ـ[تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق]ـ
المؤلف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي (المتوفى: 744هـ)
تحقيق: سامي بن محمد بن جاد الله وعبد العزيز بن ناصر الخباني
دار النشر: أضواء السلف - الرياض
الطبعة: الأولى، 1428هـ - 2007 م
عدد الأجزاء: 5
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ومذيل بالحواشي]
__________
الإصدار 2: إصلاح بعض الأخطاء وتحسين تنسيق بعض المواطن وإضافة إمكانية الانتقال لرقم الحديث
الإصدار 3: تحسين الارتباط بالكتاب المصور
الإصدار 4: مراجعة الكتاب وإصلاح بعض الأخطاء(المقدمة/)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم فضيلة الشيخ المحدِّث عبد الله بن عبد الرحمن السعد الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
لا يخفى أن الأحكام الفقهية مبنية على نصوص الكتاب والسنة، ولذا اعتنى العلماء بالتأليف في أحكام القرآن، واعتنوا أيضًا بأحاديث الأحكام جمعًا وشرحًا وتخريجًا، ومن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب "التحقيق" لأبي الفرج بن الجوزي، وقد اعتنى بكتابه هذا أبو عبد الله بن عبد الهادي في كتابه "تنقيح التحقيق"، وامتاز كتابه بعدة مزايا، منها:
1 - أن أصله (وهو كتاب "التحقيق") يذكر الأحاديث التي يستدل بها الحنابلة ومخالفيهم، فحصل فيه بذلك نوع من الشمول الذي تفتقده بعض الكتب الأخرى المؤلفة في أحاديث الأحكام التي تختص بالأحاديث التي يستدل بها أصحاب مذهب معين.
2 - أن مؤلفه له عناية كبيرة بأحاديث الأحكام، كما يعلم من ترجمته، وقد شهد له بذلك الموافق والمخالف، وكتابه " المحرر " خير شاهد على ذلك.
3 - أنه اعتنى بالكلام على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا وفق طريقة علماء الحديث المتقدمين.
4 - أنه كان بعيدا عن التعصب، ملتزمًا الإنصاف في الكلام على(المقدمة/5)
الأحاديث والمسائل الفقهية، ولا يخفى أن الغاية من الاشتغال بعلم الحديث هي العمل بما دلت عليه السنة النبوية والبعد عن التعصب لأقوال الرجال.
ويعد كتاب "التنقيح" دراسة عملية لقواعد الحكم على الأحاديث، وهو مع كتاب "نصب الراية" للزيلعي، و"التلخيص الحبير" لابن حجر، من أهم كتب التخريج التي تساعد طالب العلم على تعلم طريقة الحكم على الأحاديث ودراسة الأسانيد عمليًّا.
وقد قام الأخ / سامي بن محمد بن جاد الله، والأخ / عبد العزيز بن ناصر الخباني، بتحقيق كتاب "تنقيح التحقيق"، فجزاهما الله خيرًا.
وكنت ذكرت في تقدمة كتاب "التعليقة على العلل لابن أبي حاتم" أن أبا عبد الله بن عبد الهادي كان على منهج الأئمة المتقدمين في علم الحديث، وأن الدليل على ذلك من جهتين:
1 - إجمالاً. 2 - وتفصيلاً.
ثم بينت الدليل الإجمالي.
ثم شرعت في بيان الدليل التفصيلي، وهو دراسة كتبه كـ " الصارم المنكي " وغيره، ثم شرعت في الكلام على الحديث الأول من أحاديث " الصارم المنكي "، وهو حديث ابن عمر في الزيارة، فسقت كلام السبكي عليه من كتابه " شفاء السقام " بنصه، ثم أتبعته بكلام ابن عبد الهادي من " الصارم " بنصه.
ثم ذكرت أن الصحيح في هذا الحديث هو ما ذهب إليه ابن عبد الهادي من تضعيفه ورده، وأنه مسبوق في ذلك من كبار الحفاظ.
وذكرت أن هذا الحديث معلول بعدة علل، واقتصرت هناك على بيان(المقدمة/6)
علتين من علله، وهما:
1 - ضعف موسى بن هلال، وأنه لا يحتج به.
2 - أن الراجح أن العمري الذي في الإسناد هو عبد الله (المكبر) ، لا عبيد الله (المصغر) الثقة، وأن الراجح في عبد الله أنه مع صلاحه في نفسه واستقامته في ذاته إلا أنه لا يحتج بحفظه، ولكن يكتب حديثه، وذلك لوجوه ثلاثة، هي:
1) أن هذا هو قول جمهور الحفاظ.
2) أن بعض الحفاظ جرحه جرحًا مفسرًا.
3) أن هناك عددًا من الأحاديث أنكرت على العمري، وأحاديث أخرى
تفرد بها قد تستنكر عليه.
وقد تكلمت هناك عن الوجه الأول، وأكمل هنا الكلام عن بقية الأوجه، ثم أتكلم عن بقية العلل التي يعل بها هذا الحديث، فأقول وبالله التوفيق:
* * *(المقدمة/7)
الوجه الثاني من الأوجه التي تدل على عدم الاحتجاج بعبد الله العمري: أن بعض الحفاظ جرحه جرحًا مفسرًا.
قال البخاري: عبد الله العمري ذاهب، لا أروي عنه شيئًا.
قال الإمام أحمد - في رواية أبي زرعة (1) -: كان يزيد في الأسانيد، ويخالف، وكان رجلاً صالحًا. ا. هـ من "تاريخ بغداد" (10/20) .
وقال يعقوب بن شيبة: هو رجل صالح، مذكور بالعلم والصلاح، وفي حديثه بعض الضعف والاضطراب، ويزيد في الأسانيد كثيرًا.
وقال صالح بن محمد الأسدي: لين، مختلط الحديث.
وقال أبو حاتم ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط، فاستحق الترك.
وقال أبو بكر البيهقي في "سننه الكبرى" (6/325) : كثير الوهم.
وقال أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" (13/241) : ضعيف ليس بحجة عندهم لتخليطه في حفظه.
وقال الخليلي: ثقة غير أن الحفاظ لم يرضوا حفظه، ولم يخرّج لذلك في "الصحيحين" ا. هـ من " الإرشاد " (1/193) .
كل هؤلاء الحفاظ تكلموا في حديث عبد الله العمري، وفسَّروا جرحهم، فأحمد بيَّن أنه كان يزيد في الأسانيد ويخالف.
__________
(1) هو الدمشقي.(المقدمة/8)
والبخاري قال: ذاهب. يعني - والله أعلم -: ذاهب الحديث.
ويعقوب بن شيبة ذكر أن في حديثه بعض الضعف والاضطراب، ويزيد في الأسانيد كثيرًا، وبيَّن صالح الأسدي أنه مختلط الحديث.
وذكر البيهقي أنه كثير الوهم.
ولا يخفى أن من القرائن والأدلة التي يرجع إليها في الحكم على الراوي: أن يكون جرح من جرحه مفسرًا، والله تعالى أعلم.
* * *(المقدمة/9)
الوجه الثالث: أن العمري فد استنكرت عليه عدة أحاديث، وتفرد بجملة من الأحاديث، ومن ذلك ما يلي:
1 - حديث منكر: قال ابن وهب في كتابه "الجامع" (71) : وحدثني عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أصدق الأسماء الحارث وهمام، وأبغضها إلى الله حرب ومرة، وأكذبها خالد ومالك، لا مالك إلا الله ".
قلت: أخرج مسلم (2132) أصل هذا الحديث، فقال: حدثني إبراهيم بن زياد أخبرنا عباد بن عباد عن عبيد الله بن عمر وأخيه عبد الله يحدثان عن نافع عن ابن عمر رفعه: " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ".
قلت: وأول الحديث: " أصدق الأسماء حارث وهمام، وأبغضها إلى الله حرب ومرة " جاء من طرق، ولا يصح منها شيء.
وأما زيادة " وأكذبها خالد ومالك ... " فلعلها لم تأت إلا في هذا الحديث، والله تعالى أعلم.
وهذا الحديث رجاله كلهم ثقات مشاهير ما عدا عبد الله العمري، فالظاهر أن العلة منه.
2 - حديث آخر: حديث التكبير عند سجود التلاوة، أخرجه أبو داود (1413) : ثنا أحمد بن الفرات أخبرنا عبد الرزاق أنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجدنا.
وأخرجه أحمد (2/157 رقم: 6461) : ثنا حماد ثنا عبد الله عن نافع به(المقدمة/10)
بدون التكبير.
قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم (575) من طريقين عن عبيد الله بن عمر عن نافع به، وليس فيه ذكر التكبير.
وأخرجه أبو داود (1411) من طريق مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن نافع به، وليس فيه ذكر التكبير.
وقد تكلم على هذه الزيادة التي تفرد بها العمري ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام " (4/197) .
3 - حديث آخر: قال أبو داود (2079) : ثنا عقبة بن مكرم ثنا أبو قتيبة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رفعه: " إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل ".
قال أبو داود: هذا الحديث ضعيف، وهو موقوف، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما. ا. هـ.
ورواه أيضًا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع به، ورفعه.
ولكن رواه أبو عاصم وحجاج وعبد الرزاق عن ابن جريج بهذا الإسناد موقوفًا، وهو الصواب، وكذلك رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفًا.
ذكر ذلك الدارقطني (1) .
قلت: فعلى هذا الصواب في هذا الخبر وقفه، ولعل العمري هو الذي
__________
(1) ينظر: " بيان الوهم والإيهام " (2/48 رقم: 117؛ 4/198) .(المقدمة/11)
أخطأ في رفعه.
4 - حديث آخر: قال الطبراني (12/364 - رقم: 13356) : ثنا يحيى ابن عثمان بن صالح ثنا سعيد بن أبي مريم أخبرني الليث بن سعد عن ابن وهب عن العمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسجد يوم ذي اليدين.
قلت: لا شك في أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد يوم ذي اليدين، وقد خالفه عبيد الله العمري فرواه عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، وفيه ذكر السجود، وحديثه رواه ابن أبي شيبة (4514) وأبو داود (1009) وابن ماجه (1213) وابن خزيمة (1034) كلهم عن أبي أسامة عنه به.
وأيضًا قد نص العلماء على وهم وغلط الزهري في نفيه لسجود السهو في حديث ذي اليدين، قال مسلم في كتابه " التمييز " (ص 183) : وخبر ابن شهاب هذا في قصة ذي اليدين وهم غير محفوظ، لتظاهر الأخبار الصحاح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا....
ثم قال بعد أن ساق جملة من الروايات: فقد صح بهذه الروايات المشهورة المستفيضة في سجود رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم ذي اليدين أن الزهري واهم في روايته إذ نفى ذلك في خبره من فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا. هـ.
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/366) : ولا أعلم أحدًا من أهل العلم والحديث المنصفين (1) فيه عول على حديث ابن شهاب في قصة ذي اليدين، لاضطرابه فيه، وأنه لم يتم له إسنادًا ولا متنًا، وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه أحد، والكمال ليس لمخلوق، وكل أحد يؤخذ
__________
(1) كذا، ولعلها: المصنفين.(المقدمة/12)
من قوله ويترك إلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا. هـ.
وبهذا تتبين نكارة الحديث الذي رواه الطبراني، ورجاله كلهم ثقات مشاهير عدا عبد الله بن عمر العمري، فلعل الخطأ منه.
5، 6 - حديثان آخران: قال أبو بكر البزار في مسنده (162) : وثنا إبراهيم بن زياد الصايغ نا يونس بن محمد نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه ".
وقال أيضًا:
ونا يونس بن محمد نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رفعه: " إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ".
قال البزار: وهذان الحديثان إنما يرويهما الثقات الحفاظ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا نعلم أحدًا قال: عن ابن عمر عن عمر إلا عبد الله بن عمر العمري، ولم يتابع عليه ا. هـ.
7 - حديث آخر: قال أحمد في "المسند" (5949) : ثنا سريج ثنا عبد الله عن سعيد المقبري قال: جلست إلى ابن عمر ومعه رجل يحدثه فدخلت معهما فضرب بيده صدري وقال: أما علمت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما ".
وأخرجه أيضًا في موضع آخر (2/138) : ثنا نوح أنا عبد الله به.
وأخرجه الدارقطني في "العلل" (4/ ورقة 73) - كما في حاشية "المسند" طبع الرسالة - من طريق أبي أسامة عن العمري به.
ورواه عبيد الله بن عمر عن المقبري عن ابن عمر موقوفًا، أخرجه(المقدمة/13)
الدارقطني في "العلل" من طريق يحيى القطان عن عبيد الله به، وعبيد الله يقدم في المقبري كما قال الإمام أحمد، هذا مع إتقانه وحفظه، فروايته هي الأرجح.
ومتن هذا الخبر لا شك في صحته مرفوعًا، فقد أخرج البخاري (6288) ومسلم (2183) من طريق نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر ".
ولكن المقصود هنا رواية المقبري عن ابن عمر، فالصواب فيها الوقف كما في رواية عبيد الله عنه (1) .
8 - حديث آخر: قال عبد الله بن أحمد في " السنة " (1360) وفي زوائده على " فضائل الصحابة " (63) : ثني سلمة بن شبيب ثنا مروان بن محمد الطاطري ثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ما كنا نختلف في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الخليفة بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر، وأن الخليفة بعد أبي بكر عمر، وأن الخليفة بعد عمر عثمان.
قلت: وهذا الحديث بهذا السياق منكر من أجل ذكر الخلافة، وإنما اللفظ الصحيح ما رواه البخاري في "صحيحه" (3697) قال: حدثني محمد ابن حاتم بن بزيع حدَّثنا شاذان حدَّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نفاضل بينهم.
9 - حديث آخر: قال النسائي في " الكبرى " (2/10269) : أخبرنا
__________
(1) وينظر: "العلل" للدارقطني (10/345) و"الفتح" لابن حجر (1/150) .(المقدمة/14)
العباس بن محمد ثنا خالد بن مخلد ثنا عبد الله بن عمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد عن ابن عمر أنه أراد أن يودِّع رجلاً، فقال: تعال أودعك كما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يودعنا: " استودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك ".
أخبرني الحسن بن إسماعيل ثنا عبدة عن عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن إسماعيل ثنا قزعة عن ابن عمر به.
أخبرنا أحمد بن سليمان ثنا أبو نعيم ثنا عبد العزيز عن يحيى بن إسماعيل ابن جرير عن قزعة قال: أرسلني ابن عمر إلى حاجة ... فذكره ا. هـ.
قلت: خالف عبدةُ - وهو ابن سليمان الكلابي - وأبو نعيم - وكلاهما من الثقات الأثبات - عبد الله بن عمر العمري، ولا شك أن روايتهما أصح، وقد تابعهما أبو ضمرة أيضًا.
قال النسائي (10270) : أخبرنا أحمد بن حرب ثنا أبو ضمرة عن عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن إسماعيل بن جرير عن قزعة به. أنا الحسين بن حريث أنا عيسى عن عبد العزيز بن عمر حدثني إسماعيل ابن محمد بن سعد عن قزعة به.
أخبرنا هشام بن عمار عن يحيى ثني عبد العزيز بن عمر عن قزعة به ا. هـ.
قلت: وأصح هذه الروايات رواية الجماعة، وهم: عبدة بن سليمان وأبو نعيم وأبو ضمرة، وأضعف هذه الروايات رواية عبد الله العمري، لأنها أكثرها مخالفة لباقي الروايات.
وإن كان هذا الحديث جاء من طريق أخرى عن مجاهد عن ابن عمر،(المقدمة/15)
ولكنه من غير طريق عبد العزيز بن عمر، والمقصود هنا في مخالفة العمري هي طريق عبد العزيز بن عمر الذي وقع عليه الاختلاف، قال النسائي (10269) : أنا أحمد بن إبراهيم بن محمد ثنا ابن عائذ ثنا الهيثم بن حميد ثنا المطعم عن مجاهد عن ابن عمر به.
10 - حديث آخر: قال عبد الرزاق (5022) : عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ليس على النساء أذان ولا إقامة.
وأخرجه البيهقي في " الكبرى " (1/408) من طريق بحر بن نصر قال: قرئ على ابن وهب أخبرك عبد الله بن عمر عن نافع به.
قلت: جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد أقوى مما تقدم، ظاهره يخالف السابق:
قال أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " (1/223) : نا أبو خالد عن ابن عجلان عن وهب بن كيسان قال: سئل ابن عمر: هل على النساء أذان؟
فغضب، قال: أنا أنهى عن ذكر الله!
ووهب بن كيسان أدرك ابن عمر، قال أحمد (2/108) : ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن وهب بن كيسان - وكان وهب أدرك ابن عمر - أن ابن عمر رأى ...
وأخرج ابن حبان في "صحيحه" (6780) من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن ابن عمر.
11 - حديث آخر: حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الذهب والحرير: هذان حرامان على ذكور أمتي، حل لإناثها.(المقدمة/16)
رواه عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن أبي موسى به.
ورواه نافع، واختلف عليه، قال الدارقطني في "العلل" (7/241) : يرويه عبد الله بن سعيد بن أبي هند، واختلف عن نافع فرواه أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى.
ورواه سويد بن عبد العزيز عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي موسى، ووهم فيه في موضعين في قوله: سعيد المقبري، وإنما هو سعيد بن أبي هند، وفي تركه نافعًا في الإسناد.
ورواه عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل عن أبي موسى، وهو أشبه بالصواب، لأن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى شيئًا، وقال أسامة بن زيد عن سعيد بن أبي هند عن أبي مرة مولى عقيل عن أبي موسى في حديث النهي عن اللعب بالنرد، وهو الصحيح.
وهذا يقوي قول العمري عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل، والله أعلم. ا. هـ.
قلت: سعيد لم يسمع من أبي موسى، كما قال الدارقطني، وقال أبو حاتم: لم يلقه.
فلا شك أن بينهما شخص أو أكثر، ولكن سعيد بن أبي هند لم يذكر واسطة في حديثه هذا كما في رواية ابنه عبد الله بن سعيد، ونافع من رواية أيوب وعبيد الله بن عمر، وهما من كبار الحفاظ، وخالفهم عبد الله العمري فقال: عن نافع عن سعيد عن رجل عن أبي موسى، ولا شك أن روايتهم أصح، والله تعالى أعلم.(المقدمة/17)
12 - حديث آخر: قال ابن ماجه (2015) : ثنا يحيى بن معلى بن منصور ثنا إسحاق بن محمد الفروي ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحرّم الحرام الحلال ".
وأخرجه الدارقطني (3/268) من طريق جعفر بن أحمد بن سام وعلي ابن أحمد الجواربي كلاهما عن إسحاق به.
وأخرجه البيهقي (7/168) من طريق جعفر بن أحمد به.
قال البوصيري في " الزوائد " (2/124) : (هذا إسناد ضعيف، لضعف العمري) ا. هـ.
قلت: إن كان إسحاق - وهو الفروي - تفرد به، فقد تكلم فيه بعض الحفاظ، وخاصة بعد أن عمي، فصار يتلقن، وقال النسائي: متروك.
فيحتمل أن الخطأ من الفروي، والله أعلم.
13 - حديث آخر: قال أحمد (2/138) : ثنا نوح بن ميمون أنا عبد الله عن موسى عن سالم عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوتر على راحلته.
وأخرجه أبو يعلى (5459) : ثنا أبو خيثمة حدثنا يونس بن محمد ثنا عبد الله بن عمر عن موسى به.
قلت: هذا الحديث صحيح، ولكن الصحيح في رواية موسى بن عقبة عن سالم وقف هذا الخبر على عبد الله بن عمر بن الخطاب، وإنما رواه موسى بن عقبة مرفوعًا عن نافع وليس عن سالم:
قال أحمد (1/252) : ثنا عفان ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة ثني سالم أن عبد الله كان يصلي في الليل ويوتر راكبًا على بعيره، لا يبالي حيث وجهه، قال:(المقدمة/18)
وقد رأيت أنا سالمًا يصنع ذلك، وقد أخبرني نافع عن عبد الله أنه كان يأثر ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت: وهيب من كبار الحفاظ، وقد فصل في روايته بين رواية سالم - فرواها موقوفة - وبن رواية نافع - فرواها عنه بالرفع -.
وأما عبد الله العمري فلم يبين ذلك، فجعل الخبر كله مرفوعًا من رواية سالم، ولم يذكر رواية نافع.
وقد رواه ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر كان يوتر وهو راكب حيث كان وجهه.
أخرجه ابن جرير في " تهذيب الآثار " (1/542 - رقم: 855) : ثنا سعيد بن يحيى الأموي ثني أبي ثنا ابن جريج به، فوافق ابن جريج وهيبًا.
والخبر لا شك في صحة رفعه من حديث سالم، وقد خرجه الشيخان من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعًا.
ولكن من رواية موسى الصواب وقفه كما تقدم، والله تعالى أعلم.
14- حديث آخر: قال أبو يعلى الموصلي - كما في " مسند الفاروق " (1/386) و"المقصد العلي" (2/313 - رقم: 709) -: ثنا زهير ثنا يونس بن محمد ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلتين سوداوين وعنده ما يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة ".
قال ابن كثير: (غريب من هذا الوجه، والعمري له أوهام، فإن هذا الحديث في " الصحيح " عن عبد الله بن عمر نفسه كما سيأتي في "مسنده") ا. هـ
من " مسند الفاروق ".(المقدمة/19)
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/209) : (رواه أبو يعلى في " الكبير " وفيه عبد الله العمري، وفيه ضعف، وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح) ا. هـ
وقول الهيثمي: (رواه في الكبير) يعني مسند أبي يعلى الذي رواه عنه ابن المقرئ، فإنه أكبر من المسند المطبوع الذي رواه عنه أبو عمرو بن حمدان، ولذا لما ذكره في "المقصد العلي" (2/313) رمز له بـ (ك) .
والصحيح في هذا الحديث أنه من مسند ابن عمر كما تقدم في كلام ابن كثير فقد أخرجه الشيخان من طريق نافع عن ابن عمر، أخرجه البخاري من طريق مالك، ومسلم من طريق عبيد الله وأيوب وأسامة بن زيد وهشام بن سعد.
وأخرجه مسلم أيضًا من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر به.
فخالف عبد الله العمري - فيما يظهر - وجعله من مسند عمر.
ووقع في روايته لفظة غريبة لعله تفرد بها، وهي: (سوداوين) فلم أقف عليها في الروايات الصحيحة.
وزهير شيخ أبي يعلى: هو ابن حرب أبو خيثمة النسائي، من كبار الحفاظ.
ويونس بن محمد: هو ابن مسلم البغدادي، وهو ثقة جليل، قال الذهبي: من كبار الحفاظ ببغداد.
15 - حديث آخر: قال أبو عبيد في "الأموال" (740) : ثنا ابن أبي مريم عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: حمى رسول الله(المقدمة/20)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النقيع - وهو موضع معروف بالمدينة - لخيل المسلمين.
وأخرجه حميد بن زنجويه في "الأموال" (1105) عن أبي عبيد.
وأخرجه أحمد (5655) : ثنا قراد أخبرنا عبد الله به، ولفظه: حمى النقيع لخيله.
و (6438، 6464) : ثنا حماد بن خالد ثنا عبد الله به.
والبيهقي في الكبرى (6/146) من طريق القعنبي عن العمري به.
وخالفه عاصم بن عمر بن حفص، فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به.
ولكن عاصم ضعيف، وقد يكون أضعف من عبد الله العمري، وهو أخوه، والراوي عنه عبد الله بن نافع فيه بعض الضعف.
وأخرج حميد بن زنجويه (1104) : أنا عبد الله بن صالح ثنا الليث ثني يونس عن ابن شهاب قال: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف والربذة.
ووصله عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب رفعه.
أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي (6/146) وهو لا يصح، قال البخاري: هذا وهم. وقال البيهقي: لأن قوله (حمى النقيع) من قول الزهري، وكذلك قاله ابن أبي الزناد عن عبد الرحمن. ا. هـ.(المقدمة/21)
قلت: ويؤيد ذلك أن البخاري أخرج في "صحيحه" من طريق يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا حمى إلا لله ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قال: وبلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمى النقيع ...
قلت: وقوله: (وبلغنا) هو من قول الزهري.
16 - حديث آخر: قال الإمام أحمد (5946) : ثنا سريج ثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجاجًا فما أحللنا من شيء حتى أحللنا يوم النحر.
قال محقق "المسند": سيأتي في الرواية (6082) أن ليس كلهم بقي محرمًا إلى يوم النحر، وقد فصلت الروايات الصحيحة أن من ساق الهدي لم يحل، وأن من لم يسق الهدي حلّ، كما سيرد برقم (6068) وقد سلف برقم (4822) . ا. هـ.
قلت: أنا أذهب إلى هذا، والأدلة كثيرة التي تدل على ذلك، وسأذكر ما ذكره محقق "المسند" مما جاء عن نافع فقط، ثم أذكر ما جاء عن ابن عمر من غير طريق نافع.
قال أحمد (6082) : ثنا يونس وسريج بن النعمان قالا: ثنا فليح عن نافع عن ابن عمر قال: لا أعلمه إلا خرجنا حجاجًا مهلين بالحج فلم يحل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عمر حتى طافوا بالبيت. قال: قال سريج: يوم النحر وبالصفا والمروة.
قال أحمد (6068) : ثنا يونس ثنا فليح عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبّد رأسه وأهدى، فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن، قلن: ما لك أنت لا تحل. قال: إني قلدت هديي، ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل(المقدمة/22)
من حجتي.
وقد خولف فليح في هذا الحديث، فقد أخرجه البخاري (1566، 1725، 5916) من طريق مالك، و (1697) من طريق عبيد الله بن عمر، و (4398) من طريق موسى بن عقبة، كلهم عن نافع عن ابن عمر عن حفصة بنحوه.
وأخرجه مسلم (1229) من طريق مالك وعبيد الله وابن جريج عن نافع به.
وأخرج البخاري (1691) من طريق ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال: تمتع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهدي ... وساق الحديث إلى أن ذكر قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناس: من لم يكن منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل، ثم ليهل بالحج ...
فطاف حين قدم مكة ... ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض، فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهدى وساق الهدي من الناس.
وأخرجه مسلم (1227) وأخرج أحمد (4822) من حديث بكر بن عبد الله عن ابن عمر بنحوه.
قلت: هذا التفصيل الذي جاء في هذه الروايات وخاصة الأخيرة تخالف ما جاء في رواية عبد الله العمري من كونهم لم يحلوا من شيء حتى يوم النحر، والله تعالى أعلم.
17 - حديث آخر: قال أبو بكر البزار (158) : ثنا يوسف بن موسى نا الفضل بن دكين نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر أن رسول الله(المقدمة/23)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصدق أحدًا من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية.
قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن العمري إلا الفضل بن دكين، ولا نعلم يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه ا. هـ.
وأخرجه السلفي في " الطيوريات " (رقم: 719) من طريق أحمد بن الصلت ثنا أبو نعيم به.
قلت: وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر، فقد رواه ابن سيرين عن أبي العجفاء السلمي قال: سمعت عمر يقول: ألا لا تغلوا صُدُق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما أصدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته كثر من ثنتي عشرة أوقية.
قال الحافظ ابن كثير في " مسند الفاروق " (1/408) - بعد أن ذكره من طريق البزار -: إسناده جيد، ليس فيه متكلم فيه سوى العمري وحده ا. هـ.
وقد خالفه عبد العزيز بن أبي رواد، فرواه عن نافع قال: قال عمر: لا تغالوا في مهور النساء ... فذكره، ثم قال نافع: فكان عمر يقول: مهور النساء لا يزدن على أربع مائة درهم، إلا ما تراضوا عليه فيما دون ذلك.
قال نافع: وزوج رجل من ولد عمر ابنة له على ست مائة درهم. قال: ولو علم بذلك نكله. قال: وكان إذا نهى عن الشيء قال لأهله: إني قد نهيت كذ وكذ ...
أخرجه عبد الرزاق (6/175) عن عبد العزيز به.
قلت: وعبد العزيز تكلم في حفظه، ولكن كأنه أقوى من العمري،(المقدمة/24)
وقد خالف الجادة في هذا الحديث من حديث نافع، لأن الجادة في حديثه: (عن ابن عمر) ، والحفاظ يقدمون من خالف الجادة على من سلكها، لأن من خالف يكون معه زيادة علم، والله تعالى أعلم.
وقد جاء هذا الحديث من طريق آخر عن نافع، فرواه عيسى بن ميمون البصري عن سالم ونافع عن ابن عمر عن عمر، ولكن عيسى متروك. قاله الدارقطني في "العلل" (2/238) .
وجاء هذا الخبر بأسانيد أخرى لكن من غير طريق نافع عن ابن عمر، تنظر في "العلل" للدارقطني، فقد تكلم عليها، لكنه لم يذكر طريق العمري، وكذلك الحاكم في "المستدرك" (2/175 -177) قد توسع في ذكر طرق هذا الخبر.
18 - حديث آخر: قال أحمد (1/34) : ثنا عبد الرزاق ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قبل الحجر ثم قال: قد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلك ما قبلتك.
وأخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق به (26) .
وأخرجه مسلم (1270) : ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، وأبو بكر النجاد في " مسند عمر " من طرق عن المقدمي، والدارمي (2/52) : أخبرنا مسدد، والبزار (139) : ثنا محمد بن المثنى نا حفص بن عمر، ثلاثتهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر به.
وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر إلا حماد بن زيد. ا. هـ.(المقدمة/25)
وفي " علل الدارقطني " (2/13 - رقم: 86) : وسئل عن حديث نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قبل الحجر.
فقال: يرويه أيوب السختياني، واختلف عنه:
فرواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر. قال ذلك الحوضي ومسدد والمقدمي.
وقيل عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع مرسلاً عن عمر.
ورواه إسماعيل بن علية عن أيوب قال: نبئت أن عمر قال: وقول حماد ابن زيد أحب إليّ ا. هـ.
وقال الدارقطني أيضًا في " التتبع " (ص: 257) : قد اختلف فيه على أيوب وعلى حماد بن زيد، وقد وصله مسدد والحوضي عن حماد، وخالفهم: سليمان وأبو الربيع وعارم فأرسلوه عن حماد، وقال ابن علية عن أيوب: (نبئت أن عمر) ليس فيه نافع ولكن عمر (1) ، وهو صحيح من حديث سويد ابن غفلة وعابس بن ربيعة وعبد الله بن سرجس عن عمر ا. هـ.
وأخرجه مسلم وغيره عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن عمر.
والخلاصة أن هذا الحديث رواه عن نافع راويان: أيوب والعمري.
فأما أيوب: فاختلف عليه، فرواه حماد واختلف عليه، فرواه عنه المقدمي ومسدد والحوضي عنه عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر،
__________
(1) كذا في مطبوعة " التتبع "، ونقل هذا النص عن الدارقطني: المزي في "تحفة الأشراف" (8/ 72) ، وفيه: (ليس فيه نافع ولا ابن عمر) .(المقدمة/26)
وخالفهم سليمان بن حرب وعارم وأبو الربيع، فرووه عن حماد فأرسلوه.
ويظهر أن رواية الوصل والإرسال كلاهما ثابتتان عن حماد، وأن حماد إما أنه اضطرب وإما أنه حدث به على الوجهين وأنه ثابت عنده الوصل فحدث به مرّة، وأخرى أرسله مع ثبوت الوصل عنده.
ولكن يؤيد الوجه الأول وهو اضطراب حماد أن ابن علية وهو من كبار الحفاظ، ومقدم جدا في أيوب، حتى اختلف أيهما يقدم في أيوب: حماد بن زيد أو ابن علية (1) رواه عن أيوب فقال: نبئت أن عمر، ولعل الذي نبأه نافع، كما في رواية حماد، فهذا يرجح الإرسال، لأن رواية ابن علية سالمة من
__________
(1) ذكر ابن رجب في " شرح العلل " (510) بعض أقوال الحفاظ في الترجيح بينهما، ومن ذلك:
قال الإمام أحمد: ما عندي أعلم بحديث أيوب من حماد بن زيد، وقد أخطأ في غير شيء.
وقال ابن معين: ليس أحد أثبت في أيوب من حماد بن زيد.
وقال أيضًا: إذا اختلف إسماعيل بن علية وحماد بن زيد في أيوب كان القول قول حماد. قيل ليحيى: فإن خالفه سفيان الثوري؟ قال: فالقول قول حماد بن زيد في أيوب. قال يحيى: ومن خالفه من الناس جميعًا في أيوب فالقول قوله.
وقال سليمان بن حرب: وحماد بن زيد في أيوب أكثر من كل من روى عن أيوب.
وقال النسائي: أثبت أصحاب أيوب حماد بن زيد، وبعده عبد الوارث وابن علية.
وقال البرديجي: ابن علية أثبت من روى عن أيوب، وقال بعضهم: حماد بن زيد. قال: ولم يختلفا إلا في حديث أوقفه ابن علية ورفعه حماد، وهو حديث أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس أحد منكم ينجيه عمله " قالوا: ولا أنت؟! قال: " ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ".
قال ابن رجب: وليس وقف هذا الحديث مما يضره فإن ابن سيرين كان يقف الأحاديث كثيرًا ولا يرفعها، والناس كلهم يخالفونه ويرفعونها. قلت: وقد اختلفا أيضًا في أحاديث أخر، منها حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر. كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب، ورواه ابن علية عن أيوب قال: نبئت أن عمر قبل الحجر. ا. هـ، وقد ذكر ابن رجب أقوالاً أخرى في تقديم ابن علية.(المقدمة/27)
الاضطراب، وهي توافق رواية سليمان بن حرب ومن معه عن حماد، فإذا كان الإرسال هو الأرجح فتكون رواية العمري فيها نظر، والله أعلم.
19 - حديث آخر: أخرج البخاري من طريق ابن أبي ذئب وعبيد الله بن عمر العمري كلاهما عن سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجزه بالليل، فثاب إليه ناس، فصفوا وراءه ...
وأخرجه أبو داود من طريق ابن عجلان عن سعيد المقبري به ببعضه.
قال الدارقطني في "العلل" (5/ق: 72/ب) : يرويه سعيد المقبري واختلف عنه، فرواه ابن عجلان وعبيد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة، وخالفهم عبد الله بن عمر العمري وأبو معشر فروياه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وحديث أبي سلمة عن عائشة هو الصواب ا. هـ.
وقال الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف " (12/350) : قلت: رواه عبد الله بن عمر العمري فقال: (عن سعد (1) عن أبي هريرة) وهو خطأ، أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل ا. هـ.
20 - حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي (2454) : ثنا العمري ثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رجلاً أسلم، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل.
وأخرجه أحمد (10268) : ثنا سريج ثنا عبد الله، يعني ابن عمر به.
و (8037) : ثنا عبد الرحمن ثنا عبد الله بن عمر به، ولفظه: " اذهبوا
__________
(1) كذا، ولعل الصواب: (عن سعيد - وهو المقبري - عن أي هريرة) فيكون العمري أسقط أبو سلمة بن عبد الرحمن، وجعله من مسند أبي هريرة.(المقدمة/28)
به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل ".
وأخرجه عبد الرزاق (9834) : أخبرنا عبيد الله وعبد الله ابنا عمر عن سعيد به مطولاً، وفيه: فأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد حسن إسلام أخيكم ".
وأخرجه ابن خزيمة (253) وأبو عوانة (4/161) وابن الجارود (15) وابن حبان (1238) والبيهقي (1/171) كلهم من طريق عبد الرزاق به.
وقد أخرج الشيخان (خ: 462، 469، 2422، 2423، 4372 مطولاً؛ م: 1764) وأبو داود (2679) والنسائي في " الصغرى " (189) و" الكبرى " (192، 793) وأحمد (9833) وابن خزيمة (252) (1) وابن حبان (1239) وأبو عوانة (4/159، 161) ، والبيهقي في " الدلائل " (4/ 78) وفي " السنن " (1/171) كلهم من طريق الليث عن المقبري عن أبي هريرة قصة ثمامة، وليس فيها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بالاغتسال، وإنما هو الذي ذهب واغتسل، وليس فيها أيضًا أنه صلى ركعتين، ولا " لقد حسن إسلام أخيكم ".
وأخرجه مسلم (1764) وأبو عوانة (4/157) من طريق عبد الحميد بن جعفر عن المقبري به، قال مسلم: وساق الحديث بمثل حديث الليث.
وأخرجه أحمد (7361) : ثنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة - إن شاء الله -، ثم قال سفيان: الذي سمعناه منه عن ابن عجلان.
وساقه مطولاً وفيه: قال: فذهبوا به إلى بئر الأنصار فغسَّلوه فأسلم.
قال عبد الله بن أحمد: وسمعته يقول: عن سفيان سمعت ابن عجلان
__________
(1) وسقط من إسناده ذكر الليث.(المقدمة/29)
عن سعيد عن أبي هريرة أن ثمامة قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأخرجه ابن قانع في " المعجم " (1/131) : ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي نا سفيان عن ابن عجلان عن المقبري عن أبيه.
وأخرجه البيهقي في الدلائل (4/79) من طريق ابن إسحاق ثني سعيد المقبري به، وليس فيها الأمر بالاغتسال، والصلاة ركعتين، ولا " لقد حسن إسلام أخيكم "، ولكن فيها بعض المخالفة لرواية الليث.
وقال البيهقي: وهذه الرواية توهم أن يكون صدر الحديث في رواية يونس بن بكير من قول محمد بن إسحاق عن شيوخه، ورواية الليث بن سعد ومن تابعه أصح في كيفية أخذه ا. هـ.
وأخرجه البيهقي في " الدلائل " أيضًا (4/81) من طريق ابن إسحاق قال: فأخبرني سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.
وأخرجه أيضًا (4/81) من طريق محمد بن حميد الرازي ثنا أبو تميلة ثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس بقصة ثمامة، وليس فيها الأمر بالاغتسال.
وأخرجه أبو نعيم في " الصحابة " (1422) من طريق محمد بن أبي حماد ثنا أبو تميلة به.
وأخرج أبو يعلى (6547) ثنا بشر بن سيحان ثنا عمرو بن محمد الرزيني - قال: فما رأيت مثله بعيني قط - ثنا سفيان الثوري عن رجل عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: لما أسلم ثمامة أمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل ويصلي ركعتين.(المقدمة/30)
قلت: وهذا الرجل الذي لم يسم الأقرب أنه عبد الله العمري، ولذلك لم يسمه الثوري، ولو كان عبيد الله لسمّاه فيما يظهر، والله أعلم.
ولذلك قال الهيثمي في " المجمع " (1/283) - بعد أن ذكره -: فإن كان هو العمري فالحديث حسن ا. هـ.
لكن في "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/356) : وقال الطبراني: هذا الحديث عند سفيان عن عبد الله وعبيد الله.
وقال الخطيب: ورواه عبد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن عبيد الله العمري.
قلت: وقد أخرجه البزار - كما في " كشف الأستار " (333) -: ثنا سلمة بن شبيب وزهير بن محمد - واللفظ لزهير - أبنا عبد الرزاق أنا عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن ثمامة بن أثال أسلم فأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل بماء وسدر.
قال البزار: لا نعلم رواه عن عبيد الله إلا عبد الرزاق ا. هـ.
فيتلخص مما تقدم أن هذا الحديث رواه عن المقبري: 1 - الليث بن سعد.
2 - وعبد الحميد بن جعفر. 3 - ومحمد بن عجلان. 4- ومحمد بن إسحاق.
وليس في روايتهم الأمر بالاغتسال.
ورواه عن المقبري: عبد الله العمري، ورواه عنه عبد الرحمن بن مهدي وسريج بن النعمان وأبو داود الطيالسي وعبد الرزاق، وفي هذه الرواية الأمر بالاغتسال.
ورواه عبد الرزاق عن عبيد الله العمري مرة مقرونًا بعبد الله العمري،(المقدمة/31)
وهذا في أكثر الروايات عنه، ومرة عنه وحده.
ورواه الثوري واختلف عليه: فرواه عبيد الله الأشجعي (1) وأبو عامر الأسدي (2) عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر به.
ورواه عمرو بن محمد الرزيني عن الثوري عن رجل عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة به.
ولا شك أن الأول أرجح، ويبدو أنه جاء أيضًا من رواية الثوري عن عبد الله بن عمر لقول الطبراني: هذا الحديث عند سفيان عن عبد الله وعبيد الله، والله تعالى أعلم.
وأنا أميل إلى ترجيح رواية الليث ومن معه، وأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمره بالاغتسال، وإنما هو فعل ذلك.
وكذلك أمره بالصلاة فيه نظر.
وأما أمره بالاغتسال بماء وسدر فهذه اللفظة منكرة، لأنها لم تأت في باقي
__________
(1) ذكره الخطيب كما تقدم.
(2) أخرجه أبو نعيم في " الصحابة " (1421) ثنا سعد بن محمد الناقد ثنا محمد بن عثمان العبسي ثنا منجاب ثنا أبو عامر الأسدي عن سفيان عن عبيد الله بن عمر عن المقبري عن أبي هريرة أن ثمامة بن أثال أسلم وأمره للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل، ثم أمره أن يصلي.
قلت: ومنجاب هو ابن الحارث، وهو ثقة.
وأبو عامر ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (7/119) فقال: القاسم بن محمد، أبو عامر سمع الثوري وعبد الله بن عمر روى عنه أبو تميلة ومنجاب بن الحارث. سمعت أبي يقول ذلك ا. هـ.
وذكره للبخاري (7/164) وسكت عنه، وترجم له الذهبي في " المقتنى في سرد الكنى " (3421) فقال: القاسم بن محمد بن واصل الأسدي الكوفي، سمع الثوري، وعنه منجاب.(المقدمة/32)
الروايات.
وأما ترجيح رواية الليث ومن معه فلأمور:
1 - أن الليث أثبت الناس - أو من أثبتهم - في المقبري، فروايته تقدم على رواية غيره.
2 - أنها رواية الأكثر.
3 - أن رواية عبيد الله بن عمر احتف بها بعض الإشكالات، وهي: 1) غرابة رواية عبيد الله بن عمر، حتى قال البزار: لا نعلم رواه عن عبيد الله إلا عبد الرزاق ا. هـ.
2) كونها قُرنت برواية عبد الله في كثير من الروايات، وهذا يحتمل أن يكون اللفظ لعبد الله العمري وليس لعبيد الله، كما جرى مثل هذا في أحاديث كثيرة، ولعله الأقرب لأن عبيد الله من الحفاظ الأثبات، وهذه الرواية فيها نكارة، فالقول بأن هذا لفظ عبد الله العمري أولى.
3) الاختلاف الذي وقع في لفظ رواية عبيد الله.
4) غرابة رواية الثوري.
5) الاختلاف الذي وقع على الثوري:
فقد رواه عبيد الله الأشجعي وأبو عامر الأسدي عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر به، ورواه عمرو بن محمد الرزيني عن الثوري عن رجل عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة به.(المقدمة/33)
ولا شك أن الأول أرجح، ويبدو أنه جاء أيضًا من رواية الثوري عن عبد الله بن عمر، لقول الطبراني: (هذا الحديث عند سفيان عن عبد الله وعبيد الله) والله تعالى أعلم.
21 - حديث آخر: قال أبو داود الطيالسي (685) : ثنا العمري ثني سعيد المقبري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي قال: رأيت عمار بن ياسر صلى ركعتين، فأخفهما، فقلت له - أو قال له رجل -: يا أبا اليقظان أخففتهما! قال: يا ابن أخي، هل رأيتني انتقصت من حدودهما شيئًا؟ قال: لا. قال: إني بادرت بالوسواس، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الرجل ليصلي الصلاة ما له منها النصف، وإنه ليصلي الصلاة ما له منها الثلث، وإنه ليصلي الصلاة ما له منها الربع " حتى قال: العشر.
وأخرج السلفي في " الطيوريات " (604) من طريق الحسن بن سفيان (1) ثنا يزيد ثنا العمري - يعني عبد الله بن عمر - عن سعيد المقبري عن أبي بكر عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أحدهم ليصلي وماله من الصلاة ثلثها ولا ربعها ولا سدسها حتى بلغ العُشر ".
وأخرج أحمد (4/319) : ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله حدَّثني سعيد ابن أبي سعيد عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه أن عمارًا صلى ركعتين، فقال له عبد الرحمن بن الحارث: يا أبا اليقظان....
والنسائي في " الكبرى " (614) : أخبرنا عمرو بن علي.
وأبو يعلى في "مسنده" (1615) : ثنا القواريري.
__________
(1) والظاهر أن هذه الرواية في "مسنده".(المقدمة/34)
والبزار في "مسنده" (1420) : ثنا محمد بن المثنى (1) .
وقال البخاري في "تاريخه" (7/25) : وقال صدقة.
كلهم عن يحيى بن سعيد به.
وأخرجه ابن حبان (1889) عن أبي يعلى به، ولكن ليس عنده: (عن أبيه) ، والظاهر أن هذا خطأ من ابن حبان أو من أحد رواة الصحيح عنه، لأنه عند أبي يعلى على الصواب، وينظر "إتحاف المهرة" (11/734 - 735) .
ورواه أبو يعلى (1649) : ثنا محمد بن عمار ثنا عبد الوهاب ثنا عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن أن عمار ...
ورواه ابن المبارك في " الزهد " (1301) عن عبيد الله كذلك.
والصواب الأول، لأن يحيى بن سعيد من كبار الحفاظ، وقد زاد، وزيادته مقبولة.
ورواه ابن عجلان عن المقبري، واختلف عليه، وخالف عبيد الله ابن عمر.
ورواه الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.
أخرجه البخاري في "التاريخ" (7/26) ، والنسائي في " الكبرى " (617) ، وهو خطأ، سلك الجادة في حديث المقبري (2) .
وأخرجه الإمام أحمد (4/264) قال: ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن
__________
(1) وقع عنده: (محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن) بدل (عمر) وهذا يظهر أنه من النساخ.
(2) لأن الغالب في حديث المقبري عن أبي هريرة أو عن أبيه عن أبي هريرة.(المقدمة/35)
إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن ابن لاس الخزاعي قال: دخل عمار بن ياسر المسجد فركع فيه ركعتين أخفهما وأتمهما ...
وأخرجه البزار (1422) : ثنا نصر بن علي نا زياد بن عبد الله نا ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن عمر بن الحكم قال: صلى بنا عمار صلاة....
وأصح هذه الروايات رواية عبيد الله بن عمر، وكل هذه الروايات تخالف رواية عبد الله بن عمر العمري في أمرين:
1) إسقاط عمر بن أبي بكر من الإسناد.
2) التصريح بالسماع بين أبي بكر بن عبد الرحمن وعمار، وهذا لم أقف عليه في باقي الروايات، وسماع أبي بكر من عمار فيه نظر، وقد ذُكر أن أبا بكر ابن عبد الرحمن استصغر يوم الجمل، فردَّ هو وعروة بن الزبير، وقد ثبت في رواية عبيد الله بن عمر أن الذي كلَّم عمارًا في تخفيف الصلاة هو عبد الرحمن بن الحارث، والله تعالى أعلم.
وذكر ابن طاهر في " أطراف الغرائب والأفراد " (4172) : عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عنه (1) : حديث دخل عمار المسجد فصلى فيه ركعتين ... الحديث، تفرد به يحيى بن سعيد الأموي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن عمر بن عبد الرحمن. ا. هـ من المطبوع، وقوله: (عبد الله) في المخطوط كأنه (عبيد الله) ، فإن كان (عبد الله) فهذا قد يكون اضطرابًا من العمري في هذا الحديث أو يكون خطأ من الأموي، والله أعلم.
__________
(1) أي: عن عمار بن ياسر.(المقدمة/36)
22 - حديث آخر: قال الترمذي (113) : ثنا أحمد بن منيع ثنا حماد بن خالد الخياط عن عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؟ قال:
"يغتسل". وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً؟ قال: " لا غسل عليه ".
قالت أم سلمة: يا رسول الله، هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: " نعم، إن النساء شقائق الرجال ".
قال أبو عيسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله ابن عمر، وعبد الله ضعَّفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه ا. هـ.
وأخرجه أبو داود (236) وابن ماجه (612) وأحمد (6/256) وابن أبي شيبة (1/78) والدارمي (1/195) وعبد الرزاق (974) وابن الجارود (89، 90) وابن المنذر في "الأوسط" (594) - وقال قبل إن يسوق الحديث: وقد روينا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب حديثًا وقد تكلم في إسناده. وقال بعد أن رواه: عبد الله كان يحيى القطان يضعفه ا. هـ - والبيهقي (1/167، 168) من طرق عن عبد الله العمري به.
وقال ابن رجب في "فتح الباري" (1/342) : وقد استنكر أحمد هذا الحديث في رواية مهنا، وقال في رواية الفضل بن زياد: أذهب إليه ا. هـ.
قلت: يبدو أنه يذهب إليه من الناحية الفقهية، وأما من الناحية الحديثية فقد استنكره كما في رواية مهنا.
وَقال الشوكاني (1/281) في "نيل الأوطار": وقد تفرّد به المذكور (1)
__________
(1) يعني: العمري.(المقدمة/37)
.. ولم نجده عن غيره.... فالحديث معلول بعلتين: الأولى: العمري المذكور. والثانية: التفرد وعدم المتابعات، فقصر عن درجة الحسن والصحة، والله أعلم ا. هـ.
وقد جاء الحديث من طريق آخر، فقال الطبراني في "الأوسط" (8966) : حدثنا مقدام ثنا أبو الأسود ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة والقاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الرجل يرى في منامه شيئًا ولا يرى بللاً، ويرى بللاً ثم لا يرى شيئًا؟ قال: " إذا وجد أحدكم بلالاً ولم يرى شيئًا فليغتسل، وإذا رأى شيئًا ولم ير بللاً فلا يغتسل ".
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن القاسم بن محمد إلا عبيد الله بن عمر وأبو الأسود، تفرد به عن عبيد الله بن عمر أخوه عبد الله بن عمر، وتفرد به عن أبي الأسود ابن لهيعة ا. هـ.
قلت: هذا الحديث في ثبوته نظر، والأقرب أنه لا يصح بهذا السياق، وأنا أذهب إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد وأبو عيسى الترمذي وهو ظاهر كلام ابن المنذر أنه لا يصح، لوجود عبد الله العمري كما تقدم، ولعدم قوة المتابعة التي جاءت من طريق ابن لهيعة (1) ، وأيضًا لما جاء في "صحيح مسلم" (314) و"سنن البيهقي" (1/168) واللفظ له - لأن مسلمًا لم يسق لفظه، وإنما أحال
__________
(1) يقال فيها كما قيل في حديث العمري، وإن كان أثنى أحمد بن صالح المصري على رواية أبي الأسود النظر بن عبد الجبار عن ابن لهيعة، وقد ساق الطبراني في "الأوسط" (8964 - 8974) عدة أحاديث من رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود، وذكر أن ابن لهيعة تفرد بها، ومن ضمنها هذا الحديث.
وهذا بناء على إن شيخ الطبراني قد توبع، وهو ما يفهم من كلام الطبراني، فأما إن كان لم يتابع فالإسناد إلى ابن لهيعة ضعيف، لأن شيخ الطبراني متكلم فيه، حتى قال النسائي: ليس بثقة. =(المقدمة/38)
على حديث هشام بن عروة، وأنه بمعناه - من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها حدثته أن أم سليم ذهبت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة ترى في النوم ما يرى الرجل، أتغتسل؟
قال: " نعم ". قالت عائشة: أف لك، أترى المرأة ذلك! فالتفت إليها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تربت يداك، فمن أين يكون الشبه؟ ".
وأخرج البخاري (130 وغيره) ومسلم (313) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأت الماء ". فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟! قال: " نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها ".
وأخرج مسلم (310 (1) ، 311) من حديث أنس عن أم سليم بنحو ما تقدم.
فهذه الألفاظ تخالف حديث العمري، والله تعالى أعلم.
23 - حديث آخر: قال أبو أحمد بن عدي (4/1460) : ثنا ابن صاعد ثنا عثمان بن معبد بن نوح ثنا إسحاق الفروي ثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مس ذكره فليتوضأ ".
__________
= وله حديث باطل رواه الطبراني عنه عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: " طعام البخيل داء، وطعام السخي شفاء ".
قال الذهبي في " السير " (13/346) بعد أن ذكر هذا الحديث له: فهذا باطل ما حدث به ابن يوسف أبدًا ا. هـ.
(1) من مسند أنس بخلاف الذي بعده عن أم سليم.(المقدمة/39)
ورواه الدارقطني (1/147) أيضًا من طريق محمد بن مخلد عن عثمان بن معبد به.
قال ابن عدي في ترجمة العمري: وهذا الحديث بهذا الإسناد منكر، والذي تقدم مشاهير (1) .
وروى الإمام مالك (1/86) عن نافع عن ابن عمر كان يقول: إذا مس أحدكم ذكره فقد وجب عليه الوضوء.
24 - حديث آخر: قال أبو جعفر العقيلي (2/280) في ترجمة العمري: ثنا زكريا بن يحيى ثنا محمد بن المثنى قال: ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديثًا حدثناه حفص بن غياث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: لما غُسّل عمر وجدنا في عقبه دمًا سائلاً. فقال ابن عمر: ارفع.
فقال (2) : لا تحدث بهذا.
25 - حديث آخر: أخرج السلفي في " الطيوريات " (609) من طريق الحسن بن سفيان ثنا يزيد بن صالح الفراء ثنا عبد الله بن عمر العمري عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: " ما فوق الإزار ".
وأخرجه البيهقي في " الكبرى " (7/191) : أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا يونس بن محمد ثنا عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم به.
__________
(1) يعني بذلك أربعة أحاديث رواها من طريق العمري.
(2) القائل فيما يظهر: عبد الرحمن بن مهدي.(المقدمة/40)
ثم قال: هذا موصول، وقد روينا في كتاب الطهارة فيه طريقين آخرين، وهما يؤكدان هذه الرواية ا. هـ.
قلت: هذا الإسناد غريب من هذا الوجه إن كان العمري تفرّد به، وسلسلة سالم أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة مشهورة، وقد خرّج الشيخان بهذه السلسلة عدة أحاديث، فأين مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما من أصحاب سالم عن هذا الحديث؟
وقد ضعفه أبو محمد بن حزم فقال في "المحلى" (1/397) : ... وبخبر رويناه من طريق محمد بن الجهم عن محمد بن الفرج عن يونس بن محمد ... ثم ذكره.
ثم قال: وأما حديثا عائشة فأحدهما من طريق عمر بن أبي سلمة، وقد ضعفه شعبة ولم يوثقه أحد فسقط، وأما الثاني: فمن طريق عبد الله بن عمر وهو العمري الصغير، وهو متفق على ضعفه، إنما الثقة أخوه عبيد الله، فسقط حديثا عائشة ا. هـ.
ويعني بطريق عمر بن أبي سلمة ما ذكره قبل فقال: وبحديث رويناه من طريق أبي خليفة عن مسدد عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تنام مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي حائض وبينهما ثوب ا. هـ.
وأخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (3/166) من طريق مسدد به.
قلت: وهذا المتن يوافق بعض الشيء ما صح في حديث عائشة هذا كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وهذا الحديث من طريق عمر بن أبي سلمة يخالف طريق العمري من(المقدمة/41)
حيث المتن، لأن حديث العمري قولي بخلاف حديث عمر بن أبي سلمة فإنه فعلي، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما قول البيهقي السابق في تقوية هذا الحديث فالذي يظهر أنه يقصد بالطريقين طريق الأسود وطريق شريح عن عائشة، وسوف يأتيان.
طريق آخر: قال الطبراني في "الأوسط" (1424) : ثنا أحمد قال: نا مقدم بن محمد نا عمي القاسم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابن أبي مليكة عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: " ما فوق السرة ".
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ابن خثيم إلا القاسم، تفرد به مقدم.
قلت: وهذا قواه ابن دقيق العيد في " الإمام " (3/246) فقال: أحمد ابن محمد بن صدقة أحد حفاظ بغداد، ومقدّم روى عنه البزار فوثقه، وعمه أخرج له البخاري، وعبد الله بن عثمان بن خثيم القاري - بالتشديد - قال يحيى بن معين: ثقة حجة. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة. وأخرج له مسلم، وباقي الإسناد لا يسأل عنه. ا. هـ.
قلت: هذا الإسناد غريب كما ذكر الطبراني، وأخشى أنه لا يصح لغرابته ولما يأتي، وابن خثيم مختلف فيه.
طريق آخر: قال أحمد: ثنا موسى بن داود ثنا المبارك عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرجل يباشر امرأته وهي حائض - قال: " له ما فوق الإزار ".(المقدمة/42)
وأخرجه الدارمي (1/244 - رقم: 1067) : ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوشحني وأنا حائض، ويصيب من رأسي وبيني وبينه ثوب.
قلت: وهذا الإسناد أصح من السابق، وعلى هذا فإن هذا اللفظ بهذا الإسناد يقدم على اللفظ السابق - والله تعالى أعلم - خاصة أنه جاء ما يشهد له من حديث عائشة، كما أخرج الشيخان من حديث الأسود عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا أمرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتأتزر بإزار، ثم يباشرها (1) .
نعم جاء في مسلم نحو حديث العمري عن سالم عن أبي سلمة عن عائشة، ولكن من حديث أنس (302) بلفظ: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح ".
وفد جاءت طرق كثيرة عن عائشة باللفظ الذي جاء عن العمري ولكنها موقوفة (2) .
26 - حديث آخر: قال أبو عيسى الترمذي (3432) : ثنا أبو جعفر الشيباني وغير واحد قالوا: ثنا مطرف بن عبد الله المدني ثنا عبد الله بن عمر العمري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، لم يصبه ذلك البلاء ".
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
__________
(1) وهذا اللفظ هو الصحيح من حديث عائشة، وهو حديث عملي بخلاف طريق العمري فإنه لفظي.
(2) ينظر: " الموطأ " للإمام مالك (1/58) ، و" مصنف عبد الرزاق " (1/323) ، و" مصنف ابن أبي شيبة " (3/531) ، " تفسير الطبري " - سورة البقرة عند قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض} - (2/382 - 383) ، و" المطالب العالية " لابن حجر (206) .(المقدمة/43)
وأخرجه البزار - كما في " كشف الأستار " (3118) -: ثنا عبد الله بن شبيب ثنا مطرف به.
قال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وعبد الله ابن عمر قد احتمل أهل العلم حديثه.
وأخرجه الطبراني في " الصغير " (675) والدعاء (799) : ثنا عبد الرحمن ابن معدان بن جمعة اللاذقي وأبو زرعة قالا: ثنا مطرف به.
وقال: لم يروه عن سهيل إلا عبد الله تفرد به مطرف.
وأخرجه في "الأوسط" (4721) عن عبد الرحمن بن معدان عن مطرف به، وقال كما تقدم.
ومطرف صدوق وفي مالك ثقة، قال ابن معين: ثقة (1) ووثقه ابن سعد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أحمد: كانوا يقدمونه على أصحاب مالك، وخرج له البخاري في "صحيحه" وتكلم فيه أبو حاتم الرازي فقال: مضطرب الحديث صدوق. قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: من أحب إليك مطرف أو إسماعيل بن أبي أويس؟ فقال: مطرف.
قلت: وأبو حاتم معروف بشدته في الجرح، ومع ذلك لم يضعفه، وإنما تكلم فيه وقدمه على إسماعيل.
وتكلم فيه ابن عدي فقال: يحدث عن ابن أبي ذئب وأبي مودود وعبد الله بن عمر ومالك وغيرهم بالمناكير.
__________
(1) تراجع حاشية "تهذيب الكمال".(المقدمة/44)
ثم ذكر له أحاديث باطلة، لكن قال الذهبي في "الميزان" (4/125) : هذه أباطيل حاشا مطرفًا من روايتها، وإنما البلاء من أحمد بن داود، فكيف خفي هذا على ابن عدي؟! فقد كذبه الدارقطني، ولو حولت هذه إلى ترجمته كان أولى. ا. هـ.
27 - حديث آخر تفرد به العمري: قال أحمد (2/156) : ثنا حماد ابن خالد عن عبد الله - يعني العمري - عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع الزبير حضر فرسه بأرض يقال لها: ثُرير، فأجرى الفرس حتى قام، ثم رمى بسوطه فقال: " أعطوه حيث بلغ السوط ".
وأخرجه أبو داود (3067) والطبراني في " الكبير " (13352) والبيهقي (6/144) كلهم من طريق أحمد.
وهذا السياق تفرد به العمري فيما يظهر.
وأما أصل إقطاع الأرض له من قبل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو في "صحيح البخاري" من حديث أسماء، بدون هذه القصة، فقد روى (3151) من طريق محمود بن غيلان حدَّثنا أبو أسامة حدَّثنا هشام قال: أخبرني أبي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ.
ورواه في موضع آخر (5224) بسياق مطول.
وعلقه البخاري أيضًا (3151) من حديث هشام عن أبيه مرسلاً (1) ، فقال: وقال أبو ضمرة عن هشام عن أبيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع الزبير أرضًا من
__________
(1) ينظر: حاشية "المسند" (10/486) .(المقدمة/45)
أموال بني النضير.
28 - حديث آخر: أخرج الترمذي (346) من طريق زيد بن جَبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يصلى في سبعة مواطن.... .
قال أبو عيسى: وحديث ابن عمر ليس إسناده بذاك القوي، وقد تكلم في زيد بن جَبيرة من قبل حفظه ...
وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله.
وحديث داود عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد وعبد الله بن عمر ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه، منهم يحيى بن سعيد القطان. ا. هـ
وأخرجه ابن ماجه (747) (1) .
والبزار (161) وقال: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن ابن عمر عن عمر إلا من هذا الوجه، ولا نعلم حدَّث به إلا الليث عن عبد الله بن عمر ا. هـ
وأخرجه النجاد في " مسند عمر " (71؛ 72) .
كلهم من طريق عبد الله بن صالح به.
وأيضًا أبو بكر الإسماعيلي - كما في " مسند الفاروق " (1/161) -
__________
(1) سقط ذكر العمري من بعض نسخ ابن ماجه، ينظر: "تحفة الأشراف" و" مسند الفاروق " لابن كثير (1/161) .(المقدمة/46)
من حديث الرمادي وحرملة وحميد بن زنجويه والأعين كلهم عن عبد الله بن صالح به.
وقال ابن كثير في " مسند الفاروق ": والعمري الذي مدار الحديث عليه ضعيف.
29 - خبر آخر لعل العمري تفرد به: قال أبو يعلى (1/170 رقم: 190) : ثنا عبيد الله ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل جمعة.
قال في "مجمع الزوائد" (2/11) : رواه أبو يعلى، وفيه العمري، وثقه أحمد وغيره، واختلف في الاحتجاج به ا. هـ.
وهذا الحديث فيه نكارة بالإضافة إلى التفرد فيما يظهر، وذلك من جهتين:
1) تفرده بذلك عن نافع وهو إمام مشهور، وله أصحاب كثيرون فأين هم عنه؟
2) من جهة المتن، ففي هذا الخبر أن عمر رضي الله عنه كان يجمر المسجد النبوي كل جمعة، فمثل هذا ينبغي أن يشتهر، فكيف لا يروى إلا من هذا الطريق؟
والذي يظهر لي أن أصل هذا الخبر ما رواه ابن أبي شيبة (1/481) : ثنا وكيع عن سفيان عن موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر كان يجمر ثيابه في كل جمعة.
وهذا إسناد صحيح، وهو أصح مما رواه العمري، وأخرج ابن أبي شيبة (1/480) : ثنا أبو أسامة ثنا عبيد الله عن نافع قال: كان ابن عمر إذا راح إلى(المقدمة/47)
الجمعة اغتسل وتطيب بأطيب الطيب عنده.
30 - حديث آخر: قال أبو عبيد في كتابه "الأموال" - وعنه حميد بن زنجويه في "الأموال" (823) -: وحدثني سعيد بن أبي مريم عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان لا يعطي أهل مكة عطاء، ولا يضرب عليهم بعثًا، ويقول: هم كذا وكذا. كلمة لا أحب ذكرها.
قلت: هذا غريب، وفي متنه إشكال.
31 - حديث آخر: قال حميد بن زنجويه في "الأموال" (2022) : ثنا عبد العزيز بن عبد الله أنا العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ليس في الخيل ولا العسل ولا الرقيق صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق.
وأخرجه أبو عبيد (1494) : ثنا ابن أبي مريم عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ليس في الخيل ولا في الرقيق ولا في العسل صدقة.
قلت: لم أقف على من تابع عبد الله العمري على هذا الخبر عن نافع أو ابن عمر.
وقد جاء عن نافع بإسناد أصح فيه بعض المخالفة لما تقدم:
أخرج عبد الرزاق (6966) - وعنه أحمد في "العلل" (2089) - وأخرجه عبد الرزاق أيضًا (6965) عن الثوري، وابن أبي شيبة (3/142) ثنا وكيع ثنا سفيان، - ومن طريقه ابن حزم (5/233) -، وحميد بن زنجويه في "الأموال" (2024) : ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان، كلاهما - الثوري وعبد الرزاق - عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن العسل أفيه صدقة؟(المقدمة/48)
فقلت: ليس بأرضنا عسل، ولكن سألت المغيرة بن حكيم عنه فقال: ليس فيه شيء. قال عمر بن عبد العزيز: هو عدل مأمون صدق.
وهذا لفظ عبد الرزاق، وليس في رواية أحمد ذكر العسل، وإنما فيها: سألني عمر بن عبد العزيز عن شيء قد سمَّاه.
ولفظ الثوري: قال نافع: بعثني عمر بن عبد العزيز على اليمن، فأردت أن آخذ من العسل العشر، قال مغيرة بن حكيم: ليس فيه شيء، فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز فقال: صدق، وهو عدل رضي.
وقال ابن أبي شيبة (3/142) : ثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل، فقلت: أخبرني المغيرة بن حكيم أنه ليس فيه صدقة. فقال عمر: عدل مصدق.
وهذا الخبر صحيح إلى نافع، وقد صححه ابن حجر في "الفتح" (3/348) .
ونافع في رواية عبيد الله بن عمر عنه عندما سئل عن العسل أخبر بأنه لا علم له بزكاته، لأنه لم يكن بأرضه، ولو كان عنده خبر عن ابن عمر في ذلك لذكره، وإنما سأل المغيرة بن حكيم عنه، وهو تابعي من أقرانه، فلو كان عنده عن ابن عمر شيء ما تعداه إلى غيره ممن هو دونه بكثير.
ولذلك قال أبو عيسى الترمذي في " جامعه " (3/15) :
(باب ما جاء في زكاة العسل ثنا محمد بن يحيى النيسابوري ثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي عن صدقة ابن عبد الله عن موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(المقدمة/49)
" في العسل في كل عشرة أزق زق ".
قال أبو عيسى: حديث ابن عمر في إسناده مقال، ولا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الباب كبير شيء ... وصدقة بن عبد الله ليس بحافظ، وقد خولف في رواية هذا الحديث عن نافع.
ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل، قال: قلت: ما عندنا عسل نتصدق منه، ولكن أنا المغيرة بن حكيم أنه قال: ليس في العسل صدقة.
فقال عمر: عدل مرضي. فكتب إلى الناس أن توضع. يعني عنهم) ا. هـ.
وينظر "العلل الكبير" له (1/312) .
32 - حديث آخر: قال الإمام أحمد (330) : ثنا حماد الخياط ثنا عبد الله عن نافع أن عمر زاد في المسجد من الأسطوانة إلى المقصورة، وزاد عثمان، وقال عمر: لولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نبغي نزيد في مسجدنا " ما زدت فيه.
قال ابن كثير في " مسند الفاروق " (1/157) - بعد أن ذكر هذا الخبر -: وهذا وإن كان منقطعًا إلا أن الظاهر أن نافعًا سمعه عن ابن عمر، وقد روي كذلك مرفوعًا من طريق أخرى، قال الحافظ أبو يعلى (1) : ثنا موسى بن محمد بن حيان ثنا مسلم (2) بن قتيبة ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: لولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني أريد أن أزيد في قبلتنا " ما زدت.
__________
(1) هو في "المقصد العلي" للهيثمي (225) .
(2) كذا، والصواب: (سلم) .(المقدمة/50)
وهذا إسناد حسن، وعبد الله بن عمر العمري في كلتي الطريقين ضُعّف ا. هـ.
قلت: وأخرجه البزار (157) ثنا محمد بن المثنى أن عبد الله بن سلمة (1) نا عبد الله بن عمر به.
وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه إلا العمري عن نافع.
وأخرجه أبو يعلى - كما في "المقصد العلي" (226) -: ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا عبد الله بن عمر به.
والنجاد في " مسند عمر " (63) : ثنا عبد الملك بن محمد وإسماعيل بن إسحاق قالا: ثنا عبد الله بن مسلمة به.
و (64) ثنا يزيد بن البادا ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الله بن مسلمة به.
وما استظهره الحافظ ابن كثير زاده رجحانًا رواية القعنبي، وهي مثل رواية سلم بن قتيبة، وهذا الحديث غريب من حديث نافع تفرد به العمري - فيما يظهر - وقد تقدم ذلك في كلام البزار، والله تعالى أعلم.
33 - حديث آخر تفرد به العمري، ولكن الراوي عنه فيه ضعف: قال البزار في "مسنده" (160) : ثنا محمد بن عيسى قال: نا إسحاق بن محمد الفروي قال: نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن ابن عباس سأل عمر عن اللتين تظاهرتا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: تلك عائشة وحفصة.
__________
(1) كذا وصوابه: (عبد الله بن مسلمة) كما في الروايات الأخرى.(المقدمة/51)
وهذا الحديث لا نعلم رواه عن العمري إلا إسحاق بن محمد، ولا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه.
وقد جاء هذا الحديث من طريق ابن عباس من رواية عبيد الله بن عبد الله ابن أبي ثور عنه، ولكن المقصود هنا طريق ابن عمر عن عمر، ولهذا قال البخاري: ولا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه.
34 - حديث آخر: قال الطبراني في " الدعاء " (469، 470) : ثنا عبد الرحمن بن معدان بن جمعة اللاذقي وجعفر بن سليمان النوفلي المديني قالا: ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرّ بإنسان في طريق مكة وهو يؤذن، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " برئ هذا من الشرك ".
ثنا يحيى بن محمد الحنائي وأحمد بن علي الأبار قالا: ثنا طالوت بن عباد الصيرفي ثنا سعيد بن راشد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يقول: الله أكبر. فقال: " على الفطرة ". فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال: " خرج من النار ".
قلت: وهذا إسناده ضعيف، سعيد بن راشد منكر الحديث. قاله البخاري، وقال النسائي: متروك.
وأخرجه مسلم من حديث أنس بنحو اللفظ الثاني، وفي الباب عن غيره.
35 - حديث آخر: أخرج السلفي في " الطيوريات " (601) من طريق الحسن بن سفيان (1) ثنا يزيد بن صالح اليشكري ثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر مؤذّنه إذا كان في السفر في ليلة باردة(المقدمة/52)
- أو مطيرة - أن يؤذّن على إثر أذانه: " أن لا حرج صلّوا في رحالكم ".
والحديث ثابت في "الصحيحين" وليس فيه ذكر زيادة: (أن لا حرج) .
قلت: يزيد بن صالح، أبو خالد، اليشكري، النيسابوري: ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/272) فقال: روى عن عبد الله بن عمر العمري وإبراهيم بن طهمان، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو مجهول ا. هـ.
وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/275) فقال: يروي عن إبراهيم بن طهمان والليث وحماد بن سلمة. ثنا عنه الحسن بن سفيان ا. هـ.
وذكره الذهبي في "الميزان" (4/429) فقال: ... عن إبراهيم بن طهمان ومالك، وعنه محمد بن عبد الوهاب الفراء والحسن بن سفيان وجماعة، وكان ورعًا مجتهدًا كبير القدر. قال الحسن بن سفيان: فاتني لأجل أمي يحيى بن يحيى، فعوضني الله بأبي خالد الفراء. قال أبو حاتم: مجهول. قلت: وثقه غيره. مات سنة تسع وعشرين ومائتين ا. هـ.
وقال ابن حجر في "اللسان" (6/289) : ذكره ابن حبان في "الثقات" وذكر في شيوخه حماد بن سلمة والليث، وذكر الحاكم في شيوخه قيس بن الربيع وسلمة بن خالد وإبراهيم بن أبي يحيى وأبا بكر النهشلي وغيرهم. وقال إبراهيم ابن قتيبة: وكان من أشد مشايخنا ورعًا. وقال الحسن بن سفيان: وكان أسند من يحيى بن يحيى ا. هـ.
فيزيد بن صالح لا بأس به وهو من أهل الورع والفضل، وأما تجهيل أبي
__________
(1) لعله من " مسند الحسن بن سفيان ".(المقدمة/53)
حاتم له، فأبو حاتم مذهبه في الجهالة معروف فهو يتشدد في ذلك.
***
3 - ومما أُعلّ به هذا الخبر: تفرد موسى بن هلال به عن عبد الله العمري، وتفرد العمري عن نافع.
وهذه علة توجب رد الخبر، قال أبو بكر بن خزيمة - كما في " لسان الميزان " (6/135) (1) -: من رواية الأحمسي أشبه، لأن عبيد الله بن عمر أجل وأحفظ من أن يروي مثل هذا المنكر، فإن كان موسى بن هلال لم يغلط ... فأشبه أن يكون هذا من حديث عبد الله بن عمر، فأما من حديث عبيد الله بن عمر فإني لا أشك أنه ليس من حديثه.
وقال أبو جعفر العقيلي (4/170) في ترجمة موسى بن هلال: عن عبيد الله بن عمر، ولا يصح حديثه ولا يتابع عليه.
وقال أبو بكر البيهقي في " الشعب " (8/97) : وسواء قال: عبيد الله، أو عبد الله، فهو منكر عن نافع عن ابن عمر، لم يأت به غيره ا. هـ.
وقال أبو عبد الله الذهبي في "الميزان" (4/226) في ترجمة موسى: وأنكر (1) ما عنده حديثه عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: " من زار ... " ا. هـ.
__________
(1) وهو في "إتحاف المهرة" (9/124) أيضًا.(المقدمة/54)
قال أبو عبد الله ابن عبد الهادي - معلقًا على كلام البيهقي المتقدم -: (وهذا الذي قاله البيهقي في هذا الحديث وحكم به عليه قول صحيح بيّن، وحكم جليّ واضح، ولا يشك فيه من له أدنى اشتغال بهذا الفن، ولا يرده إلا رجل جاهل بهذا العلم، وذلك أن تفرّد مثل هذا العبدي المجهول الحال، الذي لم يشتهر من أمره ما يوجب قبول أحاديثه وخبره، عن عبد الله بن عمر العمري المشهور بسوء الحفظ وشدة الغفلة، عن نافع عن ابن عمر بهذا الخبر، من بين سائر أصحاب نافع الحفاظ الثقات، مثل يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وعبد الله بن عون، وصالح بن كيسان، وإسماعيل بن أمية القرشي، وابن جريج، والأوزاعي، وموسى بن عقبة، وابن أبي ذئب، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وغيرهم من العالمين بحديثه، الضابطين لرواياته، المعتنين بأخباره، الملازمين له، من أقوى الحجج وأبين الأدلة، وأوضح البراهين، على ضعف ما تفرد به وإنكاره وعدم قبوله، وهل يشك في هذا من شم رائحة الحديث، أو كان عنده أدنى بصر به؟!) ا. هـ.
قلت: هذا الذي قاله أبو عبد الله ابن عبد الهادي من نكارة هذا الخبر بسبب تفرد موسى بن هلال به عن عبد الله بن عمر، وتفرد عبد الله به عن نافع، وأن من كان مثلهما لا يقبل تفرده وخاصة عن إمام مشهور - كنافع مولى ابن عمر -، وأن مثل هذا التفرد يعد علّة يرد بها الخبر، ويحكم عليه لأجلها بالنكارة كما حكم عليه بذلك أبو بكر بن خزيمة وأبو بكر البيهقي، وهو معنى كلام العقيلي في حكمه على هذا الحديث، هو منهج الحفاظ السابقين والأئمة المتقدمين.
__________
(1) وقع في نسخة من "الميزان": (أكثر) ، والأول أصح، لأنه هكذا وقع في نسخة مخطوطة والطبعة الهندية و" لسان الميزان ".(المقدمة/55)
فصل: في ذكر بعض كلام الحفاظ في بيان أن من التفرد ما يعل به الخبر
1 - قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (ص: 7) : (وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله ولا مستعمله.
فمن هذا الضرب من المحدثين: عبد الله بن محرر، ويحيى بن أبي أنيسة، والجراح بن المنهال أبو العطوف، وعباد بن أبي كثير، وحسين بن عبد الله بن ضميرة، وعمر بن صهبان، ومن نحا نحوهم في رواية المنكر من الحديث، فلسنا نعرج على حديثهم ولا نتشاغل به، لأن حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما تفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه قبلت زيادته.
فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم) ا. هـ.
قلت: وهذا القيد الذي ذكره مسلم لقبول ما يتفرد به الراوي وهو كونه(المقدمة/56)
قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم ... إلى آخره لا ينطبق على موسى بن هلال، ولا على العمري، لأن موسى ليس بالمشهور، فضلاً عن أن يمعن في الموافقة لرواية الحفاظ.
وأما عبد الله العمري فتقدم أن فيه ضعفًا، وأنه ليس بالمتقن، ويخالف الثقات، فلا ينطبق عليه ما ذكره مسلم.
2 - وقال أبو داود في " رسالته إلى أهل مكة في وصف كتابه " السنن " (ص: 29) : (والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئًا من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم.
ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه، ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريبًا شاذًا.
فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد.
وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث.
وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة، فإن عرف وإلا فدعه) ا. هـ.
ومن الأمور التي يحمل عليها قول أبي داود: (فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم) : أن الحديث الذي ينفرد به أحد الرواة عن مالك أو يحيى بن سعيد - ولو كان ثقة - فإنه لا يقبل، بل يرد، لأنه حينئذ يكون حديثًا غريبًا، فكيف إذا كان المتفرد به(المقدمة/57)
فيه ضعف، كما في الحديث الذي معنا.
3 - وقال أبو بكر البرديجي: (لا يلتفت إلى رواية الفرد عن شعبة ممن ليس له حفظ ولا تقدم في الحديث من أهل الإتقان) ا. هـ من "فتح الباري" لابن رجب (1/301) .
قلت: وعبد الله العمري وموسى بن هلال ليس لهما حفظ ولا تقدم في الحديث.
4 - وقال الذهبي في "الميزان" (3/140) : (بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل لرتبته، وأدل على إعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها..... إلى أن قال: وأن تفرّد الثقة المتقن يعد صحيحًا غريبًا، وأنّ تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرًا، وأنّ إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظًا أو إسنادًا يصيره متروك الحديث) ا. هـ.
والشاهد من هذا قول الذهبي: (تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرًا) وهذا ينطبق على الخبر الذي معنا.
5 - وقال أيضًا في "الميزان" (1/364) : (" صح " ثابت بن عجلان " خ، د، س، ق " شامي، حدث عنه بقية ومحمد بن حمير، وثقه ابن معين، وقال أحمد بن حنبل: أنا متوقف فيه. وقال أبو حاتم: صالح. وذكره ابن عدي، وساق له ثلاثة أحاديث غريبة، وذكره العقيلي في "الضعفاء" وقال: لا يتابع في حديثه....) .
ثم ذكر له حديثًا أُنكر عليه، ثم قال: (قال الحافظ عبد الحق: ثابت لا يحتج به.(المقدمة/58)
فناقشه على قوله أبو الحسن بن القطان، وقال: قول العقيلي أيضًا فيه تحامل عليه. وقال: إنما يمس بهذا من لا يعرف بالثقة مطلقًا، أما من عرف بها فانفراده لا يضره إلا أن يكثر ذلك منه.
قلت - الذهبي -: أما من عرف بالثقة فنعم، وأما من وثق ومثل أحمد الإمام يتوقف فيه، ومثل أبي حاتم يقول: صالح الحديث، فلا نرقيه إلى رتبة الثقة، فتفرد هذا يعد منكرًا، فرجح قول العقيلي وعبد الحق.
وهذا شيخ حمصي ليس بالمكثر، رأى أنسًا، وسمع من مجاهد وعطاء وجماعة ... قال دحيم: ليس به بأس. وقال النسائي: ثقة. وسئل عنه أحمد ابن حنبل مرة: أكان ثقة؟ فسكت) ا. هـ.
6 - وقال الذهبي أيضًا في " الموقظة " (77 - 78) : (وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث منكرًا.
فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة أطلقوا النكارة على ما انفرد به مثل عثمان بن أبي شيبة وأبي سلمة التبوذكي وقالوا: هذا منكر.
فإن روى أحاديث من الأفراد المنكرة غمزوه ولينوا حديثه، وتوقفوا في توثيقه، فإن رجع عنها وامتنع من روايتها، وجوز على نفسه الوهم، فهو خير له وأرجح لعدالته، وليس من حد الثقة أنه لا يغلط ولا يخطئ، فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يقرُّ على خطأ؟) ا. هـ.
قلت: وكلام الأئمة في هذه المسألة كثير، والمنقول عنهم فيها ليس بالقليل، وقد راعوها مراعاة بالغة عند حكمهم على الحديث وعلى الراوي - ودونك كتب العلل والجرح والتعديل -، وأكثروا من التأليف في الأفراد والغرائب.(المقدمة/59)
والكلام في هذه المسألة يحتاج إلى بسط وضرب للأمثلة، كما يحتاج إلى تفصيل لأنه ليس كل غرابة وتفرد علة يرد بها الخبر.
* * *
4 - العلة الرابعة مما يعل به هذا الخبر هي:
أن مسلمًا (1377) أخرج من طريق عيسى بن حفص بن عاصم ثنا نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صبر على لأوائها كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة " وهو عند أحمد (6440) .
وأخرجه مسلم أيضًا من طريق مالك عن قطن بن وهب عن يُحنس مولى الزبير عن ابن عمر به، ولفظه: " لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة " وهو عند مالك في الموطأ (2/885) وأخرجه أحمد (5935) .
وأخرج الترمذي (3918) : ثنا محمد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به.
وقال: حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/1184) : ثنا علي بن إبراهيم بن الهيثم ثنا أبو موسى الزمن ثنا سالم بن نوح العطار ثنا عبيد الله بن عمر به.
وقال ابن عدي: لا أعلم يرويه عن عبيد الله غير سالم بن نوح ومعتمر ابن سليمان.(المقدمة/60)
قلت: وسالم مختلف فيه، ولعله صالح.
والحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا.
والذي يبدو لي - والله تعالى أعلم - أن أصل حديث موسى بن هلال عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر يرفعه: " من زار قبري وجبت له شفاعتي " هو الحديث المتقدم من رواية عيسى بن حفص - وهو عم عبد الله العمري - وعبيد الله بن عمر - وهو أخو عبد الله - كلاهما عن نافع، فأخطأ موسى بن هلال - أو عبد الله العمري - فرواه باللفظ السابق، وقد تقدم ذكر أمثلة كثيرة على خطأ عبد الله العمري، والله تعالى أعلم.
وهذه العلة - أي العلة الرابعة - لا تستغرب لأن كثيرًا من الأحاديث الضعيفة لها أصول صحيحة، فيخطئ الراوي الضعيف في روايته إما من حيث اللفظ فيغير اللفظ، وإما من حيث الإسناد فيغير الإسناد.
* * *(المقدمة/61)
فصل: في ذكر شيء من تحريرات ابن عبد الهادي في كلامه على بعض الأحاديث
الحديث الأول:
نقل ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (249) عن الإمام أحمد أنه قال: (حدَّثنا عبد الله بن يزيد - هو أبو عبد الرحمن المقرئ - حدَّثنا حيوة حدَّثنا أبو صخر أن يزيد بن عبد الله بن قسيط أخبره عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عز وجل إليّ روحي حتى أرد عليه السلام ".
ثم قال ابن عبد الهادي: (هكذا رواه في هذا اللفظ ليس فيه " عند قبري " وما أضيف إليه من هذه الزيادة فهو على سبيل التفسير منه، لا أنه مذكور في روايته، واعلم أن هذا الحديث هو الذي اعتمد عليه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من الأئمة في مسألة الزيارة، وهو أجود ما استدل به في هذا الباب، ومع هذا فإنه لا يسلم من مقال في إسناده، ونزاع في دلالته، أما المقال في إسناده فمن جهة تفرد أبي صخر به عن ابن قسيط عن أبي هريرة، ولم يتابع ابن قسيط أحد في روايته عن أبي هريرة، ولا تابع أبا صخر أحد في روايته عن ابن قسيط) ا. هـ.
ثم أطال بعد ذلك الكلام في أبي صخر، ونقل أقوال النقاد فيه، ثم قال: (وقد عرف اختلاف الأئمة في عدالته والاحتجاج بخبره مع الاضطراب في اسمه وكنيته واسم أبيه، فما تفرد به من الحديث ولم يتابعه عليه أحد لا ينهض إلى درجة الصحيح، ولا ينتهي إلى درجة الصحة، بل يستشهد به ويعتبر به.(المقدمة/62)
وأما ابن قسيط شيخ أبي صخر فهو يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسامة بن عمير الليثي أبو عبد الله المدني الأعرج، وقد روى له البخاري ومسلم في صحيحيهما حديثه عن عطاء بن يسار، وروى له مسلم أيضًا من روايته عن عروة بن الزبير وعبيد بن جريج وداود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، ولم يخرج له في الصحيح شيء من روايته عن أبي هريرة، بل هو قليل الحديث عن أبي هريرة، روى له أبو داود في سننه حديثين من روايته عنه ... )
ثم ذكر أقوال الحفاظ فيه، ثم قال: (فقد تبين أن هذا الحديث الذي تفرد به أبو صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة لا يخلو من مقال في إسناده، وأنه لا ينتهي به إلى درجة الصحيح، وقد ذكر بعض الأئمة أنه على شرط مسلم، وفي ذلك نظر، فإن ابن قسيط وإن كان مسلم قد روى في صحيحه من رواية أبي صخر عنه، لكنه لم يخرج من روايته عن أبي هريرة شيئًا، فلو كان قد أخرج في الأصول حديثًا من رواية أبي صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة أمكن أن يقال في هذا الحديث: أنه على شرطه) ا. هـ.
حديث آخر:
وذكر في " الصارم المنكي " أيضًا (271 - 276) حديث أوس بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ ... " الحديث.
ثم قال: (ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في " كتاب العلل "، فقال: سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، لا أعلم أحدًا من أهل العراق يحدث عنه، والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن ابن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة، لا(المقدمة/63)
يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر مثله، ولا أعلم أحدًا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئًا.
وأما حسين الجعفي، فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم الجمعة أنه قال: " أفضل الأيام يوم الجمعة، فيه الصعقة، وفيه النفخة، وفيه كذا ". وهو حديث منكر، لا أعلم أحدًا رواه غير حسين الجعفي.
وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فهو ضعيف الحديث؛ وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة.
وقال البخاري في "تاريخه": عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الشامي، عن مكحول، سمع منه الوليد بن مسلم، عنده مناكير، ويقال: هو الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة وحسين، فقالا: عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر.
وقال في كتاب "الضعفاء": عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي، يعد في الشاميين مرسل، روى عنه الوليد بن مسلم، وعنده مناكير، يقال: هو الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة وغيره، فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، وهو ابن يزيد بن تميم ليس بابن جابر.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل": حدثني أبي قال: سألت محمد بن عبد الرحمن بن أخي حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فقال: قدم الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ويزيد بن يزيد بن جابر، ثم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر، فالذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، قال ابن أبي حاتم:(المقدمة/64)
وسألت أبي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فقال: عنده مناكير، يقال: هو الذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي، وقالا: هو ابن يزيد بن جابر، وغلطا في نسبه، وهو ابن يزيد بن تميم، وهو أصح، وهو ضعيف الحديث.
وقال أبو داود: وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم متروك الحديث، حدث عنه أبو أسامة، وغلط في اسمه، فقال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي، وكل ما جاء عن أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد فإنما هو ابن تميم.
وقال أبو بكر بن أبي داود: قدم يعني الكوفة فارًا مع القدرية، وقد سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن ابن جابر، وجميعًا يحدثان عن مكحول وابن جابر أيضًا دمشقي، فلما قدم هذا، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي، وحدث عن مكحول، فظن أبو أسامة أنه ابن جابر الذي روى عنه ابن المبارك وابن جابر ثقة مأمون، يجمع حديثه، وابن أبي تميم ضعيف، روى عن الزهري أحاديث مناكير، حدثنا ببعضها محمد بن يحيى النيسابوري في " علل حديث الزهري "، وقال: أحرج على من حدث عني هذه الأحاديث مفردة قال: وقدم ابن تميم هذا مع ثور بن يزيد وبرد بن سنان ومحمد بن راشد وابن ثوبان فروا من القتل، وكانوا قدرية، فقدموا العراق، فسمع منهم أهل العراق.
وقال النسائي في " كتاب الضعفاء ": عبد الرحمن بن يزيد بن تميم متروك الحديث، شامي، روى عنه أبو أسامة، وقال: عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر.
وقال موسى بن هارون الحافظ: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان ذلك وهمًا منه، هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف.(المقدمة/65)
وقال الخطيب: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد ابن تميم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فوهموا في ذلك، والحمل عليه في تلك الأحاديث.
وقال بعض الحفاظ المتأخرين: قدم عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الكوفة فسألوه عن اسمه، فقال: عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي، ولم يزد على ذلك، فظنوه ابن جابر، لأنه أشهر الرجلين، فغلطوا في ذلك لتدليسه نفسه.
وقال أبو حاتم بن حبان البستي في كتاب "المجروحين": عبد الرحمن ابن يزيد بن تميم، من أهل دمشق، كنيته أبو عمرو، يروي عن الزهري، روى عنه الوليد بن مسلم وأبو المغيرة، وكان ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، من كثرة الوهم والخطأ، وهو الذي يدلس عنه الوليد بن مسلم، ويقول: قال أبو عمرو، وحدثنا أبو عمرو، عن الزهري، يوهم أنه الأوزاعي، وإنما هو ابن تميم، وقد روى عنه الكوفيون أبو أسامة والحسين الجعفي وذووهما.
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: قوله " حسين الجعفي روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم " خطأ، الذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وأبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فيقول: ابن جابر، ويغلط في اسم الجد.
قلت: والذي قاله الحافظ أبو الحسن هو أقرب وأشبه بالصواب، وهو أن الجعفي روى عن ابن جابر ولم يرو عن ابن تميم، والذي يروي عن ابن تميم ويغلط في اسم جده هو أبو أسامة، كما قاله الأكثرون، فعلى هذا يكون الحديث الذي رواه حسين الجعفي عن ابن جابر عن أبي الأشعث عن أوس حديثًا صحيحًا، لأن رواته كلهم مشهورون بالصدق والأمانة والثقة والعدالة،(المقدمة/66)
ولذلك صححه جماعة من الحفاظ كأبي حاتم بن حبان والحافظ عبد الغني المقدسي وابن دحية وغيرهم، ولم يأت من تكلم فيه وعلله بحجة بينة، وما ذكره أبو حاتم الرازي في "العلل" لا يدل إلا على تضعيف رواية أبي أسامة عن ابن جابر، لا على ضعف رواية الجعفي عنه، فإنه قال: والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد، ثم ذكر ما يدل على أن الذي روى عنه أبو أسامة فقط هو ابن تميم، فذكر أمرًا عامًا، واستدل بدليل خاص، وقد قيل إن أبا أسامة كان يعرف أن عبد الرحمن بن يزيد هو ابن تميم، ويتغافل عن ذلك، قال يعقوب بن سفيان: قال محمد بن عبد الله بن نمير - وذكر أبا أسامة - فقال: الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يرى أنه ليس بابن جابر المعروف، وذكر لي أنه الرجل يسمى باسم: ابن جابر. قال يعقوب: صدق، هو عبد الرحمن بن فلان بن تميم، فدخل عليه أبو أسامة، فكتب عنه هذه الأحاديث، فروى عنه، وإنما هو إنسان يسمى باسم ابن جابر. قال يعقوب: وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا أسامة أنه علم ذلك وعرف، ولكن تغافل عن ذلك، وقال لي ابن نمير: أما ترى روايته لا تشبه سائر حديثه الصحاح، الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه) ا. هـ.
وهناك أمثلة كثيرة على تحريراته في كتابه "التنقيح" ولكني لم أذكر شيئًا منها لأنه ستأتي الإشارة إلى بعضها في مقدمة التحقيق.
* * *(المقدمة/67)
فصل: في ذكر شيء من كلام ابن عبد الهادي في بعض مسائل المصطلح
الحديث المرسل:
قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (143 - 147) : (قال الشافعي: والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التابعين فحدث حديثًا منقطعًا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر عليه بأمور، منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه.
وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم، فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوى له مرسله، وهي أضعف من الأولى.
وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولاً له، فإن وجد يوافق ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى.
وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(المقدمة/68)
ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولاً، ولا مرغوبًا عن الرواية عنه، فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه.
ويكون إذا شرك أحدًا من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه.
ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدًا قبول مرسله.
قال: وإذا وجدت الدليل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله، ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة ثبتت بها ثبوتها بالمتصل، وذلك أن معنى المنقطع مغيب يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه إذا سمي، وأن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدًا، من حيث لو سمي لم يقبل، وإن قول بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قال برأيه لو وافقه لم يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها، ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوافقه، ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء.
قال الشافعي: فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدًا منهم يقبل مرسله لأمور:
أحدها: أنهم تجوزوا فيمن يروون عنه.
والآخر: أنهم تؤخذ عليهم الدلائل فيما أرسلوا لضعف مخرجه.
والآخر: كثرة الإحالة في الأخبار، وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه.
هذا كله كلام الشافعي، وقد تضمن أمورًا:(المقدمة/69)
أحدها: أن المرسل إذا أسند من وجه آخر دل ذلك على صحة المرسل.
الثاني: أنه إذا لم يسند من وجه آخر نظر هل يوافقه مرسل آخر أم لا؟
فإن وافقه مرسل آخر قوي، لكنه يكون أنقص درجة من المرسل الذي أسند من وجه آخر.
الثالث: أنه إذا لم يوافقه مرسل آخر، ولا أسند من وجه، لكنه وجد عن بعض الصحابة قول له يوافق هذا المرسل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دل على أن له أصلاً ولا يطرح.
الرابع: أنه إذا وجد خلق كثير من أهل العلم يفتون بما يوافق المرسل دل على أن له أصلاً.
الخامس: أن ينظر في حال المُرسل فإن كان إذا سمى شيخه سمى ثقة وغير ثقة لم يحتج بمُرسَله، وإن كان إذا سمى لم يسم إلا ثقة لم يسم مجهولاً ولا ضعيفًا ولا مرغوبًا عن الرواية عنه كان ذلك دليلاً على صحة المرسل.
وهذا فصل النزاع في المرسل، وهو من أحسن ما يقال فيه.
السادس: أن ينظر إلى هذا المُرسل له إن كان إذا شرك غيره من الحفاظ في حديث وافقه فيه ولم يخالف، دل ذلك على حفظه، وإن خالفه ووجد حديثه أنقص - إما نقصان رجل يؤثر في اتصاله، أو نقصان رفعه بأن يقفه، أو نقصان شيء من متنه - كان في هذا دليل على صحة مخرج حديثه وأن له أصلاً، فإن هذا يدل على حفظه وتحريه بخلاف ما إذا كانت مخالفته بزيادة، فإن هذا يوجب التوقف والنظر في حديثه.
وهذا دليل من الشافعي رضي الله عنه على أن زيادة الثقة عنده لا يلزم أن(المقدمة/70)
تكون مقبولة مطلقًا كما يقوله كثير من الفقهاء من أصحابه وغيرهم، فإنه اعتبر أن يكون حديث هذا المخالف أنقص من حديث من خالفه، ولم يعتبر المخالف بالزيادة، وجعل نقصان هذا الراوي من الحديث دليلاً على صحة مخرج حديثه، وأخبر أنه متى خالف ما وصف أضر ذلك بحديثه، ولو كانت الزيادة عنده مقبولة مطلقًا لم يكن مخالفته بالزيادة مضرًا بحديثه.
السابع: أن المرسل العاري عن هذه الاعتبارات والشواهد التي ذكرها ليس بحجة عنده.
الثامن: أن المرسل الذي حصلت فيه هذه الشواهد أو بعضها يسوغ الاحتجاج به ولا يلزم لزوم الحجة بالمتصل، وكأنه رضي الله عنه سوغ الاحتجاج به ولم ينكر على مخالفه.
التاسع: أن مأخذ رد المرسل عنده إنما هو احتمال ضعف الواسطة، وأن المرسل لو سماه لبان أنه لا يحتج به، وعلى هذا المأخذ فإذا كان المعلوم من عادة المرسل أنه إذا سمى لم يسم إلا ثقة ولم يسم مجهولاً، كان مرسله حجة.
وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وهو مبني على أصل، وهو أن رواية الثقة عن غيره هل هي تعديل له أم لا؟ وفي ذلك قولان مشهوران، هما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والصحيح حمل الروايتين على اختلاف حالين، فإن الثقة إذا كان من عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كانت روايته عن غيره تعديلاً له، إذ قد علم ذلك من عادته، وإن كان يروي عن الثقة وغيره لم تكن روايته تعديلاً لمن روى عنه، وهذا التفصيل اختيار كثير من أهل الحديث والفقه والأصول، وهو أصح.
العاشر: أن مرسل من بعد كبار التابعين لا يقبل، ولم يحك الشافعي عن(المقدمة/71)
أحد قبوله لتعدد الوسائط، ولأنه لو قبل لقبل مرسل المحدث اليوم، وبينه وبين الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من عشرة، وهذا لا يقوله أحد من أهل الحديث) ا. هـ.
وهذا من أحسن ما قيل في شرح كلام الشافعي في المرسل، وقد أشار في أثناء كلامه إلى مسألة زيادة الثقة - وسيأتي كلام مطول له حولها -، وأيضًا مسألة رواية الثقة عن غيره هل هي تعديل له أم لا؟
التفرد:
ذكر ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (119) حديثًا موضوعًا تفرد به أحد الكذابين، ثم قال: (ونسخة مالك عن نافع عن ابن عمر محفوظة معروفة مضبوطة رواها عنه أصحابه رواة " الموطأ " وغير رواة " الموطأ " وليس هذا الحديث منها بل لم يروه مالك قط ولا طرق سمعه ولو كان من حديثه لبادر إلى روايته عنه بعض أصحابه الثقات المشهورين، بل لو تفرد بروايته عنه ثقة معروف من بين سائر أصحابه لأنكره الحفاظ عليه ولعدوه من الأحاديث المنكرة الشاذة) ا. هـ
وينظر أيضًا: " الصارم ": (31، 34، 69، 78) .
زيادة الثقة:
قال ابن عبد الهادي في كتابه في الجهر بالبسملة - كما في "نصب الراية" (1/336) -: (فإن قيل:.... الزيادة من الثقة مقبولة. قلنا: ليس ذلك مجمعًا عليه، بل فيه خلاف مشهور: فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقًا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو أنها تقبل في موضع دون موضع.
فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظًا ثبتًا، والذي لم يذكرها مثله(المقدمة/72)
أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله " من المسلمين " في صدقه الفطر، واحتج بها أكثر العلماء.
وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكمًا عامًا فقد غلط بل كل زيادة لها حكم يخصها:
فقي موضع يجزم بصحتها، كزيادة مالك.
وفي موضع يغلب على الظن صحتها، كزيادة سعد بن طارق في حديث " جعلت الأرض مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا "، وكزيادة سليمان التيمي في حديث أبي موسى " وإذا قرأ فانصتوا ".
وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة، كزيادة معمر ومن وافقه قوله: " وإن كان مائعًا فلا تقربوه "، وكزيادة عبد الله بن زياد ذكر البسملة في حديث " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين "، وإن كان معمر ثقة، وعبد الله بن زياد ضعيفًا، فإن الثقة قد يغلط.
وفي موضع يغلب على الظن خطأها كزيادة معمر في حديث ماعز الصلاة عليه، رواها البخاري في "صحيحه" وسئل هل رواها غير معمر؟ فقال: لا.
وقد رواه أصحاب " السنن الأربعة " عن معمر، وقال فيه: ولم يصل عليه.
فقد اختلف على معمر في ذلك، والراوي عن معمر هو عبد الرزاق، وقد اختلف عليه أيضًا، والصواب أنه قال: " ولم يصل عليه ".
وفي موضع يتوقف في الزيادة، كما في أحاديث كثيرة، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه بل يغلب على الظن ضعفه) ا. هـ.
* * *(المقدمة/73)
فصل: في ذكر شيء من كلام ابن عبد الهادي في بيان مناهج بعض الحفاظ وكتبهم
شعبة بن الحجاج:
قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (134) : (الغالب على طريقة شعبة الرواية عن الثقات، وقد يروي عن جماعة من الضعفاء الذين اشتهر جرحهم والكلام فيهم الكلمة والشيء، والحديث والحديثين، وأكثر من ذلك، وهذا مثل روايته عن: إبراهيم بن مسلم الهجري، وجابر الجعفي، وزيد بن الحواري العمي، وثوير بن أبي فاختة، ومجالد بن سعيد، وداود بن يزيد الأودي، وعبيدة بن معتب الضبي، ومسلم الأعور، وموسى بن عبيدة الربذي، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح، وعلي بن زيد بن جدعان، وليث بن أبي سليم، وفرقد السبخي، وغيرهم ممن تكلم فيه، ونسب إلى الضعف وسوء الحفظ وقلة الضبط، ومخالفة الثقات ... الخ) ا. هـ.
من منهج الشيخين في التخريج للرواة:
قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (256 - 258) : (واعلم أن كثيرًا ما يروي أصحاب الصحيح حديث الرجل عن شيخ معين لخصوصيته به ومعرفته بحديثه وضبطه له، ولا يخرجون حديثه عن غيره لكونه غير مشهور بالرواية عنه ولا معروف بضبط حديثه أو لغير ذلك، فيجيء من لا تحقيق عنده فيرى ذلك الرجل المخرج له في الصحيح قد روى حديثًا عمن خرج له في الصحيح من غير طريق ذلك الرجل فيقول: هذا على شرط الشيخين، أو على(المقدمة/74)
شرط البخاري، أو على شرط مسلم، لأنهم احتجا بذلك الرجل في الجملة.
وهذا فيه نوع تساهل، فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره، فلا يكون على شرطهما.
وهذا كما يخرج البخاري ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال وعلي بن مسهر وغيرهما، ولا يخرجان حديثه عن عبد الله بن المثنى، وإن كان البخاري قد روى لعبد الله بن المثنى من غير رواية خالد عنه، فإذا قال قائل في حديثه عن عبد الله بن المثنى: هذا على شرط البخاري - كما قاله بعضهم في حديثه عنه عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " افطر هذان "، ثم رخص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم - كان في كلامه نوع مساهلة، فإن خالدًا غير مشهور بالرواية عن عبد الله بن المثنى، والحديث فيه شذوذ، وكلامه مذكور في غير هذا الموضع.
وكما يخرج مسلم حديث حماد بن سلمة عن ثابت في الأصول دون الشواهد، ويخرج حديثه عن غيره في الشواهد، ولا يخرج حديثه عن عبيد الله ابن أبي بكر بن أنس بن مالك وعامر الأحول وهشام بن حسان وهشام بن زيد ابن أنس بن مالك وغيرهم، وذلك لأن حماد بن سلمة من أثبت من روى عن ثابت أو أثبتهم، قال يحيى بن معين: أثبت الناس في ثابت البناني حماد ابن سلمة.
وكما يخرج مسلم أيضًا حديث سويد بن سعيد عن حفص بن ميسرة الصنعاني مع أن سويدًا ممن كثر الكلام فيه واشتهر، لأن نسخة حفص ثابتة عند مسلم من طريق غير سويد لكن بنزول، وهي عنده من رواية سويد بعلو،(المقدمة/75)
فلذلك رواها عنه، قال إبراهيم بن أبي طالب قلت لمسلم: كيف استخرجت الرواية عن سويد في الصحيح؟ فقال: ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة؟! فليس لقائل أن يقول في كل حديث رواه سويد بن سعيد عن رجل روى له مسلم من غير طريق سويد عنه: هذا على شرط مسلم، فاعلم ذلك.
وقد روى مسلم في "صحيحه" حديثًا من رواية أبي صخر عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط، لكن ابن قسيط لا يرويه عن أبي هريرة، وإنما يرويه عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال في "صحيحه": حدثني محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبد الله بن يزيد حدثني حيوة حدثني أبو صخر عن يزيد ابن عبد الله بن قسيط أنه حدثه أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه عن أبيه أنه كان قاعدًا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب - صاحب المقصورة - فقال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة إنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من خرج مع جنازة وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد، من صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ". فأرسل ابن عمر خبابًا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة، ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت، وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول، فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة.
فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
هكذا روى مسلم هذا الحديث في "صحيحه" من رواية أبي صخر عن ابن قسيط، بعد أن ذكره من طرق عن أبي هريرة من رواية سعيد بن المسيب والأعرج وأبي صالح وأبي حازم وغيرهم عنه، ورواه أيضًا من حديث معدان بن أبي طلحة اليعمري عن ثوبان، فرواية أبي صخر متابعة لهذا الروايات،(المقدمة/76)
وشاهدة لها، وهكذا عادة مسلم غالبًا: إذا روى لرجل قد تكلم فيه ونسب إلى ضعف وسوء حفظ وقلة ضبط، إنما يروي له في الشواهد والمتابعات، ولا يخرج له شيئًا انفرد به ولم يتابع عليه) ا. هـ.
قول البخاري " سكتوا عنه ":
قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (431) : (وقال البخاري: سكتوا عنه. أي تركوه) ا. هـ.
" كتاب الثقات " و" كتاب المجروحين " لابن حبان:
قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (138 - 139) : (وقد علم أن ابن حبان ذكر في هذا الكتاب الذي جمعه في الثقات عددًا كثيرًا وخلقًا عظيمًا من المجهولين الذين لا يعرف هو ولا غيره أحوالهم، وقد صرح ابن حبان بذلك في غير موضع من هذا الكتاب:
فقال في الطبقة الثالثة: سهل يروي عن شداد بن الهاد، روى عنه أبو يعقوب، ولست أعرفه ولا أدري من أبوه.
هكذا ذكر هذا الرجل في كتاب "الثقات" ونص على أنه لا يعرفه.
وقال أيضًا: حنظلة شيخ يروي المراسيل، لا أدري من هو، روى ابن المبارك عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه.
هكذا ذكره لم يزد.
وقال أيضًا: الحسن أبو عبد الله شيخ يروي المراسيل، روى عنه أيوب النجار، لا أدري من هو، ولا ابن من هو.(المقدمة/77)
وقال أيضًا: جميل شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة، روى عنه
عبد الله بن عون، لا أدري من هو، ولا ابن من هو.
وقد ذكر ابن حبان في هذا الكتاب خلقًا كثيرًا من هذا النمط، وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح وإن كان مجهولاً لم يعرف حاله، وينبغي أن يتنبه لهذا ويعرف أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق) ا. هـ.
وقال أيضًا فيه (94) : ( ... هكذا ذكر ابن حبان حفص بن سليمان في " كتاب الضعفاء "، وقال: إنه هو الذي يقال له حفص بن أبي داود، وهذا الذي قاله صحيح لا شك فيه، وهو الذي قاله غيره من الأئمة الحفاظ، فإن صح عنه مع هذا أنه ذكر حفص بن أبي داود في " كتاب الثقات " فقد تناقض تناقضًا بينًا، وأخطأ خطأً ظاهرًا ووهم وهمًا فاحشًا وقد وقع له مثل هذا التناقض والوهم في مواضع كثيرة، وقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح أنه غلط الغلط الفاحش في تصرفه، ولو أخذنا في ذكر ما أخطأ فيه وتناقض من ذكره الرجل في الكتابين " كتاب الثقات " و" كتاب المجروحين " ونحو ذلك من الوهم والإيهام لطال الخطاب) ا. هـ.
"الكامل" لابن عدي:
قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (132) : (قال أبو أحمد بن عدي في كتاب " الكامل في معرفة الضعفاء وعلل الأحاديث ": هارون أبو قزعة، سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: هارون أبو قزعة روى عنه ميمون بن سوار، لا يتابع عليه، قال ابن عدي: وهارون أبو قزعة لم ينسب، وإنما روى الشيء الذي أشار إليه البخاري، هذا جميع ما ذكره ابن عدي في ترجمة هارون ولو كان عنده شيء من أمره غير ما قاله البخاري لذكره كما هي عادته) ا. هـ.(المقدمة/78)
" السنن " للدارقطني:
قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (31) : ( ... رواه مثل الدارقطني الذي يجمع في كتابه غرائب السنن ويكثر فيه من رواية الأحاديث الضعيفة والمنكرة، بل والموضوعة، ويبين علة الحديث، وسبب ضعفه وإنكاره في مواضع) ا. هـ.
"المستدرك" للحاكم:
قال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (62) : (ثم إنه رحمه الله - أي الحاكم - لما جمع " المستدرك على الشيخين " ذكر فيه من الأحاديث الضعيفة والمنكرة، بل والموضوعة جملة كثيرة، وروى فيه لجماعة من المجروحين الذين ذكرهم في كتابه في الضعفاء وذكر أنه تبين له جرحهم، وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة هذا الفعل، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، فلذلك وقع منه ما وقع، وليس ذلك ببعيد) ا. هـ.
وقال أيضًا في " المحرر " (رقم: 333) : (وقد أبعد من قوى هذا الحديث (1) بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في "المستدرك" فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك والمتهم) ا. هـ.
* * *
__________
(1) أي حديث: (يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر) .(المقدمة/79)
فصل: في ذكر شيء من تحريرات ابن عبد الهادي في تراجم الرواة إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء:
قال الحافظ ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (314 - 316) : (هذا شيخ لم يعرف بثقة وأمانة ولا ضبط وعدالة، بل هو مجهول غير معروف بالنقل ولا مشهور بالرواية، ولم يرو عنه غير محمد بن الفيض، روى عنه هذا الأثر المنكر، ولما ذكره أبو أحمد في " الكنى " قال: كناه لنا أبو الحسن محمد بن الفيض الغساني الدمشقي، وأخبرنا عنه بحديث ولم يذكره، وأشار إلى هذا الخبر الذي رواه بكماله من طريقه في غير " الكنى "، وروى بعضه في " الكنى " في ترجمة أبي رويحة، وقد رحل أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ومحمد بن مسلم بن وارة ويعقوب بن سفيان الفسوي وغيرهم من الحفاظ بلى دمشق وكان هذا الشيخ موجودًا في ذلك الوقت، ولم يرو عنه أحد منهم وهو من ولد أبي الدرداء فلو كان من أهل الحديث أو كان عنده علم أو له رواية لرووا عنه وسمعوا منه، وقد كان أبو حاتم الرازي من أحرص الناس على لقاء الشيوخ كما قد ذكر ذلك عن نفسه، وقد كتب بعضهم عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي كما روى عنه يعقوب الفسوي والحسن بن سفيان وجماعة من أهل الحديث، وإبراهيم بن هشام في طبقة إبراهيم بن محمد بن سليمان، كانا جميعًا في وقت واحد، ووفاتهما متقاربة، وقد علم أن إبراهيم بن هشام شيخ متهم بالكذب لا يعرف الحديث ولا يدريه ولا يحتج بروايته، وقد روى عنه غير(المقدمة/80)
واحد من أهل الحديث من الرحالة وغيرهم، ولم يرو أحد منهم عن إبراهيم بن محمد، فلو كان من أهل النقل والرواية أو عنده علم أو حديث لأخذوا عنه وسمعوا منه كما أخذوا عن إبراهيم بن هشام، فلما لم يرووا عنه بل تركوه وأعرضوا عنه مع حرصهم على لقاء الشيوخ وشدة اعتنائهم بالرواية دل على أنه عندهم أسوأ حالاً من إبراهيم بن هشام، وقد ذكر أبو حاتم الرازي وغيره عن إبراهيم بن هشام ما يدل على أنه لا يعي الحديث ولا يدريه، قال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل": سمعت أبي يقول: قلت لأبي: لم لا تحدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى؟ قال: ذهبت إلى قريته وأخرج إلي كتابًا زعم أنه سمعه من سعيد بن عبد العزيز، فنظرت فيه فإذا فيه أحاديث ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة وعن ابن شوذب وعن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، فنظرت إلى حديث فاستحسنته من حديث ليث بن سعد عن عقيل، فقدت له: اذكر هذا. فقال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ليث بن سعد عن عقيل - بالكسر -! ورأيت في كتابه أحاديث عن سويد بن عبد العزيز عن مغيرة وحصين وقد قلبها على سعيد بن عبد العزيز، وأظنه لم يطلب العلم، وهو كذاب. قال: فقلت: هذه أحاديث سويد بن عبد العزيز. قال: فقال: صدقت، نعم حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سويد. قال ابن أبي حاتم: ينبغي أن لا يحدث عنه.
قلت: وإبراهيم بن هشام هذا هو صاحب حديث أبي ذر الطويل الذي تفرد به عن أبيه عن جده، وقد رواه أبو القاسم الطبراني وأبو حاتم بن حبان البستي في كتاب " الأنواع والتقاسيم " وهو حديث مجموع من أحاديث كثيرة بعضها في الصحاح، وبعضها في المساند والسنن، وبعضها لا أصل له، وقد ذكر ابن أبي حاتم إبراهيم بن هشام في كتاب "الجرح والتعديل" وذكر عنه ما حكيناه، ولم يذكر إبراهيم بن محمد بن سليمان فيه، ولم يرو عنه أحد ممن رحل(المقدمة/81)
من الحفاظ وأهل الحديث ولم يأخذ عنه من أهل بلده غير محمد بن الفيض روى عنه هذا الخبر الذي لم يتابع عليه، فعلم أنه ليس بمحل للرواية عنه) ا. هـ.
سعيد بن عبد الرحمن الجمحي:
ذكر ابن عبد الهادي في "التنقيح" (3/104) قول ابن حبان فيه: كان يروي عن الثقات الموضوعات، كأنه المتعمد لها. ثم قال: (وأما سعيد بن عبد الرحمن الجمحي فروى له مسلم في صحيحه، ووثقه من هو أعلم من ابن حبان كيحيى بن معين، وقال أحمد: ليس به بأس. وقال النسائي: لا بأس به.
وقال ابن عدي: له أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنها مستقيمة، وإنما يهم عندي في الشيء بعد الشيء، فيرفع موقوفًا، ويصل مرسلاً، لا عن تعمد) ا. هـ.
عبد الرحمن بن يزيد بن تميم:
وقد سبق نقل كلامه عليه (ص: 64) .
عبد العزيز بن أبي رواد:
ينظر كلامه عليه في "التنقيح" (122، 3/121) .
عبد الملك بن أبي سليمان:
ينظر كلامه عليه في "التنقيح" (4/175 - 176) .
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.
