أحدكم ... - موقوف -. قال موسى: وثناه أبو إبراهيم التُّرجمانيُّ ثنا سعيد، ورفعه إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهم في رفعه، والصَّحيح موقوف من قول ابن عمر (4) .
ورواه البيهقيُّ وقال: تفرَّد أبو إبراهيم التُّرجمانيُّ برواية هذا الحديث مرفوعاً، والصَّحيح أنَّه من قول ابن عمر موقوفًا، كذا رواه غير أبي إبراهيم عن سعيد.
ورواه من طريق مالك بن أنس وعبيد الله (5) بن عمر موقوفاً (6) .
* * * * *
__________
(1) الجملة الأولى موجودة في مطبوعة "السنن"، وأما بقية الكلام فعزاه الزيلعي في " نصب الراية ": (2/162) إلى "العلل"، وابن الجوزي روى هذا الحديث عن الدارقطني من رواية البرقاني، وهو راوي "العلل" عن الدارقطني، فقد يكون قد خرج هذا الحديث في "العلل" أيضًا وأعقبه بهذا الكلام، والله أعلم.
(2) في هامش الأصل: (حـ: إسماعيل بن إبراهيم بن بسام، أبو إبراهيم الترجماني، قال عبد الله ابن أحمد بن حنبل عن أبيه وعن يحيى بن معين: ليس به بأس. وكذلك قال أبو داود والنسائي.
وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، قال أحمد: ليس به بأس. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. وقال النسائي: لا بأس به. وتكلم فيه الساجي وابن حبان) ا. هـ
(3) هو في رواية ابن المقرئ، انظر: " المطالب العالية " لابن حجر: (1/201 - رقم: 460) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/421) مع اختلاف يسير.
(5) وقع في مطبوعة "سنن البيهقي": (عبد الله) ولعلها خطأ.
(6) "سنن البيهقي": (2/221 - 222) .(2/514)
مسائل القصر والجمع
مسألة (229) : يجوز القصر والفطر في ستَّة عشر فرسخاً.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز في أقل من مسافة ثلاثة أيام سير الإبل.
وقال داود: يجوز في السَّفر القصير والطََّويل.
1213- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثني أحمد بن محمد بن زياد ثنا أبو إسماعيل التِّرمذيُّ ثنا إبراهيم بن العلاء ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عبد الوهَّاب ابن مجاهد عن أبيه وعطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا أهل مكَّة، لا تقصروا الصَّلاة في أدنى من أربعة بُردٍ من مكَّة إلى عسفان " (1) .
إسماعيل بن عيَّاش ضعيفٌ.
وعبد الوهَّاب أشدُّ ضعفًا، قال أحمد (2) ويحيى (3) : ليس عبد الوهَّاب
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/387) .
وفي هامش الأصل: (حـ: روى شعبة عن يحيى بن يزيد الهُنَائي قال: سألت أنسًا عن قصر الصَّلاة، فقال: [كان]- في الأصل: قال - رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال - أو: ثلاثة فراسخ - صلَّى ركعتين. شعبة الشاك.
رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
وعن أبي سعيد الخدري قال: [] ) ا. هـ والجملة الأخيرة لم نتمكن من قراءتها.
وانظر: "صحيح مسلم": (فؤاد - 1/481 - رقم: 691) ؛ "المسند": (3/129) ؛ "سنن أبي داود": (2/150 - رقم: 1194) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (3/115 - رقم: 4477) .
(3) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 182 - رقم: 656) .(2/515)
بشيءٍ. وقال الثَّوريُّ: هو كذَّابٌ (1) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (2) .
ز: روي عن جماعةٍ من السَّلف جواز القصر في أقل من يومٍ، والصَّحيح جواز القصر في السَّفر الطَّويل والقصير.
قال صاحب "المغني": ولا أرى لما صار إليه الأئمَّة حجَّةً، لأنَّ أقوال الصَّحابة مختلفةٌ متعارضةٌ، ولا حجَّة فيه مع الاختلاف، ثُمَّ [لو] (3) لم يوجد ذلك لم يكن قولهم حجَّةً مع قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التَّقدير الَّذي ذكروه لوجهين:
أحدهما: أنَّه مخالفٌ للسُّنَّة التي رويناها ولظاهر القرآن، فإنَّ ظاهر القرآن إباحة القصر لمن ضرب في الأرض.
والثَّاني: [أنَّ] (4) التَّقدير بابه التَّوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجردٍ، سيَّما وليس له أصلٌ يردُّ إليه، ولا نظيرٌ يقاس عليه، والحجَّة مع من أباح القصر لكلِّ مسافرٍ، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه (5) O.
* * * * *
مسألة (230) : القصر رخصةٌ.
وقال أبو حنيفة: عزيمةٌ.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/70 - رقم: 362) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 153 - رقم: 375) .
(3، 4) زيادة من (ب) و"المغني".
(5) "المغني": (3/108 - 109 - المسألة: 266) باختصار.(2/516)
وعن أصحاب مالك كالمذهبين.
لنا أربعة أحاديث:
1214- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا ابن إدريس أنا ابن جريج عن ابن أبي عمَّار عن عبد الله بن باباه (1) عن يعلى بن أميَّة قال: سألت عمر بن الخطَّاب، قلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] ، وقد أمن النَّاس؟ فقال لي عمر: عجبتُ ممَّا عجبتَ منه، فسألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فقال: " صدقةٌ تصدَّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته " (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
1215- الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا أبو كريب ثنا وكيع ثنا أبو هلال عن عبد الله بن سوادة عن أنس بن مالك - رجل من بني عبد الله بن كعب - قال: أغارت علينا خيل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجدته يتغدَّى، فقال: " ادن فكل ". فقلت: إنِّي صائم. فقال: " ادن أحدِّثك عن الصوم، إنَّ الله وضع عن المسافر الصَّوم وشطر الصَّلاة، وعن الحامل أو المرضع الصَّوم ". فيا لهف نفسي! أن لا أكون طعمت من طعام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) .
__________
(1) رقم فوقه: (م، 4) إشارة إلى تخريج مسلم وأصحاب السنن له.
وفي هامش الأصل: (حـ: ابن أبي عمار هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، وقال النسائي: عبد الله بن باباه ثقة) ا. هـ
(2) "المسند": (1/25) .
(3) "صحيح مسلم": (2/143) ؛ (فؤاد - 1/478 - رقم: 686) .
(4) "الجامع": (2/85 - 86 - رقم: 715) .(2/517)
ليس لأنس هذا غير هذا الحديث، وهو يدلُّ على أنَّ فرض المسافر أربع.
ز: روى هذا الحديث أبو داود (1) وابن ماجه (2) والنَّسائيُّ من طرقٍ كثيرةٍ (3) ، وقال التِّرمذيُّ: حسنٌ، ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا الحديث O.
1216- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا سعيد بن محمد بن ثواب (4) ثنا أبو عاصم ثنا عمر بن سعيد (5) عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقصر في السَّفر ويتم، ويفطر ويصوم.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسنادٌ صحيحٌ (6) .
وقد اعترض على هذا الحديث بعض الفقهاء فقال: يرويه مغيرة بن زياد، وقد ضعَّفه أحمد (7) ، وقال أبو زرعة: لا يحتجُّ بحديثه (8) .
ولعمري أنَّه قد رواه مغيرة عن عطاء، غير أنَّا لم نخرِّجه من تلك الطَّريق، ثُمَّ إنَّ المغيرة قد وثَّقه وكيع (9) ويحيى بن معين (10) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/169 - 170 - رقم: 2400) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/533 - رقم: 1667) .
(3) "سنن النسائي": (4/180 - 182 - الأرقام: 2274 - 2282) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: سعيد بن محمد بن ثواب البصري، عن أزهر السمان ومؤمل بن إسماعيل وجماعة، وعنه يحيى بن محمد بن صاعد والمحاملي وعبد الله بن ناجية ومحمد بن المسيب الأرغياني) ا. هـ
(5) في هامش الأصل: (عمر بن سعيد هو: ابن أبي حسين القرشي النوفلي المكي، وقد وثقه يحيى بن معين وغيره) ا. هـ ورقم فوقه: (خ، م) .
(6) "سنن الدارقطني": (2/189) .
(7) "العلل" برواية عبد الله: (1/404 - رقم: 835) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/222 - رقم: 998) .
(9) "التاريخ الكبير" للبخاري: (7/326 - رقم: 1402) .
(10) "التاريخ" برواية الدوري: (4/412 - رقم: 5029) .(2/518)
ز: هذا الحديث من طريق المغيرة أشهر.
قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: سألتُ أبي عن حديث المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة قالت: قصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السَّفر وأتمَّ، وصام وأفطر، فأنكره، وقال: المغيرة ضعيفٌ. وسألت يحيى عنه فقال: ليس به بأسٌ (1) .
وقد رواه البيهقيُّ من رواية دلهم بن صالح والمغيرة بن زياد وطلحة بن عمرو - ثلاثتهم ضعفاء - عن عطاء عن عائشة (2) ، والصَّحيح عن عائشة أنَّها كانت تتمُّ موقوفًا.
1217- قال البيهقيُّ: أنا أبو حامد أحمد بن عليٍّ الرَّازيُّ الحافظ أنا زاهر بن أحمد ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمد بن يحيى وإبراهيم بن مرزوق ومحمد بن عبيد الله قالوا: ثنا وَهْبُ بن جرير ثنا شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّها كانت تصلِّي في السَّفر أربعًا، فقلت لها: لو صلَّيت ركعتين؟
فقالت: يا ابن أختي، إنَّه لا يشقُّ عليَّ (3) O.
1218- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا عبد الله بن محمد بن عمرو الغزيُّ ثنا محمد بن يوسف الفريابيُّ ثنا العلاء بن زهير عن عبد الرَّحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرةٍ في رمضان، فأفطرَ وصمتُ، وقصرَ وأتممت؛ فقلت: بأبي وأمي، أفطرتَ وصمتُ، وقصرتَ وأتممتُ؟ قال: " أحسنت يا عائشة ".
__________
(1) انظر: "المسائل": (2/396 - رقم: 558) ، و"العلل": (1/404 - رقم: 835) .
(2) "سنن البيهقي": (3/141 - 142) .
(3) "سنن البيهقي": (3/143) .(2/519)
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسنادٌ حسنٌ (1) .
ز: هذا حديث منكر، وقوله: (في عمرةٍ في رمضان) باطلٌ، فإنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعتمر في رمضان قطُّ.
والعلاء بن زهير: قال فيه ابن حِبَّان: يروي عن الثِّقات ما لا يشبه حديث الأثبات فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الثِّقات (2) .
كذا قال في كتاب " الضُّعفاء "، وذكره أيضًا في كتاب "الثِّقات" (3) فتناقض!
وقد وثَّقه يحيى بن معين في رواية إسحاق بن منصور (4) .
1219- وقد روى هذا الحديث النَّسائيُّ في "سننه" فقال: أخبرنا أحمد بن يحيى الصُّوفيُّ أنا أبو نعيم ثنا العلاء بن زهير الأزديُّ ثنا عبد الرَّحمن بن الأسود عن عائشة أنَّها اعتمرت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة إلى مكَّة، حتى إذا قدمت مكَّة قالت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمِّي، قصرتَ وأتممتُ، وأفطرتَ وصمتُ؟ قال: " أحسنت يا عائشة ". وما عاب عَلَيَّ (5) .
لم يذكر الأسود، وقال أبو بكر النَّيسابوريُّ: هكذا قال أبو نعيم: (عن عبد الرَّحمن عن عائشة) ، ومن قال: (عن أبيه) في هذا الحديث فقد أخطأ (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/188) .
(2) "المجروحون": (2/183) .
(3) "الثقات": (7/265) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/355 - رقم: 1962) .
(5) "سنن النسائي": (3/122 - رقم: 1456) .
(6) "سنن البيهقي": (3/142) .(2/520)
وقد روى البيهقيُّ هذا الحديث من رواية عبد الرَّحمن عن أبيه عن عائشة، وقال: إسناده صحيحٌ (1) .
ومن رواية عبد الرَّحمن عن عائشة - كما رواه النَّسائيُّ -، وقال عَلِيٌّ - يعني الدَّارَقُطْنِيُّ -: الأوَّل متصلٌ، وهو إسنادٌ حسنٌ، وعبد الرَّحمن قد أدرك عائشة، فدخل عليها وهو مراهقٌ (2) O.
1220- وقد احتجَّ أصحابنا بحديثٍ خامسٍ، ذكره أبو بكر الأثرم من حديث أنس بن مالك قال: كنَّا نسافر فمنَّا المتمُّ، ومنَّا المقصر، لا يعيب بعضناعلى بعض.
غير أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ، تفرَّد به زيدٌ العميُّ، وليس بشيءٍ، وإنَّما الحديث المعروف: فمنَّا الصَّائم، ومنَّا المفطر.
احتجُّوا بحديثٍ وثلاثة آثار:
1221- أمَّا الحديث: فرواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمد بن المغلس ثنا أبو همَّام قال: حدَّثني بقيَّة بن الوليد عن أبي يحيى المدنيِّ عن عمرو بن شعيب (3) .
وقال العقيليُّ: ثنا الحسن بن عليِّ بن زياد ثنا موسى بن إبراهيم الفرَّاء (4) ثنا بقيَّة بن الوليد عن عبد العزيز بن عبيد الله عن عمر بن سعيد.
كلاهما عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المتمُّ الصَّلاة في السَّفر كالمقصر في الحضر " (5) .
__________
(1) المرجع السابق.
(2) المرجع السابق، وهو في "سنن الدارقطني": (2/188) .
(3) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (5/316 - 317 - رقم: 5570) .
(4) كذا بالأصل و (ب) وفي "التحقيق" و"الضعفاء الكبير": (إبراهيم بن موسى الفراء) .
(5) "الضعفاء الكبير": (3/162 - رقم: 1153) تحت ترجمة عمر بن سعيد.(2/521)
وأمَّا الآثار:
1222- فروى الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن زُبيد الإيَاميِّ عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عمر قال: صلاة السَّفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمامٌ غير قصر، على لسان محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
ز: روى هذا الحديث النَّسائيُّ (2) وابن ماجه (3) وأبو حاتم بن حِبَّان (4) ، وقال النَّسائيُّ: ابن أبي ليلى لم يسمعه من عمر.
ويدلُّ على صحَّة قول النَسائيِّ رواية ابن ماجه له عن محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد بن بشر عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زُبيد عن عبد الرَّحمن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر (5) .
وقال أبو محمد بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه محمد بن بشر عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زُبيد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عُجرة عن عمر قال: صلاة السَّفر ركعتان على لسان النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورواه الثَّوريُّ عن زُبيد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عمر - ليس فيه كعب - قال: صلاة السَّفر ركعتان.
قال أبي: الثَّوريُّ أحفظ. انتهى كلامه (6) .
__________
(1) "المسند": (1/37) .
(2) "سنن النسائي": (3/111 - رقم: 1420) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/338 - رقم: 1063) .
(4) "الإحسان": (7/22 - 23 - رقم: 2783) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/338 - رقم: 1064) .
(6) "العلل": (1/138 - رقم: 381) .(2/522)
وقد رواه الهيثم بن كليب: ثنا عيسى بن أحمد العسقلانيُّ أنا يزيد بن هارون أنا سفيان عن زُبيد الياميُّ عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عمر ابن الخطَّاب يقول ... فذكره (1) .
ورواه أبو خيثمة زهير بن حرب وإسحاق بن أبي إسرائيل عن يزيد بن هارون.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ولم يتابع يزيد بن هارون على هذا (2) .
ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن القواريريِّ عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن زبيد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن الثِّقة عن عمر (3) .
وقال مسلم بن الحجَّاج في خطبة كتابه: وأسند عبد الرَّحمن بن أبي ليلى وقد حفظ عن عمر بن الخطَّاب (4) .
1223- وقد روى أبو يعلى الموصليُّ عن محمد بن عليِّ بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي يقول: ثنا الحسين بن واقد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت أنَّ عبد الرَّحمن بن أبي ليلى حدَّثه قال: خرجت مع عمر بن الخطَّاب إلى مكَّة، فاستقبلنا أمير مكَّة نافع بن علقمة، فقال: من استخلِف على مكَّة؟
قال: استخلف عليها عبد الرَّحمن بن أبزى (5) .
__________
(1) ومن طريق الشاشي خرجه الضياء في "المختارة": (1/347 - رقم: 240) .
وجاءت رواية الهيثم بن كليب في (ب) عقب كلمة النسائي السابقة (لم يسمع من عمر) .
(2) "العلل": (2/116 - رقم: 150) .
(3) لم نقف عليه في الرواية المطبوعة، ولعله في رواية ابن المقرئ، وانظر: "المختارة" للضياء: (1/348 - رقم: 240) و" مسند الفاروق " لابن كثير: (1/203) .
(4) "صحيح مسلم": (1/27) ؛ (فؤاد - 1/34) .
(5) "مسند أبي يعلى": (1/186 - رقم: 211) .(2/523)
الحديث مذكورٌ في مسلم من طريق أبي الطُّفيل (1) ، وهذا الطَّريق الذي ذكره أبو يعلى فيه دليلٌ على صحبة عبد الرَّحمن بن أبي ليلى لعمر رضي الله عنه.
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ قال: قال محمد بن عليٍّ الوَّراق: قلت لأبي نعيم: سمع ابن أبي ليلى من عمر؟ قال: لا أدري.
قال محمد بن عليٍّ: قلت ليحيى بن معين: سمع ابن أبي ليلى من عمر؟ فلم يثبت ذاك (2) .
وقال العباس بن محمد الدُّوريُّ: سئل يحيى بن معين عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عمر، فقال: لم يره. فقلت له: الحديث الذي يروي كنَّا مع عمر نتراءى الهلال؟ فقال: ليس بشيءٍ (3) O.
1224- قال: والثَّاني في أفراد مسلم من قول ابن عباس: فرض الله الصَّلاة على نبيِّكم في الحضر أربعًا، وفي السَّفر ركعتين، وفي الخوف ركعة (4) .
1225- والثَّالث: في "الصَّحيحين" عن عائشة قالت: فُرضت الصَّلاة ركعتين، فأُقرَّت صلاة السَّفر، وزيد في صلاة الحضر (5) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/201) ؛ (فؤاد - 1/559 - رقم: 817) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/168 - 169) .
(3) "التاريخ": (3/97 - رقم: 393) .
(4) "صحيح مسلم": (2/143) ؛ (فؤاد - 1/479 - رقم: 687) .
(5) "صحيح البخاري": (1/98 - 99) ؛ (فتح - 1/464 - رقم: 350) .
"صحيح مسلم": (2/142) ؛ (فؤاد - 1/478 - رقم: 685) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: عن ابن عمر قال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتانا ونحن ضُلاَّل، فعلمنا، فكان فيما علمنا أن الله عزَّ وجلَّ أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر. رواه النسائي.
كذا ذكره صاحب "المنتقى" بهذا اللفظ، ولم أره في النسائي بهذا اللفظ في قصر الصلاة، فكأنه رواه في موضع آخر.
قال النسائي: أنا قتيبة بن سعيد أنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن =(2/524)
والجواب:
أمَّا الحديث: فلا يصحُّ، في طريقه الأوَّل ابن المغلس، وكان كذَّابًا.
وفي طريقه الثَّاني عبد العزيز، قال أبو زرعة: هو واهي الحديث (1) .
وقال النَّسائيُّ: متروكٌ.
قال العقيليُّ: عمر مجهولٌ في النَّقل، وليس في هذا المتن شيءٌ يثبت، وإنَّما روي هذا الحديث بلفظٍ آخر: " الصَّائم في السَّفر كالمفطر في الحضر "، مع ضعف الرِّواية فيه (2) .
وأمَّا قول عمر: فالمراد أنَّها مجزئةٌ تامةٌ، لا تقصر عن إدراك الثَّواب بالأربع، وكيف يدعي أنَّها غير مقصورة، ولفظ القرآن والإجماع يخالفه؟!
وأمَّا قول ابن عباس: فجوابه من وجهين:
أحدهما: أَنَّه رأيه (3) .
__________
= عبد الرَّحمن عن أميَّة بن عبد الله بن خالد أنه قال لعبد الله بن عمر: إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن؟ فقال ابن عمر: إن الله تبارك وتعالى بعث إلينا محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نعلم شيئًا، فإنما نفعل كما رأينا محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل.
رواه الإمام أحمد وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه" وأبو حاتم بن حبان) ا. هـ
واللفظ الذي ذكره صاحب "المنتقى" هو في "سنن النسائي": (1/226 - رقم: 457) .
وانظر: "المنتقى": (مع النيل - 3/204) ، "سنن النسائي": (3/117 - رقم: 1434) ، "المسند": (2/94) ، "سنن ابن ماجه": (1/339 - رقم: 1066) ، " صحيح ابن خزيمة ": (2/72 - رقم: 946) ، " الأحسان " لابن بلبان: (6/444 - رقم: 2735) .
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/388 - رقم: 1805) .
(2) "الضعفاء الكبير": (3/162 - رقم: 1153) باختصار.
وفي هامش الأصل حاشية لم نتمكن من قراءتها.
(3) في هامش الأصل: (هذا الجواب لا يصح، فإن لفظ مسلم فيه: " فرض الله الصلاة على لسان نبيكم "، وهذا لا يكون رأيًا) ا. هـ(2/525)
والثَّاني: أنَّا نحمله على من اختار القصر، فإنَّه فرضه.
وجواب حديث عائشة من وجهين:
أحدهما: أنَّه رأيٌ لا رواية.
والثَّاني: أنَّها تشير إلى المفروض الأوَّل، يدلُّ عليه أنَّ عائشة كانت تتمُّ في السَّفر.
ز: أحمد بن محمد بن المغلس شيخ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثقةٌ، اشتبه على المؤلِّف بأحمد بن محمد بن الصَّلت بن المغلس الحمانيِّ، وهو كذَّابٌ وضَّاعٌ.
والحديث لا يصحُّ، لأنَّ راويه مجهولٌ.
وما أجاب به المؤلِّف عن حديث عمر وابن عباس وعائشة فيه نظرٌ، والله أعلم O.
* * * * *
مسألة (231) : القصر أفضل من الإتمام، خلافًا لأحد قولي الشَّافعيِّ.
1226- قال الإمام أحمد: ثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمارة ابن غَزيَّة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله تبارك وتعالى يحبُّ أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته " (1) .
ز: روي عن عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع:
__________
(1) "المسند": (2/108) .(2/526)
1227- قال عليُّ بن المدينيِّ: ثنا أبي وعبد العزيز - يعني ابن محمد - عن عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته " (1) .
وقال إسماعيل بن عبد الله: ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم ثنا يحيى بن أيُّوب ثنا ابن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر.
1228- قال إسماعيل: وثنا سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز عن عمارة ابن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله يحبُّ أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته ".
1229- وقال أبو يعلى الموصليُّ: ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا عبد العزيز بن محمد ثنا عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن تؤتى رخصه، كما يحبُّ أن تؤتى عزائمه ".
ورواه محمد بن إسحاق بن خزيمة في "صحيحه" عن أحمد بن عبد الله ابن عبد الرَّحيم البرقيِّ عن ابن أبي مريم (2) .
ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ عن محمد بن إسحاق الثَّقفيِّ عن قتيبة ابن سعيد (3) .
__________
(1) هو في "المسند" للإمام أحمد: (2/108) من رواية علي عن عبد العزيز.
(2) "صحيح ابن خزيمة": (2/73 - رقم: 950) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (6/451 - رقم: 2742) .
وفي هامش الأصل: (حـ: وقد روي عن الدراوردي عن موسى بن عقبة عن نافع) ا. هـ(2/527)
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواية ابن لهيعة وإبراهيم بن أبي يحيى عن عمارة بن غَزيَّة عن نافع.
وكذلك قال قتيبة بن سعيد عن الدَّراورديِّ.
وخالفه سعيد بن منصور وعليُّ بن المدينيِّ وإسحاق بن أبي إسرائيل رووه عن الدَّراورديِّ عن عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر.
وكذلك رواه يحيى بن عبد الله بن سالم ويحيى بن أيُّوب المصريُّ وعبد الله ابن جعفر المديني عن عمارة بن غَزيَّة عن حرب بن قيس، وهو الصَّواب.
انتهى كلامه.
وعمارة بن غَزيَّة (1) : احتجَّ به مسلمٌ (2) ، ووثَّقه أحمد (3) وأبو زرعة (4) ، وقال يحيى بن معين: صالحٌ (5) . وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأسٌ، كان صدوقًا (6) . وقال محمد بن سعد: كان ثقةً، كثير الحديث (7) . وضعَّفه ابن حزمٍ وحده (8) .
وحرب بن قيس: ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، ولم يذكر فيه جرحًا (9) .
__________
(1) رقم فوقه: (م، 4) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/92 - رقم: 1234) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/474 - رقم: 3106) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/368 - رقم: 2030) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/368 - رقم: 2030) من رواية إسحاق بن منصور.
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/368 - رقم: 2030) .
(7) "الطبقات الكبرى": (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة - ص: 295 - رقم: 189) .
(8) "المحلى": (4/17 - المسألة: 641) .
(9) "الجرح والتعديل": (3/249 - رقم: 1110) .(2/528)
1230- وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن الحكم بن عبد الله الأيليَّ أَنَّه سمع القاسم عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ أن يعمل برخصه، كما يحبُّ أن يعمل بفرائضه " (1) .
الحكم بن عبد الله بن سعد الأيليُّ: تركوه، وقال السَّعديُّ: جاهلٌ كذَّابٌ، وأمره أوضح من ذلك (2) .
1231- وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن أبي هريرة أنَّ رجلاً قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقصر الصَّلاة في سفري؟ قال: " نعم، إنَّ الله يحبُّ أن يؤخذ برخصه، كما يحبُّ أن يؤخذ بفريضته ". قال: يا رسول الله، فما الطهور على الخفَّين؟ قال: " للمقيم يومٌ وليلةٌ، وللمسافر ثلاثة أيَّام ولياليهن ".
ورواه أبو أحمد بن عَدِيٍّ أيضًا (3) ، وهو من رواية عمر بن عبد الله بن أبي خثعم، وهو ضعيف الحديث O.
1232- قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق (4) عن عائشة قالت: رخَّص لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمرٍ، فتنزَّه عنه ناسٌ من النَّاس، فبلغ ذلك النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغضب حتى بان الغضب في وجهه، ثُمَّ قال: " ما بال أقوامٍ يرغبون عن ما رُخِّص لي فيه؟! فوالله لأنا أعلمهم بالله عزَّ وجلَّ، واشدُّهم له خشيةً " (5) .
__________
(1) "الكامل": (2/203 - رقم: 389) تحت ترجمة الحكم بن عبد الله.
(2) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 259 - 260 - رقم: 271) .
(3) "الكامل": (5/65 - رقم: 1241) .
(4) (عن مسروق) سقط من "التحقيق".
(5) "المسند": (6/45) .(2/529)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
* * * * *
مسألة (232) : سفر المعصية لا يبيح الرُّخص.
وقال أبو حنيفة وداود: يجوز له التَّرخُّص.
وأصحابنا يستدلُّون:
بقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: 173] ، وبالقياس، إلا أنِّي رأيت القاضي أبا يعلى محمد بن الحسين بن الفرَّاء قد استدلَّ في " تعليقته الكبرى " بحديثٍ استظرفت استدلاله به، فإنَّه قال:
1233- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الضَّرير المقرئ - بانتقاء أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيِّ - أنا محمد بن الحسن بن زياد المقرئ ثنا عبد الرَّحمن بن يحيى الزُّبيديُّ ثنا عبد الله بن عبد الجبَّار الخبائزيُّ ثنا الحكم بن عبد الله قال: حدَّثني الزُّهريُّ عن سعيد بن المسيّب عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثةٌ لا يقصرون الصَّلاة: الفاجر في أفقه الفقه، والمرأة تزور غير أهلها، والرَّاعي ".
قال: فقد نصَّ على أنَّ الفاجر لا يقصر!
وهذا تصحيفٌ، قد أضيف إليه كلمةٌ، ولا معنى له، لأنَّ ذكر (أفقه الفقه) لا معنى له في حقِّ الفاجر، ولا أدري هذا التَّصحيف من أيِّ الرُّواة هو؟ وإنَّما الحديث غير ذا:
__________
(1) "صحيح البخاري": (8/253) ؛ (فتح - 10/315 - رقم: 6101) .
"صحيح مسلم": (7/90) ؛ (فؤاد - 4/1829 - رقم: 2356) .(2/530)
1234- قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: ثنا هنبل بن محمد ثنا عبد الله بن عبد الجبَّار ثنا الحكم بن عبد الله قال: حدَّثني الزُّهريُّ عن سعيد بن المسيّب عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثةٌ لا يقصرون الصَّلاة: التاجر في أُفقه، والمرأة تزور أهلها، والرَّاعي " (1) .
هذا هو الحديث، وليس بصحيحٍ، والمتَّهم به الحكم، قال أحمد بن حنبل: كلُّ أحاديثه موضوعةٌ (2) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو كذَّابٌ (3) .
وإنَّما ذكرت هذا ليعرف.
ز: الظاهر أنَّ التخليط في اللفظ الأوَّل من محمد بن الحسن بن أبي بكر النَّقَّاش المقرئ، فإنَّه لا يعتمد عليه، وهو ضعيفٌ عندهم، وقد اتَّهمه بعضهم بالكذب، وقال البرقانيُّ: كلُّ حديثه منكرٌ (4) . وقال الخطيب: أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة (5) .
واللفظ الثَّاني: رواه ابن عَدِيٍّ في ترجمة الحكم بن عبد الله بن سعد الأيليِّ، وفيه: " والمرأة تزور غير أهلها "، ثُمَّ قال: وبهذا الإسناد ثنا هنبل غير ما ذكرت، أكثر من خمسة عشر حديثًا، كلُّها مع ما ذكرت موضوعةٌ، والحكم ضعفه بيِّنٌ على حديثه (6) O.
* * * * *
__________
(1) "الكامل": (2/204 - رقم: 389) .
(2) "التاريخ" لأبي زرعة الدمشقي: (1/453 - رقم: 1144) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/121 - رقم: 559) وفيه: (ذاهب، متروك الحديث، لا يكتب حديثه، كان يكذب) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (2/205 - رقم: 635) .
(5) "تاريخ بغداد": (2/202 - رقم: 635) .
(6) "الكامل": (2/204 - رقم: 389) .(2/531)
مسألة (233) : إذا أقام في بلدٍ على تنجيز حاجة، ولم ينو الإقامة، قصر أبدًا.
وقال الشَّافعيُّ: يقصر إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يومًا.
1235- قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرَّحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك عشرين يومًا يقصر الصَّلاة (1) .
ز: رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عبد الرَّزَّاق، وقال: غير معمر لا يسنده (2) .
وقال البيهقيُّ: تفرَّد معمر بروايته مسندًا؛ ورواه عليُّ بن المبارك وغيره عن يحيى عن ابن ثوبان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً؛ وروي عن الأوزاعيِّ عن يحيى عن أنس وقال: بضع عشرة، ولا أراه محفوظًا؛ وقد روي من وجهٍ آخر عن جابر: بضع عشرة (3) O.
احتجُّوا:
1236- بما رواه التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال: سافر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفرًا، فصلَّى سبعة (4) عشر يومًا، ركعتين ركعتين. قال ابن عباس: فنحن نصلِّي فيما بيننا وبين سبعة (5) عشر، ركعتين ركعتين، فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلَّينا أربعًا.
__________
(1) "المسند": (3/295) .
(2) "سنن أبي داود": (2/162 - 163 - رقم: 1228) .
(3) "سنن البيهقي": (3/152) .
(4، 5) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "الجامع": (تسعة) .(2/532)
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
ولا حُجَّة لهم فيه، لأَنَّه اتَّفقت الإقامة تلك المدَّة، وظاهر الحال أنَّها لو زادت دام على القصر.
ز: 1237- عن ابن عباس قال: أقام النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا.
رواه البخاريُّ (2) .
وقال البيهقيُّ: اختلفت الروايات في تسع عشرة وسبع عشرة، وأصحُّها عندي - والله أعلم - رواية من روى تسع عشرة، وهي الرِّواية التي أودعها محمد بن إسماعيل البخاريُّ " الجامعَ الصَّحيح "، فأحد من رواها ولم يختلف عليه - عِلْمي - عبدُ الله بن المبارك، وهو أحفظ من رواه عن عاصم الأحول، والله أعلم (3) O.
* * * * *
__________
(1) "الجامع": (1/552 - رقم: 549) وفيه: (غريب حسن صحيح) .
وفي هامش الأصل: (حـ: وقال البيهقي: ورواه أبو معاوية عن عاصم الأحول فقال - في أكثر الروايات عنه -: تسع عشرة) ا. هـ
(2) "صحيح البخاري": (2/273) ؛ (فتح - 2/561 - رقم: 1080) .
(3) "سنن البيهقي": (3/151) .(2/533)
مسائل الجمع
مسألة (234) : يجوز الجمع في السَّفر.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
لنا أحاديث:
1238- قال أحمد: ثنا يحيى بن غيلان ثنا المفضَّل بن فضالة قال: حدَّثني عُقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد ان يرتحل قبل أن تزيغ الشَّمس أخَّر الظُّهر إلى وقت العصر، ثُمَّ ينزل فيجمع بينهما، وإذا زاغت الشَّمس قبل أن يرتحل صلَّى الظُّهر، ثُمَّ ركب (1) .
1239- قال أحمد: وثنا محمد بن فضيل عن يزيد (2) عن عطاء عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجمع بين صلاتين في السَّفر: المغرب والعشاء؛ والظُّهر والعصر (3) .
الحديثان في "الصَّحيحين" (4) .
__________
(1) "المسند": (3/265) ؛ "صحيح البخاري": (2/278) ، (فتح - 2/582 - رقم: 1111) ؛ "صحيح مسلم": (2/150 - 151) ، (فؤاد - 1/489 - رقم: 704) .
(2) في مطبوعة "المسند": (زيد) خطأ، وهو على الصواب في " الأطراف " لابن حجر: (3/ 170 - رقم: 3569) .
وفي هامش الأصل: (حـ: يزيد هو: ابن أبي زياد، ولم يخرجاه من حديثه) ا. هـ
(3) "المسند": (1/217) .
(4) "صحيح البخاري": (2/277) ؛ (فتح - 2/579 - رقم: 1107) بنحوه.
"صحيح مسلم": (2/151) ؛ (فؤاد - 1/490 - رقم: 705) بنحوه.(2/534)
1240- قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني حسين بن عبد الله بن (1) عبيد الله بن عباس عن عكرمة وكريب أنَّ ابن عباس قال: إلا أحدِّثكم عن صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السَّفر؟ قلنا: بلى. قال: كان إذا زاغت الشَّمس في منزله جمع بين الظُّهر والعصر قبل أن يركب، وإذا لم تزغ له في منزله سار، حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظُّهر والعصر، وإذا حانت المغرب له في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب، حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما (2) .
ز: حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس المدنيُّ: تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمَّة، قال أبو بكر الأثرم عن أحمد: له أشياء منكرة (3) . وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: ضعيف (4) . وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى: ليس به بأسٌ، يكتب حديثه (5) . وقال البخاريُّ: قال عليٌّ: تركت حديثه. وتركه أحمد أيضًا (6) . وقال أبو زرعة: ليس بقويٍّ (7) . وقال أبو حاتم: ضعيفٌ، وهو أحبُّ إليَّ من حسين بن قيس، يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (8) . وقال الجوزجانيُّ: لا يشتغل بحديثه (9) . وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (10) . وقال مرَّة: ليس بثقةٍ (11) . وقال العقيليُّ: له غير
__________
(1) في هامش الأصل: (كان فيه " عن " وهم) ا. هـ وهو على الصواب في مطبوعة "التحقيق".
(2) "المسند": (1/368) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/57 - رقم: 258) .
(4) المرجع السابق.
(5) "الكامل" لابن عدي: (2/349 - رقم: 480) .
(6) " التاريخ الأوسط ": (2/42) .
(7، 8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/57 - رقم: 258) .
(9) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 235- رقم: 238) .
(10) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 84 - رقم: 145) .
(11) "تهذيب الكمال" للمزي: (6/385 - رقم: 1315) .(2/535)
حديث لا يتابع عليه (1) . وقال أيضًا: ثنا آدم سمعت البخاريَّ يقول: يقال: حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس وعبد الله بن يزيد بن فِنْطِس متهمان بالزَّندقه (2) . وقال محمد بن سعد: كان كثير الحديث، ولم أرهم يحتجُّون بحديثه (3) . وروى ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمته، وقال: أحاديثه يشبه بعضها بعضًا، وهو ممَّن يكتب حديثه، فإنِّي لم أجد في أحاديثه حديثًا منكرًا قد جاوز المقدار (4) O.
1241- وقال مسلم بن الحجَّاج: ثنا يحيى بن حبيب ثنا خالد بن الحارث ثنا قُرَّة بن خالد ثنا أبو الزُّبير ثنا عامر بن واثلة (5) أبو الطُّفيل ثنا معاذ بن جبل قال: جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك بين الظُّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. قال: فقلت: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمَّته.
انفرد بإخراجه مسلمٌ (6) .
1242- وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطُّفيل عن معاذ بن جبل أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشَّمس، أخَّر الظُّهر إلى أن يجمعها إلى العصر، فيصلَّيهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشَّمس، عجَّل العصر إلى الظُّهر، ويصلِّي الظُّهر والعصر جميعًا، وإذا ارتحل قبل المغرب، أخَّر المغرب حتى يصلِّيها مع العشاء،
__________
(1) "الضعفاء الكبير": (1/246 - رقم: 293) .
(2) "الضعفاء الكبير": (2/316 - رقم: 901) تحت ترجمة عبد الله بن يزيد الهذلي.
(3) "الطبقات الكبرى": (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة - ص: 247 - رقم: 133) .
(4) "الكامل": (2/351 - رقم: 480) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: رأيت في نسخة صحيحة لمسلم: " عمرو بن واثلة " وعليه: " والصحيح: عامر ") ا. هـ
(6) "صحيح مسلم": (2/152) ؛ (فؤاد - 1/490 - رقم: 706) .(2/536)
وإذا ارتحل بعد المغرب، عجَّل العشاء فصلاَّها مع المغرب (1) .
وقد روى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمع بين الصَّلاتين: عليُّ بن أبي طالب وابن عمر وعائشة.
ز: روى هذه الحديث أيضًا الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) عن قتيبة.
وقال أبو داود: لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده.
وقال التِّرمذيُّ: حديث معاذ حديثٌ حسنٌ غريبٌ، تفرَّد به قتيبة، لا نعرف أحدًا رواه عن الليث غيره، والمعروف عند أهل العلم ما روى أبو الزُّبير المكيُّ عن أبي الطُّفيل عن معاذ بن جبل أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع في غزوة تبوك بين الظُّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.
روى هذا الحديث قرَّة بن خالد وسفيان الثَّوريُّ ومالك بن أنس وغير واحد من الأئمة عن أبي الزُّبير المكيِّ.
وروى عليُّ بن المدينيِّ عن أحمد بن حنبل عن قتيبة هذا الحديث، حدَّثنا بذلك عبد الصَّمد بن سليمان ثنا زكريا بن يحيى اللؤلؤيُّ ثنا أبو بكر الأعين عن عليِّ بن المدينيِّ (4) .
وقال البيهقيُّ: تفرَّد به قتيبة بن سعيد عن ليث عن يزيد، أنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه الصَّيدلانيَّ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت
__________
(1) "الجامع": (1/554 - 555 - رقم: 553) .
(2) "المسند": (5/241 - 242) .
(3) "سنن أبي داود": (2/157 - رقم: 1213) .
(4) "الجامع": (1/556 - رقم: 554) مع اختلاف يسير، وتقديم وتأخير.(2/537)
صالح بن حفصويه - نيسابوريٌّ، صاحب حديث - يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاريَّ يقول: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطُّفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدائنيِّ. قال محمد بن إسماعيل: وكان خالد المدائنيُّ هذا يدخل الأحاديث على الشُّيوخ.
قال البيهقيُّ: وإنَّما أنكروا من هذا رواية يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطُّفيل، فأمَّا رواية أبي الزُّبير عن أبي الطُّفيل فهي محفوظةٌ صحيحةٌ (1) .
1243- وقال أبو داود في "سننه": ثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرَّمليُّ ثنا المفضَّل بن فضالة والليث بن سعدٍ عن هشام بن سعدٍ (2) عن أبي الزُّبير عن أبي الطُّفيل عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشَّمس قبل أن يرتحل، جمع بين الظُّهر والعصر، وإن ترَّحل قبل أن تزيغ الشَّمس أخَّر الظُّهر حتى ينزل العصر، وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشَّمس قبل أن يرتحل، جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشَّمس، أخَّر المغرب حتى ينزل للعشاء، ثُمَّ جمع بينهما.
قال أبو داود: رواه هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحو حديث المفضَّل والليث (3) .
وقد بسطنا الكلام على الأحاديث الواردة في جمع التَّقديم في كتاب " الأحكام الكبير "، والله أعلم O.
__________
(1) "سنن البيهقي": (3/163) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: هشام بن سعد تكلم فيه غير واحد، وقال الحاكم: روى له " م " في الشواهد) ا. هـ
(3) "سنن أبي داود": (2/152 - 153 - رقم: 1201) .(2/538)
احتجُّوا:
1244- بما روى التِّرمذيُّ: ثنا يحيى بن خلف ثنا المعتمر بن سليمان
عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من جمع
بين صلاتين من غير عذرٍ، فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر " (1) .
هذا لا يصحُّ، وحنشٌ هو: أبو عليٍّ الرَحبيُّ، واسمه حسين بن
قيس، وإنَّما حنش لقبه، كذَّبه أحمد (2) ، وقال مرَّةً: هو متروك الحديث (3) .
وكذلك قال النَّسائيُّ (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) ، وقال يحيى: ليس بشيءٍ (6) .
وقال العقيليُّ: وهذا الحديث لا أصل له (7) .
ز: روى هذا الحديث الحاكم في "المستدرك" وقال: حنش هو ابن قيس، ثقةٌ (8) .
ولم يتابع الحاكم على توثيقه.
وقال البيهقيُّ: تفرَّد به حسين بن قيس أبو عليٍّ الرَّحبيُّ - المعروف بـ " حنش " -، وهو ضعيفٌ عند أهل النَّقل، لا يحتجُّ بخبره.
__________
(1) "الجامع": (1/231 - رقم: 188) .
وفي هامش الأصل: (ذكر ابن عند البر في "التمهيد" [ ... ] ) ا. هـ وبقية الكلام لم نتمكن من قراءته، وانظر: "التمهيد": (5/77) .
(2) "المجروحون": (1/242) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/486 - رقم: 3198) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 85 - رقم: 148) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/395) ، وفيه: (متروك) .
(6) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/247 - رقم: 295) .
(7) المرجع السابق.
(8) "المستدرك": (1/275) .(2/539)
1245- قال: وأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أَسِيد بن عاصم ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن سعيد عن قتادة عن أبي العالية عن عمر قال: جمع الصَّلاتين من غير عذرٍ من الكبائر.
قال الشَّافعيُّ في " سنن حرملة ": العذر يكون بالسَّفر والمطر، وليس هذا بثابت عن عمر، هو مرسلٌ.
قال البيهقيُّ: هو كما قال الشَّافعيُّ رحمه الله، فالإسناد المشهور لهذا الأثر ما ذكرنا، وهو مرسل، أبو العالية لم يسمع من عمر رضي الله عنه، وقد روي ذلك بإسنادٍ آخر قد أشار الشَّافعيُّ إلى متنه في بعض كتبه:
1246- أنا أبو الحسن محمد بن الحُسين العلويُّ أنا عبد الله بن محمد بن الحسن الرَّمْجَاريُّ ثنا عبد الرَّحمن بن بشر ثنا يحيى بن سعيد عن يحيى بن صَبيح قال: حدَّثني حميد بن هلال عن أبي قتادة - يعني العدويَّ - أنَّ عمر رضي الله عنه كتب إلى عامل له: ثلاثٌ من الكبائر: الجمع بين الصَّلاتين إلا من عذر، والفرار من الزَّحف، والنُّهبى.
أبو قتادة العدويُّ أدرك عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، فإن كان شَهِده كتب، فهو موصولٌ، وإلا فهو إذا انضمَّ إلى الأوَّل صار قويًّا (1) O.
* * * * *
__________
(1) "سنن البيهقي": (3/169) بتقديم وتأخير.(2/540)
مسألة (235) : يجوز الجمع لأجل المطر.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
1247- قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن حبيب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الظُّهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوفٍ ولا مطرٍ (1) .
وفي هذا دليلٌ على أَنَّه يكون الجمع في المطر.
1248- وقد روى أصحابنا أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين العشاءين في ليلةٍ مطيرةٍ.
ز: 1249- قال مسلمٌ في "صحيحه": ثنا يحيى بن يحيى قال:
قرأت على مالك عن أبي الزُّبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، في غير خوفٍ ولا سفرٍ.
1250- قال: وثنا أحمد بن يونس وعون بن سلاَّم جميعًا عن زهير - قال ابن يونس: ثنا زهير - ثنا أبو الزُّبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهر والعصر جميعًا بالمدينة، في غير خوفٍ ولا سفرٍ. قال أبو الزُّبير: فسألت سعيدًا: لم فعل ذلك؟ فقال: سألتُ ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمَّته (2) .
__________
(1) لم نقف عليه في مطبوعة "المسند"، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في " الأطراف ": (3/69 - رقم: 3282) .
(2) "صحيح مسلم": (2/151) ؛ (فؤاد - 1/489 - 490 - رقم: 705) .(2/541)
1251- قال: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: ثنا أبو معاوية، (ح) وثنا أبو كريب وأبو سعيد الأشج - واللفظ لأبي كريب - قالا: ثنا وكيع، كلاهما عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الظُّهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة، في غير خوفٍ ولا مطرٍ.
في حديث وكيع: قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمَّته. وفي حديث أبي معاوية: قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟
قال: أراد أن لا يحرج أمَّته (1) .
قال البيهقيُّ: ولم يخرج هذا الحديث البخاريُّ مع كون حبيب بن أبي ثابت من شرطه، ولعلَّه إنَّما أعرض عنه - والله أعلم - لما فيه من الاختلاف على سعيد بن جبير في متنه (2) .
وقال مالك في قوله: (ولا سفر) أرى ذلك كان في مطرٍ.
1252- وروى عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر، جمع معهم (3) .
1253- وعن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن أنَّه قال: إنَّ من السُّنَّة اذا كان يوم مطرٍ أن يجمع بين المغرب والعشاء.
رواه أبو بكر الأثرم في "سننه" (4) O.
* * * * *
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/152) ؛ (فؤاد - 1/490 - 491 - رقم: 705) .
(2) "سنن البيهقي": (3/167) .
(3) "الموطأ": (1/144 - 145 - كتاب قصر الصلاة - الباب رقم: 1) .
(4) "المغني" لابن قدامة: (3/132 - المسألة رقم: 273) .(2/542)
فصلٌ (1) (236)
وهذا الجمع يخصُّ العشاءين.
وقال الشَّافعيُّ: يجوز الجمع في المطر في الظُّهر والعصر، والعشاءين.
لنا:
الحديث المتقدِّم.
ز: ذهب جماعة من أصحابنا إلى جواز الجمع لأجل المطر بين الظُّهر والعصر، منهم القاضي وأبو الخطَّاب.
واحتجُّوا:
1254- بما روي عن يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع في المدينة بين الظُّهر والعصر في المطر.
وهذا حديثٌ لا يعرف ولا يصحُّ.
قال أبو بكر الأثرم: قيل لأبي عبد الله: الحمع بين الظُّهر والعصر في المطر؟ قال: لا، ما سمعته (2) O.
* * * * *
__________
(1) في "التحقيق": (قيل) !
(2) "المغني": (3/132 - 133 - المسألة رقم: 273) .(2/543)
مسألة (237) : يجوز الجمع لأجل المرض، خلافًا لأصحاب الشَّافعيِّ.
لنا:
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاز لحمنة بنت جحش لمَّا استحيضت أن تجمع بين الصَّلاتين.
وقد ذكرناه بإسناده في كتاب الحيض (1) .
* * * * *
__________
(1) رقم: (462) .(2/544)
مسائل الجمعة
مسألة (238) : تجب الجمعة على من سمع النِّداء من المصر، إذا كان المؤذِّن صيِّتًا، والرِّيح ساكنة.
وقد حدَّه مالكٌ بفرسخٍ، ولم يحدَّه الشَّافعيُّ.
وعن أحمد في التَّحديد نحو قولهما.
وقال أبو حنيفة: لا تجب على من بينه وبين المصر فرجة.
1255- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا هشام ابن خالد ثنا الوليد عن زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّما الجمعة على من سمع النِّداء " (1) .
ز: قال البيهقيُّ: هكذا ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله في كتابه بهذا الإسناد مرفوعًا، وروي عن حجَّاج بن أرطأة عن عمرو كذلك مرفوعًا.
1256- وقد أنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث الأصبهانيُّ أنا أبو محمد بن حَيَّان ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا أبو عامر موسى بن عامر ثنا الوليد - هو ابن مسلم - قال: وأخبرني زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عبد الله بن عمرو قال: إنَّما تجب الجمعة على من سمع النِّداء، فمن سمعه فلم يأته فقد عصى ربَّه.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/6) .(2/545)
وهذا موقوف (1) O.
1257- وقال أبو داود: ثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا قَبيصة ثنا سفيان عن محمد بن سعيد عن أبي سلمة بن نُبَيْه عن عبد الله بن هارون عن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجمعة على من سمع النِّداء ".
قال أبو داود: روى هذا الحديث جماعةٌ عن سفيان مقصورًا على عبد الله ابن عمرو، لم يرفعوه، أسنده قَبيصة (2) .
ز: هذا الإسناد فيه جهالةٌ، فإنَّ أبا سلمة وعبد الله بن هارون غير مشهورين.
وقال ابن أبي داود: محمد بن سعيد الطَّائفيُّ ثقةٌ، وهذه سنَّةٌ تفرَّد بها أهل الطََّائف (3) .
وقال البيهقيُّ: قبيصة بن عقبة من الثِّقات، ومحمد بن سعيد هذا هو الطَّائفيُّ، ثقةٌ (4) O.
وقال التِّرمذيُّ: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كنَّا عند أحمد بن حنبل، فذكروا على من تجب الجمعة، فلم يذكر فيه أحمد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا، فقلت لأحمد: فيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: عن النَّبيِّ؟! قلت: نعم.
1258- حدَّثنا حجَّاج بن نصير ثنا معارك بن عبَّاد عن عبد الله بن
__________
(1) "سنن البيهقي": (3/173 - 174) .
(2) "سنن أبي داود": (2/89 - رقم: 1049) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/6) .
(4) "سنن البيهقي": (3/173) .(2/546)
سعيد المقبريِّ عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجمعة على من آواه الليل إلى أهله ".
قال: فغضب عَلَيَّ أحمد بن حنبل، وقال: استغفر ربَّك، استغفر ربَّك.
قال التِّرمذيُّ: إنَّما فعل به أحمد هذا لأنَّه لم يعدَّ هذا الحديث شيئًا، لحال إسناده (1) .
قلت: أمَّا معارك: فقد ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (2) ، وقال أبو زرعة: واهي الحديث (3) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: أحاديثه منكرة (4) .
وأمَّا عبد الله بن سعيد: فقال أحمد والفلاَّس: منكر الحديث متروكه (5) .
وقال يحيى بن سعيد: استبان لي كذَّبه في مجلسٍ (6) . وقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ، ولا يكتب حديثه (7) .
وأمَّا حجَّاج: فقال ابن المدينيِّ: ذهب حديثه (8) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ (9) وأبو داود السِّجستانيُّ: تركوا حديثه (10) .
ز: رواه غير حجَّاج عن معارك:
__________
(1) "الجامع": (1/511 - 512 - رقم: 502) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 374 - رقم: 536) .
(3، 4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/371 - 372 - رقم: 1699) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/71 - رقم: 336) .
(6) "التاريخ الكبير" للبخاري: (5/105 - رقم: 307) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (4/162 - رقم: 983) من رواية ابن أبي مريم.
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/167 - رقم: 712) .
(9) المرجع السابق، وفيه: (ترك حديثه، كان الناس لا يحدثون عنه) .
(10) " سؤالات الآجري ": (2/65 - رقم: 1143) وفيه: (ترك الناس حديثه) .(2/547)
1259- قال ابن عَدِيٍّ: أنا أبو يعلى ثنا محمد بن أبي بكر ثنا مسلم - يعني ابن إبراهيم - عن المعارك بن عبَّاد عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من علم أنَّ الليل يأويه إلى أهله، فليشهد الجمعة ".
قال البيهقيُّ: تفرَّد به معارك بن عبَّاد عن عبد الله بن سعيد، وقد قال أحمد بن حنبل: معارك لا أعرفه. وعبد الله متروكٌ (1) O.
* * * * *
مسألة (239) : لا تنعقد الجمعة بأقلّ من أربعين رجلاً.
وعنه: خمسون.
وعنه: ثلاثة.
وقال أبو حنيفة: ثلاثة والإمام.
وقال مالك: يعتبر عدد تُقَرى بهم (2) قرية في العادة.
لنا حديثٌ، وللخصم حديثٌ، ولا تعويل عليهما.
1260- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قرئ على عبد الرَّحمن بن عبد الله بن هارون الأنباريِّ وأنا أسمع: حدَّثكم إسحاق بن خالد بن يزيد ثنا عبد العزيز بن عبد الرَّحمن ثنا خُصيف عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: مضت
__________
(1) "سنن البيهقي": (3/176) وقد أسند الحديث عن ابن عدي.
(2) في "التحقيق": (عدد اثني عشر) !(2/548)
السُّنَّة أنَّ في كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطر (1) .
1261- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو عبد الله محمد بن عليٍّ الأبليُّ ثنا يحيى بن عثمان ثنا عمرو بن الرَّبيع بن طارق ثنا مَسلمة بن عُليٍّ عن محمد بن مطرِّف عن الحكم بن عبد الله بن سعد عن الزُّهريِّ عن أمِّ عبد الله الدَّوسيَّة قالت: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الجمعة واجبةٌ على أهل كلِّ قريةٍ، وإن لم يكونوا إلا ثلاثةً رابعهم إمامهم " (2) .
1262- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو عبد الله الأبليُّ ثنا عبيد الله (3) بن محمد بن خنيس (4) ثنا موسى بن محمد بن عطاء ثنا الوليد بن محمد ثنا الزُّهريُّ قال: حدَّثتني أمُّ عبد الله الدَّوسيَّة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجمعة واجبةٌ على كلِّ قريةٍ فيها إمامٌ، وإن لم يكونوا إلا أربعةً " (5) .
أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه عبد العزيز، قال أحمد: اضرب على أحاديثه، فإنَّها كذبٌ - أو قال: موضوعةٌ (6) -. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو منكر الحديث (7) .
وأمَّا الثَّاني: فإنَّ الزُّهريَّ لم يسمع من الدَّوسيَّة، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/3 - 4) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال البيهقي: تفرد به عبد العزيز القرشي، وهو ضعيف) ا. هـ
وانظر: "سنن البيهقي": (2/9) .
(2) "سنن الدارقطني": (3/177) .
(3) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (عبد الله) .
(4) في "التحقيق": (حصين) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/8) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (3/319 - رقم: 5419) .
(7) "الضعفاء" لابن الجوزي: (2/110 - رقم: 1950) .(2/549)
يصحُّ هذا عن الزُّهريِّ، كلُّ من رواه عنه متروكٌ (1) .
والوليد الموقريُّ متروكٌ.
والحكم متروكٌ، قال أحمد: أحاديث الحكم كلُّها موضوعةٌ (2) . وقال يحيى: ليس بثقةٍ، ولا مأمون (3) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو كذَّابٌ (4) .
وقال النَّسائيُّ (5) والدَّارَقُطْنِيُّ (6) : متروكٌ. وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (7) .
وأمَّا مسلمة بن عليٍّ، فقال يحيى: ليس بشيءٍ (8) . وقال النَّسائيُّ (9) والدَّارَقُطْنِيُّ (1) : متروكٌ.
ز: ترك المؤلِّف الكلام على موسى بن محمد بن عطاء البلقاويِّ، وهو كذابٌ، كذَّبه أبو زرعة (11) وأبو حاتم (12) وغيرهما، وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (13) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (14) . وقال ابن حِبَّان: لا تحلُّ الرِّواية
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/8) .
(2) "التاريخ" لأبي زرعة الدمشقي: (1/453 - رقم: 1144) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (2/202 - رقم: 389) من رواية ابن أبي مريم.
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/121 - رقم: 559) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 79 - رقم: 122) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 180 - 181 - رقم: 161) .
(7) "المجروحون": (1/248) .
(8) "التاريخ" برواية الدوري: (4/450 - رقم: 5242) .
(9) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 219 - رقم: 570) وفيه: (متروك الحديث) .
(10) انظر: " تخريج الأحاديث الضعاف " للغساني: (ص: 181 - رقم: 352) .
(11، 12) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/161 - رقم: 715) .
(13) "الميزان" للذهبي: (4/219 - رقم: 8915) .
(14) "العلل": (1/179 - رقم: 8) وفيه: (متروك الحديث) .(2/550)
عنه، كان يضع الحديث (1) . وقال ابن عَدِيٍّ: كان يسرق الحديث (2) .
وقد احتجَّ من قال: لا تنعقد الجمعة إلا بخمسين:
1263- بما روى ابن عَدِيٍّ: أنا أبو خولة البهرانيُّ ثنا محمد بن آدم ثنا مروان عن جعفر بن الزُّبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجمعة واجبةٌ على خمسين رجلاً، وليست على من دون الخمسين جمعة " (3) .
1264- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن الحسن النَّقَّاش ثنا محمد بن عبد الرَّحمن السَّاميُّ والحسين بن إدريس قالا: ثنا خالد بن الهيَّاج حدَّثني أبي عن جعفر بن الزُّبير عن القاسم عن أبي أمامة أن نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " على الخمسين جمعة، وليس فيما دون ذلك " (4) .
هذا حديثٌ لا يصحُّ، وجعفر بن الزُّبير تركوه O.
* * * * *
مسألة (240) : لا تجب الجمعة على العبيد.
وعنه: تجب، كقول داود.
لنا حديثان:
1265- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبيد الله بن عبد الصَّمد
__________
(1) "المجروحون": (2/243) .
(2) "الكامل": (6/347 - رقم: 1829) .
(3) "الكامل": (2/135 - 136 - رقم: 335) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/4) .(2/551)
ابن المهتدي ثنا يحيى بن نافع بن خالد ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا ابن لهيعة قال: حدَّثني معاذ بن محمد الأنصاريُّ (1) عن أبي الزُّبير عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة، إلا على مريضٍ، أو مسافرٍ، أو امرأةٍ، أو صبيٍّ، أو مملوكٍ " (2) .
ز: هذا حديث لا يصحُّ، وابن لهيعة - فيه - ضعيفٌ (3) ، وقد رواه ابن عَدِيٍّ عن البغويِّ عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة، وليس فيه: " أو امرأة " (4) O.
1266- الحديث الثَّاني: رواه أبو داود من حديث طارق بن شهاب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجمعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ في جماعة، إلا أربعة: عبدٌ مملوك، أو امرأةٌ، أو صبيٌّ، أو مريضٌ ".
قال أبو داود: طارق قد رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمع منه (5) .
ز: رواه أبو داود عن عباس بن عبد العظيم عن إسحاق بن منصور عن هُرَيم بن سفيان عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق.
ورواه الطََّبرانيُّ عن محمد بن عبد الله الحضرميِّ عن أبي بكر بن أبي شيبة عن إسحاق بن منصور (6) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: معاذ وثقه ابن حبان) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (2/3) .
(3) كذا بالأصل، وفي (ب) : (فيه ضعف) .
(4) "الكامل": (6/432 - رقم: 1912) .
(5) "سنن أبي داود": (2/93 - رقم: 1060) .
(6) "المعجم الكبير": (8/321 - 322 - رقم: 8206) و"المعجم الأوسط": (7/22 - 23 - رقم: 5679) .(2/552)
ورواه الحاكم في " مستدركه " وصحَّحه، وذكر أنَّ هريم بن سفيان رواه عن إبراهيم، فزاد في إسناده (عن أبي موسى) (1) .
وقال البيهقيُّ: ورواه عبيد بن محمد العجليُّ عن العباس بن عبد العظيم فوصله، [بذكر] (2) أبي موسى الأشعريِّ فيه، وليس بمحفوظٍ، فقد رواه غير العباس أيضًا عن إسحاق دون ذكر أبي موسى فيه (3) .
وقال في موضعٍ آخر: وهذا الحديث وإن كان فيه إرسال، فهو مرسلٌ جيِّدٌ، فطارق من كبار التَّابعين، وممَّن رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن لم يسمع منه، ولحديثه هذا شواهد، منها:
1267- ما أنا عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا عليُّ ابن الحسين بن بيان ثنا سعيد بن سليمان ثنا محمد بن طلحة بن مصرِّف (ح) وأنا أبوحازم الحافظ أنا أبو أحمد الحافظ - يعني النَّيسابوريَّ - أنا أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس ثنا محمد - يعني ابن إسماعيل البخاريَّ - حدَّثني إسماعيل بن أبان ثنا محمد بن طلحة عن الحكم أبي عمرو عن ضرار بن عمرو عن أبي عبد الله الشَّاميِّ عن تميم الدَّاريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجمعة واجبةٌ إلا على صبيٍّ، أو مملوكٍ، أو مسافرٍ ".
وفي رواية ابن عبدان: " إنَّ الجمعة واجبةٌ إلا على صبيٍّ، أو مملوكٍ، أو مسافرٍ ".
__________
(1) "المستدرك": (1/288) وانظر: "تلخيص المستدرك" للذهبي، و"إتحاف المهرة" لابن حجر: (10/34 - رقم: 12227) .
(2) في الأصل و (ب) : (وذكر) ، والتصويب من "سنن البيهقي"، وهو الذي يقتضيه جر (أبي موسى) .
(3) "سنن البيهقي": (3/172 - 173) .(2/553)
1268- ومنها: ما أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن عليِّ بن عفَّان ثنا يحيى بن فضيل ثنا حسن - يعني ابن صالح بن حيٍّ - حدَّثني أبي حدَّثني أبو حازم عن مولى لآل الزُّبير يرفعه إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الجمعة واجبةٌ على كلِّ حالمٍ، إلا على الصَّبيِّ، والمملوك، والمرأة، والمريض ".
1269- ومنها: ما أنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنا أبو جعفر الرَّزَّاز ثنا عيسى بن عبد الله الطَّيالسيُّ ثنا أَسِيد بن زيد ثنا حلو بن السّريِّ عن أبي البلاد عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الجمعة واجبةٌ إلا على ما ملكت أيمانكم، أو ذي عِلَّةٍ " (1) .
1270- وقال الشَّافعيُّ: أنا إبراهيم بن محمد حدَّثني سلمة بن عبد الله الخطميُّ عن محمد بن كعب أَنَّه سمع رجلاً من بني وائل يقول: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تجب الجمعة على كلِّ مسلمٍ إلا امرأةً، أو صبيًّا، أومملوكًا " (2) O.
* * * * *
مسألة (241) : تجب على الأعمى إذا وجد قائدًا.
وقال أبو حنيفة: تجب (3) عليه.
لنا:
__________
(1) "سنن البيهقي": (3/183 - 184) .
(2) "الأم": (1/189) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق": (لا تجب) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: صوابه: " وقال أبو حنيفة: لا تجب عليه ") ا. هـ(2/554)
الحديث المتقدِّم في التي قبلها.
* * * * *
مسألة (242) : يجوز عند أحمد إقامة الجمعة قبل الزَّوال، خلافًا لأكثرهم.
لنا ثلاثة أحاديث:
1271- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا يحيى بن بكير ثنا يعقوب ابن عبد الرَّحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ما كنَّا نتغدَّى ولا نقيل إلا بعد الجمعة (1) .
1272- وقال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا يعلى بن الحارث قال: سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدِّث عن أبيه قال: كنَّا نصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمعة، ثُمَّ نرجع فلا نجد للحيطان فيأً نستظل به (2) .
الحديثان في "الصَّحيحين".
1273- قال أحمد: وثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس بن مالك قال: كنَّا نصلِّي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) "صحيح البخاري": (7/57) ؛ (فتح - 9/544 - رقم: 5403) .
"صحيح مسلم": (3/9) ؛ (فؤاد - 2/588 - رقم: 859) .
(2) "المسند": (4/46) ؛ "صحيح البخاري": (5/415) ، (فتح - 7/449 - رقم: 4168) ؛ "صحيح مسلم": (3/9) ، (فؤاد - 2/589 - رقم: 860) .(2/555)
الجمعة، ثُمَّ نرجع إلى القائلة فنقيل (1) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ.
ز: لم يروه البخاريُّ من هذه الطَّريق، ولفظه: كنَّا نبكِّر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة (2) .
1274- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يزيد بن الحسن بن يزيد البزَّاز أبو الطيب ثنا محمد بن إسماعيل الحسَّانيُّ ثنا وكيع ثنا جعفر بن بُرقان عن ثابت بن الحجَّاج الكلابيِّ عن عبد الله بن سِيْدان السُّلميِّ قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر رضي الله عنه، فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النَّهار، ثُمَّ شهدتها مع عمر رضي الله عنه، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النَّهار، ثُمَّ شهدتها مع عثمان، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النَّهار، فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره (3) .
رواه الإمام أحمد عن وكيع، واحتجَّ به.
وثابت بن الحجَّاج: ذكره البخاريُّ في "تاريخه" (4) وابن أبي حاتم في كتابه (5) ، ولم يذكرا فيه جرحًا.
وعبد الله بن سِيْدان السُّلميُّ: من أهل الرابذة (6) ، قال البخاريُّ:
__________
(1) لم نقف عليه في " مطبوعة المسند " بهذا الإسناد، ولا ذكره الحافظ ابن حجر في " الأطراف ": (1/416) ، وهو فيه من طريق ابن إسحاق عن حميد الطويل به: (3/237) .
(2) "صحيح البخاري": (2/228) ؛ (فتح - 2/387 - رقم: 905) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/17) .
(4) "التاريخ الكبير": (2/162 - رقم: 2059) .
(5) "الجرح والتعديل": (2/450 - رقم: 1810) .
(6) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "الثقات" لابن حبان: (5/31 - 32) : (الربذة) .(2/556)
لا يتابع في حديثه (1) . وقال ابن عَدِيٍّ: شبه المجهول (2) . وقال هبة الله الطَّبريُّ: مجهولٌ، لا تقوم بروايته حُجَّةٌ (3) O.
احتجَّ الخصم بثلاثة أحاديث:
1275- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا سريج ابن النُّعمان ثنا فُليح بن سليمان عن عثمان بن عبد الرَّحمن التَّيميِّ عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلِّي الجمعة حين تميل الشَّمس.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (4) .
ز: رواه البخاريُّ عن سريج (5) ، ورواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن زيد بن الحبُاب عن فُليح (6) O.