وكتب
عبد الله بن عبد الرحمن السعد(المقدمة/82)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
لقد اعتنى العلماء بالسنة النبوية أيما عناية، ومن بين عموم السنة لقيت أحاديث الأحكام عناية خاصة، فقد تفنن أهل العلم رحمهم الله تعالى في جمعها وتدوينها ونقدها، وكان ذلك على صور متعددة، ومن تلك الصور: كتب الخلافيات الحديثية، وهي الكتب التي تُذكر فيها المسائل التي اختلف فيها أصحاب المذاهب، ويكون الاستدلال عليها بالأحاديث النبوية، مع ذكر أدلة كلا المذهبين، ومناقشة أدلة أصحاب المذهب المخالف، والجواب عن الاعتراضات على أدلة المذهب المتبع.
ومن أهم ما كتب في ذلك: كتاب "التحقيق" لابن الجوزي (1) ، فقد جمع المسائل التي خولف فيها الحنابلة مرتبة حسب الأبواب الفقهية، فيذكر المسألة، ثم يذكر المخالف فيها، ثم يذكر أدلة الحنابلة ويصدرها بقوله (لنا) ، ثم يذكر - أحيانًا - ما قد يعترض به على تلك الأدلة، ويجيب عن ذلك، ثم بعد ذلك ينتقل إلى أدلة المخالفين، ويصدرها بقوله: (احتجوا) ، ثم يختم المسألة بجوابه عن ما احتج به المخالف، وغالب ما يذكره - سواء في الاعتراضات، أو
__________
(1) انظر: " البدر المنير " لابن الملقن: (1/358) .(المقدمة/83)
في جوابه عن أدلة المخالف - متعلق بصحة النقل من عدمه (الصناعة الحديثية) ، وربما ذكر بعض الأمور التي تتعلق بالاستدلال.
وامتاز كتاب "التحقيق" عن غيره بميزات:
(1) خدمته لمذهب الحنابلة على هذا الوجه الذي لم يسبق إليه حسب علمنا.
(2) توسعه في ذكر أدلة المخالف، فضلاً عن أدلة الحنابلة، فربما ذكر في المسألة الواحدة عشرة أحاديث وأكثر، وربما ذكر للحديث الواحد تسع طرق.
(3) كثرة مسائله، لأنه يذكر المسائل التي خولف فيها الحنابلة من قبل أصحاب المذاهب الأخرى دون التقيد بمذهب معين، بل ربما ذكر الخلاف مع داود الظاهري، وأحيانًا يذكر المسائل التي فيها خلاف في المذهب الحنبلي نفسه.
(4) حسن الترتيب.
ولكن كان في الكتاب بعض جوانب القصور، تتلخص فيما يلي:
(1) عدم العناية بعزو الأحاديث إلى الكتب الستة المشهورة (الصحيحين والسنن الأربعة) ، فتجد الحديث عند هؤلاء أو بعضهم - لا سيما أصحاب السنن -، ويخرجه ابن الجوزي من طريق الدارقطني، أو الخطيب البغدادي، ولا يعزوه إلى تلك الكتب.
(2) إهمال الكلام على بعض رجال الأسانيد المتكلم فيهم.
(3) إهمال الكلام على بعض العلل الخفية في الأحاديث.
(4) وقوع أخطاء كثيرة في تمييز الرواة، وفي تجريح طائفة من الثقات،(المقدمة/84)
وتعديل جماعة من الضعفاء.
(5) وقوع بعض الأخطاء في تحديد الراوي الذي يُحْمَل عليه في الحديث الضعيف.
(6) إيراد بعض الأحاديث مجردة عن الأسانيد، وبدون عزو إلى شيء من المصادر الأصلية.
وبالإضافة إلى ما سبق كان ابن الجوزي يكرر إسناده إلى أصحاب الكتب المشهورة، ما أدى إلى كبر حجم الكتاب دون كبير فائدة.
فأتى الحافظ ابن عبد الهادي في كتابه "التنقيح" وعمل على تكميل جوانب القصور في الكتاب، فتمم ما أهمله المؤلف: بعزوِ الأحاديث إلى الكتب المعتمدة المشهورة، وجرحِ الرواة المجروحين، وتعليلِ الأحاديث المعلة، وتتبعِ الأخطاء التي وقع فيها المؤلف مع بيان ما يراه صوابًا، ونقل كلام العلماء في تصحيح الأحاديث وتعليلها، كل هذا مع المحافظة الكاملة والدقيقة على ما أورده ابن الجوزي، بعد اقتصاره على إسناد صاحب الكتاب الذي خرَّج ابن الجوزي الحديث من طريقه، وحذف إسناد ابن الجوزي إليه (1) .
__________
(1) وكان المنقح يعتني بضبط نص "التحقيق" من خلال الرجوع إلى أكثر من نسخة خطية له، كما نص على ذلك في بعض المواضع (انظر مثلاً: 3/246، 334، 409، 418، 427، 454، 463 ح، 493، 499، 519، 530، 533، 540؛ 4/468، 489، 626، 669) .
ونص في بعض المواضع على رجوعه إلى نسختين مقابلتين بأصل المؤلف: (4/486، 489) .
وقال المنقح في موضع (3/364) : (كذا في النسخة التي كتبت منها: " عبد الله بن عمر " وكأن الصواب: " عبيد الله " وهكذا وجدته في نسخة أخرى، فإن الدارقطني لا يقول: " إسناده ثابت " وفيه: عبد الله!) .(المقدمة/85)
وقد حلَّى كتابه بقواعد مهمة في علمي: العلل والجرح والتعديل، مبنية على الاستقراء والنظر الثاقب، كما زينه بذكر جملة من الفوائد الفقهية وعدد من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، وغير ذلك من الفوائد العلمية النافعة.
وسيأتي مزيد إيضاح لعمل المنقح تحت المبحث الثاني من الفصل الثاني من هذه المقدمة.
ولأهمية هذا الكتاب، وقلة توفره مع شدة الحاجة إليه استعنا بالله على تحقيقه، ونقدم بين يدي ذلك بمقدمة تتضمن ما يلي:
الفصل الأول: التعريف بالمنقح، وتحته العناصر التالية:
1. نسبه.
2. مولده.
3. شيوخه.
4. محفوظاته.
5. ثناء العلماء عليه.
6. مصنفاته.
7. تدريسه وتلاميذه.
8. وفاته.
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب، وتحته المباحث التالية:
1. اسم الكتاب وإثبات نسبته.(المقدمة/86)
2. عمل المنقح في الكتاب.
3. المنهج العلمي للمنقح.
4. موارد المنقح.
5. القيمة العلمية للكتاب.
6. النسخ الخطية وطبعات الكتاب السابقة.
7. خطة العمل في التحقيق.
* * *(المقدمة/87)
الفصل الأول
التعريف بالمنقح
1. نسبه.
2. مولده.
3. شيوخه.
4. محفوظاته.
5. ثناء العلماء عليه.
6. مصنفاته.
7. تدريسه وتلاميذه.
8. وفاته.(المقدمة/90)
الفصل الأول: التعريف بالمنقح
نسبه:
هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن فتح بن حذيفة بن محمد بن يعقوب بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن محمد بن سالم بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب، المقدسي، الجماعيلي الأصل، ثم الصالحي (1) .
وأسرة آل قدامة معروفة بالعلم، قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد - عند ذكره لبيوت الحنابلة -: (آل قدامة: الحنابلة، القرشيون، العدويون نسبًا، من
__________
(1) انظر: " ذيل الطبقات " لابن رجب (5/115 - 116) وقد ساق نسبه إلى قدامة، وقد ذُكر بقية نسب آل قدامة في ترجمة يوسف بن الحسن بن عبد الهادي (ابن المبرد) ، كما في " النعت الأكمل " (67) وغيره، وقد نظم ابن المبرد نسبه - كما في " العقد الغالي في النظم العالي " لابن طولون (111/أ) ، وقد نقلنا هذا من كتاب " الإمام يوسف بن عبد الهادي الحنبلي وأثره في الفقه الإسلامي " لمحمد شبير (41) - فقال:
إذا رمت عن رسمي فقل لي يوسف ... حقيق بقول الحق والحق يعرف
ولي نعمة بالسهم من اسم والد ... أبي حسن والحُسنُ منا يُعرف
وتحمد أحوالي وجدي أحمد ... له والد بالحُسن أيضًا مشرف
ومن أحمد كانت عناصر خلقه ... ومن عبد الهادي الزكي مخلف
ووالده عبد الحميد وجده ... كمثل سماه في الأنام معرف =(المقدمة/91)
سلالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، المقادسة موطنًا، ثم الصالحيون، الدماشقة مهاجرًا.
أكثر البيوت الحنبلية علمًا، ترجم ابن مفلح في " المقصد الأرشد " لنحو خمسين عالمًا منهم.
استمروا على نسبتهم هذه " آل قدامة دهرًا ... ، وقد تفرع منهم ثلاثة بيوتات كبيرة هي:
بيت ابن عبد الهادي: يلتقون مع الشيخ أبي عمر وأخيه الموفق في الجد الجامع لهم: محمد ابن قدامة بن مقدام، إذ محمد له ابنان: يوسف بن محمد بن قدامة جدُّ آل عبد الهادي. وأحمد ابن محمد بن قدامة جدُّ آل قدامة ... ) ا. هـ (1) .
* * *
__________
= ويوسف منه كانت خلق نظامه ... ومن فضله المعروف والفضل يعرف
محمد منه كان ثم قدامة ... مقدم جيش الكل منه تهدفوا
ومن نسل مقدام تقدم بعده ... أبو النصر نصر طاهر متولف
وبالفتح فتح قد علا كل حاذق ... وحدثه حدثه والفضل يوصف
محمد من يعقوب قاسم جده ... ومن ذاك إبراهيم إسماعيل يحيى تخلفوا
محمد ينمي في الوجود لسالم ... ومن نسل عبد الله كل تسلفوا
ووالده الفاروق سيد صحبه ... له من رسول الله قد معرف
(1) " المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل " (1/524 - 525) .(المقدمة/92)
مولده:
اختلف في مولده على أقوال:
القول الأول: أنه ولد في رجب سنة خمس وسبعمائة، وذكر هذا صاحبه الحافظ ابن كثير في " البداية " (18/467) ، ومعاصره أبو المحاسن الحسيني في " ذيل تذكرة الحفاظ " (49) ، وغيرهما.
القول الثاني: أنه ولد سنة أربع وسبعمائة، كما في " ذيل الطبقات " لابن رجب (5/116) .
القول الثالث: أنه ولد سنة خمس أو ست وسبعمائة، وهذا ذكره الذهبي في آخر كتابه " تذكرة الحفاظ " (4/1508) .
وقد أشار إلى هذا الخلاف ابن ناصر الدين في " الرد الوافر " (63) ، وابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/331) ، والفرق بين هذه الأقوال يسير، ولعل أقربها هو القول الأول، لذكر الحافظ ابن كثير له وهو من أصحاب ابن عبد الهادي، وهو أيضًا ما ذكره الحسيني وغيره من معاصريه، وهو أحد السنتين اللتين ذكرهما الذهبي على سبيل التردد، والجازم يقدم على المتردد، والله أعلم (1) .
* * *
__________
(1) قال الأستاذ خير الدين الزركلي في " الأعلام " (5/326) : (كنت في شك من تاريخ مولده وموته صغيرًا، إلى أن ظفرت بقطعة مخطوطة من كتاب لأحد معاصريه، يقول فيها: واجتمعت به غير مرة، وكنت أسأله أسئلة أدبية وأسئلة عربية، فأجده فيها سيلاً يتحدر، لو عاش كان عجبًا) .
ويقصد بمعاصره الصفدي.(المقدمة/93)
شيوخه:
لقد أخذ الحافظ ابن عبد الهادي عن عدد من أهل العلم، وبعض من أخذ عنه يعد من كبار علماء عصره.
قال الصفدي في " الوافي " (2/161) وفي " أعيان العصر" (4/274) : (سمع القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة وأبا بكر بن عبد الدائم وعيسى المطعم وأحمد بن أبي طالب الحجار وأكثر عن محمد الزراد وسعد الدين بن سعد وعدة) .
وقال الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات " تحت ترجمة ابن عبد الهادي: (وسمع الكثير من القاضي أبي الفضل سليمان بن حمزة وأبي بكر بن عبد الدائم وعيسى بن المطعم والحجار وزينب بنت الكمال وخلق كثير) .
قال ابن ناصر الدين في " الرد الوافر" (63) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (قرأ القرآن العظيم بالروايات، وسمع ما لا يحصى من المرويات) .
وهذه قائمة بمن وقفنا عليه ممن أخذ عنهم مرتبة حسب وفياتهم:
1 - تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة (ت: 715) (1) : هو سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمرو المقدسي ثم الصالحي.
ولد سنة (628) .
كان من كبار فقهاء الحنابلة في وقته، وكان عارفًا بالفقه وخاصة كتاب " المقنع " لابن قدامة، قرأه وأقرأه مرات كثيرة، وأفتى نيفًا وخمسين سنة.
__________
(1) ترجمته في: " ذيل التاريخ " للذهبي (151) ، و" ذيل الطبقات " لابن رجب (رقم: 511) .(المقدمة/94)
وقد جمع بين الفقه والحديث فأكثر من السماع عن الضياء وغيره، وقد سمع منه كبار الحفاظ كابن تيمية والمزي والذهبي والعلائي وغيرهم.
وقال عنه الذهبي في " ذيل تاريخ الإسلام " (153) : (كان فيه دين متين وتمسك بمذهب السلف) .
وقال أيضًا: (جرت محنة الشيخ تقي الدين ابن تيمية في سنة خمس وسبعمائة، وحصل للحنابلة أذى كثير بمصر ودمشق، فجاء البريد بإلزام الحنابلة بالرجوع عن معتقدهم وهددوا، فتلطف القاضي تقي الدين في الأمر، ولم يظهر عليه ألم ولا غضب، ودارى بحسن خلقه، وأخذ يدافع ويماطل، وما كتب شيئًا، وخمد الشر، وأرادوا منه أن يكتب البراءة من معتقد ابن تيمية فامتنع وترفق بهم) .
وأبو الفضل هو أقدم شيوخ الحافظ ابن عبد الهادي وفاة، وكان عمر ابن عبد الهادي عند وفاته (10) سنوات!
2 - ابن عبد الدائم (ت: 718) (1) :
هو الشيخ المسند أبو بكر بن زين الدين أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي الصالحي.
ولد سنة (625) أو (626) .
ذكر الذهبي في " ذيل العبر" (50) أنه توفي عن ثلاث وتسعين سنة، وقال: (سمع حضورًا في سنة سبع وعشرين ... وتفرد وكان ذا همة وجلادة
__________
(1) ترجمته في " ذيل العبر " (50) ، و" الدرر الكامنة " (1/438) .(المقدمة/95)
وذكر وعبادة) .
وسبق في كلام الصفدي وابن رجب النص على أخذ ابن عبد الهادي عنه، وهو أيضًا من كبار من أخذ عنهم.
3 - شرف الدين المطعم (ت: 719) (1) :
هو عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي المطعم.
ذكر الذهبي في " ذيل العبر " (55) أنه توفي وله أربع وتسعون سنة، وقال عنه: (تفرد، وتكاثروا عليه، وكان أميًّا عاميًّا) .
وقد سبق نص كلام الصفدي وابن رجب في سماع ابن عبد الهادي منه.
4 - سعد الدين بن محمد بن سعد (ت: 721) (2) :
هو يحيى بن محمد بن سعد الأنصاري المقدسي ثم الصالحي الحنبلي.
ولد سنة (631) .
قال الذهبي في " ذيل العبر " (63) : (تفرد واشتهر اسمه، مع الدين والسكينة والمروءة والتواضع) .
وسبق في كلام الصفدي أنه من شيوخ ابن عبد الهادي الذين أكثر عنهم.
5 - ابن الزراد (ت: 726) (3) :
__________
(1) ترجمته في: " ذيل العبر " (55) ، و" الدرر الكامنة " (3/204) .
(2) ترجمته في: " ذيل العبر " (63) ، و" الدرر الكامنة " (4/426) .
(3) ترجمته في: " ذيل العبر " (78) ، و" الدرر الكامنة " (3/376) .(المقدمة/96)
هو شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء بن الزرّاد الصالحي.
توفي عن ثمانين سنة.
قال الذهبي: (روى شيئًا كثيرًا وتفرد، خرجت له مشيخة ... وكان يروي "المسند" و" السيرة " و" مسند أبي عوانة " و" الأنواع والتقاسيم " و"مسند أبي يعلى" وأشياء) .
وذكر الذهبي ابن عبد الهادي ضمن من أخذ عنه، وسبق في كلام الصفدي أنه أكثر عنه.
6 - ابن مسلّم (ت: 726) (1) :
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مسلّم بن مالك الزيني الصالحي.
أحد علماء الحنابلة، تولى القضاء في صفر سنة (716) بعد أن توقف في قبوله، ولكن أتاه شيخ الإسلام ابن تيمية في بيته وقوى عزمه ولامه على توقفه، فأجاب وشرط أن لا يلبس خلعة حرير، ولا يركب في المواكب، ولا يقتني مركوبًا، فأجيب إلى ذلك، رحمه الله تعالى.
قال عنه الذهبي: (كان من قضاة العدل، بصيرًا بمذهبه، عارفًا بالعربية) .
وقال الصفدي في " الوافي " (2/161) وفي " أعيان العصر" (4/274) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (وتفقه بالقاضي شمس الدين ابن مسلّم) .
__________
(1) ترجمته في: " ذيل العبر " (78) ، و" ذيل الطبقات " لابن رجب (4/466) .(المقدمة/97)
7 - شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728) :
هو الإمام الرباني أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، صاحب المصنفات المشهورة، والاختيارات المسددة، والحجج الدامغة، والمواقف المشهودة.
قال الحسيني في " ذيل العبر " (ص: 132) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (وتفقه بشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، وكان من جلة أصحابه) .
وقال ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/116) : (ولازم الشيخ تقي الدين مدة) .
وقال يوسف بن عبد الهادي في " الجوهر المنضد " (ص: 114) : (يقال: أفقه أصحاب الشيخ هو (1) ، وأعلمهم بالحديث ابن عبد الهادي، وأعلمهم بأصول الدين والطرق والمتوسط بين الفقه والحديث وأزهدهم شمس الدين ابن القيم) .
ويصف لنا ابن عبد الهادي جانبًا من علاقته بشيخ الإسلام ابن تيمية فيقول في كتابه " العقود الدرية " (342 - 343) - بعد أن ذكر سجن الشيخ بالقلعة سنة (720) -: (ثم ورد مرسوم السلطان بإخراجه، فأخرج منها يوم الاثنين يوم عاشوراء، من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وتوجه إلى داره.
ثم لم يزل بعد ذلك يعلم الناس ويلقي الدرس بالحنبلية أحيانًا، ويقرأ عليه في مدرسته بالقصاصين في أنواع العلم.
__________
(1) أي: ابن مفلح.(المقدمة/98)
وكنت أتردد إليه في هذه المدة أحيانًا، وقرأت عليه قطعة من " الأربعين " للرازي، وشرحها لي، وكتب لي على بعضها شيئًا، وكان يقرأ عليه في تلك المدة من كتبه، وهو يصلح فيها، ويزيد وينقص.
ولقد حضرت معه يومًا في بستان الأمير فخر الدين بن الشمس لؤلؤ، وكان قد عمل وليمة، وقرأت على الشيخ في ذلك اليوم أربعين حديثًا، وكتب بعض الجماعة أسماء الحاضرين، وأخذ الشيخ بعد ذلك في الكلام في أنواع العلوم، فبهت الحاضرون لكلامه واشتغلوا بذلك عن الأكل!) .
وقد كانت للحافظ ابن عبد الهادي عناية كبيرة بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية واختياراته، يظهر ذلك لمن يطالع كتبه بعامة، وبالذات كتابيه " العقود الدرية " و" اختيارات شيخ الإسلام " (1) .
8 - مجد الدين الحراني (ت: 729) (2) :
هو إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الفراء الحراني، ثم الدمشقي.
ولد سنة (645) .
وهو من كبار فقهاء الحنابلة في وقته، برع في الفقه، وله معرفة بالحديث والأصول وغير ذلك، تصدى للاشتغال والفتوى مدة طويلة، وكان صاحب خلق ودين، وذكر في ترجمته أنه كان يقرئ " المقنع " و"الكافي" ويعرفهما، ويقال: إنه أقرأ " المقنع " مائة مرة.
__________
(1) انظر المواضع التي نقل فيها ابن عبد الهادي عن شيخه ابن تيمية في هذا الكتاب (ص: 135) .
(2) ترجمته في: " ذيل العبر " للذهبي (86) ، " ذيل الطبقات " لابن رجب (4/532) .(المقدمة/99)
قال ابن رجب في " ذيل الطبقات " - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (قرأ الفقه على مجد الدين الحراني) .
9 - الحجّار (ت: 730) (1) :
هو الشيخ الكبير المسند المعمر الرُّحلة أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة الصالحي المعروف بـ (الحجّار) ، ويعرف أيضًا بـ (ابن الشحنة) .
قال ابن كثير: (كان شيخًا حسنًا بهي المنظر سليم الصدر ممتعًا بحواسه وقواه، فإنه عاش مائة سنة محققًا، وزاد عليها، لأنه سمع البخاري من الزبيدي في سنة ثلاثين وستمائة، وأسمعه هو في سنة ثلاثين وسبعمائة في تاسع صفر بجامع دمشق) .
وقال الذهبي: (نزل الناس بموته درجة) .
ومن طريف ما يذكر عن الحجّار ما ذكره الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (8/105) قال - بعد أن ذكر حديث المسلسل بقراءة سورة الصف -: (وتسلسل لنا قراءتها إلى شيخنا أبي العباس الحجّار، ولم يقرأها، لأنه كان أميًّا، وضاق الوقت عن تلقينها إياه) .
وسبق ذكره في عبارة الصفدي وابن رجب ضمن شيوخ ابن عبد الهادي الذين سمع منهم.
10 - أبو الحجاج المزي (ت: 742) :
هو الحافظ الكبير أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي
__________
(1) ترجمته في: " ذيل العبر " (88) ، " البداية والنهاية " لابن كثير (14/150) .(المقدمة/100)
الدمشقي، وهو من كبار علماء الحديث في زمانه، صاحب "تهذيب الكمال" و"تحفة الأشراف" وهما من أهم كتب الإسلام.
قال ابن عبد الهادي في " طبقاته " (4/275) - تحت ترجمة المزي -: (شيخنا الإمام الحافظ الحجة الناقد الأوحد البارع، محدث الشام ... انتهت إليه الإمامة في علم الحديث مع الصدق والإتقان وحسن الخلق ... وصنف كتاب " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " ... ، وهو كتاب حافل، عديم النظير، وكتاب " الأطراف "، وأوضح في هذين الكتابين مشكلات لم يسبق إليها، وقد ملكت الكتابين بخطه والحمد لله، وهو شيخي الذي انتفعت به كثيرًا في هذا العلم، وكان إمامًا في السنة، ماشيًا على طريقة سلف الأمة، ممرًا للآيات والأحاديث كما جاءت من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكان صحيح الذهن، حسن الفهم، سريع الإدراك، يرد في الإسناد والمتن ردًّا ينبهر له فضلاء الحاضرين، وربما يكون في أثناء ذلك يطالع وينقل الطباق) .
وقال الحسيني في " ذيل التذكرة " (ص: 49) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (أكثر عن شيخنا أبي الحجاج المزي، ولازمه نحو عشر سنين) .
وقال ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/116) - تحت ترجمته أيضًا -: (ولازم أبا الحجاج المزي الحافظ حتى برع عليه في الرجال) .
وكثيرًا ما ينقل ابن عبد الهادي كلام شيخه المزي في الكلام على الأحاديث والرجال (1) .
ومن طريف ما حصل له مع المزي، ما ذكره الحافظ عماد الدين ابن كثير
__________
(1) انظر: المواضع التي نقل فيها ابن عبد الهادي عن شيخه المزي في هذا الكتاب (ص: 135) .(المقدمة/101)
قال: (أتى صاحبنا ابن عبد الهادي إلى المزي، فقال له: انتخبت من روايتك أربعين حديثًا أريد قراءتها عليك، فقرأ الحديث الأول وكان الشيخ متكئًا فجلس، فلما أتى على الثاني تبسم، وقال: ما هو أنا، ذاك البخاري. قال ابن كثير: فكان قوله هذا عندنا أحسن من رده كل متن إلى سنده) (1) .
11 - ابن بصخان (ت: 743) (2) :
هو بدر الدين محمد بن أحمد بن بصخان الدمشقي.
ولد سنة (668) ، وكان من كبار القراء في زمانه.
قال الصفدي في " الوافي " (2/161) و" أعيان العصر " (4/274) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (أخذ بعض القراءات تفقهًا عن ابن بصخان) .
12 - الحافظ الذهبي (ت: 748) (3) :
هو الحافظ الشهير، مؤرخ الإسلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، صاحب " سير النبلاء " و" تذكرة الحفاظ " و" تاريخ الإسلام " وغيرها.
قال ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/116) : (وأخذ عن الذهبي) .
__________
(1) انظر: " فتح المغيث " للسخاوي (1/322) ، وقد ذكره مثالاً على قلب الأحاديث لامتحان الشيوخ.
(2) ترجمته في: " معرفة القراء الكبار " للذهبي (2/745) ، و" الدرر الكامنة " لابن حجر (3/309 - 311) .
(3) ترجمته في: " ذيل التذكرة " للحسيني (34) ، " الدرر الكامنة " لابن حجر (3/336) .(المقدمة/102)
13 - أبو العباس الأندرشي (ت: 750) (1) :
هو أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي، وصف بأنه شيخ العربية بدمشق في زمانه، له " شرح تسهيل الفوائد لابن مالك ".
قال الصفدي في " الوافي " (2/161) و" أعيان العصر " (4/274) - تحت ترجمة ابن عبد الهادي -: (وأخذ العربية عن أبي العباس الأندرشي) .
14 - ابن قيم الجوزية (ت: 751) (2) :
هو العلامة المتفنن شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي، صاحب المؤلفات المشهورة في سائر فنون العلم.
قال الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/173 - 174) - تحت ترجمة ابن القيم -: (وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به، وكان الفضلاء يعظمونه، ويتتلمذون له، كابن عبد الهادي وغيره) .
15 - أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي (ت: 752) (3) :
وهو والد المنقح، ولد سنة (671) ، سمع من ابن أبي عمر وغيره، وكان مقرئًا، ووصف رحمه الله بالزهد والعقل.
وقد ذكر ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (3/ج2 من المخطوط /21 - 22)
__________
(1) ترجمته في: " المعجم المختص " للذهبي (رقم 15) ، " بغية الوعاة " للسيوطي (1/309) .
(2) ترجمته في: " البداية والنهاية " لابن كثير (14/234) ، " ذيل طبقات الحنابلة " لابن رجب (5/ 170) .
(3) ترجمته في: " ذيل العبر " للحسيني (158) ، " الدرر الكامنة " لابن حجر (1/195) .(المقدمة/103)
تحت ترجمته أن ممن سمع منه ابنه الحافظ شمس الدين.
16 - البارزي (ت: 755) (1) :
هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الجهني البارزي الشافعي الحموي، نزيل دمشق.
ولد سنة (674) .
ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته أن ممن سمع منه الحافظ ابن عبد الهادي.
17 - زينب بنت الكمال (740) (2) :
هي أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية.
قال الذهبي: (تفردت بأجزاء بالسماع، وبنحو من وقر جمل بالإجازات، وروت شيئًا كثيرًا وكتبًا كبارًا، وتزاحم عليها الطلبة، وكانت خيرة دينة لطيفة الأخلاق، وحسنة التودد طويلة الروح على الطلبة، ربما سمعوا عليها أكثر النهار ... الخ) .
وقال أيضًا: (نزل الناس بموتها درجة، فإنها خاتمة من روى بالإجازة عن أصحاب السلفي وشهدة، فأثابها الله تعالى وجزاها عنا خيرًا) .
وسبقت عبارة ابن رجب في ذكرها ضمن شيوخ المُتَرْجَم.
* * *
__________
(1) ترجمته في: " ذيل العبر " للحسيني (166) ، " الدرر الكامنة " لابن حجر (1/178) .
(2) ترجمتها في: " ذيل تاريخ الإسلام " للذهبي (468) ، " الدرر الكامنة " لابن حجر (2/117) .(المقدمة/104)
محفوظاته:
قال الصفدي في " الوافي " (2/161) و" أعيان العصر " (4/274) : (حفظ كتبًا، منها: " أرجوزة الخويي في علم الحديث "، و" الشاطبية "، و" الرائية "، و" المقنع "، و" مختصر ابن الحاجب ") .
* * *
ثناء العلماء عليه:
لقد تتابع أهل العلم بالثناء على الحافظ ابن عبد الهادي، فأثنى عليه مشايخه وأقرانه ومن في طبقة تلاميذه فضلاً عمن أتى من بعدهم، وسوف نسوق في هذه الفقرة بعضًا من ثناء العلماء عليه:
1 - الحافظ المزي:
وهو من شيوخه، قال ابن ناصر الدين في " الرد الوافر " (ص: 230) : (ولقد كتب الحافظ أبو الحجاج المزي على كتاب " ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية " تأليف ابن عبد الهادي، ما صورته: كتاب مختصر في ذكر حال الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، وذكر بعض مناقبه ومصنفاته رضي الله تعالى عنه، جمع الشيخ الإمام الحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي، أدام الله النفع بفوائده) .
وقال الحافظ ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/332) : (قال المزي: ما التقيت به إلا واستفدت منه) .(المقدمة/105)
2 - الحافظ الذهبي:
وهو من شيوخه أيضًا، قال عنه في كتابه " المعجم المختص " (رقم: 254) : (الفقيه البارع، المقرئ المجود، المحدث الحافظ، النحوي الحاذق، صاحب الفنون) .
وقال أيضًا: (سمع الكثير ... وعني بفنون الحديث ومعرفة رجاله، وذهنه مليح، وله عدة محفوظات وتواليف وتعاليق مفيدة، كتب عني واستفدت منه، والله يصلحه ويسعده) .
وقال في " تذكرة الحفاظ " (4/1508) : (وسمعت من الإمام الأوحد الحافظ ذي الفنون شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي ... واعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وتصدى للإفادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصول والنحو، وله توسع في العلوم وذهن سيال) .
وقال الحسيني في " ذيل التذكرة " (ص: 49) و" ذيل العبر " (ص: 132) : (وسمعت شيخنا الذهبي يقول يومئذ (1) - وهو يبكي -: ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه رحمه الله تعالى) (2) .
3 - الحافظ الحسيني:
قال في " ذيل تذكرة الحفاظ " (ص: 49) : (الإمام العلامة شمس الدين ... اعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وصنف وتصدر للإفادة والاشتغال في
__________
(1) أي: يوم وفاته.
(2) وقفنا على كلمة في ترجمة شعبة بن الحجاج من " السير " للذهبي (7/227) يقول فيها: (آخر الترجمة سردها علي ابن عبد الهادي الحافظ في سنة: 733) ا. هـ.(المقدمة/106)
القراءات والحديث والفقه والأصلين والنحو واللغة) .
وذكر في " ذيل العبر " (ص: 132) نحو ما سبق وزاد: (كان رأسًا في القراءات والحديث والفقه والتفسير والأصلين واللغة والعربية) .
4 - صلاح الدين الصفدي:
قال في " الوافي " (2/161) : لو عُمّر لكان يكون من أفراد الزمان، رأيته يواقف الشيخ جمال الدين المزي ويرد عليه في الرجال، واجتمعت به غير مرة، وكنت أسأله أسئلة أدبية وأسئلة نحوية فأجده كأنه كان البارحة يراجعها لاستحضاره ما يتعلق بذلك، وكان صافي الذهن، جيد البحث، صحيح النظر) .
وقال في " أعيان العصر " (4/273) : (الشيخ الإمام الفاضل المتفنن الذكي النحرير ... كان ذهنه صافيًا، وفكره بالمعضلات وافيًا، جيد المباحث، أطرب في نقله من المثاني والمثالث، صحيح الانتقاد، مليح الأخذ والإيراد، قد أتقن العربية، وغاص في لجتها على فوائدها ونكتها الأدبية، وتبحر في معرفة أسماء الرجال، وضيق على المزي فيها المجال ... كان من أفراد الزمان، رأيته يواقف شيخنا جمال الدين المزي ويرد عليه في أسماء الرجال، واجتمعت به غير مرة، وكنت أسأله أسئلة أدبية وأسئلة عربية فأجده فيها سيلاً يتحدر، ولو عاش كان عجبًا) .
5 - الحافظ ابن كثير:
وهو من أقرانه، قال في كتابه " البداية والنهاية " (14/210) - تحت وفيات سنة (744) -: (صاحبنا الشيخ الإمام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم.... لم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار، وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والأصلين والتاريخ(المقدمة/107)
والقراءات، وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة، وكان حافظًا جيدًا لأسماء الرجال وطرق الحديث، عارفًا بالجرح والتعديل، بصيرًا بعلل الحديث، حسن الفهم له، جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيمًا على طريقة السلف، واتباع الكتاب والسنة، مثابرًا على فعل الخيرات) ا. هـ.
6 - الحافظ ابن رجب:
قال في " ذيل الطبقات " (5/116) : (المقرئ، الفقيه، المحدث الحافظ، الناقد، النحوي، المتفنن ... قرأ بالروايات وسمع الكثير ... وعني بالحديث وفنونه، ومعرفة الرجال والعلل، وبرع في ذلك، وتفقه في المذهب وأفتى، وقرأ الأصلين (1) والعربية وبرع فيها) .
7 - الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي:
قال عنه في " الرد الوافر " (ص: 63) : (الشيخ، الإمام، العلامة، الحافظ، الناقد، ذو الفنون، عمدة المحدثين، متقن المحررين) .
وقال أيضًا: (قرأ القرآن العظيم بالروايات، وسمع ما لا يحصى من المرويات ... ورافق الحفاظ والمحدثين، وعني بالحديث وأنواعه، ومعرفة رجاله وعلله، وتفقه وأفتى، ودرس وجمع وألف، وكتب الكثير وصنف، وتصدى للإفادة والاشتغال في فنون من العلوم) .
وقال أيضًا: (وكان إمامًا في علوم: كالتفسير، والقراءات، والحديث، والأصول، والفقه، واللغة العربية) .
__________
(1) أي: أصل الدين وأصل الفقه.(المقدمة/108)
8 - ابن قاضي شهبة:
قال في "تاريخه" (2/ الجزء الأول من المخطوط ص: 394) : (الحافظ الإمام الأوحد العلامة ... جمع بين الفقه والحديث والعربية، وبرع في معرفة العلل والإسناد، حتى كان شيخه المزي يقر له بذلك، وكتب الكثير بخطه الحسن، وصنف التصانيف البديعة الحسنة) .
9 - الحافظ ابن حجر:
قال في " الدرر الكامنة " (3/331) : (أحد الأذكياء ... مهر في الحديث والأصول والعربية وغيرها) .
* * *
مصنفاته:
يُعَدُّ الحافظ ابن عبد الهادي من المكثرين من التأليف والمتفننين فيه.
قال ابن المبرد في " الجوهر المنضد " (ص: 55) تحت ترجمة عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي (أخو صاحب الكتاب) : (له كتاب في أسماء مصنفات أخيه شمس الدين) ا. هـ ولم نقف على هذا المؤلف.
وقد اعتنى من ترجم للحافظ ابن عبد الهادي بذكر مؤلفاته، وكان من أكثرهم عناية بذلك الحافظ ابن رجب في " ذيل طبقات الحنابلة " (1) والحافظ ابن
__________
(1) قال ابن العماد في " شذرات الذهب " (6/141) : (عد له ابن رجب في طبقاته ما يزيد على =(المقدمة/109)
قاضي شهبة في "تاريخه"، وكل من ترجم للحافظ ابن عبد الهادي بعدهما - فيما وقفنا عليه - لم يزد على ما ذكراه شيئًا من الأسماء، وإن كان قد يوجد عندهم بعض المعلومات المفيدة حول بعض الكتب، لذا سوف نذكر قائمة بأسماء الكتب التي ذكرها ابن رجب وابن قاضي شهبة مرتبة على حروف المعجم، مع ذكر ما عندهما من وصف لهذه الكتب، ونضيف إلى ذلك ما وجدناه عند غيرهما من معلومات حول كتب الحافظ ابن عبد الهادي. كما سنضيف ما وقفنا عليه من أسماء بعض الكتب الأخرى التي لم يذكرها المترجمون له، ومن هذه الكتب ما هو مطبوع، ومنها ما هو مخطوط وقد ثبتت نسبته للحافظ ابن عبد الهادي، ومنها ما ذكره هو نفسه في بعض كتبه، ومنها ما ينقل عنه العلماء في كتبهم ولم يوقف عليه.
1 - الأحكام الكبرى.
ذكره الصفدي في " الوافي " (2/161) وقال: (ولم يكمل، قيل لي: إنه في ثمان مجلدات) .
وذكره ابن رجب أيضًا (5/117) ووصفه بأنه مرتب على أحكام الحافظ الضياء، وقال: (كمل منها سبع مجلدات) .
__________
= سبعين مصنفًا، يبلغ التام منها ما يزيد على مائة مجلد) .
وقد اعتمدنا على طبعة مؤرخ الحنابلة الشيخ / عبد الرحمن العثيمين، إلا أنه وقع فيها سقط مطبعي بمقدار سطرين في أثناء ذكره لمؤلفات المنقح (5/118) فرجعنا في هذا الموضع إلى طبعة الشيخ / محمد حامد الفقي، ونسوق العبارة الساقطة هنا ليستدركها من كانت عنده طبعة الشيخ / عبد الرحمن، (الكلام على أحاديث البحر هو الطهور ماؤه جزء كبير، الكلام على أحاديث القلتين جزء، الكلام على حديث معاذ في الحكم بالرأي جزء كبير، الكلام على حديث أصحابي كالنجوم جزء، الكلام على حديث أبي سفيان) . وقد ميزنا الكلام الساقط بالتسويد.(المقدمة/110)
وذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) فقال: (الأحكام الكبير على أحكام الضياء، عشر مجلدات، كمل منها سبع مجلدات) .
وذكره ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/332) وقال: (في ثمان مجلدات) .
ولعل هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف النسخ، والله أعلم.
وأحال عليه المنقح في كتابه هذا: (2/538) .
ونقل عنه ابن حجر في "التلخيص" (2/7) ، و" لسان الميزان " (1/564) .
2 - أحاديث الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكره ابن رجب (5/118) ووصفه بأنه جزء.
3 - أحاديث حياة الأنبياء في قبورهم.
ذكره ابن رجب (5/120) ووصفه بأنه جزء.
4 - اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية.
له طبعتان:
الأولى: بتحقيق / سامي بن محمد بن جادالله، صدرت سنة (1424) عن دار عالم الفوائد بمكة، ضمن سلسلة (آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال) .
الثانية: بتحقيق / حسين بن عكاشة، صدرت عن دار الفاروق الحديثة بمصر.
5 - الأعلام في ذكر مشايخ الأئمة الأعلام (أصحاب الكتب الستة) .(المقدمة/111)
ذكره ابن رجب (5/119) ووصفه بأنه في عدة أجزاء.
6 - إقامة البرهان على عدم وجوب صوم يوم الثلاثين من شعبان.
ذكره ابن رجب (5/120) ، ووصفه بأنه جزء.
وله ثلاث طبعات:
الأولى: سنة (1382) صدرت عن المكتب الإسلامي.
الثانية: صدرت عن دار البخاري للنشر والتوزيع، وهي ليست بين أيدينا عند كتابة هذه المقدمة.
الثالثة: صدرت عن دار الوطن سنة (1418) بتحقيق / سامي بن محمد ابن جادالله.
7 - التذكرة.
هو من موارد المناوي في كتابه "فيض القدير" (1/70، 540؛ 3/ 345) ، ويبدو أنه كتاب فيه فوائد منوعة من جنس " تذكرة ابن القيم " (بدائع الفوائد) .
- ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية " العقود الدرية ".
8 - تعليق على كتاب "الضعفاء" لابن الجوزي.
ينظر "التنقيح" (2/637) .
9 - تعليقة (1) في الثقات.
__________
(1) كذا في مطبوعة " ذيل الطبقات " ومطبوعة "التاريخ" لابن قاضي شهبة.(المقدمة/112)
ذكره ابن رجب (5/118) وقال: (كمل منه مجلدان) .
وقال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /396) : (مجلدات عدة، كمل منها اثنان) .
10 - تعليقة على " سنن البيهقي الكبرى ".
ذكره ابن رجب (5/119) وقال: (كمل منها مجلدان) .
وذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) ، وقال: (كمل منه مجلدان، ولو كمل لكان في عشرين مجلدًا) .
11 - تعليقة على " التسهيل " في النحو.
قال الصفدي في " أعيان العصر " (4/274) : (وعلَّق على التسهيل مجلدتين، وتأذى بذلك منه أبو العباس الأندرشي (1)) .
وذكره ابن رجب (5/120) ، وقال: (كمل منها مجلدان) .
وقال ابن حجر: (وشرح " التسهيل " في مجلدين) .
12 - تعليقة على "العلل" لابن أبي حاتم.
ذكره ابن رجب (5/120) ، وقال: (كمل منها مجلدان) .
وقد وصلنا نصف المجلد الأول من هذا الكتاب بخط الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله -، وقد طبع هذا الكتاب طبعتان:
__________
(1) هو من شيوخ ابن عبد الهادي، وله كتاب في " شرح التسهيل " كما سبق قريبًا.(المقدمة/113)
الأول: بتحقيق / مصطفى أبو الغيط وإبراهيم فهمي، صدرت سنة (1422) عن دار الضياء بمصر، باسم: " شرح علل ابن أبي حاتم "، وسماه بهذا الاسم ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) .
والثانية: بتحقيق / سامي بن محمد بن جادالله، صدرت سنة (1423) عن دار أضواء السلف بالرياض، بالاسم الذي سماه به الحافظ ابن رجب.
ونشير هنا إلى أن النسخة التي طبع عنها الكتاب في كلا الطبعتين واحدة، ولكن حصل خلل في ترتيب أوراقها، فجاء أول النسخة في نصفها الأخير قبل الورقة الأخيرة من المجلد، فتم إصلاح هذا الخلل في الطبعة الثانية دون الطبعة الأولى، ومن هنا نشأ الاختلاف في بداية النسخة بين الطبعتين مما سبب إشكالاً عند بعض القراء الذين لم يتنبهوا للإشارة إلى ذلك في مقدمة تحقيق الكتاب، ولذا جرى التنبيه، والله الموفق.
13 - تعليقة على " الأحكام " لأبي البركات ابن تيمية.
ذكره ابن رجب (5/120) ، وقال: (لم تكمل) .
وذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) فقال: (الكلام على أحاديث المنتقى في الأحكام، في ست مجلدات، لم يكمل) .
14 - التفسير المسند.
قال ابن ناصر الدين في " الرد الوافر " (ص: 63) : (جمع التفسير المسند، لكنه مات قبل إتمامه) .
15 - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق.
وهو كتابنا هذا.(المقدمة/114)
16 - جزء في مسافة القصر.
ذكره ابن رجب (5/119) .
17 - جزء في قول الله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} .
ذكره ابن رجب (5/119) .
18 - جزء في أحاديث الجمع بين الصلاتين في الحضر.
ذكره ابن رجب (5/119) .
19 - جزء في مولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكره ابن رجب (5/119) ووصفه بأنه كبير.
20 - جزء في المعجزات والكرامات.
ذكره ابن رجب (5/119) ووصفه بأنه كبير.
21 - جزء في تحريم الربا.
ذكره ابن رجب (5/119) .
22 - جزء في تملك الأب من مال ولده ما شاء.
ذكره ابن رجب (5/119) .
23 - جزء في العقيقة.
ذكره ابن رجب (5/119) .
24 - جزء في الأكل من الثمار التي لا حائط عليها.(المقدمة/115)
ذكره ابن رجب (5/119) .
25 - جزء في فضائل الحسن البصري رضي الله عنه.
ذكره ابن رجب (5/120) .
26 - جزء في حجب الأم بالإخوة وأنها تحجب بدون ثلاثة.
ذكره ابن رجب (5/120) .
27 - جزء في الصبر.
ذكره ابن رجب (5/120) .
28 - جزء في صفة الجنة.
ذكره ابن رجب (5/120) .
29 - جزء في المراسيل.
ذكره ابن رجب (5/120) .
وقد وقفنا على مصورة لنسخة خطية أصلها محفوظ بالمكتبة الأزهرية برقم (1963) ، وعنوانها: (المراسيل) منسوبة لابن عبد الهادي، وبعد الاطلاع عليها وجدنا فيها شرحًا لكلام الإمام الشافعي حول المرسل، ونص الكلام موجود بحروفه في " الصارم المنكي " (141) ، فيحتمل أن يكون هذا هو الجزء المقصود، ويحتمل أن يكون غيره، والله أعلم.
30 - جزء في مسألة الجد والإخوة.
ذكره ابن رجب (5/120) ، وقد ذكر المنقح هنا (4/268) أنه كتب في(المقدمة/116)
هذه المسألة عدة كراريس.
31 - جزء في الكلام على حديث: " أفرضكم زيد ".
ذكره ابن رجب (5/120) .
وله نسخة خطية محفوظة في المكتبة الأزهرية تحت الرقم (1963) ، وسوف يطبع قريبًا إن شاء الله تعالى.
32 - جزء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ذكره ابن رجب (5/120) .
33 - جزء في الرد على أبي حيان النحوي فيما رده على ابن مالك وأخطأ فيه.
ذكره ابن رجب (5/120) .
قال ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/332) : (وله مناقشات لأبي حيان فيما اعترض به على ابن مالك في " الألفية ") .
34 - جزء في اجتماع الضميرين.
ذكره ابن رجب (5/120) .
35 - جزء في تحقيق الهمز والإبدال في القراءات.
ذكره ابن رجب (5/120) .
36 - جزء في الكلام على حديث ابن عمر: " إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين قبل المكتوبة ".(المقدمة/117)
أشار إليه في كتابه هذا: (2/381) .
- جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة = رسالة لطيفة.
37 - حواش على كتاب "الإلمام".
ذكره ابن رجب (5/120) ، وذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) وقال في وصفه: (حواش كثيرة نحو مجلد على كتاب "الإلمام"، مفيد) .
38 - حواش على كتاب "تحفة الأشراف" للمزي.
انظر: هامش مطبوعة "تحفة الأشراف": (1/36، 225؛ 2/240) .
وهي من موارد الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف "، انظر: (5/248، 355، 426 - 427، 7/19، 203؛ 8/148؛ 9/280) .
39 - حواش على كتاب "تهذيب الكمال" للمزي:
انظر: "تهذيب التهذيب" لابن حجر: (1/66؛ 3/144؛ 5/ 308؛ 7/108؛ 9/335؛ 12/22) .
و" الإصابة " لابن حجر (7/36) .
40 - حواش على كتاب " المقنع " لابن قدامة:
ذكرها المرداوي في " الإنصاف " (6/33) .
41 - حواش على " ميزان الاعتدال " للذهبي.
نقل عنها الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان " (انظر: 3/11، 462؛ 4/97، 684؛ 5/153؛ 7/660، 672) ، و" تعجيل المنفعة "، (انظر: 2/(المقدمة/118)
463، 471) (1) .
42 - الرد على أبي بكر الخطيب الحافظ في مسألة الجهر بالبسملة.
ذكره ابن رجب (5/117 - 118) ووصفه بأنه مجلد.
وانظر: "التنقيح": (2/199) .
43 - الرد على إلكيا الهراسي.
ذكره ابن رجب (5/119) ، ووصفه بأنه جزء كبير.
44 - الرد على ابن دحية.
ذكره ابن رجب (5/121) .
45 - الرد على ابن طاهر.
ذكره ابن رجب (5/121) .
وقد نقل السيوطي في " مرقاة الصعود " - كما في " عون المعبود " (13/ 267 - 268) - كلامًا عن ابن عبد الهادي في الرد على ابن طاهر، لعله من كتابه هذا، والله أعلم.
46 - رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة.
هذا جزء صغير له، وقد ذكر فيه جملة من الأحاديث التي تروج على أهل التفسير والفقه والزهد والنظر وهي ليست بصحيحة، ونقل أكثرها عن شيخه
__________
(1) بعض هذه المواضع يحتمل أنها منقولة من غير حواشيه على "الميزان"، والله أعلم.(المقدمة/119)
ابن تيمية، وأضاف لها عددًا منها، وله تعليقات على بعضها، وفي الجزء أيضًا كلام حول بعض مسائل علوم الحديث.
وله طبعتان:
الأولى: بتحقيق الشيخ الفاضل / محمد عيد عباسي، نشرت الطبعة الثانية منها سنة (1404) عن دار الثقافة للجميع بدمشق، وهو من سمها بالاسم السابق.
الثانية: بتحقيق الشيخ الفاضل / حمدي بن عبد المجيد السلفي، نشرت ضمن مجلة " الحكمة " في عددها (22) سنة (1422) ، وقد ذكر المحقق - وفقه الله - أن النسخة التي اعتمدها فيها زيادة (60) حديثًا على النسخة التي اعتمدها الشيخ / محمد عيد في طباعة الكتاب، وقد سمى الكتاب باسم " جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ".
- زوال الترح = شرح قصيدة ابن فرح.
- شرح العلل لابن أبي حاتم = تعليقة على العلل.
47 - شرح قصيدة ابن فرح الأشبيلي " غرامي صحيح ":
طبع هذا الشرح سنة (1423) ، بتحقيق الشيخ / عمر الحفيان، عن دار الفلاح بمصر، وقد ذكر المحقق - وفقه الله - في مقدمته (ص: 6) أن أحد المستشرقين طبع في سنة (1885م) أجزاء من هذا الشرح في غضون تعليقه على شرح " زوال الترح " لابن جماعة، وأن هذا أحدث عند بعض الباحثين المعاصرين لبسًا فظنوا أن كتاب ابن عبد الهادي اسمه " زوال الترح ".(المقدمة/120)
48 - شرح لامية ابن مالك (1) .
ذكره ابن رجب (5/120) ، ووصفه بأنه جزء.
49 - الصارم المنكي في الرد على السبكي.
ذكره ابن رجب (5/118) ولم يسمه، بل قال وهو يعدد مؤلفات ابن عبد الهادي: (مصنف في الزيارة، مجلد) .
وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات أجودها الطبعة التي حققها الشيخ المحقق العلامة: إسماعيل بن محمد الأنصاري - رحمه الله تعالى -.
وقال الشيخ العلامة نعمان الألوسي في " جلاء العينين " (48) عن هذا الكتاب: (وهو كتاب يدل على اطلاعه في الرجال وغزارة علمه) .
وقال الشيخ العلامة بكر أبو زيد في " معجم المناهي اللفظية " (290) : (كتاب " الصارم المنكي في الرد على السبكي " كتاب جليل القدر، غزير العلم، جم الفوائد، وعندي أنه أربى على كثير من كتابات شيخيه شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم - رحمهم الله تعالى -) ا. هـ.
__________
(1) وقع في طبعة الشيخ / محمد حامد الفقي من " ذيل الطبقات ": (ألفية ابن مالك) ، وجاءت في طبعة مؤرخ الحنابلة الشيخ /عبد الرحمن بن سليمان العثيمين: (لامية ابن مالك) وعلق عليها بقوله: (في " ط " و" أ ": " ألفية ابن مالك " وهذا لا يمكن، ونتيجة لهذا الخطأ ذكر كثير ممن كتب عن ابن عبد الهادي أو عدَّد مؤلفاته أنه شرح " الألفية " وهذا لا يصح مع قوله: " جزء "، لكن ذلك يصدق على " شرح اللامية "، والمقصود " لامية الأفعال "، واللفظة واضحة في بقية النسخ لا لبس فيها) . ا. هـ كلامه، وجزاه الله خيرًا على جهوده المباركة في تحقيق كتب أهل العلم، والتنبيه على مثل هذه الدقائق.(المقدمة/121)
وهذا الكتاب هو رد على كتاب " شفاء السقام " للسبكي، ولكن الحافظ ابن عبد الهادي توفي قبل إتمامه، وقد عمل على إكماله الشيخ محمد بن سليمان الفقيه في كتاب سماه " الكشف المبدي لتمويه أبي الحسن السبكي تكملة الصارم المنكي "، وقد طبع سنة (1422) عن دار الفضيلة بالرياض.
50 - صلاة التراويح.
ذكره ابن رجب (5/120) ، ووصفه بأنه جزء كبير.
51 - طبقات الحفاظ.
هذا الكتاب مطبوع باسم " طبقات علماء الحديث "، بتحقيق: أكرم البوشي، وطبع سنة (1409) عن مؤسسة الرسالة.
وكثر الجدل حول اسم هذا الكتاب وحقيقته، والذي نرى أن أولى الأسماء به وأصدقها " طبقات الحفاظ " فقد سماه بذلك عالم جليل من علماء الحديث وهو الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في موضعين من كتابه " الرد الوافر " (65، 109) .
والذي يقرأ هذا الكتاب بتأن ويوازن بينه وبين كتاب " تذكرة الحفاظ " للذهبي يجد بينهما فروقًا كثيرة، تخرج كتاب ابن عبد الهادي عن أن يكون مجرد اختصار لكتاب الحافظ الذهبي، وشرح ذلك له موضع آخر إن شاء الله تعالى.
وقال الصفدي في " الوافي " (2/161) و" أعيان العصر " (4/274) : (وعمل تراجم الحفاظ) ، ولعله يقصد هذا الكتاب، والله أعلم.
- طبقات علماء الحديث = طبقات الحفاظ.
52 - الطرفة في النحو.(المقدمة/122)
له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية، وسوف يطبع قريبًا إن شاء الله تعالى.
وذكره صاحب " كشف الظنون " (2/1111) ووصفه بأنه: (مختصر كالكافية) .
وقال عنه مؤرخ الحنابلة الشيخ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين في تعليقه على " الجوهر المنضد " (ص 19) : (وللحنابلة به اعتناءٌ، وقد يسر الله لي الاطلاع عليه - وهو مختصر جدًّا - ضمن مجموع في المكتبة الأزهرية) .
وقد نظم " الطرفة " إسماعيل بن محمد بن بَرْدَس البعلي الحنبلي (ت: 786) كما في " الجوهر المنضد " لابن المبرد (ص 19) .
53 - العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية.
ذكره ابن رجب (5/119) باسم: (ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية) ، ووصفه بأنه في مجلد.
وقد طبع عدة طبعات، ولازال الكتاب بحاجة إلى إعادة تحقيق وخدمة علمية تليق به.
وقال الشيخ العلامة بكر أبو زيد في تقديمه لكتاب " الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية ": (كما كانت ترجمته - أي: ابن تيمية - لتلميذه ابن عبد الهادي في كتابه " مختصر طبقات علماء الحديث " هي أوفى التراجم، فإن كتابه المفرد " العقود الدرية " ترجع إليه الكتب المفردة الأخرى، وأرى إعادة تحقيق وطبع: " العقود الدرية " ويضم إليه ما زاد عليه من كتب التراجم المفردة المذكورة تحشية في محلها المناسب من هذا الكتاب، حتى يغني عنها) ا. هـ.
ويقوم الآن الشيخ الفاضل / علي بن محمد العمران - وفقه الله - على(المقدمة/123)
تحقيق كتاب " العقود الدرية " يسر الله طبعه.
54 - فصل النزاع بين الخصوم في الكلام على حديث " أفطر الحاجم والمحجوم ".
ذكره ابن رجب (5/118) ووصفه بأنه مجلد لطيف.
55 - فضائل الشام.
ذكره ابن رجب (5/120) ، ووصفه بأنه جزء.
وطبع بتحقيق: مجدي فتحي السيد، وصدر عن دار الصحابة بمصر.
56 - العلل على ترتيب كتب الفقه.
قال الحافظ ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/332) : (وشرع في كتاب العلل على ترتيب كتب الفقه، وقفت منه على المجلد الأول) .
وهل هذا الكتاب الذي يشير إليه ابن حجر هو نفسه " تعليقة على العلل لابن أبي حاتم "؟ الله أعلم، وانظر مقدمة التحقيق لكتاب " تعليقة على العلل " (ص: 106 - 108) .
57 - العمدة في الحفاظ.
ذكره ابن رجب (118) وقال: (كمل منه مجلدان) .
وقال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) : (مجلدان) ولم يذكر أنه لم يكتمل.
والذي يبدو أنه غير كتابه " طبقات الحفاظ "، والله أعلم.(المقدمة/124)
58 - الكافي في الجرح والتعديل.
ذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) وقال: (مجلدان، كمل الأول) .
59 - الكلام على أحاديث مس الذكر.
ذكره ابن رجب (5/118) ووصفه بأنه كبير.
60 - الكلام على حديث: " البحر هو الطهور ماؤه ".
ذكره ابن رجب (5/118) ووصفه بأنه جزء كبير، وقد أشار إليه المنقح في كتابه هذا (1/12) .
61 - الكلام على حديث القلتين.
ذكره ابن رجب (2/437 ط: الفقي) ووصفه بأنه جزء. وأشار إليه المنقح هنا: (1/19) .
62 - الكلام على حديث معاذ في الحكم بالرأي.
ذكره ابن رجب (2/437 ط: الفقي) ووصفه بأنه جزء كبير.
63 - الكلام على حديث: " أصحابي كالنجوم ".
ذكره ابن رجب (2/437 ط: الفقي) ووصفه بأنه جزء.
64 - الكلام على حديث أبي سفيان: (ثلاث أعطيتهن يا رسول الله) والرد على ابن حزم في قوله: إنه موضوع.
ذكره ابن رجب (5/118) .(المقدمة/125)
65 - الكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب.
ذكره ابن رجب (5/118) وقال: (مختصر ومطول) ، وهذا يفيد أن الحافظ ابن عبد الهادي له كتابان في تخريج أحاديث المختصر، أحدهما مختصر والآخر مطول. وانظر: "المعتبر" للزركشي (ص: 183) و"موافقة الخبر الخبر" لابن حجر (2/169) .
66 - الكلام على أحاديث كثيرة فيها ضعف من "المستدرك" للحاكم.
ذكره ابن رجب (5/118) .
67 - الكلام على أحاديث الزيارة.
ذكره ابن رجب (5/118) ووصفه بأنه جزء، وغاير بينه وبين مصنف ابن عبد الهادي في الزيارة (الصارم المنكي) ، فالذي يبدو - والله أعلم - أنه غيره، وقد يكون النواة الأولى لكتابه " الصارم المنكي " الذي لم يكتمل كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
68 - الكلام على أحاديث محلل السباق.
ذكره ابن رجب (5/119) ووصفه بأنه جزء.
69 - الكلام على حديث: "الطواف بالبيت صلاة".
ذكره ابن رجب (5/119) .
وقد نقل المناوي في "فيض القدير" (4/292) عن ابن عبد الهادي كلامًا في بيان معنى هذا الحديث.
70 - الكلام على أحاديث لبس الخفين للمحرم.(المقدمة/126)
ذكره ابن رجب (5/120) .
71 - الكلام على مسألة الاستواء على العرش.
طبع بتحقيق الشيخ: ناصر بن سعود السلامة، عن دار الفلاح بمصر.
72 - ما أخذ على تصانيف أبي عبد الله الذهبي الحافظ.
ذكره ابن رجب (5/120) ووصفه بأنه في عدة أجزاء.
73 - المحرر في الأحكام.
ذكره ابن رجب (5/118) ووصفه بأنه مجلد.
وقال ابن ناصر الدين في " الرد الوافر " (ص: 63) : (مختصر مفيد جدًا) .
وقال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) : (مجلد اختصره من "الإلمام") ، وذكر المحقق أنه وقع في نسخة زيادة كلمتين غير بينتين، صورتهما: (وحذوه حدا) .
قلنا: ولعل العبارة: (وحذا حذوه) ، ولكن حصل فيها تقديم وتأخير، والله أعلم.
قال ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/332) : (اختصره من "الإلمام" فجوده جدًا) .
وطبع الكتاب عدة مرات، ولعل أجودها الطبعة التي حققها: عادل
الهديا، ومحمد علوش، وصدرت سنة (1422) عن دار العطاء بالرياض.
وقد شرح هذا الكتاب أبو بكر بن علي بن محمد المعروف بـ " ابن(المقدمة/127)
الحريري " (ت: 851) وهو من فقهاء الشافعية، وسمى شرحه " تحرير (1) المحرر في شرح حديث النبي المطهر "، ويقع في اثني عشر مجلدًا، ومنه نسخة في دار الكتب المصرية، وبعضه في خزانة شستربتي (2) .
كما شرع في شرحه الحافظ ابن حجر العسقلاني، قال السخاوي في " الجواهر والدرر " (2/676) - وهو يعدد شروح الحافظ -: (" المقرر في شرح المحرر "، لابن عبد الهادي، كتب منه قطعة في الدروس، ثم تشاغل عنه بشرح البخاري، ولو كمل لكان قدر خمس مجلدات) .
وقال في موضع آخر (3/1217) - عندما ذكر سبط الحافظ ابن حجر: يوسف بن شاهين -: (وشرع في شرح " بلوغ المرام " وكأنه اعتمد على القطعة التي عملها جده من " شرح المحرر " لابن عبد الهادي) .
وقد اطلعنا في مكتبة جامعة الملك عبد العزيز بجدة على قطعة من شرح يوسف بن شاهين على أول " البلوغ "، وقد سماه " منحة الكرام شرح بلوغ المرام " (3) .
ويوجد لعدد من المعاصرين شروح عليه، ولشيخنا المحدّث / عبد الله بن عبد الرحمن السعد أمالي عليه يسر الله طبعها.
74 - مختصر الروض الأنف.
ذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) ، وقال: (في عدة أجزاء، مفيد) .
__________
(1) كذا في " الأعلام " للزركلي، وفي مطبوعة " الضوء اللامع ": (تخريج) .
(2) انظر: " الضوء اللامع " للسخاوي (11/57) ، و" الأعلام " للزركلي (2/68) .
(3) وقد ذكر ذلك أيضًا السخاوي في " الضوء اللامع " (10/315) .(المقدمة/128)
- مصنف في الزيارة = الصارم المنكي.
75 - مناقب الأئمة الأربعة.
ذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) ، وقال: (مجلد صغير مفيد) .
وطبع بتحقيق الشيخ / سليمان بن مسلم الحرش، سنة (1416) عن دار المؤيد بالرياض.
76 - منتخب من " تفسير ابن أبي حاتم ".
ذكره ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /395) ، وقال: (لم يكمل) .
77 - منتخب من "مسند الإمام أحمد".
ذكره ابن رجب (5/120) ، ووصفه بأنه في مجلدين.
78 - منتخب من "سنن البيهقي".
ذكره ابن رجب (5/120) ، ووصفه بأنه في مجلد.
79 - منتخب من "سنن أبي داود".
ذكره ابن رجب (5/120) ، ووصفه بأنه في مجلد لطيف.
80 - منتقى من "تهذيب الكمال" للمزي.
ذكره ابن رجب (5/119) ، وقال: (كمل منه خمسة أجزاء) .
81 - منتقى من " علل الدارقطني ".(المقدمة/129)
ذكره ابن رجب (5/120) ، ووصفه بأنه مجلد.
82 - منتقى من "مختصر المختصر" لابن خزيمة ومناقشته على أحاديث أخرجها فيه فيها مقال.
ذكره ابن رجب (5/118) ووصفه بأنه مجلد.
هذه بعض مؤلفات الحافظ ابن عبد الهادي، وله غيرها فقد قال ابن رجب بعد أن ذكر معظم الكتب السابقة: (وله رد على ابن طاهر، وابن دحية، وغيرهما، وتعاليق كثيرة في الفقه وأصوله والحديث، ومنتخبات كثيرة في أنواع العلم) .
بل قال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /396) : (وله مصنفات أخر كثيرة سردناها في أصل هذا التاريخ في نحو ورقتين) .
* * *
تدريسه وتلاميذه:
قال ابن كثير في " البداية والنهاية " (18/422) : (وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين منه - يعني من شهر جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين وسبعمائة - درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون = الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي، في التدريس البَكتَمُري، عوضًا عن القاضي برهان الدين الزرعي، وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة، ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ) ا. هـ.
وقال الحسيني في " ذيل التذكرة " (ص: 50) : (وولي مشيخة الحديث(المقدمة/130)
بالضيائية والغياثية ودرس بالمدرسة المنصورية وغيرها) .
وقال في " ذيل العبر " (ص: 132) : (ودرس بالمدرسة الصدرية، وولي مشيخة الضيائية والصبابية ... تخرج به خلق، وروى الذهبي عن المزي عن السروجي عنه (1)) .
وقال ابن رافع في " الوفيات " (1/459) : (وتولى مشيخة الحديث بالضيائية بالصالحية، وبدمشق بالصدرية) .
وقال ابن قاضي شهبة في "تاريخه" (2/ج1 من المخطوط /394) : (ولي مشيخة الحديث بالضيائية وبالصدرية) .
وقال الصفدي في " الوافي " (2/161) : (وكان أخيرًا قد نزل عن وظائفه بالمدارس ليلازم الاشتغال والعمل) .
وقال أيضًا في " أعيان العصر " (4/274) : (نزل أخيرًا عما بيده من المدارس، وعدها من الأطلال الدوارس ليكون مفرغًا للإشغال، ويترك ما هو دون ويأخذ ما هو غال) .
ولم تذكر الكتب التي ترجمت لابن عبد الهادي شيئًا عن تلاميذه، ولكن بذل الشيخ الفاضل / عامر حسن صبري - وفقه الله - جهدًا كبيرًا في جمع بعض العلماء الذين ذكر في تراجمهم أنهم أخذوا عن الحافظ ابن عبد الهادي، وذلك في مقدمة تحقيقه للقسم الأول من كتاب "التنقيح" (1/77 - 84) .
وقال الشيخ العلامة إسماعيل الأنصاري رحمه الله: (ويكفي من إقبال
__________
(1) وقد عد الشوكاني في " البدر الطالع " (2/108) هذا من الغرائب.(المقدمة/131)
أهل العلم المعتبرين على السماع منه = سماع أئمة الحفاظ: أبي الحجاج المزي، والذهبي، والسروجي) .
* * *
وفاته:
مرض قريبًا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سُل، ثم تفاقم أمره، وأفرط به إسهال، وتزايد ضعفه، إلى أن توفي يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى من سنة أربع وأربعين وسبعمائة، قبل أذان العصر، ولم يبلغ الأربعين.
قال ابن كثير في " البداية " (14/210) : (أخبرني والده أن آخر كلامه أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) ا. هـ.
وصلي عليه صبيحة يوم الخميس بالجامع المظفري، وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة، وكانت جنازته حافلة مليحة، عليها ضوء ونور، ودفن بسفح قاسيون، وتأسف عليه الناس، ورئيت له منامات حسنة، رحمه الله تعالى.
* * *(المقدمة/132)
الفصل الثاني
التعريف بالكتاب
1. اسم الكتاب وإثبات نسبته.
2. عمل المنقح في الكتاب.
3. المنهج العلمي للمنقح.
4. موارد المنقح.
5. القيمة العلمية للكتاب.
6. النسخ الخطية وطبعات الكتاب السابقة.
7. خطة تحقيق الكتاب.(المقدمة/133)
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب
المبحث الأول: اسم الكتاب وإثبات نسبته.
جرت [العادة] (*) على أن يناقش المحقق في مقدمة التحقيق ما يتعلق باسم الكتاب وثبوت نسبته للمؤلف، وتتفاوت الحاجة إلى ذلك بحسب شهرة الكتاب وما يحتف به من غموض حول نسبته واسمه.
أما كتابنا هذا فقد صرح المؤلف باسمه في أول صفحة منه، فقال (1/1) : (وسميته " كتاب تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ") .
وأيضًا الأدلة متضافرة ومتنوعة على صحة نسبته لابن عبد الهادي، ومن ذلك: 1 - ما جاء على طرر النسخ الخطية.
فجاء على طرة نسخة الأصل: (كتاب تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، تأليف: الشيخ، الإمام، العالم، العلامة، فارس الحفاظ، وناقد المعاني والألفاظ، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي المقدسي، تغمده الله برضوانه آمين، وغفر لكاتبه الزركشي) .
وجاء على طرة النسخة الثانية: (كتاب تنقيح التحقيق، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي المقدسي) .
وجاء في خاتمة النسخة الأصل ما نصه: (آخر كتاب تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، والحمد لله رب العالمين.... علقه لنفسه بيده الفانية ولمن شاء الله من بعده العبد الفقير الحقير الذليل المعترف بذنبه وعصيانه المقر لله سبحانه وتعالى بفضله وامتنانه، الراجي رحمته، الخائف من عذابه، محمد بن عبد الله الزركشي، غفر الله له ولوالديه، وحشره في زمرة من أنعم عليهم بكرمه وجوده، ومنّه ويمنه، وكان الفراغ منه يوم الجمعة لست مضين من شهر جمادى الآخر
______
(*) قال معد الكتاب للشاملة: هذه الكلمة ليست في المطبوع(المقدمة/134)
سنة ست وستين وسبعمائة، والحمد لله وحده) .
2 - أن المترجمين لابن عبد الهادي قد ذكروا له كتابًا بهذا الاسم، أو بوصف ينطبق على هذا الكتاب.
ومن هؤلاء:
- ابن رجب في " ذيل الطبقات " (5/117) .
- ابن ناصر الدين الدمشقي في " الرد الوافر " (63) .
- ابن حجر في " الدرر الكامنة " (3/332) .
وغيرهم ممن ترجم له.
3 - أن منهج الكتاب موافق لمنهج ابن عبد الهادي وأسلوبه، كما سيأتي إيضاح ذلك تحت الكلام عن منهجه العلمي.
4 - أن المؤلف أحال على كتب أخرى له، هي إما موجودة أو مذكورة ضمن مؤلفاته (انظر: 1/12، 19؛ 2/381، 538، 673) .
5 - أن المؤلف نقل عن أشهر شيخين له، وهما ابن تيمية والمزي، فنقل عن ابن تيمية في المواضع التالية (1/14، 139، 144؛ 4/88، 268، 336، 364، 409؛ 5/40) ، ونقل عن المزي في المواضع التالية (1/112، 237، 272؛ 2/189، 377، 459، 466، 469، 486، 695؛ 3/78، 147، 305؛ 4/184، 252، 259) .
6 - أن هناك عددًا من العلماء قد نقلوا عن ابن عبد الهادي، وهذه النقول موجودة فيه.(المقدمة/135)
ومن ذلك:
1) الزيلعي: أكثر من النقل عنه في كتابه "نصب الراية" كما سيأتي عند الكلام عن قيمة الكتاب العلمية، ونقل عنه أيضًا في كتابه "تخريج أحاديث الكشاف" (انظر: 1/273، 299، 371؛ 2/262، 440؛ 3/149، 336) .
2) الزركشي: نقل عنه مثلاً في كتابه "المعتبر" (169) .
3) العراقي: نقل عنه في أماليه (المستخرج على المستدرك) (ص: 56) ، وفي " ذيل الميزان " (ص: 161 - رقم: 344) .
4) ابن حجر: نقل عنه في مواضع كثيرة من كتبه، منها:
- "التلخيص الحبير" (1/58، 206، 232؛ 2/143، 270؛ 4/ 185) .
- "فتح الباري" (4/122) .
- " الإصابة " (1/262) .
- " لسان الميزان " (3/649 - 650) .
5) العيني: نقل عنه في " عمدة القاري " (5/288، 295؛ 6/51، 74؛ 7/21؛ 8/155؛ 9/35، 114، 116، 280؛ 10/272؛ 12/96) .
6) السفاريني في كتابه " كشف اللثام ورشف المرام شرح عمدة الأحكام " (مخطوط) .
وغيرهم من أهل العلم كالمناوي وابن العجمي والشوكاني.
* * *(المقدمة/136)
المبحث الثاني: عمل المنقح في الكتاب
يتلخص عمل المنقح في "تنقيحه" في أمرين، هما: الاستدراك والتعقب (1) ، ويندرج تحت كل قسم صور متعددة، ونذكر منها ما يلي:
(1)
الاستدراك
1) ذكر المخرجين للحديث:
سبق أن الحافظ ابن الجوزي، ربما روى الحديث بإسناده من طريق كتاب من كتب المسانيد "مسند أحمد" (2) و"مسند عبد بن حميد"، أو من كتب السنة المتأخرة ككتب الدارقطني، والعقيلي، وابن حبان (3) ، وابن عدي، والخطيب البغدادي، وقد أكثر من الرواية عن هذه الكتب حتى في الأحاديث التي تكون في أحد الكتب الستة (الصحيحين وسنن أبي داود وجامع الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجه) دون أن يشير إلى وجوده في شيء من هذه الكتب (4) ، وهذا فيه قصور، لذا حرص المنقح عقب كل حديث من الأحاديث التي يوردها ابن
__________
(1) ويقابلهما: التقصير والوهم، وكثيرًا ما يعبر المنقح بأن المؤلف حصل له وهم وتقصير، انظر: 2/199.
(2) وهو من أصح المسانيد ولا شك، ولكن إذا كان الحديث في "الصحيحين" فالعزو إليهما مقدم لتلقي الأمة لهما بالقبول، وكذا الشأن في كتب السنة التي هي أصح من "المسند".
(3) يبدو لنا أن ابن الجوزي لم يرو شيئًا عن ابن حبان مما في صحيحه، وإنما كل رواياته عن كتابه "المجروحين".
(4) ومما ينبغي أن يلاحظ هنا أن ابن الجوزي نفسه انتقد على من سبقه مثل هذا الصنيع، بل ذكر أن هذا من أسباب تأليفه لكتابه "التحقيق" كما في مقدمته (1/4) .(المقدمة/137)
الجوزي أن يبين إن كانت في شيء من الكتب الستة، أو الكتب المتقدمة، أو الكتب التي تشترط الصحة.
وأحيانا أيضًا يكون الحديث في "الصحيحين" فيقتصر ابن الجوزي على عزوه إلى أحدهما، فيبين المنقح أنه فيهما.
2) ذكر أقوال العلماء في الحكم على الحديث:
لم يعتن الحافظ ابن الجوزي كثيرًا بذكر أقوال العلماء في الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، ولا شك أن معرفة أقوال العلماء في ذلك من الأمور المهمة في الحكم على الأحاديث، ولذا اعتنى المنقح ببيان ذلك واستدراكه، ومن الأمثلة على ذلك:
ذكر ابن الجوزي حديث القلتين (1/15 - 16) ولم يذكر أحدًا ممن صحح الحديث، وذكر المنقح (1/18) جملة ممن قوَّى هذا الحديث، ومنهم ابن معين وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي والطحاوي والخطابي، وذكر كلام ابن عبد البر وغيره فيه.
3) الترجمة لبعض الرواة غير المشهورين:
لم يعتن ابن الجوزي بالترجمة لرواة الإسناد إلا إذا كانوا متكلمًا فيهم، فإما أن يدافع عنهم، وإما يؤيد الكلام فيهم، ويكتفي بذلك، وأما الرجال غير المشهورين الذين يردون في الأسانيد والذين يحتاج إلى معرفة حالهم في الحكم على الحديث فإنه لم يعتن ببيان حالهم، ولذا أولى المنقح هؤلاء الرجال عناية كبيرة، ومن الأمثلة على ذلك:
ذكر ابن الجوزي (1/23) حديثًا من طريق الدارقطني قال: ثنا محمد بن(المقدمة/138)
الحسن الحراني ثنا علي بن أحمد الجرجاني ثنا محمد بن موسى الحرشي ثنا فضيل بن سليمان النميري عن أبي حازم عن سهل بن سعد ... وساق الحديث، ثم قال: (قال يحيى بن معين: فضيل بن سليمان ليس بثقة) .
قال المنقح: (وقال أبو زرعة في فضيل: لين الحديث. وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي. وقد أخرج له في "الصحيحين".
ومحمد بن موسى الحرشي: صدوق، تكلم فيه أبو داود ووثقه غيره.
وشيخ الدارقطني وشيخ شيخه: ثقتان، والله أعلم) .
4) ذكر أقوال العلماء في بعض الرواة:
يذكر الحافظ ابن الجوزي أحيانًا أحد الرواة وينقل كلام عالم من العلماء فيه، ويكون في هذا الراوي كلام لناقد أو أكثر - وربما كان أجل ممن ذكره ابن الجوزي، وربما كانت العبارة فيه أرفع أو أدنى مما ذكر -، فيعتني المنقح أيضًا ببيان ذلك، ومن أمثلة ذلك:
ما سبق في الفقرة السابقة من ذكر كلام أبي زرعة وأبي حاتم والنسائي في فضيل بن سليمان.
5) بيان سماع بعض الرواة من بعض:
أحيانًا يسوق ابن الجوزي بعض الأسانيد، ويُحتاج إلى التحقق من سماع أحد الرواة من شيخه، فيعنى المنقح ببيان ذلك، ومن الأمثلة عليه:
ذكر ابن الجوزي (1/260) حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان، وعلق عليه المنقح (1/268) بقوله: (قال النسائي: هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا(المقدمة/139)
الحديث. وقال الإمام أحمد: قال شعبة: لم يسمع هشام حديث أبيه في مس الذكر. قال يحيى: فسألت هشامًا، فقال: أخبرني أبي.
ورواه ابن أبي فديك عن ربيعة بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة ... فذكر الحديث، قال عروة: فسألت بسرة فصدقته.
فقد صح سماع عروة من بسرة، وسماع هشام من أبيه) .
6) ذكر الشواهد والمتابعات:
من المعلوم أن تتبع وجمع طرق الحديث من الأمور المهمة في الحكم عليه، وقد حصل للحافظ ابن الجوزي بعض القصور في ذلك، فأستدركه عليه المنقح، ومن الأمثلة:
أورد ابن الجوزي (2/404) حديثًا ضمن أدلة المخالفين، من طريق يحيى ابن إسحاق عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني، ثم أجاب عنه بقوله (2/407) : (فيه ابن لهيعة، وهو متروك) .
فتعقبه المنقح بقوله: (وأما حديث أبي تميم: فرواه غير ابن لهيعة عن ابن هبيرة، قال الإمام أحمد: ثنا علي بن إسحاق ثنا عبد الله - يعني: ابن مبارك - أنا سعيد بن يزيد حدثني ابن هبيرة ... فذكره، وسعيد بن يزيد من الثقات، ورواه يحيى الحماني عن ابن المبارك) .
هذا مثال على ذكر المتابعات، وأما ذكر الشواهد فهو كثير (1) .
__________
(1) وانظر أيضًا: 2/118، 222، 308، 333، 368، 410، 411.(المقدمة/140)
7) وصل المعلقات:
يذكر ابن الجوزي أحيانًا بعض الأحاديث بدون إسناد، فنجد المنقح يحرص على سياق أسانيد تلك الأحاديث، أو عزوها إلى المصادر المسندة، ومن أمثلة ذلك:
قال ابن الجوزي (2/600) : (وقد روى الأصحاب من حديث حذيفة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس الحرير، وأن يجلس عليه) .
فقال المنقح: (حديث حذيفة هذا الذي عزاه إلى رواية الأصحاب، قد رواه البخاري في "صحيحه"، ولفظه: قال: نهانا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه (1)) .
8) تسمية ونسبة بعض الرواة:
أحيانًا يرد اسم الراوي في الإسناد دون ذكر اسم الأب، أو مع اسم الأب ولكنه لا يعرف مع ذلك، وأحيانًا ينسب الراوي إلى جده، وأحيانًا يذكر منسوبًا وهو غير مشهور، فيعتني المنقح ببيان ذلك كله، ومن أمثلة ذلك: أورد ابن الجوزي (1/135) حديثًا من طريق محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس، فقال المنقح: (محمد بن عبد الرحمن: هو ابن أبي ليلى، وهو صدوق، وقد تكلم في حفظه، وفي طبقته: محمد بن عبد الرحمن بن عبيد مولى آل طلحة، وهو ثقة، روى له مسلم، وروى عنه شريك، لكن لا يعرف أنه روى عن عطاء) .
__________
(1) وانظر أيضًا: 2/177 - 199.(المقدمة/141)
9) ضبط بعض الأسماء التي تحتاج إلى ضبط:
يرد أحيانًا في الأسانيد أسماء يشكل ضبطها، أو يكون قد اختلف في ضبطها، فينبه المنقح على ذلك، ومن أمثلته:
أورد ابن الجوزي (1/211) حديثًا من طريق نعيم بن حمار عن بلال، فقال المنقح في زوائده: (وفي اسم أبي نعيم خمسة أقوال حكاها الصوري: همار - بالميم -، وهبار - بالباء -، وهدار - بالدال -، وخمار - بالخاء المعجمة المفتوحة -، وحمار - بالحاء المهملة المكسورة -) (1) .
10) ذكر بعض الأدلة التي تؤيد مذهب الحنابلة:
أحيانا يكون هناك في المسألة أدلة أخرى للحنابلة غير التي ذكرها ابن الجوزي فيورد المنقح هذه الأدلة، ومن أمثلة ذلك:
قال ابن الجوزي (1/123) : (مسألة بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر ... لنا ثلاثة أحاديث ... ) ، وذكر حديث العرنيين في "الصحيحين"، ثم أورد حديثين آخرين من "سنن الدارقطني"، ثم قال: (الاعتماد على الحديث الأول، وفي هذين الحديثين مقال ... ) ثم بين ذلك المقال.
ولما انتهى المنقح من ذكر ما سبق أورد ستة أحاديث تدل على المسألة، منها حديثان في "الصحيحين"، وحديث عند مسلم، وحديث عند الإمام أحمد وأبي داود، وحديث عند الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، وحديث عند ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " (1) .
__________
(1) وانظر أيضًا: 1/312.(المقدمة/142)
11) ذكر بعض الأدلة التي تؤيد المذهب المخالف:
أحيانًا يكون هناك بعض الأدلة التي تؤيد المذهب المخالف - بغض النظر عن صحتها أو ضعفها - فيستدركها المنقح على ابن الجوزي.
وينبه المنقح على ما يكون في بعض الأدلة من النظر من جهة الاستدلال.
12) الجواب عن دليل المخالفين من جهة الاستدلال:
ابن الجوزي يناقش في بعض الأحيان أدلة المخالفين إذا كان لا يسلم لهم الاستدلال بها، وأحيانًا لا يتعرض لذلك، فكان المنقح يشير إليه، ومن الأمثلة على ذلك:
ذكر ابن الجوزي (2/318 - 321) حديث: " لا يقطع الصلاة شيء "، من طرق متعددة، ثم قال: (هذه الأحاديث كلها ضعاف) ثم بين وجه ضعف كل واحد منها.
فقال المنقح ضمن كلامه على هذه الأحاديث: (وعلى تقدير ثبوت قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقطع الصلاة شيء " لا يعارض به حديث أبي ذر وأبي هريرة وابن المغفل، لأنها خاصة، فيجب تقديمها على العام) (2) .
13) إضافة بعض الفوائد الفقهية:
لم تقتصر استدراكات المنقح على الجانب الحديثي، بل شملت الجوانب الفقهية أيضًا، ومن الأمثلة على ذلك:
__________
(1) وانظر أيضًا: 1/126، 133، 144، 150، 156، 161، 166، 189، 195 وغيرها كثير.
(2) وانظر أيضًا: 1/415؛ 2/336.(المقدمة/143)
ذكر ابن الجوزي (1/347) مسألة: إذا انقضت مدة المسح، أو ظهر القدم، استأنف الوضوء، ثم قال: (وعنه: أنه يجزئه غسل رجليه، كقول أبي حنيفة ومالك، وعن الشافعي كالروايتين) .
فقال المنقح في تعليقه على هذه المسألة: (هذا الخلاف مبني على أن المسح هل يرفع الحدث عن الرجل؟ فإن قلنا: لا يرتفع عنها، فقد ارتفع عن الوجه واليدين والرأس، وبقي الرجلان، فيكفيه غسلهما.
وإن قلنا: يرتفع، فبالخلع عاد، والحدث لا يتبعض، فيجب استئناف الوضوء.
وقيل: منشأ الخلاف: جواز التفريق، فإن جاز أجزأه غسل قدميه، ومسح رأسه في خلع العمامة، وإلا أعاد الوضوء لفوات شرطه وهو الموالاة.
قال بعضهم: والصحيح الأول، لأن الخلاف واقع في المسألتين مطلقًا، سواء كان عقب الوضوء، أو بعد مضي زمان يحصل به التفريق) (1) .
* * *
(2)
التعقب
1) تعقبه في بعض القضايا المنهجية في علوم الحديث:
__________
(1) وانظر: 1/13 - 15، 128، 347، 356، 384؛ 2/348، 360، 381، 446، 467، 562.(المقدمة/144)
يقرر الحافظ ابن الجوزي بعض مسائل علوم الحديث وفق منهج الفقهاء والأصوليين، فيتعقبه ابن عبد الهادي ببيان منهج علماء الحديث ونقاده، ومن ذلك:
ذكر ابن الجوزي (1/203) بإسناده عن يحيى بن إسحاق عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة مرفوعًا: " الأذنان من الرأس " محتجًا به، وقال في ذكر اعتراض الخصم: (قال الدارقطني: قال سليمان ابن حرب عن حماد بن زيد: إن قوله " الأذنان من الرأس " من قول أبي أمامة غير مرفوع، وهو الصواب) ، ثم أجاب ابن الجوزي عن هذا بقوله: (وجواب من قال: " هو قول أبي أمامة " أن نقول: الراوي قد يرفع الشيء، وقد يفتي به) .
فقال المنقح (1/207) متعقبًا: (هذه الطريقة التي سلكها المؤلف ومن تابعه " في أن الأخذ بالمرفوع في كل موضع " طريقة ضعيفة، لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل في الحديث) (1) .
2) تضعيف بعض الأحاديث التي يحتج بها ساكتًا عليها:
هناك عدد من الأحاديث يسكت عنها ابن الجوزي أو يقويها، وتكون ضعيفة أو معلولة، فينبه المنقح على ذلك، وضعف هذه الأحاديث يكون مرجعه إلى أحد ثلاثة أسباب:
الأول: ضعف راو أو أكثر في الإسناد، ومن أمثلة ذلك:
احتج الحافظ ابن الجوزي (2/242) بحديث رواه من طريق الدارقطني عن أحمد بن محمد بن سعيد (1) عن أحمد بن الحسن بن سعيد عن أبيه عن سعيد
__________
(1) وانظر: 1/188.(المقدمة/145)
ابن عثمان الخزاز عن عمرو بن شمر عن جابر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه، ولم يتكلم ابن الجوزي على هذا الإسناد بشيء.
فتعقبه المنقح بقوله (2/244) : (حديث بريدة إسناده ساقط، وعمرو وجابر ضعيفان، وكذلك سعيد بن عثمان، وشيخ ابن عقدة وأبوه لا يعرفان) .
الثاني: انقطاع الإسناد، ومن أمثلة ذلك:
احتج ابن الجوزي (1/211) بحديث من طريق مكحول عن نعيم بن حمار عن بلال، فتعقبه المنقح بقوله: (مكحول لم يسمع من نعيم فهو منقطع) (2) .
الثالث: وجود علة في الحديث، ومن أمثلة ذلك:
احتج ابن الجوزي (3/381) بحديث من طريق الدارقطني عن أحمد بن علي بن حبيش عن علي بن العباس عن علي بن سعيد بن مسروق عن ابن أبي زائدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى:
{من استطاع إليه سبيلا} قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: " الزاد والراحلة ".
فعلق المنقح على ذلك بقوله: (هذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب السنن بهذا الإسناد، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي، وعلي بن العباس البجلي المقانعي ثقتان، وشيخ الدارقطني ثقة أيضًا.
ومع ذلك فرواية هذا الحديث عن قتادة عن أنس مرفوعًا وهم،
__________
(1) هو ابن عقدة.
(2) وانظر أيضًا: 1/208، 211، 213، 252، 253، 254، 345، 376؛ 2/73، 390، 408، 558، 603، 611، 672، 684.(المقدمة/146)
والصواب عن قتادة عن الحسن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، كذلك رواه جعفر بن عون عن سعيد، وكذلك رواه يونس بن عبيد عن الحسن، والله أعلم) .
3) تصحيح بعض الأحاديث التي يضعفها:
أحيانًا يضعف ابن الجوزي بعض الأحاديث، وتكون عند المنقح صحيحة فيبين المنقح صحتها عنده، ومن أمثلة ذلك:
ذكر ابن الجوزي (3/195) حديثًا من طريق ابن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم رمضان لرؤيته، فإن غم عليه عدّ ثلاثين يومًا ثم صام.
وعلق عليه بقوله: (قال الدارقطني: هذا إسناد صحيح. قلت: وهذه عصبية من الدارقطني، كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به) .
فتعقبه المنقح (3/206) بقوله: (حديث معاوية بن صالح عن عبد الله ابن أبي قيس عن عائشة: رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهدي عن معاوية، وهو حديث صحيح، ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح، وقد صحح الدارقطني إسناده كما تقدم.
وقول المؤلف " هذه عصبية من الدارقطني.... " غير صحيح، وإنما العصبية منه، فإن معاوية بن صالح ثقة صدوق ... الخ) .
4) تعديل بعض الرواة الذين جرحهم أو تضعيف بعض الرواة الذين وثقهم أو سكت عن بيان حالهم:(المقدمة/147)
يضعف ابن الجوزي أحيانًا بعض الرواة، فيتعقبه المنقح ويبين ثقة هؤلاء الرواة، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها ما سبق في الفقرة السابقة من الكلام في معاوية بن صالح.
وأحيانًا يحدث العكس فيوثق ابن الجوزي بعض الضعفاء أو يسكت عن بيان حالهم، فيتعقبه المنقح مبينًا ضعف هؤلاء الرواة، وأيضًا الأمثلة على هذا كثيرة جدًا.
5) بيان أحوال بعض الرواة الذين فيهم تفصيل أو خلاف وأجمل القول فيهم:
يقتصر ابن الجوزي أحيانًا في بيان حال الراوي على بعض أقوال النقاد، ولا يتتبع اختلافهم، فينبه المنقح على ذلك، ومن الأمثلة:
قال المنقح (2/659) : (وفي قول المؤلف: " وأما حديث أم شريك: ففيه شهر، وقد ضعفوه " نظر، فإن شهرًا لم يضعفه الكل، بل ضعفه جماعة، ووثقه آخرون، وممن وثقه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويعقوب بن شيبة وأحمد بن عبد الله العجلي، والله أعلم) (1) .
6) التناقض في تضعيف بعض الرواة في موضع وتقويتهم في آخر:
الحافظ ابن الجوزي ربما احتج براو في موضع، ثم يضعفه في موضع آخر، فيتعقبه المنقح على ذلك، ومن أمثلة ذلك:
قال في "التنقيح" (1/187) : (جابر الجعفي: ضعفه الجمهور،
__________
(1) وانظر أيضًا: 2/358.(المقدمة/148)
والمؤلف يحتج به في موضع إذا كان الحديث حجة له، ويضعفه في موضع آخر إذا كان الحديث حجة عليه!) (1) .
7) التناقض في الاحتجاج ببعض الأحاديث في موضع وتضعيفها في موضع آخر:
يقع من الحافظ ابن الجوزي رحمه الله بعض التناقض، ومن ذلك: أنه أحيانًا قد يحتج بالحديث في مسألة، ثم يضعفه في مسألة أخرى إذا احتج به المخالف، فيتعقبه المنقح في ذلك، ومن الأمثلة عليه:
احتج ابن الجوزي (2/628) بحديث كعب بن مالك قال: جاء ثابت ابن قيس بن شماس إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إن أمه توفيت وهي نصرانية، وهو يحب أن يحضرها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اركب دابتك وسر أمامها، فإنك إذا كنت أمامها لم تكن معها ".
فتعقبه المنقح بقوله: (هذا حديث لا يصح، وأبو معشر ضعيف) .
ثم ذكر ابن الجوزي هذا الحديث تحت مسألة أخرى (2/646) ضمن أدلة المخالف، فقال في الجواب عنه: (فيه أبو معشر، وقد ضعفه يحيى، وقال النسائي: ليس إسناده بشيء) .
فتعقبه المنقح بقوله: (حديث كعب لا يصح كما تقدم، لكن المؤلف احتج به ثم ضعفه!) .
8) الخطأ في تحديد العلة التي يعل بها الحديث:
__________
(1) وانظر أيضًا: 2/21، 216، 223، 626.(المقدمة/149)
يضعف أحيانًا ابن الجوزي بعض الأحاديث بعلة، وعند التحقيق لا تكون هي سبب تضعيف الحديث، فيبين المنقح ذلك، ومن الأمثلة:
أورد ابن الجوزي (1/340) ضمن حجج المخالف حديثًا من طريق الوليد بن مسلم قال: أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح أعلى الخف وأسفله، ثم قال: (قال الترمذي: هذا حديث معلول، لم يسنده عن ثور غير الوليد، وسألت أبا زرعة ومحمدًا عن الحديث فقالا: ليس بصحيح.
قلت: كان الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي - مثل: نافع عن الزهري -، فيسقط أسماء الرواة الضعفاء، ويجعلها عن الأوزاعي عنهم) .
فتعقبه المنقح بقوله: (الوليد بن مسلم إمام صدوق مشهور، لكنه يدلس عن الضعفاء، فإذا قال: " ثنا الأوزاعي - أو غيره - أو أنا " فهو حجة، وليس علة الحديث ما ذكره المؤلف، ولم يرو الوليد هذا الحديث عن الأوزاعي، ولكن علة الحديث ما ذكره الترمذي من رواية ابن المبارك عن ثور عن رجاء قال: حدثت عن كاتب المغيرة - مرسل - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يذكر فيه المغيرة.
وقال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء. وقال الإمام أحمد: لم يسمعه ثور من رجاء، وليس فيه المغيرة. وقال أبو حاتم الرازي: ليس بمحفوظ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح. وقال الدارقطني: لا يثبت، لأن ابن المبارك رواه عن ثور مرسلاً، والله أعلم) (1) .
9) الخطأ في تمييز الرواة في الأسانيد:
هذا الوجه من أكثر الأمور التي دخل منها الدخل على ابن الجوزي،
__________
(1) وانظر أيضًا: 2/118، 199.(المقدمة/150)
فكثيرًا ما كان يخطئ رحمه الله في تمييز رواة الإسناد، وقد تعقبه المنقح في ذلك، ومن الأمثلة:
ذكر الحافظ ابن الجوزي (2/394) في حجج المخالفين حديثًا من رواية سهم بن منجاب عن قزعة عن القرثع عن أبي أيوب، ثم قال في الجواب عنه: (إن هذا الحديث ضعيف.... وأما قزعة فهو: ابن سويد، قال أحمد: هو مضطرب الحديث، وقال الرازي: لا يحتج به) .
فقال المنقح متعقبًا: (قزعة هو: ابن يحيى - ويقال: ابن الأسود -، أبو الغادية البصري، تابعي، روى عن ابن عمر وأبي سعيد وغيرهما، واحتج به البخاري ومسلم في " صحيحيهما "، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة. وقال ابن خراش: صدوق. وذكره ابن حبان في "الثقات".
وأما قزعة بن سويد بن حجير الباهلي، أبو محمد البصري، فمتأخر عن ابن يحيى، روى عن ابن المنكدر وأبي الزبير وغيرهما، وروى له الترمذي وابن ماجه، وتكلم فيه الإمام أحمد ويحيى - في رواية - وأبو حاتم الرازي والبخاري وأبو داود والنسائي، ووثقه ابن معين - في رواية الدارمي -، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به) (1) .
10) الخطأ في بعض المعلومات التي يذكرها في تراجم بعض الرواة: أحيانًا يذكر ابن الجوزي بعض المعلومات في تراجم بعض الرواة الخاطئة، فينبه المنقح على ذلك، ومن أمثلته:
__________
(1) وانظر أيضًا: 1/238، 271، 381؛ 2/173، 199، 484 - 485.(المقدمة/151)
ذكر ابن الجوزي (2/61) بكير بن عبد الله بن الأشج، وقال عنه: (من كبار التابعين) ، وذكر أيضًا (2/60) الأسود بن يزيد وسويد بن غفلة وقال: (لم يدركا بلالاً) .
فتعقبه المنقح بقوله: (وفي بعض كلام المؤلف في هذه المسألة نظر، كقوله: " إن بكيرًا من كبار التابعين "، وقوله: " إن الأسود بن يزيد وسويد ابن غفلة لم يدركا بلالاً "، والله أعلم) .
11) الوهم في جعل الرجلين رجلاً واحدًا:
نظرًا لاشتراك بعض الرواة في الاسم واسم الأب أو الاشتراك والتشابه في النسبة، فإن الحافظ ابن الجوزي قد يظن أن الرجلين رجلاً واحدًا، فينبه المنقح على ذلك، ومن الأمثلة عليه:
ظن ابن الجوزي أن إسحاق بن محمد الفروي وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة شخص واحد، فتعقبه المنقح بقوله (1/271) : (وحديث ابن عمر في إسناده إسحاق بن محمد الفروي، وهو غير إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الذي في حديث أبي أيوب، وظنهما المؤلف واحدًا، وهو وهم.
فأما إسحاق بن محمد فروى عنه البخاري في "صحيحه"، ووهاه أبو داود، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: كان صدوقًا، ولكن ذهب بصره فربما لقن، وكتبه صحيحة. ووثقه ابن حبان.
وأما إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة فهو متروك باتفاقهم، وقد اتهمه بعضهم) .
12) حكاية قول لأحد أئمة الجرح والتعديل في رجل تحت ترجمة رجل(المقدمة/152)
آخر:
أحيانًا يشتبه على الحافظ ابن الجوزي قول إمام من أئمة الجرح والتعديل في رجل غير المذكور في الإسناد فيتوهم أن الكلام في الرجل الذي في الإسناد، فينبه المنقح على ذلك، ومن الأمثلة عليه:
ذكر ابن الجوزي (2/319) ضمن أدلة المخالف حديثًا من رواية صخر ابن عبد الله بن حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز يحدث عن أنس وساق الحديث، ثم أجاب عنه بقوله: (فيه صخر بن عبد الله، قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالأباطيل، عامة ما يرويه منكر أو من موضوعاته. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه) .
فتعقبه المنقح بقوله (1/320) : (صخر بن عبد الله بن حرملة - الراوي عن عمر بن عبد العزيز -: لم يتكلم فيه ابن عدي ولا ابن حبان، بل ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال النسائي: هو صالح. وإنما ضعف ابن عدي: صخر ابن عبد الله الكوفي، المعروف بـ " الحاجبي "، وهو متأخر عن ابن حرملة، روى عن مالك والليث وغيرهما) (1) .
13) الخطأ في عزو بعض الأحاديث:
قد يعزو الحافظ ابن الجوزي حديثًا من الأحاديث إلى أحد الكتب، وقد يكون ذلك العزو خطأ، فيتعقبه المنقح في ذلك، ومن أمثلته:
ذكر ابن الجوزي بإسناده (1/195) حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فمسح بناصيته، ومسح على الخفين والعمامة، ثم قال: (أخرجاه في
__________
(1) وانظر أيضًا: 2/225، 294، 320 - 321، 334، 371، 410، 448 - 449، 637، 680.(المقدمة/153)
"الصحيحين") .
فتعقبه المنقح بقوله: (ذكر الحافظ ضياء الدين وغيره أن حديث المغيرة انفرد به مسلم، وهو كما قالوا) (1) .
14) الخطأ في النقل عن الكتب:
الحافظ ابن الجوزي أحيانًا يتصرف في النقل عن الكتب فيقع في بعض الأوهام والأخطاء، وقد نبه المنقح على أشياء من ذلك، وأغفل أشياء (2) ، ومن الأمثلة:
روى ابن الجوزي (1/277) حديثًا بإسناده إلى الدارقطني من طريق الفضل بن المختار عن الصلت بن دينار عن عصمة بن مالك الخطمي، فتعقبه المنقح بقوله (1/281) : (حديث عصمة بن مالك يرويه الفضل بن المختار عن
__________
(1) وانظر أيضًا: 1/283؛ 2/368.
(2) هذا الأمر مما يحتاج إلى تتبع أكثر في كتاب "التحقيق"، فإن الحافظ ابن الجوزي قد ظهر لنا أنه يتصرف كثيرًا في النقل عن الكتب، ولم يلتزم المنقح بالتنبيه على كل ما وقع لابن الجوزي في هذا، فعلى من يرجع إلى كتاب "التحقيق" أن يتحقق من أسانيد ومتون الأحاديث التي فيه بمراجعة مصادرها الأصلية، ومما ووقفنا عليه ولم ينبه إليه المنقح ما يلي:
- أنه أحيانًا يسوق إسناد حديث لأحد الأئمة - كأحمد مثلاً - ثم يذكر لفظ إمام آخر - كالبخاري مثلاً -.
- أنه أحيانًا يقتصر على راو واحد في الإسناد، ويكون المصنف الذي روى ابن الجوزي الحديث من طريقه قد جمع في الإسناد عددًا من الرواة، وربما يكون قد حمل روايتهم على رواية آخر غير الذي اقتصر عليه ابن الجوزي، فيحدث ذلك لبسًا.
ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا لالتزمنا بالتنبيه على ما وقفنا عليه من ذلك في أثناء التعليق على الكتاب، ولكن قدر الله وما شاء فعل.(المقدمة/154)
عبيد الله بن موهب عنه - لا عن الصلت -، ولو نقله المؤلف من كتاب الدارقطني ولم يتصرف فيه لم يقع له الوهم فيه، والله أعلم) (1) .
ومن الأمثلة أيضًا:
ذكر ابن الجوزي (3/13) حديثًا من طريق الإمام أحمد قال: ثنا معاوية ابن عمرو عن حيوة عن يزيد بن أبي حبيب عن سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحكم أن معاذًا قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصدق أهل اليمين ... الحديث.
فعلق عليه المنقح بقوله: (وقد اختصر المؤلف لفظ الحديث، وأسقط من الإسناد رجلاً، فإن الإمام أحمد رواه مطولاً عن شيخين: أحدهما: معاوية بن عمرو، والآخر: هارون بن معروف، كلاهما عن عبد الله بن وهب عن حيوة، وهو ابن شريح المصري، فأسقط المؤلف (ابن وهب) من الإسناد، لأمر ذكره الإمام أحمد يشتبه على من لم يتبحر في العلم، واختصر الحديث، وذكره عن أحد الشيخين وهو معاوية بن عمرو، مع أن بعض الألفاظ التي ذكرها من رواية هارون بن معروف وحده، والله الموفق للصواب) .
15) الخطأ في فهم كلام العلماء:
قد ينقل ابن الجوزي في بعض الأحيان كلامًا عن بعض العلماء بالمعنى الذي يفهمه، ويكون ذلك المعنى غير مطابق لمراد العالم، فيتعقبه المنقح في ذلك، وهذا ليس بالكثير، ومن الأمثلة عليه:
قال ابن الجوزي (3/194) في تعليقه على حديث حذيفة: " لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال وتكملوا العدة قبله ": (والجواب: أن أحمد ضعف
__________
(1) وانظر أيضًا: 1/307، 2/270 - 271.(المقدمة/155)
حديث حذيفة وقال: ليس ذكر حذيفة فيه بمحفوظ) .
فتعقبه المنقح (3/206) بقوله: (قول المؤلف: ... وهم منه، فإن أحمد إنما أراد أن الصحيح قول من قال: عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن تسمية حذيفة وهم من جرير، فظن المؤلف أن هذا تضعيف من أحمد للحديث وأنه مرسل، وليس هو بمرسل، بل متصل ... الخ) .
16) بيان اختلاف ألفاظ الحديث عند مخرجيه:
قد يورد ابن الجوزي حديثًا من الأحاديث من طريق أحد الأئمة، ثم يعزوه إلى غيره دون بيان أوجه الاختلاف بين الرواية التي ساقها ورواية من عزى إليه الحديث، فينبه المنقح على ذلك، ومن أمثلة ذلك:
روى ابن الجوزي (1/219) حديث عمرو بن عبسة في فضل الوضوء بإسناده إلى الإمام أحمد، ثم قال: (انفرد بإخراجه مسلم) ، فتعقبه المنقح بقوله: (أخرج مسلم أصل هذا الحديث، ولم يخرج بعض ألفاظه، وهو حديث طويل..) ثم بين الألفاظ التي لم يخرجها مسلم.
17) بيان النظر في بعض الأدلة التي يحتج بها من جهة الاستدلال:
مما اعتنى ببيانه المنقح في بعض المواضع = ما يكون من النظر في الدليل الذي يحتج به ابن الجوزي من جهة الاستدلال، ومن أمثلة ذلك:
احتج ابن الجوزي (1/245) بحديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " على أن التكبير بعد الافتتاح والتسميع والتحميد وقول: " رب اغفر لي " والتشهد الأول = واجب.
فقال المنقح: (وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول ويفعل في الصلاة أشياء(المقدمة/156)
غير واجبة مع قوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي ") (1) .
18) السقط الواقع في بعض الأسانيد:
يسقط أحيانًا من إسناد الحديث الذي يسوقه ابن الجوزي رجل أو أكثر، فينبه المنقح على ذلك، ومن الأمثلة:
ذكر ابن الجوزي (4/340) حديثًا من رواية ابن شاذان عن محمد بن نهار، فعلق عليه المنقح بقوله: (محمد بن نهار ضعفه الدارقطني، ولم يدركه ابن شاذان، بل سقط بينهما رجل، إما أبو بكر الشافعي أو ابن أبي نجيح أو غيرهما، والله أعلم) (2) .
* * *
__________
(1) وانظر أيضًا: 2/483، 672.
(2) انظر: 4/7، 104، 422.(المقدمة/157)
المبحث الثالث: المنهج العلمي للمنقح
إن من أهم النتائج التي يصل إليها الدارس لآثار الحافظ ابن عبد الهادي أنه صاحب منهج علمي متميز، وبيان ذلك هو موضوع هذا المبحث، وذلك من خلال العناصر التالية:
- الصفات العامة لمنهجه العلمي.
- منهجه في علوم الحديث (الجرح والتعديل، تمييز الرواة، التحقق من اتصال السند، العلل، مسائل أخرى) .
- اختياراته الفقهية.
الصفات العامة لمنهج المنقح:
لقد اتسم المنهج العلمي للمنقح بعدة صفات، يمكن إجمالها فيما يلي:
(1)
الدقة والتحري
هذه الميزة من أهم الميزات التي تميز بها الحافظ ابن عبد الهادي، وقد ظهرت دقته وتحريه - رحمه الله - في أمور كثيرة:
- كالعناية بالأحكام الضمنية، وسوف يأتي بسط الكلام حول ذلك.
- وعدم التسرع بالجزم عند وجود الاحتمال، وسنذكر بعض الأمثلة على ذلك فيما يأتي.
- وكذلك تنبهه للسقط الذي يقع في بعض الأسانيد مع عدم اطلاعه على(المقدمة/158)
مصادرها الأصلية (انظر: 3/330، 421؛ 4/7، 193، 324، 340) .
- وكذلك عنايته بالرجوع إلى المصادر الأصلية وعدم الاكتفاء بالمصادر الفرعية (انظر: 3/191 - 192) .
وغير ذلك.
(2)
التحرير والتحقيق
من مزايا الحافظ ابن عبد الهادي أنه - رحمه الله - صاحب تحرير وتحقيق، وهذا ظاهر لمن طالع كتبه رحمه الله، وقد شهد له بهذا عدد من العلماء كما سبق في عبارات ثناء العلماء عليه، فهو ليس مجرد ناقل كما يتوهم البعض، بل هو ناقل وناقد لما ينقل، فتجده تارة ينقل ويذكر ما يؤيد ما نقله، وتارة ينقل ويعترض على ما نقله، وتارة ينقل ويسكت، وكونه لا يعترض أو يؤيد ما ينقله في بعض الأحيان لا ينفي عنه صفة التحرير والتحقيق، لاسيما أن علم الحديث - بالذات - قائم بشكل كبير على النقل.
(3)
وحدة المنهج
من يطالع كتاب "التنقيح" لابن عبد الهادي وغيره من كتبه، يجد أنه - رحمه الله - كان يسير على منهج واحد مطرد، وهذه ميزة مهمة تدل على تمكن العالم، وأن علمه مبني على أصول متينة عنده.(المقدمة/159)
(4)
حسن الانتخاب والانتقاء
هذه الميزة ظاهرة في جميع آثار الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله -، فتجده لا يذكر إلا الشيء المهم وما يحتاج إليه، ولا يطيل بذكر ما لا فائدة فيه أو يكون مجرد تكرار.
(5)
الإنصاف والتجرد للحق
هذه الميزة من آثار الاشتغال بعلم الحديث، فإن المشتغل بعلم الحديث في الغالب يكون متجردًا للحق، ومنصفًا للخلق عند نظره في المسائل العلمية، ونجد هذا ظاهرًا عند الحافظ ابن عبد الهادي، فلا تجد عنده - رحمه الله - تعصبًا لشيخ أو لمذهب، وأيضًا عند كلامه على الأشخاص والأقوال يتكلم بإنصاف.
والأمثلة على إنصافه وتجرده للحق كثيرة، ومنها: أن ابن الجوزي (3/ 195) أورد حديثًا من طريق الدارقطني، ونقل عنه أنه حكم على إسناده بالصحة، ثم قال: هذه عصبية من الدارقطني، كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، فتعقبه المنقح (3/206) بقوله: (قول المؤلف ... غير صحيح، وإنما العصبية منه، فإن معاوية بن صالح ثقة صدوق) .
وانظر أيضًا: (4/469) .
ومن إنصافه - رحمه الله - أنه إذا مر موضع من المواضع ويكون كلام ابن الجوزي فيه جيدًا فإن المنقح يشير إلى ذلك، ومن الأمثلة:(المقدمة/160)
ذكر ابن الجوزي (3/192) في مسألة صوم يوم الشك سبعة أحاديث يحتج بها المخالف، فتعقبه المنقح في كلامه على خمسة منها، ووافقه على تضعيفه لحديثين منها، وقال في كلامه على الحديث السابع (3/208) : (هو حديث موضوع لا يشك في وضعه، فلا يجوز الاحتجاج به بحال، وقد شفى المؤلف فيه، والله أعلم) .
وقال المنقح في موضع آخر (2/142) : (وما ذكره المؤلف في هذه المسألة من الاستدلال والجواب حسن، وإن كان عليه فيه مناقشات في غير موضع، والله أعلم) .
(6)
الاستقراء
مما تميز به الحافظ ابن عبد الهادي عنايته بالاستقراء، وقد ظهرت ثمار كثيرة لذلك، فتجده يجمع لك كلام العالم الواحد المتفرق في مكان واحد سواء كان من كتاب واحد أو من أكثر من كتاب (انظر مثلاً: 2/278؛ 3/332 ح) .
وأيضًا تجده يتكلم على مناهج المؤلفين والعلماء بكلام قائم على الاستقراء، وستأتي الإشارة إلى أمثلة من كلامه في ذلك.
(7)
قلة الكلام وكثرة الفائدة
من صفات السلف رحمهم الله ومن سار على طريقتهم قلة الكلام وكثرة الفائدة، وهذه الصفة منطبقة على الحافظ ابن عبد الهادي، فهو قليل الكلام، ولكن كلامه متين وغاية في الإفادة.(المقدمة/161)
(8)
إجلال العلماء والأدب معهم
مما تميز به الحافظ ابن عبد الهادي إجلاله لأهل العلم، وتنزيله للناس منازلهم، ولكن ذلك لا يمنعه من بيان الحق بأدب إذا وقع أحد من العلماء في خطأ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها:
قال المنقح (2/308) : (فالعجب من الإمام الحافظ الدارقطني مع كثرة حديثه ومعرفته بالحديث، قال: لا نعلم حدث به عن أبي أسامة غير أحمد بن سنان. وقد رواه عنه أبو كريب وأبو همام وبشر بن خالد العسكري وغيرهم) .
وانظر أيضًا: (3/276) .
وذكر المنقح سعيد بن ميسرة، فقال (2/636) : (أخطأ ابن حبان في قوله: " روى عنه يحيى القطان " فإن الراوي عنه إنما هو يحيى بن سعيد العطار الحمصي، وهو شيخ متكلم فيه، يروي عن الضعفاء كثيرًا، ويحيى بن سعيد القطان أجل قدرًا من أن يروي عنه، وقد كذبه هو وغيره) .
وذكر ابن الجوزي حديثًا من رواية عمر بن إبراهيم عن قتادة، وعلق عليه بقوله: (فإن قالوا: قد قال أبو حاتم الرازي: عمر بن إبراهيم لا يحتج به.
قلنا: لعله ظنه الكردي، وذاك كذاب، إنما هو عمر بن إبراهيم العبدي، قال يحيى بن معين: هو ثقة) فتعقبه المنقح (4/126) : (عمر بن إبراهيم هو أبو حفص العبدي، وهو الذي قال فيه أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وأبو حاتم أجل من أن يشتبه عليه العبدي بالكردي! فإن العبدي معروف بالرواية عن(المقدمة/162)
قتادة، والكردي لا يروي عن قتادة) (1) .
(9)
الورع
الورع من الصفات البارزة عند الحافظ ابن عبد الهادي، فتجده رحمه الله في بعض المواضع يتورع عن الجزم بوضع الحديث، فيقول مثلاً: والأشبه أن هذا الحديث موضوع، وأحيانًا أيضًا يقول: لعل، وأحيانًا يعلق الحكم على الحديث فيقول: إن شاء الله.
وأيضًا نجده يتورع عن الجزم بعدم وجود إسناد للحديث الذي لم يقف له على إسناد - كما يفعل غيره -، بل يقول: هذا الحديث لم أقف على إسناده.
وربما سمى الكتب التي رجع إليها في البحث عن الحديث ولم يجده فيها (انظر: 4/51، 138، 201، 345) .
ومن ورعه - رحمه الله - عدم الجزم بالخطأ عند وجود الاحتمال، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها أنه ذكر حديثًا من رواية ابن إسحاق وابن عجلان، وعلق عليه (2/33) بقوله: (رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي وأبو حاتم البستي بطرق عن ابن إسحاق وابن عجلان؛ ورواه الإمام أحمد أيضًا عن يزيد بن هارون عن ابن إسحاق عن ابن عجلان؛ فيحتمل أن يكون (وابن عجلان) كما رواه النعمان بن عبد السلام عن سفيان عن محمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان عن عاصم؛ ويحتمل أن يكون محمد بن إسحاق إنما سمعه من ابن عجلان، وكان يدلسه، والله أعلم) .
__________
(1) وانظر: 2/256؛ 4/638.(المقدمة/163)
وأيضًا من ورعه - رحمه الله - أنه كان كثيرًا ما ينهي الكلام على المسائل بقوله: (والله أعلم) كما في المثال السابق.
وسوف نذكر فيما يلي بعض النبذ حول منهجه في أنواع من علوم الحديث، ونلحق ذلك بما وقفنا عليه من اختيارات فقهية له في كتابه هذا، ونؤكد على أن ما يأتي إنما هو مجرد نبذ حول المنهج العلمي للمنقح، وإلا فهذا الموضوع بحاجة إلى دراسة موسعة ومعمقة (1) ، يسر الله القيام بذلك.
* * *
__________
(1) هناك رسالة علمية قدمت لكلية أصول الدين بجامعة الإمام سنة (1411) بعنوان (الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الهادي وآثاره الحديثية) للشيخ / محمد بن سليمان الشارح، ولكن لم يتسن لنا الإطلاع عليها.(المقدمة/164)
منهجه في علوم الحديث
الناظر في كتاب "التنقيح" يجد أن الحافظ ابن عبد الهادي قد أتقن وبرز في جميع علوم الحديث، وهذا ما سنحاول إبراز أهم ملامحه هنا، من خلال الإشارة إلى منهجه في الجرح والتعديل، ومنهجه في تمييز الرواة، ومنهجه في التحقق من اتصال الإسناد، ومنهجه في العلل، ومنهجه في مسائل متفرقة من علوم الحديث.
* * *
منهجه في الجرح والتعديل:
علم الجرح والتعديل هو الركن الأول من أركان الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف، فلا يمكن الحكم على الحديث إلا بعد التحقق من ثقة رواته، وهذا هو موضوع علم الجرح والتعديل.
(1)
الحكم على الراوي
المنقح أحيانًا يذكر جملة من أقوال علماء الجرح والتعديل في الرجل، وأحيانًا يذكر خلاصة أقوالهم، فيحكي إجماعهم في الحكم على الراوي بالتوثيق أو بالتضعيف، وأحيانًا يذكر الحكم الذي يختاره هو، فيقول: فلان ثقة، أو: فلان ضعيف، ونحو ذلك.
ونجد المنقح يدقق في ثبوت بعض الأقوال عن الأئمة، ومن الأمثلة على ذلك:(المقدمة/165)
قال المنقح (3/396) : (وقد روي عن ابن معين أنه قال: عباد بن صهيب أثبت من أبي عاصم النبيل! وما أظن ذلك يثبت عنه، والله أعلم) .
وانظر أيضًا: (1/59) .
كما نجد المنقح في بعض المواضع يبين معاني بعض ألفاظ الجرح والتعديل الصادرة من علماء الفن، ومن أمثلة ذلك:
قال المنقح في ترجمة أبي زيد - الراوي عن ابن مسعود حديث النبيذ - (1/60) : (وأما أبو زيد: فقد قال فيه أبو بكر عبد الله بن أبي داود: كان نباذًا بالكوفة. وهذا يحتمل أن يكون تحسينًا لأمر أبي زيد، فيكون قد ضبط الحديث لكونه نباذًا، ويحتمل أن يكون تضعيفًا له) .
وكان رحمه الله يحقق في تمييز الراوي الذي تكلم فيه الناقد، ومن أمثلة ذلك:
أنه ترجم لداود بن عبد الله الأودي (1/41 - 42) وذكر أن عباس الدوري روى عن ابن معين أنه قال عنه: ليس بشيء، ثم عقب المنقح على ذلك بقوله: (كذا ذكر غير واحد من المصنفين رواية عباس عن يحيى في ترجمة داود هذا، والظاهر أن كلام يحيى إنما هو في داود بن يزيد الأودي - عم عبد الله بن إدريس - فإنه المشهور بالضعف) .
(2)
اختلاف علماء الجرح والتعديل
في حالة وجود اختلاف في الحكم على الراوي نجد المنقح يشير إلى ذلك الاختلاف.(المقدمة/166)
وكذلك عند وجود اختلاف في الروايات عن أحد الأئمة فإنه يشير إلى ذلك أيضًا، ومن الأمثلة على ذلك:
قال المنقح (2/30 - 31) - تحت ترجمة أسامة بن زيد الليثي -: (واختلفت الرواية فيه عن يحيى بن معين، فقال مرة: ثقة صالح. وقال مرة: ليس به بأس. وقال مرة: ثقة حجة. وقال مرة: ترك حديثه بأخرة) (1) .
وانظر أيضًا: (2/74) .
ومن الأمثلة التي يظهر فيها تحرير وتحقيق المنقح كلامه في ترجمة عبد الملك ابن أبي سليمان، قال رحمه الله (4/174 - 176) : (هو ثقة مأمون عند أهل الحديث، لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة، من أجل هذا الحديث - أي حديث الشفعة -.... وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح في عبد الملك، فإن عبد الملك ثقة مأمون، وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه، ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، وإنما كان إمامًا في الحفظ، وطعن من طعن عليه سواه إنما هو اتباع لشعبة، وقد احتج مسلم في "صحيحه" بحديث عبد الملك، وخرج له أحاديث، واستشهد به البخاري، وكان سفيان يقول: حدثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان، وقد وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين والعجلي وابن عمار والنسائي وغيرهم ... الخ) .
(3)
قواعد الجرح والتعديل
هناك جملة من القواعد المتعلقة بالجرح والتعديل تستفاد من كلام المنقح
__________
(1) وانظر: (2/74) .(المقدمة/167)
وتطبيقاته عند مناقشته لاختلاف الأئمة في الحكم على الراوي، ومن ذلك: 1 - الجرح إنما يحتاج إلى بيان سببه إذا عارضه تعديل (انظر: 2/256، 3/511) .
2 - اختصاص بلدي الراوي بأهل بلده (انظر: 2/202 - 203) .
3 - التفصيل في حال الراوي (انظر: 3/10، 18؛ 5/41) .
4 - تقديم قول الأعلم بالجرح والتعديل عند الاختلاف (انظر: 3/ 104، 122) .
5 - الأخذ بقول الأكثر عند الاختلاف (انظر: 3/142 - 143) .
6 - تفرد الراوي عن مثل الزهري بإسنادين نظيفين مما يضعف الراوي (انظر: 3/511) .
ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن إعمال قواعد الجرح والتعديل في الترجيح بين أقوال العلماء المختلفين في الحكم على الراوي ليس على درجة واحدة، بل بعض هذه القواعد أقوى من بعضها الآخر، وبعضها يستأنس به ولا يكتفى بها في الحكم على الراوي، والله أعلم.
(4)
الأحكام الضمنية على الرجال
أحكام العلماء على الرواة تنقسم إلى قسمين: أحكام صريحة، وأحكام ضمنية، والمقصود بالأحكام الضمنية الأحكام التي تكون غير صريحة ولكنها مضمنة في حكم آخر، فمثلاً عندما يصحح البخاري حديثًا، فهذا يتضمن: ثقة رواة الإسناد، وسماع بعضهم من بعض.(المقدمة/168)
والأحكام الضمنية من المصادر المهمة في علم الحديث، وإن كانت بلا شك تأتي في المرتبة الثانية بعد الأحكام الصريحة، وقد أولاها المنقح عناية كبيرة، وتظهر هذه العناية في الصور التالية:
1 - ذكر رواية من وصف بأنه لا يروي إلا عن ثقة عن الراوي (انظر مثلاً: 1/162، 378؛ 3/284؛ 4/320) .
2 - رواية أحد الأئمة الذين ينتقون الرجال من طريق الراوي، ومن أمثلة ذلك:
ذكر المنقح أبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وقال عنه (1/337) : (قال ابن أبي حاتم: كان على شرطة علي بن أبي طالب، ليس بالمشهور، قلت: هو أحب إليك أو الحارث الأعور؟ قال: الحارث أشهر، وهذا قد تكلموا فيه، وهو شيخ، من نظراء أصبغ بن نباتة. وقد ذكر البخاري أبا الغريف فلم يذكر فيه شيئًا، ورواية النسائي من طريقه مما يقوي أمره، ولم يبين أبو حاتم من تكلم فيه، ولا بين الجرح ما هو؟) .
وانظر أيضًا: (3/337) .
ويندرج تحت هذا رواية صاحبي الصحيحين للراوي، وهو ما سنتحدث عنه في الفقرة التالية.
3 - تصحيح أو تحسين أحد العلماء لحديث راو من الرواة، ومن أمثلة ذلك:
قال المنقح (4/114) في كلامه عن عطية العوفي: (والترمذي يحسن حديثه) ، وذكر أيضًا في موضع آخر (4/262) أن الترمذي يحسن حديث عمر(المقدمة/169)
ابن راشد اليمامي.
(5)
تخريج صاحبي الصحيحين للراوي
مما اعتنى به المنقح في كلامه على الرجال بيان هل لهم رواية في "الصحيحين" أم لا؟ لما يتضمنه ذلك من تقوية لهذا الراوي، وقد نبه المنقح على بعض التنبيهات الهامة حول هذه المسألة، وهي:
1 - الانتقاء، قال رحمه الله (3/277) : (وأصحاب الصحيح إذا رووا لمن قد تكلم فيه فإنهم ينتقون من حديثه ما لم ينفرد به، بل وافق فيه الثقات، قامت شواهد صدقة) .
2 - التفريق بين الرواية في الأصول، والرواية في المتابعات، فنجده رحمه الله لا يكتفي بذكر أن البخاري أو مسلم خرج للراوي، بل يبين الكيفية التي روى له بها (انظر: 3/35، 77 - 78، 106، 341، 349) .
ونجده في بعض الأحيان (3/316) يقول: لا أدري هل روى له متابعة أم أصلاً؟) .
3 - مقدار الأحاديث التي رويت له، فنجد المنقح يعتني ببيان عدد الأحاديث التي رويت لذلك الراوي، ومن أمثلة ذلك:
قال المنقح (2/146) عن أبي يوسف بن أبي الزينب: (روى له مسلم في "صحيحه" حديثًا واحدًا) .(المقدمة/170)
(6)
مناهج علماء الجرح والتعديل
من الأمور التي ظهرت عناية الحافظ ابن عبد الهادي بها: مناهج علماء الجرح والتعديل، ومن الأمثلة على ذلك:
1 - يحيى بن سعيد القطان: قال المنقح (3/207) : (يحيى شرطه شديد في الرجال) .
2 - أبو حاتم الرازي: قال المنقح (3/207) : ( ... وأما قول أبي حاتم: " لا يحتج به فغير قادح فيه أيضًا، فإنه لم يذكر السبب، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح من الثقات الأثبات من غير بيان السبب، كخالد الحذاء وغيره) .
3 - الدارقطني: قال المنقح (2/256) : (الدارقطني قَلَّ أن يضعف رجلاً ويكون فيه طبٌّ!) .
4 - الحاكم: قال المنقح (4/287) : (الحاكم قد عرف تساهله) .
(7)
الاعتدال في الجرح والتعديل
من خلال النظر في الأحكام التي يختارها نجد أن الحافظ ابن عبد الهادي من المعتدلين في أحكامه على الرواة، ونجده كثيرًا ما يتعقب المتشددين والمتساهلين، ومن الأمثلة التي ظهر فيها اعتداله ما يلي:
ورد ذكر معاوية بن صالح في إسناد حديث، فقال ابن الجوزي: (كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به)(المقدمة/171)
فتعقبه المنقح (3/206) بقوله: (قول المؤلف ... غير صحيح ... فإن معاوية ابن صالح ثقة صدوق، وثقه عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وأبو زرعة وغيرهم، وروى له مسلم في "صحيحه" محتجًا به، وما روى شيئًا خالف فيه الثقات، وكون يحيى بن سعيد لا يرضاه غير قادح فيه، فإن يحيى شرطه شديد في الرجال، ولذلك قال: لو لم أرو إلا عن من أرضى ما رويت إلا عن خمسة!
وأما قول أبي حاتم: لا يحتج به فغير قادح فيه أيضًا، فإنه لم يذكر السبب، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح من الثقات الأثبات من غير بيان السبب، كخالد الحذاء وغيره، وقد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن معاوية بن صالح فقال: صالح الحديث، حسن الحديث) .
(8)
أخطاء الثقات
من القضايا المهمة في علم الجرح والتعديل وفي علم العلل، أنه ليس من شرط الثقة أن لا يخطئ، فالثقة قد يخطئ، ولما غفل كثير من المتأخرين والمعاصرين عن هذا الأمر، أخذوا يصححون كل حديث رواه ذلك الثقة حتى وإن قامت الأدلة والقرائن على خطئه، وقد كان الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله - ممن يراعي هذه القضية، ومن الأمثلة على ذلك:
- ذكر المنقح (2/289) حديثًا من رواية زهير بن محمد، وقال في الكلام عليه: (زهير بن محمد من رجال "الصحيحين" لكن له مناكير، وهذا الحديث منها، قال أبو حاتم الرازي: هو حديث منكر) .
- وذكر المنقح (4/453) أيضًا حديثًا من رواية الهيثم بن جميل، وقال في الكلام عليه: (الهيثم بن جميل وثقه الإمام أحمد والعجلي وابن حبان وغير واحد، وكان من الحفاظ إلا أنه واهم في رفع هذا الحديث، فإن الصحيح وقفه على ابن(المقدمة/172)
عباس، رواه سعيد بن منصور عن سفيان موقوفًا) .
وانظر أيضًا: (2/114؛ 3/381) .
وستأتي أمثلة أخرى على ذلك أثناء الكلام عن منهجه في العلل، فهذه المسألة ألصق بعلم العلل منها بعلم الجرح والتعديل، وإنما أردنا التنبيه عليها هنا في باب الجرح والتعديل.
* * *
منهجه في تمييز الرواة:
من الأمور المهمة عند النظر في الأسانيد تمييز رواة الإسناد، وعدم العناية بذلك توقع في كثير من الأخطاء والأوهام، وقد كانت أكثر أوهام الحافظ ابن الجوزي في "التحقيق" من هذه الجهة، وقد ظهرت دقة المنقح في هذا الباب بشكل عجيب، وهذا ما سنشير إلى ملامح حوله في الفقرات التالية.
(1)
النظر إلى شيخ وتلميذ الراوي
من الطرق المهمة لتمييز الراوي المذكور في الإسناد: تمييزه من خلال النظر إلى تلميذه وشيخه، ومن أمثلة ذلك عند المنقح:
- ذكر ابن الجوزي (1/135) حديثًا من طريق شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء، فمن محمد بن عبد الرحمن هذا؟ قال المنقح: (محمد بن عبد الرحمن: هو ابن أبي ليلى، وهو صدوق، وقد تكلم في حفظه، وفي طبقته: محمد بن عبد الرحمن بن عبيد مولى آل طلحة، وهو ثقة، روى له مسلم، وروى(المقدمة/173)
عنه شريك، لكن لا يعرف أنه روى عن عطاء) .
- وأيضًا ذكر المنقح (2/617) حديثًا من رواية أبي معاوية عن أبي بردة عن علقمة بن مرثد، وقال في الكلام عليه: (أبو بردة هو عمرو بن يزيد، وهو ضعيف، تكلم فيه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وغيرهم، وذكر الحاكم أن هذا الحديث على شرط الشيخين، وهو واهم في ذلك، وكأنه ظن أن أبا بردة هو بريد بن عبد الله بن أبي بردة، أحد الثقات المشهورين، المخرج لهم في "الصحيحين"، وليس به، وإن كان أبو معاوية يروي عن بريد، فإن بريدًا لا تعرف له رواية عن علقمة بن مرثد، والله أعلم) .
وانظر أيضًا: (3/334، 418) .
(2)
النظر إلى طبقة الراوي
ومن الطرق المهمة أيضًا: النظر في طبقة الراوي، ومن أمثله ذلك: نقل المنقح (3/359 - 360) عن النسائي الإسناد التالي: أخبرنا محمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبد الرحمن بن حويطب بن عبد العزى الحراني قال: حدثني عثمان - وهو ابن عمرو الحراني - ثنا عمر - يعني: ابن ثابت - عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب، وعلق عليه في الحاشية بقوله: (هذا إسناد غريب، ويبعد أن يكون بين عمر بن ثابت - الراوي عن أبي أيوب - وبين النسائي رجلان، فإما أن يكون راوي هذا الحديث عمر بن ثابت آخر، أو يكون تعينه بـ " ابن ثابت " غلطًا، والله أعلم) .
وانظر أيضًا: (4/204، 646) .(المقدمة/174)
(3)
تعين الراوي على وجه الاحتمال
أحيانًا قد لا يتمكن الناظر في إسناد الحديث من تعيين الراوي الذي في الإسناد على وجه الجزم، فالموقف السديد من ذلك هو تعيين الراوي على جهة الاحتمال، وهذا ما كان يسلكه المنقح، ومن الأمثلة على ذلك:
ذكر المنقح (2/316) حديثًا من طريق المحاملي عن محمد بن موسى البصري، وقال في الكلام عليه: (يحتمل أن يكون شيخ المحاملي: محمد بن يونس بن موسى الكديمي، وهو ضعيف) .
وانظر أيضًا: (3/66) .
(4)
استقصاء جميع الاحتمالات
في حالة وجود أكثر من احتمال في الراوي الوارد في الإسناد، فعلى من يتكلم في الحكم على ذلك الإسناد أن يذكر جميع الاحتمالات ولا يقتصر على بعضها، ومن أمثلة تطبيق المنقح لذلك:
ذكر المنقح (3/287) حديثًا من طريق محمد بن عمران عن أحمد بن موسى عن هارون بن مسلم، وقال في التعليق عليه: (أحمد بن موسى: يحتمل أن يكون الشطوي، وهو أبو جعفر البزار، نزيل سامراء، روى عن محمد بن سابق وزكريا بن عدي، قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق.
ويحتمل أن يكون أحمد بن موسى صاحب اللؤلؤ، وهو ابن أبي مريم، أبو عبد الله البصري، روى عن ابن عون وعاصم الجحدري وأبيه موسى، روى(المقدمة/175)
عنه محمد بن المثنى ونصر بن علي وغيرهما.
ويحتمل أن يكون غيرهما) .
فلم يقتصر بذكر أحد الاحتمالين، بل ذكرهما، ولم يكتف بذلك، بل قال: (ويحتمل أن يكون غيرهما) وهذا منتهى الدقة والتحري في مثل هذا، فرحمه الله تعالى.
وانظر أيضًا: (4/55) .
(5)
نسبة الراوي إلى جده
من أسباب الخطأ في تعيين الراوي الذي في الإسناد: نسبة الراوي إلى جده، وهذا كثير في رجال الحديث، فعلى المشتغل بالتخريج التنبه لذلك، ومن أمثلة عناية المنقح بهذا:
- قوله (3/78) : (محمد بن عمرو بن عطاء ليس بمجهول، لكنه لما نسب إلى جده ظن الدارقطني أنه مجهول، وليس كذلك) .
* * *
منهجه في التحقق من اتصال الإسناد:
التحقق من اتصال الإسناد هو الركن الثاني الذي يقوم عليه الحكم على الحديث، ولذا نجد أئمة الحديث اعتنوا كثيرًا بمسألة سماع الرواة بعضهم من بعض، بل قد ألف بعضهم كتبًا مفردة في هذا الباب، ككتاب " المراسيل " لابن(المقدمة/176)
أبي حاتم وغيره.
وقد اعتنى المنقح بهذا الركن عناية كبيرة، وهذا ما سنبينه في الفقرات التالية:
(1)
مرسل التابعي
قال المنقح في " شرح قصيدة غرامي صحيح " (34) : (والمرسل ما رواه التابعي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي الاحتجاج به خلاف مشهور، والصحيح فيه التفصيل) .
وقد شرح ذلك بالتفصيل في كتابه " الصارم المنكي " (141 - 147) .
ونجد المنقح في "التنقيح" ينص على الاحتجاج ببعض المراسيل، ومن ذلك:
- ذكر المنقح حديثًا من رواية سعيد بن المسيب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلق عليه بقوله (3/128) : (إسناده صحيح كالشمس، لكنه مرسل، ومرسل سعيد حجة) .
(تنبيه) مما يحسن التنبيه عليه هنا أن المنقح يستخدم. مصطلحات الأئمة المتقدمين بمعانيها الواسعة، ومن ذلك مصطلح المرسل، فهو يطلقه على مطلق الانقطاع (انظر مثلاً: 2/558) .
(2)
إبهام الصحابي
كان الحافظ البيهقي يذهب إلى أن الإسناد الذي يبهم فيه التابعيُّ الصحابيَّ(المقدمة/177)
بمعنى المرسل، وهذا مخالف لما عليه أئمة الحديث كالإمام أحمد وغيره، وقد نبه المنقح على خطأ البيهقي فيما ذهب إليه، وأن إبهام الصحابي لا يضر، ومن الأمثلة على كلامه في ذلك ما يلي:
- ذكر المنقح (1/40) حديثًا من رواية حميد الحميري عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم نقل عن البيهقي أنه قال: رواته ثقات، إلا أن حميدًا لم يسم الصحابي الذي حدثه، فهو بمعنى المرسل، ثم تعقبه بقوله: (هذا الحديث ليس بمرسل، وجهالة الصحابي لا تضر) .
- وذكر المنقح (3/244) حديثًا من رواية مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال في التعليق عليه: (رواته أئمة، وجهالة الصحابي لا تضر) .
وانظر: (3/206) .
(3)
إدراك الراوي لشيخه
من أظهر ما يبين الانقطاع في الأسانيد عدم إدراك الراوي لمن يروي عنه، والأمثلة على هذا عند المنقح كثيرة، ومنها:
- ذكر المنقح (4/106) حديثًا من رواية خالد بن معدان عن معاذ بن جبل، ثم قال في التعليق عليه: (إسناده صالح، لكنه منقطع، فإن خالدًا لم يدرك معاذًا) .
وفي المقابل نجد المنقح ينص في بعض المواضع على إدراك الراوي لشيخه، ومن الأمثلة على ذلك:(المقدمة/178)
- ذكر المنقح (3/179) حديثًا من رواية سالم عن حفصة، وعلق في الحاشية: (سالم أدرك حفصة) .
(4)
القرائن التي تفيد عدم السماع
من الأمور المهمة في الاتصال والانقطاع العناية بالقرائن التي تفيد عدم سماع الراوي من شيخه، وهذه بعض نصوص المنقح في ذكر بعض القرائن التي يعمل بها في هذا الباب:
- ذكر المنقح (4/202) حديثًا من طريق مجاهد عن رافع بن خديج، وعلق عليه بقوله: (مجاهد لم يسمع من رافع هذا، بل بينهما واسطة، كما جاء ذلك من غير وجه، والله أعلم هل سمع منه شيئًا أم لا؟) .
- ومن الأمثلة أيضًا: ذكر المنقح (4/139 - 140) حديثًا عند الإمام أحمد أنه قال: ثنا يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: أتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازة ليصلي عليها، فقال: " أعليه دين؟ ". قالوا: نعم، ديناران. قال: " أترك لهما وفاء؟ ".
قالوا: لا. قال: " صلوا على صاحبكم " الحديث، وقال في الكلام عليه: (وقد روي عن عمرو بن الحارث عن بكير عن عبد الله بن أبي قتادة أن رجلاً سأله عن الحديث الذي ذكر في الرجل الذي كان عليه ديناران، فدعي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبى أن يصلي، هل سمعت أباك يذكر ذلك؟ قال: لا، ولكن حدثنيه من أهلي من لا أتهم.
فلعل هذا هو السبب في كون هذا الحديث لم يخرج في " الصحيح "، مع أن الترمذي قد صححه، والله أعلم) .(المقدمة/179)
- وأيضًا ذكر المنقح (3/54) حديثًا من طريق موسى بن طلحة عن معاذ ابن جبل، وعلق عليه بقوله: (زعم الحاكم أن موسى بن طلحة تابعي كبير، لا ينكر أن يدرك أيام معاذ، وفي قوله نظر، وقد ذكر أبو زرعة أن رواية موسى عن عمر مرسلة، ومعاذ توفي في خلافة عمر، فرواية موسى عنه أولى بالإرسال، والله أعلم) .
وانظر: (1/376؛ 3/428) .
(5)
تتبع أحاديث الراوي عن شيخه
المنقح - رحمه الله - لا يقتصر في كلامه عن اتصال الأسانيد وانقطاعها على أقوال علماء الرجال، بل يعتني كثيرًا بتتبع روايات ذلك الراوي عن شيخه، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
- ذكر المنقح (3/124) حديثًا من رواية الحسن عن ابن عباس، وعلق عليه بقوله: (رواته ثقات مشهورون، لكن فيه إرسال، فإن الحسن لم يسمع ابن عباس فيما قيل، وقد جاء في " مسند أبي يعلى الموصلي " في حديث أنه قال: " أخبرني ابن عباس " وهو - إن ثبت - يدل على سماعه منه) .
- وذكر المنقح (3/388) حديثًا من رواية أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس، وقال في التعليق عليه: (قال الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم: لم يسمع ابن سيرين من ابن عباس.
وقد روى البخاري في "صحيحه" حديثًا من رواية أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس، فالله أعلم) .(المقدمة/180)
(6)
التحقيق في صيغ الرواية
كان المنقح - رحمه الله - يدقق في الصيغ التي يروى بها الحديث، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
- ذكر المنقح (1/152) حديثًا من رواية عراك عن عائشة في الترخيص في استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وقال في التعليق عليه: (قال أحمد: أحسن ما روي في الرخصة حديث عراك - وإن كان مرسلاً - فإن مخرجه حسن.
سماه مرسلاً لأن عراكا لم يسمع من عائشة، وقد روى أحمد والدارقطني في بعض طرق هذا الحديث أن عراكًا قال: حدثتني عائشة، وهو يدل على سماعه منها، قال بعضهم: ويقوي ذلك أن مسلمًا أخرج في "صحيحه": ... حدثنا عراك عن عائشة، والمراسيل والمنقطعات ليست من شرط الصحيح.
وقد سأل عبد الرحمن بن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال: لم أزل أقفو أثر هذا الحديث حتى كتبت بمصر: عن إسحاق بن بكر بن مضر - أو غيره - عن بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة موقوف، وهذا أشبه) .
- وذكر المنقح (3/397) أيضًا حديثًا من رواية قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال في التعليق عليه: (وكذلك رواه عمرو بن الحارث المصري عن قتادة، وقال في روايته: " عن قتادة أن سعيد بن جبير حدثه " وذلك معدود في أوهامه، فإن قتادة لم يلق سعيد بن جبير فيما قاله يحيى بن معين، والله أعلم) .
- وذكر المنقح (4/54) أيضًا حديثًا من رواية يوسف بن ماهك عن(المقدمة/181)
عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام، وقال في الكلام عليه: (قال أبو محمد بن حزم: عبد الله بن عصمة مجهول. وصحح الحديث من رواية يوسف نفسه عن حكيم، لأنه قد جاء التصريح بسماعه منه في هذا الحديث في بعض الروايات، والصحيح أن بين يوسف وحكيم في هذا الحديث: عبد الله بن عصمة) .
(7)
موقفه من رواية المدلس
عند ورود رواية لأحد الموصفين بالتدليس فإن المنقح رحمه الله يحرص على ذكر ما يدل على سماع هذا الراوي لهذا الحديث من شيخه، ومن الأمثلة على ذلك:
- ذكر المنقح (4/56) حديثًا من رواية ابن إسحاق قال: حدثني أبو الزناد عن عبيد بن حنين عن عبد الله بن عمر، وقال في كلامه عليه: (إسناده جيد، وقد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، والله أعلم) .
- وذكر المنقح (4/100) أيضًا حديثًا من رواية بقية قال: ثنا خالد بن حميد عن العلاء بن كثير، وقال في التعليق عليه: (قد زال ما يخشى من تدليس بقية بتصريحه بالتحديث) .
وفي مواضع أخرى نجده يتوقف في سماع الراوي الموصوف بالتدليس من شيخه الذي روى عنه، ومن الأمثلة على ذلك:
- قال المنقح (4/492) : (وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق قال: وذكر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجل طعن رجلاً بقرن في رجله ... الحديث.
وليس فيه ذكر سماع ابن إسحاق من عمرو، فالظاهر أنه لم يسمعه منه، والله(المقدمة/182)
أعلم) .
ونجد المنقح أحيانًا يفصل في رواية بعض المدلسين، ومن ذلك:
- ذكر ابن الجوزي (1/340) حديثًا من رواية الوليد بن مسلم قال: أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة، ثم قال: كان الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي - مثل: نافع والزهري -، فيسقط أسماء الرواة الضعفاء، ويجعلها عن الأوزاعي عنهم ا. هـ، وتعقبه المنقح بقوله: (الوليد بن مسلم إمامٌ صدوق مشهور، لكنه يدلس عن الضعفاء، فإذا قال: " ثنا الأوزاعي - أو غيره - أو أنا " فهو حجة، وليس علة الحديث ما ذكره المؤلف، ولم يرو الوليد هذا الحديث عن الأوزاعي، ولكن علة الحديث ما ذكره الترمذي من رواية ابن المبارك عن ثور عن رجاء قال: حدثت عن كاتب المغيرة - مرسل - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يذكر فيه المغيرة) .
- وقال المنقح (4/658) : (رواية بقية عن بحير حسنة أو صحيحة، سواء صرح بالتحديث أو لم يصرح) .
* * *
منهجه في العلل:
الركن الثالث من الأركان التي يقوم عليها الحكم على الحديث: علم العلل، وهو من أدق علوم الحديث، وقد أولاه الحافظ ابن عبد الهادي عناية كبيرة ميزته عن كثير من علماء الحديث المتأخرين.(المقدمة/183)
(1)
طريقة المنقح في التعليل
لقد كان الحافظ ابن عبد الهادي يسير في نقده للأحاديث على طريقة أئمة العلل النقاد، بل حتى نَفَسهُ في الكلام على علل الحديث يشبه نَفَس الأئمة.
والأمثلة على دقة المنقح في تعليل الأحاديث كثيرة، ومنها:
- قال رحمه الله (2/447) : (قال الحسن بن سفيان في "مسنده": ثنا جعفر بن مهران السباك ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا عوف عن الحسن عن أنس قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل يقنت في صلاة الغداة حتى فارقته، وخلف عمر فلم يزل يقنت في صلاة حتى فارقت.
ورواه أبو سعيد النقاش عن بشر بن أحمد بن منصور بن العباس ومحمد ابن أحمد العمري ومحمد بن أحمد بن القاسم الدهستاني قالوا: ثنا الحسن بهذا.
قال الحافظ أبو موسى: وجعفر بن مهران من جملة الثقات، فلم يبق في هذا الإسناد إشكال يطعن به عليه.
وقال أبو خليفة: ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث عن عمرو عن الحسن عن أنس قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يزل يقنت بعد الركوع حتى فارقته، وصليت مع أبي بكر وعمر فلم يزالا يقنتان بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقتهما.
وكذا رواه أبو عمر الحوضي عن عبد الوارث فقال: عن عمرو، وهو ابن عبيد رأس الاعتزال.
وهذا هو المحفوظ عن عبد الوارث، وهو علة لحديث السباك، ولعله(المقدمة/184)
عند عبد الوارث عن هذا وعن هذا لكنه بعيد، ولو كان عند أبي معمر عن عبد الوارث عن عوف ما تأخر البخاري عن إخراجه، والسباك ثقة، لكن الثقة يغلط) .
- ومن الأمثلة أيضًا: ذكر المنقح (3/234) حديث جابر عن عمر قال: هششت يومًا فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: صنعت اليوم أمرًا عظيمًا! قبلت وأنا صائم! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم؟ " ... الحديث، ثم ذكر تضعيف الإمام أحمد والنسائي له، ثم قال (3/ 236) : (وإنما ضعف الإمام أحمد هذا الحديث وأنكره النسائي مع أن رواته صادقون، لأن الثابت عن عمر خلافه، فروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن القبلة للصائم، فقيل له: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبل وهو صائم. فقال: من ذا له من الحفظ والعصمة ما لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!) .
- وأيضًا: ذكر المنقح (4/229) حديثًا من طريق ابن المبارك عن حماد ابن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها "، وعلق عليه بقوله: (واعلم أن حديث سمرة هذا رواته كلهم ثقات.... لكن الحديث منكر جدًا، وهو أنكر ما روي عن الحسن عن سمرة، والله أعلم) .
- وأيضًا: ذكر المنقح (4/521) حديثًا من طريق عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل دية المعاهد كدية المسلم، وقال في الكلام عليه (4/ 523) : (وأما حديث الوقاصي عن الزهري فباطل، والمعروف بإسناده: " لا يرث المسلم الكافر ") .(المقدمة/185)
وانظر أيضًا أمثلة أخرى على دقته في التعليل في المواضع التالية: (1/ 101، 173، 317؛ 3/94، 381؛ 4/80، 224، 428 - 430، 456؛ 5/58، 94) .
(2)
زيادة الثقة
مسألة حكم زيادة الثقة من المسائل المهمة التي يقوم عليها علم العلل، وللحافظ ابن عبد الهادي كلام محرر فيها، ذكره في كتابه "الرد على الخطيب في مسألة الجهر بالبسملة" - كما في "نصب الراية" للزيلعي (1/336 - 337) - وكان مما قال هناك: (من الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقًا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل ... الخ) .
ومن أمثلة تطبيقه للتفصيل الذي أشار إليه، ما يلي:
- ذكر ابن الجوزي (3/130) حديثًا من رواية ابن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد في صدقة الفطر صاع من دقيق، وعلق عليه المنقح بقوله: (هذا حديث حسن، لكن ذكر الدقيق قد أنكر على سفيان) .
- وذكر المنقح في موضع أخر (3/423) الإسناد الذي رويت به زيادة: " وتعتمر " في حديث جبريل، وهي من طريق يونس بن محمد عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر، ثم قال: (هذا الحديث رواه مسلم في " الصحيح " عن حجاج بن الشاعر عن يونس بن محمد إلا أنه لم يسق متنه، وهذه الزيادة فيها شذوذ، والله أعلم) .
- وذكر ابن الجوزي (4/322 - 323) حديثًا من رواية محمد بن عبد الباقي بن سليمان عن أحمد بن أحمد عن أبي نعيم عن محمد بن علي عن الحسين بن(المقدمة/186)
محمد عن أحمد بن سنان عن يزيد بن هارون عن حماد عن ثابت عن أنس أن أبا طلحة خطب أم سليم ... وفيه أنها قالت: يا أنس، زوج أبا طلحة، فعلق عليه المنقح بقوله: (اعلم أن هذا الحديث - وإن كان إسناده صحيحًا - إلا أن قوله: " قالت: يا أنس، زوج أبا طلحة " شاذ منكر، وقد روى النسائي وغيره هذا الحديث من رواية جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس، وليس فيه أن أنسًا كان وليًا، وهو الصحيح) .
- وذكر ابن الجوزي (4/80) حديثًا عند الإمام أحمد من رواية الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أنها استفت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فأرة سقطت في سمن لهم جامد ... الحديث وقال: انفرد بإخراجه البخاري، وعلق عليه المنقح بقوله: (هذا الحديث لم يخرجه البخاري من حديث الأوزاعي، إنما رواه من حديث سفيان وغيره عن الزهري، وليس عنده: " جامد " ... ولم يخرجه أحد من أصحاب " السنن " أيضًا من حديث الأوزاعي، وقد روى هذه اللفظة - وهي قوله: " جامد " - النسائي من رواية ابن مهدي عن مالك عن الزهري، والبيهقي من رواية حجاج بن منهال عن سفيان، والظاهر أنها خطأ، فإن أكثر أصحاب مالك وسفيان لم يذكروا هذه اللفظة ... الخ) .
(3)
الاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع
ومما يتصل بمسألة زيادة الثقة: الاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع، وقد صرح المنقح رحمه الله باختياره في هذه المسألة في موضعين من "التنقيح"، وإليك نص كلامه:
قال المنقح (1/188) : (إذا روى بعض الثقات حديثًا فأرسله، ورواه بعضهم فأسنده، فقد اختلف أهل الحديث في ذلك:(المقدمة/187)
فحكى الخطيب أن أكثر أصحاب الحديث يرون: أن الحكم في هذا للمُرْسِل.
وعن بعضهم: أن الحكم للأكثر.
وعن بعضهم: أن الحكم للأحفظ.
وصحح الخطيب أن الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطًا، وسواء كان المخالف له واحدًا أو جماعة.
والصحيح أن ذلك يختلف: فتارة يكون الحكم للمُرْسِل، وتارة يكون للمُسنِد، وتارة للأحفظ) .
وقال في موضع آخر (1/207) : (وهذه الطريقة التي سلكها المؤلف - يريد ابن الجوزي - ومن تبعه " في أن الأخذ بالمرفوع في كل موضع " طريقة ضعيفة، لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل) .
وقد سار على هذه الطريقة في تطبيقاته العملية كما يظهر بمراجعة الأمثلة التي ذكرناها تحت الكلام عن طريقته في التعليل.
(4)
الغرابة والتفرد
مصطلح " الغريب " من المصطلحات الشائعة عند علماء الحديث المتقدمين، ولكنه أصبح من المصطلحات الغريبة عند المتأخرين فضلاً عن المعاصرين.
ولا شك أن الغرابة لها أثر كبير في الحكم على الحديث، ونصوص علماء الحديث في ذلك كثيرة.(المقدمة/188)
وكان من منهج النقاد النظر في الإسناد هل هو معروف ومشهور، أم أنه غريب؟! وقد شرح الإمام الترمذي رحمه الله هذه القضية بكلام نفيس في كتاب " العلل الصغير "، وأشار إليها الإمام أبو داود في " رسالته لأهل مكة ".
ولكن غاب هذا عند المتأخرين إلا قلة ممن سلك نهج الأئمة المتقدمين، ومن هؤلاء القلة الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله، فكانت قضية الغرابة من الأمور التي يلاحظها في الإسناد قبل الحكم عليه.
وقد ظهر ذلك من خلال ثلاثة أمور:
1) النظر في المصدر الذي خرج الحديث، فمعلوم أن جل الأحاديث المشهورة قد جمعها أصحاب الكتب الستة، ولا يكاد يفوتهم منها إلا النزر اليسير - وبالذات أحاديث الأحكام -، وهذا اليسير لا يخرج أيضًا في الغالب عن أمهات السنة الأخرى كمسند أحمد ومسند أبي يعلى.
ولذا فإنا نجد الحافظ ابن عبد الهادي يعتني بذكر من خرج الحديث من أصحاب الكتب الستة، لأن في ذلك دليل على شهرته وعلى أنه حديث معروف، كما أنه يشير في بعض الأحيان إلى أن الحديث غير مخرج في شيء من الكتب الستة، وهذا - والله أعلم - إشارة منه رحمه الله إلى استغرابه للحديث، لأننا لا نجد أن ذلك مطردًا عنده في كل حديث يكون في خارج الكتب الستة.
ومن أمثلة ذلك:
ذكر المنقح (3/232) حديثًا عند الإمام أحمد من طريق عبد الصمد عن بشار بن عبد الملك عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها بعد أن كانت قد نسيت فأكلت وهي صائمة: " أتمي صومك، فإنما هو رزق ساقه الله إليك ": (هذا حديث غريب غير مخرج في " السنن "، وبعض رواته(المقدمة/189)
ليس بمشهور) .
كما نجده أحيانًا ينص على ضعف الحديث وشذوذه ويذكر في ضمن القرائن التي تدل على ذلك عدم تخريج أصحاب أمهات السنة له، ومن أمثلة ذلك:
ذكر المنقح حديث أنس في نسخ الفطر بالحجامة، وقال في التعليق عليه (3/276) : (هذا الحديث حديث منكر لا يصلح الاحتجاج به، لأنه شاذ الإسناد والمتن، ولم يخرجه أحد من أصحاب المسانيد المعروفة، ولا يعرف في الدنيا أحد رواه إلا الدارقطني عن البغوي، وقد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسي في "المستخرج" ولم يروه إلا من طريق الدارقطني وحده، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره كما عرف من عادته أنه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها كمسند أحمد وأبي يعلى الموصلي ومحمد بن هارون الروياني و"معجم الطبراني" وغير ذلك من الأمهات، وكيف يكون هذا الحديث صحيحًا سالمًا من الشذوذ والعلة ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة ولا المسانيد المشهورة وهم محتاجون إليه أشد حاجة؟!
والدارقطني إنما جمع في كتابه " السنن " غرائب الأحاديث، والأحاديث المعللة والضعيفة فيه أكثر من الأحاديث الصحيحة السالمة من التعليل) .
2) النظر في رواية الراوي عن شيخه، فمعلوم أن رواية الراوي عن شيخ ما قد تستغرب إما لقلة روايته عنه، أو لروايته عنه ما يستنكر، أو لورودها بإسناد فيه نظر، ونحو ذلك، وكان الحافظ ابن عبد الهادي ينبه على هذه القضية، فنجده في بعض الأحيان ينص على أن رواية فلان عن فلان غريبة.
ومن أمثلة ذلك:(المقدمة/190)
ذكر المنقح (3/112) حديثًا من رواية أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وعلق عليه بقوله: (الحارث لا يحتج به، وقد رواه سلامة ابن روح ثنا عقيل بن خالد عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي موقوفًا، ورواية عقيل عن أبي إسحاق غريبة جدًا) .
ونجد في " الصارم المنكي " كلامًا كثيرًا حول قضية تفرد الراوي عن راو من الرواة (انظر: 32، 33، 34، 38، 69، 70، 78، 119، 250، 253، 363) .
3) النظر في الإسناد الذي روي به الحديث، فمعلوم أيضًا أن هناك سلاسلاً معروفة تروى بها الأحاديث، وإذا روي الحديث بسلسلة مشهورة فهذا مما يقوي الحديث إلا إذا وقعت مخالفة من أحد الأثبات فقد يرجح النقاد الطريق المخالف لتلك السلسلة، ويعدون من روى الحديث بتلك السلسة مخطئًا، وهو ما يسمى بـ " سلوك الجادة ".
ونجد أن الحافظ ابن عبد الهادي قد اعتنى بهذا الأمر كثيرًا في كتابه، فيذكر في مواضع عدد الأحاديث التي رويت بتلك السلسلة، وذلك لأن كثرة الأحاديث المروية بها مما يدل على شهرتها، وأما قلة الأحاديث التي تروى بها فهو يدل على غرابتها.
وكذلك أيضًا وجود بعض أسانيد تلك السلسلة في أحد الكتب الستة مما يقويها، لاسيما ما كان منها في الصحيحين، ولهذا كان الحافظ ابن عبد الهادي يلاحظ هذا أيضًا.
ومن أمثلة ذلك:
- قال ابن عبد الهادي في التنقيح (3/78) : (تفرد به أبو داود وإسناده(المقدمة/191)
حسن غريب، وقد روى به أبو داود أحاديث) .
وانظر أيضًا: (4/186) .
(5)
نقد المتون
العلاقة بين المتن والإسناد علاقة وثيقة بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر عند النظر في الحديث والحكم عليه، ومما يميز الأئمة المتقدمين أنهم يجمعون أثناء حكمهم على الأحاديث بين نظرين: النظر إلى الإسناد والنظر إلى المتن، ولا يكتفون بأحدهما عن الآخر، بينما نجد أن المتأخرين في الغالب يقتصرون على النظر في الإسناد ويغفلون عن النظر في المتن، وهذا مما أوجد خللاً كبيرًا في حكمهم على كثير من الأحاديث بما يخالف أحكام المتقدمين.
والحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله - من قلائل علماء الحديث المتأخرين الذين جمعوا في حكمهم على الأحاديث بين النظر في الإسناد والنظر في المتن.
ومن أمثلة ذلك:
- قال المنقح (2/520) - عن حديث عائشة: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة في رمضان -: (هذا حديث منكر، وقوله: " في عمرة رمضان " باطل، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعتمر في رمضان قط) .
- ذكر المنقح (4/40) حديث جابر عند النسائي قال: أخبرنا محمد بن منصور ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: أدركني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنت على ناضح لنا، فقلت: لا يزال لنا ناضح سوء، يا لهفاه. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تبيعنيه يا جابر؟ " قلت: بل هو لك يا رسول الله. قال: " اللهم اغفر له،(المقدمة/192)
اللهم ارحمه، قد أخذته بكذا وكذا، وقد أعرتك ظهره إلى المدينة ". وقال في التعليق عليه: (هذا إسناد صحيح، لكن إسناد الاشتراط أصح وأثبت، وقد ذكر البخاري الاختلاف في لفظ هذا الحديث ... ثم قال: ... الاشتراط أكثر وأصح عندي) .
فنجده هنا لم يكتف بالنظر إلى الإسناد بل نظر في المتن أيضًا، وبين مخالفته للأصح والأثبت، وتبع في ذلك طريقة الإمام البخاري.
- ذكر المنقح (5/54 - 55) حديثًا رواه الدارقطني، فقال: حدثنا أحمد ابن محمد بن زياد القطان ثنا جعفر بن محمد بن كزال ثنا محمد بن نعيم بن هارون ثنا كثير بن مروان ثنا غالب بن عبيد الله العقيلي عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من جعل عليه نذرًا في معصية فكفارة يمين، ومن جعل عليه نذرًا فيما لا يطيق فكفارة يمين، ومن جعل عليه نذرًا فيما لم يسمه فكفارة يمين، ... الخ ".
ثم علق عليه بقوله: (هذا الحديث لا يصح ولا يثبت، وفيه غير واحد من الضعفاء ... وليت هذا الحديث يصح عن عطاء من قوله! والله أعلم) .
فالمنقح رحمه الله لم يكتف بالنظر في الإسناد، بل نظر في المتن أيضًا فوجده لا يشبه كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من جنس كلام الفقهاء كعطاء وغيره، فأشار إلى ذلك بقوله: " ليته يصح عن عطاء من قوله "، والله أعلم.
- ذكر المنقح حديثًا من رواية معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه في قصة صيده الحمار الوحشي وفيه: فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فأكلوا، ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له. ثم قال المنقح (3/ 488 - 489) : (الظاهر أن هذا الذي انفرد به معمر غلطٌ، فإن في "الصحيحين" أن(المقدمة/193)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل منه) .
وانظر: (2/38؛ 3/15، 276؛ 4/370، 403) .
(6)
المتابعات والمخالفات
هذه المسألة من المسائل الشائكة جدًا في علم الحديث، وذلك أن تعدد طرق الحديث موجود بكثرة، ولكن هذا التعدد تارة يكون مقويًا للحديث، وتارة أخرى يكون معلاً للحديث، والتفريق بين الحالين يحتاج إلى دقة وطول مراس في هذا الفن، ومن خلال دراسة أمثلة هذه المسألة في كتاب "التنقيح" يظهر دقة المنقح رحمه الله تعالى، وسوف نشير إلى بعض الملامح المتعلقة بذلك: فابتدأ نقول: إن المنقح رحمه الله قد قوى جملة من الأحاديث - وإن كانت ليست بالكثيرة - بتعدد طرقها، ومن الأمثلة على ذلك:
- ذكر المنقح (4/75) حديث ابن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة أو يتركا "، وقال في الكلام عليه: (الذي يظهر أن حديث ابن مسعود في هذا الباب بمجموع طرقه له أصل، بل هو حديث حسن يحتج به، لكن في لفظه اختلاف كما ترى، والله أعلم) .
- وذكر المنقح (4/273) حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، والولد الذي لاعنت عليه "، وقال في الكلام عليه: (واعلم أن هذا الحديث قد تكلم فيه الشافعي وغيره، لكن له شواهد تقويه، والقياس يشهد له ولشواهده بالصحة ... الخ) .(المقدمة/194)
- وذكر المنقح (4/284 - 285) حديثًا من طريق الأعمش عن سالم عن ثوبان، وعلق عليه بقوله: (رواه ابن ماجه من رواية منصور عن سالم، وهو ابن أبي الجعد، ولم يسمع من ثوبان، بينهما معدان. قاله أحمد بن حنبل، وقد رواه أبو كبشة السلولي وسلمان بن شمير وعبد الرحمن بن ميسرة عن ثوبان، فهو إذا حديث صحيح) .
وأيضًا نجد المنقح يشير إلى التفريق بين الراوي الضعيف الذي يصلح حديثه للمتابعة، والراوي الضعيف الذي لا يصلح حديثه للمتابعة، ومن الأمثلة على ذلك:
- ذكر المنقح حديثًا من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء، وقال في التعليق عليه (3/120) : (حديث أسماء من رواية إمام عن ابن لهيعة - وهو ابن المبارك - وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة) .
فتجده هنا قد لاحظ مكانة الراوي عن ابن لهيعة، وحال حديث ابن لهيعة.
ومما ينبغي أن ينتبه له: أن حديث الراوي الضعيف الذي يصلح حديثه للمتابعة قد يرد ولا يقبل، وذلك عند وجود دليل أو قرينة على خطئه، ومن الأمثلة على ذلك عند المنقح:
- سبق لنا قريبًا أن المنقح نص على أن حديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة، ولكننا نجده في موضع آخر لا يقبل متابعة ابن لهيعة، بل يردها، فذكر حديثًا عند الترمذي قال: حدثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح(المقدمة/195)
ابنتها ... " الحديث، قال الترمذي: هذا حديث لا يصح من قبل إسناده، إنما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح عن عمرو، وابن لهيعة والمثنى يضعفان. فعلق عليه المنقح (4/346) بقوله: (الأشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن مثنى، ثم أسقطه، وقال: " عن عمرو"، وقد قال أبو حاتم الرازي: لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئًا) .
- ومن الأمثلة أيضًا: ذكر المنقح (4/314) حديثًا من رواية عبد الرزاق عن معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير عن ابن عباس، وأن الدارقطني قال عنه: لم يسمعه صالح من نافع، وإنما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه، قال النيسابوري: والذي عندي أن معمرًا أخطأ فيه. وعلق عليه المنقح بقوله: (رواه أبو داود عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق به، ورواه النسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق، وقال: لعل صالح بن كيسان سمعه من عبد الله بن الفضل. ورواه عن أحمد بن سعيد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل.
وقال ابن حبان في " الأنواع ": ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم.
ثم ذكره من رواية صالح عن نافع ولم يصنع شيئًا، فإن صالحًا إنما سمعه من عبد الله بن الفضل، والله أعلم) .
- ومن الأمثلة على ذلك أيضًا أن المنقح (3/376) ذكر حديثًا من طريق محمد بن إسحاق السوسي عن عبد الله بن محمد بن نصر الرملي عن محمد بن يحيى عن عبد العزيز عن أبي سهيل عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه "، وقال في التعليق عليه: (هذا الحديث رفعه وهم، والصواب أنه موقوف، وإن كان السوسي قد تابعه غيره) .(المقدمة/196)
ونجده في بعض المواضع يضعف الحديث رغم تعدد طرقه، ولكنها تكون شديدة الضعف، وبالتالي هي غير قابلة للتقوية، ومن أمثلة ذلك:
- ذكر المنقح حديثًا من رواية خالد بن الوضاح عن أبي الخصيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بد في النكاح من أربعة: الولي والزوج والشاهدين "، وعلق عليه بقوله: (هذا الحديث منكر جدًا، والأشبه أن يكون موضوعًا، وقد روي نحوه من وجهن ضعيفين عن أبي هريرة مرفوعًا، ومن وجه آخر ضعيف عن ابن عباس مرفوعًا، وروي من وجه آخر صحيح عن قتادة عن ابن عباس موقوفًا، إلا أنه منقطع، لأن قتادة لم يدرك ابن عباس، والله أعلم) .
وانظر (4/261) .
* * *
منهجه في مسائل أخرى من علوم الحديث:
(1)
رواية صاحبي الصحيحين لأحاديث ليست على شرطهما
قال المنقح (2/150) : (روى مسلم في "صحيحه": ثنا محمد بن مهران الرازي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.(المقدمة/197)
وهو منقطع، فإن عبدة - وهو ابن أبي لبابة - لم يدرك عمر، وإنما رواه مسلم لأنه سمعه مع حديث غيره، فرواهما جميعًا وإن لم يكن على شرطه) .
(2)
الأحكام الضمنية على الأحاديث
سبق الكلام عن عناية المنقح بالأحكام الضمنية في الجرح والتعديل، وفي هذه الفقرة سوف نشير إلى عنايته بها في الحكم على الأحاديث، وذلك من خلال الصور التالية:
1 - رواية أحد صاحبي الصحيح، أو أحد أصحاب السنن الأربعة، لحديث أو أكثر بنفس إسناد حديث آخر، ومن أمثلة ذلك قال المنقح (2/128) - في كلامه على حديث من رواية علي بن يحيى عن أبيه عن رفاعة -: (وقد روى البخاري حديثًا من رواية علي بن يحيى عن أبيه عن رفاعة بن رافع) .
ومن أمثلة ذلك أيضًا: ذكر المنقح (2/504) حديثًا من رواية قتيبة عن عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، ثم قال: (هذا الإسناد روى به مسلم نحوا من أربعة عشر حديثًا) .
وانظر: (3/253) .
2 - ذكر كلام الناقد في حديث للراوي عن شيخ من شيوخه، من أمثلة ذلك: ذكر المنقح حديثًا من رواية نعيم بن حماد عن الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال، ثم قال في تعليقه عليه (3/87) : (نعيم والدراوردي لهما ما ينكر، والحارث لا يعرف حاله، وقد تكلم الإمام أحمد بن حنبل في حديث رواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث) .(المقدمة/198)
ومن أمثلة ذلك أيضًا: قال المنقح (4/217) معلقًا على حديث من رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر: (قد صحح الترمذي حديثًا من رواية حبيب عن ابن عمر) .
3 - احتجاج الناقد بالحديث (انظر مثلاً: 1/223، 225؛ 2/665؛ 4/167؛ 5/58، 68) .
(3)
الموقوف الذي له حكم الرفع
ذكر ابن الجوزي (4/641) حديث ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أحلت لنا ميتتان ... "، وعلق عليه المنقح بقوله: (الصحيح في هذا الحديث ما رواه سليمان بن بلال - الثقة الثبت - عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: أحلت لنا ميتتان ... وهو موقوف في حكم المرفوع، والله أعلم) .
(4)
التصحيف
ذكر المنقح (4/158) حديثًا من طريق صالح بن العلاء بن بكير عن إسحاق بن عبد الواحد، وقال في الكلام عليه: (صالح بن العلاء: لا أعرفه، وكأنه مصحف، والظاهر أنه: صالح بن محمد الحافظ) .
وانظر: (3/65) .
(5)
لطائف الإسناد
هناك مسائل في علوم الحديث قد لا يكون لها أثر ني الحكم على الحديث(المقدمة/199)
أو الراوي، ولكن يكون فيها لطافة، فيعتني العلماء أحيانًا بذكرها، وقد سار المنقح على طريقتهم، فنجده يذكر في "التنقيح" بعض اللطائف، ومن الأمثلة على ذلك:
- رواية الصحابة عن التابعين: 1/353.
- ذكر أن رواة الإسناد من أولاد المحدثين: 3/90.
* * *(المقدمة/200)
الاختيارات الفقهية للمنقح
نص المنقح في بعض المسائل الفقهية المذكورة في الكتاب على اختياره فيها، ولقد كان رحمه الله متحريًّا للدليل فيما يرجحه من الأقوال، وإليك قائمة بالمسائل التي كان للمنقح فيها اختيارًا، وقد بلغت (13) مسألة، وهي:
1 - حكم الماء المستعمل في رفع الحدث:
قال المنقح (1/36) : (المستعمل في رفع الحدث فيه ثلاث روايات عندنا، وفيه خلاف عند الأئمة الأربعة وغيرهم، والصحيح من حيث الدليل أنه طهور، وقد استدل أصحابنا بأحاديث في الاستدلال بها نظر) ا. هـ.
2 - إذا خاف الحاضر ضرر البرد تيمم:
قال المنقح (1/384) : (الصحيح أنه يجوز له التيمم، وهو قول أكثر أهل العلم، لحديث عمرو بن العاص.
فإن تيمم وصلى، ثم قدر على استعمال الماء، فهل تلزمه الإعادة؟ فيه روايتان:
إحداهما: لا تلزمه، وهو قول أبي حنيفة ومالك لحديث عمرو، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمره بالإعادة، ولو وجبت لأمره بها، فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
والثانية: تلزمه الإعادة في الحضر دون السفر، وهو قول أبي يوسف ومحمد.
والأول أصح) .(المقدمة/201)
3 - صيغة التشهد في الصلاة:
قال المنقح (2/274) : (بأي تشهد تشهد مما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاز) .
4 - بداية وقت النهي عن الصلاة:
قال المنقح (2/381) : (الصحيح أن النهي في الفجر لا يتعلق بطلوعه، بل بفعل الصلاة كالعصر، وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد) .
5 - المسافة التي يجوز فيها القصر:
قال المنقح (2/516) : (والصحيح جواز القصر في السفر الطويل والقصير) .
6 - مقدار المجزئ في زكاة الفطر:
قال المنقح (3/120) : (القول بإيجاب نصف صاع من بر قول قوي، وأدلته كثيرة) .
7 - الكحل للصائم:
قال المنقح (3/250) : (الأظهر في الجملة أن الكحل لا يفطر الصائم، لعدم الدليل الدال على ذلك من نص أو قياس صحيحين، والله الموفق للصواب) .
8 - اشتراط للصيام لصحة الاعتكاف:
قال المنقح (3/366) : ( ... وهذا القول هو القوي - إن شاء الله - وهو أن الصيام شرط في الاعتكاف، فإن الاعتكاف لم يشرع إلا مع الصيام، فإن غالب اعتكاف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إنما كان في رمضان، وقول عائشة: " أن(المقدمة/202)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكف في العشر الأول من شوال " ليس بصريح في دخول يوم الفطر، بجواز أن يكون أول العشر الذي اعتكفه باقي يوم الفطر، بل هذا هو الظاهر، وقد جاء مصرحًا به في حديث " فلما أفطر اعتكف "، والله أعلم) .
9 - نوع النسك الذي حج به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قال المنقح (3/434) : (التمتع في عرف أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل فيه القران، ويدخل فيه التمتع الخاص، ولم يحج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متمتعًا التمتع الخاص، لأنه لم يحل من عمرته، بل المقطوع به أنه قرن بين الحج والعمرة، لأنه قد ثبت عنه أنه اعتمر أربع عمر، وأن العمرة الرابعة كانت مع حجته، وقد ثبت عنه أنه لم يحل منها قبل الوقوف بقوله: " لولا أن معي الهدي لأحللت، وثبت أنه لم يعتمر بعد الحج، فإن ذلك لم ينقله أحد عنه، وإنما اعتمر بعد الحج عائشة وحدها، فتحصَّل من مجموع ذلك أنه كان قارنًا، وعلى هذا تجتمع جميع أحاديث الباب، والله أعلم) .
وقال أيضًا (3/445) : (والصواب أنه صلوات الله عليه كان قارنًا، أحرم بالحج والعمرة جميعًا، وطاف لهما طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا) .
10 - ميراث الجد مع الإخوة:
قال المنقح (4/267) : (الصحيح أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات، كما يسقطهم الأب، وهذا قول أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
11 - الصيغة التي ينعقد بها النكاح:
قال المنقح (4/338) : (النكاح ينعقد بكل واحد منها - أي: صيغة(المقدمة/203)
زوجتكها وملكتكها وأنكحتكها - على الصحيح) .
12 - مقدار الكفارة:
قال المنقح (4/433) : (الصحيح أن الإطعام في الكفارة غير مقدر بالشرع، بل يرجع فيه إلى العرف، والله أعلم) .
13 - ما يكون به القود:
قال ابن الجوزي: (مسألة: لا قود إلا بالسيف، وعنه: يقتل بمثل الآلة التي قتل بها، وهو قول مالك والشافعي) .
قال المنقح (4/493) : (الصحيح في هذه المسألة هو الرواية الثانية، قال أحمد: إنه لأهل أن يفعل به كما فعل ... الخ) .
هذه هي المسائل التي نص الحافظ ابن عبد الهادي على اختياره فيها، وثَمَّ مسائل أخرى ذكر فيها بعض الفوائد أو ظهر ميله فيها إلى قول من الأقوال ولكنه لم ينص على اختياره فيها (انظر: 1/13 - 15، 128، 347، 356؛ 2/ 348، 360، 446، 467، 562؛ 3/151، 185، 199، 278، 387، 424، 533؛ 4/121، 129، 243، 245، 265، 304، 307، 336، 416، 523، 600، 627؛ 5/40) .
* * *(المقدمة/204)
المبحث الرابع: موارد المنقح
(1)
المصادر الأصلية والمصادر الفرعية
المعلومات التي ينقلها المؤلف عن غيره منها ما ينقله من مصادره الأصلية، ومنها ما ينقله من مصادر فرعية، وتارة يسمي المصدر الذي ينقل منه وتارة لا يسميه، ومن أراد الوقوف على أسماء الموارد التي صرح باسمها فسيجدها في فهرس الكتب (1) .
وسوف نشير هنا إلى أهم الموارد التي اعتمدها المنقح، كما سنذكر بعض المواضع التي تعقب فيها المنقح أصحاب الكتب التي ينقل عنها، وذلك أن تتبع هذه المواضع مما يظهر مكانة المنقح العلمية، وأنه عالم محقق وليس مجرد ناقل كما زعم بعضهم!
أولاً: كتب الأحاديث المسندة:
- الموطأ للإمام مالك:
يعد " الموطأ " من أقدم موارد المنقح، وقد أفاد منه في تخريج بعض الأحاديث.
- الصحيحان (صحيح البخاري، وصحيح مسلم) :
وهما من أهم موارد المنقح في تخريج الأحاديث.
__________
(1) مع ملاحظة أن فهرس الكتب يشمل الكتب الواردة في كلام ابن الجوزي أيضًا.(المقدمة/205)
وأيضًا في الترجمة للرواة وذلك من خلال النص على رواية الشيخين أو أحدهما للراوي، وصفة تلك الرواية، كما سبق بيانه في الكلام عن المنهج العلمي للمنقح.
وأيضًا نجد المنقح يستفيد من كلام الإمام البخاري - بالذات - في "صحيحه" على علل بعض الأحاديث.
- السنن الأربعة (سنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه) :
تعد هذه الكتب من أهم موارد المنقح أيضًا في تخريج الأحاديث.
وكذلك في الترجمة للرواة من خلال النص على رواية أصحاب هذه الكتب للراوي.
وهي أيضًا من أهم مصادره في نقل كلام أصحابها على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، فكان لا يترك حكمًا للترمذي على حديث من الأحاديث إلا ويذكره، ومعلوم أن الترمذي لا يكاد يترك حديثًا من الأحاديث التي يخرجها إلا ويحكم عليه.
ويعد كتاب "السنن الكبير" للنسائي من أكثر المصادر التي نقل عنها فيما يتعلق بتعليل الأحاديث (انظر مثلاً: 3 /179 - 182، 258 - 260، 260 - 266، 266 - 268) .
وقد تعقب المنقح بعض هؤلاء الأئمة (انظر مثلاً: 2/27؛ 3/92، 109، 256، 262، 360، 430) .(المقدمة/206)
- مسند الإمام أحمد:
هو أيضًا من المصادر المهمة للمنقح في تخريج الأحاديث، وفي ذكر كلام الإمام أحمد على بعض الأحاديث والرواة.
- صحيح ابن خزيمة:
هو أيضًا مصدر مهم من مصادر المنقح في تخريج الأحاديث والكلام على الرواة.
وهو أيضًا من مصادره في نقل فقه ابن خزيمة (انظر: 1/128) .
وقد تعقبه في بعض المواضع (انظر: 2/72) .
- الأنواع والتقاسيم لابن حبان (صحيح ابن حبان) :
هو من مصادره المهمة في تخريج الأحاديث والكلام عليها.
وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر: 4/314، 452) .
- معاجم الطبراني الثلاثة:
هي من مصادره أيضًا، وأكثرها من جهة النقل عنه "المعجم الكبير".
وقد تعقبه في مواضع يسيرة (انظر: 4/360) .
- مسند أبي يعلى:
هو من المصادر المهمة للمنقح في تخريج الأحاديث، ويغلب على ظننا أن المنقح كان ينقل عنه بواسطة "المختارة" للضياء، والله أعلم.
و"مسند أبي يعلى" له روايتان: رواية مختصرة من طريق ابن حمدان(المقدمة/207)
- وهي المطبوعة -، ورواية أخرى أكبر منها برواية ابن المقرئ، والمنقح كان ينقل عن رواية ابن المقرئ ولذا فإن جملة من الأحاديث والأسانيد التي ذكرها المنقح عن أبي يعلى لم نقف عليها في الرواية المطبوعة (انظر مثلاً: 1/392؛ 2/ 56، 223، 316، 523؛ 3/202، 346) .
ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن المنقح ينقل أيضًا عن كتاب آخر لأبي يعلى هو" المعجم " (انظر: 3/407، 409؛ 4/297) .
- سنن الدارقطني:
كما كان كتاب " السنن " من أهم موارد ابن الجوزي في "التحقيق" فقد كان كذلك في "التنقيح" لابن عبد الهادي، فكان المنقح يراجعه للتحقق من دقة نقل ابن الجوزي، وقد ظهر من خلال ذلك وجود عدة أوهام عند ابن الجوزي فيما نقله عن " السنن " (انظر مثلاً: 1/281) .
وأيضًا أفاد منه في تخريج الأحاديث والكلام على الأحاديث والرواة.
ويبدو أن نسخة المنقح من كتاب " السنن " كان فيها خرمًا، إذ نجده في بعض المواضع يستشكل بعض نقول ابن الجوزي عن الدارقطني ولا يبين وجه الصواب.
وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر مثلاً: 2/308؛ 3/276) .
- المستدرك للحاكم:
هو من مصادر المنقح المهمة في التخريج والحكم على الأحاديث والرواة.
وقد تعقب المنقحُ الحاكمَ في مواضع كثيرة (انظر: 1/213؛ 2/193، 194، 197، 202، 251، 539، 617؛ 3/54، 85، 87، 101،(المقدمة/208)
106، 236؛ 4/102، 184، 429؛ 5/68) .
وقد ظهر من خلال التتبع أن جل النقول التي في "التنقيح" عن "المستدرك" إنما أخذها عن "تلخيصه" للحافظ الذهبي، ولذا تجد فرقًا ظاهرًا بين النصوص التي ينقلها من كلام الحاكم وبين ما في مطبوعة "المستدرك"، وفي المقابل تجد اتفاقًا بينها وبين "تلخيص المستدرك" للذهبي (انظر مثلاً: 1/102، 319 - 320، 332، 380) .
نعم هناك مواضع نقل فيها المنقح عن الحاكم أحاديث رواها الحاكم بإسنادها (انظر مثلاً: 2/193) ، فهذه المواضع إما أن يكون قد أخذها من "المستدرك" أو من مصدر آخر غير "التلخيص" للذهبي، والله تعالى أعلم.
- السنن الكبير للبيهقي:
وهو من أهم مصادر المنقح في التخريج، وفي الكلام على الأحاديث، وكان ينقل عنه نصوصًا طويلة.
وللمنقح عناية خاصة بكتاب البيهقي هذا، فهو يكثر من النقل عنه، وأيضًا يجمع بين كلامه المتفرق في الكتاب في موضع واحد، وفي هذا دليل على مزيد عنايته به.
وقد تعقبه في مواضع (انظر: 1/40، 225؛ 3/427 - 428؛ 4/ 123، 166، 673) .
- المختارة للضياء:
هو من مصادر المنقح المهمة، ونجد المنقح يشير إليه في بعض المواضع، وذكر المنقح (2/566) حديثًا، ثم علق عليه بقوله: (رواه الحافظ أبو عبد الله(المقدمة/209)
محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" ولم يتكلم عليه) ا. هـ، فقد يفهم من هذا أن الضياء إذا نقل عن أحد الأئمة كلامًا في حديث من الأحاديث فإن ذلك يدل على تعليله للحديث أو توقفه عن تصحيحه، وإنما ذكره مع بيان ما فيه من علة حتى لا يستدرك عليه، وعليه فلا يكون مجرد تخريج الضياء للحديث في "مختارته" تصحيحًا منه له، بل لا بد من تقييد ذلك بأنه لم ينقل شيئًا في تعليله، وهو قد أشار إلى هذا في مقدمة كتابه بكلام محتمل، والمسألة تحتاج إلى مزيد تحرير، والله أعلم.
ونجد المنقح أيضًا يستأنس على ضعف الحديث بعدم ذكر الضياء له في "المختارة" كما سيأتي ذكر مثال على ذلك تحت الكلام عن تقويم المنقح لموارده.
ثانيًا: كتب الرجال والتراجم:
- التاريخ الكبير للبخاري:
هو من مصادره المهمة في الترجمة للرواة، وكان المنقح لا يكتفي بالنقول عنه في المصادر الفرعية، بل كان يرجع إليه بدون واسطة، وفي حالة وجود اختلاف بين ما فيه وبين ما نقل عنه فإن المنقح ينبه على ذلك.
وقد تعقبه المنقح في بعض المواضع (انظر: 3/342) .
- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم:
هو من أهم موارده في الترجمة للرواة.
ونجد المنقح أحيانًا ينص على أنه لم يجد للرجل ذكرًا في "الجرح والتعديل" (انظر: 1/95؛ 2/14) .
وأحيانًا يذكر أن ابن أبي حاتم ذكره ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً (انظر: 1/105؛ 5/45) .(المقدمة/210)
وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر: 2/415؛ 3/342؛ 4/580) .
- الضعفاء للعقيلي:
هو من موارده في الترجمة للرواة، وأيضًا في الكلام على بعض الأحاديث وفي تخريجها.
- الكامل لابن عدي:
هو من موارده المهمة في الترجمة للرجال، وأيضًا في تخريج بعض الأحاديث، والكلام عليها.
وقد تعقبه المنقح في بعض المواضع: (انظر: 3/249) .
- الثقات لابن حبان:
هو من الموارد التي أكثر المنقح من النقل عنها فيما يتعلق بالترجمة للرواة، ونلاحظ أن المنقح يعتني بذكر كلام ابن حبان على الراوي، ولا يكتفي بأن ابن حبان ذكره في كتابه (انظر: 1/144؛ 3/23، 77، 127؛ 5/55) .
وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر: 4/429) .
- المجروحين لابن حبان:
هو من موارده أيضًا في الترجمة للرجال.
وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر: 1/146، 249؛ 2/520؛ 3/ 23، 76، 142، 431) .
- تاريخ بغداد للخطيب:(المقدمة/211)
هو من موارده المهمة في الترجمة للرجال، وفي تخريج الأحاديث، وفي ذكر بعض الفوائد العلمية والأدبية الأخرى.
- الضعفاء لابن الجوزي:
وذكره المنقح في مواضع باسم "الجرح والتعديل" (3/407؛ 4/297) .
وهو من الموارد التي كان يرجع إليها المنقح في تراجم الرواة.
وكان المنقح ينبه أحيانًا على اختلاف كلام ابن الجوزي في "التحقيق" مع كلامه في "الضعفاء" (انظر: 3/126 - 127؛ 4/258، 289) .
وقد تعقبه في بعض المواضع (انظر: 2/637) .
- تهذيب الكمال للمزي:
وهو أهم مصدر من مصادر المنقح في نقل كلام علماء الجرح والتعديل في الرواة، فجل نقوله عن علماء الجرح والتعديل هي مأخوذة عنه، نعم كان المنقح يراجع ما تيسر له من أصول هذا الكتاب، كـ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و"الثقات" لابن حبان، و"تاريخ بغداد" للخطيب وغيرها.
وقد كان المنقح ينقل أحيانًا ترجمة الراوي كاملة من "التهذيب" (انظر مثلاً: 3/98) .
ونجده في بعض المواضع ينبه على الاختلاف الذي يقع بين ما في "تهذيب الكمال" وما في مصادره الأصلية (انظر مثلاً: 3/192) .
وقد تعقبه المنقح في بعض المواضع (انظر: حاشية 3/78) .
وقد وقفنا خلال عملنا في الكتاب على بعض السقوط التي في مطبوعة(المقدمة/212)
"تهذيب الكمال" والتي يمكن استدراكها من "التنقيح" (انظر: 1/112) .
ثالثًا: كتب العلل:
- العلل للإمام أحمد - رواية ابنه عبد الله -
هو من مصادره المهمة في الكلام على العلل، وفي الكلام على الرجال أيضًا.
- العلل للترمذي:
هو من موارد المنقح التي ينقل عنها كلام البخاري.
وقد وقفنا على عدة مواضع منسوبة له ولم نجدها في النسخة المطبوعة من ترتيب أبي طالب للعلل (انظر مثلاً: 1/151؛ 3/9) .
- العلل لابن أبي حاتم:
كانت للمنقح عناية كبيرة بهذا الكتاب، فهو كثيرًا ما ينقل عنه في تعليل الأحاديث والكلام على الرواة، فلا يكاد يمر حديث ويكون لأبي حاتم أو أبي زرعة فيه كلام إلا ويذكره بنصه.
ونجد المنقح أيضًا يجمع الكلام المتفرق على الحديث في موضع واحد (انظر: 1/269 - 270) .
وللمنقح تعليقة على أول "العلل" كما سبق في ذكر مؤلفاته.
- العلل للخلال:
هو من الكتب التي نقل عنها المؤلف في بعض المواضع.(المقدمة/213)
- العلل للدارقطني:
هو من أكثر كتب العلل التي نقل عنها المنقح في كتابه هذا، وأغلب إفادته من هذا الكتاب كانت فيما يتعلق بالعلل والطرق والأسانيد، وربما أفاد منه في تخريج بعض الأحاديث، أو الكلام على بعض الرجال.
والمنقح ينقل عنه نصوص طويلة (انظر: 1/29 - 31) .
وقد تعقبه المنقح في مواضع (انظر مثلاً: 4/218) .
والذي يبدو- والله أعلم - أن كتاب العلل لم يكن عنده كاملاً، ولذا نجده في بعض الأحيان ينقل عنه بواسطة "المختارة" للضياء المقدسي فيما يظهر، والله أعلم.
وقد اكتشفنا بعض المواضع التي سقطت من مطبوعة أو مخطوط "العلل" من خلال نقول المنقح (انظر: 1/31؛ 3/139؛ 4/234 - 235) .
رابعًا: كتب الأطراف:
- الأطراف لابن عساكر:
وقفنا على بعض النقول عن هذا الكتاب، ولكن هل كان المنقح ينقل عنه مباشرة أم بواسطة تحفة الأشراف للمزي؟ الله أعلم.
وقد تعقبه المنقح في بعض ما نقله عنه (انظر: 1/237، 3/469، 4/ 259) .
- تحفة الأشراف للمزي:
هذا الكتاب كتاب مهم وقد استفاد منه المنقح كثيرًا، فقد ظهر من خلال(المقدمة/214)
التتبع أنه رحمه الله كان يرجع إليه في تخريج كل حديث من أحاديث الكتب الستة المذكورة في الكتاب.
وقد كان المنقح ينقل أيضًا كلام المزي في تخريج الأحاديث (انظر: 1/ 237) .
وتعقب المنقح الحافظ المزي في بعض المواضع (انظر: 3/469، 4/ 184) .
خامسًا: كتب التخريج:
- بيان الوهم والإيهام لابن القطان:
هو من الكتب التي ينقل عنها المنقح في بعض المواضع، وكثيرًا ما يتعقبه المنقح في أحكامه على الأحاديث والرواة التي ينقلها عنه (انظر: 1/206 - 207؛ 2/109، 300؛ 3/83؛ 5/15) .
- مختصر سنن أبي داود للمنذري:
صرح بالنقل عنه في بعض المواضع (1/398) ، ويبدو - والله أعلم - أنه من الكتب التي استفاد منها ولم يلتزم بالنص على إفادته منها.
- الإمام لابن دقيق العيد:
لم ينص المؤلف على اسم هذا الكتاب، وإنما نص على اسم مؤلفه (الحافظ ابن دقيق العيد) ، فهو من الكتب التي استفاد منها دون الإشارة إليها، والله أعلم.
- تنقيح التحقيق للذهبي:
هناك أيضًا بعض الأمارات التي تدل على إطلاع المنقح على كتاب(المقدمة/215)
"التنقيح" للذهبي، وإن كان لم ينص على ذلك، ونجده أحيانًا ينقل كلام الذهبي ولا يصرح باسمه بل يقول: (قال بعضهم) ثم يتعقبه، ولكن هذه النقول يسيرة وليست بالكثيرة (انظر مثلاً: 1/102، 332، 380؛ 2/80؛ 4/403) .
سادسًا: كتب الفقه:
- المغني لابن قدامة:
هو من مراجعه الفقهية التي كان يرجع إليها فأكثر الفوائد الفقهية التي يذكرها إنما هي من "المغني"، وأيضًا ربما نقل عنه أحيانًا شيئًا من نصوص الإمام أحمد في الكلام على الأحاديث.
- الكافي لابن قدامة:
هو مرجع آخر من مراجعه في الكلام على الفقه، وقد تعقبه المنقح في بعض المواضع في عزو بعض الأحاديث.
(2)
تقويم المنقح لموارده
مما تميز به المنقح عنايته بتقويم الكتب التي ينقل عنها، وبيان مناهج أصحابها، وله في ذلك عبارات موجزة ودقيقة، وهذا أيضًا مما يظهر مكانته العلمية، وملكته النقدية، ولذا جمعنا نصوصه في تقويم موارده وبيان مناهج أصحابها في هذه الفقرة لتسهل الإفادة منها (1) .
__________
(1) وللمنقح كلام نفيس في تقويم الكتب عمومًا في مواطن متفرقة من كتبه، ومن ذلك كلامه عن كتاب " الفصل " لابن حزم في كتابه " طبقات الحفاظ " (3 / 350 - 351) .(المقدمة/216)
من أمهات كتب السنة:
نقل المنقح (3/255) عن بعض الحفاظ أنه قال: الحديث في أفطر الحاجم والمحجوم متواتر، ثم علق على ذلك بقوله: (وليس ما قاله ببعيد، ومن أراد معرفة ذلك فليطالع ما روي في ذلك في "مسند أحمد"، و"معجم الطبراني"، وكتاب النسائي، و"المستدرك" للحاكم، و"المستخرج" للحافظ أبي عبد الله المقدسي، وغير ذلك من الأمهات) .
ذكر المنقح (3/276) حديثًا رواه الدارقطني، وقال في الكلام عليه:
(قد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسي في "المستخرج" ولم يروه إلا من طريق الدارقطني وحده، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره كما عرف من عادته أنه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها كمسند أحمد وأبي يعلى الموصلي ومحمد بن هارون الروياني و"معجم الطبراني" وغير ذلك من الأمهات، وكيف يكون هذا الحديث صحيحًا سالمًا من الشذوذ والعلة ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة ولا المسانيد المشهورة وهم محتاجون إليه أشد حاجة؟!) .
سنن النسائي:
قال المنقح (3/267) : (لم يسند النسائي - رحمه الله - حديث ابن لهيعة كما أسند غيره، لأنه لا يجيء من قبله، ولم يخرج من حديثه شيئًا مسندًا إلا حديثًا واحدًا في غير " السنن ") .
كتابي "الثقات" و"الضعفاء" لابن حبان:
قال المنقح (3/23) : ( ... هكذا يفعل ابن حبان كثيرًا، يدخل الرجل في كتابيه "الثقات" و"الضعفاء") .(المقدمة/217)
سنن الدارقطني:
قال المنقح (3/276) : (الدارقطني إنما جمع في كتابه " السنن " غرائب الأحاديث، والأحاديث المعللة والضعيفة فيه أكثر من الأحاديث الصحيحة السالمة من التعليل) .
المختارة للضياء:
قال المنقح (2/480) : (في "المختارة" أحاديث كثيرة ضعيفة، وهذا الحديث منها) .
قال المنقح (2/566) : (رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" ولم يتكلم عليه) .
ذكر المنقح (3/276) حديثًا رواه الدارقطني، وقال في الكلام عليه:
(قد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسي في "المستخرج" ولم يروه إلا من طريق الدارقطني وحده، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره كما عرف من عادته أنه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها كمسند أحمد وأبي يعلى الموصلي ومحمد بن هارون الروياني و"معجم الطبراني" وغير ذلك من الأمهات) .
بيان الدليل على بطلان التحليل لابن تيمية:
قال المنقح (4/364) : (وقد صنف شيخنا العلامة أبو العباس في هذه المسألة كتابًا جليلاً سمَّاه " كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل " ينبغي لكل ذي لب أن ينظر فيه، لتقر عينه، وينشرح صدره، والله الموفق) .(المقدمة/218)
(3)
المصادر التي لم يصرح بأسمائها
لقد ظهر لنا من خلال توثيق نصوص الكتاب أن المنقح كان يرجع إلى بعض المصادر الفرعية في نقل بعض المعلومات، ولكنه كان يحرص على مراجعة المصدر الأصلي في حال توفره بين يديه كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وأما إذا لم يتوفر له المصدر الأصلي فيكتفي بالنقل عن ذلك المصدر الفرعي دون الإشارة إليه في الغالب، وهذا من الأمور التي يتسامح فيها أهل العلم.
ومن المصادر التي كان يرجع إليها المنقح ولا يشير إليها أو نادرًا ما يشير إليه ما يلي:
- "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي.
- "مختصر السنن" للمنذري.
- " المجموع " للنووي.
- "المختارة" للضياء.
- "المنتقى" للمجد ابن تيمية.
- "تهذيب الكمال" للمزي.
- "تحفة الأشراف" للمزي.
- " ميزان الاعتدال " للذهبي.
* * *(المقدمة/219)
المبحث الخامس: القيمة العلمية للتنقيح
تظهر قيمة الكتاب من خلال ثلاثة أمور:
1 - متانة المادة العلمية التي يحويها.
2 - مكانة المؤلف.
3 - الإفادة منه.
وقد جمع كتاب "التنقيح" بين هذه الأمور الثلاثة، وبيان ذلك كما يلي: أولاً: متانة المادة العلمية.
إن الناظر في "التنقيح" يجده قائمًا على الرجوع إلى المصادر الأصلية العالية، ولا يكاد يوجد فيه شيء من الحشو أو ما تقل فائدته، بل ما تضمنه من معلومات هي الجوانب المهمة في الحكم على الحديث والاستدلال به.
فالمنقح اقتصر على المصادر المعتمدة في السنة النبوية، واعتمد على أقوال الأئمة المعتد بهم في هذا الفن.
ولم يجمع في كتابه كل ما هبّ ودبّ من الأسانيد والروايات، وكذلك لا نجده يشتغل بأقوال من هم ليسوا من أهل الفن.
وفي حالة ورود بعض المعلومات التي تحتاج إلى نظر نجده لا يتركها رحمه الله دون أن يحقق فيها ويحرر.
ومن هذا وذاك اكتسب هذا الكتاب متانة علمية عالية، ويمكن إجمال مزايا المادة العلمية لـ "التنقيح" فيما يلي:(المقدمة/220)
1 - أصالة المصادر وعلوها.
2 - الاختصار غير المخل.
3 - التحقيق والتحرير في المعلومات المنقولة.
ثانيًا: مكانة المؤلف العلمية.
الحافظ ابن عبد الهادي - كما سبق - قد أجمع العلماء على تمكنه في علم الحديث وتميزه فيه، وهذه المكانة كان لها أثر كبير في القيمة العلمية للكتاب، فالحافظ ابن عبد الهادي - فيما نحسب - كان موفقًا في التمييز بين الغث والثمين، وبين ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه، وكان - رحمه الله - دقيقًا في ما ينقله، وكان رحمه الله صاحب تحرير وتحري في ما يناقشه ويطرحه من مسائل كلية وجزئية، كما كان أئمة الحديث المتقدمين، ولهذا تجد أن كثيرًا من كلامه يضاهي كلامهم رحمهم الله تعالى جميعًا.
ومصداق ذلك أنك إذا وازنت بين الانتقادات التي وجهت إلى كتاب التنقيح وغيره من كتب التخريج - لا سيما السابقة له - وجدت أن ما وجه إلى التنقيح هو قليل جدًا بالنسبة لما وجه للكتب الأخرى، بل ستجد أن الكثير من تلك الانتقادات التي وجهت إلى غيره مأخوذة من "التنقيح"!!
ثالثًا: الإفادة منه.
إن الناظر في كتب أهل العلم بعد التنقيح يجدها قد أفادت من هذا الكتاب، بين مقل ومستكثر، ولا يكاد كتاب من الكتب المشاركة له في موضوعه إلا كان "التنقيح" من موارده، وهذه الإفادة كانت منذ زمن مبكر.
ولعل من أول من أفاد من "التنقيح" الحافظ الزيلعي في كتابه الشهير(المقدمة/221)
"نصب الراية"، والحافظ الزيلعي معاصر لابن عبد الهادي، وتوفي بعده بأقل من عشرين سنة، فقد توفي سنة (762) ، ونجد أن "التنقيح" كان من أهم مصادر الزيلعي في كتابه، لا سيما في مجال النقد، حتى قال الأستاذ / محمد عوامة في دراسته حول "نصب الراية" (ص: 166) : (وقد أكثر - أي الزيلعي - من النقل عن ثلاثة مصادر في النقد والتعليل وهي " بيان الوهم والإيهام " لابن القطان (ت 628) ، و" الإمام " لابن دقيق العيد (ت 702) ، و"التنقيح" لابن عبد الهادي (ت 744) .
وأقول - غير مبالغ ولا مسرف إن شاء الله -: لولا نصوص ابن القطان وابن دقيق وابن عبد الهادي في "نصب الراية" لفقد الكتاب نصف أهميته وقيمته العلمية) ا. هـ باختصار.
وقال في موضع آخر (ص: 182) : (وابن عبد الهادي أحد أئمة هذا الشأن علمًا واطلاعًا ونقدًا وتمحيصًا - على قصر عمره - رحمه الله تعالى، ومما يدل على علو كعبه في هذا العلم أن الحافظ الزيلعي وابن عبد الهادي صنوان في التلمذة على شيوخ ذلك العصر، ومع هذا ترى الزيلعي يملأ كتابه من النقول النادرة الغالية عن ابن عبد الهادي رحمهما الله تعالى.... وأذكر هنا بما قلته فيما سبق من أن نصوص ابن دقيق العيد وابن القطان وابن عبد الهادي أفادت "نصب الراية" كثيرًا، ورفعت من قيمته العلمية كثيرًا، ولولاها لفقد نصف قيمته هذه، لبقائه حينئذ كتاب رواية وتخريج فقط) ا. هـ باختصار.
وهكذا كتب التخريج الأخرى كـ " البدر المنير " لابن الملقن، و"التلخيص" لابن حجر، كلها أفادت من "التنقيح".
ولم تقتصر الإفادة منه على الكتب المشاركة له في موضوعه، بل نجد حتى كتب الرجال قد أفادت منه، وكذا كتب المصطلح، وكذا كتب شروح(المقدمة/222)
الأحاديث، وكتب الفقه.
ومن المستفيدين منه من ينص على اسمه صراحة، ومنهم من يبهم فيقول: (قال بعضهم) أو (قال بعض متأخري الحنابلة) ، ومنهم من لا يشير إلى استفادته منه أصلاً.
ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن "التنقيح" قد كان سببًا في حفظ بعض نصوص العلماء التي فقدت مصادرها الأصلية، ومن ذلك ما فقد من أجزاء "المختارة" للضياء، فقد حفظ لنا "التنقيح" شيئًا من المعلومات الواردة في تلك الأجزاء، كما حفظ لنا الكثير من أقوال شيخيه ابن تيمية والمزي التي لا يعرف لها مصدر آخر، والحمد لله أولاً وآخرًا.
* * *(المقدمة/223)
المبحث السادس: النسخ الخطية للكتاب
لقد اطلعنا أثناء بحثنا عن مخطوطات الكتاب على عدة نسخ، ومعظمها مخروم من الأول، أو الآخِر، أو منهما، بل وبعض هذه النسخ قد دخله الاختصار والتصرف الكبير من النساخ، وأيضًا أغلب هذه النسخ متأخر التاريخ، ولكن بحمد الله وُفِّقنا للوقوف على نسختين كاملتين للكتاب، وإليك التعريف بهما:
النسخة الأولى (الأصل) :
وهي من محفوظات " مكتبة أحمد الثالث " بتركيا، وقد حصلنا على صورة منها من مصورتها المحفوظة بـ " مركز البحث العلمي " بجامعة أم القرى برقم (1051) ، وعدد أوراقها: (393) (1) .
وكتب على طرتها: (كتاب " تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ". تأليف:
الشيخ، الإمام، العالم، العلامة، فارس الحفَّاظ، وناقد المعاني والألفاظ، شمس الدين، أبي عبد الله، محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، المقدسي، تغمده الله برضوانه، آمين، وغفر لكاتبه الزركشي) ا. هـ.
وجاء في آخرها ما نصه: (علقه لنفسه، بيده الفانية، ولمن شاء الله من بعده، العبد الفقير، الحقير الذليل، المعترف بذنبه وعصيانه، المقر لله سبحانه وتعالى بفضله وامتنانه، الراجي رحمته، الخائف من عذابه: محمد بن عبد الله الزركشي، غفر الله له، ولوالديه، وحشره في زمرة من أنعم عليهم بكرمه
__________
(1) وقع خطأ في الترقيم المثبت على أصل النسخة، فنجد الرقم بعد الورقة (289) : (210) !
ويستمر الترقيم متسلسلاً إلى الرقم: (314) .(المقدمة/224)
وجوده، ومنه وعنه، وكان الفراغ منه يوم الجمعة لست مضين من شهر جمادى الآخر، سنة ست وستين وسبعمائة، والحمد لله وحده) ا. هـ.
ثم كتب تحتها التوقيع التالي: (علقته من نسخة معتمدة، عليها حواشي المؤلف وضبطه، رحمه الله) ا. هـ.
ولهذه النسخة عدة ميزات سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، ولكن نذكر هنا أنها احتوت على حواش مهمة جدًا، وسوف نخصها بالحديث في الفقرة التالية:
حواشي النسخة:
احتوت هذه النسخة على حواش كثيرة جدًا، فقل أن تخلو ورقة منها من حاشية أو أكثر، ومعظم هذه الحواشي لابن عبد الهادي، وهي منقولة من نسخته، وقد سبق ذكر تنبيه الناسخ على ذلك في توقيعه الآنف الذكر، بل قد نص ابن عبد الهادي على بعضها في جوف الكتاب (انظر مثلاً: 2/479) .
ولكن هناك حواش أخرى قليلة ليست لابن عبد الهادي جزمًا، لأنها في التعقب عليه! (انظر مثلاً: 1/100؛ 2/125، 586؛ 3/102، 448، 467، 565؛ 4/58، 239) .
وهناك بعض الحواشي التي لم تتميز لنا (انظر مثلاً: 1/336؛ 2/235، 267، 350، 426، 483؛ 3/171، 278، 475 - 476؛ 4/116، 150) .
وقد أثبتنا جميع الحواشي الموجودة على النسخة في الحاشية، وما سكتنا عنه فهو مما رأينا أنه لابن عبد الهادي، ومتى جزمنا بأن الحاشية ليست لابن عبد الهادي أو ترددنا في ذلك فإننا ننص على ذلك، ويبقى هذا من الاجتهاد الذي اضطررنا إليه، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ(المقدمة/225)
فنستغفر الله منه، والله الموفق.
وهذه الحواشي فيها:
- عزو بعض الأحاديث إلى مصادرها (انظر: 2/34، 174، 176، 252، 257، 484، 639، 645) .
- وذكر بعض الشواهد والمتابعات والاختلافات (انظر: 1/191، 261، 262؛ 2/9، 18، 88، 99، 106، 185، 189، 230، 263، 276، 287، 288، 297، 366، 370، 400، 509، 515، 524، 527 وغيرها) .
- وفيها التعيين لبعض الرواة وترجمتهم (انظر: 1/262، 280، 319؛ 2/24، 46، 60، 64، 87، 132، 137، 149، 183، 188، 190، 206، 207، 223، 226، 237، 252، 253، 263، 265، 293، 294، 298، 333، 369، 385، 387، 400، 402، 415، 419، 427، 440، 442، 443، 470 وغيرها كثير) .
- وفيها نقل كلام العلماء في تصحيح الأحاديث وتضعيفها (انظر: 1/250، 261، 262؛ 2/35، 180، 189، 206، 254، 277، 280، 288، 299، 326، 377، 419، 474، 533، 549) .
- وفيها التنبيه على بعض أوهام ابن الجوزي وغيره (انظر: 1/ 247، 260؛ 2/44، 58، 135، 158، 280، 361، 389، 476، 525، 599، 612، 628، 652) .(المقدمة/226)
- وفيها التنبيه على بعض التصحيفات والتحريفات والسقوط التي وقعت في "التحقيق" (انظر: 2/318، 341، 350، 384، 371، 404، 431، 535، 554، 586، 592، 625، 645، 665، 670) .
- وفيها بعض الفوائد الفقهية واللغوية (انظر: 1/103، 120، 141، 169، 170 - 171، 171 - 172، 210، 321، 362، 384، 404؛ 2/232، 268، 310، 359، 365، 386، 464، 483، 500، 508، 512، 593، 596، 610، 613، 639، 672، 683 وغيرها) .
- وفيها التنبيه على اختلاف النسخ في بعض النصوص المنقولة (انظر: 2/7، 110، 194، 262، 270، 471، 536) .
وبالجملة هي تعليقات متينة، تتضمن فوائد علمية عزيزة جدًا، ولعل هذه الحواشي لو جمعت من مواطنها المتفرقة لكونت كتابًا مستقلاً، يصح أن يطلق عليه: " النكت على التحقيق لابن الجوزي "!
فمن الظلم بعد ذلك أن تهمل هذه الحواشي عند طبع الكتاب!
النسخة الثانية (ب) :
وهي نسخة محفوظة أيضًا في " مكتبة أحمد الثالث " بتركيا، وعنها نسخة مصورة في جامعة الإمام، تحت الرقم: (2679 ف) ، وقد حصلنا على مصورة لها من أحد الإخوة الأفاضل جزاه الله عنا خيرًا.
وعدد أوراقها: (396) .(المقدمة/227)
ولا يوجد أية معلومة عن هذه النسخة، فلا يعرف ناسخها، ولا تاريخ نسخها (1) ، ولكنها نسخة جيدة، تمتاز بجمال الخط ووضوحه، وقد أفدنا منها كثيرًا في قراءة بعض المواضع التي أشكلت علينا بالأصل، وفي استدراك بعض المواضع التي سقطت من النسخة الأولى، وهذا يؤكد أن لها أصلاً آخر غير النسخة الأولى.
الموازنة ين النسختين:
امتازت النسخة (ب) بجودة الخط ووضوحه كما سبق، ولكن فاقتها النسخة الأولى (الأصل) بميزات عدة، هي:
1) أن ناسخها عالم جليل من علماء الحنابلة المشاهير، ألا وهو محمد بن عبد الله الزركشي صاحب الشرح الشهير على " مختصر الخرقي " (2) .
2) قرب تاريخ نسخها من تاريخ وفاة المؤلف، فقد نسخت سنة (766) .
3) أنها منسوخة من نسخة معتمدة، عليها حواشي المؤلف وضبطه، كما سبق.
4) احتواءها على الحواشي التي علقها المؤلف على نسخته، وهي حواش مهمة ومفيدة كما تقدم.
5) محافظة الناسخ على الرقوم التي وضعها المؤلف فوق أسماء بعض
__________
(1) جاء في " فهرست المخطوطات والمصورات " الصادر عن جامعة الإمام (الحديث - 1/186) ما نصه: (كتبت بقلم نسخي في القرن التاسع الهجري تقديرًا) ا. هـ.
(2) انظر ترجمته في " السحب الوابلة " لابن حميد (3/966 - رقم: 625) .(المقدمة/228)
الرواة، وهي الرقوم التي يستخدمها المزي في "تهذيب الكمال" لبيان أسماء الكتب التي أخرجت للراوي.
6) الدقة في إثبات الرموز التي وضعها ابن عبد الهادي للتمييز بين كلامه وكلام ابن الجوزي.
ومع اجتماع هذه الميزات في هذه النسخة، فإنها تستحق أن تكون أصلاً معتمدا في تحقيق الكتاب، والله الموفق.
نسخ أخرى:
ذكرنا في أول الكلام أننا اطلعنا على عدة نسخ للكتاب، ولا نرى كبير فائدة في التعريف بجميع تلك النسخ وحالُها ما سبق وصفه، ولكننا سوف نشير إلى نسختين من تلك النسخ، لحاجتنا لذلك فيما يأتي:
الأولى: قطعة من أول الكتاب في (47) ورقة، تنتهي بالمسألة رقم (47) ، ولا توجد عنها أية معلومة، وهي من محفوظات " المكتبة الظاهرية " بدمشق، وحصلنا على صورة منها عن مصورتها المحفوظة في " مركز البحث العلمي " بجامعة أم القرى برقم: (1048) ، وسوف نذكر هذه النسخة عند الحاجة إليها باسمها (نسخة الظاهرية) ، وربما رمزنا لها بـ (ظ) .
وإنما ذكرنا هذه النسخة لاحتوائها على بعض الزيادات اليسيرة ليست موجودة في الأصل ولا في النسخة الثانية (1) ، ويبدو أنها كانت ملحقة في هوامش نسخة المؤلف، فقد يكون ألحقها بعد تدوينه الكتاب، فوقعت في بعض
__________
(1) يرجع الفضل في الاهتداء إلى هذه المواضع بعد الله تعالى إلى تعليقات الأستاذ / عامر صبري، فجزاه الله عنا خيرًا.(المقدمة/229)
النسخ دون بعض، وقد يكون بعض النساخ لم ينتبه لها، والله أعلم.
الثانية: وهي نسخة محفوظة أيضًا في المكتبة الظاهرية برقم: (حديث: 301) ، وهي تبدأ بكتاب الصيام إلى آخر الكتاب، وعدد أوراقها: (269) .
وكتب على طرتها بخط مغاير لخط ناسخها: (الثاني من تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي) ا. هـ.
ولم نجد ما يدل على ناسخها، أو تاريخ نسخها، وكتب على البطاقة التعريفية بها - التابعة للمكتبة الظاهرية - ما يلي:
(اسم الكتاب: الثاني من تنقيح التحقيق لابن الجوزي.
اسم المؤلف: ابن عبد الهادي.
تاريخ النسخ: القرن التاسع.
الملاحظات: من كتاب الصيام إلى آخره، ويتلوه تفسير لبعض الآيات) ا. هـ.
وقد ذكر الشيخ العلامة الألباني - رحمه الله - هذه النسخة في كتابه " فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية " (ص: 102 - رقم: 257) ، ونسبه لابن عبد الهادي أيضًا.
وبعد قراءة النسخة وموازنتها بالنسختين السابقتين (الأصل، و" ب ") تبين أن فيها تصرفًا كبيرًا يخرجها عن كونها نسخة لكتاب "التنقيح"، وبيان ذلك كما يلي:
أ) حذف صاحب النسخة الكثير من الأسانيد والنقول التي ذكرها ابن عبد الهادي، بل حذف بعض المسائل بأكملها!(المقدمة/230)
ب) دَمَجَ ما ينقله ابن الجوزي بما ينقله ابن عبد الهادي، وإذا ورد كلام لابن عبد الهادي صَدَّره بقوله (قال شيخنا) (1) ! أو (قلت) .
وكان ابن عبد الهادي إذا أراد أن ينقل كلامًا لابن الجوزي صدره بقوله: (قال المصنف) ، فوجدنا صاحب النسخة يبدله في بعض المواضع بـ (قال شيخنا) !!
ج) أبدل المصطلحات التي تفيد أن صاحب الكتاب حنبلي، فعندما يقول ابن الجوزي: (قال أصحابنا) أو (لنا) عند ذكر الأدلة، يبدلها الناسخ بـ (قالت الحنابلة) و (استدل الحنابلة) ! وكذلك إذا سمى ابن الجوزي أو ابن عبد الهادي أحد علماء الحنابلة فإنه يبهمه، فإذا قال ابن الجوزي مثلاً: (قال القاضي أبو يعلى) يستبدله بـ (قال بعض أهل العلم) !
وإذا قال ابن الجوزي: (وبه قال الخلال والأكثرون من أصحابنا) استبدله بـ (وبه قال أكثر أصحاب أحمد) !
وإذا قال: (كما ظنه من ظنه من الأصحاب) استبدله بـ (كما ظنه بعض الناس) !
__________
(1) وهذا أحدث لبسًا عند من يعتمد على هذه النسخة في نقل بعض ذلك الكلام، فالنسخة منسوبة لابن عبد لهادي، وذلك يقتضي أن قائل (قال شيخنا) هو ابن عبد الهادي، فمن هو شيخ ابن عبد الهادي؟ إذا سلمنا بما سبق فنقول شيخه إما ابن تيمية وإما المزي، وهذا ما قاله بعض أهل العلم الذين اعتمدوا على هذه النسخة، ومنهم الشيخ العلامة الألباني - رحمه الله تعالى - (انظر مثلاً: الإرواء: رقم: 988) .
وكان هذا الخطأ مقتصرًا على من يعتمد على هذه النسخة المخطوطة وهم قلة، أما وقد طبع الكتاب عنها في دار الكتب العلمية فهذا الخطأ سوف ينتشر بشكل أكبر بكثير من السابق، بل قد وقع شيء من ذلك والله المستعان.(المقدمة/231)
د) يدخل في الكتاب نقول أخرى ليست من "التنقيح"، فمثلاً في آخر كتاب النذور نقل جملة من فتاوى ابن تيمية في ست ورقات (ق: 243/ب - 249/ب) (1) ! بل في أواخر مسائل الذبح عقد فصلاً سماه: (فصل جامع) ثم ذكر تفسير عدة آيات من سورة المائدة في ست وثلاثين ورقة (ق: 204/ب - 240/أ) (2) ، وبالمراجعة تبين أن ذلك منقول من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ومن تفسير ابن كثير!!!
وهذا يذكرنا بكتاب " الكواكب الدراري " لابن عروة، ولكن نقل ابن عروة كان نقل عالم متقن مدقق، ولا يقع فيه مثل هذا التخليط الذي وقع في هذه النسخة، وهنأك أمور كثيرة تدل على أن صاحب هذه النسخة ليس من أهل العلم.
وهذه الأمور تجعلنا نجزم بأن هذه النسخة ليست لكتاب "التنقيح" لابن عبد الهادي، وإنما هي في أحسن الأحوال نسخة لمختصر له، دخله تصرف وتشويه كبير، لا يمكن أن يعد من اختلاف النسخ!
وربما لو وجد الجزء الأول من الكتاب لانكشفت حقيقة هذه النسخة بشكل أوضح.
وبكل حال فلا يصح أن تعد هذه النسخة من نسخ "التنقيح"، فضلاً عن أن يعتمد عليها في طبع الكتاب، وتخرج للناس منسوبة لابن عبد الهادي.
* * *
__________
(1) انظر طبعة دار الكتب العلمية (3/513 - 529) .
(2) انظر طبعة دار الكتب العلمية (3/405 - 462) .(المقدمة/232)
المبحث السابع: طبعات الكتاب السابقة
من المعروف عند المهتمين بكتاب "التنقيح" أنه سبق طبعه ثلاث مرات - قبل هذه الطبعة -، ولكن الأمر الذي قد يجهله الكثير هو حقيقة تلك الطبعات، وهذا ما سنعرف به هنا:
أما الأولى: فصدرت سنة (1373) بهامش "التحقيق" لابن الجوزي، عن " مطبعة السنة المحمدية "، بتحقيق الشيخ / محمد حامد الفقي - رحمه الله - (1) ، وصدر منها - حسب علمنا - المجلد الأول فقط، وهو ينتهي بآخر " مسائل صفة الصلاة "، ولم يصف المحقق النسخة التي اعتمدها، ولم يذكر عنها أية
__________
(1) (حقيقة تاريخية) : قال الشيخ محمد حامد الفقي في صدر هذه الطبعة (تنبيه: على القارئ أن يلاحظ: أن الجمع بين كتابي التحقيق والتنقيح - لما بينهما من الاتصال الوثيق - كان هو رأي ومشورة حضرة صاحب الفضيلة والسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، شيخ علماء نجد، ومفتي المملكة العربية السعودية - أدام الله النفع به وتوفيقه لخير المسلمين -؛ والشيخ عبد العزيز بن باز، المدرس بمعهد الرياض) ا. هـ.
وهذه الطبعة صدرت سنة (1373) ، فهذا مما يؤكد العناية الكبيرة لعلماء الدعوة السلفية في نجد بعلم الحديث، بل وبعلم التخريج، منذ زمن مبكر، وأن لهم أياد بيضاء في ذلك قد لا يعلمها كثير من الناس، فجزاهم الله عنا خير الجزاء، وما هنا إلا نموذج صغير على ذلك.
وعنايتهم - رحمهم الله - بعلم الحديث رواية ودراية كانت من لدن الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وإلى هذا العصر، وعلى وجوه وأنحاء متعددة، وإنكار ذلك لا يخرج عن أحد ثلاثة أسباب:
1 - الجهل بتراث هذه الدعوة المباركة. 2 - الخلل في معاير التقييم العلمي. 3 - العداء لهذه الدعوة.
وشرح هذه القضية يطول، وإنما أردنا الإشارة، والله تعالى أعلم.(المقدمة/233)
معلومة، وكل ما ذكره أنه قال: (لاحظت أن ابن عبد الهادي يسوق السند كسياق ابن الجوزي في "التحقيق"، وفي ذلك تكرير لا مبرر له، فحذفت وسط السند، مشيرًا إليه بكلمة " بسنده إلى ") .
وبعد الاطلاع على هذه الطبعة تبين أنها ليس فيها حرف واحد من كلام ابن عبد الهادي، وإنما هي اختصار لكتاب "التحقيق"! فقد يكون بعض النساخ عمد إلى كتاب "التنقيح" وجرده من زيادات الحافظ ابن عبد الهادي، واقتصر على ما ذكره من كلام ابن الجوزي، طلبًا للاختصار! ثم كُتب على النسخة ما يوهم أنها كتاب "التنقيح"، والله تعالى أعلم.
وانتشرت هذه الطبعة بين طلبة العلم، واعتمدوها، ونتج عن ذلك أخطاء كثيرة في نسبة أشياء للحافظ ابن عبد الهادي وهو لم يقلها (1) .
وهذه الطبعة الآن تعد من الطبعات النادرة جدًا، فلا تكاد توجد إلا في بعض المكتبات العامة.
وأما الطبعة الثانية: فصدرت سنة (1409) ، عن " المكتبة الحديثة " بدولة الإمارات، بتحقيق الأستاذ / عامر صبري، فطبع المجلد الأول من المخطوط،
__________
(1) ومن ذلك أن الشيخ الفاضل أبا إسحاق الحويني نقل في كتابه " نهي الصحبة " (ص: 22) عن هذه الطبعة (1 /348) أن ابن عبد الهادي تعقب ابن الجوزي بقوله: (وليس هذا الجواب بقاطع للخصم، فإن أحاديثهم أيضا مشتهرة ... ) ، وهذا الكلام غير موجود في شيء من نسخ التنقيح المعتمدة.
ومن ذلك ما ذكره بعضهم من أن ابن عبد الهادي تناقض في حكمه على عبد الله العمري فضعفه في كتاب " الصارم المنكي " ثم مال إلى تقويته في "التنقيح" - استنادًا إلى هذه الطبعة -، وهذا ليس بصحيح، فإن ما نسب لابن عبد الهادي في "التنقيح" إنما هو كلام ابن الجوزي.(المقدمة/234)
وهو ينتهي بآخر كتاب الزكاة، في مجلدين، وهي طبعة متقنة، وسالمة من التحريف والسقط إلا شيئًا يسيرًا مثل تحلة القسم (1) ، ولكن المحقق الفاضل لم يتم تحقيق الكتاب، وكان الكثيرون من طلبة العلم يظنون أن هذا القدر من الكتاب هو الموجود منه فحسب، ثم هذه الطبعة نفذت من الأسواق، وصار الكتاب من الكتب النادرة الوجود، ومع ذلك لم تعد طباعتها.
وأما الطبعة الثالثة: فصدرت سنة (1419) ، عن " دار الكتب العلمية "، بتحقيق / أيمن صالح شعبان. وزعم محققها أنه اعتمد على نسختين: هما نسخة الزركشي (النسخة الأولى) ، ونسخة الظاهرية (المختصرة) التي سبقت الإشارة إليها، وقال عن النسخة الثانية: (وهذه النسخة تمثل شطر الكتاب الأخير، وقد أستأنسنا بها في بعض المواطن التي أعجمت علينا في النسخة الأصل نتيجة لرداءة التصوير الميكروفيلمي) ا. هـ.
وبمطالعة هذه الطبعة ظهر أنه اعتمد على الطبعة الثانية (التي حققها الأستاذ عامر صبري) في القسم الأول (إلى نهاية كتاب الزكاة) ، مع تصحيح بعض الأخطاء اليسيرة فيها، ومع المحافظة على ما وقع فيها من السقط والتصحيف في الغالب (2) ، بل أثبت الزيادات التي أضافها الأستاذ / عامر صبري من نسخ أخرى لم يذكر محقق هذه الطبعة أنه اعتمدها، أو اطلع عليها، فمن أين أتى بهذه الزيادات؟!
__________
(1) ولعل أكبر ما يؤخذ على هذه الطبعة أن المحقق لم يثبت الحواشي النفيسة المثبتة بهوامش النسخة الخطية - والتي سبق التعريف بها - إلا في مواضع قليلة جدًا.
(2) وهذا مما أكد لنا أنه اعتمد على طبعة الأستاذ / عامر صبري، ومن أمثلة المواضع التي وقع فيها سقط في الطبعتين: =(المقدمة/235)
وأما في القسم الثاني فإنه خرج لنا بنسخة جديدة من تلفيقه، فإنه عمد إلى كتاب "التحقيق" لابن الجوزي وحذف منه أسانيده إلى أصحاب الكتب المشهورة، ثم عمد إلى نسخة الظاهرية (المختصرة) التي سبقت الإشارة إليها، وأخذ منها ما وجده زائدًا على كلام ابن الجوزي ووضعه بين الرمزين الذين ذكر ابن عبد الهادي أنه سوف يميز بهما كلامه، وربما نظر في النسخة الأولى أحيانًا، لأنه قد ذكر بعض الفروق اليسيرة بينها وبين نسخة الظاهرية المختصرة.
وعليه فلا يصح الاعتماد على هذه الطبعة في القسم الثاني من الكتاب على
__________
=
ـ[طبعة أ. عامر صبري ... ط. دار الكتب......... طبعتنا]ـ
1/270 السطر: 10 ... 1/60 السطر: 16 ... 1/96 السطر: 10
1/583 السطر: 4 ... 1/225 السطر: 13 ... 1/386 السطر: 2
2/1088 السطر: 3 ... 1/533 السطر: 4 ... 2/452 السطر: 1
2/1377 السطر: 4 ... 2/181 السطر: 12 ... 3/24 السطر: 8
ومن أمثلة المواضع التي اتفقت فيها الطبعتان على التحريف والتصحيف:
ـ[ط. عامر ... ط. دار الكتب ... طبعتنا ... الخطأ............. الصواب]ـ
1/393....... 1/123......... 1/214 ... الرواة............. المراوزة
1/620...... 1/245.......... 1/417 ... ولم يعرف من...... ولم يعرف محمد
2/793...... 1/342.......... 2/154 ... لم يجد أبي.......... لم يحمد أبي
2/1008.... 1/483.......... 2/373 ... قال الشيخ أيضًا ... قال الشيخ الضياء
2/1020.... 1/491.......... 2/385 ... لكن نفاه.......... لكن ثناه
2/1095.... 2/8.............. 2/458 ... فزاد عن.......... قراد عن(المقدمة/236)
أنها طبعة لكتاب "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي، وإنما هي مختصر له مُشوَّهٌ، لأن محققها إنما اعتمد على نسخة مختصرة لـ "التنقيح"، وقد أوضحنا في وصف النسخ الخطية حال هذه النسخة وحقيقتها، وما حصل فيها من تشويه للكتاب.
وبكل حال ما تظهره الموازنة بين مسألة واحدة من طبعة دار الكتب العلمية وهذه الطبعة أبلغ من كل كلام يمكن أن يقال، والحمد لله على التوفيق.
* * *(المقدمة/237)
المبحث الثامن: خطة تحقيق الكتاب
تم العمل في تحقيق "التنقيح" وفق الخطوات التالية:
1 - نسخ النسخة الخطية التي اتخذناها أصلاً وفق قواعد الإملاء الحديثة، مع ضبط ما يحتاج إلى ضبط بالشكل.
2 - مقابلتها على النسخة الثانية (ب) (1) وإثبات الفروق المهمة بينهما في الحاشية، مع استدراك ما سقط في الأصل من هذه النسخة، وأصلح منها ما وقع في الأصل من أخطاء.
3 - مقابلة ذلك على مطبوعة كتاب "التحقيق" لابن الجوزي (طبعة: قلعجي) (2) ، وإثبات الفروق بينها وبين نسخ "التنقيح" في الحاشية.
__________
(1) ورجعنا في بعض المواضع التي أشكلت علينا إلى نسخة الظاهرية التي وصلنا منها أول الكتاب، كما سبق في وصف النسخ الخطية.
(2) لقد اطلعنا على طبعتين كاملتين لـ التحقيق، وهما: طبعة دار الكتب العلمية، بتحقيق / مسعد السعدني، وصدرت سنة (1415) ؛ وطبعة دار الوعي العربي، بتحقيق / عبد المعطي أمين قلعجي، وصدرت سنة (1419) ، وكل واحدة منهما فيها آفات، ولكن اخترنا الثانية لقلة السقط فيها، أما التصحيف فهي تشارك الطبعة الأخرى في كثير منه، وقد نبهنا على شيء من ذلك في مواضعه.
وسبقت الإشارة إلى أن الشيخ / محمد حامد الفقي قد شرع في تحقيق "التحقيق" ولكنه لم يتمه حسب علمنا، وكان قد قال في تصدير عمله: (كان الأخ الصديق المحقق الشيخ / أحمد محمد شاكر قد بدأ في طبع كتاب التحقيق - وطبع منه بعض ملازم - ثم وقف الطبع لأسباب تتعلق بمكتبة الخانجي التي كانت قائمة بنشره، وقد كتب إذ ذاك تحقيقات وتعليقات وافية إلى نحو ثلث الكتاب، نفعنا الله بها، وسنشير في التعليقات لذلك إن شاء الله) ا. هـ. =(المقدمة/238)
4 - عزو الآيات القرآنية إلى مواضعها بذكر اسم السورة ورقم الآية، وعزو الأحاديث النبوية إلى مصادرها التي يذكرها ابن الجوزي أو ابن عبد الهادي، مع عزو أقوال العلماء إلى مصادرها الأصلية أو الفرعية - مع مراعاة التقدم الزمني والرواية بالإسناد -.
5 - التنبيه على بعض الإشكالات التي تستوقفنا مع التعليق عليها بما يكشفها - حسب ما يسره الله تعالى -، وما لم نصل فيه إلى حل، فحسبنا التنبيه عليه، فإن ذلك من العلم، قال القرافي في " الفروق ": (1/121) : (وما لا أعرفه، وعجزت قدرتي عنه، فحظي منه معرفة إشكاله، فإن معرفة الإشكال علم في نفسه، وفتح من الله تعالى) ا. هـ.
6 - إعداد فهارس تفصيلية لمحتويات الكتاب، تشمل ما يلي (*) :
(1) فهرس الأحاديث النبوية. (3) فهرس الآثار. (4) فهرس الأعلام المترجمين. (5) فهرس الكتب. (6) فهرس الفوائد والقواعد. (8) فهرس مصادر التحقيق. (9) فهرس الموضوعات والمسائل.
وفي ختام هذه المقدمة نسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا العمل ويبارك فيه، وأن يغفر لنا ما حصل فيه من تقصير أو خلل، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجزي خيرًا كل من ساعدنا في إخراج هذا الكتاب وعلى رأسهم الأخ / علي بن أحمد بامرعي، فقد كانت له جهود متميزة في إعداد فهارس الكتاب وتصحيح نماذج الطباعة الأولى، فجزاه الله خيرًا.
__________
= وتحقيق الشيخ أحمد شاكر قد طبع جزء منه، ولكن لم يتيسر لنا الإطلاع عليه رغم حرصنا على ذلك.
______
(*) قال معد الكتاب للشاملة: هكذا في المطبوع (خطأ في الترقيم) ، كما أنه ليس مع الفهارس فهرس للآثار(المقدمة/239)
وبعد شكر الله عز وجل على ما يسر نتوجه بالشكر الجزيل لوالدنا وشيخنا وأستاذنا الشيخ المحدِّث / عبد الله بن عبد الرحمن السعد، على تفضله بالتقديم للكتاب رغم كثرة مشاغله، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
وكتب
سامي بن محمد بن جاد الله
وعبد العزيز بن ناصر الخباني(المقدمة/240)
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ وسلِّم على محمَّد وآله (1) .