1276- الحديث الثَّاني: قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن ثنا يحيى بن حسَّان ثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه أنَّه سأل جابر بن عبد الله: متى كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي الجمعة؟ قال: كان يصلِّي، ثُمَّ نذهب إلى جمالنا فنريحها، حين تزول الشَّمس (7) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ.
1277- الحديث الثَّالث: قال الشَّافعيُّ: أنا سفيان بن عيينة عن
__________
(1) "التاريخ الكبير": (5/110 - رقم: 328) .
(2) "الكامل": (4/222 - رقم: 1031) .
(3) "الميزان" للذهبي: (2/437 - رقم: 4373) .
(4) "الجامع": (1/512 - رقم: 503) وفيه: (حسن صحيح) .
(5) "صحيح البخاري": (2/228) ؛ (فتح - 2/386 - رقم: 904) .
(6) "سنن أبي داود": (2/100 - رقم: 1077) .
(7) "صحيح مسلم": (3/8 - 9) ؛ (فؤاد - 2/588 - رقم: 858) .(2/557)
عمرو بن دينار عن يوسف بن ماهك قال: قدم معاذ بن جبل على أهل مكَّة وهم يصلُّون الجمعة، والفيء في الحِجْر، فقال: لا تصلُّوا حتى تفىء الكعبة من وجهها (1) .
ز: هذا مرسلٌ، فإن يوسف بن ماهك لم يدرك معاذًا O.
* * * * *
مسألة (243) : إذا وقع العيد يوم الجمعة أجزأ حضوره عن الجمعة، خلافًا لأكثرهم.
لنا ثلاثة أحاديث:
1278- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن ثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة (2) عن إياس بن أبي رملة قال: شهدت معاوية سأل زيد بن أرقم: شهدتَ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيدين اجتمعا؟ قال: نعم، صلَّى العيد أوَّل النَّهار، ثُمّ َرخَّص في الجمعة، ثُمَّ قال: " من شاء أن يجمِّع فليجمِّع " (3) .
ز: رواه أبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) والحاكم وصحَّحه (7) ،
__________
(1) "الأم": (1/194) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: عثمان بن المغيرة الثقفي وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم) ا. هـ
(3) "المسند": (4/372) .
(4) "سنن أبي داود": (2/94 - 95 - رقم: 1063) .
(5) "سنن النسائي": (3/194 - رقم: 1591) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/415 - رقم: 1310) .
(7) "المستدرك": (1/288) .(2/558)
وليس لإياس في السُّنن غير هذا الحديث O.
1279- الحديث الثَّاني: قال يوسف بن يعقوب بن البهلول ثنا محمد ابن عمرو بن حنان ثنا بقيَّة ثنا شعبة عن المغيرة الضَّبيِّ عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنِّا مجمِّعون إن شاء الله ".
رواه الخطيب عن أحمد بن محمد بن أحمد بن حمَّاد عن يوسف (1) .
ز: رواه أبو داود عن محمد بن مصفَّى وعمر بن حفص الوُصَابيِّ عن بقيَّة (2) .
وقال ابن عساكر في " الأطراف ": ورواه النَّسائيُّ عن محمد بن يحيى عن (3) يزيد بن عبد ربِّه عن بقيَّة نحوه.
ولم أره في كتاب النَّسائيِّ، وإنَّما رواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى (4) ، ولم يذكره.
ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيحٌ غريبٌ على شرط مسلمٍ (5) .
وقد رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس:
1280- فقال: حدَّثنا محمد بن المصفَّى ثنا بقيَّة ثنا شعبة حدَّثني مغيرة الضَّبِّيُّ عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) "تاريخ بغداد": (3/129 - رقم: 1147) .
(2) "سنن أبي داود": (2/95 - 96 - رقم: 1066) .
(3) في (ب) : (ابن) خطأ.
(4) "سنن ابن ماجه": (1/416 - رقم: 1311) .
(5) "المستدرك": (1/288 - 289) .(2/559)
قال: " اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنَّا مجمِّعون إن شاء الله " (1) O.
1281- الحديث الثَّالث: قال ابن ماجه: ثنا جبارة بن المغلِّس ثنا مندل بن عليٍّ عن عبد العزيز بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلَّى بالنَّاس، ثُمَّ قال: " من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلَّف فليتخلَّف " (2) .
الاعتماد على الحديث الأوَّل.
فأمَّا حديث أبي هريرة: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو غريبٌ من حديث مغيرة، ولم يرفعه عنه غير شعبة، وهو أيضًا غريبٌ عن شعبة، لم يروه عنه غير بقيَّة.
وقد رواه زياد البكائيُّ وصالح بن موسى الطَّلحيُّ عن عبد العزيز بن رُفيع متصلاً؛ وروي عن الثَّوريِّ عن عبد العزيز متصلاً، وهو غريبٌ عنه.
ورواه جماعة عن عبد العزيز عن أبي صالح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، ولم يذكروا أبا هريرة (3) .
قلت: وكذا قال أحمد بن حنبل: إنَّما رواه النَّاس عن أبي صالح مرسلاً.
وتعجب من بقيَّة كيف رفعه (4) ؟!
وقد كان بقيَّة يروي عن ضعفاء ويدلِّس.
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/416 - رقم: 1311) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/416 - رقم: 1312) .
(3) "تاريخ بغداد" للخطيب: (3/129 - رقم: 1147) من رواية البرقاني، وانظر: "العلل": (10/215 - 217 - رقم: 1984) .
(4) "تاريخ بغداد" للخطيب: (3/129 - رقم: 1147) من رواية الأثرم.(2/560)
وأمَّا حديث ابن عمر: فإنَّ مندل بن عليٍّ ضعيفٌ، وجبارة ليس بشيءٍ أصلاً، قال يحيى بن معين: هو كذَّابٌ (1) . وقال ابن نمير: كان يوضع له الحديث فيحدِّث به (2) .
ز: 1282- قال النَّسائيُّ في "سننه": أنا محمد بن بشَّار ثنا يحيى ثنا عبد الحميد بن جعفر حدَّثني وهب بن كيسان قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزُّبير فأخَّر الخروج حتى تعال النَّهار، ثُمَّ خرج فخطب فأطال الخطبة، ثُمَّ نزل فصلَّى ركعتين، ولم يصلِّ للنَّاس يومئذ الجمعة، فذُكر ذلك لابن عباس، فقال: أصاب السُّنَّة (3) .
ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال: على شرطهما. ولفظه: قال وهب ابن كيسان: شهدت ابن الزُّبير بمكَّة وهو أميرٌ، فوافق يوم فطرٍ أو أضحى يوم الجمعة، فأخَّر الخروج حتى ارتفع النَّهار، فخرج، وصعد المنبر، فخطب، فأطال، ثُمَّ صلَّى ركعتين، ولم يصلِّ الجمعة، فعاتبه عليه ناسٌ من بني أميَّة، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: أصاب ابن الزُّبير السُّنَّة. فبلغ ابن الزُّبير، فقال: رأيتُ عمر إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا (4) .
1283- وقال أبو داود: ثنا محمد بن طريف البجَليُّ ثنا أسباط (5) عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح قال: صلَّى بنا ابن الزُّبير في يوم عيدٍ، في يوم جمعةٍ، أوَّل النَّهار، ثُمَّ رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلَّينا وحدانًا،
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/550 - رقم: 2284) من رواية حسين بن الحسن.
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/550 - رقم: 2284) .
(3) "سنن النسائي": (3/194 - رقم: 1592) .
(4) "المستدرك": (1/296) .
(5) في هامش الأصل: (أسباط هو: ابن محمد، ثقة مشهور) ا. هـ ورقم فوقه: (ع) .(2/561)
وكان ابن عباس بالطَّائف، فلمَّا قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السُّنَّة (1) .
1284- قال أبو داود: وثنا يحيى بن خلف ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: قال عطاء: اجتمع يوم جمعة ويوم فطرٍ على عهد ابن الزُّبير، فقال: عيدان اجتمعا في يومٍ واحدٍ. فجمعهما جميعًا، فصلاهما ركعتين بكرةً، لم يزد عليهما حتى صلَّى العصر (2) .
وهذا الَّذي فعله ابن الزُّبير يدلُّ على جواز فعل الجمعة في وقت العيد، وأنَّها تجزئ عن العيد والظُّهر O.
* * * * *
مسألة (244) : إذا صلَّى الظُّهر من عليه الجمعة، قبل الفراغ من صلاة الجمعة، لم تصحَّ صلاته.
وقال أبو حنيفة: تصحُّ، فإن خرج يريد الجمعة انتقضت صلاته.
وقال مالك: إن صلَّى في وقتٍ لو سعى إلى الجمعة لأدرك منها ركعة، لم يجزئه.
وقال الشَّافعيُّ في الجديد كقولنا، وفي القديم: يجزئه بكلِّ حالٍ.
والمسألة مبنيَّة على أنَّ فرض الوقت الجمعة، وعندهم الظُّهر، وله إسقاطها بالجمعة.
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/95 - رقم: 1064) .
(2) "سنن أبي داود": (2/95 - رقم: 1065) .(2/562)
لنا على هذا الأصلِّ:
حديث جابر: " من كان يؤمن بالله فعليه الجمعة ... ".
وقد تقدَّم بإسناده (1) .
* * * * *
مسألة (245) : الخطبة شرطٌ في الجمعة.
وقال داود: مستحبةٌ.
قوله: " صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ".
وقد سبق بإسناده (2) .
* * * * *
مسألة (246) : لا تجب القعدة بين الخطبتين.
وقال الشَّافعيُّ: تجب.
واحتجَّ:
__________
(1) رقم: (1265) .
(2) رقم: (531) .(2/563)
1285- بما روى أحمد: ثنا أبو كامل ثنا زهير ثنا سماك بن حرب قال: نبأني جابر بن سمرة أنَّه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب قائمًا على المنبر، ثُمَّ يجلس، ثُمَّ يقوم فيخطب قائمًا. قال جابر: فمن نبَّأك أَنَّه كان يخطب قاعدًا فقد كذب، فقد والله صلَّيت معه أكثر من ألفي صلاة (1) .
1286- قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر أنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يوم الجمعة مرَّتين، بينهما جلسةٌ (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
وانفرد بالَّذي قبله مسلمٌ.
وأصحابنا قد حملوا هذا على الاستحباب.
1287- ورووا عن ابن عباس أنَّه قال: لمَّا ثقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلس.
* * * * *
مسألة (247) : السُّنَّة إذا صعد المنبر أن يسلِّم.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يسلِّم.
__________
(1) "المسند": (5/90) ؛ "صحيح مسلم": (3/9) ، (فؤاد - 2/589 - رقم: 862) .
(2) "المسند": (2/35) .
(3) "صحيح البخاري": (2/234) ؛ (فتح - 2/406 - رقم: 928) .
"صحيح مسلم": (3/9) ؛ (فؤاد - 2/589 - رقم: 861) .(2/564)
1288- قال أبو بكر أحمد بن محمد الأثرم: ثنا عمرو بن خالد المصريُّ ثنا ابن لهيعة عن محمد بن زيدٍ عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صعد المنبر سلَّم.
1289- قال الأثرم: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة ثنا مجالد عن الشَّعبيِّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل النَّاس، فقال: " السَّلام عليكم ". ويحمد الله، ويثني عليه، ويقرأ سورة، ثُمَّ يجلس، ثُمَّ يقوم فيخطب، ثُمَّ ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه.
ز: حديث جابر: رواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى عن عمرو بن خالد (1) ، وابن لهيعة ضعيفٌ.
ومجالدٌ ليِّنٌ، وحديثه مرسلٌ.
وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن حديثٍ رواه عمرو بن خالد الحرَّانيُّ عن ابن لهيعة عن محمد بن زيد بن المهاجر عن محمد بن المنكدر عن جابر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صعد المنبر سلَّم.
قال أبي: هذا حديثٌ موضوعٌ (2) .
1290- وقال أبو عليٍّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان: أنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني ثنا إبراهيم - هو ابن الهيثم - ثنا محمد بن أبي السَّريِّ ثنا الوليد بن مسلمٍ ثنا عيسى بن عبد الله الأنصاريُّ عن نافع عن ابن عمر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل المسجد يوم الجمعة يسلِّم على من عند المنبر، فإذا صعد المنبر سلَّم على النَّاس.
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/352 - رقم: 1109) .
(2) "العلل": (1/205 - رقم: 590) .(2/565)
رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" ولم يتكلَّم عليه.
وعيسى بن عبد الله الأنصاريُّ: قال ابن عَدِيٍّ: عامَّة ما يرويه لا يتابع عليه. وروى هذا الحديث في ترجمته:
1291- فقال: حدَّثنا أبو عروبة ثنا عبد الوهَّاب بن الضَّحَّاك (ح)
وثنا الفضل بن عبد الله بن سليمان ثنا الوليد بن عتبة، قالا: ثنا الوليد بن مسلم عن عيسى بن عبد الله الأنصاريِّ - وقال الوليد (1) : حدَّثني عيسى بن أبي عون القرشيُّ - عن نافع عن ابن عمر قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلَّم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل النَّاس بوجهه ثُمَّ سلَّم (2) O.
* * * * *
مسألة (248) : يحرم الكلام حين سماع الخطبة.
وعنه: لا يحرم.
وعن الشَّافعيِّ كالرِّوايتين.
لنا حديثان:
1292- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حمَّاد بن خالد عن مالك وابن
__________
(1) أي: ابن عتبة.
(2) "الكامل": (5/253 - 254 - رقم: 1397) .(2/566)
أبي ذئب عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قلت لصاحبك - والإمام يخطب يوم الجمعة -: (انصت) فقد لغوت " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
1293- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا ابن نمير عن مجالد عن الشَّعبيِّ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تكلَّم يوم الجمعة والإمام يخطب، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا " (3) .
ز: هذا الحديث لم يخرجه أصحاب " السُّنن "، ومجالد ليس بالقويِّ (4) O.
* * * * *
__________
(1) "المسند": (2/532) .
(2) "صحيح البخاري": (2/236) ؛ (فتح - 2/414 - رقم: 394) .
"صحيح مسلم": (3/4) ؛ (فؤاد - 2/583 - رقم: 851) .
(3) "المسند": (1/230) .
وفي هامش الأصل: (تمام الحديث: " والذي يقول له: انصت، فيس له جمعة ") ا. هـ
(4) في (ب) : (ليس بقوي) .(2/567)
فصل (249)
ويحرم الكلام على المستمع دون الخاطب، خلافًا لأكثرهم في قولهم إنَّهما سواء.
لنا ثلاثة أحاديث:
1294- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن الوليد أبي بشر عن طلحة أنَّه سمع جابر بن عبد الله يحدِّث أنَّ سليكًا جاء ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فجلس، فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلِّي ركعتين، ثُمَّ أقبل على النَّاس فقال: " إذا جاء أحدكم والإمام يخطب، فليصلِّ ركعتين يتجوَّز فيهما " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
1295- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا زيد بن الحُباب قال: حدَّثني حسين بن واقد قال: حدَّثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطبنا، فجاء الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر، فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثُمَّ قال: " صدق الله ورسوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] ،
__________
(1) "المسند": (3/297) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: أخرجا أصله) .
ثُمَّ في هامش آخر: (حـ: عن جابر قال: دخل رجل يوم الجمعة والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فقال: " صليت؟ " قال: لا. قال: " قم فاركع ركعتين ".
متفق عليه بهذا اللفظ، والذي ذكره المؤلف رواه مسلم) ا. هـ
"صحيح البخاري": (2/291) ؛ (فتح - 3/49 - رقم: 1166) .
"صحيح مسلم": (3/14 - 15) ؛ (فؤاد - 2/596 - 597 - رقم: 875) .(2/568)
نظرت إلى هذين الصَّبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " (1) .
ز: إسناد هذا الحديث على شرط مسلم، وقد رواه أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) وابن خزيمة في "صحيحه" (5) والتِّرمذيُّ، وقال: حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن واقد (6) O.
1296- الحديث الثَّالث: قال أبو داود: ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكيُّ ثنا مخلد بن يزيد أنا ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: لمَّا استوى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجمعة قال: " اجلسوا ". فسمع ذلك ابن مسعود، فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تعال يا عبد الله بن مسعود " (7) .
ز: رواه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" وقال: على شرطهما (8) .
وقال أبو داود: هذا يعرف مرسلاً، إنَّما رواه النَّاس عن عطاء عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ومخلد هو شيخٌ.
وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه معاذ بن معاذ ومخلد بن يزيد وأبو زيد النَّحويُّ عن ابن جريج عن عطاء عن جابر.
__________
(1) "المسند": (5/354) .
(2) "سنن أبي داود": (2/108 - رقم: 1102) .
(3) "سنن ابن ماجه": (2/1190 - رقم: 3600) .
(4) "سنن النسائي": (3/108 - رقم: 1413) .
(5) "صحيح ابن خزيمة": (2/355 - رقم: 1456) .
(6) "الجامع": (6/117 - 118 - رقم: 3774) وفيه: (حسن غريب) ، وكذا في " تحفة الأشراف " للمزي: (2/80 - رقم: 1958) .
(7) "سنن أبي داود": (2/102 - رقم: 1084) .
(8) "المستدرك": (1/286) .(2/569)
وخالفهم إسماعيل بن عيَّاش، فرواه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن مسعود.
وخالفهم الوليد بن مسلم، فرواه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس.
ورواه عمرو بن دينار عن عطاء مرسلاً، والمرسل أشبه (1) O.
* * * * *
مسألة (250) : لا يكره الكلام قبل الابتداء بالخطبة وبعد الفراغ منها.
وقال أبو حنيفة: يكره.
1297- قال البخاريُّ: ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز عن أنس قال: أقيمت الصَّلاة والنَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يناجي [رجلاً] (2) في جانب المسجد، فما قام إلى الصَّلاة حتى نام القوم (3) .
أخرجاه (4) .
1298- وقال أحمد: ثنا وكيع ثنا جرير بن حازم عن ثابت البنانيِّ عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينزل من المنبر يوم الجمعة، فيكلِّم (5) الرَّجل في
__________
(1) "العلل": (4/ ق: 130/ ب) .
(2) في الأصل: (ربه) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"صحيح البخاري".
(3) "صحيح البخاري": (1/165) ؛ (فتح - 2/124 - رقم: 642) .
(4) "صحيح مسلم": (1/195 - 196) ؛ (فؤاد - 1/284 - رقم: 376) .
(5) في "المسند": (فيكلمه) .(2/570)
الحاجة، فيكلمه ثُمَّ يتقدَم إلى مصلاَّه فيصلِّي (1) .
ز: رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن جرير، وقال: والحديث ليس بمعروفٍ عن ثابت، هو ممَّا تفرَّد به جرير بن حازم (2) .
ورواه التِّرمذيُّ عن بندار عن أبي داود عنه، وقال: غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث جرير، سمعت محمدًا يقول: وهم جرير في هذا، والصَّحيح ما روي عن ثابت عن أنس قال: أقيمت الصَّلاة، فأخذ رجلٌ بيد النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
الحديث هو هذا، وجرير ربَّما يهم في الشيءِ، وهو صدوقٌ (3) .
ورواه النَّسائيُّ عن محمد بن عليِّ بن ميمون عن الفريابيِّ عنه (4) .
ورواه ابن ماجه عن بندار (5) O.
* * * * *
مسألة (251) : السُّنَّة أن يقرأ في الجمعة بـ " الجمعة " و" المنافقين "، وهو قول الشَّافعيِّ.
وقال مالكٌ: بـ " سبِّح " و" الغاشية ".
وقال أبو حنيفة: ليس فيها معيَّنٌ.
__________
(1) "المسند": (3/119) .
(2) "سنن أبي داود": (2/113 - رقم: 1113) .
(3) "الجامع": (1/523 - رقم: 517) .
(4) "سنن النسائي": (3/110- رقم: 1419) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/354 - رقم: 1117) .(2/571)
1299- قال مسلم بن الحجَّاج: ثنا قتيبة ثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكَّة، وصلَّى لنا أبو هريرة يوم الجمعة، فقرأ بسورة " الجمعة " في السَّجدة الأوَّلى، وفي الآخرة " إذا جاءك المنافقون "، قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت: إنَّك قرأت بسورتين كان عليٌّ يقرأ بهما بالكوفة. فقال أبو هريرة: فإنِّي سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بهما يوم الجمعة.
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1) .
ولمالك:
1300- ما روى أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا مالك عن ضمرة ابن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أنَّ الضَّحَّاك بن قيس سأل النُّعمان بن بشير: ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الجمعة مع سورة " الجمعة "؟ قال: " هل أتاك حديث الغاشية " (2) .
1301- قال أحمد: وثنا سفيان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن أبيه عن النُّعمان بن بشير أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في العيدين بـ " سبِّح اسم ربِّك الأعلى " و" هل أتاك حديث الغاشية "، وإن وافق يوم الجمعة قرأ بهما جميعًا (3) .
انفرد بهذه الطَّريق مسلمٌ، واتَّفقا على التي قبلها (4) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/15) ؛ (فؤاد - 2/597 - 598 - رقم: 877) .
(2) "المسند": (4/270) .
(3) "المسند": (4/271) .
(4) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.(2/572)
ز: حديث ضمرة بن سعيد عن عبيد الله: لم يتَّفقا عليه، إنَّما رواه مسلم منفردًا به عن عمرو النَّاقد عن سفيان بن عيينة عنه بنحوه (1) .
ورواه أبو داود عن القعنبيِّ (2) ، والنَّسائيُّ عن قتيبة (3) ، كلاهما عن مالك.
وحديث النُّعمان: رواه مسلمٌ من رواية أبي عوانة وجرير كلاهما عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النُّعمان، وليس فيه (عن أبيه) (4) ، وهو الصَّواب، ولم يروه من حديث سفيان.
وقال التِّرمذيُّ: وهكذا روى الثَّوريُّ ومِسْعر عن إبراهيم، وأمَّا سفيان ابن عيينة فيختلف عليه: يروى عنه عن إبراهيم عن أبيه عن حبيب عن أبيه عن النُّعمان، ولا يعرف لحبيب رواية عن أبيه (5) .
وقال أبو عبد الرَّحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل: حبيب بن سالم سمعه من النُّعمان، وكان كاتبه، وسفيان يخطئ فيه، يقول: حبيب بن سالم عن أبيه، وهو سمعه من النُّعمان (6) O.
* * * * *
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/16) ؛ (فؤاد - 2/598 - رقم: 878) .
(2) "سنن أبي داود": (2/114 - رقم: 1116) .
(3) "سنن النسائي": (3/112 - رقم: 1423) .
(4) "صحيح مسلم": (3/15 - 16) ؛ (فؤاد - 2/598 - رقم: 878) .
(5) "الجامع": (1/537 - 538 - رقم: 533) .
(6) "المسند": (4/271) .(2/573)
مسألة (252) : إذا أدرك المسبوق دون الرَّكعة من الجمعة = صلَّى ظهرًا.
وقال أبو حنيفة: يصلِّي ركعتين (1) .
لنا:
حديث أبي هريرة: " من أدرك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدرك الصَّلاة ".
وعن عائشة نحوه.
وقد ذكرناهما بإسنادهما فيما تقدَّم (2) .
1302- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا البغويُّ ثنا الحكم بن موسى ثنا عبد الرَّزَّاق بن عمر الدِّمشقيُّ عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك من الجمعة ركعةً فليضف إليها أخرى " (3) .
إلا أنَّ هذا الحديث لا يصلح الاحتجاج به، لأجل عبد الرَّزَّاق بن عمر، قال يحيى: ليس بشيءٍ، كذَّابٌ (4) . وقال البخاريُّ: منكر الحديث (5) .
وقال أبو حاتم الرازيُّ: لا يكتب حديثه (6) . وقال ابن حِبَّان: يقلب الأخبار، فاستحقَّ التَّرك (7) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حاشية: ليس هذا هو مذهب أبي حنيفة، بل مذهبه لو أدركه في التشهد أو سجود السهو فإنه يصلي الجمعة) ا. هـ
ويبدو أن هذه الحاشية ليست للمنقح، والله أعلم.
(2) برقمي: (1012 - 1013) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/10) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/39 - رقم: 205) .
(5) "التاريخ الكبير": (6/131 - رقم: 1934) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/39 - رقم: 205) وفيه: (ضعيف الحديث، منكر الحديث، لا يكتب حديثه) .
(7) "المجروحون": (2/159 - 160) .(2/574)
1303- وقد روى إبراهيم بن عطيَّة الثَّقفيُّ عن يحيى بن سعيد عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " من أدرك من الجمعة ركعة فليصلِّ إليها أخرى ".
وهذا الحديث لا يصحُّ أيضًا، قال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: إبراهيم ابن عطيَّة منكر الحديث جدًّا، وكان هشيم يدلِّس عنه أخبارًا لا أصل لها.
قال: وهذا الحديث خطأٌ، إنَّما الخبر: " من أدرك من الصَّلاة ركعة ... "، وذكر الجمعة. قاله أربعة أنفس عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة كلُّهم ضعفاء (1) .
ز: حديث أبي هريرة: رواه ابن ماجه عن محمد بن الصَّبَّاح عن عمر ابن حبيب عن ابن أبي ذئب عن الزُّهريِّ عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة، ولفظه: " من أدرك من الجمعة ركعة فليصلِّ إليها أخرى " (2) .
وعمر بن حبيب ضعيفٌ.
وقد رواه الحاكم وصحَّحه من حديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعيِّ حدَّثني الزُّهريُّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصَّلاة ".
ورواه من حديث يحيى بن أيُّوب: ثنا أسامه بن زيد الليثيُّ عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: " من أدرك من الجمعة ركعة فليصلِّ إليها أخرى" (3) .
وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ حديث أبي هريرة بطرقٍ كثيرةٍ (4) ، وروى حديث
__________
(1) "المجروحون": (1/108 - 109) باختصار.
(2) "سنن ابن ماجه": (1/356 - رقم: 1121) .
(3) "المستدرك": (1/291) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/10 - 12) .(2/575)
ابن عمر أيضًا:
1304- فقال: حدَّثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا محمد بن مصفَّى وعمرو بن عثمان قالا: ثنا بقيَّة حدَّثني يونس بن يزيد الأيليُّ عن الزُّهريِّ عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدرك ركعةً من صلاة الجمعة وغيرها، فليضف إليها أخرى، وقد تمَّت صلاته ".
وقال عمرو: " وقد أدرك الصَّلاة ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قال لنا أبو بكر - يعني عبد الله بن سليمان -: لم يروه عن يونس إلا بقيَّة (1) .
1305- وقال النَّسائيُّ: أخبرني موسى بن سليمان بن إسماعيل بن القاسم ثنا بقيَّة عن يونس حدَّثني الزُّهريُّ عن سالم عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك ركعةً من الجمعة أو غيرها، فقد تمَّت صلاته ".
كذا رواه في "سننه"، وروى بعده:
1306- عن محمد بن إسماعيل التِّرمذيِّ عن أيُّوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك ركعةً من صلاةٍ من الصَّلوات، فقد أدركها، إلا أنَّه يقضي ما فاته " (2) .
ورواه النَّسائيُّ أيضًا (3) وابن ماجه (4) جميعًا عن عمرو بن عثمان بن كثير عن بقيَّة كما تقدَّم.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/12) .
(2) "سنن النسائي": (1/274 - 275 - رقمي: 557 - 558) .
(3) "السنن الكبرى": (1/481 - رقم: 1540) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/356 - رقم: 1123) .(2/576)
1307- وقال الطَّبرانيُّ: ثنا عليُّ بن عبد الصَّمد الطَّيالسيُّ - علاَّن ما غمَّه - ثنا الجرَّاح بن مخلد (1) ثنا إبراهيم بن سليمان الدَّبَّاس ثنا عبد العزيز بن مسلم القسمليُّ عن يحيى بن سعيد الأنصاريِّ عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك ركعةً من الجمعة فقد أدرك ".
قال الطَّبرانيُّ: لم يروه عن يحيى إلا عبد العزيز، تفرَّد به ابراهيم بن سليمان (2) .
وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية عيسى بن إبراهيم عن عبد العزيز.
وقد رواه محمد بن هارون الحضرميُّ عن يعيش بن الجهم عن عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد (3) .
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه يحيى بن سعيد الأنصاريُّ، واختلف عنه: فرواه ابن نمير وعبد العزيز بن مسلم القسمليُّ عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كذلك قال يعيش بن الجهم عن ابن نمير، وغيره [يرويه] (4) عن ابن نمير موقوفًا.
وكذلك رواه زهير بن معاوية ويحيى القطَّان وهشيم عن يحيى عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وهو الصَّواب.
__________
(1) في " المعجم الصغير ": (الحجَّاج بن مخلد) ، وفي "الأوسط" و"مجمع البحرين" للهيثمي: (2/230 - رقم: 995) : (الجراح بن مليح) ، ولعل الصواب ما بالأصل، والله أعلم.
(2) " المعجم الصغير ": (1/204) ، "المعجم الأوسط": (4/276 - رقم: 4188) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/13) .
(4) زيادة من "العلل".(2/577)
وكذلك رواه عبيد الله بن عمر وعليُّ بن الحكم عن نافع عن ابن عمر موقوفًا.
وقد روى مطر الوَّراق عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يصحُّ (1) O.
* * * * *
__________
(1) "العلل": (4/ ق: 115/ ب) وفيه سقط كثير يستدرك من هنا.(2/578)
مسائل العيد
مسألة (253) : التكبرات الزَّوائد: في الأولى ستٌّ، وفي الثانية خمسٌ.
وقال أبو حنيفة: ثلاثٌ في الأولى، وثلاثٌ في الثَّانية.
وقال الشَّافعيُّ: في الأولى سبعٌ، وفي الثَّانية خمسٌ.
لنا ستَّة أحاديث:
1308- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن سمعه من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة، ولم يصلِّ قبلها ولا بعدها.
قال الإمام أحمد: أنا أذهب إلى هذا (1) .
ز: رواه أبو داود، ولفظه: قال: قال نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّكبير في الفطر سبعٌ في الأولى، وخمسٌ في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما " (2) .
ورواه ابن ماجه، ولفظه: كبَّر في صلاة العيدين سبعٌ وخمسٌ (3) .
__________
(1) "المسند": (2/180) .
(2) "سنن أبي داود": (2/123 - 124 - رقم: 1144) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "سنن ابن ماجه": (1/407 - رقم: 1278) : (سبعًا وخمسًا) .(2/579)
وعبد الله بن عبد الرَّحمن الطَّائفيُّ: روى له مسلمٌ (1) ، وقال يحيى بن معين: صالحٌ (2) . وقال مُرَّة: ضعيفٌ (3) . وقال مرَّةً: ليس به بأس، يكتب حديثه (4) . وقال أبو حاتم: ليس بقويٍّ، ليِّن الحديث، بابةُ طلحة بن عمرو وعُمر بن راشد وعبد الله بن المؤمَّل (5) . وقال النَّسائيُّ: ليس بذاك القويّ، ويكتب حديثه (6) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (7) O.
1309- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى (8) ثنا ابن لهيعة ثنا الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّكبير في العيدين: سبعٌ قبل القراءة، وخمسٌ بعد القراءة " (9) .
1310- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا ابن لهيعة عن عُقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبر في العيدين سبعًا، وخمسًا، قبل القراءة (10) .
1311- الحديث الرَّابع: قال التِّرمذيُّ: ثنا مسلم بن عمرو الحذَّاء ثنا عبد الله بن نافع عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر في
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/371 - 372 - رقم: 812) .
وفي هامش الأصل: (متابعة) ا. هـ
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/97 - رقم: 448) من رواية ابن أبي خيثمة.
(3) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 168 - رقم: 601) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (4/167 - رقم: 986) من رواية أحمد بن سعد.
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/97 - رقم: 448) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (15/228 - رقم: 3388) ، وفي "الضعفاء والمتروكون": (ص: 139 - رقم: 320) : (ليس بالقوي) .
(7) "الثقات": (7/40) .
(8) في هامش الأصل: (هو ابن إسحاق السيلحيني) ا. هـ
(9) "المسند": (2/356 - 357) .
(10) "المسند": (6/65) .(2/580)
العيدين: في الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسًا قبل القراءة (1) .
ز: رواه ابن ماجه عن أبي مسعود محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل عن محمد بن خالد بن عثمة عن كثير، ولفظه: كبَّر في العيدين سبعًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة (2) .
قال التِّرمذيُّ: سألتُ محمدًا - يعني البخاريَّ - عن هذا الحديث، فقال: ليس في هذا الباب شيءٌ أصحّ من هذا، وبه أقول.
قال: وحديث عبد الله بن عبد الرَّحمن الطائفيِّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه في هذا الباب هو صحيحٌ أيضًا (3) O.
1312- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا أحمد بن عليٍّ الخرَّاز ثنا سعيد (4) بن عبد الحميد ثنا فرج بن فضالة عن يحيى ابن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّكبير في العيدين: في الرَّكعة الأولى سبعُ تكبيرات، وفي الآخرة خمسُ تكبيرات " (5) .
ز: كذا فيه (سعيد بن عبد الحميد) ، والمعروف سعد، وهو صدوقٌ تكلَّم فيه ابن حِبَّان (6) O.
1313- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا إسماعيل بن محمد
__________
(1) "الجامع": (1/539 - رقم: 536) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/407 - رقم: 1279) .
(3) "العلل الكبير": (ترتيبه - ص: 93 - 94 - رقم: 154) .
(4) في "سنن الدارقطني": (سعد) وسينبه عليه المنقح.
وفي هامش الأصل: (حـ: لا يعرف) ا. هـ
(5) "سنن الدارقطني": (2/48 - 49) .
(6) "المجروحون": (1/357) .(2/581)
الصَّفَّار ثنا محمد بن عليٍّ الوَّراق ثنا أحمد بن الحجَّاج ثنا عبد الرَّحمن بن سعد بن عمَّار عن عبد الله بن محمد بن عمَّار عن أبيه عن جدِّه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في العيدين، في الأولى سبعًا، وفي الآخرة خمسًا (1) .
ز: 1314- روى ابن ماجه عن هشام بن عمَّار عن عبد الرَّحمن بن سعد بن عمَّار بن سعد - مؤذِّن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: حدَّثني أبي عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبِّر في العيدين، في الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسًا قبل القراءة (2) .
هذا الحديث ليس إسناده [] (3) بالقويِّ O.
قال المؤلِّف: أصلح هذه الأحاديث الأوَّل، وهو حديث عمرو بن شعيب، وفي إسناده عبد الله بن عبد الرَّحمن وهو الطَّائفيُّ، وقد ضعَّفه يحيى، وقال مرَّةً: ليس به بأس. وقال مرَّة: صويلح (4) .
وأمَّا حديث أبي هريرة وعائشة: ففيهما ابن لهيعة، وهو ضعيفٌ جدًّا.
وأمَّا حديث كثير بن عبد الله: فقد قال التِّرمذيُّ: هو أحسن شيءٍ في هذا الباب!
وقد تعجَّبتُ من قوله هذا (5) ، فإنَّه قد قال أحمد بن حنبل: لا تحدِّث
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/47) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/407 - رقم: 1277) .
(3) أقحمت في الأصل كلمة: (ليس) فحذفناها.
(4) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 141 - رقم: 473) ، وسبق عزو الكلمتين الأخرتين قريبًا.
(5) في هامش الأصل: (حـ: والأعجب من هذا أن الترمذي صحح له في موضع آخر) ا. هـ
ولسنا بمتحققين من الكلمة الأولى.(2/582)
عن كثير بن عبد الله، لا يساوي شيئًا. وضرب على حديثه في "المسند" ولم يحدِّث به (1) . وقال يحيى: ليس حديثه بشيءٍ، ولا يكتب (2) . وقال النَّسائيُّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) : متروك الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث (5) . وقال الشَّافعيُّ: هو ركنٌ من أركان الكذب (6) . وقال أبو حاتم ابن حِبَّان الحافظ: روى عن أبيه عن جدِّه نسخةً موضوعةً، لا يحلُّ ذكرها في الكتب، ولا الرِّواية عنه إلا على جهة التَّعجُّب (7) .
وأمَّا الحديث الخامس: ففيه فرج بن فضالة، قال يحيى: ضعيفٌ (8) .
وقال ابن حِبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به (9) .
وأمَّا السَّادس: ففيه عبد الله بن محمد بن عمَّار، قال يحيى: ليس بشيءٍ (10) .
قال أصحاب الشَّافعيُّ: إنَّما التَّكبيرات السَّبع غير تكبيرة الإحرام.
واستدلُّوا بحديثين:
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (3/213) دون قوله: (لا تحدث عن كثير) فقد ذكره ابن عدي في "الكامل": (6/57 - رقم: 1599) من رواية أبي خيثمة.
(2) "الكامل" لابن عدي: (6/57 - رقم: 1599) من رواية ابن أبي مريم.
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 195 - رقم: 504) .
(4) " سؤالات السلمي ": (ص: 279 - رقم: 283) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/154 - رقم: 858) .
(6) "المجروحون" لابن حبان: (2/221 - 222) .
(7) المصدر السابق.
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/86 - رقم: 483) من رواية ابن أبي خيثمة.
(9) "المجروحون": (2/206) .
(10) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 169 - رقم: 606) .(2/583)
1315- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمد بن إسحاق أنا إسحاق بن عيسى قال: حدَّثني ابن لهيعة ثنا خالد بن يزيد عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة، سوى تكبيرة الافتتاح، ويقرأ بـ " قاف والقرآن المجيد " و" اقتربت الساعة " (1) .
1316- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا الحسن بن سلام ثنا أبو نعيم ثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن الطََّائفيُّ قال: سمعت عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر في العيد يوم الفطر: سبعًا في الأولى، وفي الآخرة خمسًا، سوى تكبيرة الصَّلاة (2) .
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فيرويه ابن لهيعة - وهو ذاهب الحديث - عن خالد ابن يزيد، وقد قال أحمد: خالدٌ ليس بشيءٍ (3) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (4) .
وأمَّا الحديث الثاني: فيحمل قوله: (سوى تكبيرة الصَّلاة) على أنَّها تكبيرة الرُّكوع، يدلُّ عليه ما روى الدَّارَقُطْنِيُّ:
1317- ثنا ابن أبي داود ثنا أبو الطََّاهر أنا ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر في الفطر والأضحى سبعًا وخمسًا، سوى تكبيرتي الرُّكوع (5) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/46) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/48) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (3/10 - رقم: 577) من رواية أحمد بن أبي يحيى.
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 91 - رقم: 170) ، وانظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(5) "سنن الدارقطني": (2/47) .(2/584)
ز: روى هذا الحديث أبو داود عن أبي الطََّاهر (1) ، وابن ماجه عن حرملة بن يحيى عن ابن وهبٍ عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد وعُقيل عن ابن شهاب (2) .
وخالد بن يزيد هو: الجمحيُّ، أبو عبد الرَّحيم المصريُّ، وقد روى له البخاريُّ (3) ومسلمٌ (4) في " صحيحيهما " ووثَّقه أبو زرعة (5) والنَّسائيُّ (6) .
والذي تكلَّم فيه أحمد والنَّسائيُّ وغيرهما هو الدِّمشقيُّ، والله أعلم O.
واحتجَّ الحنفيُّون:
1318- بما روى أبو داود: ثنا محمد بن العلاء ثنا زيد بن الحُباب عن عبد الرَّحمن بن ثوبان عن أبيه (7) عن مكحول قال: أخبرني أبو عائشة - جليسٌ لأبي هريرة -: أنَّ سعيد بن العاص سأل أبا موسى وحذيفة: كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبِّر أربعًا، تكبيرَهُ على الجنائز. فقال حذيفة: صدق (8) .
والجواب:
قال يحيى: ابن ثوبان ضعيفٌ (9) . وقال أحمد: لم يكن بالقويِّ،
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/123 - رقم: 1143) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/407 - رقم: 1280) .
(3) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/556 - رقم: 338) .
(4) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/184 - رقم: 381) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/358 - رقم: 1619) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (8/210 - رقم: 1666) .
(7) كتب فوقه: (وثقوه) ا. هـ
(8) "سنن أبي داود": (2/124 - رقم: 1146) .
(9) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 146 - رقم: 498) ، ورواية ابن الجنيد: (ص: 400 - رقم: 532) .(2/585)
وأحاديثه مناكير (1) .
قال: وليس يروى في التَّكبير في العيدين عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثٌ صحيحٌ.
ز: وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد في "مسنده" عن زيد بن الحبُاب (2) .
وعبد الرَّحمن بن ثابت بن ثوبان: [وثَّقه] (3) غير واحد، وقال يحيى ابن معين في رواية: ليس به بأسٌ (4) .
وقال بعضهم: حديث أبي موسى ضعيفٌ، وأبو عائشة غير معروف.
وقال أبو محمد بن حزم: أبو عائشة مجهولٌ (5) . وقال ابن القطَّان: لا تعرف حاله (6) O.
* * * * *
مسألة (254) : القراءة بعد التَّكبيرات في الرَّكعتين.
وعنه: يوالي بين القراءتين، فيكبِّر في الأولى قبل القراءة، وفي الثَّانية
__________
(1) الكلمة الأولى في "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/326 - رقم: 917) من رواية محمد بن علي.
والكلمة الثانية في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/219 - رقم: 1031) من رواية الأثرم.
(2) "المسند": (4/416) .
(3) زيادة لابد منها، وفي هامش الأصل: (لعله سقط: وثقه) ا. هـ
وهذه الحاشية من الناسخ ولا شك.
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/463 - رقم 5307) .
(5) "المحلى": (3/297 - المسألة رقم: 543) .
(6) " بيان الوهم والإيهام ": (5/43 - رقم: 2282) .(2/586)
بعد القراءة، كقول أبي حنيفة.
لنا:
حديث عائشة: أَنَّه كان يكبِّر قبل القراءة.
وقد سبق (1) .
* * * * *
مسألة (255) : السُّنَّة أن يقرأ في الأولى بـ " سبِّح "، وفي الثَّانية بـ " الغاشية ".
وعنه: ليس فيه معَّينٌ، كقول أبي حنيفة.
وقال مالك: يقرأ بـ " سبِّح " و" الشَّمس ".
وقال الشَّافعيُّ: يقرأ في الأولى " قاف "، وفي الثانية " اقتربت ".
لنا حديثان:
الحديث الأوَّل: حديث النُّعمان بن بشير.
وقد سبق بإسناده في مسائل الجمعة (2) .
1319- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر أنا شعبة قال: سمعت معبد بن خالد يحدِّث عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب أنَّ
__________
(1) برقم: (1310) .
(2) رقم: (1301) .(2/587)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في العيدين بـ " سبِّح اسم ربِّك الأعلى "، و" هل أتاك حديث الغاشية " (1) .
ز: لم يخرج هذا الحديث بهذا الإسناد في " الصَّحيح " ولا في " السُّنن ".
1320- وقد روى أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) من رواية زيد بن عقبة عن سمرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ بهما في الجمعة.
1321- وعن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في العيد بـ " سبِّح اسم ربِّك الأعلى "، و" هل أتاك حديث الغاشية ".
رواه ابن ماجه من رواية موسى بن عُبيدة (4) ، وقد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة O.
ولأصحاب الشَّافعيِّ حديثان:
الحديث الأوَّل: حديث عائشة.
وقد تقدَّم بإسناده (5) .
1322- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أنَّ عمر بن الخطَّاب سأل أبا واقد الليثيَّ (6) : بما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في العيد؟ قال: بـ " قاف "
__________
(1) "المسند": (5/7) .
(2) "سنن أبي داود": (2/115 - رقم: 1118) .
(3) "سنن النسائي": (3/111 - 112 - رقم: 1422) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/408 - رقم: 1283) .
(5) رقم: (1315) .
(6) في هامش الأصل: (أبو واقد اسمه: الحارث بن عوف) ا. هـ ورقم فوقه: (ع) .(2/588)
و" اقتربت " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
* * * * *
مسألة (256) : لا يسنُّ التَّطوُّع قبل صلاة العيد ولا بعدها.
وقال الشَّافعيُّ: يسنُّ.
وقال مالكٌ كقولنا إن كان في المصلَّى، وإن كان في المسجد فعلى روايتين.
وقال أبو حنيفة: يتنفَّل بعدها إن شاء.
لنا ثلاثة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث عبد الله بن عمرو.
وقد سبق بإسناده في التَّكبيرات الزَّوائد (3) .
1323- الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطَّيالسيُّ ثنا شعبة عن عديِّ بن ثابت قال: سمعتُ سعيد بن جبير يحدِّث عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوم الفطر فصلَّى ركعتين، ثُمَّ لم يصلِّ قبلها ولا بعدها (4) .
__________
(1) "المسند": (5/217 - 218) .
(2) "صحيح مسلم": (3/21) ؛ (فؤاد - 2/607 - رقم: 891) .
(3) برقم: (1308) .
(4) "الجامع": (1/540 - رقم: 537) .(2/589)
ز: روى هذا الحديث البخاريُّ (1) ومسلمٌ (2) من رواية شعبة O.
1324- الحديث الثَّالث: قال التِّرمذيُّ: وثنا الحسين بن حُريث ثنا وكيع عن أبان بن عبد الله البَجليِّ عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر أنَّه خرج يوم عيدٍ ولم يصلِّ قبلها ولا بعدها، وذكر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله (3) .
قال التِّرمذيُّ: الحديثان صحيحان (4) .
ز: روى هذا الحديث أيضًا الإمام أحمد (5) والحاكم وصحَّحه (6) .
وأبان بن عبد الله: وثَّقه يحيى بن معين (7) ، وقال الفلاَّس: كان ابن مهديٍّ يحدِّث عن سفيان عنه، وما سمعت يحيى بن سعيد يحدِّث عنه قطُّ (8) .
وقال أحمد: صدوقٌ، صالح الحديث (9) . وقال ابن حِبَّان: كان ممَّن فحش خطؤه، وانفرد بالمناكير (10) . وقال ابن عَدِيٍّ: لم أجد له حديثًا منكر المتن فأذكره، وأرجو أَنَّه لا بأس به (11) O.
* * * * *
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/243) ؛ (فتح - 2/453 - رقم: 964) .
(2) "صحيح مسلم": (3/21) ؛ (فؤاد - 2/606 - رقم: 884) .
(3) "الجامع": (1/541 - رقم: 538) .
(4) قال الترمذي عقب كل واحد منهما: (حديث حسن صحيح) .
(5) "المسند": (2/57) .
(6) "المستدرك": (1/295) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/296 - رقم: 1089) من رواية إسحاق بن منصور.
(8) "الكامل" لابن عدي: (1/388 - رقم: 204) .
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/296 - رقم: 1089) من رواية عبد الله، وهو في مطبوعة "العلل": (2/290 - رقم: 2290) دون قوله: (صدوق) .
(10) "المجروحون": (1/99) .
(11) "الكامل": (1/388 - رقم: 204) .(2/590)
مسألة (257) : يبتدئ التَّكبير في الأضحى من صلاة الفجر يوم عرفة، فإن كان محرمًا فمن صلاة الظُّهر يوم النَّحر، ويقطعه آخر أيَّام التَّشريق.
ووافق أبو حنيفة في الابتداء، وقال: يقطع العصر من يوم النَّحر.
وقال مالك: يكبِّر من الظُّهر يوم النَّحر إلى الصُّبح من آخر أيَّام التَّشريق.
وعن الشَّافعيِّ ثلاثة أقوال:
أحدها: كقولنا، ولم يفرق بين المحل والمحرم.
والثَّاني: كمذهب مالك.
والثَّالث: من صلاة المغرب ليلة النَّحر إلى الصُّبح من آخر أيَّام التَّشريق.
1325- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر عبد الله بن يحيى بن يحيى (1) الطَّلحيُّ ثنا عبيد (2) بن كثير ثنا محمد بن جنيد ثنا مصعب بن سلام عن عمرو عن جابر عن أبي جعفر بن (3) عليِّ بن حسين عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر في صلاة الفجر من يوم عرفة، إلى صلاة العصر من [آخر] (4) أيَّام التَّشريق، حين يسلِّم من المكتوبات (5) .
1326- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان بن السماك ثنا أبو قِلابة قال:
__________
(1) كتب فوقها في (ب) : (كذا) .
(2) في (ب) : (عبيد الله) .
(3) في "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (عن) خطأ.
(4) زيادة من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(5) "سنن الدارقطني": (2/49) .(2/591)
حدَّثني نائل بن نجيح (1) ثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر وعبد الرَّحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلَّى الصُّبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه فيقول: " على مكانكم ". ويقول: " الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد ". فيكبِّر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيَّام التَّشريق (2) .
هذا حديثٌ لا يثبت، قال يحيى: عمرو بن شمر ليس بشىءٍ، لا يكتب حديثه (3) . وقال السَّعديُّ: كذَّابٌ (4) . وقال النَّسائيُّ (5) والرَّازيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ (7) : متروكٌ.
وجابر هو: الجُعفيُّ، قال يحيى: لا يكتب حديثه (8) . وقد وثَّقه الثَّوريُّ وشعبة (9) .
__________
(1) في "التحقيق": (نائل بن يحيى) .
وفي هامش الأصل: (حـ: في بعض النسخ: " نائل بن يحيى "، وهو وهم، وإنما هو: ابن نجيح، وقد روى له ابن ماجه، وتكلم فيه الدارقطني وغيره) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (2/50) .
(3) انظر: "التاريخ" برواية الدوري: (3/280 - رقم: 1340) ؛ "الكامل" لابن عدي: (5/129 - رقم: 1292) .
(4) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 73 - رقم: 46) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 176 - رقم: 451) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/239 - 240 - رقم: 1324) وفيه: (منكر الحديث جدًا، ضعيف الحديث، لا يشتغل به، تركوه) .
(7) "سؤالات البرقاني": (ص: 53 - رقم: 371 - ط. الهند) .
(8) "التاريخ" برواية الدوري: (3/364 - رقم: 1769) .
(9) انظر: ما تقدم (1/187) .(2/592)
وقد روى هذا الحديث عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطُّفيل عن عليٍّ وعمَّار أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك.
* * * * *
مسألة (258) : والسُّنَّة أن يكبِّر شفعًا.
وقال الشَّافعيُّ: يكبِّر ثلاثًا في آخره.
وقال أبو حنيفة: واحدة.
لنا:
حديث جابر المتقدِّم (1) .
* * * * *
مسألة (259) : إذا غُمَّ هلال الفطر، ثُمَّ علم به بعد الزوال، صلُّوا من الغد؛ وكذلك في الأضحى.
وقال مالك: لا يصلَّى العيد في غير يومه.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين.
__________
(1) برقم: (1326) .
وفي هامش الأصل: (لم يثبت في العدد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء، وإنما روي عن الصحابة) ا. هـ(2/593)
1327- قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومته من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه جاء ركبٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشهدوا أنَّهم رأوه بالأمس - يعني الهلال -، فأمرهم، فأفطروا، وأن يخرجوا من الغد (1) .
ز: رواه أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) ، وصحَّحه الخطَّابيُّ (5) وغيره، وقال ابن حزمٍ: سنده صحيحٌ (6) . وقال أبو بكر بن المنذر: هو حديثٌ ثابتٌ، يجب العمل به (7) . وقال ابن القطَّان: عندي أَنَّه حديثٌ ينبغي أن ينظر فيه، ولا يقبل إلا أن تثبت عدالة أبي عمير (8) O.
* * * * *
__________
(1) "المسند": (5/57) .
(2) "سنن أبي داود": (2/127 - رقم: 1150) .
وفي هامش الأصل: (في لفظ أبي داود: " فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاَّهم ") ا. هـ
(3) "سنن ابن ماجه": (1/529 - رقم: 1653) .
(4) "سنن النسائي": (3/180 - رقم: 1557) .
(5) "معالم السنن": (2/33 - رقم: 1116) .
(6) "المحلى": (3/307 - المسألة رقم: 552) .
(7) "الأوسط": (4/295 - رقم: م 638) .
(8) " بيان الوهم والإيهام ": (5/45 - رقم: 2284) .(2/594)
مسائل صلاة الخوف
مسألة (260) : إذا كان العدوُّ في غير جهة القبلة، فرَّق الإمامُ النَّاسَ طائفتين: طائفةٌ بإزاء العدو، وطائفةٌ خلفه؛ فيصلِّي بها ركعةً، ويثبتُ قائمًا حتى تتمَّ لأنفسها، وتسلِّم، وتنصرف إلى وجاه العدو؛ ثُمَّ تجيء الطَّائفة الأخرى، فتحرم خلفه، فيصلِّي بها الرَّكعة الثَّانية، ويجلس للتشهُّد، وتقوم الطَّائفة فتصلِّي ركعة ثانيةً، وتجلس، فتتشهَّد، ويسلِّم بهم.
وقال أبو حنيفة: يصلِّي بالأولى ركعةً وتنصرف؛ وتجيء الأخرى فتحرم معه، فيصلِّي بها ركعةً، وتتشهّد، وتسلِّم، وتنصرف إلى مقامها؛ وتجيء الأولى فتصلِّي ركعة بغير قراءة، وتنصرف إلى مقامها، وتجيء الثَّانية فتصلِّي ركعة بقراءةٍ وتشهَّد، وتسلِّم.
وعن مالك كمذهبنا، وعنه أنَّ الإمام يسلِّم ولا ينتظر الثَّانية.
وقال داود: جميع ما روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الخوف جائزٌ، لا يرجَّح بعضه على بعض.
لنا:
حديث سهل بن أبي حَثْمة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى كما وصفنا.
وحديثه مخرَّجٌ في "الصَّحيحين" (1) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (5/401 - 402) ؛ (فتح - 7/422 - رقم: 4131) .
"صحيح مسلم": (2/214) ؛ (فؤاد - 1/575 - رقم: 841) .(2/595)
وقد روى ابن عمر كما وصفوا.
وخبرنا موافقٌ للكتاب والأصول:
أمَّا الكتاب: فقوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَآئِكُمْ} [النساء: 102] ، والمراد: سجود الأولى.
وأمَّا الأصول: فإنَّ العمل الكثير من غير ضرورة يبطل الصَّلاة.
قال أحمد بن حنبل: ما أعلم في هذا الباب إلا حديثًا صحيحًا، وأختار حديث سهل بن أبي حَثْمة (1) .
* * * * *
مسألة (261) : إذا كان العدو في جهة القبلة أحرم بهم أجمعين، وقرأ، وركع بهم، فإذا سجد سجدوا معه أجمعون، إلا الصَّف الذي يلي الإمام، فإنَّهم يقفون يحرسونهم، فإذا قاموا من الرَّكعة سجد الذين حرسوا، ولحقوا بهم؛ ثُمَّ يصلِّي بهم أجمعين حتى يرفع من الرُّكوع، فإذا سجد سجد معه الذين حرسوا في الرَّكعة الأولى، وحرس الآخرون، فإذا صلَّى الرَّكعة وجلس، سجدوا ولحقوه في الجلوس، ثُمَّ يسلم بالجميع (2) .
وقال أبو حنيفة: لا يصلِّي إلا كصلاته اذا كان العدو في غير جهة القبلة.
__________
(1) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر: (15/264 - 265) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: ليس هذا مطابقًا لحديث أبي عياش من جهة أن الذين سجدوا معه في الحديث أولاً الصف الأول، وكلامه يدل على أن الصف الأول لم يسجد في الأولى) ا. هـ
ووقع في "التحقيق" عند هذا الموضع سقط وتصحيف وإقحام.(2/596)
لنا:
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بعسفان كما وصفنا.
1328- قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا الثَّوريُّ (1) عن منصور عن مجاهد عن أبي عيَّاش الزُّرقيَّ قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعسفان، فاستقبلنا المشركون - عليهم خالد بن الوليد - وهم بيننا وبين القبلة، فصلَّى بنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهر، فقالوا: قد كانوا على حالة لو أصبنا غرتهم؟! ثُمَّ قالوا: تأتي عليهم الآن صلاةٌ هي أحبُّ إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل عليه السَّلام [بهذه] (2) الآيات بين الظُّهر والعصر: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 102] ، قال: فحضرتْ، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذوا السِّلاح. قال: فصففنا خلفه صفَّين. قال: ثُمَّ ركع، فركعنا جميعًا، ثُمَّ رفع فرفعنا جميعًا، ثُمَّ سجد النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصَّف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلمَّا سجدوا وقاموا جلس الآخرون، فسجدوا في مكانهم، ثُمَّ تقدَّم هؤلاء إلى مصافِّ هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصافِّ هؤلاء. قال: ثُمَّ ركع فركعوا جميعًا، ثُمَّ رفع فرفعوا جميعًا، ثمَّ سجد النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسجدوا (3) ، ثُمَّ سلَّم عليهم، ثُمَّ انصرف، فصلاَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّتين: مرَّةً بعسفان، ومرَّة بأرض بني سليم (4) .
__________
(1) في "التحقيق": (صالح الثوري) !
(2) في الأصل: (بهذا) ، والتصويب من (ب) .
(3) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "المسند": (ثُمَّ سجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما جلس الآخرون فسجدوا، فسلم عليهم ... إلخ) .
ويبدو أن الحافظ الذهبي قد استشكل ما وقع في "التحقيق"، فإنه أورد الحديث بنحو ما وقع في "التحقيق"، ثُم قال: (قلت: كتبته من كتبي) ا. هـ من "التنقيح": (4/158 - رقم: 967) .
(4) "المسند": (4/59 - 60) .
وفي هامش الأصل: (في صلاة الخوف أحاديث كثيرة) .(2/597)
ز: رواه الإمام أحمد أيضًا عن محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور (1) ، ورواه أبو داود عن سعيد بن منصور عن جرير بن عبد الحميد عن منصور (2) ، ورواه النَّسائيُّ عن محمد بن مثنى ومحمد بن بشَّار عن غندر عن شعبة، وعن عمرو بن عليٍّ عن عبد العزيز بن عبد الصَّمد عن منصور بنحوه (3) .
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن أبي يعلى الموصليِّ عن أبي خيثمة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد ثنا أبو عيَّاش الزُّرقيُّ قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال قبل هذه الرِّواية: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنَّ مجاهدًا لم يسمع هذا الخبر من أبي عيَّاش الزُّرقيِّ، ولا لأبي عيَّاش الزُّرقيِّ صحبة فيما زعم (4) .
ورواه عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان (5) .
ورواه الحاكم وقال: على شرطهما (6) O.
* * * * *
مسألة (262) : تصحُّ الصَّلاة في حال المسايفة، ولا يجوز تأخيرها عن
__________
(1) "المسند": (4/60) .
(2) "سنن أبي داود": (2/163 - 164 - رقم: 1229) .
(3) "سنن النسائي": (3/176 - 177 - رقمي: 1549 - 1550) .
(4) "الإحسان" لابن بلبان: (7/128 - رقم: 2876) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (7/126 - 127 - رقم: 2875) .
(6) "المستدرك": (1/337 - 338) .(2/598)
وقتها.
وقال أبو حنيفة: يجوز تأخيرها، وإن فعلها لم تصحّ.
1329- قال البخاريُّ: ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها، ثُمَّ قال: وإن كان خوفٌ أشدُّ من ذلك صلَّوا رجالاً، قيامًا على أقدامهم، أو ركبانًا، مستقبلي القبلة، أو غير مسقبليها. قال نافع: لا أُرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
* * * * *
مسألة (263) : لا يجوز الجلوس على الحرير ولا الاستناد إليه.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
1330- قال البخاريُّ: ثنا آدم ثنا شعبة ثنا قتادة قال: سمعت أبا عثمان النَّهديَّ قال: أتانا كتاب عمر - ونحن مع عتبة بن فرقد -: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بإصبعيه اللتين تليان الإبهام (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (6/520 - 521) ؛ (فتح - 8/199 - رقم: 4535) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ليس في الحديث حجة على أبي حنيفة، بل هو يقول به، ولكنه يذهب إلى أن الصَّلاة تبطل بمباشرة القتال فيها) ا. هـ
(2) "صحيح البخاري": (7/195) ؛ (فتح - 10/284 - رقم: 5828) .
(3) "صحيح مسلم": (6/140 - 141) ؛ (فؤاد - 3/1642 - 1643 - رقم: 2069) .(2/599)
وهذا النَّهي يعمُّ: لبسه، والجلوس عليه، والاستناد إليه.
1331- وقد روى أصحابنا من حديث حذيفة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس الحرير، وأن يجلس عليه.
ز: حديث حذيفة هذا الذي عزاه إلى رواية الأصحاب، قد رواه البخاريُّ في "صحيحه"، ولفظه: قال: نهانا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نشرب في آنية الذَّهب والفضَّة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والدِّيباج، وأن نجلس عليه (1) O.
* * * * *
مسألة (264) : ولا يجوز لبس الحرير في الحرب، ولا الرُّكوب عليه، في إحدى الرِّوايتين.
وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة والشَّافعيِّ.
لنا:
ما تقدَّم من الحديث.
* * * * *
__________
(1) "صحيح البخاري": (7/196 - 197) ؛ (فتح - 10/291 - رقم: 5837) .(2/600)
مسائل صلاة الكسوف
مسألة (265) : صلاة الكسوف ركعتان، في كلِّ ركعة ركوعان.
وعنه: في كلِّ ركعة أربع ركوعات.
وقال أبو حنيفة: صفتها كصلاتنا هذه، ثُمَّ الدُّعاء حتى تنجلي.
لنا حديثان:
1332- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى (1) ثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: خسفت الشَّمس، فصلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنَّاس معه، فقام قيامًا طويلاً نحوًا من سورة " البقرة " ثُمَّ ركع ركوعًا طويلاً، ثُمَّ رفع فقام قيامًا طويلاً - وهو دون القيام الأوَّل -، ثُمَّ ركع طويلاً - وهو دون الرُّكوع الأوَّل -، ثُمَّ سجد، ثُمَّ قام، فقام قيامًا طويلاً - وهو دون القيام الأوَّل -، ثُمَّ ركع ركوعًا طويلاً - وهو دون الركوع الأوَّل -.
قال أحمد: وفيما قرأت على عبد الرَّحمن: قال: ثُمَّ قام قيامًا طويلاً - وهو دون القيام الأوَّل -، ثمَّ ركع ركوعًا طويلاً - وهو دون الرُّكوع الأوَّل -، ثُمَّ سجد، ثُمَّ انصرف (2) .
__________
(1) في "التحقيق": (أبو عيسى) .
(2) "المسند": (1/298) ؛ "صحيح البخاري": (2/265 - 266) ، (فتح - 2/540 - رقم: 1052) ؛ "صحيح مسلم": (3/33 - 34) ، (فؤاد - 2/626 - رقم: 907) .(2/601)
1333- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا بشر بن شعيب قال: حدَّثني أبي عن الزُّهريِّ قال: أخبرني عروة بن الزُّبير أنَّ عائشة قالت: كسفت الشَّمس على حياة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إلى المسجد، فقام فكبَّر، وصفَّ النَّاس وراءه فكبروا، فقرأ قراءةً طويلةً، ثُمَّ كبَّر فركع ركوعًا طويلاً، ثُمَّ قال: " سمع الله لمن حمده "، فقام ولم يسجد، فاقترأ قراءةً طويلة - هي أدنى من القراءة الأولى - ثُمَّ كبَّر وركع ركوعًا طويلاً - هو أدنى من الرُّكوع الأوَّل -، ثُمَّ قال: " سمع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمد "، ثُمَّ سجد، ثُمَّ فعل في الرَّكعة الأخرى مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشَّمس قبل أن ينصرف.
وكان كثير بن [عباس] (1) يحدِّث أنَّ عبد الله بن [عباس] (2) كان يحدِّث عن صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم كسفت الشَّمس، مثل ما حدَّث عروة عن عائشة، فقلت لعروة: إنَّ أخاك لم يزد على ركعتين مثل [] (3) صلاة الصُّبح؟! فقال: إنَّه أخطأ السُّنَّة (4) .
الحديثان في "الصَّحيحين".
أمَّا حجتُّهم:
1334- فقال أحمد: ثنا (5) عبد الوهَّاب الثَّقفيُّ ثنا أيُّوب عن أبي قلابة
__________
(1، 2) في الأصل: (عياش) ، والتصويب من (ب) .
(3) انتقل نظر الناسخ إلى كلمة (مثل) السابقة فأعاد ما بعدها هنا.
(4) "المسند": (6/87) ؛ "صحيح البخاري": (2/263) ، (فتح - 2/533 - 534 - رقم: 1046) ؛ "صحيح مسلم": (3/28) ، (فؤاد - 2/620 - 621 - رقم: 901) .
(5) أقحمت في مطبوعة "المسند" هنا: (ثنا زيد بن الحباب) ، وانظر: " الأطراف " لابن حجر: (5/416 - رقم: 7466) .(2/602)
عن النُّعمان بن بشير قال: انكسفت الشَّمس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج، فكان يصلِّي ركعتين ويسلِّم (1) ، ويصلِّي ركعتين ويسلِّم (2) ، حتى انجلت (3) .
1335- قال أحمد: وثنا حجَّاج أنا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي قلابة عن النُّعمان بن بشير قال: انكسفت الشَّمس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلَّى، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يركع ويسجد. قال حجَّاج: مثل صلاتنا (4) .
والجواب:
أنَّ أحاديثنا أكثر وأصحُّ، ثُمَّ إنَّ قوله: (كان يصلِّي ركعتين) لا ينافي مذهبنا، وأنَّه كان في كل ركعةٍ ركوعان.
وقول حجَّاج: (مثل صلاتنا) ظنٌّ منه.
ز: روى حديث النُّعمان: أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجه (7) والحاكم وقال: على شرطهما ولم يخرجاه (8) .
وأبو قلابة لم يسمع من النُّعمان فيما قيل، قال ابن أبي حاتم: قال أبي: أبو قلابة عن النُّعمان بن بشير، قال يحيى بن معين: هو مرسلٌ. قال أبي: قد أدرك أبو قلابة النُّعمان بن بشيرٍ، ولا أعلم سمع منه (9) .
__________
(1، 2) في "المسند": (ويسأل) .
(3) "المسند": (4/269) .
(4) "المسند": (4/277) .
(5) "سنن أبي داود": (2/146 - رقم: 1186) .
(6) "سنن النسائي": (3/141 - رقم: 1485) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/401 - رقم: 1262) .
(8) "المستدرك": (1/332) .
(9) " المراسيل ": (ص: 110 - رقم: 394) .(2/603)
وقد رواه عفَّان عن عبد الوارث عن أيُّوب عن أبي قلابة عن رجلٍ عن النُّعمان.
ورواه وهيب وعبيد الله بن الوازع عن أيُّوب عن أبي قلابة عن قبيصة بن مخارق.
ورواه عبَّاد بن منصور عن أيُّوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر عن قبيصة O.
* * * * *
مسألة (266) : ويسنُّ الجهر فيها بالقراءة، وبه قال أبو يوسف ومحمد، خلافًا لأكثرهم.
1336- قال أبو داود: ثنا العباس بن الوليد بن مَزْيَد قال: أخبرني أبي ثنا الأوزاعيُّ قال: أخبرني الزُّهريُّ قال: أخبرني عروة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ قراءةً طويلةً يجهر بها. يعني في صلاة الكسوف (1) .
ز: رواه الحاكم وقال: على شرطهما ولم يخرجاه هكذا (2) .