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيراً (2) .
أما بعد: فهذا كتابٌ أذكر فيه المسائل والأحاديث التي ذكرها الشَّيخ الإمام العلاَّمة الحافظ جمال الدِّين أبو الفرج ابن الجوزي- رحمه الله- في كتاب "التَّحقيق" محذوفة الأسانيد- في الغالب- منه إلى مؤلفي الكتب من الأئمة الحفَّاظ، كالإمام أحمد والبخاريِّ ومسلمٍ والتِّرمذيِّ والنَّسائيِّ والدَّارقطنيِّ وغيرهم، ثم أُتبعها بزياداتٍ مفيدةٍ من ذكر من روى الحديث أو صحَّحَه أو ضعَّفَه، وذكر بعض علل الأحاديث، والتَّنبيه على أحوال رجالٍ سكت عنهم المؤلِّف وهم غير محتجٍّ بهم (3) ، ورجالٍ تكلَّم فيهم وهم صادقون محتجٌّ بهم، ورجالٍ وثَّقهم في موضعٍ وضعَّفهم في موضعٍ (4) آخر، وغير ذلك من الزِّيادات المحتاج إليها، وذلك على وجه الاختصار في الغالب، وأكتب في أوَّل الزِّيادة " ز" بالأحمر، وآخرها دائرة "O" بالأحمر أيضاً لكي تتميَّز من كلام المؤلِّف، وسميتُه: "كتاب تنقيح التَّحقيق في أحاديث التَّعليق"، والله أسأل أن ينفع به إنَّه
__________
(1) في (ب) : (بسم الله الرحمن الرحيم، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب) .
(2) (كثيرًا) ليست في (ب) .
(3) في (ب) زيادة: (أو محتج بهم) .
(4) (موضع ليست في (ب) .(1/1)
قريبٌ مجيبٌ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكَّلت وإليه أنيب.
قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله -:
أحمد الله على الإنعام المترادف، وأشكره على الإكرام المتكانف، حمداًَ يقوم بشكر التَّالد والطَّارف، وشكراً يصدر من مقرٍّ بالفضل عارفٍ، وكيف لا؟! وبحر فهمي يهمي، وكم فهم واقفٍ؟ وبصر تبصري (1) في العلوم ينفي في نقده الزائف.
وأصلِّي على أشرف راكبٍ وملبٍّ وطائفٍ، محمَّدٍ الذي شرع أحسن الشَّرائع ووظَّف أزين الوظائف، وعلى كلِّ من صحبَه وتبعَه خالفاً لسالفٍ.
وبعدُ: فهذا كتابٌ نذكر فيه مذهبنا في مسائل الخلاف ومذهب المخالف، ونكشف عن دليل المذهبين من النقل كشف مناصِفٍ، لا نميل لنا ولا علينا فيما نقول ولا نجازف، وسيحمدنا المطََّلع عليه - إن كان منصفاً- والواقف، ويعلم أنَّا أولى بالصَّحيح من جميع الطَّوائف، والله الموفِّق لأرشد الطرق وأهدى المعارف.
*****
__________
(1) في (ب) و"التحقيق": (بصيرتي) .(1/2)
فصلٌ
كان السَّبب في إثارة العزم لتصنيف هذا الكتاب = أنَّ جماعةً من إخواني ومشايخي في الفقه كانوا يسألوني في زمن الصِّبا جمع أحاديث "التَّعليق"، وبيان ما صحَّ منها وما طُعِن فيه، وكنت أتوانى عن هذا لشيئين:
أحدهما: اشتغالي بالطَّلب.
والثاني: ظنِّي أنَّ ما في التَّعاليق من ذلك يكفي، فلمَّا نظرت في التَّعاليق رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مُزْجاة! يُعَوِّل أكثرهم على أحاديث لا تصحُّ، ويُغرِض عن الصِّحاح!! ويقلَِّد بعضهم بعضاً فيما ينقل.
ثمَّ قد انقسم المتأخرون ثلاثة أقسام:
أحدها: قومٌ غلب عليهم الكسل، ورأوا أنَّ في البحث تعباً وكلفةً، فتعجَّلوا الرَّاحة، واقتنعوا بما سطره غيرهم.
والقسم الثَّاني: قومٌ لم يهتدوا إلى أمكنة الأحاديث، وعلموا أنَّه لا بدَّ من سؤال من يعلم هذا، فاستنكفوا عن ذلك.
والقسم الثَّالث: قومٌ مقصودهم التَّوسع في الكلام طلباً للتَّقدم والرِّئاسة، واشتغالهم بالجدل والقياس، ولا التفات لهم إلى الحديث - لا إلى تصحيحه ولا إلى الطَّعن فيه -، وليس هذا شأن من استظهر لدينه، وطلب الوثيقة في أمره.
ولقد رأيت بعض الأكابر من الفُقهاء يقول في تصنيفه - عن ألفاظٍ قد أخرجت في الصِّحاح -: (لا يجوز أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذه الألفاظ) !!(1/3)
ويردُّ الحديث الصَّحيح ويقول: (هذا لا يُعرف) !! وإنَّما هو لا يَعرفه.
ثمَّ رأيته قد استدل بحديثٍ زعم أنَّ البخاريَّ أخرجه - وليس كذلك-، ثمَّ نقله عنه مصنفٌ آخر كما قال تقليداً له!!
ثمَّ استدلَّ في مسألة، فقال: (دليلنا ما روى بعضهم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال كذا) !
ورأيت جمهور مشايخنا يقول [في تصانيفهم] (1) : (دليلنا ما روى أبو بكر الخلاَّل بإسناده عن رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (2)) ، و (دليلنا ما روى أبو بكر عبد العزيز بإسناده) ، و (دليلنا ما يروي (3) ابن بطََّّة بإسناده) وجمهور تلك الأحاديث في الصِّحاح وفي "المسند" وفي "السُّنن"! غير أنَّ السَّبب في اقتناعهم بهذا: التَّكاسل عن البحث.
والعجب ممَّن ليس له شغلٌ سوى مسائل الخلاف، ثم اقتصر (4) منها في المناظرة على خمسين مسألة!! وجمهور هذه الخمسين لا يستدلُّ فيها بحديثٍ!!!
فما قدر الباقي حتَّى يتكاسل عن المبالغة في معرفته؟!
*****
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(2) زيادة من (ب) .
(3) في (ب) : (روى) و"التحقيق".
(4) في (ب) : (قد اقتصر) .(1/4)
فصل
وأَلْوَمُ عندي ممَّن قد لُمته من الفقهاء: جماعة من كبار المحدثين، عرفوا صحيح النَّقل وسقيمه وصنَّفوا في ذلك، فإذا جاء حديث ضعيف يخالف مذهبهم بيَّنوا وجه الطَّعن فيه، وإن كان موافقاً لمذهبهم سكتوا عن الطعن فيه!
وهذا يُنبئ عن قلَّة دينٍ، وغلبة هوى.
ز: وقد ضعف الحافظ أبو الفرج - رحمه الله - جماعةً في موضع لمَّا كان الحديث يخالف مذهبه، ثمَّ احتجَّ بهم في موضع آخر لمَّا كان يوافق مذهبه! O.
وقال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا إبراهيم بن عبد الله ابن محمَّد السكونيُّ (1) قال: سمعت أبي قال: سمعت وكيعاً يقول: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم! (2)
قال: وهذا حين شروعنا فيما انتدبنا له من ذكر الأحاديث، معرضين عن العصبية التي نعتقدها في مثل هذا حراماً، وبعيدٌ: مصنِّفٌ منصِفٌ (3) !
ولو ذكرنا كلَّ [حديث] (4) بجميع طرقه، وأشبعنا الكلام فيها لطال ومُلَّ، وإنما هذا [موضوع] (5) للفقهاء، وغرضهم يحصل مع الاختصار،
__________
(1) كذا في النسختين، وفي "سنن الدارقطني" و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/161) : (السلولي) ، والله أعلم.
(2) "سنن الدارقطني": (1/26) .
(3) (منصف (ليست في) (ب) .
(4) بياض بالأصل، فأثبتت من (ب) .
(5) في الأصل: (موضع) ، وفي (ب) : (موضع موضوع) ، والمثبت من "التحقيق".(1/5)
وللمحدثين فيه حظٌّ (1) بقليلٍ من البسط والأسانيد، والله الموفق.
*****
__________
(1) في "التحقيق": (يدٌ) .(1/6)
كتاب الطهارة(1/7)
كتاب الطَّهارة
مسألة (1) : الطَّهور هو الطَّاهر في نفسه المطهِّر لغيره، فهو من الأسماء
المتعدِّية.
وقالت الحنفيِّة: هو من الأسماء اللازمة، فهو بمعنى الطَّاهر.
وقد استدلَّ أصحابنا في المسألة بحديثين (1) :
1- الحديث الأول: قال البخاريُّ: ثنا ابن [سِنَان] (2) ثنا هُشيم ثنا سَيَّار ثنا يزيد الفقير قال: أنا جابر بن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أُعطيتُ خمساً لم يعطهُنَّ أحدٌ قبلي ... - فذكر منهن: - وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً".
هذه طريق البخاريِّ في (3) "الصَّحيح" (4) .
2- وقد أخرجه مسلمٌ من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "فُضِّلت على الأنبياء بستٍّ ... - فذكر منهنَّ: - وجُعلت لي الأرض طَهُوراً
__________
(1) (بحديثين) ليست في (ب) .
(2) في الأصل: (شيبان) ، والتصويب من (ب) و"صحيح البخاري".
(3) في (ب) (و"التحقيق": (من) .
(4) "صحيح البخاري": (1/91، 119) ؛ (فتح - 1/435، 533 - رقمي: 335، 438) . وهو عند مسلم في "صحيحه": (2/63) ؛ (فؤاد - 1/370 - رقم: 521) من طريق هشيم عن سيَّار عن يزيد عن جابر بلفظ: "جعلت لي الأرض طيِّبة طهوراً ومسجداً".(1/9)
ومسجداً" (1) .
3- وقد رواه مسلمٌ من حديث حُذَيْفَة، فقال: ثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ ثنا محمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ عن أبي مالكٍ الأَشْجَعيِّ عن رِبْعِيٍّ عن حُذَيْفَة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُضِّلنا على النَّاس بثلاثٍ: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلُّها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طَهُوراً إذا لم نجد الماء".
انفرد بإخراجه مسلم (2) .
قال أصحابنا: لو أراد بقوله: "طهوراً" أنَّه طاهرٌ لم يكن في ذلك فضيلة، لأنَّ ذلك طاهرٌ في حقِّ سائر الأنبياء.
4- الحديث الثَّاني: روى الترمذيُّ َوالنسائيُّ قالا: ثنا (3) قتيبة عن مالكٍ عن صفوان بن سُليمٍ عن سعيد بن سَلَمة - من آل بني الأَزْرق- أنَّ المغيرة بن أبي بُرْدَة أخبره أنَّه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجلٌ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّا نركب البحر، و [نحمل] (4) معنا القليل من الماء، فإن توضَّأنا به عطشنا!
أفنتوضأُ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هو الطََّهُور ماؤه، الحلُّ ميتته" (5) .
قال الترمذيَّ: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ.
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/64) ؛ (فؤاد- 1/371 - رقم: 523) .
وفي "التحقيق": (مسجداً وطهوراً) .
(2) "صحيح مسلم": (2/63- 64) ؛ (فؤاد- 1/371- رقم: 522) .
(3) في "سنن النسائي": (أخبرنا) .
(4) زيادة من (ب) والمصدرين.
(5) "جامع الترمذي": (1/111- رقم: 69) ؛ "سنن النسائي": (1/50، 176-
رقمي: 59، 332) .(1/10)
ز: وقد روى هذا الحديث: الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) وابن ماجه (3) ، وأبو بكر ابن خزيمة (4) وأبو حاتم ابن حِبَّان (5) في "صحيحيهما".
وهو حديث مختلف في إسناده:
فقيل: عن صفوان بن سُلَيم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبي هريرة، كما تقدَّم.
وقيل: عنه عن عبد الله بن سعيد المخزوميِّ.
وقيل: عنه عن سلمة بن سعيد عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبي هريرة.
وقيل: عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبيه عن أبي هريرة.
ورواه يزيد بن أبي حَبِيب عن الجُلاَح أبي كثير عن كثير (6) بن سلمة المخزوميِّ عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبي هريرة (7) .
وقال الترمذيُّ أيضاً: سألتُ محمَّدَ بنَ إسماعيل البخاريَّ عن هذا
__________
(1) "المسند": (2/361) مطولاً و (2/237) مختصراً.
(2) "سنن أبي داود": (1/188- رقم: 84) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/136- رقم: 386) .
(4) "صحيح ابن خزيمة": (1/59- رقم: 111) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (4/49- رقم:1243؛ 12/62- رقم: 5258) .
(6) (عن كثير) ليست في (ب) .
(7) هذه الأوجه من الاختلاف في إسناد الحديث ذكرها الحافظ المزي على هذا النسق في كتابه "تهذيب الكمال": (10/480- رقم: 2289) في ترجمة سعيد بن سلمة المخزومي، ولكن في الوجه الأخير إشكال من عدة وجوه:
1- أنه غير موجود في النسخة الخطية لـ "تهذيب الكمال" التي طبعت مصورة عن دار المأمون، وهي نسخة دون النسخ التي اعتمدها الأستاذ بشار عواد في تحقيقه للكتاب بكثير، ولكن هذا يدعونا إلى مزيد تحرير لهذا الموضع.(1/11)
الحديث، فقال: هو حديث صحيحٌ (1) .
قال البيهقيُّ: وإنَّما لم يخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصَّحيح" لأجل اختلافٍ وقع في اسم: سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بُردة (2) .
وقد جمعتُ في حديث أبي هريرة [هذا] (3) وشواهده من الأحاديث جزءً كبيراً O.
5- وروى أحمد: ثنا أبو القاسم بن أبي الزِّناد أخبرني إسحاق بن حازم عن عبيد الله بن مِقْسَم عن جابر بن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في البحر: "هو الطََّهور ماؤه، الحلُّ ميتته" (4) .
__________
= 2- أننا لم نقف على أحد ذكر هذا الوجه قبل المزي - إذا جزمنا بصحة ما في مطبوعة "تهذيب الكمال" -، مع أنه قد تكلم غير واحد من الحفاظ على الاختلاف الذي وقع على يزيد بن أبي حبيب في الحديث، ومنهم: الحافظ الدارقطني في "علله": (9/9- رقم: 1614) ، والحافظ البيهقي في "المعرفة": (1/133-رقم: 5 وما بعده) ، والحافظ ابن دقيق العيد في "الإمام": (1/103) ، والحافظ مغلطاي في "الإعلام بسنته عليه السلام": (1/229) ،
والحافظ الزيلعي في "نصب الراية": (1/97) ، والحافظ ابن الملقن في أول "البدر المنير": (1/ 16-19) .
3- أن الحافظ المزي ذكر الخلاف الذي وقع في هذا الحديث على الجلاح في ترجمته من "تهذيب الكمال": (5/177- رقم: 988) ، وفي تحفة الأشراف": (10/375- رقم: 14618) ولم يذكر هذا الوجه.
4- أننا لم نقف على ذكر لكثير بن سلمة المخزومي في كتب التراجم التي بين أيدينا، لا في موضع ترجمته، ولا في ترجمة الراوي عنه (الجلاح أبو كثير) ، ولا في ترجمة شيخه (المغيرة بن أبي بردة) .
(1) "علل الترمذي الكبير": (ص: 41- رقم: 33) .
(2) "المعرفة": (1/132- رقم: 2) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) "المسند": (3/373) .(1/12)
ثم ساق المؤلف حديث أبي هريرة من طريق الإمام أحمد (1) .
ز: حديث جابر: رواه ابن ماجه (2) وأبو حاتم (3) والدارَقُطْنيُّ (4) .
وأبو القاسم ابن أبي الزِّناد: صدوقٌ.
وإسحاق بن حازم: وثَّقه أحمد (5) وابن معين (6) ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث (7) . وقال الدارَقُطْنِيُّ: وإسحاق بن حازم هذا: شيخٌ مدينىٌّ، ليس بالقويِّ، وقد اختلف عنه في إسناد هذا الحديث (8) O.
قال: وقد رويناه أيضاً من حديث: أبي بكر الصدِّيق، وعليٍّ بن أبي طالب، وابن عبَّاس، وعمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جدِّه.
واحتجاج أصحابنا منه: أَنَّه لو أراد بالطَّهور الطَّاهر لم يكن جواباً عن السُّؤال، لأنَّ في الطَّاهرات ما يجوز التَّطهر به وما لا يجوز، فعلم أنَّ الطََّهور اسم مختصٌّ بما يتطهر به.
ز: قد قيل: إنَّ الطََّهور لازمٌ لفظاً ومعنًى؛ [وقيل: متعدٍّ لفظاً (1) ابن الجوزي ساقه من طريق أحمد عن عبد الرحمن عن مالك عن صفوان به، وهو في "المسند" كما سبق (ص: 11) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/137- رقم: 388) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (4/51- رقم: 1244) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/34) .
(5) "الجرح والتعديل": (2/216- رقم: 740) من رواية صالح عنه. وفي "العلل" لعبد الله: (1/531- رقم: 1250) : (شيخ ثقة) .
(6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 73- رقم: 158) .
(7) "الجرح والتعديل"، (2/216- رقم: 740) .
(8) "علل الدارقطني": (1/220- رقم: 26) .(1/13)
ومعنًى؛] (1) وقيل: لازمٌ لفظاً متعدٍّ معنًى.
قال شيخنا - رضي الله عنه -: والتَّحقيق في هذا أن يقال: إنَّ الطَّهور هنا ليس معدولاً عن طاهرٍ حتَّى يشاركه في اللزوم والتَّعدِّي بحسب اصطلاح النُّحاة - كما يقال (2) : ضاربٌ و [ضروبٌ] (3) ، وآكلٌ وأكولٌ، ونائمٌ ونؤومٌ-، ولكن من أسماء الآلات التي تفعل بها، فإنَّهم يقولون: طَهُورٌ ووَجُورٌ (4) وسَعُوطٌ (5) ولَدُودٌ (6) وفَطُورٌ وسَحُورٌ: لما يتَُطَهَّر به ويُوجَر به ويُلَدُّ به ويُفْطَر عليه ويُتَسحَّر به، ويقولون: طُهُورٌ ووُجُورٌ وسُعُوطٌ ولُدُودٌ وفُطُورٌ وسُحُورٌ - بالضمِّ-: للمصدر الذي هو اسمٌ لنفس الفعل.
فيفرِّقون بين اسم الفعل واسم ما يفعل به: بالضمِّ والفتح، وهذا معروفٌ مشهورٌ عند أهل العلم بالعربية وغيرهم من الفقهاء والمحدِّثين، وإذا كان كذلك فالطَّهُور: اسمٌ لما يتطهَّر به.
وكذا قال تعالى في إحدى الآيتين: (وأنزلنا من السماء ماء طهوراً) [الفرقان: 48] ، وفي الأخرى: (وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به) [الأنفال: 11] .
وأمَّا اسم طاهر فإنَّه صفةٌ محضةٌ لازمةٌ، لا يدلُّ على ما يتطهر به أصلاً.
فصار الفرق بين الطَّاهر والطَّهور من جهة اللزوم والتَّعدية المعنويَّة
__________
(1) زيادة من (ب) .
(2) في (ب) : (كما في) .
(3) في الأصل: (مضروب) ، والتَّصويب من (ب) و"الفروع" لابن مفلح.
(4) في القاموس": (632) : (الوَجور: الدَّواء يُوجَر في الفم، ويضمُّ) ا.هـ
(5) في "المصباح المنير": (277) : (السَّعوط- مثل رَسول-: دواء يصبُّ في الأنف) ا. هـ
(6) في "القاموس": (405) : (اللَدُود - كصَبور-: ما يصبُّ بالمُسْعُط من الدَّواء في أحد شقي الفم) ا.هـ(1/14)
الحكميَّة الفقهيَّة، لا من جهة اللزوم والتَّعدية النحوية، وبهذا التَّحرير يزول الإشكال ويظهر قول من فرَّق بين طَاهرٍ وطَهورٍ من هذه الجهة، لا كمن سوّى بينهما من أصحاب أبي حنيفة، ولا كمن فرَّق بينهما بفرقٍ غير جارٍ على مقاييس كلام العرب من أصحاب مالكٍ والشافعيِّ وأحمد - رحمهم الله- والله أعلم (1) O.
*****
مسألة (2) : لا تنجس القلَّتان بوقوع النَّجاسة فيهما، إلا أن تكون بَوْلاً.
وسوَّى الشافعيُّ بين الأنجاس، وهو رواية لنا.
وقال [أبو حنيفة] (2) : ينجس كلُّ ما غلب [على] (3) الظَّن وصول النَّجاسة إليه، فإن كان دون القلَّتين نجس بكلِّ حالٍ.
وقال مالكٌ: يعتبر تغيُّر الصِّفات.
لنا:
6- ما روى أحمد: ثنا عَبْدة عن محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن جعفر ابن الزُّبير عن عبيد الله (4) بن [عبد الله بن] (5) عمر عن ابن عمر قال: سمعت
__________
(1) نحوه باختصارٍ وتصرُّف في: "الفروع" لابن مفلح: (1/73) ، و"الاختيارات" لابن اللحام: (ص: 5- 7) ، و"مختصر الفتاوى المصرية" للبعلي: (ص: 14) .
(2) زيادة من (ب) .
(3) في الأصل: (عليه) ، والمثبت من (ب) .
(4) في (ب) : (عبد الله) خطأ.
(5) زيادة من (ب) و"المسند".(1/15)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينوبه من السِّباع والدَّواب - قال: "إذا كان الماء قلَّتين (1) لم يحمل الخبث" (2) .
رواه الترمذيُّ عن هنَّاد عن عَبْدة (3) .
7- وروى عَبْد بن حُميد: ثنا أبو أسامة ثنا الوليد بن كثير عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن [عبد الله] (4) بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الماء يكون بأرض الفلاة، وما ينوبه من السِّباع والدَّوابِّ، فقال: "إذا كان [الماء] (5) قلَّتين لم يحمل الخبث" (6) .
فإن قيل: قد اختلف على أبي أسامة:
فتارةً يرويه عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير.
وتارةٌ عن محمَّد بن عبَّاد بن جعفر.
فالجواب: أنَّ الدارَقُطْنيَّ قال: القولان صحيحان عن أبي أسامة، فإنَّ الوليد بن كثير رواه عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير وعن محمَّد بن عبَّاد جميعاً عن [عبد الله] (7) بن عبد الله بن عمر، فكان أبو أسامة تارةً يحدِّث به عن الوليد ابن كثير عن محمَّد بن جعفر، وتارةً يحدِّث به عن الوليد عن محمَّد بن عبَّاد (8) .
__________
(1) في "المسند": (قدر قلَّين) .
(2) "المسند": (2/12، 38) .
(3) "جامع الترمذي": (1/ 109- رقم: 67) ، وابن الجوزي أسند الحديث من طريق الترمذي أيضاً.
(4) في الأصل و"التحقيق": (عبيد الله) ، والتَّصويب من (ب) و"المنتخب من مسند عبد".
(5) زيادة من (ب) ومن "المنتخب".
(6) "المنتخب من مسند عبد": (2/40- رقم: 815) .
(7) في الأصل و"التحقيق": (عبيد الله) ، والتَّصويب من (ب) و"سنن الدارقطني".
(8) "سنن الدارقطني": (1/17) بتصرف واختصار.(1/16)
ورواه محمّد بن جعفر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وكذلك رواه عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله، فقد صحَّت الرِّوايتين (عن عبيد الله وعبد الله) كلاهما عن ابن عمر.
فإن قيل: فقد رُوي بالشكِّ: (قلتين أو ثلاثا) :
8- قال أحمد: ثنا وكيع ثنا حمَّاد بن سلمة عن عاصم بن النذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا كان الماء قدر قلَّتين - أو ثلاث- لم ينجِّسه شيءٌ".
قال وكيع: القلَّة: الجرَّة (1) .
9- وقال الدارَقُطْنيُّ: ثنا الحسن بن إسماعيل ثنا الحسن بن محمد ابن الصبَّاح ثنا يزيد بن هارون أنا حمَّاد بن سلمة عن عاصم بن المنذر بن الزُّبير حدَّثني عبيد الله بن عمر عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا بلغ الماء قلَّتين - أو ثلاثاً- لم ينجِّسه شيءٌ" (2) .
قلنا: قد اختلف عن حمَّاد:
فروى عنه إبراهيم بن الحجَّاج وهُدْبة وكامل بن طلحة فقالوا: قلَّتين أو ثلاثاً.
وروى عنه عفَّان ويعقوب بن إسحاق الحضرميُّ وبشر بن السَّريِّ والعلاء ابن عبد الجبَّار وموسى بن إسماعيل وعبيد الله بن موسى العَيْشيُّ (3) : إذا كان الماء
__________
(1) "المسند": (2/23) .
(2) "سنن الدَّارقطني": (1/22) وفيه قصَّة.
(3) (العيشي) في النسختين غير منقوطة، وفي الرواة: عبيد الله بن موسى العبسي مولاهم أبو محمَّد الكوفي - وليس هو المراد هنا-، بل المراد هنا هو: عبيد الله بن محمَّد بن حفص بن=(1/17)
قلَّتين - ولم يقولوا: أو ثلاثاً-.
واختلف (1) عن يزيد بن هارون:
فروى عنه ابن الصبَّاح بالشَّكِّ، وروى عنه أبو مسعود (2) بغير شكٍّ، فوجب العمل على قول من لم يشك.
ز: وقد روى حديث القلَّتين: أبو داود (3) والنسائيُّ (4) وابن مَاجَه (5) أيضاً بطرقٍ؛ ورواه ابن خزيمة (6) وابن حِبَّان (7) في "صحيحيهما"؛ والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، فقد احتجا [جميعاً] (8) بجميع رواته ولم يخرجاه، وأظنُّهما - والله أعلم- لم يخرجاه لخلافٍ فيه على أبي أسامة عن الوليد بن كثير (9) .
وسئل ابن معين عن هذا الحديث فقال: هذا إسنادٌ جيِّدٌ. فقيل له:
[فإنَّ] (10) ابن عُلَيَّة لم يرفعه. قال يحيى: وإن لم يحفظه ابن عُلَيَّه فالحديث
__________
= عمر ابن موسى العيشيُّ - نسبة إلى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، لأنَّه من ولدها-، فيحتمل أنَّه نسب إلى جده، ويحتمل أن يكون اشتبه على المؤلِّف بالأوَّل، والله أعلم.
ثم رأيناه في مطبوعة "التحقيق": (عبيد الله بن محمد العيشي) وذكر محققه أنه وقع في نسخة أخرى: (عبيد الله بن موسى العبسي) .
(1) في (ب) قبل (واختلف) : (ز) خطأ، فهذا من كلام ابن الجوزي.
(2) هو أحمد بن الفرات الرازي.
(3) "سنن أبي داود": (1/178- 179- رقم: 64- 660) .
(4) "سنن النسائي": (1/ 46، 175- رقمي: 52، 328) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/172- رقم: 517- 518) .
(6) "صحيح ابن خزيمة": (1/ 49- رقم: 92) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (4/57، 63- رقمي: 1249- 1253) .
(8) زيادة من (ب) و"المستدرك".
(9) "المستدرك": (1/132- 133) .
(10) زيادة من (ب) و"التاريخ" لابن معين.(1/18)
حديثٌ جيِّدُ الإسناد (1) .
وقال البيهقيُّ: إسناده صحيحٌ موصولٌ (2) .
ورواه حمَّاد بن زيد عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله [بن عبد الله] (3) ابن عمر عن أبيه موقوفاً.
وكذلك [رواه] (4) إسماعيل بن عُلَيَّة عن عاصم بن المنذر عن شيخ له عن ابن عمر موقوفاً.
[وروى زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال: إذا كان الماء قلَّتين لا ينجِّسه شيءٌ] (5) .
وروى عبد الله بن الحسين المصيصيُّ عن محمَّد بن كثير عن زائدة فرفعه.
والصواب الموقوف (6) .
وروى شَريك عن أبي إسحاق عن مجاهد قال: إذا كان الماء قلَّتين لم ينجِّسه شيءٌ.
وقد تكلَّم الدارقطنيُّ على هذا الحديث كلاماً طويلاً غير ما ذكره المؤلِّف (7) ، كتبته وغيره من كلام الأئمة في جزءٍ مفردٍ.
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (4/240- رقم: 4152) .
(2) "المعرفة": (1/329 - رقم: 399) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) زيادة من (ب) .
(5) هذه الفقرة سقطت من الأصل، واستدركت من (ب) .
(6) ي: من رواية زائدة.
(7) "سنن الدارقطني": (1/13- 27) ، "علل الدارقطني": (4/ق- 68/أ - 69/أ) .(1/19)
وقد ذكر الإمام أبو عمر ابن عبد البرِّ في كتاب "التَّمهيد" له = هذا الحديث، وقال: هو حديثٌ يرويه محمَّد بن إسحاق والوليد بن كثير جميعاً عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير، وبعض رواة الوليد بن كثير [يقول فيه عنه: عن محمَّد بن عبَّاد بن جعفر. ولم يختلف عن الوليد بن كثير] (1) أنَّه قال فيه: عن [عبد] (2) الله بن عبد الله (3) بن عمر عن أبيه يرفعه.
ومحمَّد بن إسحاق يقول فيه: عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن عبيد الله ابن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعاً أيضاً:
فالوليد يجعله عن عبد الله بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق يجعله عن عبيد الله بن عبد الله.
ورواه عاصم بن المنذر فاختلف فيه عليه أيضاً:
قال فيه حمَّاد بن سلمة: عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر عن أبيه.
[و] (4) قال فيه حمَّاد بن زيد: عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر.
وقال حمَّاد بن سلمة فيه: "إذا كان الماء قلَّتين - أو ثلاثاً- لم ينجِّسه شيءٌ".
وبعضهم يقول: "إذا كان الماء قلَّتين لم يحمل الخبث". وهذا اللفظ
__________
(1) سقطت من الأصل، فاستدركت من (ب) و"التمهيد".
(2) في الأصل: (عبيد) ، وللتصويب من (ب) و"التمهيد"، وسيأتي على الصواب.
(3) (ابن عبد الله) سقطت من (ب) ، وهي ثابتة في الأصل و"التمهيد".
(4) زيادة من (ب) و"التمهيد".(1/20)
محتملٌ للتأويل.
ومثل هذا الاضطراب في الإسناد يوجب التَّوقف عن القول بهذا الحديث، على أنَّ القلَّتين غير معروفتين، ومحالٌ أن يتعبَّد الله تعالى عباده بما لا يعرفونه (1) .
وقال الطَّحاويُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ، لكن تركناه لعدم علمنا بالقلَّتين (2) .
وقال الخطَّابيُّ: ويكفي شاهداً على صحَّته [أنَّ] (3) نجومَ أهلِ الحديث صحَّحوه (4) .
وقد صحَّحه جماعة من المتأخرين، واستشكلوه من جهة: أنَّ القلَّتين لا يعلم قدرهما O.
فإن قيل: فقد روي: (أربعين قلَّة) :
10- قال ابنُ عَدِيٍّ: أبنا أبو يعلى ثنا سويد ثنا القاسم بن عبد الله العمريُّ عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا بلغ الماء أربعين قلَّةً فإنَّه لا يحمل الخبث" (5) .
والجواب: أنَّ هذا لا يرويه مرفوعاً غير القاسم، قال أحمد بن حنبل: القاسم: ليس هو عندي بشيءٍ، كان يكذب ويضع الحديث، ترك الناس
__________
(1) "التمهيد": (1/329) .
(2) انظر: "شرح معاني الآثار": (1/15- 16) ، "المجموع" للنووي: (1/114) .
(3) في الأصل: (كون) ، والمثبت من (ب) و"معالم السنن".
(4) "معالم السنن": (1/58) .
(5) "الكامل": (6/34- رقم الترجمة: 1577) في ترجمة القاسم بن عبد الله.(1/21)
حديثه (1) . وقال يحيى بن معين: هو كذَّابٌ خبيثٌ (2) . وقال أبو حاتم الرازيُّ: متروك الحديث (3) . وقال أبو زرعة: لا يُساوي شيئاً (4) .
وقال الدارَقُطْنِيُّ: كان ضعيفاً كثير الخطأ، ووهم في إسناده، وخالفه روح بن القاسم وسفيان الثَّوريُّ ومعمر فرووه عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمر (5) موقوفاً.
ورواه أيُّوب السَّختياني عن محمَّد بن المنكدر من قوله لم يجاوزه (6) .
وقد رواه عبد الرَّحمن بن أبي هريرة عن أبيه قال: إذا كان الماء قدر أربعين لم يحمل خبثاً.
وخالفه غير واحد، فرووه عن أبي هريرة فقالوا: أربعين غَرْباً (7) .
ومنهم من قال: أربعين دلواً (8) .
__________
(1) في "الكامل" لابن عدي (6/34- رقم: 1577) من رواية عبد الله بن أحمد عن أبيه أَنَّه قال: (القاسم بن عبد الله العمري: ليس هو عندي بشيءٍ كان يكذب) ا. هـ، وفي "الجرح والتعديل": (7/111- رقم: 643) من رواية أبي طالب عن أحمد أنَّه قال: (مدينيٌّ كذَّاب، كان يضع الحديث، ترك الناس حديثه) ا. هـ وانظر: "العلل" برواية عبد الله: (2/478- رقم: 3136) .
(2) انظر: "الميزان" للذهبي: (3/372- رقم: 6812) وليس عنده: (خبيث) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/112- رقم: 643) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/112- رقم: 643) وفيه: (ضعيف لا يساوي شيئاً، متروك الحديث، منكر الحديث) ا. هـ
(5) كذا في النسختين، وصوابه (عمرو) كما في "سنن الدارقطني" و"التحقيق".
(6) في (ب) و"التحقيق": (لم يجاوز به) ، وما بالأصل هو الموافق لما في"سنن الدارقطني".
(7) في "النهاية": (3/349) : (الغَرْب- بسكون الراء-: الدَّلو العظيمة التي تُتَّخذ من جلد ثورٍ) ا. هـ
(8) "سنن الدارقطني": (1/26- 27) بتصرف واختصار.(1/22)
احتجَّ أصحاب مالك بأحاديث:
11- الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء لا ينجِّسه شيءٌ" (1) .
وهذا متروكُ الظَّاهر بما إذا تغيَّر.
12- الحديث الثَّاني: [قال الدارَقُطْنيِّ: ثنا محمَّد بن الحسن الحرَّانيُّ ثنا عليُّ بن أحمد الجرجانيُّ ثنا محمد بن موسى الحَرَشيُّ ثنا فُضيلُ بن سليمان النُّميريُّ عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الماء لا ينجسِّه شيءٌ" (2) .
قال يحيى بن معين: فُضيلُ بن سليمان ليس بثقةٍ (3) .
ز: وقال أبو زرعة في فضيل: ليِّن الحديث (4) . وقال أبو حاتم والنسائيُّ: ليس بالقويِّ (5) . وقد أخرج له في "الصَّحيحين" (6) .
ومحمَّد بن موسى الحَرَشيُّ: صدوقٌ، [تكلَّم] (7) فيه أبو داود (8)
__________
(1) "المسند": (1/235، 308) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/29) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/229- رقم: 4093) ، وا نظر: (4/296- رقم: 4481) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/73- رقم: 413) وفيه: (ليِّن الحديث، روى عنه عليُّ بن المديني وكان من المتشددين) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/72- رقم: 413) وزاد أبو حاتم: (يكتب حديثه) . و"الضعفاء والمتروكون" للنسائي: (ص: 191- رقم: 494) .
(6) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/1053- رقم: 1232) ؛ و"رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/133- 134- رقم: 1335) .
(7) زيادة ليست في (ب) .
(8) في "تهذيب الكمال": (26/530- رقم: 5642) : (قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه، فوهاه وضعَّفه) ا. هـ ولم نقف عليه في المطبوع من "سؤالات أبي عبيد"، فلعله في الأجزاء المفقودة.(1/23)
ووثَّقه غيره.
وشيخ الدارَقُطْنيِّ وشيخ شيخه: ثقتان، والله أعلم (1) O.
12/أ- الحديث الثَّالث] (2) : قال الدارقطني: ثنا محمَّد بن موسى البزار أنا علي بن سراج ثنا أبو شُرَحْبِيل عيسى بن خالد ثنا مروان بن محمَّد ثنا رِشْدِين ثنا معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء طهورٌ إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه" (3) .
هذا لا يصحُ.
أمَا معاوية بن صالح: فقال أبو حاتم الرازيُّ: لا يحتجُّ به (4) . وكان يجيى بن سعيد لا يرضاه (5) .
وأما رِشْدِِين: فهو ابن سعد، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (6) .
وقال أبو حاتم الرازيُّ: يحدِّث بالمناكير عن الثِّقات، وفيه غفلةٌ (7) . وقال النسائيُّ: متروك الحديث (8) . وقال أبو حاتم (9) ابن حِبَّان الحافظ: كان يقرأ
__________
(1) (والله أعلم) وقعت في (ب) بعد الدائرة.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، فاستدركته من (ب) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/28) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/383- رقم: 1750) وفيه: (صالح الحديث، حسن الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به) ا. هـ
(5) نصَّ على ذلك: ابن معين في "تاريخه" برواية الدوري: (4/92- رقم: 3310) ، وهو في "الجرح والتعديل": (8/382- رقم: 1750) من رواية ابن أبي خيثمة عنه.
(6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 110- رقم: 327) ، "من كلام ابن معين في الرجال" لابن طهمان: (ص: 37- رقم: 36) .
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/513- رقم: 2320) باختصار.
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 103- رقم: 203) .
(9) في (ب) زيادة: (الرازي) خطأ.(1/24)
كلَّ ما وقع (1) إليه، سواءٌ كان من حديثه أو لم يكن (2) .
13- الحديث [الرابع] (3) : قال الدارقطني: ثنا دَعْلَج ثنا أحمد بن عليٍّ الأبَّار ثنا محمَّد بن يوسف الغَضيْضيُّ ثنا رِشْدِين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أُمَامة الباهليِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا ينجِّس الماء شيءٌ إلا ما غير ريحه أو طعمه".
قال الدارقطني: لم يرفعه غير رِشدِين بن سعد عن معاوية بن صالح، وليس بالقويِّ (4) .
وخالفه [] (5) الأحوص بن حكيم فرواه عن راشد بن سعد مرسلاً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال أبو أسامة: عن الأحوص عن راشد قوله. لم يجاوز به راشداً.
وقد ذكرنا القدح في رِشدِين بن سعد ومعاوية بن صالح.
ز: وقد روى حديث أبي أمَامَة: ابنُ مَاجَه في "سننه" (6) والبيهقيُّ (7) من طريق رِشدِين أيضاً.
وفي لفظ البيهقيِّ: "إذا كان الماء قلَّتين لم ينجِّسه شيء إلا ما غلب (8) عليه
__________
(1) كذا في النسختين و"التحقيق"، وفي "المجروحين": (ما يدفع) وفي نسخة منه: (ما رفع) .
(2) "المجروحون": (1/303) .
(3) في الأصل: (الثالث) ، والتصويب من (ب) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/28- 29) .
(5) أقحمت في الأصل كلمة (أبو) خطأ، فحذفت.
(6) "سنن ابن ماجه": (1/174- رقم: 521) .
(7) "سنن البيهقي": (1/259) .
(8) (غلب) سقطت من (ب) .(1/25)
- ريحه أو طعمه- ".
وقال: كذا وجدتُّه! ولفظ "القلَّتين" فيه غريبٌ.
وقال أبو حاتم الرازيُّ: يوصله رِشْدِين بن سعد- وليس بالقويِّ-، والصَّحيح أنَّه مرسلٌ (1) .
وقال الشافعيُّ: هذا الحديث لا يُثبتُ أهل الحديث مثلَه، ولكنَّه قول العامَّة لا أعلم بينهم فيه خلافاً (2) .
وقد روى أبو القاسم البغويُّ عن أحمد أنَّه قال في رِشْدِين: أرجو أنَّه صالح الحديث (3) . وضعَّفه أَيضاً: الفلاَّس (4) وأبو زرعة (5) والدارقطني (6) .
وقال الجوزجانيُّ: عنده معاضيل ومناكير كثيرة، وسمعتُ ابن أبي مريم يثني عليه في دينه (7) . وقال قتيبة بن سعيد: كان لا يبالي ما دفع إليه قرأه (8) . وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة أحاديثه عن من يرويه عنه ما أقلَّ فيها ما تابعه (9) أحدٌ عليها، وهو مع ضعفه يكتب حديثه (10) . وقال ابنُ يونس: كان رجلاً صالحاً لا يُشكُّ
__________
(1) "العلل" لابن أبي حاتم: (1/44- رقم: 97) .
(2) "سنن البيهقي" (1/260) ، "المعرفة" للبيهقي (1/325- رقم 390) من رواية أبي العباس محمد بن يعقوب عن الربيع عنه.
(3) "الكامل" لابن عدي: (3/149- رقم: 669) .
(4) "الجرح والعديل" لابن أبي حاتم: (3/513- رقم: 2320) .
(5) ذكره في كتابه "الضعفاء": (2/617- رقم: 107) ، وانظر: "الجرح والعديل" لابن أبي حاتم: (3/513- رقم: 2320) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 209- رقم: 220) .
(7) "الشجرة في أحوال الرجال": (ص: 267- رقم: 208) .
(8) "التاريخ الكبير" للبخاري: (3/337- رقم: 1145) .
وانظر: "الكامل" لابن عدي: (3/150- رقم: 669) .
(9) كذا بالأصل، وفي (ب) و"الكامل": (يتابعه) .
(10) "الكامل" لابن عدي: (3/157- رقم: 669) .(1/26)
في صلاحه وفضله، فأدركتْهُ غفلةُ الصَّالحين فخلَّط في الحديث (1) .
14- وقال البيهقيُّ: أبنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الوليد أنا الشَّاماتي (2) نا عطية بن بقيَّة بن الوليد ثنا أبي عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة مرفوعاً: "إنَّ الماء طاهرٌ إلا إن تغيَّر ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسةٍ تَحدث فيه" (3) .
15- قال: وأبنا أبو حازم الحافظ أنا أبو أحمد الحافظ أنا أبو الحسن أحمد ابن عمير بن يوسف الدِّمشقيُّ بدمشق ثنا أبو أميَّة - يعني: محمَّد بن إبراهيم - ثنا حفص بن عمر ثنا ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة مرفوعاً: "الماء لا ينجس إلا ما غيَّر ريحه أو طعمه" (4) .
قال البيهقيُّ: والحديث غير قويٍّ، والله أعلم.
16- وقال أبو أحمد ابن عَدِيٍّ في كتاب "الكامل": ثنا ابن جَوْصَا ثنا أبو أميَّة محمَّد بن إبراهيم ثنا حفص بن عمر عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أُمَامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء لا ينجس إلا ما غيَّر ريحه أو طعمه".
قال ابن عَدِي: هذا الحديث ليس يوصله عن ثور إلا حفص بن عمر الأيليّ، وأحاديثه كلُّها إمَّا منكر المتن أو منكر الإسناد، وهو إلى الضَّعف أقرب.
ورواه رِشْدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أُمَامَة موصولاً أيضاً.
__________
(1) "تهذيب الكمال" للمزي: (9/195- رقم: 1911) .
(2) هو جعفر بن أحمد الشاماتي النيسابوري.
(3) "سنن البيهقي": (1/259- 260) .
(4) "سنن البيهقي": (1/260) .(1/27)
ورواه الأحوص بن حكيم- مع ضعفه- عن راشد بن سعد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً ولا يذكر أبا أُمَامَة (1) .
17- وقال الطَّحاويُّ: ثنا محمَّد بن الحجَّاج ثنا عليُّ بن معبد ثنا عيسى ابن يونس عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعدٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء لا ينجِّسه شيءٌ إلا ما غلب على لونه أو طعمه".
قال الطَّحاويُّ: هذا منقطعٌ، وأنتم لا تثبتون المنقطع ولا تحتجُّون به (2) O.
18- الحديث [الخامس] (3) : قال الترمذيُّ: ثنا هنَّاد (4) ثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعبٍ عن عبيد [الله] (5) بن عبد الله بن رافع بن خَدِيج عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ (6) من بئر بُضَاعة - وهي بئرٌ يلقى فيها الحِيض ولحوم الكلاب والنَّتن-؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ الماء طَهورٌ لا ينجِّسه شيءٌ" (7) .
وقد رواه جماعةٌ عن أبي أسامة، فقالوا: عبيد الله بن عبد الله، ورواه سَلِيط بن أيوب فقال: عن عبد الرَّحمن بن رافع، وقال مرَّةً: عن عبيد الله ابن عبد الرَّحمن بن رافع، ورواه يعقوب بن إبراهيم فقال: عن عبيد الله عن أبيه،
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (2/389- 390- رقم: 511) بتصرف يسير.
(2) "شرح معاني الآثار": (1/16) وفيه زيادة: (أو ريحه) .
(3) في الأصل: (الرابع) ، والتصويب من (ب) .
(4) في "جامع الترمذي": (ثنا هناد والحسن بن علي الخلال وغير واحد) .
(5) سقط لفظ الجلالة من الأصل، واستدرك من (ب) و"جامع الترمذي".
(6) النون في النسختين غير منقوطة، وفي بعض نسخ "جامع الترمذي": (أنتوضأ) وفي بعضها الآخر: (أتتوضأ) ، وانظر تعليق الأستاذ بشار عواد على هذا الموضع من "جامع الترمذي".
(7) "جامع الترمذي": (1/108- رقم: 66) .(1/28)
فقد اضطربوا فيه.
ورواه المقبريُّ عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الدَارَقُطْنيُّ: والحديث غير ثابتٍ (1) .
وقد ذكر أبو بكر عبد العزيز في كتاب "الشَّافي" عن أحمد أنَّه قال: حديث بئر بضاعة صحيحٌ (2) .
ز: سُئل الدَّارَقُطنيُّ عن هذا الحديث فقال: يرويه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله (3) بن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد.
ورواه الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعب القُرَظيِّ عن عبد الله (4) بن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد.
ورواه محمَّد بن إسحاق أيضاً بإسناد آخر عن سَلِيط بن أيوب، واختلف
__________
(1) "علل الدارقطني": (8/156- رقم: 1476) ولامه هذا في حديث أبي هريرة لا في أصل الحديث، كما سينبِّه عليه المنقح.
(2) نقل تصحيح الإمام أحمد للحديث: الحافظُ ابنُ دقيق العيد في كتابه "الإمام": (1/115) عن "العلل" للخلاَّل، وذكر أنه من رواية أبي الحارث عن أحمد، كما نقله أيضاً الحافظ المزي في كتابه "تهذيب الكمال": (19/84- رقم: 3657) من رواية أبي الحسن الميموني عنه، وفيه: (حديث بئر بضاعة صحيح، وحديث: "لا يبال في الماء الراكد" أثبت وأصحُّ إسناداً) ا. هـ
(3) في (ب) : (عبد الله) ، وما بالأصل موافق لما في "علل الدارقطني"، والله أعلم بالصواب.
(4) كذا في النسختين،وفي مطبوعة "علل الدارقطني": (عبيد الله) مصغراً، ولكن نبَّه المحقق في الحاشية إلى أنه في نسختي "العلل" الخطيتين: (عبد الله) مكبَّرا، والله تعالى أعلم بالصواب.(1/29)
عن ابن إسحاق:
فقال محمَّد بن سلمة الحرَّانيُّ: عن محمَّد بن إسحاق عن سَلِيط بن أيوب عن عبد الرَّحمن بن رافع عن أبي سعيد، ووهم.
وقال إبراهيم بن [سعدٍ] (1) وأحمد بن خالد الوهبي وشعيب بن إسحاق: عن ابن إسحاق عن سَلِيط بن أيوب عن عبد الله (2) بن عبد الرَّحمن ابن رافع عن أبي سعيد، وهو أشبه بالصَّواب.
ورواه أبو معاوية الضَّرير عن ابن إسحاق فلم يُقم إسناده، وخلَّط فيه، فقال: عن عبيد الله بن عبد الله (3) بن عُتبة؛ ومرَّةً قال: عن عبيد الله بن عبد (4) .
وكذلك قال حمَّاد بن سلمة عن محمَّد بن إسحاق.
وقال جرير [بن عبد الحميد] (5) : عن محمَّد بن إسحاق بلغني عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد.
وقد قارب، لأنَّ ابن إسحاق رواه عن سَلِيط بن أيوب عن عبيد الله.
وروى هذا الحديث مُطرِّف بن طَريف عن خالد بن أبي [نوف] (6) ، واختلف عن مُطرِّف:
__________
(1) في الأصل: (سعيد) ، والتصويب من (ب) و"علل الدارقطني".
(2) كذا بالنسختين، وفي "علل الدارقطني": (عبيد الله) ، والله أعلم بالصَّواب.
(3) (ابن عبد الله) ليست في "علل الدارقطني".
(4) كذا بالنسختين، وفي "علل الدارقطني": (عمر) ، والله أعلم بالصواب.
(5) زيادة من (ب) ، و"علل الدارقطني".
(6) في الأصل: (أيوب) ، والتصويب من (ب) و"علل الدارقطني".(1/30)
فقال [عبد العزيز] (1) القَسْمَليُّ: عن مُطرِّف عن خالد بن أبي [نوف] (2) عن سَلِيط عن أبي سعيد الخدريِّ عن أبيه.
وقال أسباط بن محمَّد: عن مطرِّف عن خالد عن محمَّد بن إسحاق - فرجع الحديث إلى ابن إسحاق- وأرسله عن أبي سعيد.
ورواه ابن أبي ذئب واختلف عنه:
فقال أبو أحمد الزُّبيريُّ: عن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن عبد الرّحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة عن أبي سعيد.
وقال أبو معاوية الضَّرير: عن ابن أبي ذئب عن من أخبره عن عبيد الله ابن عبد الله العدويِّ عن أبي سعيد.
وقال وكيع وأبو معاوية: عن ابن أبي ذئب عن رجلٍ لم يسمِّه عن عبيد الله بن عبد الله، وأسندوه عن أبي سعيد.
وأحسنها إسناداً: حديث الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعب، وحديث ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة (3) 0 انتهى كلام الدَّارَقُطْنيَّ.
وما حكاه المؤلِّف عنه - من قوله: (والحديث غير ثابت) -: يريد به حديث أبي هريرة لا حديث أبي سعيد كما صرَّح به في "العلل" (4) .
__________
(1) في الأصل: (عبد الله) ، والتصويب من (ب) و"علل الدارقطني".
(2) في الأصل: (أيوب) ، والتصويب من (ب) و"علل الدارقطني".
(3) "علل الدارقطني": (11/285- 288- رقم: 2287) ، وقد وقع في مطبوعة "العلل" سقطٌ، يستدرك من هنا.
(4) "علل الدارقطني": (8/157- رقم: 1476) .(1/31)
وقد روى هذا الحديث أيضاً الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) [والنسائيُّ (3) والدَّارَقُطْنيُّ (4) ، وفي لفظ للإمام أحمد وأبي داود] (5) والدَّارَقُطْنيِّ: يُطرح فيه محايض النِّساء ولحم الكلاب وعذر النَّاس.
وقال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ، وقد جوَّد أبو أسامة هذا الحديث، ولم يرو أحدٌ حديث أبي سعيد في بئر بُضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد رُوي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي سعيد (6) .
قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: سألت قيِّم بئر بُضاعة عن عمقها، فقلت: أكثر ما يكون الماء فيها؟ قال: إلى العانة. قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة.
قال أبو داود: قدَّرت بئر بُضاعة بردائي، مدَّدته عليها، ثمَّ ذَرَعتْه، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألتُ الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل (7) غُيِّر بناؤها عمَّا كانت عليه؟ قال: لا. ورأيتُ الماء فيها (8) متغيِّر اللون (9) O.
احتجَّ أصحابُ الشافعيِّ:
__________
(1) "مسند الإمام أحمد": (3/15- 16، 31، 86) .
(2) "سنن أبي داود": (1/180- رقم: 67- 68) .
(3) "سنن النسائي": (1/174- رقم: 326- 327) .
(4) "سنن للدارقطني": (1/29- 31) .
(5) زيادة من (ب) .
(6) "الجامع" للترمذي: (1/109- رقم: 66) .
(7) (هل) سقطت من (ب) .
(8) في (ب) و"سنن أبي داود": (ورأيت فيها ماءً) .
(9) "سنن أبي داود": (1/181- رقم: 68) .(1/32)
19- بما روى الترمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن همَّام بن منبِّه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدَّائم (1) ثم يتوضَّأ منه" (2) .
أخرجه البخاريُّ، وفي [لفظه] (3) : "ثم يغتسل فيه" (4) ؛ وأخرجه مسلمٌ، وفي [لفظه] (5) : "ثم تغتسل منه" (6) .
قال المؤلِّف: ووجه حجَّتهم أَنَّه لو كان فيه نجاسةٌ غير البول منعت، فالبول كذلك.
*****
مسألة (3) : إذا تغيَّر الماء بشيءٍ من الطََّاهرات تغيراً يزيل عنه اسم الإطلاق لم يرفع الحدث، خلافاً لأبي حنيفة.
احتجَّ الخصم بحديثين:
__________
(1) في (ب) : (الماء الراكد الدائم) ، ولعله مضروبٌ على كلمة (الراكد) لكنه لم يظهر في التصوير.
(2) "الجامع": (1/110- رقم: 68) .
(3) في النسختين: (لفظ) ، والمثبت من "التحقيق".
(4) "صحيح البخاري": (1/68- 69) ؛ (فتح- 1/346- رقم: 239) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به.
(5) في النسختين: (لفظ) ، والمثبت من "التحقيق".
(6) من قوله: (وأخرجه مسلم) إلى هنا ساقط من (ب) .
"صحيح مسلم": (1/162) ؛ (فؤاد- 1/235- رقم: 282) من طريق ابن سيرين وهمام بن منبّه-. فرقهما- كلاهما عن أبي هريرة به.(1/33)
20- قال أحمد: ثنا إسحاق الأزرق أنا هشام عن حفصة عن أمِّ عطيَّة قالت: توفِّيت إحدى بنات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "اغسلنَّها بسدرٍ واجعلنَّ في الآخرة كافوراً- أو: شيئاً من كافور-" (1) .
21- قال أحمد: وثنا عبد الملك بن عمرو (2) ثنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد عن أمِّ هانئ قالت: اغتسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وميمونة من إناءٍ واحد، [] (3) قصعةٌ فيها أثر العجين (4) .
22- قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا مَعْمَر عن ابن طاوس عن المطَّلب بن عبد الله عن أمِّ هانئ قالت: جيء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفنةٍ فيها ماء، [فيها] (5) أثر العجين فاغتسل (6) .
حديث أمِّ عطية: في "الصَّحيحين" (7) .
__________
(1) "المسند": (6/407) مطولاً.
(2) في "المسند": (وابن أبي بكير) ، وهو يحيى بن أبي بكير الكرماني.
(3) أقحم في الأصل هنا حرف (في) ، وهو غير موجود في (ب) و"المسند" و"التحقيق" فحذفناه.
(4) "المسند": (6/342) .
(5) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(6) "المسند": (6/341) مطولاً.
(7) "صحيح البخاري": (2/313، 314، 315) ؛ (فتح- 3/125، 130، 131، 133- الأرقام: 1253، 1254، 1257، 1258، 1261) من طريق محمد بن سيرين عن أم عطيَّة به مطولاً.
وهو فيه أيضاً: (2/314- 315) ؛ (فتح- 3/130، 131، 132- الأرقام: 1255، 1256، 1260) من طريق حفصة بنت سيرين عن أم عطيَّة، ولكن ليس فيه محل الشاهد.
و"صحيح مسلم": (3/47) ؛ (فؤاد- 2/646- رقم: 939) من طريق محمد بن سيرين عن أمِّ عطية به مطولاً.
وهو فيه أيضاً: (3/48) ؛ (فؤاد- 2/647- رقم: 939) من طريق حفصة عن أمِّ عطية، ولكن ليس فيه محل الشاهد.(1/34)
وحديث أمِّ هانئ: لا يثبت، وقد روى الدَّارَقُطْنيُّ أنَّ أمَّ هانئ كرهت أن يُتوضَّأ بالماء الذي يبلُّ فيه الخبز (1) .
ثُمَّ ليس في الحديثين حجَّة، لأَنَّه ليس فيهما ذكر التَّغيُّر.
ز: وقد روى حديثَ أمِّ هانئ أيضاً: ابن ماجه (2) والنَّسائيُّ (3) وأبو حاتم ابن حبَّان (4) O.
*****
[مسألة (5) ] (4) : المستعمل في رفع الحدث طاهرٌ.
وقال أصحاب أبي حنيفة: نجسٌ.
لنا:
23- ما روى أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن عون بن أبي جُحَيْفة عن أبيه (6) قال: أتيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأبطح - وهو في قُبَّة له - فخرج بلال بفضل وَضوءه، فبين ناضحٍ ونائلٍ (7) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/39) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/134- رقم: 378) .
(3) "سنن النسائي": (1/131- رقم: 240) .
(4) "الإحسان": (4/51- 52- رقم: 1245) .
(5) كلمة (مسألة) سقطت من (ب) .
(6) في (ب) : (عن أبي) خطأ.
(7) "المسند" (4/308- 309) .
وقال النووي في "شرح مسلم": (4/218- 219) : (معناه: فمنهم من ينال منه شيئاً، ومنهم من ينضح عليه غيره شيئاً مما ناله، ويرشُّ عليه بللاً مما حصل له) ا. هـ(1/35)
24- قال أحمد: وثنا عفان ثنا شعبة عن الحكم قال: [سمعتُ] (1) أبا جُحَيفة يقول: توضًأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل النَاس يأخذون فضل وَضوءه (2) .
أخرجاه في "الصحيحين" (3) .
ز: المستعمل في رفع الحدث فيه ثلاث روايات عندنا، وفيه خلاف عند (4) الأئمة الأربعة وغيرهم، والصحيح من حيث الدَّليل أنه طَهور، وقد احتجَّ أصحابنا بأحاديث في الاستدلال بها نظرٌ، منها:
24- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصبَّ وَضوءه عَلَيَّ فعقلت، فقلت: يا رسول الله، لمن الميراث، إنما يرثني كَلالةٌ؟ فنزلت آية الفرائض.
متفقٌ عليه (5) .
25- وعن السَّائب بن يزيد رضي الله عنه قال: ذهبت [بي] (6) خالتي
__________
=
(1) زيادة من (ب) .
(2) "المسند": (4/307) مطولاً.
(3) "صحيح البخاري": (1/59، 105، 133- 134؛ 4/233) ؛ (فتح- 1/294، 485، 576- الأرقام: 187، 376، 501؛ 6/655- رقم: 3566) .
وخرجه في مواضع أخرى ولكن ليس فيها محل الشاهد (انظر أطراف رقم: 187) .
"صحيح مسلم": (2/56) ؛ (فؤاد- 1/360- رقم: 503) .
(4) في (ب) : (بين) .
(5) "صحيح البخاري": (1/60؛ 6/536- 537؛ 7/152، 159؛ 8/406- 407،412؛ 9/564) ؛ (فتح- 1/301- رقم: 194؛ 8/243- رقم: 4577؛ 10/114، 132- رقمي: 5651، 5676؛ 3/12، 25- رقمي: 6723، 6743؛13/290- رقم: 7309) .
"صحيح مسلم": (5/60) ؛ (فؤاد- 3/1234- رقم: 6161) .
(6) زيادة من (ب) .(1/36)
إلى النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجعٌ. فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضَّأ فشربت من وَضوءه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النُّبوة بين كتفيه مثل زِرِّ الحَجَلة.
متفقٌ عليه (1) .
26- وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه- ذكر في حديث صلح الحديبية- قال: فوالله ما تنخَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخامةً إلا وقعت في كفٍّ رجلٍ منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوءه.
رواه البخاريُّ (2) .
27- وعن الرُّبيِّع بنت معوَّذ بن عَفْراء أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح برأسه من فضل ماءٍ كان بيده.
رواه أبو داود (3) ، وفي إسناده: عبد الله بن محمَّد بن عَقيل، قال أحمد - في رواية حنبل-: منكر الحديث (4) . وقال ابنُ معين (5) وابنُ المدينيِّ (6) :
__________
(1) "صحيح للبخاري": (1/59؛ 2/228، 229؛ 7/158؛ 8/316) ؛ (فتح- 1/296- رقم: 190؛ 6/648- رقم: 3540- 3541؟ 10/127- رقم: 5670؛ 11/150- رقم: 6352) .
"صحيح مسلم": (7/86) فؤاد- 4/1823- رقم: 2345) .
(2) "صحيح البخاري": (3/696- 697) ؛ (فتح- 5/329- رقم: 2731) .
(3) "سنن أبي داود": (1/207- رقم: 131) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (16/82- رقم: 3543) .
(5) "سؤالات ابن محرز": (1/72- رقم: 182) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/154- رقم: 706) ؛ "الضعفاء" للعقيلي: (2/299- رقم: 872) ؛ "الكامل" لابن عدي: (4/127- 128- رقم: 969) .
(6) "سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لابن المديني": (ص: 88، رقم: 81) .(1/37)
كان ضعيفاً. وقال أبو حاتم: ليِّن الحديث، ليس بالقويِّ، ولا ممَّن يحتجُّ بحديثه (1) . وقال النَّسائيُّ: ضعيف (2) . وقال ابن خزيمة: لا أحتجُّ به لسوء حفظه (3) . وقال التِّرمذيُّ: صدوقٌ، وقد تكلَّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعتُ محمَّد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميديُّ يحتجُّون بحديث ابن عقيل. قال محمَّد بن إسماعيل: وهو مقارب الحديث (4) . وقال الحاكم أبو أحمد: [كان أحمد بن (5) حنبل وإسحاق بن إبراهيم يحتجَّان بحديثه] (6) ، ليس بذاك المتن المعتمد.
والدَّليل على طهوريته: قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الماء لا يجنب"، وقال: "الماء ليس عليه جنابة".
قالوا: ولأَنَّه غسل به محلٌّ طاهرٌ فلم تزل طَهوريته، كما لو غسل [به] (7) الثَّوب، ولأَنَّه لاقى محلاً طاهراً فلا يخرج عن حكمه بتأدية الفرض [به] (8) ، كالثَّوب يصلي فيه مراراً O.
*****
__________
(1) "الجرح والتعديل": (5/154- رقم: 706) وفيه وفي "تهذيب الكمال": (16/84) زيادة: (يكتب حديثه) ، ولكن في حاشية "الجرح ... " أنها من نسخة واحدة.
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (16/84- رقم: 3543) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (16/84- رقم: 3543) .
(4) "الجامع": (1/55- رقم: 3) .
(5) (كان أحمد بن) سقطت من (ب) .
(6) في الأصل: (قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم: حديثه) ، والتصويب من (ب) و"تهذيب الكمال": (16/84) .
(7) زيادة من (ب) .
(8) في الأصل: (منه) ، والمثبت من (ب) .(1/38)
مسألة (5) : لا يجوز للرجل أن يتوضَّأ بفضل وَضوء المرأة إذا خلت بالماء، خلافاً لهم.
لنا ثلاثة أحاديث:
28- الأوَّل: قال أحمد: حدَّثنا سليمان بن داود ثنا شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت أبا حاجب يحدِّث عن الحكم بن عمرو الغفاريِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يتوضَّأ الرَّجل بفضل وَضوء المرأة (1) .
قال الترمذيُّ: هذا حديث حسن، واسم أبي حاجب: سوادة بن عاصم (2) .
ز: ورواه أبو داود (3) وابن مَاجَه (4) والنسائيُّ (5) وأبو حاتم ابن حِبَّان (6) والترمذيُّ وزاد فيه: أو قال: بسؤرها (7) .
ورواه الدَّارَقُطْنيُّ وقال: أبو حاجب اسمه: سوادة بن عاصم، واختلف عنه، فرواه: عمران بن حُدير وغزوان [بن] (8) حجير السَّدوسيُّ عنه موقوفاً من قول الحكم غير مرفوعٍ إلى النَّبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (9) .
وقال البيهقيُّ: وبلغني عن أبي عيسى الترمذيِّ أنه قال: سألتُ محمداً-
__________
(1) "المسند": (5/66) .
(2) "الجامع": (1/106- 107- رقم: 64) .
(3) "سنن أبي داود": (1/187- 188- رقم: 83) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/132- رقم: 373) .
(5) "سنن النسائي": (1/179- رقم: 343) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (4/71- رقم: 1260) .
(7) "الجامع": (1/106- 107- رقم: 64) .
(8) زيادة من "سنن الدارقطني".
(9) "سنن الدارقطني": (1/53) .(1/39)
يعني البخاريَّ- عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح. يعني حديث أبي حاجب عن الحكم بن عمرو (1) .
وقال الأثرم (2) : قال أبو عبد الله: يضطربون فيه عن شعبة، وليس [هو] (3) في كتاب غُندَر، بعضهم يقول: (عن فضل سؤر المرأة) ، وبعضهم يقول: (عن فضل وَضوء المرأة) ، لا يتَّفقون عليه (4) .
وسوادة بن عاصم: وثَّقه يحيى بن معين (5) والنَّسائيُّ (6) ، وقال أبو حاتم: شيخ (7) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: ربَّما أخطأ (8) O.
29- الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا حميد بن عبد الرَّحمن الرُّؤاسي ثنا زهير عن داود بن عبد الله الأَوديِّ عن حُميد الحِميريِّ قال: لقيت رجلاً من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يغتسل الرَّجل من (9) فضل المرأة (10) ولا تغتسل بفضله" (11) .
(1) "سنن البيهقي": (1/192) ، وكلام الترمذي في "علله الكبير": (ص: 40- رقم:32) ، وانظر: "التاريخ الكبير" للبخاري: (4/185) .
(2) (قال الأثرم) ليست في (ب) ، وانظر ما يأتي بعد التعليق التالي.
(3) زيادة من (ب) .
(4) هذا النص بحروفه نقله ابن دقيق في "الإمام": (1/159) ومغلطاي في "شرح سنن ابن ماجه": (1/208) عن أحمد من رواية الميموني.
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/292- رقم: 1266) من رواية ابن أبي خيثمة.
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/235- رقم: 2635) .
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/292- رقم: 1266) .
(8) "الثقات": (4/341) .
(9) في (ب) : (في) .
(10) في (ب) و"التحقيق" و"المسند": (امرأته) .
(11) "المسند": (4/110-111) .(1/40)
ز: روى هذا الحديث أبو داود عن أحمد بن يونس عن زهير، [و] (1) عن مسدَّد عن أبي عوانة، جميعاً عن داود بن عبد الله (2) .
ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن أبي عوانة (3) .
وزهير هو: ابن معاوية، أبو خَيْثَمة، الجعفيُّ، الكوفيُّ، الحافظ، أحد الأثبات.
قال معاذ بن معاذ: والله ما كان سفيان أثبت من زهير (4) . وقال أحمد: كان [مِنْ] (5) معادن الصِّدق (6) .
وداود بن عبد الله الأَوْديُّ: وثَّقه أحمد (7) ، وقال عبَّاس الدُّوريُّ عن
__________
(1) زيادة من "سنن أبي داود".
(2) "سنن أبي داود": (1/187- رقم: 82) .
(3) "سنن النسائي": (1/13- رقم: 238) .
ووقع في نسخة "الظاهرية" زيادة: (والبيهقي) ، ونظن أن هذه الزيادة مقحمة- وإن كان الحديث عند البيهقي: (1/190) -، لأنه ليس من عادة الحافظ ابن عبد الهادي عزو أحاديث الكتب الستة إلى البيهقي، هذا مع اتفاق النسختين (أوب) على عدم وجود هذا الحرف،وليس كل زيادة تقع في نسخة من نسخ الكتاب تكون صحيحة، فكم من حاشية يظنها الناسخ لحقاً فيقحمها في جوف الكتاب وليست منه، والله أعلم.
(4) "العلل ومعرفة الرجال عن أحمد" رواية المروذي وغيره: (ص: 223- رقم: 427) من رواية الميموني عنه عن يحيى بن أيوب عن معاذ به؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/588- رقم: 2674) من رواية ابن أبي حاتم عن أبيه عن يحيى عن معاذ به.
(5) زيادة من (ب) .
(6) كذا في "تهذيب الكمال" للمزي: (9/424- رقم: 2019) من رواية الميموني عن أحمد، وفي "العلل ومعرفة الرجال عن أحمد" من رواية للمروذي وغيره: (ص: 243- رقم: 484) من رواية الميموني عنه: (من معادن العلم) ، وكذا في "الجرح وللتعديل" لابن أبي حاتم: (3/588- 589- رقم: 2674) .
(7) "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله: (1/536- رقم: 1267؛ 2/209- رقم:2033) ، "الجرح وللتعديل" لابن أبي حاتم: (3/416- رقم: 1903) .(1/41)
يحيى بن معين: ليس بشيء (1) . وقال إسحاق بن منصور عن يحيى: ثقة (2) .
كذا ذكر غير واحدٍ من المصنِّفين رواية عبَّاس عن يحيى في ترجمة [داود] (3) هذا، والظَّاهر أنَّ كلام يحيى إنَّما هو في داود بن يزيد الأَوْدي- عمِّ عبد الله بن إدريس- فإنَّه المشهور بالضَّعف (4) .
وحُميد [الحميريُّ: هو ابن عبد الرّحمن. قال العجليُّ: بصريٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ، وكان ابن سيرين يقول:] (5) هو أفقه أهل البصرة (6) .
وحميد الرُّؤاسيُ: ثقةٌ ثبتٌ. قال أبو بكر بن أبي شَيبَة: قلَّ من رأيت مثله (7) .
وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: رواتُه ثقاتٌ؛ إلا أنَّ حُميداً لم يسمِّ الصَّحابي الذي حدَّثه، [فهو] (8) بمعنى المرسل، إلا أنَّه مرسلٌ جيِّدٌ، لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة قبله؛ وداود بن عبد الله الأَوْديُّ لم يحتج به
__________
(1) انظر ما يأتي بعد تعليقين.
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/416- رقم: 1903) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) في "التاريخ" لابن معين برواية الدوري: (3/277- رقم: 1321) : (داود الأودي: ليس بشيءٍ) ، وفيه أيضاً: (4/28- رقم: 2971) : (داود بن يزيد الأودي: ليس حديثه بشيء، عمُّ عبد الله بن إدريس) ، وذكر فيه أيضاً: (4/27- رقم: 2970) : (داود بن عبد الله الأودي- الذي يروي عنه حسن بن صالح وأبو عوانة-: ثقةٌ) .فهذا يبين صحة ما استظهره المنقِّح؛ وانظر: "الميزان" للذهبي: (2/10) ، "تهذيب التهذيب" لابن حجر: (3/165) .
(5) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، فاستدرك من (ب) .
(6) "معرفة الثقات" للعجلي: (ترتيبه- 1/323- رقم: 363) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/225- رقم: 991) .
(8) في الأصل: (وهو) ، والمثبت من (ب) و"سنن البيهقي".(1/42)
الشَّيخان- البخاري ومسلم- رحمهما الله. انتهى كلامه (1) .
وهذا الحديث ليس بمرسلٍ، وجهالة الصَّحابي لا تضر، وقيل: إن [هذا] (2) الرَّجل الذي لم يسم: عبد الله بن سَرْجِس. وقيل: عبد الله ابن مُغَفَّل. وقيل: الحكم بن عمرو الغفاريُّ.
وقد تكلَّم على هذا الحديث ابن حزم بكلام أخطأ فيه، وردَّ عليه ابن مُفَوَّز وابنُ القطَّان وغيرهما، وقد كتب الحميديُّ (4) إلى ابن حزم من العراق [يخبره] (5) بصحَّة هذا الحديث (6) O.
30- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الله بن محمَّد بن سعيد المقرئ ثنا أبو حاتم الرَّازي ثنا معلَّى بن [أسد] (7) ثنا عبد العزيز بن المختار عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سَرْجِس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يغتسل الرَّجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرَّجل، ولكن يشرعان جميعاً (8) .
ز: ورواه ابن ماجه وقال: هو وهمٌ (9) . يعني أنَّ الصَّواب حديث الحكم بن عمرو.
ورواه الدَّارَقُطْني أيضاً وقال: خالفه شعبة. فرواه من رواية شعبة عن
__________
(1) "سنن البيهقي": (1/190) .
(2) زيادة من (ب) .
(3) بفتح الفاء والواو المشددة.
(4) هو أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الحميديُّ الأندلسيُّ (ت: 488) .
(5) زيادة من (ب) .
(6) انظر حول ذلك: "بيان الوهم والإيهام" لابن القطان الفاسي: (5/226- رقم: 2436) .
(7) في الأصل مطموسة، فأثبتت من (ب) .
(8) "سنن الدارقطني": (1/116- 117) .
(9) "سنن ابن ماجه": (1/133- رقم: 374) .(1/43)
عاصم عن عبد الله بن سرجِس قال: تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرَّجل وطهوره، ولا يتوضأ بفضل غسل المرأة ولا طهورها.
قال: هذا موقوفٌ وهو أولى (1) .
وقال البيهقيُّ: وبلغني عن أبي عيسى الترمذي عن محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ أَنه قال: حديث عبد الله بن سَرجِس في هذا الباب الصَّحيح هو موقوف، ومن رفعه فهو خطأ (2) O.
قال المؤلِّف: اعترضوا على هذه الأحاديث:
أمَّا الأوَّل: فقد قال البخاريُّ: لا أرى حديث سوادة عن الحكم يصحُّ (3) .
وأمَّا الثَّاني والثَّالث: فلا يمكن العمل بمطلقه، لأَنَّه يجوز للمرأة أن تتوضَّأ بما خلا به الرَّجل.
والجواب:
أمَّا قول البخاريِّ: فظنٌّ لم يذكر عليه دليل.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/117) وفيه: (هذا موقوفٌ صحيح، وهو أولى بالصواب.
(2) "سنن البيهقي": (1/193) ، وكلام الترمذي في "العلل الكبير":) ص: 40- رقم:32) .
(3) في "التاريخ الكبير" للبخاري: (4/185- رقم: 2419) :) سوادة بن عاصم أبو حاجب العنزي، بصريٌّ، كنَّاه أحمد وغيره، ويقال: الغفاري- ولا أراه يصحُّ- عن الحكم بن عمرو (ثم ساق حديث الباب بإسناده عن محمَّد بن بشار، فهل قوله:) ولا أراه يصح (قصد به النسبة إلى غفار أم حديثه عن الحكم بن عمرو؟ يحرَّر، وظاهر السِّياق يؤيد الأول.
وقد سبق عن البخاري- فيما نقله عنه الترمذي- الجزم بعدم صحة الحديث) ص: 39- 40) .(1/44)
وأمَّا الاعتراض الثَّاني: فقد حكى شيخنا أبو الحسن بن [الزَّاغُوني] (1) عن أصحابنا المنع، وإن سلَّمنا- على المشهور- قلنا: هذا عامٌ دخله التَّخصيص بالإجماع أو بدليلٍ.
أمَّا حجَّتهم:
31- فروى أحمد: ثنا وكيع عن سفيان عن سِماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة من أزواج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغتسلت من جنابةٍ فاغتسل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو توضَّأ- من فضلها (2) .
32- قال أحمد: وحدثنا عبد الرَّزَّاق ثنا سفيان الثَّوريُّ عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة من نساء النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استحمَّت من جنابةٍ فجاء النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ من فضلها، فقالت: إنِّي اغتسلتُ منه. فقال: "إنَّ الماء لا ينجِّسه شيءٌ" (3) .
33- قال أحمد: وثنا هاشم بن القاسم ثنا شَريك عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن ميمونة زوج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: أجنبت أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسلت من جفنةٍ ففضلت فضلةٌ فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليغتسل منها، فقلت: إنِّي قد اغتسلتُ منها. فقال: "إنَّ الماء ليس عليه جنابة- أو: لا ينجِّسه شيءٌ -".
فاغتسل منه (4) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (5) .
__________
(1) في الأصل: (الزعفراني) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(2) "المسند": (1/235) .
(3) "المسند" (1/284) .
(4) "المسند": (6/330) .
(5) "الجامع": (1/107- رقم: 65) .(1/45)
وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث: بأنَّه يحتمل أن يكون مع المشاهدة أو المشاركة، فيُجمع بينه وبين حجَّتنا (1) .
ز: وقد روى حديث عكرمة عن ابن عبَّاس أيضاً: أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) والدَّارَقُطْنِيُّ (5) وابن خُزَيْمَة (6) وابن حِبَّان (7) في "صحيحيهما" والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيحٌ لا يحفظ له علَّة (8) .
وقال أحمد: أتَّقيه لحال سماك، ليس أحد يرويه غيره (9) .
وقال: هذا فيه اختلافٌ شديد، [بعضهم يرفعه] (10) ، وبعضهم لا يرفعه. وقال: أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: إذا خلت المرأة (11) بالماء فلا يتوضأ منه (12) .
__________
(1) (حجتنا) سقطت من (ب) .
(2) "سنن أبي داود": (1/181- 182- رقم: 69) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/132- رقم: 370- 372) .
(4) "سنن النسائي": (1/173- رقم: 325) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/52- 53) .
(6) "صحيح ابن خزيمة": (1/48، 57- 58- رقمي: 91، 109) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (4/47، 48- رقمي: 1241- 1242) .
(8) "المستدرك": (1/159) .
(19 لم نقف عليه، ونقل ابن دقيق في "الإمام": (1/146) عن "مختصر علل الخلاَّل":) قال الميموني: قال أبو عبد الله: لم يجئ بحديث ساك غيره، والمعروف أنها اغتسلا جميعاً) .
(10) في الأصل: (يرفعه بعضهم) ، والمثبت من (ب) و"الإمام".
(11) (المرأة) سقطت من (ب) .
(12) نقله ابن دقيق في "الإمام": (1/146) عن "مختصر العلل للخلال" من رواية أبي طالب عن الإمام أحمد.
وفي "السنن" للأثرم: (ق 4/أ) : لسمعت أبا عبد الله سئل عن الوضوء من فضل المرأة، فقال: أما إذا خلت به فقد كرهه غير واحد من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) (1. هـ(1/46)
وسماك بن حرب: احتجَّ به مسلمٌ في "صحيحه" (1) ، واستشهد به البخاريُّ في "الجامع الصَحيح"، وقال عبد الرَّزاق عن الثَّوريِّ: ما سقط لسماك بن حرب حديث (2) . وقال صالح بن أحمد عن أبيه: سماك أصلح حديثاً من عبد الملك بن عمير (3) . وقال أبو طالب عن أحمد: مضطرب الحديث (4) .
وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين: ثقة، وكان شعبة يضعِّفه (5) . وقال ابن المبارك عن الثَّوريِّ: ضعيفٌ (6) . وقال العجليُّ: جائز الحديث، إلا أنَّه كان في حديث عكرمة ربَّما وصل الشيء عن ابن عبَّاس، وربما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما كان عكرمة يحدِّث عن ابن عبَّاس، وكان الثَّوريُّ يضعِّفه بعض الضَّعف، وكان جائز الحديث لم يترك حديثه أحدٌ ولم
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/292- رقم: 631) .
وانظر: "الميزان للذهبي": (2/233- رقم: 3548) .
(2) كذا ذكر هذه الكلمة عن الثوري في سماك بن حرب: الخطيبُ البغداديُّ في "تاريخه": (9/215- رقم: 4792) من طريق سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق، والحافظ المزي في "تهذيبه" (18/112- رقم: 2579) .
لكن قال الحافظ ابن حجر في "التهذيب": (4/205) : (الذي حكاه المؤلف عن عبد الرزاق عن الثوري: إنما قاله الثوري في سماك بن الفضل اليماني، وأما سماك بن حرب: فالمعروف عن الثوري أنه ضعفه (1. هـ
وقد أورد الحافظ المزي ما نقل عن الثوري في ترجمة سماك بن الفضل اليماني أيضاً: (12/126- رقم: 2582) ، وهي عند ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (4/281- رقم:1207) من طريق أبي عبد الله الطَّهرَاني عن عبد الرزاق.
وأما تضعيف الثوري لسماك بن حرب فسيأتي من رواية ابن المبارك عنه، وسيأتي في كلام العجلي أيضاً.
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/279- رقم: 1203) .
(4) المرجع السابق.
(5) "الكامل" لابن عدى: (3/460- رقم: 875) .
(6) المرجع السابق.(1/47)
يرغب عنه أحد، وكان [عالماً بالشعر] (1) وأيام النَّاس، وكان فصيحاً (2) .
وقال أبو حاتم: صدوق ثقة (3) . وقال ابن المديني: رواية سماك عن عكرمة مضطربةٌ (4) . وقال زكريا بن عَديٍّ عن ابن المبارك: سماك ضعيف في الحديث (5) . وقال صالح بن محمَّد البغداديُّ: يُضَعَّف (6) . وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ، [و] (7) في حديثه شيءٌ (8) . وقال ابن خراشٍ: في حديثه لينٌ (9) . وقال ابن عَدِيٍّ: صدوقٌ لا بأس به (10) .
34- وقد روى مسلمٌ في "صحيحه" بإسناده إلى (11) عمرو بن دينار قال: علمي (12) والذي يخطر على بالي أنَّ أبا الشَّعثاء أخبرني أنَّ ابن عبَّاس
__________
(1) زيادة من (ب) والمصدرين الآتيين.
(2) "الثقات" للعجلي: (ترتيبه 1/436- 437 -رقم: 680) مع اختلاف يسير، وهي بحروفها في "تهذيب الكمال" للمزي: (12/ 119 ـ رقم: 2579) .
(3) "الجرح والعديل" لابنه: (4/280- رقم: 1203) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/120- رقم: 2579) من رواية يعقوب بن شيبة عنه.
(5) كذا في "تهذيب الكمال" للمزي: (12/120- رقم: 2579) ولم نقف عليه عند غيره، وفي "الكامل" لابن عدي- كما سبق- من رواية زكريا بن عدي عن ابن المبارك عن الثوري أنه قال: سماك بن حرب ضعيف.
فنخشى أن يكون قد وقع سقط في "تهذيب الكمال" من المؤلف، والحافظ الذهبي في "الميزان": (2/232) إنما نقل كلام ابن المبارك عن الثوري، ولم يذكر أن ابن المبارك ضعَّف سماكا، والله تعالى أعلم.
(6) "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/216- رقم: 4792) .
(7) زيادة من (ب) و"تهذيب الكمال".
(8) "تهذيب الكمال": (12/120- رقم: 2579) .
(9) "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/216- رقم: 4792) .
(10) "الكا مل": (3/462- رقم: 875) .
(11) في (ب) : (في صحيحه عن) .
(12) في "صحيح مسلم": (أكبر علمي) .(1/48)
أخبره أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل بفضل ميمونة (1) O.
*****
مسألة (6) : لا يجوز إزالة النَّجاسة بمائعٍ غير الماء.
وقال أبو حنيفة: يجوز (2) .
وحجَّتنا:
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر باستعمال الماء:
35- قال أحمد: حدَّثنا بهز ثنا عكرمة بن عمّار ثنا إسحاق بن عبد الله [بن] (3) أبي طلحة عن عمِّه أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعداً في المسجد، إذ جاء أعرابيٌّ فبال في المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل من القوم: "قم فأتنا بدلوٍ من الماء فشُنَّه عليه". فأُتي بدلوٍ من ماء فشَنَّه عليه (4) .
36- قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة، فقالت:
__________
(1) "صحيح مسلم": (1/177) ؛ (فؤاد- 1/257- رقم: 323) .
وانظر: "فتح الباري" لابن رجب: (1/254- رقم: 253) .
(2) في هامش الأصل الأيمن: (حـ: ويطهر به) .
وفي الهامش الأيسر: (حـ: وأمَّا أسفل الخفِّ إذا أصابته نجاسة فدلكه بالأرض، فللشافعي فيه قولان: يجزئه في أحدهما، ولا يجزئه في الآخر) .
(3) في الأصل: (عن) ، والتصويب من (ب) و"المسند".
(4) "المسند": (3/191) مطولاً.
وفي "النهاية": (2/507) (الشَنُّ: الصَّبُّ المنقطع، والسَنُّ: الصَّب المتصل) ا. هـ(1/49)
يا رسول الله، المرأة يصيبها من دم حيضها (1) ؟ فقال: "لتَحُتَّه، ثم لتَقْرُصَه بالماء، ثمَّ لتصلِّ فيه" (2) .
الحديثان في "الصَّحيحين" (3) .
*****
__________
(1) في (ب) : (الحيض) .
(2) "المسند": (6/345، 346، 353) .
(3) حديث أنس:
"صحيح البخاري": (1/65؛ 8/236) ؛ (فتح- 1/322، 324- رقمي: 219،
221؛ 10/449- رقم: 6025) .
"صحيح مسلم": (1/163) ؛ (فؤاد- 1/236- رقم: 284- 285) .
حديث أسماء:
"صحيح البخاري": (1/66، 84) ؛ (فتح- 1/330، 410- رقمي: 227، 307) .
"صحيح مسلم": (1/166) ؛ (فؤاد- 1/240- رقم: 291) .
وفي هامش الأصل: (وربما استدلَّ أصحابه [أي: أبي حنيفة] بقوله تعالى: (وثيابك فطهر) [المدثر: 4] وقد حصل ذلك بالمائعات، ويجاب عنه بامتناع تناوله [] ، وحمله عبد الله بن عباس- وهو ترجمان القرآن- على غير ذلك، ففي رواية عنه قال: طهرها من الإثم. وفي أخرى قال: قلبك فنقه.
وأما خبر: "يطهره ما بعده": فمحمول على الجاسة اليابسة التي تسقط عن الثوب بالسحب على الأرض.
وخبر المرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت: يا رسول الله، إن لنا طريق منتنة. فليس لها اسم معلوم ولا نسب معروف.
وخبر أبي هريرة مرفوعاً: "إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذى، فإن التراب له طهور". معلول.
وخبر عائشة في ذلك مرسل، فالقعقاع لم يسمع من عائشة.
وأما خبر عائشة قالت: قد كان يكون لإحدانا الدرع تحيض فيه، وفيه تصيبها الجنابة، ثم ترى فيه قطرة من دم، فتقصعه بريقها. فوارد في النجاسة اليسيرة التي يعفى عنها. وإن لم تغسل [] ، ثم يرى فيه قطرة من دم وعجز المرء عن إزالته- كيسير النجاسة- بالبزاق.
وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمار: "يا عمار، ما نخامتك ولا دموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك، إنما يغسل ثوبك من البول والغائط والمني والدم والقيء". فباطلٌ، لا أصل له، علي بن زيد غير محتج به، وثابت بن حماد متهم بالوضع) ا. هـ =(1/50)
مسألة (7) : لا يجوز التوضُّؤ (1) بشيءٍ من الأنبذة.
وقال أبو حنيفة: يجوز بنبيذ التَّمر المطبوخ إذا عدم الماء في السَّفر.
وأصحابنا يستدِلُّون:
بقوله: (فلم تجدوا ماءً) [النساء: 43، المائدة: 6] .
37- وبما رواه التِّرمذيُّ: ثنا محمَّد بن بشَّار (2) ثنا أبو أحمد الزُّبيري ثنا سفيان عن خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان عن أبي ذرٍّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ الصَّعيد الطَّيب طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسَّه بشرته فإن ذلك خيرٌ".
قال الترمذيُّ: هذا حديث صحيح (3) .
ز: وروى هذا الحديث: أحمد (4) وأبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وأبو حاتم بن حِبَّان (7) والحاكم وقال: صحيحٌ ولم يخرجاه، إذ لم يجدا لعمرو بن بُجْدان راوياً غير أبي قلابة الجرميِّ (8) .
وسئل الدَّارَقُطْنيُّ عن هذا الحديث فقال: يرويه أبو قلابة عن عمرو بن
__________
= وما بين المعقوفتين لم نتمكن من قراءته، وهذه الحاشية يبدو أنها للناسخ، والله أعلم.
(1) في (ب) و"التحقيق": (الوضوء) .
(2) في "الجامع": (ومحمود بن غيلان) .
(3) "الجامع": (1/165- رقم: 124) فيه: (هذا حديث حسن صحيح) ، وكذا هو في "التحقيق".
(4) "المسند": (5/146- 147، 155، 180) .
(5) "سنن أبي داود": (1/312- 314- رقم: 336- 337) .
(6) "سنن النسائي": (1/171- رقم: 322) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (4/135، 140- رقمي: 1311، 1313) .
(8) "المستدرك": (1/176- 177) .(1/51)
فرواه خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان عن أبي ذرٍّ ولم يختلف أصحاب خالد عليه (1) .
ورواه [أيُّوب] (2) السَّختيانيُّ عن أبي قِلابة، واختلف عنه:
فرواه [مَخْلد] (3) بن يزيد عن الثَّوريِّ عن أيُّوب وخالد عن [أبي قِلابة] (4) عن عمرو بن بُجْدان عن أبي ذرٍّ.
وأحسبه (5) حمل حديث أيُّوب على حديث خالد، لأنَّ أيوب يرويه عن أبي قِلابة عن رجلٍ لم يسمِّه عن أبي ذرٍّ.
وذكر كلاماً غير هذا، ثُمَّ قال: والقول قول خالد الحذَّاء (6) O.
احتجَّ المخالف بحديثين:
أحدهما: عن ابن مسعود، والثَّاني: عن ابن عبَّاس.
فأمَّا حديث ابن مسعود فله ستة طرقٍ:
38- الطََّريق الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا سفيان عن أبي
__________
(1) في) ب (و"العلل": (عنه) .
(2) في الأصل: (أبو خالد) ، والتصويب من (ب) و"العلل".
(3) في الأصل: (محمد) ، والتصويب من (ب) و"العلل".
(4) في الأصل: (قتادة) ، والتصويب من (ب) و"العلل".
(5) لعل المقصود مخلد بن يزيد، فقد ذكر الدارقطني في كلامه الذي بعد هذا: أن عبد الرزاق وإبراهيم بن خالد روياه عن الثوري عن أيوب وخالد، فضبطاه، وبيَّنا قول كلِّ من أيوب وخالد، والله أعلم.
(6) "العلل": (6/252- 255- رقم: 1113) .(1/52)
فَزارة العبسيّ ثنا أبو زيد مولى عمرو بن حُريث عن ابن مسعود قال: لما كانت ليلة الجنِّ، قال لي النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمعك ماءٌ؟ " قلت: ليس معي ماء، ولكن معي إداوة فيها نبيذٌ. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تمرةٌ طيِّبةٌ، وماءٌ طهورٌ" (1) .
39- قال أحمد: وثنا يحيى بن زكريا عن إسرائيل عن أبي فَزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود قال: كنت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة لقي الجنَّ فقال: " أمعك ماءٌ؟ " قلت: لا. فقال: "ما هذا في الإداوة؟ " قلت: نبيذٌ. قال: " [أرنيها] (2) ، ثمرةٌ طيِّبة، وماء طهور". فتوضَّأ، ثم صلَّى بنا (3) .
ز: ورواه أبو داود (4) وابن ماجه (5) و [الترمذيُّ] (6) ، وسيأتي كلامه (7) عليه (8) O.
40- الطَّريق الثَّاني: قال أحمد: وثنا يحيى بن إسحاق أنا ابن لهيعة عن قيس بن الحجَّاج عن حنش الصَّنعاني عن ابن عبَّاس عن عبد الله بن مسعود أَنَّه كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عبد الله، أمعك ماء؟ " قال: معي نبيذ في إداوة. فقال: "اصبب عَلَيَّ". فتوضَّأ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عبد الله بن مسعود، شرابٌ وطهورٌ" (9) .
__________
(1) "المسند": (1/449) .
(2) زيادة من (ب) و"المسند".
(3) "المسند": (1/402، 450) .
(4) "سنن أبي داود": (1/189- رقم: 85) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/135- رقم: 384) .
(6) "الجامع": (1/131- 132- رقم: 88) .
وفي الأصل (النسائي) خطأ، والتصويب من (ب) و"الظاهرية".
(7) في (ب) : (علامة) خطأ.
(8) ص: (56) .
(9) "المسند": (1/398) .(1/53)
41- الطَّريق الثَّالث: قال الدَّارَقُطنيُّ: ثنا البغويُّ ثنا محمَّد بن عبَّاد المكيُّ (1) ثنا أبو سعيد مول بني هاشم ثنا حمَّاد بن سلمة عن عليِّ بن زيد عن أبي رافع عن ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له ليلة [الجنِّ] (2) : "أمعك ماء؟ " قال: لا. قال: "أمعك نبيذٌ؟ " قال: نعم. فتوضّأ [به] (3) .
42- الطَّريق الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا الفضل بن صالح الهاشميُّ ثنا الحسن بن عبيد الله العجليُّ ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل قال: سمعت ابن مسعود يقول: كنت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ فأتاهم فقرأ عليهم القرآن، فقال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض الليل: "أمعك ماء يا ابن مسعود؟ " قلت: [لا] (4) والله يا رسول الله، إلا إداوة فيها نبيذ.
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تمرة طيبة، وماء طهور". فتوضَّأ به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) .
43- الطََّريق الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان (6) بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمَّد بن عيسى بن حيَّان ثنا الحسن بن قتيبة ثنا يونس بن أبي إسحاق [عن أبي إسحاق] (7) عن أبي عبيدة (8) وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال: مرَّ بي
__________
(1) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (قرئ على أبي القاسم بن منيع وأنا أسمع حدثكم محمد بن عبَّاد المكي) .
وأبو القاسم بن منيع هو عبد الله بن محمد أبو القاسم البغوي صاحب "الجعديات"، وقيل له (ابن منيع) نسبة إلى جدِّه لأمِّه الحافظ أبي جعفر أحمد بن منيع البغوي الأصم صاحب "المسند".
انظر: "سير النبلاء": (14/440) .
(2) زيادة من (ب) و"سنن الدارقطني".
(3) زيادة من (ب) و"سنن الدارقطني" (1/77) .
(4) زيادة من (ب) و"سنن الدارقطني".
(5) "سنن الدارقطني": (1/77- 78) .
(6) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (عمر) خطأ، والصواب ما هنا.
انظر: "تاريخ بغداد": (11/302- رقم: 6092) ، "سير النبلاء": (15/444) .
(7) سقطت من الأصل، فاستدركت من (ب) و"سنن الدارقطني" و"التحقيق".
(8) في مطبوعة "السنن": (عن عبيدة) ، وفي "العلل": (5/347- رقم: 940) : (أبي عبيدة) .(1/54)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "خذ معك إداوة من ماء". ثم انطلق وأنا معه فلمَّا فرَّغت عليه من الإداوة إذا هو نبيذٌ! فقلت: يا رسول الله، أخطأت بالنَّبيذ! فقال: "تمرة حلوة، وماء عذب" (1) .
44- الطَّريق السَّادس: قال الدارَقُطْنِيُّ: حدَّثني محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسَّان ثنا هشام (2) بن خالد الأزرق ثنا الوليد ثنا [معاوية] (3) بن سلاَّم عن أخيه زيد عن جدِّه أبي سلاَّم عن فلان بن غيلان الثَّقَفيِّ أنَّه سمع عبد الله بن مسعود يقول: دعاني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ بوَضوء، فجئته بإداوة فيها نبيذٌ، فتوضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) . وأمَّا حديث ابن عبَّاس فله طريقان:
45- الطَّريق الأوَّل: قال الدَارَقُطْنيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا يحيى بن عبد الباقي ثنا المسيَّب بن واضح ثنا مبشر بن إسماعيل [عن] (5) الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "النَّبيذ وَضوءُ من (6) لم يجد الماء" (7) .
46- الطَّريق الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا السَّريُّ بن سهل الجُندَيْسَابُورِيُّ (8) ثنا عبد الله بن رُشَيد ثنا أبو عبيدة مُجَّاعة عن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/78) .
(2) في مطبوعة "السنن": (هاشم) ، والصواب ما بالأصل.
انظر: "تهذيب الكمال": (30/198- رقم: 6574) .
(3) في الأصل: (معوذ) ، والتصويب من (ب) و"سنن الدارقطني".
(4) "سنن الدارقطني": (1/78) .
(5) زيادة من (ب) و"سنن الدارقطني".
(6) في (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني": (وضوء لمن) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/75) .
(8) قال السَّمعانيُّ في "الأنساب": (3/318) : (هذه النِّسبة إلى بلدةٍ من بلاد كور الأهواز-وهي: خوزستان- يقال لها: جُندَيسَابُور) ا. هـ(1/55)
أبان عن عكرمة عن ابن عبَاس قال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال "إذا لم يجد أحدكم الماء، ووجد النَّبيذ، فليتوضَّأ به" (1) .
قال المؤلف: ليس في هذه [الأحاديث] (2) شيءٌ يصحُّ.
أمَّا حديث ابن مسعود: ففي الطَّريق الأوَّل: أبو زيد وأبو فزارة وهما مجهولان، قال أحمد بن حنبل: أبو فزارة في حديث ابن مسعود رجلٌ مجهولٌ (3) .
قال التِّرمذيُّ: وأبو زيد مجهولٌ عند أهل الحديث، لا يُعرف له رواية غير هذا الحديث (4) . قال أبو زرعة: وهذا الحديث ليس بصحيح (5) .
فإن قيل: أبو فزارة: اسمه راشد بن كيسان، أخرج عنه مسلم (6) ، وكذلك قال الدارَقُطنيُّ: أبو فزارة في حديث النَّبيذ: اسمه راشد بن كيسان (7) .
فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنَّهما اثنان، فالمجهول هو الذي في هذا الحديث، ودليل هذا قول أحمد: أبو فزارة في حديث ابن مسعود: مجهول. فأعلم أنَّه غير المعروف (8) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/76) .
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(3) عزاه الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": (3/197) بلى "علل الخلال".
وانظر ما يأتي في كلام المنقح: (ص: 59) .
(4) "الجامع" (1/132- رقم: 88) .
(5) "العلل" لابن أبي حاتم: (1/17- رقم: 14) ، وانظر: "الجرح والتعديل": (3/485-رقم: 2192) .
(6) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/20- رقم: 48) .
(7) "العلل": (5/343- رقم: 939) بتصرف.
(8) انظر ما يأتي في كلام المنقح (ص: 59) .(1/56)
والثَّاني: أنَّ معرفة اسمه لا تخرجه عن الجهالة.
وأمَّا الطّريق الثَّاني: فتفرَّد به ابن لهيعة، قال الدارقطني: لا يحتجُّ بحديثه (1) .
وفيه حنش، قال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ بحديثه (2) .
وأمَّا الطريق الثالث: ففيه عليُّ بن زيد، قال أحمد ويحيى: ليس بشيءٍ (3) .
وقال يحيى بن سعيد: هو متروك الحديث (4) . وقال الدارقطني: وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود (5) .
وأمَّا الطَّريق الرَّابع: ففيه الحسن العجليُّ، قال الدارقطني: كان يضع الحديث، وقد كذب في (6) هذا الحديث (7) على أبي معاوية وعلى الأعمش (8) .
__________
(1) "العلل": (5/347- رقم: 940) وفيه: (لا يحتج به) .
وقال في سننه: (1/76) : (تفرَّد به ابن لهيعة، وهو ضعيف الحديث) .
(2) انظر ما يأتي في كلام المنقح (ص: 60) .
وفي (ب) و"التحقيق": (لا يحتجُّ به) .
(3) كلام الإمام أحمد في "الكامل" لابن عدي: (5/196- رقم: 1351) من رواية أيوب بن سليمان بن سافري.
كذا في المطبوع، وصاحب الإمام أحمد: أيوب بن إسحاق بن سافري أبو سليمان البغدادي (انظر: "الجرح والتعديل": 2/241؛ "تاريخ بغداد": 7/9؛ "طبقات الحنابلة": 1/117) وفي "تهذيب الكمال": (20/437) : (قال أيوب بن إسحاق بن سافري) وهو الصَّواب.
وكلام ابن معين في "التاريخ" برواية الدوري: (2/417- رقم: 352) .
(4) لم نقف عليه.
وفي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/186- رقم: 1021) : ( ... عمرو بن علي قال: كان يحيى بن سعيد يتقي الحديث عن علي بن زيد، فسألته مرَّة عن حديث لعلي، فقرأ الإسناد ثم تركه وقال: دعه) ا. هـ
(5) "سنن الدارقطني": (1/77) ، "العلل": (5/436- رقم: 940) .
(6) في (ب) : (وفي) خطأ.
(7) الحديث (سقطت من (ب) . وفي "العلل": (كان يضع الحديث على الثقات، وهذا كذب ... ) .
(8) "العلل": (5/346- رقم: 940) .(1/57)
وأمَّا الطريق الخامس: فقال الدَّارَقطْنىُّ: محمَّد بن عيسى ضعيف والحسن بن قتيبة متروك الحديث (1) .
وأمَّا الطَّريق السَّادس: ففيه ابن غيلان، قال الدَّارَقُطْنيُّ: هو مجهولٌ (2) .
ويردُّ أصلَ الحديث أنَّه في "الصَّحيح" عن ابن مسعود أنَّه سُئل: أكنتَ مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ؟ فقال: لا (3) .
وأمَّا حديث ابن عبَّاس:
فتفرَّد بالحديث (4) الأوَّل: المسيَّب بن واضح، قال الدارَقُطْنيُّ: هو ضعيفٌ، وقد وهم فيه في موضعين: في ذكر ابن عبَّاس، وفي ذكر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ والمحفوظ أنَّه من قول عكرمة غير مرفوع إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا إلى ابن عبَّاس، وقد رواه المسيَّب مرَّةً موقوفاً غير مرفوعٍ (5) .
وأمَّا الطَّريق الثَّاني: ففيه أبان بن أبي عيَّاش، وهو متروك، قال شعبة: لأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أحدِّث عن أبان! (6) وقال يحيى: ليس حديثه بشيءٍ (7) .
__________
(1) في "سنن الدارقطني": (1/78) : (الحسن بن قتيبة ومحمد بن عيسى: ضعيفان) .
وفي "العلل": 51/347- رقم: 940) : (الحسن بن قتيبة: متروك الحديث) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/78) .
(3) "صحيح مسلم": (2/36- 37) ؛ (فؤاد- 1/332- 333- رقم: 450) .
(4) في (ب) و"التحقيق": (بالطريق) وهي أولى.
(5) "سنن الدارقطني": (1/75) بتصرف واختصار.
(6) "المجروحون": (1/96- 97) ، ونحوه في سؤالات البرذعي لأبي زرعة: (2/480) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/296- رقم: 1087) .
وانظر: "من كلام ابن معين في الرجال" لابن طهمان: (ص: 36، 62- رقمي: 33، 146) .(1/58)
وقال الدَّارَقُطْنيُّ: هو متروكٌ (1) .
قال: ومُجَّاعة: ضعيفٌ، والمحفوظ أنَّه من قول (2) عكرمة غير مرفوعٍ (3) .
ز: أبو فَزَارة في الحديث الأوَّل: هو راشد بن كيسان- بلا خلاف- وقد احتجَّ به مسلمٌ في "صحيحه"، وروى له البخاريُّ في "الأدب" وأبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه، وقد روى عن أنس بن مالك ويزيد بن الأصم وجماعة، وروى عنه جرير بن حازم والثَّوريُّ وشَريك وغيرهم، ووثَّقه يحيى بن معين (4) ، وقال أبو حاتم: صالح (5) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثقةٌ كيِّس، ولم أر له في كتب أهل النَّقل ذكراً بسوءٍ في دينٍ أو حرفةٍ (6) . وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم في ترجمته: سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي فزارة ليس بصحيحٍ (7) .
وقال ابن عَديٍّ- بعد أن روى هذا الحديث-: وأبو فَزَارة مشهور الحديث (8) ، اسمه راشد بن كَيْسَان (9) .
وما ذكره المؤلِّف عن الإمام أحمد (من أنَّ أبا فزارة مجهول) : ليس بثابتٍ عنه (10) ، والظَّاهر أنَّ الرَّاوي غلط وأنَّ قول أحمد إنَّما هو في أبي زيد.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/76) .
(2) في (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني": (رأي) .
(3) المرجع السابق.
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/485- رقم: 2192) من رواية إسحاق بن منصور.
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/485- رقم: 2192) .
(6) تهذيب الكمال" للمزي: (9/14- رقم: 1828) .
(7) "الجرح والتعديل": (3/485- رقم: 2192) .
وانظر: "العلل" لابن أبي حاتم: (1/17- رقم: 14) .
(18 "الحديث" ليست في (ب) ولا في "الكامل"، فلعلها مقحمةٌ.
(9) "الكامل" لابن عدي: (7/292- رقم: 2189) في ترجمة أبي زيد مولى عمرو بن حريث.
(10) نقله الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" عن "العلل" للخلاّل: (3/197) .(1/59)
وأمَّا أبو زيد: فقد قال فيه أبو بكر عبد الله بن أبي داود: كان نبَّاذاً بالكوفة (1) .
وهذا يحتمل أن يكون تحسيناً [لأمر] (2) أبي زيد، فيكون قد ضبط الحديث [لكونه] (3) نبَّاذاً، ويحتمل أن يكون تضعيفاً له.
وقال ابن عَدِيٍّ: سمعت ابن حمَّاد يقول: [قال البخاريُّ] (4) : أبو زيد - الذي روى حديث ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تمرة طيبةٌ، وماءٌ طهورٌ" -: رجلٌ مجهولٌ، لا يعرف بصحبة عبد الله (5) .
وقال ابن عَدِيٍّ: وأبو زيد مولى عمرو مجهول، ولا يصحُّ هذا الحديث عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6) .
وقال الطَّحاويُّ: هذا الحديث لا أصل له (7) .
وحكى بعضهم الإجماع على ضعفه.
وأمَّا حنش الصَّنعانيُّ في الإسناد الثَّاني: لم يضعِّفه ابن حِبَّان إنَّما ضعَّف حنش بن المعتمر - ويقال: ابن ربيعة - الكنانيُّ الكوفيُّ (8) ، وقد احتجَّ مسلم
__________
(1) "تهذيب الكمال": (33/332- رقم: 7375) .
(2) زيادة من (ب9.
(3) في الأصل: (بالكوفة) ، والتصويب من (ب) .
(4) بياض بالأصل، والمثبت من "ب" و"الكامل".
(5) "الكامل": (7/291- رقم: 2189) .
(6) المرجع للسابق.
(17 لم نقف عليه، وقد نقله عنه النووي في "المجموع": (1/95) أيضاً.
وانظر: "شرح معاني الآثار": (1/95- 96) .
(8) حنش بن المعتمر: ذكره البخاريُّ في "تاريخه": (3/99- رقم: 342) وقال في نسبه: (الصَّنعانيُّ) ، وتبعه ابن حِبَّان في "المجروحون": (1/269) وابن عدي في "الكامل": (2/438- رقم: 550) . =(1/60)
...................................................................................
__________
= وعلق العلامة الحافظ عبد الرَّحمن المعلمي- رحمه الله- على كلام البخاري بقوله: (كذا، ولم يذكر غيره هذه النسبة، بل قالوا: إنَّه كوفي، وإنَّما ذكروا هذه النِّسبة - الصنعاني- في ترجمة الآتي عقبه) ا. هـ
والآتي بعده: هو حنش بن عبد الله السبائي.
وترجم لحنش بن المعتمر: العقيلي في "الضعفاء الكبير": (1/288- رقم: 352) ؛ والمزي في "تهذيب الكمال": (7/432- رقم: 1556) ؛ والذهبي في "ميزان الاعتدال": (1/619-رقم: 2368) ؛ وابن حجر في "تهذيب التهذيب": (3/51) فقالوا في نسبته: (الكناني الكوفي) .
وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح": (3/291- رقم: 1297) فقال: (الكناني) ؛ وذكره العجلي في ثقاته: (ترتيبه- 1/326- رقم: 373) فقال: (كوفي) .
وأمَّا حنش بن عبد الله: فقال البخاري في تاريخه: (3/99- رقم: 343) وابن أبي حاتم في "الجرح": (3/291- رقم: 1298) وابن حبان في "الثقات": (4/184) وابن السمعاني في "الأنساب" (7/26؛ 8/93) والمزي في "تهذيب الكمال": (7/429- رقم: 1555) والذهبي في "النبلاء": (4/492- رقم: 1920) [تصحفت في المطبوع إلى: النسائي] و"الميزان": (1/620- رقم: 2369) وابن حجر في "تهذيب التهذيب": (3/50- 51) قالوا كلهم: (السبائي الصنعاني) .
وفي ترجمته من "تهذيب الكمال": (7/430- رقم: 1555) : (قال ابن المديني: حنش الذي روى عن فضالة بن عبيد هو حنش بن علي الصنعاني، وليس هذا حنش بن المعتمر الكناني صاحب علي، ولا حنش بن ربيعة الذي صل خلف علي صلاة الكسوف، ولا حنش صاحب التيمي) .
وقال المزي في صدر الترجمة: (حنش بن عبد الله، ويقال: ابن علي) .
وذكر مترجموه في شيوخه: ابن عبَّاس- وهو شيخه في هذا الإسناد-، وذكروا من الرواة عنه: قيس بن الحجاج- وهو الراوي عنه هنا-؛ بينما لم يُذكر ذلك في ترجمة حنش بن المعتمر.
فظهر أن الذي في الإسناد هو حنش بن عبد الله السبائي الصنعاني.
وأمَّا كلام ابن حبان- موضع الإشكال-: فإنَّه قال في "المجروحون": (1/269) : (حنش بن المعتمر الصنعاني ... يروي عن علي بن أبي طالب.... كان كثير الوهم في الأخبار، ينفرد عن علي [رضي الله عنه] بأشياء لا تشبه حديث الثقات حتى صار ممَّن لا يحتجُّ به) ا. هـ
وقال في "الثقات": (4/184) : (حنش بن عبد الله السبائي الصنعاني، من صنعاء الشام، يروي عن فضالة بن عبيد وابن عبَّاس ... ) ا. هـ
فابن حبان ذكر حنشا الذي في الإسناد في كتابه "الثقات"، وأمَّا نسبته الأول إلى صنعاء فقد سبق أنه تبع فيها الإمام البخاري، والله تعالى أعلم.(1/61)
بحنش الصَّنعانيِّ (1) وروى له أصحاب "السُّنن"، ووثَّقه أبو زرعة (2) وأحمد بن عبد الله العجليُّ (3) .
وأمَّا ابن لهيعة: فقد قال أحمد: من [كان] (4) مثله بمصر في كثرة حديثه وضبطه (5) ! وقال مسلم: تركه وكيع ويحيى القطَّان وابن مهدي (6) .
وقال أبو زرعة: [كان] (7) لا يضبط، وليس بحجَّة (8) . وقال ابن معين: ليس بذاك القويِّ (9) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (10) .
وقد تكلَّم المؤلِّف على الباقي بما فيه كفاية O.
قال: وقد احتج الخصم بآثار منها:
أنَّ عليّاً أجاز الوضوء بالنبيذ.
وهذا من رواية الحارث الأعور- قال عليُّ بن المديني: الحارث
__________
(1) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/179- رقم: 370) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/291- رقم: 1298) .
(3) "الثقات": (ترتيبه- 1/326- ر قم 372) .
(4) زيادة من (ب) .
(5) "سؤالات الآجري" لأبي داود: (2/175- رقم: 1512) ؛ ونحوه في "سؤالات أبي داود لأحمد": (ص: 246- رقم: 256) وعندهما زيادة: (وإتقانه) .
(6) "الكنى والأسماء" للإمام مسلم: (ص: 68- مصورة النسخة الخطية) .
(7) زيادة من "ب".
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/148- رقم: 682) بتصرف.
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/147- رقم: 682) من رواية ابن أبي خيثمة، وفيه: (ليس حديثه بذلك القويِّ) .
(10) نقله ابن حجر في "تهذيب التهذيب": (5/331) من رواية عبد الكريم بن [أبي] عبد الرحمن النسائي.
وهو أحد رواة "السنن" كما في "بغية الراغب المتمني في ختم النَّسائي" للسخاوي: (ص: 51) . وانظر: "تهذيب الكمال": (1/332) .(1/62)
كذَّاب (1) ؛ ومن وراية مزيدة بن جابر، قال أبو زرعة: ليس بشيءٍ (2) .
ومنها قول ابن عبَّاس في ذلك.
وهو [من] (3) رواية عبد الله بن [محرَّر] (4) : قال الدَّارَقُطْنيُّ: هو متروك الحديث (5) .
ومنها قول أبي العالية، [و] (6) لا يثبت عنه:
46/أ- قال أبو خلدة: سألت أبا العالية: عن رجلٍ [ليس] (7) عنده ماء، وعنده نبيذٌ، أيغتسل به من جنابة؟ قال: لا. فذكرت له ليلة الجنِّ، فقال: [أنبذتكم] (8) هذه الخبيثة! إنَّما كان [ذلك] (9) زبيباً وماء.
وقال هبة الله الطَّبريُّ: أحاديث الوضوء بالنَّبيذ، وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبيَّة!
*****
__________
(1) "الشجرة في أحوال الرجال" للجوزجاني: (ص: 42- رقم: 13) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/392- رقم: 1796) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) في النسختين: (محزر) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
وانظر: "تهذيب الكمال": (16/29- رقم: 3523) ، "توضيح المشتبه": (8/74- 75) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/76) .
(6) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(7) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(8) بياض بالأصل، وأثبتناها من (ب) و"التحقيق".
(9) زيادة من (ب) و"التحقيق".(1/63)
مسألة (8) : لا يكره الوضوء بالماء المُشَمَّس.
وقال الشَّافعيُّ: يكره.
واحتجَّ أصحابه بحديثين:
أحدهما: عن عائشة، والثَّاني: عن أنس.
فأمَّا حديث عائشة فله أربع طرق:
46/ب- الطَّريق الأوَّل: أخبرنا به محمَّد بن عبيد الله بن نصر أنا عبد الله بن علي بن زكْرِي أنا عليُّ بن محمَّد بن [بشران] (1) أنا إسماعيل بن محمَّد الصغَّار ثنا [سَعدان] (2) بن نصر ثنا خالد بن إسماعيل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أسخنت ماءً في الشَّمس، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تفعلي يا حميراء، فإنَّه يورث البرص".
47- الطَّريق الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا محمَّد بن الفتح القَلانِسيُّ ثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ثنا الهيثم بن عَدِيٍّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحو الحديث الذي قبله (3) .
48- الطَّريق الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا محمَّد بن الفتح القلانسي ثنا
__________
(1) في الأصل: (بثر) ، ومكان (الألف والنون) بياض؛ والمثبت من (ب) و"التحقيق".
وابن بشران هو أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي.
(2) في الأصل: (سعد9، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(3) هذا الحديث رواه ابن الجوزي عن الدارقطني بإسناد آخر غير الإسناد الذي يروي به "سنن الدارقطني".
وقد عزاه ابن عراق في "تنزيه الشريعة": (1/69) إلى الدارقطني في "الأفراد"، ولم نقف عليه في مطبوعة "أطراف الغرائب والفرائد" لابن طاهر، والله أعلم.(1/64)
محمّد بن الحسن بن سعيد البزَّاز (1) ثنا عمرو بن خالد (2) ثنا عمرو بن محمَّد [الأَعْسَم] (3) ثنا فُلَيْح عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتوضأ بالماء المشمَّس أو يغتسل به، وقال: "إنَّه يورث البرص" (4) .
49- الطَّريق الرَّابع: قال ابن حِبَّان: ثنا [عمر] (5) بن سنان ثنا أحمد بن الفضل الصَّائغ ثنا نوح بن الهيثم ثنا وهب بن وهب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أسخنت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماءً في الشَّمس، فقال: "لا تعودي يا حميراء، فإنَّه يورث البرص" (6) .
__________
(1) كذا في الأصل و"الموضوعات": (2/79) بمعجمتين، وفي (ب) و"التحقيق" و"السنن" بالراء المهملة في آخره، والله تعالى أعلم.
(2) (ثنا عمرو بن خالد) ثابتة في النسختين، وهي غير موجودة في "التحقيق" ولا في "السنن" ولا في "الموضوعات": (2/79) فكأنها مقحمة، والله أعلم.
(3) في الأصل: (الأعشم) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق". وانظر: "تاريخ بغداد": (12/204) و"ميزان الاعتدال": (3/286) .
وفي "القاموس": (العَسَم، محرَّكة: يبس في مفصل الرُّسغِ، تعوجُّ منه اليد والقدم، عَسِمَ - كفرح- فهو أَعْسَم) ا. هـ
وعمرو بن محمد الأعسم مما استدركه العلامة محمد عابد بن أحمد السِّندي (ت: 1257) على الحافظ ابن حجر في كتابه "نزهة الألباب في الألقاب"، كما ورد في حاشية محققه: (1/84) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/38) .
(5) في الأصل: (عمرو) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
وابن سنان هذا هو: أبو بكر عمر بن سعيد بن أحمد بن سعد بن سنان الطَّائي المنبجيُّ. ترجمته في "سير النبلاء": (14/219- رقم: 185) .
(6) لم نقف عليه بهذا الإسناد عند ابن حبان.
وهو في "المجروحون": (1/75) من طريق ابن قتيبة عن يحيى بن عثمان عن محمد بن حمير عن وهب القرشي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به. لكن في آخره (البياض) بدلاً من (البرص) .
والحديث رواه ابن الجوزي في "التحقيق": (1/48) عن محمد بن أبي طاهر عن أبي محمد الجوهري عن الدارقطني عن ابن حبان.
ونخشى أن يكون قد وقع في الإسناد تخليط من أحد الرواة عن الدارقطني، ذلك أنه في=(1/65)
وأمَا حديث أنس:
50- فروى العقيليُ: ثنا صالح بن شُعيب ثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرُارة ثنا عليُ بن [هاشم] (1) الكوفيُ ثنا سَوادة عن أنس أَنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تغتسلوا بالماء الذي يسخَن في الشمس، فإنَه يعدي [من] (2) البرص " (3) .
هذان حديثان ليس فيهما ما يصحُ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أمَا حديث عائشة:
ففي طريقه الأوَل: خالد بن إسماعيل، قال ابن عَدي الحافظ: كان
__________
النسخة المطبوعة من "المجروحون" هذا الحديث بالإسناد السابق، ثم بعده أورد ابن حبان حديثاً آخراً فقال: (وروى- أي وهب أبو البختري (صاحب الترجمة) - عن يونس بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الحدة تعتري جمَّاع القرآن ... (أخبرناه محمد بن عثمان الأذرعي.... وأخبرناه عمر بن سعيد بن سنان قال: حدثنا أحمد بن الفضل الصائغ قال حدثنا نوح بن الهيثم قال حدثنا وهب بن وهب مثله.
قال: "الحدة تعتري حملة القرآن ... " ثم ساقه مثله) ا. هـ ومحل النقط كلام محذوف.
فنلاحظ أن الإسناد الأخير هو نفس الإسناد الذي روى به ابن الجوزي حديث الماء المشمَّس في "التحقيق".
ومما يؤيد صحَة ما في مطبوعة "المجروحون" أن ابن عدي في "الكامل": (7/66- رقم: 1990) روى حديث: "إن الحدة تعتري جمَّاع القرآن ... " من طريق نوح بن الهيثم عن وهب بن وهب عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل به.
(تنبيه) الحافظ الدارقطني من كبار الرواة عن ابن حبان، ومن جملة الكتب التي رواها عنه كتاب "لمجروحون " [انظر: "المعجم المفهرس " للحافظ ابن حجر: (ص: 168- رقم: 648) ] ، والحافظ ابن الجوزي يروي كتاب "المجروحون" من طريقه كما سبق، والله أعلم.
(1) في الأصل: (هشام) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"الضعفاء الكبير".
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"الضعفاء الكبير".
(3) "الضعفاء الكبير": (2/176- رقم: 696) في ترجمة سوادة.(1/66)
يضع الحديث على ثقات المسلمين (1) . وقال أبو حاتم بن حِبَان الحافظ: لا يحتجُ به بحالٍ (2) . وقال الدَارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (3) .
وفي طريقه الثَاني: الهيثم بن عَدِي، قال [يحيى بن معين] (4) : كان يكذب (5) . وقال النَّسائيُ (6) والرَازيَّ (7) : متروك الحديث. وقال السَعديَّ: ساقطٌ قد كشف قناعه (8) .
وأمَّا الطَّريق الثَالث: ففيه عمرو [الأَعْسَم] (9) ، قال الدَّارَقُطْنيُ: لم يروه عن فُلَيح غيره، وهو منكر الحديث (10) . وقال ابن حِبَان: يروي عن الثقات المناكير، ويضع أسامي [للمحدَّثين] (11) ، لا يجوز الاحتجاج به بحال (12) .
وفي الطَّريق الرَابع: وهب بن وهب، وكان من رؤساء الكذَّابين! قال أبو بكر بن عيَّاش (13) وابن المديني (14) وأبو حاتم الرَازيَّ (15) : كان كذَّاباً.
(1) "الكامل": (3/41- رقم: 600) .
(2) "المجروحون": (1/281) ، وفيه: (لا يجوز الاحتجاج به بحال) .
(3) "السنن": (1/38) .
(4) بياض بالأصل، والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/363- رقم: 1767) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 233- رقم: 608) .
(7) هو أبو حاتم، "الجرح والتعديل" لابنه: (9/85- رقم: 350) .
(8) "الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 339- رقم: 373) .
(9) في النسختين: (الأعشم) خطأ، والتصويب من "التحقيق"، وانظر: ما سبق في التعليق رقم (3) ص: (65) .
(10) "سنن الدارقطني": (1/32) بتصرف.
(11) في الأصل: (المحدثين) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"المجروحون".
(12) "المجروحون": (2/74) .
(13) "تاريخ بغداد" للخطيب: (13/455- رقم: 7323) .
(14) "تاريخ بغداد" للخطب: (13/454- رقم: 7323) من رواية ابنه عبد الله.
(15) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/26- رقم: 116) .(1/67)
وقال أحمد بن حنبل: كان كذَّاباً يضع الحديث (1) . وقال يحيى بن معين: كان كذَّاباً خبيثاً، كان عامةُ الليل يضع الحديث (2) . وقال عثمان بن أبي شيبة: ذاك دجَال (3) . وقال السَعديَّ: كان يكذب ويجسر (4) . وقال عمرو بن علي الفلاَّس: كان يكذب ويحدَّث بما ليس له أصلٌ (5) . وقال الدَارَقُطَّنيُ: كذَّابٌ متروك (6) .
وأما حديث أنس:
ففيه سَوَادة: وهو مجهولٌ.
وفيه: علي بن هاشم، قال ابن حِبَان: كان يروي المناكير عن المشاهير (7) .
ز: 50/أ- وروى الشَافعيُ: ثنا إبراهيم بن محمَّد عن صدقة بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر أنَّ عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال: [إنَّه] (8) يورث البرص (9) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/25- رقم: 116) من رواية أبي طالب.
(2) في "التاريخ " برواية الدوري: (3/175- رقم: 779) : (كذّاب خبيث) وفي موضع آخر: (3/555- رقم: 2717) : (كان يأخذ بيتاً [وفي "تاريخ بغداد": (13/454) : (فلسا) ] فيتذكر عامة الليل يضع الحديث) 1. هـ
(3) "تاريخ بغداد" للخطيب: (13/455) .
(4) "الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 229- رقم: 231) ، وفيه زيادة: (فسقط ومال) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (7/64- رقم: 1990) معلقاً، ومسنداً في "الجرح والتعديل": (9/26- رقم: 116) ولكن بدون الكلمة الأولى (كان يكذب) .
(6) "الضعفاء والمتروكون" (ص: 384 -. رقم: 557) وليس فيه الكلمة الأخيرة.
(7) في (ب) (المشاكير) !
"المجروحون": (2/110) .
(8) زيادة من (ب) و"الأم".
(9) "الأم": (1/3) .(1/68)
إبراهيم بن محمَّد: هو ابن أبي يحيى، قد كذَّبه مالك (1) ويحيى القطَّان (2) ويحيى بن معين (3) وغيرهم، ووثَّقه الشَّافعيُ (4) وابن الأصبهانيُّ (5) وغيرهما، وقال البخاريَّ: تركه ابن المبارك والنَاس (6) .
وصدقة بن عبد الله: ضعَّفه أحمد بن حنبل (7) ويحيى بن معين (8) وابن
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (1/217- رقم: 61) .
(2) "العلل" للإمام أحمد، برواية عبد الله: (2/535- رقم: 3533) من رواية المعيطي عنه، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/126- رقم: 390) من رواية ابن المديني عنه، و"الكامل" لابن عدي: (1/217- رقم: 61) من رواية ابن معين والمعيطي عنه، وهو في "التاريخ الكبير" أيضاً: (1/323- رقم: 1013) .
(3) "التاريخ" رواية الدوري: (3/166- رقم: 721) .
وفي "الكامل" لابن عدي: (1/219- رقم: 61) من رواية الدورقي وأحمد بن أبي يحيى وابن أبي مريم عنه.
(4) "الكامل" لابن عدي: (1/219- رقم: 61) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (1/220، 225- رقم: 61) .
وابن الأصبهاني: هو محمَّد بن سعيد بن سليمان بن عبد الرحمن بن الأصبهاني، ولقبه (حَمدان) .
وهو ليس من المعروفين بالكلام في الرجال، فلا يعتمد على قوله مع مخالفته لكبار أئمة الجرح والتعديل، ولمَّا أورد الحافظ الذهبي هذا التوثيق في "الميزان": (1/59) قال: "الجرح مقدَّم) ا. هـ، والله تعالى أعلم.
انظر "ذكر أخبار أصبهان " لأبي نعيم: (2/175) ، "تهذيب الكمال": (25/272- رقم:
5244) .
(6) "التاريخ الكبير" (1/323- رقم: 1013) .
(7) "العلل" رواية عبد الله: (1/300، 551- رقم: 492، 1313) وفيه: (وهو ضعيف جداً) ، و"العلل" رواية المروذي: (ص: 120- رقم: 203) ، ورواية الميموني: (ص: 251- رقم: 512) .
(8) "التاريخ " رواية الدوري: (4/417- رقم: 5057) ، ورواية الدارمي: (ص: 133، رقم: 428) ، و"سؤالات ابن الجنيد": (ص: 359- رقم: 355) .(1/69)
نمير (1) والبخاريَّ (2) والنَّسائيُ (3) والدَارَقُطْنِيُ (4) وغيرهم، وقال عثمان الدَارميُ عن دحيم: ثقة (5) . وقال أبو زرعة الدِّمشقيُ عن دحيم: مضطرب الحديث، ضعيف (6) . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: محلُه الصِّدق (7) . وقال الكنانيُ (8) [عن أبي حاتم] (9) : لا يحتجُ به (10) .
50/ب- وروى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا إبراهيم الحربي (11) ثنا داود ابن رُشَيد ثنا إسماعيل بن عيَّاش حدَّثني صفوان بن عمرو عن حسَان بن أزهر أنَّ عمر بن الخطَّاب قال: لا تغتسلوا بالماء المشمَس فإنَّه يورث البرص (12) .
وقال أبو نصر بن الصبَّاغ في كتاب "الشَّامل ": روي عن (13) مالك
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/430- رقم: 1889) .
(2) "الضعفاء الصغير": (ص: 448- رقم: 174) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 132- رقم: 307) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 328- رقم: 2863) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (13/135- رقم: 2863) .
(6) وانظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/429- رقم: 1889) .
(7) "تاريخ أبي زرعة الدمشقي ": (1/397- رقم: 905) .
(8) "الجرح والتعديل": (4/430- رقم: 1889) وفيه أيضاً: (وأنكر عليه رأي القدر فقط) .
في الأصل غير منقوطة، والمثبت من "تهذيب الكمال": (13/136) ، و"ذكر أخبار أصبهان" لأبي نعيم: (2/212) ، و"طبقات علماء الحديث " لابن عبد الهادي: (2/495- رقم: 745) .
وفي "تذكرة الحفاظ ": (3/785- رقم: 777) : (الكتاني) ، والله أعلم بالصواب.
(9) زيادة من (ب) و"تهذيب الكمال".
(10) "تهذيب الكمال" للمزي: (13/136- رقم: 2863) .
(11) في "السنن": (إبراهيم بن الحربي) .
(12) "سنن الدارقطني": (1/39) .
(13) (عن) ليست في (ب) .(1/70)
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ... فذكر الحديث المتقدم!
وهذا غلط فاحشٌ، ولا يعرف هذا الحديث من رواية مالك أصلاَ بإسناد صحيح، [قال البيهقيُ:] (1) روي بإسنادِ منكرِ عن ابن وهب عن مالك عن هشام ولا يصحُ (2) O.
* * * * *
مسألة (9) : إذا مات في الماء ما ليس (3) له نفسٌ سائلةٌ لم ينجس، خلافاً لأحد قولي الشَافعي.
لنا حديثان:
51- الحديث الأوَل: قال البخاريَّ: ثنا قتيبة ثنا إسماعيل بن جعفر عن عتبة بن مسلم عن [عُبيد] (4) بن حُنين عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا وقع الذُّباب في إناء أحدكم، فليغمسه كلَّه ثم ليطرحه، فإنَّ في أحد جناحيه شفاءٌ، وفي الآخر داءٌ " (5) .
لم يخرَّجه مسلم (6) .
52- الحديث الثَاني: قال الدَّارَقُطْنيُ: حدثني محمَّد بن حميد بن
__________
(1) في الأصل: (وقد) ، والمثبت من (ب) .
(2) "سنن البيهقي": (1/7) .
(3) في (ب) و"التحقيق": (ما ليست) .
(4) في الأصل: (عبيد الله) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"صحيح البخاري".
(5) "صحيح البخاري": (7/183) ؛ (فتح- 10/250- رقم: 5782) .
(6) في "التحقيق": (انفرد بإخراجه البخاري) والمعنى واحد.(1/71)
سهل (1) ثنا أحمد بن [أبي] (2) الأخيل الحمصيُ حدَثني أبي ثنا بقيَة حدثني سعيد بن أبي سعيد عن بشر بن منصور عن علي بن جُدْعان عن سعيد بن المسيَّب عن سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دمٌ، فماتت فيه، فهو حلالٌ أكلُه وشربُه ووضوءه ".
قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يروه غير بقيَّة عن سعيد الزُّبيدي (3) ، وهو ضعيف (4) .
وقال ابن عَدي: سعيد مجهول، وعامَّة أحاديثه ليست بمحفوظة (5) .
ز: 53- وروى أبو سعيد الخدريَّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "في (6) أحد جناحي الذباب سمّ والآخر شفاءٌ، فإذا وقع في الطَّعام فامْقُلوه فيه (7) ، فإنَّه يقدَّم السُّمَّ، ويؤخَّر الشفاء ".
رواه الإمام أحمد (8) والنَسائيُ (9) وابن ماجه (10) - وهذا لفظه، وهو أتم-، ورواه أبو حاتم بن حِبَان البُسْتيُ (11) .
__________
(1) كذا في النسختين، وفي "التحقيق" و"السنن" و"تاريخ بغداد": (2/264- رقم: 734) : (سهيل) ، وفي مطبوعتي "الميزان": (3/531- رقم: 7455) و"اللسان": (5/169- رقم: 7292) : (ابن سهل) ، والله تعالى أعلم بالصواب.
(2) زيادة من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
وترجمة أحمد هذا في "تاريخ بغداد": (4/128- رقم: 1805) .
(3) في "التحقيق": (سعيد بن أبي سعيد الزبيدي) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/37) .
(5) "الكامل" (3/405- 406- رقم: 830) .
(6) (في) ليست في (ب) .
(7) في "النهاية": (4/347) : (أي اغمِسوه فيه) .
(8) "المسند": (3/24، 67) .
(9) "سنن النسائي": (7/178- رقم: 4262) .
(10) "سنن ابن ماجه": (2/1159- رقم: 3504) .
(11) "الإحسان" لابن بلبان: (55- 56- رقم: 1247) .(1/72)
وهو من رواية سعيد بن خالد القَارِظي، وقد ضعَّفه النَّسائيُ (1) ، وقال الدَارَقُطنيُ: مدني [] (2) يحتج به (3) . وذكره ابن حِبَان في كتاب " الثَّقات " (4) O.
*****
مسألة (10) : آسار سباع البهائم نجسةٌ في إحدى الرَّوايتين.
و [في] (5) الأخرى: طاهرةٌ. كقول مالكِ والشَافعي.
لنا:
حديث ابن عمر المتقدم (6) : " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً ".
__________
(1) كذا نقله المزي في "تهذيب الكمال": (10/405- رقم: 2258) ، والذهبي في "الميزان": (2/132- رقم: 3160) .
وفي حاشية تحقيق "تهذيب الكمال": (وقد ذكر مغلطاي وابن حجر أن النسائي قال في كتاب "الجرح والتعديل": ثقة، وذكر مغلطاي أنه بحث في تصانيف النسائي فلم يجد هذا القول - أعني تضعيفه-، وذكر مغلطاي أيضاً أن ابن خلفون نقل توثيق النسائي له في ثقاته) ا. هـ.
وانظر "تهذيب التهذيب": (4/19) .
(تنبيه) الحافظ مغلطاي- رحمه الله- كان واسع الإطلاع على الكتب، وكان ممن يستخرج الخبايا من الزوايا، ولكنه أحياناً يطلق نسباً وأساء لمؤلفي الكتب غير مشهورين بها، تشيطا لذهن القارئ، فعلى طالب العلم الانتباه لذلك.
(2) أقحمت في الأصل: (لا) فحذفناها.
(3) "سؤلات البرقاني " ط. الهند: (ص: 33- رقم: 183) .
(4) " القات ": (6/357) .
(5) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(6) رقم: (6) .(1/73)
احتجُّوا بأربعة أحاديث:
الحديث الأوَّل (1) : قوله: "الماء طهورٌ لا ينجَّسه إلا ما غيَّر لونه.... " - وقد تقدَّم- الحديث (2) .
54- الحديث الثَاني: قال الدَّارَقُطْنِيُ: حدَثني الحسن بن أحمد بن صالح ثنا علي بن الحسن بن هارون البَلَديَّ ثنا إسماعيل بن الحسن الحرَّانيُ ثنا أيُوب بن خالد الحرَانيُّ ثنا محمَّد بن عُلْوان عن نافع عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، فسار ليلاً، فمرُوا على رجلٍ جالسٍ [عند] (3) مَقْرَاةٍ (4) له، فقال عمر: يا صاحب المقَراةِ، أَوَلغت السَّباع في مَقْرَاتِك؟ فقال له النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا صاحب المقرَاة لا تخبره، هذا متكلفٌ (5) !
لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي شرابٌ وطهورٌ " (6) .
قال ابن عَدي: أيُوب بن خالد حدَث عن الأَوْزَاعي بالمناكير (7) .
ز: هذا حديثٌ منكرٌ، ومحمَّد بن عُلْوان: ضعيفٌ.
وأيوب بن خالد: قال الحاكم أبو أحمد: لا يتابع في أكثر حديثه (8) .
وقال القاسم (9) ابن زكريا المُطَرَّز عن إبراهيم بن هانئ: ثنا أيوب بن خالد
__________
(1) في (ب) و"التحقيق": (أحدها) .
(2) رقم: (13) .
(3) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"السنن".
(4) في النهاية: (4/56- قرا) : (المقَرى والمقَراة: الحوض الذي يجتمع فيه الماء) ا. هـ
(5) في (ب) : (تكلف) .
(6) "سنن الدَارقطني ": (1/26) .
(7) "الكامل": (1/358- رقم: 191) .
(8) "تهذيب الكمال" للمزي: (3/471- رقم: 613) .
(9) (القاسم) سقطت من (ب) .(1/74)
الحرَّانيُ وكان ثقةً (1) . وذكره ابن حِبَان في "الثّقات " (2) .
وهذا الحديث رواه مالكٌ في "الموطأ" [موقوفًا] (3) قال: مرَّ عمر وعمرو بن العاص بحوضٍ، فقال عمرو: يا صاحب الحوض، يرد على حوضك السّباع؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنَا نَرِدُ عليها، وتَرِدُ [علينا] (4) .
وفي إسناده انقطاعٌ O.
55- الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا أبو سيَّار محمَّد بن عبد الله بن المستورد حدثني أحمد بن عمرو بن [السَّرح] (5) ثنا ابن وهب ثنا عبد الرَحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحِياض التي تكون فيما بين مكَّة والمدينة، فقيل له: إنَّ الكلاب والسباع تَرِدُ عليها؟ فقال: "لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شرابٌ وطهورٌ " (6) .
[عبد الرَحمن] (7) بن زيد: ضعيفٌ بإجماعهم، ضعَفه أحمد (8) وعلي (9)
__________
(1) المرجع السابق.
(2) "الثقات": (8/125) ، وقال: يخطئ.
(3) في الأصل: (مرفوعاً) ، والتصويب من (ب) .
(4) في الأصل: (عليها) ، والتصويب من (ب) و"الموطأ" (1/23- 24) .
(5) في الأصل: (السراج) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(6) "سنن الدارقطني": (1/31) .
(7) في الأصل: (عبد الله) ، والتصويب من (ب) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/233- رقم: 1107) من رواية أبي طالب عنه.
وانظر: "تهذيب الكمال": (17/116-117- رقم: 3820) .
(9) "التاريخ الكبير" للبخاري: (5/284- رقم: 922) و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/234- رقم: 1107) عن أبي حاتم، وفيها: (ضعفه عليُّ جدَّا) ، و"ترتيب علل =(1/75)
وأبو داود (1) وأبو زرعة (2) والرَازيَّ (3) والدَارَقُطْنيُ (4) ، وقال ابن حِبَّان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم، فيرفع المراسيل ويسند المواقيف، فاستحقَّ التَّرك (5) .
ز: وقد روى هذا الحديث ابن ماجه في "سننه" (6) من حديث أبي سعيد الخدريَّ، وفي إسناده عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم أيضاً، ولم يتَفقوا على تضعيفه، بل قال ابن عَدِي: له أحاديث حسان، وصدَقه بعضهم، وهو ممَن يكتب حديثه (7) O.
56- الحديث الرَابع: قال الدارَقُطنيُ: ثنا أبو بكر النَيسابوريَّ ثنا الرَبيع بن سليمان ثنا الشَافعيُ ثنا سعيد بن سالم عن ابن (8) أبي حبيبة عن داود بن الحُصَين عن أبيه عن جابر قال: قيل: يا رسول الله، أنتوضَأ بما أفضلت الحُمُر؟ قال: "نعم، وبما أفضلت السَّباع كلها " (9) .
قال ابن حِبَّان: داود بن الحُصَينْ حدَث عن الثقات بما لا يُشبه حديث
__________
الترمذي ": (ص: 85- رقم: 135) وفيه: (سمعت محمَّداً يقول: قال علي بن المديني: ... ضعيف الحديث) .
(1) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/332- رقم: 926) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/234- رقم: 1107) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/233- رقم: 1107) .
وفي "التحقيق": (وأبو زرعة الرازي) بإسقاط الواو.
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 270- رقم: 331) .
(5) "المجروحون": (2/57) .
(6) "سنن ابن ماجه": (11/73- رقم: 519) .
(7) "الكامل": (4/273- رقم: 1105) .
(8) (ابن) سقطت من (ب) .
(9) "سنن الدارقطني": (1/62) .(1/76)
الأثبات، تجب مجانبة روايته (1) .
وقد روى هذا الحديث عنه رجلان:
إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، قال البخاريَّ: عنده مناكير (2) .
وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (3) . وقال يحيى: ليس بشيءَ (4) .
__________
كلام ابن حبان هذا في "المجروحون": (1/291) تحت ترجمة: (داود بن الحصن بن عقيل بن منصور، كنيته أبو سليمان، من أهل المنصورة) .
وذكر فيها أنه يروي عن إبراهيم بن الأشعث البخاري خادم الفضيل (وفاته بعد " 212" كما في " الموضح " للخطيب: 1/399) .
فداود بن الحصين بن عقيل هذا متأخر بكثير عن الذي في الإسناد وهو داود بن الحصن الأموي مولاهم المدني (المتوفى سنة: 135) .
ولم نقف على ذكر لداود بن حصين بن عقيل في غير "المجروحون" لابن حبان، وهو مما يستدرك على ابن حجر في "اللسان"، كما لم نقف على أحد ذكر كلمة ابن حبان هذه في ترجمة داود بن الحصين الأموي غير ابن الجوزي (وانظر: "البدر المنير" لابن الملقن: 2/199) ، وقد نبَّه على التفريق بينهما العلامة الألباني في "الضعيفة": (2/79-80- رقم: 613) .
(تنبيه) هناك راو آخر يروي عن إبراهيم بن الأشعث اسمه: داود، وهو داود بن حماد البلخي (انظر: "الجرح والتعديل": 3/409، "الموضح" للخطيب: 1/398) . والله تعالى أعلم.
(2) "التاريخ الأوسط ": (2/135) .
(3) "الضعفاء والمتروكرن": (ص: 41- رقم: 2) .
(4) في "الكامل" لابن عدي: (1/234- رقم: 66) من رواية الدوري عن ابن معين أنه قال: (إبراهيم بن إسماعيل ليس بشيء) ا. هـ وكذا ذكر الحافظان: المزي في "تهذيب الكمال": (2/ 43- رقم: 146) والذهني في "الميزان": (1/19- رقم: 36) .
ثم ترجم ابن عدي لإبراهيم بن إسماعيل المكي في "الكامل": (1/236- رقم: 67) فأورد نفس كلمة ابن معين السابقة وقال: (وهذا الذي قاله يحيى.... أراد به المكيَّ ولو أراد به غيره لنسبه) ا. هـ
وكذا أعاد كلمة ابن معين في إبراهيم بن إسماعيل: الحافظُ الذهبي في "الميزان": (1/20- رقم: 38) في ترجمة المكي.
فيظهر أن كلام ابن معين في إبرهيم بن إسماعيل المكي وليس في ابن أبي حبيبة المدني، وقد=(1/77)
والثَّاني: إبراهيم بن أبي يحيى، وقد كذَّبه مالك ويحيى بن معين (1) ، وقال الدَارَقُطْنيُ: [هو] (2) متروكٌ (3) .
ز: داود بن الحُصَنْ: احتجَّ به البخاريُّ ومسلم في " صحيحيهما " (4) ، ووثَقه يحيى بن معين (5) وغيره، وقال أبو زرعة: ليَّن (6) . وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ولولا أنَ مالكاَ روى عنه لتُرك حديثه (7) . وقال النَسائيُّ: ليس به بأس (8) . وقال ابن عَدِي: صالح الحديث (9) . وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" أيضاً، وقال: كان يذهب مذهب الشَراة، وكل من تَرك حديثَه على الإطلاق وهم، لأَنه لم يكن داعية إلى مذهبه، والدُعاة يجب مجانبة رواياتهم على الأحوال، فأمَّا من انتحل بدعةَ فلم يدع إليها وكان متقنَا (10) كان جائز الشَهادة [محتجًا] (11) بروايته، فإن وجب ترك حديثه وجب ترك حديث عكرمة! لأَنه
__________
= وقع التصريح بنسبته في رواية الدوري المطبوعة: (3/62- رقم: 240) ، ويؤيد ذلك ما قاله ابن أبي خيثمة في "تاريخه" (أخبار المكيين- ص: 374) : (سمعت يحيى بن معين يقول: إبراهيم بن إسماعيل المكيّ: ليس حديثه بشيء) ا. هـ
وانظر ما يأتي في كلام المنقح والتعليق عليه (ص:79) .
(1) انظر ما تقدم (ص: 69) .
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(3) "سنن الدارقطني": (3/135) .
(4) "للتعديل والتجريح " للباجي: (2/565- رقم: 354) ؛ و"رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/195- 196- رقم: 413) .
(5) "التاريخ " برواية الدوري: (3/178، 194، 235- الأرقام: 790، 888، 1100) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/409- رقم: 1874) .
(7) المرجع للسابق وفيه: (ليس بقويًّ) .
(8) تهذيب الكمال " للمزي: (8/381- رقم: 1753) .
(9) "الكامل": (3/93- رقم: 631) .
(10) النون في الأصل غير منقوطة، وأثبتناها من "الثقات" ولكن في حاشيته (أنها من نسختين وفي الأصل: متقيا) وكذا في مطبوعة "تهذيب الكمال": (8/381- رقم: 1753) ، والله أعلم.
(11) في الأصل (محتج) ، والتصويب من (ب) و"الثقات".(1/78)
كان يرى مذهب الشَّراة مثله (1) .
وحصن وَالد داود-: قال البخاريَّ وأبو حاتم: حديثه ليس بالقائم (2) . زاد أبو حاتم: ضعيفٌ (3) . وقال ابن حِبَان: اختلط في آخر عمره حتَى كان لا يدري ما يحدث به، واختلط حديثه القديم بحديثه الأخير فاستحق التَرَّك (4) .
وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة: وثَّقه الإمام أحمد (5) ، وقال عثمان ابن سعيد عن يحيى: صالحٌ، يكتب حديثه ولا يحتجُ به (6) . وقال الدَارَقُطْنيُ: متروكٌ (7) . وقال ابن عَدي: هو صالحٌ في باب الرواية، ويكتب حديثه مع ضعفه (8) .
وسعيد بن سالم القَدَاح: شيخٌ صدوقٌ أكثر عنه الشَافعيُ (9) ، ووثَقه يحيى بن معين (10) ، وقال عثمان الدَارميُ: ليس بذاك (11) . وقال أبو داود:
__________
(1) "الثقات": (6/284) .
(2) "الضعفاء الصغير": (ص: 424- رقم: 81) .
(3) "الجرح والتعديل": (3/199- رقم: 863) .
(4) "المجروحون": (1/270) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/83- رقم: 196) من رواية أبي طالب.
(6) كذا نقله المزي في "تهذيب الكمال": (2/43- رقم: 146) .
والذي في مطبوعة "التاريخ " برواية الدارمي: (ص: 71- رقم: 148) : (صالح) فحسب، وكذا رواه عنه ابن أبي حاتم في "الجرح": (2/84- رقم: 196) وابن عدى في "الكامل": (1/234- رقم: 66) من طريق الدارمي أيضاً.
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 112- رقم: 32) ، و"سؤالات البرقاني ": (ط. الهند- ص: 15- رقم: 22) .
(8) "الكامل": (1/236- رقم: 66) .
(9) نص على ذلك أيضاً ابن عدي في "الكامل": (3/399- رقم: 823) .
(10) "التاريخ " برواية الدوري: (4/85- رقم: 3261) ، "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 298- رقم: 103) ، "التاريخ " برواية الدارمي: (ص: 118- رقم: 363) .
(11) "الكامل" لابن عدي: (3/398- رقم: 823) من رواية محمد بن علي المروزي عنه وفيه: (ليس بذاك في الحديث) .(1/79)
صدوقٌ (1) . وقال ابن عَدي: حسن الحديث، وأحاديثه مستقيمة (2) .
وإبراهيم بن أبي يحيى: تقدَّم بعض الكلام [عليه] (3) في الماء المشمَّس (4) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (11) : البغل والحمار نجسان، وكذلك جوارح الطَّير.
وقال مالك والشَافعيُ: طاهرة.
57- ما روى البخاريَّ: ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَاد بن زيد عن عمرو عن محمَّد بن علي عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر عن لحوم الحُمُر الأهليَة، ورخَّص في الخيل (5) .
58- وقال النَسائيُ: أنا محمَّد بن عبد الله بن [يزيد] (6) ثنا سفيان عن أيُّوب عن محمَّد عن أنس قال: أتانا منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إنَّ الله
__________
(1) "تهذيب الكمال" للمزي: (10/456- رقم: 2279) .
(2) "الكامل": (3/399- رقم: 823) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) (ص: 69) .
(5) "صحيح البخاري": (5/429، 7/125) ؛ (فتح- 7/481- رقم: 4219؛ 9/653 - رقم: 5524) .
(6) في الأصل: (زيد) والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن النسائي".(1/80)
ورسوله ينهاكم (1) عن لحوم الحُمُر فإنها رجسٌ " (2) .
59- وقال أبو بكر عبد العزيز بن جعفر: ثنا الخلاَّل ثنا علي بن جابر ثنا فزارة (3) ثنا أبو مالك [الجنبيُ] (4) عن جُويبِر عن الضَحاك عن ابن عبَاس قال: كنت رِدْف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حمار له فأصاب ثوبي من عرقه، فأمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أغسله.
جويبر: ليس بشيءٍ، والضَحَاك: لم يلق ابن عبَاس.
احتجَّ الخصم:
بقوله: أنتوضَأ بما أفضلت الحُمُر؟
... وقد تقدَم في المسألة قبلها (5) .
*****
__________
في (ب) و"التحقيق": (ينهيانكم) ، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": (7/468- رقم: 4199) : (في رواية سفيان ... "ينهاكم " بالإفراد، وفي رواية عبد الوهاب بالتثنية) ا. هـ
في حاشية السندي على النسائي: ("ينهاكم " ضميره: للرسول وذكر الله للتبرك وتعظيم أمر الرسول؛ أو لله، فإنه الحاكم والرسول مبلغ ... ويحتمل رجع الضمير لكل واحد) ا. هـ.
والله أعلم.
(2) "سنن النسائي": (7/203- 204- رقم: 4340) .
وهو في "الصحيحين " من رواية سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس.
"صحيح البخاري": (فتح- 6/156- رقم: 2991، 7/467- رقم: 4198) ؛ "صحيح مسلم": (3/1540- رقم: 1940- ط. فؤاد) .
وعند البخاري أيضاً من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس "صحيح البخاري": (فتح- 7/467- رقم: 4199، 9/653- رقم: 5528) .
وعند مسلم أيضاً من رواية يزيد بن زريع عن هام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس "صحيح مسلم": (3/1540- رقم: 1940 ط. فؤاد) .
(3) كذا بالأصل و"التحقيق"، وفي (ب) : (مرارة) ، والله أعلم.
(4) بياض في الأصل، والمثبت من (ب) ، وفي "التحقيق": (الخشني) .
(5) رقم: (56) .(1/81)
مسألة (12) : الكلب والخنزير نجسان، وسؤرهما نجسٌ.
وقال مالك وداود: طاهران.
لنا ثلاثة أحاديث:
60- الحديث الأوَل: قال البخاريَّ: ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعاً " (1) .
ورواه مسلم (2) .
61- طريقٌ آخر: قال أحمد: ثنا يزيد ثنا (3) هشام بن حسَان عن محمَّد عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا ولغ الكلب في إناء، غُسل سبع مرات أولاهنَّ بالتراب " (4) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (5) .
62- طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر النيسابوريَّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا إسماعيل بن الخليل ثنا عليُ بن مُسْهِر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رَزين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله سبع مرَّات ".
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/54) ؛ (فتح- 1/274- رقم: 172) .
(2) "صحيح مسلم": (1/161- 162) ؛ (فؤاد- 1/234- رقم: 279) .
(3) كذا بالأصل، وفي (ب) و"المسند": (أنا) .
(4) "المسند": (2/508) .
(5) "صحيح مسلم": (1/162) ؛ (فؤاد- 1/234- رقم: 279) من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن هشام به، وفي أوله: "طهور إناء أحدكم ... ".(1/82)
قال الدَارَقُطْنيُ: إسنادُه حسن، ورواتُه كلُّهم ثقات (1) .
ز: رواه مسلم عن علي بن حُجْر عن ابن مُسْهِر، ولفظه: "فليرقه، ثم ليغسله سبع مرَّات ".
قال: وحدَّثني محمد بن الصَبَّاح ثنا إسماعيل بن زكريا عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، ولم يقل فيه: فليرِقْهُ (2) O.
63- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا محمَّد بن جعفر (3) ثنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت مُطَرفاً يحدَّث عن عبد الله بن مُغَفل عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في الإناء- إذا ولغ فيه الكلب-: "اغسلوه سبع مرَّات، وعفروه الثَّامنة بالتُراب " (4) .
انفرد بإخراجه البخاريُّ.
ز: لم يخرج هذا الحديث البخاريُّ، وإنَّما أخرجه مسلم (5) O.
64- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن أحمد بن زيد الحِنَّائيُ ثنا محمود بن محمَّد المروزيُّ ثنا الخَضِر بن أصرم ثنا الجارود عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرَّات، إحداهنَّ بالبطحاء" (6) .
فإن قالوا: قد رواه أبو هريرة فقال: ثلاثاً أو خمساً.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/64) وفيه: (صحيح، إسناده حسن ... ) .
(2) "صحيح مسلم": (1/161) ؛ (فؤاد- 1/234- رقم: 279) .
(3) في "المسند": (وبهز قالا ... ) .
(4) "المسند": (5/56) ، وانظر: (4/86) .
(5) "صحيح مسلم": (1/162) ، (فؤاد- 1/235- رقم: 280) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/65) .(1/83)
قلنا: سيأتي جوابه في المسألة بعدها (1) .
ز: محمود بن محمَّد المروزيَّ: ذكره الخطيب في "التَاريخ " وحسَن حاله (2) .
والخَضِر بن أصرم: ليس هو بالمشهور، ولم يذكره ابن حِبَان في كتابه (3) .
والجارود: هو ابن يزيد أبو علي العامريَّ النَيسابوريَّ، كذَّبه أبو أسامة (4) وأبو حاتم الرَازيَّ (5) ، وقال البخاريَّ: منكر الحديث (6) . وقال أبو داود: غير ثقة (7) . وقال النَسائيُ (8) والدَارَقُطَّنِيُ (9) : متروكٌ.
و [] (10) هبيرة: قال فيه أبو حاتم الرَازيَّ: شبيهٌ بالمجهولين (11) .
وقال ابن خِراش: ضعيفٌ (12) . والله أعلم O.
__________
(1) رقم (65) .
(2) "تاريخ بغداد": (13/94- رقم: 7078) .
(3) قال الدارقطني في "المؤتلف": (2/829) : (روى عن غالب بن عبيد الله وعن الجارود بن يزيد وغيرهما) ا. هـ
(4) "التاريخ الأوسط ": (2/226) ، "الضعفاء الصغير": (ص: 418- رقم: 53) ، وانظر: "التاريخ الكبير": (2/237- رقم: 2308) ثلاثتها للبخاري، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/525- رقم: 2183) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/525- رقم: 2183) .
(6) "التاريخ الكبر": (2/237- رقم: 2308) ؛ "الضعفاء الصغير": (ص: 418- رقم: 53) .
(7) "سؤالات الآجري لأبي داود": (2/288- رقم: 1874) .
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 74- رقم: 100) .
(9) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 174- رقم: 151) ؛ "السنن": (1/65) .
(10) أقحمت في الأصل كلمة (أبو) فحذفناها.
(11) "الجرح والتعديل": (9/109- 110- رقم: 458) وفيه: (سألت أبي عن هبيرة بن يريم، قلت: يحتج بحديثه؟ قال: لا، هو شبيه بالمجهولين) ا. هـ
(12) "الميزان" للذهبي: (4/293- رقم: 9209) .(1/84)
احتجُوا:
بالحديث المتقدم: سئل عن حياضٍ تردها الكلاب والسَّباع.... وقد سبق هذا (1) .
*****
مسألة (13) : يجب العدد في الولوغ سبعاً، وبه قال الشَافعيُ ومالك.
وقال أبو حنيفة: لا يجب العدد، بل تعتبر غلبة الظَّن.
لنا:
قوله عليه الصَلاة والسَلام: "فليغسله سبعاً " وقد تقدَم (2) .
احتجُّوا:
65- بما رواه الدَارَقُطْنيُ: ثنا جعفر بن محمَّد بن نصير ثنا الحسن بن علي المعمريَّ ثنا عبد الوهَاب بن الضحَاك ثنا إسماعيل بن عيَاش [عن] (3) هشام بن عروة عن أبي الزَّناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكلب يلغ في الإناء- أَنَّه يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً (4) .
والجواب:
__________
(1) رقم: (55) .
(2) رقم: (60) .
(3) في الأصل: (بن) ، والتصويب من (ب) و"سنن الدارقطني".
(4) "سنن الدارقطني": (1/65) .(1/85)
قال الدَارَقُطْنيُ: تفرَد به عبد الوهَاب، وهو متروك الحديث (1) .
وإسماعيل بن عيَّاش: ضعيف، قال أبو حاتم بن حِبَان: لا يحتجُ بحديثه (2) .
و [قد رواه] (3) الدَارَقُطْنِيُ عن أبي هريرة موقوفاً أنَه قال: يغسل ثلاثاً. ثم قال: لم يروه غير عبد الملك عن عطاء، والصَحيح " سبع مرَات " (4) .
قالوا: فقد رفعه حسين الكرابيسيُ.
قلنا: لم يرفعه غيره، ولا يحتجُ بحديثه.
ز: حسين الكرابيسيُ: فقيهٌ صاحب تصانيف، قال فيه الأزديَّ: ساقط لا يرجع إلى قوله (5) . وقال الخطيب: حديثه يعزُّ جداً، لأنَ أحمد [بن حنبل] (6) يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ (7) . وقال ابن عَدِي- بعد أن روى هذا الحديث من رواية حسين الكرابيسيِّ عن إسحاق الأزرق عن عبد الملك مرفوعًا-: والحسين الكرابيسيُ له كتبٌ مصنفةٌ، وذكر فيها اختلاف النَاس في (8) المسائل وكان حافظاً لها، وذكر في كتبه أخباراً كثيرة، ولم أجد له منكراً
__________
(1) المرجع السابق.
(2) في "المجروحون": (1/125) : (كان إسماعيل بن عيَّاش من الحفاظ المتقنين في حداثته، فلما كبر تغير حفظه، فما حفظ في صباه وحداثته أتى به على جهته، وما حفظ على الكبر من حديث الغرباء خلَط فيه، وأدخل الإسناد في الإسناد، وألزق المتن بالمتن، وهو لا يعلم، ومن كان هذا نعته حتى صار الخطأ في حديثه يكثر خرج عن الاحتجاج به فيما لم يخلط فيه) ا. هـ
(3) في الأصل: (قال) ، والمثبت من (ب) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/66) .
(5) "الميزان" للذهبي: (1/544- رقم: 2032) .
(6) زيادة من (ب) و"تاريخ بغداد".
(7) "تاريخ بغداد": (8/64- رقم: 4139) .
(8) كذا بالأصل، وفي (ب) و"الكامل": (من) .(1/86)
غير ما ذكرت من الحديث؛ والذي حمل أحمد بن حنبل عليه من أجل اللفظ في القرآن، وأمَا في الحديث فلم أجد (1) به بأسَا (2) O.
*****
مسألة (14) : يجب غسل الأنجاس سبعًا، خلافًا لهم في قولهم: لا يجب العدد.
فأبو حنيفة: يعمُّ جميع النَجاسات.
والشَّافعيُّ: يوجب العدد في نجاسة الكلب والخنزير، ويسقطه فيما عدا ذلك.
ومالك: يوجب العدد في الولوغ تعبداً، ولا يعتبر العدد في النَّجاسات.
لنا:
الحديث المتقدَّم، وأنَه أمر في الولوغ بسبعِ (3) .
احتجُّوا:
66- بما رواه أحمد: ثنا حسين بن محمَّد ثنا أيوب بن جابر عن عبد الله ابن عِصْمَة (4) عن ابن عمر قال: كانت الصَلاة خمسين، والغسلُ من الجنابة
__________
(1) كذا بالأصل، وفي (ب) و"الكامل": (فلم أر) .
(2) "الكامل": (2/367- رقم: 495) ، وقد نص ابن عدي قبل هذا الكلام على تفرد الكرابيسي برفع هذا الخبر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(3) رقم:61.
(4) في مطبوعة "المسند": (عن عبد الله- يعني ابن عصمة-) .(1/87)
سبعَ مرار، والغسلُ من البول سبعَ مرار؛ فلم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسأل حتَى جُعلت الصَلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرَةً، والغسل من البول مرَةً (1) .
والجواب:
أمَا عبد الله بن عصمة: فإنَ شريك بن عبد الله يقول: ابن عُصم (2) .
قال ابن حِبَان: هو منكر الحديث، يحدث عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات، حتَى يسبق إلى القلب أنها موهومة أو موضوعة (3) .
وأمَا أيُوب بن جابر، فقال يحيى بن معين: ليس بشيء (4) . وقال أبو زرعة: واهي الحديث (5) . وقال النَسائيُ: ضعيفٌ (6) .
ز: روى هذا الحديث: أبو داود (7) والطَّبرانيُّ وقال: لم يروه عن ابن عمر إلا عبد الله بن عُصم، تفرَد به أيُوب بن جابر (8) .
__________
(1) "المسند": (2/109) .
(2) انظر: "أطراف المسند" لابن حجر: (3/435- 436- رقم: 4386) و"التاريخ الكبير": (5/159- رقم: 491) و"الجامع" للترمذي: (4/78- رقم: 2220؛ 6/218- رقم: 3944) و"توضيح المشتبه": (6/288) .
وفي "سؤالات الآجري لأبي داود": (1/152- رقم: 13) : (سألت أبا داود عن عبد الله بن عُصم أو عِصمَة؟ فقال: إسرائيل قال: عصمة، وقال شريك: ابن عُصم، وسمعت أحمد يقول: القول ما قال شريك) ا. هـ
(3) "المجروحون": (2/5) بتصرف يسير.
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/91- رقم: 3304) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/243- رقم: 862) وفيه: (واهي الحديث ضعيف وهو أشبه من أخيه) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 48- رقم: 25) .
(7) "سنن أبي داود": (1/270- رقم: 251) .
(8) "المعجم الصغير": (1/67- رقم: 175) .(1/88)
وعبد الله بن عُصم- ويقال: ابن عِصْمَة-: أبو عَلْوان الحنفيُ [العِجليُ] (1) ، حديثه في أهل الكوفة، وثقه يحيى بن معين (2) ، وقال أبو زرعة: ليس به بأسٌ (3) . وقال أبو حاتم: شيخ (4) . وذكره ابن حِبَان في "الثِّقات " أيضاً وقال: يخطئ كثيَراً (5) . وقال ابنُ عَدِي: له أحاديث أنكرتها (6) .
وأيُوب بن جابر، قال أحمد: يشبه حديثه حديث أهل الصِّدق (7) .
وقال أحمد بن عصام الأصبهانيُ: كان عليُ بن المدينيِّ يضع (8) حديث أيُوب بن جابر (9) . وقال الفلاَس: صالحٌ (10) . وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث (11) .
وقال ابنُ عَدِىِّ: أحاديثُه متقاربةٌ، يحمل بعضها بعضَا، [وهو] (12) ممَن يكتب حديثه (13) O.
*****
(1) في الأصل: (الجعلي) ، والتصويب من (ب) .
(2) تهذيب الكمال " للمزي: (15/306- رقم: 3426) من رواية ابن أبي مريم عنه.
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/126- رقم: 582) .
(4) المرجع السابق.
(5) "الثقات": (5/57) .
(6) "الكامل": (4/211- رقم: 1017) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/243- رقم: 862) .
(8) هكذا في النسختين و"تهذيب الكمال" للمزي: (3/466- رقم: 609) و"الميزان": (1/285 - رقم: 1068) [في الميزان: (وقال ابن المديني: يضع حديثه) ولعل صوابه: (وكان ابن المديني ... ) والله أعلم] ، وفي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (يضعف) ، والله أعلم.
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/243- رقم: 862) .
(10) "الكامل" لابن عدي: (1/355- رقم: 184) .
(11) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/243- رقم: 862) .
(12) زيادة من (ب) و"الكامل".
(13) "الكامل": (1/355- رقم: 184) .(1/89)
مسألة (15) : غُسَالَةُ النَجاسة إذا انفصلت غير متغيرة بعد طهارة المحل فهي طاهرة، وكذلك البول على الأرض ونحوه إذا كوثر بالماء ولم يتغيرَ الماء فإنَه يحكم (1) بطهارة الماء [والمكان] (2) ، وهو قول مالك والشَافعي.
وقال أبو حنيفة: ذلك نجس. ويتخرَّج لنا [نحوه] (3) .
لنا:
حديث الأعرابي: "صبُّوا على بول الأعرابي ذَنوباً من ماء" - وقد سبق إسناده (4) -، ولو كان نجساَ لكان أمراَ (5) بزيادة تنجيس المسجد!
احتجُّوا بثلاثة أحاديث:
67- الأوَل: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا أبو داود السجستانيُ ثنا موسى بن إسماعيل ثنا جرير بن حازم قال: سمعت عبد الملك بن عمير يحدث عن عبد الله بن مَعْقِل بن مُقرن قال: قام أعرابيّ إلى زاويةِ من زوايا المسجد فاكتشف، فبال فيها، فقال النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خذوا ما بال عليه من التُّراب فألقوه، وأهويقوا على مكانه ماءً ".
قال الدَّارَقُطْنِيُ: عبد الله بن مَعقِل تابعيٌ، فهو مرسلٌ (6) .
وقال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكرٌ (7) .
__________
(1) في (ب) و"التحقيق": (فإنا نحكم) .
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(3) في الأصل: (وجوه) والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(4) رقم: (35) .
(5) في (ب) و"التحقيق": (ولو لم يطهر لكان قد أمر) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/132) .
(7) نقل مغلطاي في "شرح سنن ابن ماجه": (2/567) عن "علل الخَّلال " أن الإمام أحمد سئل عن حديث سمعان عن أبي وائل عن ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر به فحفر، فقال: ما أعرف سمعان هذا، وهذا حديث منكر ا. هـ(1/90)
قال أبو داود السجستانيُ: وقد روي مرفوعَا ولا يصحُ (1) .
68- الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا عبد الوهَّاب بن عيسى بن أبي حَيَّة ثنا أبو هشام (2) الرَّفاعيُ محمَّد بن يزيد ثنا أبو بكر بن عيَّاش ثنا سَمْعان (3) بن مالك عن أبي وائل عن عبد الله قال: جاء أعرابيٌ فبال في المسجد، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكانه فاحتفر، وصُبَ عليه دلوٌ من ماءَ (4) .
قال أبو زرعة: هذا [الحديث] (5) منكرٌ، وسَمْعان ليس بالقوي (6) .
قلت: وأبو هشام (7) الرَّفاعيُ: ضعيف، قال البخاريَّ: رأيتُهم مجمعين على ضعفه (8) .
وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: لا أصل لهذا الحديث (9) .
69- الحديث الثَالث: رواه [أبو] (10) محمَّد بن صاعد عن عبد الجبار ابن العلاء عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أنس أن أعرابياً بال في المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "احفروا مكانه، ثم صبوا عليه ذنوباً من ماء ".
__________
(1) "المراسيل ": (ص: 76- 77- رقم: 11) وفيه: (روي متصلاً ولا يصح) ا. هـ
(2) في (ب) : (أبو هاشم) خطأ.
(3) انظر في ضطبه: "توضيح المشتبه": (5/176) والتعليق عليه.
(4) "سنن الدارقطني": (1/131- 132) .
(5) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(6) "الجرح والتعديل": (4/316- رقم: 1373) ، وانظر: "العلل" كلاهما لابن أبي حاتم: (1/24- رقم: 36) .
(7) في (ب) : (أبو هاشم) خطأ.
(8) "تاريخ بغداد" للخطيب: (3/377- رقم: 1490) وفيه: (مجتمعين) .
(9) لم نقف عليه، وقد نقله أيضاً ابن الملقن في "البدر المنير": (2/293) وجعله الحافظ ابن حجر في "التلخيص": (1/50) من كلام أبي حاتم، وقد يكون من كلام ابن أبي حاتم في كتابه "السنن" فهو من موارد ابن الجوزي، والله أعلم.
(10) زيادة من (ب) و"التحقيق".(1/91)
قال الدارَقُطْنيُ: وهم عبد الجبَار على ابن عيينة، لأنَ أصحاب ابن عيينة [الحفاظ] (1) رووه عنه عن يحيى بن سعيد فلم يذكر أحد منهم [الحفر] (2) ؛ وإنَما روى ابن عيينة هذا عن عمرو بن دينار عن طاوس أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "احفروا مكانه " مرسلاً، واختلط على عبد الجبَار المتنان (3) .
*****
مسألة (16) : لا يكره سُؤر الهر.
وقال أبو حنيفة: يكره.
لنا حديثان:
70- أحدها: عن [أبي] (4) قتادة، قال أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى (5) أخبرني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة (6) ابنة عبيد بن رفاعة عن كَبشَة ابنة كعب بن مالك- وكانت تحت ابن أبي قتادة- أنَّ
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(2) بياض بالأصل، والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(3) لم نقف عليه، وقد نقله ابن الجوزي في "العلل المتناهية" أيضاً: (1/333- 334) ، ولما نقل ابن دقيق هذا النص في "الإمام ": (3/455) قال: (قال الدارقطني فيما حكاه بعض الحفاظ عنه....) وساق الكلام.
(4) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(5) في "المسند": (قرأت على عبد الرحمن [عن] مالك وثنا إسحاق- يعني ابن عيسى-) .
(6) قال ابن عبد البر في "التمهيد": (1/318) : (اختلف الرواة عن مالك في رفع الحاء ونصبها من "حميدة": فبعضهم قال: "حَميدة" بفتح الحاء وكسر الميم؛ وبعضهم قال: "حُميَدة" بضم الحاء وفتح الميم) ا. هـ
وانظر: "تهذيب الكمال": (35/159- رقم: 7822) .(1/92)
أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وَضُوءَ، فجاءت هرَة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتَى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم. فقال: إنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنها ليست بنجس، إنها من الطوَّافين عليكم والطوَّافات " (1) .
قال الترمذيَّ: هذا حديث حسن صحيح (2) .
ز: وروى هذا الحديث أيضاً: أبو داود (3) والترمذيَّ (4) وابن ماجه (5) والنَسائيُ (6) ، ولفظ الترمذي: "إنَّما هي من الطَّوافين عليكم- أو الطَوافات- ".
وأخرجه أبو بكر بن خزيمة (7) وأبو حاتم بن حِبَان (8) في "صحيحيهما"، وقال البخاريَّ: جوَّد مالك بن أنس هذا الحديث، وروايته أصحُّ من رواية غيره (9) .
__________
(1) "المسند": (5/303) وفيه: (قال إسحاق: أو الطوافات) . وانظر: (5/309) .
(2) في (ب) و"التحقيق": (صحيح) ، وكذا نقله عنه المزي في "تحفة الأشراف": (9/272- رقم: 12141) و"تهذيب الكمال": (35/291- رقم: 7916) .
وما بالأصل موافق لما في مطبوعة "جامع الترمذي ": (1/136- رقم: 92) .
(3) "سنن أبي داود": (1/184- رقم: 76) .
(4) سبق.
(5) "سنن ابن ماجه": (1/131- رقم: 367) .
(6) "سنن النسائي": (1/55- رقم: 68) .
(7) "صحيح ابن خزيمة": (1/55- رقم: 104) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (4/114- 115- رقم: 1299) .
(9) "السنن الكبرى" للبيهقي: (1/245) من رواية الترمذي عنه.
وقد ذكر نحو ذلك الترمذي في "جامعه" ولم ينسبه للبخاري.(1/93)
ورواه الدَارَقُطْنِيُ وقال: إسناد حسن، ورواته ثقاتٌ معروفون (1) .
ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديثٌ صحيح ولم يخرجاه، على أنهما على ما أصلاه في تركه، غير أنهما قد شهدا جميعاَ لمالك بن أنس أَنه الحكم في حديث المدنيين، وهذا الحديث مما صحَحه مالكٌ واحتجَّ به في "الموطأ"، ومع هذا (2) فإن له شاهداً بإسناد صحيحٍ (3) .
ثم ساقه من حديث سليمان بن مُسافع O.
71- الحديث الثَاني: عن عائشة رضي الله عنها، قال الدَّارقطني: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن إدريس أبو حاتم ثنا محمَّد بن عبد الله بن أبي جعفر الرَّازيَّ ثنا سليمان بن مُسافع الحَجَبيُّ عن منصور بن صَفِيَة عن [أمه] (4) عن عائشة أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّها ليست بنجس، هي كبعض أهل البيت ". يعني الهرَ (5) .
72- قال الحسن بن إسماعيل: ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا محمَّد بن عمر [] (6) ثنا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن عروة عن عائشة عن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/70) وليس فيه هذه الكلمة، وقد نقلها ابن عبد الهادي في "تعليقته على العلل ": (ص: 130- رقم: 126) ونقل الجملة الثانية (رواته ... ) في "المحرر":
(1/89- رقم: 14) ، ولم نقف على أحد غيره ذكرها، فلعلها وقعت له في رواية من "سنن الدارقطني"، والله تعالى أعلم.
وقال الدارقطني في "العلل": (6/163- رقم: 1044) بعد أن ساق أسانيد هذا الحديث: (وأحسنها إسناداً ما رواه مالك عن إسحاق عن امرأته عن أمها عن أبي قتادة، وحفظ أسماء النسوة وأنسابهن وجوَّد ذلك ورفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ا. هـ
(2) في (ب) و"المستدرك": (ذلك) .
(3) "المستدرك": (1/160) ، والحديث في "الموطأ" برواية يحيى الليثي: (1/22-23) .
(4) في الأصل: (أبيه) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(5) "سنن الدارقطني": (1/69) .
(6) أقحمت في الأصل: (و) فحذفناها.(1/94)
النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) أنَه كان يصغي إلى الهرَة الإناء حتَى تشرب، ثم يتوضَّأ بفضلها (2) .
ز: قال الدَارَقُطْنيُ في هذا الحديث: إسناد (3) حسن (4) .
ورواه الحاكم وصحَحه، وسليمان بن مُسافع: [لا يعرف و] (5) لم يذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقد ذكره العقيليُ في كتاب "الضُعفاء" وروى هذا الحديث في ترجمته، وقال: لا يتابع عليه (6) .
وروى هذا الحديث ابن خزيمة في "صحيحه" من طريقه (7) .
وفي الإسناد الثَاني: الواقديَّ، وهو ضعيف.
73- وروى داود بن صالح بن دينار التَّمار عن [أُمه] (8) أنَّ مولاتها أرسلتها إلى عائشة بهريسة فوجدتها تصلي، فأشارت إليَّ أن ضعيها فجاءت هرَّة فأكلت منها، فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرَّة، فقالت: [إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّها ليست بنجس، إنَّما هي من الطَوافين عليكم ". وقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بفضلها] (9) .
__________
(1) في "سنن الدارقطني": (قال- أي الواقدي-: وثنا عبد الله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي هند عن عروة عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/70) .
(3) في (ب) : (إسناده) .
(4) لم نقف عليه.
(5) (زيادة من (ب) .
(6) "الضعفاء الكبر": (2/141- رقم: 635) .
(7) "صحيح ابن خزيمة": (1/54- رقم: 102) .
(8) في الأصل: (عن أبيه) ، والتصويب من (ب) و"سنن أبي داود" و"سنن الدارقطني".
(9) في الأصل: (إن للنَبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضأ بفضلها) ، والمثبت من (ب) و"سنن أبي داود".(1/95)
رواه أبو داود (1) والدَّارَقُطْنيُ وقال: رفعه الدَّرَاوَرْدِيَّ عن داود بن صالح، ورواه عنه هشام بن عروة فوقفه على عائشة (2) .
74- وقال الخطيب في "التَّاريخ": أنا عليُ بن يحيى بن جعفر الإمام - بأصبهان- ثنا سليمان بن أحمد الطبرانيُ ثنا عمر بن حفص السَّدوسيُ ثنا سلم ابن المغيرة الأزديَّ ثنا مصعب بن ماهان (3) ثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: توضأ [ت أنا و] (4) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناءٍ واحدٍ قد أصابته الهِرُ قبل ذلك.
قال الخطيب: تفرَد برواية هذا الحديث عن سفيانَ الثَوري مصعبُ ابن [ماهان] (5) ، ولم أره إلا من حديث [سلم بن] (6) المغيرة [عنه] (7) .
ورواه عبد الله بن وهب عن الثَوري عن حارثة بن أبي الرِّجال عن عمرة عن عائشة.
ورواه مؤمَّل بن إسماعيل وعمرو بن محمَّد بن أبي رزين عن الثَّوري عن أبي الرِّجال (8) عن أُمه عمرة عن عائشة.
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/185- رقم: 77) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/70) .
(3) في (ب) : (هامان) خطأ.
(4) زيادة من (ب) و"التاريخ " للخطيب.
(5) في (ب) : (هامان) خطأ.
(6) زيادة من (ب) و"تاريخ بغداد".
(7) زيادة من "تاريخ بغداد".
(8) هو محمد بن عبد الرحمن بن حارثة الأنصاري المدني وهو ثقة، وأما ولده حارثة فضعيفٌ.
وهذا الوجه خطأ على الثوري، والمحفوظ عنه روايته عن حارثة عن عمرة عن عائشة، كذا رواه عنه عبد الرزاق في "مصنفه" (1/102- رقم: 356) ، وابن وهب وشجاع بن الوليد كلاهما عند الطحاوي في "شرح المعاني ": (1/19) . =(1/96)
أنا البرقانيُ قال: قال لنا أبو الحسن الدَارَقطنيُّ: سلم بن المغيرة يكنى أبا حنيفة، وهو بغداديّ، ليس بالقوي (1) .
75- وقال البيهقيُ: أبنا أبو سعيد الخطيب أنا أبو بحر البَربَهاريُّ ثنا بشر بن موسى ثنا الحميديَّ ثنا سفيان ثنا الرُّكَيْنْ بن الرَّبيع عن عمَةٍ له- يقال لها: صفية بنت عميلة (2) - أن الحسين بن علي سُئل عن سؤر الهرة، فلم ير به بأساً (3) .
75/أ- وعن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمرُ به الهرٌةُ، فيصغي لها الإناء، فتشرب، ثم يتوضأُ بفضلها.
[] (4) رواه الدَارَقُطْنيُ أيضاً (5) من رواية: عبد الله بن سعيد المقبري، قال: [وهو] (6) ضعيفٌ (7) . وقال ابن معين: ليس بشيء (8) . وقال
__________
وقد نص الطحاوي في "مشكل الآثار": (7/71-72 رقم: 2651) على خطأ مؤمل.
ووقع في "تاريخ بغداد": (ورواه مؤمل بن إسماعيل ومحمد بن أبي رزين عن الثوري عن ابن أبي الرجال) وهو خطأ.
ورواية مؤمَل خرجها الطحاوي في "شرح المعاني ": (1/19) وفي "المشكل ": (7/21- رقم: 2651) على الصواب (عن الثوري عن أبي الرجال) كما بالأصل.
(1) "تاريخ بغداد": (9/146- 147- رقم: 4758) .
(2) في الأصل غير واضحة وأثبتت من "سنن البيهقي".
(3) "سنن البيهقي": (1/247) .
(4) في الأصل: (ز) ، ولا محل لها هنا، فالسابق كله من كلام المنقَّح.
(5) (أيضاً) ليست في (ب) .
(6) في الأصل: (وهب) ، والتصويب من (ب) و"سنن الدارقطني".
(7) في "سنن الدارقطني": (1/66- 67) قال عقب الحديث: (قال أبو بكر [هو النيسابوري] : يعقوب هذا أبو يوسف القاضي، وعبد ربَّه هو ابن سعيد المقبري وهو ضعيف) .
فيصعب تمييز كلام أبي بكر النيسابوري من كلام الدارقطني، وغالب الظن أن الأخير من كلام الدارقطني كما جزم به المنقَّح، والله أعلم.
(8) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 166 - رقم: 595) .(1/97)
البخاريَّ: تركوه (1) .
وداود بن صالح التَمار: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم به بأساً (2) .
وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات " (3) O.
احتجُّوا:
76- بما رواه التِّرمذيُّ: ثنا سَوَّار بن عبد الله العنبريَّ ثنا المعتمر بن سليمان سمعت أيُوب عن محمَّد بن سيربن عن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يُغسل الإناء إذا ولغ الكلب فيه سبع مرَّات، وإذا ولغت الهرة غُسل مرةً " (4) .
77- طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريَّ ثنا حمَّاد (5) ابن الحسن وبكَّار بن قتيبة قالا: ثنا أبو عاصم [ثنا] (6) قُرَة بن خالد ثنا محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طُهور الإناء إذ ولغ فيه الكلب: يغسل سبع مرَّات، الأولى بالتُّراب؛ والهرَة مرةً- أو مرَتين- " قُرَة شك (7) .
78- طريق آخر: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا عليُ بن محمَّد المصريَّ (8) ثنا رَوْح بن الفرج ثنا سعيد بن عُفَيرْ ثنا يحيى بن أيُوب عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُغسل الإناء من
__________
(1) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/259- رقم: 810) من رواية آدم بن موسى.
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/416- رقم: 1900) من رواية حرب بن إسماعيل.
(3) "الثقات": (6/280) .
(4) "الجامع": (1/134- ر قم: 91) .
(5) في (ب) : (أحمد) خطأ.
(6) زيادة من (ب) و"سنن الدارقطني".
(7) "سنن الدارقطني": (1/64، 67- 68) .
(8) في (ب) : (ابن المصري) ، وفي "تاريخ بغداد": (12/75) : (المعروف بالمصري) .(1/98)
الهر كما يغسل من الكلب " (1) .
79- طريق آخر: قال العُقَيْليُّ: ثنا محمَّد بن زكريا البلخيُ ثنا محمَّد بن أبان ومحمَّد بن الصبَّاح قالا: ثنا وكيع ثنا عيسى [بن المسيَّب] (2) عن أبي زُرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر الهرَّة- وقال: "هي سَبُع " (3) .
قال المؤلف: هذه الأحاديث لا تصحُ.
أمَا الأوَل: ففيه سَوَار، قال سفيان الثَّوريَّ: ليس بشيءٍ (4) .
وأمَّا الثَاني والثَالث: فلا يصحُ رفعُهما، قال الدَارَقُطْنيُّ: أمَّا حديث أبي عاصم فقد رواه غيره في ولوغ الهر موقوفاً، والصَّحيح قول من وقفه عن أبي هريرة في الهر خاصةً.
قال: ولا يصحُ الحديث الآخر عن أبي صالح (5) .
وأمَّا حديث أبي زرعة: ففيه عيسى، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (6) .
وقال العُقَيْليُّ: لا يتابعه على هذا الحديث إلا من هو مثله أو دونه (7) . وقال أبو حاتم ابن حِبَّان: يقلب الأخبار ولا يعلم، ويُخطئ (8) ولا يفهم، حتَّى
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/68) .
(2) في الأصل: (المسيبي) ، والمثبت من (ب) و"الضعفاء الكبر".
(3) "الضعفاء الكبير": (3/386- رقم: 1426) .
(4) انظر تعقب المنقح الآتي (ص: 100) .
(5) الذي يظهر- والعلم عند الله- أن هذا مختصر من كلام الدارقطني في "العلل": (8/116- 118- رقم: 1443) .
وانظر: " السنن " له: (1/68) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (3/355- رقم: 1720) .
(7) "الضعفاء الكبير": (3/387- رقم: 1426) .
(8) في "المجروحون": (يخطئ في الآثار) .(1/99)
خرج عن حد الاحتجاج به (1) .
وقد اختلفت الرواية عن أبي هريرة نفسِه:
فروى عنه ابن سيرين أنَه يُغسل الإناء من ولوغ [الهر] (2) مرَّة، وفي لفظٍ: مرَّتين.
وروى عنه سعيد بن المسيَب: مرَّتين أو ثلاثاً.
وروى عنه عطاء: سبع مرَّات.
ز: تضعيف المؤلف للطَريق الأوَل (بأن سفيان قال في سَوَّار: ليس بشيء) وهمَّ فاحشٌ، لأن قول (3) سفيان إنَما هو في جد شيخ الترمذي (4) ، وشيخ الترمذي هو: سَوَار بن عبد الله بن سَوَار [بن عبد الله التميميُ العنبريَّ] (5) ، أبو عبد الله البصريَّ، القاضي بن القاضي بن القاضي، روى عن يحيى القطَان وجماعة، وروى عنه أبو داود والترمذيَّ والنَسائيُ وخلقٌ، قال أحمد بن حنبل: ما بلغني عنه إلا خيراً (6) . وقال النَسائيُ: ثقةٌ (7) . وذكره ابن حِبَان في كتاب "الثَّقات" (8) .
__________
(1) "المجروحون": (2/119) .
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(3) في (ب) : (فأقول) ولعلها: (فإن قول) كما في نسخة "الظاهرية" من "التنقيح".
(4) واسمه: سَوار بن عبد الله بن قدامة العنبري، قاضي البصرة، وكلام الثوري فيه في "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/170- رقم: 686) ، و"الكامل" لابن عدي: (3/451- رقم: 870) .
(5) زيادة من (ب) .
(6) "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/211- رقم: 4788) من رواية عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان.
(7) "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/212- رقم: 4788) من رواية ابنه عبد الكريم.
(8) "الثقات" (8/302) .
في هامش الأصل: (حاشية: قد سبقه إلى هذا الرَّد الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام" [ (؟) ] وفي كتاب "الإمام" أيضاً [ (1/241) ] ) ا. هـ
وهذه الحاشية ليست لابن عبد الهادي كما هو ظاهر.(1/100)
لكنَ علَة الحديث أنَ مسدداً رواه عن معتمر فوقفه، رواه عنه أبو داود (1) .
وقال البيهقيُ: أدرجه بعض الرُّواة في حديثه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهموا فيه؛ والصَّحيح أنَّه في ولوغ الكلب [مرفوع] (2) ، وفي ولوغ الهر موقوف (3) .
وقال الترمذيَّ: وقد روي (4) هذا الحديث من غير وجهٍ عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكر فيه: إذا ولغت فيه الهرُ غسل مرَةً (5) .
[و] (6) قال الدَارَقُطنيُ في الطريق الثَّاني: قال أبو بكر- يعني النَيسابوريَّ-: كذا رواه أبو عاصم مرفوعاً، ورواه غيره عن قُرَة: ولوغ الكلب مرفوعاً، وولوغ الهر [موقوفاً] (7) .
80- ثم قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر ثنا أحمد بن يوسف السلميُ وإبراهيم بن هانئ قالا: ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا قُرَة عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة- في الهرِّ يلغ في الإناء- قال: اغسله مرَة أو مرَتين.
وكذلك [رواه] (8) أيُّوب عن محمَّد عن أبي هريرة موقوفاً (9) .
__________
(1) "سنن أبي داود" (1/183- رقم: 73) .
(2) زيادة من (ب) و"المعرفة".
(3) "المعرفة" للبيهقي: (1/315) ، وانظر: "السنن" له: (1/247) .
(4) في (ب) : (رواه) خطأ.
(5) "الجامع": (1/135- رقم: 91) . والذي فيه: (وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو هذا ولم يذكر فيه ... ) .
وهو أدق مما نقله المنقح، والله أعلم.
(6) زيادة من (ب) .
(7) في الأصل: (مرفوعاً) والتصويب من (ب) و"سنن الدارقطني".
(8) زيادة من (ب) و"سنن الدارقطني"، وفي مكانها بالأصل إشارة اللحق لكن لم يظهر بالهامش شيء في مصورتنا، والله أعلم.
(9) "سنن الدارقطني": (1/68) .(1/101)
81- وروى الطَريق الثَّالث موقوفاً على أبي هريرة أيضاً فقال: ثنا أبو بكر النَيساريُّ ثنا [علاَّن] (1) بن المغيرة ثنا ابن أبي مريم ثنا يحيى بن أيُوب قال: أخبرني خير بن نُعيم عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: يغسل الإناء من الهرَ كما يغسل من الكلب.
قال الدَارَقُطْنِيُ: هذا لا يثبت عن أبي هريرة، ويحيى بن أيُوب: في بعض أحاديثه اضطراب (2) .
وحديث: "السنَّور سَبُع ": رواه الإمام أحمد (3) والدَارَقُطْنيُّ، وقال: تفرَد به عيسى بن المسيَب، وهو صالح الحديث (4) .
ورواه الحاكم وقال: صحيح، وعيسى صدوق لم يجرح قط (5) .
وقال أبو داود: عيسى ضعيف (6) . وقال أبو حاتم: ليس بالقوي (7) . والله أعلم O.
*****
__________
(1) في الأصل: (غيلان) ، والتصويب من (ب) و"سنن الدارقطني".
و"علاَّن" لقبٌ لعلي بن عبد الرَحمن بن محمَّد بن المغيرة القرشي المخزومي، ونسب إلى جدُه (المغيرة) ، وترجمته في "تهذيب الكمال": (21/51- رقم: 4101) .
(2) "سنن الدارقطني" (1/68) .
(3) "المسند": (2/327) ، وانظر: (2/442) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/63) .
(5) "المستدرك": (1/183) وكلامه مختصر.
(6) "الميزان" للذهبي: (3/323- رقم: 6607) .
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/288- رقم: 1600) وفيه: (محلُه الصدق، ليس بالقوي) .(1/102)
مسألة (17) - جلود الميتة لا تطهر بالدِّباغ.
وقال أبو حنيفة والشَافعيُّ: تطهر (1) .
لنا أحاديث:
أشهرها حديث ابن عُكَيم:
82- قال أحمد: ثنا خلف بن الوليد ثنا عبَاد بن عبَّاد ثنا خالد الحذَّاء عن الحكم بن عُتيبة عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عُكَيم قال: أتانا كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا غلامٌ شاب - قبل موته بشهرِ أو شهرين: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" (2) .
ز: (3) وروى هذا الحديث: أبو داود (4) والنَّسائي (5) وابن ماجه (6) وأبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ (7) والترمذيَّ وقال: حديث حسن (8) .
__________
(1) في هامش الأصل: (قال معمر: كان الزهري ينكر الدباغ، ويقول: ليستمتع به على كل حال. قال أبو عبد الله المروزي [هو محمَّد بن نصر] : وما علمت أحداً قال ذلك قبل الزهريَّ. وقال الطحاويَّ: قال الليث بن سعد: لا بأس ببيع جلود الميتة قبل الدباغ إذا يبست، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن في الإنتفاع به، والبيع من الإنتفاع. قال الطحاوي: ولم نجده إلا عن الليث. قال ابن عبد البر: وقد ذكر ابن عبد الحكم عن مالك ما يشبه مذهب ابن شهاب في ذلك) ا. هـ
وهذا النَصُ مأخوذٌ من "التمهيد" لابن عبد البر: (4/154، 156) .
(2) "المسند": (4/310) .
(3) (ز) سقطت من (ب) .
(4) "سنن أبي داود": (4/431- رقم: 4124) .
(5) "سنن النسائي": (7/175- رقمي: 4249، 4250) .
(6) "سنن ابن ماجه": (2/1194- رقم: 3613) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (4/93- رقمي: 1277، 1278) .
(8) "الجامع": (3/343- رقم: 1729) .(1/103)
وقال الإمام أحمد: إسناد جيد، يرويه يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عُكيم (1) .
وقال مَرَّة: ما أصلح إسناده (2) .
ورواه أبو القاسم سليمان بن أحمد الطَّبراني في "معجمه الأوسط"، قال: كتب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن في أرض جهينة-: "إني كنت رخَّصت لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عَصَب" (3) .
وهو من رواية فَضَالة بن مُفَضَل بن فَضَالة المصري، قال أبو حاتم الرَازيَّ: لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم (4) .
وعن عبد الله بن عُكيم قال: ثنا مشيخةٌ لنا من جهينة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إليهم: " [أن] (5) لا ينتفعوا من الميتة بشي؟ ".
رواه البخاريَّ في "تاريخه" (6) ، وأبو حاتم بن حِبَان في "صحيحه" (7) .
وقال الترمذيَّ: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث، لما ذكر فيه: (قبل وفاته بشهرين) . وكان يقول: هذا آخر أمر النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ثمَّ ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده، حيث روى بعضهم فقال: عن عبد الله بن عكيم عن أشياخِ من جهينة (8) .
__________
(1) نقله أيضاً ابن قدامة في "المغني": (1/91) .
(2) نقله أيضاً ابن قدامة في "الكافي": (1/40) .
(3) "المعجم الأوسط": (1/39- رقم: 104) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/79- رقم: 447) .
(5) زيادة من (ب) والمرجعين الآتيين.
(6) "التاريخ الكبير": (7/167- رقم: 743) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (4/95- رقم: 1279) .
(8) "الجامع": (3/344- رقم: 1729) .(1/104)
هكذا روى الترمذيَّ عن أحمد، وهو خلاف المشهور المستفيض عنه.
83- وروى الحافظ الضياء في "المختارة" من حديث أبي عبد الله محمَّد ابن مسلم بن وارة (1) ثنا يحيى بن صالح- هو [الوُحَاظيُ] (2) - ثنا عياض بن يزيد ثنا عبد الرَحمن بن نُباتة قال: سمعت ابن عمر يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُنتفع من الميتة بعَصَبٍ أو إهابٍ.
ذكر ابن أبي حاتم: عياض بن يزيد الكلبيَّ عن عبد الرَحمن بن نُباتة، وعنه يحيى بن صالح [الوُحَاظيُ] (2) ، ولم يذكر فيه جرحَا (3) O.
84- الحديث الثَاني: قال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل (4) ثنا [سعيد] (5) عن قتادة عن أبي المَلِيح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن جلود السباع (6) .
ز: رواه (7) أبو داود (8) والنَسائيُ (9) والحاكم وصحَحه (10) ، [و] (11) الترمذيَّ وزاد: أن تفترش (12) .
__________
(1) في (ب) : (دارة) خطأ.
(2) في الأصل: (الخوطي) خطأ، والتصويب من (ب) .
(3) "الجرح والتعديل": (6/409- رقم: 2293) .
(4) في "المسند": (وابن جعفر) .
(5) في الأصل: (شعبة) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"المسند" و"أطرافه": (1/252- رقم: 126) ، وانظر: "تحفة الأشراف": (1/63- رقم: 131) .
(6) "المسند": (5/74) ، ولنظر: (5/75) .
(7) في (ب) : (ورواه) .
(8) "سنن أبي داود": (4/434- رقم: 4129) .
(9) "سنن النسائي": (7/176- رقم: 4253) .
(10) "المستدرك": (1/144) .
(11) زيادة من (ب) .
(12) "الجامع": (3/372- رقم: 1770) .(1/105)
85- وعن خالد بن معدان قال: وفد المقدام بن معدي كرب على معاوية، فقال له: أنشدك الله (1) ، هل تعلم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس جلود السّباع والرُّكوب عليها؟ قال: نعم.
رواه أبو داود (2) والنَّسائيُ، وهذا لفظه (3) .
86- وعن أبي ريحانة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ركوب النُّمور.
رواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) وابن ماجه (6) والنَّسائيُّ (7) .
87- وروى الإمام أحمد (8) وأبو داود (9) والنَّسائيُّ (10) عن معاوية أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نهى عن ركوب النّمار.
88- وعن المقدام بن معدي كرب قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحرير والذهب و [مياثر] (11) النُّمور.
رواه أحمد (12) والنَسائيُ (13) .
__________
(1) في (ب) و"سنن النسائي": (أنشدك بالله) .
(2) "سنن أبي داود": (4/432- 433- رقم: 4128) .
(3) "سنن النسائي": (7/176- رقم: 4255) .
(4) "المسند": (4/134) في حديث طويل أوله: (نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عشر ... ) .
(5) "سنن أبي داود": (4/399- 401- رقم: 4046) .
(6) "سنن ابن ماجه": (2/1205- رقم: 3655) .
(7) "سنن النسائي": (8/143- رقم: 5091) .
(8) "المسند": (4/92، 99) .
(9) "سنن أبي داود": (2/440- 441- رقم: 1791) .
(10) "السنن الكبرى": (5/508- رقم: 9816) .
(11) في الأصل: (سائر) ، والتصويب من (ب) والمرجعين.
(12) "المسند": (4/131- 132) .
(13) "سنن النسائي": (7/176- رقم: 4254) .(1/106)
89- وعن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تصحبُ الملائكةُ رفقةَ فيها جلدُ نمرٍ".
رواه أبو داود (1) O.
90- الحديث الثَالث: رواه أصحابنا من حديث جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا ينتفع من الميتة بشيء ".
ز: قال صاحب "المغني": رواه أبو بكر الشَّافعيُّ بإسناده عن أبي الزُّبير عن جابر، وإسناده حسن (2) .
وقد رواه ابن وهب في "مسنده" عن زمعة بن صالح عن أبي الزُبير عن جابر ولفظه: "لا تنتفعوا بشيء من الميتة- أو لا تنتفعوا بالميتة-".
وزمعة فيه كلام، وللحديث علَةٌ ذكرها ابن مُفَوَّز وغيره، وقد تقدِّم من حديث ابن عُكيم أيضاً (3) O.
احتجَّ الخصم بأحاديث:
91- الحديث الأوَل: قال الإمام أحمد: ثنا محمَّد بن مصعب ثنا الأَوْزَاعِيُ عن الزُّهريِّ عن عبيد الله [بن عبد الله] (4) عن ابن عبَّاس قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاةٍ ميتة، فقال: "ألا استمتعتم بجلدها؟ " قالوا: يا رسول الله، إنَها ميتة. قال: "إنَّما حرَّم أكلها " (5) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/432- رقم: 4127) .
(2) "المغني": (1/91) .
(3) رقم: (82) .
(4) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(5) "المسند": (1/329- 330) .(1/107)
أخرجه البخاريُّ (1) ومسلم (2) في "الصَّحيحين".
92- طريق آخر لهذا الحديث: قال الدَّارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا إبراهيم بن هانئ ثنا عمرو بن الرَّبيع بن طارق ثنا يحيى بن أيُّوب عن عُقيل عن الزُهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بشاةٍ ميتةٍ، فقال: "هلا انتفعتم بإهابها؟! " قالوا: يا رسول الله، إنَّها ميتةٌ.
قال: "إنَما حرَّم أكلها، أوَليس في الماء والقَرَظ ما يطهِّرها؟! " (3) .
93- قال الدَارَقُطْنيُ: وأنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو عتبة الحمصيُ ثنا بقيَة بن الوليد قال: حدَثني الزبيديَّ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بشاةِ قد نَفَقَت (4) ، فقال: "ألا استمتعتم بجلدها؟ "
قالوا: يا رسول الله، إنَها ميتةٌ، قال: "إنَ دباغَها ذكاتُها " (5) .
94- قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا ابن صاعد ثنا أحمد بن أبي بكر المقدميُ ثنا محمَّد بن كثير العبديَّ ثنا سليمان بن كثير ثنا الزهريَّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل الحديث الذي قبله، وقال: "دباغ إهابها طهورُها" (6)
95- قال الدَّارَقُطنيُ: وثنا ابن صاعد ثنا هلال بن العلاء ثنا عبد الله بن جعفر ثنا عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن راشد عن الزهري بمثل الحديث
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/378، 3/551، 7/126) ؛ (فتح- 3/355- رقم: 1492؛ 4/413- رقم: 2221؛ 9/658- رقم: 5531، 5532) .
(2) "صحيح مسلم": (1/190) ؛ (فؤاد- 1/276- رقم: 363) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/41- 42) .
(4) في "النهاية": (4/99) : (يقال: "نَفَقَتِ الدابة" إذا ماتت) ا. هـ
(5) "سنن الدارقطني": (1/42) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/43) .(1/108)
الذي تقدَّم، وقال فيه: "إنَّما حُرم عليكم لحمها، ورُخص لكم في مَسْكها" (1) .
قال الدَارَقُطْنِيُ: هذه أسانيد صحاح (2) .
96- الحديث الثَاني: قال الإمام أحمد: حدَثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن ابن وَعْلة عن ابن عبَّاس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" (3) .
انفرد بإخراجه مسلم (4) .
97- طريق آخر: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا البغويَّ ثنا محمَّد بن بكَار ثنا فُليح بن سليمان عن زيد بن أسلم عن عبد الرَحمن بن وَعْلة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دباغ كل إهاب طهوره " (5) .
ز: زعم بعضهم أن حديث ابن وَعْلة متفقٌ عليه: وليس كذلك، بل انفرد بإخراجه مسلم، ولفظه: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر " (6) .
ولفظ أحمد (7) والتَّرمذيَّ (8) وغيرهما: "أيما إهاب دبغ فقد طهر ". 98- ولمسلم عن عبد الرَحمن بن وَعْلة قال: سألت عبد الله بن
__________
(1) في "النهاية": (4/331) : (المَسْك، بسكون السين: الجلد) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (1/44) .
(3) "المسند": (1/219) .
(4) "صحيح مسلم": (1/191) ؛ (فؤاد- 1/277- رقم: 366) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/46) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال ابن عبد البر في "التمهيد" [4/152] : سماع ابن وعلة من ابن عباس صحيح ا. هـ.
(6، 7) سبق عزوه.
(8) "الجامع": (3/442- رقم: 1728) .(1/109)
عبَّاس، قلت: إنَّا نكون بالمغرب- ومعنا البربر والمجوس- نؤتى بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل [ذبائحهم] (1) ، ونؤتى بالسقاء يجعلون فيه الودك؟
فقال ابن عبَّاس: قد سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فقال: "دباغه طهوره " (2) .
99- وعن ابن عبَّاس أنَّ سودة زوج النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: ماتت لنا شاة فدبغنا مَسْكها (3) ، ثُمَّ ما زلنا ننبذ فيه حتَى صار شَنًّا (4) .
رواه البخاريَّ (5) O.
100- الحديث الثَالث: قال الإمام أحمد: ثنا بهز ثنا همَام ثنا قتادة عن
الحسن [عن] (6) جَوْن بن قتادة عن سلمة بن المُحبَّق أنَه كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في غزوة تبوك فأتى على بيتِ قُدَّامه قِربة معلقة، فسأل الشَراب، فقيل: إنَّها
ميتة. فقال: " ذكاتها [دباغها] (7) ".
قال أحمد بن حنبل: جون لا يعرف (8) .
ز: جون: هو ابن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن
__________
(1) في الأصل: (ذبحهم) ، والمثبت من (ب) و"صحيح مسلم".
(2) "صحيح مسلم": (1/191) ؛ (فؤاد- 1/278- رقم: 366) .
(3) سبق تفسيرها (ص: 109 تعليق رقم: 1) .
(4) في "النهاية": (2/506) : (الشنان: الأسقية الخلقة، واحدها "شَن، وشَنَة"، وهي أشدُ
تبريدَ للماء من الجدد) .
(5) "صحيح البخاري": (8/396) ؛ (فتح- 11/569- رقم: 6686) .
(6) في الأصل: (ابن) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(7) "في الأصل: (طهورها) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"المسند": (5/6) .
(8) "مسائل الإمام أحمد" لأبي داود: (ص: 407- رقم: 1916) وفيه: (شيخ لا يعرف، لم يحدَّث عنه غير الحسن) ؛ و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/542- رقم: 2251) ؛ و"الكامل" لابن عدي: (2/178- رقم: 365) كلاهما من رواية أبي طالب.(1/110)
عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم التَميميُ ثمَّ العبشميُّ البصريَّ، يقال: أنَّ له صحبة، ولم يثبت ذلك، روى عن الزبير بن العوَام- وشهد معه الجمل- وعن سلمة بن المحبَق الهذليَّ حديث "ذكاة الأديم دباغه "، وحديث: أن رجلاَ وقع على جارية امرأته ... - على خلافِ في ذلك-، روى عنه الحسن البصريَّ وقتادة- إن كان محفوظاً- وقرَة بن الحارث البصريُّ.
101- قال هُشَيم عن منصور بن زاذان عن الحسن عن جَوْن بن قتادة: كنَا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، فمرَّ بعض أصحابه بسقاءَ معلقِ فيه ماء، فأراد أن يشرب، فقال له صاحب السقاء: إنَه جلد ميتة. فأمسك حتَى لحقهم النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكروا ذلك له، فقال: "اشربوا، فإن دباغ الميتة طهورها ".
هكذا رواه أحمد بن منيع وشجاع بن مخلد ويحيى بن أيُّوب المقابريَّ عن [هُشيم] (1) - من دون ذكر سلمة بن المُحبَق فيه-، وذلك معدودٌ من أوهام [هُشيم] (2) .
قال الحافظ أبو عبد الله بن مَنْدَه: ورواه الحسن بن عرفة وعمرو بن زرارة وغيرهما عن هُشيم عن منصور ويونس بن عبيد وغيرهما عن الحسن عن سلمة بن المحبَّق، من غير [ذكر] (3) جون فيه.
ورواه قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبَق. وهو الصَحِيح. انتهى ما حكاه ابن مَنْده.
ورواه زكريا بن يحيى زحمويه الواسطيُ عن هشيم عن منصور عن الحسن
__________
(1، 2) في الأصل (هاشم) ، والتصويب من (ب) و"تهذيب الكمال": (5/162- رقم: 984) .
(3) في الأصل: (ابن) ، والتصويب من (ب) و"تهذيب الكمال".(1/111)
عن جَوْن بن قتادة عن سلمة بن المحبَق. وهو الصَحيح فيما حكاه الحافظ أبو نُعَيْم منتصراً لهُشَيم، راداً (1) على من نَسب [الوهم إليه] (2) ، وهو أبو عبد الله بن مَنْدَه:
قال في "معرفة الصَحابة": جَوْن بن قتادة التميميُ، عداده في أهل البصرة، لا تصحُ له صحبةٌ ولا رُؤيةٌ، وَهِمَ هُشَيم في حديثه.
وقال أبو نُعَيْم في "معرفة الصَحابة" (3) : جَوْن بن قتادة التميميُّ (4) ، يعدُّ في البصريين، لا تثبت له صحبةٌ ولا رُؤية، ذكره بعض الواهمين في الصَّحابة، ونسب وهمه إلى هُشَيم، وهو وهم، لأن زكريا بن يحيى زحمويه رواه عن هشيم مجوداً- يعني بذكر سلمة بن المحبَّق في إسناده-.
قال شيخنا أبو الحجاج- رضي الله عنه-: وقد أصاب ابن مَنْدَهَ فيما نسبه إلى هُشَيم من الوَهْم، لأن ذلك هو المحفوظ عن هشيم، رواه غير واحدٍ عنه كذلك؛ وأمَّا رواية زحمويه فشاذَةٌ عن هشيم، لكن قد وهم ابن مَنْدَه في قوله: إنَّ الحسن بن عرفة وعمرو بن زرارة وغيرهما رووه عن هشيم بالإسناد الذي ذكره. إنَّما ذلك الإسناد للحديث الثَاني- وهو: أن رجلاً خرج في سفرٍ فبعثت معه امرأته بخادم (5) تخدمه، فوقع عليها في سفره ... -، وقد اختلف فيه على الحسن أيضاً:
رواه: أبو حرَّة واصل بن عبد الرَّحمن ومنصور بن زاذان ويونس بن
__________
(1) تصحفت في "تهذيب الكمال" إلى (زاد) .
(2) في الأصل: (إليه الوهم) ، والمثبت من (ب) و"تهذيب الكمال".
(3) "معرفة الصحابة": (2/637- 638- رقم: 533) باختصار وتصرف.
(4) من قوله: (عداده في أهل البصرة) إلى هنا سقط من مطبوعة "تهذيب الكمال"، وهو موجود في النسخة الخطَِّيَّة له فليلحق.
(5) أي جارية، كما سبق (ص: 111) .(1/112)
عبيد ومبارك بن فضالة وهشام بن حسَان عن الحسن عن سلمة بن المحبَق، ليس بينهما أحد.
وكذلك رواه: محمَّد بن مسلم الطَائفيُ وحمَاد بن زيدٍ عن عمرو بن دينارٍ عن الحسن.
وتابعهما سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن.
ورواه سفيان بن عُيَينَة عن عمرو بن دينار فاختلف عليه فيه:
فرواه عبيد الله بن عمر القواريريَّ عنه عن عمرو عن الحسن [عن سلمة] (1) كما تقدَم.
ورواه العبَاس بن يزيد البَحْرانيُ عنه عن عمرو عن الحسن عن رجل عن سلمة.
ورواه بكر بن بكَار عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن جَوْن بن قتادة - أو عن رجل - عن سلمة.
وقيل عنه بهذا الإسناد: عن جَون بن قتادة عن سلمة بن المحبَّق، من غير شكٍ.
وقال أبو طالب (2) : سألته- يعني أحمد بن حنبل- عن جون بن قتادة، فقال: لا يعرف. قلت: يروي غير هذا الحديث؟ قال: لا. يعني حديث الدباغ.
وقال أبو الحسن بن البرَاء عن عليَّ بن المديني في هذا الحديث: رواه
__________
(1) زيادة من (ب) و"تهذيب الكمال".
(2) رواه من طريقه ابن عَدِي في "الكامل": (2/178- رقم: 365) .(1/113)
قتادة عن الحسن عن جَوْن بن قتادة، وجَوْن معروفٌ، وجون لم يرو عنه غير الحسن إلا أنَّه معروف.
وقال في موضعٍ آخر: الذين روى عنهم الحسن من المجهولين ...
فذكرهم، وذكر فيهم: جون بن قتادة.
وقال خليفة بن خيَّاط (1) : أدرك ابن الزبير.
وقال محمَّد بن سعد (2) : قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوفٍ بن كعبٍ ابن عبد شمس-[وهو عبشمس] (3) ، وليس عبد شمس إلا في قريش- بن سعد بن زيد [] (4) مناة بن تميم، صحب النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الوفد، وكتب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً بالشبكة [] (5) - موضع بالدَّهْناء-؛ وهو [أبو] (6) الجون بن قتادة.
وقال ابن عَدِيً (7) : لم يعرف [له] (8) أحمد بن حنبل غير حديث الدباغ، وقد ذكرت بذلك الإسناد [حديثاً] (9) آخر، وما أظنُّ له غيرهما-
__________
(1) "الطبقات ": (ص: 195- 196) .
(2) "الطبقات الكبرى": (7/62) .
(3) في الأصل و"تهذيب الكمال": (عبد شمس) خطأ، والتصويب من (ب) و"الطبقات الكبرى".
(4) أقحمت في الأصل: (ابن) فحذفناها.
(5) أقحمت في الأصل كلمة: (في) فحذفناها.
(6) في الأصل: (أبي) ، والتصويب من (ب) و"الطبقات الكبرى" و"تهذيب الكمال".
(7) "الكامل": (2/178- رقم: 365) .
(8) زيادة من (ب) و"الكامل" و"تهذيب الكمال".
(9) في الأصل و (ب) : (حديث) ، والمثبت من مطبوعتي "الكامل" و"تهذيب الكمال".
(تنبيه) : قال الذهبي في "السير" تحت ترجمة الحافظ ابن عدي: (16/154- رقم: 111) : ( ... تقدَّم في هذه الصناعة على لحنٍ فيه يظهر في تأليفه.... قال الحافظ ابن عساكر: كان ثقة عل لحنٍ فيه) ا. هـ
فيحتمل أن يكون الخطأ من ابن عدي، والله أعلم.(1/114)
يعني حديث بكر بن بكار-. روى له أبو داود (1) والنَّسائي (2) والطبرانيُ (3) حديث الدباغ (4) .
والله أعلم O.
102- الحديث الرَابع: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن عَقيل بن خويلد ثنا حفص بن عبد الله ثنا إبراهيم بن طَهْمان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أيما إهاب دبغ فقد طهر".
قال الدَارَقُطْنِيُ: إسناد حسن (5) .
103- الحديث الخامس: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مخلد (6) ثنا إبراهيم بن الهيثم ثنا عليُ بن عيَّاش ثنا محمَّد بن مطرَّف [عن زيد بن أسلم] (7) عن عطاء بن يسار عن عائشة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " طهور كل أديم دباغه ".
قال الدَارَقُطْنِيُ: إسناده كلهم ثقات (8) .
ز: إبراهيم بن الهيثم: تُكلم فيه: والمحفوظ حديث زيد عن ابن وَعْلة (9) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (4/430- 431- رقم: 4122) .
(2) "سنن النسائي": (7/173- 174- رقم: 4243) .
(3) "المعجم الكبير": (7/46- 47- رقم: 6340، 6341، 6342) .
(4) "تهذيب الكمال": (5/162- 166- رقم: 984) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/48) .
(6) في "سنن الدارقطني": (وآخرون) .
(7) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(8) "سنن الدارقطني": (1/49) وفيه: (إسناد حسن كلهم ثقات) .
(9) تقدم (ص:109) .(1/115)
قال ابن عدِي في إبراهيم: حدَث ببغداد بحديث الغار عن الهيثم بن جَمِيل عن المبارك بن فَضَالة عن الحسن عن أنس عن النَبيِّ، فكذَّبه فيه النَّاس وواجهوه به ... وأحاديثه مستقيمة سوى هذا الحديث الواحد الذي أنكروه عليه (1) O.
104- طريقٌ آخر: قال أحمد: ثنا إسحاق [بن] (2) عيسى أخبرني مالك عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط (3) عن محمَّد بن عبد الرَحمن بن ثوبان عن أُمه عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت (4) .
ز: ورواه أبو داود (5) وابن ماجه (6) والنَّسائيُّ (7) وأبو حاتم بن حِبَان في "صحيحه" (8) .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "العلل": قلت لأبي: ما تقول في هذا الحديث- حديث [مالك] (9) عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط (10) عن محمَّد بن عبد الرَحمن بن ثوبان عن أُمه عن عائشة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت- قلت لأبي: ما تقول في هذا الحديث؟ قال: فيه أُمُه، من أمُّه؟ كأَنه أنكره من أجل أمه (11) .
__________
(1) "الكامل": (1/274- 275- رقم: 115) .
(2) في الأصل (عن) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(3) في (ب) : (قسط) خطأ.
(4) "المسند": (6/73) .
(5) "سنن أبي داود": (4/430- رقم: 4121) .
(6) "سنن ابن ماجه": (2/1194- رقم: 3612) .
(7) "سنن النسائي": (7/176- رقم: 4252) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (4/102- رقم: 1286) .
(9) زيادة من (ب) و"العلل".
(10) في (ب) : (قط) خطأ.
(11) "العلل ومعرفة الرجال " لعبد الله بن أحمد: (3/192- رقم: 4827) .(1/116)
105- وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "استمتعوا بجلود الميتة إذا دبغت، تراباً كان، أو رمادًا أو ملحاً، أو ما كان، بعد أن تريد صلاحه".
رواه الدَارَقُطْنيُ (1) ، وفي إسناده: معروف بن حسَان، قال أبو حاتم الرَازي: مجهول (2) . وقال ابن عَدِي: منكر الحديث (3) O.
قال المؤلف: ولهم:
حديث يرويه [المغيرة بن شعبة، وحديث ترويه] (4) أمُ سلمة، كلاهما مطعون فيه، فلم أر في ذكرهما فائدة، وأصحابنا يقولون: حديثنا متأخر وهو حاظر، والحظر مقدمٌ.
*****
مسألة (18) : صوف الميتة وشعرها طاهر.
وقال الشَّافعيُ: نجسٌ.
استدل أصحابنا بأربعة أحاديث:
أحدها: حديث ابن عبَّاس: "إنما حُرِّم أكلها"
وقد سبق إسناده، وأنَّه في "الصَحيحين " (5) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/49) .
(2) "الجرح والتعديل": (8/323- رقم: 149) .
(3) "الكامل": (6/325- رقم: 1850) .
(4) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(5) رقم: (91) .(1/117)
106- الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطْنيُّ: ثنا محمَّد بن علي بن إسماعيل الأيلي ثنا أحمد بن إبراهيم البُسْريَّ ثنا محمَّد بن آدم ثنا الوليد بن مسلم عن أخيه [] (1) عبد الجبَار بن مسلم عن الزهريِّ عن عبيد الله عن ابن عبَّاس قال: إنَّما حرَم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الميتة لحمها، فأمَا الجلد والشَعر والصُوف فلا بأس به.
قال الدَارَقُطْنِيُّ: عبد الجبَار ضعيفٌ (2) .
ز: رواه تمَّام في "فوائده " عن أبي الميمون بن راشد وأبي عبد الله ابن مروان وغيرهما عن أبي عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي- وهو البُسْريَّ- عن محمَّد بن آدم.
وقال: لم يسند عبد الجبَار غير هذا الحديث، والله أعلم (3) O.
107- الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن نوح الجنديسابوريَّ ثنا عليُ بن حرب ثنا سليمان بن أبي هَوْذَة أنا زافر بن سليمان عن أبي بكر الهذليِّ أنَّ الزهريَّ حدَثهم عن عبيد الله عن ابن عبَّاس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ألا كل شيء من الميتة حلالٌ إلاَّ ما أكل منها ". فأمَا الجلد والقد (4) والشَّعر والصُوف والسِّن والعظم فكلُّ هذا حلالٌ، لأنَه لا يذكَى.
قال الدَارَقُطْنِيُ: الهذليُّ: متروكٌ (5) . وقال غُنْدر: كذَابٌ (6) . وقال
__________
(1) أقحمت في الأصل: (عن) فحذفناها.
(2) "سنن الدارقطني": (1/47- 48) .
(3) "الروض البسَام بترتيب وتخريج فوائد تمام ": (1/195- رقم: 141) .
(4) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (القرن) ، وانظر: "النهاية" لابن الأثير: (4/21- مادة: قدد) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/48) .
(6) "التاريخ " لابن معين- برواية الدوري-: (4/238- رقم: 4141) .
وانظر: "الجرح والتعديل": (4/313- رقم: 1365) .(1/118)
يحيى (1) وعليٌ (2) : ليس بشيءِ.
108- الحديث الرَّابع: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو طلحة أحمد بن محمَّد ابن عبد الكريم ثنا سعد بن محمَّد ثنا أبو أيُوب [] (3) سليمان بن عبد الرَحمن ثنا يوسف بن السَفر ثنا الأَوْزَاعِيُ عن يحيى بن أبي كثير عن (4) أبي سلمة بن عبد الرَّحمن قال: سمعت أمَ سلمة تقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا بأس بمَسك (5) الميتة إذا دبغ، ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء ".
قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يأت به غير يوسف بن السَفر، وهو متروكٌ يكذب (6) .
وقال أبو زرعة (7) والنَّسائيُ (8) : هو متروكٌ. وقال دُحيم: ليس بشيءٍ (9) . وقال ابن حِبَّان: لا يحلُ الاحتجاج به بحالِ (10) .
__________
(1) هو ابن معين، "التاريخ " برواية الدوري: (4/88، 128- رقمي: 3281، 3526) .
(2) "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/225- رقم: 4008) من رواية محمد بن عثمان بن أبي شيبة وفيه: (ضعيف، ضعيف، ليس بشيءَ) ا. هـ
(3) أقحمت في الأصل: (بن) فحذفناها.
(4) (أبي كثير عن) سقطت من (ب) .
(5) تقدم تفسيرها (ص: 109) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/47) وفيه: (يوسف بن السفر متروك، ولم يأت به غيره) .
ونقل تكذيب الدارقطني ليوسف الحافظ الذهبي في "الميزان": (4/466- رقم: 9871) ، فتعقبه الحافظ ابن حجر في "اللسان": (6/395- رقم: 9391) بقوله: (وتكذيب الدارقطني ما أدري من أين نقله؟ ولعله تبع في ذلك ابن الجوزي) ا. هـ
(7) هو الدمشقي، كما في "الكامل" لابن عدي: (7/163- رقم: 2068) ، وأمَا أبو زرعة الرازي فقال عنه: (ذاهب الحديث) كما في "الجرح والتعديل": (9/223- رقم: 935) .
(8) ذكره ابن عدي في "الكامل": (7/163- رقم: 2068) ، والحافظ ابن حجر في "اللسان": (6/395- رقم: 9391) وعزاه إلى "الضعفاء" للنسائي، ولم نقف عليه في المطبوع.
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/223- رقم: 935) من رواية أبي حاتم عنه.
(10) "المجروحون": (3/133) .(1/119)
احتجَّ الخصم:
109- بما رواه أبو أحمد بن عَدِي: ثنا محمَّد بن الحسن السكونيُ قال: حدَث أحمد بن سعيد البغداديَّ وأنا حاضر: ثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي روَّاد قال: حدَثني أبي عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ادفنوا الأظفار والدَّم والشَعر فإنه (1) ميتةٌ " (2) .
قال ابن عَدي: لعبد الله بن عبد العزيز أحاديث لم يتابع عليها (3) . وقال أبو حاتم الرَازيَّ: أحاديثه منكرة، وليس محلُه عندي الصَّدق (4) . وقال عليُ بن الحسن بن الجنيد: لا يساوي فلساً، يحدث بأحاديث كذب (5) .
*****
مسألة (19) : عظم الميتة نجسٌ.
وقال أبو حنيفة: طاهرٌ (6) .
واستدلَّ أصحابنا:
بقوله: "لا تنتفعوا من الميتة بشيء"، وقد سبق (7) .
__________
(1) في مطبوعة "الكامل": (فإنها) .
(2) "الكامل": (4/201- رقم: 1012) .
(3) المرجع السابق.
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/104- رقم: 478) .
(5) المرجع السابق.
(6) في هامش الأصل: (وقال أبو حنيفة: شعر الحيوان وصوفه وقرنه وعظمه لا ينجس بموته، ولا بموت ... ) ا. هـ ومحل النقط كلمة لم تظهر في مصورتنا.
(7) رقم: (82) ، وانظر رقم: (90) .(1/120)
وللخصم حديثان:
أحدهما: حديث يوسف بن السَفر، وقد ذكرناه آنفًا (1) .
110- والثَاني: رواه ابن عَدِيٍّ: أنا أبو يعلى ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل [ثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جُحادة عن حميد الشَامي] (2) عن سليمان المَنْبِهيُ عن ثوبان أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى (3) لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج (4) .
والجواب من وجهين:
أحدهما: أن هذا الحديث لا يصحُ؛ لأنَ حميد وسليمان مجهولان، قال أحمد: لا أعرف حميداً (5) . وقال يحيى بن معين: لا أعرف سليمان (6) .
والثَاني: أن المراد بالعاج: خشب الذَبْل، قال ابن قتيبة: ليس العاج ههنا الذي تعرفه العامة، وتخرطه من العظم والنَاب، ذلك ميتة منهيٌ عنه، فكيف يتخذ لها منه سواراً؟! إنَّما العاج: الذَبْلُ، والعاجة: الذَبْلَةُ. قال ذلك الأصمعيُ (7) .
__________
(1) رقم: (108) .
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"الكامل".
(3) كذا بالأصل، وفي (ب) و"التحقيق": (أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "اشتر ... ") .
(4) "الكامل": (2/270- 271- رقم: 434) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/232- رقم: 1018) من رواية أبي طالب.
(6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 97- 98- رقم: 268) .
(7) في هامش الأصل: (وأمَا خبر أنس: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمتشط بمشطٍ من عاج. فإسناده
ضعيفٌ، فيه عمرو بن خالد الواسطيُ) ا. هـ(1/121)
ز: روى حديث ثوبان: أحمد (1) وأبو داود (2) وابن ماجه في "التَّفسير".
وسليمان المنْبهيُ: يقال له: سليمان بن عبد الله، ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات " (3) ، وقال عثمان الدَارميُ: قلت ليحيى بن معين: حميد الشَامي عن سليمان المنبِهيِّ حديث ثوبان. فقال: ما أعرفهما (4) .
وحميد الشاميُ: قال ابن عَدِيٍّ: يقال: حميد بن أبي حميد، وإنَّما أنكر عليه هذا الحديث الواحد، ولم أعلم له غيره (5) .
وروى عن حميد: سالم المراديَّ وصالح بن صالح بن حيٍّ وغيلان بن جامع ومحمَّد بن جحادة، والله أعلم O.
*****
مسألة (20) : لا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بذبحه.
وقال أبو حنيفة: يطهر.
وأصحابنا يقولون: هذا ميتة. ويذكرون أحاديث النَّهي عن الميتة.
والخصم يحتجُّ بقوله: "دباغ الأديم ذكاته"، وقد سبق (6) .
*****
__________
(1) "المسند": (5/275) .
(2) "سنن أبي داود": (4/463- 464- رقم: 4210) .
(3) "الثقات": (4/304) .
(4) "التاريخ": (ص: 97- 98- رقم: 268) .
(5) "الكامل": (2/271- رقم: 434) .
(6) رقم: (100) .
وفي هامش الأصل: ( [] وخبر عمر بن الخطاب أنه قال في الفراء: ذكاته دباغه. في إسناده =(1/122)
مسألة (21) : بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر.
وعن أحمد [أنَّه] (1) نجسٌ، كقول الشَّافعيٍّ.
وقال أبو حنيفة في الحَماَم والعصافير كقولنا، وفي البقيَّة كقوله.
لنا ثلاثة أحاديث:
111- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا قتيبة ثنا حمَاد عن أيُّوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك أنَّ رهطاً من عُكْلٍ - أو قال: عُرَيْنَة، ولا أعلمه إلاَّ قال: عُكْلٍ - قدموا المدينة، فأمر لهم النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها، فشربوا حتَّى إذا برؤا قتلوا الرَاعي واستاقوا النَعَمَ!
فبلغ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدْوَةً، فبعث الطَّلَبَ في إثرهم، فما ارتفع النَّهار حتَى جِيءَ بهم، فأمر بهم: فقطع أيديهم وأرجلهم، وسَمَرَ أعينهم، وألقوا بالحرَّة، يَسْتَسْقُون فلا يُسْقَوْنَ.
قال أبو قِلابة: هؤلاء قومٌ سرقوا وقتَلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله (2) .
__________
= محمَّد بن أبي ليلى، وهو لا يحتج بحديثه.
مسألة: وجلد الكلب لا يطهر بالدباغ، وقال أبو حنيفة: يطهر.
لنا: خبر رافع بن خديج مرفوعاً قال: "شر المكاسب: مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجَّام".
واستدلَّ أصحابه بعموم قوله: "أيما إهاب دبغ فقد طهر"، وهو محمولٌ على غير جلد الكلب، لما تقدَم.
وقد قيل: إن جلد الكلب لا يندبغ) ا. هـ
ومكان المعقوفتين في بداية الهامش رمزٌ لم يظهر في التصوير، ويشبه أن يكون (هـ) ، والظاهر أن هذا الهامش من كلام الناسخ وليس من كلام ابن عبد الهادي، والله تعالى أعلم.
(1) زيادة من (ب) .
(2) "صحيح البخاري": (8/424- 425) ؛ (فتح- 12/112- رقم: 6805) .(1/123)
وأخرجه مسلم (1) .
112- الحديث الثاني: قال الدارَقُطْنيُ: ثنا أبو بكر الآدميُ أحمد بن محمَّد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن أيُّوب [المُخَرميُ] (2) ثنا يحيى بن أبي [بكير] (3) ثنا سَوَار بن مصعب عن مطرَّف بن طريف عن أبي الجَهْم عن البراء قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا بأس ببول ما أكل لحمه" (4) .
113- الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا سعيد بن عثمان الأهوازيَّ ثنا عمرو بن الحُصَين ثنا يحيى بن العلاء عن مطرِّف عن محارب بن دِثَار عن جابر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما أكل لحمه فلا بأس ببوله" (5) .
الاعتماد على الحديث الأوَل، وفي هذين الحديثين مقالٌ:
أمَا الأوَّل منهما: فقال أحمد (6) ويحيى بن معين (7)
__________
(1) "صحيح مسلم": (5/102) ؛ (فؤاد- 3/1296- رقم: 1671) من رواية أيوب عن أبي رجاء عن أبي قلابة عن أنس به.
(2) في الأصل: (المخزومي) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
وعبد الله هذا: هو ابن محمَّد بن أيُّوب بن صبيح، أبو محمَّد المخرمي.
ترجمته في: "الجرح والتعديل": (5/11- رقم: 53) ؛ "تاريخ بغداد": (10/81- رقم: 5195) ؛ "الأنساب" للسمعاني: (11/182) .
(3) في الأصل: (بكر) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني"، ولكن سقطت من مطبوعتي "السنن" و"التحقيق" كلمة (أبي) ، وهي ثابتة في "إتحاف المهرة": (2/535- رقم: 2210) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/128) .
(5) المرجع السابق.
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/271- 272- رقم: 1175) من رواية أبي طالب.
(17 لم نقف على قول ابن معين (متروك) ، وقد قال عنه في "التاريخ " برواية الدوري: (3/362 - رقم: 1759) : (ضعيفٌ) ، وفي موضع آخر: (3/422- رقم: 2068) قال: (ليس بشيءَ) ، وكذا في "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 137- رقم: 251) وزاد:=(1/124)
والنَسائيُ (1) : سَوَار متروك الحديث.
وقد اختلف عنه:
114- فروى الدَارَقُطنِيُ: ثنا محمَّد بن الحسن بن سعيد ثنا إبراهيم بن نصر الرازيَّ ثنا عبد الله بن رجاء ثنا مصعب بن سَوَار عن مطرَّف عن أبي الجَهْم عن البراء قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أُكل لحمه فلا بأس بسؤره".
قال الدارَقُطْنِيُ: كذا يسميه عبد الله بن رجاء: (مصعب بن سَوَار) - يقلب اسمه-، وإنَما هو سَوَار بن مصعب (2) .
وأمًا الحديث الثَاني: ففيه عمرو بن الحُصَن، قال أبو حاتم الرَّازيَّ: ليس بشيءٍ (3) . وقال الدَارَقُطْنِيُ: متروكٌ (4) .
وأمَا يحيى بن العلاء، فقال أحمد: كذَّاب يضعُ الحديث (5) . وقال
__________
= (كوفيِّ ... ) ، وفي "الكامل" لابن عدي: (3/454- رقم: 871) من رواية ابن أبي مريم عنه قال: (لم يكن بثقة ولا يكتب حديثه) ، وفي "تاريخ بغداد": (9/208- 209- رقم: 4787) من رواية محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة ومن رواية ابن أبي مريم (*) - فرقهما- كلاهما عنه أنه قال: (كان أعمى ضعيفاً) .
ولم ينقل الذهبي في "الميزان": (2/246- رقم: 3616) عن يحيى إلاَّ قوله: (ليس بشيء) .
هذا ما وقفنا عليه من كلام ابن معين في سوار، والله أعلم.
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 118- رقم: 258) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/128) .
(3) "الجرح والتعديل": (6/229- رقم: 1272) وفيه: (ذاهب الحديث، ليس بشيء....) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 304- رقم: 390) .
(5) "تهذيب الكمال": (31/486- رقم: 6895) ولم يذكر الراوي عن أحمد، وفي "بحر الدَّم" لابن المبرد: (ص: 173- رقم: 1162) أنه من رواية محمَّد بن سهل.
...........
(*) كذا وقع في مطبوعة "تاريخ بغداد" ورواية ابن أبي مريم هذه في النفس منها شيء، فليتأكد من صحتها، والله أعلم.(1/125)
الفلاَّس: متروك الحديث (1) .