1337- وقال مسلمٌ في "صحيحه": حدَّثنا محمد بن مهران ثنا [] (3) الوليد بن مسلم أنا عبد الرَّحمن بن نمر أنَّه سمع ابن شهاب يخبر عن
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/144 - 145 - رقم: 1181) .
(2) "المستدرك": (1/334) .
(3) أقحمت في الأصل و (ب) : (أبو) .(2/604)
عروة عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلَّى أربع ركعات في ركعتين، بأربع سجدات (1) .
وروى البخاريُّ نحوه عن محمد بن مهران، وقال: تابعه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير عن الزُّهريِّ في الجهر (2) O.
واحتجُّوا:
1338- بما روى أحمد: ثنا أبو كامل ثنا زهير ثنا الأسود بن قيس قال: حدَّثني ثعلبة بن عِبَاد عن سمرة قال: اسودَّت الشَّمس، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأطول ما قام بنا في صلاةٍ قطٌّ، لا نسمع له صوتًا (3) .
وهذا يحتمل أَنَّه يكون لبعده منه، لأنَّه قال في الحديث: أتينا والمسجد قد امتلأ.
ز: حديث سمرة هذا بعض حديثٍ طويلٍ رواه أبو داود (4) ، ورواه التِّرمذيُّ مختصرًا: (صلَّى بنا في كسوفٍ لا نسمع له صوتًا) وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (5) . ورواه ابن ماجه (6) والنَّسائيُّ (7) وأبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (8) والحاكم وقال: على شرطهما (9) . واختصره بعضهم.
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/29) ؛ (فؤاد - 2/620 - رقم: 901) .
(2) "صحيح البخاري": (2/269 - 270) ؛ (فتح - 2/549 - رقم: 1066) .
(3) "المسند": (5/16) في حديث طويل.
(4) "سنن أبي داود": (2/140 - 143 - رقم: 1177) .
(5) "الجامع": (1/564 - رقم: 562) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/402 - رقم: 1264) .
(7) "سنن النسائي": (3/140 - رقم: 1484) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (7/94 - رقم: 2851) .
(9) "المستدرك": (1/129 - 131) .(2/605)
وثعلبة بن عِبَاد العبديُّ البصريُّ: ذكره ابن المدينيِّ في جملة المجهولين (1) ، والله أعلم.
وقال البخاريُّ - فيما حكاه عنه التِّرمذيُّ -: حديث عائشة (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر بالقراءة في صلاة الكسوف) أصحُّ عندي من حديث سمرة (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرَّ القراءة فيها) (2) .
وقال الإمام أحمد: حديث عائشة في الجهر ينفرد به الزُّهريُّ (3) O.
* * * * *
مسألة (267) : ولا يسنُّ في الكسوفين خطبةٌ.
وقال الشَّافعيُّ: يسنُّ كخطبتي العيد.
لنا ثلاثة أحاديث:
__________
(1) انظر: "العلل": (ص: 92 - رقم: 153) ، و"الميزان" للذهبي: (1/371 - رقم: 1389) ، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر: (10/22 - رقم: 37) ، ووازن بـ " المنفردات والوحدان " لمسلم: (ص: 180 - رقم: 757) وما تقدم: (1/183) .
(2) انظر: "العلل الكبير" للترمذي: (ترتيبه - ص: 97 - رقم: 164) ، و" سنن البيهقي ": (3/336) .
(3) وقع في "سنن البيهقي": (3/336) بعد ذكر الكلام السابق للبخاري ما نصه: (قال الإمام أحمد رحمه الله: حديث عائشة رضي الله عنها في الجهر ينفرد به الزهري. وقد روينا من وجه آخر عن عائشة ثم عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على الإسرار بها والله أعلم) ا. هـ
والظاهر أن المراد بالإمام أحمد هنا البيهقي، وقائل: (قال الإمام..) هو راوي السنن، ونحو هذا موجود في مواطن كثيرة من "السنن"، ثم إن عادة البيهقي إذا ذكر الإمام أحمد فإنه ينسبه فيقول: (أحمد بن حنبل) ، والله تعالى أعلم.(2/606)
1339- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا إسماعيل عن قيس عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان لموتِ أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فصلُّوا " (1) .
1340- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا هارون بن معروف ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ عبد الرَّحمن بن القاسم حدَّثه عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال: " إنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنَّهما آيةٌ من آيات الله تعالى، فإذا رأيتموهما فصلُّوا " (2) .
1341- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا بشر بن شعيب قال: حدَّثني أبي عن الزُّهريِّ قال: أخبرني عروة عن عائشة قالت: كسفت الشَّمس، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما هما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصَّلاة " (3) .
الأحاديث الثَّلاثة في "الصَّحيحين".
فإن قيل: ففي بعض ألفاظ "الصَّحيحين" من حديث عائشة أَنَّه خطب.
فالجواب: المراد منه أنه خطب بعدها لا لها، ليحذَّر النَّاس من قولهم:
__________
(1) "المسند": (4/122) ؛ "صحيح البخاري": (2/262) ؛ (فتح - 2/526 - رقم: 1041) ؛ "صحيح مسلم": (3/35) ، (فؤاد - 2/628 - رقم: 911) .
(2) "المسند": (2/118) ؛ "صحيح البخاري": (2/262) ، (فتح - 2/526 - رقم: 1042) ؛ "صحيح مسلم": (3/36) ، (فؤاد - 2/630 - رقم: 914) .
(3) "المسند": (6/87) مختصرًا، وقد سبق مطولاً برقم: (1333) ، فانظر عزوه إلى "الصحيحين" هناك.(2/607)
(إن الشَّمس كسفت لموت إبراهيم) ، ولهذا في بعض ألفاظه: أنَّه خطب فقال: " إنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته ".
* * * * *(2/608)
مسائل صلاة الاستسقاء
مسألة (268) : تسنُّ الصَّلاة للاستسقاء.
وقال أبو حنيفة: لا تسنُّ.
لنا حديثان:
1342- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا أبو نعيم ثنا ابن أبي ذئب عن الزُّهريِّ عن عبَّاد بن تميم عن عمِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج فتوجَّه إلى القبلة يدعو، وحوَّل رداءه، ثُمَّ صلَّى ركعتين جهر فيها بالقراءة (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
1343- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا عليُّ بن سعيد بن جرير ثنا سهل بن بكَّار ثنا محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن طلحة قال: أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سُنَّة الاستسقاء، فقال: سُنَّةُ الاستسقاء سُنَّةُ الصَّلاة في العيدين، إلا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلب رداءه، فجعل يمينه على يساره، ويساره على يمينه، وصلَّى ركعتين، كبَّر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ بـ " سبِّح اسم ربِّك الأعلى "، وقرأ في الثَّانية " هل أتاك حديث الغاشية "، وكبَّر فيها خمس تكبيرات (3) .
__________
(1) "المسند": (4/41) .
(2) "صحيح البخاري": (2/259) ؛ (فتح - 2/515 - رقم: 1027) .
"صحيح مسلم": (3/23) ؛ (فؤاد - 2/611 - رقم: 894) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/66) .(2/609)
ز: رواه الحاكم وصحَّحه (1) ، وهو حديثٌ منكرٌ.
ومحمد بن عبد العزيز هو: ابن عمر بن عبد الرَّحمن بن عوف الزُّهريُّ القرشيُّ المدنيُّ، وهو ضعيفٌ، قال البخاريُّ: منكر الحديث (2) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (3) . وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس له حديثٌ مستقيمٌ (4) . وقد تكلَّم فيه أيضًا ابن حِبَّان (5) وغيره، وروى عنه هذا الحديث غير سهل O.
* * * * *
مسألة (269) : ولا تسنُّ الخطبة للاستسقاء.
وعنه: تسنُّ، كقول الشَّافعيِّ، إلا أنَّه قال: يخطب خطبتين بعد الصَّلاة، يدعو في الثانية مستقبل القبلة (6) .
1344- قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج متخشِّعًا، متضرِّعًا، متواضعًا، متبذِّلاً، فصلَّى بالنَّاس ركعتين، كما يصلِّي في العيد، لم
__________
(1) "المستدرك": (1/326) .
(2) "التاريخ الكبير": (1/167 - رقم: 499) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 206 - رقم: 528) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/7 - رقم: 24) .
(5) "المجروحون": (2/263 - 264) .
(6) في هامش الأصل: (حـ: روي عن أحمد أنه لا خطبة في الاستسقاء، والمشهور عنه أن فيها خطبة بعد الصَّلاة؛ وعنه قبلها؛ وعنه أنه مخير.
وقال مالك والشافعي: يخطب خطبتين كخطبتي العيد) ا. هـ(2/610)
يخطب كخطبتكم هذه (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ - وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (3) - وابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5) وأبو حاتم البستيُّ (6) وأبو عوانة الإسفرائينيُّ في "صحيحه" (7) والحاكم في " مستدركه " (8) .
وذكر أبو حاتم الرَّازيُّ أنَّ رواية إسحاق بن عبد الله عن ابن عباس مرسلةٌ (9) .
وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن إسحاق بن عبد الله ابن كنانة، فقال: مدنيٌّ ثقةٌ (10) . وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ (11) O.
احتجُّوا:
1345- بما روى أحمد: ثنا إسحاق ثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنَّه سمع عبَّاد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد يقول: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المصلَّى، واستسقى، وحوَّل رداءه حين استقبل القبلة، وبدأ بالصَّلاة
__________
(1) "المسند": (1/230) .
(2) "سنن أبي داود": (2/131 - رقم: 1160) .
(3) "الجامع": (1/559 - رقم: 558) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/403 - رقم: 1266) .
(5) "سنن النسائي": (3/156 - رقم: 1508) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (7/112 - رقم: 2862) .
(7) " مسند أبي عوانة ": (2/122 - 123 - رقم: 2524) .
(8) "المستدرك": (1/326 - 327) .
(9) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/226 - رقم: 787) .
(10) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/227 - رقم: 787) .
(11) "تهذيب الكمال" للمزي: (2/442 - رقم: 364) .(2/611)
قبل الخطبة، ثُمَّ استقبل القبلة فدعا (1) .
والجواب: أنَّ قوله: (قبل الخطبة) محمولٌ على أنَّه أراد قبل أن يتشاغل بالدُّعاء والاستغفار، فسمَّى ذلك خطبةً (2) .
* * * * *
مسألة (270) : والإمام مخيَّرٌ بين أن يدعو قبل الصَّلاة وبعدها.
وقال الشَّافعيُّ: يدعو بعد الصَّلاة. وعن أحمد نحوه.
لنا:
أنَّ الأخبار مختلفةٌ، فقد ذكرنا في حديث عبد الله بن زيد الذي ذكرناه في دليلنا: أَنَّه دعى ثُمَّ صلَّى (3) ؛ وفي حديثه الذي في حجَّتهم: أَنه صلَّى ثُمَّ دعا (4) .
وذكرنا في حديث ابن عباس مثل اللفظ الأوَّل (5) ، وقد روى جابر وأبو هريرة وأبو سعيد مثل اللفظ الثَّاني.
* * * * *
__________
(1) "المسند": (4/41) .
وفي هامش الأصل: (حـ: أصله في " خ ") ا. هـ
(2) في هامش الأصل: (حـ: هذا تأويل بعيد) ا. هـ
(3) رقم: (1342) .
(4) رقم: (1345) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: لم يذكر في حديث ابن عباس مثل اللفظ الأول) ا. هـ(2/612)
مسألة (271) : تحويل الرِّداء وقلبه في أثناء الدُّعاء سنَّةٌ.
وقال أبو حنيفة: لا يسنُّ (1) .
لنا:
ما تقدَّم من الأحاديث (2) .
* * * * *
مسألة (272) : مذهب أحمد رضي الله عنه أَنَّه يكفر تارك الصَّلاة عمدًا.
وعنه: لا يكفر، ولكن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وبه قال مالك والشَّافعيُّ.
وقال أبو حنيفة: يستتاب، ويحبس، ولا يقتل.
ووجه الرِّواية الأولى ثلاثة أحاديث:
1346- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا وكيعٌ عن سفيان عن أبي الزُّبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بين العبد وبين الكفر: ترك الصَّلاة " (3) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: مذهب أبي حنيفة أنه يسن للإمام دون غيره) ا. هـ
(2) في هامش الأصل: (حـ: وروى حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: استسقى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحَوَّل رداءه ليتحول القحط. رواه الحاكم، وقال: غريب، عجيب، صحيح. ورواه الدارقطني مرسلاً) ا. هـ
انظر: "المستدرك" و"تلخيصه" للذهبي: (1/326) ، و"سنن الدارقطني": (2/66) .
(3) "الجامع": (4/365 - رقم: 2620) .(2/613)
انفرد بإخراجه مسلمٌ (1) .
1347- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا زيد بن الحباب قال: حدَّثني حسين بن واقد قال: حدَّثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بيننا وبينهم ترك الصَّلاة، فمن تركها فقد كفر " (2) .
ز: رواه التِّرمذيُّ ُوقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ (3) .
ورواه ابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5) وابن حِبَّان (6) والحاكم وقال: صحيحٌ ولا تعرف له علَّةً (7) O.
1348- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا أبو عبد الرَّحمن ثنا سعيد قال: حدَّثني كعب بن علقمة عن عيسى بن هلال الصَّدفيِّ عن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه ذكر الصَّلاة يومًا فقال: " من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبيِّ بن خلف " (8) .
ز: إسناد هذا الحديث جيِّدٌ، ولم يخرجوه في " السُّنن ".
__________
(1) "صحيح مسلم": (1/62) ؛ (فؤاد - 1/88 - رقم: 82) .
(2) "المسند": (5/355) .
(3) "الجامع": (4/365 - 366 - رقم: 2621) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/342 - رقم: 1079) .
(5) "سنن النسائي": (1/231 - 232 - رقم: 463) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (4/305 - رقم: 1454) .
(7) "المستدرك": (1/6 - 7) .
(8) "المسند": (2/169) .
وفي هامش الأصل: (حـ: رواه ابن حبان في "صحيحه" أيضًا) ا. هـ
وانظر: "الإحسان" لابن بلبان: (4/329 - رقم: 1467) .(2/614)
وعيسى بن هلال: لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحًا (1) ، بل روى عنه غير واحدٍ، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (2) .
1349- وقد روى الإمام أحمد من رواية مكحول عن أمِّ أيمن أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تترك الصَّلاة متعمدًا، فإنَّه من ترك الصَّلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمَّة الله ورسوله " (3) .
وهذا منقطعٌ، فإنَّ مكحولاً لم يدرك أمَّ أيمن.
1350- وقال الحاكم: أنا أحمد بن سهل الفقيه - ببخارى - أنا قيس ابن أنيف ثنا [قتيبة] (4) ثنا بشر بن المفضَّل عن الجُريريِّ عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة قال: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصَّلاة (5) .
رواه التِّرمذيُّ - دون ذكر أبي هريرة - عن قتيبة (6) .
1351- وقال البيهقيُّ: روينا عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنَّه قال: لاحظَّ في الإسلام لمن ترك الصَّلاة.
1352- وعن عليٍّ رضي الله عنه: من لم يصلِّ فهو كافر.
1353- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من لم يصلِّ فلا دين له (7) O.
* * * * *
__________
(1) "الجرح والتعديل": (6/290 - رقم: 1611) .
(2) "الثقات": (5/213) .
(3) "المسند": (6/421) .
(4) في الأصل و (ب) : (بقية) ، والتصويب من "المستدرك" وسيأتي على الصواب.
(5) "المستدرك": (1/7) .
(6) "الجامع": (4/366 - رقم: 2622) .
(7) "سنن البيهقي": (3/366) .(2/615)
مسائل الجنائز
مسألة (273) : الأفضل أن يغسَّل الميِّت في قميص.
وقال أبو حنيفة ومالك: الأفضل أن يغسَّل مجرَّدًا، إلا أنَّه تستر عورته.
1354- قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ عليًّا غسَّل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسنده إلى صدره وعليه قميصه، وكان أسامة وصالح يصبَّان الماء، وعليٌّ يغسِّله (1) .
ز: حسين: ضعَّفه غير واحدٍ من الأئمة.
1355- وقال أبو معاوية: ثنا أبو بردة (2) عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال: لمَّا أخذوا في غسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناداهم منادٍ من الدَّاخل: لا تنزعوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميصه.
رواه ابن ماجه عن سعيد بن يحيى بن الأزهر عن أبي معاوية (3) .
وابن بريدة هو: سليمان، وهو ثقةٌ، روى له مسلمٌ في "صحيحه" (4) .
__________
(1) "المسند": (1/260) باختصار.
(2) في (ب) : (بريدة) خطأ.
(3) "سنن ابن ماجه": (1/471 - رقم: 1466) .
(4) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/273 - رقم: 587) .(2/616)
وأبو بردة هو: عمرو بن يزيد، وهو ضعيفٌ، تكلَّم فيه ابن معين (1) وأبو حاتم (2) وأبو داود (3) وغيرهم.
وذكر الحاكم أنَّ هذا الحديث على شرط الشَّيخين (4) ، وهو واهمٌ في ذلك، وكأَنَّه ظنَّ أنَّ أبا بردة هو بُريد بن عبد الله بن أبي بردة، أحد الثِّقات المشهورين، المخرَّج لهم في "الصَّحيحين" (5) ، وليس به، وإن كان أبو معاوية يروي عن بُريد، فإنَّ بُريدًا لا تعرف له رواية عن علقمة بن مرثد، والله أعلم O.
* * * * *
مسألة (274) : يستحبُّ في الغسلة الأخيرة شيءٌ من كافور.
وقال أبو حنيفة: لا يستحبُّ.
1356- قال أحمد: ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن محمد عن أمِّ عطيَّة قالت: أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نغسِّل ابنته، فقال: " اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك - إن رأيتنَّ ذلك - بماءٍ وسدرٍ، واجعلن في الآخرة كافورًا - أو شيئًا من كافور -، فإذا فرغتنَّ فآذنَّني ". قالت: فلمَّا فرغنا آذنَّاه،
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (3/417 - رقم: 2042) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/270 - رقم: 1490) .
(3) " سؤالات الآجري ": (1/169 - رقم: 75) .
(4) "المستدرك": (1/354) .
(5) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/441 - رقم: 172) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/97 - رقم: 166) .(2/617)
فألقى إلينا حَقْوه، وقال: " أَشْعِرْنَهَا (1) إيَّاه " (2)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
* * * * *
مسألة (275) : يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون.
وقال أبو حنيفة: يكره ذلك، ولكن ترسله الغاسلة غير مضفور بين يديها من الجانبين، وتسدل خمارها عليه.
1357- قال البخاريُّ: ثنا قبيصة عن سفيان عن هشام عن أمِّ الهذيل عن أمِّ عطيَّة قالت: ضفرنا شعر بنت النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة قرون (4) .
1358- وقال سعيد بن منصور: أنا أبو معاوية عن رجلٍ عن هشامٍ (5) عن حفصة عن أمِّ عطيَّة قالت: لمَّا ماتت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغسلنها وترًا، واجعلن شعرها ضفائر ".
* * * * *
__________
(1) في " النهاية ": (2/480 - شعر) : (أي: اجعلنه شعارها، والشعار: الثوب الذي يلي الجسد، لأنه يلي شعره) ا. هـ
(2) "المسند": (5/84) .
(3) انظر ما تقدم برقم: (20) .
(4) "صحيح البخاري": (2/315) ؛ (فتح - 3/133 - رقم: 1262) .
(5) في "التحقيق": (همام) خطأ، وهشام لعله: ابن حسان، والله أعلم.(2/618)
مسألة (276) : إذا غُسَّل الميت، وخرج منه شيءٌ بعد الغسل، وجبت إعادة الغسل.
وقال أبو حنيفة: لا يجب غسل ما عَدا النَّجاسة.
لنا:
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر - إن رأيتنَّ - ".
يعني: إن حدَّث بها حدثٌ.
* * * * *
مسألة (277) : لا ينجس الآدميُّ بالموت.
وعنه: ينجس، كقول أبي حنيفة.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين.
لنا حديثان:
1359- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا ابن أبي عديٍّ عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: لقيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا جنبٌ، فانسللت، فاغتسلت، فقال: " أين كنت؟ " فأخبرته، فقال: " إنَّ المؤمن لا ينجس " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
__________
(1) "المسند": (2/235) .
(2) "صحيح البخاري": (1/79 - 80) ؛ (فتح - 1/391 - رقم: 285) .
"صحيح مسلم": (1/194) ؛ (فؤاد - 1/282 - رقم: 371) ، ووقع سقط من سنده في بعض النسخ، نبه عليه الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف ": (10/385) .(2/619)
1360- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا عبيد العجليُّ ثنا يحيى بن معلَّى بن منصور ثنا عبد الرَّحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله المخزوميُّ ثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تنجسوا موتاكم، فإنَّ المسلم ليس بنجسٍ حيًّا ولا ميِّتًا " (1) .
عبد الرَّحمن بن يحيى فيه ضعفٌ.
ز: روى هذا الحديث الحاكم في "المستدرك" من رواية أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة عن ابن عيينة، وقال: صحيحٌ على شرطهما، ولم يخرجاه (2) .
وقال الحافظ محمد بن عبد الواحد: إسناده عندي على شرط الصَّحيح.
1361- وقال البخاريُّ: قال ابن عباس: المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميِّتًا (3) .
وعبد الرَّحمن بن يحيى: لا نعلم أحدًا ضعَّفه، بل صدَّقه أبو حاتم وروى عنه (4) O.
* * * * *
مسألة (278) : لا ينقطع حكم الإحرام بالموت.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/70) .
(2) "المستدرك": (1/385) .
(3) "صحيح البخاري": (2/313) ؛ (فتح - 3/125 - الجنائز - الباب: 8) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/302 - رقم: 1432) .(2/620)
وقال أبو حنيفة ومالك: ينقطع.
1362- قال أحمد: ثنا هشيم أنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنَّ رجلاً كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوقصته ناقته وهو محرمٌ، فمات، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبه، ولا تمسُّوه طيبًا، ولا تخمِّروا رأسه، فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبدًا " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
احتجُّوا:
1362/أ- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمد بن عليٍّ السَّرخسيُّ (3) ثنا عليُّ بن عاصم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المحرم يموت، قال: " خمِّروهم، ولا تشبَّهوا باليهود " (4) .
هذا حديثٌ لا يصحُّ، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرف عليَّ بن عاصم بالكذب (5) . وكان أحمد سيء الرأي فيه (6) ، وقال يحيى: ليس
__________
(1) "المسند": (1/215) ، وفيه وفي (ب) : (ملبيًا) ، وما بالأصل وقع أيضًا في بعض نسخ البخاري، كما في هامش اليونينية.
(2) "صحيح البخاري": (2/316) ؛ (فتح - 3/137 - رقم: 1267) .
"صحيح مسلم": (4/24 - 25) ؛ (فؤاد - 2/866 - رقم: 1206) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: محمد بن علي بن الجنيد السرخسي، يلقب: " كبشة "، سكن بغداد، وحدث عن علي بن عاصم ويزيد بن هارون وغير واحد، روى عنه إبراهيم الحربي وابن صاعد وابن مخلد وغيرهم، قال ابن عقدة: أثنى عليه عبد الله بن أحمد، وثنا عنه.
مات في جمادى الآخر سنة خمس وستين ومائتين) ا. هـ وانظر: "تاريخ بغداد" للخطيب: (3/60 - رقم: 1010) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/296) .
(5) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/245 - 246 - رقم: 1244) من رواية عثمان بن أبي شيبة.
وانظر: ما تقدم (1/208) .
(6) "المجروحون": (2/113) .(2/621)
بشيءٍ (1) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (2) .
قلت: بل قد روي هذا الحديث مرسلاً:
1363- قال سعيد بن منصور: ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء قال: إذا مات المحرم خمِّروا وجهه، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خمِّروا وجوههم، ولا تشبَّهوا بأهل الكتاب ".
* * * * *
مسألة (279) : يجوز للزَّوج أن يغسِّل زوجته.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
1364- قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت: رجع إليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يومٍ من جنازةٍ بالبقيع، وأنا أجد صداعًا في رأسي، وأنا أقول: وا رأساه، فقال: " بل أنا وا رأساه ". ثُمَّ قال: " ما ضرّك لو متِّ قبلي، فغسَّلتك، وكفَّنتك، ثُمَّ صلَّيت عليك، ودفنتك ". قلت: لكأنِّي بكَ والله لو فعلت ذلك، لقد رجعت إلى بيتي، فأعرست فيه ببعض نسائك! فتبسَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بُدئ في وجعه الَّذي مات فيه (3) .
__________
(1) " معرفة الرجال " برواية ابن محرز: (1/50 - رقم: 2) وفيه: (كذاب، ليس بشيء) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (5/191 - رقم: 1348) .
(3) "المسند": (6/228) .(2/622)
ز: رواه ابن ماجه عن الذُّهلِيِّ عن أحمد بن حنبل (1) ، ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن هشام عن محمد بن سلمة نحوه (2) O.
فإن قيل: قد روى هذا الحديث البخاريُّ في "صحيحه" فقال فيه: قلت: وا رأساه. فقال: " ذلك لو كان وأنا حيٌّ، فأستغفر لك، وأدعو لك " (3) .
ورواه صالح بن كيسان عن الزُّهريِّ فقال فيه: " وددت أنَّ ذلك كان وأنا حيٌّ، فهيأتك ودفنتك ".
ولم يقل: (غسَّلتك) إلا محمد بن إسحاق، وقد كذَّبه مالك (4) .
قلنا: إنَّما كذَّبه مالك بقول هشام بن عروة: (إنَّه حدَّث عن امرأتي (5) وما رآها رجلٌ قطٌّ) ، وقد تأوَّل هذا أحمد بن حنبل فقال: يمكن أن تكون خرجت إلى المسجد فسمع منها (6) . وقال يحيى بن معين: محمد بن إسحاق ثقةٌ (7) . وقال شعبة: صدوقٌ (8) .
1365- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ثنا عبد الله بن صندل (9) . ثنا عبد الله بن نافع المدنيُّ عن محمد بن
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/470 - رقم: 1465) .
(2) "السنن الكبرى": (4/252 - رقم: 7079) .
(3) "صحيح البخاري": (7/157) ؛ (فتح - 10/123 - رقم: 5666) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (6/103 - رقم: 1623) .
(5) في "التحقيق": (عن أم أبي) !
(6) "الكامل" لابن عدي: (6/107 - رقم: 1623) من رواية أبي طالب.
(7) تقدم: (1/266) .
(8) تقدم: (1/266 - 267) .
(9) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (جندل) خطأ.(2/623)
موسى عن عون بن محمد عن أمِّه عن أسماء بنت عميس أنَّ فاطمة عليها السَّلام (1) أوصت أن يغسِّلها زوجها عليٌّ وأسماء، فغسَّلاها (2) .
وقد رواه هبة الله الطَّبريُّ عن أسماء: أنَّ عليًّا غسَّل فاطمة، قالت أسماء: وأعنته عليها.
ولم ينكر عليه أحدٌ من الصَّحابة، فصار كالإجماع.
فإن قيل: قد أنكر أحمد هذا الحديث، ثُمَّ في الإسناد عبد الله بن نافع، قال يحيى: ليس بشيءٍ (3) . وقال النَّسائيُّ: متروكٌ (4) .
قلنا: قد قال يحيى في روايةٍ: يكتب حديثه (5) .
قال بعض المتفقِّهة: لو صح هذا الحديث = قلنا: إنَّما غسَّلها لأنَّها زوجته في الآخرة، فما انقطعت الزَّوجيَّة.
قلنا: لو بقيت الزَّوجيَّة لما تزوَّج بنت أختها أمامة بنت زينب بعد موتها، وقد مات عن أربع حرائر.
قالوا: فقد روي أنَّها اغتسلت وماتت، فاكتفوا بغسلها ذلك:
1366- أخبرنا عبد الله بن عليٍّ المقرئ أنا أبو منصور محمد بن أحمد ابن عبد الرَّزَّاق أنا عبد الملك بن محمد أنا أبو عليٍّ أحمد بن الفضل بن خزيمة ثنا
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع.
(2) "سنن الدارقطني": (2/79) .
(3) "المجروحون" لابن حبان: (2/20) من رواية ابن أبي خثيمة.
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 145 - رقم: 344) وفيه: (متروك الحديث) .
(5) " الكامل لابن عدي ": (4/164 - رقم: 984) من رواية أحمد بن سعد.(2/624)
محمد بن سويد الطَّحَّان ثنا عاصم بن عليٍّ (1) ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن
إسحاق عن عُبيد الله بن عليِّ بن أبي رافع عن أبيه عن أمِّه سلمى قالت:
اشتكت فاطمة، فمرَّضتها، فقالت لي يومًا - وخرج عليٌّ عليه السَّلام (2) -:
يا أمتاه، اسكبي لي غسلاً. فسكبت، ثُمَّ قامت فاغتسلت كأحسن ما كنت أراها تغتسل، ثُمَّ قالت: هاتي لي ثيابي الجدد. فأتيتها بها، فلبستها، ثُمَّ جاءت إلى البيت الَّذي كانت فيه، فقالت لي [قدِّمي لي] (3) الفراش إلى وسط البيت. ثُمَّ اضطجعت، ووضعت يدها تحت خدِّها، واستقبلت القبلة، ثُمَّ قالت: يا أمتاه، إنِّي مقبوضةٌ اليوم، وإنِّي قد اغتسلت، فلا يكشفني أحدٌ.
قالت: فقبضت مكانها، فجاء عليٌّ عليه السَّلام (4) ، فأخبرته، فقال: لا والله، لا يكشفها أحدٌ، فدفنها بغسلها ذلك. قلنا: هذا حديثٌ لا يصحُّ، في إسناده ابن إسحاق وعليُّ بن عاصم، وقد سبق جرحهما (5) .
وقد رواه نوح بن يزيد عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد، ورواه الحكم ابن أسلم عن إبراهيم أيضًا.
ورواه عبد الرَّزَّاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أنَّ فاطمة اغتسلت ... هكذا ذكره مرسلاً.
ونوح والحكم كلاهما متشيِّعٌ (6) ، وابن عقيل ضعيفٌ، وحديثه
__________
(1) في "التحقيق": (علي بن عاصم) .
وفي هامش الأصل: (كان في الأصل: " على بن عاصم ") ا. هـ؛ وانظر ما يأتي في كلام المنقح.
(2، 4) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع.
(3) زيادة من "التحقيق".
(5) انظر: ما سيأتي في كلام المنقح.
(6) في "التحقيق": (مستثبت) !(2/625)
مرسلٌ، والتَّخليط فيه من بعض الرُّواة، وكيف يكون صحيحًا والغسل إنَّما شرع لحدث الموت؟! فكيف يقع قبله؟! وحوشي عليٌّ وفاطمة أن يخفى عليهما مثل هذا.
ز: هذا الحديث منكرٌ جدًّا، أنكره الإمام أحمد وغيره، وإن كان قد رواه في "مسنده" عن أبي النَّضر عن إبراهيم بن سعد (1) .
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله أنكر حديث إبراهيم بن سعد عن محمد ابن إسحاق أنَّ فاطمة غسَّلت نفسها وكفَّنتها.
وعبيد الله بن عليِّ بن أبي رافع شيخٌ مقلٌّ، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبيد الله بن عليِّ بن [أبي] (2) رافع، قال: هو ابن أخي عبيد الله بن أبي رافع، كاتب عليٍّ، روى عنه سعيد بن أبي هلال ومحمد بن إسحاق، لابأس بحديثه، ليس بمنكر الحديث. قلت: يحتجُّ بحديثه؟ قال: لا، هو يحدِّث بشيءٍ يسير، وهو شيخٌ (3) .
وقول المؤلِّف: (في إسناده ابن إسحاق وعليُّ بن عاصم، وقد سبق جرحهما) فيه نظرٌ، وقد تقدَّم قريبًا احتجاج المؤلِّف بابن إسحاق (4) ! وراوي هذا الحديث إنَّما هو: عاصم بن عليٍّ الواسطيُّ - لا أبوه: عليُّ بن عاصم -، وعاصم روى عنه البخاريُّ في "صحيحه" (5) .
وقوله: (ونوح والحكم كلاهما متشيِّعٌ) فيه نظرٌ أيضًا، فإنَّ نوح بن
__________
(1) "المسند": (6/461 - 462) .
(2) زيادة من (ب) و" الجرح ".
(3) "الجرح والتعديل": (5/338 - رقم: 1549) .
(4) انظر: رقم: (1354) .
(5) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/996 - رقم: 1135) .(2/626)
يزيد: هو المؤدِّب، وهو صدوقٌ ثقةٌ، من أصحاب إبراهيم بن سعد، ولا نعلم أحدًا رماه بالتَّشيُّع.
والحكم بن أسلم: قال فيه أبو حاتم الرَّازيُّ: قدريٌّ، بصريٌّ، صدوقٌ (1) . والله أعلم O.
قالوا: نعارض حجَّتكم بما:
1367- روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إلى رجلٍ نظر إلى فرج امرأةٍ وابنتها ".
قالوا: وعندكم أنَّه إذا ماتت الزَّوجة قبل الدُّخول، فلزوجها أن يتزوَّج ابنتها ويغسِّل الزَّوجة، فينظر إلى فرجها.
قلنا: لا تعرف صحَّة هذا الحديث، ولو صحَّ فنقول: متى ماتت الزَّوجة قبل الدُّخول جرى الموت مجرى الدُّخول، فلا يجوز للرَّجل أن يتزوَّج ابنتها في رواية؛ ولو سلَّمنا قلنا: المراد بالحديث النَّظر على وجه الاستمتاع، وذلك لا يحلُّ بعد الموت، ثُمَّ ليس من ضرورة الغسلِ النَّظرُ إلى الفرج.
* * * * *
مسألة (280) : لا يجوز للمسلم غسل قريبه الكافر ولا دفنه.
وقال أبو حفص العكبريُّ: لا بأس بذلك، وزعم أنَّه قولٌ لأحمد (2) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/114 - رقم: 528) .
(2) في (ب) و"التحقيق": (قول أحمد) .(2/627)
1368- قال الخطيب: أخبرني محمد بن عبد الواحد ثنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ ثنا العباس بن عليٍّ (1) النَّسائيُّ ثنا يحيى بن معلى ثنا سهل ابن المغيرة ثنا أبو معشر عن محمد بن كعبٍ القرظيِّ عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال: جاء ثابت بن قيس بن شمَّاس إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنَّ أمَّه توفيت وهي نصرانيَّة، وهو يحب أن يحضرها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اركب دابتك وسر أمامها، فإنَّك إذا كنت أمامها لم تكن معها " (2) .
ز: هذا حديثٌ لا يصحُّ، وأبو معشر ضعيفٌ O.
احتجُّوا:
1369- بما روى النَّسائيُّ قال: أخبرني عبيد الله بن سعيد ثنا يحيى عن سفيان قال: حدَّثني أبو إسحاق عن ناجية بن كعب عن عليٍّ قال: قلت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ عمَّك الشَّيخ الضَّال مات، فمن يواريه؟ قال: " اذهب فوار أباك، ولا تحدثنَّ حدثًا حتى تأتيني ". فواريته، ثُمَّ جئت، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي (3) .
والجواب: أنَّ هذا كان في أوَّل الإسلام (4) .
__________
(1) في "تاريخ بغداد": (أبي علي) .
(2) "تاريخ بغداد": (9/115 - رقم: 4723) تحت ترجمة سهل بن المغيرة.
وفي هامش الأصل: (حاشية: هذا الحديث رواه الدارقطني في "سننه" وضعفه بأبي معشر، والمصنف احتج به ههنا وسكت عنه، ثم ذكره في مسألة المشي أمام الجنازة وضعفه، لأجل أبي حنيفة، وليس هذا من الإنصاف) ا. هـ
ويبدو أن هذه الحاشية ليست للمنقح، والله أعلم.
وانظر: "سنن الدارقطني": (2/75 - 76) .
(3) "سنن النسائي": (4/79 - 80 - رقم: 2006) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: أين الناسخ له؟!) ا. هـ(2/628)
ز: رواه الإمام أحمد عن وكيع عن سفيان (1) ، وروى أبو داود عن [مسدَّد] (2) عن يحيى بن سعيد عن سفيان (3) .
ورواه النَّسائيُّ أيضًا عن ابن مثنَّى عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق (4) .
وسُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث، فقال: رواه شعبة والثَّوريُّ وإسرائيل وشريك وزهير وقيس وورقاء وإبراهيم بن طهمان عن [أبي] (5) إسحاق عن ناجية بن كعبٍ عن عليٍّ.
وخالفهم الحسين بن واقد وأبو حمزة السُّكريُّ فروياه عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ، ووهما في ذكر الحارث.
وذكر فيه من الاختلاف غير هذا، وقال: والمحفوظ قول الثَّوريِّ وشعبة ومن تابعهما عن [أبي] (6) إسحاق عن ناجية بن كعب عن عليٍّ، وكذلك رواه فرات القزَّاز عن ناجية بن كعبٍ أيضًا (7) .
وروي نحوه عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ. والله أعلم O.
* * * * *
__________
(1) "المسند": (1/131) .
(2) زيادة من (ب) .
(3) "سنن أبي داود": (4/60 - 61 - رقم: 3206) .
(4) "سنن النسائي": (1/110 - رقم: 190) .
(5) سقطت من (ب) ، وفي الأصل: (ابن) والتصويب من "العلل".
(6) في الأصل: (ابن) والتصويب من (ب) و"العلل".
(7) "العلل": (4/144 - 146 - رقم: 475) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال ابن معين: ناجية بن كعب صالح. وقال أبو حاتم: شيخ. وتوقف فيه ابن حبان) ا. هـ ورقم فوقه: (د، ت، س) .(2/629)
مسألة (281) : يغسل السَّقط ويصلَّى عليه، إذا استكمل أربعة أشهر.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يغسَّل، ولا يصلَّى عليه، إلا أن يستهلَّ.
وقال الشَّافعيُّ: يغسل، وفي الصَّلاة عليه قولان.
لنا حديثان:
1370- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا هاشم بن القاسم ثنا المبارك قال: أخبرني زياد بن جبير قال: أخبرني أبي عن المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " والسّقط يصلَّى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرَّحمة " (1) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2) .
ز: روى هذا الحديث: أبو داود (3) والترمذيُّ (4) والنَّسائيُّ (5) وابن ماجه (6) بنحوه، واختصره بعضهم، وقد روي موقوفًا، ورواه الحاكم وقال: على شرط البخاريِّ (7) O.
1371- الحديث الثَّاني: قال ابن ماجه: ثنا هشام بن عمَّار ثنا البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا على أطفالكم، فإنَّهم من أفراطكم " (8) .
__________
(1) "المسند": (4/248 - 249) .
(2) في "الجامع": (حسن صحيح) .
(3) "سنن أبي داود": (4/45 - رقم: 3172) .
(4) "الجامع": (2/338 - رقم: 1031) .
(5) "سنن النسائي": (4/55 - 56 - رقم: 1942) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/483 - رقم: 1507) .
(7) "المستدرك": (1/355) ، وانظر: (1/363) .
(8) "سنن ابن ماجه": (1/483 - رقم: 1509) .(2/630)
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: البختري ضعيفٌ، وأبوه مجهولٌ (1) .
احتجُّوا:
1372- بما روى التِّرمذيُّ: ثنا أبو عمَّار ثنا محمد بن يزيد عن إسماعيل ابن مسلم عن أبي الزُّبير عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الطِّفل لا يصلَّى عليه، ولا يورث، ولا يرث، حتى يستهلَّ " (2) .
والجواب: أنَّ هذا لا يصحُّ، قال أحمد: إسماعيل بن مسلم منكر الحديث (3) . وقال يحيى: ليس بشيءٍ، لم يزل مختلطًا (4) . وقال ابن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (5) . وقال التِّرمذيُّ: قد روي مرفوعًا وموقوفًا، وكأنَّ الموقوف أصحُّ (6) .
ز: 1373- روى البيهقيُّ من رواية يحيى بن أبي طالب عن يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: إذا استهلَّ الصَّبيُّ وُرِّث، وصلِّي عليه.
هكذا رواه موقوفًا، ثُمَّ رواه من رواية إسماعيل المكيِّ عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا، وقال: إسماعيل بن مسلم المكيُّ غيره أوثق منه (7) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/102) .
(2) "الجامع": (2/339 - رقم: 1032) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/198 - رقم: 669) من رواية أبي طالب.
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/82 - رقم: 3237) ؛ ورواية الدارمي: (ص: 67 - رقم: 121) ، دون قوله: (لم يزل مختلطًا) ، وانظر ما يأتي في كلام المنقح (3/427) .
(5) انظر ما تقدم: (1/192) .
(6) "الجامع": (2/339 - رقم: 1032) باختصار.
(7) "سنن البيهقي": (4/8) .(2/631)
1374- وروى النَّسائيُّ من رواية المغيرة بن مسلم عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا: " الصَّبيُّ إذا استهلَّ وُرِّث وصُلِّي عليه ".
ثُمَّ قال: وعند المغيرة بن مسلم عن أبي الزُّبير غير حديثٍ منكر (1) .
1375- وروى الحاكم أبو عبد الله عن أحمد بن سلمان الفقيه عن هلال ابن العلاء الرَّقيِّ عن أبيه عن بقيَّة عن الأوزاعيِّ عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا: " إذا استهلَّ المولود صُلِّي عليه، ووَرِث ووُرِّث " (2) .
1376- وروى أبو القاسم الطَّبرانيُّ عن محمد بن عبد الرَّحيم الدِّيباجيِّ عن محمد بن أحمد بن أبي خلف عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا: " إذا استهلَّ الصَّبيُّ ورث ووُرِّث، وصُلِّي عليه " (3) .
1377- وروى ابن ماجه عن هشام بن عمَّار عن الرَّبيع بن بدر عن أبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله مرفوعًا: " إذ استهلَّ الصَّبيُّ صُلِّي عليه وورث " (4) .
والرَّبيع بن بدر: يعرف بـ " عُلَيلَة "، وقد ضعَّفوه، وقال النَّسائيُّ (5) وغيره: متروك الحديث O.
* * * * *
__________
(1) "السنن الكبرى": (4/77 - رقم: 6358) ، وكلام النسائي سقط من مطبوعة "السنن"، وهو في "تحفة الأشراف": (2/349 - رقم: 2968) .
(2) خرجه من طريق الحاكم: البيهقي في "سننه": (4/8) .
(3) خرجه من طريق الطبراني: البيهقي في "سننه": (4/8) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/483 - رقم: 1508) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 102 - رقم: 200) .(2/632)
مسألة (282) : الشَّهيد لا يصلَّى عليه، وهو قول الشَّافعيِّ.
وعنه يصلَّى [عليه] (1) ، وهو قول أبي حنيفة ومالك.
لنا حديثان:
1378- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الرَّحمن بن كعب بن مالك أنَّ جابر بن عبد الله أخبره أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجمع بين الرَّجلين من قتلى أحدٍ في الثَّوب الواحد، ثُمَّ يقول: " أيُّهما أكثر أخذاً للقرآن؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد، وقال: " أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة ". وأمر بدفنهم في ثيابهم، ولم يصلِّ عليهم، ولم يُغسَّلوا (2) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (3) .
1379- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا صفوان بن عيسى ثنا أسامة بن زيد عن الزُّهريِّ عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوم أحد يكفِّن الرَّجلين والثَّلاثة في الثَّوب الواحد، ودفنهم، ولم يصلِّ عليهم (4) .
ز: رواه أبو داود عن أحمد بن صالح وسليمان بن داود المَهْريِّ عن ابن وهب عن أسامة بن زيد (5) .
ورواه الحاكم من رواية ابن وهب أيضًا، وقال: على شرط مسلم (6) .
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(2) "الجامع": (2/342 - رقم: 1036) .
(3) "صحيح البخاري": (5/387) ؛ (فتح - 7/374 - رقم: 4079) .
(4) "المسند": (3/128) .
(5) "سنن أبي داود": (4/28 - رقم: 3127) .
(6) "المستدرك": (1/365 - 366) .(2/633)
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يشبه أن يكون حديث أسامة بن زيد محفوظًا (1) .
وقال البخاريُّ - فيما حكاه عنه التِّرمذيُّ -: حديث عبد الرَّحمن بن كعب بن مالك عن جابر عبد الله هو حديثٌ حسنٌ، وحديث أسامة بن زيدٍ هو غير محفوظٍ، غلط فيه أسامة بن زيدٍ (2) O.
احتجُّوا:
1380- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا بندار ثنا ابن أبي عَدِيٍّ ثنا شعبة عن حصين عن أبي مالك قال: كان يجاء بقتلى أحد: تسعة وحمزة عاشرهم، فيصلِّي عليهم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يدفنون التِّسعة ويَدعون حمزة، ويجاء بتسعة وحمزة عاشرهم، فيصلِّي عليهم، فيرفعون التِّسعة ويدَعون حمزة (3) .
1381- وقال أحمد بن محمد بن النَّقُّور: ثنا عيسى بن عليٍّ أنا البغويُّ ثنا محمد بن جعفر الوركانيُّ ثنا سعيد بن ميسرة عن أنس قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلَّى على جنازة كبَّر عليها أربعًا، وأَنَّه كبَّر على حمزة سبعين تكبيرة (4) .
1382- وقال ابن ماجه: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن يزيد بن أبي زياد عن مِقْسم عن ابن عباس قال: أُتي بهم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد، فجعل يصلِّي على عشرة عشرة، وحمزة كما هو، يُرفعون وهو كما هو موضوع (5) .
ثُمَّ قد روي لنا أنَّه لم يصلِّ على غير حمزة:
__________
(1) انظر: "المختارة" للضياء: (7/178 - ر قم: 2610) .
(2) "العلل الكبير": (ترتيبه - ص: 146 - رقم: 251) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/78) .
(4) انظر: "الكامل" لابن عدي: (3/387 - 388 - رقم: 814) ترجمة سعيد بن ميسرة.
(5) "سنن ابن ماجه": (1/485 - رقم: 1513) .(2/634)
1383- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الملك بن أحمد الدَّقَّاق ثنا يعقوب الدَّورقيُّ ثنا عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد عن الزُّهريِّ عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بحمزة، فكفنه بنمرة، ولم يصلِّ على أحدٍ من الشُّهداء غيره (1) .
فإن قيل: قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يقل هذه اللفظة غير عثمان بن عمر، وليست بمحفوظةٍ.
قلنا: عثمان مخرَّج عنه في "الصَّحيحين" (2) ، والزِّيادة من الثِّقة مقبولةٌ.
وأمَّا حديثهم الأوَّل: فإنَّ حصينًا ضعيفٌ، قال يزيد بن هارون: كان قد نسي (3) . وقال النَّسائيُّ: تغيرَّ (4) .
وأمَّا الثَّاني: فقال البخاريُّ: سعيد بن ميسرة عنده مناكير (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: هو مظلم الأمر (6) . وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات (7) .
وأمَّا الثَّالث: ففيه يزيد بن أبي زياد، قال ابن المبارك: ارم به. وقال البخاريُّ: منكر الحديث، ذاهبٌ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (8) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (4/116 - 117) .
(2) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/949 - رقم: 1053) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/46 - رقم: 1117) .
(3) "التاريخ الكبير" للبخاري: (3/7 - 8 - رقم: 25) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 81 - رقم: 130) .
(5) " التاريخ الأوسط ": (2/124) .
(6) "الكامل": (1/388 - رقم: 814) .
(7) "المجروحون": (1/316) .
(8) انظر ما سيأتي في كلام المنقح، وما تقدم: (2/136) والتعليق عليه.(2/635)
ز: حصين في الحديث الأوَّل: هو ابن عبد الرَّحمن الكوفيُّ، أحد الثِّقات المخرَّج لهم في "الصَّحيحين" (1) .
والحديث مرسلٌ جيِّدٌ، قال البيهقيُّ: هو أصحُّ ما في هذا الباب (2) .
1384- وقد رواه أبو داود في " المراسيل " عن محمد بن كثير عن سليمان - يعني: ابن كثير - عن حصين عن أبي مالك، ولفظه: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحمزة فوُضع، وجيئَ بتسعةٍ فوضعوا، فصلَّى عليهم سبع صلوات، حتى صلُّوا على سبعين رجلاً، وفيهم حمزة في كلِّ صلاة صلاَّها (3) .
وأبو مالك هو: الغفاريُّ، الكوفيُّ، واسمه: غزوان، وهو تابعيٌّ، روى عن جماعة من الصَّحابة، ووثَّقه يحيى بن معين (4) وغيره.
وحديث سعيد بن ميسرة عن أنس: لم يخرجوه، وسعيد متهمٌ بالوضع، قال الحاكم: روى عن أنس بن مالك أحاديث موضوعة، وكذَّبه يحيى بن سعيد القطَّان (5) . وأخطأ ابن حِبَّان في قوله: (روى عنه يحيى القطَّان) (6) فإنَّ الرَّاوي عنه إنَّما هو يحيى بن سعيد العطَّار الحمصيُّ، وهو شيخٌ متكلَّم فيه، يروي عن الضُّعفاء كثيرًا، ويحيى بن سعيد القطَّان أجلُّ قدرًا من أن يروي عنه، وقد كذَّبه هو وغيره.
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/531 - رقم: 295) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/138 - رقم: 269) .
(2) "سنن البيهقي": (4/12) .
(3) " المراسيل ": (ص: 306 - رقم: 427) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/55 - رقم: 318) من رواية ابن أبي خيثمة.
(5) " المدخل إلى الصحيح ": (1/140 - رقم: 65) .
(6) "المجروحون": (1/316) ، وانظر: " تعليقات الدارقطني ": (ص: 105 - رقم: 111) .(2/636)
وحديث مِقْسم عن ابن عباس: من أفراد ابن ماجه، وقد قال البيهقيُّ: لا أحفظه إلا من حديث أبي بكر بن عيَّاش عن يزيد بن أبي زياد، وكانا غير حافظين (1) .
وقد وهم المؤلِّف في كلامه على يزيد بن أبي زياد، فإنَّ ما حكاه عن البخاريِّ والنَّسائيِّ إنما هو في يزيد بن زياد، وقال (2) : ابن أبي زياد الشَّاميُّ الرَّاوي عن الزُّهريِّ، وهو ضعيفٌ بلا خلاف.
وأمَّا راوي هذا الحديث فهو الكوفيُّ، ولا يقال فيه: ابن زياد، وهو ممَّن يكتب حديثه على لينه، وقد روى له مسلم مقرونًا بغيره (3) ، وروى له أصحاب السُّنن (4) ، وقال أبو داود: لا أعلم أحدًا ترك حديثه (5) .
وقد جعل المؤلِّف هذين الرَّجلين واحدًا في كتاب " الضُّعفاء " (6) ، وقد نبَّهنا على وهمه هناك، والله الموفق.
وحديث الزُّهريِّ عن أنس: رواه أبو داود عن عباس العنبريِّ عن عثمان ابن عمر (7) .
ورواه الحاكم من رواية عثمان بن عمر وروح عن أسامة (8) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/12) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، ولعلها: (ويقال) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/359 - رقم: 1873) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (32/135 - رقم: 6991) .
(5) " سؤالات الآجري ": (1/303 - رقم: 493) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (3/209 - رقم: 3781) .
(7) "سنن أبي داود": (4/29 - رقم: 3129) .
(8) "المستدرك": (1/365) .(2/637)
1385- وقد روى الحسن بن عمارة - وهو ضعيفٌ لا يحتجُّ بروايته - عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قتلى أحدٍ.
1386- وفي " الصَّحيح " من رواية عقبة بن عامر أَنَّه صلَّى عليهم بعد ثمان سنين كالمودِّع للأحياء والأموات (1) .
وفي لفظٍ: صلَّى عليهم صلاته على الميِّت (2) O.
* * * * *
مسألة (283) : إذا استشهد الجنب غسِّل.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يغسَّل.
1387- وقال محمد بن سعدٍ: لما قتل حنظلة بن أبي عامر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنِّي رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السَّماء والأرض، بماء المزن في صحاف الفضَّة ". قال أبو أسيد السَّاعديُّ: فذهبنا، فنظرنا إليه، فإذا رأسه يقطر ماءً، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فأرسل إلى امرأته فسألها، فأخبرته أَنَّه خرج وهو جنبٌ. فولده يقال لهم: بنو غسيل الملائكة (3) .
ز: 1388- وروى محمد بن إسحاق في " المغازي " عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ صاحبكم لتغسّله
__________
(1) "صحيح البخاري": (5/376) ؛ (فتح - 7/348 - رقم: 4042) .
(2) "صحيح البخاري": (2/334) ؛ (فتح - 3/209 - رقم: 1344) .
"صحيح مسلم": (7/67) ؛ (فؤاد - 4/1795 - رقم: 2296) .
(3) لم نقف عليه، وانظر: "الطبقات الكبرى": (5/66) .(2/638)
الملائكة - يعني حنظلة -، فاسألوا أهله: ما شأنه؟ " فسئلت صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة (1) . فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لذلك غسَّلته الملائكة" (2) .
1389- وروى أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: نظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حنظلة الرَّاهب وحمزة بن عبد المطَّلب تغسلهما الملائكة.
رواه البيهقيُّ، وقال: أبو شيبة ضعيفٌ (3) O.
* * * * *
مسألة (284) : يكره أن يكفَّن في قميص وعمامة.
وقال أبو حنيفة: يستحب ذلك.
1390- قال البخاريُّ: ثنا إسماعيل قال: حدَّثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض سحوليَّة، ليس قميص ولا عمامة (4) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: الهائعة: الصياح والصيحة) ا. هـ
(2) " سيرة ابن إسحاق ": (ص: 312 - رقم: 515) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ورواه ابن حبان في "صحيحه" من طريق ابن إسحاق بنحوه، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط مسلم) ا. هـ
وانظر: "الإحسان" لابن بلبان: (15/495 - رقم: 7025) ، "المستدرك": (3/ 204 - 205) .
(3) "سنن البيهقي": (4/15) .
(4) "صحيح البخاري": (2/317) ؛ (فتح - 3/140 - رقم: 1272) .(2/639)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
1391- وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا حفص بن غِياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كُفِّن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاثة أثواب بيض يمانيَة، ليس فيها قميصٌ ولا عمامة. قال: فذكروا لعائشة قولهم: في ثوبين وبرد حبرة. قالت: قد أتي بالبرد، ولكنَّهم ردُّوه، لم يكفِّنوه فيه.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ، وهو أصحُّ الرِّوايات في كفن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
* * * * *
مسألة (285) : ويستحب أن يكون الكفن ثلاثة أثواب، لفائف، بيضًا كلَّها.
وقال أبو حنيفة: ثوبان وحبَرة.
لنا ثلاثة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث عائشة المتقدِّم (3) .
1392- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عليُّ بن عاصم أنا عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/49) ؛ (فؤاد - 2/649 - 650 - رقم: 941) .
(2) "الجامع": (2/311 - 312 - رقم: 996) وفيه: (حسن صحيح) .
(3) برقمي: (1390، 1391) .(2/640)
" البسوا من ثيابكم البياض، فإنَّها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم ".
ز: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ - وقال: حسنٌ صحيحٌ (3) - وابن ماجه (4) والحاكم وقال: على شرط مسلمٍ (5) O.
1393- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدَّثني حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن سمرة بن جندب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البسوا الثِّياب البيض، فإنَّها أطهر وأطيب، وكفِّنوا فيها موتاكم " (6) .
قال التِّرمذيُّ: الحديثان صحيحان.
ز: رواه التِّرمذيُّ (7) والنَّسائيُّ (8) والحاكم وصحَّحه (9) ، ورواه ابن ماجه ولم يقل: وكفِّنوا فيها موتاكم (10) O.
* * * * *
__________
(1) "المسند": (1/247) .
(2) "سنن أبي داود": (4/327 - رقم: 3874) .
(3) "الجامع": (2/309 - 310 - رقم: 994) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/473 - رقم: 1472) .
(5) "المستدرك": (5/354) .
(6) "المسند": (5/13) .
(7) "الجامع": (4/502 - 503 - رقم: 2810) وفيه: (حسن صحيح) .
(8) "سنن النسائي": (3/34 - رقم: 1896) .
(9) "المستدرك": (1/354 - 355) .
(10) "سنن ابن ماجه": (2/1181 - رقم: 3567) .(2/641)
مسألة (286) : يكره أن تكفَّن المرأة في المعصفر.
وقال أبو حنيفة: لا يكره.
لنا:
قوله: " خير ثيابكم البياض ".
* * * * *
مسألة (287) : المشي أمام الجنازة أفضل، وفي حقِّ الرَّاكب خلفها.
وقال أبو حنيفة: خلفها أفضل بكلِّ حالٍ.
وقال الشَّافعيُّ: أمامها بكلِّ حالٍ.
1394- قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه أَنَّه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة (1) .
هذا إسنادٌ صحيحٌ.
فإن قالوا: قال التِّرمذيُّ: قد رواه جماعة من الحفَّاظ عن الزُّهريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمرسل أصحُّ (2) .
قلنا: الرَّاوي قد يسند الحديث وقد يرسله، ومن رواه مرفوعًا فقد أتى بزيادة على من أرسل، فوجب تقديم قوله.
__________
(1) "المسند": (2/8) .
(2) انظر: "الجامع": (2/321 - رقم: 1009) .(2/642)
ز: روى هذا الحديث: أبو داود (1) والتِّرمذيُّ (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) وغيرهم.
1395- وقال الطََّبرانيُّ: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدَّثني أبي ثنا حجَّاج بن محمد قال: قرأت على ابن جريج: ثنا زياد بن سعد أنَّ ابن شهاب أخبره: حدَّثني سالم عن ابن عمر أنَّه كان يمشي بين يدي الجنازة، وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر يمشون أمامها. قال أبي: هذا الحديث: (وأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إنَّما هو عن الزُّهريِّ مرسلٌ، وحديث سالم فعل ابن عمر، وحديث ابن عيينة كأنَّه وهمٌ (5) .
ورواه أبو حاتم البستيُّ من رواية سفيان عن الزُّهريِّ، ثُمَّ قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنَّ هذا الحديث أخطأ فيه سفيان. ورواه عن محمد ابن عبيد الله بن الفضل الكلاعيِّ عن عمرو بن عثمان بن سعيد عن أبيه عن شعيب بن أبي حمزة عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه، وفيه ذكر عثمان (6) .
وقال النَّسائيُّ في هذا الحديث: والصَّواب مرسلٌ (7) .
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فذكر فيه كلامًا كثيرًا واختلافًا، وذكر رواية شعيب ابن أبي حمزة وغيره عن الزُّهريِّ، ثُمَّ قال: والصَّحيح عن الزُّهريِّ قول من قال: عن سالم عن أبيه أنَّه كان يمشي، وقد مشى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر.
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/45 - رقم: 3171) .
(2) "الجامع": (1/320 - 321 - الأرقام: 1007 - 1009) .
(3) "سنن النسائي": (4/56 - رقم: 1945) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/475 - رقم: 1482) .
(5) "المعجم الكبير": (12/221 - رقم: 13133) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (7/317 - 320 - الأرقام: 3045 - 3048) .
(7) "سنن النسائي": (4/56 - رقم: 1945) .(2/643)
وقال أيضًا: وروي عن شريك عن خالد بن ذؤيب عن الزُّهريِّ: رأيت ابن عمر يمشي أمام الجنازة.
قال: والزُّهريُّ وإن كان لقي ابن عمر، فإنَّ هذا القول وهمٌ، لأنَّ الحفَّاظ رووه عن الزُّهريِّ عن سالم أنَّه رأى ابن عمر، وهو الصَّواب.
1396- وروى المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " الرَّاكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي أمامها قريبًا منها، عن يمينها أو عن يسارها ".
رواه الإمام أحمد وأصحاب " السُّنن " والحاكم وقال: على شرط البخاريِّ (1) O.
احتجُّوا بخمسة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث كعب بن مالك، وقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّك إذا كنت أمامها لم تكن معها ".
وقد سبق بإسناده آنفًا (2) .
1397- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا أبو كامل ثنا زهير ثنا يحيى الجابر عن أبي ماجد عن عبد الله بن مسعود قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المشي خلف الجنازة، فقال: " الجنازة متبوعةٌ ولا تَتْبع، ليس منَّا من تقدَّمها " (3) .
1398- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا عبد الواحد الحدَّاد ثنا سعيد
__________
(1) تقدم عزوه إلى مصادره برقم: (1370) .
وفي هامش الأصل: (وروي بغير هذا اللفظ، وسيأتي) ا. هـ
وانظر ما يأتي برقم: (1398) .
(2) رقم: (1368) .
(3) "المسند": (1/394) .(2/644)
ابن عبيد الله الثَّقفيُّ عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرَّاكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها " (1) .
1399- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا يزيد ثنا حمَّاد بن سلمة عن يعلى بن عطاء بن عبد الله بن يسار (2) أنَّ عمرو بن حريث (3) قال لعليٍّ: كيف تقول في المشي مع الجنازة؟ فقال عليٌّ: إنَّ فضل المشي خلفها على بين يديها كفضل صلاة المكتوبة في جماعة على الوحدة. قال عمرو: فإنِّي رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمام الجنازة. قال عليٌّ: إنَّهما كرها أن يحرجا النَّاس (4) .
1400- طريقٌ آخر: قال ابن شاهين: ثنا الحسين بن القاسم ثنا عليُّ ابن حرب ثنا المحاربيُّ ثنا مطرح أبو المهلب عن عبيد الله بن زحر عن عليِّ بن يزيد عن القاسم عن أبي سعيد قال: قلت لعليِّ بن أبي طالب: المشي أمام الجنازة أفضل؟ فقال: إنَّ فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلاة المكتوبة على التَّطوُّع. قلت: برأيك تقول؟ قال: بل سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مرَّة، ولا مرَّتين ... حتى بلغ سبع مرَّات (5) .
1401- الحديث الخامس: قال أحمد: ثنا أبو سعيد ثنا حرب ثنا يحيى
__________
(1) "المسند": (4/247) .
وفي هامش الأصل: (حـ: خرجه " 4 " بطرق، وبعضهم وقفه، وبعضهم أسقط: " عن أبيه "، وصححه " ت ") ا. هـ
وانظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (8/471 - 472 - رقم: 11490) ، وما تقدم برقم: (1370) .
(2) في "التحقيق": (سيار) .
وفي هامش الأصل: (حـ: كان فيه: " سيار " وهو وهم) ا. هـ
(3) في هامش الأصل: (حـ: عمرو بن حريث صحابي) ا. هـ
(4) "المسند": (1/97) .
(5) " ناسخ الحديث ومنسوخه ": (ص: 292 - رقم: 330) .(2/645)
ثنا باب (1) بن عمير قال: حدَّثني رجلٌ من أهل المدينة أنَّ أباه أخبره عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تتبع الجنازة بصوتٍ، ولا يمشى بين يديها " (2) .
والجواب:
أمَّا حديث كعب: ففيه أبو معشر، وقد ضعَّفه يحيى (3) . وقال النَّسائيُّ: ليس إسناده بشيءٍ (4) .
وأمَّا حديث ابن مسعود: ففيه يحيى الجابر، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (5) . وقال ابن حِبَّان: يروي المناكير، لا يجوز الاحتجاج به بحالٍ (6) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأبو ماجد مجهولٌ (7) .
وأمَّا حديث المغيرة: فقد صحَّحه التِّرمذيُّ، وغايته الجواز لا المسنون، على أنَّه قد روي بلفظٍ آخر يقوِّي ما نقول:
__________
(1) في "التحقيق": (ثابت) خطأ.
(2) "المسند": (2/531 - 532) ، وانظر: (2/528) .
(3) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 221، 246 - رقمي: 829، 958) .
(4) لم نقف عليها من كلام النسائي، ولكن جاء نحوها عن ابن معين، ففي "الضعفاء" للعقيلي: (4/308 - رقم: 1909) من رواية معاوية بن صالح عن يحيى أنه قال: (نجيح مولى بني هاشم ضعيف، إسناده ليس بشيء، يكتب من حديثه الرقائق) ا. هـ
فنخشى أن خطأ أو سبق قلم وقع في النسخة، والله أعلم.
(5) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 480 - رقم: 845) وفيه: (ليس حديثه بشيء) ، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/161 - رقم: 667) من رواية ابن أبي خيثمة، وفيه: (لا شيء. وقال مرة: ضعيف) .
وفي هامش الأصل: (حـ: لا شيء. وقال مرة: ضعيف) ا. هـ
(6) "المجروحون": (3/123) .
(7) سيأتي في كلام المنقح.(2/646)
1402- قال الإمام أحمد: ثنا هاشم بن القاسم ثنا المبارك قال: أخبرني زياد بن جبير قال: أخبرني أبي عن المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرَّاكب خلف الجنازة، والماشي أمامها قريبًا، عن يمينها، أو عن يسارها " (1) .
وأمَّا حديث عمرو بن حريث: فإنَّه رأي لعليٍّ عليه السَّلام (2) لا رواية.
وأمَّا حديث أبي سعيد عنه: فحديثٌ باطلٌ، في إسناده جماعة متروكون، قال يحيى بن معين: مطََّرح، ليس بشيءٍ (3) ، ولا عبيد الله بن زحر (4) .
وقال النَّسائيُّ (5) والدَّارَقُطْنِيُّ (6) : عليُّ بن يزيد متروكٌ. وقال أبو حاتم ابن حِبَّان: القاسم كان يروي عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعضلات، فإذا اجتمع في إسناد خبرٍ: عبيد الله بن زحر وعليُّ بن يزيد والقاسم = لم يكن ذلك الخبر إلا ممَّا عملته أيديهم (7) .
وأمَّا حديث أبي هريرة: ففيه رجلان مجهولان.
ز: حديث كعب: لا يصحُّ كما تقدَّم (8) ، لكنَّ المؤلِّف احتجَّ به ثُمَّ ضعَّفه!
__________
(1) "المسند": (4/248) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع.
(3) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 199 - رقم: 730) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/426 - رقم: 5107) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 170 - رقم: 432) وفيه: (متروك الحديث) .
(6) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (3/200 - رقم: 2410) .
(7) عبارة ابن حبان هذه ملفقة من كلامه في ترجمة القاسم وترجمة عبيد الله، كما في "المجروحون": (3/63، 212) .
(8) رقم: (1368) .(2/647)
وحديث أبي ماجد عن ابن مسعود: رواه أبو داود (1) وابن ماجه (2) والتِّرمذيُّ وقال: غريبٌ، وسمعت محمد بن إسماعيل يضعِّف حديث أبي ماجدٍ هذا (3) .
وقال البيهقيُّ: هو حديثٌ ضعيفٌ، يحيى بن عبد الله الجابر ضعيفٌ، وأبو ماجدة - وقيل: أبو ماجد - مجهولٌ (4) .
وقال البرقانيُّ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو ماجد - وقيل: أبو ماجدة - عن ابن مسعود، مجهولٌ متروكٌ (5) . وقال البخاريُّ: قال الحميديُّ عن ابن عيينة قال: قلت ليحيى الجابر: من أبو ماجد؟ قال: طار طيرٌ علينا فحدَّثنا. وهو منكر الحديث (6) . وقال التِّرمذيُّ: أبو ماجد رجلٌ مجهولٌ (7) .
وأمَّا حديث المغيرة: فقد رووه في " السُّنن " بطرقٍ، وفي لفظه اختلاف (8) .
وأمَّا [حديث] (9) عمرو بن حريث عن عليٍّ: فإنَّه مختصرٌ من حديثٍ
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/46 - 47 - رقم: 3176) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/476 - رقم: 1484) .
(3) "الجامع": (2/322 - 323 - رقم: 1011) .
(4) "سنن البيهقي": (4/22) .
(5) "سؤالات البرقاني": (ص: 77 - رقم: 600 - ط. الهند) .
(6) "التاريخ الكبير": (الكنى - 8/73 - رقم: 687) ، و"الضعفاء الصغير": (ص: 503 - رقم: 418) .
والأقرب أن كلمة: (وهو منكر الحديث) من كلام البخاري، وانظر: "الجامع" للترمذي: (2/323 - رقم: 1011) .
(7) "الجامع": (2/323 - رقم: 1011) .
(8) سبق عزوه برقم: (1370) .
(9) زيادة ليست في الأصل ولا في (ب) ، ولكن يقتضيها السياق.(2/648)
فيه طولٌ، روى ابن حِبَّان البُستيُّ بعضه (1) ، ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن النَّضر [بن] (2) شميل عن حمَّاد بن سلمة (3) .
وأمَّا حديث أبي هريرة: فرواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن عبد الصَّمد، وعن ابن مثنى عن أبي داود، جميعًا عن حرب بن شدَّاد عن يحيى ابن أبي كثير عن باب بن عمير (4) .
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فذكر الاختلاف فيه، ثُمَّ قال: وقول حرب بن شدَّاد أشبه بالصَّواب (5) O.
* * * * *
مسألة (288) : الوالي أحقّ بالصَّلاة من [] (6) الولي.
وقال الشَّافعيُّ في الجديد: الولي.
لنا:
حديث أبي مسعود عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُؤمُّ الرَّجلُ في سلطانه ".
__________
(1) "الإحسان" لابن بلبان: (7/224 - 225 - رقم: 2958) .
(2) في الأصل و (ب) : (عن) ، والتصويب من "المختارة" و" المطالب العالية ".
(3) عزاه إليه الضياء في "المختارة": (2/320 - رقم: 699) ، وساق سنده ومتنه الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية ": (1/323 - رقم: 831) .
(4) "سنن أبي داود": (4/42 - رقم: 3163) .
(5) "العلل": (11/243 - 244 - رقم: 2264) .
(6) أقحمت في الأصل كلمة: (غير) ، وهي غير موجودة في (ب) ولا "التحقيق".(2/649)
وقد سبق بإسناده في مسألة تقديم القارئ على الفقيه (1) .
* * * * *
مسألة (289) : لا يصلَّى على الجنازة عند طلوع الشَّمس، وقيامها، وغروبها، خلافًا للشَّافعيِّ.
1403- قال أحمد: ثنا وكيع وعبد الرَّحمن بن مهديِّ قالا: ثنا موسى ابن عُلَيِّ بن رباح اللخميُّ قال: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ عقبة بن عامر يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهانا أن نصلِّي فيهنَّ، وأن نقبر فيهنَّ موتانا: حين تطلع الشَّمس بازغة حتى ترتفع، وعند قيام الظَّهيرة حتى تميل الشَّمس، وحين تضيَّف للغروب حتى تغرب (2) .
انفرد بإخراجه مسلم (3) .
* * * * *
مسألة (290) : لا تكره الصَّلاة على الميِّت في المسجد.
وقال أبو حنيفة ومالك: تكره.
1404- قال أحمد: ثنا يونس ثنا فليح عن صالح بن عجلان عن عبَّاد
__________
(1) المسألة رقم (214) ، والحديث رقم (1139) .
(2) "المسند": (4/152) .
(3) "صحيح مسلم": (2/208) ؛ (فؤاد - 1/568 - رقم: 831) .(2/650)
ابن عبد الله بن الزُّبير عن عائشة قالت: لمَّا توفِّي سعدٌ وأتي بجنازته - أمرت بها عائشة أن يمرَّ به عليها -، فمُرَّ به في المسجد، فدعت له، فأنكر ذلك عليها، فقالت: ما أسرع النَّاس إلى القول؟! ما صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابن بيضاء إلا في المسجد (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
ز: 1405- قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام ابن عروة عن أبيه قال: صُلِّي على أبي بكر في المسجد.
1406- وقال: ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: صُلِّي على عمر في المسجد (3) .
1407- وعن إسماعيل بن أبان الغنويِّ عن هشام عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ترك أبو بكر دينارًا ولا درهمًا، ودفن ليلة الثُّلاثاء، وصُلِّي عليه في المسجد.
رواه البيهقيُّ، وقال: إسماعيل الغنويُّ متروكٌ (4) .
1408- وروى من رواية عبد الله بن الوليد عن (5) سفيان الثَّوريِّ عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه صُلِّي عليه في المسجد.
1409- وروى من رواية وهيب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن
__________
(1) "المسند": (6/79) .
(2) "صحيح مسلم": (3/62) ؛ (فؤاد - 2/668 - رقم: 973) .
(3) هو في "الموطأ": (1/230) .
(4) "سنن البيهقي": (4/51 - 52) .
(5) في (ب) : (بن) خطأ.(2/651)
عمر أنَّ عمر رضي الله عنه صُلِّي عليه في المسجد، وصلَّى عليه صهيب (1) O.
احتجُّوا:
1410- بما روى أحمد: ثنا وكيع ثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التَّوأمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلَّى على جنازةٍ في المسجد فليس له شيءٌ " (2) .
والجواب: أنَّ صالحًا مجروحٌ، كان شعبة لا يروي عنه، وينهى عنه (3) ، وقال مالكٌ (4) ويحيى (5) : ليس بثقةٍ. وقال ابن حِبَّان: تغيَّر، فجعل يأتي بالأشياء التي تشبه الموضوعات عن الثِّقات، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميَّز، فاستحقَّ التَّرك (6) .
ز: روى هذا الحديث أبو داود عن مسدَّد عن يحيى عن ابن أبي ذئب (7) ، ورواه ابن ماجه عن عليِّ بن محمد عن وكيع (8) .
وصالح بن نبهان مولى التوأمة: قال يحيى بن معين: هو ثقةٌ حُجَّةٌ، وابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرِّف (9) . وقال الجوزجانيُّ: تغيَّر أخيرًا،
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/52) .
(2) "المسند": (2/444) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (4/55 - رقم: 910) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/417 - رقم: 1830) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (4/55 - رقم: 910) .
وفي هامش الأصل: (حـ: يحيى الذي تكلم في صالح هو القطان، لا ابن معين) ا. هـ
(6) "المجروحون": (1/366) .
(7) "سنن أبي داود": (4/49 - 50 - رقم: 3184) .
(8) "سنن ابن ماجه": (1/486 - رقم: 1517) .
(9) "الكامل" لابن عدي: (4/56 - رقم: 910) من رواية ابن أبي مريم.(2/652)
فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول، لسنِّه وسماعِه القديم عنه (1) . وقال أبو زرعة (2) والنَّسائيُّ (3) وغيرهما: ضعيفٌ. وقال ابن عَدِيٍّ: لا بأس به، وبرواياته، وحديثه (4) . وقال أبو عمر بن عبد البرِّ: من أهل العلم من لا يحتجُّ بحديثه أصلاً لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصةً (5) .
وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: رواه جماعة عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة، وهو ممَّا يعدُّ في أفراد صالح، وحديث عائشة رضي الله عنها أصحُّ منه، وصالح مولى التوأمة مختلفٌ في عدالته، كان مالك بن أنس يجرحه (6) .
وقال أبو زكريَّا النَّواويُّ (7) : أجابوا عن هذا الحديث بأجوبة: أحدها: أنَّه ضعيف لا يصحُّ الاحتجاج به، قال أحمد بن حنبل (8) : هذا حديثٌ ضعيفٌ، تفرَّد به صالح مولى التوأمة، وهو ضعيفٌ.
والثَّاني: أنَّ الَّذي في النُّسخ المشهورة المحقَّقة المسموعة من " سنن أبي داود ": " من صلَّى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه " (9) ، فلا حُجَّة فيه حينئذٍ.
__________
(1) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 248 - رقم: 255) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/418 - رقم: 1830) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 131 - رقم: 301) .
(4) "الكامل": (4/58 - رقم: 910) .
(5) "التمهيد": (21/222) .
(6) "سنن البيهقي": (4/52) .
(7) في (ب) : (النووي) .
(8) انظر: "المسائل" برواية عبد الله: (1/481 - 482 - رقم: 671) .
(9) انظر: حاشية "سنن أبي داود": (4/49 - 50 - رقم: 3184) و" زاد المعاد " لابن القيم: (1/500) .(2/653)
الثَّالث: أنَّه لو ثبت الحديث، وثبت أَنَّه: " فلا شيء له " لوجب تأويله على: " فلا شيء عليه "، ليجمع بين الرِّوايتين، وبين هذا الحديث وحديث سهيل بن بيضاء، وقد جاء (له) بمعنى (عليه) ، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] .
الرَّابع: أنَّه محمولٌ على نقص الأجر في حقِّ من صلَّى في المسجد ورجع، ولم يشيِّعها إلى المقبرة، لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه، والله أعلم (1) O.
* * * * *
مسألة (291) : السُّنَّة أن يقف الإمام عند صدر الرَّجل، ووسط المرأة.
وقال أبو حنيفة: بحذاء صدرها (2) .
وقال مالك: عند وسط الرَّجل ومنكب المرأة.
وقال الشَّافعيُّ كقولنا في المرأة، واختلف أصحابه في الرَّجل: فقال بعضهم كقولنا، وبعضهم: عند رأسه.
لنا حديثان:
1411- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا عبد الله بن منير عن سعيد ابن عامر عن همَّام عن أبي غالب قال: صلَّيت مع أنس بن مالك على جنازة
__________
(1) " شرح صحيح مسلم ": (7/40) .
(2) في "التحقيق": (صدرهما) .(2/654)
رجلٍ، فقام حيال رأسه، ثُمَّ جاءوا بجنازة امرأة، فقام حيال وسط السَّرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرَّجل مقامك منه؟ قال: نعم. فلمَّا فرغ، قال: احفظوا (1) .
ز: رواه الإمام أحمد بن حنبل (2) وأحمد بن منيع (3) جميعًا عن يزيد بن هارون عن همَّام، ورواه أبو داود عن داود بن معاذ عن عبد الوارث عن نافع أبي غالب (4) ، ورواه ابن ماجه عن نصر بن عليٍّ عن سعيد بن عامر (5) .
وقد رواه عبد الرَّحمن بن أبي الصَّهباء عن نافع أيضًا.
وقد تكلَّم بعضهم في نافع أبي غالب، وهو الباهليُّ، الخيَّاط، البصريُّ، وقال يحيى بن معين: هو صالحٌ (6) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: شيخٌ (7) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (8) O.
1412- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد ثنا حسين المعلِّم ثنا عبد الله بن بريدة أنَّه سمع سمرة بن جندب يقول: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمِّ كعب - ماتت نفساء -، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصَّلاة عليها وسطها (9) .
__________
(1) "الجامع": (1/340 - 341 - رقم: 1034) .
(2) "المسند": (3/204) .
(3) عزاه إليه أيضًا: الضياء في "المختارة": (7/242 - رقم: 2687) .
(4) "سنن أبي داود": (4/52 - 53 - رقم: 3187) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/479 - رقم: 1494) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/455 - رقم: 2086) من رواية إسحاق بن منصور.
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/455 - رقم: 2086) .
(8) "الثقات": (5/471) وقال: (لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد) .
(9) "المسند": (5/19) .(2/655)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
* * * * *
مسألة (292) : يصلَّى على الميِّت الغائب بالنِّيَّة، خلافًا لأبي حنيفة ومالك.
1413- قال أحمد: ثنا هشيم أنا يونس عن أبي قلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حصين أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ أخاكم النجاشيَّ قد مات، فصلُّوا عليه ". فقام فصفَّنا خلفه، فصلَّى عليه (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
ز: قد أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في " صحيحيهما " من حديث جابر (4) وأبي هريرة (5) أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على النَّجاشيِّ.
وقد يقال: لا حُجَّة في هذا على جواز الصَّلاة على الغائب بالنِّيَّة مطلقًا، لاحتمال أن يكون النَّجاشيُّ لم يُصلَّ عليه بالحبشة.
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/90) ؛ (فتح - 1/429 - رقم: 332) .
"صحيح مسلم": (3/60) ؛ (فؤاد - 2/664 - رقم: 964) .
(2) "المسند": (4/431) .
(3) "صحيح مسلم": (3/55) ؛ (فؤاد - 2/657 - 658 - رقم: 953) .
(4) "صحيح البخاري": (2/328 - 329) ؛ (فتح - 3/186 - رقم: 1317) .
"صحيح مسلم": (3/55) ؛ (فؤاد - 2/657 - رقم: 952) .
(5) "صحيح البخاري": (2/312) ؛ (فتح - 3/116 - رقم: 1245) .
"صحيح مسلم": (3/54) ؛ (فؤاد - 2/656 - 657 - رقم: 951) .(2/656)
وفي المسألة ثلاثة أقوال أعدلها الصَّلاة عليه إذا لم يكن قد صُلِّي عليه، والله أعلم O.
* * * * *
مسألة (293) : تجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة.
وقد قال أبو حنيفة: لا تقرأ، ولكن يذكر الله ويثنى عليه في الأولى.
لنا حديثان:
1414- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله بن عوف أنَّ ابن عباس صلَّى على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، فقلت له، فقال: إنَّه من السُّنَّة - أو من تمام السُّنَّة - (1) .
1415- قال التِّرمذيُّ: وثنا أحمد بن منيع ثنا زيد بن الحبُاب أنا إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب (2) .
1416- الحديث الثَّاني: قال ابن ماجه: ثنا إبراهيم بن المستمر ثنا أبو عاصم ثنا حمَّاد بن جعفر العبديُّ قال: حدَّثني شَهْر بن حَوْشب قال: حدَّثتني أمُّ شَريك الأنصاريَّة قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ على الجنازة
__________
(1) "الجامع": (2/334 - 335 - رقم: 1027) وقال: (حديث حسن صحيح) .
(2) "الجامع": (2/334 - رقم: 1026) .(2/657)
بفاتحة الكتاب (1) .
أمَّا حديث ابن عباس الأوَّل: فعليه الاعتماد، قد صحَّحه التِّرمذيُّ.
وأمَّا حديثه الثَّاني: فلا يثبت، لأنَّ فيه إبراهيم بن عثمان، وقد كذَّبه شعبة (2) ، وقال ابن المبارك: إرم به (3) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4) .
وأمَّا حديث أمِّ شَريك: ففيه شَهْر، وقد ضعَّفوه.
ز: حديث ابن عباس الأوَّل: رواه البخاريُّ (5) وأبو داود (6) والنَّسائيُّ (7) والحاكم وقال: على شرطهما (8) .
وحديثه الثَّاني: رواه ابن ماجه أيضًا عن أحمد بن منيع (9) ، وقال
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/479 - رقم: 1496) .
(2) "العلل" لأحمد برواية عبد الله -: (1/287 - رقم: 462) .
(تنبيه) جاء في "العلل" ما نصه: (حدثني أبي، قال: حدثنا أمية بن خالد، قال: قلت لشعبة: إن أبا شيبة حدثنا عن الحكم ... إلخ) ا. هـ
وظن محقق الكتاب الفاضل أن أبا شيبة هو عبد الرَّحمن بن إسحاق الواسطي فترجم له في الحاشية، والصواب أن أبا شيبة هذا هو إبراهيم بن عثمان العبسي - مولاهم - الكوفي، قاضي واسط، والله أعلم.
(3) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/59 - رقم: 54) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 44 - رقم: 11) .
(5) "صحيح البخاري": (2/332) ؛ (فتح - 3/203 - رقم: 1335) .
(6) "سنن أبي داود": (4/54 - رقم: 3190) .
(7) "سنن النسائي": (4/74 - 75 - رقمي: 1987 - 1988) .
(8) "المستدرك": (1/386) من طريق ابن مهدي عن سفيان به، ولفظه: (إنه من السنة أو من تمام السنة) ، ولم يتعقبه الذهبي بشيء.
وقد خرج الحاكم في موضع قبل هذا: (1/358) الحديث من طريق ابن عجلان عن سعيد ابن أبي سعيد عن ابن عباس، ثم قال: (وله شاهد بإسناد صحيح أخرجه البخاري) ثم رواه بإسناده إلى شعبة عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله عن ابن عباس.
(9) "سنن ابن ماجه": (1/479 - رقم: 1495) .(2/658)
التِّرمذيُّ: ليس إسناده بذاك القويِّ، إبراهيم بن عثمان هو: أبو شيبة الواسطيُّ، منكر الحديث (1) .
وحديث أمِّ شريك: انفرد ابن ماجه بإخراجه.
وحمَّاد بن جعفر العبديُّ البصريُّ: قال يحيى بن معين: ثقةٌ (2) . وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (3) ، وقال ابن عَدِيٍّ: منكر الحديث. وروى هذا الحديث من رواية أبي عاصم النَّبيل ومرزوق أبي عبد الله الشَّامي عن حمَّاد عن شَهْر بن حَوْشب، وروى له حديثًا آخر، وقال: لم أجد لحمَّاد بن جعفر غير هذين الحديثين (4) .
وقال شيخنا أبو الحجَّاج في هذا الحديث: رواه حمَّاد بن بشير الجهضميُّ وأبو عبيدة الحدَّاد عن مرزوق أبي عبد الله الشَّامي عن شَهْر.
وروى عبد المنعم السَّقاء عن الصَّلت بن دينار عن أبي يزيد المدنيِّ عن امرأة منهم - يقال لها: ابنة عفيف - عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله (5) .
وفي قول المؤلِّف: (وأمَّا حديث أمِّ شريك: ففيه شهر، وقد ضعَّفوه) نظرٌ، فإنَّ شهرًا لم يضعِّفه الكلُّ، بل ضعَّفه جماعةٌ، ووثَّقه آخرون، وممَّن وثَّقه الإمام أحمد بن حنبل (6) ويحيى بن معين (7) ويعقوب بن شيبة (8) وأحمد بن
__________
(1) "الجامع": (2/334 - رقم: 1026) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/134 - رقم: 604) من رواية ابن أبي خيثمة.
(3) "الثقات": (6/221) .
(4) "الكامل": (2/239 - رقم: 414) .
(5) "تحفة الأشراف": (13/88 - 89 - رقم: 18332) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/383 - رقم: 1668) من رواية حرب بن إسماعيل.
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/383 - رقم: 1668) من رواية ابن أبي خيثمة.
(8) "تهذيب الكمال" للمزي: (13/585 - رقم: 2781) .(2/659)
عبد الله العجليُّ (1) ، والله أعلم.
1417- وقال الشَّافعيُّ: ثنا إبراهيم بن أبي يحيى ثنا عبد الله بن محمد ابن عقيل عن جابر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر على جنائزنا أربعًا، ويقرأ بفاتحة الكتاب في الأولى (2) .
1418- وروى الشَّافعيُّ أيضًا من حديث أبي أمامة بن سهلٍ أنَّه أخبره رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ السُّنَّة في الصَّلاة على الجنازة أن يكبِّر الإمام، ثُمَّ يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التَّكبيرة الأولى، سرًّا في نفسه، ثُمَّ يصلِّي على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويخلص الدُّعاء للجنازة في التَّكبيرات، لا يقرأ في شيءٍ منهن، ثُمَّ يسلِّم سرًّا في نفسه (3) .
1419- وروى البخاريُّ في "تاريخه" من رواية فضالة بن أبي أميَّة قال: قرأ الَّذي صلَّى على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بفاتحة الكتاب (4) .
وقد ذكر ابن أبي حاتم في "كتابه" فضالة، وذكر له هذا الحديث، وقال: هو والد المبارك (5) O.
* * * * *
مسألة (294) : يسنّ قضاء ما فات من التَّكبير.
__________
(1) "معرفة الثقات": (ترتيبه - 1/461 - رقم: 741) .
(2) "الأم": (1/270) مع بعض الاختلاف.
(3) "الأم": (1/270) .
(4) "التاريخ الكبير": (7/125 - رقم: 560) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/77 - رقم: 437) .(2/660)
وعنه: يجب ذلك، وبه قال أكثرهم.
1420- روى أصحابنا من حديث عائشة أنَّها قالت: يا رسول الله، إنِّي أصلِّي على الجنازة، ويخفى عليَّ بعض التَّكبير؟ فقال: " ما سمعت فكبِّري، ومافاتك فلا قضاء عليك ".
ويحتج الخصم:
بقوله عليه السَّلام: " وما فاتكم فاقضوا ".
وهو احتجاجٌ حسنٌ، إلا أنَّا نحمله على المفروضات غير الجنازة.
* * * * *
مسألة (295) : يجوز أن يصلِّي على الجنازة من لم يصلِّ مع الإمام.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا تعاد الصَّلاة إلا أن يكون الوليُّ حاضرًا، فيصلِّي غيره.
لنا أربعة أحاديث:
1421- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد ابن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أنَّ رجلاً أسودَ - أو: امرأة سوداء - كان يقمُّ المسجد فمات، فسأل عنه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: مات. فقال: " أفلا كنتم آذنتموني به؟! دلُّوني على قبره - أو قال: قبرها - ". فأتى قبره، فصلَّى عليه (1) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/124) ؛ (فتح - 1/552 - 553 - رقم: 458) .(2/661)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
1422- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الشَّيبانيُّ عن الشَّعبيِّ عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبرٍ بعد ما دفن (2) .
1423- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا عَبْدَة بن عبد الله الصَّفَّار ثنا يزيد بن هارون أنا شَريك عن أبي إسحاق عن الشَّعبيِّ عن ابن عباس قال: أبصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبرًا حديثًا، فقال: " إلا آذنتموني بهذا؟ " قالوا: كنت نائمًا، فكرهنا أن نوقظك. فقام، فصلَّى عليه، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه (3) .
1424- طريقٌ آخر: قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا هُشيم ثنا الشَّيبانيُّ أنا الشَّعبيُّ قال: أخبرني من رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى قبرًا منتبذًا، فصفَّ أصحابه، فصلَّى عليه. قيل له: من أخبرك؟ فقال: ابن عباس (4) .
1425- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حبيب بن الشَّهيد عن ثابت عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبر امرأة قد دفنت (5) .
1426- الحديث الرَّابع: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار (6) ثنا يحيى ابن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب أنَّ أمَّ سعدٍ
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/56) ؛ (فؤاد - 2/659 - رقم: 956) .
(2) "المسند": (1/224) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/77 - 78) .
(4) "الجامع": (2/343 - رقم: 1037) وقال: (حديث حسن صحيح) .
(5) "المسند": (3/130) .
(6) في "التحقيق": (يسار) خطأ.(2/662)
ماتت والنَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غائبٌ، فلمَّا قدم صلَّى عليها، وقد مضى لذلك شهرٌ (1) .
ز: حديث ابن عباس: أخرجاه في "الصَّحيحين".
1427- قال مسلمٌ: ثنا حسن بن الرَّبيع ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: ثنا عبد الله بن إدريس عن الشَّيبانيِّ عن الشَّعبيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبرٍ بعد ما دفن، فكبَّر عليه أربعًا. قال الشيبانيُّ: فقلت للشَّعبيِّ: من حدَّثك بهذا؟ قال: الثِّقة عبد الله بن عباس (2) .
هذا لفظ حديث حسن، وفي رواية ابن نمير: قال: انتهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قبرٍ، فصلَّى عليه، وصلُّوا خلفه، وكبر أربعًا. قلت لعامر: من حدَّثك؟ قال: الثِّقة من شهده ابن عباس (1) .
ورواه البخاريُّ من رواية شعبة (3) وأبي معاوية (4) وجماعة (5) عن أبي إسحاق الشَّيبانيِّ.
وأمَّا حديث أنس: فرواه مسلمٌ في "صحيحه" فقال:
1428- حدَّثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة السَّاميُّ ثنا غُنْدر ثنا شعبة عن حبيب بن الشَّهيد عن ثابت عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبرٍ (6) .
ورواه ابن ماجه عن عباس بن عبد العظيم العنبريِّ ومحمد بن يحيى الذُّهْليِّ كلاهما عن أحمد بن حنبل، وزاد: بعد ما دفن (7) .
__________
(1) "الجامع": (2/344 - رقم: 1038) .
(2) "صحيح مسلم": (3/55) ؛ (فؤاد - 2/658 - رقم: 954) .
(3) "صحيح البخاري": (1/217) ؛ (فتح - 2/344 - رقم: 857) .
(4) "صحيح البخاري": (2/312) ؛ (فتح - 3/117 - رقم: 1247) .
(5) انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (5/32 - رقم: 5766) .
(6) "صحيح مسلم": (3/56) ؛ (فؤاد - 2/659 - رقم: 955) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/490 - رقم: 1531) وفي مطبوعة "السنن": (بعد ما قبر) .(2/663)
وأمَّا حديث سعيد بن المسيّب: فمرسلٌ صحيحٌ، وهو من أفراد التِّرمذيُّ.
1429- وقد رواه سويد بن سعيد عن يزيد بن زريع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس موصولاً، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه وهذه في الدِّية سواء - يعني: الخنصر والإبهام - ". فقيل له: لو صلَّيت على أمِّ سعدٍ. فصلَّى عليها، وقد أتى لها شهرٌ، وقد كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غائبًا.
قال البيهقيُّ: وهذا الكلام في صلاته على أمِّ سعد في هذا الإسناد يتفرَّد به سويد بن سعيد، والمشهور عن قتادة عن ابن المسيّب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً.
وحكى أبو داود أنه قيل لأحمد بن حنبل: حدَّث به سويد عن يزيد. قال: لا تحدِّث بمثل هذا (1) O.
احتجَّ أبو زيد (2) :
1430- بما روي أنَّ عمر أتي بجنازة قد صلَّى عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأراد أن يُصلِّي عليها ثانيًا، فأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الصَّلاة على الجنازة لا تعاد.
وهذا شيءٌ لا يعرف.
* * * * *
مسألة (296) : لا يصلِّي الإمام على الغالِّ، ولا على من قتل نفسه، خلافًا لأكثرهم.
لنا حديثان:
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/49) .
(2) لعله: الدبوسي، شيخ الحنفية.(2/664)
1431- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد (1) عن يحيى بن سعيد (2) عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهنيِّ أنَّ رجلاً من أشجع من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي يوم خيير، فذكر ذلك للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " صلُّوا على صاحبكم ". فتغيَّرت وجوه النَّاس من ذلك، فقال: " إنَّ صاحبكم غلَّ في سبيل الله ". ففتَّشنا متاعه، فوجدنا خرزًا من خرز يهود، ما يساوي درهمين (3) !
ز: رواه أبو داود (4) وابن ماجه (5) والنَّسائيُّ (6) والحاكم وقال: أبو عمرة جهنيٌّ، صدوقٌ (7) .
واحتجَّ به الإمام أحمد (8) O.
1432- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا أبو كامل ثنا شَريك عن سِماك عن جابر بن سمرة أنَّ رجلاً قتل نفسه، فلم يصلِّ عليه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (9) .
ز: رواه التِّرمذيُّ عن يوسف بن عيسى عن وكيع عن إسرائيل وشَريك
__________
(1) هو القطان.
(2) هو الأنصاري، وسقط من "التحقيق" ومطبوعة "المسند"، وهو على الصواب في " أطراف المسند " لابن حجر: (2/413 - رقم: 2512) .
وكتب فوقه بالأصل و (ب) : (صح) ، وفي هامش الأصل: (حـ: سقط من النسخة التي كتبت منها: " يحيى بن سعيد "، وكأن الكاتب ظن أن مكرر فوهم) ا. هـ
(3) "المسند": (5/192) .
(4) "سنن أبي داود": (3/312 - 313 - رقم: 2703) .
(5) "سنن ابن ماجه": (2/950 - رقم: 2848) .
(6) "سنن النسائي": (4/64 - رقم: 1959) .
(7) "المستدرك": (1/364) .
(8) "المغني" لابن قدامة: (3/505 - المسألة رقم: 390) .
(9) "المسند": (5/92) .(2/665)
كلاهما عن سِماك، وقال: حسنٌ (1) .
ورواه ابن ماجه عن عبد الله بن عامر بن زرارة عن شَريك أتمَّ منه (2) .
ورواه الحاكم من رواية إسرائيل عن سِماك، وقال: على شرط مسلم (3) .
1433- وروى من رواية بكر بن بكَّار ثنا شَريك ثنا سِماك عن جابر: مات رجلٌ على عهد النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتاه رجلٌ، فقال: مات فلان. قال: " لم يمت ". ثمَّ أتاه الثَّانية، فقال: مات فلان. فقال: " لم يمت ". ثُمَّ أتاه الثَّالثة، فقال: مات. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف مات؟ " قال: قتل نفسه بمشقص كان معه. فلم يصلِّ عليه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) O.
1434- طريقٌ آخر: قال النَّسائيُّ: أنا إسحاق بن منصور أنا أبو الوليد ثنا أبو خيثمة زهير ثنا سماك عن جابر بن سمرة أنَّ رجلاً قتل نفسه بمشاقص، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّا أنا فلا أصلِّي عليه " (5) .
ز: 1435- رواه مسلم في "صحيحه" فقال: حدَّثنا عون بن سلاَّم الكوفيُّ أنا زهير عن سِماك عن جابر بن سمرة قال: أُتي النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ قتل نفسه بمشاقص، فلم يصلِّ عليه (6) O.
* * * * *
__________
(1) "الجامع": (2/368 - رقم: 1068) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/488 - رقم: 1526) .
(3) "المستدرك": (1/364) ويبدو أن سقطًا وقع في مطبوعته، انظر: "تلخيص المستدرك" للذهبي، و"إتحاف المهرة" لابن حجر: (3/84 - رقم: 2563) .
(4) "المستدرك": (1/346) وانظر التعليق السابق.
(5) "سنن النسائي": (4/66 - رقم: 1964) .
(6) "صحيح مسلم": (3/66) ؛ (فؤاد - 2/672 - رقم: 978) .(2/666)
مسألة (297) : يصلِّي الإمام على من قُتل حدًّا.
وقال مالك: لا يُصلِّي عليه.
1436- قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حصين أنَّ امرأةً من جهينة اعترفت عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزنًا، وقالت: أنا حبلى. فدعا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليَّها، فقال: " أحسن إليها، فإذا وضعت فأخبرني ". ففعل، فأمر بها النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشُكَّت (1) عليها ثيابها، ثُمَّ أمر برجمها، فرجمت، ثُمَّ صلَّى عليها، فقال عمر ابن الخطَّاب: يا رسول الله، رجمتَها، ثُمَّ تُصلِّي عليها؟! فقال: " لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت شيئًا أفضل من أن جادت بنفسها لله تبارك وتعالى؟! " (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
احتجُّوا:
1437- بما روى أبو داود: ثنا أبو كامل ثنا أبو عوانة عن أبي بشر قال: حدَّثني نفرٌ من أهل البصرة عن أبي بَرْزة الأسلميِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصلِّ على ماعز بن مالك، ولم ينه عن الصَّلاة عليه (4) .
والجواب: أن هذا الحديث يرويه مجاهيل، ثُمَّ لو صحَّ فصلاته على تلك المرأة كانت بعد ذلك، لأنَّ أوَّل مرجوم كان ماعز، ولهذا قالت له: تريد أن
__________
(1) في " النهاية ": (2/495 - شكك) : (أي: جمعت عليها، ولفت، لئلا تنكشف، كأنها نُظِمَت وزُرَّت عليها بشوكة أو خلال. وقيل: معناه: أرسلت عليها ثيابها) ا. هـ
(2) "المسند": (4/429 - 430) .
(3) "صحيح مسلم": (5/120 - 121) ؛ (فؤاد - 3/1324 - رقم: 1696) .
(4) "سنن أبي داود": (4/48 - رقم: 3178) .(2/667)
ترددني كما رددت ماعزًا.
ز: انفرد أبو داود برواية هذا الحديث.
وقال الإمام أحمد: ما نعلم أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الصَّلاة على أحدٍ، إلا على الغالِّ وقاتل نفسه (1) .
1438- وعن جابر أنَّ رجلاً من أسلم جاء إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعترف بالزِّنا، وأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع مرَّات، فقال له: " أبك جنونٌ؟ " قال: لا. قال: " آحصنت؟ ". قال: نعم. فأمر به فرجم بالمصلَّى، فلمَّا أذلقته (2) الحجارة فرَّ، فأُدرك فرجم حتى مات. فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرًا، وصلَّى عليه.
رواه البخاريُّ في "صحيحه" (3) .
ورواه أحمد (4) وأبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) والتِّرمذيُّ وصحَّحه (7) ، وقالوا: ولم يصلِّ عليه.
قال بعض العلماء: ورواية الإثبات أولى. وخالفه غيره، والله أعلم بالصوَّاب.
ورواية الإثبات رواها البخاريُّ عن محمود عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن
__________
(1) "المغني" لابن قدامة: (3/508 - المسألة: 390) .
(2) في " النهاية ": (2/165 - ذلق) : (أي: بلغت منه الجَهْدَ حتى قلق) ا. هـ
(3) "صحيح البخاري": (8/427 - 428) ؛ (فتح - 12/129 - رقم: 6820) .
(4) "المسند": (3/323) .
(5) "سنن أبي داود": (5/97 - 98 - رقم: 4428) .
(6) "سنن النسائي": (4/62 - 63 - رقم: 1956) .
(7) "الجامع": (3/99 - رقم: 1429) .(2/668)
الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن جابر، وقال: لم يقل يونس وابن جريج عن الزُّهريِّ: (فصلَّى عليه) . وسئل عن قوله: (فصلَّى عليه) يصحُّ؟ قال: رواه معمر. قيل له: رواه غير معمر؟ قال: لا.
ورواه التِّرمذيُّ عن الحسن بن عليٍّ الخلاَّل عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ وفيه: (ولم يصلِّ عليه) .
فقد اختلف على عبد الرَّزَّاق عن معمر، وكذلك رواه النَّسائيُّ عن محمد ابن يحيى ونوح بن حبيب عن عبد الرَّزَّاق كرواية التِّرمذيِّ، وكذلك رواه إسحاق بن راهويه وغيره عن عبد الرَّزَّاق.
وقال البيهقيُّ: رواية محمود بن غيلان خطأٌ، لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه، ثُمَّ إجماع أصحاب الزُّهريِّ على خلافه (1) O.
* * * * *
مسألة (298) : السُّنَّة تسنيم القبور.
وقال الشَّافعيُّ: تسطيحها.
لنا:
أنَّ قبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسنَّمٌ.
1439- روى البخاريُّ في "صحيحه" (2)
من حديث أبي بكر بن
__________
(1) انظر: "سنن البيهقي": (8/218) ، و"المعرفة": (6/327 - رقم: 5055) .
(2) في "التحقيق": (روى مسلم بن الحجاج في صحيحه) . =(2/669)
عيَّاش عن سفيان التَّمَّار قال: رأيت قبر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسنَّمًا (1) .
1440- وقال أبو داود: ثنا محمد بن العلاء أنَّ أبا بكر بن عيَّاش حدَّثهم: ثنا صالح بن أبي صالح (2) قال: رأيت قبر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبرًا - أو نحوًا من شبر (3) -.
1441- قال أبو داود: ثنا محمد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن ثنا سفيان عن أبي حصين عن الشَّعبيِّ قال: رأيت قبور الشُّهداء مسنَّمة (4) .
احتجُّوا بثلاثة أحاديث:
1442- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهيَّاج قال: قال لي عليٌّ: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته (5) .
1443- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزُّبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى أن يقعد
__________
= وفي هامش الأصل: (حـ: كان فيه: " روى م في صحيحه " وهو غلط، ولم يروا لسفيان بن دينار التمار إلا قوله هذا، وقد وثَّقه يحيى بن معين وغيره) ا. هـ
(1) "صحيح البخاري": (2/348) ؛ (فتح - 3/255 - رقم: 1390) .
(2) في مطبوعة " المراسيل ": (صالح بن أبي الأخضر) خطأ، وانظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (13/233 - رقم: 18815) و"تهذيب الكمال" له: (13/58 - 59 - رقم: 2818) .
(3) " المراسيل ": (ص: 303 - رقم: 421) .
(4) " المراسيل ": (ص: 304 - رقم: 423) .
(5) "المسند": (1/96) ؛ "صحيح مسلم": (3/61) ، (فؤاد - 2/666 رقم: 969) .(2/670)
على القبر، وأن يُقَصَّص أو يبنى عليه (1) .
1444- الحديث الثَّالث: قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثني أبو الطَّاهر أحمد بن عمرو ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ أبا عليٍّ الهمداني حدَّثه قال: كنَّا مع فضالة بن عُبيد برُودس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسُوِّي، ثُمَّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بتسويتها (2) .
انفرد بإخراج هذه الأحاديث الثَّلاثة مسلمٌ.
والجواب:
أنَّ هذا محمولٌ على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء المستحسن العالي، وبيانه:
1445- ما رواه البخاريُّ: ثنا إسماعيل قال: حدَّثني مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: لمَّا اشتكى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت له بعض نسائه كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وكانت أمُّ سلمة وأمُّ حبيبة أتتا أرض الحبشة، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فقال: " أولئك إذا مات منهم الرُّجل الصالح، بنوا على قبره مسجدًا، ثُمَّ صوَّروا فيه تلك الصُّور، وأولئك شرار الخلق عند الله تعالى " (3) .
* * * * *
مسألة (299) : يجوز تطيين القبور.
__________
(1) "المسند": (3/295) ؛ "صحيح مسلم": (3/62 - 63) ، (فؤاد - 2/667 - رقم: 970) .
(2) "صحيح مسلم": (3/61) ؛ (فؤاد - 2/666 - رقم: 968) .
(3) "صحيح البخاري": (2/334) ؛ (فتح - 3/208 - رقم: 1341) .(2/671)
وقال أبو حنيفة: لا تطيَّن.
لنا حديثان:
1446- الحديث الأوَّل: قال أبو داود: ثنا عبد الله بن مسلمة أنَّ عبد العزيز بن محمد حدَّثهم عن عبد الله بن محمد بن عمر عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رشَّ على قبر إبراهيم عليه السَّلام (1) ، وأنَّه قال حين دفن وفرغ منه: " سلامٌ عليكم " (2) .
1447- وقال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد الدَّراورديُّ عن جعفر بن محمد عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُشَّ على قبره، وجُعل عليه حصباء من حصباء الغابة، ورُفع قدر شبرٍ.
ز: الحديثان منقطعان، وليس فيهما دليلٌ على المسألة، والله أعلم O.
* * * * *
مسألة (300) : يكره المشي في المقبرة بنعلين، خلافًا لأكثرهم (3) .
1448- قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا أسود بن شيبان عن خالد بن سُمير عن بشير بن نَهيِك عن بشير بن الخَصَاصِية قال: كنت أماشي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتينا على قبور المشركين، فقال: " لقد سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا " ثلاث مرَّات. ثُمَّ أتينا على قبور المسلمين، فقال: " لقد أدرك هؤلاء
__________
(1) هو ابن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(2) " المراسيل ": (ص: 304 - 305 - رقم: 424) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: ذهب الظاهرية إلى التحريم) ا. هـ(2/672)
خيرًا كثيرًا " ثلاث مرَّات. فبصر برجلٍ يمشي بين المقابر في نعليه، فقال: " ويحك يا صاحب السِّبْتِيَّتَيْنِ! الق سِبْتِيَّتَيْك " مرَّتين أو ثلاثًا. فنظر الرَّجل، فلمَّا رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلع نعليه (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) والحاكم وصحَّحه (5) .
وقال الإمام أحمد: إسناده جيِّدٌ (6) .
وقال ابن ماجه: ثنا محمد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ قال: كان عبد الله بن عثمان يقول: حديثٌ جيدٌ، ورجلٌ ثقةٌ (7) .
وخالد بن سُمير: وثَّقه النَّسائيُّ (8) وابن حِبَّان (9) ، ولم يرو عنه غير الأسود بن شيبان.
والأسود: وثَّقه يحيى بن معين (10) ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث (11) . وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (12) ، وقال الإمام أحمد: كان من عباد الله الصَّالحين، وكان يحجُّ على ناقة، فلا يتزوَّد شيئًا، يشرب من لبنها
__________
(1) "المسند": (5/83 - 84) .
(2) "سنن أبي داود": (4/67 - رقم: 3222) .
(3) "سنن النسائي": (4/96 - رقم: 2048) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/499 - رقم: 1568) .
(5) "المستدرك": (1/373) .
(6) "المغني" لابن قدامة: (3/514 - المسألة رقم: 394) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/500 - رقم: 1568) .
(8) "تهذيب الكمال" للمزي: (8/90 - رقم: 1620) .
(9) "الثقات": (4/204) .
(10) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/294 - رقم: 1077) من رواية الكوسج.
(11) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/294 - رقم: 1077) .
(12) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/81 - رقم: 123) .(2/673)
حتى يرجع (1) ! وقال الأثرم: قال لي أبو عبد الله: الأسود بن شيبان ثقةٌ ثقةٌ، وبشير بن نهيك (2) روى عنه عدَّةٌ. قلت: روى عنه النَّضر بن أنس وأبو مجلز وبركة؟ قال: نعم (3) .
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت بعض المشايخ - وأظنُّه أبي - يقول: كان يزيد بن زريع في جنازة، فأراد أن يدخل المقابر، فوقف، فقال: حديثٌ حسنٌ، وشيخٌ ثقةٌ. وخلع نعليه ودخل O.
* * * * *
مسألة (301) : يكره الجلوس على القبر، والاتكاء إليه.
وقال مالك: لا يكره.
لنا أربعة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث جابر المتقدِّم.
1449- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد أنا حمَّاد قال: حدَّثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لأن يجلس أحدكم على جمرةٍ تحرق ثيابه، وتخلص إليه، خيرًا له من أن يطأ على قبر" (4) .
__________
(1) " الإكمال " لمغلطاي: (2/213 - رقم: 538) من رواية محمد بن عوف، وانظر: "العلل" برواية المروذي وغيره: (ص: 204 - رقم: 370) .
(2) في "التمهيد": (الأسود بن شيبان ثقة، وبشير بن نهيك ثقة) .
(3) "التمهيد" لابن عبد البر: (21/79) .
(4) "المسند": (2/528) .(2/674)
1450- طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا وكيع ثنا سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه، خيرٌ له من أن يجلس على قبرٍ " (1) .
1451- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت عبد الرَّحمن بن يزيد بن جابر يقول: حدَّثني بُسْر بن عبيد الله الحضرميُّ أنَّه سمع واثلة بن الأسقع يقول: حدَّثني أبو مرثد الغنويُّ أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تصلُّوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها " (2) .
انفرد بإخراج هذا الحديث والذي قبله مسلمٌ.
1452- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا عليُّ بن عبد الله ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة الجذاميِّ عن زياد بن نعيم الحضرميِّ عن عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا متكئٌ على قبر، فقال: " لا تؤذ صاحب القبر " (3) .
1453- طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا معاوية بن عمرو ثنا عبد الله بن وهب عن عمرو عن سعيد بن أبي هلال عن أبي بكر بن حزم أنَّ النَّضر بن عبد الله أخبره عن عمرو بن حزم أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقعدوا على القبور" (4) .
__________
(1) "المسند": (2/444) ؛ "صحيح مسلم": (3/62) ، (فؤاد - 2/667 - رقم: 971) .
(2) "المسند": (4/135) ؛ "صحيح مسلم": (3/62) ، (فؤاد - 2/668 - رقم: 972) .
(3، 4) لم نقف عليه في مطبوعة "المسند"، وقد ساق إسناده الحافظ ابن حجر في " أطراف المسند ": (5/131 - رقم: 6790) ، فلعله سقط منها، والله أعلم.(2/675)
ز: حديث زياد بن نعيم عن عمرو: انفرد به الإمام أحمد، وإسناده صحيحٌ.
وزياد بن نعيم هو: ابن ربيعة بن نعيم، وقد وثَّقه العجليُّ (1) وابن حِبَّان (2) .
وحديث النَّضر عن عمرو: رواه النَّسائيُّ عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن أبيه عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي
هلال (3) .
والنَّضر: غير مشهورٍ، ولم يرو له النَّسائيُّ غير هذا الحديث، والله أعلم O.
* * * * *
مسألة (302) : يكره الجلوس قبل أن توضع الجنازة.
وقال مالك والشَّافعيُّ: لا يكره.
1454- قال البخاريُّ: ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام ثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع " (4) .
__________
(1) "معرفة الثقات": (ترتيبه - 1/375 - رقم: 516) .
(2) "الثقات": (6/330) .
(3) "سنن النسائي": (4/95 - رقم: 2045) .
(4) "صحيح البخاري": (2/327) ؛ (فتح - 3/178 - رقم: 1310) .(2/676)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
* * * * *
مسألة (303) : لا يكره البكاء بعد الموت.
وقال الشَّافعيُّ: يكره.
1455- قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق قال: أخبرني ابن جريج قال: أخبرني هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو أنَّه أخبره أنَّ سلمة بن الأزرق كان جالسًا مع عبد الله بن عمر فمرَّ بجنازة يُبكى عليها، فعاب ذلك عبد الله بن عمر، وانتهرهنَّ، فقال له سلمة بن الأزرق: لا تقل هذا، فإنِّي لأشهد على أبي هريرة لسمعته يقول - وتوفِّيت امرأةٌ من كنائن مروان وشهدها، وأمر مروان بالنِّساء اللاتي يبكين يطردن - فقال أبو هريرة: دعهنَّ يا أبا عبد الملك، فإنَّه مُرَّ على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازةٍ يبكى عليها - وأنا معه، ومعه عمر بن الخطَّاب -، فانتهر عمر النِّساء اللاتي يبكين مع الجنازة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعهنَّ يا ابن الخطَّاب، فإنَّ النَّفس مصابةٌ، والعين دامعةٌ، وإنَّ العهد حديثٌ ". قال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: فالله ورسوله أعلم (2) .
ز: روى بعض هذا الحديث: النَّسائيُّ وابن ماجه، فرواه النَّسائيُّ عن عليِّ بن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد ابن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق (3) ، ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/57) ؛ (فؤاد - 2/660 - رقم: 959) .
(2) "المسند": (2/273) .
(3) "سنن النسائي": (4/19 - رقم: 1859) .(2/677)
أبي شيبة عن [عفَّان] (1) عن حمَّاد بن سلمة عن هشام بن عروة (2) ، وعن عليِّ بن محمد وأبي بكر عن وكيع عن هشام، ولم يذكر سلمة في إسناده (3) .
ورواه الحاكم من رواية عبدة عن هشام بن عروة ولم يذكر سلمة، وقال: على شرطهما (4) .
وقد ذكر الدَّارَقُطْنِيُّ هذا الحديث في كتاب "العلل"، وذكر الاختلاف في إسناده (5) O.
1456- قال أحمد وثنا محمد بن عبيد الطَّنافسيُّ ثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: زار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أمِّه، فبكى، وأبكى من حوله، ثُمَّ قال: " استأذنت ربِّي عزَّ وجلَّ أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي " (6) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (7) .
احتجُّوا:
1457- بما روى أحمد: ثنا صفوان بن عيسى ثنا أسامة بن زيدٍ عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا رجع من أحدٍ سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهنَّ، فقال: " لكنَّ حمزة لا بواكي له ". فبلغ ذلك نساء الأنصار،
__________
(1) في الأصل و (ب) : (عثمان) ، والتصويب من "سنن ابن ماجه".
(2) "سنن ابن ماجه": (1/506 - رقم: 1587) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/505 - رقم: 1587) .
(4) "المستدرك": (1/381) .
(5) "العلل": (11/20 - 23 - رقم: 2097) .
(6) "المسند": (2/441) .
(7) "صحيح مسلم": (3/65) ؛ (فؤاد - 2/671 - رقم: 976) .(2/678)
فجئن يبكين على حمزة، قال: فانتبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل، فسمعهن، وهنَّ يبكين، فقال: " ويحهنَّ لم يزلن يبكين بعدُ منذ الليلة؟! مروهنَّ فليرجعن، ولا يبكين على هالكٍ بعد اليوم " (1) .
ز: رواه الإمام أحمد أيضًا عن عثمان بن عُمر (2) وزيد بن الحُباب (3) عن أسامة، ورواه ابن ماجه عن هارون بن سعيد المصريِّ عن ابن وهبٍ عن أسامة (4) .
ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن زكريا بن يحيى الواسطيُّ عن روح عن أسامة عن نافع عن ابن عمر، وعن الزُّهريِّ عن أنس (5) .
وأسامة: روى له مسلمٌ في "صحيحه" (6) .
ورواه الحاكم من حديث أنس، وقال: على شرط مسلم، وهو أشهر حديث بالمدينة، فإنَّ نساء الأنصار لا يندبن موتاهنَّ حتى يبكين حمزة، وإلى يومنا هذا! (7) O.
والجواب من ثلاثة أوجه:
أحدها: أَنَّه ضعيفٌ، قال أحمد: أسامة روى عن نافع أحاديث
__________
(1) "المسند": (2/84) .
(2) "المسند": (2/92) .
(3) "المسند": (2/40) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/507 - رقم: 1591) .
(5) "مسند أبي يعلى": (6/293 - 294 - رقم: 3610) .
(6) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/70 - رقم: 98) ، وقال المنقح فيما يأتي: (3/556) : (روى له مسلم متابعة فيما أرى) ا. هـ
(7) "المستدرك": (1/381) .(2/679)
مناكير، ترك يحيى بن سعيد حديثه (1) . وقال يحيى بن معين: ترك حديثه بأخرة.
ز: الَّذي قال: (ترك حديثه بأخرة) هو يحيى بن سعيد، لا يحيى بن معين، وقد وثَّقه ابن معين في رواية غير واحدٍ عنه (2) ، والله أعلم O.
والثَّاني: أنَّه لمَّا رأى كثرة بكائهنَّ ودوامهنَّ على ذلك نهاهنَّ، وعلى هذا يحمل ما يحتجُّون به أيضًا وهو:
1458- ما رواه أحمد: ثنا ابن نمير ثنا يحيى عن عمرة عن عائشة قالت: لمَّا جاء نعي جعفر بن أبي طالب وزيد وابن رواحة، جلس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرف في وجهه الحزن، فأتى رجلٌ فقال: يا رسول الله، إنَّ نساء جعفر ... فذكر من بكائهنَّ، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينهاهنَّ، فذهب، ثُمَّ جاء فقال: قد نهيتهنَّ - أو أنَّهنَّ لم يطعنه -. حتى كان في الثَّالثة فزعمت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " احث في أفواههنَّ التُّراب " (3) .
ز: هذا الحديث مخرَّجٌ في "الصَّحيحين" (4) من حديث يحيى، وهو ابن سعيدٍ الأنصاريُّ O.
والثَّالث: أنَّ المراد بالبكاء الَّذي نهى عنه: البكاء الذي معه ندبٌ على الميت، لا مجرَّد الدَّمع.
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (1/302 - رقم: 503؛ 2/24 - رقم: 1428) و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (2/284 - رقم: 1031) من رواية أبي طالب.
(2) انظر ما تقدم: (2/30 - 31) .
(3) "المسند": (6/58 - 59) .
(4) "صحيح البخاري": (2/324) ؛ (فتح - 3/166 - رقم: 1299) .
"صحيح مسلم": (3/45 - 46) ؛ (فؤاد - 2/644 - 645 - رقم: 935) .(2/680)
سمعت شيخنا أبا منصور اللغويَّ يقول: يقال للبكاء الَّذي يتبعه النَّدب: بكاءٌ.
* * * * *
مسألة (304) : تسنُّ التَّعزية قبل الدَّفن وبعده.
وقال أبو حنيفة: لا تسنُّ بعده.
1459- قال ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد قال: حدَّثني قيس أبو عمارة مولى الأنصار قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يحدِّث عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما من مؤمنٍ يعزِّي أخاه بمصيبة إلا كَسَاه الله من حُلَلِ الكرامة يوم القيامة " (1) .
1460- وقال أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ: ثنا محمد بن حميد ثنا عبد الله بن ناجية ثنا الحسين بن علي الصُّدائيُّ (2) ثنا حمَّاد بن الوليد (3) عن
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/511 - رقم: 1601) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ذكر ابن عساكر في " الأطراف ": " عن عمرو" وهم [] ) ا. هـ والكلمة الأخيرة لم نتمكن من قراءتها.
وقال الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف ": (8/148 - رقم: 10728) : (هذا الحديث من رواية محمد بن عمرو بن حزم، فإن في المسند: " عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدِّه "، فجده: محمد، وله رؤية، والحديث مرسل، نقلت ذلك من خط ابن عند الهادي) ا. هـ
(2) في هامش الأصل: (حـ: الصدائي ثقة) ا. هـ
(3) في هامش الأصل: (حـ: حماد كذاب) ا. هـ
وفي هامش آخر: (حـ: ورواه الحسين بن أبي زيد الدباغ عن حمَّاد بن الوليد) ا. هـ(2/681)
سفيان الثَّوريِّ عن محمد بن سُوَقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عزَّى مصابًا كان له مثل أجره " (1) .
تفرَّد به حمَّاد بن الوليد عن الثَّوريِّ، وهو ضعيفٌ جدًّا؛ وقد روي هذا الحديث من طرقٍ لا تثبت.
ز: الحديث الأوَّل: انفرد به ابن ماجه، وفيه إرسالٌ، ومحمد بن عمرو بن حزم ولد في حياة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سنة عشرٍ من الهجرة.
وقيس أبو عمارة: ذكره ابن أبي حاتم في "كتابه"، ولم يذكر فيه جرحًا (2) ، وقال ابن عَدِيٍّ: سمعت ابن حمَّاد يقول: قال البخاريُّ: فيه نظرٌ. قال ابن عَدِيٍّ: وإنَّما له حديثٌ واحدٌ (3) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4) .
والحديث الثَّاني: رواه التِّرمذيُّ عن يوسف بن عيسى عن عليِّ بن عاصم ثنا - والله - محمد بن سُوقة، وقال: غريبٌ لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عليِّ بن عاصم (5) .
ورواه ابن ماجه عن عمرو بن رافع عن عليِّ بن عاصم (6) .
وقال البيهقيُّ: تفرَّد به عليُّ بن عاصم، وهو أحد ما أنكر عليه، وقد روي أيضًا عن غيره، والله أعلم (7) .
__________
(1) " الحلية ": (5/9 - 10) تحت ترجمة محمد بن سوقة.
(2) "الجرح والتعديل": (7/106 - رقم: 613) .
(3) "الكامل": (6/47 - رقم: 587) باختصار.
(4) "الثقات": (9/15) .
(5) "الجامع": (2/371 - 372 - رقم: 1073) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/511 - رقم: 1602) .
(7) "سنن البيهقي": (4/59) .(2/682)
وقد تكلَّم في عليٍّ غير واحدٍ من الأئمة، وقال ابن عَدِيٍّ في ترجمته: وروى عن محمد بن سُوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من عزَّى مصابًا فله مثل أجره ". قال: وقد رواه مع عليِّ بن عاصم عن ابن سُوقة: محمد بن الفضل بن عطيَّة، وعبد الرَّحمن بن مالك بن مغول.
وقد روي عن الثَّوريِّ وإسرائيل وقيس وغيرهم عن ابن سُوقة، ومنهم من يزيد في الإسناد: علقمة.
وأنكر النَّاس على عليِّ بن عاصم حديث ابن سُوقة هذا. قال: والضَّعف على حديث عليِّ بن عاصم بيِّنٌ (1) .
وقال الخطيب: وقد روى حديث ابن سُوقة: عبد الحكم بن منصور مثل ما رواه عليُّ بن عاصم، وروي كذلك عن سفيان الثَّوريِّ وشعبة وإسرائيل ومحمد بن الفضل بن عطيَّة وعبد الرَّحمن بن مالك بن مغول والحارث بن عمران الجعفريِّ كلِّهم عن ابن سُوقة، وليس شيءٌ منها ثابتًا (2) O.
* * * * *
مسألة (305) : إذا تطوَّع الإنسان بقربةٍ كالصَّلاة والصَّدقة والقراءة، وجعل ثواب ذلك للميِّت صحَّ وانتفع به، خلافًا لأكثرهم (3) .
__________
(1) "الكامل": (5/194 - رقم: 1348) .
(2) "تاريخ بغداد": (11/453 - 454 - رقم: 6348) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: لا خلاف في وصول ثواب الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات إلى الميت، قال ابن المبارك: ليس في الصدقة اختلاف. وهذه الأحاديث نص في الصدقة فقط، وغيرها مقيس عليها، وله أدلة أخر) ا. هـ(2/683)
1461- قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا روح بن عبادة ثنا زكريا ابن إسحاق قال: حدَّثني عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ أمِّي توفِّيت، أفينفعها إن تصدَّقت عنها؟ قال: " نعم ". قال: فإن لي مخرفًا، فأشهدك أنِّي قد تصدَّقت به عنها (1) .
1462- وقال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني يعلى أَنَّه سمع عكرمة يقول: أنبأنا ابن عباس أنَّ سعد بن عبادة توفِّيت أمُّه وهو غائبٌ عنها، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمِّي توفِّيت وأنا غائبٌ عنها، فهل ينفعها إن تصدَّقت بشيءٍ عنها؟ قال: " نعم ". قال: فإنِّي أشهدك أنَّ حائطي المخرف صدقةٌ عنها (2) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (3) .
1463- قال أحمد: وثنا حجَّاج قال: سمعت شعبة يحدِّث عن قتادة قال: سمعت الحسن يحدِّث عن سعد بن عبادة أنَّ أمَّه ماتت، فقال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أمِّي ماتت، أفأتصدَّق عنها؟ قال: " نعم ". قال: فأيُّ الصَّدقة أفضل؟ قال: " سقي الماء ". قال: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة، قال شعبة: فقلت لقتادة: من يقول: (تلك سقاية آل سعد) ؟ قال: الحسن (4) .
ز: روى هذا الحديث النَّسائيُّ عن إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج (5) ، والحسن عن سعد مرسلٌ.
__________
(1) "الجامع": (2/48 - 49 - رقم: 669) .
(2) "المسند": (1/333) .
(3) "صحيح البخاري": (4/10 - 11) ؛ (فتح - 5/385 - رقم: 2756) .
(4) "المسند": (6/7) .
(5) "سنن النسائي": (4/255 - رقم: 3666) .(2/684)
1464- وقال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزُّهريُّ: ثنا مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جدِّه أَنَّه قال: خرج سعد بن عبادة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مغازيه، وحضرت أمَّه الوفاة بالمدينة، فقيل لها: أوصي. فقالت: فيم أوصي؟ إنَّما المال مال سعد!
فتوفِّيت قبل أن يقدم سعد، فلمَّا قدم سعد وذُكر له ذلك، فقال سعد: يا رسول الله، ينفعها أن أتصدَّق عنها؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم ". فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عنها. لحائطٍ سمَّاه (1) .
رواه النَّسائيُّ عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم عن مالك (2) ، ورواه ابن حِبَّان البستيُّ عن عمر بن سعيد بن سنان عن أحمد بن أبي بكر (3) ، ورواه الحاكم وصحَّحه (4) .
وسعيد بن عمرو: وثَّقه النَّسائيُّ (5) وابن حِبَّان (6) .
[وأبوه] (7) عمرو بن شرحبيل: روى عنه غير واحد، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (8) .
وجدُّه شرحبيل بن سعيد: ذكره ابن حِبَّان أيضًا في "الثِّقات" (9) .
__________
(1) "الموطأ" برواية أبي مصعب الزهري: (2/510 - رقم: 2999) .
(2) "سنن النسائي": (6/250 - رقم: 3650) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (8/140 - رقم: 3354) .
(4) "المستدرك": (1/420) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (11/22 - رقم: 2335) .
(6) "الثقات": (8/260) .
(7) في الأصل و (ب) : (وأبو) خطأ.
(8) "الثقات": (7/225) .
(9) "الثقات": (4/364) وفيه: (شرحبيل بن سعد بن عبادة) .(2/685)
والحديث فيه إرسالٌ، والله أعلم O.
1465- قال أحمد: وثنا سليمان بن داود أنا إسماعيل قال: أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
1466- وفي أفراده من حديث أبي هريرة أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أبي مات ولم يوص، أينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: " نعم " (3) .
* * * * *
__________
(1) "المسند": (2/372) .
(2) "صحيح مسلم": (5/73) ؛ (فؤاد - 3/1255 - رقم: 1631) .
(3) "صحيح مسلم": (5/73) ؛ (فؤاد - 3/1254 - رقم: 1630) .(2/686)
كتاب الزكاة
مسألة (306) : إذا زادت الإبل على عشرين ومائة واحدةً، استقرَّت الفريضة، ففي كل خمسين حقَّةٌ، وفي كلِّ أربعين بنت لبون.
وعنه: لا يتغيَّر الفرض حتى تبلغ ثلاثين ومائة، فيستقرُّ ما ذكرنا.
وعن مالك كالرِّوايتين.
وقال أبو حنيفة: في مائة وعشرين حقَّتان، ويستأنف لما بعدها، فتجب في كل خمسِ شاةٌ.
لنا:
1467- ما روى البرقانيُّ: ثنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيليُّ قال: أخبرني الحسن بن سفيان ثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريَّ قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني ثمامة أن أنسًا حدَّثه أنَّ أبا بكر الصدِّيق لمَّا استخلف أنس بن مالك على البحرين، كتب هذا الكتاب، فكتب: هذه فريضة الصَّدقة الَّتي فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم، في كلِّ خمسٍ شاةٌ؛ فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ - وثلاثين، ففيها ابنة مخاض أنَثى، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر؛ فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين، ففيها ابنة لبون؛ فإذا بلغت ستًا وأربعين إلى ستين، ففيها حِقَّةٌ طروقة الجمل؛ فإذا بلغت واحدًا وستين إلى خمسٍ وسبعين، ففيها جذعة؛ فإذا بلغت ستًا وسبعين إلى التسعين، ففيها(3/7)
ابنتا لبون؛ فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففيها حِقَّتان طروقتا الجمل؛ فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كلِّ أربعين ابنة لبون، وفي كلِّ خمسين حِقَّة؛ ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة، وعنده حِقَّة، فإئَها تقبل منه الحِقَّة، ويجعل معها شاتين إن تيسَّرتا، أو عشرين درهمًا-؛ ومن بلغت عنده صدقةُ الحِقَّة وليست عنده حِقَّة، وعنده جذعة، فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المُصَّدق عشرين درهمًا، أو شاتين؛ ومن بلغت صدقته الِحقَّة، وعنده ابنة لبون، فإنَّها تقبل منه، ويعطي معها شاتين، أو عشرين درهمًا؛ ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده، وعنده حِقَّة، فإنَّها تقبل منه، ويعطيه المُصَدق عشرين درهمًا، أو شاتين.
انفرد بإخراجه البخاريَّ (1) .
1468- وقال التِّرمذيُّ: ثنا زياد بن أيُّوب ثنا عبَّاد بن العوَّام عن سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب كتاب الصَدقة، فلم يخرج إلى عمَّاله حتَّى قبض، فلمَّا قبض عَمل به أبو بكر حتَّى قبض، وعمر حتَّى قبض، وكان فيه: " فإذا زادت على عشرين ومائة: ففي كلِّ خمسين حِقَّة، وفي كلِّ أربعين بنتُ لبونٍ ". وكان فيه: " ولا يجمع بين متفرِّق، ولا يفرِّق بين مجتمع، مخافة الصَّدقة؛ وما كان من خليطين فإنَّهما
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/364، 365- 366، 366) ؛ (فتح- 3/312، 316، 317- 318- الأرقام: 1448، 1453، 1454) مقطعًا.
وفي هامش الأصل: (ص: رواه الحاكم من رواية حماد بن سلمة عن ثمامة، وقال: على شرط مسلم، وقد أخرجه " خ " من وجه آخر عن ثمامة، وحديث حماد أصح وأشفى وأتم.
وقال الشافعي: حديث أنس ثابت من جهة حماد بن سلمة وغيره عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبه نأخذ. وقال الدارقطني: إسناد صحيح، وكلهم ثقات) ا. هـ
انظر: "المستدرك": (1/392- 393) و" سنن الدلوقطني ": (2/116) .(3/8)
يتراجعان بالسوية ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديث صحيحٌ (1) .
فإن قيل: قد رواه جماعة عن الزهري عن سالم فلم يرفعوه، وما رفعه إلا سفيان بن حسين.
قلنا: سفيان ثقة، أخرج عنه مسلم (2) .
1469- وقد روى أبو سعيد عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " فإذا بلغت عشرين ومائة: ففي كل خمسين حِقَّةٌ، وفي كل أربعين ابنة لبونِ ".
ز: حديث ابن عمر: رواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والحاكم (5) ، وقال التِّرمذيُّ: حديث حسن.
وقال في كتاب "العلل": سألت محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظًا، وسفيان بن حسين صدوقٌ (6) .
وقال ابن عَدِيٍّ: وقد وافق سفيان بن حسين على هذه الرِّواية عن سالم عن أبيه حديث الصَّدقات= سليمان بن كثير، أخو محمَّد بن كثير، ثناه ابن صاعد عن يعقوب الدَّورقي عن عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن سليمان كذلك.
قال: وقد رواه عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه جماعةٌ فأوقفوه، وسفيان
__________
(1) "الجامع": (2/9- 11- رقم: 621) وفيه: (حديث حسن) .
وفي هامش الأصل: (حـ: الذي في كتاب الترمذي: حديث حسن) أ. هـ
(2) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(3) "المسند": (2/14، 15) .
(4) "سنن أبي داود": (2/317- 318- رقم: 1562) .
(5) "المستدرك": (1/392- 393) .
(6) لم نقف عليه في مطبوعة "العلل"، وهو في " سنن للبيهقي ": (4/88) .(3/9)
ابن حسين وسليمان بن كثير رفعاه إلى النَبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
وقال ابن عبد البرِّ: هو أحسن شيءٍ رُوي في أحاديث الصَّدقات (2) .
وسفيان بن حسين: روى له مسلمٌ في " مقدمة كتابه " (3) ، وتكلَّم الحفَّاظ في روايته عن الزُّهريِّ، قال أحمد بن حنبل: ليس بذاك في حديثه عن الزُّهريِّ (4) . وقال يحيى بن معين: ثقةٌ، وهو في الزُّهريِّ ضعيف (5) . وقال العجليُّ (6) وغيره: ثقةٌ: وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ إلا في الزُّهريِّ (7) .
وقال ابن عَدِيٍّ: هو في غير الزُّهريِّ صالح الحديث، وفي الزُّهريِّ روى أشياء خالف النَّاس (8) O.
احتجُّوا:
1470- بما رواه أبو داود في " المراسيل ": ثنا موسى بن إسماعيل قال: قال حمَّاد بن سلمة: قلت لقيس بن سعد: خُذْ لي كتابَ محمَّد بن عمرو ابن حزم. فأعطاني كتابًا أخبر أنَّه أخذه من أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتبه لجدِّه، فقرأته، فكان فيه ذكر ما يُخرج من فرائض الإبل ... فقصَّ الحديث، إلى أن بلغ عشرين ومائة: " فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة،
__________
(1) "الكامل": (3/414- 415- رقم: 842) .