ز: 115- روى البخاريُّ ومسلم في "صحيحيهما" عن أنس بن مالك قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في [مَرَابِض] (2) الغنم قبل أن يُبنى المسجد (3) .
116- وعن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أصلِّي في [مَرَابِض] (2) الغنم؟ قال: "نعم ". قال: أصلي في مَبارك الإبل؟ قال: "لا".
رواه مسلمٌ (4) .
117- وعن البراء بن عازبٍ قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة في مبارك الإبل، قال: "لا تصلُوا فيها فإنَها من الشَياطين ". وسئل عن الصلاة في [مرابض] (5) الغنم، فقال: "صلوا فيها فإنَها بركة".
رواه الإمام أحمد (6) وأبو داود (7) .
118- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلُوا في [مرابض] (8) الغنم، ولا تصلُوا في أعطان الإبل".
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/179- 180- رقم: 744) .
(2) في الأصل: (مرابظ) ، والتصويب من (ب) .
(3) "صحيح البخاري": (1/68- 117) ؛ (فتح- 1/341، 526- رقمي: 234، 429) . "صحيح مسلم: (2/65) ؛ (فؤاد- 1/374- رقم: 524) .
(4) "صحيح مسلم": (1/189) ؛ (فؤاد- 1/275- رقم: 360) .
(5) في الأصل: (مرابظ) ، والتصويب من (ب) .
(6) "المسند": (4/288) ، وبنحوه: (4/303) .
(7) "سنن أبي داود": (1/237، 384- رقم: 186، 494) .(1/126)
رواه الإمام أحمد (1) وابن ماجه (2) والترمذيَّ وقال: حديثٌ حسن صحيحٌ (3) .
119- وعن عبد الله بن عبَّاس أنَّه [قال:] (4) قيل لعمر بن الخطَّاب: حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظٍ شديدٍ، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتَى ظنَّنا أن رقابنا ستقطع، حتَى إن [كان الرَجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتَّى نظنَّ أنَّ رقبته ستقطع، حتَى إنَّ] (5) الرَّجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده!
فقال أبو بكر الصَّديق: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدُعاء خيراً، فادع لنا. قال: "أتحب ذلك؟ " قال: نعم. قال: فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السَماء فأطلَّت ثمَّ سكبت، فملأوا ما معهم، ثمَّ ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر.
رواه الإمام [] (6) أبو بكر محمَّد بن إسحاق بن خزيمة في "صحيحه": ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عبَّاس فذكره (7) .
__________
(1) "المسند": (2/451، 491، 509) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/252- 253- رقم: 768) .
"الجامع": (1/377- رقم: 348) .
(4) زيادة من (ب) .
(5) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، واستدرك من (ب) و"صحيح ابن خزيمة".
(6) أقحم في الأصل هنا: (أحمد وقال الإمام) ، وهو خطأ، فالحديث لم نقف عليه في "المسند" ولا في "أطرافه" لابن حجر، ولا عزاه إليه الحافظ ابن كثير- الذي هو من أعلم الناس بالمسند- في كتابه "مسند عمر بن الخطاب": (2/670) . ثم هذه الزيادة ليست موجودة في النسخة (ب) ، فيبدو- والله أعلم- أن الناسخ انتقل نظره إلى الحديث الذي قبل هذا.
(7) "صحيح ابن خزيمة": (1/52- 53- رقم: 101) .(1/127)
ورواه أبو حاتم بن حِبَان البستيُّ عن عبد الله بن محمَّد بن سلم عن حرملة بن يحيى [عن] (1) ابن وهب (2) .
ورجاله كلُهم مخرَّج لهم في الصحيح.
وقد سئل الدَارَقُطْنيُ [عنه] (3) فقال: رواه أحمد بن صالح ويونس عن ابن وهبٍ بهذا الإسناد.
وخالفهم يعقوب بن محمَّد الزهريَّ [فرواه] (4) عن ابن وهبٍ ولم يذكر في الإسناد عتبة، جعله عن سعيد بن [أبي] (5) هلال عن نافع.
والقول فيه قول من ذكر عتبة بن أبي عتبة، وهو عتبة بن مسلم (6) .
قال ابن خزيمة: لو كان ماء الفرث إذا عصر نجساً لم يجز للمرء أن يجعله على كبده فينِّجس بعض بدنه، وهو غير واجدٍ لماء طاهرٍ يغسل موضع النَجس منه، فأمَّا شرب الماء النَجس عند خوف التَلف إن لم يشرب ذلك [الماء] (7) : فجائز إحياء النَّفس بشرب الماء النَّجس، إذ الله جلَّ وعلا قد أباح عند الاضطرار إحياء النَفس بأكل الميتة والدَّم ولحم الخنزير إذا خيف التَلف إن لم يأكل، والدَّم ولحم الخنزير نجس محرَمٌ على المستغني عنه، مباحٌ للمضطر إليه لإحياء النَفس بأكله، فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النَّجس أن يحيى نفسه بشرب ماءٍ نجسٍ إذا خاف التَلف على نفسه بترك شربه، فأمَّا أن يجعل ماءً نجساً
__________
(1) زيادة من (ب) و"الإحسان".
(2) "الإحسان" لابن بلبان: (4/223- رقم: 1383) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) في الأصل: (فروى) ، والمثبت من (ب) و"العلل".
(5) زيادة من (ب) و"العلل".
(6) "العلل": (2/83- 84- رقم: 127) .
(7) زيادة من (ب) و"صحيح ابن خزيمة".(1/128)
على بعض بدنه والعلم محيطٌ أَنه [إن] (1) لم يجعل ذلك الماء النَجس على بدنه [لم يخف التَلف على نفسه، ولا كان في إمساس ذلك الماء النَجس بعض بدنه] (1) إحياء نفسه بذلك، ولا عنده ماء طاهرٌ يغسل ما نجس من بدنه بذلك الماء، فهذا غير جائزِ ولا واسعِ لأحدِ أن يفعله (2) .
120- وعن عبد الله بن مسعود أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابٌ له جلوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض: أيّكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمَّدٍ إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتَى سجد النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا لا أغيِّر شيئاً! لو كان لي منعةٌ؟! قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساجدٌ لا يرفع رأسه، حتَى جاءته فاطمة فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، قال: "اللهم عليك بقريش- ثلاث مرات- " فشق عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون الدَّعوة في ذلك البلد مستجابة، ثمَّ سمَّى: "اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعليك بعتبة بن ربيعة، وبشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأميَّةَ بن خلف، وعقبة بن أبي معيط- و [عدَ] (3) السَّابع فلم نحفظ- " قال: فو الذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرعى في القليب - قليب بدر-.
متفق عليه (4) ، وهذا لفظ البخاري (5) ، وفي رواية له: فيعمد إلى
__________
(1) زيادة من (ب) و"صحيح ابن خزيمة".
(2) "صحيح ابن خزيمة": (1/53- 54- رقم: 101) .
(3) في الأصل: (وعر) والمثبت من (ب) و"صحيح البخاري".
(4) "صحيح البخاري": (1/69، 138؛ 4/55، 129، 5/313) ؛ (فتح- 1/349، 594؛ 6/124، 326؛ 7/165- الأرقام: 240، 520، 2934، 3185، 3854) .
"صحيح مسلم": (5/179- 180) ؛ (فؤاد- 3/1418- رقم: 1794) .
(5) "صحيح البخاري": (1/69) ؛ (فتح- 1/349- رقم: 240) .(1/129)
فرثها ودمها وسلاها. وفيه: فضحكوا حتَّى مال بعضهم على بعض ... - وذكر السابع قال:- " [و] (1) عمارة بن الوليد " (2) O.
*****
مسألة (22) : بول الغلام الذي لم يأكل الطعام يرشُ.
وقال أبو حنيفة ومالك: يغسل.
لنا أحاديث:
121- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أم قيس بنت محِصن قالت: دخلت بابن لي على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأكل الطعام فبال على ثوبه، فدعا بماء فرشَّه عليه (3) .
[أخرجاه في "الصحيحين "] (4) .
122- الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد بن عبد الوارث ثنا هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي قال: قال
__________
(1) زيادة من (ب) .
(2) "صحيح البخاري": (1/138) ؛ (فتح- 1/594- رقم: 520) .
(3) "المسند": (6/355) .
(4) زيادة من (ب) و"التحقيق".
"صحيح البخاري": (1/65- 66، 7/163) ؛ (فتح- 1/326؛ 10/148- رقمي: 223، 5693) .
"صحيح مسلم": (1/164؛ 7/25) ؛ (فؤاد- 1/238؛ 4/1734- رقم: 287) .(1/130)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بول الغلام ينضح [عليه] (1) ، وبول الجارية يغسل".
قال قتادة: هذا ما لم يطعما، فإذا طعما غسل بولهما (2) .
ز: رواه أبو داود (3) وابن ماجه (4) والترمذيَّ وقال: حديث حسن.
وذَكر أنَّ هشاماً الدَستوائيَ رفعه عن قتادة، وأنَّ سعيد بن أبي عروبة وقفه عنه ولم يرفعه (5) .
وقال البخاريَّ: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهام الدَّستوائيُ يرفعه وهو حافظ (6) .
وكذلك ذكر الدَارَقُطْنِيُ (7) ، وروى هذا الحديث وصحَحه (8) ؛ ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: على شرطهما (9) O.
123- الحديث الثَالث: قال أحمد: ثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا أيُّوب عن
__________
(1) زيادة من (ب) و"المسند".
(2) "المسند" (1/76) ، وانظر: (1/137) .
(3) "سنن أبي داود": (1/333- رقم: 381) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/174- 175- رقم: 525) .
(5) "الجامع": (1/599- ر قم: 610) .
(6) "ترتيب العلل الكبير للترمذي": (ص: 42- 43- رقم: 38) ، وتصحف فيه (سعيد) إلى (شعبة) ، وقد نقله على الصواب البيهقي في "السنن": (2/415) وابن دقيق في "الإمام": (3/ 598) .
(7) "العلل": (4/185- رقم: 495) وأشار إلى اختلاف أصحاب هشام عليه في الوقف والرفع.
(8) هكذا وقع بالأصل و (ب) ، والحديث رواه الدارقطني في "سننه" (1/129) ولكن لم نقف على تصحيحه له، ونخشى أن يكون في الكلام سقط، والله أعلم.
وقد قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": (1/50) : (إسناده صحيح، وقد اختلف في رفعه ووقفه، وفي وصله وإرساله، وقد رجح البخاري صحته، وكذا الدارقطني) ا. هـ فهذا يؤيد ما وقع هنا والله أعلم.
(9) "المستدرك": (1/165- 166) .(1/131)
صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أمٌ الفضل قالت: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: إني رأيت في منامي أنَ في بيتي أو حجري عضواً من أعضائك. فقال: "تلد فاطمة- إن شاء الله- غلاماً فتكفلينه ". فولدت فاطمة حسيناً (1) فدفعه إليها، فأرضعته بلبن قُثم (2) ، قالت: فأتيت به النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزوره، فأخذه النَبيُ فوضعه على صدره، فبال فأصاب إزاره، فقلت بيدي بين كتفيه، فقال: "أوجعت ابني أصلحك الله- أو قال: رحمك الله- ". فقلت: أعطني إزارك أغسله. قال: "إنَما يغسل بول الجارية، ويصبُّ على بول الغلام" (3) .
ز: وأخرج نحوه أبو داود (4) وابن ماجه (5) من حديث أبي الأحوص عن سماك عن قابوس بن أبي المُخَارق عن أم الفضل، وتابعه عليُ بن صالح (6) .
وروى نحوه الحاكم وصحَّحه (7) .
وروي عن قابوس عن أبيه عن أمِّ الفضل O.
124- الحديث الرَابع: قال [أحمد] (8) : وثنا أبو بكر الحنفيُ ثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أمِّ كُرزٍ الخُزاعيَة قالت: أُتي النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلام، فبال عليه، فأمر به فنُضح؛ وأُتي بجاريةٍ، فبالت عليه، فأمر به فغُسل (9) .
__________
(1) في مطبوعة "المسند": (حسناً) ، والصواب ما بالنسختين و"التحقيق".
(2) هو قُثَم بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، صحابيٌْ صغيرٌ.
انظر: "تهذيب الكمال": (23/538- رقم: 4853) ، "الإصابة": (3/226- 227) .
(3) "المسند": (6/339- 340) .
(4) "سنن أبي داود": (1/332- رقم: 378) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/174- رقم: 522) .
(6) عند "ابن ماجه ": (2/1293- رقم: 3923) .
(7) "المستدرك": (1/166) .
(8) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(9) "المسند": (6/422، 440، 464) .(1/132)
ز: وروى ابن ماجه نحوه في "سننه" عن بندار [عن] (1) الحنفي (2) O.
قال: وقد روى حديث بول الغلام: ابن عمر وابن عبَّاس وعائشة وزينب.
ز: 125- عن عائشة رضي أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يؤتى بالصَّبيان فيبِّرك عليهم ويحنِّكهم، فأُتي بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله.
متفق عليه (3) ، واللفظ لمسلم (4) .
126- وعن أبي السَمح قال: كنت أخدم النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأُتي بحسن- أو حسينِ- فبال على صدره، فجئت أغسله فقال: "يغسل بول الجارية، ويرش من بول الغلام".
رواه ابن ماجه (5) والنَسائيُ (6) وأبو داود- وهذا لفظه- (7) والدَارَقُطْنِيُ (8) والحاكم وصحَحه (9) .
__________
(1) زيادة من (ب) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/175- رقم: 527) .
(3) "صحيح البخاري": (1/65- 66؛ 7/110؛ 8/232، 317) ؛ (فتح- 1/325؛ 9/587؛ 10/433؛ 11/151- الأرقام: 222، 5468، 6002، 6355) .
(4) "صحيح مسلم": (1/163- 164) ؛ (فؤاد- 1/237- رقم: 286) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/175- رقم: 526) .
(6) "سنن النسائي": (1/158- رقم: 304) .
(7) "سنن أبي داود": (1/332- رقم: 379) وفيه: (يغسل من بول) .
(8) "سنن الدارقطني": (1/130) .
(9) "المستدرك": (1/166) .(1/133)
127- وعن الحسن عن أمه أنَّها أبصرت أمَّ سلمة تصبُ على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية.
رواه أبو داود (1) .
128- وعن ابن عبَّاس قال: أصاب النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو جلده- بولُ صبي وهو صغير، فصبَّ عليه من الماء بقدر البول.
رواه الدَارَقُطْنِيُ من رواية الواقدي (2) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (23) : منيُ الآدمي وما يؤكل [لحمه] (3) طاهرٌ.
وقال أبو حنيفة: نجسٌ، ويفرك يابسه.
لنا ثلاثة أحاديث:
129- الأوَل: قال أحمد: ثنا عفان ثنا حمَاد بن سلمة عن حمَاد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كنت أفرك المنيَّ من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ يذهب فيصلي فيه (4) .
انفرد بإخراجه مسلم (5) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/333- رقم: 382) .
(2) في (ب) : (من رواية الدارقطني) خطأ.
"سنن الدارقطني": (1/130) .
(3) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(4) "المسند": (6/125، 132) .
(5) "صحيح مسلم": (1/164) ؛ (فؤاد- 1/238- رقم: 288) .(1/134)
130- الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا معاذ بن معاذ ثنا عكرمة بن عماَّر عن عبد الله بن [عبيد] (1) بن عمير عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلت المنيَ من ثوبه بعرق الإذخر، ثَمَّ يصلّي فيه، ويحتُّه من ثوبه يابساً، ثُمَّ يصلَي فيه (2) .
131- الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مَخْلد ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربيُّ ثنا سعيد بن يحيى بن الأزهر ثنا إسحاق بن يوسف ثنا شَريك عن محمَّد بن عبد الرَّحمن عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: سئل النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المنيِّ يصيب الثَوب. قال: "إنَما هو بمنزلة المخاط والبصاق " (3) . وقال: "إنَّما يكفيك أن تمسحه بخرقةٍ أو بإذخرة " (4) .
قال الخصم: الصَحيح أن هذا الحديث موقوفٌ، قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شَريك.
قلنا: إسحاق إمامٌ مخرجٌ عنه في "الصَّحيحين"، ورفعه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ.
ز: محمَّد بن عبد الرَحمن: هو ابن أبي ليلى، وهو صدوق، وقد تكلّم في حفظه: وفي طبقته: محمَّد بن عبد الرحمن بن عبيد [مولى] (5) آل طلحة، وهو ثقة، روى له مسلمٌ، وروى عنه شريك، لكن لا يعرف أنَه روى عن عطاء.
وشريك: هو ابن عبد الله النخعيُّ القاضي، وهو من الصَّادقين الَّذين
__________
(1) في الأصل: (عبيد الله) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (6/243) .
(3) في (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني": (البزاق) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/124) .
(5) في الأصل: (من) ، والمثبت من (ب) .(1/135)
تكلم في حفظهم.
والصَحيح أنَ هذا الحديث موقوفٌ كما قال الخصم، ونبَّه عليه الحذَاق، كما هو محررٌ في موضعِ آخرO.
قال المؤلف: وقد ذكروا في "التَعليق " أن عبد الباقي بن قانع قال: يرويه سريع الخادم، وليس بشيءٍ.
وهذا شيء لا يعرف، ولا يدرى من سريع؟! وقد رويناه من غير تلك الطَريق.
ز: سريع: هو ابن عبد الله الواسِطيُ، روى عن إسحاق الأزرق، روى عنه النسائيُْ (1) [وبَحْشَل] (2) O.
احتجُّوا بحديثين:
أحدهما: أنهم حكوا [أن] (3) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة: "إذا وجدت المنيَّ رطباً فاغسليه، وإذا وجدتيه يابساً فحتيه".
قالوا: وهذا أمر، والأمر على الوجوب.
والجواب: أن هذا الحديث لا يعرف، وإنَما المنقول أنَّها هي كانت تفعل ذلك من غير أن يأمرها (4) .
__________
(1) "تهذيب الكمال": (10/226- رقم: 2192) .
(2) زيادة من (ب) .
"تاريخ واسط " لبحشل: (ص: 169، 220) .
(3) في الأصل: (عن) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(4) في (ب) : (أن يكون بأمرها) ، وفي "التحقيق": (أن يكون أمرها) .(1/136)
132- فروى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مَخْلد ثنا أبو إسماعيل الترمذيُ ثنا الحُميديَّ ثنا بشر بن بكر ثنا الأوزاعيُ عن يحيى بن سعيد عن عَمْرة عن عائشة قالت: كنت أفرك المنيَ من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان يابساً، وأغسله إذا كان رطباً (1) .
133- وقال الترمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همَام بن الحارث [قال] (2) : ضاف عائشة ضيفٌ، فأمرت له بملحفة صفراء ينام (3) فيها، فاحتلم، فاستحيى أن يُرسل بها وبها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء ثمَّ أرسل بها، فقالت عائشة: لم أفسد علينا ثوبنا؟! إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، وربَّما فركتُه من [ثوب] (4) رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصابعي.
قال الترمذيَّ: هذا حديث صحيح (5) .
134- أنا أبو منصور [القَزَاز أنا] (6) أبو بكر أحمد بن عليٍّ الحافظ أنا أبو عمر بن مهدي ثنا الحسن بن إسماعيل المحامليُ ثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر ثنا أبي ثنا وهب بن إسماعيل ثنا محمَّد بن قيس عن محارب بن دثار عن عائشة قالت: ربَّما حتته من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
135- طريق آخر لهم عن عائشة: قال أحمد: ثنا يزيد أنا عمرو ابن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/125) .
(2) في الأصل: (قالت) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"الجامع".
(3) في "الجامع": (فنام) .
(4) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"الجامع".
(5) "الجامع": (1/158- رقم: 116) وفيه: (هذا حديث حسن صحيح) .
(6) بياض بالأصل، فأثبتت من (ب) و"التحقيق".
وأبو منصور القزَّاز هو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم الشيباني الغدادي، راوي "تاريخ بغداد" عن الخطيب سوى الجزء السادس بعد الثلاثين.(1/137)
ميمون ثنا سليمان بن يسار قال: أخبرتني عائشة أنَّها [كانت] (1) تغسل المنيَّ من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيخرج فيصلي وأنا أنظر إلى البقع في ثوبه من أثر الغسل (2) .
أخرجاه في "الصحيحين " (3) ، وليس فيه حجَة، لأن غسله للاستقذار.
136- الحديث الثَاني: قال ابن عَدِيٍّ في "الكامل": أنا أبو يعلى ثنا محمَّد بن أبي بكر (4) المُقدَميُ ثنا ثابت بن حمَّاد ثنا عليُ بن زيد عن سعيد بن المسيَب عن عمَّار بن ياسر قال: مرَّ بي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد تنخَمت، فأصابت نخامتي ثوبي، فأقبلت لأغسل ثوبي، فقال لي النَّبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عمَّار، مما نخامتك ودموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك (5) ، إنَّما تغسل ثوبك من البول والغائط والمني والدَّم والقيء" (6) .
قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يروه غير ثابت بن حمَاد، وهو ضعيف جداً (7) . قال ابن عَدِي: له مناكير مقلوبات يخالف فيها الثِّقات (8) .
وأمَا عليُ بن زيد: فقال أحمد (9) ويحيى (10) : ليس بشيء. وقال أبو
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (6/142، 235) .
(3) "صحيح البخاري": (1/67) ؛ (فتح- 1/332- رقم: 229- 232) .
"صحيح مسلم": (1/165) ؛ (فؤاد- 1/239- رقم: 289) .
(4) (بكر) سقطت من (ب) .
(5) في "النهاية": (2/261) : (الرَّكوة: إناء صغيرٌ من جِلْدٍ يشرب فيه الماء) ا. هـ
(6) "الكامل": (2/98- رقم: 316) .
(7) "سنن الدارقطنيِ": (1/127) .
(8) "الكامل": (2/98- رقم: 316) بتصرف.
(9) "الكامل": (5/196- رقم: 1351) من رواية أيوب بن إسحاق بن سافري [وفي مطبوعة الكامل: (أيوب بن سليمان بن سافري) ] .
(10) "التاريخ " برواية الدوري: (3/84- رقم: 353) .(1/138)
حاتم الرَازيَّ: لا يحتجُ به (1) .
ز: قال البيهقيُ في هذا الحديث: هذا باطلٌ لا أصل له، وعليُ بن زيدٍ: غير محتجٍّ به، وثابت بن حمَاد: متهمٌ بالوضع (2) .
وذكر شيخنا العلاَّمة أبو العبَاس: أن هذا الحديث كذبٌ عند أهل المعرفة بالحديث (3) .
وقال أبو الخطَاب في "الانتصار"- لمَا احتج عليه بهذا الحديث-: قلنا: هذا الخبر ذكر هبة الله الطبريَّ أنَّه يرويه ثابت بن حمَاد، وأن أهل النَّقل أجمعوا على ترك حديثه O.
*****
مسألة (24) : لا يجوز تخليل الخمر، وإن خللت لم تطهر.
وقال أبو حنيفة: يجوز وتطهر.
لنا حديثان:
__________
(1) "الجرح والتعديل": (6/187- رقم: 1021) وفيه: (ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به) .
(2) "سنن البيهقي": (1/14) .
(3) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة": (7/429- 430) : (وقد يصدِّق بعض هؤلاء- يريد من لم يكن له عناية بتميز صحيح الحديث من سقيمه- بما يكون كذبا عند أهل المعرفة، مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث....) .
وذكر جملة من الأحاديث منها هذا الحديث.
وانظر: "مجموع الفتاوى" لابن قاسم: (21/590، 594؛ 25/237) .(1/139)
137- الحديث الأوَل: قال الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن السُدي عن أبي هبيرة عن أنس بن مالك: أنَّ أبا طلحة سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أيتام وَرِثُوا خمراً؟ قال: "أهرقها ". قال: أفلا نجعلها خلاً؟ قال: " لا " (1) .
انفرد بإخراجه مسلم (2) ، واسم أبي هبيرة: [يحيى بن] (3) عبَّاد.
138- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنيُ: ثنا الحسن بن إسماعيل القاضي ثنا يعقوب الدَورقيُ ثنا المعتمر عن ليث عن يحيى بن عبَاد عن أنس قال: جاء أبو طلحة إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فقال: إني اشتريت لأيتام في حجري خمراً؟ فقال له النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (4) :
"اهرق الخمر، وكسِّر الأدنان (5) ". فأعاد ذلك عليه ثلاث مرَّات (6) .
139- طريق آخر: قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول ثنا جدي ثنا عبد الرَحمن بن مهدي عن سفيان عن السُدي عن يحيى بن عبَاد عن أنس أنَّ النَّبي' صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن الخمر: أتتخذ خلاً؟ قال: "لا" (7) .
140- الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا يحيى عن مُجالد قال: حدَثني أبو الوَدَّاك عن أبي سعيد قال: قلنا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا حُرِّمت الخمر: إنَّ عندنا خمراً ليتيم لنا؟ فأمرنا فأهرقناها (8) .
__________
(1) "المسند": (3/119) .
(2) "صحيح مسلم": (6/89) ؛ (فؤاد- 3/1573- رقم: 1983) .
(3) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(4) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(5) كذا بالأصل، وفي المراجع السابقة: (الدنان) ، والله أعلم.
(6) "سنن الدارقطني": (4/265) .
(7) المرجع السابق.
(8) "المسند": (3/26) .(1/140)
ز: رواه الترمذيُّ عن عليِّ بن خَشْرَم عن عيسى بن يونس عن مُجَالد، وقال: حسن (1) .
ومجالد ضعَّفه غير واحد، وقال أحمد: ليس بشيءِ (2) . وقال ابن معين: صالح (3) . وقال مرَّة: لا يحتجُ به (4) . وقال الدَارَقُطْنِيُ: ضعيف (5) O.
احتجوا بأحاديث:
141- قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مَخْلَد ثنا أحمد بن إسحاق بن يوسف ثنا محمَّد بن عيسى بن الطَبَّاع ثنا فرج بن فَضالة قال: حدَثني [يحيى] (6) بن سعيد عن عَمْرة عن أم سلمة أنَّها كانت لها شاة تحلبها، ففقدها النَّبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ما فعلت الشاة؟ " قالوا: ماتت. قال: "أفلا انتفعتم بأهابها". قلنا: إنَّها ميتة! فقال: "إنَّ دباغها يحل كما يحل خل الخمر" (7) .
__________
(1) "الجامع": (2/542- رقم: 1263) .
(2) "الضعفاء الصغير" للبخاري: (ص: 490- رقم: 368) ؛ "الجرح والتعديل": (8/361 - رقم: 1653) و"الكامل" (6/422- رقم: 1901) كلاهما من رواية أبي طالب وزاد: (يرفع حديثاً كثيراً لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس) ا. هـ
(3) "التاريخ " برواية الدارمي: (ص: 217- رقم: 811) وفيه: (صالح كأنَّه) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/60- رقم: 3142) .
(5) "الضعفاء" لابن الجوزي: (3/35- رقم: 2851) ، وقد ذكره الدارقطني في "الضعفاء والمتروكون ": (ص: 373- رقم: 532) وقال: (كوفيٌّ، ليس بقوي) ا. هـ وفي "السنن": (4/170) : (ليس بالقويٍّ) .
(6) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(7) في هامش الأصل: (قال في "التمهيد" [1/262] : قال ابن وهب: نا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن القاسم بن محمَّد عن أسلم مولى عمر عن عمر بن الخطَاب قال: لا تؤكل خمر أفسدت، ولا شيءٌ فيها، حتى يكون الله تولَى إفسادها.
وذكر عن يونس عن ابن شهاب قال: لا خير في خل من خمرٍ أفسدت حتَّى يكون الله أفسدها) ا. هـ وفي مطبوعة "التمهيد" اختلاف يسير.
والذي يبدو أن هذه الحاشية من تعليق الناسخ، والله أعلم.(1/141)
قال الدَارَقُطْنِي: تفرد به فرج بن فَضالة، وهو ضعيف (1) .
وكذلك قال فيه يحيى بن معين (2) ، وقال ابن حِبَان: يقلب الأسانيد، ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصَحيحة، لا يحلُ الاحتجاج به (3) .
وقد [ذكروا] (4) في "التَعليق " أحاديث لا أصل لها:
منها: "خير خلّكم خلُّ خمركم " (5) .
ومنها: "يطهر [الدباغ] (6) الجلد كما تخلَل الخمرة فتطهر".
وهذا لا يعرف.
*****
مسألة (25) : يحرم استعمال إناءٍ مفضَّضٍ إذا كان كثيراً، فإن كان يسيراً لحاجةٍ لم يكره.
وقال أبو حنيفة وداود: لا يكره ذلك يسيراً كان أو كثيراً.
وقال أصحاب الشَافعيّ: الكثير الذي لا يحتاج إليه حرام، فإن احتيج
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/49) .
(2) "الجرح والتعديل": (7/86- رقم: 483) من رواية ابن أبي خيثمة.
(3) "المجروحون": (2/206) .
(4) في الأصل: (ذكر) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(5) في هامش الأصل: (قلت: هذا رواه البيهقي في "السنن" مرفوعاً) ا. هـ
"سنن البيهقي": (6/38) ؛ "المعرفة": (4/434) .
(6) في الأصل: (بالدباغ) ، والمثبت من (ب) و"التحقق ".(1/142)
إليه كره.
لنا
142/أ- ما روى الدَّارَقُطْنيُ: ثنا عبد الله بن محمَّد بن إسحاق الفاكهيُّ ثنا أبو يحيى بن أبي مسرَّة (1) ثنا يحيى بن محمَّد الجَاريُّ ثنا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مُطيع عن أبيه عن عبد الله بن عمر أنَّ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من شرب في إناء فضَّةٍ أو ذهب (2) أو إناء فيه شيءٌ من ذلك فإنَّما يجرجر في بطنه نار جهنم" (3) .
ز: زكريا بن إبراهيم بن عبد الله [بن مطيع] (4) : غير معروفٍ.
ويحيى بن محمَّد الجَارِيَّ: وثَقه العجليُ (5) ، وقال البخاريُّ: يتكلمون
__________
(1) في مطبوعة "سنن الدارقطني" و"التحقيق": (ميسرة) خطأ.
وأبو يحيى بن أبي مسرة: هو عبد الله بن أحمد بن زكريا بن الحارث المكي.
انظر: "الجرح والتعديل": (5/6- رقم: 28) ، "الثقات" لابن حبان: (8/369) .
(2) في (ب) : (من شرب إناء ذهب أو فضة) ، وفي "التحقيق": (في إناء ذهب أو فضة) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/40) .
وفي هامش الأصل: (هـ: وحديث عمرة أنَّها قالت: كنَّا مع عائشة فما زلنا بها حتى رخصت لنا في الحلي، ولم ترخِّص لنا في الإناء المفضَض. قال عبد الوهاب: قال سعيد: حملناه على الحلقة ونحوها.
وهذا [] أن يكون صحيحا.
وحديث أم عِطيَة قالت: نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبس الذَّهب وتفضيض الأقداح فكلَمه النساء في لبس الذهب، فأبى علينا، ورخَّص لنا في تفضيض الأقداح) ا. هـ ومكان المعقوفتين كلمة لم تظهر في التصوير.
وهذا الهامش- فيما يبدو- من كلام الناسخ، والله أعلم.
(4) زيادة من (ب) .
(5) "معرفة الثقات" للعجلي: (ترتيبه 2/357- رقم: 1995) .(1/143)
فيه (1) . وذكره ابن حِبَان في كتاب "الثقات" وقال: يغرب (2) . وقال ابن عَدِي: ليس بحديثه بأسٌ (3) .
وقال أبو عوانة الإسفرايينيُّ: ثنا عبَّاس الدُوريَّ ثنا يحيى الزَّمَّيُ ثنا يحيى بن محمَّد الجاريَّ بساحل المدينة، ثقةٌ (4) .
وقال ابن القطَان: حديث ابن عمر لا يصحُ، وزكريا هو وأبوه لا يعرف لهما حالٌ (5) .
وقال شيخنا أبو العبَاس في "الفتاوى": إسناده ضعيف (6) .
وقد دلَّ على جواز التَضبيب بيسير الفضَّة للحاجة:
142/ب- ما روى أنس أن قدح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انكسر فاتَخذ مكان [الشَعب] سِلْسِلَةَ من فِضَة.
أخرجه البخاريَّ هكذا (7) ، ثم رواه عن عاصم قال: رأيت قدح النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضَة (81) .
قيل: الذي (9) سلسله أنس بن مالك.
__________
(1) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (4/428- رقم: 2057) من رواية آدم بن موسى؛ "الكامل" لابن عدي: (7/226- رقم: 2123) من رواية الدولابي.
(2) "الثقات": (9/259- 260) .
(3) "الكامل": (7/226- رقم: 2123) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (31/523- رقم: 6913) .
(5) "بيان الوهم والإيهام ": (4/607- 608- رقم: 2152) .
(6) "مجموع الفتاوى" لابن قاسم: (21/85) .
(7) "صحيح البخاري": (4/103) ؛ (فتح- 6/245- رقم: 3109) .
(8) "صحيح البخاري": (7/149) ؛ (فتح- 10/99- رقم: 5638) .
(9) في (ب) : (إنَّ الذي) .(1/144)
وفي رواية الإمام أحمد: رأيت عند أنس بن مالك قدح النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه ضبةٌ من فِضَة (1) O.
*****
مسألة (26) : فأمَا الذَّهب فلا يجوز منه شيء.
وعند الخصم: يجوز المسمار من ذهب في الخاتم.
احتجَ أصحابنا:
143- بما روى أحمد: ثنا محمَّد بن عُبيد ثنا داود الأَوْديَّ عن شَهْر (2) عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يصلح من الذهب شيء ولا خَربَصِيصة" (3) .
الخَرْبَصِيصة: الشيء الحقير من الحلي (4) .
وداود وشهر: ضعيفان، قال أحمد: داود ضعيف (5) . وقال يحيى: حديثه ليس بشيءٍ (6) .
__________
(1) "المسند": (3/139، 155، 259) .
(2) في (ب) : (شمير) خطأ.
(3) "المسند": (6/453) .
(4) في "النهاية": (2/19) : (هي الهنَة التي تُتَراءى في الرَمل لها بصيصٌ كأنها عين جرادة) ا. هـ
(5) "العلل" برواية عبد الله: (1/534- رقم: 1262) ؛ و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/427- رقم: 1943) من رواية صالح؛ وفيهما: (ضعيف الحديث) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (4/28- رقم: 2971) .(1/145)
وقال ابن عَدِي: شهر لا يحتجُ [بحديثه] (1) . وقال ابن حِبَّان: كان يروي عن الثقات المعضلات، عادل عبَاد بن منصور في الحج فسرق عيبته (2) فهو الذي يقول فيه القائل:
لقد باع شَهْرٌ دينَه بخَرِيْطةِ (3) ... فمن يأمن القرَّاء بعدك ياشَهْرُ (4)
ز: هذا الذي حكاه ابن حِبَّان عن شَهْرِ (أنَّه عادل عبَّاد بن منصور فسرق عيبته) بعيد مخالفٌ لما حكاه غيره، قال يحيى بن أبي بكير الكرمانيُّ عن أبيه قال: كان شهر بن حوشب في بيت المال، فأخذ خَرِيْطةً فيها دراهم، فقال القائل:
لقد باع شَهْرٌ دينَه بخَرِيطَةٍ.... البيت (5) .
وقال محمَّد بن جرير الطبريُّ: قال عليُّ بن محمَّد: قال أبو بكر الباهليُّ: كان شَهْرُ بنُ حَوْشَبِ على خزائن يزيد بن المهلَّب، فرفعوا عليه أنَه أخذ خَرِيْطَةً، فسأله يزيدُ عنها، فأتاه بها، فدعا يزيد الذي رفع عليه فشتمه، وقال لشَهْرِ: هي لك. قال: لا حاجة لي فيها. فقال القُطَامِيُّ الكَلْبِيُّ- ويقال: سنان بن مكبل النميري-:
لقد باع شَهْرٌ دينَه بخَرِيْطةٍ ... فمن يأمَنُ القُرَّاء بعدك يا شَهْرُ
__________
(1) في الأصل: (به) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"الكامل": (4/40- رقم: 898) وما يأتي (1/203) .
(2) في "القاموس": (152) : (العيبة: زَبِيلٌ من أَدَم، وما يجعل فيه الثياب) ا. هـ
(3) في "القاموس": (858) : (الخريطة: وعاءٌ من أدَم وغيره، يشرجَ على ما فيه) ا. هـ
(4) "المجروحون" (1/361) .
(5) "المعرفة والتاريخ " للفسوي: (2/98) من رواية الدوري؛ "العلل" لعبد الله بن أحمد: (3/ 26- رقم: 3997) من رواية أبي خيثمة؛ "الكامل" لابن عدي: (4/38- رقم: 898) من رواية الفلاس، ثلاثتهم عن يحيى بن أبي بكير به.(1/146)
أَخَذْتَ بها شيئاً طفيفاً وبعتَه ... من ابن جرير إن هذا هو الغدر (1)
وقد وثَّق شهراً: أحمد بن حنبل (2) ويحى بن معين (3) وأحمد بن عبد الله العجليُ (4) ويعقوب بن شيبة السَدوسيُ (5) وغيرهم، وتكلَّم فيه جماعة.
وداود: هو ابنُ يزيد الأَوْدِيَّ، وهو عمُ عبد الله بن إدريس، ضعَّفه غير واحد، وحسَّن ابنُ عَدي أمره، وقال: لم أر له حديثاً منكراً جاوز الحدَّ إذا روى عنه ثقةٌ، وإن كان ليس بقويٍّ في الحديث فإنَه يكتب حديثه، ويقبل إذا روى عنه ثقةٌ (6) O.
*****
(1) "تاريخ الأمم والملوك ": (4/52- سنة: 98) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/383- رقم: 1668) من رواية حرب بن إسماعيل.
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/383- رقم: 1668) من رواية ابن أبي خيثمة.
(4) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 1/461- رقم: 741) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/585- رقم: 2781) .
(6) "الكامل": (3/81- رقم: 623) .(1/147)
مسائل الاستنجاء
مسألة (27) : لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها [للحاجة] (1) في الصَحراء، وهل يجوز في البنيان؟ على روايتين، أصحُهما الجواز.
وقال [أبو حنيفة] (2) : لا يجوز بحالٍ.
وقال داود: يجوز بكل حالِ.
[احتجَّ] (3) أبو حنيفة: بمطلق النهي.
144- قال أحمد: ثنا سفيان عنِ الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي قال: سمعت أبا أيُّوب يخبر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: "لا تستقبلوا القبلة بغائطٍ ولا بول، ولكن شرقوا أو غرِّبوا " (4) .
أخرجاه في "الصحيحين" (5) .
145- وقال مسلم: ثنا أحمد بن الحسن بن خِرَاشِ ثنا عمر بن عبد الوهاب ثنا يزيد بن زُرَيْع ثنا رَوْح عن [سُهيل] (6) عن القَعْقَاع عن أبي
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق".
(2) في الأصل: (أصحاب أبي حنيفة) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(3) في الأصل: (وقال) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(4) "المسند": (5/421) .
(5) "صحيح البخاري": (1/48، 109) ؛ (فتح- 1/245، 498- رقمي: 144، 394) "صحيح مسلم": (1/154) ؛ (فؤاد- 1/224- رقم: 264) .
(6) في الأصل: (سهل) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"صحيح مسلم".(1/148)
صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".
انفرد بإخراجه مسلم (1) .
ونحن والشَافعيُ نحمل هذا على الصَحاري دون البنيان، بدليل: 146- ما روى التِرمذيَّ: ثنا هنَاد ثنا عَبدَةُ عن عبيد الله بن عمر عن محمَّد بن يحيى بن حَبَّان عن [عمه] (2) واسع بن حَبَان عن ابن عمر قال: رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حاجته مستقبل الشَّام، مستدبر الكعبة (3) .
أخرجه مسلم (4) .
وقد روى نحو هذا: أبو قتادة وعمَّار، وليس هذا بنسخٍ للأوَل، إنَّما هذا في البنيان.
ز: حديث ابن عمر: رواه البخاريَّ أيضاً، ولفظه: قال: ارتقيت يوماً على بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشَام (5) .
وفي الباب أحاديث كثيرة من الطَّرفين، منها:
__________
(1) "صحيح مسلم: (1/154- 155) ؛ (فؤاد- 1/224- رقم: 265) .
(2) في الأصل: (عمر بن) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"الجامع".
(3) "الجامع": (1/60- رقم: 11) .
(4) "صحيح مسلم": (1/155) ؛ (فؤاد- 1/224- رقم: 266) .
(5) "صحيح البخاري": (1/48- 49؛ 4/102) ؛ (فتح- 1/145، 250- رقمي: 145، 148، 149؛ 6/243- رقم: 3102) .(1/149)
147- عن سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه قال: قيل له: قد علَمكم نبيُّكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل شيءً حتَّى الخِرَأَة! قال: فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائطٍ أو بول، أو أن نستنجي باليمن، أو أن نستنجي بأقلَ من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيعٍ أو بعظمٍ.
رواه مسلم (1) ، وسيذكر بعدُ (2) .
148- وعن معقل بن أبي معقل الأسديِّ قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستقبل القبلة بغائطٍ أو بول.
رواه أحمد- واللفظ له (3) - وأبو داود (4) وابن ماجه (5) .
149- وعن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزُّبيديِّ رضي الله عنه قال: أنا أوَّل من سمع النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يبولنَّ أحدكم مستقبل القبلة ". وأنا أوَّل من حدَّث النَاس بذلك.
رواه أحمد (6) وابن ماجه (7) .
150- وعن جابر بن عبد الله قال: حدَّثني أبو سعيد الخدريُّ أنَّه يشهد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه نهى أن تستقبل القبلة بغائطٍ أو بول.
__________
(1) "صحيح مسلم": (1/154) ؛ (فؤاد- 1/223- رقم: 262) .
(2) برقم (161) .
(3) "المسند": (4/210؛ 6/406) وفيه: (أن نستقبل القبلتين) .
(4) "سنن أبي داود": (1/154- رقم: 10) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/116- رقم: 319) .
(6) "المسند": (4/190، 191) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/115- رقم: 317) .(1/150)
رواه ابن ماجه من رواية ابن لَهيعَة (1) .
151- وعن جابر بن عبد الله قال: نهى نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تستقبل القبلة ببولٍ، فرأيته قبل أن يقبض بعامٍ يستقبلها.
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4) والتَرمذيُّ وقال: حديث حسنٌ غريب (5) .
وهو من رواية محمَّد بن إسحاق، وقال البخاريُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (6) .
وروى الحاكم وقال: هو على شرط مسلم (7) .
وليس كما قال، وتكلم فيه ابن عبد البّر في كتاب "الاستذكار" (8) .
قال التِّرمذيَّ: وقد روى هذا الحديث ابن لَهيعة عن أبي الزُّبير عن جابر عن أبي قتادة أنَّه رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبول مستقبل القبلة.
أنا بذلك قتيبة ثنا ابن لَهِيعَة.
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/116- رقم: 320) .
(2) "المسند": (3/360) .
(3) "سنن أبي داود": (1/155- رقم: 13) .
(4) "سنن ابن ماجه": (11/17- رقم: 325) .
(5) "الجامع": (1/59- رقم: 9) .
(6) نقله البيهقي في "الخلافيات": (2/68- رقم: 349) عن أبي عيسى الترمذي عنه، والظاهر أنه من "العلل الكبير" ولكنه سقط من المطبوع: (ص: 23- رقم: 5) ، وقد جزم نسبته إلى "العلل" عبد الحق في "أحكامه الوسطى": (1/129) . والله أعلم.
(7) "المستدرك": (1/154) .
(8) "الاستذكار": (2/433- رقم: 223) كتاب القبلة، باب الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط.
وانظر: "التمهيد": (1/312) .(1/151)
وحديث جابر عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحُ من حديث ابن لهيعة، وابنُ لهيعَة ضعيف عند أهل الحديث، ضعَّفه يحيى بن سعيد القطَان وغيره (1) .
152- وعن عِرَاك عن عائشة قالت: ذكر لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ناساً يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم، فقال: "أوقد فعلوا؟! حوِّلوا مقعدتي قبل القبلة".
رواه أحمد- وهذا لفظه (2) - وابن ماجه (3) .
وقال أحمد: أحسن ما روي في الرُخصة حديث عِرَاك- وإن كان مرسلاً- فإن مخرجَه حسنٌ (4) .
سماَّه مرسلاً لأنَّ عِرَاكاً لم يسمع من عائشة.
وقد روى أحمد (5) والدَارَقُطنيُ (6) في بعض طرق هذا الحديث أن عراكاً قال: (حدَثتني عائشة) . وهو يدلُ على سماعه منها، [قال بعضهم:] (7) ويقوِّي ذلك أنَّ مسلماً أخرج في "صحيحه": (.... حدَثنا (8) عِرَاك عن
__________
(1) "الجامع": (1/60- رقم: 10) .
(2) "المسند": (6/227) ، وانظر: (6/137، 184، 219، 239) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/117- رقم: 324) .
(4) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر: (1/309) ؛ "الإمام " لابن دقيق: (2/522) .
وقال الحافظ ابن رجب في "شرح العلل ": (1/312) : (ويعني بإرساله أن عراكاً لم يسمع من عائشة، وقال: "إنَّما يروى عن عروة عن عائشة". فلعله حسَّنه لأن عراكَا قد عرف أنه يروي حديث عائشة عن عروة عنها ... إلخ) ا. هـ
(5) "المسند": (6/184) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/59- 60) .
(7) زيادة من (ب) .
(8) كذا بالنسختين.(1/152)
عائشة) (1) . والمراسيل والمنقطعات ليست من شرط الصَحيح.
وقد سأل عبد الرَحمن بن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال: لم أزل أقفوا أثر هذا الحديث حتَى كتبت بمصر: عن إسحاق بن بكر بن مضر- أو غيره- عن بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عِرَاك بن مالك عن عُروة عن عائشة موقوف. وهذا أشبه (2) .
153- وعن مروان الأصفر قال: رأيتُ ابنَ عمر أناخَ راحلته مستقبل القبلة، ثُمَّ جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرَحمن، أليس قد نُهي عن هذا؟
قال: بلى، إنَّما نُهي عن ذلك في الفَضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيءٌ يستُرك فلا بأس.
رواه أبو داود (3) والدَارَقُطْنيُ (4) والحاكم وقال: هو على شرط البخاري (5) .
وفي إسناده الحسن بنُ ذَكْوان، وقد تكلَم فيه غير واحدٍ، وروى له البخاريَّ، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "صحيح مسلم": (8/38) ؛ (فؤاد- 4/2027- رقم: 2630) .
(2) "العلل": (1/29- رقم: 50) .
(3) "سنن أبي داود": (1/154- رقم: 11) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/58) وقال عقبة: (هذا صحيحٌ، كلُهم ثقات) .
(5) "المستدرك": (1/154) .(1/153)
مسألة (28) : الاستنجاء واجبٌ بالماء أو بالأحجار.
وقال أبو حنيفة: مستحبٌ.
واختلف أصحاب مالك في إزالة النجاسة في الجملة من السَّبيلين وغيرها، فمنهم من قال: سنة (1) .
154- قال الإمام أحمد: ثنا سُرَيج (2) - هو ابن [النعمان] (3) -.
وقال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو محمَّد بن صاعد والحسين بن إسماعيل قالا: ثنا يعقوب بن إبراهيم.
قالا: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدَثني أبي عن مسلم بن قُرْط عن عروة عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ذهب أحدكم لحاجته فليستطب بثلاثة أحجار، فإنَّها تجزئه" (4) .
155- قال الدَارَقُطْنِيُ: وثنا عبد الباقي بن قانع ثنا أحمد بن الحسن المُضَريَّ ثنا أبو عاصم ثنا زَمْعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أعوادٍ، أو ثلاثة أحجار، أو ثلاث حثيات من تراب".
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: القول بوجوب الاستنجاء قول أكثر أهل العلم، وحكي عن ابن سيرين في من صلَّى بقوم ولم يستنج: لا أعلم به بأساً. وهذا يحتمل أن يكون فيمن لم يلزمه الاستنجاء، كمن توضأ من نوم أو خروج ريح؛ ويحتمل أنَه لم ير وجوب الاستنجاء، وهو مذهب أبي حنيفة) ا. هـ انظر: "المغني" لابن قدامة: (1/206) .
(2) في النسختين: (شريح) ، والتصويب من "التحقيق" و"المسند".
(3) في النسختين: (السمان) ، والتصويب من (ظ) وكتب الرجال.
(4) "المسند": (6/108) .
"سنن الدارقطني": (1/54- 55) .(1/154)
قال الدَارَقُطْنيُّ: أمَّا الحديث الأوَل فإسناده صحيحٌ: وأمَّا هذا فلم يسنده غير المُضَريِّ وهو كذَّاب، وغيره يرويه عن طاوس مرسلاً- ليس فيه ابن عبَّاس-، ورواه ابن عيينة عن سلمة عن طاوس قوله (1) .
ز: روى الحديث الأوَل: أبو داود (2) والنَسائيُ (3) ، والله أعلم O.
قال المؤلِّف: وندلُ على مالك:
156- بما روى أحمد: ثنا وكيع ثنا الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين، فقال: "إنَّهما ليعذَّبان وما يعذَّبان في كبير، أمَّا أحدهما فكان لا يستبري من بوله، وأمَّا الآخر فكان يمشي بالنَّميمة" (4) .
أخرجاه في "الصحيحين" (5) .
ز: 157- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أكثر
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/57) بتصرف واختصار.
(2) "سنن أبي داود": (1/167- رقم: 41) .
(3) "سنن النسائي": (1/41- 42- رقم: 44) .
ووقع في نسخة (ظ) زيادة وهي: (وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في "العلل"، ثم قال: وحديث أبي حازم عن مسلم بن قرط عن عروة عن عائشة متصل صحيح ... انتهى كلامه) ا. هـ
ومحل النقط كلمتان لم نتمكن من قراءتهما، وهذه الزيادة مهمة ولكنها غير موجودة في الأصل و (ب) فنخشى أن تكون حاشية ألحقت بالأصل في نسخة (ظ) ، لذا أثبتت في الحاشية، والله أعلم.
(4) "المسند" (1/225) .
(5) "صحيح البخاري": (1/64، 65؛ 2/339- 340، 344؛ 8/242، 243) ؛ (فتح - 1/317، 322- رقمي: 216، 218؛ 3/223، 242- رقمي: 1361، 1378؛ 10/469، 472- رقمي: 6052، 6055) .
"صحيح مسلم": (1/166) : (فؤاد- 1/240- رقم: 292) .(1/155)
عذاب القبر من البول ".
رواه الإمام أحمد (1) وابن ماجه (2) والحاكم وقال: على شرطهما، ولا أعلم له علَةً (3) .
وقال الإمام أحمد في البول (4) : وقد روي موقوفاً.
ويشبه أن يكون أصحُّ. قاله الدَارَقُطنِيُ (5) .
158- وعن ابن عبَّاس رفعه إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "عامَّة عذاب القبر من البول، فتنزَّهوا من البول".
رواه الطَبرانيُ (6) والحاكم (7) والدَارَقُطْنِيُ وقال: إسناده لا بأس به (8) .
159- وعن أنس عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تنزَّهوا من البول، فإنَّ عامَّة عذاب القبر منه ".
__________
(1) "المسند": (2/326، 388، 389) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/125- رقم: 348) .
(3) "المستدرك": (1/183) .
(4) كذا بالأصل و (ب) ، ولم نقف على قول الإمام أحمد.
(5) "العلل": (8/208- رقم: 1518) .
ويحتمل هذا السياق أن ترجيح الوقف من كلام الإمام أحمد، وأن الدارقطني نقل ذلك عنه، وإنما استظهرنا ما أُثبت لأنا وقفنا على كلام الدارقطني في "العلل" كما هنا وليس فيه أنه من كلام أحمد، وأيضاً الحافظ ابن رجب رحمه الله لما ذكر هذا الحديث في "أهوال القبور": (ص: 88) لم ينقل ترجيح الإمام أحمد للوقف- مع عنايته بأقوال الإمام أحمد، وسعة اطلاعه عيها-، وإنما اقتصر على الإشارة إلى رواية الوقف، والله أعلم.
(6) "المعجم الكبير": (11/66- رقم: 11104) .
(7) "المستدرك": (1/183- 184) .
(8) "سنن الدارقطني": (1/128) .(1/156)
رواه الدَّارَقُطْنيُ من رواية أبي جعفر الرَازي (1) ، وهو متكلَم فيه، قال ابن المديني: ثقة وكان يخلِّط (2) . وقال أحمد: ليس بقوي (3) . وقال أبو زرعة: يهم كثيراً (4) .
وقال الدَارَقُطْنِيُّ: المحفوظ مرسلٌ O.
قال المؤلف: وقد استدلَ أصحابنا:
160- بما أنا به عبد الرَّحمن بن محمَّد القزَّاز أنا أحمد بن عليِّ بن ثابت أخبرني محمَّد بن جعفر بن علاَّن أنا أحمد بن جعفر (5) بن محمَّد الخلاَّل ثنا صالح
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/127) .
(2) كذا نقل الذَّهبي في الميزان: (3/320- رقم: 6595) ، وهو ملفَّق من روايتين، ففي سؤالات محمد بن عثمان ابن أبي شيبة لابن المديني: (ص: 122- رقم: 148) أنه قال عنه: (كان أبو جعفر الرازي عندنا ثقة) ا. هـ
وروى الخطيب في "تاريخ بغداد": (11/146- رقم: 5843) من رواية عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه أنه قال فيه: (هو نحو موسى عبيدة وهو يخلط فيما روى عن مغيرة ونحوه) ا. هـ
هكذا جاءت الروايتان في "تهذيب الكمال" للمزي: (33/195- رقم: 7284) .
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": (1/261) - بعد أن نقل الروايتين-: (محمد بن عثمان ابن أبي شيبة ضعيفٌ، فرواية عبد الله بن علي عن أبيه أول) ا. هـ
والذي يظهر- والله أعلم- أنه يمكن الجمع بين الروايتين بأن أبا جعفر من حيث الأصل ثقة، ولكن له أوهام وخاصة في روايته عن المغيرة بن مقسم، ونحوه فقد قال عنه ابن معين في "التاريخ" برواية الدوري: (4/358- رقم: 4772) : (ثقة، وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة) . وقال ابن حبان في "الثقات": (4/228) في ترجمة الربيع بن أنس: (والناس يتقون [من] حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه، لأن فيها اضطراب كثير) ا. هـ وقال ابن عدي في "الكامل": (5/255- رقم: 1400) : (ولأبي جعفر أحاديث صالحة مستقيمة يرويها، وقد روى عنه الناس، وأحاديثه عامتها مستقيمة، وأرجو أنه لا بأس به) ا. هـ وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": (صدوق، سيء الحفظ خصوصاً عن مغيرة) ا. هـ
(3) "العلل" برواية عبد الله: (3/133- رقم: 4578) وزاد: (في الحديث) .
(4) "سؤالات البرذعي لأبي زرعة": (2/443) وفيه: (شيخٌ يهم كثيراً) .
(5) (بن جعفر) سقطت من (ب) .(1/157)
ابن محمَّد بن نصر الترمذيُّ ثنا القاسم بن عبَاد الترمذيَّ ثنا صالح بن عبد الله الترمذيَّ عن أبي عامر عن نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدَّم مقدار الدرهم: يغسل وتعاد منه الصَّلاة " (1) .
وقد رواه روح بن غطيف بن أبي سفيان الثَقفيُ (2) عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَب عن أبي هريرة.
وهذا الحديث لا يحسن الاحتجاج به، قال (3) يحيى بن معين قال: نوح ابن أبي مريم ليس بشيءٍ ولا يكتب حديثه (4) . وقال الدَارَقُطْنِيُ: متروكٌ (5) .
وقال البخاريَّ: هذا الحديث باطلٌ، ورَوْح منكر الحديث (6) . وقال النَسائيُ: رَوْح (7) متروك الحديث (8) . وقال ابن حِبَان: يروي الموضوعات
__________
(1) "تاريخ بغداد": (9/330- رقم: 4866) .
(2) في مطبوعة "التحقيق": (1/125- رقم: 115) : (روح بن غطيف عن أبي سفيان الثقفي) خطأ.
وقد ترجم لروح: البخاري في "التاريخ الكبير": (3/308- رقم: 1047) وذكر في ترجمته هذا الحديث، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (3/495- رقم: 2245) أيضاً، وذكر روايته عن الزهري، لكنه خالف البخاري في نسبته فقال: (روح بن غطيف بن أعين الجزري) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق": (فإن) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (30/59- رقم: 6495) .
(5) "سنن الدارقطني": (2/12) ؛ "العلل": (9/221- رقم: 1730) .
(6) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/56- رقم: 491) من رواية آدم عنه. وعزى الحافظ ابن حجر في "اللسان": (2/576- رقم: 3406) هذه الكلمة إلى "التاريخ الكبير" ولم نرها في المطبوع.
وانظر: "التاريخ الكبير": (3/308- رقم: 1047) ؛ "التاريخ الأوسط ": (1/446) : "الضعفاء الصغير": (ص: 436- رقم: 118) .
(7) من قوله: (قال الدارقطني: متروك) إلى هنا سقط من مطبوعة "التحقيق".
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 99- رقم: 109) .(1/158)
على الثقات، لا يحل الاحتجاج به (1) .
قال ابن حِبَّان: وهذا حديث موضوع لا شك فيه، ما قاله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما هو اختراعٌ أحدثه أهل الكوفة في الإسلام (2) .
ز: قال سفيان بن عبد الملك: قال عبد الله- هو ابن المبارك-: قد رأيت رَوْح بن غطيف- صاحب "الدَّمَ قدر الدِّرهم ... " عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلست إليه مجلساً، فجعلت أستحيي من أصحابي أن يروني جالساً معه لكثرة ما في حديثه- يعني: المناكير- (3) .
وقال ابن عَدِيٍّ: أنا محمَّد بن مُنيرْ ثنا أحمد بن العبَّاس قال: قلت ليحيى ابن معين: تحفظ عن الزُّهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تعاد الصَلاة في مقدار الدرهم من الدمَ "؟ قال: لا والله. ثمَّ قال: مَنْ؟
قلت: ثنا مُحْرِز بن عون. قال: ثقة، عن مَنْ؟ قلت: عن القاسم بن مالك المزني. قال ثقة، عن مَنْ؟ قلت: عن روح بن غطيف. قال: ها. قلت: يا أبا زكريا، ما أرى أُتينا إلا من روح بن غطيف. قال: أجل.
قال ابن عَدِي: هذا لا يرويه عن الزهريِّ - فيما أعلمه - إلا رَوْح بن غطيف، وهو منكرٌ بهذا الإسناد (4) .
قال البيهقيُ: وفيما بلغني عن محمَّد بن يحيى الذُّهلِي أنَّه قال: أخاف أن
__________
(1) "المجروحون": (1/298) وفيه: (لا تحلُّ كتابة حديثه ولا الرواية عنه) بدلاً من قوله (لا يحل الاحتجاج به) .
(2) "المجروحون": (1/299) باختصار.
(3) "السنن الكبرى" للبيهقي: (2/404) ، وانظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/56- رقم: 491) .
(4) "الكامل": (3/138- رقم: 660) .(1/159)
يكون هذا موضوعاً، ورَوْح هذا مجهولٌ (1) .
وقد سُئل الدَارَقُطْنِيُ عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه: "تعاد الصَّلاة من قدر الدِّرهم ". فقال: يرويه رَوْح بن غطيف عن الزهري، واختلف فيه:
فقال القاسم بن مالك المزنيُ: عن روح بن غطيف عن الزهري.
وقال [أسد] (2) بن عمرو البجليُ: عن غطيف الطائفي عن الزهري - وهو رَوح بن غطيف كما قال القاسم بن مالك -.
ورَوح ضعيفٌ، ولا يعرف هذا عن الزهري (3) O.
*****
مسألة (29) : لا يجوز الاستنجاء بأقلَّ من ثلاثة أحجار.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجب العدد.
لنا حديثان:
الأوَل: حديث عائشة: "فليستطب بثلاثة أحجار ". وقد تقدَم (4) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/405) .
(2) في النسختين: (أنس) ، والتصويب من "العلل": 8/43- رقم: 1402) .
وانظر: "الجرح والتعديل": (2/337- رقم: 1279) .
(3) "العلل": (8/43- رقم: 1402) .
(4) برقم: (154) .(1/160)
161- الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا الأعمش عن إبراهيم
عن عبد الرَحمن بن يزيد عن سلمان قال: قال بعض المشركين- وهم يستهزئون-
لسلمان: إني أرى صاحبكم يعلِّمكم حتَّى الخِرَأَة! قال سلمان: أجل، أمرنا أن لا نستقبل القبلة، ولا نستنجي بأيماننا، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار، ليس فيها رجيعٌ ولا عظمٌ (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
ز: 162- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّما أنا لكم مثل الوالد ... - وفيه: وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الرَّوث والرِّمَة (3) - ".
رواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) والنَسائيُ (6) وابن ماجه (7) وأبو حاتم في "صحيحه" (8) .
163- وعن خُزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: سُئل النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الاستطابة، فقال: "بثلاثة أحجار ليس فيها رَجيعٌ ".
__________
(1) "المسند": (5/437) .
(2) "صحيح مسلم": (1/154) ؛ (فؤاد- 1/223- رقم: 262) .
(3) في "النهاية": (2/267) : (الرِّمَّة والرميم: العظم البالي، ويجوز أن تكون (الرَّمَّة) جمع الرَّميم) ا. هـ
(4) "المسند": (2/250) ، ونحوه: (2/247) .
(5) "سنن أبي داود": (1/153- رقم: 8) .
(6) "سنن النسائي": (1/38- رقم: 40) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/114- رقم: 313) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (4/279، 288- رقمي: 1431، 1440) .(1/161)
رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) وابن ماجه (3) .
164- وعن جابر أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " [إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً".
رواه أحمد (4) .
165- وعن سهل بن سعد أن النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال] (5) : " أولا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجراً للمسرَبَة (6) ؟ ".
رواه الدَارَقُطْنِيُ وقال: إسناده حسنٌ (7) .
وقد روى حديث سهل هذا: الطَّبرانيُ (8) والعقيليُ (9) عن عليِّ بن عبد العزيز عن عَتيق بن يعقوب الزبيري عن أُبيِّ بن عبَّاس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده.
وعَتيقٌ: روى عنه أبو زرعة الرَازيَّ، وقال: بلغني أن عَتيِق (10) حفظ "الموطأ" في حياة مالك (11) .
__________
(1) "المسند" (5/213،214،215) .
(2) "سنن أبي داود": (1/168- رقم: 42) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/114- رقم: 315) .
(4) "المسند": (3/400) .
(5) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، واستدرك من (ب) .
(6) في "النهاية": (2/357) : (المسربة- هي بفتح الراء وضمِّها-: مجرى الحدث من الدُبُر، وكأنَّها من السَّرْب: المسلك ".
(7) "سنن الدارقطني": (1/56) .
(8) "المعجم الكبير": (6/121- رقم: 5697) .
(9) "الضعفاء الكبير": (1/16- رقم: 1) .
(10) كذا.
(11) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/46- رقم: 261) .(1/162)
وأبيٌّ: من رجال الصَحيح (1) ، وقد تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة.
وقال العقيليُ- بعد أن رواه-: وروى الاستنجاء بثلاثة أحجار عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جماعة، منهم: أبو هريرة وسلمان وخُزيمة بن ثابت وعائشة والسَّائب بن خلاَّد الجهنيُ وأبو أيُّوب، لم يأت أحدٌ منهم بهذا اللفظ، ولأُبيٍّ أحاديث لا يتابع منها على شيءٍO.
احتجوا:
166- بما روى أحمد: ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عُبيدة عن عبد الله قال: خرج النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته فقال: "التمس لي ثلاثة أحجار". فأتيته بحجرين ورَوْثَة، فأخذ الحجرين وألقى الرَّوْثَة، وقال: "إنَّها ركسٌ" (2) .
قال الترمذيَّ: هذا حديث فيه اضطراب، وأبو عُبيدة لم يسمع من أبيه (3) .
قلت: ثمَّ لا حجَّة فيه، لأنَّه يجوز أن يكون أخذ حجراً ثالثاً مكان الرَّوْثَة.
ز: وقد روى البخاريَّ في "صحيحه" هذا الحديث من حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرَحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله (4) .
ورواه الإمام أحمد (5) والدَارَقُطْنِيُّ (6) ، وفي آخره: "ائتني بحجرٍ"،
__________
(1) "التعديل والتجريح " للباجي: (1/399- رقم: 111) .
(2) "المسند": (1/388) .
(3) "الجامع": (1/68- 69- رقم: 17) باختصار.
(4) "صحيح البخاري": (1/51) ؛ (فتح- 1/256- رقم: 156) .
(5) "المسند": (1/450) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/55) .(1/163)
وفي لفظ الدَارَقُطني: "ائتني بغيرها " (1) O.
*****
مسألة (30) : لا يجوز الاستنجاء بالرَّوث ولا بالعظم.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجزىء ويكره (2) .
لنا أربعة أحاديث:
أحدها: حديث سلمان (3) ، والثاني: حديث ابن مسعود (4) ، وقد تقدَّما.
167- الثَالث: قال الترمذيَّ: ثنا هنَاد ثنا حفص بن غياث عن داود ابن أبي هند عن الشَعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنَّه زاد إخوانكم من الجن" (5) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (6) .
168- الحديث الرَابع: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو محمَّد بن صاعد وأبو
__________
(1) المرجع السابق.
(2) في هامش الأصل: (حـ: لا يجوز الاستنجاء بالرَوث ولا العظام ولا يجزئ في قول أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعيُ والثوريُ وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: يجوز الاستنجاء بها.
وأباح مالك الاستجمار بالطَّاهر منهما) ا. هـ وانظر: "المغني": (1/215)
(3) رقم: (161) .
(4) رقم: (166) .
(5) "الجامع": (1/69- 70- رقم: 18) .
(6) "صحيح مسلم": (2/36) ؛ (فؤاد- 1/332- رقم: 450) مطولاً.(1/164)
سهل بن زياد قالا: أنا إبراهيم بن إسحاق الحربيُّ ثنا يعقوب بن كاسب ثنا سلمة بن رجاء عن الحسن بن فرات القزَّاز عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يُستنجى بروثِ أو بعظم وقال: "إنَهما لا يطهران ".
قال الدَارَقُطْنيُ: إسناده صحيحٌ (1) .
وقد روى نحوه: ابن عمر وجابر.
ز: سلمة بن رجاء: قال ابن معين: ليس بشيءٍ (2) . وقال أبو زرعة: صدوقٌ (3) . وقال النَسائيُ: ضعيفٌ (4) . وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأسٌ (5) . وقال ابن عَدِي: حدَّث بأحاديث لا يتابع عليها (6) . وذكره ابن حِبَان في "الثقات" (7) ، وروى له البخاريَّ في "الصَحيح " (8) .
ويعقوب بن كاسب: قيل: روى عنه البخاريَّ في "صحيحه" أيضاً ولم ينسبه (9) وقوَّاه (10) ، وقال يحيى (11) والنَسائيُ (12) : ليس بشيءٍ. ووثقه
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/56) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (3/338- رقم: 1632) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/160- رقم: 705) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 114- رقم: 242) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/160- رقم: 705) .
(6) "الكامل": (3/332- رقم: 784) .
(7) "الثقات": (8/286) .
(8) "التعديل والتجريح " للباجي: (3/1127- رقم: 1334) .
(9) "التعديل والتجريح " للباجي: (3/1248- رقم: 1533) .
(10) في "التاريخ الأوسط " برواية الخفاف: (2/263) : (قيل له- أي البخاري-: يعقوب ابن كاسب ما نقول فيه؟ قال: نحن لم نر إلاَّ خيراً، فيه بعض سهولة، وأمَّا في الأصل صدوق) ا. هـ
(11) "التاريخ" برواية الدوري: (3/173- رقم: 772) .
(12) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 237- رقم: 616) .(1/165)
يحيى مرَةً (1) ، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث (2) .
169- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اتبعت النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخرج لحاجته- فكان لا يلتفت، فدنوت منه فقال: "أبغني أحجاراً استنفض بها- أو نحوه-، ولا تأتني بعظم ولا روثٍ " فأتيته بأحجارٍ بطرف ثيابي، فوضعتها إلى جنبه وأعرضت عنه، فلما قضى أتبعه بهنَّ.
رواه البخاريَّ (3) .
170- وعن رُويفع بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر النَّاس أنَّه من عقد لحيته (4) ، أو
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (7/151- رقم: 2061) من رواية مضر [في المطبوع: "نصر" خطأ] بن محمَّد الأسدي عنه. وقال الذهبي في "الميزان": (4/450- رقم: 9810) :
(وشذَ مضر بن محمد الأسدي فروى عن يحيى بن معين: ثقة) ا. هـ
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/206- رقم: 861) .
(3) "صحيح البخاري": (1/50- 51؛ 5/315) ؛ (فتح- 1/355- رقم: 155؛ 7/ 171- رقم: 3860) .
(4) (فائدة) : قال ابن دقيق في "الإمام ": (2/561) : (قوله: "من عقد لحيته": قال صاحب "الدلائل في غريب الحديث " بعد ما روى الحديث عن موسى بن هارون: هكذا في الحديث (من عقد لحيته) وصوابه- والله أعلم-: (من عقد لحاء) من قولك: لحيت الشجر ولحوته: إذا قشرته.
وكانوا في الجاهلية يعقدون لحاء شجر الحرم، فيقلدونه من أعناقهم، فيأمنون بذلك، وهو قول الله عز وجل: (لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد) [المائدة: 2]-، فلما أظهر الله الإسلام، نهى عن ذلك من فعلهم.
وروى أسباط عن السدي- في قول الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام) [المائدة: 2]-: أما شعائر الله تعالى: فحرم الله؛ وأما الهدي والقلائد: فإن العرب كانوا يقلدون من لحاء الشجر- شجر مكة-، فيقيم الرجل بمكة، حتى إذا انقضت الأشهر الحرم وأراد أن يرجع إلى أهله قلَد نفسه وناقته من لحاء الشجر، فيأمن حتى يأتي أهله. =(1/166)
تقلَّد وتراً، أو استنجى برجيع دابة أو عظمٍ، فإنَّ محمََّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه بريء".
رواه أحمد (1) وأبو داود (2) والنسائيُ (3) .
171- وعن عبد الله بن مسعود قال: قدم وفد الجنِّ على النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا محمَّد، انْه أمَّتك أن يستنجوا بعظم أو روثةٍ أو حُمَمَةٍ (4) ، فإن الله جل وعزَّ (5) جعل لنا فيها رزقاً. قال: فنهى النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رواه أبو داود- واللَفظ له- (6) والدَارَقُطْنِيُّ من رواية إسماعيل بن عيَّاش (7) .
قال الإمام أحمد: ما روى عن الشَّامين فهو صحيحٌ، وما روى عن الحجازيين فليس بصحيحِ (8) .
وقال الدَارَقُطْنيُ: إسناده شاميٌ، ليس بثابتٍ.
172- وعن ابن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه ليلة الجنِّ ومعه عظمٌ حائلٌ (9) ، وبعرةٌ، وفحمةٌ، فقال: "لا تستنجينَّ بشىِءٍ من هذا إذا خرجت
__________
= وذكر صاحب "الدلائل " باقي الخبر، وما أشبه ما قاله بالصواب، لكن لم نره في رواية مما وقفنا عليه، والله عز وجل أعلم) ا. هـ وصاحب "الدلائل" هو السرقسطي.
(1) "المسند": (4/108، 109) .
(2) "سنن أبي داود": (1/165- رقم: 37) .
(3) "سنن النَسائي ": (8/135- رقم: 5067) .
(4) في "النهاية": (1/444) : (الحمُمَة: الفحمة، وجمعها حُمَم) .
(5) في (ب) : (عز وجل) وكذا في "سنن أبي داود".
(6) "سنن أبي داود": (1/167- رقم: 40) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/55- 56) .
(8) "الكامل" لابن عدي: (1/292- رقم: 127) من رواية أبي طالب عنه.
(9) في "النهاية": (1/463) : (أي: متغيرٌ، قد غيَّره البلى، وكل. متغيٍر حائلٌ، فإذا أتت عليه الَسَّنة فهو: مُحِيلٌ، كأنَّه مأخوذٌ من الحول: الَسَّنة) ا. هـ(1/167)
إلى الخلاء ".
رواه الإمام أحمد من رواية ابن لهيعة (1) .
173- وعن سهل بن حُنَيف رضي الله عنه أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه، وقال: "أنت رسولي إلى أهل مكَة، قل: إنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني يقرأ عليكم السَّلام، ويأمركم بثلاث: لا تحلفوا بغير الله، وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة- وفي رواية: الكعبة- ولا تستدبروها، ولا تستنجوا بعظمٍ ولا ببعرٍ".
رواه الإمام أحمد (2) O.
*****
__________
(1) "المسند": (1/457) .
(2) "المسند": (3/487) .(1/168)
مسائل الوضوء (1)
مسألة (31) : غسل اليدين عند القيام من نوم الليل واجبٌ.
وعنه: مستحبٌ، كقولهم (2) .
لنا:
174- ما أنا به محمَّد بن عبد الباقي البزَّاز ثنا أبو محمَّد الحسن بن عليٍّ الجوهريَّ أنا عمر بن محمَّد الزَّيَّات ثنا قاسم بن زكريا ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يدخل يده في الإناء حتَّى يغسلها ثلاث مرَّات، فإنَّه لا يدري أين باتت يده ".
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
وقد روى نحو هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابنُ عمر وجابرٌ
__________
(1) زيادة من "التحقيق".
(2) في هامش الأصل: (حـ: فصلٌ. اختلفت الرواية عن أحمد في غسل اليدين عند القيام من نوم الليل: فروي عنه وجوبه، وهو الظاهر عنه، واختيار أبي بكر، وهو مذهب ابن عمر وأبي هريرة والحسن؛ وعنه أنَّ ذلك مستحب، وهو اختيار الخرقي، وقول مالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر، وصحَّحه صاحب "المغني" وغيره من أصحابنا، والله أعلم) ا. هـ وانظر: "المغني": (1/140) ؛ "الشرح الكبير": (1/278- 279) .
(3) "صحيح مسلم": (1/160- 161) ؛ (فؤاد- 1/233- 234- رقم: 278) من طرق عن أبي هريرة، وقد ساق الإسناد الذي روى ابن الجوزي الحديث من طريقه وأحال به على ما قبله وهي رواية عبد الله بن شقيق، وليس فيها (من نوم الليل) .(1/169)
وعائشةُ.
ز: 175- وقد روى البخاريَّ من حديث أبي هريرة ولفظه: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وَضوءه، فإنَّ أحدكم لا يدري أين باتت يده" (1) .
وفي رواية: "إذا كان أحدكم نائماً ثم استيقظ فأراد الوضوء، فلا يضع يده في الإناء حتَّى يصبَّ على يده، فإنَّه لا يدري أين باتت".
ذكر مسلمٌ إسناده (2) O.
*****
مسألة (32) : النِّيَّه واجبة في طهارة الحدث.
وقال أبو حنيفة: لا تجب إلا في التَّيمُّم (3) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/52) ؛ (فتح- 1/263- رقم: 162) .
(2) "صحيح مسلم": (1/161) ؛ (فؤاد- 1/233- رقم: 278) من رواية ابن جريج عن زياد عن ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد عن أبي هريرة به.
وساق لفظه الإمام أحمد في "مسنده": (2/271) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: فضلٌ. النية شرطٌ لطهارة الأحداث كلها، روي ذلك عن عليٌّ، وبه قال ربيعة ومالكٌ والليث بن سعدِ والَشافعيُ وإسحاق وأبو عبيد وغيرهم.
وقال زُفَر والحسن بن صالح والأوزاعيُ- في رواية-: لا تشترط لشيء منها.
وقال أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي- في رواية أخرى عنه-: لا تشترط إلا للتَيمُم.
وحكى ابن الزَّاغوني وجها في المذهب أن النية لا تشترط لطهارة الحدث.
وقال ابن تميم: ولا تشترط لطهارة الخبث على الأصح، وفيه وجه: تشترط، وفيه ثالث: تشترط إن كانت على اليدين.
وحكى ذلك أيضاً صاحب "الرعاية" فيها. =(1/170)
لنا ثلاثة أحاديث:
176- الأوَل: قال البخاريُّ: ثنا محمَّد بن كثير عن سفيان ثنا يحيى بن سعيد عن محمَّد بن إبراهيم التَّيميَّ عن علقمة بن وقَّاص عن عمر بن الخطَّاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنَّما الأعمال بالنيات، ولكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (1) .
وأخرجه مسلم (2) .
177- الحديث الثَّاني: قال مسلم: حدَّثني إسحاق بن منصور ثنا حَبَّان ابن هلال ثنا أبان ثنا يحيى أنَّ زيداً حدَّثه أبا سَلاَّم حدَّثه عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان".
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) .
__________
= قال صاحب "النِّهاية": والنية تنقسم إل فرضٍ وكفايةٍ [كذا] ومسنون.
ففرض العين: النية لطهارة الحدث....
وفرض الكفاية: غسل الميِّت، وهل تشترط النية؟ فيه روايتان، أصحهما اعتبار النية.
ولو امتنعت المسلمة من غسل الحيض أجرى الزوج الماء على يديها..... وسقطت النية للعذر، كالممتنع من الزكاة.
وهل لها أن تصلي بهذا الغسل؟ الصحيح أنَّها لا تصلِّي به.
وأمَّا المسنون فغسل.... ونحوه) ا. هـ وموضع النقط كلمات لم نتمكن من قراءتها.
انظر: "الأوسط" لابن المنذر: (1/369) ؛ "المغني": (1/156) ؛ "المجموع": (1/313) ؛ "الإنصاف ": (1/306 وما بعدها) .
(1) "صحيح البخاري": (3/634- 635) ؛ (فتح- 5/160- رقم: 2529) .
(2) "صحيح مسلم": (6/48) ؛ (فؤاد- 3/1515- رقم: 1907) .
(3) "صحيح مسلم": (1/140) ؛ (فؤاد- 1/203- رقم: 223) .
وفي هامش الأصل: (قال البيهقيُ: إنَّما أخرجت هذا الحديث لوقوع الحاجة إليه عند استدلالنا بقوله تعال: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) . وإنكارهم ذلك=(1/171)
178- الحديث الثَالث: أنبأنا محمَّد بن عبد الملك بن خَيْرُوْن أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحَرَشِيُ ثنا أبو العبَاس الأصم ثنا أبو عتبة (1) أحمد بن الفرج ثنا بقيَة ثنا إسماعيل بن عبد الله عن إياس عن أنس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يقبل الله قولاً إلا بعمل، ولا يقبل قولاً وعملاً إلا بنيَّة، ولا يقبل قولاً وعملاً ونيَّة (2) إلا بإصابة السُّنَّة " (3) .
ز: هذا حديث منكرٌ، وإسناده مظلمٌ.
وأبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصيُ: ضعَّفه محمَّدُ بن عوف الطَائيُ (4) وابن جَوْصَا (5) ، وقال ابن عَدِي: هو وسط ليس ممن يحتجُ بحديثه أو يتديّن به، إلا أنَّه يكتب حديثه (6) .
وقال ابن أبي حاتم: كتبنا عنه ومحلُه عندنا محلُّ الصَّدق (7) .
وقوله في الإسناد: (عن إياس) خطأٌ، والصَّواب: (عن أبان) وهو ابن
__________
= وقولهم: أن الوضوء لبس من الدين.
وعن أبي هريرة مرفوعاً: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر الله عليه ". قال ربيعة: معناه: الذي يتوضأ ويغتسل ولا ينوي وضوءاً للصَلاة ولا غسلاً للجنابة) ا. هـ
والظاهر- والعلم عند الله- أن هذا من حواشي الناسخ. وانظر: "الخلافيات " للبيهقي: (1/292- رقم: 113) .
(1) في "التحقيق": (أبو عبيد) خطأ.
(2) في (ب) : (وفيه) وفي "الجامع" للخطيب: (بنيَّةٍ) .
(3) "الجامع لأخلاق الراوي " للخطيب: (1/491- رقم: 692) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (1/190- رقم: 29) ؛ "التاريخ " للخطيب: (4/340- رقم: 2168) .
(5) "تاريخ بغداد" للخطيب: (4/340- رقم: 2168) من رواية أبي أحمد الحاكم عن أبي الحسن أحمد بن عمير- وهو ابن جَوصَا-.
(6) "الكامل": (1/190- رقم: 29) .
(7) "الجرح والتعديل": (2/67- رقم: 124) .(1/172)
أبي عيَّاش، وهو متروكٌ.
وقد حسَّن هذا الحديث الحافظ أبو القاسم بن عساكر فوهم، فإنَّ هذا الحديث لا يصححُّ مرفوعاً، وإنَّما هو معروف من كلام الثَوريِّ (1) ، والله أعلم O.
احتجُّوا:
179- بما روى أحمد: ثنا يزيد ثنا سفيان الثَّوريَّ عن أيُّوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبرُي عن عبد الله بن رافع عن أمِّ سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشدُ ظَفْرَ رأسي، أفأنقضه عند الغُسل من الجنابة؟
فقال: "إنَّما يكفيك ثلاث حفناتٍ تصبينها على رأسك " (2) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (3) ، ولا حُجَّة في هذا لهم، لأنها إنَّما سألته عن كيفيَة الغسل.
*****
مسألة (33) : التَسمية في الوضوء واجبةٌ.
وعنه: أنَّها سنَةٌ، كقول أبي حنيفة والشَافعيِّ.
لنا خمسة أحاديث:
180- الحديث الأوَل: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أحمد بن موسى بن
__________
(1) انظر: "الحلية" لأبي نعيم: (7/32) .
(2) "المسند": (6/314- 315) ، وانظر: (6/289) .
(3) "صحيح مسلم": (1/178) ؛ (فؤاد- 1/259- رقم: 330) .(1/173)
العبَّاس بن مجاهد ثنا أحمد بن منصور ثنا أبو عامر (1) .
وقال أحمد: ثنا زيد بن الحباب.
وقال عبد بن حميد: ثنا عبد الملك (2) .
قالا (3) : ثنا كثير بن زيد قال: حدَثني رُبَيح بن عبد الرحمن [بن] (4) أبي سعيد عن أبيه عن جدِّه عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (5) .
181- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنيُ: ثنا أبو محمَّد بن صاعد ثنا سلمة بن شَبِيب ثنا ابن أبي فُدَيْك ثنا عبد الرَحمن بن حَرْمَلة عن أبي ثِفَال المُري قال: سمعت رَبَاح بن عبد الرَحمن بن أبي سفيان بن حُوَيْطب يقول: أخبرتني جدَتي عن أبيها أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (6) .
هذا الصَّحابي: سعيد بن زيدٍ.
182- طريق آخر: قال عبد الله بن أحمد: ثنا شيبان (7) ثنا يزيد بن
__________
(1) هو العقدي، عبد الملك بن عمرو البصري.
(2) هو أبو عامر العقدي.
(3) "التحقيق": (قالوا) خطأ، والقائلان هما: أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي وزيد بن الحباب، فشيخ أحمد بن منصور (أبو عامر) هو شيخ عبد بن حميد (عبد الملك) ، أحدهما سماَه والآخر كنَّاه.
(4) في الأصل و (ب) : (عن) ، والتصويب من "التحقيق" والمصادر الآتية.
(5) "سنن الدارقطني": (1/71) ؛ "المسند" لأحمد: (3/41) ؛ "المنتخب من مسند عبد": (2/76- رقم: 908) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/72- 73) .
(7) هكذا في الأصل و (ب) و"التحقيق" وهو الصواب، وفي مطبوعة "المسند": (حدثنا عبد الله =(1/174)
عياض عن أبي ثِفَال المُري قال: سمعت رَبَاح بن عبد الرَحمن بن حُوَيْطب يقول: سمعت جدَتي أنَّها سمعت أباها سعيد بن زيدٍ يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى" (1) .
183- طريق ثالث: قال الترمذيَّ: ثنا نصر بن علي وبِشْرُ بن معاذٍ قالا: ثنا بِشْرُ بن المُفضَلِ عن عبد الرَحمن بن حَرْمَلهَ عن أبي ثِفَالٍ المُريِ عن رَبَاحِ ابن عبد الرَّحمن عن جدَّته عن أبيها قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (2) .
184- الحديث الثَالث: قال أحمد: ثنا قتيبة ثنا محمَّد بن موسى المخزوميُ عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (3) .
185- طريق آخر: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا ابن صاعد ثنا محمود بن محمَّد الظَفَريَّ ثنا أيُّوب بن النَّجَار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما توضَّأ من لم يذكر اسم الله عليه، وما صلَّى من لم يتوضَّأ" (4) .
__________
= ثني أبي ثنا شيبان) ، وقوله: (ثني أبي) مقحمة، ويدل لذلك: 1- ما هنا. 2- أن شيبان لم يُذكر في شيوخ الإمام أحمد وإنما ذكر في شيوخ ابنه عبد الله. 3- أن الطبراني في كتاب "الدعاء": (ص: 137- رقم: 373) - ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال": (9/46- رقم: 1845) - روى هذا الحديث من طريق عبد الله بن أحمد عن شيبان بن فروخ. والله تعالى أعلم.
(1) "المسند"- من زيادات عبد الله-: (4/70) .
(2) "الجامع": (1/76- رقم: 25) .
(3) "المسند": (2/418) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/71) .(1/175)
186- طريق آخر: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مَخْلد ثنا أبو بكر محمَّد بن عبد الله (1) [الزهيريَّ] (2) ثنا مرداس بن محمَّد بن عبد الله بن أبي بردة ثنا محمَّد بن أبان عن أيُّوب [بن] (3) عائذ الطَّائيِّ عن مجاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من توضَأ وذكر اسم الله تطهَر جسده كلُه، ومن توضٌأ ولم يذكر اسم الله عز وجل لم يتطهر إلا موضع الوضوء" (4) .
وربَّما قال الخصم: فهذا حجَتنا، لأنَّه حكم بطهارة الأعضاء مع عدم التَسمية. قلنا: البدن جميعه محدثٌ، بدليل أنَّّه لا يجوز مسُ المصحف بصدره، ومع بقاء الحدث في بعض البدن لا تصحُ الصَلاة.
187- الحديث الرَّابع: قال الدَارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَاق ثنا محمَّد بن عبيد الله المناديَّ ثنا أبو بدر ثنا حارثة بن محمَّد عن عمرة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم إلى الوُضوء فيسمي الله عزَّ وجلَّ (5) .
188- الحديث الخامس- مقطوع-: أنبأنا عبد الوهَّاب بن المبارك الحافظ أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاويَّ (6) أنا أبو علي ابن شاذان أنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن علي- بن زيدٍ ثنا سعيد بن منصور ثنا عَتَاب ثنا خُصَيف قال: توضَّأ رجلٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمَّ، فقال: "اعد وضوءك ". ثم توضَّأ
__________
(1) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (ابن عبد الملك) خطأ، وهو على الصواب في "إتحاف المهرة ": (15/458 - رقم: 19738) .
(2) في النسختين: (الزهري) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني". وانظر "الأنساب" لابن السمعاني: (6/331) .
(3) في النسختين (عن) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(4) "سنن الدارقطني": (1/74) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/72) .
(6) كذا بالنسختين و"التحقيق" وفي ترجمته في "سير النبلاء": (19/144- رقم: 74) : (الباقلاني) ، والله أعلم.(1/176)
ولم يسمَّ، فقال: "اعد وضوءك "- ثلاث مرات- ثم توضَّأ وسمَّى، فقال: "الآن حين أصبت وضوءك".
هذه الأحاديث فيها مقالٌ قريبٌ:
فقي الحديث الأوَّل: كثير بن زيد، قال يحيى: ليس بذاك القويِّ (1) .
وقال أبو زرعة: هو لينٌ (2) .
قال أحمد والبخاريُّ: أحسن شيء في هذا الباب حديث كثير بن زيد (3) . وحديث قتيبة جيدٌ (4) .
وقد قالوا في رُبَيح: أنَّه ليس بالمعروف.
وقال أحمد: من أبو ثِفَال؟ (5) .
وقال الترمذيَّ: اسمه ثمامة بن حصين (6) .
ومن مذهب أحمد تقديم الحديث الضَعيف على القياس.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/151- رقم: 841) من رواية ابن أبي خيثمة.
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/151- رقم: 841) وفيه: (صدوقٌ فيه لين) .
(3) كلام الإمام أحمد سيأتي بنصه، وأما كلام البخاري فلم نقف عليه، وسيأتي عنه أنه قال: أحسن ما في الباب حديث رباح بن عبد الرحمن.
انظر: (ص: 180) ، و"البدر المنير" لابن الملقن: (3/234- 235) .
(4) الظاهر أن هذا الحكم من ابن الجوزي، وليس متصلاً بالكلام السابق، يؤيد ذلك أن ابن الملقن قال في "البدر المنير": (3/229) : (وأغرب أبو الفرج ابن الجوزي فقال في كتابه "التحقيق": هذا حديث جيِّدٌ) ا. هـ
(5) نقل هذا عنه شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في "شرح العمدة": (1/169) وذكر أنَه من رواية الحسن بن محمد- وهو السجستاني- عن أحمد. وانظر: "المغني": (1/145- 146) .
(6) "الجامع": (1/77- رقم: 25) .(1/177)
قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ليس في هذا حديثٌ يثبت، وأحسنها حديث كثير بن زيدٍ. وضعَّف حديث ابن حَرْمَلة (1) .
وقال: أنا لا آمر بالإعادة، وأرجو أنه يجزئه الوضوء، لأنَّه ليس في هذا حديث أحكم به (2) .
ز: وروى حديث رُبِيح بن عبد الرَحمن عن أبيه عن جده: ابن ماجه في "سننه" (3) .
وسئل إسحاق بن راهويه: أيَّ حديثٍ أصحُ في التَّسمية؟ فذكر حديث أبي سعيد (4) .
وقال أحمد: ربيح ليس بمعروفٍ (5) . وقال أبو حاتم الرَّازيَّ: روى عنه الدَّراوردي وكثير بن زيد والزُّبير بن عبد الله وفُلَيح بن سليمان (6) . وسئل أبو زرعة عنه فقال: شيخ (7) . وقال الترمذيَّ في كتاب "العلل": قال محمَّد - يعني البخاريَّ-: منكر الحديث (8) . وقال ابن عَدِي: أرجو أنَّه لا بأس
__________
(1) سيأتي نص رواية الأثرم في كلام المنقح.
(2) كلام الإمام أحمد بهذا السياق لم نقف عليه، ومعناه في: "مسائل أبي داود": (ص: 11- رقم: 31) ؛ "مسائل عبد الله ": (1/89- 91- رقمي: 100- 101) ؛ "مسائل صالح": (1/ 380- 381- رقمي: 357- 358؛ 2/130- 131- رقم: 696) ؛ "مسائل ابن هانئ": (1/3- رقم: 16- 18) : "تاريخ أبي زرعة الدمشقي": (1/631- 632- رقم: 1828) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/139- 140- رقم: 397) .
(4) "المنتقى" للمجد ابن تيمية: (مع النيل: 1/134) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (3/173- رقم: 682) من رواية أحمد بن حفص السعدي.
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/519- رقم: 2340) .
(7) المرجع السابق.
(8) "ترتيب علل الترمذي " لأبي طالب: (ص: 33- رقم: 18) .(1/178)
به (1) . وذكره ابن حِبَان في كتاب "الثقات" (2) .
وقال أحمد بن حفص السَعديَّ: سُئل أحمد بن حنبل- يعني وهو حاضرٌ- عن التَّسمية في الوضوء، فقال: لا أعلم فيه حديثاً يثبت، أقوى شيءٍ فيه حديث كثير بن زيدٍ عن رُبيح (3) .
وقال العقيليُ: ثنا إبراهيم بن عبد الوهَاب الأَبْزَارِيَّ ثنا أحمد بن محمَّد بن هانئ قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: التَسمية في الوضوء؟ فقال: أحسن شيءٍ فيه حديث رُبَيح بن عبد الرَّحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد الخدري. قلت: فحديث عبد الرَحمن بن حَرْمَلة؟ قال: لا يثبت.
قال العقيليُّ: والأسانيد في هذا الباب فيها لين (4) .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا وضوء لمن لم يسمِّ " (5) .
__________
(1) "الكامل": (3/174- رقم: 682) .
(2) "الثقات": (6/309) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (3/173- رقم: 682؛ 6/67- رقم: 1603) .
(4) "الضعفاء الكبير": (1/177- رقم: 222) .
(5) أول من نقل كلام ابن أبي شيبة- فيما وقفنا عليه- هو الإمام ابن تيمية في "شرح العمدة": (كتاب الطهارة- صـ: 170) نقلا عن أبي إسحاق الجوزجاني.
وللجوزجاني كتاب في عداد المفقودات اسمه "المترجم"، قال الإمام ابن تيمية- كما في "الفتاوى": (30/403) -: (و"مسائل إسماعيل بن سعيد [الشالنجي] " من أجل مسائل أحمد، وقد شرحها أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في كتابه "المترجم "، وكان خطيباً بجامع دمشق هنا، وله عن أحمد مسائل، وكان يقرأ كتب أحمد إليه على منبر جامع دمشق) ا. هـ
وفي ترجمة إسماعيل بن سعيد الشالنجي من "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى: (1/104- رقم: 113) : (ذكره أبو بكر الخلال، فقال: عنده مسائل كثيرة، ما أحسب أن أحداً من أصحاب أبي عبد الله روى عنه أحسن مما روى هذا، ولا أشبع، ولا أكثر مسائل منه.
وكان عالما بالرأي، كبير القدر عندهم معروفا، ولم أجد هذه المسائل عند أحد رواها عنه إلا =(1/179)
وحديث سعيد بن زيد: رواه ابن ماجه أيضاً (1) .
وقال الترمذيَّ: قال محمَّد بن إسماعيل: أحسن شيءِ في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرَحمن- يعني حديث سعيد بن زيد- (2) .
وقال الترمذيَّ: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسنادٌ جيدٌ (3) .
وقال البخاريَّ: في حديثه نظر- يعني أبا ثفال- (4) .
وقال ابن عبد البر: أبو بكر بن حويطب، يقال: اسمه رباح، ويقال: اسمه كنيته، روى عن جدَّته، يقال: حديثه مرسلٌ (5) .
وروى حديث يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة: أبو داود (6)
__________
= إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني) ا. هـ
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": (11/31- سنة: 259) تحت ترجمة الجوزجاني: (وله المصنفات المشهورة المفيدة، منها "المترجم " فيه علوم غزيرة وفوائد كثيرة) ا. هـ
وكتاب "المترجم " من الكتب النفيسة التي يتأسف على فقدها، فهو يذكر مذاهب أهل الحديث وأدلتهم ويناقش الأقوال ويرجح بينها، هذا ما ظهر لنا من خلال النقول عنه، فنسأل الله عز وجل أن يوفق للعثور عليه.
و"المترجم " من موارد ابن قدامة في "المغني"، وابن تيمية في "شرح العمدة" وغيره، وابن القيم في "الإعلام" وغيره، وابن رجب في "فتح الباري" وغيره.
(1) "سنن ابن ماجه": (1/140- رقم: 398) .
(2) "الجامع": (1/77- رقم: 25) ، و"ترتيب العلل الكبر" لأبي طالب:) ص: 31- 32 - رقم: 16) .
(3) المصدرين السابقين، وفي الثاني: (سمعت إسحاق بن منصور يقول: سمعت أحمد بن نجل ... فذكره) .
(4) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/177 رقم: 222) من رواية آدم بن موسى عنه.
(5) "الاستغناء": (1/436- 437 رقم: 438) باختصار، وفيه: (أبو بكر الحويبطيُ) .
(6) "سنن أبي داود": (1/195- 196- رقم: 102) .(1/180)
وابن ماجه (1) أيضاً، والحاكم وقال: هو حديث صحيح الإسناد (3) .
وقال البخاريَّ: ولا يعرف لسلمة سماعٌ من أبي هريرة، ولا ليعقوب من أبيه (3) .
ومحمود بن محمَّد الظفريَّ: قال الدَّارَقُطْنيُ: ليس بالقوي، فيه نظر (4) . وشيخه أيُّوب بن النَجَار: ثقةٌ، من رجال "الصحيحين" (5) .
وقال البيهقيُ في حديثه: لا يعرف من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة إلا من هذا الوجه، وكان أيُّوب بن النَجَار يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثَا واحداً- حديث: "التقى آدم وموسى ... "-. ذكره يحيى ابن معين فيما رواه عنه ابن أبي مريم، فكان حديثه هذا منقطعاً، والله أعلم (6) .
والحديث الرَابع: في إسناده: حارثة بن محمَّد، وقد ضعَّفوه.
189- وعن عبد المهيمن بن عبَّاس بن سهل بن سعد السَّاعدي عن أبيه عن جدِّه عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/140- رقم: 399) .
(2) "المستدرك": (1/146) .
(3) "التاريخ الكبير": (4/76- رقم: 2006) .
(4) هكذا وقع في "الميزان" للذهبي: (4/79- رقم: 8370) ، و"لسانه" لابن حجر: (6/5- رقم: 8243) ، و"البدر المنير" لابن الملقن: (3/230) .
ولا ندري هل كلمة (فيه نظر) من كلام الذهبي أم من كلام الدارقطني؟ ففي "تاريخ بغداد" للخطيب: (13/92- رقم: 7075) من رواية البرقاني عن الدارقطني أنه قال: "لم يكن بالقويِّ) فحسب، وكذا اقتصر الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار": (1/226) على قوله: (ليس بالقوي) ، والله أعلم.
(5) "التعديل والتجريح " للباجي: (1/388- رقم: 96) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/85- رقم: 87) .
(6) "سنن البيهقي": (1/44) .(1/181)
عليه، ولا صلاة لمن لا يصلي على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار".
رواه ابن ماجه (1) .
وعبد المهيمن: ضعَّفوه، وقال الدَارَقُطْنِيُ: عبد المهيمن ليس بالقويِّ (2) . وقال ابن حِبَان: لا يحتجُ به (3) . وقال البيهقيُ: ضعيفٌ، لا يحتجُ برواياته (4) .
وقد احتجَ بعضهم بأحاديث في الاستدلال بها نظرٌ، منها:
190- ما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نظر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضوءا فلم يجدوا، فقال النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ها هنا ماء؟ " فأُتي به، فرأيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع يده في الإناء الذي فيه الماء، ثُمَّ قال: "توضَّؤوا باسم الله" فرأيت الماء يفور من بين أصابعه.
رواه النَسائيُّ (5) والدَارَقُطْنِيُّ- وهذا لفظه- (6) .
ورواه الإمام أحمد (7) وابن خزيمة في "صحيحه" (8) ، وفيه (9) : والقوم يتوضَّؤون حتَى توضَّؤُوا من آخرهم. قال ثابت لأنس: كم تراهم كانوا؟
قال: نحوا من سبعين.
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/140- رقم: 400) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/355) .
(3) "المجروحين": (2/149) وفيه: (.... بطل الاحتجاج به) .
(4) "سنن البيهقي": (2/379) .
(5) "سنن النسائي": (1/61- رقم: 78) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/71) .
(7) "المسند": (3/165) .
(8) "صحيح ابن خزيمة": (1/74- رقم: 144) .
(9) أي الحديث، فهذه الزيادة عندهم جميعاً.(1/182)
190/أ- وقد روى الإمام أحمد من رواية الأسود بن قيس عن نُبيح العَنَزِيِّ أن جابر بن عبد الله قال: غزونا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن يومئذٍ بضعة عشر ومائتين، فحضرت الصَلاة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هل في القوم من ماء؟ " فجاء رجلٌ يسعى بإداوة فيه شيءٌ من ماءٍ، قال: فصبَّه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قدحٍ، فتوضَّأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأحسن الوضوء، ثُمَّ انصرف وترك القدح، فركب النَاس القدح: تمسَحوا، تمسَحوا (1) . فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "على رسلكم- حين سمعهم يقولون ذلك- "، قال: فوضع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفَّه في الماء والقدح، ثمَّ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بسم الله ". ثمَّ قال: "اسبغوا الوضؤء". فو الَّذي هو ابتلاني ببصري، لقد رأيت العيون- عيون الماء- يومئذٍ تخرج من بين أصابع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فما رفعها حتَى توضَّؤُوا أجمعون (2) .
نُبيح العَنَزِيَّ: قال عليُّ بن المدينيِّ: مجهولٌ (3) . وقال أبو زرعة:
كوفيٌ ثقةٌ، لم يرو عنه غير الأسود بن قيس (4) . وقد روى عنه أبو خالد الدَّالانيُ
__________
(1) في النسختين لم تنقط، وفي مطبوعة "المسند": (يمسحوا ويمسحوا) وفي الموضع الثاني كما أثبت، والله أعلم.
(2) "المسند": (3/292) ، وانظر: (3/357- 358) .
(3) ونقله أيضاً الحافظ ابن حجر في "التهذيب": (10/372- رقم: 751) فقال: (وذكره- أي: نُبَيْح- عليُ بن المدينيِّ في جملة المجهولين الذين يروي عنهم الأسود بن قيس) ا. هـ
وقد قال ابن المديني في "العلل": (ص: 92- رقم: 153) : (الأسود- يعني ابن قيس- روى عن عشرة مجهولين لا يعرفون) ا. هـ ولم يسم منهم أحداً.
وقال الحافظ ابن حجرِ في "التهذيب": (1/298- رقم: 622) - بعد أن نقل عبارة ابن المدينيَّ السَابقة-: (قلت: سمَى مسلمٌ منهم في "الوحدان" أربعة) ا. هـ
فظاهر هذا أنه لم يقف على تسمية ابن المديني للعشرة، فهل وقف عليها عندما وصل إلى ترجمة نبيح العنزي؟ الله أعلم.
ومن الأربعة الذين سماهم مسلم في "الوحدان": (ص: 180- رقم: 756) نبيح العنزيَّ، لكن مسلماً لم ينصَّ على جهالتهم، وإنما ذكر تفرُد الأسود بالرواية عنهم.
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/508- رقم: 2325) .(1/183)
أيضاً (1) ، ووثَقه أبو حاتم بن حِبَان (2) .
191- وقد روي من رواية سالم بن أبي الجعد قال: سمعت جابراً قال: أصابنا عطش فجَهَشنا (3) إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فوضع يده في تَوْرٍ من ماءٍ بين يديه، فجعل يثور من خلال أصابعه كأنَّها عيون! قال: "خذوا بسم الله " حتَّى وسِعنا وكفانا.
وقد روى البخاريَّ (4) ومسلم (5) من رواية سالم بن أبي الجَعْد عن جابر هذا الحديث بطرقه ولم يُذكر فيه التَسمية.
__________
(1) له حديث واحد عند أبي داود: (2/380- 381- رقم: 1679) من رواية علي بن الحسين عن أبي بدر شجاع بن الوليد قال: حدَّثنا أبو خالد- الذي كان ينزل في بني دالان- عن نبيح عن أبي سعيد مرفوعاً: "أيا مسلم كَسا مسلماً ثوباً على عري ... " الحديث.
وهذا الإسناد فيه نظرٌ لوجهين:
1- أن كبار الحفاظ قد نصوا على تفرد الأسود بن قيس بالرَّواية عن نبيح العنزي، وممَن نصَ على ذلك ابن المديني - فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر كما سبق-، ومسلم بن الحجاج- وقد سبق النقل عنه أيضاً-، والنسائيُ- كما في "السُنن الكبرى": (5/227- رقم: 2748) -، بالإضافة إلى أبي زرعة ونقل كلامه المنقح.
2- أن المعروف في هذا الحديث أنَه من رواية عطيَّة العوفي عن أبي سعيد، واختلف عليه في رفعه ووقفه.
انظر: "الجامع" للترمذي: (4/241- رقم: 2449) ، "المسند" للإمام أحمد: (3/13- 14) ، "العلل" لابن أبي حاتم: (2/171- رقم: 2007) .
(2) "الثقات": (5/484) .
(3) في "النهاية": (1/322) : (الجهَشُ: أن يفزع الإنسان إلى الإنسان ويلجأ إليه، وهو مع ذلك يريد البكاء، كما يفزع الصبي إلى أمِّه وأبيه) ا. هـ
وفي "المشارق ": (1/206) في ضبطها: (بفتح الجيم والهاء وآخره شين معجمة) ا. هـ
(4) "صحيح البخاري": (4/236؛ 5/412- 413؛ 7/150) ؛ (فتح- 6/672- رقم: 3576؛ 7/441- رقم: 4152؛ 10/101- رقم: 5639) .
(5) "صحيح مسلم": (6/26) ؛ (فؤاد- 3/1484- رقم: 1856) .(1/184)
192- وقد روى مسلم في "صحيحه" من رواية عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصَّامت عن جابر بن عبد الله حديثاً فيه طول، وفيه: "يا جابر، ناد بوَضوء " فقلت: ألا وَضوء؟ ألا وَضوء؟ ... وفيه: قال: "خذ يا جابر، فصبَّ عليَّ، وقل: بسم الله " فصببت عليه، وقلت: بسم الله. فرأيت الماء يتفوَّر من بين أصابع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره (1) O.
*****
مسألة (34) : المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين.
وقال أبو حنيفة: واجبان في الغسل، مسنونان في الوضوء.
وقال مالك والشَافعيُ: مسنونان فيهما.
لنا أربعة أحاديث:
193- الحديث الأوَل: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا الحسن بن علي بن مهران ثنا عصام بن يوسف ثنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بدَّ منه " (2) .
في هذا الحديث مقالٌ، لأَنَّه تفرَد به سليمان عن الزُّهري، وتفرَّد به عصام عن ابن المبارك.
__________
(1) "صحيح مسلم": (8/231- 236) ؛ (فؤاد- 4/2301- 2309- رقم: 3006) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/84) .(1/185)
قال البخاريَّ: عند سليمان مناكير (1) . قال عليُ بن المدينيِّ: سليمان مطعونٌ عليه (2) .
وقال الدَارَقُطْنِيُ: وهم فيه عصام، والصَواب عن ابن جريج عن سليمان بن موسى- مرسلاً- عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: وأحسبه اختلط عليه، واشتبه بإسناد ابن جريج: "أيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليِّها ... " (3)
ويمكن أن يقال: سليمان ثقة، وما عرفنا في عصام طعناً، والرَّاوي قد يرفع وقد يرسل.
194- الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن الفضل بن طاهر البَلْخِيُ ثنا أحمد بن حمدان العائذيُّ ثنا الحسين بن الجنيد الدَّامَغانيُ- وكان رجلاً صالحاً- ثنا عليُّ بن يونس عن إبراهيم بن طَهْماَن عن جابر عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم الوضوء إلا بهما" (4) .
قال الخصم: جابر هو: الجُعْفِيُ، وقد كذَّبه أيُّوب السَّختيانيُ (5)
__________
(1) "التاريخ الكبير": (4/32 رقم: 1888) ؛ "الضعفاء الصغير": (ص: 442 رقم:146) .
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/140- رقم: 632) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/84) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/100) .
(5) "العلل" لعبد الله بن أحمد: (2/459- رقم: 3032) ومن طريقه وطريق أحمدَ بن علي رواه العقيليُ في "الضعفاء الكبير": (1/192- رقم: 240) كلاهما من رواية إبراهيم بن زياد عن ابن علية عن سلام بن أبي مطيع عن أيوب.
وتابع ابنَ علية موسى بن إسماعيل عند ابن حبان في "المجروحون": (1/208) وابن عدي في "الكامل": (2/113- رقم: 326) وعبارته أصرح في التكذيب.(1/186)
وزائدة (1) .
قلنا: قد وثَّقه سفيان الثَوريَّ (2) وشعبة (3) ، وكفى بهما.
ز: جابر الجُعْفِيُ: ضعَّفه الجمهور، والمؤلف يحتجُ به في موضع إذا كان الحديث حجَّةَ له، ويضعفه في موضعٍ آخر إذا كان الحديث حجَةَ عليه (4) !
وقال الدَارَقُطْنِيُ- بعد أن روى الحديث-: جابرٌ ضعيف، وقد اختلف عنه، فأرسله أبو مُطيع الحكَم بن عبد الله عن إبراهيم بن طَهْماَن عن جابر عن عطاء، وهو أشبه بالصَواب (5) O.
195- الحديث الثَّالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا هُدْبَة ثنا حمَاد بن سلمة عن عماَّر ابن أبي عمَّار عن
__________
(1) "التاريخ لابن معين " برواية الدوري: (3/296- رقم: 1399) من طريق يحيى بن يعلى المحاربي عن زائدة، وهو من زوائد الدوري.
(2) لم نقف على نص من الثوري بتوثيقه، ولكن نُقل عنه كلام يفيد ذلك، هذا مع روايته عنه.
قال ابن عدي: (ولجابر حديث صالح وقد روى عنه الثوري الكثير.... وقد حدث عنه الثوري مقدار خمسين حديثاً) ا. هـ
وانظر: "التاريخ الكبير" للبخاري: (2/210- رقم: 2223) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/497- رقم: 2043) ؛ "الكامل" لابن عدي: (4/119- 120- رقم: 326) ؛ "المجروحون" لابن حبان: (1/209) ؛ "تهذيب الكمال" للمزي: (4/465- 471- رقم: 879) .
(3) في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/497- رقم: 2043) من رواية ابن علية عنه أنه قال: (جابر الجعفي صدوق في الحديث) ا. هـ
وقد روى عنه- وهو موصوف بأنه لا يروي إلا عن ثقة-، قال ابن عدي في "الكامل": (2/ 119- رقم: 326) : (ولجابر حديث صالح ... وشعبة أقل رواية عنه من الثوري) ا. هـ
ولكن انظر توجيه ابن حبان لرواية شعبة عنه في "المجروحون": (2/209) .
(4) انظر مثلاً ما يأتي (ص: 209) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/100) .(1/187)
أبي هريرة قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمضمضة والاستنشاق (1) .
قال الخصم: قد قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يسنده عن حمَّاد غير هُدْبة وداود بن المُحَبَّر، وغيرهما يرويه عن عمَّار عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يذكر أبا هريرة.
والجواب: أنَّ هُدْبة ثقة، أُخرج عنه في "الصَحيحين " (2) ، فإذا رفعه كان رفعه زيادة على قول من وقفه، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ ما حفظ الرافع.
ز: إذا روى بعض الثِّقات حديثاً فأرسله، ورواه بعضهم فأسنده، فقد اختلف أهل الحديث في ذلك:
فحكى الخطيب أن أكثر أصحاب الحديث يرون: أنَّ الحكم في هذا للمُرْسِل.
وعن بعضهم: أنَّ الحكم للأكثر.
وعن بعضهم: أن الحكم للأحفظ.
وصحَّح الخطيب أنَ الحكم لمن أسنده إذا كان عدلاً ضابطاً، وسواءً كان المخالف له واحداً أو جماعة (3) .
والصَّحيح أن ذلك يختلف: فتارةً يكون الحكم للمُرسِل، وتارة يكون للمُسْنِد، وتارة للأحفظ.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/116) .
(2) "التعديل والتجريح " للباجي: (3/1186- رقم: 1421) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/328- رقم: 1805) .
(3) "الكفاية في علم الرواية": (ص: 411) .(1/188)
ورواية من أرسل هذا الحديث أشبه بالصَواب، وقد صحَّح الدَارَقُطْنِيُ وغيره إرساله (1) ، والله أعلم O.
196- الحديث الرَابع: قال أحمد: ثنا عبد الرَزاق ثنا معمر عن همَّام عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا توضَّأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثمَّ لينتثر" (2) .
أخرجه مسلم (3) ، وقد روى نحوه: عثمان بن عفَّان وابن عبَّاس وسلمة بن قيس والمقدام بن معدي كرب ووائل بن حُجْر.
فإن قالوا: نحمله على الاستحباب بدليل ما روى أبو هريرة عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: "من توضَأ فليستنثر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج".
قلنا: ظاهر الأمر للوجوب، وليس احتجاجنا بقوله: "فلينتثر"، إنَما احتجاجنا بقوله: "فليستنشق من الماء ثم لينتثر ".
يقال: استنثر: إذا حرَّك النَثْرة- وهو طرف الأنف- لإخراج الفضلة.
وذلك لا يجب.
ز: 197- أخرج البخاريَّ ومسلمٌ في "صحيحيهما" عن أبي هريرة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثمَّ لينتثر" (4) .
198- وعنه أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر
__________
(1) "العلل": (8/335- 336- رقم: 1605) .
(2) "المسند": (2/316) .
(3) "صحيح مسلم": (1/146) ؛ (فؤاد- 1/212- رقم: 237) .
(4) "صحيح البخاري": (1/52) ؛ (فتح- 1/263- رقم: 162) .
"صحيح مسلم": (1/146) ؛ (فؤاد- 1/212- رقم: 237) .(1/189)
ثلاث مرَّات، فإنَ الشَيطان يبيت على خياشيمه".
أخرجاه في "الصَحيحين " (1) .
199- وعن لقيط بن صَبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء؟ قال: "اسبغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً".
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4) والنسائيُ (5) والتِّرمذيَّ وقال: حديث حسنٌ صحيح (6) . ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" (7) ، والحاكم وصحَّحه (8) .
وزاد أبو داود في بعض رواياته: "إذا توضَّأت فمضمض " (9) .
200- وعن علي رضي الله عنه أنَّه دعا بوَضوءٍ، فتمضمض. واستنشق ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثاً، ثمَّ قال: هذا طُهور نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رواه أحمد (10) والنَّسائي (11) والدَّارَقُطْنِيُ (12) O.
__________
(1) "صحيح البخاري": (4/155) ؛ (فتح- 6/391- رقم: 3295) .
"صحيح مسلم": (1/146- 147) ؛ (فؤاد- 1/212- 213- رقم: 238) .
(2) "المسند": (4/33) .
(3) "سنن أبي داود": (1/215- رقم: 143- 144؛ 3/152- رقم: 2358) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/153- رقم: 448) .
(5) "سنن النسائي": (1/66- رقم: 87؛ 79- رقم: 114) .
(6) "الجامع": (1/87- 88- رقم: 38؛ 2/146- رقم: 788) .
(7) "صحيح ابن خزيمة": (1/78- رقم: 150؛ 87- رقم: 168) .
(8) "المستدرك": (1/47- 48، 182) .
(9) "سنن أبي داود": (1/215- رقم: 145) .
(10) "المسند": (1/135) من رواية خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه به مطولاً.
(11) "سنن النسائي": (1/67- رقم: 91) ، واللفظ له.
(12) "سنن الدارقطني": (1/90) .(1/190)
قال المؤلِّف: وقد احتجَ أصحابنا بحديثِ يروى عن أبي هريرة عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة.
وهو حديثٌ موضوعٌ، لم يروه غير بركة بن محمَّد- وكان كذَّاباً-، وقد ذكرته في "الموضوعات " (1) ، فلم أر في ذكره هاهنا فائدة (2) .
ز: سُئل الدَارَقُطْنِيُ عن حديثِ يروى عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة ".
فقال: يرويه بركة بن محمَّد بن زيد الحلبيُ- وقيل: الأنصاريُ- عن يوسف بن أسباط عن الثَوري عن خالدِ الحذاء عن ابن سيربن عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تابعه سليمان بن الرَّبيع النَّهديَّ عن همَام بن مسلم عن الثَوري، وكلاهما متروكٌ، وهو وهمٌ.