(2) "التمهيد": (20/139) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (11/142- رقم: 2399) .
(4) "العلل" برواية المروذي: (ص: 50- رقم: 28) وفيه: (ليس هو بذاك، في حديثه عن الزهري شيء) أ. هـ. وانظر: "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/150- رقم: 4762) .
(5) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 45- رقم: 19) .
(6) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 1/407- رقم: 624) .
(7) " السن الكبرى ": (2/266- رقم: 3372) وفيه: (لا بأس به في غير الزهري، وليس هو في الزهري بالقوي) .
(8) "الكامل": (3/416- رقم: 842) .(3/10)
فعُد في كلِّ خمسين، حِقَّةٌ، وما فضل فإنَّه يعاد إلى أوَّل فريضة الإبل، وما كان أقلَّ من خمسِ وعشرين ففيه الغنم، في كلِّ خمسِ ذود شاةٌ " (1) .
وقد قال أحمد بن حنبل: كتاب عمرو بن حزم في الصَّدقات صحيحٌ (2) .
قلت: هذا حديثٌ مرسلٌ، ذكره أبو داود في " المراسيل ".
قال هبة الله الطَّبريُّ: وهذا الكتاب صحيفة ليست بسماع، ولا يعرف أهلُ المدينة كلُّهم عن كتاب عمرو بن حزم إلا مثل روايتنا، رواها الزُّهري وابن المبارك وأبو أويس كلُّهم عن أبي بكر محمَّد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدِّه مثل قولنا، وإليها أشار أحمد بالصِّحَّة (3) .
ثُم لو تعارضت الرّوايتان عن عمرو بن حزم بقيت روايتنا عن أبي بكر الصدِّيق، وهي في " الصَّحيح "، وبها عمل الخلفاء الأربعة.
ز: قال البيهقيُّ في هذا الحديث: هو منقطع بين أبي بكر بن حزم إلى النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيس بن سعد أخذه عن كتاب لا عن سماع، وكذلك حمَّاد بن سلمة أخذه عن كتاب لا عن سماع، وقيس بن سعد وحمَّاد بن سلمة- وإن كانا من الثقات- فروايتهما هذه تخالف رواية الحفَّاظ عن كتاب عمرو بن حزم وغيره.
وحمماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاط لا يحتجُّون بما يخالف فيه، ويتجنَّبون ما يتفرد به عن قيس بن سعدٍ خاصة وأمثاله، وهذا الحديث قد جمع الأمرين، مع ما فيه من الانقطاع، وبالله التَّوفيق (4) O.
*****
__________
(1) " المراسيل ": (ص: 128- 129- رقم: 106) .
(2) انظر: ما تقدم: (1/229) .
(3) يغلب على ظننا أن كلام هبة الله الطبري ينتهي هنا، والله أعلم.
(4) "سنن البيهقي": (4/94) .(3/11)
مسألة (307) : لا زكاة في الأوقاص، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، خلافًا لأحد قولي مالك، وأحد قولي الشَّافعي في أنَّها تتعلَّق بالنِّصاب والوقص، حتَّى أنَّه لو تلف من تسعة أربعة، وجب عند الخصم خمسة أتساع شاة.
وهذه الفائدة لا تتحقَّق عندنا، لأنَّا نقول: لو تلف جميع المال قبل إمكان الأداء لم تسقط الزكاة، لأنَّ إمكانه ليس بشرطٍ عندنا في وجوب الزَّكاة.
1471- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمَّد بن عبيد الله بن المنادي ثنا أبو بدر ثنا الحسن بن عمارة ثنا الحكم عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: لَمَّا بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذًا إلى اليمن، قيل له: بما أُمرت؟
قال: أُمرت أن آخذ من البقر: من كلِّ ثلاثين تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسِنَّة. قيل له: أُمرت في الأوقاص بشيءٍ؟ فقال: لا، وسأسْأل النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فسأله، فقال: " لا " (1) .
ز: الحسن بن عمارة: ضعَّفوه وتركوه، وقال السَّاجيُّ: أجمع أهل الحديث على ترك حديثه (2) . وقال ابن عَدِيٍّ: هو إلى الضَّعف أقرب (3) .
1472- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا جعفر بن محمَّد الفريابيُّ ثنا عمرو بن عثمان ثنا بقيَّة حدَّثني المسعوديَّ عن الحكم عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: لَمَّا بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذًا إلى اليمن، أمره أن يأخذ من البقر: من كلِّ ثلاثين تبيعًا أو تبيعة- جذعٌ أو جذعة-، ومن كلِّ أربعين بقرة بقرةً مسِنَّة. فقالوا: فالأوقاص؟ قال: ما أمرني فيها بشيءٍ، وسأسأل
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/94) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (7/350- رقم: 3870) .
(3) "الكامل": (2/295- رقم: 445) .(3/12)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قدمت عليه. فلمَّا قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله عن الأوقاص، فقال: " ليس فيها شيءٌ ". وقال المسعوديَّ: والأوقاص: ما دون الثَّلاثين، وما بين الأربعين إلى السِّتِّين، فإذا كان ستُّون (1) ففيها تبيعان، فإذا كانت سبعون (2) ففيها مسِنَّة وتبيعٌ، فإذا كانت ثمانون ففيها مسنتان، فإذا كانت تسعون ففيها ثلاث تبائع، قال بقيَّة: قال المسعوديَّ: الأوقاص هي بالسِّين (الأوقاس) ، فلا تجعلها بصاد (3) .
1473- وقال الشَّافعيُّ: أنأ مالك عن حميد بن قيس عن طاوس اليماني أنَّ معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، ومن أربعين بقرة مسِنَّةً، وأُتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئًا، وقال: لم أسمع من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه شيئًا حتَّى ألقاه وأسأله. فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يقدم معاذ بن جبل (4) .
1474- قال الشَّافعيُّ: وأنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس أنَّ معاذ بن جبل أُتي بوقس البقر، فقال: لم يأمرني النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه بشيءٍ.
قال الشَّافعيُّ: والوقس: ما لم يبلغ الفريضة (5) O.
1475- وقال أحمد: ثنا معاوية بن عمرو عن حيوة (6) عن يزيد بن أبي حبيب عن سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحكم أنَّ معاذًا قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَدّق أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر: من كلِّ ثلاثين تبيعًا، ومن كل أربعين مُسِنَّةً. قال: فعرضوا عَلَيَّ أن آخذ ما بين الأربعين
__________
(1) في "سنن الدارقطني": (ستين) ، وكتب فوقها بالأصل و (ب) : (كذا) .
(2) كتب فوقها بالأصل و (ب) : (كذا) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/99) .
(4) "الأم": (2/8- 9) .
(5) "الأم": (2/8) .
(6) في مطبوعة"المسند"بين معاوية وحيوة: (عبد الله بن وهب) ،وسينبه المنقح على ذلك فيما يأتي.(3/13)
والخمسين، وبين السِّتِّين والسبعين، فأبيت ذلك، وقلت لهم: حتَّى أسأل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فقدمت، فأخبرت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرني أن لا آخذ ما بين ذلك، وزعم أنَّ الأوقاص لا فريضة فيها (1) .
1476- قال أبو عبيد: وكان في كتاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن حزم: " فإذا بلفت الإبل عشرين ومائة، فليس فيما زاد فيما دون العشر شيءٌ" (2) .
1477- وقد روى القاضي أبو يعلى وأبو إسحاق الشِّيرازيُّ في " كتابيهما " أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في خمس من الإبل: شاةٌ، ولا شيء في الزّيادة" حتَّى تبلغ عشرًا ".
ز: حديث يحيى بن الحكم عن معاذ فيه إرسالٌ، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتَّة.
وسلمة بن أسامة ويحيى: غير مشهورين، ولم يذكرهما ابن أبي حاتم في "كتابه".
وقد اختصر المؤلِّف لفظ الحديث، وأسقط من الإسناد رجلاً، فإنَّ الإمام أحمد رواه مطوَّلاً عن شيخين: أحدهما: معاوية بن عمرو، والآخر هارون بن معروف، كلاهما عن عبد الله بن وهب عن حيوة- وهو ابن شريح المصريُّ-، فأسقط المؤلِّف (ابن وهب) من الإسناد، لأمرٍ ذكره الإمام أحمد يشتبه على من لم يتبحَّر في العلم، واختصر الحديث، وذكره عن أحد الشَّيخين وهو [معاوية] (3) بن عمرو، مع أنَّ بعض الألفاظ الَّتي ذكرها من رواية
__________
(1) "المسند": (5/240) .
(2) انظر: "الأموال" لأبي عبيد: (ص: 372- رقم: 947) .
(3) في الأصل و (ب) : (معروف) ، وهو سبق قلم.(3/14)
هارون بن معروف وحده، والله الموفِّق للصَّواب.
وقوله في الحديث: (فقدمت فأخبرت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ليس بصحيحٍ، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفِّي قبل أن يقدم معاذ بن جبل، والله أعلم O.
*****
مسألة (308) : إذا أخرج حاملاً أو سِنًّا أعلى مكان أدنى أجزأه.
وقال داود: لا يجزئ.
1478- قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمَّد بن إسحاق ثنا عبد الله ابن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرَّحمن عن عمارة بن عمرو بن حزم عن أُبيِّ بن كعب قال: بعثني رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصدِّقًا، فمررت برجلٍ، فلم أجد عليه في ماله إلا ابنة مخاض، فأخبرته أنها صدقته، فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وما كنت لأقرض الله تعال من مالي ما لا لبن فيه ولا ظهر! ولكن هذه ناقةٌ سمينةٌ فخذها. فقلت: ما أنا بآخذٍ ما لم أومر به، فهذا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منك قريبٌ. فخرج معي، وخرج بالنَّاقة، حتَّى قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره الخبر، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذاك الذي عليك، وإن تطوَّعت بخيرٍ قبلناه منك، وآجرك الله فيه ". قال: فخذها.
فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبضها، ودعا له بالبركة (1) .
ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن منصور الطُّوسيِّ عن يعقوب بن إبراهيم
__________
(1) "المسند": (5/142) .(3/15)
ابن سعد (1)
ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (2) والحاكم في "المستدرك" وقال: على شرط مسلمٍ (3) O.
*****
مسألة (309) : لا يجب فيما زاد على الأربعين من البقر شيءٌ حتَّى يبلغ ستِّين.
وعن أبي حنيفة: يجب فيها بالحساب؛ وعنه: لا شيء فيها حتَّى تبلغ خمسين، فتجب مُسِنَّةٌ وربعٌ.
لنا:
حديث معاذ الَّذي تقدَّم، وأنَّه لم يأخذ من الأوقاص شيئًا.
*****
مسألة (310) : المال المستفاد في أثناء الحول بابتياعٍ أو هبةٍ أو إرثٍ، لا يضمُّ إلى نصاب الحول.
وقال أبو حنيفة: المستفاد من جنس النِّصاب، يضمُّ إلى النِّصاب في
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/330- رقم: 1578) .
(2) "الإحسان" لابن بلبان: (8/63- 64- رقم: 3269) .
(3) "المستدرك": (1/399- 400) .(3/16)
حكم الحول.
وعن مالك كالمذهبين.
لنا أربعة أحاديث:
1479- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا يحيى بن موسى ثنا هارون ابن صالح الطَّلحيُّ ثنا عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استفاد مالاً فلا زكاة عليه، حتَّى يحول عليه الحول " (1) .
عبد الرَّحمن بن زيدٍ قد ضعَّفه الكلُّ، وقد رواه إسحاق بن إبراهيم الحنينيُّ عن مالك عن نافع عن ابن عمر.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصَّحيح عن مالك موقوفٌ.
قلت: والحنينيُّ ليس بمرضيٍّ عندهم.
وقال التِّرمذيُّ: وقد روي هذا الحديث موقوفًا على ابن عمر، وهو أصحُّ (2) .
ز: رواه التِّرمذيُّ موقوفًا عن ابن بشَّار عن الثَّقفيَّ عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر.
ورفعُه وهمٌ، والله أعلم O.
1480- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسن بن أحمد بن صالح الحلبيُّ ثنا سعيد بن عثمان الورَّاق ثنا هشام بن عبد الملك ثنا بقيَّة عن
__________
(1) "الجامع": (2/18- 19- ر قم: 631) .
(2) "الجامع": (2/19- ر قم: 632) بتصرف.(3/17)
إسماعيل عن [عبيد الله] (1) بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا زكاة في مال امرئ حتَّى يحول عليه الحول ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قد رواه معتمر وغيره موقوفًا (2) .
ز: إسماعيل هو: ابن عيَّاش، وهو ضعيفٌ في روايته عن غير الشَّاميين.
1481- وروى البيهقيُّ من رواية ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: ليس في مالٍ زكاةٌ حتَّى يحول عليه الحول.
وقال: هذا هو الصَّحيح موقوفٌ، ورواه بقيَّة عن إسماعيل بن عيَّاش عن عبيد الله بن عمر مرفوعًا، وليس بصحيحٍ (3) O.
1482- الحديث الثَالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا الحسن بن الخضر المعدّل ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ثنا محمَّد بن سليمان الأسديُّ ثنا حسَّان ابن سياه عن ثابت عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في مالٍ زكاةٌ حتى يحول عله الحول ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حسَّان ضعيفٌ (4) .
ز: حسَّان: ضعَّفه ابن عَدِيٍّ (5) وابن حِبَّان (6) والحاكم (7) أيضًا.
__________
(1) في الأصل: (عبد الله) والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) "سنن الدارقطني": (2/90) .
(3) "سنن البيهقي": (4/104) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/91) ، وتضعيفه لحسان ذكره الغساني في " تخريج الأحاديث الضعاف ": (ص: 209- رقم: 429) .
(5) "الكامل": (2/370- 372- رقم: 500) .
(6) "المجروحون": (1/267- 268) .
(7) " المدخل إلى الصحيح ": (1/132- رقم: 45) .(3/18)
وروى ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمته عن إسحاق بن إبراهيم بن يونس وغير واحدٍ عن لُوَين- وهو محمَّد بن سليمان-، وقال: وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن ثابت غير حسَّان بن سياه (1) O.
1483- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا عليُّ بن محمَّد الجواربيُّ ثنا إسحاق بن منصور ثنا هريم عن حارثة عن عَمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في المال زكاةٌ حتَّى يحول عليه الحول " (2) .
حارثة ضعيفٌ جدًا، قال أحمد بن حنبل: ليس بشيءٍ (3) . وقال يحيى: ليس بثقةٍ، لا يكتب حديثه (4) .
ز: روى هذا الحديث ابن ماجة عن نصر بن عليِّ الجهضميِّ عن أبي بدر شجاع بن الوليد السكوني عن حارثة بن محمَّد (5) .
1484- وروى الثَّوريُّ عن حارثة عن عمرة عن عائشة موقوفًا: ليس في مالٍ مستفادٍ زكاةٌ، حتَّى يحول عليه الحول.
وهذا أصحُّ من المرفوع.
1485- وروى أبو داود: ثنا سليمان بن داود المَهْريُّ أنا ابن وهبٍ
__________
(1) "الكامل": (2/370- رقم: 500) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/91) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/255- رقم: 1138) وفيه: (ضعيف، ليس بشيء) .
(4) للكلمة الأولى في "التاريخ" برواية الدوري: (3/323- رقم: 1548) ، والثانية في "الكامل" لابن عدي: (2/198- رقم: 385) من رواية ابن أبي مريم.
(5) "سنن ابن ماجة": (1/571- رقم: 1792) .(3/19)
قال: أخبرني جرير بن حازم- وسمَّى آخر- عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن عليٍّ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيءٌ- يعني في الذَّهب- حتَّى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك- قال: فلا أدري أعليٌّ يقول: (فبحساب ذلك) أو رفعه إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ - وليس في مالٍ زكاةٌ حتَّى يحول عليه الحول ". إلا أنَّ جريرًا قال: ابن وهبٍ يزيد في الحديث عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في مالٍ زكاةٌ، حتَّى يحول عليه الحول ".
كذا أخرجه أبو داود، وقال: رواه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق ولم يرفعوه (1) .
1486- وقال الشَّافعيُّ: أنا مالك عن ابن عقبة عن القاسم بن محمَّد قال: لم يكن أبو بكر رضي الله عنه يأخذ من مالٍ زكاةً حتَّى يحول عليه الحول (2) .
وقال البيهقيُّ: الاعتماد في هذا على الآثار الصَّحيحة، فيه: عن أبي بكر الصدِّيق، وعثمان بن عفَّان، وعبد الله بن عمر، وغيرهم رضي الله عنهم (3) O.
*****
مسألة (311) : تجب الزَّكاة في صغار النَّعم إذا انفردت وبلغت نصابًا، ويخرج منها سواء ابتدأ ملكها من أوَّل الحول، أو نتجت عنده
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/322- 323- رقم: 1567) .
(2) ومن طريقه خرجه البيهقي في "سننه": (4/103) .
(3) "سنن البيهقي": (4/95) .(3/20)
وهلكت (1) الأمَّهات قبل الحول، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ وأبي يوسف وزفر، إلا أنَّ مالكًا وزفر يقولان: تجب فيها كبيرة من جنسها.
وعن أحمد: لا تجب، وهو قول أبي حنيفة.
لنا:
1487- ما روى الإمام أحمد: ثنا أبو اليمان عن شعيب عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني عبيد الله بن عبد الله أنَّ أبا هريرة قال: لَمَّا توفِّي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستُخلف أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، قال قائلٌ لأبي بكر: كيف تقاتل النَّاس وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أقاتل الناس حتَّى يقولوا: لا إله إلا الله ". فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدُّونها إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتلتهم عليها (2) .
أخرجه البخاريُّ (3) ومسلمٌ (4) في "الصَّحيحين".
أمَّا حجَّتهم:
1488- قال أحمد: ثنا هشيم (5) ثنا هلال بن خبَّاب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدِّق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلست إلى جنبه. قال: فسمعته يقول: إنَّ في عهدي (6) أن لا آخذ من راضعِ لبنٍ شيئًا.
وأتاه رجلٌ بناقةٍ كوماء، فقال: خذ هذه. فأبى أن يأخذها (7) .
__________
(1) في (ب) : (وملكت) .
(2) "المسند": (1/19) .
(3) "صحيح البخاري": (2/351) ؛ (فتح- 3/262- رقم: 1399) .
(4) "صحيح مسلم": (1/38) ؛ (فؤاد- 1/51- 52- رقم: 20) .
(5) (ثنا هشيم) سقط من "التحقيق".
(6) في "التحقيق": (في هَدْيٍ) !
(7) "المسند": (4/315) .(3/21)
1489- قالوا: وقد روى الشَّعبيُّ أنَّ النَّبيَّ قال: " لا زكاة في السِّخال ".
1490- وروى أبو عبيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في الكُسعة صدقةٌ" (1) .
قالوا: وهي صغار الغنم.
والجواب:
أمَّا حديث سويد: ففيه هلال بن خبَّاب وهو ضعيفٌ، قال أبو حاتم ابن حِبَّان: اختلط في آخر عمره، وكان يحدِّث بالشيء على التَّوهُّم، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (2) .
والكوماء: المشرفة السَّنام.
وأمَّا حديث الشَّعبيِّ: فمرسلٌ، ثُمَّ إنَّ راويه جابر الجُعفيَّ، وقد كذَبوه.
وأمَّا الكُسعة: فقال أبو عبيد: هي الحمير، سمِّيت كُسعةً لأنَّها تكسع في أدبارها. وقال ابن الأعرابي: الكُسعة: الرَّقيق، لأَنك تكسعها في طلب حاجتك. وقال ابن قتيبة: هي العوامل من الإبل (3) .
فأمَّا تفسيرهم فلا يعرف.
ز: هلال بن خبَّاب: وثَّقه الإمام أحمد بن حنبل (4) ويحيى بن معين (5)
__________
(1) " غريب الحديث ": (1/7) .
(2) "المجروحون": (3/87) .
(3) " غريب الحديث ": (1/27) .
(4) "العلل" برواية عبد الله: (2/493- رقم: 3251) وفيه: (شيخ ثقة) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (4/83- رقم: 3247) .(3/22)
وأبو حاتم الرَّازيُّ (1) وغيرهم، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: يخطئ، ويخالف (2) . وذكره أيضًا في كتاب " الضُّعفاء " كما ذكره المؤلِّف، وهكذا يفعل ابن حِبَّان كثيرًا، يدخل (3) الرَّجل في كتابيه "الثِّقات" و"الضعفاء"!
وميسرة أبو صالح: كوفيٌّ، روى عنه غير واحد، ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه، بل ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4) .
وقد روى الحديث أبو داود عن مسدَّد عن أبي عوانة عن هلال بن خَبَّاب (5) ، ورواه النَّسائيُّ عن هنَّاد بن السَّري عن هُشيم (6) O.
*****
مسألة (312) : تجزئ الجذعة من الضَّأن، والثَّنِيُّ من المعز.
وقال أبو حنيفة: لا يجزئ إلا الثَّنيُّ فيهما.
وقال مالك: يجزئ الجذع فيهما.
1491- قال أحمد: ثنا روح ثنا زكريا بن إسحاق قال: حدَّثني عمرو
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/75- رقم: 294) وفيه: (ثقة صدوق) .
(2) "الثقات": (7/574) .
(3) في (ب) : (يذكر) .
(4) "الثقات": (5/426) .
(5) "سنن أبي داود": (2/325- 326- رقم: 1573) .
(6) "سنن النسائي": (5/29- 30- رقم: 2457) .(3/23)
ابن أبي سفيان عن مسلم بن شعبة (1) عن سِعْر (2) قال: جاءني رجلان مرتدفان، فقالا: إنَّا رسولا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعثنا إليك لتؤتينا صدقة غنمك.
قلت: وما هي؟ قالا: شاةٌ. فعمدت إلى شاةٍ ممتلئة محاضًا (3) وشحمًا، فقالا: هذه شافعٌ، وقد نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نأخذ شافعًا- والشَّافع: الَّتي في بطنها ولدها-. قلت: فأيُّ شيءٍ تأخذان؟ قالا: عناقًا: جذعة أو ثنيَّة.
فأخرجت إليهما عناقًا، فتناولاها (4) .
ز: روى هذا الحديث أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن وكيع عن زكريا ابن إسحاق المكيِّ عن عمرو بن أبي سفيان الجُمَحيِّ عن مسلم بن ثَفِنة البكريِّ (5) ، وعن محمَّد بن يونس النَّسائيِّ عن روح عن زكريا بن إسحاق وقال: (مسلم بن شعبة) (6) .
قال أبو داود: أبو عاصم رواه عن زكريا قال أيضًا: (مسلم بن شعبة) ، كما قال روح.
ورواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن عبد الله بن المبارك عن وكيع (7) ، وعن هارون بن عبد الله عن روح (8) .
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: ضبطه بعضهم: " شعنة " وصحح عليه) ا. هـ
ولعله يشير للحافظ الذهبي، فقد ضبطه كذلك في "تنقيحه": (ق: 75/ب) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: قال الدارقطني: سعر له صحبة) أ. هـ
(3) في " النهاية ": (4/303- محض) : (أي: سمينة كثيرة اللبن) أ. هـ
(4) "المسند": (3/415) .
(5) "سنن أبي داود": (2/327- 328- رقم: 1575) .
(6) "سنن أبي داود": (2/329- رقم: 1576) .
(7) "سنن النسائي": (5/32- رقم: 2462) .
(8) "سنن النسائي": (5/33- رقم: 2463) .(3/24)
وقال: لا أعلم أحدًا تابع وكيعًا في قوله: (ابن ثَفِنة) (1) .
وقال الإمام أحمد: إنَّما هو مسلم بن شعبة، أخطأ فيه وكيع، ثناه روح فقال: (مسلم بن شعبة) (2) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: (مسلم بن ثَفِنة) قاله وكيع ووهم، والصَّواب (مسلم بن شعبة) (3) .
وقال البيهقيُّ: الصَّواب (مسلم بن شعبة) قاله يحيى بن معين وغيره من الحفاظ (4) O.
*****
مسألة (313) : للخلطة تأثير في الزَّكاة.
وقال أبو حنيفة: لا تأثير لها.
لنا أربعة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث أنس: أنَّ أبا بكر كتب له فريضة الصَّدقة، وفيها: وما كان من خليطين فإنَّهما يتراجعان بينهما بالسَّويَّة.
والثَّاني: حديث ابن عمر، وفيه ذكر التَّفريق والخليطين.
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/16- رقم: 2242) بمعناه، وهو بحروفه في "تحفة الأشراف" للمزي: (11/155- رقم: 15579) .
(2) "المؤتلف والمختلف" للدارقطني: (1/206) من رواية حنبل، وانظر: "المسند": (3/414) .
(3) "المؤتلف والمختلف": (1/205) .
(4) "سنن البيهقي": (4/96) .(3/25)
وقد سبقا بإسنادهما (1) .
1492- والثَّالث: رواه الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا البغويُّ ثنا داود بن رُشيد ثنا الوليد عن ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد عن السَّائب بن يزيد عن سعد بن أبي وقَّاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يفرَّق بين مجتمعٍ، ولا يجمع بين متفرِّق، والخليطان ما اجتمعا على: الحوض، والرَّاعي، والفحل " (2) .
1493- والرَّابع: رواه أبو داود من حديث سُويد بن غَفَلَة قال: أتانا مُصَدِّق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقرأت في عهده: " ولا يُجمع بين متفرِّق، ولا يُفرق بين مجتمع، خشية الصَّدقة " (3) .
*****
مسألة (314) : تجب الزَّكاة في مال الصَّبي والمجنون.
وقال أبو حنيفة: لا تجب.
لنا ثلاثة أحاديث:
1494- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن محمَّد بن أحمد المصريُّ ثنا الحسن بن غُليب الأزديُّ ثنا يحيى (4) بن أيُّوب عن المثنَّى بن الصَّبَّاح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فخطب النَّاس، فقال: " من ولي يتيمًا له مال فليتَّجر له، ولا
__________
(1) برقمي: (1467، 1468) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/104) .
(3) "سنن أبي داود": (2/326- 327- رقم: 1574) .
(4) بين الحسن ويحيى في مطبوعة "سنن الدارقطني": (سعيد بن عفير) .(3/26)
يتركه حتى تأكله الصدقة " (1) .
1495- الحديث الثَّاني: قال الدَارَقُطْنِيُ: وثنا ابن صاعد ثنا أحمد بن عبيد بن إسحاق العطََّار ثنا أبي (2) ثنا مندل عن أبي إسحاق الشَّيبانيِّ عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احفظوا اليتامى في أموالهم، لا تأكلها الزَّكاة " (3) .
1496- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمَّد بن الحسن بن عليٍّ البزَّار ثنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطَّان ثنا أيُّوب بن محمَّد الوزَّان ثنا رواد بن الجراح (4) ثنا محمَّد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في مال اليتيم زكاةٌ " (5) .
قالوا: أمَّا الحديث الأوَّل: ففيه المثنَّى بن الصَّبَّاح، قال أحمد: لا يساوي شيئًا (6) .
وأمَّا الثَّاني: ففيه مندل، قال ابن حِبَّان: كان يرفع المراسيل، ويسند الموقوفات من سوء حفظه، فلمَّا فحش ذلك منه استحقَّ التَّرك (7) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّحيح أنَّه من كلام عمر (8) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/109- 110) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: عبيد الله [كذا] بن إسحاق ضعيف) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (2/110) .
(4) في "التحقيق": (داود بن الجراح) .
وفي هامش الأصل: (حـ: كان فيه: " أيوب بن محمد الوزاني [كذا] وداود بن الجراح " وهو وهم) أ. هـ
(5) "سنن الدارقطني": (2/110) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (2/298- رقم: 2324) وفيه: (لا يسوى حديثه شيئًا) .
(7) "المجروحون": (3/25) .
(8) انظر: "العلل": (2/157- رقم: 184) .(3/27)
وأمَّا الثَّالث: ففيه محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كان ضعيفًا (1) .
ثُمَّ إنَّ أحاديث عمرو عن أبيه عن جدِّه في الجملة ضعافٌ، قال يحيى بن سعيد: حديث عمرو واهٍ عندنا (2) . وقال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: لا يجوز الاحتجاج عندي بما رواه عمرو عن أبيه عن جدِّه، لأنَّ هذا الإسناد لا يخلو من أن يكون مرسلاً أو منقطعًا، لأنه عمرو بن شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإذا روى عن أبيه عن جدِّه فأراد بجدِّه محمَّدًا، فمحمدٌ لا صحبة له؛ وإن أراد عبد الله، فأبوه شعيب لم يلق عبد الله؛ والمنقطع والمرسل لا تقوم بهما حجَّةٌ، لأنَّ الله تعالى لم يكلِّف عباده أخذ الدِّين عن من لا يعرف (3) .
قلنا: أمَّا المثنَّى: فقد قال يحيى بن معين: يكتب حديثه، ولا يترك (4) . وقال يحيى بن سعيد: اختلط في عطاء (5) . وهذا يدلُّ على أنَّ اختلاطه في الإسناد في شخصٍ واحدٍ.
__________
(1) " تخريج الأحاديث الضعاف " للغساني: (ص: 221- رقم: 459) ، وانظر: " سنن الدارقطني ": (1/271، 2/31) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/238- رقم: 1323) ، "الكامل" لابن عدي (5/114- رقم: 1281) كلاهما من رواية ابن المديني عنه.
(3) "المجروحون": (2/72) باختصار.
(تنبيه) وقع في آخر ترجمة عمرو بن شعيب من "المجروحين" (2/40) - طبعة الشيخ حمدي السلفي- عبارة مهمة، نصها: (قال أبو حاتم: والصواب في أمر عمرو بن شعيب أن يحول إلى تاريخ الثقات، لأن عدالته قد تقدمت، فأما المناكير في حديثه إذا كان في رواية أبيه عن جده، فحكمه حكم الثقات إذا رووا المقاطيع والمراسيل بأن يترك من حديثهم المرسل والمقطوع، ويحتج بالخبر الصحيح، هذا حكم عمرو بن شعيب وغيره من المحدثين الذين تقدمت عدالتهم) أ. هـ
(4) "الكامل" لابن عدي: (6/423- رقم: 1902) من رواية معاوية بن صالح، وفيه: (ضعيف، يكتب حديثه ولا يترك) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/324- رقم: 1494) .(3/28)
وأمَّا مَنْدل: فقال يحيى بن معين: ليس به بأسٌ (1) . وقال ابن حِبَّان: هو عابدٌ ورعٌ (2) .
ثُمَّ لو صحَّ أنَّه موقوفٌ على عمر، فإنَّ عمر لا يقول مثل هذا برأيه.
وأمَّا العرزميُّ: فقد روى عنه سفيان وشعبة وشريك، وقال ابن حِبَّان: كان صدوقًا، إلا أنَّ كتبه ذهبت، فكأن يحدِّث من حفظه فيهم (3) .
وأمَّا حديث عمرو بن شعيب: فإنَّهم لا يختلفون في توثيق عمرو (4) ، قال ابن راهويه: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه، كأيُّوب عن نافع عن ابن عمر (5) . وقال البخاريّ: رأيت أحمد بن حنبل وعليَّ بن عبد الله وابن راهويه والحميديَّ يحتجُّون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه، فمن النَّاس بعدهم؟! (6) .
وأمَّا قول ابن حِبَّان: (لم يصحَّ سماع شعيب من جدِّه عبد الله) ، فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو خطأٌ، وقد روى عبيد الله بن عمر العمريُّ- وهو من الأئمة العدول- عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: كنت جالسًا عند عبد الله بن
__________
(1) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 92- رقم: 244) .
(2) انظر: "المجروحون": (3/25) .
(3) "المجروحون": (2/246) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: بلى قد اختلفوا فيه) ا. هـ
(5) "الكامل" لابن عدي: (5/114- رقم: 1281) .
(6) "التاريخ الكبير": (6/342- 343- رقم: 2578) دون قوله: (فمن الناس بعدهم) .
وانظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (22/69- رقم: 4385) ؛ و" سير النبلاء " للذهبي: (5/167- رقم: 61) ؛ و" طبقات الحنابلة " لابن أبي يعلى: (1/272- 273- رقم: 387) .
(فائدة) قال العلامة ابن القيم في " إعلام الموقعين ": (1/99) : (وقد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا يعرف في أئمة الفتوى إلا من احتاج إليها واحتج بها، وإنما طعن فيها من لم يتحمل أعباء الفقه والفتوى كأبي حاتم البستي وابن حزم وغيرهما) . أ. هـ(3/29)
عمرو، فجاء رجلٌ فاستفتاه في مسألة، فقال لي: يا شعيب، امض معه إلى ابن عبَّاس. فقد صحَّ بهذا سماع شعيب من جدِّه عبد الله (1) . وقد أثبت سماعه منه أحمد بن حنبل (2) وغيره.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: جدُّه الأدنى: محمَّد- ولم يدرك رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجدُّه الأعلى: عمرو بن العاص- ولم يدركه شعيب-، وجدُّه الأوسط: عبد الله- وقد أدركه-، فإذا لم يسمِّ جدَّه احتمل أن يكون محمَّدًا، واحتمل أن يكون عمروًا، فيكون في الحالين مرسلاً؛ واحتمل أن يكون عبد الله الَّذي أدركه، فلا يصحُّ الحديث ويسلم من الإرسال إلا أن يقول فيه: عن جدِّه عبد الله بن عمرو.
قلت: والحديث الَّذي احتججنا به قد سمَّى فيه جدَّه (عبد الله) ، فسلم من الإرسال، على أنَّ المرسل عندنا حجَّةٌ.
ز: هذه الأحاديث الثَّلاثة ضعافٌ لا تقوم بها حجَّةٌ.
والحديث الأوَّل: رواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن إسماعيل عن إبراهيم بن موسى عن الوليد بن مسلم عن المثنَّى بن الصَّبَّاح، وقال: في إسناده مقالٌ، لأنَّ المثنَّى يضعَّف في الحديث (3) .
1497- وقد روى الشَّافعيُّ عن عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف ابن ماهك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ابتغوا في مال اليتيم- أو في مال اليتامى-،
__________
(1) " تعليقات الدارقطني على المجروحين ": (ص: 168- رقم: 202) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (22/68 - 69- رقم: 4385) من رواية محمد بن علي الجوزجاني.
(3) "الجامع": (2/25- رقم: 641) .(3/30)
لا تذهبها- أو لا تستهلكها- الصدقة " (1) .
هذا مرسلٌ.
1498- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب ثنا حسين المعلِّم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيَّب أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: ابتغوا بأموال اليتامى، لا تأكلها الصَّدقة (2) .
قال البيهقيُّ: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وله شواهد عن عمر رضي الله عنه:
1499- أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا يزيد بن هارون ثنا شعبة عن حميد بن هلال قال: سمعت أبا محجن- أو ابن محجن- (وكان خادمًا لعثمان بن أبي العاص) قال: قدم عثمان ابن أبي العاص على عمر بن الخطََّاب رضي الله عنه،فقال له عمر رضي الله عنه: كيف متجر أرضك؟ فإنَّ عندي مال يتيم قد كادت الزَّكاة أن تفنيه. قال: فدفعه إليه.
كذا في هذه الرِّواية، ورواه معاوية بن قُرَّة عن الحكم بن أبي العاص عن عمر، وكلاهما محفوظٌ.
ورواه الشَّافعيُّ من حديث عمرو بن دينار وابن سيرين عن عمر مرسلاً (3) .
1500- وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض ولد أبي رافع قال: كان عليٌّ رضي الله عنه يزكِّي أموالنا ونحن
__________
(1) "الأم": (2/28) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/110) .
(3) "سنن البيهقي": (4/107) .(3/31)
يتامى (1) .
1501- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا بشر بن مطر ثنا يزيد ابن هارون أنا أشعث عن حبيب بن أبي ثابت عن صلت المكيِّ عن أبي رافع (2) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أقطع أبا رافع أرضًا، فلمَّا مات أبو رافع باعها عمر رضي الله عنه بثمانين ألفًا، فدفعها إلى عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان يزكِّيها، فلمَّا قبضها ولد أبي رافع عدّوا مالهم فوجدوها ناقصة، فأتوا عليًّا رضي الله عنه، فأخبروه، فقال: أحسبتم زكاتها؟ قالوا: لا. قال: فحسبوا زكاتها فوجدوها سواء. فقال عليٌّ: أكنتم ترون يكون عندي مالٌ لا أؤدِّي زكاته؟! (3) .
قال البيهقيُّ: رواه حسن بن صالح وجرير بن عبد الحميد عن أشعث وقالا: عن ابن أبي رافع، وهو الصَّواب (4) .
1502- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عليُّ بن سهل بن المغيرة ثنا محمَّد بن سعيد الأصبهانيُّ ثنا شريك عن أبي اليقظان عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى أن عليًّا رضي الله عنه زكَّى أموال بني أبي رافع، قال: فلمَّا دفعها إليهم وجدوها بنقص، فقالوا: إنَّا وجدناها بنقص! فقال عليٌّ رضي الله عنه: أترون أنَّه يكون عندي مالٌ لا أزكِّيه؟! (5)
1503- وقال الشَّافعيُّ: أنا مالك عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه
__________
(1) " المعرفة والتاريخ ": (3/409) .
(2) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (ابن أبي رافع) ، ولكن الحديث روا. البيهقي في "سننه": (4/107- 108) وعنده: (عن أبي رافع) ، والله أعلم بالصواب.
(3) "سنن الدارقطني": (2/110- 111) .
(4) "سنن البيهقي": (4/108) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/112) .(3/32)
قال: كانت عائشة رضي الله عنها تليني وأخًا لي يتيمٌ (1) في حجرها، وكانت تخرج من أموالنا الزَّكاة (2) .
1504- قال الشَّافعيُّ: وثنا سفيان عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان يزكِّي مال اليتيم (3) .
قال البيهقيُّ: وروي ذلك عن الحسن بن عليٍّ وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
1505- فأمَّا ما أخبرنا عليُّ بن محمَّد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل ابن محمَّد الصَّفَّار ثنا سعدان بن نصر ثنا مُعَمَّر بن سليمان عن عبد الله بن بشر عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود قال: من ولي مال يتيمٍ فليحص عليه السِّنين، فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزَّكاة، فان شاء زكَّى، وإن شاء ترك.
وكذلك رواه ابن عليَّة وغيره عن ليث.
وقد أبناه أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب أنا الرَّبيع بن سليمان قال: قال الشَّافعيُّ رحمه الله في مناظرةٍ جرت بينه وبن من خالفه، وجوابه عن هذا الأثر: مع أنَّك تزعم أنَّ هذا ليس بثابتٍ عن ابن مسعود من وجهين: أحدهما: أنَّه منطقعٌ، وأنَّ الَّذي رواه ليس بحافظٍ.
قال البيهقيُّ: وجهة انقطاعه أنَّ مجاهدًا لم يدرك ابن مسعود، ورواية الَّذي ليس بحافظٍ (4) هو ليث بن أبي سليم، وقد ضعَّفه أهل العلم بالحديث.
__________
(1) في "الأم": (وأخوين لي يتيمين) .
(2) "الأم": (2/28) .
(3) "الأم": (2/29) .
(4) من كلمة: (ليس بحافظ) الأولى إلى هنا سقط من (ب) ، بسبب انتقال نظر الناسخ، والله أعلم.(3/33)
وروي عن ابن عبَّاس إلا أنَّه ينفرد بإسناده ابن لهيعة، وابن لهيعة لا يحتجُّ به، والله أعلم (1) .
وقال المَرُّوذِيُّ: قال أبو عبد الله: عن خمسةٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهم يزكُّون مال اليتيم (2) .
وقال مُهَنَّا: سألت أحمد عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اتَّجروا بأموال اليتامى، لا تأكلها الزكاة "؟ فقال: ليس بصحيحٍ، هذا يرويه المثنَّى بن الصَّبَّاح عن عمرو (3) O.
احتجُّوا:
1506- بما روى أحمد: ثنا عفَّان ثنا حمَّاد عن حمَّاد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النَّائم حتَّى يستيقظ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلم، وعن المجنون حتَّى يعقل " (4) .
والجواب: أنَّ المراد به قلم الإثم، أو قلم الأداء.
ز: روى هذا الحديث أبو داود (5) وابن ماجة (6) والنَّسائيُّ (7) والحاكم وقال: على شرط مسلمٍ (8) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/108) .
(2) انظر: " شرح مختصر الخرقي " للزركشي: (2/414- رقم: 1167) .
(3) انظر: " شرح مختصر الخرقي " للزركشي: (2/412- 413- رقم: 1167) .
(4) "المسند": (6/100-101) .
(5) "سنن أبي داود": (5/83- رقم: 4398) .
(6) "سنن ابن ماجة": (1/658- رقم: 2041) .
(7) "سنن النسائي": (6/156- رقم: 3432) .
(8) "المستدرك": (2/59) .(3/34)
وهو من رواية حمَّاد بن سلمة عن حمَّاد أيضًا- وهو ابن أبي سليمان-، وقد روى له مسلمٌ مقرونًا بغيره (1) ، ووثَّقه يحيى بن معين (2) والعجليُّ (3) والنَّسائيُّ (4) وغيرهم، وتكلَّم فيه الأعمش (5) ومحمَّد بن سعدٍ (6) وغيرهما.
وقد روي هذا الحديث من غير رواية عائشة، والله أعلم O.
*****
مسألة (315) : لا يجوز إخراج القيم (7) في الزَّكاة، وهو قول مالك والشَّافعيِّ.
وقال أبو حنيفة: يجوز، وعن أحمد نحوه.
لنا حديثان:
الحديث الأوَّل: حديث الصَّدقة المتقدِّم (8) : " في كلُّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاض ".
1507- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا الرَّبيع بن سليمان ثنا ابن وهبٍ قال: حدَّثني سليمان بن بلال عن شريك بن
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/159- رقم: 318) .
(2) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 58- رقم: 79) .
(3) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 1/320- رقم: 355) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (7/277- رقم: 1483) .
(5) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/301- رقم: 375) .
(6) انظر: "الطبقات الكبرى": (6/333) .
(7) في "التحقيق": (الغَنَمِ) !!!
(8) رقم: (1467) .(3/35)
عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى اليمن، فقال: " خذ الحبَّ من الحبَّ، والشَّاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقَرة من البقَر. " (1) .
ز: رواه أبو داود عن الرَّبيع بن سليمان (2) ، ورواه ابن ماجة عن عمرو ابن سوَّاد المصريِّ (3) ، كلاهما عن ابن وهبٍ.
ورواه الحاكم وقال: على شرطهما إن صحَّ سماع عطاء من معاذ، فإنِّي لا أتقنه (4) .
كذا قال، وعطاء لم يسمع معاذًا، ولم يلقه O.
احتجُّوا بثلاثة أحاديث:
الحديث الأوَّل: حديث الصَّدقة المتقدِّم (5) ، وفيه: " ومن بلغت صدقته الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حِقَّة، فإنَّها تقبل منه الحِقَّة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهمًا؛ ومن بلغت صدت الحِقَّة، وليست عنده الحِقَّة، وعنده الجذعة، فإنَّها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المُصدِّق عشرين درهمًا، أو شاتين ".
قالوا: وهذا يدلُّ على التَّعادل في القيمة.
وجواب هذا: أن يقال: ليس [هذا على] (6) وجه القيمة، إنَّما هي
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/99- 100) .
(2) "سنن أبي داود": (2/340- رقم: 1595) .
(3) "سنن ابن ماجة": (1/580- رقم: 1814) .
(4) "المستدرك": (1/388) .
(5) رقم: (1467) .
(6) في الأصل: (على هذا) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".(3/36)
أصول، بدليل أنَّ القيمة تختلفُ بالأزمنة والأمكنة، فقدَّر الشَّرع شيئًا يزيل الاختلاف.
1508- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عتاب بن زياد ثنا ابن المبارك أنا مجالد (1) بن سعيد عن قيس بن أبي حازم عن الصُّنابحيِّ قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إبل الصَّدقة ناقةً مسنَّةً، فغضب، وقال: " ما هذه؟ " فقال: يا رسول الله، ارتجعتها ببعيرين من حاشية الصَّدقة. فسكت (2) .
قالوا: والارتجاع: أن يأخذ سننًا مكان سنٍّ (3) . كذلك فسَّره أبو عبيد، فقال: إذا وجبت على ربِّ المال أسنانٌ من الإبل، فأخذ المصدِّق مكانها أسنانًا فوقها أو دونها، فتلك الَّذي أخذ رِجعةٌ- بكسر الرَّاء-، لأنَّه ارتجعها من الَّتي وجبت على ربِّها (4) .
وجواب هذا الحديث: أنَّه مرسلٌ، ثُمَّ هو محمولٌ على أنَّه لمَّا قبضها اشترى بها من ربِّ المال، وذلك يسمَّى (ارتجاعًا) أيضًا، وقد قال أبو عبيد: الارتجاع: أن يَقدُم الرَّجُل المصر بإبله ويبيعها، ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها (5) .
ز: قال التِّرمذيُّ في هذا الحديث: سألت البخاريَّ عنه فقال: روى هذا الحديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في إبل الصَّدقة ... مرسلاً. وضعَّف مجالدًا (6) O.
__________
(1) في مطبوعة "المسند": (خالد) خطأ.
وفي هامش الأصل: (حـ: مجالد ضعبف) . أ. هـ
(2) "المسند": (4/349) .
(3) في "التحقيق": (مسنا مكان مسن) !
(4) " غريب الحديث ": (1/223) .
(5) " غريب الحديث ": (1/222) .
(6) "العلل الكبير": (ترتيبه- ص: 100- 101- رقم: 172) .(3/37)
1509- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو روق الهزانيُّ ثنا أحمد ابن روح ثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار عن طاوس قال: قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بخميسٍ (1) أو لبيسٍ آخذه منكم في الصَّدقة، فهو أهون عليكم، وخيرٌ للمهاجرين بالمدينة (2) .
وجوابه من وجهين:
أحدهما: أنَّ هذا مرسلٌ، وطاوس لم يلق معاذًا، قاله الدَّارَقُطْنِيُّ (3) .
والثَّاني: أنَّه محمولٌ على الجزية، لأنَّ مذهب معاذ لا يجوز نقل الزَّكاة من بلدٍ إلى بلدٍ، وإنَّما سمَّاها صدقة تجوُّزًا، يدلُّ عليه:
1510- ما روى أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر والثَّوريُّ (4) عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال: بعثه النَّبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كلِّ ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعة، ومن كلِّ أربعين مسنَّة، ومن كلِّ حالمٍ دينارًا أو عدله معافر (5) .
__________
(1) في " النهاية ": (2/79- خمس) : (الخميس: الثوب الذي طوله خمس أذرع: ويقال له: المخموس، أيضًا. وقيل: سُمِّي خمسيًا لأنَّ أول من عمله ملك باليمن يقال له: الخِمْس- بالكسر-) أ. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (2/100) .
وفي هامش الأصل: ( [ذكره] البخاري في "صحيحه" تعليقا، [فقال:] باب العروض في الزكاة، [قال] طاوس: قال معاذ) ا. هـ وما بين المعقوفات لم يظهر في مصورتنا فاجتهدنا في إثباته.
وانظر: "صحيح البخاري": (2/364) ؛ (فتح- 3/311- الزكاة- الباب رقم: 33) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/100) .
(4) معمر غير مذكور في مطبوعة "المسند" ولا في "أطرافه" لابن حجر: (5/312- رقم: 7203) .
(5) "المسند": (5/230) .(3/38)
ز: روى هذا الحديث أبو داود (1) ، والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ (2) ، وابن ماجة (3) ، والنَّسائيُّ (4) ، والحاكم وقال: على شرطهما (5) .
وقال الإسماعيليُّ: حديث طاوس عن معاذ إذا كان مرسلاً فلا حجَّة فيه، وقد قال فيه بعضهم: (من الجزية) بدل (الصَّدقة) .
قال البيهقيُّ: هذا هو الأليق بمعاذ، والأشبه بما أمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أخذ الجنس في الصَّدقات، وأخذ الدينار أو عدله معافر- ثيابٌ باليمن- في الجزية، وأن يرد الصَّدقات على فقرائهم لا (6) أن ينقلها إلى المهاجرين بالمدينة، الَّذين أكثرهم أهل فيءٍ لا أهل صدقةٍ، والله أعلم (7) O.
*****
مسألة (316) : لا زكاة في الخيل.
وقال أبو حنيفة: تجب.
لنا أربعة أحاديث:
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/324- 325- الأرقام: 1570- 1572؛ 3/488- رقمي: 3033- 3034) .
(2) "الجامع": (2/12- 13- رقم: 663) .
(3) "سنن ابن ماجة": (1/576- 577- رقم: 1803) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ليس لابن ماجة فيه ذكر الحالم) ا. هـ
(4) "سنن النسائي": (5/25- 26- الأرقام: 2450- 2452) .
(5) "المستدرك": (1/398) .
(6) في هامش الأصل: (إلا) وكتب فوقها: (ص) .
(7) "سنن البيهقي": (4/113) .(3/39)
1511- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمَّد بن عبد الملك بن أبي الشَّوارب ثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليِّ بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرَّقيق، فهاتوا صدقة الرِّقَّة " (1) .
ز: رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) والنِّسائيُّ (4) .
وقال أبو داود: روى هذا الحديث الأعمش عن أبي إسحاق كما قال أبو عوانة، ورواه شيبان أبو معاوية وإبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال التِّرمذيُّ: سألت محمَّدًا عن هذا الحديث، فقال: كلاهما عندي صحيحٌ عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون روى عنهما O.
1512- الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: وثنا أبو كريب ومحمود بن غيلان قالا: ثنا وكيع عن سفيان وشعبة عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عِرَاك بن مالك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقةٌ " (5) .
ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" عن عبد الله بن دينار (6) O.
__________
(1) "الجامع": (2/8- رقم: 620) .
(2) "المسند": (1/92) .
(3) "سنن أبي داود": 2/322- 323- رقم: 1568) .
(4) "سنن النسائي": (5/37- رقمي: (2477- 2478) .
(5) "الجامع": (2/16- ر قم: 628) .
(6) "صحيح البخاري": (2/369) ؛ (فتح- 3/326- 327- رقم: 1463) .
"صحيح مسلم": (3/67) ؛ (فؤاد- 2/675- 676- رقم: 982) .(3/40)
1513- طريقٌ آخر: قال أحمد: ثنا سفيان عن أيُّوب بن موسى عن مكحول عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقةٌ " (1) .
ز: روى هذا الحديث مسلمٌ في "صحيحه" عن عمرو النَّاقد وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة، وقال فيه: (عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة) (2) .
ورواه النَّسائيُّ من رواية إسماعيل بن أميَّة عن مكحول عن عراك، ولم يذكر سليمان بن يسار (3) O.
1514- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أحمد بن الحارث البصريُّ ثنا الصَّقر بن حبيب قال: سمعت أبا رجاء العطارديَّ يحدِّث عن ابن عبَّاس عن عليّ بن أبي طالب أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في العوامل صدقةٌ، ولا في الجبهة صدقةٌ ". قال الصَّقر: الجبهة: الخيل والبغال والعبيد (4) .
وقال أبو عبيد: الجبهة: الخيل (5) .
الصَّقر: ضعيفٌ، قال ابن حِبَّان: ليس هو من كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
(1) "المسند": (2/249) .
(2) "صحيح مسلم": (3/67) ؛ (فؤاد- 2/675- 676- رقم: 982) .
(3) "سنن النسائي": (5/35- رقم: 2468) .
(4) "سنن الدارقطني". (2/94- 95) .
(5) " غريب الحديث ": (1/7) وفيه: (قال أبو عبيدة: الجبهة الخيل) فليحرر.(3/41)
وإنَّما يعرف بإسنادٍ منقطع، فقلبه الصَّقر (1) على أبي رجاء، وهو يأتي بالمقلوبات (2) .
ز: أبو حاتم بن حِبَّان يسمي هذا الشَّيخ: (الصَّعق بن حبيب) ، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: إنَّما هو الصَّقر بن حبيب (3) .
وأحمد بن الحارث الرَّاوي عنه: هو الغسَّانيُّ، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو متروك الحديث (4) O.
1515- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا ابن صاعد ثنا عليُّ بن داود ثنا يزيد بن خالد بن موهب ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في الخيل والرَّقيق صدقةٌ، إِلا أنَّ في الرَّقيق صدقة الفطر " (5) .
احتجُّوا بحديثين:
1516- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السَّمَّان عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر الخيل، فقال: " ورجلٌ ربطها تغنِّيًا وتعفُّفًا، ثُمَّ لم ينس حقَّ الله في رقابها، ولا ظهورها، فهي لذلك سترٌ " (6) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وكتب فوقها بالأصل: (كذا) ، وفي "المجروحون": (الصعق) .
(2) "المجروحون": (1/375) .
(3) " تعليقات الدارقطني على المجروحين ": (ص: 136- رقم: 159) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/47- رقم: 32) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/127) .
(6) "صحيح البخاري": (3/592) ؛ (فتح- 5/45- 46- رقم: 2371) .(3/42)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
وجواب هذا من وجهين:
أحدهما: أن يريد بالحقِّ: إعارتها وحمل المنقطعين عليها، وذلك يكون على وجه النَّدب.
والثَّاني: أن يكون ذلك قد كان واجبًا ثُمَّ نسخ، بدليل قوله: " عفوت لكم عن صدقة الخيل "، والعفو إنَّما يكون عن لازمٍ.
1517- الحديث الثَّاني: قال الخطيب: أنا أبو محمَّد الخلال ثنا الحسن ابن العبَّاس بن الفضل الشِّيرازيُّ ثنا محمَّد بن عليّ بن مهران ثنا إسماعيل بن يحيى بن بحر الكرمانيُّ ثنا الليث بن حمَّاد الإصطخريُّ (2) ثنا أبو يوسف عن غُورَك بن الخِضْرِم أبي عبد الله عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الخيل السَّائمة: في كلِّ فرسٍ دينارٌ " (3) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به غورك عن جعفر، وهو ضعيفٌ جدًّا، ومن دونه ضعفاء (4) .
*****
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/70- 71) ؛ (فؤاد- 2/680 - 682 - رقم:987) في حديث طويل.
(2) في مطبوعة "تاريخ بغداد": (حدثنا إسماعيل بن يحيى حدثنا الليث عن حماد) .
(3) "تاريخ بغداد": (7/397- 398- رقم: 3937) تحت ترجمة الحسن بن العباس الشيرا زي.
وفي هامش الأصل: (حـ: إسناد مظلم) ا. هـ
(4) "سنن الدارقطني": (2/126) .(3/43)
مسألة (317) : لا تجب الزَّكاة في العوامل والمعلوفة.
وقال مالكٌ: تجب.
لنا أربعة أحاديث:
1518- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني ثمامة بن عبد الله أنَّ أنسًا حدَّثه أنَّ أبا بكر كتب له هذا الكتاب لَمَّا وجَّهه إلى البحرين: هذه فريضة الصَّدقة التي قرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين، والَّتي أمر الله بها رسوله ... فذكر فيه: وفي صدقة الغنم: في سائمتها إذا كانت أربعون إلى عشرين ومائة شاةٌ، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان (1) .
فوجه الحجَّة: أنَّه اعتبر السَّوم، فدلَّ على أنَّ عدمه يمنع الوجوب.
الحديث الثَّاني: حديث عليّ عليه السَّلام (2) : " ليس في العوامل صدقةٌ ".
وقد سبق بإسناده (3) .
1519- وقد روى الحارث عن عليّ عليه السَّلام (4) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) أنَّه قال: " ليس في العوامل شيءٌ ".
إلا أنَّ الحارث كذَّابٌ.
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/366) ؛ (فتح- 3/317- 318- رقم: 1454) .
(2، 4) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص بعض الصحابة- رضي الله عنهم - بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(3) رقم: (1514) .
(5) قوله: (عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) سقط من "التحقيق".(3/44)
ز: قال أبو داود: ثنا عبد الله بن محمَّد النُّفيليُّ ثنا زهير ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن عليِّ- قال زهير: أحسبه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال: هاتوا ربع العشور، من كلِّ أربعين درهمًا درهمٌ.... فذكر الحديث، وقال فيه: وليس على العوامل شيءٌ (1) .
وقال ابن القطََّان: إسناده صحيحٌ. قال: ولم أعن (2) إلا رواية عاصم، لا رواية الحارث (3) O.
1520- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد بن سِمْعَان ثنا محمود بن محمَّد الواسطيُّ ثنا زكريا بن يحيى الواسطيُّ ثنا سوَّار عن ليث عن مجاهد وطاوس عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في البقر العوامل صدقةٌ " (4) .
ليثٌ ضعيفٌ، قال أحمد: هو مضطرب الحديث، ولكن قد حدَّث عنه النَّاس (5) .
وقد روي هذا الحديث من حديث غالب بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أنَّ غالبًا لا يعتمد عليه، قال يحيى: ليس بثقةٍ (6) . وقال الرَّازيُّ (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8) : متروكٌ.
ز: حديث ابن عبَّاس: رواه أبو أحمد بن عَدِيّ عن محمود بن محمَّد
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/320- 321- رقم: 1566) .
(2) في " بيان للوهم والإيهام ": (أعز) .
(3) " بيان للوهم والإيهام ": (5/275- رقم: 2473) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/103) .
(5) "العلل" برواية عبد الله: (2/379- رقم: 2691) .
(6) "الكامل" لابن عدي: (6/5- رقم: 1551) من رواية الدورقي.
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/48- رقم: 272) .
(8) "سنن الدارقطني": (1/142) .(3/45)
الواسطيّ (1) .
وقال البيهقيُّ: في إسناده ضعفٌ (2) .
وسوَّار الرَّاوي عن ليث هو: ابن مصعب، وقد تركه الإمام أحمد (3) ويحيى بن معين (4) وأبو حاتم الرَّازيُّ (5) والنَّسائيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ (7) وغيرهم.
1521- وقال ابن عَدِيٍّ: ثنا أحمد بن الحسن الصُّوفيُّ ثنا إبراهيم بن موسى المروزيُّ ثنا محمَّد بن حمزة الرَّقِّيُّ عن غالب القطَّّان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في الإبل العوامل صدقةٌ " (8) .
كذا قال: (غالب القطَّان) ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ (9) : وهو عندي غالب ابن عبيد الله (10) O.
1522- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسن بن أحمد بن صالح ثنا عبد الله بن محمَّد بن إسحاق بن أبي مسلم ثنا محمَّد بن أبي موسى ثنا حجَّاج عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن أبي الزُّبير عن جابر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) "الكامل": (3/455- رقم: 871) تحت ترجمة سوار بن مصعب.
(2) "سنن البيهقي": (4/116) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/271- 272- رقم: 1175) من رواية أبي طالب.
(4) انظر ما تقدم: (1/124- 125) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/272- رقم: 1175) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 118- رقم: 258) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/155) .
(8) "الكامل": (6/7- رقم: 1553) تحت ترجمة غالب القطان.
(9) من قوله: (عن جده) بلى هنا سقط من (ب) .
(10) "سنن الدارقطني": (2/103) .(3/46)
قال: " ليس في المثير" صدقة " (1) .
ز: هذا الحديث في إسناده ضعفٌ. قاله البيهقيُّ، وقال: والصَّحيح موقوفٌ.
1523- وروى من رواية ابن أبي مريم عن يحيى بن أيُّوب أنَّ خالد بن يزيد حدَّثه أنَّ أبا الزُّبير حدَّثه أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: ليس على مثير الأرض زكاةٌ.
قال: وروي عن يحيى بن سعيد عن أبي الزُّبير بمعناه (2) O.
*****
مسألة (318) : لا يجب العشر فيما دون خمسة أوسق.
وقال أبو حنيفة: يجب.
لنا حديثان:
1524- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حمَّاد بن خالد ثنا عبد الله العمريُّ عن العلاء بن عبد الرَّحمن عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس فيما دون خمس ذودٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمس أواقٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقةٌ " (3) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/104) .
(2) "سنن البيهقي": (4/116) .
(3) "المسند": (3/30) .(3/47)
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين".
ز: لم يخرجه البخاريُّ ومسلم من رواية العمريِّ عن العلاء عن أبيه عن أبي سعيد، بل ولا أحدٌ من أصحاب السُّنن، إنَّما رواه الجماعة كلُّهم من حديث يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازنيِّ الأنصاريِّ المدنيِّ عن أبي سعيد (1) ، والله أعلم O.
1525- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا عليُّ بن إسحاق أنا ابن المبارك أنا معمر قال: حدَّثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقةٌ، ولا فيما دون خمس أواقٍ صدقةٌ، ولا فيما دون خمس ذودٍ صدقةٌ " (2) .
ز: هذا إسناد صحيح O.
احتجُّوا:
1526- بما روى أبو مطيع البلخيُّ عن أبي حنيفة عن أبان بن أبي عيَّاش عن رجلٍ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فيما سقت السَّماء العشر، وفيما سقي بنضحٍ أو غرب نصف العشر، في قليله وكثيره ".
وهذا إسنادٌ لا يساوي شيئًا.
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/353) ؛ (فتح- 3/271- رقم: 1405) ؛ " صحيح مسلم ": (3/66) ؛ (فؤاد- 2/673- رقم: 979) ؛ "سنن أبي داود": (2/311- رقم: 1553) ؛ "الجامع" للترمذي: (2/14- 15- رقم: 626) ؛ "سنن النسائي": (5/17- رقم: 2445) ؛ "سنن ابن ماجة": (1/571- رقم: 1793) .
وقد توبع يحيى بن عمارة عند بعضهم، انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (3/479- 482 - رقم: 4402) .
(2) "المسند": (2/402) .(3/48)
أمَّا أبو مطيع: فقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (1) . وقال أحمد: لا ينبغي أن يروى عنه (2) . وقال أبو داود: تركوا حديثه (3) .
وأمَّا أبان: فكان شعبة يقول: لأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أحدِّث عنه (4) !
*****
مسألة (319) : لا يجب العشر في الخضراوات.
وقال أبو حنيفة: يجب.
لنا أحاديث إلا أنَّ كلَّها ضعافٌ:
1527- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا عليُّ بن خَشْرم ثنا عيسى ابن يونس عن الحسن عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن عبيد عن عيسى بن طلحة عن معاذ أنَّه كتب إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله عن الخضراوات- وهي البقول- فقال: "ليس فيها شيءٌ".
قال التِّرمذيُّ: إسناد هذا الحديث ليس بصحيحٍ، وليس يصحُّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيءٌ، وإنَّما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (5) .
__________
(1) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 382- رقم: 444) .
(2) "التاريخ" لأبي زرعة للدمشقي: (1/453- رقم: 1144) .
(3) " سؤالات الآجري ": (2/289- رقم: 1880) .
(4) "المجروحون" لابن حبان: (1/96- 97) ، ونحوه في " سؤالات البرذعي لأبي زرعة ": (2/480) .
(5) "الجامع": (2/23- رقم: 638)(3/49)
ز: الحسن هو: ابن عمارة، وهو متروك الحديث، وقال التِّرمذيُّ: هو ضعيفٌ عند أهل الحديث، ضعَّفه شعبة وغيره، وتركه عبد الله بن المبارك (1) O.
1528- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أحمد بن الحارث البصريُّ ثنا الصَّقر بن حبيب قال: سمعت أبا رجاء العطارديَّ يحدث عن ابن عبَّاس عن عليّ بن أبي طالب أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في الخضراوات صدقةٌ " (2) .
الصَّقر ضعيفٌ، قال ابن حِبََان: يأتي بالمقلوبات عن الثِّقات (3) .
1529- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو حامد محمَّد بن هارون الحضرميُّ ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريُّ ثنا عبد الرَّحمن بن عمرو عن الحارث بن نبهان عن عطاء بن السَّائب،
قال: وثنا أحمد بن محمَّد بن الجرَّاح ثنا عبد الله بن أحمد الدَّورقيُّ ثنا محمَّد ابن معاوية ثنا محمَّد بن جابر عن الأعمش،
قال: وثنا أبو طالب الحافظ ثنا محمَّد بن نصر بن حمَّاد ثنا أبي عن شعبة عن الحكم، كلُّهم عن موسى بن طلحة عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس في الخضراوات زكاةٌ " (4) .
قال يحيى بن معين: الحارث بن نبهان لا يكتب حديثه، ليس بشيءٍ (5) .
__________
(1) "الجامع": (2/24- رقم: 638) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/95) .
(3) "المجروحون": (1/375) ، وانظر ما تقدم تحت الحديث رقم: (1514) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/96، 97) مفرقين.
(5) "الكامل" لابن عدي: (2/191- رقم: 374) من رواية الدوري، وهي في مطبوعة "التاريخ" مفرقة: (4/225، 281- رقمي: 4085، 4382) مع اختلاف يسير.(3/50)
وقال أحمد: منكر الحديث (1) . وقال النسائيُّ: متروك الحديث (2) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وعبد الرحمن بن عمرو متروك الحديث (3) . والصحيح أنه مرسلٌ عن موسى بن طلحة عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) .
قال يحيى: وأمَّا محمَّد بن جابر فليس بشيء (5) . وقال أحمد: لا يحدِّث عنه إلا شرٌّ منه (6) .
وأما نصر بن حماد: فقال يحيى: كذاب (7) . وقال يعقوب بن شيبة: ليس بشيء (8) . وقال مسلم بن الحجاج: ذاهب الحديث (9) .
ز: 153- قال تمَّام في "فوائده": أنا الميمون عبد الرحمن بن عبد الله ابن عمر بن راشد ثنا أبو محمَّد مضر بن محمَّد البغداديُّ ثنا أبو كامل الجَحْدَريُّ ثنا الحارث بن نبهان عن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في الخضراوات صدقة " (10) .
الحارث بن نبهان: ضعَّفه جماعةٌ من الأئمة، وقد روى ابن عَدِيٍّ هذا
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/92- رقم: 426) من رواية أبي طالب.
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 78- رقم 116) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/162) .
(4) لا ندري عن قوله: (والصحيح أنه مرسل ... الخ) هل هو تتمة كلام الدارقطني، أم أنه كلام مستأنف لابن الجوزي؟ الله أعلم.
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (4/91- رقم: 3303) ، وبرواية الدارمي: (ص: 202- رقم: 732) .
(6) انظر ما تقدم: (2/135) .
(7) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (4/301- رقم: 1900) من رواية عبد الله بن أحمد.
(8) "تاريخ بغداد" للخطيب: (13/281- رقم: 7244) .
(9) "الكنى والأسماء": (ص: 102) .
(10) "الروض البسام" للفهيد: (2/132- رقم: 524) .(3/51)
الحديث في ترجمته عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي كامل، وقال: لا أعلم يرويه عن عطاء غير الحارث، وله أحاديث حسان، وهو ممن يكتب حديثه (1) .
وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل" عن هذا الحديث، فقال: اختلف فيه على موسى بن طلحة، فروي عن عطاء بن السَّائب:
فقال الحارث بن نبهان: عن عطاء عن موسى بن طلحة عن أبيه.
وقال خالد الواسطيُّ: عن عطاء عن موسى بن طلحة- مرسل- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروي عن الأعمش عن موسى بن طلحة عن أبيه.
ورواه الحكم بن عتيبة وعبد الملك بن عمير وعمرو بن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل.
وقيل: عن موسى بن طلحة عن عمر.
وقيل: عن موسى بن طلحة عن أنس.
وقيل: عن موسى بن طلحة مرسلٌ.
وأصحُّها كلُّها المرسل، والله أعلم (2) O.
1531- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن أحمد بن أبي الثَّلج ثنا نصر بن عبد الملك السِّنْجَاريُّ ثنا مروان بن محمَّد السِّنْجَاريُّ ثنا جرير
__________
(1) "الكامل": (2/191- 192- رقم: 374) .
(2) "العلل": (4/203- 205- رقم: 510) .(3/52)
عن عطاء بن السَّائب عن موسى بن طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في الخضروات صدقةٌ " (1) .
قال ابن حِبَّان: مروان بن محمَّد السنجَاريُّ لا يحلُّ الاحتجاج به (2) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ذاهب الحديث (3) .
1532- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسن بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب قال: حدَّثني عبد الجبَّار بن سعيد قال: حدَّثني حاتم بن إسماعيل عن محمَّد بن أبي يحيى عن أبي كثير مولى ابن جحش عن محمَّد بن عبد الله بن جحش عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أمر معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ من كلِّ أربعن دينارًا دينارًا، وليس في الخضراوات صدقةٌ (4) .
عبد الله بن شبيب: ضعيفٌ جدًّا، قال ابن حِبَّان: يقلب الأخبار ويسرقها، لا يجوز الاحتجاج به (5) .
1533- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عليُّ بن أحمد بن الأزرق ثنا محمَّد بن محمَّد بن النَّفَّاح الباهليُّ ثنا يحيى بن المغيرة ثنا ابن نافع قال: حدَّثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمِّه موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فيما سقت السَّماء والبعل والسَّيل العشر " وفيما يسقى بالنَّضح نصف العشر، يكون ذلك في التَّمر والحنطة والحبوب، فأمَّا القثَّاء والبطِّيخ والرُّمان والقصب والخضر فعفوٌ عفا عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/96) .
(2) "المجروحون": (3/14) .
(3) " تعليقات الدارقطني على المجروحين ": (ص: 261- رقم: 351) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/95- 96) .
(5) "المجروحون": (2/47) .
(6) "سنن الدارقطني": (2/97) .(3/53)
ابن نافع وإسحاق ضعيفان، قال يحيى بن سعيد: إسحاق شبه لا شيء (1) . وقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ، لا يكتب حديثه (2) . وقال أحمد (3) والنَّسائيُّ (4) : متروك الحديث.
ز: روى هذا الحديث الحاكم في "المستدرك" وصحَّحه (5) ، وهو حديثٌ ضعيفٌ.
وإسحاق: تركه غير واحد.
وعبد الله بن نافع هو: الصَّائغ، وهو صدوقٌ، في حفظه شيءٌ، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه" (6) .
وزعم الحاكم (أنَّ موسى بن طلحة تابعيٌّ كبيرٌ، لا ينكر أن يدرك أيَّام معاذ) (7) ، وفي قوله نظرٌ، وقد ذكر أبو زرعة أنَّ رواية موسى عن عمر مرسلةٌ (8) ، ومعاذ توفِّي في خلافة عمر، فرواية موسى عنه أولى بالإرسال، والله أعلم O.
1534- الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن إسحاق بن وهب ثنا موسى بن إسحاق ثنا محمَّد بن عبيد المحاربيُّ ثنا صالح بن موسى عن
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم؟ (2/236- رقم: 835) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (1/332- رقم: 156) من رواية الدوري عنه، وفي مطبوعة
"التاريخ": (3/220- رقم: 1021) الكلمة الأولى فقط.
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/483- رقم: 3173) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 55- رقم: 47) .
(5) "المستدرك": (1/401) .
(6) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/395- رقم: 874) .
(7) "المستدرك": (1/401) .
(8) " المراسيل " لابن أبي حاتم: (ص: 209- رقم: 779) .(3/54)
منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاةٌ " (1) .
قال يحيى بن معين: صالح بن موسى ليس حديثه بشيءٍ (2) . وقال البخاريُّ: منكر الحديث (3) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4) .
1535- الحديث الثَّامن: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب أنا هشام الدَّستوائيُّ عن عطاء بن السَّائب عن موسى بن طلحة أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يؤخذ من الخضروات صدقةٌ (5) .
عبد الوهَّاب ضعيفٌ، والحديث مرسلٌ (6) .
ز: عبد الوهاب هو: ابن عطاء الخفَّاف، وهو صدوقٌ، روى له مسلمٌ في "صحيحه" (7) .
والحديث مرسلٌ حسنٌ.
وعطاء بن السَّائب: وثَّقه الإمام أحمد (8) وغيره، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: اختلط، ولا يحتجُّ من حديثه إلا بما رواه عنه الأكابر: شعبة والثَّوريُّ ووهيب
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/95) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (3/156- رقم: 654) .
(3) "التاريخ الكبير": (4/291- رقم: 2864) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 130- رقم:298) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/97-98) .
(6) في "التحقيق": (مقطوع) .
(7) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/6- رقم: 1008) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/334- رقم: 1848) من رواية عبد الله، وانظر مطبوعة "العلل": (3/309- رقم: 5374) .(3/55)
ونظراؤهم، وأمَّا ابن عليَّة والمتأخرون ففي حديثهم عنه نظرٌ (1) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (320) : لا يحتسب على صاحب الأرض بزكاة ما يأكله من الثَّمرة.
وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: يحتسب.
1536- قال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطَّيالسيُّ أنا شعبة أنا خُبيب بن عبد الرَّحمن قال: سمعت عبد الرَّحمن بن مسعود يقول: جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا يحدِّث أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " إذا خَرصْتم فخذوا، ودعوا الثُّلث، فإن لم تدعوا الثُّلث فدعوا الرُّبع " (2) .
ز: روى هذا الحديث: الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والنَّسائيُّ (5) وأبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (6) والحاكم أبو عبد الله وصحَّحه (7) O.
*****
مسألة (321) : يجب العشر في أرض الخراج.
وقال أبو حنيفة: لا يجب.
__________
(1) "العلل": (11/143- 144- رقم: 2179) .
(2) "الجامع": (2/28- رقم: 643) .
(3) "المسند": (3/448) .
(4) "سنن أبي داود": (2/343- 344- رقم: 1601) .
(5) "سنن النسائي": (5/42- رقم: 2491) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (8/75- رقم: 3280) .
(7) "المستدرك": (1/402) .(3/56)
1537- قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن الحسن ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا ابن وهبٍ قال: حدَّثني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه سنَّ فيما سقت السَّماء والعيون أو كان عثريًّا العشور، وفيما سُقي بالنَّضح نصف العشر (1) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ (2) ، وهو عامٌّ في الأرض الخراجيَّة وغيرها.
قال ابن قتيبة: العثريُّ: الَّذي يؤتى بماء المطر إليه حتَّى يسقيه، وإنَّما سمِّي عثريًّا لأنَّهم يجعلون في مجرى السَّيل عاثورًا، فإذا صدمه الماء ترادّ فدخل في تلك المجاري، حتَّى يبلغ النَّخل ويسقيه.
أمَّا حجَّتهم:
1538- فقال الخطيب: أنا القاضي أبو الفرج محمَّد بن أحمد بن الحسن الشَّافعيُّ ثنا محمَّد بن حامد المعدّل ثنا محمَّد بن أحمد بن أبي مهزول المصيصيُّ ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ثنا يحيى بن عنبسة ثنا أبو حنيفة عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يجتمع على مؤمنٍ خراجٌ وعشرٌ" (3) .
والجواب:
قال أبو حاتم بن حِبَّان الحافظ: ليس هذا من كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
(1) "الجامع": (2/24- 25- رقم: 640) .
(2) "صحيح البخاري": (2/375) ؛ (فتح- 3/347- رقم: 1483) .
(3) "تاريخ بغداد": (14/162- رقم: 7475) تحت ترجمة يحيى بن عنبسة القرشي.
وفي هامش الأصل: (حـ: رواه ابن عدي عن عبد الله بن يحيى السرخي عن يوسف بن سعيد. وقال البيهقي: هو حديث باطل وصله ورفعه، ويحيى بن عنبسة متهم بالوضع) أ. هـ
وانظر "الكامل": (7/255- رقم: 2155) ، و"سنن البيهقي": (4/132) .(3/57)
ويحيى بن عنبسة دجَّالٌ يضع الحديث، لا تحلُّ الرِّواية عنه (1) .
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يحيى دجَّالٌ يضع الحديث، هو كَذِبٌ على أبي حنيفة ومن بعده إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) .
وقال أبو أحمد بن عَدِيٍّ الحافظ: لا يروي هذا الحديث غير يحيى بهذا الإسناد، وإنَّما يروى هذا من قول إبراهيم، ويحكيه أبو حنيفة عن حمَّاد عن إبراهيم من قوله، فجاء يحيى فوصله إلى النَّبيِّ صعلم، وأبطل فيه، ويحيى مكشوفُ الأمر، لرواياته عن الثِّقات الموضوعات (4) .
*****
مسألة (322) : يجب العشر في العسل.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يجب.
لنا ثلاثة أحاديث:
1539- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن أبي سَيَّارة المتُعيِّ قال: قلت: يا رسول الله، إنَّ لي نحلاً. قال: " أد العشور ". قال: قلت: يا رسول الله، احم لي حبلها. قال: فحمى لي حبلها (5) .
ز: رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعليِّ بن محمَّد عن وكيع
__________
(1) "المجروحون": (3/124) بتصرف واختصار.
(2) في (ب) : (كذاب) .
(3) انظر: "الضعفاء والمتروكون" للدارقطني: (ص: 397- رقم: 587) .
(4) "الكامل": (7/255- رقم: 2155) .
(5) "المسند": (4/236) .(3/58)
عن سعيد بن عبد العزيز (1) ، وإسناده منقطعٌ، لأنَّ سليمان لم يلق أبا سَيَّارة.
وقال البيهقيُّ: هذا أصحُّ ما روي في وجوب العشر فيه، وهو منقطعٌ.
قال أبو عيسى التِّرمذيُّ (2) : سألت محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ عن هذا، فقال: هذا حديثٌ مرسلٌ، وسليمان بن موسى لم يدرك أحدًا من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس في زكاة العسل شيءٌ يصحُّ (3) .
وقال الأحوص بن المفضَّل بن غسَّان الغلابيُّ عن أبيه: قال أبو مسهر: لم يدرك سليمانُ بن موسى كثيرَ بن مرَّة، ولا عبد الرَّحمن بن غنم. قال أبي: ولم يلق سليمان بن موسى أبا سيَّارة، والحديث مرسلٌ، وأبو سيَّارة مدنيٌّ (4) .
وقال الحافظ عبد الغني في " الكمال ": أبو سَيَّارة المتُعيُّ القيسيُّ، قيل: اسمه عميرة بن الأعلم، وقيل: إنَّه شامىٌّ، وحديثه في الشَّاميين، روى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثًا في زكاة العسل، وليس له سواه (5) .
وقال ابن المنذر: ليس في وجوب الصَّدقة في العسل خبرٌ يثبت (6) .
وقال الزَّعفرانيُّ: قال أبو عبد الله الشَّافعيُّ: الحديث في أنَّ في العسل العشر ضعيفٌ، وفي أن لا يؤخذ منه العشر ضعيفٌ، إلا عن عمر بن عبد العزيز، واختياري أن لا يؤخذ منه، لأنَّ السُّنن والآثار ثابتة فيما يؤخذ منه، وليست فيه ثابتةٌ، فكأنه عفوٌ (7) .
__________
(1) "سنن ابن ماجة": (1/584- رقم: 1823) .
(2) هو في "العلل الكبير": (ترتيبه- ص: 102- رقم: 175) .
(3) "سنن البيهقي": (4/126) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/96- رقم: 2571) .
(5) انظر: "تهذيب الكمال" للمزى: (33/397- رقم: 7423) .
(6) "المغني" لابن قدامة: (4/183- المسألة رقم: 441) .
(7) "سنن البيهقي": (4/127) .(3/59)
1540- وقال عبيد الله بن عمر عن نافع: سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل، فقلت: ما عندنا عسل، ولكن أخبرني المغيرة بن حكيم أنَّه قال: ليس في العسل زكاةٌ. فقال: عدلٌ مرضيٌ. فكتب إلى النَّاس أن يوضع عنهم.
وقال الأثرم: سئل أبو عبد الله: أنت تذهب إلى أنَّ في العسل زكاةً؟
قال: نعم، أذهب إلى أنَّ في العسل زكاةً، العشر، قد أخذ عمر منهم الزَّّكاة، قلت: ذلك على أنَّهم تطوَّعوا به. قال: لا، بل أخذه منهم (1) O.
1541- الحديث الثَّاني: قال النَّسائيُّ: ثنا المغيرة بن عبد الرَّحمن ثنا أحمد بن أبي شعيب عن موسى بن أعين (2) عن عمرو بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: جاء هلالٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعشور نحله، وسأله أن يحمي له واديًا يقال له: سلبة، فحمى له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الوادي، فلمَّا ولي عمر بن الخطَّاب، كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطََّاب يسأله، فكتب عمر: إن أدَّى إليَّ ما كان يؤدِّي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عشر نحله، فاحم له سلبة، وإلا فإنَّما هي ذبابُ غيثٍ يأكله من شاء (3) .
ز: رواه أبو داود عن أحمد بن أبي شعيب الحرَّانِّي عن موسى (4) ، وعن أحمد بن عبدة الضَّبِّي عن المغيرة- نسبه إلى عبد الرَّحمن بن الحارث المخزوميِّ- عن أبيه عن عمرو بنحوه (5) .
وعن الرَّبيع بن سليمان المؤذِّن عن ابن وهبٍ عن أسامة بن زيدٍ عن عمرو
__________
(1) "المغني" لابن قدامة: (4/183- المسألة رقم: 441) .
(2) (عن موسى بن أعين) سقط من "التحقيق".
(3) "سنن النسائي": (5/46- رقم: 2499) .
(4) "سنن أبي داود": (2/341- رقم: 1596) .
(5) "سنن أبي داود": (2/342- رقم: 1597)(3/60)
ابن شعيب بمعنى حديث المغيرة (1) .
ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى عن نعيم بن حمَّاد عن ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن عمرو به مختصرًا: أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ من العسل العشر (2) O.
1542- الحديث الثَّالث: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمَّد بن يحيى ثنا عمرو ابن أبي سلمة التِّنِّيسيُّ عن صدقة بن عبد الله عن موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العسل: " في كلِّ عشرة أزُق (3) زِق ".
قال التِّرمذيُّ: في هذا الإسناد مقالٌ، ولا يصحُّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب كبير شيءٍ (4) .
قلت: قال أحمد بن حنبل: صدقة ليس يساوي حديثه شيئًا (5) . وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الثِّقات (6) . وقال أبو عبد الرَّحمن النِّسائيُّ: صدقة ليس بشيءٍ، وهذا حديثٌ منكرٌ (7) .
قال الرازي: وعمرو لا يحتج به (8) .
وقد رواه إسماعيل بن محمَّد بن يوسف عن عمرو بن أبي سلمة عن زهير ابن محمَّد عن موسى بن يسار.
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/342- رقم: 1598) .
(2) "سنن ابن ماجة": (1/584- رقم: 1824) .
(3) في هامش الأصل: (خ: أزقاق) أ. هـ
(4) "الجامع": (2/17- 18- رقم: 629) .
(5) "العلل" برواية عبد الله: (1/551- رقم: 1313) .
(6) "المجروحون": (1/374) وفيه: (عن الأثبات) .
(7) لم نقف عل كلام النسائي.
وفي هامش الأصل: (من كلام من؟) أ. هـ وكأنه يشير إلى قوله: (هذا حديث منكر) هل هو تتمة كلام النسائي أم كلام مستأنف؟
(8) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/235- 236- رقم: 1304) .(3/61)
قال ابن حِبَّان: إسماعيل يقلب الأسانيد، ويسرق الحديث، لا يجوز الاحتجاج به (1) .
قال يحيى بن معين: وعمرو بن أبي سلمة (2) وزهير (3) ضعيفان.
ز: عمرو بن أبي سلمة (4) وزهير بن محمَّد (5) : كلاهما من رجال "الصَّحيحين".
وهذا الحديث إنَّما تكلِّم فيه من جهة صدقة، وقد ذكره ابن عَدِيّ في مناكيره (6) .
وقال البيهقيُّ: تفرَّد به صدقة بن عبد الله السَّمين، وهو ضعيفٌ، قد ضعَّفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما؛ وقال أبو عيسى التِّرمذيُّ (7) : سألت محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ عن هذا الحديث، فقال: هو عن نافع عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلٌ (8) O.
*****
__________
(1) "المجروحون": (1/130) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/235- رقم: 1304) من رواية إسحاق بن منصور.
(3) "الكامل" لابن عدي: (3/217- رقم: 714) من رواية معاوية.
(4) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/986 - رقم: 1121) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/71- رقم: (1180) .
(5) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/594- رقم: 412) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/225- رقم: 485) .
(6) انظر: "الكامل": (4/75- رقم: 924) .
(7) هو في "العلل الكبير": (ص: 102- رقم: 175) .
(8) "سنن البيهقي": (4/126) .(3/62)
مسائل الأثمان
مسألة (323) : ما زاد على نصاب الأثمان يجب فيه بحسابه.
وقال أبو حنيفة: لا يجب فيما زاد على مائتي درهم حتَّى يبلغ أربعين، ولا فيما زاد على عشرين دينارًا حتَّى يبلغ أربعة مثاقيل.
1543- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ثنا جعفر بن محمَّد الصَّائغ ثنا إسحاق بن المنذر ثنا أيُّوب بن جابر الحنفيُّ عن أبي إسحاق (1) عن الحارث عن عليٍّ قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هاتوا ربع العشور، من كلِّ أربعين درهمًا (2) ، وليس فيما دون المائتين شيءٌ، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك " (3) .
الحارث مجروحٌ.
ز: 1544- قال أبو داود: ثنا عبد الله بن محمَّد النُّفيليُّ ثنا زهير ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن عليٍّ- قال زهير: أحسبه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال: هاتوا ربع العشور، من كلِّ أربعين درهمًا درهمٌ، وليس عليكم شيءٌ حتَّى تتمَّ مائتي درهم، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك (4) O.
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ أيوب فيه ضعف، وإسحاق ليس بمشهور) ا. هـ
(2) في "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (أربعين درهما درهما) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/92) .
(4) "سنن أبي داود": (2/320- 321- رقم: 1566) .(3/63)
أمَّا حجَّتُهم:
1545- فروى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو سعيد الحسن بن أحمد الإصطخريُّ ثنا محمَّد بن عبد الله بن نوفل ثنا أبي ثنا يونس بن بكير ثنا ابن إسحاق عن المنهال ابن الجرَّاح عن حبيب بن نجيح (1) عن عبادة بن نُسَي عن معاذ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره حين وجَّهه إلى اليمن: " أن لا تأخذ من الكسر شيئًا، إذا كانت الورق مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم، ولا تأخذ ممَّا زاد شيئًا حتَّى تبلغ أربعين درهمًا، فإذا بلغت أربعين درهمًا فخذ منها درهمًا ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: المنهال بن الجرَّاح متروك الحديث، وهو أبو العطوف، اسمه: الجرَّاح بن المنهال، وكان ابن إسحاق يقلب اسمه إذا روى عنه؛ وعبادة بن نَُسَي لم يسمع من معاذ (2) .
قلت: قال يحيى بن معين: ليس حديث الجرَّاح بن المنهال بشيءٍ (3) .
وقال ابن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (4) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (5) .
وقال ابن حِبَّان: كان يكذب (6) .
*****
__________
(1) في هامش الأصل: (ح.: حبيب بن نجيح، قال أبو حاتم: هو مجهول) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (2/93- 94) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال البيهقيُّ: مثل هذا لو صحَّ لقلنا به، ولم نخالفه، إلا أن إسناده ضعيف جدًّا، والله أعلم) ا. هـ وانظر: "سنن البيهقي": (4/136) (3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/467- رقم: 5333) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (2/160- رقم: 350) من رواية أبي العباس القرشي، وفيه: (ضعيف، لا يكتب حديثه) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 74- رقم: 103) .
(6) "المجروحون": (1/218) .(3/64)
مسألة (324) : يضمُّ الذَّهب إلى الفضَّة في إكمال النِّصاب.
وعنه: لا يضمُّ، كقول الشَّافعيِّ.
احتجُّوا بحديثين:
الحديث الأوَّل: حديث أبي سعيد الخدريِّ عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة ".
وهو في "الصَّحيحين"، وقد سبق بإسناده (1) .
1546- والثَّاني: رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقاق ثنا محمَّد ابن الفضل بن سلمة ثنا عبد الله بن محمَّد بن أبي شيبة ثنا عليُّ بن هانئ (2) عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " ليس في أقلِّ من خمس ذودٍ شيءٌ، ولا في أقلِّ من عشرين مثقالاً من الذَّهب شيءٌ، ولا في أقل من مائتي درهم شيءٌ " (3) .
ز: هذا الحديث لم يخرجه أحدٌ من أصحاب السُّنن.
وقوله في الإسناد: (عليُّ بن هانئ) تصحيفٌ، والصَّواب: عليُّ بن هاشم، وهو: ابن البريد، وهو صدوقٌ، شيعيٌّ، روى له مسلمٌ في "صحيحيه " (4) .
وابن أبي ليلى هو: محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، الفقيه، القاضي،
__________
(1) رقم: (1524) .
(2) كذا في "التحقيق"، وفي مطبوعة "سنن الدارقطني": (علي بن هاشم) وسينبه المنقح على أنه هو الصواب.
(3) "سنن الدارقطني": (2/93) .
(4) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/60- رقم: 1150) .(3/65)
وهو صدوقٌ، لكنَّه سيء الحفظ، وفي حديثه اضطراب.
وعبد الكريم هو: ابن مالك الجزريُّ، وهو ثقةٌ من رجال "الصَّحيحين" (1) ؛ ويحتمل أن يكون: ابن أبي المخارق، وقد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة، والله أعلم O.
*****
مسألة (325) : لا تجب الزَّكاة في الحلي المباح.
وعنه: فيه الزَّكاة، كقول أبي حنيفة.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبن.
1547- أنبأنا أحمد بن الحسن بن البنا قال: أنبأنا أبو الطَّيِّب الطَّبريُّ ثنا أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد ثنا أحمد بن المظفَّر ثنا أحمد بن عمير بن جوصا ثنا إبراهيم بن أيُّوب ثنا عافية بن أيُّوب عن ليث بن سعد عن أبي الزُّبير عن جابر عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال: " ليس في الحلي زكاةٌ ".
قالوا: عافية ضعيفٌ.
قلنا: ما عرفنا أحدًا طعن فيه.
قالوا: فقد روي الحديث موقوفًا على جابر.
قلنا: الرَّاوي قد يسند الشَّيء تارةً، ويفتي به أخرى.
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/917- رقم: 993) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/444- رقم: 996) .(3/66)
ز: الصَّواب وقف هذا الحديث على جابر.
وعافية: لا نعلم أحدًا تكلَّم فيه، وهو شيخٌ محلُّه الصَّدق، قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن عافية بن أيُّوب فقال: أبو عبيدة عافية بن أيُّوب، مصريٌّ، ليس به بأسٌ (1) .
1548- وقد روى الشَّافعيُّ عن سفيان عن عمرو بن دينار قال: سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي: أفيه الزَّكاة؟ فقال جابر: لا.
فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير (2) .
وقال الأثرم: سمع أبا عبد الله يقول: في زكاة الحلي عن خمسةٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون فيه زكاةً، وهم: أنس وجابر وابن عمر وعائشة وأسماء (3) O.
أمَّا حجَّتُهم:
فلهم أحاديث، وهي على ضربين: عامة وخاصة.
فالعامة ثلاثة أحاديث:
الحديث الأوَّل: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس فيما دون خمس أواق صدقة ".
وقد سبق بإسناده من حديث أبي سعيدٍ (4) ، وأخرجه مسلمٌ في أفراده
__________
(1) "الجرح والتعديل": (7/44- رقم: 245) .
(2) "الأم": (2/41) .
(3) انظر: "المغني" لابن قدامة: (4/221- رقم: 450) ، و" شرح مختصر الخرقي " للزركشي: (2/496) ، ولا ندري عن تسمية الخمسة هل هي من كلام الإمام الأحمد أم لا؟
(4) رقم: (1524) .(3/67)
من حديث جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
الحديث الثَّاني: قوله عليه السَّلام: " هاتوا صدقة الرِّقَّة ".
وقد ذكرناه بإسناده (2) في مسألة الخيل.
قال ابن قتيبة: الرِّقَّة: الفضَّة، دراهم كانت أو غيرها (3) .
الحديث الثَّالث: قوله: " ليس في أقلِّ من عشرين مثقالاً من الذَّهب شيءٌ، ولا في أقلِّ من مائتي درهمٍ شيءٌ ".
وقد ذكرناه بإسناده (4) في المسألة قبلها.
وأمَّا الأحاديث الخاصة فثمانيةٌ:
1549- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا حجَّاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: أتت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأتان في أيديهما أساور من ذهب، فقال لهما النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتحبَّان أن يسوركما الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة أساور من نارٍ؟! " قالتا: لا. قال: " فأدِّيا حقَّ الله في الِّذي في أيديكما " (5) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (3/67) ؛ (فؤاد- 2/675- رقم: 980) .
(2) رقم: (1511) .
(3) انظر: " غريب الحديث ": (1/26) .
وفي هامش الأصل: (حـ: الرقة: هي للدراهم المضروبة، قال أبو عبيد: لا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب إلا على الدراهم المنقوشة، ذات السكة، السائرة في الناس.
وقال أحمد: خمسة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: ليس في الحلي زكاة، ويقولون: زكاته عاريته) أ. هـ وانظر: "الأموال" لأبي عبيد: (ص: 449- رقم: 1290) ، و"المغني" لابن قدامة: (4/221- المسألة رقم: 450) .
(4) رقم: (1546) .
(5) "المسند": (2/178) .(3/68)
طريقٌ ثانٍ: رواه المثنَّى بن الصَّبَّاح عن عمرو بن شعيب كما ذكرناه.
طريقٌ ثالثٌ: رواه ابن لهيعة عن عمرو كذلك.
1550- طريقٌ رابعٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا أبو أسامة عن حسين بن ذكوان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: جاءت امرأةٌ وابنتها من أهل اليمن إل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي يدها مسكتان غليظتان من ذهبٍ، فقال: " هل تعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا. قال: " فيسرُّك أن يسوِّرك الله بسوارين من نارٍ؟! " قال: فخلعتهما، وقالت: هما لله ولرسوله (1) .
1551- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عليُّ بن عاصم عن عبد الله بن
عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلينا أسورةٌ من ذهبٍ، فقال لنا: " تعطيان زكاته؟ " فقلنا: لا. فقال: " أما تخافان أن يسوِّركما الله أسورة من نار؟! أدِّيا زكاته (2) .
1552- الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن سليمان النُّعمانيُّ ثنا أبو عتبة أحمد بن الفرح ثنا عثمان بن سعيد بن كثير ثنا محمَّد بن مهاجر عن ثابت بن عجلان قال: حدَّثني عطاء عن أمِّ سلمة أنَّها كانت تلبس أوضاحًا من ذهبٍ، فسألت عن ذلك نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: أكنزٌ هو؟ فقال: " إذا أدَّيت زكاته فليس بكنزٍ " (3) .
1553- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا البغويُّ ثنا محمَّد بن هارون أبو نَشِيط ثنا عمرو بن الرَّبيع بن طارق ثنا يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/112) .
(2) "المسند": (6/461) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/105) .(3/69)
أبي جعفر أنَّ محمَّد بن عطاء أخيره عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد أنَّه قال: دخلنا على عائشة زوج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: دخل عَلَيَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى في يدي فتخاتٍ من ورقٍ، فقال: " ما هذا يا عائشة؟ " فقلت: صنعتهن أتزيَّن لك فيهنَّ. فقال: " أتؤدِّين زكاتهنَّ؟ " قلت: لا- أو: ما شاء الله من ذلك-.
قال: " هنَّ حسبك من النَّار " (1) .
1554- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا يعقوب بن يوسف بن زياد ثنا نصر بن مزاحم ثنا أبو بكر الهذليُّ قال: حدَّثني شعيب بن الحبحاب عن الشَّعبيِّ قال: سمعت فاطمة بنت قيسٍ تقول: أتيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطوقٍ فيه سبعون مثقالاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله، خذ منه الفريضة. فأخذ منه مثقالاً وثلاثة أرباع مثقال (2) .
1555- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عبد الرَّحمن بن أحمد ابن عبد الله الختليُّ ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن غالب الزَّعفرانيُّ ثنا أبي ثنا صالح ابن عمرو عن أبي حمزة ميمون عن الشَّعبيِّ عن فاطمة بنت قيسٍ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في الحلي زكاةٌ " (3) .
1556- الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن الصَّوَّاف ثنا حامد بن شعيب ثنا سُريج (4) ثنا عليُّ بن ثابت عن يحيى بن أبي أنيسة عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قلت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ لامرأتي حليًّا من عشرين مثقالاً. قال: " فأدِّ زكاته نصف
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/106) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/106- 107) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/107) .
(4) في "التحقيق": (شريح) خطأ.(3/70)
مثقال " (1) .
1557- الحديث الثامن: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا أحمد بن محمَّد بن مقاتل الرَّازيُّ ثنا محمَّد بن الأزهر ثنا قبيصة عن سفيان عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنَّ امرأةً أتت نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إنَّ لي حليًّا، وإنَّ زوجي خفيف ذات اليد، وإنَّ لي بني أخٍ، أفيجزئ عنِّي أن أجعل زكاة الحلي فيهم؟ قال: " نعم " (2) .
والجواب:
أمَّا الأحاديث العامة: فمحمولةٌ على المال المرصد للتِّجارة، وهو غير الحلي بأدلَّتنا.
وأمَّا الخاصة: فكلُّها ضعافٌ.
أمَّا حديث عمرو بن شعيب: ففي طريقه الأوَّل: حجَّاج بن أرطأة، قال أحمد بن حنبل: حجَّاج يزيد في الأحاديث، ويروي عمَّن لم يلقه، لايحتجُّ به (3) . وكذا قال يحيى (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) : لا يحتجُّ به (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/108) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/108) .
(3) انظر: "العلل" برواية المروذي وغيره: (ص: 245- رقم: 491) من رواية الميموني؛ و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/156- رقم: 673) ، و"الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/280- رقم: 342) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ينظر في قوله عن أحمد: " لا يحتج به) أ. هـ وهو ثابت عند العقيلي من رواية الحسن بن علي قال: سئل أحمد بن حنبل: يحتج بحديث حجاج بن أرطأة؟ فقال: لا.
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/156- رقم: 673) من رواية الدوري، وفيه: (لا يحتج بحديثه) . ولم نره في مطبوعة "التاريخ".
(5) "سنن الدارقطني": (1/327) .
(6) في (ب) و"التحقيق": (لا يحتج بحديثه) .(3/71)
وأمَّا طريقه الثَّاني: ففيه المثنَّى بن الصَّبَّاح، قال أحمد (1) وأبو حاتم الرَّازيُّ (2) : لا يساوي شيئًا، هو مضطرب الحديث. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (3) . وقال يحيى: ليس بشيءٍ (4) . وقال ابن حِبَّان: تركه ابن المبارك ويحيى القطَّان وابن مهديٍّ ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل (5) .
وأمَّا طريقه الثَّالث: ففيه ابن لهيعة، وكان يحيى بن سعيد لا يراه شيئًا (6) . وقال أبو زرعة: ليس ممَّن يحتجُّ به (7) .
وأمَّا طريقه الرَّابع: ففيه حسين بن ذكوان، وقد أخرج عنه في الصِّحاح، لكن قال يحيى بن معين: فيه اضطرابٌ (8) . وقال العقيليُّ: هو ضعيفٌ (9) .
وأمَّا حديث أسماء بنت يزيد: ففيه شهر بن حوشب، قال ابن عَدِيٍّ: لا يحتجُّ بحديثه (10) . وقال ابن حِبَّان: كان يروي عن الثِّقات المعضلات (11) .
وفيه: عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال يحيى بن معين: أحاديثه ليست
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (2/298 - رقم: 2324) وفيه: (لا يساوي حديثه شيئًا، مضطرب الحديث) .
(2) لم نقف عليه، وانظر ما تقدم: (1/368) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 221- رقم: 576) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (6/423- رقم: 1901) من رواية ابن أبي مريم، وفيه: (ضعيف، ليس بشيء) .
(5) انظر تعقب للنقح لابن الجوزي.
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/146- رقم: 682) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/148- رقم: 682) .
(8) انظر ما يأتي في كلام للنقح.
(9) ذكره في "الضعفاء الكبير": (1/250- رقم: 299) وقال: (مضطرب الحديث) .
(10) "الكامل": (4/40- رقم: 898) .
(11) "المجروحون": (1/361) .(3/72)
بالقويَّة (1) .
وفيه: عليُّ بن عاصم، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب (2) . وكان أحمد سيء الرَّأي فيه (3) ، وقال يحيى: ليس بشيءٍ (4) .
وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (5) .
وأمَّا حديث أمِّ سلمة: ففيه محمَّد بن مهاجر (6) ، قال صالح بن محمَّد الأسديُّ: هو أكذب خلق الله (7) . وقال ابن عقدة: ليس بشيءٍ، ضعيفٌ، ذاهبٌ (8) . وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث على الثِّقات، ويزيد في الأخبار ألفاظًا يسوِّيها على مذهبه (9) .
وقد رواه أبو داود من حديث عتَّاب بن بشير (10) ، قال ابن المدينيِّ: ضربنا (11) على حديثه (12) .
وأمَّا حديث عائشة: ففيه محمَّد بن عطاء، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو مجهولٌ (13) .
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (4/161- رقم: 982) من رواية الدورقي.
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/245- 246- رقم: 1244) من رواية عثمان بن أبي شيبة، وانظر ما تقدم: (1/208) .
(3) "المجروحون" لابن حبان: (2/113) .
(4) " معرفة الرجال " برواية ابن محرز: (1/50- رقم: 2) وفيه: (كذاب، ليس بشيء) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (5/191- رقم: 1348) .
(6) انظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(7، 8) "تاريخ بغداد" للخطيب: (3/303- رقم: 1392) .
(9) "المجروحون": (2/310) .
(10) "سنن أبي داود": (2/314- رقم: 1559) .
(11) في "التحقيق": (حزينا) !
(12) "التاريخ" لعثمان الدارمي: (ص: 154- رقم: 540) .
(13) "سنن الدارقطني": (2/106) .(3/73)
وفيه: يحيى بن أيُّوب، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به (1) .
وأمَّا حديث فاطمة بنت قيسٍ الأوَّل: ففيه أبو بكر الهذليُّ، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يأت بهذا الحديث غيره، وهو متروك الحديث (2) . وقال غندر: هو كذَّابٌ (3) . وقال يحيى (4) وابن المدينيِّ (5) : ليس بشيءٍ.
وفيه: نصر بن مزاحم، قال أبو خيثمة: كان كذَّابًا (6) . وقال يحيى: ليس حديثه بشيءٍ (7) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: متروك الحديث (8) .
وأمَّا حديثها الثَّاني: ففيه ميمون، قال أحمد: متروك الحديث (9) .
وقال يحيى: ليس بشيءٍ، لا يكتب حديثه (10) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (11) .
وأمَّا حديث ابن مسعود: ففيه يحيى بن أبي أنيسة، قال أحمد: هو متروك (12) . وقال عليٌّ (13) ويحيى (14) : لا يكتب حديثه. وقال ابن حِبَّان:
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/128- رقم: 542) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/107) .
(3) "التاريخ" لابن معين- برواية الدوري-: (4/238- رقم: 4141) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/88، 128- رقمي: 3281، 3526) .
(5) "تاريخ بغداد": (9/225- رقم: 4008) من رواية محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وفيه: (ضعيف، ضعيف، ليس بشيء) .
(6، 7) ذكره ابن الجوزي في " الضعفاء والمتروكين ": (3/160- رقم: 3518) أيضًا.
(8) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/468- رقم: 2143) .
(9) "العلل" برواية عبد الله: (2/488- رقم: 3214) .
(10) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/236- رقم: 1061) من رواية ابن أبي خيثمة.
(11) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 222- رقم: 581) .
(12) "الكامل" لابن عدي: (7/186- رقم: 2096) من رواية أحمد بن أبي يحيى.
(13) "الكامل" لابن عدي: (7/186- رقم: 2096) من رواية أبي العباس القرشي.
(14) "الكامل" لابن عدي: (7/186- 187- رقم: 2096) من رواية مفضل.(3/74)
لا يجوز الاحتجاج به بحالٍ (1) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: يحيى متروكٌ، ورفع هذا الحديث وهمٌ، والصَّواب أنَّه مرسلٌ موقوفٌ (2) .
وأمَّا حديثه الثَّاني: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو وهمٌ، والصَّواب عن إبراهيم عن عبد الله مرسلٌ موقوفٌ (3) .
ز: حديث عمرو بن شعيب: رواه أبو داود عن أبي كامل وحميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث عن حسين المعلَّم (4) .
وقال البيهقيُّ: ينفرد به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدَّه (5) .
ورواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن ابن لهيعة عن عمرو بنحوه: أنَّ امرأتين أتتا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي أيديهما سواران ... الحديث، وقال: لا يصحُّ في هذا الباب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيءٌ (6) .
ورواه النَّسائيُّ عن إسماعيل بن مسعود عن خالد عن حسين، وعن محمَّد بن عبد الأعلى عن المعتمر بن سليمان عن حسين المعلِّم عن عمرو، قال: جاءت امرأةٌ ... فذكره مرسلاً. وقال: خالد بن الحارث أثبت عندنا من معتمر، وحديث معتمر أولى بالصَّواب، والله أعلم (7) .
__________
(1) "المجروحون": (3/110) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/108) .
(3) المرجع السابق.
(4) "سنن أبي داود": (2/313- 314- رقم: 1558) .
(5) "سنن البيهقي": (4/140) .
(6) "الجامع": (2/22- 23- رقم: 637) .
(7) "سنن النسائي": (5/38- رقمي: 2479- 2480) مع اختلاف يسير في كلام النسائي، وهو بحروفه في "تحفة الأشراف" للمزي: (6/309- رقم:8682) .(3/75)
وقال أبو عبيد: لا نعلم هذا الحديث إلا من وجهٍ قد تكلَّم النَّاس فيه قديمًا وحديثًا (1) .
وحسين بن ذكوان المعلِّم: روى له البخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحيهما" (2) ،
ووثَّقه ابن معين (3) وأبو حاتم (4) والنَّسائيُّ (5) ، وقال أبو زرعة: ليس به بأسٌ (6) .
ووهم المؤلِّف في قوله: (قال يحيى بن معين: فيه اضطرابٌ) فإنَّ الَّذي قال ذلك هو يحيى بن سعيد (7) .
ووهم أيضًا في قوله في المثنَّى بن الصَّبَّاح: (قال ابن حِبَّان: تركه ابن المبارك ... إلى آخره) فإنَّه إنَّما قال ذلك في العرزميِّ (8) ! ولم يذكر من الجماعة أحمد بن حنبل، وإن كان أحمد قد قال في العرزميِّ: ترك النَّاس حديثه (9) .
لكن ابن حِبَّان لم يحك عنه ذلك.
ثُمَّ رأيت ابن حِبَّان قد ذكر هذا الكلام الَّذي حكاه عنه المؤلِّف بعينه في الحجَّاج بن أرطأة (10) ، وفي قول ابن حِبَّان نظرٌ، فإنَّ هؤلاء الَّذين ذكرهم لم
__________
(1) "الأموال": (ص: 450- ر قم: 1291) .
(2) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/494- رقم: 4) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/135- رقم: 258) .
(3) "التاريخ" براوية الدارمي: (ص: 90- رقم: 230) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/52- رقم: 233) .
(5) انظر: "السنن الكبرى": (2/20- رقم: 2259) ، و"تهذيب الكمال" للمزي: (6/373- رقم: 1309) .
(6) " الجرح والعديل " لابن أبي حاتم: (3/52- رقم: 233) .
(7) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/250- رقم: 299) .
(8) "المجروحون": (2/246) .
(9) "العلل" برواية عبد الله: (1/313- 314- رقم: 539) .
(10) "المجروحون": (1/225) .(3/76)
يتركوا كلُّهم الحجاج، بل تركه بعضهم (1) ، والله الموفِّق.
وقد وهم المؤلِّف أيضًا وهمًا قبيحًا في تضعيفه محمَّد بن مهاجر الرَّاوي عن ثابت بن عجلان، فإنَّه ثقةٌ شاميٌّ، وثَّقه أحمد (2) وابن معين (3) وأبو زرعة الدِّمشقيُّ (4) ودحيم (5) وأبو داود (6) وغيرهم، وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ (7) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: كان متقنًا (8) . وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (9) .
وأمَّا محمَّد بن مهاجر الكذَّاب: فإنَّه متأخرٌ في زمان ابن معين.
وقد روى حديث أمِّ سلمة: أبو داود عن محمَّد بن عيسى عن عتَّاب بن بَشير عن ثابت بن عجلان عن عطاء (10) ، ورواه الحاكم وقال: صحيحٌ على شرط البخاريِّ، ولم يخرجاه (11) .
وقال البيهقيُّ: ينفرد به ثابت بن عجلان (12) .
وعتَّاب بن بَشير: وثَّقه يحيى بن معين (13) ، وروى له البخاريُّ في
__________
(1) انظر ما سيأتي في كلام المنقح تحت الرقم: (2086) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (2/471- رقم: 3090) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/430- رقم: 5133) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (26/518- رقم: 5636) .
(5) " المعرفة والتاريخ " للفسوي: (2/394) .
(6) " سؤالات الآجري ": (2/229- رقم: 1686) .
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (26/518- رقم: 5636) .
(8) "الثقات": (7/413-414) .
(9) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/212- رقم: 1524) .
(10) "سنن أبي داود": (2/314- رقم: 1559) .
(11) "المستدرك": (1/390) .
(12) "سنن البيهقي": (4/140) .
(13) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 154- رقم: 539) .(3/77)
المتابعات (1) ، وقال الإمام [أحمد] (2) : أرجو أن لا يكون به بأسٌ (3) وقال ابن عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به (4) .
وثابت بن عجلان: روى له البخاريُّ (5) ، ووثَّقه ابن معين (6) ، وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: هو ثقةٌ؟ فسكت، كأنَّه مرَّض في أمره (7) .
وروى حديث عبد الله بن شدَّاد عن عائشة: أبو داود عن أبي حاتم الرَّازيِّ عن عمرو بن الرَّبيع بن طارق عن يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمَّد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن شدَّاد (8) .
ومحمَّد بن عمرو بن عطاء ليس بمجهولٍ، لكنَّه لمَّا نسب إلى جدِّه ظنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ أنَّه مجهولٌ، وليس كذلك.
وقد قيل: إنَّ الحديث من مناكير يحيى بن أيُّوب، وإن كان من رجال "الصَّحيحين" O.
*****
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/1037- رقم: 1203) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال شيخنا: " روى له خ " ولم يقل متابعة) أ.هـ وانظر "تهذيب الكمال" لشيخه: (19/286- رقم: 3763) .
(2) سقطت من الأصل و (ب) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/13- رقم: 56) من رواية أبي طالب.
(4) "الكامل": (5/357- رقم: 1517) .
(5) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/448- رقم: 181) .
(6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 84- رقم: 206) .
(7) "العلل": (3/97- رقم: 4358) .
(8) "سنن أبي داود": (2/314- رقم: 1560) .(3/78)
مسألة (326) : الدَّين يمنع وجوب الزَّكاة الأموال الباطنة، وهل يمنع في الظَّاهرة؟ على روايتين: أصحُّهما المنع؛ وا أخرى لا يمنع، وبها قال مالك.
وعن الشَّافعيِّ: أنَّه يمنع بكلِّ حالٍ، وعنه: لا يمنع بحالٍ.
لنا ثلاثة أحاديث:
1558- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، قال: " إنَّك تأتي قومًا أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله عزَّ وجلَّ فرض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وتردُّ في فقرائهم " (1) .
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (2) .
ووجه الحجَّة منه: أنَّ من عليه مثل ما معه فهو فقيرٌ.
1559- الحديث الثَّاني: أنا محمَّد بن عبد الباقي أنا أبو القاسم عليُّ بن أحمد أنا أبو سهل محمود بن عمر العكيريُّ أنا أبو طالب عبد الله (3) بن محمَّد بن
__________
(1) "المسند": (1/233) .
(2) "صحيح البخاري": (2/350) ، (فتح- 3/261- رقم: 1395) ؛ " صحيح مسلم ": (1/37- 38) ، (فؤاد- 1/50- رقم: 29) .
(3) في "التحقيق": (عبيد الله) .
وفي هامش الأصل: (حـ: كان فيه " عبيد الله " وهو وهم) أ. هـ(3/79)
شهاب ثنا موسى بن حمدون ثنا حامد بن يحيى البلخيُّ ثنا سفيان عن الزُّهريِّ قال: سمعت السَّائب بن يزيد يقول: سمعت عثمان بن عفَّان يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دينٌ فليقضه، وزكُّوا بقيَّة أموالكم.
ز: رواه أبو عبيد في "الأموال" عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب (1) ، ورواه البخاريُّ [بمعناه] (2) عن أبي اليمان عن شعيب عن الزُّهريِّ (3) O.
1560- الحديث الثَّالث: قال أصحابنا: روى أبو (4) نصر المالكيُ (5) عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إذا كان للرَّجل ألف درهم، وعليه ألف درهم، فلا زكاة فيه ".
ز: هذا حديثٌ منكرٌ، يشبه أن يكون موضوعًا (6) .
1561- وقال صاحب "المغني": وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران عن شجاع عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان لرجلٍ ألف درهم، وعليه ألف درهم، فلا زكاة عليه " (7) O.
*****
__________
(1) "الأموال": (ص: 442- رقم: 1247) .
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(3) "صحيح البخاري": (9/570) ؛ (فتح- 13/305- رقم: 7338) ولم يسق لفظه، وانظر: " النكت الظراف " لابن حجر: (7/254- رقم: 9802) .
وهكذا وقع هذا الكلام في الأصل و (ب) على أنه من زيادات ابن عبد الهادي، وهو موجود في مطبوعة "التحقيق" فالله أعلم.
(4) في (ب) و"التحقيق": (ابن) .
(5) في (ب) : (المكي) .
(6) في (ب) : (مرفوعًا) !
(7) "المغني": (4/264- المسألة رقم: 460) .(3/80)
مسألة (327) : تجب الزَّكاة في عروض التِّجارة، يخرجها عن كلِّ حولٍ.
وقال مالك: إن كان ممَّن يتربص بسلعته النَّفاق والأسواق لم يجب تقويمها حتَّى يبيعها بذهبٍ أو ورقٍ، ويزكِّي لسنةٍ واحدةٍ، وإن كان مديرًا لا يعرف حول ما يشتري ويبيع، جعل لنفسه شهرًا في السَّنة، يقوِّم ماعنده (1) ويزكِّيه.
وقال داود: لا زكاة في العروض بحالٍ.
لنا حديثان:
1562- الحديث الأوَّل: قال أبو داود السِّجستانيُّ: ثنا محمَّد بن داود ابن سفيان ثنا يحيى بن حسَّان ثنا سليمان بن موسى أبو داود ثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال: حدَّثني خُبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا أن نخرج الصَّدقة من الَّذي نُعِدُّ للبيع (2) .
ز: انفرد أبو داود بإخراج هذا الحديث، وإسناده حسنٌ غريبٌ، وقد روى به أبو داود أحاديث (3) .
__________
(1) في "التحقيق": (ما يشتري) .
(2) "سنن أبي داود": (2/313- رقم: 1557) .
(3) انظر: " تحقة الأشراف " للمزي: (4/76- 77- الأرقام: 4616- 4621) .(3/81)
1563- وروى هذا الحديث الطَّبرانيُّ مطولاً، فقال: حدَّثنا عبدان بن أحمد ثنا دحيم ثنا يحيى بن حسَّان حدَّثني سليمان بن موسى ثنا جعفر بن سعد حدَّثني خبيب بن سليمان عن أبيه عن سمرة بن جندب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر برقيق الرَّجل والمرأة، الَّذي هو تلاده- وهم في عمله لا يريد بيعهم- وكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصَّدقة شيئًا، وكان يأمرنا أن نخرج الصَّدقة من الَّذي نُعِدُّ للبيع (1) O.
1564- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن منصور ثنا أبو عاصم عن موسى بن عبيدة قال: حدَّثني عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: بينا أنا جالسٌ عند عثمان، جاءه أبو ذرٍّ فسلَّم عليه، فقال له عثمان: كيف أنت يا أبا ذرٍّ؟ قال: بخيرٍ. ثُمَّ قام إلى سارية، فقام النَّاس إليه فاحتوشوه (2) ، فكنت فيمن احتوشوه، فقالوا: يا أبا ذرٍّ، حدَّثنا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته- قالها بالزَّاي- " (3) .
1565- قال أبو بكر النَّيسابوريُّ: وحدَّثنا جعفر بن محمَّد بن الحجَّاج (4) ثنا عبد الله بن معاوية ثنا محمَّد بن بكر عن ابن جريج عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في
__________
(1) "المعجم الكبير": (7/253- رقم: 7029) .
(2) في " النهاية ": (1/461- حوش) : (يقال: احتوش القوم على فلان: إذا جعلوه وسطهم) أ. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (2/100- 101) .
(4) في "التحقيق": (الصباح) .(3/82)
الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته " (1) .
قال المؤلِّف: هذا الإسناد أصلح من الَّذي قبله- وإن كان فيه عبد الله ابن معاوية، وقد ضعَّفه النَّسائيُّ، وقال البخاريُّ: هو منكر الحديث (2) - فإنَّ الإسناد الَّذي قبله فيه موسى بن عبيدة، وكان أشدُّ ضعفًا، قال يحيى: ليس بشيءٍ (3) . وقال أحمد بن حنبل: لا تحلُّ عندي الرِّواية عنه (4) .
ز: عبد الله بن معاوية الَّذي تكلَّم فيه البخاريُّ (5) والنَّسائيُّ (6) هو الزُّبيريُّ، من ولد الزُّبير بن العوَّام، يروي عن هشام بن عروة.
وأمَّا راوي هذا الحديث: فهو الجمحيُّ، وهو صالح الحديث، وقال ابن القطَّان: لا يعرف حاله (7) . وليس كما قال، بل هو مشهورٌ، روى عنه أبو داود وابن ماجة وغيرهما، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثَّقات" (8) ، وكان من المعمَّرين.
وقد روى هذا الحديث عن محمَّد بن بكر: يحيى بن موسى البلخيُّ (خت) (9) والإمام أحمد بن حنبل (10) ، لكنَّه منطقعٌ، لم يسمعه ابن جريج من عمران (11) بن أبي أنس.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/102) .
(2) انظر كلام المنقح الآتي.
(3) "الكامل" لابن عدي: (6/333- رقم: 1813) من رواية أبي يعلى.
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/152- رقم: 686) من رواية الجوزجاني.
(5) " التاريخ الأوسط ": (2/202- رقم: 1446- الحاشية) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 142- رقم: 335) .
(7) " بيان الوهم والإيهام ": (5/56- رقم: 2295) .
(8) "الثقات": (8/359) وقال: (ربما أخطأ) .
(9) (خت) لقب يحيى.
(10) "المسند": (5/179) .
(11) من قوله: (وذكره ابن حبان) إلى هنا سقط من (ب) .(3/83)
1566- قال التِّرمذيُّ في كتاب "العلل": حدَّثنا يحيى بن موسى ثنا محمَّد بن بكر ثنا ابن جريج عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان النصريِّ عن أبي ذرٍّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته ".
ثُمَّ قال: سألت محمَّدًا عن هذا الحديث، فقال: ابن جريج لم يسمع من عمران بن أبي أنس، يقول: حُدِّثت عن عمران بن أبي أنس (1) .
1567- وقال الإمام أحمد في "المسند": حدَّثنا محمَّد بن بكر أنا ابن جريج عن عمران بن أبي أنس- بلغه عنه- عن مالك بن أوس بن الحدثان النصريِّ عن أبي ذرٍّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته " (2) .
ويحتمل أن يكون ابن جريج سمعه من موسى بن عبيدة.
1568- وقد روى سعيد بن منصور والشَّافعيُّ (3) والإمام أحمد (4) وأبوعبيد (5) عن أبي عمرو بن حِمَاسٍ عن أبيه قال: أمرني عمر، فقال: أدِّ زكاة مالك. فقلت: مالي مالٌ إلا جعاب وأدمٌ. فقال: قوِّمها، ثُمَّ أدِّ زكاتها.
1569- وقال الحاكم في "المستدرك": أخبرني دَعْلَج بن أحمد السِّجزيُّ- ببغداد- ثنا هشام بن عليِّ السَّدوسيُّ ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد ابن سلمة بن أبي الحسام ثنا عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان
__________
(1) "العلل الكبير": (ترتيبه- ص: 100- رقم: 171) .
(2) "المسند": (5/179) .
(3) "الأم": (2/46) ، وانظر: "سنن البيهقي": (4/147) .
(4) "المسائل" برواية عبد الله: (2/556- رقم: 766) .
(5) "الأموال": (ص: 430- رقم: 1179) .(3/84)
عن أبي ذرٍّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزِّ صدقته، ومن رفع دنانير أو دراهم أو تبرًا أو فضَّةً لا يعدُّها لغريمٍ، ولا ينفقها في سبيل الله، فهو كنزٌ يكوى به يوم القيامة ".
تابعه ابن جريج عن عمران بن أبي أنس:
1570- أخبرناه أبو قتيبة سلم (1) بن الفضل الآدميُّ- بمكَّة- ثنا موسى بن هارون ثنا زهير بن حرب (2) ثنا محمَّد بن بكر عن ابن جريح عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللهءصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البزِّ صدقته ".
قال الحاكم: كلا الإسنادين صحيحان على شرط الشَّيخين ولم يخرجاه (3) .
كذا قال، وفيه نظرٌ، والله أعلم O.
*****
مسألة (328) : الواجب في المعدن ربع العشر.
وقال أبو حنيفة: الخُمس.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين، وعنه: أنَّه إن أصاب المال مجتمعًا ففيه الخُمس، وإن كان متفرِّقًا، ولزمته مؤنةٌ، فربع العشر.
__________
(1) في مطبوعة "المستدرك": (سالم) خطأ.
(2) في مطبوعة "المستدرك": (محمد) ، وانظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر: (14/182- رقم: 17596) .
(3) "المستدرك": (1/388) .(3/85)
وعن مالك كقولنا، وعنه كالقول الأخير للشَّافعيِّ.
لنا:
1571- ما روى مالك عن ربيعة عن غير واحدٍ أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع بلال بن الحارث المعادن القبليَّة، وأخذ منه زكاتها (1) .
والزَّكاة لا تكون خُمسًا بحالٍ.
فإن قيل: قوله: (عن غير واحدٍ) يقتضي الإرسال.
قلنا: ربيعة قد لقي الصَّحابة، والجهل بالصَّحابيِّ لا يضرُّ، ولا يقال: هو مرسلٌ.
1572- ثُمَّ رواه الدَّراورديُّ عن ربيعة عن الحارث بن بلال عن بلال (2) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ منه زكاة المعادن القبليَّة.
قال ربيعة: وهذه المعادن تؤخذ منها الزَّكاة إلى هذا [الوقت] (3) .
ورواه ثور عن عكرمة عن ابن عبَّاس مثل حديث بلال.
ز: 1573- قال الشَّافعيُّ: أنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن غير واحد من علمائهم أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع لبلال بن الحارث المزنيِّ معادن القبليَّة- وهي من ناحية الفُرْع-. فتلك المعادن لا تؤخذ منها إلا الزَّكاة (4) إلى
__________
(1) "الموطأ": (1/248- 249- الزكاة- الباب: 3) مع اختلاف في اللفظ، وسيورد المنقح لفظه من رواية الشافعي عن مالك.
(2) (عن بلال) غير موجودة في (ب) .
(3) في الأصل: (القول) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(4) في (ب) ومطبوعة "الأم": (لا تؤخذ منها الزكاة) ، وما بالأصل موافق لما في " سنن البيهقي ": (4/152) وما في مطبوعة "الموطأ".(3/86)
اليوم.
قال الشَّافعيُّ: ليس هذا ممَّا يثبت أهل الحديث، ولو ثبَّتوه لم يكن فيه (1) رواية عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا إقطاعه، فأمَّا الزَّكاة في المعادن دون الخُمس فليست مرويَّةً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه (2) .
قال البيهقيُّ: هو كما قال الشَّافعيُّ في رواية مالك، وقد روي عن عبد العزيز الدَّراورديِّ عن ربيعة موصولاً:
1574- أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ثنا محمَّد بن صالح بن هانئ ثنا الفضل بن محمَّد بن المسيَّب ثنا نعيم بن حمَّاد ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ من المعادن القبليَّة الصَّدقة، وأنَّه أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع، فلمَّا كان عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال لبلال: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُقْطِعك (3) إلا لتعمل.
قال: فأقطع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه للنَّاس العقيق (4) .
وقال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديثٌ صحيحٌ لم يخرجاه، وقد احتجَّ البخاريُّ بنعيم بن حمَّاد، ومسلم بالدَّراورديِّ (5) .
كذا قال، ونعيم والدَّراورديِّ لهما ما ينكر، والحارث لا يعرف حاله، وقد تكلَّم الإمام أحمد بن حنبل في حديثٍ رواه الدَّراورديُّ عن ربيعة عن الحارث.
__________
(1) في (ب) : (عنه) .
(2) "الأم": (2/43) .
(3) في (ب) : (يعطك) .
(4) "سنن البيهقي": (4/152) .
(5) "المستدرك": (1/404) .(3/87)
والصَّواب في هذا الحديث رواية مالك، والله أعلم.
والقَبَليَّة- بفتح القاف والباء-: قيل: منسوبةٌ إلى ناحيةٍ من ساحل البحر، بينها وبين المدينة خمسة أيَّام؛ وقال أبو عبيد: القَبَلَيَّة: بلادٌ معروفةٌ بالحجاز.
وفد احتج من أوجب في المعدن الخُمس:
1575- بما روى البيهقيُّ قال: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا عليُّ بن الصَّقر ثنا داود بن عمرو ثنا حبان بن عليٍّ عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرِّكاز الذَّهب الَّذي ينبت في الأرض ".
1576- قال: ورواه أبو يوسف عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن جدِّه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الرِّكاز الخُمس ". قيل: وما الرِّكاز يا رسول الله؟ قال: " الذَّهب والفضَّة الَّذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت ". حدَّثناه أبو سعد الزَّاهد ثنا أبو العبَّاس بن ميكال ثنا إسماعيل بن إبراهيم الفقيه- بفارس- ثنا محمَّد بن الحسن ثنا بشر بن الوليد الكنديُّ ثنا أبو يوسف فذكره.
وقد رواه سعيد والجوزجانيُّ بإسنادهما، وهو حديثٌ لا يصلح للاحتجاج به، لأنَّ عبد الله بن سعيد المقبريَّ تفرَّد به، وهو ضعيفٌ جدًا، جرحه يحيى بن سعيد القطَّان وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وجماعة من أئمة الحديث (1) .
__________
(1) انظر ما تقدم: (1/97، 2/255، 548) .(3/88)
1577- وروى مكحول أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله [عنه] (1) جعل المعدن بمنزلة الرِّكاز، فيه الخُمس.
وهو منقطعٌ، فإنَّ مكحولاً لم يدرك زمان عمر (2) O.
*****
__________
(1) في الأصل: (عنهم) ! والتصويب من (ب) .
(2) انظر: "سنن البيهقي": (4/152- 154) .(3/89)
مسائل زكاة الفطر
مسألة (329) : تجب صدقة الفطر على الإنسان عن غيره.
وقال داود: لا تجب عليه إلا فطرة نفسه.
1578- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا القاسم بن عبد الله بن عامر بن زرارة ثنا عمير بن عمَّار الهمدانيُّ ثنا الأبيض بن الأغرِّ قال: حدَّثني الضَّحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصدقة الفطر عن الصَّغير والكبير، والحرِّ والعبد، ممَّن يمونون (1) .
ز: هذا إسنادٌ لا يثبت، لجهالة بعض رواته، فإنَّ القاسم وعميرًا غير مشهورين بعدالةٍ ولا جرحٍ، وكلاهما من أولاد المحدِّثن، فإنَّ والد القاسم مشهورٌ بالحديث، وجدُّ عمير هو: أبو الغريف الهمدانيُّ، الكوفيُّ، مشهورٌ.
والأبيضى بن الأغر له مناكير، والله أعلم.
ثُمَّ رأيت الدَّارَقُطْنِيَ قد تكلَّم عليه، فقال: رفعه هذا الشَّيخ (القاسم) وليس بالقويِّ، والصَّواب موقوفٌ (2) .
1579- وقال الشَّافعيُّ: أخبرنا إبراهيم بن محمَّد عن جعفر عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر على الحرِّ والعبد، والذَّكر والأنثى، ممَّن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/141) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/141) .(3/90)
يمونون (1)
قال البيهقي: ورواه حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن عليٍّ قال: فرض رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كلِّ صغيرٍ أو كبيرٍ، حرٍّ أو عبدٍّ، ممَّن يمونون صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من زبيبٍ، عن كلِّ إنسان (2) .
وهذا الإسناد منطقعٌ، والأوَّل مرسلٌ، والله أعلم، لكن قال الشَّافعيُّ: يعضده حديث ابن عمر والإجماع (3) .
1580- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا محمَّد بن المفضَّل بن إبراهيم الأشعريُّ ثنا إسماعيل بن همَّام حدَّثني عليُّ بن موسى الرِّضا عن أبيه عن جدِّه عن آبائه أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر على الصَّغير والكبير، والذكر والأنثى، ممَّن تمونون قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يثبت (4) .
وقال البيهقيُّ: إسناده غير قويٍّ (5) O.
*****
__________
(1) "الأم": (2/62) .
(2) "سنن البيهقي": (4/161) .
(3) انظر: "الأم": (2/63) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/140) ، وكلام الدارقطني غير موجود في النسخة المطبوعة، وهو في " تخريج الأحاديث الضعاف " للغساني: (ص: 202- رقم: 409) .
(5) لم نقف عليه، ولكن البيهقي قال نفس هذه العبارة: (4/161) عن إسناد حديث ابن عمر المتقدم برقم: (1578) فالله أعلم.(3/91)
مسألة (330) : لا تلزمه فطرة عبده الكافر.
وقال أبو حنيفة: تلزمه.
1581- قال أبو عيسى التِّرمذيُّ: ثنا إسحاق بن موسى الأنصاريُّ ثنا معن ثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر من رمضان، صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على كل حرٍّ وعبدٍ، ذكرٍ وأنثى، من المسلمين (1) .
أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيحين" (2) .
ز: ذكر أبو عيسى التِّرمذيُّ أنَّ مالكًا تفرَّد من بين الثِّقات بزيادة قوله: (من المسلمين) ، وروى عبيد الله بن عمر وأيُّوب وغيرهما هذ الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزِّيادة.
وقد تبع التِّرمذيُّ على قوله هذا غيرُ واحدٍ؛ وليس الأمر كما قالوا، بل قد وافق مالكًا فيها ثقتان، وهما: الضَّحاك بن عثمان وعمر بن نافع، فرواية الضَّحاك في مسلم (3) ، ورواية عمر في البخاريِّ (4) ، وقد وافقه غيرهما أيضًا، والله أعلم O.
احتجُّوا:
1582- بما روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو ذرٍّ أحمد بن محمَّد الواسطيُّ ثنا
__________
(1) "الجامع": (2/54- ر قم: 676) .
(2) "صحيح البخاري": (2/381) ؛ (فتح- 3/369- رقم: 1504) .
"صحيح مسلم": (3/68) ؛ (فؤاد- 2/677- رقم: 984) .
(3) "صحيح مسلم": (3/69) ؛ (فؤاد- 2/678- رقم: 984) .
(4) "صحيح البخاري": (2/381) ؛ (فتح- 3/367- رقم: 1503) .(3/92)
سعدان بن نمر ثنا هاشم بن القاسم ثنا سلام الطَّويل عن زيدٍ العَميِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقة الفطر عن كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، ذكرٍ وأنثى، يهوديٍّ أونصرانيٍّ، حرٍّ أو مملوكٍ، نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعٌ من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ ".
قال المؤلِّف: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده غير سلام الطَّويل، وهو متروكٌ (1) .
قلت: قال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه (2) . وضعَّفه ابن المدينيِّ جدًّا (3) ، وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (4) . وقال ابن حِبَّان: يروي عن الثِّقات الموضوعات (5) .
1583- وقد روى عثمان بن عبد الرَّحمن الوقَّاصيُّ عن نافع عن ابن عمر أنَّه كلان يخرج عن كلِّ كافرٍ ومسلمٍ.
قال يحيى بن معين: الوقَّاصيُّ يكذب (6) .
*****
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/150) ، وفيه: (متروك الحديث) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (3/299- رقم: 766) من رواية ابن أبي مريم، وفيه: (ضعيف، لا يكتب حديثه) .
(3) "تاريخ بغداد": (9/196- رقم: 4774) من رواية ابنه عبد الله.
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 113- رقم: 237) .
(5) "المجروحون": (1/339) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (3/286- رقم: 1359) .(3/93)
مسألة (331) : لا يعتبر ملك النِّصاب في الفطرة.
وقال أبو حنيفة: يعتبر.
1584- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا العبَّاس بن العبَّاس بن المغيرة ثنا أحمد بن منصور الرَّماديُّ ثنا سليمان بن حربٍ ثنا حمَّاد بن زيدٍ عن النُّعمان بن راشد عن الزُّهريِّ عن ثعلبة بن صُعَير (1) عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أدُّوا صاعًا من قمحٍ- أو قال: برٍّ - عن الصَّغير والكبير، والذَّكر والأنثى، والحرِّ والمملوك، والغنيِّ والفقير، أمَّا غنيُّكم فيزكِّيه الله، وأمَّا فقيركم فيردُّ الله عليه أكثر ممَّا أعطى ".
رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من طريقٍ أخرى عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير (2) ، وهو الصَّحيح، لأنَّ ثعلبة هو الصَّحابيُّ لا صُعَير.
ز: هذا حديثٌ مضطرب الإسناد والمتن، وقد تكلَّم فيه الإمام أحمد بن حنبل وغيره، وأنا أذكر بعض ألفاظه، وبعض ما قيل فيه:
1585- قال الحافظ أبو حامد أحمد بن محمَّد بن الشَّرقيِّ: حدَّثنا محمَّد ابن يحيى الذُهْلِيُّ ثنا موسى بن إسماعيل المنقريُّ أبو سلمة ثنا همَّام عن (3) بكرٍ الكوفي أنَّ الزُّهريَّ حدَّثهم عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطيبًا، فأمر بصدقة الفطر: صاعُ تمرٍ أو صاع شعيرٍ، عن كلِّ واحدٍ - أو عن كلِّ رأسٍ -، عن الصَّغير والكبير، والحرِّ والعبد.