والصَواب: ما رواه وكيع وغيره عن الثَّوريِّ عن خالد الحذَّاء عن ابن سيرين- مرسلاً-: أنَ النّبَيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنَّ في الاستنشاق في الجنابة ثلاثاً.
__________
(1) " الموضوعات": (2/81- 82) .
(2) في هامش الأصل: (قلت: رواه الدارقطني في "الأفراد" موصولاً من غير طريق بركة، فقال: ثنا عليُ بن محمَّد بن يحيى بن مهران السوَاق ثنا سليمان بن الربيع النهديَّ ثنا همَام بن مسلم ثنا سفيان الثوريَّ عن خالد الحذَّاء عن ابن سيربن عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "المضمضة والاستنشاق ثلاثاً للجنب فريضة ".
قال الدارقطني: كذا حدَّثنيه هذا الشيخ من أصله، وهو غريبٌ، تفرَد به سليمان بن الربيع عن همَّام.
وقد قال الدارقطني في سليمان بن الربيع: متروكٌ) ا. هـ
وانظر: "أطراف الغرائب " لابن طاهر: (5/257- رقم: 5347) .(1/191)
وبركة الحلبيُّ: متروكٌ (1) O.
احتجوا بحديثين:
أحدهما: حديث أمِّ سلمة: "إنَّما يكفيك ثلاث حثياتٍ ... ". ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقد سبق هذا الحديث (2) .
201- والثَّاني: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا الحسن بن العبَاس ثنا سويد بن سعيد ثنا القاسم بن غُصْن عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المضمضة والاستنشاق سنَّةٌ " (3) .
وهذا لا يصحُ، أمَّا إسماعيل بن مسلم: فقال يحيى: ليس بشيءٍ (4) .
وقال عليُ بن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (5) .
وأمَّا القاسم بن غُصْن: فقال ابن حِبَّان: يروي المناكير عن المشاهير،
__________
(1) "العلل": (8/104- 105- رقم: 1428) .
(2) برقم: (179) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/85، 101) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/82- رقم: 3237) ؛ وبرواية الدارمي: (ص: 67- رقم:121) .
(5) "العلل" برواية ابن البَراء: (ص: 64- رقم: 85) ، وذكر المحقق في الحاشية أنها كانت في الأصل: (لا أكتب حديثه) ، وأنه صححها إلى (لا يكتب) من "تهذيب الكمال"، لكن يؤكد صحَّة ما في الأصل أنه جاء موافقاً لما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/199- رقم: 669) .
وأمَا الحافظ المزي في "التهذيب": (3/202- رقم: 483) فإنه جمع بين روايتي ابن البرَّاء وأبو العباس القرشي واقتصر على لفظ الثاني (لا يكتب حديثه) ، وهو لفظ رواية أبي العباس كما في "الكامل" لابن عدي: (1/283- رقم: 120) .
ولا شك أن لفظ رواية أبي العباس أعم، وإنما أردنا بهذا التنبيه: على عدم التعجل في تغيير ما بالأصول الخطية، وإلى أن العلماء حالة النقل عن راويين قد يكتفون بلفظ أحدهما، كما فعل الحافظ المزي هنا، والله أعلم.(1/192)
ويقلب الأسانيد (1) .
وأمَا سُويْد: فقال النَّسائيُ: ليس بثقةٍ (2) .
ز: قال الدَارَقُطْنيُ- بعد أن روى هذا الحديث-: إسماعيل بن مسلم ضعيف، والقاسم بن غصن مثلُه، خالفه عليُ بن هاشم فرواه عن إسماعيل بن مسلم المكيِّ عن عطاء عن أبي هريرة، ولا يصحُ أيضاً.
202- ثمَّ رواه من رواية إسحاق بن كعب عن عليِّ بن هاشم عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا توضأ أحدكم فليمضمض وليستنشق" (3) .
203- وقال أبو يعلى الموصليُ في "مسنده": حدَثنا الحسن بن شَبِيْب المؤدِّب ثنا عليُ بن هاشم ثنا إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا توضَّأ أحدكم فليمضمض وليستنثر، والأذنان من الرَأس" (4) O.
*****
مسألة (35) : يجب إدخال المرفقين في غسل اليدين.
وقال زُفَر وابن داود (5) : لا يجب.
__________
(1) "المجروحون": (2/212- 213) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 118- رقم: 260) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/101) .
(4) "مسند أبي يعلى": (11/253- رقم: 6370) .
(5) في "التحقيق": (وداود) ، وما بالأصل و (ب) موافق لما في "المغني" لابن قدامة: (1/172) .(1/193)
لنا:
204- ما روى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول ثنا عبَّاد بن يعقوب ثنا القاسم بن محمَّد بن عبد الله بن عَقِيْل (1) عن جدِّه عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضَّأ أدار الماء على مرفقيه (2) .
إلا أن هذا الحديث ضعيف، قال أحمد: القاسم بن محمَّد ليس بشيءٍ (3) . وقال أبو حاتم: متروك الحديث (4) .
*****
مسألة (36) : يجب مسح جميع الرَأس.
وقال أبو حنيفة: مقدار الرُبع.
وقال الشَّافعيُّ: أقل ما يتناوله اسم المسح.
لنا:
205- ما روى الترمذيَّ: ثنا إسحاق بن موسى الأنصاريَّ ثنا معن ثنا مالك ثنا عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيدٍ أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح
__________
(1) في هامش الأصل: "القاسم بن محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن عقيل..... جده، وقد ضعَّفوه) ا. هـ ومحل النقط كلمة لم تظهر في مصورتنا، ولعلها (يروي عن) ، والله أعلم.
(2) "سنن الدارقطني": (1/83) .
(3) "العلل" لعبد الله: (2/477- رقم 3131) ، وقد نسب فيه إلى جده.
وانظر: "الجرح والتعديل": (7/119- رقم: 678) من رواية أبي طالب عن أحمد؛ و "الكامل": (6/35- رقم: 1578) ؛ و"الميزان": (3/379- رقم: 6837) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/119- رقم: 678) .(1/194)
رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدَم رأسه، ثُمَّ ذهب بهما إلى قَفَاه، ثُمَّ ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه (1) .
أخرجاه في "الصحيحين " (2) .
احتجوا:
206- بما روى الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد ثنا التَّيميُ عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة عن أبيه أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ فمسح بناصيته، ومسح على الخفَّين والعمامة (3) .
أخرجاه في "الصَحيحين " (4) ، وليس فيه حجَة لهم، لأنَّه لو جاز الاقتصار على النَاصية لما مسح على العمامة.
ز: ذكر الحافظ ضياء الدِّين وغيره أن حديث المغيرة انفرد به مسلم.
وهو كما قالوا.
207- وروى معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مُسْلِم عن أبي مَعْقِل (5) عن أنسِ بن مالكِ قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ وعليه عمامة قِطْريَةٌ، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدَّمَ رأسه، ولم ينقض
العمامة.
__________
(1) "الجامع": (1/82- رقم: 32) .
(2) "صحيح البخاري":: (1/58) ؛ (فتح- 1/289- رقم: 185) .
"صحيح مسلم": (1/145) ؛ (فؤاد- 1/211- رقم: 235) .
(3) "المسند": (4/255) .
(4) "صحيح مسلم": (1/158- 159) ؛ (فؤاد- 1/231- رقم: 274) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: روى أبو معقل هذا الحديث الواحد) ا. هـ(1/195)
رواه أبو داود (1) وابن ماجه (2) والحاكم (3) .
وعبد العزيز هذا: ليس بالقَسْمَلي، وإنَّما هو الأنصاريَّ، المدنيُ، مولى آل رفاعة، ذكره ابن حِبَان في كتاب "الثِّقات " (4) .
وأبو مَعْقِلٍ: غير معروف.
وذكر ابن السَكن أنَ هذا الحديث لم يثبت إسناده (5) .
وقال ابن القطَّان: لا يصحُ (6) .
208- وروى الشَافعيُ: أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فحسر العمامة عن رأسه، ومسح مقدَم رأسه- أو قال: ناصيته- (7) .
هذا مرسلٌ.
ومسلم هو: ابن خالد، وقد تكلَم فيه غير واحدِ من الأئمة O.
*****
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/216- 217- رقم: 148) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/187- رقم: 564) .
(3) "المستدرك": (1/169) .
(4) "الثقات": (5/123) ، وقد ذكره البخاري في "تاريخه الكبير" (6/28- رقم:1580) .
وذكر حديثه هذا ثم قال: (ولم يصحّ) ا. هـ
(5) نقل ذلك عنه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام": (4/111- رقم: 1548) .
(6) المرجع السابق.
(7) "الأم": (1/26) .(1/196)
مسألة (37) : يستحبُ تكرار مسح الرَأس ثلاثاً.
وعنه: لا يسنُّ، كقول أبي حنيفة ومالك.
لنا أحاديث منها:
209- ما روى أحمد: ثنا وكيع عن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ ثلاثاً ثلاثاً (1) .
انفرد بإخراجه مسلم (2) .
وقد رواه عليٌّ عليه السَلام (3) :
210- قال الترمذيَّ: ثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الرَحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حيَّة عن علي أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَأ ثلاثاً ثلاثاً.
قال الترمذيَّ: حديث علي أحسن شيءٍ في هذا الباب وأصحُ (4) .
قال الخصم: ليس لكم في الحديث حجَةٌ، لأنَ قوله: (توضَأ) يعود إلى ما تحصل به الوضاءة، وهي الغسل، ويكشف هذا أنَّ في "الصَحيح " عن عثمان أنَّه وصف وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً ثلاثاً، ثمَّ قال: (ومسح برأسه) ولم يذكر عدداً، ثُمَّ قال: وغسل رجليه ثلاثاً (5) .
__________
(1) "المسند": (1/57) .
(2) انظر ما يأتي في كلام المنقِّح.
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة- رضي الله عنهم- بالتسليم لم يكن من هدي السلف الصالح.
(4) "الجامع": (1/92- 93- رقم: 44) .
وقوله (في هذا الباب) يريد باب الوضوء ثلاثا ثلاثاً.
(5) "صحيح البخاري": (1/51، 52؛ 3/484) ؛ (فتح- 1/259، 266- رقمي: 159، 164؛ 4/158- رقم: 1934) .
"صحيح مسلم": (1/141) ؛ (فؤاد- 1/204- 205- رقم: 226) .(1/197)
وروي عن عليٍّ عليه السَلام ذكر المسح صريحاً، وأنَه مرَة:
211- فروى الترمذيَّ: ثنا هنَاد وقتيبة قالا: ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حيَة قال: رأيت علياً توضأ، فغسل كفَّيه (1) ، ثمَّ تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه مرَة، ثمَّ غسل قدميه، ثمَّ قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الترمذيَّ: هذا حديث صحيح (2) .
واستدلُوا:
212- بما روى أحمد: ثنا يحيى بن إسحاق أنا حمَاد بن زيدِ عن سنان ابن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح رأسه مرَةَ واحدةَ (3) .
وقد روى عنه أنَه كان يمسح مرَةَ (4) : معاذُ بنُ جبل والبراءُ وعبدُ الله [ابنُ عمرو] (5) وابنُ عبَّاس.
والجواب:
أمَا قولهم: (أن ذلك يعود إلى الغسل) فإن الوضوء إذا أطلق عمَّ المسح والغسل.
وأمَا من روى عن عثمان أنَّه لم يذكر في المسح عدداً، فلا حجَّة في ذلك،
__________
(1) في "الجامع": (حتى أنقاهما) .
(2) "الجامع": (1/94- 96- رقم: 48) ، وفيه: (هذا حديث حسن صحيح) .
(3) "المسند": (5/268) .
(4) في (ب) زيادة: (واحدة) .
(5) في الأصل: (ابن عمر) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".(1/198)
لأنَّ من ذكر العدد مقدَمُ القولِ.
وقد روى الدَارَقُطْنِيُ بإسناده عن عبد الله بن جعفر وشَقِيْق وحُمْران وابن داره والبيلماني (1) ، كلهم عن عثمان أنَه وصف وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومسح برأسه ثلاثاً (2) .
213- قال أحمد: ثنا صفوان بن عيسى عن محمَّد بن عبد الله ابن أبي مريم قال: دخلت على ابن دارة فقال: رأيت عثمان دعا بوَضوء فمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه ثلاثاً، وغسل قدميه، ثمَّ قال: من أحبَ أن ينظر إلى وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) .
214- وقد روى الدَارَقُطْنِي عن عبد خيٍر عن علي"أنَه توضأ فمسح برأسه وأذنيه ثلاثاً، وقال: هكذا وُضوءُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) .
وأمَّا ما ذكروا عن ابن عبَّاس: فحديثٌ يرويه عبَاد بن منصور، وقد ضعَّفه يحيى (5) والنَّسائيُّ (6) .
__________
(1) في "التحقيق": (ابن البيلماني) ، وفي "سنن الدارقطني": (ابن البيلماني عن أبيه عن عثمان) والراوي عن عثمان هو عبد الرحمن بن البيلماني مولى عمر، وابنه هو: محمد.
(2) "سنن الدارقطني": (1/91- 92) .
(3) "المسند": (1/61) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/92) .
(5) في "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 149- رقم: 591) أَنه قال: (ضعيف الحديث) ، وفي "التاريخ " برواية الدوري: (4/142- رقم: 3601؛ 182- رقم: 3839) أَنه قال: (ليس بشيءٍ) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 164- رقم: 414) وفيه: (ضعيفٌ، وقد كان أيضاً قد تغيَّر) ؛ "السنن الكبرى": (2/218- رقم: 3141) وفيه: (ليس بحجَّة في الحديث) .(1/199)
ثمَّ نقول-: المسح مرَّةَ لبيان الإجزاء.
والخصم يقول: لمَّا جعل وظيفة الرأس المسح نبَّه على التَّخفيف.
فنقول: هذه عبادة لا يعقل معناها.
215- وقد روى أحمد: ثنا مروان بن معاوية الفزاريَّ ثنا ربيعة بن عُتْبة الكِنَاني عن المنهال بن عمرو عن زِر بن حُبيش قال: مسحَ عليٌّ عليه السَلام (1) رأسه في الوُضوء حتَّى أراد أن يقطر، فقال: هكذا رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَأ (2) .
ورواه أبو داود عن عثمان ابن أبي شيبة عن أبي نُعيم عن ربيعة بمعناه (3) .
216- قال أحمد: وثنا عليُ بن بحر ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء عن أبي الأزهر عن معاوية أنَّه ذكر لهم وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنَه مسح رأسَه بغرفة من ماء، حتَّى يقطر الماء من رأسه- أو: كان يقطر- (4) .
ز: عامر- في إسناد حديث عثمان-: هو ابن شَقيق بن جَمْرة الأسديَّ، لم يرو له مسلم، وضعَّفه يحيى بن معين (5) ، وقال النَسائيُ: ليس به بأس (6) . ووثَّقه ابن حِبَان (7) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- بالتسليم ليس من هدي السلف، بل في ذلك مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(2) "المسند": (1/110) .
(3) "سنن أبي داود": (1/201- رقم: 115) ، وهذه الجملة: (ورواه أبو داود....) غير موجودة في "التحقيق" فقد تكون من زيادات المنقح ولكن لم يوضع لها رمز، ولها نظائر في مواضع يسيرة، انظر: (ص: 211) ، والله أعلم.
(4) "المسند": (4/94) . وفيه: (كاد يقطر) ، وكذا هو في "التحقيق".
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/322- رقم: 1801) من رواية ابن أبي خيثمة.
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (14/42- رقم: 3043) .
(7) "الثقات": (7/249) .(1/200)
ومسلم روى الحديث من غير طريقه، ولفظه: أنَ عثمان توضَّأ بالمقاعد، فقال: ألا أريكم وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم توضَّأ ثلاثًا ثلاثاً (1) .
217- وقال أبو داود: ثنا هارون بن عبد الله ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق بن َجمْرة عن شَقيق بن سلمة قال: رأيت عثمان بن عفَان غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً، ثُم قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل هذا.
قال أبو داود: رواه وكيع عن إسرائيل قال: توضَّأ ثلاثاً. قَطْ (2) .
قلت: وقد رواه ابن مهدي وعبد الرَزَاق وأبو أحمد الزبيريَّ وغيرهم عن إسرائيل، ولم يذكروا التكرار في مسح الرَأس، وهو الصَوابُ.
218- وروى عبد الله بن محمَّد بن عَقيل عن الرُبيع بنت مُعَوِّذ بن عَفرَاء قالت: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ، فمسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصُدغيه، وأذنيه، مرَّةً واحدةً.
رواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والَّترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (5) .
ولفظه لأبي داود والتِّرمذيّ.
219- وعن عبد الله بن زيد قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ فغسل
__________
(1) "صحيح مسلم": (1/142- 143) ؛ (فؤاد- 1/207 - رقم: 230) .
(2) "سنن أبي داود": (1/199- رقم: 111) .
(3) "المسند": (6/359) .
(4) "سنن أبي داود": (1/207- رقم: 130) .
(5) "الجامع": (1/84- رقم: 34) .(1/201)
وجهه ثلاثاً، ويديه مرَتين، وغسل رجليه مرَتين، ومسح برأسه مرَّتين.
رواه النَسائيُ بإسنادٍ جيدٍ (1)
220- وعن عبد الرَحمن بن وَرْدان قال: حدَثني أبو سلمة بن عبد الرَحمن قال: حدّثني حُمْران قال: رأيتُ عثمان بن عفان توضأ ... - وفيه:- ومسح رأسه ثلاثاً، ثمَّ غسل رجليه ثلاثاً، ثمَّ قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ هكذا، وقال: "من توضَّأ دون هذا كفاه".
رواه أبو داود (2) والدَارَقُطْنيُ (3) وقال: عبد الرَحمن ليس بالقوي (4) .
وقال أبو داود: أحاديث عثمان الصَّحاح كلُها تدلُ على أن مسحَ الرأسِ مرَةٌ، فإنَهم ذكروا الوضوء ثلاثاً وقالوا فيها: (ومسح رأسه) لم يذكروا عدداً (5) .
221- وعن عليٍّ أنَه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه وأذنيه ثلاثاً ثلاثاً، وقال: هكذا وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحببت أن أريكموه.
رواه الدَارَقُطْنِيُ (6) .
وغالب الروايات عن علي أنَّه مسح مرَةً واحدةَ، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "سنن النَسائيُ ": (1/72- رقم: 99) .
(2) "سنن أبي داود": (1/197- رقم: 108) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/91) .
(4) هذه الكلمة لم نرها في النسخة المطبوعة من "السنن"، فلعلها وقعت في بعض الروايات أو النسخ الأخرى، وقد ذكرها الغساني في "تخريج الأحاديث الضعاف": (ص: 54- رقم: 42) .
(5) "سنن أبي داود": (1/198- رقم: 109) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/92) .(1/202)
مسألة (38) : الأذنان من الرَّأس يُمسحان بماء الرَأس.
وقال الشَافعيُ: ليسا من الرَأس، ويُسنُّ لهما ماءٌ جديدٌ.
لنا سبعة أحاديث:
222- الحديث الأوَل: قال أحمد: ثنا يحيى بن إسحاق ثنا حمَّاد بن زيد عن سِنَان بن ربيعة عن شَهْر بن حَوْشب عن أبي أمَامَة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأذنان من الرََّأس " (1) .
فإن قال الخصم: في هذا الحديث: سِنَان وشَهْر، فأمَّا سِنَان: فقال أبو حَاتِمٍ الرَازيَّ: هو مضطرب الحديث (2) .
وأمَا شَهْر: فقال ابن عَدِي: ليس بالقويِّ، ولا يحتجُ بحديثه (3) .
وقال الدَّارَقُطْنيُ: قال سُلَيمان بن حَرْبٍ عن حمَّاد بن زيدٍ: إنَ قوله: (الأذنان من الرَأس) من قول أبي أمامة غير مرفوعٍ (4) . وهو الصَّواب.
__________
(1) "المسند": (5/268) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/252- رقم: 1086) وفيه: (شيخ، مضطرب الحديث) .
(3) "الكامل": (4/40- رقم: 898) .
(4) كذا وقع في الأصول (سليمان بن حرب عن حماد بن زيد) ، والذي في مطبوعة "سنن الدارقطني ": (1/104) أن هذا من كلام سليمان بن حرب، ونصه: (قال سليمان بن حرب: " الأذنان من الرأس " إنما هو قول أبي أمامة، فمن قال غير هذا فقد بدَل- أو كلمة قالها سليمان-. أي: أخطأ) ا. هـ، وهكذا نقله الحافظان: ابن دقيق في "الإمام ": (1/501) ، وابن حجر في "إتحاف المهرة": (6/232- رقم: 6403) .
وسيأتي فيما نقله الحافظ ابن عبد الهادي عن "سنن أبي داود" نحو هذا عن سليمان بن حرب، وأن حماد بن زيد شك في الرفع والوقف.
ويبدو أن ابن الجوزي لم يرد نقل كلام الدارقطني بنصه، وإنما أراد أن يشير إلى الاختلاف على حمَّاد بن زيد في هذا الإسناد (فبعضهم رواه عنه مجزوماً برفعه، وبعضهم رواه عنه مجزوماً بوقفه، وبعضهم رواه عنه بالشك) ، وأنَ سليمان بن حرب رواه عن حمَّاد مجزوماً بوقفه، فيكون المراد بقوله (قال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد ... ) أي في روايته للحديث، والله تعالى أعلم.(1/203)
فالجواب: أمَّا شَهر: فقد وثَّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين (1) .
وأمَّا سِنَان: فإنَّما قال فيه يحيى: ليس بالقويِّ (2) . والاضطراب في الحديث لا يمنع الثِّقة.
وجواب من قال: (هو قول (3) أبي أمامة) أن نقول: الرَّاوي قد يرفع الشيءَ، وقد يُفْتي به.
ز: وروى هذا الحديث: أبو داود (4) وابن ماجه (5) والدَارَقُطنيُ (6) .
والصَواب أنَه موقوف على أبي أمامة كما قال الدَارَقُطْنيُ (7) .
222/أ- قال أبو داود: [ثنا] (8) سليمان بن حرب (ح) وحدَّثنا مسدَّد وقتيبة عن حمَّاد بن زيد عن سِنَان بن ربيعة عن شَهر بن حَوْشب عن أبي أُمامة رضي الله عنه ذكر وُضوء النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح المأقين، قال: وقال: الأذنان من الرَأس.
قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة.
وقال قتيبة: قال حمَّاد: لا أدري هو من قول النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أبي أمامة - يعني: قصة الأذنين- (9) .
__________
(1) انظر: ما تقدم (ص: 147) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (4/165- رقم: 3736) .
(3) في (ب) : (هو من قول) .
(4) "سنن أبي داود": (1/208- 209- رقم: 135) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/152- رقم: 444) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/103- 104)
(7) لم نقف على نصِّ الدارقطني، ولكن هذا ظاهر صنيعه في "السنن".
(8) زيادة استدركت من (ب) .
(9) هنا ينتهي النقل عن أبي داود.(1/204)
وقال حرب: قلت لأبي عبد الله- يعني أحمد بن حنبل-: الأذنان من الرَأس؟ قال: نعم. قلت: صحَ فيه شيءٌ عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا أعلم O.
223- الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطنيُ: ثنا ابن صاعد ثنا الجرَاح بن مَخْلد ثنا يحيى بن العريان ثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيدٍ عن نافعٍ عن ابن عمر (1) أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الأذنان من الرَّأس" (2) .
قالوا: قد قدح أحمد في أسامة، وقال: قد روى عن نافع أحاديث مناكير (3) . وقال النَسائيُ: ليس بالقوي (4) .
قلنا: قد قال يحيى بن معين: هو ثقةٌ صالحٌ (5) .
قالوا: فقد قال الدَارَقُطْنيُ: رَفْعُه وهمٌ، والصَواب أَنه موقوف على ابن عمر.
قلنا: الذي يرفعه يذكر زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، والصَحابي قد يروي الشَيء مرفوعاً، وقد يقوله على سبيل الفتوى.
224- الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا أبو الحسن محمَّد بن
__________
(1) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (عن أسامة بن زيد عن ابن عمر) ، فسقط منه: (عن نافع) فليُلحق.
وانظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر: (9/10- رقم: 10261) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/97) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (1/302- رقم: 503؛ 2/24- رقم: 1428) .
(4) "عمل اليوم والليلة": (ص: 351- رقم: 504) ، وفي "الضعفاء والمتروكون ": (ص: 56- رقم: 51) : (ليس بثقة) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (1/395- رقم: 212) من رواية أبي يعلى.(1/205)
عبد الله بن زكريا النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ثنا أبو كامل الجَحدَريَّ ثنا غُنْدَر محمَّد بن جعفر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس أن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الأذنان من الرأس" (1) .
قالوا: قال الدَارَقُطْنيُ: تفرَّد به أبو كامل عن غُنْدَر، وهو وهمٌ؛ وتابعه الرَّبيع بن زيدٍ (2) - وهو متروكٌ-، والصَواب عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً.
قلنا: أبو كامل لا نعلم أحداً طعن فيه، والرَفع زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، كيف وقد وافقه غيره؟! فإن لم يعتد برواية الموافق اعتبر بها؛ ومن عادة المحدِّثين أنهم إذا رأوا من وقف الحديث ومن رفعه: وقفوا مع الواقف احتياطاً، وليس هذا مذهب الفقهاء، ومن الممكن أن يكون ابن جريج سمعه من عطاء مرفوعاً، ورواه له سليمان عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مسندٍ.
ز: وقد زعم ابن القطَان أيضاً أن إسناد هذا الحديثِ صحيحٌ، قال:
لثقة رواته واتصاله، وإنَّما أعلَه الدَارَقُطْنِيُ بالاضطراب في إسناده فتبعه عبد الحقِّ على ذلك، وهو ليس بعيبٍ فيه، والذي قال فيه الدَارَقُطْنِيُ، هو: (أنَّ أبا كامل تفرَد به عن غندر، ووهم فيه عليه) هذا ما قال، ولم يؤيِّده بشيءٍ، ولا عضده بحجَّةٍ، غير أنَّه ذكر أن ابن جريج- الذي دار الحديث عليه- يُروى عنه عن سليمان بن موسى عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: وما أدري ما الذي يمنع أن يكون عنده في ذلك حديثان: مسندٌ
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/98 - 99) .
(2) كذا بالنسختين، وفي "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (بن بدر) وهو الصَّواب، والله أعلم.(1/206)
ومرسلٌ؟! والله أعلم (1) . انتهى كلامه، وفيه نظر كثيرٌ.
225- وقد روى هذا الحديث ابنُ عَدِيّ في "كامله" في ترجمة عبد الله بن سلمة الأفطس- وهو متروك-، فقال: حدَثنا محمَّد بن محمَّد بن البَاغَنْديَّ ثنا أبو كامل ثنا غُنْدَر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأذنان من الرَّأس".
قال أبو كامل: لم أكتب عن غُنْدَر إلا هذا الحديث الواحد، أفادنيه عنه: عبد الله بن سلمة الأفطس.
قال ابن عَدِيّ: وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن غُنْدَر بهذا الإسناد غير أبي كامل، وحدَث عن أبي كامل بهذا الحديث: المعمريَّ والبَاغَنْديَّ.
وقد روي هذا الحديث عن الرَّبيع بن زيدِ (2) عن ابن جريج (3) . انتهى كلام ابن عَدِيّ.
وهذه الطَريقة التي سلكها المؤلف ومن تابعه (في أنَّ الأخذ بالمرفوع في كل موضعِ) طريقةٌ ضعيفةٌ، لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل في الحديث O.
226- الحديث الرَابع: قال الدَارَقُطنيُ: ثنا عليُّ بن عبد الله (4) بن مُبَشر ثنا محمَّد بن حرب ثنا عليُ بن عاصم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الأذنان من الرأس " (5) .
__________
(1) "بيان الوهم والإيهام ": (5/263- 264- رقم: 2462) .
(2) كذا بالنسختين، وفي "الكامل": (ابن بدر) ، وهو الصواب، والله أعلم.
انظر: "تهذيب الكمال": (9/63- رقم: 1854) ؛ وما سبق: (ص: 206) .
(3) "الكامل": (4/196- رقم: 1007) .
(4) في "التحقيق" (عبيد) خطأ.
(5) "سنن الدارقطني": (1/100) .(1/207)
قالوا: قد قال الدَارَقُطنيُ: وهم عليُ بن عاصم في قوله: (عن أبي هريرة) ، والصَّحيح: عن ابن جريج عن سليمان مرسلاً (1) .
قلنا: قد أجبنا عن هذا آنفاً، وذكرنا مذهب المحدثين في ذلك.
ز: عليُ بن عاصم: متكلَمٌ فيه، قال يزيد بن هارون- في روايةِ عنه-: ما زلنا نعرفه بالكذب (2) . وقال ابن معين: ليس بشيءٍ (3) . وقال النَسائيُ: متروك الحديث (4) .
وسليمان بن موسى: لم يسمع من أبي هريرة.
والصَواب ما قاله الدَارَقُطْنِيُ أنَه مرسلٌ O.
227- الحديث الخامس: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا عليُ بن الفضل بن طاهر البَلْخِيُ ثنا حمَّاد بن محمَّد بن حفص ثنا محمَّد بن الأزهر الجوزجاني ثنا الفضل بن موسى السِّينانيُ (5) عن ابن جريجِ عن سليمان بن موسى عن الزهريِ عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأذنان من الرَأس" (6) .
__________
(1) في "السنن": (والذي قبله- أي الرواية المرسلة- أصحُ عن ابن جريج) .
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/245- 246- رقم: 1244) من رواية عثمان بن أبي شيبة.
قال الخطيب في "تاريخ بغداد": (11/456- رقم: 6348) - عقب هذه الرواية-: (وكذا روى أيوب بن إسحاق بن سافري عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة عن يزيد، وحكي عن يزيد بن هارون فيه خلاف هذا) ا. هـ
ثم ساق الرواية المخالفة، وانظر أيضاً: (11/449- رقم: 6348) من "تاريخ بغداد"، و " معرفة الرجال عن يحيى بن معين " برواية ابن محرز: (2/213- رقم: 713) .
(3) "معرفة الرجال " برواية ابن محرز: (1/50- رقم: 2) وفيه: (كذابٌ، ليس بشيء) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (5/191- رقم: 1348) .
(5) في الأصل و (ب) : (الشيباني) ، والتصويب من "التحقيق" ومطبوعة "سنن الدارقطني" وكتب التراجم.
(6) "سنن الدارقطني": (1/100) .(1/208)
قالوا: قال الدَارَقُطْنيُ: المرسل أصحُ.
قلنا: قد سبق جوابه.
228- الحديث السادس: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا يحيى بن محمَّد بن صاعد ثنا أحمد بن بكر أبو سعد ثنا محمَّد بن مصعب القَرْقَسَانيُ ثنا إسرائيل عن جابر عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأذنان من الرأس " (1) .
قالوا: جابر هو: ابن يزيد الجعفيُ، وقد ضعَّفوه.
قلنا: قد وثَّقه: الثَوريَّ وشعبة (2) .
قالوا: قد رواه مرَة: عن عطاء عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلنا: الرَاوي: قد يسند، وقد يختصر.
ز: أحمد بن بكر: ويقال: ابن بكرُويه، أبو سعد البَالِسيُ، ضعيفٌ، قال ابنُ عَدِي: روى أحاديث مناكير عن الثِّقات. وروى هذا الحديث في ترجمته عن ابن صاعد، ثمَّ قال: وهذا الحديث لا يعرف إلا بأحمد ابن بكر (3) . وقال الأزديَّ: أحمد بن بكر يضع الحديث (4) .
وقد ذكر الدَارَقُطَّنيُ أنَ هذا الحديث اختلف فيه على جابر الجعفيِّ، وأن رواية من أرسله أشبه بالصَواب (5) .
__________
(1) المرجع السابق.
(2) انظر ما تقدم: (ص: 187) .
(3) "الكامل": (1/182- رقم: 25) .
(4) "الميزان" للذهبي: (1/86- رقم: 309) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/100) .(1/209)
وقد رواه عمر بن قيس عن عطاء عن ابن عبَّاس موقوفاً، وعمر ضعيف O.
قال المؤلف: وقد روي هذا الحديث من وجوهٍ كثيرة فيها ضعفٌ، فاقتصرنا على ما ذكرنا.
229- الحديث السَابع: قال الترمذيَّ: ثنا قتيبة ثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمَّد بن عَقيل عن الرُبيع بنت مُعوِّذ أنَّها رأت النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَأ، قالت: فمسح رأسه وصدغيه وأذنيه مرَةً واحدةً (1) .
وقد روى الخصم: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ ماءً جديداً لأذنيه.
ولا حجَّة لهم في هذا، لأَنَّا نقول: هذا الأولى (2) .
*****
مسألة (39) : يجوز المسح على العمامة خلافاً لهم.
لنا خمسة أحاديث:
الأوَّل: حديث المغيرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَأ فمسح بناصيته ومسح على العمامة.
__________
(1) "الجامع": (1/84- رقم: 34) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: قال البيهقيُ: وربما استدلوا بحديث ابن عبَّاس رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يتوضأ ... فذكر الحديث كله ثلاثاً ثلاثاً، قال: ويمسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة.
وهذا لو صحَ فلا حجَّة لهم فيه، إذ يجوز أنَّه عزل سبابتيه فمسح بهما أذنيه، كما روي في بعض الأخبار، والحكاية حكاية حال) ا. هـ
انظر: " الخلافيات ": (1/440- 442- رقم: 250) ، و"مختصره" لا بن فرح: (1/201) .(1/210)
وقد سبق بإسناده، وهو متفقٌ عليه.
كذا قال المؤلف! وقد تقدَم أنَه من أفراد مسلم (1) .
230- والثَاني: حديث بلال: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عُجرة عن بلال قال: مسح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخفينِ والخمارِ (2) .
انفرد بإخراجه مسلم (3) .
231- طريق آخر: قال أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا محمَّد ابن راشد ثنا مكحول عن نعيم بن حِمار (4) عن بلال أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "امسحوا على الخفين والخمار" (5) .
ز: مكحول لم يسمع من نعيم، فهو منقطع.
ومحمَّد بن راشد هو: المكحوليُ، ثقة، وقد تكلَم بعضهم فيه، قال شعبة: هو صدوقٌ (6) . وقال عبد الرَزَّاق: ما رأيت أورع في الحديث منه (7) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وظاهرٌ أن السطر الأخير من كلام ابن عبد الهادي وإن لم يوضع رمز الزيادة.
وانظر ما سبق: (ص: 200) .
(2) "المسند": (6/12) .
(3) "صحيح مسلم": (1/159) ؛ (فؤاد- 1/231- رقم: 275) .
(4) كذا في الأصل بالحاء المهملة، وفي (ب) ومطبوعة "المسند" بالخاء المعجمة، وهما قولان في اسمه، وقيل فيه غير ذلك، وستأتي الإشارة إلى ذلك في كلام المنقِّح.
انظر: "تهذيب الكمال": (29/497- رقم: 6462) ؛ "توضيح المشتبه": (2/405) .
(5) "المسند": (6/12) .
(6) "العلل" برواية عبد الله بن أحمد: (2/504- رقم: 3322) .
(7) "العلل" برواية عبد الله بن أحمد: (2/409- رقم: 2829؛ 3/156- رقم: 4693) .(1/211)
وقال أحمد (1) ويحيى (2) : ثقة: وقال أبو حاتم: صدوق حسن الحديث (3) .
وقال النَسائيُ: ليس بالقويِّ (4) . وقال ابن حِبَان: كان من أهل النُسك، لكن لم يكن الحديث من صناعته، فكان يأتي بالشيء على التَوهُم فكثرت المناكير في روايته فاستحق ترك الاحتجاج به (5) .
وفي اسم أبي نعيم خمسة أقوال حكاها الصُوريَّ (6) : همار- بالميم-، وهبار- بالباء-، وهدار- بالدَال- وخمار- بالخاء المعجمة والمفتوحة-، وحَمار- بالحاء المهملة المكسورة- (7) O.
232- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا الحسن بن سَوَار ثنا ليث بن سعد عن معاوية عن عتبة أبي أُميَّة عن أبي سلاَّم الأسود عن ثوبان قال: رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأَ ومسح على الخفيَن وعلى الخمار (8) .
__________
(1) انظر المواضع السابقة من "العلل"برواية عبد الله.
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (4/466- رقم: 5322) ؛ ورواية ابن طهمان: (ص: 36- رقم: 34) ؛ ورواية ابن الجنيد: (ص: 337- رقم: 261) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/253- رقم: 1385) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 212- رقم: 548) .
(5) "المجروحون": (2/253) مع اختلاف يسير.
(6) هو أبو عبد الله محمَّد بن علي بن عبد الله الشامي، له استدراكات على كتاب شيخه عبد الغني الأزدي في المشتبه.
انظر: "سير النبلاء": (17/627- رقم: 424) ؛ مقدمة محقق "توضيح المشتبه": (1/ 23) .
(7) لم يضبط الحافظ ابن عبد الهادي الميم، وقال ابن ناصر الدين في "توضيح المشتبه": (2/406) - بعد أن ذكر الأقوال في اسم أبي نعيم ومنها: الرابع: بالمهملة المفتوحة والميم المشددة-: (وجعل ابن الجوزي وابن عبد البر القول الرابع بالمهملة المكسورة وتخفيف الميم، خلافاً لما قيَّده المصنف [الذهبي] فيما وجدته بخطه " ا. هـ
(8) "المسند": (5/281) .(1/212)
ز: أبو سلام الأسود: لم يسمع من ثوبان. قاله يحيى بن معين (1) وغيره.
وعتبة ليس بمشهورِ.
233- وعن ثوبان قال: بعث رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريَةَ فأصابهم البرد، فلمَّا قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتَساخين.
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) والحاكم وقال: على شرط مسلم (4) .
وليس كما قال (5) .
والعصائب: العمائم؛ والتَّساخين: الخفاف. قاله الإمام أحمد (6) O.
234- الحديث الرَابع: قال أحمد: ثنا عبد الصَمد ثنا داود بن أبي الفرات ثنا محمَّد بن زيدِ عن أبي شُريح عن أبي مسلم- مول زيد بن صُوحان- قال: كنت مع سلمان الفارسي فرأى رجلاً قد أحدث وهو يريد أن ينزع خفَّيه، فأمره سلمان أن يمسح على خفَّيه وعلى عمامته، وقال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على خُفَّيه وعلى خماره (7) .
ز: رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمَّد المؤدِّب
__________
(1) "المراسيل ": (ص: 215- رقم: 1812 لابن أبي حاتم.
(2) "المسند": (5/277) .
(3) "سنن أبي داود": (1/216) .
(4) "المستدرك": (1/169) .
(5) انظر: " المحرر " للمنقح: (1/113- رقم: 71) .
(6) "المسائل" رواية عبد الله: (1/125- 126- رقم: 161) .
(7) "المسند": (5/439) .(1/213)
عن داود (1) .
ورواه أبو داود الطَّيالسيُ في "مسنده" عن داود (2) .
ومحمَّد بن زيدٍ: هو العبديَّ، قاضي مرو، قال أبو حاتم: صالح الحديث، لا بأس به (3) .
وأبو شريح وأبو مسلم: ذكرهما ابن حِبَان في "الثقات" (4) .
وقال الحافِظُ عبد الغني المقدسيُ- في هذا الحديث-: غريبٌ من حديث المراوزة، لا أعلم رواه غير داود بن أبي الفرات عن محمَّدِ بن زيدٍ قاضي مروO.
235- الحديث الخامس: قال أحمد: ثنا أبو الغيرة ثنا الأوزاعيُ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أميَة الضَمري عن أبيه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين والعمامة (5) .
ز: حديث عمرو: رواه البخاريَّ عن عبدان عن ابن المبارك عن الأوزاعي (6) O.
وفي الباب: عن أنس.
والمسح على العمامة مذهبُ: أبي بكر وعمرَ وعليٍّ وسعدِ بن أبي وقَاص
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/186- رقم: 563) .
(2) "المسند": (ص: 91- رقم: 656) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (7/256- رقم: 1404) .
(4) "الثقات": (7/660؛ 5/584) .
(5) "المسند": (4/179؛ 5/288) .
(6) "صحيح البخاري": (1/62) ؛ (فتح- 1/308- رقم: 205) .(1/214)
وعبدِ الرَّحمن بن عوفٍ وسلمان وأبي الدَّرداءِ وأبي موسى وأنسٍ.
قال أبو بكر الأثرم: سمعتُ أبا عبد الله يقول: المسح على العمامة قد روي من خمسة أوجهٍ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم.
قلت: فإذا مسح على العمامة ثمَّ خلعها أعاد وضوءه؟ قال: نعم (1) .
*****
مسألة (40) : الفرض في الرِّجلين الغسل.
وقال ابن جريرٍ: المسح.
لنا أحايث:
236- الأوَل: قال أحمد: ثنا عفَان ثنا أبو عوانة ثنا أبو بشر عن يوسف ابن ماهَك عن عبد الله بن عمرو قال: تخلَّف عنّا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرةٍ سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصَلاة ونحن نتوضَأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا.
قال: فنادى بأعلى صوته- مرَتين أو ثلاثاً-: "ويلٌ للأعقابِ من النار " (2) .
أخرجاه في "الصحيحين " (3) .
__________
(1) "السنن" للأثرم: (ق 2/ب- ق 214 من المجموع) ؛ "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى: (1/ 67- رقم: 57) .
(2) "المسند": (2/211، 226) .
(3) "صحيح البخاري": (1/23، 35، 52) ؛ (فتح- 1/143، 189، 265- الأرقام: 60، 96، 163) .
"صحيح مسلم": (1/147- 148) ؛ (فؤاد- 1/214- رقم: 241) .(1/215)
237- الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا هُشيم (1) عن شعبة (2) عن محمَّد بن زياد عن أبي هريرة أَنه مرَّ بقومٍ يتوضَّؤون فقال: أسبغوا الوُضوء، فإني سمعت أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ويل للأعقاب من النَّار" (3) .
أخرجاه في "الصحيحين " (4) .
وقد روى: "ويلٌ للأعقاب من النار ": جابرٌ وعائشةُ.
ز: 239- وعن معيقيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ويلٌ للأعقاب من النار".
رواه أحمدُ (5) .
239- وعن خالدِ بنِ الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشُرَحبيل بن حَسَنةَ وعمرو بن العاص - كل هؤلاء- سمعوه من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أتموا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النَّار".
رواه ابن ماجه (6) .
240- وعن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ويلٌ للأعقاب (7) وبطون الأقدام من النَّار".
__________
(1) في "التحقيق": (هشام) خطأ.
(2) في مطبوعة "المسند": (شعيب) خطأ.
(3) "المسند": (2/228) .
(4) "صحيح البخاري": (1/53) ؛ (فتح- 1/267- رقم: 165) .
"صحيح مسلم": (1/148) ؛ (فؤاد- 1/214- 215- رقم: 242) .
(5) "المسند": (3/426؛ 5/425) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/155- رقم: 455) .
(7) في (ب) زيادة "من النار" ويبدو أنها مقحمة، والله أعلم.(1/216)
رواه أحمد (1) والدَارَقُطنيُ (2) والحاكم (3) .
241- وعن ليث عن عبد الرَحمن بن سابط عن أبي أمامة- أو: عن أخي أبي أمامة- قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوماً على أعقاب أحدهم مثل موضع الدرهم- أو مثل موضع ظفرِ لم يصبه الماء- قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ويلٌ للأعقاب من النَّار ". قال: وكان أحدهم ينظر فإذا رأى بعقبة موضعاً لم يصبه الماء أعاد وُضوءه.
رواه البيهقيُ في "سننه" (4) .
وحديث عائشة: رواه مسلم في "صحيحه" (5) .
وحديث جابر: رواه أحمد (6) وابن ماجه (7) ، والله أعلم O.
الحديث الثَالث: قد ذكرنا في حديث عثمان وعلي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغسل رجليه إذا توضأ.
وكذلك في رواية كلِّ من روى وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
احتجوا:
242- بما روى أحمد: ثنا يحيى عن شعبة قال: حدَثني يعلى عن أبيه
__________
(1) "المسند": (4/190- 191) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/95) .
(3) "المستدرك": (1/162) .
(4) "سنن البيهقي": (1/84) .
(5) "صحيح مسلم": (1/147) ؛ (فؤاد- 1/213- 214- رقم: 240) .
(6) "المسند": (3/316، 390) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/155- رقم: 454) .(1/217)
عن أوس بن أبي أوس قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ ومسح على نعليه، ثُمَّ قام إلى الصَّلاة (1) .
ورواه أبو داود فقال: على نعليه وقدميه (2) .
وهذا محمولٌ على أنَّ نعليه عمَّت قدميه فمسح عليهما كما يمسح على الخفِّ.
قالوا: فقد رواه هُشيم عن يعلى، وقال فيه: توضَّأ ومسح على رجليه.
وجواب هذا من وجهين:
أحدهما: أنَّ أحمد قال: لم يسمع هُشيم هذا من يعلى.
قلت: وقد كان هُشيم يدلِّس، فلعله سمعه من بعض الضُّعفاء ثم أسقطه.
والثَّاني: أن يكون المعنى: مسح على، رجليه وهما في الخفَّين.
*****
مسألة (41) : الترَّتيب في الوضوء واجبٌ.
وقال أبو حنيفة ومالك: مستحبٌ.
لنا:
أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ مرتباً، وذكر الوضوء مرتباً، لم يرو عنه غير ذلك:
__________
(1) "المسند": (4/8) .
(2) "سنن أبي داود": (1/225- رقم: 161) .(1/218)
243- قال الإمام أحمد: ثنا عبد الله بن يزيد ثنا عكرمة بن عمَّار ثنا شدَاد بن عبد الله عن عمرو بن عبسة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما منكم أحد يقرب وَضوءه ثمَّ يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرَّت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء، ثمَّ يغسل وجهه إلا خرَّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثمَّ يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرَّت خطايا يديه من أطراف أنامله، ثمَّ يمسح رأسه كما أمره الله إلا خرَّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثمَّ يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا خرَّت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء" (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
ز: أخرج مسلمٌ أصلَ هذا الحديث ولم يخرج بعض ألفاظه، وهو حديثٌ طويلٌ، رواه بطوله: عن أحمد بن جعفر المَعْقِري عن النَّضر بن محمَّد عن عكرمة بن عمَّار عن شدَاد بن عبد الله أبي عمَّار ويحيى ابن أبي كثير عن أبي أمامة و (3) عمرو بن عبسة.
وقوله: "كما أمره الله "- بعد غسل القدمين-: لم يروه مسلمٌ، بل رواه ابنُ خزيمة في "صحيحه" (4) .
وكذلك لم يرو مسلمٌ قولَه: "كما أمره الله " بعد مسح الرأس O.
244- وقال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا عليُ بن محمَّد المصريَّ (5) ثنا يحيى بن
__________
(1) "المسند": (4/112) .
(2) "صحيح مسلم": (2/208- 209) ؛ (فؤاد- 1/569- 571- رقم: 832) .
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وصوابه: (عن) كما في "صحيح مسلم".
(4) "صحيح ابن خزيمة": (1/85- رقم: 165) .
(5) في "التحقيق": (المضري) خطأ.(1/219)
عثمان بن صالح ثنا إسماعيل بن مسلمة بن قَعنب ثنا عبد الله بن عرادة عن زيد ابن الحواري عن معاوية بن قُرَة عن [عبيد] (1) بن عمير عن أُبي بن كعبٍ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بماء فتوضأ مرَّة مرَّة:، وقال: "هذه وظيفة الوضوء، وضوءٌ من لم يتوضَّأه (2) لم يقبل الله له صلاة ". ثمَّ توضَّأ مرَّتين مرَّتين، وقال: "هذا وضوءٌ من توضَّأه أعطاه الله كفلين من الأجر ". ثُمَّ توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثُمَّ قال: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي " (3) .
في هذا الإسناد: زيد بن الحواري، قال يحيى: ليس بشيء (4) . وقال النَسائيُ: ضعيفٌ (5) . وقال (6) أبو زرعة: واهي الحديث (7) . وقال أحمد ابن حنبل: صالحٌ (8) .
وفيه: عبد الله بن عرادة، قال يحيى: ليس بشيءٍ (9) . وقال البخاريُّ: منكر الحديث (10) . وقال ابن حِبَان: لا يجوز الاحتجاج به (11) .
245- وقال الدَارَقُطنيُ: ثنا دعلج ثنا الحسن بن سفيان ثنا المسيَّب بن واضح ثنا حفص بن ميسرة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: توضأ
__________
(1) في الأصل و (ب) : (عبد الله) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) (من لم يتوضأه) سقطت من (ب) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/81) .
(4) "من كلام ابن معين في الرجال " رواية ابن طهمان: (ص: 40- رقم: 47) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (3/198- رقم: 699) من رواية محمد بن العباس عنه.
(6) من قوله: (أعطاه الله..) إلى هنا سقط من (ب) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/561- رقم: 2535) .
(8) "العلل" برواية عبد الله: (3/55- رقم: 4143) .
(9) "الكامل" لابن عدى: (4/198- رقم: 1009) من رواية ابن حماد عن عباس الدوري، ولم نقف عليها في مطبوعة "تاريخ الدوري ".
(10) "التاريخ الكبير": (5/166- رقم: 525) .
(11) "المجروحون": (2/8) .(1/220)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّة مرَّة، وقال: "هذا وضوء من لا يَقبل الله منه صلاة إلا به".
ثمَّ توضأ مرَّتين، وقال: "هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرَّتين ". ثمَّ توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وقال: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي".
قال الدَارَقُطْنيُ: تفرَد به المسيَب بن واضح عن حفص، والمسيَب ضعيفٌ (1) .
ووجه احتجاج أصحابنا من هذين الحديثين أنهم يقولون: لا يخلو أن يكون رتَّب أو لم يرتب، لا يجوز أن يكون لم يرتِّب فثبت أنَّه رتَّب.
ز: روى حديث أبيِّ بن كعب: ابنُ ماجه في "سننه" (2) .
246- وعن عبد الله بن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من توضأَ واحدةً فتلك وظيفةُ الوُضوءِ الذي لابدَّ منها، ومن توضَأَ اثنتين فله كفلان من الأجرِ (3) ،
ومن توضأَ ثلاثاً فذلك وضوئي ووُضوء الأنبياءِ قبلي".
رواه الإمامُ أحمدُ، وهو من رواية زيدِ بنِ الحواري العمِِّي أيضاً (4) O.
أمَّا حجتُهم:
فرووا أنَ الرُبيع روت أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح رأسه بما فضل من وَضوءه.
وليس الحديث كذلك، إنَّما هو: مسح رأسه بما بقي في يديه من ماء الوُضوء.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/80) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/145- 146- رقم: 420) .
(3) كلمة "من الأجر" ليست موجودة في مطبوعة المسند، وانظر: "التعليقة على العلل " لابن عبد الهادي (ص: 38) .
(4) "المسند": (2/98) .(1/221)
247- فروى أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد الله بن محمَّد بن عَقيل قال: حدَّثتني الرُّبيع بنتُ مُعوَذ بن عَفْراء قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتينا فيكثر، فأتانا فوضعنا له الميضأة، فتوضَّأ فغسل كفيه ثلاثاً، ومضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ومسح رأسه بما بقي من وَضوءه في يديه، وغسل رجليه (1) .
واحتجُّوا:
248- بما رووا عن ابن عبَّاس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسل وجهه، ثمَّ يديه، ثمَّ رجليه، ثمَّ مسح برأسه.
وهذا لا يصحُ، ومن الجائز أن يكون شك: هل مسح رأسه أم لا؟
فمسح احتياطاً.
249- ورووا أنَ عليَّ بن أبي طالب قال: ما أبالي بأي أعضائي بدأت.
وهذا محمولٌ على تقديم الشِّمال على اليمن.
ز: 250- عن زياد- مولى بني مخزوم- قال: قيل لعليٍِّ عليه السَلام (2) : إن أبا هريرة يبدأ بميامنه في الوضوء. فدعا بماءٍ فتوضأ فبدأ بمياسره.
251- وعن عبد الله بن عمرو بن هند قال: قال عليٌّ عليه السَّلام (3) : ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت.
252- وعن أبي العبيدين [عن] (4) عبد الله بن مسعود أنََّه سئل عن
__________
(1) "المسند": (6/358) بأطول من هذا السياق.
(3،2) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - بالتسليم لم يكن من هدي السلف، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(4) زيادة استدركت من (ب) .(1/222)
رجلِ توضأ فبدأ بمياسره؟ فقال: لا بأس.
روى هذه الأحاديث الدَارَقُطْنِيُ (1) .
زيادٌ- مولى بني مخزوم-: [قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: لا شيء (2) .
وعبد الله بن عمرو بن هند:] (3) قال الدَارَقُطْنِيُ: ليس بالقويِّ (4) .
253- وروى الإمام أحمد عن جرير عن قابوس عن أبيه أن عليّاً سُئل، فقيل له: أحدنا يستعجل فيغسل شيئَا قبل شيءِ. قال: لا، حتَّى يكون كما أمره الله تعالى.
احتجَ به أحمد في رواية الأثرم (5) ، والله أعلم O.
*****
مسألة (42) : الموالاة شرطٌ.
وقال أبو حنيفة: لا تُشترط (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/88- 89) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/549- رقم: 2480) .
(3) زيادة من (ب) .
(4) في (ب) : (ليس بقوي) .
وانظر: "الميزان" للذهبي: (2/469- رقم: 4486) .
(5) ساق إسناد الإمام أحمد: ابنُ قدامة في "المغني": (1/190) .
(6) في هامش الأصل: (قال ابن أبي شيبة في مصنفه [1/45- رقم: 219) ] : ثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس- وهو ابن عمرو الهجري- روى عن علي قال: إذا توضَأ الرجل فنسي أن يمسح برأسه، فوجد في لحيته بلالاً، أخذ من لحيته=(1/223)
لنا خمسة أحاديث:
منها: حديث أُبيٍّ؛ وحديث ابن عمر، وقد سبقا (1) .
ووجه الحجَة: أَنه لا يخلو أن يكون والى أو لم يوال، لا يجوز أن يكون لم يوال، فثبت أنَّه والى.
254- الحديث الثَالث: قال أحمد ثنا موسى بن داود ثنا ابن لَهيْعَة عن أبي الزبير عن جابر أنَ عمر بن الخطَاب أخبره أَنه رأى رجلاً توضَأ للصَلاة، فترك موضع ظفرِ على ظهر قدمه، فأبصره النًبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ارجع فأحسن وضوءك". فرجع فتوضأ ثمَّ صلَّى (2) .
255- طريق آخر: قال ابن ماجه: ثنا حَرمَلة بن يحيى ثنا ابن وهب ثنا ابن لهيعة عن أبي الزُبير عن جابر عن عمر بن الخطَاب قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يتوضَأ فترك موضع الظُفر على قدمه، فأمره أن يعيد الوضوء والصَّلاة (3) .
ابنُ لَهيِعة: مجروحٌ.
ز: روى مسلم في "صحيحه" حديثَ عمرَ من رواية معقل عن أبي الزبير، ولفظه: أن رجلاً توضأ فترك موضع ظُفرِ على قدمه، فأبصره النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ارجع فأحسن وضوءك". فرجع ثمَّ صلَّى (4) O.
__________
= فمسح عليه.
وبه قال الحسن البصري وعطاء وإبراهيم النَخعيُ، وهو مذهب أبو [كذا] حنيفة" ا. هـ
(1) برقمي: (244، 245) .
(2) "المسند": (1/21) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/218- رقم: 666) .
(4) "صحيح مسلم": (1/148) ؛ (فؤاد- 1/215- رقم: 243) .(1/224)
256- الحديث الرَابع: قال أحمد: ثنا إبراهيم بن أبي العبَّاس ثنا بقيَة ثنا بحير بن سعدِ عن خالد بن معدان عن بعض أزواج النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يصلِّي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدِّرهم لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد الوضوء (2) .
ز: وروى هذا الحديث: أبو داود، وعنده: فأمره أن يعيد الوضوء والصَلاة (3) .
قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسنادٌ جيدٌ؟ قال: نعم (4) .
وقد احتجَ [به] (5) الإمام أحمد أيضاً في رواية غير واحدٍ من أصحابه.
وتكلَم فيه البيهقيُ (6) وابن حزم (7) وغيرهما بغير مستندِ قويٍّ، والله أعلم O.
257- الحديث الخامس: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أحمد بن عبد الرَحمن بن وهبِ ثنا عمِّي ثنا جرير بن حازم أنَّه سمع قتادة ثنا أنس ابن مالك أنَ رجلاً جاء إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد توضَأ وترك على قدميه مثل الظُفْرِ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارجع فأحسن وضوءك ".
__________
(1) في مطبوعة "المسند": (عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بدلاً من (عن بعض أزواج ... ) ، وكذا في "أطرافه" لابن حجر: (8/265- 266- رقم: 11017) .
(2) "المسند": (3/424) .
(3) "سنن أبي داود": (1/233- رقم: 177) .
(4) نقله أيضاً: المجد ابن تيمية في "المنتقى": (نيل- 1/175) ، وابن دقيق في "الإمام ": (2/11) .
(5) زيادة ليست في الأصل، ولا في (ب) .
(6) "سنن البيهقي": (1/83) ، وانظر: "التعليقة على العلل " لابن عبد الهادي: (ص: 157- 159) .
(7) "المحلى": (1/314- رقم: 207) .(1/225)
قال الدَّارَقُطْنيُ: تفرَّد به جرير عن قتادة، وهو ثقةٌ (1) .
ز: ورواه الإمام أحمد (2) وابن ماجه (3) وأبو داود وقال: ليس هذا الحديث بمعروف، لم يروه إلا ابن وهب (4) O.
فإن قيل: هذا الحديث قد روي من طريق آخر وفيه: "ارجع فأتمَّ وضوءك ".
قلنا: هذا يرويه الوازع بن قانع (5) ، قال أحمد (6) ويحيى (7) : ليس بثقةٍ. وقال الرَازيَّ: ذاهب الحديث (8) . وقال النَّسائيُْ: متروكٌ (9) .
*****
مسألة (43) : لا يجوز للجنب مسُّ المصحف.
وقال داود: يجوز له وللحائض.
لنا:
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/108) .
(2) "المسند": (3/146) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/218- رقم: 665) .
(4) "سنن أبي داود": (1/232- رقم: 175) .
(5) كذا بالأصل و (ب) ، وفي مطبوعة "التحقيق" وعامة كتب التراجم (نافع) ، والله أعلم.
(6) "الميزان" للذهبي: (4/327- رقم: 9320) .
(7) "التاريخ " برواية الدوري: (4/471- رقم: 5336) ؛ "العلل ومعرفة الرجال " لعبد الله بن أحمد: (3/23- 24- رقم: 3980) .
(8) "الجرح والتعديل": (9/39- رقم: 171) .
(9) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 231- رقم: 601) وفيه: (متروك الحديث) .(1/226)
258- ما روى الدَارَقُطْنيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال: حدَّثني الزُّهريُّ عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن كتاباً، فكان فيه: "لا يمسُّ القرآن إلا طاهر" (1) .
ز: هذا الذي احتجَ به المؤلف قطعةٌ من حديثٍ طويلِ فيه ذكر الصَّدَقات والديات وغيرها.
وسليمان- راوي الحديث-: اختلفوا فيه: فقيل: هو سليمان بن أرقم. وقيل: سليمان بن داود الخولانيُّ.
وقد روى الحديث بطوله الإمام أحمد (2) وأبو داود في "المراسيل" عن الحكم بن موسى، وقال أبو داود: هذا وهمٌ من الحكم (3) .
يعني قوله: (ابن داود) ، وإنَّما هو سليمان بن أرقم، وهو متروكٌ.
ورواه النَسائيُّ: عن عمرو بن منصور عن الحكم بن موسى به.
وعن الهيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران عن محمَّد بن بكَّار بن بلال عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/122) .
(2) مسند عمرو بن حزم ساقط من مطبوعة "المسند"، ولم يذكره الحافظ ابن حجر في "أطرافه"، وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في "ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد": (ص: 85) : عمرو بن حزم، وأن مسنده في الخامس عشر من مسند الأنصار.
وقد أسند بعض الحديث عن أحمد البغوي في "مسائله": (ص: 85، 109- رقمي: 73، 99) ، وانظر: "الكامل" لابن عدي: (3/275- رقم: 747) .
(3) " المراسيل ": (ص: 213- رقم: 259) .(1/227)
وقال: هذا أشبه بالصَواب، وسليمان بن أرقم: متروك الحديث (1) .
ورواه أبو القاسم الطَّبرانيُ عن محمَّد بن عبد الله الحضرمي عن الحكم (2) .
ورواه أبو حاتم بن حِبَان في "صحيحه" وقال: سليمان بن داود الخولانيُ من أهل دمشق، ثقةٌ مأمون؛ وسليمان بن داود اليماميُ لا شيء؛ وجميعاً يرويان عن الزهري (3) .
وقال أبو حاتم: سليمان: لا بأس به، يقال: إنَّه سليمان بن أرقم، فالله أعلم (4) .
وقال أبو الحسن بن البَراء عن عليِّ بن المديني: منكر الحديث.
وضعَّفه (5) .
وقال أبو يعلى الموصليُ عن يحيى بن معينِ: ليس بمعروفِ، وليس يصحُ هذا الحديث (6) .
وقال أبو بكر ابن أبي خيثمة (7) وعثمان بن سعيد الدَارميُ عن يحيى بن معين: ليس بشيءِ.
قال عثمان: أرجو أنَه ليس كما قال [يحيى] (8) ، فإنَّ يحيى بن حمزة
__________
(1) "سنن النسائي": (8/57- 59- رقمي: 4853- 4854) .
(2) "الأحاديث الطوال ": (مع المعجم الكبير- 25/310- رقم: 56) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (14/501- 515- رقم: 6559) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/110- رقم: 486) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (11/417- رقم: 2512) .
(6) "الكامل" لابن عدي: (3/274- رقم: 747) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/110- رقم: 486) .
(8) زيادة من (ب) ومطبوعة "التاريخ".(1/228)
روى عنه أحاديث حساناً، كأنَّها (1) مستقيمة (2) .
وقال أبو القاسم البغويَّ: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن حديث الصَّدقات- الذي يرويه يحيى بن حمزة- أصحيحٌ هو؟ فقال: أرجو أن يكون صحيحاً. يعني حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزُّهريِّ (3) .
وقال أبو الحسن الهرويَّ: الحديث في أصل يحيى بن حمزة: (عن سليمان ابن أرقم) غلط عليه الحكم (4) .
__________
(1) في هامش الأصل: (خ: كلها) وهكذا هو في (ب) ومطبوعة "التاريخ "، وفي "الجرح والتعديل " كما بالأصل.
(2) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 123- رقم: 386) .
(3) هكذا أورد. الحافظ المزي في "تهذيب الكمال": (11/418- رقم: 2512) ، وهو عند ابن عدي في "الكامل": (3/275- رقم: 747) في ترجمة سليمان بن داود الخولاني إلى قوله (أرجو أن يكون صحيحاً) .
وأما في مطبوعة "مسائل أحمد" للبغوي: (ص: 51- رقم: 38) فجاء النص فيها كما يلي:
(وسئل أحمد عن حديث عمرو بن حزم في الصدقات صحيح هو؟ فقال: أرجو أن يكون صحيحا) ، ثم أعاده في موضع آخر: (ص: 84- رقم: 72، 73) كما سبق وزاد: (حدثني الحكم بن موسى وأنا سألته أنبأنا- كذا- يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال: حدثني الزهري عن أبي بكر [بن] محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن كتاباً فيه الفرائض ... وذكر الحديث) ا. هـ
فهل تصحيح الإمام أحمد لرواية الحكم بن موسى هذه كما ورد النص عليه عند ابن عدي والمزي، أم هو راجع لأصل الحديث؟ يؤيد الثاني ما ذكره أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه": (1/454- رقم: 1150) قال: (عرضت على أحمد بن حنبل حديث يحيى بن حمزة الطويل في الديات، فقال: هذا رجل من أهل حران يقال له: سليمان بن أبي داود- كذا- ليس بشيء) ا. هـ والله أعلم.
(4) "الميزان" للذهبي: (2/201- رقم: 3448) .(1/229)
وقال أبو زرعة الدِّمشقيُ: الصَواب: سليمان بن أرقم (1) .
وقال ابن مَنْدَه: رأيت في كتاب يحيى بن حمزة بخطّه: (عن سليمان بن أرقم عن الزُّهريَّ) وهو الصَّواب (2) .
وقال صالح جزرة: ثنا دحيم قال: نظرت في كتاب يحيى حديثَ عمرو ابن حزم في الصَّدقات، فإذا هو: عن سليمان بن أرقم. قال صالح: فكتب هذا الكلام عنِّي مسلم بن الحجَّاج (3) .
وقال أبو بكر البيهقيُ: وقد أثنى على سليمان بن داود: أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ، ورأوا هذا الحديث الذي رواه في الصَدقات موصول الإسناد حسناً، والله أعلم (4) .
وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم جميع الكتب كتاباً أصحُ من كتاب عمرو بن حزم، كان أصحاب النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم (5) .
259- وقد روى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا الحسن بن أبي الرَّبيع أنا عبد الرَّزاق أنا معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال: كان في كتاب النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم: "لا يمسُّ القرآن إلا على طهر".
__________
(1) "الميزان" للذهبي: (2/201- رقم: 3448) .
(2) المرجع السابق.
(3) "الميزان" للذهبي: (2/201- 202 رقم: 3448) .
(4) "السنن الكبرى": (4/90) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (11/419- رقم: 2512) . وللحافظ الذهلي كلام مهم حول الحديث رواه عنه العقيلي في "الضعفاء الكبير": (2/127- 128- رقم: 609) .(1/230)
قال الدَّارَقُطْنيُ: هو مرسلٌ، ورواته ثقات (1) .
260- وقال الإمام عثمان بن سعيد الدَّارميُ: ثنا نعيم بن حمَّاد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب لعمرو بن حزم ... وساق نعيم الحديث بطوله (2) .
261- وقال الدَارَقُطْنِيُ: حدَثنا الحسن بن إسماعيل ثنا سعيد بن محمَّد ابن ثواب ثنا أبو عاصم أنا ابن جريج عن سليمان بن موسى قال: سمعت سالماً يحدّث عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمسُ القرآن إلا طاهر" (3) .
سليمان بن موسى: قال البخاريُّ: عنده مناكير (4) . وقال النَّسائيُ: ليس بالقوي في الحديث (5) . ووثقه يحيى بن معين (6) ودُحيم (7) والترمذيَّ (8)
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/121) .
(2) "النقض على المريسي": (2/615) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/121) .
(4) "التاريخ الكبير": (4/39- رقم: 1888) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 116- رقم: 252) .
(6) في "التاريخ " برواية الدارمي: (ص: 46، 117- رقمي: 26، 360) قال: (قلت: فما حال سليمان بن موسى في الزهري؟ فقال [يحيى] : ثقة) ا. هـ
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (12/95- رقم: 2571) ، وفي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/141- رقم: 615) : (حدثني أبي قال سمعت دحيماً يقول: أوثق أصحاب مكحول سيمان بن موسى) .
(8) لم نقف عليه في النسخة المطبوعة من "الجامع" ولا في "تحفة الأشراف"، ولكن ذكر المصنف في "المحرر": (2/234- رقم: 343) نص كلام الترمذي فقال:- بعد أن ذكر حديث ابن عمر-: "إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل ... "-: (رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث) ا. هـ وظاهر هذا النقل أن كلام الترمذي في "الجامع" والذي في المطبوع و"تحفة الأشراف" أول جملة منه فقط.
ونقل عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى": (2/46) نحواً من الكلام السابق عن=(1/231)
وابنُ عَدِي (1) وغيرهم.
262- وعن مطر عن حسَان بن بلال عن حَكيم بن حزام أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تمسّ القرآن إلا وأنت طاهرٌ".
رواه أبو القاسم اللالكائيُ بإسناده (2) ، وفيه نظرٌ.
ورواه الدَارَقُطْنِيُ، ولفظه: "لا تمسّ القرآن إلا وأنت على طهرٍ".
وقال: كلُهم ثقات (3) .
263- وقال أبو بكر عبد الله بن أبي داود: ثنا أحمد بن الحباب الحميريَّ ثنا أبو صالح الحكم بن المبارك الخاشْتيُ ثنا محمَّد بن راشد عن إسماعيل المكيَّ عن القاسم بن أبي بزة عن عثمان بن أبي العاص قال: كان فيما عهد إليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تمسّ المصحف وأنت غير طاهرٍ" (4) .
264- قال عبد الله: ونا أبو طاهر ثنا ابن وهب أخبرني مالك عن
__________
= الترمذي، ولم يصرح بمصدره (هل هو"الجامع" أم "العلل الكبير"؟) ، وأورد كلام الترمذي أيضاً ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام ": (4/574- 579- رقم: 2114- 2118) وظاهر كلامه أنه في "العلل"، لأنه ساق كلاماً مطولاً للبخاري من "العلل" للترمذي وقال بعده: (ثم قال الترمذي: هو [سليمان] ثقة عند أهل الحديث ... إلخ) فظاهر هذا أنه في "العلل"، ولما رجعنا إلى "العلل الكبر": (ص: 257- رقم: 464 وما بعده) وجدنا كلام البخاري ولم نجد كلام الترمذي! فلا زال الأمر بحاجة إلى مزيد تحرير، ومراجعة للأصول الخطية للكتابين، والله أعلم.
(1) "الكامل": (3/270- رقم: 741) وفيه: (وهو عندي ثبت صدوق) .
(2) "شرح أصول اعتقاد أهل السنة": (2/345- رقم: 574) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/122- 123) .
ولم نر في مطبوعة "السنن" كلمة: (كلهم ثقات) ، ولا ذكرها الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة": (4/322- رقم: 4327) ، ولعلها في نسخة أخرى لـ "السنن"، والله أعلم.
(4) " المصاحف ": (ص: 212) .(1/232)
إسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقَّاص عن مصعب بن سعد أنَّه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقَاص فاحتككت، فقال سعد: لعلك مسست ذكرك؟ قلت: نعم. قال: قم فتوضأ. فقمت فتوضَّأتُ ثُمَّ رجعتُ (1) .
كذا رواهما أبو بكر بن أبي داود في كتاب "المصاحف".
وحديث عثمان بن أبي العاص: منقطعٌ، لأنَّ القاسم لم يدرك عثمان؛ وإسماعيل بن مسلم المكيُ: ضعيفٌ، تركه بعضهم.
وحديث مصعب بن سعد: رواه مالك في "الموطأ" (2) .
265- وقال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أحمد بن محمَّد بن إسماعيل الآدميُ ثنا محمَّد ابن عبيد الله المنادي ثنا إسحاق الأزرق ثنا القاسم بن عثمان البصريَّ عن أنس بن مالكِ قال: خرج عمر متقلداً بالسَّيف، فقيل له: إنَ ختنك وأختك قد صبوا. فأتاهما عمر وعندهما رجل من المهاجرين يقال له: خبَّاب، وكانوا يقرؤون "طه "، فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه- وكان عمر يقرأ الكتب-. فقالت له أخته: إنك رجسٌ، ولا يمسُّه إلا المطهَّرون، فقم فاغتسل أو توضأ. فقام عمر فتوضَّأ، ثُمَّ أخذ الكتاب فقرأ: "طه" (3) .
ورواه أبو يعلى الموصليُّ بطريقِ عن إسحاق الأزرق مطوَلاً (4) .
__________
(1) "المصاحف ": (ص: 211) .
(2) " الموطأ": (1/42) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/123) .
(4) لم نقف عليه في الرواية المطبوعة من "مسند أبي يعلى" وهي رواية ابن حمدان، وهو في رواية ابن المقرئ فقد ساقه الحافظ ابن حجر بإسناد أبي يعلى في "المطالب العالية": (4/373- رقم: 4226) .(1/233)
وقال الطَّبراني: تفرَّد به القاسم (1) .
وقال الدَارَقُطْنيُّ: القاسم بن عثمان ليس بالقوي (2) . وقال البخاريَّ: له أحاديث لا يتابع عليها (3) .
266- وعن عبد الرَحمن بن يزيد قال: كنَّا مع سلمان فخرج فقضى حاجته ثمَّ جاء، فقلت: يا أبا عبد الله، لو توضأت لعلنا أن نسألك عن آيات؟! قال: إني لست أمسُّه، إنَّما لا يمسُه إلا المطهرون. فقرأ علينا ما شئنا.
رواه الدَارَقُطْنِيُ وصحَحه (4) O.
*****
مسألة (44) : لا يجوز للجنب أن يقرأ بعض آية.
وعنه: يجوز.
وقال داود: يجوز أن يقرأ.
وقال مالك: يقرأ آياتِ يسيرة للتعوُذ.
لنا:
267- ما روى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا البغويَّ ثنا داود بن رشيد ثنا إسماعيل
__________
(1) "المعجم الأوسط": (2/240- رقم: 1860) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/123) .
(3) "الميزان" للذهبي: (3/375- رقم: 6825) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/124) .(1/234)
ابن عيَّاش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن" (1) .
وقد رواه مغيرة بن عبد الرَّحمن وأبو معشر كلاهما عن موسى بن عقبة، وهما وإسماعيل بن عيَّاش كلُهم ضعفاء مجروحون.
ز: وروى هذا الحديث: ابن ماجه (2) والترمذيَّ وقال: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عيَّاش (3) .
وقد رواه الدَارَقُطْنِيُّ من غير طريق ابن عيَّاش كما ذكر المؤلف، فقال: 268- حدثنا محمَّد بن حَمدُويه المروزيَّ ثنا عبد الله بن حمَّاد الآمُليُّ ثنا عبد الملك بن مسلمة قال: حدَّثني المغيرة بن عبد الرَحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يقرأ الجنب شيئاً من القرآن".
قال الدَارَقُطْنِيُ: عبد الملك هذا كان بمصر، وهذا غريبٌ عن مغيرة بن عبد الرَّحمن، وهو ثقةٌ (4) .
وقال ابن حِبَّان: عبد الملك بن مسلمة يروي مناكير كثيرة (5) . وقال ابن يونس: منكر الحديث (6) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: مضطرب الحديث، ليس بالقوي، حدَّثني بحديثٍ في الكرم عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبريل، حديث
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/117) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/195- 196- رقمي: 595- 596) .
(3) "الجامع": (1/174- رقم: 131) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/117) .
(5) "المجروحون": (2/134) .
(6) "الميزان": (2/664- رقم: 5251) .(1/235)
موضوع (1) . وقال أبو زرعة: ليس بالقويِّ، منكر الحديث (2) .
269- قال الدَارَقُطنِيُ: وحدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن إسماعيل الحسَّانيُ عن رجلٍ عن أبي مَعشر عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الحائض والجنب لا يقرآن من القرآن شيئاً " (3) .
فيه رجلٌ [مبهم] (4) ، وآخر ضعيفٌ - وهو: أبو مَعشر نَجيح بن عبد الرحمن-.
وقد قال عبد الله بن أحمد في حديث إسماعيل بن عيَّاش عن موسى بن عقبة: عرضت على أبي هذا الحديث، فقال: هذا حديث باطلٌ (5) .
وقال ابنُ عَدِي: ليس لهذا (6) الحديث أصلٌ- وفي بعض النُسخ: من حديث عبيد الله (7) -.
وضعَّفه البخاريَّ (8) والبيهقيُ (9) وغيرهما.
وقد رواه الدَارَقُطنيُ أيضاً: من رواية سعيد بن يعقوب الطَالقاني وإبراهيم بن العلاء الزبيدي عن إسماعيل بن عيَّاش عن موسى بن عقبة
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/371- رقم: 1735) .
(2) المرجع السابق.
(3) "سنن الدارقطني": (1/118) .
(4) في الأصل و (ب) : (متهم) وهو خطأ.
(5) "العلل" برواية عبد الله: (3/381- رقم: 5675) .
(6) في (ب) : (هذا) .
(7) "الكامل": (1/298- رقم: 127) وما زاده ابن عبد الهادي من بعض النسخ هو المثبت في مطبوعة "الكامل"، وستأتي إشارة بل رواية من رواه عن ابن عياش عن موسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر.
(8) "العلل الكبير" للترمذي: (ترتيبه- ص: 58- 59- رقم: 75) ؛ وانظر: "الجامع": (1/175- رقم: 131) .
(9) "المعرفة": (1/190- رقم: 116) ، " الخلافيات ": (2/23- 24- رقم: 318) .(1/236)
وعبيد الله بن عمر عن نافع (1) .
وقال ابن عَدي: زاد في هذا الإسناد عن ابنِ عيَّاش: إبراهيمُ بنُ العلاء وسعيدُ بنُ يعقوبَ الطَّالقانيُ، فقالا: عبيد الله وموسى بن عقبة (2) .
وقال شيخنا أبو الحجَاج: رواه محمَّد بن بكيرٍ الحضرميُ عن إسماعيل بن عيَّاش [عن] (3) موسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر عن نافع (4) .
وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي- وذكر حديث إسماعيل بن عيَّاش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن "-، فقال أبي: هذا خطأٌ، إنَما هو عن ابن عمر قوله (5) .
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتاب "الأطراف ": قد رواه عبد الله ابن حمَّاد الآمليُ عن القعنبيَّ عن المغيرة بن عبد الرَحمن عن موسى بن عقبة (6) .
وقوله: (عن القعنبي) وهمٌ، فإن عبد الله بن حمَّاد إنَما رواه عن عبد الملك بن مسلمة المصري، وهو ضعيفٌ كما تقدَم (7) .
وقال الحافظ محمَّد بن عبد الواحد- بعد ذكر حديث إسماعيل بن عيَّاش-:
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/117) .
(2) "الكامل": (1/298- رقم: 127) .
(3) في الأصل و (ب) : (و) ، والتصويب من "تحفهَ الأشراف ".
(4) "تحفة الأشراف": (6/240- رقم: 8474) .
(5) "العلل": (1/49- رقم: 116) .
(6) انظر: "تحفة الأشراف" للمزي: (6/240- رقم: 8474) .
(7) ص: (235) .(1/237)
قلت: إسماعيل بن عيَّاش: تكلَم فيه غير واحدٍ من أهل العلم، غير أنَ بعض الحفَاظ قال: قد روي من غير حديثه بإسنادٍ لا بأس به، والله أعلم.
وكأنه أشار إلى ما ذكره الحافظ أبو القاسم.
وقول المؤلف في مغيرة بن عبد الرَحمن: (أنه ضعيفٌ مجروح) وهمٌ، فإنَه ثقةٌ من رجال "الصَحيحين " (1) ، وهو: الحزاميُ لا المخزوميُّ، وإن كانا يرويان عن موسى بن عقبة فيما قيل O.
270- قال الئَارَقُطْنِيُ: وثنا ابن صاعد ثنا عبد الله بن عمران العابديَّ ثنا سفيان عن مِسْعر وشعبة عن عمرو بن مُرَة عن عبد الله بن سلِمة عن عليٍّ قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحجبه عن قراءة القرآن شيءٌ إلا أن يكون جنباً (2) .
قال عمرو بن مرَة في عبد الله بن سلِمة: تعرف وتنكر (3) .
ز: وروى هذا الحديث: أحمد (4) وأبو داود (5) وابن ماجه (6) والترمذيَّ (7) والنَسائيُ (8) ، ولفظ أبي داود: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج من
__________
(1) "التعديل والتجريح " للباجي: (2/729- رقم: 654) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/225- رقم: 1554) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/119) .
(3) "العلل" برواية عبد الله بن أحمد: (2/127، 3/227- رقمي: 1824، 4991) ؛ "المعرفة والتاريخ " للفسوي: (2/658) ؛ "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/260- 261- رقم: 813) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/73- رقم: 345) وسيأتي قريبا نقل هذا النص عن البخاري أيضاً.
(4) "المسند": (1/83، 84، 107، 124، 134) .
(5) "سنن أبي داود": (1/260- رقم: 232) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/195- رقم: 594) .
(7) "الجامع": (1/190- رقم: 146) .
(8) "سنن النسائي": (1/144- رقمي: 265- 266) .(1/238)
الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجُبُه- أو قال: يحجُزه- عن القرآن شيءٌ ليس الجنابة.
ولفظ حديث الترمذي: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرئنا القرآن على كل حالِ ما لم يكن جنباً.
وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه أبو حاتم بنُ حِبَان (1) والحاكم وقال: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، والشَيخان لم يحتجَّا بعبد الله بن سلِمة، ومدار الحديث عليه، وعبد الله ابن سلِمة: غير مطعونِ فيه (2) .
وذكر أبو بكر البزَّار أنَّه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مُرَة عن عبد الله بن سلِمة (3) .
وحكى البخاريَّ عن عمرو بن مُرَة: كان عبد الله- يعني ابن سلِمة- يحدِّثنا فتعرف وتنكر (4) ، وكان قد كبر، لا يتابع في حديثه (5) .
وقال العِجليُ: عبد الله بن سلِمة: كوفيٌ، تابعيٌ ثقةٌ (6) . وقال يعقوب بن شيبة: ثقةٌ يعدُ في الطبقة الأولى من فقهاء الكوفة بعد الصَحابة (7) .
__________
(1) "الإحسان" لابن بلبان: (3/79، 80- رقمي: 799، 800) .
(2) "المستدرك": (1/152؛ 4/107) .
(3) "مسند البزار": (2/287- رقم: 708) .
(4) هكذا بالأصل و (ب) وفي مطبوعة "التاريخ": (فنعرف وننكر) .
(5) "التاريخ الكبير": (5/99- رقم: 285) .
(6) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 2/32- رقم: 898) .
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (15/52- رقم: 3313) .(1/239)
وقال أبو حاتم (1) والنَسائيُ (2) : تعرف وتنكر. وقال ابنُ عَدِيٍّ: أرجو أنَّه لا بأس به (3) . وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: لم يرو أحدٌ: "لا يقرأ الجنب ... "، غير شعبة عن عمرو بن مُرَة عن عبد الله بن سلِمة (4) .
وقال غيره: قد رواه عن عمرو بن مُرَة أيضاً غير شعبة: سليمان الأعمش ومِسْعر ومحمَّد بن عبد الرَّحمن [بن أبي ليلى] (5) .
وذكر الشَّافعيُ هذا الحديث، وقال: وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه.
قال البيهقيُ: وإنَّما توقَف الشَافعي في ثبوتِ هذا الحديث لأنَ مداره على عبد الله بن سلِمة الكوفي، وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنَما روى هذا الحديث بعد ما كبر- قاله شعبة- (6) .
وذكر الخطَّابيُّ أنَ الإمام أحمد بن حنبل كان يوهن حديث عليٍّ هذا، ويضعِّف أمر عبد الله بن سلِمة (7) .
وقال سفيان بن عيينة: سمعتُ هذا الحديث من شعبة، وقال شعبة: لم يرو [] (8) عمرو بن مُرَة أحسن من هذا الحديث (9) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/74- رقم: 345) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 146- رقم: 347) .
(3) "الكامل": (4/170- رقم: 989) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (4/170- رقم: 989) من رواية ابن أبي عصمة عن أبي طالب.
(5) زيادة من (ب) .
(6) "المعرفة": (1/188- رقم: 110) .
(7) "معالم السنن": (1/156- رقم: 217) .
(8) في الأصل زيادة (عن) هنا وكأنها مقحمة، والمثبت من (ب) و"الكامل".
(9) "الكامل" لابن عدي: (4/170- رقم: 989) من رواية ابن المديني عنه.(1/240)
وقال شعبة: لا أرى (1) أحسن منه عن عمرو بن مُرَة (2) .
وكان شعبة يقول في هذا الحديث: هذا ثلث رأس مالي (3) .
271- وعن عليٍّ وأبي موسى قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عليّ، إنِّي أرضى لك ما أرضى لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقرأ القرآن وأنت جنبٌ، ولا وأنت راكعٌ، ولا وأنت ساجدٌ، ولا تصلِّ وأنت عاقصٌ شعرك، ولا تدبح تدبيح الحمار" (4) .
رواهُ الدَّارَقُطْنيُّ من رواية أبي نعيم النَّخعيَّ- واسمه عبد الرَحمن بن هانىء (5) -، قال الإمام أحمد: ليس بشيءٍ (6) . وكذَّبه يحيى بن معين (7) ، وقال أبو حاتم الرَازيَّ: لا بأس به، يكتب حديثه (8) . وقال ابن عَديٍّ: عامة ماله لا يتابعه الثقات عليه (9) .
وأبو نعيم يرويه عن أبي مالك النخعيَّ (10) عبد الملك بن حسين، وقد
__________
(1) كذا في الأصل و (ب) ، وفي "الكامل" و"تهذيب الكمال": (لا أروي) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (4/170- رقم: 989) من رواية ابن عيينة.
(3) "صحيح ابن خزيمة": (1/104- رقم: 208) .
(4) في "النهاية" (2/97- مادة: دبح) : (هو الذي يطأطئُ رأسه في الركوع حتى يكون أخفض من ظهره، وقيل: "دبَّح تَدبيِحاً" إذا طأطأ رأسه، و"دبَّح ظهره" إذا ثناه فارتفع وسطه كأنه سنام) ا. هـ
(5) "سنن الدارقطني": (1/118- 119) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (3/386- رقم: 5691) .
(7) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 165- رقم: 555) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/298- رقم: 1412) .
(8) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/298- رقم: 1412) .
(9) "الكامل": (3/317- رقم: 1144) .
(10) أقحمت هنا في مطبوعة "سنن الدارقطني": (عن) .(1/241)
قال يحيى بن معينِ في أبي مالكِ: ليس بشيءِ (1) . وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث (2) .
272- وعن يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر قال: لا تقرأ الحائض ولا الجنب ولا النفساء القرآن.
رواه الدَارَقُطْنِيُ (3) .
__________
(1) "معرفة الرجال" برواية ابن محرز: (1/58؛ 2/98- رقمي: 68، 263) ؛ "الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (5/347- رقم: 1641) من رواية الدوري، ولم نقف عليه في المطبوع.
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/347- رقم: 1641) .
(3) "سنن الدارقطني" (1/121) .
جاء في (ب) هنا زيادة وهي: (ولا يحيى بن أبي شيبة [كذا، وصوابه: أنيسة] كذبه أخوه زيد، وتركه أحمد والنسائي وغيرهما) ثم كتب في آخرها بخط صغير (إلى) ، وهي تفيد أن قبلها كلاماً مضروباً عليه يبدأ من الكلمة التي يكتب فوقها (لا) وهذا ما لم نره في النسخة، ولكن يبدو أن (لا) التي وردت في أول العبارة كانت في الأصل مكتوبة بخط صغير فوق كلمة (يحيى) فظنها الناسخ من صلب الكتاب فأدخلها فيه.
والظاهر- والعلم عند الله- أن هذا الكلام من تعليقات ابن عبد الهادي على الكتاب، فهو يشبه كلامه وطريقته في حواشي الكتاب.
ولكن هناك أمرٌ آخر، وهو أن الدارقطني روى هذا الأثر في "سننه" بإسناده إلى سليمان أبي خالد قال: (عن يحيى عن أبي الزبير عن جابر قال: لا تقرأ الحائض ... إلخ) ثم جاء في المطبوعة (يحيى هو ابن أبي أنيسة ضعيف) .
ولما أورد الحافظ ابن حجر هذا الأثر في "إتحاف المهرة" (3/532- رقم: 3676) وضعه تحت ترجمة: (يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر) . ولم ينقل كلام الدارقطني السابق.
ويؤيد ما ذكره ابن حجر: أن المزي لم يذكر ابن أبي أنيسة في الرواة عن أبي الزبير، ولا ذكره في من روى عنهم أبو خالد الأحمر.
ولكن قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": (1/147) في كلامه على هذا الأثر: (فيه يحيى ابن أبي أنيسة، وهو كذاب، وقال البيهقي: هذا الأثر ليس بالقوي) ا. هـ وكلام البيهقي يشعر بأن يحيى الذي في الإسناد عنده هو ابن أبي أنيسة. (انظر: "سنن البيهقي": 1/89؛ " الخلافيات ": 2/42- رقم: 329) .(1/242)
272- وعن محمَّد بن الفضل عن أبيه عن طاوس عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقرأ الحائض ولا النفساء شيئاً من القرآن".
رواه الدَارَقُطْنِيُ أيضاً (1) ، ومحمَّد بن الفضل: كذَّبه يحيى بن معينٍ (2) ، وقال أحمد: ليس بشيءٍ، حديثه حديث أهل الكذب (3) . وقال النَسائيُ: متروك الحديث (4) .
وأبوه ضعَّفه الفلاَّس (5) وابن عَديٍّ (6) .
273- وعن عامر بن السِّمط ثنا أبو الغريف الهمدانيُ قال: كنا مع عليٍّ عليه السَلام (7) في الرَحبة، فخرج إلى أقصى الرَّحبة، فوالله ما أدرى أبولاً أحدث أم غائطاً؟ ثمَّ جاء فدعا بكوزٍ من ماءٍ، فغسل كفَّيه ثمَّ قبضهما إليه، ثم قرأ صدراً من القرآن، ثمَّ قال: اقرؤوا القرآن ما لم يصب أحدكم
__________
= وقد أخرج نحوه ابن المنذر في "الأوسط": (1/97- رقم: ث 621) من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر.
إذا تبين هذا فهناك احتمال آخر لما وقع في النسخة (ب) وهو أن الحافظ ابن عبد الهادي ذهب في بادئ الأمر إلى أن يحيى هو ابن أبي أنيسة، ثم تبين له خلاف ذلك، فضرب على الكلام في ابن أبي أنيسة، وفاته أن يضرب على تصريحه بنسبته في حكايته للإسناد، ولذا حذف ناسخ الأصل هذه الجملة، والله تعالى أعلم.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/87) .
(2) "من كلام ابن معين في الرجال " برواية ابن طهمان: (ص: 106- رقم: 334) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/549- رقم: 3601) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 210- رقم: 542) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/64- رقم: 366) .
(6) "الكامل": (6/14- رقم: 1560) ، وليس فيه كلام واضح في تضعيفه، وقد قال الذهبي في "الميزان": (3/354- رقم: 6738) مثل قول ابن عبد الهادي: (ضعفه الفلاس وابن عدي) ، فقد يكون المراد أنه ذكره في كتابه في الضعفاء، والله أعلم.
(7) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة- رضي الله عنهم- بالتسليم لم يكن من هدي السلف، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.(1/243)
جنابةً، فإن أصابه (1) فلا ولا حرفاً واحداً.
رواه الدَارَقُطْنِيُ، وقال: صحيحٌ عن عليٍّ (2) .
274- وقال أحمد: ثنا عائذ بن حبيب حدَثني عامر بن السِّمط عن أبي الغريف قال: أُتي عليٌّ بوَضوءٍ، فمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه وذراعيه ثلاثاً، ثمَّ مسح برأسه، ثمَّ غسل رجليه، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ. ثمَّ قرأ (3) شيئاً من القرآن، ثمَّ قال: هذا لمن ليس بجنبٍ، فأمَا الجنب فلا ولا آية (4) .
أبو الغريف سيأتي الكلام عليه في المسح (5) .
275- وعن زَمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة قال: كان عبد الله بن رواحة مضطجعاً إلى جنب امرأته، فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة، فوقع عليها، وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه، فقامت، فخرجت، فرأته على جاريته، فرجعت إلى البيت، فأخذت الشَّفرة، ثمَّ خرجت، وفرغ، فقام فلقيها تحمل الشَفرة، فقال: مَهْيَم؟ قالت: لو أدركتك حيث رأيتك لوجأت بين كتفيك بهذه الشَفرة. قال: وأين رأيتني؟
قالت: رأيتك على الجارية. فقال: ما رأيتني، وقد نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنبٌ. قالت: فاقرأ. فقال:
أتانا رسول الله يتلو كتابه ... كما لاح مشهور من الفجر ساطع
__________
(1) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (أصابته جنابة) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/118) .
(3) "المسند": (1/110) .
(4) أي: علي رضي الله عنه، والله أعلم.
(5) ص: (337) .(1/244)
أتانا (1) بالهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنَ ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشِه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
فقالت: آمنت بالله، وكذَّبت البصر. ثُمَّ غدا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فضحك حتَّى بدت نواجذه.
رواه الدَارَقُطنيُ هكذا مرسلاً، ورواه من وجهِ آخر عن زَمعة عن سلمة عن عكرمة عن ابن عبَاسِ متصلاً (2) .
وزَمعة بن صالح: ضعَّفه أحمد (3) ويحيى (4) وأبو حاتم (5) وغيرهم، وقال أبو زرعة: واهي الحديث (6) . وقال البخاريَّ: يخالف في حديثه، تركه ابن مهديٍّ أخيراً (7) . وقال ابن معين مرَّةَ: صويلح الحديث (8) . وقال ابن عَدِيٍّ: ربَّما يهم في بعض ما يرويه، وأرجو أنَّ حديثه صالحٌ لا بأس به (9) .
وسلمة بن وهرام: قال أحمد: روى عنه زَمعة أحاديث مناكير، أخشى أن يكون حديث ضعيفاً (10) . وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معينِ،
__________
(1) في (ب) ومطبوعة "سنن الدارقطني": (أتى) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/120- 121) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/531- رقم: 3505)
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/75- رقم: 302) ؛ ورواية ابن طهمان: (ص: 46- رقم: 62) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/624- رقم: 2823) .
(6) المرجع السابق.
(7) "التاري الكبير ": (3/451- رقم: 1505) .
(8) "التاريخ" برواية الدوري: (3/75- رقم: 302) .
(9) "الكامل": (3/232- رقم: 744) .
(10) "العلل" برواية عبد الله: (3/527- رقم: 3479) .(1/245)
وأبو زرعة: ثقة (1) . وقال أبو داود: ضعيفٌ (2) . وقال ابن عَدِي: أرجو أنَه لا بأس بروايات الأحاديث التي يرويها عنه غيرُ زَمعة (3) . وذكره ابن حِبَان في كتاب "الثقات" (4) ، والله أعلم O.
*****
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/175- رقم: 762) .
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (11/329- رقم: 2474) .
(3) "الكامل": (3/340- رقم: 789) ، وسقطت من المطبوعة كلمة (غير) فانعكس المراد، والله المستعان.
(4) "الثقات": (6/399) وفيه: (يعتبر بحديثه من غير رواية زمعة بن صالح عنه) ا. هـ(1/246)
مسائل نواقض الطهارة
مسألة (45) : إذا نام على حالة من أحوال الصَّلاة نوماً يسيراً لم يبطل وضوءه.
وعنه: ينقض في حقِّ الرَاكع والسَاجد بكل حالٍ، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة وداود: لا ينقض إلا (1) في حال الاضطجاع.
وقال الشَّافعيُ: ينقض إلا في حال الجلوس.
لنا:
276- ما روى أحمد: ثنا عبد السَلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرَّحمن عن قتادة عن أبي العالية الرِّياحي عن ابن عبَاسٍ أنَّ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس على من نام ساجداً وضوء حتَّى يضطجع، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله" (2) .
__________
(1) (إلا) سقطت من (ب) .
(2) الذي وقفنا عليه في مطبوعة "المسند": (1/256) و"أطرافه" لابن حجر: (3/59- رقم: 3250) من طريق الإمام أحمد عن عبد الله بن محمد عن عبد السلام بن حرب.
وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن عبد الهادي في الحاشية، فجاء في هامش الأصل ما نصه: (قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبي ثنا عبد الله بن محمد، قال: وسمعته أنا من عبد الله بن محمد، ثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أنَّ النيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على من نام ساجداً وضوء حتى يضطجع فإذا اضطجع استرخت مفاصله".
قال أبو حفص الفلاس: حدثنا يحيى بن سعيد عن المغيرة بن زياد، وثناه وكيع ثنا مغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: ليس على النائم جالساً وضوء حتىَ يضع جنبه. وقال:=(1/247)
قالوا: قال الدارَقُطْنيُ: تفرد به يزيد- وهو الدَّالانيُ- عن قتادة، ولا يصحُ (1) .
قال ابن حِبَّان: كان كثير الخطأ، لا يجوز الاحتجاج به (2) .
وقد رواه ابن أبي عروبة عن قتادة موقوفاً.
قلنا: قد ذكرنا أنَّ مذهب المحدثين إيثار قول من وقف الحديث احتياطاً، وليس هذا بشيءٍ.
وقول الدَارَقُطْنِيُ: (لا يصح) دعوى بلا دليلٍ! وقد قال أحمد (3) : يزيد لا بأس به (4) .
ورواية من وقفه لا تمنع كونه مرفوعاً، فإنَ الرَاوي قد يسند وقد يفتي بالحديث (5) .
ز: وقد روى هذا الحديث: أبو داود (6) والترمذيَّ (7) والدَارَقُطنيُ (8) .
وقال أبو داود: هو حديث منكر، لم يروه إلا يزيد الدَالاني.
__________
= ما هذا؟!! إنما هذا قول عطاء. وثناه عن ابن جريج عن عطاء قال: ليس عليه وضوء حتَّى يضع جنبه) ا. هـ
وكلام الفلاس خرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير": (4/175- رقم: 1752) في ترجمة المغيرة بن زياد، ووقع في مطبوعة "الضعفاء الكبير" بعض المخالفة لما نقل من هامش الأصل، والله أعلم.
(1) "سنن الدارقطني": (1/160) .
(2) "المجروحون" لابن حبان: (3/105) باختصار، وسيأتي بتمامه في "التنقيح" بعد أسطر. (3) أقحمت في (ب) هنا كلمة (بن) .
(4) "الميزان" للذهبي: (4/432- رقم: 9723) .
(5) انظر ما سبق في كلام المنقح: (ص: 207) .
(6) "سنن أبي داود": (1/247- 248- رقم: 204) .
(7) "الجامع": (1/118- 119- رقم: 77) .
(8) "سنن الدارقطني": (1/160) .(1/248)
وقال الترمذيَّ: وقد رواه سعيد عن قتادة عن ابن عبَاسِ قوله، لم يذكر أبا العالية، ولم يرفعه.
وقال إبراهيم الحربيُّ: هو حديثٌ منكرٌ.
وذكر ابن حِبَان أن يزيد الدَالانيَ كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، يخالف الثَّقات في الروايات، حتَّى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصَّناعة علم أنَّها معمولة أو مقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات؟! (1) .
وقد أخطأ ابنُ حِبَان في ترجمة الدَالاني، فلذلك ضعَّفه (2) ، وقال أبو حاتم: يزيد صدوقٌ [ثقةٌ] (3) . وقال يحيى بن معينِ (4) والنَسائيُ (5) : ليس به بأسٌ. وقال الحاكم أبو أحمد: لا يتابع في بعض حديثه (6) . وقال ابن عَدِيَّ: له أحاديث صالحة، وفي حديثه لينٌ، إلا أنَّه مع لينه يكتب حديثه (7) .
وقال شعبة: إنَّما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متّى، وحديث ابن عمر في الصَلاة، وحديث " القضاة ثلاثة.."، وحديث ابن عبَّاس: حدّثني رجالٌ مرضيون ... (8) .
__________
(1) "المجروحون": (3/105) .
(2) أبا خطأ ابنِ حبان: الحافظُ الدارقطنيُّ في تعليقاته على "المجروحون": (ص: 284- رقم: 394) .
(3) زيادة من (ب) و"الجرح والتعديل": (9/277- رقم: 1167) .
(4) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 229- رقم: 880) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (33/275- رقم: 7336) .
(6) " الأسامي والكنى ": (4/254- رقم: 1931) .
(7) "الكامل": (7/278- رقم: 2169) .
(8) "سنن أبي داود": (1/248- رقم: 204) .(1/249)
وقال أبو القاسم البغويُّ: يقال: إنَّ قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية.
وقال البيهقي: وأمَّا هذا الحديث فإنَّه قد أنكره على أبي خالد الدَالاني جميع الحفَاظ، وأنكر سماعه من قتادة: أحمدُ بنُ حنبل ومحمَّد بنُ إسماعيل البخاريّ َوغيرهما (1) O.
احتجُّوا بأربعة أحاديث:
277- الحديث الأوَّل: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أبو حامد محمَّد بن هارون ثنا سليمان بن عمر بن خالد ثنا بقيَّة بن الوليد عن الوَضين بن عطاء عن محفوظ ابن علقمة عن عبد الرَّحمن بن عائذ الأزديِّ عن عليَّ بن أبي طالب قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العين وكاء السَّه، فمن نام فليتوضَأ" (2) .
السَّه: حلقة الدُبر.
278- الحديث الثَاني: قال الدَّارَقُطْنيُ: وثنا أبو حامد محمَّد بن هارون ثنا [عيسى بن] (3) مساور ثنا الوليد بن مسلم عن أبي بكر بن عبد الله
__________
(1) "المعرفة": (1/210- رقم: 165) .
وفي هامش الأصل: (حـ: سئل الدارقطني عن حديث خالد بن غلاق عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من استحق النوم وجب عليه الوضوء".
فقال: يرويه الجريري عنه، واختلف عنه:
فوراه محمد بن عباد الهنائي عن شعبة عن الجريري عن خالد بن غلاق عن أبي هريرة مرفوعاً. وخالفه غندر [في المطبوعة: "عفان" وذكر محققها أنه في نسخة: " غندر "] وغيره، فرووه عنَ شعبة موقوفاً.
وكذلك رواه هشيم وسفيان الثوري عن الجريري موقوفاً، وهو الصواب) ا. هـ
انظر: "العلل" للدارقطني: (8/328- رقم: 1600) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/161) .
(3) زيادة من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".(1/250)
ابن أبي مريم عن عطيَّة بن قيس الكِلاعي عن معاوية بن أبي سفيان أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العين وكاء السَّه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء" (1) .
279- الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: وثنا محمَّد بن جعفر الطَّبريَّ (2) ثنا سليمان بن محمَّد الجنَّابي (3) ثنا أحمد بن محمَّد بن أبي عمران (4) الدَّورقيُ (5) ثنا يحيى بن بسطام ثنا عمر بن هارون عن يعقوب بن عطاء (6) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نام جالساً فلا وضوء عليه، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء" (7) .
280- الحديث الرَّابع: ذكره الدَّارَقُطْنِي في كتاب "العلل" من حديث أبي هريرة عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " وجب الوضوء على كل نائمٍ إلا من خفق برأسه خفقةً أو خفقتين" (8) .
__________
(1) في (ب) : (البكاء) .
"سنن الدارقطني": (1/160) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وصوابه: (المَطِيري) كما في "سنن الدارقطني".
انظر: "تاريخ بغداد": (2/145- رقم: 561) ؛ "الأنساب": (5/329) .
(3) انظر الاختلاف في ضبطه في "توضيح المشتبه": (2/145) .
(4) هكذا في الأصل و (ب) ، وفي مطبوعة "سنن الدارقطني": (أحمد بن أبي عمران) ، وفي "إتحاف المهرة": (9/476- رقم: 11706) : (أحمد بن محمد بن عمران) ، ولم نظفر له بذكر في كتب التراجم، فالله تعالى أعلم.
(5) من قوله: (ثنا محمد بن جعفر) إلى هنا ساقط من "التحقيق".
(6) في هامش الأصل: (حـ: يعقوب ضعفه أحمد وغيره) ا. هـ
انظر: "العلل" برواية عبد الله: (1/397- رقم: 803) ؛ "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (4/446- رقم: 2074) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/211- رقم: 882) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/160- 161) .
(8) "العلل": (8/210- رقم: 1521) .(1/251)
هذه الأحاديث فيها مقال:
[أمَّا] (1) الأوَل: ففيه الوَضين، قال السَعديَّ: هو واهي الحديث (2) .
وقال أحمد: ما كان به بأس (3) .
وفي الثَاني: أبو بكر بن أبي مريم، قال يحيى: ليس بشيءٍ (4) . وقال مرَّةً: صدوقٌ (5) .
وفي الثَّالث: عمر بن هارون، قال يحيى: كذَّابٌ خبيثٌ، ليس حديثه بشيءٍ (6) . وقال النَسائيُّ: متروك الحديث (7) .
وأمَّا الرَابع: فقال الدَّارَقُطِني: إنَما يروى عن ابن عبَّاسٍ قوله (8) .
ز: روى حديث علي: الإمام أحمد (9) ، وأبو داود (10) ، وابن ماجه (11) .
وابن عائذ: لم يلق عليّاً.
__________
(1) زيادة من "التحقيق".
(2) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 288- رقم: 304) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/538- رقم: 3550) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/437- رقم: 5173) ، وفيه: (ليس حديثه بشيء) ا. هـ
(5) "الكامل" لابن عدي: (2/37- رقم: 277) من رواية الليث بن عبده عنه.
(6) "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/189- رقم: 5899) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 183- رقم: 475) .
(8) "العلل": (8/210- رقم: 1521) .
(9) "المسند": (1/111) .
(10) "سنن أبي داود": (1/248- رقم: 205) .
(11) " سن ابن ماجه ": (1/161- رقم: 477) .(1/252)
وروى حديث معاوية: عبد الله بن أحمد وجادةً في كتاب أبيه بخطِّ يده، وقال: أظنُّه كان في المحنة قد ضرب على هذا الحديث في كتابه (1) .
ورواه البيهقيُ من رواية ابن أبي مريم مرفوعاً، ومن رواية مروان بن جناح عن عطيَّة بن قيس موقوفاً، وهو أصحُ (2) .
وسئل أحمد عن حديث علي ومعاوية في ذلك، فقال: حديث عليٍّ أثبت وأقوى (3) .
وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه بقيَة [عن] (4) الوَضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن ابن عائذ عن عليٍّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن حديث أبي بكر بن أبي مريم عن عطيَّة بن قيسِ عن معاوية عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العين وكاء السَّه".
فقال: ليسا بقويين.
وسئل أبو زرعة عن حديث ابن عائذ عن عليٍّ فقال: ابن عائذٍ عن عليٍّ مرسلٌ (5) O.
*****
__________
(1) "المسند": (4/96- 97) .
(2) "السنن الكبرى": (1/118- 119) .
(3) حكاه ابن دقيق في "الإمام" عن بعضهم: (2/215) ، ونسبه الزركشي في " شرح مختصر الخرقي ": (1/237) إلى رواية ابن سعيد عنه، وهو علي بن سعيد بن جرير النسوي.
انظر: " طبقات الحنابلة ": (1/224- رقم: 312) .
(4) في الأصل: (بن) ، والتصويب من (ب) و"العلل".
(5) "العلل": (1/47- رقم: 106) .(1/253)
مسألة (46) : لمس النِّساء ينقض.
وعنه: إذا كان لشهوة، وهو قول الشَّافعيِّ.
وقال أبو حنيفة: لا ينقض.
لنا:
281- ما روى الدَارَقُطْنِيُ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن معاذ ابن جبل أنَه كان قاعداً عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه رجلٌ، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجلٍ أصاب من امرأة لا تحلُ له، فلم يدع شيئاً يصيبه الرَجل من امرأته إلا قد أصابه منها، غير أنَّه لم يجامعها. فقال له النَّبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " توضَّأ وضوءً حسناً ثُم قم فصل" (1) .
ز: وروى هذا الحديث: الإمام أحمد (2) والتِّرمذي (3) والحاكم (4) والبيهقيُ وقال: وفيه إرسالٌ، عبدُ الرَحمن بن أبي ليلى لم يدرك معاذ بن جبل (5) .
282- وروى مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه كان يقول: قبلة الرَّجل امرأته وجَسُه (6) بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/134) .
(2) "المسند": (5/244) .
(3) "الجامع": (5/189- 190- رقم: 3113) ، وقال: (هذا حديث ليس إسناده بمتصل عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ ... وروى شعبة هذا الحديث عن عبد الملك ابن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً) ا. هـ
(4) "المستدرك": (1/135) .
(5) "سنن البيهقي": (1/125) .
(6) كذا في الأصل و (ب) ، وفي "السنن" للأثرم و" الموطأ ": (جسها) .(1/254)
جسَّها (1) بيده فعليه الوضوء (2) .
283- وعن أبي عبيدة عن أبيه- هو ابن مسعودٍ- في القبلة من اللمس: وفيها الوضوء (3) .
رواهما أبو بكر الأثرم.
284- وعن الزهريَّ عن سالم عن ابن عمر أنَ عمَر بن الخطاب قال: القبلة من اللمس فتوضؤ منها.
رواه الدَارَقُطْنِيُ (4) والبيهقيُ (5) ، وهو غير محفوظِ O.
احتجّوا بحديثين:
285- الحديث الأوَّل: رواه الَّترمذيَّ: ثنا قتيبة ثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبَّل بعض نسائه ثمَّ خرج إلى الصَلاة ولم يتوضَأ (6) .
286- طريق آخرٌ: قال أحمد: ثنا محمَّد بن فضيل ثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن زينب السَّهميَة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ ثُمَّ يقبِّل ثُمَّ يصلَّي ولا يتوضَّأ (7) .
__________
(1) في (ب) : (حتها) خطأ.
(2) "السنن" للأثرم: (ق 7/ب- ق 219/ب من المجموع)
(3) المرجع السابق.
(4) "سنن الدارقطني": (1/144) .
(5) "سنن البيهقي": (1/124) .
(6) "الجامع": (1/128- رقم: 86) .
(7) "المسند": (6/62) .(1/255)
287- طريقٌ ثالثٌ: قال الدَارَقُطنيُ: ثنا الحسن بن إسماعيل ثنا أحمد ابن بشر بن عبد الوهَاب ثنا هشام ثنا عبد الحميد ثنا الأوزاعيُ قال: حدَثني عمرو بن شعيبٍ عن زينب أنَّها سألت عائشة عن الرَّجل يقبِّل امرأته ويلمسها، أيجب عليه الوضوء؟ فقالت: لربَّما توضَّأ النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقبِّلني ثم يمضي فيصلِّي ولا يتوضَّأ (1) .
288- طريقٌ رابعٌ: قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يعقوب بن إبراهيم الدَورقيُ ثنا عبد الرَحمن بن مهدي عن سفيان الثَوريِّ عن أبي رَوْق عن إبراهيم التَيميِّ عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ، ثُمَّ يقبِّل بعد ما يتوضأ، ثُمَّ يصلِّي ولا يتوضأ (2) .
289- طريقٌ خامسٌ: قال الدَارَقُطَّنيُ: وثنا عثمان بن أحمد الدَقَاق ثنا محمَّد بن الحسن الحنينيُ ثنا جندل بن والق ثنا عبيد الله (3) بن عمرو عن غالب عن عطاء عن عائشة قالت: ربَّما قبَّلني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صلَّى ولا يتوضَّأ (4) .
290- الحديث الثَاني: قال أبو حاتم ابن حِبَان: ثنا ابن قتيبة ثنا عبد العزيز بن إسحاق بن هَبار ثنا آدم بن أبي إياس ثنا ركن بن عبد الله عن مكحول عن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله، الرَّجل يتوضأ للصَلاة ثُمَّ يقبِّل أهله أو يلاعبها، ينقض ذلك وضوءه؟ قال: " لا " (5) .
والجواب:
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/142) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/139- 140)
(3) في "التحقيق": (عبد الله) خطأ.
(4) "سنن الدارقطني": (1/137) .
(5) "المجروحون": (1/301- 302) .(1/256)
أمَّا الطَريق [الأوَل] (1) - في الحديث الأوَل-: فقال الترمذيَّ: سمعت محمَّد بن إسماعيل يضعِّف هذا الحديث، ويقول: حبيب لم يسمع من عروة (2) . وضعَّفه يحيى بن سعيد أيضاً، وقال: هو شبه لا شيء (3) .
وأمَّا الطّريق الثَاني والثَّالث: ففيهما زينب، قال الدَارَقُطْنيُ: زينب هذه مجهولةٌ، فلا تقوم بها حجَة (4) .
قلت: والحجَاج مجروح أيضاً.
وأمَّا الطريق الرَابع. فقال التَرمذيَّ: لا يعرف لإبراهيم سماعٌ من عائشة، وليس يصحُ عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيءٌ (5) . وقال الدَارَقُطْنيُ: لم يروه عن إبراهيم غير أبي رَوْق عطيَة بن الحارث، ولا نعلم حدَّث به غير الثَوري وأبي حنيفة، واختلفا فيه: وأسنده الثَوريُّ عن عائشة، وأسنده أبو حنيفة عن حفصة، وكلاهما أرسله، وإبراهيم لم يسمع من عائشة ولا من حفصة، ولا أدرك زمانهما.
قال: وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثَوري عن أبي رَوْق عن إبراهيم التَيميَّ عن أبيه عن عائشة فوصل إسناده، واختلف عليه في لفظه: فروى عثمان بن أبي شيبة عنه: أن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبِّل وهو صائمٌ.
وقال غير عثمان: كان يقبل ولا يتوضََّأ (6) .
__________
(1) زيادة من "التحقيق".
(2) "الجامع": (1/129- رقم: 86) .
(3) المرجع السابق.
(4) "سنن الدارقطني": (1/142) .
(5) "الجامع": (1/130- رقم: 86) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/140- 141)(1/257)
وأمَا الطَّريق الخامس: فقال الدارَقُطنِي: غالب هو: ابن عبيد الله، وهو متروكٌ (1) .
وقد رواه أبو سلمة خالد بن سلمة الجهنيُ فقال: (عن عبد الله بن غالب) ووهم فيه، وإنَّما أراد (غالب بن عبيد الله) ، وأبو سلمة: ضعيفٌ أيضاً (2) .
وأمَّا حديث أبي أمامة: فقال ابن حِبَان: لا يحلُ الاحتجاج بركن (3) وقال النَّسائيُ (4) والدَارَقُطنيُ (5) : هو متروكٌ.
ز: حديث حبيب عن عروة عن عائشة: رواه الإمام أحمد (6) وابن ماجه (7) وقالا: عن عروة بن الزبير.
ورواه أبو داود وقال: قال يحيى بن سعيد القطَان لرجل: احك عني أنَّهما شبه لا شيء. يعني هذا الحديث وحديث آخر.
قال أبو داود: ورُوي عن الثَوري أنه قال: ما حدَّثنا حبيب إلا عن عروة المزنيِّ. يعني لم يحدِّثهم عن عروة بن الزبير بشيءٍ.
قال: وقد روى حمزة الزَّيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً (8) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/137) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/142) .
(3) "المجروحون": (1/301) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 103- رقم: 204) .
(5) "الميزان" للذهبي: (2/54- رقم: 2791) .
(6) "المسند": (6/210) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/168- رقم: 502) .
(8) "سنن أبي داود": (1/235- رقم: 182) .(1/258)
وحديث إبراهيم عن عائشة: رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والنَّسائيُ (3) ، وقالا: إبراهيم لم يسمع من عائشة (4) .
وقال النَّسائيُ: ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث، وإن كان مرسلاً.
وقال النسائيُ: أنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث قال: أنا ابن الهاد عن عبد الرَحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة قالت: إن كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصلي وإني لمعترضةٌ بين يديه اعتراض الجنازة، حتَّى إذا أراد أن يوتر مسَّني برجله (5) .
هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الصَحيح.
وابن الهاد هو: يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، وقد اتفقوا على الاحتجاج به.
وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث في "مسنده" عن يونس عن الليث (6) O.
*****
__________
(1) "المسند": (6/210) .
(2) "سنن أبي داود": (1/234- رقم: 180) .
(3) "سنن النسائي": (1/104- رقم: 170) .
(4) لم نره في مطبوعتي " السنن الصغرى " و"السنن الكبرى" للنسائي، وقد ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (11/348- رقم: 15915) .