قال محمَّد- هو ابن يحيى الذُّهْلِيُّ (4) -: لم يقم أحدٌ هذا الحديث عن
__________
(1) في مطبوعة "السنن": (ابن أبي صعير) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/148) .
(3) في (ب) : (حماد بن) خطأ.
(4) انظر: "سنن البيهقي": (4/168) .(3/94)
الزُّهريِّ عن عبد الله بن ثعلبة إلا همَّام عن بكر، وبكر: هو ابن وائل، فوافق روايته (1) رواية ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1586- وقال أبو القاسم سليمان بن أحمد الطَّبرانيُّ الحافظ: حدَّثنا محمَّد بن أبان الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن عبد الملك الواسطيُّ ثنا عمرو بن عاصم ثنا همَّام عن بكر بن وائل عن الزُّهريِّ عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير عن أبيه أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطيبًا، فأمر بصدقة الفطر على الصَّغير والكبير، والحرِّ والعبد، صاع تمرٍ أو صاع شعيرٍ، عن كلِّ واحدٍ- أو عن كلِّ رأسٍ - صاعُ (2) قمحٍ بين اثنين (3) .
1587- وقال أبو إسحاق الجوزجانيُّ: حدَّثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد ابن زيدٍ عن النُّعمان عن الزُّهريِّ عن ثعلبة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أدُّوا صدقة الفطر، صاعًا من قمحٍ- أو قال: بُرٍّ- عن كل إنسانٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ" (4) .
1588- وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عفَّان قال: سألت حمَّاد بن زيد عن صدقة الفطر، فحدَّثني عن نعمان بن راشد عن الزُّهريِّ عن ابن ثعلبة بن أبي صُعَير عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أدُّوا صاعًا من قمحٍ- أو صاعًا من تمرٍ (5) ، وشكَّ حمَّاد-، عن كلِّ اثنين صغيرٍ أو كبيرٍ، ذكرٍ أو أنثى، حرٍّ أو مملوكٍ، غنٍّي أو فقيرٍ، أمَّا غنيُّكم فيزكِّيه الله، وأمَّا فقيركم فيردُّ عليه أكثر ممَّا يعطي " (6) .
__________
(1) كذا بالأصل، ولعلها: (بروايته) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وفي مطبوعة "المعجم الكبير": (وصاع) .
(3) "المعجم الكبير": (2/87- رقم: 1389) .
(4) ذكره ابن قدامة في "المغني": (4/287- المسألة رقم: 467) .
(5) في (ب) ومطبوعة "المسند": (صاعًا من برٍّ) .
(6) "المسند": (5/432) .(3/95)
رواه أبو داود عن محمَّد بن يحيى النَّيسابوريِّ (1) .
وعن عليِّ بن الحسن الدَّرَابجِرديِّ عن عبد الله بن يزيد عن همَّام عن بكر عن الزُّهريِّ عن ثعلبة بن عبد الله- أو قال: عبد الله بن ثعلبة- عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
وعن مسدَّد وسليمان بن داود العتكيِّ عن حمَّاد بن زيد عن النُّعمان بن راشد عن الزُّهريِّ- قال مسدَّد: عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صُعير (3) عن أبيه. وقال سليمان: عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صُعير عن أبيه- بمعناه (4) .
وعن أحمد بن صالح عن عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج قال: وقال ابن شهاب: قال عبد الله بن ثعلبة: خطب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الفطر بيومين بمعناه (5) .
ورواه الإمام أحمد عن عبد الرَّزَّاق أيضًا هكذا (6) .
ورواه الإمام أبو بكر محمَّد بن إسحاق بن خزيمة في "صحيحه" عن محمَّد بن يحيى عن موسى بن إسماعيل المنقريِّ عن همام عن بكرٍ الكوفيِّ (7) .
قال مُهنَّا: ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صُعير في صدقة الفطر
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/351- رقم: 1617) بإسناد السابق برقم (1585) .
(2) "سنن أبي داود": (2/350- 351- رقم: 1616) .
(3) في مطبوعة "سنن أبي داود": (ثعلبة بن أبي صعير) ، وما هنا موافق لما في "تحفة الأشراف" للمزي: (2/126- 127- رقم: 2073) .
(4) "سنن أبي داود": (2/350- رقم: 1615) .
(5) "سنن أبي داود": (2/351- 352- رقم: 1618) .
(6) "المسند": (5/432) .
(7) "صحيح ابن خزيمة": (4/87- رقم: 2410) .(3/96)
نصفُ صاعٍ من برٍّ، فقال: ليس بصحيحٍ، إنَّما هو مرسلٌ، يرويه معمر وابن جريج عن الزُّهريِّ مرسلاً. قلت: مِنْ قِبَل مَنْ هذا؟ قال: مِن قِبَل النُّعمان بن راشد، ليس هو بقويٍّ في الحديث. وضعَّف حديث ابن أبي صُعير، وسألته عن ابن أبي صُعَير: أمعروفٌ هو؟ قال: من يعرف ابن أبي صُعَير؟ ليس هو بمعروفٍ (1) .
وذكر أحمد وعليُّ بن المدينيِّ= ابن أبي صُعَير فضعَّفاه جميعًا (1) .
وقال ابن عبد البرِّ: ليس دون الزُّهريِّ مَنْ تقوم به حجَّةُ (2) .
وقال الجوزجانيُّ: والنِّصف صاعٍ ذكره عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروابته ليس تثبت (3) .
وكذلك تكلَّم فيه ابن المنذر (4) .
والنُّعمان بن راشد: قال معاوية عن يحيى بن معين: ضعيفٌ (5) . وقال عبَّاس عن يحيى: ليس بشيءٍ (6) . وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: مضطرب الحديث (7) . وقال البخاريُّ: في حديثه وهمٌ كثيرٌ، وهو صدوقٌ في الأصل (8) . وقال ابن عَدِيٍّ: والنُّعمان بن راشد قد احتمله النَّاس، روى عنه الثِّقات، مثل: حمَّاد بن زيدٍ وجرير بن حازمٍ ووهيب بن خالدٍ وغيرهم من
__________
(1) "المغني" لابن قدامة: (4/287- المسألة رقم: 467) .
(2) "التمهيد": (14/329- 330) .
(3) "المغني" لابن قدامة: (4/287- المسألة رقم: 467) .
(4) انظر: "المغني" لابن قدامة: (4/287- المسألة رقم: 467) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (7/13- رقم: 1955) .
(6) "التاريخ": (4/252- رقم: 4220) .
(7) "العلل": (2/493- رقم: 3247) .
(8) "التاريخ الكبير": (8/80- رقم: 2248) .(3/97)
الثِّقات، وله نسخةٌ عن الزُّهريِّ، لا بأس به (1) .
وقال شيخنا أبو الحجَّاج في " التَّهذيب ": (خ د س) عبد الله بن ثعلبة ابن صُعَير- ويقال: ابن أبي صُعَير- العذريُّ، أبو محمَّد المدنيُّ، الشاعر، حليف بني زهرة، ويقال: ثعلبة بن عبد الله بن صُعَير، وأمُّه من بني زهرة، مسح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهه ورأسه زمن الفتح، ودعا له.
روى (خ د س) عن: النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و (د) عن أبيه ثعلبة بن صُعير وجابر ابن عبد الله و (خ) سعد بن أبي وقَّاص وعليُّ بن أبي طالب وعمر بن الخطَّاب و (س) أبي هريرة.
روى عنه: سعد بن إبراهيم وعبد الله بن مسلم- أخو الزُّهريِّ- وعبد الحميد بن جعفر- ولم يدركه- و (خ د س) محمَّد بن مسلم بن شهاب الزُّهريُّ.
قال سعد بن إبراهيم: ثنا عبد الله بن ثعلبة بن الأصعر بن أختٍ لنا.
وقال محمَّد بن سعدٍ: كان أبوه ثعلبة بن صُعَير شاعرًا، وكان حليفًا لبني زهرة. وقال الحاكم أبو أحمد: أبو محمَّد عبد الله بن ثعلبة صُعَير العذريَّ، ابن عمِّ خالد بن عرفطة بن صُعَير، حليف بني زهرة.
قيل: إنَّه ولد قبل الهجرة، وقيل: بعد الهجرة، وتوفِّي سنة سبعٍ- وقيل: سنة تسعٍ- وثمانين، وهو ابن ثلاث وثمانين، وقيل: ابن ثلاث وتسعين، وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته، ومبلغ سنِّه (2) O.
*****
__________
(1) "الكامل": (7/14- رقم: 1955) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (14/353- 354- رقم: 3193) .(3/98)
مسألة (332) : تجب صدقة الفطر بغروب الشَّمس من ليلة الفطر.
وقال أبو حنيفة: تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر.
وعن مالك والشَّافعيِّ كالمذهبن.
لنا:
حديث ابن عمر المتقدِّم (1) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر.
وفي "الصَّحيحين" من حديثه أيضًا أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بزكاة الفطر (2) .
فعلَّق الوجوب بالفطر، وإنَّما يكون ذلك بغروب الشَّمس.
*****
مسألة (333) : يجوز تقديم الفطرة بيوم أو يومين.
وقال أبو حنيفة: يجوز تقديمها على رمضان.
وقال الشَّافعيُّ: يجوز تعجيلها من أوَّل رمضان.
لنا:
1589- ما ووى الإمام أحمد، قال: حدَّثنا عتَّاب (3) ثنا عبد الله أنا
__________
(1) رقم: (1581) .
(2) "صحيح البخاري": (2/381) ؛ (فتح- 3/371- 372- رقم: 1507)
"صحيح مسلم": (3/68- 69) ؛ (فؤاد- 2/678- رقم: 984) .
(3) في "التحقيق": (غياث) خطأ.(3/99)
أسامة بن زيدٍ عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بزكاة الفطر أن تؤدَّى قبل خروج النَّاس إلى الصَّلاة (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
1590- وقال ابن ماجة: ثنا أحمد بن الأزهر ثنا مروان بن محمَّد ثنا أبو يزيد الخولانيُّ عن سيَّار بن عبد الرَّحمن عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ قال: فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطرة طهرةً للصَّائم، فمن أدَّاها قبل الصَّلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعد الصَّلاة فهي صدقةٌ من الصَّدقات (3) .
ز: الحديث الأوَّل: [مخرَّج] (4) في "الصَّحيحين" من غير حديث أسامة بن زيدٍ (5) .
والحديث الثَّاني: رواه أبو داود عن محمود بن خالد وعبد الله بن عبد الرَّحمن السَّمرقنديِّ عن مروان بن محمَّد عن أبي يزيد الخولانيِّ - وكان شيخَ صدقٍ، وكان ابن وهبٍ يروي عنه- عن سيَّار بن عبد الرَّحمن (6) .
ورواه ابن ماجة أيضًا عن عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان عن مروان (7) .
__________
(1) "المسند": (2/67) .
(2) انظر ما يأتي في كلام المنقح.
(3) "سنن ابن ماجة": (1/585- رقم: 1827) .
(4) زيادة من (ب) .
(5) "صحيح البخاري": (2/382) ؛ (فتح- 3/375- رقم: 1509) .
"صحيح مسلم": (3/70) ؛ (فؤاد- 2/679- رقم: 986) .
(6) "سنن أبي داود": (2/345- رقم: 1605) .
(7) "سنن ابن ماجة": (1/585- رقم: 1827) .(3/100)
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في رواته: ليس فيهم مجروحٌ (1) .
وقال صاحب "المغني": هذا إسنادٌ حسنٌ (2) .
وزعم الحاكم في "المستدرك" أنَّه صحيحٌ على شرط البخاريِّ ولم يخرجاه (3) ، قال أبو الفتح القُشيريُّ: وفيما قال نظرٌ، فإنَّ أبا يزيد وسيَّارًا لم يخرج لهما الشَّيخان، وكأنَّ الحاكم أشار إلى عكرمة، فإنَّ البخاريَّ احتجَّ به (4) .
وهذا الَّذي قاله صحيحٌ، فإنَّ سيَّارًا وأبا يزيد لم يخرِّج لهما إلا أبو داود وابن ماجة.
وأبو يزيد الخولانيُّ: هو الصَّغير، وقد أثنى عليه مروان بن محمَّد كما تقدَّم.
وسيَّار بن عبد الرَّحمن: قال أبو زرعة. لا بأس به (5) . وقال أبو حاتم: شيخٌ (6) . وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" (7) .
وهذان الحديثان لا حجَّة فيهما لما ذكره المؤلِّف من التَّقديم بيومٍ أو يومين.
وقد احتجَّ أصحابنا على ذلك:
1591- بما روى البخاريُّ بإسناده عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة الفطر من رمضان ... وقال في آخره: وكلانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين (8) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/138) .
(2) "المغني": (4/284- المسألة رقم: 466) .
(3) "المستدرك": (1/409) .
(4) "الإلمام": (1/324- رقم: 619) .
(5، 6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/256- رقم: 1108) .
(7) "الثقات": (6/421- 422) .
(8) "صحيح البخاري": (2/382) ؛ (فتح- 3/375- رقم: 1511) .(3/101)
قالوا: وهذا إشارةٌ إلى جميعهم، فيكون إجماعًا.
واحتجُّوا على أنَّه لا يجوز قبل ذلك:
1592- بما روى الجوزجانيُّ: حدَّثنا يزيد بن هارون أنا أبو مَعْشر عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر به فيقسم- قال يزيد: أظنُّ قال: يوم الفطر- ويقول: " أغنوهم عن الطَّواف في هذا اليوم " (1) .
قالوا: والأمر للوجوب، ومتى قدَّمها بالزَّمان الكثير لم يحصل إغناؤهم بها يوم العيد.
لكن راوي هذا الحديث أبو معشر، ولا يحتجُّ بحديثه، والله أعلم O.
*****
مسألة (334) : لا يجزئ في الفطرة أقلِّ- من صاعٍ.
وقال أبو حنيفة: يجزئ نصف صاع برٍّ.
لنا سبعة أحاديث:
__________
(1) ذكره ابن قدامة في "المغني": (4/300- 301- المسألة رقم: 474) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: هذا الحديث رواه الدارقطني في "سننه" بهذا الإسناد، ولفظه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر، وقال: " أغنوهم في هذا اليوم ".
ورواه ابن عدي في "الكامل" أيضًا كذلك، ولفظه: قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصدقة الفطر أن تخرج قبل الصلاة، وقال: " أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ".
فلا نحتاج للجوزجاني ولا غيره) أ. هـ وهذه الحاشية ليست للمنقح، والله أعلم.
وانظر: "سنن الدارقطني": (2/153) ؛ "الكامل" لابن عدي: (7/55- رقم: 1984) تحت ترجمة نجيح أبي معشر.(3/102)
1593- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح العامريِّ أنَّه سمع أبا سعيد الخدريَّ يقول: كنَّا نخرج زكاة الفطر: صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من أقطٍ، أو صاعًا من زبيبٍ (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
وفي لفظٍ: فلمَّا جاء معاوية، وجاءت السَّمراء، قال: أرى مُدًّا من هذا يعدل مُدَّين (3) .
1594- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن بهلول ثنا جدِّي ثنا أبي ثنا مبارك بن فضالة عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض على الذَّكر والأنثى، والحرِّ والعبد، صدقةَ رمضان: صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من طعام (4) .
1595- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن حمزة ثنا محمَّد ابن عبد الله بن سليمان ثنا زكريا بن يحيى بن صَبيح ثنا سعيد بن عبد الرَّحمن الجمحيُّ ثنا عبيد الله (5) عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر: صاعًا من تمر، أو صاعًا من طعامٍ (6) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/381) ؛ (فتح- 3/371- رقم: 1506) .
(2) "صحيح مسلم": (3/69) ؛ (فؤاد- 2/678- رقم: 985) .
(3) "صحيح البخاري": (2/381- 382) ؛ (فتح- 3/372- رقم: 1508) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/143) .
(5) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (عبد الله) خطأ.
(6) "سنن الدارقطني": (2/144- 145) وفيه: (صاعًا من تمر، أو صاعًا من بر) .(3/103)
قال المؤلِّف: أمَّا الطَّريق الأوَّل: ففيه مبارك، كان أحمد بن حنبل يضعِّفه ولا يعبأ به (1) ، وضعَّفه يحيى (2) والنَّسائيُّ (3) .
وفي الثَّاني: سعيد بن عبد الرَّحمن، قال ابن حِبَّان: كان يروي [عن] (4) الثِّقات موضوعات، كأَنَّه المتعمِّد لها (5) .
ز: هذا الحديث حسنٌ أو صحيحٌ.
ومبارك بن فضالة: حسَّن أمره غير واحدٍ من الأئمة، قال عمرو بن عليٍّ: سمعت عفَّان يقول: كان مبارك ثقةً، وكان، وكان. قال عمرو: وسمعت يحيى بن سعيد القطََّان يحسن الثَّناء على مبارك بن فضالة (6) . وسُئل أبو زرعة عن مبارك بن فضالة، فقال: يدلِّس كثيرًا، فإذا قال: (ثنا) فهو ثقةٌ (7) . وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة أحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة (8) .
وأمَّا سعيد بن عبد الرَّحمن الجمحيُّ: فروى له مسلمٌ في "صحيحه" (9) ، ووثَّقه من هو أعلم من ابن حِبَّان كيحيى بن معين (10) ، وقال أحمد: ليس به
__________
(1) "المسائل" برواية ابن هانئ: (2/229- رقم: 2256) ، و"الكامل" لابن عدي: (6/319- رقم: 1801) .
(2) "العلل" لعبد الله بن أحمد: (3/10- رقم: 3913) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 220- رقم: 574) .
(4) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المجروحون".
(5) "المجروحون": (1/323) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/338- 339- رقم: 1557) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/339- رقم: 1557) .
(8) "الكامل": (6/321- رقم: 1801) .
(9) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/248- رقم: 534) .
(10) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 125- رقم: 388) .(3/104)
بأسٌ (1) . وقال النَّسائيُّ: لا بأس به (2) . وقال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنَّها مستقيمة، وإنَّما يهم عندي في الشيء بعد الشيء، فيرفع موقوفًا، ويصل مرسلاً، لا عن تعمُّدِ (3) .
1595- وقد روى الحاكم حديث سعيد: عن أبي بكر محمَّد بن أحمد ابن بالويه عن أحمد بن عليٍّ الخرَّاز عن إسماعيل بن إبراهيم التَّرجُمانيِّ عنه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وصحَّحه، ولفظه: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من برٍّ، على كلِّ حرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى، من المسلمين (4) .
وقال البيهقيُّ: كذا قاله سعيد بن عبد الرَّحمن الجمحيُّ، وذِكْرُ البرِّ فيه ليس بمحفوظٍ (5) O.
1596- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ومحمَّد بن مخلد قالا: ثنا أبو يوسف القُلُوسيُّ ثنا بكر بن الأسود ثنا عبَّاد بن العوَّام عن سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضَّ على صدقة رمضان، على كلِّ إنسان: صاعٌ (6) من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ، أو صاعٌ من قمحٍ (7) .
__________
(1) "سؤالات أبي داود": (ص: 234- 235- رقم: 232) وفيه: (ليس به بأس، حديثه مقارب) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (10/530- رقم: 2312) .
(3) "الكامل": (3/401- رقم: 824) .
(4) "المستدرك": (1/410) .
(5) "سنن البيهقي": (4/166) .
(6) في (ب) و"سنن الدارقطني": (صاعًا) وكذا ما بعدها.
(7) "سنن الدارقطني": (2/144) .(3/105)
قال يحيى: سفيان بن حسين لم يكن بالقويِّ (1) . وقال ابن حِبَّان: يروي عن الزُّهريِّ المقلوبات (2) .
قلت: وقد أخرج عنه مسلمٌ (3) .
ز: سفيان بن حسين: الأكثر على تضعيفه في روايته عن الزُّهريِّ، قال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ إلا في الزُّهريِّ (4) . وقال ابن عَدِيٍّ: هو في غير الزُّهريِّ صالح الحديث، وفي الزُّهريِّ يروي أشياء خالف النَّاس (5) . وقد استشهد به البخاريُّ في " الصَحيح "، وروى له في " القراءة خلف الإمام " وفي "الأدب"، وروى له مسلمٌ في " مقدمة كتابه ".
وبكر بن الأسود: تكلَّم فيه الدَّارَقُطْنِيُّ، وقال: ليس بالقويِّ (6) .
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: صدوقٌ (7) .
وقد روى الحاكم هذا الحديث وصحَّحه من هذه الطَّريق (8) ، وفي كونه حسنًا نظر O.
1597- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا أبو الأشعث ثنا الثَّقفيُّ ثنا هشام عن محمَّد بن سيرين عن ابن عبَّاس قال:
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (3/415- رقم: 842) من رواية يعقوب بن شيبة.
(2) "المجروحون": (1/358) .
(3) انظر ما يأتي في كلام المنقح.
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (11/141- رقم: 2399) .
(5) "الكامل": (3/416- رقم: 842) .
(6) "سنن الدارقطني": (2/144) .
(7) "الجرح والتعديل": (2/382- رقم: 1490) .
(8) "المستدرك": (1/410) .(3/106)
أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نعطي (1) صدقة رمضان عن الصَّغير والكبير، والحرِّ والمملوك، صاعًا من طعام، من أدَّى برًّا قبل منه، ومن أدَّى شعيرًا قبل منه، ومن أدَّى زبيبًا قبل منه، ومن أدَّى سُلتا (2) قبل منه (3) .
ز: هذا إسنادٌ جيدٌ، ورجاله ثقاثٌ مشهورون، ولكنَّه غير مخرَّجٍ في " السُّنن "، وفيه إرسالٌ.
وقد قال أبو محمَّد بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه نصر بن عليٍّ عن عبد الأعلى عن هشام عن محمَّد عن ابن عبَّاس قال: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نؤدِّي زكاة رمضان، صاعًا من طعامٍ، عن الصَّغير والكبير، والحرِّ والمملوك، من أدَّى سُلتا قبل منه. وأحسبه قال: ومن أدَّى دقيقًا قبل منه، ومن أدَّى سويقًا قبل منه. قال أبي: هذا حديثٌ منكرٌ (4) .
وقال الإمام أحمد (5) وابن المدينيِّ (6) وابن معين (7) والبيهقيُّ (8) : محمَّد ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئًا.
__________
(1) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (أمرنا أن تعطى) .
(2) في " النهاية ": (2/388 - سلت) : (السُّلت: ضرب من الشعير أبيض، لا قشر له؛ وقيل: هو نوع من الحنطة؛ والأول أصح ... ) أ. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (2/144) .
(4) "العلل": (1/216- رقم: 627) .
(5) "العلل" برواية عبد الله: (1/487- رقم: 1123) .
(6) في "العلل" له: (ص: 60- رقم: 76) : (قال شعبة: أحاديث محمد بن سيرين إنما سمعها من عكرمة، لقيه أيام المختار، ولم يسمع ابن سيرين من ابن عباس شيئًا) ا. هـ ولا ندري عن الجملة الأخيرة هل هي من تمام كلام شعبة، أم أنها كلام مستأنف لابن المديني؟ الله أعلم.
(7) "التاريخ" برواية الدوري: (4/203- رقم: 3960) .
(8) "سنن البيهقي": (4/169) .(3/107)
وقد روى النَّسائيُّ حديث ابن سيرين عن ابن عبَّاس من قوله: صاعًا من تمرٍ (1) .
ورواه أبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) من حديث الحسن عن عليٍّ قوله.
1598- وقال البيهقيُّ: أنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد ابن عبيد الصَّفَّار ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا سليمان بن حربٍ ثنا حمَّاد بن زيدٍ عن أيُّوب قال: سمعت أبا رجاء يقول: سمعت ابن عبَّاس يخطب على المنبر، وهو يقول في صدقة الفطر: صاعًا من طعامٍ.
قال البيهقيُّ: هذا هو الصَّحيح، موقوفٌ.
1599- وقد أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر محمَّد بن إبراهيم الفارسيُّ قالا: أنا أبو عمرو بن مطر أنا محمَّد بن أيُّوب أنا عبد الله بن الجرَّاح ثنا حمَّاد بن زيد عن أيوب عن أبي رجاء العطارديِّ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أدُّوا صاعًا من طعامٍ- يعني في الفطر- " (4) O.
1600- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مخلد ثنا أحمد ابن إسحاق بن يوسف ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنينيُّ عن كثير بن عبد الله بن عمرِو بن عوفٍ عن أبيه عن جدِّه قال: فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطر على كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من طعام، أو صاعًا من زبيبٍ (5) .
__________
(1) "سنن النسائي": (5/50- 51- رقم: 2509) .
(2) " سنن أبي. داود ": (2/352- رقم: 1619) .
(3) "سنن النسائي": (5/52- 53- رقم: 2515) .
(4) "سنن البيهقي": (4/167) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/144) .(3/108)
قال أحمد: كثير بن عبد الله ليس بشيءٍ (1) . وقال يحيى: ليس حديثه بشيءٍ (2) . وقال النَّسائيُّ (3) والدَّارَقُطْنِيُّ (4) : متروك الحديث. وقال الشَّافعيُّ: هو ركنٌ من أركان الكذب (5) .
وكان أحمد لا يرضى إسحاق الحنينيَّ (6) .
ز: هذا حديثٌ ضعيفٌ، وكثيرٌ مجمعٌ على ضعفه، ولم يُوَافَق التِّرمذيُّ على تصحيح حديثه في موضعٍ، وتحسينه في آخر.
وإسحاق بن إبراهيم الحنينيُّ، وثَّقه ابن حِبَّان (7) ، وكان مالكٌ يعظِّمه ويكرمه (8) ، وتكلَّم فيه البخاريُّ (9) والنَّسائيُّ (10) وابن عَدِيٍّ (11) والأزديُّ (12) ، وأحمد الذي كان لا يرضاه هو أحمد بن صالح (13) ، لا أحمد بن حنبل، فلا ينبغي إطلاقه O.
__________
(1) انظر ما تقدم (2/582- 583) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (6/57- رقم: 1599) من رواية ابن أبي مريم.
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 195- رقم: 504) .
(4) " سؤالات السلمي ": (ص: 279- رقم: 283) .
(5) "المجروحون" لابن حبان: (2/221- 222) .
(6) انظر ما يأتي في كلام المنقح.
(7) "الثقات": (8/115) وقال: (كان ممن يخطئ) .
(8) "تهذيب الكمال" للمزي: (2/398 - رقم: 337) .
(9) "التاريخ الكبير": (1/379- رقم: 1207) ، قال: (في حديثه نظر) .
(10) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 54- رقم: 44) .
(11) "الكامل": (1/342- رقم: 171) ، قال: (والحنيني مع ضعفه يكتب حديثه) .
(12) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (1/97- رقم: 296) .
(13) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/208- رقم: 708) .(3/109)
1601- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عليُّ بن محمَّد بن أحمد المصريُّ ثنا أحمد بن داود المكيُّ ثنا مسدَّد ثنا حمَّاد بن زيد عن النُّعمان بن راشد عن الزُّهريِّ عن ابن صُعَير عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أدُّوا صدقة الفطر، صاعًا من برٍّ أو قمحٍ، عن كل رأسٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ " (1) .
قال أحمد: النُّعمان مضطرب الحديث، روى أحاديث مناكير. وقال يحيى: ليس بشيءٍ.
ز: قد تقدَّم هذا الحديث والكلام عليه بما فيه كفاية (2) O.
1602- الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عبد العزيز بن جعفر الخوارزميُّ ثنا محمَّد بن مرزوق ثنا محمَّد بن بكر ثنا عمر بن محمَّد بن صُهبان قال: أخبرني ابن شهابٍ الزُّهريِّ عن مالك بن أوس بن الحَدَثَان عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!: " أخرجوا زكاة الفطر، صاعًا من طعامٍ " (3) .
قال أحمد: عمر بن صُهبان ليس بشيءٍ (4) . وقال يحيى: لا يساوي فلسًا (5) . وقال الرَّازيُّ (6) والنَّسائيُّ (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8) : متروكٌ.
ز: 1603- روى الحاكم في "المستدرك" من حديث ابن عُليَّة عن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/148) .
(2) رقم: (1543) وما بعده.
(3) "سنن الدارقطني": (2/147) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (5/13- رقم: 1188) وفيه: (لم يكن بشيء) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/254- رقم: 1196) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/116- رقم: 626) وفيه (ضعيف الحديث، منكر الحديث، متروك الحديث) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 181- رقم: 469) .
(8) "العلل": (9/57- رقم: 1640) .(3/110)
ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عَدِيٍّ بن حكيم بن حزام عن عياض بن عبد الله قال: قال أبو سعيد الخدريُّ- وذكر عنده صدقة الفطر- فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرجه في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من حنطة، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من أقط. فقال له رجلٌ من القوم: أو مُدَّين من قمحٍ. فقال: لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها، ولا أعمل بها.
كذا فيه، والصَّواب: عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام (1) .
قال أبو داود- بعد أن روى الحديث عن القعنبيِّ عن داود بن قيس عن عياض-: ورواه ابن عُليَّة وعبدة وغيرهما عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض عن أبي سعيد بمعناه، حدَّثنا مسدَّد عن إسماعيل، وليس فيه ذكر الحنطة.
وقال في (صاع الحنطة) : ليس بمحفوظٍ (2) .
وقال الحاكم- بعد ذكر حديث أبي سعيد وغيره-: فهذه أحاديث صحيحة في صاع البرِّ، وأشهرها حديث أبي معشر عن نافع عن ابن عمر، وتركته لأنَّه ليس من شرط الكتاب.
1604- وحدَّثنا أبو الفضل المزكِّي ثنا أحمد بن سلمة ثنا الحسن بن الصبَّاح ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال في صدقة الفطر: " عن كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، حرٍّ أو عبدٍ، صاعٌ من برٍّ، أو صاعٌ من تمرٍ" (3) .
__________
(1) وهو على الصواب في مطبوعة "المستدرك".
(2) "سنن أبي داود": (2/348- 349- رقم: 1612) .
(3) "المستدرك": (1/411) .(3/111)
الحارث لا يحتجُّ به، وقد رواه سلامة بن روح ثنا عُقيل بن خالد عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ موقوفًا، ورواية عُقيل عن أبي إسحاق غريبةٌ جدًّا.
1605- وقال البيهقيُّ: أنا أبو بكر بن الحارث أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن عُزيز (ح) وأنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسن محمَّد بن عبد الله العنزيُّ ثنا محمَّد بن إسحاق أنا محمَّد بن عُزيز الأبليُّ حدَّثني سلامة بن روح عن عُقيل بن خالد عن عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي إسحاق الهمدانيِّ عن الحارث أنَّه سمع عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر بزكاة الفطر، فيقول: هي صاعٌ من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ، أو صاعٌ من حنطةٍ، أو سُلتٍ، أو زبيبٍ.
هذا حديث أبي بكر، ولم يذكر أبو عبد الله في إسناده (عتبة بن عبد الله) .
قال البيهقيُّ: وروي ذلك مرفوعًا، والموقوف أصحُّ (1) .
1606- وقد روى الحاكم من رواية عبَّاد بن زكريا ثنا سليمان بن أرقم عن الزُّهريِّ عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " من كان عنده طعامٌ فليتصدَّق بصاعٍ من برٍّ، أو صاعٍ من شعيرٍ، أو صاعٍ من تمرٍ، أو صاعٍ من دقيقٍ، أو صاعٍ من زبيبٍ، أو صاعٍ من سُلتٍ " (2) .
سليمان بن أرقم أجمعوا على ضعفه O.
احتجُّوا بثمانية أحاديث:
1607- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عتَّاب بن زياد ثنا عبد الله بن المبارك أنا ابن لهيعة عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن نوفل عن
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/166-167) .
(2) "المستدرك": (1/411- 412) .(3/112)
فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنَّا نؤدِّي زكاة الفطر على عهد رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّين من قمحٍ، بالمدِّ الَّذي تقتاتون به (1) .
1608- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن غيلان (2) ثنا الحسن بن الصَّبَّاح البزَّار ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في صدقة الفطر: " نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعًا من تمرٍ " (3) .
1609- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إبراهيم بن محمَّد بن يحيى ثنا مكيُّ بن عبدان ثنا أبو الأزهر ثنا محمَّد بن شُرَحْبيل الصَّنعانيُّ ثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع أنَّه أخبره عن ابن عمر أنَّه قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن حزم في زكاة الفطر: نصف صاعٍ من حنطة، أو صاعًا من تمرٍ (4) .
1610- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن عليٍّ الدِّيباجيُّ ثنا أيُّوب بن سليمان الصُّغديُّ ثنا يزيد بن عبد ربِّه ثنا بقيَّة عن داود بن الزِّبرقان عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقة الفطر: صاعٌ من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ، أو مُدَّان من حنطة " (5) .
1611- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن محمَّد بن سعدان ثنا شعيب بن أيُّوب ثنا حسين بن عليٍّ عن زائدة عن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن
__________
(1) "المسند": (6/355) .
(2) في "التحقيق": (عبد البر) !
(3) "سنن الدارقطني": (2/149) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/145) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/143) .(3/113)
نافع عن ابن عمر قال: كان النَّاس يُخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صاعٌ من شعيرٍ، أو صاعٌ من تمرٍ أو زبيبٍ، فلمَّا كان عمر، وكثرت الحنطة، جعل نصف صاع حنطة مكانًا من تلك الأشياء (1) .
1612- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مخلد ثنا أحمد ابن عبد الله الحدَّاد ثنا داود بن شبيب ثنا يحيى بن عبَّاد السَّعديُّ ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث صارخًا ببطن مكَّة، صاح: إنَّ صدقة الفطر حقٌّ واجبٌ، مُدَّان من قمحٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ أو تمرٍ (2) .
1613- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمَّد بن أحمد بن أبي الثَّلج قال: حدَّثنى جدِّي ثنا محمَّد بن عمر الواقديُّ ثنا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس (3) عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن عن ابن عبَّاس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أََّنه أمر بزكاة الفطر، صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو مُدَّين من قمح (4) .
1614- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو ذرٍّ الواسطيُّ ثنا سعدان بن نصر ثنا هاشم بن القاسم ثنا سلام الطَّويل عن زيدٍ العَمِّيِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقة الفطر عن كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، ذكرٍ وأنثى، نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعٌ من تمرٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ " (5) .
1615- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان ثنا يزيد بن هارون أنا حميد الطَّويل عن الحسن قال:
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/145) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/142) .
(3) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (عن ابن أبي أنس) خطأ.
(4) "سنن الدارقطني": (2/143) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/150) .(3/114)
خطب ابن عبَّاس النَّاس في آخر رمضان، فقال: يا أهل البصرة، إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض صدقة رمضان، نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ (1) .
1616- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أحمد بن العبَّاس البغويُّ ثناعبَّاد بن الوليد ثنا عبَّاد بن زكريا الصُّريميُّ ثنا ابن أرقم عن الزُّهريِّ عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " من كان عنده فليتصدَّق بنصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعٍ من شعيرٍ، أو صاعٍ من تمرٍ، أو صاعٍ من دقيقٍ، أو صاعٍ من زبيب، أو صاعٍ من سُلت " (2) .
1617- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول ثنا جدِّي ثنا سالم بن نوحٍ عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث مناديًا ينادي في فجاج مكَّة: ألا إنَّ زكاة الفطر واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ، مُدَّان من قمحٍ، أو صاعًا ممَّا سواه من الطَّعام (3) .
1618- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا أبو سهل بن زياد ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا إبراهيم بن مهديٍّ ثنا المعتمر قال: أنبأني عليُّ بن صالحٍ عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر صائحًا، فصاح: إنَّ صدقة الفطر حقٌّ واجبٌ على كل مسلمٍ، مُدَّان من قمحٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ أو تمرٍ (4) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/152) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/150) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/141) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/141- 142) .(3/115)
1619- الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا عثمان بن أحمد ثنا إبراهيم بن الهيثم ثنا إبراهيم بن مهديٍّ ثنا المعتمر قال: أنبأني عليُّ بن صالح عن يحيى بن جُرْجَة عن الزُّهريِّ عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعير أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب، فقال: " إنَّ صدقة الفطر مُدَّان من برٍّ عن كلِّ إنسانٍ، أو صاعٌ ممَّا سواه من الطََّعام " (1) .
1620- الحديث الثَّامن: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ثنا أحمد بن رشدين ثنا سعيد بن عُفير ثنا الفضل بن المختار قال: حدَّثني عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدقة الفطر: " مُدَّان من قمحٍ، أو صاعٌ من شعيرٍ أو تمرٍ أو زبيبٍ " (2) .
والجواب: ليس في هذه الأحاديث ما يثبت:
أمَّا حديث أسماء: فيرويه ابن لهيعة، وقد قال السَّعديُّ: لا ينبغي أن يحتجَّ بروايته (3) .
وأمَّا حديث عليٍّ عليه السَّلام (4) : فراويه الحارث الأعور، قال الشَّعبيُّ (5) وابن المدينيِّ (6) : الحارث كذَّابٌ.
وأمَّا حديث ابن عمر: فقي طريقه الأوَّل سليمان بن موسى، قال ابن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/149) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/149) .
(3) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 266- رقم: 279) .
(4) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص بعض الصحابة- رضي الله عنهم - بالتسيم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البداع.
(5) " مقدمة صحيح مسلم ": (1/14) ؛ (فؤاد- 1/19) .
(6) " الشجرة في أحوال الرجال " للجوزجاني: (ص: 42- رقم: 13) .(3/116)
المدينيِّ: سليمان مطعونٌ عليه (1) . وقال البخاريُّ: عنده مناكير (2) .
وفي طريقه الثَّاني: داود بن الزِّبرقان، قال أحمد: ليس حديثه بشيءٍ (3) . وقال يحيى: ليس بشيءٍ (4) . وقال ابن المدينيِّ: كتبت عنه شيئًا، ثُمَّ رميت به (5) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (6) .
وفي طريقه الثَّالث: ابن أبي روَّاد، قال ابن حِبَّان: كان يحدِّث على التَّوهُّم والحسبان، فسقط الاحتجاج به (7) .
قال المؤلِّف: قلت: وقد ذكرنا في حديث أبي سعيد أنَّه إنَّما عَدَّل القيمة في الصَّاع معاوية، فأمَّا عمر فإنَّه كان أشدّ إتباعًا للأثر من أن يفعل ذلك.
وأمَّا حديث ابن عبَّاس: ففي طريقه الأوَّل: يحيى بن عبَّاد، قال العقيليُّ: حديث يحيى بن عبَّاد يدلُّك على الكذب (8) .
وفي طريقه الثَّاني: الواقديُّ، قال أحمد: هو كذَّابٌ (9) . وقال
__________
(1) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/140- رقم: 632) .
(2) "التاريخ الكبير": (4/38- رقم: 1888) ؛ "الضعفاء الصغير": (ص: 442- رقم: 146) .
(3) قال ابن الجوزي في "الضعفاء": (1/262- رقم: 1142) : (قال أحمد: قد رأيته: ليس حديشه بشيء. وفي رواية عنه تحسين القول فيه) ا. هـ
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/279- رقم: 1337) .
(5) "تاريخ بغداد" للخطيب: (8/358- رقم: 4457) من رواية ابنه عبد الله.
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 95- رقم: 181) .
(7) "المجروحون": (2/136- 137) بتصرف.
(8) "الضعفاء الكبير": (4/416- رقم: 2041) وفيه: (صاحب حديث ابن جريج في صدقات الفطر، فدلت روايته على أنه واه) ا. هـ
(9) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (4/108- رقم:1666) .(3/117)
البخاريُّ (1) والرَّازيُّ (2) والنَّسائيُّ (3) : متروكٌ.
وفي طريقه الثَّالث: سلام الطَّويل، ولم يسند هذه الطَّريق غير سلام، وهو متروكٌ، وقد ذكرنا القدح في سلام آنفًا (4) .
وأمَّا الحديث الخامس: فقال الدَّارَقُطْنيُ: لم يروه بهذا الإسناد غير سليمان بن أرقم، وهو متروك الحديث (5) . وقال أحمد بن حنبل: لا يروى عن سليمان الحديث (6) . وقال يحيى: لا يساوي فلسًا (7) . وقال الفلاس: ليس بثقةٍ (8) .
وأمَّا الحديث السَّادس: ففي طريقه الأوَّل: سالم بن نوح، قال يحيى ابن معين: ليس بشيءٍ (9) .
وفي طريقه الثَّاني: عليُّ بن صالح، وقد ضعَّفوه.
وأمَّا الحديث السَّابع: ففيه عليُّ بن صالحٍ أيضًا.
وفيه إبراهيم بن مهديٍّ، قال أبو بكر الخطيب: كان ضعيف الحديث (1) .
__________
(1) "الضعفاء الصغير": (ص: 484- رقم: 334) ، وفيه: (متروك الحديث) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/21- رقم: 92) ، وفيه: (متروك الحديث) .
(3) " الضععفاء والمتروكون ": (ص: 207- رقم: 531) ، وفيه: (متروك الحديث) .
(4) انظر: (1/418) ، (3/93) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/150) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (2/67- رقم: 1570) .
(7) "التاريخ" برواية الدوري: (3/528- رقم: 2577) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/100- رقم: 450) .
(9) "التاريخ" برواية الدوري: (4/209- رقم: 3995) .
(10) انظر ما يأتي في كلام المنقح: (ص: 127) .(3/118)
وفيه إبراهيم بن الهيثم، قال ابن عَدِيٍّ: حدَّث ببغداد، فكذَّبه النَّاس (1) .
قال أحمد بن حنبل: وهذا الحديث يرويه النُّعمان بن راشدٍ فيقول: (ثعلبة بن أبي صُعير عن أبيه) ، وغيره لا يرفعه، ولا يقول: (عن أبيه) ، وليس بمحفوظٍ، وعامَّة الحديث ليس قيه: (عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، هذا ولا يعطي قيمته.
وأمَّا الحديث الثَّامن: ففيه الفضل بن المختار، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: يحدِّث بالأباطيل، وهو مجهولٌ (2) .
وفيه أحمد بن رشدين، قال ابن عَدِيٍّ: كذَّبوه، وأنكرت عليه أشياء (3) .
بلى قد روي لهم حديثٌ مرسلٌ:
1621- فأنبأنا أحمد بن الحسن بن البنا- وأنا عنه ابن ناصر- أنا محمَّد ابن عليِّ الدَّجَّاجيُّ أنا عبد الله بن محمَّد الأسديُّ أنا عليُّ بن الحسن بن العبد ثنا أبو داود السِّجستانيُّ ثنا قتيبة أنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيَّب قال: فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطر، مُدَّبن من حنطة (4) .
__________
(1) انظر: "الكامل": (1/274- رقم: 115) ، وسيأتي نص كلامه في زيادات المنقح: (ص: 128) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/69- رقم: 391) .
(3) "الكامل": (1/198 - رقم: 420) ، والذي في المطبوع حكاية تضعيفه عن أحمد بن صالح وغيره، ثم قال ابن عدي: (ابن رشدين هذا صاحب حديث كثير، يحدث عن الحفاظ بحديث مصر، أنكرت عليه أشياء مما رواه، وهو ممن يكتب حديثه مع ضعفه) ا. هـ
(4) هو في " المراسيل ": (ص: 137- رقم: 121) .(3/119)
وهذا مع إرساله يحتمل أن يكون آخر الخبر: (فرض زكاة الفطر) ، ثُمَّ يكون الباقي تفسيرًا من سعيد.
ز: القول بإيجاب نصف صاعٍ من برٍّ قولٌ قويٌّ، وأدلَّته كثيرةٌ، منها ما ذكره المؤلِّف، وفي بعض كلامه وهمٌ، وفي بعضه نظرٌ:
فأمَّا حديث أسماء: فهو من رواية إمام عن ابن لهيعة، وهو ابن المبارك، وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة.
وأمَّا حديث عليٍّ: فهو من رواية الحارث عنه، وقد روي [عنه] (1) مرفوعًا وموقوفًا- وهو أشبه-، وقد اختلف في لفظه: فقيل: (نصف صاعٍ من برٍّ) كرواية الدَّارَقُطْنِيِّ؛ وقيل: (صاعٌ) كرواية الحاكم (2) .
وقد سئل عنه الحافظ أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل" فقال: يرويه أبو إسحاق، واختلف عنه:
فرواه أبو بكر بن عيَّاش عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ، وقال فيه: (نصف صاعٍ من برٍّ/) . واختلف عنه في رفعه: فرفعه أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن غيلان الخزَّاز عن الحسن بن الصَّبَّاح البزَّار عن أبي بكر بن عيَّاش، ووهم في رفعه؛ وغيره يرويه موقوفًا.
ورواه أبو عميس- واسمه عقبة بن عمد الله بن عتبة بن مسعود- عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ، وقال فيه: (صاعًا من حنطة) ، ووقفه أيضًا. والصَّحيح موقوفٌ (3) .
__________
(1) زيادة من (ب) .
(2) "المستدرك": (1/411) .
(3) "العلل": (3/179- 180- رقم: 343) .(3/120)
وأمَّا حديث ابن عمر من رواية سليمان بن موسى عن نافع، ومن رواية داود بن الزِّبرقان عن أيُّوب: فمنكرٌ جدًّا.
وقد روى البيهقيُّ في " السُّنن الكبير " حديثًا في هذا من رواية نافع، فقال:
1622- أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمَّد بن الحسين القطَّان ثنا أبو الأزهر ثنا محمَّد بن شُرحبيل ثنا ابن جريج قال: أخبرني أيُّوب بن موسى أنَّ نافعًا أخبره عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم في زكاة الفطر: " نصف صاعٍ من حنطة، أو صاعٌ من تمرٍ ".
قال البيهقيُّ: وهذا لا يصحُّ، وكيف يكون ذلك صحيحًا ورواية الجماعة عن نافع عن ابن عمر أنَّ تعديل الصاع مدَّين من حنطة كان بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! (1) .
وأمَّا حديث ابن عمر من رواية عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع: فرواه أبو داود عن الهيثم بن خالد الجُهنيِّ عن حسين بن عليٍّ الجُعفيِّ (2) ، ورواه النَّسائيُّ عن موسى بن عبد الرَّحمن المسروقيِّ عن الحسين الجُعفيِّ (3) .
1623- وروى الحاكم من رواية مكيِّ بن إبراهيم عن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع عن ابن عمر قال: كانوا يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو سُلت، أو زبيبٍ.
صحَّحه الحاكم، وقال: وعبد العزيز بن أبي روَّاد ثقةٌ عابدٌ (4) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/168) .
(2) "سنن أبي داود": (2/347- 348- رقم: 1610) .
(3) "سنن النسائي": (5/53- رقم: 2516) ولم يذكر محل الشَّاهد.
(4) "المستدرك": (1/409) .(3/121)
وقال صاحب "الإلمام" فيه: وأبو عمر خالفه في التَّصحيح كما دلَّ عليه كلامه
وقد تكلَّم في ابن أبي روَّاد: ابن الجنيد (2) وابن حِبَّان (3) ، ووثَّقه يحيى بن سعيد القطَّان (4) ويحيى بن معين (5) وأبو حاتم الرَّازيُّ (6) وغيرهم، والموثِّقون له أعرف من المضعِّفين- والله أعلم-، وقد أخرج له البخاريُّ استشهادًا.
وأمَّا حديث ابن عبَّاس من رواية يحيى بن عبَّاد: فرواه البيهقيُّ، قال:
1624- أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن علي الورَّاق- ولقبه " حمدان "- ثنا داود بن شبيب ثنا يحيى بن عبَّاد - وكان من خيار النَّاس- ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر صارخًا ببطن مكَّة ينادي: " إنَّ صدقة الفطر حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ، ذكرٍ أو أنثى، حرٍّ أو مملوكٍ، حاضرٍ أو بادٍ، صاعٌ من شعيرٍ أو تمرٍ ".
ورواه محمَّد بن مخلد عن حمدان، فزاد فيه: (مدَّان من قمحٍ) ، وقاله الكديميُّ أيضًا عن داود بن شبيب.
قال: وهذا حديثٌ ينفرد به يحيى بن عبَّاد عن ابن جريج هكذا، وإنَّما رواه غيره عن ابن جريجٍ عن عطاء من قوله في المُدَّين، وعن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرفوعًا إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سائر ألفاظه:
1625- أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا
__________
(1) "الإلمام": (1/321- رقم: 613) .
(2) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (3/109) .
(3) "المجروحون": (2/136) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/394- ر قم: 1830) .
(5) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 425- رقم: 631) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/394- رقم: 1830) .(3/122)
محمَّد بن إسماعيل الفارسيِّ ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهَّاب بن عطاء أنا ابن جريج قال: قال عمرو بن شعيب: بلغني أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر صارخًا يصرخ: " على كلِّ مسلمٍ ... قال: فذكره ". قال: وثنا ابن جريج قال: قال عطاء: مُدَّين من قمحٍ، أو صاعٌ من تمرٍ أو شعيرٍ، الحرُّ والعبد فيه سواء.
وكذلك رواه عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج عن عمرو منقطعًا.
1626- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الحسين أحمد بن عثمان الآدميُّ- ببغداد- ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمَّد الرَّقاشيُّ ثنا مالك بن عبد الواحد ثنا المعتمر بن سليمان عن عليِّ بن صالح عن ابن جريح عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " زكاة الفطر على الحاضر والبادي ".
ورواه إبراهيم بن مهديٍّ عن المعتمر..- وساق الحديث بطوله-، ورواه سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه مرفوعًا، إلا أنَّه لم يذكر (الحاضر والبادي) .
قال أبو عيسى التِّرمذيُّ (1) : سألتُ محمَّدًا- يعني البخاريَّ- عن هذا الحديث، فقال: ابن جريج لم يسمع عمرو بن شعيب (2) 0 انتهى ما ذكره البيهقيُّ.
وقد صحَّح حديث يحيى بن عبَّاد: الحاكم في " مستدركه " (3) ، وتكلَّم
__________
(1) هو في "العلل الكبير": (ترتيبه- ص: 108- رقم: 186) .
(2) "سنن البيهقي": (4/172- 173) .
(3) "المستدرك": (1/410) .
(تننيه) وقع في مطبوعة "المستدرك" و"تلخيصه" للذهبي سقط في كل واحد منهما، مختلف عن الآخر. =(3/123)
العقيليُّ في يحيى- كما تقدَّم (1) -، وكذلك ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (2) وقال الأزديُّ: منكر الحديث جدًّا، عن ابن جريج (3) .
وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ حديث يحيى من غير رواية حمدان- كما تقدَّم (4) -، والله أعلم.
وأمَّا حديث ابن عبَّاس من رواية الحسن عنه: فلم يتكلَّم عليه المؤلِّف، ورواته ثقاتٌ مشهورون، لكن فيه إرسال، فإنَّ الحسن لم يسمع من ابن عبَّاس فيما قيل، وقد جاء في " مسند أبي يعلى الموصليِّ " في حديثٍ أنَّه قال: (أخبرني ابن عبَّاس) (5) وهو- إن ثبت- يدلُّ على سماعه منه.
__________
= انظر: " مختصر استدراك الذهبي على المستدرك " لابن الملقن: (1/316- رقم: 96) ، و"إتحاف المهرة" لابن حجر: (7/418- رقم: 8102؛ 9/261- رقم: 11071) ، وقد نبه على ذلك الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع في تعلقه على " المقنع " لابن الملقن: (1/202) .
(1) (ص: 117) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (14/144- رقم: 7462) .
(3) "الضعفاء" لابن الجوزي: (3/197- رقم: 3729) دون قوله: (عن ابن جريج) .
(4) الأرقام: (1613- 1615) .
(5) "مسند أبي يعلى": (4/402- رقم: 2524) .
(تنبيه) : قال الشيخ المحدث أحمد بن محمد شاكر- رحمه الله- في تعليق له على " مختصر سنن أبي داود ": (2/222- رقم: 1555) : (الذي يقطع بسماعه- أي الحسن- منه ولقاؤه إياه أي: ابن عبَّاس- ما رواه أحمد في "المسند" بإسناد صحيح 3126 عن ابن سيرين أن جنازة مرت بالحسن وابن عباس، فقام الحسن ولم يقم ابن عبَّاس، فقال الحسن لابن عباس: قام لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: قام وقعد.
وليس بعد هذا بيان في اللقاء والسماع. وكتبه أحمد محمد شاكر) ا. هـ
وقد نبه الشيخ حاتم العوني- وفقه الله- في كتابه " المرسل الخفي ": (4/1596) أن الحسن في هذا الخبر ليس البصري، وإنما هو الحسن بن علي رضي الله عنهما، كلما جاء التصريح به عند النسائي - في "سننه": (1924) - وغيره.(3/124)
وقد روى حديث الحسن عن ابن عبَّاس في إخراج الصَّدقات: أبو داود عن ابن مثنَّى عن سهل بن يوسف قال حميد: أنا عن الحسن به (1) ، ورواه النَّسائيُّ عن عليٍّ بن حُجر عن يزيد بن هارون عن حميد بنحوه (2) ، ورواه عن ابن مثنَّى أيضًا (3) ، وقال: الحسن أيسمع من ابن عبَّاس (4) .
وقال الحاكم: أن الحسن بن محمَّد الإسفرائيني ثنا محمَّد بن أحمد بن البرَّاء قال: سمعت عليَّ بن عبد الله المدينيِّ- وسئل عن حديث ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زكاة الفطر-، فقال (5) : حديثٌ بصريٌّ، وإسناده مرسلٌ. قال: وقال عليٌّ (6) : الحسن لم يسمع من ابن عبَّاس، وما رآه قطُّ، كان بالمدينة أيام كان ابن عبَّاس على البصرة.
قال: وقال لي عليٌّ- في حديث الحسن: خطبنا ابن عبَّاس بالبصرة-: إنَّما هو كقول ثابت: (قدم علينا عمران بن حصين) ، ومثل قول مجاهد (خرج علينا عليٌّ) ، وكقول الحسن: (إنَّ سراقة بن مالك بن جعشم حدَّثهم) ، الحسن لم يسمع من ابن عبَّاس (7) .
وقال البيهقيُّ: حديث الحسن عن ابن عبَّاس مرسلٌ، وقد روينا عن أبي رجاء العطارديِّ سماعًا من ابن عبَّاس في هذه الخطبة في صدقة الفطر صاعٌ
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/352- رقم: 1619) .
(2) "سنن النسائي": (5/52- 53- رقم: 2515) .
(3) "سنن النسائي": (5/50- رقم: 2508) .
(4) لم نر كللام النسائي في مطبوعتي " السنن الصغرى " و"السنن الكبرى"، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (4/377- رقم: 5394) .
(5) هو في "العلل": (ص: 60- رقم: 75) .
(6) هو في "العلل" أيضًا: (ص: 51- رقم: 50) بتقديم وتأخير.
(7) رواه من طريق الحاكم بهذا السياق: البيهقي في "سننه": (4/168) .(3/125)
من طعامٍ (1) .
وأمَّا الحديث الخامس الَّذي من رواية سليمان بن أرقم: فإسناده ساقطٌ، ولفظه مختلفٌ: ففي الدَّارَقُطْنِيُّ: (نصف صاعٍ) (2) ، وفي كتاب الحاكم: (صاعٌ) (3) كما تقدَّم ذكره.
وأمَّا الحديث السَّادس: فقد تكلَّم عليه البيهقيُّ كما تقدَّم (4) ، ورواه التِّرمذيُّ عن عقبة بن مكرم عن سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو، وقال: حسنٌ غريبٌ (5) .
وتضعيف المؤلِّف سالم بن نوح: ليس بشيءٍ، فإنَّه صدوقٌ، روى له مسلمٌ في "صحيحه" (6) ، وقال أبو زرعة: لا بأس به، صدوقٌ، ثقةٌ (7) .
وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (8) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: فيه شيءٌ. ووثَّقه أبو حاتم بن حِبَّان (9) ، وقال ابن عَدِيٍّ: عنده غرائب وأفراد، وأحاديثه محتملة متقاربةٌ (1) .
وكذلك قول المؤلِّف: (وفي طريقه الثَّاني: عليُّ بن صالح، وقد ضعَّفوه) خطأٌ منه، ولم يزد في كتاب " الضُّعفاء "- في ترجمة عليٍّ- على هذا
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/168) .
(2) تقدم برقم: (1616) .
(3) "المستدرك": (1/411) .
(4) رقم: (1625) .
(5) "الجامع": (2/52- 53- رقم: 674) .
(6) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/261- رقم: 567) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/188- رقم: 813) .
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 111- رقم: 228) .
(9) "الثقات": (6/411) .
(10) "الكامل": (3/349- رقم: 795) .(3/126)
القول، ولم يذكر أحدًا ضعَّفه (1) ، ولا نعلم أحدًا ضعَّفه، لكنه غير مشهور الحال، ولا معروفٌ عند أبي حاتم الرَّازيِّ، وهو غير ابن حيّ، قال ابن أبي حاتم: عليُّ بن صالح، روى عن ابن جريج، روى عنه معتمر بن سليمان، سألت أبي عنه، فقال: لا أعرفه، مجهولٌ (2) . وذكر غير أبي حاتم أنَّه مكيٌّ معروفٌ، وأنَّه أحد العبَّاد، [و] (3) كنيته أبو الحسن، وروى عن عمرو بن دينار وعبد الله بن عثمان بن خثيم ويحيى بن جُرْجَة والأوزاعيِّ وعبيد الله بن عمر وجماعة، وروى عنه سعيد بن سالم القدَّاح ومعتمر بن سليمان الرَّقِّىُّ والنُّعمان بن عبد السَّلام الأصبهانيُّ وسفيان الثَّوريُّ، وذكره ابن حِبَّان في كتَاب "الثِّقات" وقال: يغرب (4) . وتوفي سنة إحدى وخمسن ومائة، وروى له التِّرمذيُّ في "جامعه ".
وأمَّا كلام المؤلِّف في إبراهيم بن مهديٍّ في الحديث السَّابع، ونَقْلُه عن الخطيب تضعيفَه: فخطأٌ منه، فإنَّ الخطيب إنَّما ضعَّف إبراهيم بن مهديٍّ بن عبد الرَّحمن بن سعيد بن جعفر الأبليَّ البصريَّ، يكنَّى أبا إسحاق، ومات سنة ثمانين ومائتين (5) .
وأمَّا راوي الحديث عن معتمر بن سليمان فهو أقدم من هذا، وهو صدوقٌ، مات سنة خمسٍ وعشرين ومائتن، ويقال له: المصيصيُّ، وهو بغداديُّ الأصل، سكن المصيصة، وذكر البخاريُّ أنَّه من الأبناء (6) ، ووثَّقه
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (2/194- رقم: 2380) .
(2) "الجرح والتعديل": (6/191- رقم: 1049) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) "الثقات": (7/209- 210) .
(5) "تاريخ بغداد": (6/178- 179- رقم: 3233) .
(6) "التاريخ الكبير": (1/331- رقم: 1044) وفي حاشية التحقيق نقلاً عن هامش إحدى نسخ "التاريخ": (قال الشيخ أبو ذر: الأبناء قبيلة باليمن، يقال لهم: الأبناء) ا. هـ(3/127)
أبو حاتم (1) وغيره.
وكذلك كلام المؤلِّف في إبراهيم بن الهيثم البلديِّ: ليس بشيءٍ، فإنَّه صدوقٌ، وثَّقه الدَّارَقُطْنِيُّ (2) وغيره، وأمَّا ابن عَدِيٍّ فإنَّه قال فيه: حدَّث ببغداد بحديث الغار عن الهيثم بن جميل عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكذَّبه فيه النَّاس وواجهوه، وأحاديثه مستقيمة سوى هذا الحديث الواحد الَّذي أنكروه عليه (3) .
ويحيى بن جُرجَة الذي في الحديث السَّابع: روى عنه ابن جريج وقزعة ابن سويد، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو شيخٌ (4) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بقويٍّ (5) .
وأمَّا حديث سعيد بن المسيِّب الَّذي رواه أبو داود: فإسناده صحيحٌ كالشَّمس، لكنَّه مرسلٌ، ومرسل سعيد حجَّةٌ.
وحمل المؤلِّف آخر الحديث على أنَّه من تفسير سعيد خطأٌ، وقد روي عن سعيد من غير وجه ما يدلُّ على ذلك.
1627- قال سعيد بن منصور: حدَّثنا هشيم عن عبد الخالق الشَّيبانيِّ قال: سمعت سعيد بن المسيِّب يقول: كانت الصَّدقة تدفع على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر نصفُ صاعِ برٍّ.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/139- رقم: 447) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (6/209- رقم: 3263) .
(3) "الكامل": (1/274- 275- رقم: 115) باختصار.
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/133- رقم: 560) .
(5) " تخريج الأحاديث الضعاف " للغساني: (ص: 235- رقم: 497) ، و"إتحاف المهرة" لابن حجر: (6/540- رقم: 6958) .(3/128)
1628- وقال هشيم: أخبرني سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن سعيد ابن المسيَّب قال: خطب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذكر صدقة الفطر، فحضَّ عليها، وقال: " نصف صاعٍ من برٍّ، أو صاعُ تمرٍ أو شعيرٍ، عن كلِّ حرٍّ وعبدٍ، ذكرٍ وأنثى ".
1629- وقال الطَّحاويُّ: ثنا المزنيُّ ثنا الشَّافعيُّ عن يحيى بن حسَّان عن الليث بن سعدٍ عن عُقيل بن خالد وعبد الرَّحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيَّب أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر، مُدَّين من حنطة.
قال الشَّافعيُّ: حديث (مُدَّين) خطأٌ (1) .
قال البيهقيُّ: هو كما قال، فالأخبار الثابتة تدلُّ على أنَّ التَّعديل بمدَّين كان بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروينا في جواز نصف صاعٍ من برٍّ" في صدقة الفطر عن أبي بكر الصِّدِّيق وعثمان بن عفَّان وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبي هريرة، وفي إحدى الرِّوايتن عن عليٍّ وابن عبَّاس رضي الله عنهم.
قال ابن المنذر: لا يثبت ذلك عن أبي بكر وعثمان.
قال البيهقيُّ: هو عن أبي بكر منقطع، وعن عثمان موصول، والله أعلم.
وقد وردت أخبار عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صاعٍ من برٍّ، ووردت أخبار في نصف صاعٍ، ولا يصحُّ شيءٌ من ذلك، وقد بيَّنت علَّة كلِّ واحدٍ منها في " الخلافيات " (2) ؛ وروينا في حديث أبي سعيد الخدريِّ، وفي الحديث الثَّابت
__________
(1) رواه من طريق الطحاوي: البيهقي في "سننه": (4/169) .
(2) " مختصر الخلافيات " لابن فرح: (2/489- 498- المسألة رقم: 233) .(3/129)
عن ابن عمر أنَّ تعديل مدَّين من برٍّ- وهو نصف صاعٍ- بصاعٍ من الشَّعير وقع بعد النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالله التَّوفيق (1) O.
*****
مسألة (335) : يجوز إخراج الدَّقيق والسَّويق على أنَّه أصلٌ لا قيمة.
وقال مالك والشَّافعيُّ: لا يجوز.
1630- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا أحمد بن العبَّاس بن أشرس ثنا سعيد بن الأزهر (2) ثنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم في صدقة الفطر: " صاعٌ من زبيب، صاعٌ من تمرٍ، صاعٌ من أقطٍ، صاعٌ من دقيقٍ " (3) .
1631- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا إبراهيم بن حمَّاد ثنا العبَّاس بن يزيد ثنا سفيان بن عيينة ثنا ابن عجلان عن عياض بن عبد الله أنَّه سمع أبا سعيد الخدريَّ يقول: ما أخرجنا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا صاعًا من دقيقٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من سُلت، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من أقطٍ. فقال له عليُّ بن المدينيِّ: يا أبا محمَّد، أحدٌ لا يذكر في هذا (الدَّقيق) ؟ قال: بلى، هو فيه (4) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/169- 170) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: هو سعيد بن يحيى بن الأزهر، وأحمد لا يعرف) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (2/146) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/146) .(3/130)
ز: هذا إسنادٌ حسنٌ، لكن ذكر الدَّقيق قد أنكر على سفيان.
1632- قال أبو داود: حدَّثنا حامد بن يحيى ثنا سفيان، وحدَّثنا مسدَّد ثنا يحيى عن ابن عجلان سمع عياضًا قال: سمعت أبا سعيد الخدريَّ يقول: لا أخرج أبدًا إلا صاعًا، إنَّا كنَّا نخرج على عهد رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاعَ تمرٍ، أو شعيرٍ، أو أقطٍ، أو زبيبٍ.
هذا حديث يحيى، زاد سفيان بن عيينة فيه: (أو صاعًا من دقيقٍ) ، قال حامد: فأنكروا عليه، فتركه سفيان.
قال أبو داود: فهذه الزِّيادة وهمٌ من ابن عيينة (1) .
قال البيهقيُّ: ورواه جماعة عن ابن عجلان، منهم: حاتم بن إسماعيل - ومن ذلك الوجه أخرجه مسلمٌ (2) في " الصَّحيح "- ويحيى القطَّان وأبو خالد الأحمر وحمَّاد بن مسعدة وغيرهم، فلم يذكر أحدٌ منهم (الدَّقيق) غير سفيان، وقد أنكر عليه، فتركه.
وروي عن محمَّد بن سيربن عن ابن عبَّاس مرسلاً موقوفًا على طريق التَّوهُّم، وليس بثابتٍ، وروي من أوجهٍ ضعيفةٍ، لا تسوى ذكرها (3) .
وقال النَّسائيُّ في " السُّنن الكبير ": أنا محمَّد بن منصور ثنا سفيان ثنا ابن عجلان قال: سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدريِّ قال: لم نخرج على عهد رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيبٍ، أو صاعًا من دقيقٍ، أو صاعًا من أقطٍ، أو صاعًا من
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/349- 350- رقم: 1614) .
(2) "صحيح مسلم": (3/70) ؛ (فؤاد- 2/679- رقم: 985) .
(3) "سنن البيهقي": (4/172) .(3/131)
سُلتٍ. ثُمَّ شكَّ سفيان، فقال: دقيقٍ أو سُلتٍ.
قال النَّسائيُّ: لا أعلم أحدًا قال في هذا الحديث (دقيق) غير ابن عيينة (1) O.
*****
مسألة (336) : يجوز إخراج الأقط على أنَّه أصلٌ.
وقال أبو حنيفة: بالقيمة.
وعن الشافعيِّ قولان.
لنا:
أنَّه منصوصٌ عليه فيما تقدَّم.
*****
مسألة (337) : الصَّاع خمسة أرطال وثلث.
وقال أبو حنيفة: ثمانية.
1633- ما روى البخاريُّ: حدَّثنا أبو الوليد ثنا شعبة عن عبد الرَّحمن ابن الأصبهانيِّ عن عبد الله بن معقل قال: جلست إلى كعب بن عجرة، فسألته
__________
(1) "السنن الكبرى": (2/28- رقم: 2293) .(3/132)
عن الفدية، فقال: نزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامَّة، حُملت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارقمل يتناثرعلى وجهي، فقال: " ما كنت أُرى الوجع بلغ بك ما أرى- أو ما كنت أُرى الجَهْدَ بلغ بك ما أَرى-؟! أتجد شاة؟ " فقلت: لا. فقال: " صم ثلانة أيَّام، أو أطعم ستَّة مساكين، لكلِّ مسكين نصف صاعٍ " (1) .
1634- قال البخاريُّ: وحدَّثنا إسحاق ثنا روح ثنا شِبْل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حدَّثني عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رآه والقمل يسقط على وجهه، فقال: " أتؤذيك هوامُّك؟ " قال: نعم. فأمره أن يحلق، فأنزل الله تعال الفدية، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطعم فَرَقًا بين ستَّةٍ، أو يهدي شاةً، أو يصوم ثلاثة أيَّام (2) .
الحديثان في "الصَّحيحين".
وقوله: (نصف صاعٍ) حجَّةٌ لنا.
قال ثعلب: والفَرَقُ: اثني عشر مُدًّا. وقال ابن قتيبة: الفَرَقُ: ستة عشر رطلا؛ والصَّاع: ثلث الفَرَق، خمسة أرطال وثلث؛ والمدُّ: رطلٌ وثلث (3) .
1635- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا أحمد بن بجيد الأشقر ثنا محمود بن موسى الطَّائيُّ ثنا إسماعيل بن سععيد الخراسانيُّ (4) ثنا
__________
(1) "صحيح البخاري": (3/457) ؛ (فتح- 4/16- رقم: 1816) .
"صحيح مسلم": (4/21) ؛ (فؤاد- 2/860- 861- رقم: 1201) .
(2) "صحيح البخاري": (3/457) ؛ (فتح- 4/18- رقم: 1817) .
"صحيح مسلم": (4/21) ؛ (فؤاد- 2/860- 861- رقم: 1201) .
(3) " غريب الحديث ": (1/8، 12) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: رأيت في نسخة الدارقطني: حدثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمد بن نصر الأسقر أبو بكر ثنا عمران بن موسى القطان- بمكة- ثنا إسماعيل بن سعيد الخرساني =.(3/133)
إسحاق بن سليمان الرَّازيُّ قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، كم قدر صاع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: خمسة أرطال وثلث بالعراقيِّ، أنا حزرته. فقلت: يا أبا عبد الله، خالفت شيخ القوم! قال: من هو؟ قلت: أبو حنيفة، يقول: ثمانية أرطال. فغضب غضبًا شديدًا (1) ، ثُمَّ قال لبعض جلسائه: يا فلان، هات صاع جدِّك؛ ويا فلان، هات صاع عمِّك؛ ويا فلان، هات صاع جدَّتك. قال إسحاق: فاجتمعت آصع، فقال مالك: ما تحفظون في هذا؟ فقال هذا: حدَّثني أبي عن أبيه أنَّه كان يؤدِّي بهذا الصَّاع إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الآخر: حدَّثني أبي عن أخيه أنَّه كان يؤدِّى بهذا الصَّاع إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الآخر: حدَّثني أبي عن أمِّه أنَّها أدَّت بهذا الصَّاع إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال مالك: أنا حزرت هذا فوجدتها خمسة أرطال وثلث. قلت: يا أبا عبد الله، أُحدِّثك بأعجب من هذا عنه؟! إنَّه يدَّعي أن صدقة الفطر نصف صاعٍ، والصَّاع ثمانية أرطال! فقال: هذه أعجب من الأولى (2) ! لا،
__________
ورأيت في نسخة أخرى: ثنا ابن مخلد ثنا أحمد بن محمد الأسقر أبو بكر ثنا عمران بن موسى الطائي- بمكة- ثنا إسماعيل بن سعيد. وهذا هو الأشبه) ا. هـ
وفي مطبوعة "سنن الدارقطني":) حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أحمد بن محمد بن نصر بن الأشقر أبو بكر ثنا عمران بن موسى الطائي- بمكة- ثنا إسماعيل بن سعيد الخراساني) .
(1) في "التحقيق" و"سنن الدارقطني" زيادة، وهي: (وقال: قاتله الله، ما أجرأه على الله) .
وانظر التعليق التالي.
(2) في "التحقيق" و"سنن الدارقطني" زيادة، وهي: (يخطئ في الحزر، وينقص من الفطرة- وفي "سنن الدارقطني": من العطية-) ا. هـ
ويغلب على الظن أن حذف هذه الجملة والتي سبقت في التعليق السابق متعمد، لما فيهما من القدح في الإمام أبي حنيفة، فلعل ناسخ الأصل الذي اعتمده المنقح كان عنده تعصب للإمام أبي حيفة، فحذف هاتين الجملتين، مع أنهما غير ثابتتين عن الإمام مالك، فإسناد هذه الحكاية مظلم كما سيأتي في كلام المنقح.
ويؤكد هذا الظن أنه وقع فيما تقدم (2/214) إسقاط لكلام في الإمام أي حنيفة، والله تعالى أعلم.(3/134)
بل صاعٌ تامٌ عن كلِّ إنسان، هكذا أدركنا علماءنا ببلدنا هذا.
ز: هذا إسنادٌ مظلمٌ، وبعض رجاله غير مشهور.
1636- والمشهور ما رواه البيهقيُّ من حديث الحسين بن الوليد القرشيِّ - وهو ثقةٌ مأمون- قال: قدم علينا أبو يوسف من الحجِّ، فقال: إنِّي أريد أن أفتح عليكم بابًا من العلم أهمِّني، ففحصت عنه، فقدمت المدينة، فسألت عن الصَّاع، فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت لهم: ما حجَّتكم في ذلك؟ فقالوا: نأتيك بالحجَّة غدًا. فلمَّا أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخًا من أبناء المهاجربن والأنصار، مع كلِّ رجلٍ منهم الصَّاع تحت ردائه! كلُّ رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أنَّ هذا صاع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظرت، فإذا هي سواء. قال: فعيَّرته، فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان معه يسير، فرأيت أمرًا قويًّا! فقد تركت قول أبي حنيفة في الصَّاع، وأخذت بقول أهل المدينة (1) .
هذا هو المشهور، من قول أبي يوسف رحمه الله، وقد روي أنَّ مالكًا ناظره في ذلك، واستدلَّ عليه بالصِّيعان الَّتي جاء به أولئك الرَّهط، فرجع أبو يوسف إلى قوله.
وقال عثمان بن سعيد الدَّارميُّ: سمعت عليَّ بن المدينيِّ يقول: عيَّرت صاع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجدته خمسة أرطال وثلث رطلٍ بالتَّمر O.
احتجُّوا بحديثين:
1637- الحديث الأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن زياد القطَّان وعليُّ بن الحسين السَّوَّاق قالا: ثنا محمَّد بن غالب ثنا أبو عاصم
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/171) .(3/135)
موسى بن نصر الحنفيُّ ثنا عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن جرير ابن يزيد عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضَّأ برطلين، ويغتسل بالصَّاع، ثمانية أرطال (1) .
1638- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد النَّقَّاش ثنا أحمد بن محمَّد بن الحجَّاج بن رشدين ثنا يحيى بن سليمان الجعفيُّ ثنا صالح بن موسى الطََّلحيُّ ثنا منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: جرت السُّنَّة من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغسل من الجنابة صاعٌ، والوضوء رطلين، والصَّاع ثمانية أرطال (2) .
قال المؤلِّف: هذان حديثان لا يصحَّان:
أمَّا االأوَّل: ففيه جرير بن يزيد، قال أبو زرعة: منكر الحديث (3) .
وأمَّا الثَّاني: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه عن منصور غير صالح الطَّلحيِّ، وهو ضعيف الحديث (4) .
قلت: قال يحيى بن معين: صالح الطَّلحيُّ ليس حديثه بشيءٍ (5) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/94؛ 2/153) .
(2) "سنن الدارقطني": (2/153) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/503- رقم: 2070) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/153) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال البيهقيّ في حديث عائشة: صالح يتفرد به وهو ضعيف الحديث. قاله يحيى بن معين وغيره من أهل العلم بالحديث، وكذلك ما روي عن جرير بن يزيد عن أنس بن مالك، وما روي عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضَّأ برطلين، ويغتسل بالصاع، ثمانية أرطال.
إسنادهما ضعيف، والصحيح عن أنس بن مالك كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد) . أ. هـ
وانظر: "سنن البيهقي": (4/171- 172) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/156- رقم: 654) .(3/136)
وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (1) . وقال ابن حِبَّان: يروي عن الثِّقات ما لا يشبه حديث الأثبات (2) .
قال المؤلِّف: وقد قال أصحابنا: صاع الوضوء غير صاع الزَّكاة.
قال ابن قتيبة: لمَّا سمع العراقيون أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل بالصَّاع، وسمعوا في حديثٍ آخر أنَّه كان يغتسل بثمانية أرطال، توهَّموا أنَّ الصَّاع ثمانية، ولا اختلاف بين أهل الحجاز أنَّ الصَّاع خمسة أرطال وثلث (3) .
ز: الحمل في حديث أنس على موسى بن نصر، فإنَّه غير ثقةٍ. قاله الخطيب (4) ، وقال أبو سعد الإدريسيُّ: حدَّث عن الثَّوريِّ ومالك وغيرهما بالطَّامات (5) . وضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (6) ، ولم يتكلَّم في إسناد الحديث إلا فيه، كما سيأتي كلامه.
وقد ذهب غير واحدٍ من أصحابنا إلى أنَّ صاع الماء ثمانية أرطال، كالقاضي أبي يعلى، قال صاحب " المحرَّر ": وهو الأقوى، وقد أومئ إليه أحمد.
واحتجُّوا على ذلك:
1639- بما روى أحمد: ثنا وكيع ثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن ابن جَبْر بن عتيك عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يجزئ في الوضوء رطلان من ماء "
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 130- رقم: 298) .
(2) "المجروحون": (1/369) .
(3) " غريب الحديث ": (1/12) باختصار.
(4) "تاريخ بغداد": (13/35- رقم: 6991) .
(5) المرجع السابق.
(6) "سنن الدارقطني": (1/94) .
(7) "المسند": (3/179) .(3/137)
1640- وحدَّثنا أسود بن عامر شاذان (1) ثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جَبْر عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ بإناءٍ يكون رطلن، ويغتسل بالصَّاع (2) .
ورواه أبو داود عن محمَّد بن الصَّبَّاح عن شَريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جَبْر، وقال: رواه يحيى بن آدم عن شَريك قال: ابن جَبْر بن عتيك، ورواه شعبة ثنا عبد الله بن عبد الله بن جَبْر، ورواه سفيان عن عبد الله ابن عيسى قال: أخبرني جَبْر بن عبد الله (3) .
1641- ورواه التِّرمذيُّ عن هنَّاد عن وكيع عن شَريك عن عبد الله بن عيسى عن ابن جَبْر عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يجزئ في الوضوء رطلان من ماء".
ولم يسمِّ ابن جَبْر، وقال: غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث شَريك بهذا اللفظ (4) .
1642- ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عليٍّ عن يحيى عن شعبة حدَّثني عبد الله بن عبد الله بن جَبْر قال: سمعت أنسًا قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ بمكُّوك، ويغتسل بخَمْس مكاكي (5) .
__________
(1) في مطبوعة "المسند": (ثنا شاذان) خطأ.
(2) "المسند": (3/179) .
(3) "سنن أبي داود": (1/192- 193- رقم: 96) .
(4) "الجامع": (1/598- رقم: 609) .
(5) "سنن النسائي": (1/57- 58- رقم: 73) .
وفي " النهاية ": (4/350- مكك) : (أراد بالمكوك المد، وقيل: الصاع، والأول أشبه، لأنه جاء في حديث آخر مفسرًا بالمد.
والمكاكي: جمع مكوك، عل إبدال الياء من الكاف الأخيرة، والمكوك: اسم للمكيال، ويختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد) أ. هـ(3/138)
وعن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن شعبة به (1) .
قال أصحابنا: وهذا الحديث يفسِّر روايته المتَّفق على صحتها: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضَّأ بالمدِّ، ويغتسل بالصَّاع إلى خمسة أمداد.
1643- وعن موسى الجهنيِّ" قال: أُتي مجاهد بقدحٍ حزرته ثمانية أرطال، فقال: حدَّثتني عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل بمثل هذا.
رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن عبيد عن يحيى بن زكريا عن موسى (2) ، وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وموسى بن عبد الله الجهنيُّ وثَّقوه.
وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ في "العلل" عن حديث أنس المتقدِّم، فقال: يرويه عيد الله بن عيسى بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، واختلف عنه:
فرواه عمَّار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى، فقال: (عن ابن جبر بن عبد الله بن عتيك عن أنس) ، وإنَّما أراد: (عبد الله بن عبد الله بن عتيك عن أنس) ، وهو عبد الله بن عبد الله بن جبر.
ورواه أبو خالد الدَّالانيُّ عن عبد الله بن عيسى (3) عن عبد الله بن فلان الأنصاريِّ عن أنس، وأصاب.
ورواه شريك عن عبد الله بن عيسى، فقال: عن عبد الله بن جبر عن أنس بن مالك، فأصاب في هذا الإسناد، ووهم في متنه، فقال: عن النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " يكفي في الوضوء رطلان من ماءٍ ". وإنَّما ذكره شريك على المعنى، عنده أنَّ الصَّاع ثمانية أرطال.
__________
(1) "سنن النسائي": (1/127- رقم: 229) .
(2) "سنن النسائي": (1/127- رقم: 226) .
(3) من قوله: (عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى) إلى هنا سقط من نسخة "العلل" الخطية.(3/139)
والقول قول أبي خالد وعمَّار بن رزيق أنَّ النَّبيَّ- كان: " يكفي أحدكم من الوَضوء مدٌّ ".
وروى هذا الحديث شيخٌ يعرف بـ: موسى بن نصر الحنفيِّ- ولم يكن بالحافظ، ولا القويِّ- رواه عن عبدة بن سليمان عن ابن أبي خالد عن جرير بن يزيد عن أنس، وتابع شريكًا على قوله: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضَّأ برطلين) ، وهذا غير محفوظ: المتن والإسناد جميعًا، وموسى بن نصر هذا ضعيفٌ، ليس بقويٍّ (1) O.
*****
__________
(1) "العلل": (4/ق: 23/ب) .(3/140)
مسألة (338) : إذا امتنع ربُّ المال من أداء الزَّكاة أخذت من ماله.
وقأل أبو حنيفة: يجبر على الدَّفع.
1644- قال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا يحيى بن سعيدٍ ثنا بهز قال: حدَّثني أبي عن جدِّي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " في كلِّ إبل سائمة، في كلّ أربعين ابنة لبون، من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها، ومن منعها فإنَّا آخذوها وشطر إبله عزمةٌ من عزمات ربِّنا، لا يحلُّ لآل محمَّدٍ منها شيءٌ " (1) .
ز: هذا حديث حسنٌ بل صحيحٌ، وقد رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد، وعن محمَّد بن العلاء عن أبي أسامة، جميعًا عن بهز بن حكيم (2) .
ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عليٍّ عن يحيى (3) ، وعن محمَّد بن عبد الأعلى عن معتمر، جميعًا عن بهز (4) .
وذكر صاحب "الإلمام" فيه أنَّ التِّرمذيَّ رواه (5) ، وهو خطأٌ.
__________
(1) "المسند": (4/5) .
(2) "سنن أبي داود": (2/323- 324- رقم: 1569) .
(3) "سنن النسائي": (5/15- 17- رقم: 2444) .
(4) "سنن النسائي": (5/25- رقم: 2449) .
(5) "الإلمام": (1/310- رقم: 594) .(3/141)
وقد رواه الحاكم في " مستدركه "، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد - على ما قدَّمنا ذكره في تصحيح هذه الصَّحيفة- ولم يخرجاه (1) .
وقد ذكر هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل فقال: ما أدري ما وجهه؟!
وسُئل عن إسناده، فقال: هو عندي صالح الإسناد (2) .
وقال الشَّافعيُّ: هذا لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت قلت به (3) .
وقال البيهقيُّ: هذا حديثٌ قد أخرجه أبو داود في كتاب " السُّنن "، فأمَّا البخاريُّ ومسلم فإنَّهما لم يخرجاه جريًا على عادتهما في أنَّ الصَّحابيَّ أو التَّابع إذا لم يكن له إلا راوٍ واحدٍ لم يخرجا حديثه في "الصَّحيحين"، ومعاوية بن حيدة القشيريُّ لم تثبت عندهما رواية ثقةٍ عنه غير ابنه، فلم يخرجا حديثه في " الصَّحيح "، والله أعلم (4) .
وقال أبو حاتم بن حبَّان في بهز بن حكيم: كان يخطىء كثيرًا، فأمّا أحمد ابن حنبل وإسحاق بن إبراهيم- رحمهما الله- فهما يحتجَّان به، ويرويان عنه، وتركه جماعةٌ من أئمتنا، ولولا حديث: " إنَّا آخذوه وشطر إبله عزمةٌ من عزمات ربِّنا " لأدخلناه في الثِّقات، وهو ممَّن استخير الله فيه (5) .
كذا قال ابن حِبَّان، وفي قوله نظرٌ، وقد وَثَّق بهزًا أكثر العلماء، كيحيى
__________
(1) "المستدرك": (1/397-398) ، وانظر: (1/46) .
(2) "المغني": (4/7- كتاب الزكاة) .
(3) "سنن البيهقي": (4/105) .
(4) المرجع السابق.
(5) "المجروحون": (1/194) .(3/142)
ابن معين (1) وابن المدينيِّ (2) والتِّرمذيِّ (3) والنَّسائيِّ (4) وأبي داود (5) وابن الجارود وغيرهم O.
*****
مسألة (339) : إذا امتنع من أداء الزَّكاة مع اعتقاد وجوبها، استتيب ثلاثًا، فإن تاب وإلا قتل.
وقال أكثرهم: لا يقتل.
1645- قال البخاريَّ: حدَّثنا عبد الله بن [محمَّد] (6) المُسْنديُّ ثنا الحرميُّ (7) بن عمارة ثنا شعبة عن واقد بن محمَّد قال: سمعت أبي يحدِّث عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله، ويقيموا الصَّلاة، ويؤتوا الزَّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منِّي دماعمم وأموالهم، إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله " (8) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (9) .
*****
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (4/125- رقم: 3500) .
(2) "العلل": (ص: 89- رقم: 143) .
(3) "الجامع": (3/463- رقم: 1897) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (4/262- رقم: 775) .
(5) انظر: "الميزان" للذهبي: (1/354- رقم: 1325) و" الإكمال " لمغلطاي: (3/36) .
(6) في الأصل و (ب) : (أحمد) ، والتصويب من "التحقيق" و"صحيح البخاري".
(7) في "التحقيق": (الجرمي) خطأ.
(8) " صحيح للبخاري ": (1/12- 13) ؛ (فتح- 1/75- رقم: 25) .
(9) "صحيح مسلم": (1/39) ؛ (فؤاد- 1/53- رقم: 22) .(3/143)
مسألة (340) : يجوز تعجيل الزَّكاة قبل الحول.
وقال مالك وداود: لا يجوز.
1646- قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكريا عن حجَّاج بن دينار عن الحكم عن حُجيَّة بن عَدِيٍّ عن عليٍّ: أنَّ العبَّاس بن عبد المطَّلب سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك (1) .
1647- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عبَّاس بن محمَّد ثنا إسحاق بن منصور السَّلوليُّ (2) ثنا إسرائيل عن حجَّاج بن دينار عن الحكم [عن] (3) حُجر العدويِّ عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر: " إنَّا قد أخذنا من العبَّاس زكاة العامِ عامَ أوَّل " (4) .
قال المؤلِّف: هذا الحديث أقوى من الأوَّل، لأنَّه (5) في الحديث الأوَّل حُجَيَّة، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ بحديثه، هو شبه المجهول (6) .
زْ: الحَكَم في الإسناد الأوَّل هو: ابن عتيبة؛ وفي الثَّاني: ابن جَحْل.
1648- قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن أنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكريَّا عن الحجَّاج بن دينار عن الحكم بن عتيبة عن حُجَيَّة بن عَدِيٍّ عن عليٍّ: أنَّ العبَّاس سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعجيل صدقته
__________
(1) "المسند": (1/104) .
(2) (ثنا إسحاق بن منصور السلولي) سقط من التحقيق.
(3) في الأصل و (ب) : (بن) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(4) "سنن الدارقطني": (2/124) .
(5) كذا في الأصل و (ب) .
(6) ستأتي عبارته بتامها في كلام المنقح.(3/144)
قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك.
1649- حدَّثنا القاسم بن دينار الكوفيُّ ثنا إسحاق بن منصور عن إسرائيل عن الحجَّاج بن دينار عن الحكم بن جَحْل عن حُجْر العدويِّ عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعمر: " إنَّا قد أخذنا زكما" العبَّاس عام الأوَّل للعام ".
قال التِّرمذيُّ: وفي الباب عن ابن عبَّاس.
ولا أعرف حديث تعجيل الزَّكاة من حديث إسرائيل عن الحجَّاج بن دينار إلا من هذا الوجه.
وحديث إسماعيل بن زكريَّا عن الحجَّاج عندي أصحُّ من حديث إسرائيل عن الحجَّاج بن دينار.
وقد روي هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً (1) .
وقد روى حديث حُجَيَّة: أبو داود عن سعيد بن منصور، وقال: رواه هُشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحديث هُشيم أصحُّ (2) .
ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى عن سعيد (3) .
وأمَّا حديث حُجْر: فانفرد به التِّرمذيُّ، وحُجْر غير معروفٍ، ولم يرو له التِّرمذيُّ غير هذا الحديث.
وحُجيَّة بن عَدِيٍّ الكنديُّ الكوفيُّ أشهر منه، قال أبو حاتم الرَّازيُّ:
__________
(1) "الجامع": (2/56- رقم: 678) .
(2) "سنن أبي داود": (2/353- رقم: 1621) .
(3) "سنن ابن ماجة": (1/572- رقم: 1795) .(3/145)
شيخ، لا يحتج بحديثه، شبيه بالمجهول، شبيهٌ بشريح بن النُّعمان الصَّائدي وهبيرة ابن يريم (1) . وقال عليُّ بن المدينيِّ: لا أعلم روى عن حجيَّة إلا سلمة ابن كهيل، روى عنه أحاديث (2) . وقال العجليُّ: كوفيٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ (3) .
وقال ابن القطَّان: هو رجلٌ مشهورٌ، وقد روى عنه سلمة بن كهيل وأبو إسحاق والحكم بن عتيبة، رووا عنه عدَّة أحاديث، وهو فيها مستقيمٌ لم يعهد منه خطأٌ ولا اختلاطٌ ولا نكارةٌ (4) .
وأمَّا الحكم بن جَحْل فهو: الأزديُّ، البصريُّ، وثَّقه ابن معين في رواية إسحاق بن منصور عنه (5) ، ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه.
وأمَّا الحجَّاج بن دينار فهو: الأشجعيُّ، الواسطيُّ، وثَّقه ابن المبارك (6) وأبو خيثمة زهير بن حربٍ (7) ويعقوب بن شيبة (8) والعجليُّ (9) والتِّرمذيُّ (10) وغرهم، وقال أبو زرعة: صالحٌ، صدوقٌ، مستقيم الحديث، لا بأس به (11) . وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (12) .
وقد سُئل الحافظ أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل" عن حديث
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/314- رقم: 1400) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (5/485- رقم: 1141) .
(3) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 1/288- رقم: 275) .
(4) " بيان الوهم والإيهام ": (5/371- رقم: 2541) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/114- 115- رقم: 531) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/160- رقم: 681) .
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (5/436- رقم: 1118) .
(8) المرجع السابق.
(9) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 1/286- رقم: 266) .
(10) "الجامع": (5/297- رقم: 3253) .
(11، 12) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/160- رقم: 681) .(3/146)
حُجيَّه بن عَدِيٍّ عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجَّل صدقة العبَّاس، فقال: هو حديثٌ يرويه الحكم بن عتيبة، واختلف عنه:
فرواه الحجَّاج بن دينار، واختلف عن حجَّاج:
فقال إسماعيل بن زكريا: عنه عن الحكم عن حُجَيَّة بن عَدِيٍّ عن عليٍّ.
وقال إسرائيل: عن الحجَّاج بن دينار عن الحكم (1) عن حُجْر العدويِّ عن عليٍّ.
وقال محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ: عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عبَّاس.
وكلُّهم وهم.
والصَّواب ما رواه منصور عن الحكم عن الحسن بن مسلم بن ينَّاق (2) مرسلاً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال الحسن بن عمارة عن الحكم عن موسى بن طلحة عن أبيه أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجَّل صدقة العبَّاس (3) .
وقال الشَّافعيُّ: يروى عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أدري أثبت أم لا؟ - أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسلَّف صدقة مال العبَّاس قبل تحلَّ (4) O.
*****
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: ظن الدارقطني أنه ابن عتيبة، وإنما هو ابن جحل) ا. هـ
(2) في هامش الأصل: (حـ: قال شيخنا: رواية الحكم عن ابن ينَّاق غريبة) ا. هـ
وشيخه هنا: المزي، والله أعلم.
(3) "العلل": (3/187- 189- رقم: 351) .
(4) كذا، "سنن البيهقي": (4/111) .(3/147)
فصلٌ (341)
فإنَّ عجَّل زكاة عامين جاز.
وعنه: لا يجوز، وهو قول زفر.
وعن الشافعيَّة كالرِّوايتين.
لنا حديثان ضعفيان:
1650- الحديث االأوَّل: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا محمَّد بن عبيد بن عتبة ثنا وليد بن حمَّاد (1) ثنا الحسن بن زياد عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن موسى بن طلحة عن طلحة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّا كنَّا احتجنا إلى مالٍ، فتعجَّلنا من العبَّاس صدقة ماله لسنتين " (2) .
1651- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا محمَّد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ثنا إبراهيم بن محمَّد بن نائلة الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن المغيرة ثنا النُّعمان بن عبد السَّلام عن محمَّد بن عبيد الله عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عبَّاس قال: بعث رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر ساعيًا، قال: فأتى العبَّاس يطلب صدقةَ ماله، فأغلظ له، فخرج إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ العبَّاس قد سلفنا زكاة ماله العامَ، والعامَ المقبل " (3) .
قال المؤلِّف: في الحديث الأوَّل: الحسن بن زياد، قال أحمد بن حنبل:
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: لا يعرف، ولهم آخر يقال له: الرملي، من شيوخ الطبراني) أ. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (2/124) .
(3) "سنن الدارقطني": (2/124) .(3/148)
هو كذوبٌ، ليس بشيءٍ. وقال مرَّةً: كذَّابٌ خبيثٌ (1) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ، ليس بثقةٍ، ولا مأمون (2) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ضعيفٌ، متروكٌ (3) .
وفيه الحسن بن عمارة، قال شعبة: هو كذَّابٌ، يحدِّث بأحاديث قد وضعها (4) . وقال أحمد (5) ويجيى والرَّازيُّ (6) والنَّسائيُّ (7) : هو متروكٌ.
وفي الحديث الثَّاني: محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ، قال أحمد: ترك النَّاس حديثه (8) . وقال يحيى (9) وأبو زرعة (10) : لا يكتب حديثه. وقال ابن حِبَّان: كان رديء الحفظ، وذهبت كتبه، فجعل يحدِّث من حفظه، فيهم، فكثرت المناكير في روايته (11) .
__________
(1) يبدو أنه وقع سبق قلم من ابن الجوزي، أو سقط من النساخ، فقد قال ابن الجوزي في "الضعفاء": (1/202- رقم: 821) تحت ترجمة الحسن: (ضعفه أحمد، وقال يحيى: كذوب ليس بشيء. وقال مرة: كذاب خبيث) . أ. هـ
وهذا هو الموافق لما في كتب التراجم، فالكلمة الأولى في "الكامل" لابن عدي: (2/318- رقم: 450) من رواية ابن أبي مريم عن ابن معين، والكلمة الثانية في "تاريخ بغداد" للخطيب: (7/316- رقم: 3827) من رواية محمد بن سعد العوفي عنه.
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/15- رقم: 49) .
(3) "سؤالات البرقاني": (ص: 23- رقم: 88) وفيه: (متروك) فحسب.
(4) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/28- رقم: 116) ، و" الضعفاء للكبير " للعقيلي: (1/237- رقم: 286) ؛ و"الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (1/207- رقم: 848) .
(5) "العلل" برواية المروذي: (ص: 106- رقم: 170) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/28- رقم: 116) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 85- رقم: 149) .
(8) "العلل" برواية عبد الله: (1/313- رقم: 539) .
(9) "التاريخ" برواية الدوري: (3/457- رقم: 2245) .
(10) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/2 - رقم: 5) .
(11) "المجروحون": (2/246) .(3/149)
وقد رواه مندل، فقال: عن عبيد الله عن الحكم، وإنَّما أراد (محمَّد بن عبيد الله) ، ومندل ضعيفٌ أيضًا.
ز: 1652- روى البيهقيُّ من حديث الأعمش عن عمرو بن مرَّة عن أبي البختريِّ عن عليٍّ- فذكر قصَّة في بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر رضي الله عنه ساعيًا، ومَنْع العبَّاس صدقته، وأنَّه ذكر للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما صنع العبَّاس- فقال: " أما علمت يا عمر، أنَّ عمَّ الرَّجل صنو أبيه؟! إنَّا كنَّا احتجنا فاستسلفنا العبَّاس صدقة عامين ".
قال البيهقيُّ: وفي هذا إرسالٌ بين أبي البختريِّ وعليٍّ رضي الله عنه.
قال: وقد ورد هذا المعنى في حديث أبي هريرة من وجهٍ ثابتٍ عنه. ثُمَّ ذكر الحديث المشهور الَّذي فيه: " وأمَّا العبَّاس فهي عليّ ومثلها "، وذكر اختلاف ألفاظه (1) O.
*****
مسألة (342) : يجوز صرف الزَّكاة إلى صنفٍ واحدٍ.
وقال الشَّافعيُّ: لا يجوز.
حديث معاذ: " أعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم، وتردُّ في فقرائهم ".
__________
(1) "سنن البيهقي": (4/111) .(3/150)
وقد سبق بإسناده (1) .
ز: حديث معاذٍ: متَّفقٌ على صحَّته وثبوته، وهو دالٌ على جواز صرفها إلى صنفٍ واحدٍ، فإنَّه أخبر أنَّه مأمورٌ برد جملتها في الفقراء، وهم صنفٌ واحدٌ، ولم يذكر سواهم، وممَّا يدلُّ على جواز صرفها إلى صنفٍ واحدٍ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه بعد ذلك [مال] (2) ، فجعله في صنفٍ واحدٍ سوى صنف الفقراء، وهم المؤلَّفة قلوبهم- الأقرع بن حابسٍ، وعيينة بن حصن، وعلقمة ابن عُلاثة وزيد الخيل-، قسم فيهم الذَّهبة الَّتي بعث بها إليه عليٌّ من اليمن، وإنَّما تؤخذ من أهل اليمن الصَّدقة، ثُمَّ أتاه مالٌ آخر فجعله في صنفٍ آخر، كقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمَّل حمالةً فأتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله، فقال: " أقم يا قبيصة حتَّى تأتينا الصَّدقة، فنأمر لك بها ". وفي حديث سلمة بن صخر البياضيِّ أنَّه أمر له بصدقة قومه، ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحدٍ.
وقد احتجَّ الشَّافعيُّ ومن وافقه بأنَّ الله تعالى جعل الصَّدقة لجميع الأصناف، وشرَّك بينهم فيها، فلا يجوز الاقتصار على بعضهم كأهل الخُمْس.
وأجيب عن ذلك بأنَّ المراد بالآية بيان الأصناف الَّذين يجوز الدَّفع إليهم دون غيرهم، وكذلك المراد بآية الغنيمة بيان المصرف- على الصَّحيح- كما قد عرف في موضعه، والله أعلم O.
*****
__________
(1) رقم: (1558) .
(2) زيادة من (ب) .(3/151)
مسألة (343) : لا يجوز نقل الزَّكاة إلى بلد تقصر فيه الصَّلاة.
وعنه: يجوز، كقول أبي حنيفة ومالك.
وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين.
لنا:
قوله: " تؤخذ من أغنيائهم، وتردُّ على فقرائهم ".
ز: 1653- قال سعيد: ثنا سفيان عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: في كتاب معاذ بن جبل: من أخرج من مخلافٍ (1) إلى مخلافٍ، فإنَّ صدقته وعُشره يردُّ إلى مخلافه O.
*****
مسألة (344) : يجوز للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها.
وعنه: لا يجوز، كقول أبي حنيفة.
1654- قال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا محمَّد بن جعفر ثنأ شعبة عن سليمان عن أبي وائلٍ عن عمرو بن الحارث عن زينب- امرأة عبد الله- أنَّها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تصدَّقنَّ ولو من حليِّكنَّ ". قالت: وكان عبد الله خفيف ذات اليد، فقالت له: أيسعني أن أضع صدقتي فيك، وفي بني أخٍ لي يتامى؟ فقال عبد الله: سَلِي عن ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: فأتيت
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: أي بلد) ا. هـ(3/152)
رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا على بابه امرأةٌ من الأنصار- يقال لها: زينب- تسأل عما أسأل عنه، فخرج إلينا بلال، فقلنا: انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسَلْه عن ذلك، ولا تخبره من نحن. فانطلق إلى رسول الله-لجبرو، فقال: " من هما؟ " فقال: زينب امرأة عبد الله، وزينب الأنصاريَّة. فقال: " نعا، لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
وفي لفظٍ: (أتجزى عنِّي؟) وإنَّما يستعمل لفظ (الإجزاء) في الواجب.
*****
مسألة (345) : لا يجوز دفع الزَّكاة إلى موالي بني هاشم، خلافًا لأكثرهم.
1655- قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا يحيى عن شعبة ثنا الحكم بن عتيبة (3) عن ابن أبي رافع عن أبي رافع أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث رجلاً من بني مخزوم على الصَّدقة، فقال لأبي رافع: ألا تصحبني تصب منها؟ قال: قلت: حتَّى أذكر ذلك لرسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذكرت ذلك له، فقال: " إنَّا آل محمَّد لا تحلُّ لنا الصَّدقة، وإنَّ موالي القوم من أنفسهم " (4) .
__________
(1) "المسند": (3/502) .
(2) "صحيح البخاري": (2/370- 371) ؛ (فتح- 3/328- رقم: 1466) .
"صحيح مسلم": (3/80) ؛ (فؤاد- 2/694- 695- رقم: 1000) .
(3) (ثنا الحكم بن عتيبة) سقط من مطبوعة "المسند"، وهو في "أطرافه"لابن حجر: (6/ 222- رقم: 8163) ، وفي "التحقيق": (سليمان بن عتيبة) خطأ.
(4) "المسند": (6/390) .(3/153)
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (1) .
ز: رواه أبو داود عن محمَّد بن كثيرٍ عن شعبة (2) .
ورواه التِّرمذيُّ عن ابن مثنَّى عن غندر عن شعبة، وقال: حسنٌ صحيحٌ، وهو عبيد الله بن رافع كاتب عليٍّ.
ورواه النِّسائيُُّ عن عمرو بن عليٍّ عن يحيى عن شعبة (3) .
وعن محمَّد بن حاتم عن حِبَّان بن موسى عن عبد الله بن المبارك عن حمزة الزَّيَّات عن الحكم بن عتيبة عن بعض أصحابه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أرقم بن أبي أرقم على الصَّدقة، فقال لأبي رافع: هل لك أن تتبعني ... فذكره (4) .
ورواه ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عبَّاس O.
*****
مسألة (346) : المانع من أخذ الزَّكاة أن يكون له كفايةٌ على الدَّوام، وهو قول الشَّافعيِّ.
وعن أحمد: اعتبار الكفاية، أو أن يملك خمسين درهمًا، أو قيمتها من الذَّهب.
__________
(1) "الجامع": (2/38- رقم: 657) ، وفيه: (حسن صحيح) .
(2) "سنن أبي داود": (2/368- رقم: 1647) .
(3) "سنن النسائي": (5/107- رقم: 2612) .
(4) انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (9/201- رقم: 12018) .(3/154)
وقال أبو حنيفة: إذا ملك نصابًا لم تحلَّ له.
لنا على الرِّواية الأولى:
1656- ما روى الإمام أحمد بن حنبل: ثنا إسماعيل أنا أيُّوب عن هارون بن رئاب (1) عن كنانة بن نعيم عن قَبِيصة بن المخارق عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ المسألة لا تحلُّ إلا لثلاثة: رجلٌ تحمَّل حمالة قوم، فيسأل فيها حتَّى يؤدِّيها، ثُمَّ يمسك؛ ورجلٌ أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله، فيسأل فيها حتَّى يصيب قوامًا من عيشٍ- أو سدادًا من عيشٍ -، ثُمَّ يمسك؛ ورجلٌ أصابته فاقه، فيسأل ضى يصيب قوامًا من عيشٍ- أو سَدَادًا من عيشٍ-، ثُمَّ يمسك " (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
1657- قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن (4) ثنا سفيان عن مصعب بن محمَّد عن يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين عن أبيها حسين بن عليٍّ قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للسَّائل حقٌّ، وإن جاء على فرسٍ " (5) .
ز: رواه الإمام أحمد عن وكيع عن سفيان (6) ، ورواه أبو داود عن محمَّد بن كثيرٍ عن سفيان عن مصعب بن محمَّد بن شُرَخبيل (7) ، ورواه الطَّبرانيُّ عن أبي مسلم الكشيِّ عن محمَّد بن كثيرٍ (8) .
__________
(1) في "التحقيق": (ذئاب) خطأ.
(2) "المسند": (5/60) .
(3) "صحيح مسلم": (3/97-98) ؛ (فؤاد- 2/722- رقم: 1044) .
(4) في "التحقيق": (ثنا وكيع) ، وانظر ما سيأتي في كلام المنقح.
(5، 6) "المسند": (3/201) .
(7) "سنن أبي داود": (2/374- رقم: 1662) .
(8) "المعجم الكبير": (3/130- 131- رقم: 2893) .(3/155)
ورواه زهير عن شيخٍ- رأى سفيان عنده- عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهو حديثٌ لا يثبت عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومصعب هو: ابن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن شُرَحْبيل العبدريُّ- من بني عبد الدَّار-، قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عنه، فقال: لا أعلم إلا خيرًا (1) . ووثَّقه يحيى بن معين في رواية ابن أبي خيثمة عنه (2) ، وقال أبو حاتم: صالحٌ، يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (3) .
ويعلى بن أبي يحيى- ويقال: بالعكس-: غير معروفٍ، قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه، فقال: مجهولٌ (4) .
وروي عن الإمام أحمد بن حنبل أنَّه قال: أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأسواق ليس لها أصلٌ: " من بشَّرني بخروج آذار بشَّرته بالجنَّة"، و" من آذى ذميًّا فأنا خصمه يوم القيامة "، و" نحركم يوم صومكم "، و" للسائل حقٌّّ وإن جاء على فرسٍ ".
ذكر هذا أبو عمرو بن الصَّلاح (5) O.
ووجه الرِّواية الأخرى:
__________
(1، 2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/305- رقم: 1408) .
(3) المرجع السابق، ولكن فيه: (صالح) فحسب، وهو بتمامه في "تهذيب الكمال" للمزي: (28/43- رقم: 5989) .
(4) "الجرح والتعديل": (9/303-. رقم: 1304) .
(5) " علوم الحديث ": (ص: 265- 266- النوع: 30) .
ولنظر ما ذكره الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع- وفقه الله- في حاشيته على " المقنع " لابن الملقن: (2/428- 429) ، فقد أفاد هناك أن ابن الجوزي أسنده في " الموضوعات ": (2/236) .(3/156)
1658- ما روى الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سأل وله ما يغنيه، جاءت يوم القيامة خدوشًا- أو كدوحًا- في وجهه ". قالوا: يا رسول الله، وما غناه؟ قال: " خمسون درهمًا، أو حسابها من الذَّهب " (1) .
قال المؤلِّف: حكيم بن جبيرٍ مجروحٌ، قال أحمد بن حنبل: هو ضعيف الحديث، مضطرب (2) . وقال يحيى (3) والنَّسائيُّ (4) : ضعيفٌ. وقال يحيى مرَّةً: ليس بشيءٍ (5) . وقال السَّعديُّ: كذَّابٌ (6) .
وقد احتجَّ من صحَّح هذا الحديث بما حكاه التِّزمذيُّ، قال: ثنا محمود ابن غيلان ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان عن حكيم بن جبير بهذا الحديث، فقال له عبد الله بن عثمان- صاحب شعبة-: لو غير حكيم حدَّث بهذا؟! فقال له: وما لحكيم؟! لا يحدِّث عنه شعبة؟ قال: نعم، قال سفيان: سمعت زبيدًا يحدِّث بهذا عن محمَّد بن عبد الرَّحمن (7) .
فأجيب من قال هذا، فقيل له: ليس في هذا حجَّة، فإنَّ سفيان ما أسنده، إنَّما قال: ثنا زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن فحسب، ولم يرفعه.
وقد روى هذا الحديث عبد الله بن سلمة بن أسلُم- بضمِّ اللام- عن
__________
(1) "المسند": (1/388) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (1/396- رقم:798) .
(3) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/317 - رقم: 389) من رواية محمد بن عثمان.
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 80- رقم: 129) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (2/287- رقم: 1363) .
(6) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 49- رقم: 23) .
(7) "الجامع": (2/34- رقم: 651) .(3/157)
عبد الرَّحمن بن المسور بن مخرمة عن أبيه عن ابن مسعود عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ابن أسلُم ضعيفٌ (1) .
ورواه بكر بن خنيس (2) عن أبي شيبة عبد الرَّحمن بن إسحاق عن القاسم ابن عبد الرَّحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وبكر وأبو شيبة ضعيفان بمرَّةٍ.
ثُمَّ ليس في هذا الحديث أنَّ من ملك خمسين درهمًا لم تحلَّ له الصَّدقة، وإنَّما فيه أَنَّه كره له المسألة فقط، والمسألة إنَّما تكون مع الضَّرورة، ولا ضرورة لمن يجدما يكفيه في وقته.
ز: وقد روى حديث حكيم بن جبيرٍ: أبو داود عن الحسن بن عليٍّ عن يحيى بن آدم عن سفيان عنه، قال يحيى: فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حفظي أنَّ شعبة لا يروى عن حكيم بن جبير. فقال سفيان: فقد حدَّثناه زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد (3) .
ورواه التِّرمذيُّ عن قتيبة وعليِّ بن حُجر عن شريك عن حَكيم بن جبير، وقال: حديث ابن مسعود حديثٌ حسنٌ، وقد تكلَّم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث. ثُمَّ ذكر ما حكاه عنه المؤلِّف (4) .
ورواه النَّسائيُّ عن أحمد بن سليمان عن يجيى بن آدم، وقال: لا نعلم
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/121) .
(2) في "التحقيق": (بكير بن حنيش) خطأ.
(3) "سنن أبي داود": (2/354- 355- رقم: 1623) .
(4) "الجامع": (2/33- 34- رقم: 650) .(3/158)
أحدًا قال في هذا: (عن زبيد) غير يحيى بن آدم (1) . ولم يذكر عبد الله بن عثمان.
ورواه ابن ماجة عن الحسن بن عليٍّ به سواء (2) .
وقال عليُّ بن المدينيِّ: سألت يجيى بن سعيد عن حكيم بن جبير، فقال: كم روى؟ إنَّما روى شيئًا يسيرًا. قلت: من تركه؟ قال: شعبة، من أجل حديث الصَّدقة، كان يحدِّث عن من دونه (3) .
وقال أحمد بن سنان القطَّان: قلت لعبد الرَّحمن بن مهديٍّ: لم تركت حديث حكيم بن جبير؟ فقال: حدَّثني يحيى القطَّان قال: سألت شعبة عن حديث حكيم بن جبير، فقال: أخاف النَّار (4) .
[وقال معاذ بن معاذ: قلت لشعبة: حدَّثني بحديث حكيم بن جبير.
فقال: أخاف النَّار] (5) .
وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن حكيم بن جبير، فقال: في رأيه شيءٌ. قلت: ما محلُّه؟ قال: الصِّدق إن شاء الله. وسألت أبي عنه، فقال: ما أقربه من يونس بن خبَّاب في الضَّعف والرأي، وهو ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأيٌ غير محمودٍ، نسأل الله السَّلامة. قلت: هو
__________
(1) "سنن النسائي": (5/97- رقم: 2592) ، وهو في " الكبرى " أيضا: (2/52- رقم: 2373) ، وكلام النسائي غير موجود في مطبوعتيهما، وقد ذكره المزي في " تحفة الأشرلف ": (7/85- رقم: 9386) .
(2) "سنن ابن ماجة": (1/589- رقم: 1840) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/201- رقم: 873) .
(4) " التاريخ الأوسط " للبخاري: (2/13- رقم: 1061) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (2/216- رقم: 402) .
والزيادة من (ب) .(3/159)
أحبُّ إليك أو ثوير؟ قال: ما فيهما إلا ضعيفٌ غالٍ في التَّشيُّع، وهما متقاربان (1) . وقال البخاريُّ: كان شعبة يتكلَّم فيه (2) . وقال يعقوب بن شيبة: ضعيف الحديث (3) . وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (4) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (5) .
وقال ابن عَدِيٍّ: حدَّثنا ابن حمَّاد قال: حدَّثني أبو الحسن محمَّد بن عبد الله ابن مخلد ثنا إسحاق بن راهويه قال: قال يحيى بن آدم: قال سفيان الثَّوريُّ: شعبة ينكر على حكيم بن جبير حديث الصَّدقة، أمَّا إني قد سمعته من زبيد.
قال: وثنا ابن أبي بكر ثنا عبَّاس قال: سمعت يحيى (6) يقول- وسألته عن حديث حكيم بن جبير (حديث ابن مسعود: " لا تحلُّ الصدقة لمن كان عنده خمسون درهمًا ") : يرويه أحدٌ غير حكيم؟ - فقال يحيى: نعم، يرويه يحيى ابن آدم عن سفيان عن زبيد، ولا أعلم أحدًا يرويه إلا يحيى بن آدم، وهذا وهمٌ، لو كان هذا كذا لحدَّث به النَّاس جميعًا عن سفيان، ولكنَّه حديثٌ منكر. هذا الكلام قاله يحيى أو نحوه (7) .
وقال عمرو بن عليٍّ: كان عبد الرَّحمن لا يحدِّث عن حكيم بن جبير، وكان يحيى يحدِّث عنه (8) .
__________
(1) "الجرح والتعديل": (3/202- رقم: 873) .
(2) "التاريخ الكبير": (3/16- رقم: 65) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (7/168 - رقم: 1452) .
(4) "السنن الكبرى": (2/137) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/122) .
(6) هو في "التاريخ" برواية الدوري: (3/346- رقم: 1671) .
(7) "الكامل": (2/216- رقم: 402) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/201- 202- رقم: 873) .(3/160)
وقال محمَّد بن عبد الرَّحمن العنبريُّ: سُئل عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن حكيم بن جبير، فقال: إنَّما روى أحاديث يسيرة، وفيها أحاديث منكرات (1) . وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: حديث حكيم بن جبير في الصَّدقة، رواه زبيد أيضًا؟ فقال: كذا قال يحيى بن آدم، قال: سمعت سفيان يقول لعبد الله بن عثمان: أبو بسطام- يعني: شعبة- يروي عن حكيم بن جبير شيئًا؟ فقال: لا. فقال سفيان: فحدَّثنا زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد (2) .
وقال ابن عَدِيٍّ: سمعت أحمد بن حفص يقول: سُئل أحمد بن حنبل- يعني وهو حاضر-: متى تحلُّ الصَّدقة؟ قال: إذا لم يكن خمسون درهمًا أو حسابها من الذَّهب. قيل له: حديث حكيم بن جبير؟ قال: نعم. ثُمَّ حكى عن يحيى بن آدم أنَّ الثوريَّ قال يومًا: قال أبو بسطام يحدِّث- يعني: شعبة- هذا الحديث عن حكيم بن جبيرٍ؟ قيل له: لا. قال: حدَّثني زبيد عن محمَّد ابن عبد الرَّحمن. ولم يزد عليه. قال أحمد: كأنَّه أرسله، أو كره أن يحدِّث به، أما تعرف الرَّجل. كلامًا نحو ذا.
وذكر ابن عَدِيٍّ لحكيم أحاديث، ثُمَّ قال: وله غير ما ذكرت من الحديث شيءٌ يسيرٌ، والغالب في الكوفين التَّشيُّع (3) .
وقال أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب " الضُّعفاء ": حكيم بن جبير الأسديُّ، من أهل الكوفة، يروي عن سعيد بن جبير والنَّخعيِّ، روى عنه الثَّوريُّ وشريك، كان غاليًا في التَّشيُّع، كثير الوهم فيما يروي، كان أحمد بن
__________
(1) "الكامل" لابن عدى: (2/217- رقم: 402) .
(2) "الكامل": (2/218- رقم: 402) .
(3) "الكامل": (2/218- 219- رقم: 402) .(3/161)
حنبل لا يرضاه، وهو الَّذي يروي عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سأل النَّاس وهو غنيٌّ، جاء يوم القيامة كدوحًا وخدوشًا في وجهه ". قيل: يا رسول الله، ما غناه؟ قال: " خمسون درهمًا أو قيمتها من الذَّهب ".
1659- أخبرناه زكريا بن يحيى السَّاجيُّ ثنا عبد الواحد بن غياث ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عن حكيم بن جبير عن محمَّد ابن عبد الرَّحمن بن يزيد.
هكذا أبنا السَّاجيُّ عن إسرائيل عن حكيم بن جبير نفسه.
ولقد أخبرنا خالد بن النَّضر بن عمرو القرشيُّ ثنا عبد الواحد بن غياث ثنا حمَّاد بن سلمة عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود مثله، وهذا أشبه.
قال ابن حِبَّان: وليس له طريقٌ يعرف ولا رواية، إلا من حديث حكيم ابن جبير (1) .
كذا وجدته ليس فيه (عن أبيه) .
1660- وقال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد ابن يعقوب ثنا الحسن بن عليِّ بن عفَّان العامريُّ ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان بن سعيد عن حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سأل وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة خموشٌ- أو خدوشٌ أو كدوحٌ - في وجهه ". فقيل: يا رسول الله، وما الغنى؟ قال: " خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذَّهب ". قال يحيى بن آدم: فقال عبد الله بن
__________
(1) "المجروحون": (1/246- 247) .(3/162)
عثمان لسفيان: حفظي أنَّ شعبة كان لا يروي عن حكيم بن جبير. فقال سفيان: فقد ثنا زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن (1) يزيد.
قال البيهقيُّ: وأنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ابن سفيان ... فذكر معنى هذه الحكاية بلاغًا (2) عن يحيى بن آدم عن سفيان، ثُمَّ قال يعقوب: هي حكاية بعيدة، لو كان حديث حكيم بن جبير عن زبيد ما خفي على أهل العلم (3) .
وقد سُئل الحافظ الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث في "العلل"، فقال: يرويه حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن أبيه، حدَّث به عنه: الثَّوريُّ وشريك وإسرائيل وحمَّاد بن شعيب.
ورواه محمَّد بن مصعب القرقسانيُّ عن حمَّاد بن سلمة عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن محمَّد بن عبد الرَّحمن [بن] (4) يزيد، ووهم في قوله: (عن أبي إسحاق) وإنَّما رواه إسرائيل عن حكيم بن جبير.
ورواه شعبة عن حكيم بن جبير أيضًا، حدَّث به عنه: إبراهيم بن طهمان ويحيى القطَّان.
ورواه زبيد ومنصور بن المعتمر عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد، لم يجاوزا به محمدًا (5) ، وقولهما أولى بالصَّواب.
1661- حدَّثنا يحيى بن محمَّد بن صاعدٍ ثنا أبو هشام الرِّفاعيُّ
__________
(1) في مطبوعة "سنن البيهقي": (عن) خطأ.
(2) تصحفت في مطبوعة "سنن البيهقي" إلى: (بل إنما) !
(3) "سنن البيهقي": (7/24) .
(4) زيادة من (ب) و"العلل".
(5) في مطبوعة "العلل": (لم يجاوز ابنه محمَّدًا) خطأ.(3/163)
وعبد الأعلى بن واصل قالا: ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان، وحدَّثنا ابن غيلان ثنا أبو هشام الرِّفاعيُّ ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان، عن حكيم بن جبير عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يسأل عبدٌ مسألةٌ وله ما يغنيه، إلا جاءت يوم القيامة شيئًا أو خدوشًا أو كدوحًا - في وجهه ". قالوا: يا رسول الله، وماذا غناه- أو ماذا يغنيه-؟ قال: " خمسون درهمًا، أو حسابها من الذَّهب ". قال أبو هشام في حديثه في هذا الموضع: (قال يحيى بن آدم: قيل لسفيان: لو كان غير حكيم بن جبير؟
فقال: حدَّثنا زبيد عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد) . وقال عبد الأعلى بن واصل في حديثه:) قال يحيى بن آدم: قال سفيان: وقد سمعت زبيدًا يحدِّث عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن يزيد نحوه- أو شبهه-) . انتهى كلام الدَّارَقُطْنِيِّ (1) .
1662- وقد روى الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث في "مسنده" من وجهٍ آخر ضعيفٍ، فقال: حدَّثنا نصر بن باب عن الحجَّاج عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود أنَّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سأل مسألةً وهو عنها غنيٌّ جاءت يوم القيامة كدوحًا في وجهه، ولا تحلُّ الصَّدقة لمن له خمسون درهمًا أو عرضها من الذَّهب " (2) .
حجَّاج هو: ابن أرطأة، وقد اشتهر الكلام فيه.
والحمل في هذا الحديث على نصر بن باب، فإنَّه مشهورٌ بالضَّعف، قال يحيى بن معين: ليس بثقةٍ (3) . وقال مرَّةً: ليس حديثه بشيءٍ (4) . وقال
__________
(1) "العلل": (5/215- 217- رقم: 829) .
(2) "المسند": (1/466) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (7/36- رقم: 1971) من رواية ابن الدورقي.
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8/469- رقم: 2145) من رواية ابن أبي خيثمة.(3/164)
مرَّةً: كذَّابٌ خبيثٌ (1) . وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه فقال: إنَّما أنكر النَّاس عليه حين حدَّث عن إبراهيم الصَّائغ، وما كان به بأسٌ.
قلت له: إنَّ أبا خيثمة قال: نصر بن باب كذَّابٌ. قال: ما [أجترئ] (2) على هذا أن أقوله! أستغفر الله (3) . وقال السَّعديُّ: لا يساوي حديثه شيئًا (4) .
وقال أبو حاتم الرَّازيُّ (5) والنَّسائيُّ (6) : متروك الحديث. وقال البخاريُّ: يرمونه بالكذب (7) . وقال ابن عَدِيٍّ: وهو مع ضعفه يكتب حديثه (8) . وقال ابن حِبَّان: كان ممَّن ينفرد عن الثِّقات بالمقلوبات، ويروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثِّقات، فلمَّا كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به (9) O.
*****
مسألة (347) : لا يجوز لمن يقدر على الكفاية بالكسب أخذ الصَّدقة.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز.
1663- قال الإمام أحمد: حدَّثنا أسود بن عامر ثنا أبو بكر بن عيَّاش
__________
(1) "تاريخ بغداد" للخطيب: (13/279- رقم: 7243) من رواية أحمد بن محمد بن القاسم.
(2) في الأصل: (ما أخبرني) ، والتصويب من (ب) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (3/301- رقم: 5338) .
(4) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 335- رقم: 367) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/469- رقم: 2145) .
(6) "الكامل" لابن عدي: (7/36- رقم: 1971) .
(7) "التاريخ الكبير": (8/106- رقم: 2357) .
(8) "الكامل": (7/37- رقم: 1971) .
(9) "المجروحون": (3/53) .(3/165)
عن أبي حَصِين عن سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ، ولا لذي مرَّة سويٍّ " (1) .
1664- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ (2) : ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا الحسن بن عرفة ثنا عليُّ بن ثابت عن الوازع [بن] (3) نافع عن أبي سلمة عن جابرٍ قال: جاءت رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقةٌ، فركبه النَّاس، فقال: " إنَّها لا تصلح لغنيٍّ، ولا لصحيحٍ سويٍّ، ولا لعاملٍ قويٍّ " (4) .
1665- طريقٌ آخرٌ: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا أبو داود الطَّيالسيُّ ثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ، ولا لذي مرَّةٍ سويٍّ " (5) .
قالوا: قد قال أبو حاتم الرَّازيُّ: ريحان شيخٌ مجهولٌ (6) .
ثُمَّ [إنَّ] (7) الحديث إنَّما هو: " المسألة لا تحلُّ ... ":
1666- قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا عليُّ بن سعيد الكنديُّ ثنا عبد الرَّحيم بن سليمان عن مجالد عن عامر عن حُبْشيِّ بن جنادة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنَّ المسألة لا تحلُّ لغنيٍّ، ولا لذي مرَّةٍ سويٍّ، إلا لذي فقرٍ مُدقع، أو غرم
__________
(1) "المسند": (2/389) .
(2) يبدو أن هناك سقطًا وقع في مطبوعة "التحقيق"، ففيها: (وبالإسناد حدثنا الحسن بن عرفة) ، وإسناد الحديث الذي قبله هو إسناد الإمام أحمد، وأما هذا فهو بإسناد الدارقطني، والله أعلم.
(3) في الأصل و (ب) : (عن) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(4) "سنن الدارقطني": (2/119) .
(5) "الجامع": (2/35- رقم: 652) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/517- رقم: 2334) .
(7) زيادة من (ب) و"التحقيق".(3/166)
منقطع " (1) .
قلنا: أمَّا ريحان: فإن جهله أبو حاتم فقد عرفه يحيى بن معين ووثَّقه (2) .
وأمَّا هذا الحديث الَّذي ذكروه فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنَّه ضعيفٌ، قال يحيى: لا يحتجُّ بحديث مجالد (3) .
والثَّانية: أنَّا نقول به، وأنَّ المسألة لا تحلُّ له، ولا أخذُ الصَّدقة.
1667- طريقٌ آخر لحديثنا: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن هشام قال: حدَّثني أبي أنَّ عبيد الله بن عَدِيٍّ حدَّثه أنَّ رجلين أخبراه أنَّهما أتيا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألانه من الصَّدقة، فقلَّب فيهما البصر، فرآهما جَلْدَين، فقال: " إن شئتما أعطيتكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مكتسب " (4) .
ز: حديث سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة: رواه النَّسائيُّ عن هنَّاد بن السَّريِّ (5) ، ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن الصَّبَّاح (6) ، كلاهما عن أبي بكر بن عيَّاش.
ورواته ثقاثٌ، لكن قال الإمام أحمد بن حنبل: سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة (7) .
__________
(1) "الجامع": (2/36- رقم: 653) .
(2) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 109- رقم: 325) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/60- رقم: 3142) .
(4) "المسند" (4/224) .
(5) "سنن النسائي": (5/99- رقم: 2597) .
(6) "سنن ابن ماجة": (1/589- رقم: 1839) .
(7) "المغني" لابن قدامة: (4/121- المسألة رقم: 430) .(3/167)
1668- وروى الحاكم في "المستدرك" من رواية ابن عيينة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة يبلغ به: " لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ، ولا لذي مِرَّة سويٍّ ".
وقال: على شرطهما (1) .
وأمَّا حديث جابر: ففيه الوازع بن نافع، وقد ضعَّفوه.
وأمَّا حديث عبد الله بن عمرو: فرواه أبو داود عن عبَّاد بن موسى الخُتَليِّ عن إبراهيم بن سعدٍ عن أبيه (2) ، ورواه التِّرمذيُّ أيضًا عن [محمود] (3) بن غيلان عن عبد الرَّزَّاق عن سفيان عن سعد [، وقال: حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن، وقد روى شعبة عن سعد] (4) بن إبراهيم هذا الحديث، بهذا الإسناد، ولم يرفعه (5) .
ورواه الحاكم في "المستدرك" من رواية شعبة وسفيان عن سعد عن ريحان عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا (6) .
وريحان: وثَّقه ابن حِبَّان أيضًا (7) ، وقال حجَّاج عن شعبة عن سعد بن إبراهيم: سمع ريحان بن يزيد، وكان أعرابيَّ [صِدْقٍ] (8) .
وأمَّا حديث حُبْشيٍّ: فرواه التِّرمذيُّ أيضًا عن محمود بن غيلان عن
__________
(1) "المستدرك": (1/407) .
(2) "سنن أبي داود": (2/359- رقم: 1631) .
(3) في الأصل و (ب) : (محمد) والتصويب من "الجامع".
(4) زيادة من (ب) .
(5) "الجامع": (2/35- رقم: 652) .
(6) "المستدرك": (1/407) .
(7) "الثقات": (4/241) .
(8) "التاريخ الكبير" البخاري: (3/329- رقم: 1114) .
وفي الأصل: (صدوق) ، والتصويب من (ب) و"التاريخ الكبير".(3/168)
يحيى بن آدم عن عبد الرَّحمن بن سليمان بنحوه. وقال: هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه (1) .
وأمَّا حديث عبد الله بن عَدِيِّ بن الخيار: فرواه أبو داود عن مسدَّد عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة (2) ، ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن عليٍّ ومحمَّد بن المثنَّى عن يحيى بن سعيد القطَّان (3) .
وهو حديثٌ إسناده صحيحٌ، ورواته ثقاتٌ.
قال الإمام أحمد: ما أجوده من حديثٍ. وقال: هو أحسنها إسنادًا (4) O.
*****
مسألة (348) : حكم المؤلَّفة باقٍ.
وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: حكمهم منسوخٌ.
قال الزُّهريُّ: لا أعلم شيئًا نسخ حكم المؤلَّفة.
واحتجُّوا:
بقوله عليه السَلام: " عليهم صدقةٌ، تؤخذ من أغنيائهم، وتردُّ على فقرائهم ".
__________
(1) "الجامع": (2/36- رقم: 654) .
(2) "سنن أبي داود": (2/359- رقم: 1630) .
(3) "سنن النسائي": (5/99- 100- رقم: 2598) .
(4) "التمهيد" لابن عبد البر: (4/121) من رواية الأثرم، وهو في "المغني" لابن قدامة: (4/121- المسألة رقم: 430) .(3/169)
وهذا محمولٌ على أنَّه قاله في وقتٍ لم يكن محتاجًا إلى التَّأليف.
*****
مسألة (349) : يعطى الغازي مع الغِنَى.
وقال أبو حنيفة: لا يأخذ إلا مع الفقر.
1669- قال الدَارَقُطْنِيُ: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم المارستانيُّ ثنا محمَّد بن سهل بن عسكر ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر والثَّوريُّ جميعًا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تحلٌّ المسألة لغنيٍّ إلَّا لخمسةٍ: لعاملٍ عليها، والغازي في سبيل الله، والغارم، أو لرجلٍ اشتراها بماله، أو مسكين تصدَّق عليه وأهدى لغنيٍّ " (1) .
وقد رواه أبو داود فقال: (لا تحلُّ الصَّدقة) مكان قوله: (المسألة) (2) ، وإسناده ثقاتٌ.
ز: 1670- قال إسماعيل بن عبد الله سمويه: ثنا عثمان بن صالح أنا ابن وهبٍ حدَّثني هشام بن سعدٍ عن زيد بن أسلبم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الصَّدقة لا تحل لغنيٍّ إلا لخمسةٍ: لمشتريها؛ والعامل عليها؛ والغازي في سبيل الله؛والغارم؛ ورجلٍ كان له جارٌ مسكين،
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/121) .
(2) رواه أبو داود في "سننه": (2/360- رقم: 1632) من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء مرسلاً بلفظ: " لا تحل الصدقة لغني ".
ثم رواه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد مرفوعًا، ولم يسق لفظه، وإنما أحال على السابق فقال: (بمعناه) .(3/170)
فأُعْطِي منها، فأهدى له منها ".
1671- وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عبد الرَّزاق أنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ إلا لخمسةٍ: لعاملٍ عليها؛ أو رجلٍ اشتراها بماله؛ أو غارمٍ؛ أو غازٍ في سبيل الله؛ أو مسكينٍ تُصدِّق عليه منها، فأهدى منها لغنيٍّ " (1) .
ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن سفيان عن زيد بن أسلم، ورواه عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن زيدٍ (2) .
ورواه أبو داود عن الحسن بن عليٍّ (3) ، ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى الذُّهْلِيِّ، كلاهما عن عبد الرَّزَّاق بإسناده متصلاً (4) .
ورواه أبو داود عن القَعْنبيِّ عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنَّ رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ... مرسلاً.
وقال: رواه ابن عيينة عن زيد كما قال مالك، ورواه الثَّوريُّ عن زيدٍ قال: حدَّثني الثَّبت عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) .
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: حدَّث به عبد الرَّزَّاق عن معمر والثَّوريِّ
__________
(1) "المسند": (3/56) .
(2) " المصنف ": (4/109- رقم: 7151) .
(3) "سنن أبي داود": (2/360- رقم: 1633) .
(4) "سنن ابن ماجة": (1/590- رقم 1841) .
(5) "سنن أبي داود": (2/360- رقم: 1632) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: ورواه أبو داود من طريق أخرى عن عطية العوفي عن أبي سعيد به مرفوعًا.
وعطية وإن كان لا يحتج به، لكن الطريقان يشد أحدهما الآخر) ا. هـ
ولا ندري عن هذه الحاشية هل هي للمنقح أم لا؟(3/171)
عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد. قاله ابن عسكر عنه.
وقال غيره: عن عبد الرَّزَّاق عن معمر وحده، وهو أصحُّ.
وروى هذا الحديث عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن الثَّوريِّ عن زيد بن أسلم قال: حدَّثني الثبت عن النَّبيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمِّ رجلاً، وهو الصَّحيح (1) O.
*****
مسألة (350) : الحجُّ من السَّبيل، فيجوز دفع الزَّكاة فيه.
وعنه: لا يجوز، كقول أكثرهم.
1672- قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا أبو عوانة ثنا إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام قال: أخبرني رسول مروان- الَّذي أرسل إلى أمِّ معقلٍ- قال: [قالت:] (2) قلت: يا رسول الله، إنَّ عَلَيَّ حجَّةٌ وإنَّ لأبي معقل بكرًا. فقال: صَدَقَت، جعلتُه في سبيل الله.
تال: " أعطها فلتحجَّ عليه، فإنَّه في سبيل الله " (3) .
1673- وقال أبو داود: حدَّثنا محمَّد بن عوفِ الطَّائيُّ ثنا أحمد بن خالدٍ الوَهْبيُّ ثنا محمَّد بن إسحاق عن عيسى بن معقل الأسديِّ قال: حدَّثني يوسف بن عبد الله بن سلام عن جدَّته أمِّ معقل قالت: لمَّا حجَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة الوداع، وكان لنا جملٌ، فجعله أبو معقلٍ في سبيل الله، فأصابنا مرضٌ،
__________
(1) "العلل": (11/270- 271- رقم: 2279) .
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(3) "المسند": (6/375) .(3/172)