(5) "سنن النسائي": (1/102- رقم: 166) .
(6) "المسند": (6/260) .(1/259)
مسألة (47) : مسُّ الذكر ينقض الوضوء.
وقال أبو حنيفة: لا ينقض.
لنا تسعة أحاديث:
291- الحديث الأوَل: قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن بُسرة بنت صفوان أن النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من مسَّ ذكره فلا يصلِّي حتَّى يتوضَّأ" (1) .
هذا إسنادٌ لا مطعن فيه.
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2) .
وقال البخاريُّ: هو أصحُ شيءٍ في هذا الباب (3) .
292- الحديث الثَاني: قال أحمد: وثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَثني محمَّد بن مسلم الزهريَّ عن عروة بن الزبير عن زيد بن خالد الجهنيَّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من مسَّ فرجه فليتوضأ" (4) .
293- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا عبد الجبار بن محمَّد الخطَابي ثنا بقية ثنا محمَّد بن الوليد الزُّبيديُّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما رجل مسَّ فرجه فليتوضَّأ، وأيُّما امرأة مست فرجها فلتتوضَّأ " (5) .
__________
(1) "المسند": (6/406-407) .
(2) "الجامع": (1/125- رقم: 82) وفيه: (هذا حديث حسن صحيح) .
(3) "الجامع" للترمذي: (1/126- رقم: 84) .
(4) "المسند": (5/194) .
(5) "المسند": (2/223) ولفظه: (من مس ذكر فليتوضأ، وأيما امرأة ... ) . وفي هامش الأصل: (حـ: هذا لفظ الدارقطني جعله لفظ أحمد) ا. هـ انظر: "سنن الدارقطني": (1/147) .(1/260)
294- الحديث الرَابع: قال الدارَقُطنيى: ثنا محمَّد بن [مخلد] (1) ثنا عثمان بن معبد بن نوح ثنا إسحاق بن محمد الفرويَّ ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من مسَّ ذكره فليتوضأ وضوءه للصَّلاة" (2) .
295- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطنِي (3) : وثنا [] (4) عثمان بن أحمد الدَقَاق ثنا الحسن بن سلام السواق ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ثنا يزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفليُّ عن سعيد بن أبي سعيد المقبُريِّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه حتَّى لا يكون بينه وبينه حجاب ولا ستر فليتوضأ وضوءه للصَّلاة" (5) .
296- الحديث السَادس: قال الدَارَقُطَّني: وثنا محمد بن مخلد ثنا حمزة ابن العبَّاس المروزيُّ ثنا عتيق بن يعقوب حدَثني عبد الرَحمن بن عبد الله بن عمر ابن حفص العُمريَّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) في الأصل: (خالد) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) "سنن الدارقطني": (1/147) .
وفي هامش الأصل: (حـ: ورواه ابن عدي عن ابن صاعد عن عثمان بن معبد، وقال: وهذا الحديث بهذا الإسناد منكر) ا. هـ
انظر: "الكامل": (4/142- رقم: 976) في ترجمة عبد الله بن عمر العمري.
وفي هامش آخر: (قال ابن عدي: وأنا أبو يعلى الموصلي وعلي بن سعيد بن بشير الرازي قالا: ثنا الحسن بن عمر بن شقيق ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاة ثم قام فتوضَّأ وأعادها، فقلنا يا رسول الله، هل كان من حدث يوجب الوضوء؟ قال: "لا، إلا أني مسست ذكري") ا. هـ
انظر: "الكامل": (4/217- رقم: 1024) في ترجمة عبد الله بن أبي جعفر الرازي.
(3) في هامش الأصل: (رواه أحمد) ا. هـ
انظر: "المسند": (2/333) .
(4) أقحمت في الأصل: (محمد بن) فحذفناها.
(5) "سنن الدارقطني": (1/147) .(1/261)
قال: " ويل للذين يمسون فروجهم، ثُم يصلون ولا يتوضَّؤون". قالت عائشة: بأبي وأمِّي هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: " إذا مسَّت إحداكن فرجها فلتتوضأ للصَّلاة" (1) .
297- الحديث السَّابع: أنبأنا محمَّد بن، عبد الباقي أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكيُّ عن عبد العزيز بن جعفر ثنا أحمد ثنا محمَّد بن عوف ثنا مروان ثنا الهيثم ابن جميل (2) ثنا الأوزاعيُ ثنا العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من مسَّ ذكره فليتوضَّأ".
298- الحديث الثَامن: قال ابن ماجه: ثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميُ ثنا معن بن عيسى عن ابن أبي ذئب عن عقبة بن عبد الرَحمن (3) عن محمَّد بن عبد الرَحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا مسَّ أحدكم ذكره فعليه الوضوء" (4) .
299- الحديث التَّاسع: قال ابن ماجه: ثنا سفيان بن وكيع ثنا عبد السَّلام بن حرب عن إسحاق بن أبي فروة عن الزهري عن عبد الرَّحمن بن عبدِ القاريّ عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مسَّ فرجه فليتوضأ" (5) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/147- 148) .
وفي هامش الأصل حاشية لم يظهر السطر الأول منها، ونص ما ظهر منها: (.... بن أبي عبد الله صاحب الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا قام أحدكم في الصلاة فمس ذكره فليتوضأ".
قال شيخنا أبو الحجاج: رواته ثقات، وفي سماع يحيى من عروة نظرٌ) ا. هـ
(2) في هامش الأصل: (الهيثم حافظٌ له مناكير) ا. هـ
(3) (عن عقبة بن عبد الرحمن) سقط من "التحقيق".
(4) "سنن ابن ماجه": (1/162- رقم: 480) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/162- رقم: 482) .(1/262)
قال الخصم: كلُّ هذه الأحاديث مطعونٌ فيها:
أمَّا الأول فقالوا: لم يسمعه (1) عروة من بُسرة، إنَّما سمعه من مروان (2) :
300- فروى الترمذيَّ: ثنا إسحاق بن منصور أنا أبو أسامة عن هشام ابن عروة عن أبيه عن مروان عن بُسرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك (3) .
310- وروى أحمد: ثنا إسماعيل بن عليَّة ثنا عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت عروة بن الزبير يحدث أبي قال: ذاكرني مروان مسَّ الذَكر، فقلت: ليس فيه الوضوء. فقال: فإن بسرة بنت صفوان تحدث فيه. فأرسل إليها رسولاً، فذكر الرَسول أنَّها تحدث أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مسَّ ذكره فليتوضأ" (4) .
__________
(1) في (ب) : (لم يسمع) .
(2) في هامش الأصل: (بسرة هي خالة مروان) ا. هـ
(3) "الجامع": (1/129- رقم: 83- طبعة الشيخ أحمد شاكر) .
(تنبيه) ذكر الأستاذ الفاضل بشار بن عواد هذا الحديث في الحاشية من طبعته لـ "جامع الترمذي": (1/125- رقم: 83) وذكر أنه يعتقد أن هذا الإسناد ليس من الترمذي، واستند في ذلك إلى أن الحافظ المزي لم يذكر هذا الإسناد في "تحفة الأشراف"- ولا استدركه عليه الحافظان: العراقي وابن حجر-، وأنه في "تهذيب الكمال" لم يرمز لرواية إسحاق بن منصور عن أبي أسامة برمز الترمذي، ثم قال: (مما يدل على أن هذا السند لم يكن في النسخ العتيقة الأصيلة التي كانت عنده من الترمذي، وأيضاً فإن هذا الحديث في بعض النسخ المتأخرة دون بعض) ا. هـ
وهنا ننبه القارئ إلى أن الأستاذ بشار- وفقه الله- توسع كثيراً في حذف الكثير من كلام الترمذي الثابت عنه في بعض النسخ الخطية لكتابه وفي نقل العلماء المتقدمين على الحافظ المزي، كتوسع العلامة الشيخ أحمد بن محمد شاكر- رحمه الله- في إدخال كثير من الزيادات المقحمة من النساخ في كلام الإمام الترمذي، فلينتبه لهذا.
(4) "المسند": (6/406) .(1/263)
وقال إبراهيم الحربيُّ: حديث بُسرة يرويه شرطيٌّ عن شرطيٍّ عن امرأة (1) .
وذكر الدَارَقُطْنِيُ أنَ عليَّ بن المديني قال: أرسل مروان شرطيَّاً إلى بُسرة حتَّى ردَّ إليه جوابها (2) .
وذكروا عن يحيى بن معين أنَّه قال: ثلاثة أحاديث لا تصحُ: حديث مسِّ الذَّكر، و"لا نكاح إلا بوليٍّ" و"كل مسكرٍ حرامٌ" (3) .
وأمَا الحديث الثَاني: فإنَّ مالكاً قد قدح في ابن إسحاق.
وأمَا الثَالث: فإنَ بقيَة كان مدلِّساً عن الضُعفاء، فلا يوثق بحديثه؛ ثمَّ عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه مرسلٌ، والمراسيل ليست بحجَةٍ.
وأمَا الرَابع والتاسع: ففيهما إسحاق الفرويَّ، قال النَّسائيُ: ليس بثقةٍ (4) .
وفي الرَّابع: عبد الله بن عمر، وقد ضعَّفه يحيى (5) ، وقال النَسائيُ: ليس بالقوي (6) . وقال ابن حِبَّان: غلب عليه التَعبُد فغفل عن الحفظ،
__________
(1) ذكره أيضاً الحافظ مغلطاي في "شرح سنن ابن ماجه": (1/410) ونسبه إلى كتاب "العلل" للحربي.
(2) ورد ذلك عنه في مناظرة مشهورة بينه وبين ابن معين، وسيوردها المنقِّح بطولها: (ص: 274- 275) .
(3) انظر ما يأتي في كلام المنقِّح: (ص: 270- 271) .
(4) انظر ما يأتي في كلام المنقِّح: (ص: 271) .
(5) نقله البخاري في "التاريخ الكبير": (5/145- رقم: 441) والترمذي في "جامعه": (1/155، 214، 386؛ 4/54- الأرقام: 113، 172، 347، 2185) عن يحيى ابن سعيد القطان.
ونقله عبد الله بن أحمد في "العلل": (2/605- رقم: 3877) عن يحيى بن معين.
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 140- رقم: 325) .(1/264)
فوقعت المناكير في روايته، فلمَّا فحش خطؤه استحقَّ التَّرك (1) .
وأمَّا الخامس: ففيه يزيد بن عبد الملك، قال أحمد: عنده مناكير (2) .
وقال يحيى (3) والدَارَقُطْنِيُ (4) : ضعيفٌ. وقال أبو حاتم الرَازيَّ: منكر الحديث جدا (5) . وقال النَسائي: متروك الحديث (6) .
وأمَا السَادس: ففيه عبد الرَّحمن العمريَّ، قال أحمد: ليس يساوي حديثه شيئاً، خرقناه، كان كذَّاباً (7) . وقال يحيى: ليس بشيءٍ (8) . وقال أبو حاتم اْلرَازيَّ: متروك الحديث، كان يكذب (9) . وقال النَساْئُي (10) . وأبو زرعة (11) والدَارَقُطْنِيُ (12) : متروكٌ.
وأمَّا السَابع: فقال التَّرمذيُّ: قال البخاريَّ: مكحول لم يسمع من عنبسة. قال: وكأنَّه لم ير هذا الحديث صحيحاً (13) .
__________
(1) "المجروحون": (2/7) باختلاف يسير.
(2) "التاريخ الكبير" للبخاري: (8/348- رقم: 3274) ؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/279- رقم: 1171) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/279- رقم: 1171) من رواية ابن أبي خيثمة.
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 399- رقم: 592) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/279- رقم: 1171) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 246- رقم: 645) .
(7) "العلل" برواية عبد الله: (2/46، 3/98- رقمي: 1508، 4364) .
(8) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 354- رقم: 330) ، وفي رواية ابن محرز: (1/61- رقم: 94) : (كذاب ليس بشيء) .
(9) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/253- رقم: 1202) .
(10) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 148- رقم: 356) .
(11) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/253- رقم: 1202) .
(12) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 271- رقم: 332) .
(13) "الجامع": (1/127- رقم: 84) .(1/265)
وقد ذكر محمَّد بن سعد أن العلماء ضعَّفوا مكحولاً (1) .
وأمَّا الثَامن: فقال البخاريَّ: إنَما روى عقبة عن ابن ثوبان هذا الحديث مرسلاً عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وقال بعضهم: عن جابر، ولا يصحُ (2) .
وأمَّا التَاسع: ففيه إسحاق الفرويُّ (3) ، وقد سبق جرحه (4) .
والجواب:
أمَا الحديث الأوَل: فقد حكم بصحته الترمذيَّ (5) ، وإسناده صحيحٌ، ومن الممكن أن يقال: إن عروة حين سمعه عن بُسرة لم يكن سمعه منها، ثمَّ سمعه منها، يدلُ على هذا: أنَّ الدَارَقُطْنِيُ روى في "كتابه" عن عروة، قال بعد أن حدَثه مروان: فسألت بُسرة بعد ذلك فصدَّقته (6) .
وأمَّا ابن إسحاق: فقد وثَقه يحيى (7) ، وقال شعبة: هو
__________
(1) "الطبقات الكبرى": (7/454) وفيه: (وقال غيره من أهل العلم- كذا-: كان مكحول من أهل كابل، وكانت فيه لكنة، وكان يقول بالقدر، وكان ضعيفاً في حديثه وروايته) ا. هـ ولم يتبين لنا على من يعود الضمير في قوله (غيره من أهل العلم) .
(2) "التاريخ الكبير": (6/435- 436- رقم: 2903) .
(3) في (ب) : (الهروي) خطأ.
(4) (ص: 264) .
(5) "الجامع": (1/125- رقم: 82) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/146) .
(7) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 77- رقم: 181) فيه: (ثقة) .
وجاء في "التاريخ" برواية الدوري: (3/225- رقم: 1047) : (محمد بن إسحاق ثقة، ولكنه ليس بحجة) ا. هـ ويبين مراد ابن معين ما نقله عنه أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه": (1/460- رقم: 1172) قال: (قلت ليحيى بن معين وذكرت له الحجة، فقلت له: محمد بن إسحاق منهم؟ فقال: كان ثقة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز) ا. هـ
وفي موضع آخر: (1/462- رقم: 1180) : (فقلت ليحيى بن معين: فلو قال رجل: إن محمد بن إسحاق كان حجة، كان مصيباً؟ قال: لا، ولكنه كان ثقة) ا. هـ(1/266)
صدوق (1)
وبقيَة: قد أخرج عنه مسلمٌ في "صحيحه" (2) .
وما زال العلماء يحتجُون بحديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه، وإذا كان جدُه عبد الله لم يكن الحديث مرسلاً، لأنَه قد سمع شعيبٌ منه، ثمَّ المراسيل عندنا حجَّة.
وأمَا عبد الله بن عمر: فقد قال يحيى- في روايةٍ -: ليس به بأس (3) .
ويمكن أن نطالب بسبب التَّضعيف في حقِّ الكلِّ، فإنَّ [المحدِّثين] (4) يضعِّفون بما ليس [بتضعيفٍ] (5) عند الفقهاء.
وما حكوه عن الحربيِّ فبعيدٌ، لأنَ قوله: (عن امرأة) يدلُ على وهنٍ وليس في الصّحابيات مغمز.
وكذلك ما حكوا عن يحيى، فإنَه لا يثبت، وقد كان مذهبه: انتقاض الوضوء بمسِّ الذَّكر، وكان يحتجُ بحديث بُسرة- كذلك رواه الدَارَقُطْنِيُ عنه (6) -، وروى عنه عبد الملك الميمونيُ أنَّه قال: إنَّما يطعن في حديث بُسرة
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله بن أحمد: (3/214، 369- رقمي: 4924، 5621) ؛ " تقدمة الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (ص: 152) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/99- رقم: 170) .
(3) " من كلام ابن معين في الرجال " برواية ابن طهمان: (ص: 56، 63 رقمي: 115، 149) .
(4) في الأصل: (المحدثون) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(5) في الأصل و (ب) : (بضعيف) والمثبت من "التحقيق".
(6) انظر ما يأتي (ص: 274- 275) .(1/267)
من لا يذهب إليه (1) !
والاعتماد من هذه الأحاديث على حديث بُسرة.
ز: حديث بُسرة: رواه أيضاً: أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُ (4) وأبو حاتم ابن حِبَّان في "صحيحه" (5) .
وقال النَسائيُ: هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث.
وقال الإمام أحمد: قال شعبة: لم يسمع هشام حديث أبيه في مسِّ الذَّكر. قال يحيى (6) : فسألت هشاماً، فقال: (أخبرني أبي) (7) .
ورواه ابن أبي فديك عن ربيعة بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بُسرة ... فذكر الحديث، قال عروة: فسألت بُسرة فصدَّقته.
فقد صحَّ سماع عروة من بُسرة، وسماع هشام من أبيه.
وقال الشافعيُ: قد روينا [قولنا] (8) عن غير بُسرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي يعيب علينا الرِّواية عن بُسرة يروي عن عائشة بنت عجرد وأمِّ خداش وعِدَةٌ من النساء لسن بمعروفات في العامَّة، ويحتجُ بروايتهن، ويضعِّف بُسرة
__________
(1) لم نقف عليه، ونقل ابن عبد البر في "التمهيد": (17/192) عن مضر بن محمد عن يحيى ابن معين تصحيح حديث بسرة، وانظر: "الإمام" لابن دقيق: (2/302- 304) .
(2) "سنن أبي داود": (1/235- 236- رقم: 183) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/161- رقم: 479) .
(4) "سنن النسائي": (1/101، 216- الأرقام: 163- 164، 444- 447) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (3/396- رقم: 1112) .
(6) هو ابن سعيد، وهو الواسطة بين الإمام أحمد وشعبة.
(7) "العلل" برواية عبد الله: (2/579- رقم: 3745) .
(8) زيادة من (ب) و"المعرفة".(1/268)
مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وقد حُدِّث بهذا في دار المهاجرين والأنصار- وهم متوافرون- ولم يدفعه منهم أحدٌ، بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها، منهم: عروة بن الزبير، وقد دفع وأنكر الوضوء من مسِّ الذَّكر قبل أن يسمع الخبر، فلمَّا علم أنَّ بُسرة روته قال به وترك قوله، وسمعها ابن عمر تحدِّث به فلم يزل يتوضَأ من مسِّ الذَّكر حتَّى.
مات، وهذه طريقة الفقه (1) والعلم (2) .
وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه عبد الرَزاق وأبو قُرَة موسى بن طارق عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن عروة عن بُسرة وزيد بن خالد عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسَّ الذَّكر.
قال أبي: أخشى أن يكون ابن جريج أخذا هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى، لأنَّ أبا جعفر ثنا قال: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: جاءني ابن جريجٍ بكتبٍ مثل هذا- خفض يده اليسرى ورفع يده اليمنى مقدار بضعة عشر جزءً-، فقال: أروي هذا عنك؟ قال: نعم (3) .
وقال أيضاً: سألت أبي عن حديثٍ رواه حسن الحُلوانيُ عن عبد الصَّمد ابن عبد الوارث عن أبيه عن حسين العلَّم عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مسَّ ذكره فليتوضَّأ".
ورواه شعيب بن إسحاق عن هشام عن يحيى عن عروة عن عائشة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من مسَ ذكره في الصَلاة فليتوضَّأ".
__________
(1) في مطبوعة "المعرفة": (أهل الفقه) .
(2) "المعرفة" للبيهقي: (1/225- رقم: 195)
(3) "العلل": (1/32- 33- رقم: 62) .(1/269)
قال أبي: هذا حديثٌ ضعيفٌ، لم يسمعه يحيى من الزهري، وأدخل بينهم رجلاً ليس بالمشهور، ولا أعلم أحداً روى عنه إلا يحيى، وإنَّما يرويه الزُّهريَّ عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن مروان عن بُسرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو أنَ عروة سمع من عائشة لم يدخل بينهما أحداً! وهذا يدلُ على وهن الحديث (1) .
وقال أيضاً: سألت أبي عن حديثٍ رواه الوليد بن مسلم عن عبد الرَحمن ابن نمر اليحصبيّ عن الزهريّ عن عروة عن مروان عن بُسرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه كان يأمر بالوضوء من مسِّ الذَّكر، والمرأة مثل ذلك.
فقال أبي: هذا حديثٌ وهم فيه في موضعين: أحدهما: أنَّ الزهريَّ يرويه عن عبد الله بن أبي بكر، وليس في الحديث ذكر المرأة.
قلت لأبي: فحديث أمِّ حبيبة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في من مسَّ ذكره فليتوضَّأ؟
قال: روى ابن لهيعة في هذا الحديث ما يوهن هذا الحديث، أو تدلُ روايته أنَّ مكحولاً أدخل بينه وبين عنبسة رجلاً (2) .
وروى أبو بكر الرَازيُّ عن أبي الحسن الكرخيّ عن أبي عون الفرائضي قال: سمعت عبَّاساً الدُوريَّ قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ثلاثة أحاديث لا تصح عن النَبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلُّ مسكرٍ حرامٌ"، و"لا نكاح إلا بوليّ"، و"من مسَ ذكره فليتوضأ". قال العبَّاس: فذكرته لأحمد فقال: يصحُ في مسِّ الذَّكر.: حديث مكحول عن عنبسة. قال: فجئت إلى يحيى فذكرت ذلك له، فقال: مكحول لم ير عنبسة (3) .
__________
(1) "العلل": (1/36- رقم: 74) .
(2) "العلل": (1/38- 39- رقم: 81) .
(3) أشار النووي في " المجموع ": (2/42) ومغلطاي في "شرح سنن ابن ماجه": (1/410) إلى كلام ابن معين الأوَّل، ولم يسوقاه بهذه السياقة التامة، ونسبه مغلطاي إلى كتاب الدبوسي =(1/270)
وقد روي نحو هذا عن يحيى من وجهٍ آخر، وفي صحته نظرٌ.
وحديث زيد بن خالد: غلط فيه ابن إسحاق، وصوابه: (عن بسرة) بدل: زيد (1) .
وحديث عمرو بن شعيب كن أبيه عن جده: إسناده قويٌّ، لكن قد اختلف فيه على عمرو.
وحديث ابن عمر: في إسناده إسحاق بن محمَّد الفرويَّ، وهو غير إسحاق بن عبد الله بن أبي فَروة الذي في حديث أبي أيُّوب، وظنّهما المؤلِّف واحداً، وهو وهمٌ.
فأمَّا إسحاق بن محمَّد: فروى عنه البخاريَّ في "صحيحه" (2) ، ووهَّاه أبو داود (3) ، وقال النسائيُ: ليس بثقةٍ (4) . وقال أبو حاتم: كان صدوقاً،
__________
=وهو حنفي- والإسناد الذي ساقه ابن عبد الهادي مسلسل بالأحناف أيضاً.
وخرَّج ابن عبد البر من رواية مضر بن محمد عن ابن معين خبراً فيه تصحيح ابن معين لحديث بُسرة، وفيه أيضاً سؤاله لأحمد، فانظره في "التمهيد": (17/192) ، وانظر أيضاً "الإمام" لابن دقيق: (2/302- 304) ، و"التلخيص" لابن حجر: (1/132) .
(1) قال يعقوب الفسوي في "المعرفة": (2/27- 28) : (وسمعت بعض ولد جويرية بن أسماء وكان ملازماً لعلي قال: قال علي [هو ابن المديني] : لم أجد لابن إسحاق إلا حديثين منكرين: نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا نعس أحدكم يوم الجمعة ... "، والزهري عن عروة عن زيد بن خالد: " إذا مس أحدكم فرجه ... "، هذين لم يروهما عن أحد والباقين يقول: ذكر فلان، ولكن هذا فيه حدثنا) ا. هـ
(2) "التعديل والتجريح" للباجي: (1/377- رقم: 82) ؛ " هدي الساري " لابن حجر: (ص: 389) .
(3) "الميزان" للذهبي: (1/199- رقم: 785) ، وساق نصَّ كلام أبي داود الحافظُ ابن حجر في "التهذيب": (1/217- رقم: 466) عن رواية الآجري، ولم نقف عليه في ما طبع من "سؤالات الآجري".
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 56- رقم: 49) .(1/271)
ولكن ذهب بصره فربَّما لقِّن، وكتبه صحيحة (1) . ووثَّقه ابن حِبَّان (2) .
وأمَا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروه: فهو متروكٌ باتفاقهم، وقد اتهمه بعضهم.
وأمَّا حديث أبي هريرة: فقد ذكر عبد الحقِّ الحافظ (3) الأزديُّ المغربيُّ - في كتاب " الأحكام " له- عن أبي عمر ابن عبد البِّر: أنَّ أصبغ بن الفرج رواه عن ابن القاسم عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك جميعاً عن سعيد بن أبي سعيد، قال: فصحَّ الحديث بنقل العدل عن العدل على ما قال ابن السَّكن، إلا أنَّ أحمد بن حنبل (4) كان لا يرضى نافع بن أبي نعيم، وخالفه يحيى بن معين (5) فقال: هو ثقة (6) .
302- أخبرنا بالحديث الحافظ أبو الحجَّاج: أنا ابن الدَّرجيّ أخبرتنا عفيفة بنت أحمد إجازةً أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله أنا ابن ريذَه أنا الطَّبرانيُّ ثنا أحمد بن عبد الله بن العبَّاس الطائيُّ البغداديُّ ثنا أحمد بن سعيد الهمدانيُّ ثنا أصبغ بن الفرج ثنا عبد الرَّحمن بن القاسم عن نافع بن أبي نعيم ويزيد ابن عبد الملك النوفليِّ عن سعيد المقبريَّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجابٌ فقد وجب عليه
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/233- رقم: 820) .
(2) "الثقات": (8/114- 115) وقال: (يغرب ويتفرد) .
(3) كذا بالأصل، وفي (ب) : (الحافظ عبد الحق) .
(4) في "الجرح والتعديل": (8/456- رقم: 2089) من رواية أبي طالب قال: (سألت أحمد بن حنبل عن نافع بن عبد الرحمن، قال: كان يؤخذ عنه القراءة، وليس في الحديث بشيء) ا. هـ
(5) هو في "التاريخ" برواية الدوري: (3/172- رقم: 761) .
(6) " الأحكام الوسطى": (1/140) ، وكلام ابن عبد البر في "الاستذكار": (1/291- رقم: 38) الطهارة، باب الوضوء من مس الفرج، وانظر: "التمهيد": (17/195) .(1/272)
الوضوء".
وقال الطَّبرانيُ: لم يروه عن نافع إلا عبد الرَحمن بن القاسم الفقيه المصريَّ، ولا عن عبد الرَحمن إلا أصبغ، تفرَّد به أحمد بن سعيد (1) .
ورواه أبو حاتم ابن حِبَّان في "صحيحه" (2) والحاكم وصححه (3) .
وأمَّا حديث أمِّ حبيبة: فرواه ابن ماجه (4) .
وروي عن الإمام أحمد أَنه قال: حديث أم حبيبة حديثٌ صحيحٌ (5) .
وكذلك قال أبو زرعة الرَازيَّ فيما حكى عنه التِّرمذيَّ (6) .
وأمَا حديث جابر: فرواه أبو بكر الأثرم أيضاً، ولفظه: " من مسَّ ذكره فليتوضأ " (7) .
وخطَأ أبو حاتم الرَازيَّ من وصله، وقال: النَّاس يروونه عن ابن ثوبان
__________
(1) هو في " المعجم الصغير ": (1/42- 43- رقم: 103) .
(2) "الإحسان" لابن بلبان: (3/401- رقم: 1118) .
(3) "المستدرك": (1/138) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/162- رقم: 481) .
(5) ذكر ذلك أيضاً ابن السكن- فيما نقله عنه ابن عبد البر في " الاستذكار ": (1/290- رقم: 38) كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الفرج-، وابن قدامة في "المغني": (1/241- 242) ، والمجد في "المنتقى": (1/199- مع النيل) ، وشيخ الإسلام في " شرح العمدة ": (1/306) ، ونسبه الحافظ ابن حجر في "التلخيص" إلى "العلل" للخلال: (1/133) .
وجاء عن الإمام أحمد- رحمه الله- أنه قال عن حديث أم حبيبة: (حديث حسن الإسناد) كما في " الاستذكار " لابن عبد البر: (1/290- رقم: 38) الطهارة، باب الوضوء من مس الفرج.
وفي "التمهيد": (17/191) : (كان أحمد ... يقول ... : في مس الذكر ... حديث حسن ثابت، وهو حديث أم حبيبة) ا. هـ
(6) "الجامع": (1/126- رقم: 84) .
(7) ومن طريقه خرجه ابن عبد البر في "التمهيد": (17/193) .(1/273)
عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاَ، لا يذكرون جابراً (1) .
وقال الشافعيُ: سمعت غير واحدٍ من الحفَاظ يروونه لا يذكرون جابراً (2) .
303- وقد روي عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن عليٍّ عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من مسَّ فرجه فليتوضَّأ".
رواه الطَبرانيُ وصحَحه (3) ، وهو حديثٌ غريبٌ، وفي إسناده حمَّاد بن محمَّد الحنفيُ وأيُوب بن عتبة وهما ضعيفان.
وممن قال بنقض الوضوء من مسَّ الذكر: عمر وابن عمر وابن عبَّاس وأنس، حكاه عنهم أحمد.
وسعد بن أبي وقَاص وأبو هريرة، حكاه الخطَّابي عنهما (4) .
وزيد بن خالد الجهنيُ والبراء بن عازب وجابر بن عبد الله، حكاه ابن عبد البِّر عنهم (5) .
وروي عن عائشة.
وقال البيهقيُ: أنا أبو عبد الله الحافظ حدَثني أبو بكر محمد بن عبد الله الجراحيُ العدل الحافظ بمرو ثنا عبد الله بن يحيى القاضي السَّرخسيُ ثنا رجاء بن مُرجَّى الحافظ قال: اجتمعنا في مسجد الخيف أنا وأحمد بن حنبل وابن المدينيِّ
__________
(1) "العلل" لابن أبي حاتم: (1/19- رقم: 23) .
(2) "الأم": (1/19) .
(3) "المعجم الكبير": (8/334- رقم: 8252) .
(4) "معالم السنن": (1/131- 132) .
(5) "الاستذكار": (1/291- رقم: 38) الطهارة، باب الوضوء من مس الفرج.(1/274)
وابن معينٍ، فتناظروا في مسِّ الذَكر، فقال ابن معين: يتوضأ منه. وتقلَد ابن المدينيَّ قول الكوفيين وقال به، فاحتجَ ابن معينٍ بحديث بُسرة، واحتجَّ ابن المديني بحديث قيس بن طلق، وقال ليحيى: كيف تتقلَّد إسناد بُسرة، ومروان أرسل شرطيّاً حتَّى ردَ جوابها إليه؟! فقال يحيى: ثمَّ لم يقنع ذلك عروة، حتَّى أتاها فسألها وشافهته بالحديث. ثم قال يحيى: ولقد أكثر النَّاس في قيس وأنَّه لا يحتجُ بحديثه. فقال أحمد: كلا الأمرين على ما قلتما. فقال يحيى: مالك (1) عن نافع عن ابن عمر: يتوضأ من مسِّ الذَكر. فقال عليٌّ: كان ابن مسعود يقول: لا يتوضَّأ منه، وإنَّما هو بضعة من جسدك. فقال: [يحيى] (2) : هذا عمن؟ فقال عليٌّ: عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل عن عبد الله، وإذا اجتمع ابن مسعود وابن عمر فاختلفا فابن مسعود أولى أن يتبع.
فقال [له أحمد بن حنبل] (3) : نعم، ولكن أبو قيس الأودي لا يحتجُ بحديثه.
فقال عليٌ: حدَثني أبو نعيم ثنا مسعر عن عمير بن سعيد عن عمَّار قال: ما أبالي مسسته أو أنفي. فقال يحيى: بين عمير وعمَّار مفازة!
وروي عن ابن المديني ما يدلُ على أنه رجع إلى حديث بُسرة.
وقال صاعقة: قال عليُ بن المديني: اجتمع سفيان وابن جريج فتذاكرا مسَّ الذَّكر، فقال ابن جريج: يتوضَّأ منه، فقال سفيان: لا يتوضَّأ منه، أرأيت لو أمسك بيده منيّاً ما كان عليه؟ قال ابن جريج: يغسل يده. فقال: أيُّهما أكثر المنيّ أو مسُّ الذَّكر؟! فقال: ما ألقاها على لسانك إلا الشَّيطان (4) O.
__________
(1) في مطبوعة "السنن الكبرى": (عن مالك) .
(2، 3) زيادة من مطبوعة "السنن الكبرى" و" التعليقة على العلل " للمنقح: (ص: 94) .
(4) "السنن الكبرى": (1/136) باختصار يسير.
وقد أوردها الحافظ ابن عبد الهادي في تعليقته على "العلل" لابن أبي حاتم: (ص: 93- 94) ثم قال: (وهذه الحكاية بعيدة من الصحة من وجوه عديدة، وقد تفرد بها عبد الله بن يحيى السرخسي وهو متهم) ا. هـ(1/275)
قال المؤلف: وللخصم ثلاثة أحاديث:
304- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حمَّاد بن خالد ثنا أيُّوب بن عتبة اليماميُ عن قيس بن طلق عن أبيه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن مسِّ الذكر، فقال: يا رسول الله، أيتوضأ أحدنا من مسِّ ذكره؟ فقال: "هل هو إلا بضعةٌ منك؟! " (1) .
ورواه ابن عَدي عن محمَّد بن يحيى بن سليمان عن عاصم بن عليًّ عن أيُّوب بن عتبة (2) .
305- طريقٌ ثانٍ: قال أحمد: ثنا موسى بن داود ثنا محمَّد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: كنت جالساً عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله رجلٌ فقال: مسست ذكري- أو: الرَّجل يمسُّ ذكره في الصَلاة عليه الوضوء؟ - قال: "لا، إنَّما هو منك" (3) .
306- طريقٌ ثالثٌ: قال ابن عَديٍّ: ثنا محمَّد بن خريم الدمشقيُ ثنا هشام بن عمَّار ثنا سعيد بن يحيى ثنا عبد الحميد بن جعفر عن أيُّوب بن محمَّد العجليَّ عن قيس بن طلق- أو: طلق بن قيس- الحنفيَّ عن أبيه أَنَّه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مسِّ فرجه، فقال: "إنَّما هو بضعةٌ منك" (4) .
307- طريقٌ رابعٌ: أنا محمد بن أبي طاهر البزَّار أنا أبو يعلى محمَّد بن الحسين أنا عليُ بن عمر بن شاذان أنا حامد بن بلال ثنا محمَّد بن عبد الله البخاريَّ ثنا عيسى بن موسى غنجاز عن [غياث] (5) بن إبراهيم عن محمَّد بن جابر
__________
(1) "المسند": (4/22) مع اختلاف في اللفظ.
(2) "الكامل": (1/352- رقم: 182) بهذا اللفظ.
(3) "المسند": (4/23) .
(4) "الكامل": (1/352- رقم: 182) .
(5) في الأصل و (ب) : (عتاب) خطأ، والتصويب من "التحقيق".(1/276)
الحنفيَّ عن قيس بن طلق عن أبيه قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مسِّ الذَكر، فقال: " إنَّما هو بضعةٌ منك ".
308- طريقٌ خامسٌ: قال الترمذيُ: ثنا هنَّاد ثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن عليٍّ عن أبيه عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قال: " وهل هو إلا مضغةٌ منك- أو: بضعةٌ منه- " (1) .
309- الحديث الثَاني: قال ابن عَدِي: أنا أبو يعلى ثنا كامل بن طلحة ثنا حمَّاد بن سلمة (2) عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّما هو حِذية (3) منك ". يعني مسَّ الذَّكر (4) .
310- الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنيُ: أنا محمَّد بن أحمد بن عمرو أنا أحمد بن محمَّد بن رشدين ثنا سعيد بن عفير ثنا الفضل بن المختار عن الصَّلت ابن دينار (5) عن عصمة بن مالك الخطميَّ- وكان من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَ رجلاً قال: يا رسول الله، إني احتككت في الصَلاة فأصابت يدي فرجي؟
فقال النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وأنا أفعل ذلك" (6) .
هذه الأحاديث الثَّلاثة ضعاف:
أمَّا الأوَل: ففي طريقه الأوَل: أيُّوب بن عتبة، قال يحيى بن معينٍ:
__________
(1) "الجامع": (1/127- رقم: 85) .
(2) في "التحقيق": (زيد) خطأ.
(3) في " النهاية ": (1/357- ح ذ ا) : (أي قطعة، قيل هي بالكسر: ما قطع من اللحم طولاً) ا. هـ
(4) "الكامل": (2/135- رقم: 335) .
(5) قوله: (عن الصلت بن دينار) وهم، صوابه: (عن عبيد الله بن موهب) كما أشار إليه ابن عبد الهادي في هامش النسخة وكما سيأتي في كلامه أيضاً.
(6) "سنن الدارقطني": (1/149) .(1/277)
ليس بشيءٍ (1) . وقال النَسائيُ: مضطرب الحديث (2) .
وأمَا الثَاني: ففيه محمَّد بن جابر، قال يحيى: ليس بشيءٍ (3) . وقال الفلاَّس: متروك الحديث (4) . وقال ابن حِبَان: كان يُلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ويسرق ما ذُوكر به فيحدث به (5) .
وفي الطَريق الثَالث: العجليُ، وقد ضعَّفه يحيى بن معينٍ (6) ؛ وفيه: عبد الحميد، قال الثَوريَّ: هو ضعيفٌ (7) .
وفي الطَريق الرابع: غياث بن إبراهيم، قال أحمد (8) والبخاريَّ (9) والدَارَقُطْنِيُ: هو متروكٌ. وقال يحيى: كان كذَّاباً (10) . وقال ابن حِبَان: يضع الحديث (11) .
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (4/87- رنم: 3275) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 48- رقم: 24) .
(3) "التاريخ" برواية الدوري: (4/91- رقم: 3303) ؛ وبرواية الدارمي: (ص: 202 - رقم: 742) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (6/148- رقم: 1646) .
(5) "المجروحون": (2/270) .
(6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 179- رقم: 645) .
(7) "العلل" لعبد الله بن أحمد: (2/489- رقم: 3223) ، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/10- رقم: 46) .
وفي هامش الأصل: (حـ: عبد الحميد صدوق، روى له مسلم، والثوري إنما تكلم فيه لأجل القدر) ا. هـ
انظر: "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/440- رقم: 987) .
(8) "الجرح والتعديل": لابن أدما حاتم: (7/57- رقم: 327) .
(9) "التاريخ الكبير": (7/109- رقم: 488) ، "التاريخ الأوسط": (2/169) ، "الضعفاء الصغير": (ص: 473- رقم: 294) وفيها: (تركوه) .
(10) "التاريخ" برواية الدوري: (3/468- رقم: 2298) ، " معرفة الرجال " برواية ابن محرز: (1/55- رقم: 44) .
(11) "المجروحون": (2/200- 201) .(1/278)
وقد سبق ذكر محمَّد بن جابر.
وأمَا قيس بن طلق: فقد ضعَّفه أحمد (1) ويحيى (2) ، وقال أبو حاتم الرَازيَّ وأبو زرعة: قيسٌ لا تقوم به حجَّة (3) .
وقد ادَّعى أصحابنا- على تقدير صحَّة هذا الحديث- أنَه منسوخٌ، وقالوا: لأنَّه كان في أوَّل الهجرة، وأحاديثنا متأخرة، إذ من جملة رواتها أبو هريرة وإسلامه متأخر.
311- قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا إسماعيل بن يونس ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا محمَّد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يؤسسون مسجد المدينة، وهم ينقلون الحجارة، فقلت: يا رسول الله، ألا ننقل كما ينقلون؟ قال: " لا، ولكن اخلط لهم الطَّين يا أخا اليمامة فأنت أعلم به ". قال: فجعلت أخلطه وينقلونه (4) .
وأمَّا حديثهم الثَاني: ففيه القاسم، قال ابن حِبَان: كان يروي عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعضلات (5) .
__________
(1) "الميزان" للذهبي: (3/397- رقم: 6916) .
(2) قال الذهبي في "الميزان": (3/397- رقم: 6916) في ترجمة قيس: (ضعفه أحمد ويحيى في إحدى الروايتين عنه، وفي رواية عثمان بن سعيد عنه: ثقة) ا. هـ
وجاء تضعيف يحيى لقيس في الحكاية المشهورة له مع أحمد وابن المديني في هذه المسألة- وقد سبقت-.
وقال ابن عبد الهادي في تعليقته على "العلل" لابن أبي حاتم: (ص: 92) - بعد أن ذكر ما نقل من كلام يحيى في قيس-: (في صحته عنه نظر، ورواية عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى في توثيق قيس أصح) ا. هـ
وانظر: "التاريخ" لابن معين برواية الدارمي: (ص: 144- رقم: 486) .
(3) "العلل" لابن أبي حاتم: (1/48- رقم: 111) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/148- 149) .
(5) "المجروحون": (2/211- 212) .(1/279)
وفيه جعفر بن الزبير، قال شعبة: كان يكذب (1) . وقال البخاريَّ (2) والنَّسائيُّ (3) والدَارَقُطني (4) : متروكٌ.
وأمَّا الحديث الثَّالث: ففيه الصَّلت، كان شعبة يتكلَّم فيه (5) ، وقال أحمد (6) والفلاّس (7) والدارَقُطنِي (8) : ليس بالقويِّ. وفي رواية عن أحمد قال: ترك النَّاس حديثه (9) .
وفيه الفضل بن المختار، قال ابن عَدِيٍّ: له أحاديث منكرة (10) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو مجهولٌ، وأحاديثه منكرةٌ، يحدث بالأباطيل (11) .
__________
(1) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/182- رقم: 227) ؛ "الكامل" لابن عدي: (2/ 134- رقم: 335) .
(2) "الضعفاء الصغير": (ص: 417- رقم: 46) .
(3) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 76- رقم: 108) .
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 169- رقم: 143) .
(5) " التاريخ الأوسط " للبخاري: (2/102) .
(6) لم نقف على هذه العبارة، ولكن قال فيه ما هو أعظم منها ففي "العلل" برواية عبد الله: (3/7- رقم: 3900) : (متروك الحديث) .
(7) لم نقف عليه أيضاً، ولكن في " الجرح وللتعديل " لابن أبي حاتم: (4/438- رقم: 1919) عنه: (متروك الحديث، يكثر الغلط) ، وانظر التعليق التالي.
(8) "الميزان" للذهبي: (2/318- رقم: 3906) ، وفي "الضعفاء والمتروكون" للدارقطني: (متروك) .
في هامش الأصل: (حـ: قال الفلاس: الصلت كثير الغلط متروك الحديث. وقال الدارقطني: متروك) ا. هـ
(9) "العلل" برواية عبد الله: (2/310- رقم: 2380) .
(10) لم نقف عليه في ترجمته من مطبوعة "الكامل": (6/14- رقم: 1561) فقد تكون سقطت من المطبوعة، وقد تكون في موضع آخر من "للكامل".
وذكر هذه الكلمة عن ابن عدي: الذهبي في "الميزان": (3/358- رقم: 6750) .
(11) "الجرح والتعديل": (7/69- رقم: 391) .(1/280)
ز: وروى حديث قيس بن طلق عن أبيه: أبو داود (1) وابن ماجه (2) والنَّسائيُّ (3) وأبو حاتم ابن حِبَان (4) .
وقال التّرمذيُّ: هو أحسن شيءٍ روي في هذا الباب (5) .
وقال الشَّافعيُّ: قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره، وقد عارضه من وصفنا ثقته ورجاحته في الحديث وثبته (6) .
وقال الطَّحاويُّ: حديث ملازم مستقيم الإسناد (7) غير مضطرب في إسناده ولا في متنه، فهو أولى عندنا مما رويناه أولاً من الآثار المضطربة في أسانيدها، ولقد حدَّثني ابن أبي عمران قال: سمعت عبَّاس بن عبد العظيم العنبريُّ يقول: سمعت عليَّ بن المدينيٌ يقول: حديث ملازم هذا أحسن من حديث بسرة (8) .
وروى حديث أبي أمامة: ابن ماجه في "سننه" (9) .
وحديث عصمة بن مالك: يرويه الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عنه- لا عن الصَّلت-، ولو نقله المؤلّف من كتاب الدَّارَقُطنيٌ ولم يتصرَّف فيه لم يقع له الوهم فيه، والله أعلم.
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/236- رقم: 184- 185) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/163- رقم: 483) .
(3) "سنن النسائي": (1/101- رقم: 165) .
(4) "الإحسان" لابن بلبان: (3/402- 404- رقم: 1119- 1121) .
(5) "الجامع": (1/128- رقم: 85) .
(6) "سنن البيهقي": (1/135) ؛ "المعرفة" للبيهقي: (1/232- رقم: 203) .
(7) في مطبوعة " شرح معاني الآثار ": (صحيح مستقيم الإسناد) .
(8) " شرح معاني الآثار ": (1/76) .
(9) "سنن ابن ماجه": (1/163- رقم: 484) .(1/281)
وممن قال بعدم النَّقض من مسِّ الذَكر: عليٌّ وابن مسعودِ وعمَّار وأبو الدَّرداءَ وحذيفةُ وعمرانُ بنُ حصينٍ.
وروي أيضاً عن سعد بن أبي، وقَّاصٍ وابن عبَّاسِ وأبي هريرة O.
*****
مسألة (48) : خروج النَّجاسات من غير السَبيلين ينقض إذا فحش.
وقال مالك والشَّافعيُّ: لا ينقض.
وقال أبو حنيفة في القيء كقولنا، وفي الدُّود كقولهم، وفي سائر الأشياء ينقض بكلِّ حالٍ.
لنا عشرة أحاديث:
312- الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش إلى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصَّلاة؟ قال: "لا، [] إنَّما (1) ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصَّلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدَّم وتوضَّئي لكلَّ صلاة حتَّى يجيء ذلك الوقت" (2) .
أخرجاه (3) .
__________
(1) في الأصل: (وإنما) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"جامع الترمذي".
(2) "الجامع": (1/167- رقم: 125) .
(3) "صحيح البخاري": (1/66- 67) ؛ (فتح- 1/331- رقم: 228) .
"صحيح مسلم": (1/180) ؛ (1/262- 263- رقم: 333) وليس فيه محل الشاهد: (وتوضئي لكل صلاة ... ) وسيشير إليه الحافظ ابن عبد الهادي.(1/282)
قالوا: قال اللالكائيُّ: قوله: " وتوضَّئي لكل صلاةٍ" من قول عروة، وهكذا أخرج في "الصَّحيحين": قال هشام: قال أبي: ثم توضَّئي لكل صلاةٍ حتَّى يجيء ذلك الوقت (1) .
قلنا: قد ذكره الترمذيَّ كما رويناه، وحكم بصحته ثمَّ لا يمكن أن يقول هذا عروة من قبل نفسه، إذ لو قاله هو كان لفظه: ثمَّ تتوضَّأ لكلِّ صلاةٍ. فلما قال: (توضَّئي) . شاكل ما قبله.
ز: قوله: (في الصَّحيحين) وهمٌ، وصوابه في "الصّحيح"، فإنَّ مسلماً لم يخرجه بل أخرجه البخاريَّ وحده، وقد تكلَّمنا على هذا الحديث وذكرنا ما علِّل به في مكانٍ آخرO.
313- الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَمد بن عبد الوارث حدَثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير حدَثني الأوزاعيُ عن يعيش ابن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدَّرداء أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاء فتوضَّأ (2) . فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك فقال: صدق، أنا صببت له وَضوءه (3) .
قالوا: قد اضطربوا في هذا الحديث، فرواه: معمر عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش عن خالد بن معدان عن أبي الدَّرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي.
فالجواب: أنَّ اضطراب بعض الرُواة لا يؤثر في ضبط غيره.
قال الأثرم: قلت لأحمد: قد اضطربوا في هذا الحديث، فقال: حسين
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/66- 67) ؛ (فتح- 1/331- رقم: 228) .
(2) هكذا في الأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي مطبوعة "المسند": (قاء فأفطر) .
(3) "المسند": (6/443) .(1/283)
المعلم يجوِّده (1) .
وقال الترمذيَّ: حديث حسين أصحُ شيءَ في هذا الباب (2) .
ز: ورواه أبو داود (3) والنَسائيُ (4) والحاكم- وقال: على شرطهما (5) - والبيهقيُ- وتكلَم فيه (6) - والترمذيَّ وقال: وقد جوَّد حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصحُ شيءٍ في هذا الباب. وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه، فقال: (عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدَّرداء) ولم يذكر فيه (الأوزاعي) ، وقال: (عن خالد بن معدان) ، وإنما هو (معدان بن أبي طلحة) (7) O.
314- الحديث الثَالث: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا البغويَّ أنَ داود بن رُشيد حدَثهم ثنا إسماعيل بن عيَّاش حدَثني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن أبيه وعن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس، فلينصرف فليتوضأ، ثمَّ ليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلَّم" (8) .
قالوا: قال الدَارَقُطْنيُ: الحفاظ من أصحاب ابن جريجِ يروونه عن ابن جريجِ عن أبيه عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاَ (9) .
__________
(1) "السنن" للأثرم: (ق 6/أ) .
(2) سيأتي قريباً بتمامه.
(3) "سنن أبي داود": (3/157- رقم: 2373) .
(4) "السنن الكبرى": (2/213- 215- الأرقام: 1320- 1329) .
(5) "المستدرك": (1/426) .
(6) "سنن البيهقي": (1/144) ، " الخلافيات ": (2/346- رقم: 659 وما بعده) .
(7) "الجامع": (1/130- 131 رقم: 87) .
(8) "سنن الدارقطني": (1/153) .
(9) "سنن الدارقطني": (1/154) .(1/284)
وأمَّا حديثه عن ابن أبي مليكة عن عائشة الذي يرويه إسماعيل بن عيَّاش: فقال أبو حاتم الرَازيَّ: ليس بشيء، وإنَّما يرويه ابن أبي مليكة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
قلنا: قد قال يحيى بن معين: إسماعيل بن عيَّاش ثقة (2) . والزيادة من الثِّقة مقبولةٌ، والمرسل عندنا حجَةٌ.
ز: الصَحيح أنَ هذا الحديث مرسل، قال الدَّارَقُطْنيُ: قال لنا أبو بكر - يعني: النَّيسابوريَّ-: سمعتُ محمَّد بنَ يحيى يقول: هذا هو الصَحيح عن ابن جريج مرسل، فأمَّا حديث ابن أبي مليكة عن عائشة الذي يرويه إسماعيل بن عيَّاش فليس بشيءٍ (3) .
315- وقد رواه ابن ماجه: عن محمد بن يحيى عن الهيثم بن خارجة عن إسماعيل بن عيَّاش عن ابن جريجٍ عن ابن أبي مليكة عن عائشة مرفوعاً، ولفظه: "من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثمَّ ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلَّم" (4) .
__________
(1) كذا وقع في جميع النسخ نسبة هذا الكلام لأبي حاتم، ولم نقف عليه من كلامه، وله كلام آخر ذكره ابنه في "العلل" وسيورده المنقح بنصه.
ونخشى أن قوله: (فقال أبو حاتم الرازي) مقحمة، لأن هذا الكلام بحروفه في "سنن الدارقطني": (1/155) و"سنن البيهقي": (1/143) بدون نسبته لأبي حاتم، وسيورد المنقح الكلام بنصه، فانظره وانظر التعليق عليه.
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (4/412- رقم: 5032) ، وفي رواية ابن مرثد (ص: 39 - رقم: 31) قال: (ثقة في كل ما حدث به عن ثقات الشاميين، وهو في حديث العراقيين ضعيف) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (1/155) .
قوله: (فأما حديث ابن أبي مليكة ... إلخ) يحتمل أن يكون من كلام الدارقطني ويحتمل أنه تتمة لكلام محمد بن يحيى، وهو الأقرب، والله أعلم.
(4) "سنن ابن ماجه": (1/385- 386- رقم: 1221) .(1/285)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه إسماعيل بن عيَّاش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا قاء أحدكم في صلاته أو رعف أو قلس فليتوضَّأ، وليبن على ما صلَّى ما لم يتكلم".
قال أبي: هذا خطأٌ، إنَّما [يروونه] (1) عن ابن جريج عن أبيه عن ابن أبي مليكة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، والحديث هذا (2) .
وقال ابن عَدِي: ثنا ابن أبي عصمة ثنا أبو طالب قال: سألت أحمد بن حنبل عن حديث ابن عيَّاشِ عن ابن جريج عن ابن أبي (3) مليكة عن عائشة (4) أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قاء أو رعف أو أحَدث في صلاته فليذهب فليتوضَّأ ثم ليبن على صلاته".
فقال: هكذا رواه ابن عيَّاش، إنَّما رواه ابن جريج قال: (عن أبي) إنَّما هو عن أبيه- ولم يسمعه من (5) أبيه- ليس فيه عائشة ولا النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال البيهقي: قال الشافعي في حديث ابن جريجِ عن أبيه: ليست هذه الرِّواية بثابتةٍ عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6) .
قال البيهقيُ: وهذا الحديث أحد ما أنكر على إسماعيل بن عيَّاش، والمحفوظ ما رواه الجماعة عن ابن جريج عن أبيه عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً.
__________
(1) في الأصل: (يرويه) ، والمثبت من (ب) و"العلل".
(2) "العلل": (1/31- رقم: 57) ، ونقل ابن أبي حاتم نحو هذا عن أبي زرعة في موضع آخر: (1/179- رقم: 512) .
(3) كلمة (أبي) سقطت من (ب) .
(4) في مطبوعة "الكامل": (عن ابن عباس) خطأ.
(5) كذا بالأصل و (ب) ، وفوقها بالأصل إشارة وكتب في الهامش: (لم يسنده عنه) . وهو الموافق لما في مطبوعة "الكامل" وهو أشبه، والله أعلم.
(6) "سنن البيهقي": (1/143) .(1/286)
كذلك رواه: محمَّد عبد الله الأنصاريَّ وأبو عاصم النَّبيل وعبد الرَزاق وعبد الوهاب بن عطاءٍ وغيرهم عن ابن جريج.
وأمَّا حديث ابن أبي مليكة عن عائشة: فإنما يرويه إسماعيل بن عيَّاش وسليمان بن أرقم عن ابن جريجٍ، وسليمان بن أرقم: متروكٌ.
وما يرويه إسماعيل بن عيَّاش عن غير أهل الشَام: ضعيف لا يوثق به.
وروي عن إسماعيل عن عبَّاد بن كثير وعطاء بن عجلان عن ابن أبي مليكة عن عائشة.
وعبَّاد وعطاء- هذا-: ضعيفان (1) O.
316- الحديث الرَابع: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن نوح الجنديسابوريَّ ثنا محمَّد بن إسماعيل الأحمسيُ ثنا الحسن بن علي الرزاز أنا محمَّد بن الفضل عن أبيه عن ميمون بن مهران عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس في القطرة ولا في القطرتين من الدَّم وضوءٌ إلا أن يكون دماً سائلاً" (2) .
قالوا: قد رواه حجَاج بن نُصير عن محمَّد بن الفضل عن أبيه عن ميمون عن أبي هريرة- ولم يذكر سعيداً-.
وكلا الطَّريقين عن محمَّد بن الفضل بن عطيَّة، قال أحمد: ليس حديثه بشيءٍ، حديثه حديث أهل الكذب (3) . وقال يحيى: كان كذَّاباً (4) . وقال
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/255- 256) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/157) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/549- رقم: 3601) .
(4) " من كلام ابن معين في الرجال " برواية ابن طهمان: (ص: 106- رقم: 334) .(1/287)
الفلاَّس (1) والنَسائيُ (2) : متروك الحديث. وقال ابن حِبَان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار (3) .
317- الحديث الخامس: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا أحمد بن سلمان (4) قال: قرئ على أحمد بن ملاعب وأنا أسمع: ثنا عمرو بن عون ثنا أبو بكر الداهِرِيَّ عن حجَاج عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من رعف في صلاته فليرجع فليتوضأ، وليبن على صلاته" (5) .
وفي لفظٍ آخر: "إذا قاء أحدكم أو رعف وهو في الصَّلاة أو أحدث فلينصرف، فليتوضَّأ، ثمَّ ليجئ فليبن على ما مضى".
هذا الحديث لا يثبت.
قال أحمد: أبو بكر الداهِريَّ يروي أحاديث مناكير، ليس هو بشيءٍ (6) .
وقال يحيى (7) وعليٌ (8) : ليس بشيءٍ. وقال السعديَّ: كذَابٌ مصرِّح (9) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/57- رقم: 262) وفيه: (متروك الحديث كذاب) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 210- رقم: 542) .
(3) "المجروحون": (2/278) .
(4) في مطبوعة "سنن الدارقطني": (بن سليمان) خطأ، وأحمد بن سلمان هو أبو بكر النجاد.
(5) "سنن الدارقطني": (1/157) وقال: (أبو بكر الداهري عبد الله بن حكيم متروك الحديث) ا. هـ
(6) "الكامل" لابن عدي: (4/138- رقم: 975) من رواية أبي طالب عنه.
(7) "الكامل" لابن عدي: (4/138- رقم: 975) من رواية أبي طالب عنه، وفي "التاريخ" برواية الدوري: (4/409- رقم: 5018) : (ليس حديثه بشيء) .
(8) " سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة ": (ص: 150- رقم: 205) وفيه: (ليس بشيء، لا يكتب حديثه) .
(9) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 223- رقم: 222) وفيه: (كذاب) وزيادة (مصرح) جاءت في "الكامل" لابن عدي: (4/138- رقم: 975) .(1/288)
وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث على الثِّقات (1) .
318- الحديث السَّادس: قال الدارَقُطنِي: ثنا القاضي الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن منصور ثنا إسحاق بن منصور ثنا هُريم عن عمرو القرشي عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان قال: رآني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سال من أنفي دمٌ، فقال: "أحدث لما حدث وضوءاً" (2) .
وهذا لا يصح، عمرو القرشي- هذا-: أبو خالد الواسطيُّ، كذَّبه أحمد (3) ويحيى (4) ، وقال وكيع: كان في جوارنا يضع الحديث، فلمَّا فطن له تحول إلى واسط (5) . وكذلك قال ابن راهويه وأبو زرعة: كان يضع الحديث (6) .
319- الحديث السَّابع: قال الدارَقُطْني: ثنا الحسن بن الخضر ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ثنا عمران بن موسى ثنا عمر بن رياح ثنا عبد الله ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رعف في صلاته توضأ ثمَّ بنى على صلاته (7) .
وهذا لا يصح، قال الفلاَّس: عمر بن رياح: دجَّال (8) . وقال
__________
(1) "المجروحون": (2/21) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/156) .
(3) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/269- رقم: 1274) من رواية أحمد بن محمد، "الكامل" لابن عدي: (5/123- رقم: 1289) من رواية أحمد بن ثابت.
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/315؛ 4/352- رقمي: 1502- 4733) ، ورواية الدارمي: (ص: 160- 161- رقم: 568) ؛ ورواية ابن طهمان: (ص: 79- 80 - رقم: 231) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (5/123- رقم: 1289) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/230- رقم: 1275) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/156- 157) .
(8) " التاريخ الأوسط " للبخاري: (2/169- رقم: 1375) ، "التاريخ الكبير": (6/156- رقم: 2009) .(1/289)
الدَّارَقُطْنيُ: متروكٌ (1) . وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الثقات (2) ، لا يحل، كتب حديثه إلا على التَّعجُب (3) .
320- الحديث الثَامن: قال الدَّارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن أحمد بن عمرو ثنا محمَّد بن عمرو بن خالد ثنا أبي ثنا محمَّد بن سلمة عن ابن أرقم عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رعف أحدكم في صلاته فلينصرف فليغسل عنَّه الدَّم، ثمَّ ليُعد وضوءه، وليستقبل صلاته".
سليمان بن أرقم: متروكٌ (4) .
321- الحديث التَّاسع: قال الدَّارَقُطنيُّ: ثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا موسى بن عيسى بن المنذر ثنا أبي ثنا بقيَّة عن يزيد بن خالد عن يزيد بن محمَّد عن عمر بن عبد العزيز قال: قال تميم الدَاريُّ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الوضوء من كل دمٍ سائلٍ".
قال الدَّارَقُطْنيُّ: عمر لم يسمع من تميم ولا رآه، ويزيد بن خالد ويزيد ابن محمَّد: مجهولان (5) .
322- الحديث العاشر: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا أحمد بن محمّد بن سعيد ثنا أحمد بن عبد الرَّحمن بن سراج والحسن بن عليَّ بن بزيع قالا: ثنا حفص الفرَّاء ثنا سَوَّار بن مصعب عن زيد بن علي عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "القلس حدثٌ".
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/157) .
(2) في مطبوعة "المجروحين": (الأثبات) .
(3) "المجروحون": (2/86) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/152- 153) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/157) .(1/290)
قال الدارَقُطني: لم يروه عن زيد غير سَوَار، وسَوَار: متروكٌ (1) .
وللخصم حديثان:
323- الحديث الأوَل: قال الدَارَقُطني: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا صالح بن مقاتل بن صالح ثنا أبي ثنا سليمان بن داود القرشي ثنا حُميد الطَّويل عن أنس بن مالك قال: احتجم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلَّى ولم يتوضَّأ، ولم يزد على غسل محاجمه (2) .
وأصحابنا يقولون: يحتمل أن يكون توضَأ ولم يره أنس، ويحتمل أن يكون صلى ناسياً، ويحتمل أن يكون لم يخرج من الدَّم ما يقطر.
ز: حديث أنس: لا يثبت، وسليمان بن داود: مجهولٌ، وصالح بن مقاتل: ليس بالقويِّ- قاله الدارَقُطَّنِي (3) -، وأبوه: غير معروفٍ.
وقال البيهقي: في إسناد هذا الحديث ضعفٌ (4) .
324- وعن عَقيل بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني في غزوة ذات الرقاع (5) - فأصاب رجلٌ امرأةَ رجلٍ من
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/155) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/157، 151- 152) .
(3) " سؤالات الحاكم للدارقطني ": (ص: 119- رقم: 112) .
(4) "سنن البيهقي": (1/140- 141) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: فائدة: في "صحيح البخاري" من حديث أبي مرسى الأشعري أنهم نقبت أقدامهم في تلك الغزوة فلفوا عليها الخرق.
قال الحافظ الدمياطي: وفي هذا نظر، لأن أبا موسى قدم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بخيبر، فكيف حضر هذه الغزوة وهي قبل خيبر بثلاث سنين؟!) ا. هـ
وانظر: "فتح الباري" للحافظ ابن حجر: (7/418- رقم: 4125) .
وهذه الحاشية يبدو أنها من الناسخ فهي ليست من جنس حواشي ابن عبد الهادي، وأيضاً القلم الذي كتبت به يختلف عن القلم الذي كتب به الأصل، والله أعلم.(1/291)
المشركين، فحلف أن لا أنتهي حتَّى أهريق دماً في أصحاب محمَّدٍ، فخرج يتبع أثر النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلاً، فقال: " من رجلٌ يكلؤنا؟ " فانتدب رجلٌ من المهاجرين وقام رجلٌ من الأنصار، فقال: "كونا بفم الشَعب".
قال: فلما خرج الرَّجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجريَّ وقام الأنصاريَّ يصلِّي، [وأتى] (1) الرَّجل، فلما رأى شخصه عرف أنَّه رَبِيَّة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه، حتَّى رماه بثلاثة أسهم، ثمَّ ركع وسجد، ثمَّ أنْبَه صاحبه، فلمَّا عرف أنهم قد نَذِروا به هرب، ولما رأى المهاجريَّ ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أوَلَ ما رمى؟! قال: كنت في سورةٍ أقرأها فلم أُحِبَ أن أقطعها.
رواه أبو داود عن أبي توبة الرَّبيع بن نافع عن ابن المبارك عن محمَّد بن إسحاق قال: حدَثني صدقة بن يسار عن عَقيل بن جابر ... فذكره (2) .
وعَقيل بن جابر: فيه جهالةٌ.
وصدقة: ثقةٌ، روى له مسلمٌ في "صحيحه" (3) .
وروى هذا الحديث: الإمام أحمد، وزاد: وأيم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها (4) .
ورواه أبو بكر ابن خزيمة (5) وأبو حاتم ابن حِبَان في "صحيحيهما" (6) ،
__________
(1) في الأصل و (ب) : (وافى) ، والمثبت من "سنن أبي داود".
(2) "سنن أبي داود": (1/244- 246- رقم: 200) .
(3) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/319- رقم: 697) .
(4) "المسند": (3/343- 344، 359) .
(5) "صحيح ابن خزيمة": (1/24- 25- رقم: 36) .
(6) "الإحسان" لابن بلبان: (3/375- 376- رقم: 1096) .(1/292)
والدَّارَقُطْنيُ وقال: إسناده صالح (1) . والحاكم وصحَّحه (2) .
وروى البخاريَّ، قال: ويذكر عن جابر أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزوة ذات الرِّقاع فرمي رجلٌ بسهمٍ، فنزفه الدَم، فركع وسجد، ومضى في صلاته (3) .
لم يذكر له إسناداً O.
325- الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطنيُ: ثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا القاسم بن هاشم السِّمسار ثنا عتبة بن السَّكن الحمصي ثنا الأوزاعيُ عن عبادة بن نُسيٍّ وهبيرة بن عبد الرَحمن قالا: ثنا أبو أسماء الرَحبيُّ ثنا ثوبان أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاء فدعاني بوَضوء فتوضَّأ، فقلت: يا رسول الله، أفريضةٌ
الوضوء من القيء؟ قال: " لو كان فريضةٌ لوجدته في القرآن".
قال الدَارَقُطنيُ: لم يروه عن الأوزاعي غير عتبة بن السَّكن، وهو متروك الحديث (4) .
*****
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/223- 224) .
لم نقف على كلامه في مطبوعة "السنن" ولا في "إتحاف المهرة" فلعله في رواية أخرى أو نسخة أخرى، والله أعلم.
(2) "المستدرك": (1/156- 157) .
(3) "صحيح البخاري": (1/55) ؛ (فتح- 1/280- باب رقم: 34) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/159) وفيه: (وهو منكر الحديث) ، ثم خرجه في موضع آخر: (2/184) وقال عقبه: (عتبة بن السكن متروك الحديث) .(1/293)
فصل (49) : ونحن نفرق بين القليل والكثير.
ويستدلُ أصحابنا على ذلك بحديثين:
أحدهما: حديث أبي هريرة: "ليس في القطرة ولا القطرتين من الدَم وضوء" وقد سبق.
326- الحديث الثَاني رواه الدَارَقُطْنيُ: [ثنا محمَّد بن خلف الخلاَّل ثنا محمَّد بن هارون بن حميد ثنا أبو الوليد القرشي] (1) ثنا الوليد (2) أخبرني بقيَة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباسِ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص في دم الحُبُون يعني: الدَّماميل.
قالوا: قال الدَارَقُطْنيُ: هذا باطل عن ابن جريج، ولعلَ بقيَة دلَّسه عن رجلٍ ضعيفِ (3) ، والله أعلم.
قلنا: بقيّة قد أخرج عنه مسلم (4) .
ز: وقد ذكر ابن عَدِي هذا الحديث في كتاب "الكامل" في مناكير بقيَة، ورواه من طريق: أحمد بن يونس الحمصيِّ عن الوليد بن مسلم عن بقيَة،
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) وقع هنا في مطبوعتي "التحقيق" و"سنن الدارقطني" زيادة (ح) والظاهر أنها مقحمة فهي غير موجودة في "إتحاف المهرة" لابن حجر (7/405- رقم: 8073) ، ثم الحديث خرجه: ابن عدي في "الكامل": (2/75- رقم: 302) من طريق أحمد بن يونس الحمصي، والبيهقي في "سننه": (2/405) من طريق موسى بن عامر، كلاهما عن الوليد بن مسلم عن بقية به.
وقال ابن عدي عقبه- كلما سيأتي-: هذا الحديث لا يعرف إلا لبقية عن ابن جريج ا. هـ
وقال البيهقي: رواه جماعة عن الوليد بن مسلم، هذا تفرد به بقية بن الوليد عن ابن جريج ا. هـ والله أعلم.
(3) "سنن الدارقطني": (1/158) .
(4) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/99- رقم: 170) .(1/294)
وقال: هذا الحديث لا يعرف إلا ببقيَّة عن ابن جريجِ. قال: ويشبه أن يكون بين بقيَة وبن ابن جريج بعض المجهولين أو بعض الضُعفاء، لأنَّ بقيَّة كثيراً ما يفعل ذلك (1) O.
وقد استدلَّ أصحابنا بآثارٍ منها:
326/أ- أنَّ عمر بن الخطَاب عصر بثرة في وجهه فخرج منها شيءٌ من دم وقيحٍ، فمسحه بيده وصلَّى ولم يتوضَّأ.
326/ب- وعن عبد الله بن أبي أوفى أنَه تنخم دماً عبيطاً وهو يصلِّي.
326/جـ- وعن جابر أنَه سئل عن رجلِ صلَّى، فامتخط، فخرج مع المخاط شيءٌ من دم، قال: لا بأس، يتمُ صلاته.
قال الخصم: القياس استواء النَّاقض، إلا أنَّا تركناه في القيء لما: 326/د- روي عن علي عليه السَّلام (2) أنَّه ذكر الأحداث فقال في جملتها: أو دسعةٌ (3) من قيءَ تملأ الفم.
326/هـ- وعن ابن عبَّاسِ أنَه قال: إذا كان القيء يملأ الفم أوجب الوضوء.
قلنا: هذه الآثار لا تمنع القياس عليها.
*****
مسألة (50) : إذا قهقه في صلاته لم يبطل وضوءه.
__________
(1) "الكامل": (2/75- رقم: 302) بتصرف واختصار.
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد الصحابة- رضي الله عنهم- بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(3) في " النهاية ": (2/117- دسع) : (يريد الدفعة الواحدة من القيء) .(1/295)
وقال أبو حنيفة: يبطل.
استدلَّ أصحابنا بحديثين:
327- الحديث الأوَل: قال الدَّارَقُطني: ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا محمَّد بن بشر بن مروان ثنا المنذر بن عمَّار ثنا أبو شيبة عن يزيد أبي خالد عن أبي سفيان عن جابر عن النبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الضَّحك ينقض الصَّلاة ولا ينقض الوضوء" (1) .
328- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطني: ثنا محمَّد بن مخلد ثنا يزيد بن الهيثم ثنا صبح بن دينار ثنا المعافى بن عمران ثنا ابن لهيعة عن زَبَّان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن النبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الضَّاحك فى الصلاة والملتفت والمفرقع أصابعه بمنزلة واحدةٍ " (2) .
ورواه أحمد في "المسند": ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ... فذكره (3) .
وهذان الحديثان ضعيفان:
أمَّا الأوَّل: فقد اختلف عن أبي شيبة، فروى الدَّارَقُطني:
329- ثنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني أبي (4) عن أبي شيبة عن يزيد أبي خالد عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الكلام ينقض الصَّلاة ولا ينقض الوضوء " (1) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/173) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/175) .
(3) "المسند": (3/438) .
(4) كتب فوقها بالأصل: (صح) إشارة إلى ثبوت تكرار كلمة (حدَّثني أبي) .(1/296)
ثمَّ إنَّ أبا شيبة- واسمه: عبد الرحمن بن إسحاق-: ضعيفٌ، كذلك قال يحيى بن معين (2) ، وقال أحمد: ليس بشيءٍ، منكر الحديث (3) .
وأما يزيد: فقال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (4) .
وأما الحديث الثاني: فقال يحيى: سهل ضعيفٌ (5) . وقال ابن حِبَّان: لست أدري التَّخليط منه أو من زبَّان (6) .
وزبَّان: لا يحتج به، قال أحمد: أحاديثه مناكير (7) . وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو صالحٌ (8) .
ز: قول المؤلف: (إنَّ أبا شيبة هو: عبد الرَّحمن بن إسحاق) وهمٌ، وإنما هو: إبراهيم بن عثمان- جدُّ بني أبي شيبة-، وقد ضعََّفه غير واحدٍ.
وقال البيهقي في هذا الحديث: ورواه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان فرفعه - وهو ضعيفٌ -، والصَّحيح أنَّه موقوفٌ (9) O.
احتجوا بحديثٍ قد روي مرفوعاً من سبعة طرقي، ومرسلاً من وجوهٍ: 330- الطَّريق الأوَل من المرفوع: قال ابن عَدِي: ثنا ابن جَوصا ثنا
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/173- 174) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (3/325- رقم: 1559) .
(3) "الجرح والتعديل": (5/213- رقم: 1001) من رواية أبي طالب.
(4) "المجروحون": (3/105) باختصار.
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/204- رقم: 879) من رواية ابن أبي خيثمة.
(6) "المجروحون": (1/347) .
(7) "العلل" برواية عبد الله: (3/115- رقم: 4481) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/616- رقم: 2788) .
(9) "سنن البيهقي": (1/145) .(1/297)
عطيَّة بن بقيَة قال: حدَثني أبي ثنا عمرو بن قيس السكونيُ عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ضحك في صلاة قهقهةً فليعد الوضوء والصَّلاة" (1) .
331- الطَريق الثَاني: أنا أبو منصور القزاز أنا أبو بكر أحمد بن عليِّ بن ثابت أنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن حسنويه ثنا القاضي أبو بكر محمَّد بن عمر الجِعَابي ثنا عبد الله بن أحمد بن خزيمة (2) ثنا عليُّ بن حُجر ثنا عبد العزيز بن حصين عن عبد الكريم أبي أميّه عن الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ضحك في الصلاة فليعد الوضوء والصلاة" (3) .
332- الطريق الثَالث: قال ابن عَدِي: ثنا أحمد بن الحسين الصوفيُّ ثنا سفيان بن محمَّد الفزاريُّ ثنا ابن وهبٍ أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي معاذ عن الحسن عن أنس بن مالك أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بالنَّاس فدخل أعمى المسجد فتردَّى في بئرٍ أو حفرةٍ فضحك القوم، فأمر النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ضحك أن يعيد الوضوء والصَّلاة (4) .
333- الطَّريق الرَّابع: قال ابن عدي: ثنا زيد بن عبد الله بن زيد الفارض ثنا كثير بن عبيد ثنا بقية [عن] (5) محمَّد الخزاعيِّ عن الحسن عن عمران بن حُصين أن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجلٍ ضحك: "أعد وضوءك" (6) .
334- قال ابن عَدِي: وثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن عيسى بن حيَان ثنا
__________
(1) "الكامل": (3/167- رقم: 679) .
(2) في "التحقيق": (حسن) خطأ.
(3) وهو في "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/379- رقم: 4956) .
(4) "الكامل": (3/166- رقم: 679) .
(5) في الأصل و (ب) : (بن) ، والتصويب من "التحقيق" و"الكامل".
(6) "الكامل": (3/166- رقم: 679) .(1/298)
الحسن بن قتيبة ثنا عمر بن قيس عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمران بن حُصين عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا قهقه أعاد الوضوء والصَلاة" (1) .
ز: قال ابن عَدِي بعد أن روى هذا الحديث: كذا قال في هذا الإسناد: (عن عمر (2) بن قيس عن عمرو بن عبيد) وإنَّما هو: عمرو (3) بن قيس- وهو السكونيُ الحمصيُ- عن عمرو بن عبيد.
335- حدَثنا عمرو بن سنان المنبجيُ ثنا عبد الوهَاب بن الضَحَاك ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عمرو بن قيس عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمران ابن حُصين الخزاعي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من ضحك في الصَلاة قرقرةً فليعد الوضوء والصَلاة".
قال ابن عَدِي: ورواه بقيَة عن عمرو بن قيس عن عطاء عن ابن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدَثناه ابن جَوْصَا ... فذكره كما تقَدَم (4) .
فأسقط بقيَة- أو غيره-: عمرو بن عبيد، وقال: عن عطاء عن ابن عمر O.
336- الطريق الخامس: قال ابن عَدِي: ثنا ابن زهير التُستَريَّ ثنا عبيد الله بن سعد الزهريَّ ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن (5) إسحاق قال: حدَثني ابن دينار عن الحسن البصري عن أبي المَليح الهذلي عن أبيه قال: بينا نحن نصلي خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل رجل ضرير البصر، فوقع في حفرةٍ قريباً منَّا، فضحك بعضنا، فأمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإعادة الوضوء والصَلاة من أوَّلها (6) .
__________
(1) "الكامل": (3/167- رقم: 679) .
(2) في مطبوعة "الكامل": (عمرو) خطأ.
(3) في مطبوعة "الكامل": (عمر) خطأ.
(4) "الكامل": (3/167- رقم: 679) .
(5) في "التحقيق": (أبي) خطأ.
(6) "الكامل": (2/302- رقم: 446) .(1/299)
337- الطَّريق السادس: قال الدارَقُطْني: ثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا إبراهيم بن هانئ ثنا محمد بن يزيد بن سنان ثنا يزيد بن سنان (2) ثنا سليمان الأعمش عن أبي سفيان عن جابرٍ قال: قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ضحك منكم في صلاته فليتوضَّأ ثم ليعد الصَّلاة " (3) .
338- الطَّريق السَابع: قال الدارَقُطْني: ثنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن عليٌ بن زيدٍ ثنا سعيد بن منصور ثنا خالد بن عبد الله عن هشام بن حسَان عن حفصة عن أبي العالية عن رجل من الأنصار أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلٌي بأصحابه، فمر رجلٌ في بصره سوءٌ، فتردّى في بئر، فضحك طوائف من القوم، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ضحك أن يعيد الوضوء والصَّلاة (4) .
وقد أرسل هذا الحديث جماعة:
منهم الحسن:
339- قال الدارَقُطني: ثنا أبو بكر النيسابوري حدثني موهب بن يزيد ثنا ابن وهبٍ أخبرني يونس عن ابن شهاب عن الحسن قال: بينا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلٌي إذ جاء رجلٌ فوقع في حفرةٍ فضحك بعض القوم، فأمر من ضحك أن يعيد الوضوء والصَّلاة (5) .
ومنهم مَعبد الجهني:
340- قال الدارَقُطني: ثنا أبو بكر الشافعي وأحمد بن محمد بن زياد
__________
(1) "الكامل": (2/302- رقم: 446) .
(2) في " الحقيق ": (شيبان) خطأ.
(3) "سنن الدارقطني": (1/172) .
(4) "سنن الدارقطني": (2/169- 170) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/166) .(1/300)
قالا: ثنا إسماعيل بن محمَّد بن أبي كثير القاضي ثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا أبو حنيفة عن منصور بن زاذان عن الحسن عن مَعبد عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: بينما هو في الصَلاة إذا أقبل رجلٌ أعمى يريد الصَّلاة، فوقع في زُبية (1) ، فاستضحك القوم حتَّى قهقهوا، فلمَّا انصرف النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصَلاة " (2) .
ومنهم أبو العالية:
341- قال الدَارَقُطَّنيُ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا يوسف بن سعيد ثنا أحمد بن يونس ثنا زائدة عن هشام عن حفصة عن أبي العالية قال: جاء رجلٌ في بصره سوءٌ فدخل المسجد ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي فتردَّى في حفرةٍ كانت في المسجد، فضحك طوائفٌ منهم، فلمَّا قضى صلاته أمر من كان ضحك أن يعيد الوضوء والصَلاة (3) .
هذا الحديث حديث أبي العالية، هو الذي رواه مرسلاً، وكلُ من رفعه فقد غلط ومن أرسله عن غيره فإنه يرجع إليه.
فأما الطريق الأوَّل: ففيه بقيَّة، ومن عادته التَّدليس، فكأنه سمعه من بعض الضُعفاء فحذف اسم ذاك، وقد كان له رواةٌ يسوون الحديث ويحذفون اسم الضَّعيف.
وأما طريق أبي هريرة: ففيه علل:
إحداهن: أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة.
__________
(1) في " النهاية ": (2/295- زبا) : (الزبية: حفيرة تحفر للأسد والصيد، ويغطى رأسها بما يسترها ليقع فيها) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (1/167) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/170) .(1/301)
والثانية: عبد الكريم، فقد رماه أيُّوب السَختيانيُ بالكذب (1) ، وقال أحمد (2) ويحيى (3) : ليس بشيء. وقال السَعديَّ: غير ثقةٍ (4) . وقال الدَّارَقُطْنيُ: متروك (5) .
والثَالثة: عبد العزيز، قال يحيى: ليس يساوي حديثه فلسا (6) . وقال مسلم بن الحجَّاج: ذاهب الحديث (7) . وقال النَسائيُ: متروك الحديث (8) .
وأمَّا طريق أنس: ففيه آفتان:
أبو معاذ- واسمه: سليمان بن أرقم-، قال أحمد: ليس بشيءٍ، لا يروى عنه الحديث (9) . وقال يحيى: ليس بشيء، لا يساوي فلساً (10) .
__________
(1) انظر: "مقدمة صحيح مسلم": (1/16-17) ؛ (فؤاد- 1/21) ؛ و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/59- رقم: 310) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/60- رقم: 311) من رواية أبي طالب، وفيه: (ليس هو بشيء، شبه المتروك) ا. هـ
(3) "التاريخ" رواية الدارمي: (ص: 187- رقم: 681) ، ورواية ابن طهمان: (ص: 83-84- رقم: 252) .
(4) "المجرة في أحوال الرجال": (ص: 161- رقم: 147) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/164) .
(6) "تاريخ بغداد" للخطيب: (10/439- رقم: 5602) من رواية ابن الجنيد، ولم نقف عليه في مطبوعة "سؤالات ابن الجنيد"، وإنما فيها: (ص: 339، رقم: 274) قوله: (ليس بشيء) .
(7) " الكنى ": (ص: 126/ق: 50) .
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 157- رقم: 391) .
(9) "العلل" رواية عبد الله: (2/67- رقم: 1570) وفيه: (لا يسوى شيئاً، لا يروى عنه الحديث) ، وقوله (ليس بشيء) ذكره العقيلي في "الضعفاء": (2/121- رقم: 599) من رواية عبد الله، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" من رواية ابن أبي خيثمة: (4/100 - رقم: 450) .
(10) "التاريخ" رواية الدوري: (3/277، 528- رقمي: 1323، 2577) .(1/302)
وقال النسائيُ (1) والدَارَقُطْنيُّ (2) : متروك.
والثانية: سفيان بن محمَّد، قال ابن عَدِي: كان يسرق الأحاديث، ويسوي الأسانيد، وفي حديثه موضوعات (3) .
والبلاء في هذا الحديث منه.
وقد رواه داود بن المحبَّر عن أيُّوب بن خوط عن قتادة عن أنس، وداود: متروك.
وأما حديث عمران: ففي طريقه الأوَل: الخزاعيُّ، قال ابن عَدِي: هو من مجهولي مشايخ بقيَة. قال: ويقال في هذا الحديث: عن محمد بن راشد عن الحسن وابن راشد: مجهولٌ أيضاً (4) .
وفي طريقه الثَاني: عمرو بن عبيد، وهو كذَّاب،، وعمر بن قيس، وهو متروكٌ.
وأما حديث أسامة: ففيه الحسن بن دينار.
وقد رواه الحسن بن عمارة عن خالد الحذَّاء عن أبي المليح عن أبيه.
وقد حكم شعبة بكذب الحسنين (5) : ابن دينار (6) ، وابن عمارة (7) .
قال الدَارَقُطْنيُ: وقد أخطأ في الإسناد، إنَّما روى هذا الحديث الحسن
__________
(1) "سنن النسائي": (7/27؛ 8/59 رقمي: 3839، 4854) وفيه: (متروك الحديث) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/110، 153،، 3/87) .
(3) "الكامل": (3/419- 421- رقم: 845) .
(4) "الكامل": (3/167- رقم: 679) في ترجمة أبي العالية.
(5) في (ب) : (الحسين) خطأ، وفي "التحقيق": (الحسن) .
(6) انظر: "الكامل" لابن عدي: (2/297- رقم: 446) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/27- رقم: 116) ، و"الضعفاء الكبير"
للعقيلي: (1/237- رقم: 286) .(1/303)
البصريَّ عن حفص بن سليمان المنقريِّ عن أبي العالية (1) .
قال: وقول الحسن بن عمارة: (عن خالد الحذَاء) وهمٌ قبيحٌ، وإنَّما رواه خالد الحذَّاء عن حفصة عن أبي العالية (2) .
وأمَّا حديث جابر: ففيه يزيد (3) بن سنان، ضعَّفه أحمد (4) وعليٌّ (5) ، وقال يحيى: ليس بشيء (6) . وقال النَسائيُ: متروكٌ (7) .
وقال الدَارَقُطْنيُ: وهم يزيد بن سنان فيه في موضعين: أحدهما: في رفعه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ والثاني: في لفظه؛ والصَحيح: عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر من قوله: من ضحك في الصَّلاة أعاد الصَلاة ولم يعد الوضوء.
كذلك رواه جماعة من الثقات الرُفعاء عن الأعمش، منهم: الثَّوريَّ وأبو معاوية ووكيع وغيرهم (8) .
وقد روي حديث عن جابر يدلُ على ما جرى في زمن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك غير أنَّه لا يصحُ.
342- قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن (9) البهلول حدَثني جدي ثنا المسيَّب بن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/162) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/162) .
(3) في (ب) : (زيد) خطأ.
(4) "مسائل ابن هانئ": (2/238- رقم: 2319) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/266- رقم: 1125) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (3/422- رقم: 2063) ، ورواية الدارمي: (ص: 231 - رقم: 894) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 248- رقم: 650) .
(8) "سنن الدارقطني": (1/172) .
(9) (بن) سقطت من "التحقيق".(1/304)
عن جابر قال: ليس على من ضحك في الصَّلاة إعادة وضوءٍ، إنَّما كان ذلك لهم حين ضحكوا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
وهذا لا يصحُ، قال يحيى بن معين: المسيَّب ليس بشيءٍ (2) . وقال أحمد: ترك النَّاس حديثه (3) . وقال الفلاَّس: اجتمعوا على ترك حديثه (4) .
وأما حديث الرٌجل من الأنصار: فغلط من خالد بن عبد الله الواسطي، قال الدَارَقُطنيُ: لم يصنع خالدٌ شيئاً، وقد خالفه خمسة أثباتِ حفَاظِ، وقولهم أولى بالصَّواب.
وقال قبل هذا الكلام: وروى هذا الحديث هشام بن حسَّان عن حفصة عن أبي العالية مرسلاً.
حدَّث به عنه جماعة، منهم: سفيان الثَوريَّ وزائدة بن قدامة ويحيى بن سعيد القطَّان وحفص بن غياث وروح بن عبادة وعبد الوهَاب بن عطاء وغيرهم، فاتفقوا عن هشام عن حفصة عن أبي العالية (5) .
قال: وأمَّا حديث مَعْبد: فوهم فيه أبو حنيفة على منصور، وإنما رواه
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/175) .
(2) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 214- رقم: 796) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/294- رقم: 1353) من رواية أبي طالب.
(4) "تاريخ بغداد": (13/139) ولفظه: (متروك الحديث، اجتمع أهل العلم على ترك حديثه) ا. هـ
(5) كلام ابن الجوزي على حديث الرجل من الأنصار وقع فيه وهم نبه عليه المنقح- فيما يأتي-، وقام بتعديله على الوجه المثبت هنا، وكان في "التحقيق" ما نصُّه: (وأما حديث الرجل من الأنصار: فغلط من خالد بن عبد الله الواسطي، قال الدارقطني: لم يصنع خالد شيئا، وقد خالفه خمسة أثبات حفاظ: معمر وأبو عوانة وسعد بن أبي عروبة وسعيد بن بشير، كلهم رووه عن قتادة عن أبي العالية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتابعهم سالم بن أبي الذيَّال، فرواه عن قتادة أنه قال: بلغنا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. =(1/305)
منصور بن زاذان عن ابن سيرين عن مَعبد، ومَعْبد لا صحبة له (1) .
قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا إسماعيل بن محمَّد الصَفَار ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا عليُ بن المدينيِّ قال: قال لي عبد الرَحمن بن مهديّ: هذا الحديث يدور على أبي العالية. فقلت: قد رواه الحسن مرسلاً. فقال: حدَثني حمَّاد بن زيد عن حفص بن سليمان المِنْقَري قال: أنا حدَثت به الحسن عن حفصة عن أبي العالية. فقلت: فقد رواه إبراهيم مرسلا. فقال: حدَثني شَريك عن أبي هاشم قال: أنا حدَّثت به إبراهيم عن أبي العالية. فقلت: فقد رواه الزهريَّ مرسلاً. فقال: قد رأيتُه في كتاب ابن أخي الزهري عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن الحسن (2) .
قال الدَارَقُطْنيُ: فرجعت الأسانيد كلُها إلى أبي العالية، وأبو العالية أرسل هذا الحديث عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسمَّ بينه وبينه رجلا سمعه منه.
قال: وقد روى عاصم الأحول عن محمَّد بن سيرين- وكان عالماً بأبي العالية وبالحسن قال: لا تأخذ بمراسيل الحسن ولا أبي العالية فإنَّهما لا يباليان عمن أخذا (3) .
وقال أبو أحمد بن [عَدِيّ] (4) الحافظ: كل رواة هذا الحديث يرجع إلى أبي العالية، ومن أجل هذا الحديث تُكلِّم في أبي العالية (5) .
__________
فهؤلاء خمسة ثقات، فأما أيوب بن خوط وداود بن المحبر وعبد الرحمن بن عمرو بن جبلة والحسن بن دينار فليس فيهم من يجوز الاحتجاج به لو لم يكن له مخالف، فكيف وقد خالفهم الثقات؟) ا. هـ
(1) "سنن الدارقطني": (1/167) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/166) ، وسقط من المطبوع: (عن الزهري) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/171) .
(4) زيادة من "التحقيق".
(5) "الكامل": (3/166، 170) بتصرف.(1/306)
وقال أحمد بن حنبل: ليس في الضَحك حديث صحيحٌ.
ز: وقال الشَّافعي: حديث أبي العالية الرِّياحي رياحٌ (2) .
وقال الذُّهلي: لم يثبت عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الضَّحك في الصَلاة خبرٌ (3) .
وقال الخلَال: أخبرنا عبد الله أنه سمع أباه يقول في حديث إبراهيم في الضَّحك: سمعنا أن إبراهيم سمعه من أبي هاشم. قال: ويذكرون أنَّ الزهريَّ قال: حدَثني سليمان بن أرقم. وسليمان لا يسوى حديثه شيء، لا يروى عنه الحديث (4) .
قال أبي: وحدَثنا عبد الرَزاق أنا معمر قال: سألنا الزهريَّ عن ذلك، فقال: ليس في الضَّحك وضوءٌ.
وقد تكلَم الدَّارَقُطنِي (5) وغيره من الحفَّاظ على أحاديث القهقهة وبيَنوا عللها، وقد كتبنا ذلك في موضعٍ آخر.
وقد وهم المؤلف في كلامه على حديث الرَجل من الأنصار وهماً قبيحاً، وانتقل من حديثِ إلى حديث، وقد كتبنا ما وهم فيه على الصَواب O.
*****
__________
(1) "الكامل": (3/166، 170) بتصرف.
(2) " مناقب الشافعي " لابن أبي حاتم: (ص: 222) ، "المعرفة" للبيهقي: (1/245- رقم: 223) وقال الحاكم- كما في " الخلافيات ": (2/415- رقم: 766) -: (إنما أراد الشافعي بقوله " حديث أبي العالية الرياحي رياح " حديثه في القهقهة وحده، وأبو العالية ثقة مأمون مجمع على ثقته في التابعين) ا. هـ
(3) "السنن الكبرى" للبيهقي: (1/148) ؛ "المعرفة": (1/245- 246- رقم: 224) ؛ "الخلافيات": (2/415- رقم: 767) .
(4) "العلل" برواية عبد الله: (2/67- رقمي: 1569- 1570) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/161- 175) .(1/307)
مسألة (51) : كل لحم الجزور ينقض الوضوء، خلافاً لهم.
لنا أربعة أحاديث:
343- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان عن سماك بن حرب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أنَّ رجلاً سأل النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنتوضَّأ من لحوم الغنم؟ قال: " لا " قال: أنتوضَّأ من لحم الإبل؟ قال: "نعم" (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
ز: جابر بن سمرة: هو جدُّ جعفر بن أبي ثور، قال أبو حاتم بن حِبَّان: جعفر بن أبي ثور هو: أبو ثور بن عكرمة، فمن لم يحكم صناعة الحديث توهَّم أنَّهما رجلان مجهولان (3) .
وقال عليُ بن المدينيٌ: جعفر بن أبي ثور- هذا-: رجلٌ مجهولٌ (4) .
وليس كذلك، بل هو مشهورٌ روى عنه جماعة O.
344- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن (5) البراء بن عازب قال:
__________
(1) "المسند": (5/86- 88) .
(2) "صحيح مسلم": (1/189) ؛ (فؤاد- 1/275- رقم: 360) .
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (3/408- 409- رقم: 1126) ، وانظر: "الثقات": (4/105) .
(4) "سنن البيهقي": (1/158) .
(5) في "التحقيق": (عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليل عن أبيه) خطأ.(1/308)
سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: "توضَّؤا منها" (1) .
قال إسحاق بن راهويه: صحَّ في هذا الباب حديثان عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حديث جابر بن سمرة، وحديث البراء (2) .
ز: وروى حديث البراء: أبو داود (3) وابن ماجه (4) والترمذي؟ (5) من حديث الأعمش أيضاً عن عبد الله بن عبد الله الرَازي.
وروي عن الإمام أحمد أَنه قال: فيه حديثان صحيحان: حديث البراء وجابر بن سمرة (6) .
وقال ابن خزيمة: لم نر خلاَفاً بين علماء أهل الحديث أنَّ هذا الحديث صحيحٌ من جهة النقل لعدالة ناقليه (7) O.
__________
(1) "المسند": (4/28) .
(2) "التمهيد" لابن عبد البر: (3/349) وعزاه إلى رواية الكوسج، وحكاه أيضاً الترمذي في " جامعه ": (1/124- رقم: 81) والبيهقي في "سننه": (1/159) .
(تنبيه) قال الإمام الترمذي في آخر كتابه "الجامع": (6/229) - واصفا ما فيه-: (وما كان فيه من قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم فهو ما أخبرنا به إسحاق بن منصور عن أحمد وإسحاق إلا ما في أبواب الحج والديات والحدود فإني لم أسمعه من إسحاق بن منصور، أخبرني به محمد بن موسى الأصم عن إسحاق بن منصور عن أحمد وإسحاق، وبعض كلام إسحاق أخبرنا به محمد بن فليح عن إسحاق) ا. هـ
(3) "سنن أبي داود": (1/237- رقم: 186) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/166- رقم: 494) .
(5) "الجامع": (1/123- رقم: 81) .
(6) "المسائل" لعبد الله بن أحمد: (1/65- رقم: 67) ؛ "التمهيد" لابن عبد البر: (3/ 349) و" طبقات الحنابلة " لابن أبي يعلى: (1/289- 290- رقم: 396) كلاهما من رواية الأثرم ولفظها مطابق لما أورده المنقح.
(7) "صحيح ابن خزيمة": (1/22- رقم: 31) .(1/309)
345- الحديث الثالث: قال أحمد: ثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا الحجَاج بن أرطأة عن عبد الله بن عبد الرَحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أُسيد بن حُضير أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "توضؤا من لحوم الإبل ولا توضََّؤا من لحوم الغنم، وصلُّوا في مرابض الغنم ولا تصلُوا في مبارك الإبل" (1) .
346- طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا محمَّد بن مقاتل ثنا عبَّاد بن العوَّام ثنا الحجَاج عن عبد الله مولى بني هاشم- قال: وكان ثقة- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أُسيد بن حُضير عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سئل عنه ألبان الإبل، قال: " توضؤا من ألبانها ". وسئل عن ألبان الغنم، فقال: "لا توضَّؤا من ألبانها" (2) .
قال الترمذيَّ: أخطأ حمَّاد بن سلمة في هذا الحديث حين قال: (عن عبد الله بن عبد الرَّحمن) ، والصَحيح: (عن عبد الله بن عبد الله الرَازي) (3) .
ز: وروى هذا الحديث: ابن ماجه في "سننه" عن أبي (4) إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم عن عبَّاد بن العوَام عن جحَّاج (5) .
ورواه حرب بن إسماعيل عن يحيى بن عبد الحميد عن عبّاد بلفظِ آخر: "لا تصلُوا في أعطان الإبل، وتوضَّؤا من لحومها، وصلُّوا في مرابض الغنم، ولا توضَؤا من لحومها".
وهو حديثٌ مرسلٌ، فإن ابن أبي ليلى لم يسمع من أُسيد بن حُضير.
__________
(1) " السند ": (4/352) .
(2) "المسند": (4/352) .
(3) "الجامع": (1/124- رقم: 81) .
(4) في (ب) : (ابن) خطأ.
(5) "سنن ابن ماجه": (1/166- رقم: 496) .(1/310)
والحجَّاج بن أرطأة: تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة.
347- وعن عبد الله بن عمر قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "توضؤا من لحوم الإبل، ولا توضؤا من لحوم الغنم، وتوضَّؤا من ألبان الإبل، ولا توضَّؤا من ألبان الغنم، وصلُّوا في مرابض (1) الغنم، ولا تصلوا في معاطن الإبل".
رواه ابن ماجه من رواية عطاء بن السَائب (2) ، قال أحمد: ثقةٌ (3) رجلٌ صالحٌ (4) . وقال أيضاً: من سمع منه قديماً فهو صحيح، ومن سمع منه حديثاً لم يكن بشيءٍ (5) . ووثَّقه ابن معينِ (6) وأبو حاتم الرَازي، (7) .
__________
(1) في مطبوعة "سنن ابن ماجه": (مراح) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/166- رقم: 497) .
(3) في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: و"تهذيب الكمال" للمزي: (20/90- رقم: 3934) : (ثقة ثقة رجل صالح) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/334- رقم: 1848) من رواية عبد الله، وهو في مطبوعة "العلل" له: (3/309- رقم: 5374) دون قوله: (ثقة ثقة) .
(5) "الجرح والتعديل": (6/333- رقم: 1848) من رواية أبي طالب.
(6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 93- رقم: 249) .
ونص المسألة فيه: (وسألته عن حرب بن عبيد الله الذي يروي عنه عطاء بن السائب، فقال: هو مشهور وعطاء ثقة) ا. هـ
فالظاهر- والله أعلم- أن ابن معين أراد إثبات شهرة حرب بن عبيد الله ولم يرد أن يحكم على عطاء حكماً عاماً، وذلك أن ابن معين في مواضع أخرى تكلم في عطاء وفرق بين حديثه المتقدم وحديثه المتأخر، ولعله لهذا السبب لم يورد أحد ممن ترجم لعطاء توثيق ابن معين هذا، والله أعلم.
(7) كلمة (الرازي) غير موجودة في (ب) ، ولم نقف على توثيق صريح مطلق من أبي حاتم الرازي لعطاء، وإنما قال فيه كما في "الجرح والتعديل": (6/434- رقم: 1848) : (محله الصدق قديما قبل أن يختلط، صالح مستقيم الحديث، ثم إنه بأخرة تغير حفظه، في حديثه تخاليط كثيرة ... ) الخ.
وأما إن كانت كلمة (الرازي) مقحمة فيحتمل أنه أراد أبا حاتم بن حبان فقد ذكره في ثقاته: (7/251- 252) ، ولكن ليس من عادة المنقح ذكر ابن حبان بكنيته، وكذلك الغالب أنه يقول: (ذكره ابن حبان في "الثقات") لا: (وثقه ابن حبان) والله تعالى أعلم.(1/311)
والذي رواه عن عطاء: خالد بن يزيد، وهو غير مشهور.
وقد روي هذا الحديث موقوفا على ابن عمر، وهو أشبه O.
348- الحديث الرابع: قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدَثني عمرو بن محمَّد بن بكير (1) الناقد ثنا عَبيدة بن حميد عن عُبيدة الضَّبي عن عبد الله بن عبد الله القاضي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغُرَة قال: عرض أعرابيٌ لرسول الله- ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسير- فقال: يا رسول الله، تدركنا الصلاة ونحن في أعطان الإبل فنصلي فيها؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا". قال: أفنتوضَّأ من لحومها؟ قال: "نعم" (2) .
ز: عَبيدة بن حميد: هو بفتح العين، وهو ثقةٌ من رجال الصَّحيح (3) ، قال أحمد: صالح الحديث (4) . وقال ابن معين: ما به بأس (5) .
وأمَّا عُبيدة الضَبيُ: فهو بضمِّ العين، وهو عُبيدة بن مُعَتِّب، وقد ضعَّفوه، وقال أحمد: ترك النَّاس حديثه (6) . وقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (7) . وقال
__________
(1) في مطبوعة "المسند": (بكر) خطأ.
(2) "المسند": (5/112) ، وورد في موضع آخر من مطبوعة "المسند": (4/67) ولكن وقع تخليط في إسناده.
(3) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/933- رقم: 1022) .
(4) "العلل" لعبد الله: (2/414- رقم: 2848) والذي فيه: (صالح الحديث عن منصور) ، وفي "الجرح والتعديل": (6/92- رقم: 479) من رواية عبد الله أيضاً كما هنا: (صالح الحديث) .
(5) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 155- رقم: 542) ، وفيه: (ما به مسكين بأس، ليس له بخت) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (2/549- رقم: 3602) .
(7) "التاريخ" برواية الدوري: (3/280- رقم: 1345) .(1/312)
الفلاََّس: كان سيء الحفظ، متروك الحديث (1) .
وأمَّا عبد الله بن عبد الله القاضي: فهو راوي حديث البراء وأسيد،
سئل عنه أحمد بن حنبل فقال: لا أعلم إلا خيراً (2) .
وقال بعض العلماء في هذا الحديث: ليس هو بشيءَ، وذو الغُرَة لا يدرى من هو؟
وقال ابن أبي حاتم: ذو الغُرَة الطَائيُ، له صحبة، مما رواه عُبيدة الضبيُ عن عبد الله بن عبد الله الرَازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغُرَة قال: سألت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة في أعطان الإبل والوضوء من لحومها ... والحديث خطأٌ، والصَحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعبيدة ضعيف الحديث. سمعت أبي يقول ذلك.
وقال العبَّاس الدُوريَّ: سمعت يحيى بن معين يقول: ذو الغُرَة من أصحاب النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) O.
وللخصم حديثان:
349- أحدهما: ما رواه الدَارَقُطْنيُ: ثنا أبو محمد بن صاعد ثنا إبراهيم ابن منقذ الخَولاني ثنا إدريس بن يحيى الخَولانيُ ثنا الفضل بن المختار عن ابن أبي ذئبٍ عن شعبة مولى ابن عبَّاس عن ابن عبَّاس أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل " (4) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/94- رقم: 487) .
(2) "العلل" برواية عبد الله: (3/100- رقم: 4379) .
(3) "الجرح والتعديل": (3/447- رقم: 2027) ، وكلام ابن معين في "التاريخ" برواية الدوري: (3/7- رقم: 22) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/151) .(1/313)
في هذا الإسناد شعبة مولى ابن عبَّاس، قال مالكٌ (1) والنسائيُ (2) :
ليس بثقةٍ. وقال يحيى: لا يكتب حديثه (3) . وقد روي عن أحمد (4) ويحيى (5) أنهما قالا: ليس به بأسٌ.
وفيه: الفضل بن المختار، قال أبو حاتم الرَازيُّ: هو مجهولٌ، وأحاديثه منكرةٌ، يحدِّث بالأباطيل (6) . وقال ابن عَدِي: لعل البلاء في هذا الحديث من الفضل لا من شعبة، لأنَّ له أحاديث منكرةٌ. وقال: والأصل في هذا الحديث أنَّه موقوفٌ (7) .
قلت: وهذا الكلام إنَّما يحفظ من قول ابن عبَّاس، كذلك رواه سعيد ابن منصور.
350- الحديث الثاني: رووا: "لا وضوء من طعام أحلَه الله".
وهذا لا يعرف.
*****
__________
(1) "التاريخ الكبير" للبخاري: (4/243- رقم: 2671) ، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/367- رقم: 1604) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: النسائي إنما قال: ليس بالقوي) ا. هـ
وهذا هو الموجود في "الضعفاء والمتروكون": (ص: 127- رقم: 291) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حالْم: (4/368- رقم: 1604) من رواية ابن أبي خيثمة.
(4) "العلل" برواية عبد الله: (2/490- رقم: 3229) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/238- رقم: 1114) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/69- رقم: 391) .
(7) "الكامل": (4/25- رقم: 889) في ترجمة شعبة مولى ابن عباس.(1/314)
مسألة (52) : الردة تنقض الوضوء، خلافا لهم.
وقد استدلَ أصحابنا:
351- بما روى محمَّد بن المصفَّى عن بقيَة عن عمرو بن أبي عمرو (1) عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الحدث حدثان: حدث اللسان، وحدث الفرج، وحدث اللسان أشد من حدث الفرج، وفيهما الوضوء".
وهذا حديث لا يصحُ، وبقيَة: مدلسٌ، لعله سمعه من بعض الضعفاء وأسقط (2) ، إذ هذه كانت عادته.
واحتجَ المخالف:
352- بما روى الترمذيَّ: ثنا قتيبة ثنا وكيع عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة [أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (3) قال: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح" (4) .
وهذا لا حجَة لهم فيه، لأنَّه إنَّما ورد فيمن يشك في الحدث.
353- قال الترمذيَّ: وثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمَّد [عن] (5) سُهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحاً [بين] (6) أليتيه، فلا يخرج حتَّى يسمع صوتاً أو
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: عمر [كذا] بن أبي عمرو: مجهول)
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق": (وأسقطه) .
(3) زيادة من "التحقيق" و"الجامع".
(4) "الجامع": (1/117- رقم: 74) .
(5) في الأصل: (ابن) ، والتصويب من (ب) و"الجامع".
(6) في الأصل: (من) ، والمثبت من (ب) و"الجامع".(1/315)
يجد ريحاً" (1) .
ثمَّ قد اتفقنا معهم على وجوب الوضوء بغير الصَّوت والريح.
ز: قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي وذكر حديث شعبة عن سُهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً: " لا وضوء إلا من صوتٍ أو ريحٍ ". قال أبي: هذا وهمٌ، اختصر شعبة متن هذا الحديث فقال: " لا وضوء إلا من صوتٍ أو ريحٍ "، رواه أصحاب سُهيل عن سُهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد ريحاً من نفسه، فلا يخرجنَّ حتَّى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " (2) O.
*****
مسألة (53) : غسل الميت ينقض الوضوء (3) .
وقد أحتج أصحابنا:
بأن ابن عمر وابن عبَّاس كانا يأمران غاسل الميت أن يتوضأ.
واحتجَّ الخصم:
354- بما رواه الدارَقُطني: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد ثنا سليمان بن بلال عن عمرو ابن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس عليكم في ميتكم غسلٌ إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا
__________
(1) "الجامع": (1/117- رقم: 75) .
(2) "العلل": (1/47- رقم: 107) .
(3) في هامش الأصل: (حـ: يعني خلافاً لهم) ا. هـ(1/316)
أيديكم " (1) .
قال يحيى: عمرو لا يحتج بحديثه (2) . وقال أحمد: ما به بأسٌ (3) .
قال يحيى: ولا بأس بخالد (4) . وقال أحمد: له أحاديث مناكير (5) .
355- وقد روى الخصم: أنَّ عبد الرَحمن بن عوف غسل إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذهب ليتوضَّأ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحدثت؟ ". قال: لا. قال: " فلم تتوضَّأ؟ ".
وهذا حديثٌ لا يعرف.
ز: حديث عكرمة عن ابن عباس: رواه الحاكم وقال: هو على شرط البخاريٌ (6) .
وهو حديثٌ منكرٌ، وعمرو وخالد: من رجال الصَّحيح (7) ، فلعله موقوفٌ قد رفعه خالد أو غيره.
ورواه البيهقي موقوفاً على ابن عباس، ثم رواه مرفوعاً وقال: هذا
__________
(1) "سنن الدارقطني": (2/76) .
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/288- 289- رقم: 1289) من رواية الدوري، وانظر: "التاريخ" برواية الدوري: (3/225- رقم: 1051) .
(3) "العلل" برواية عبد الله: (2/52، 486- رقمي: 1525، 3203) .
(4) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 105- رقم: 301) .
(5) "العلل" برواية عبد الله: (2/18- رقم: 1403) .
(6) "المستدرك": (1/386) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال الحاكم: فيه رد لحديث: " من غسل ميتا فليغتسل ") ا. هـ
وفي مطبوعة "المستدرك": (فيه رفض.. إلخ) .
(7) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/553، 3/976- رقمي: 333، 1104) ، " رجال صحيح مسلم " لابن منجويه: (1/183، 2/76-، رقمي: 380، 1195) .(1/317)
ضعيفٌ لا يصح رفعه، والحمل فيه على أبي شيبة كما أظن (1) .
356- وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من غسَّل ميِّتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ".
رواه أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4) والتِّرمذيَّ وحسَّنه (5) ، ولم يذكر ابن ماجه الوضوء.
وقال أبو داود: هذا منسوخٌ.
وقال أحمد: هو موقوفٌ على أبي هريرة (6) .
وقال ابن المنذر: ليس في هذا حديثٌ يثبت (7) .
وقال البخاريُّ: قال ابن حنبل وعليٌّ: لا يصحُّ في هذا الباب شيءٌ (8) .
وقال أبو بكر المُطَرِّز: سمعت محمَّد بن يحيى يقول: لا أعلم في " من غسَّل ميِّتاً فليغتسل " حديثاً ثابتاً، ولو ثبت لزمنا استعماله (9) .
__________
(1) "سنن البيهقي": (1/306) .
(2) "المسند": (2/272- 273، 433، 454، 472) .
(3) "سنن أبي داود": (4/38- رقم: 3153) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/470- رقم: 1463) .
(5) "الجامع": (2/308- 309- رقم: 993) .
(6) "تهذيب السنن" لابن القيم: (عون- 8/437- رقم: 3145) ، وانظر: "المغني" لابن قدامة: (1/256) .
(7) "الأوسط": (5/351- رقم: (ث 2968) .
(8) "العلل الكبير" للترمذي: (ترتيبه- ص: 143- رقم: 245) ، وكلام الإمام أحمد رواه عنه أيضاً ابنه عبد الله كما في "مسائله": (1/79- رقم: 87) .
(9) "السنن الكبرى" للبيهقي: (1/302) .(1/318)
وقال الشَّافعيُ: وإنَما منعني من إيجاب الغُسْل من غَسْل الميت أنَّ في إسناده رجلاَ لم أقع من معرفة ثبت حديثه إلي يومي على ما يقنعني، فإن وجدت من يقنعني أوجبته وأوجبت الوضوء من مسِّ الميت مفضياً إليه، فإنَّهما في حديثٍ واحدٍ (1) .
وقال البيهقيُّ: الروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة غير قويَّة، لجهالة بعض رواتها، وضعف بعضهم، والصَّحيح عن أبي هريرة من قوله موقوفاً غير مرفوعٍ (2) .
وقال بعضهم: معناه: ومن أراد حمله ومتابعته فليتوضأ من أجل الصَّلاة عليه. وهو تأويلٌ بعيدٌ.
357- وقد أخرج أبو داود الحديث من طريق ابن أبي ذئب عن القاسم بن عبَّاس عن عمرو بن عمير عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من غسَّل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضَّأ " (3) .
وأخرجه من حديث ابن عيينة عن سُهيل بن أبي صالح عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة (4) عن أبي هريرة يرفعه، قال: " مِنْ حَمْل الجنازة: الوضوء، ومِنْ غَسْل الميت: الغسل " (5) .
__________
(1) "الأم": (1/38) .
(2) "سنن البيهقي": (1/301) .
(3) "سنن أبي داود": (4/38- رقم: 3153) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال البيهقي: عمرو بن أبي عمير [كذا] إنما يعرف بهذا الحديث ليس بالمشهور) ا. هـ وانظر: "سنن البيهقي": (1/302) وفيه: (عمرو بن عمير) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: إسحاق ثقة روى له مسلم) ا. هـ
(5) لم يسق أبو دواد لفظه- حسب ما في مطبوعة "السنن" - وإنما قال بعد أن ساق الإسناد: (بمعناه) محيلاً على الحديث قبله.(1/319)
ورواه يحيى الحمَّانيُّ عن خالد بن عبد الله عن سُهيل.
وروى علي بن المبارك ومعاوية بن سلام عن يحيى عن رجلِ من بني ليث حدَّثني أبو إسحاق أنه سمع أبا هريرة يحدّث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من غسَّل ميتاً فليغتسل ".
وروى نحوه ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعاً.
هكذا رواه عنه شبابة وابن أبي فديك، ثم قال ابن أبي فديك: وحدَثني ابن أبي ذئب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من غسَّل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضَّأ".
وقال روح: ثنا ابن جريج أنا سُهيل عن أبيه عن أبي هريرة بهذا.
وقال حمَّاد بن سلمة: عن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الغسل على من غسَّل، والوضوء على من حمل ".
وقال وهيب: ثنا أبو واقد عن إسحاق مولى زائدة عن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن ثوبان عن أبي هريرة مرفوعاً قال: " مِن غَسله: الغُسل، ومِن حَمله: الوضوء".
ذكر هذه الطرق كلَّها بقي بن مخلد في "مسنده".
وروى ابن لهيعة عن حنين بن أبي حكيم عن صفوان بن سُليم (1) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعاً: " من غسَّل ميتاً فليغتسل "، وفي لفظِ: " مِن غَسل الميت: الغسل، ومن حَمله: الوضوء "
رواه البيهقي، وقال: ابن لهيعة وحنين بن أبي حكيم: لا يحتجُّ بهما،
__________
(1) في مطبوعة "السنن الكبرى": (بن أبي سليم) خطأ.(1/320)
والمحفوظ من حديث أبي سلمة موقوفاً من قول أبي هريرة.
ورواه من رواية عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمَّد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً (1) .
358- وقال أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا محمَّد بن بشر ثنا زكريا ثنا مصعب بن شيبة عن طَلْق بن حبيب العَنَزِي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنَّها حدَّثته أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميِّت (2) .
هذا الإسناد على شرط مسلم.
وقد رواه الإمام أحمد (3) والدَّارَقُطْنيُ (4) وابن خزيمة في "صحيحه" (5) والحاكم في "المستدرك" (6) .
وقال البيهقيُّ: رواة هذا الحديث كلُهم ثقات، وتركه مسلم فلم يخرجه، وما أُراه تركه إلا لطعن بعض الحفَاظ فيه (7) .
__________
(1) "السنن الكبرى": (1/302) .
وفي هامش الأصل: (وقال حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد قال: كنت مع عبد الله بن عتبة بن مسعود في جنازة، فلما جئنا دخلنا المسجد، ودخل عبد الله بيته، فتوضأ، ثم خرج إلى المسجد، فقال لي: أما توضأت؟ قلت: لا. قال: كان عمر ومن دونه من الخلفاء إذا صلى أحدهم على الجنازة ثم أراد أن يصلي المكتوبة توضأ، حتى إن أحدهم كان يكون في المسجد فيدعو بالطست يتوضأ فيها) ا. هـ انظر: "المحلى" لابن حزم: (1/231- 232) .
(2) "سنن أبي داود": (4/37- رقم: 3152) .
(3) "المسند": (6/152) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/113) .
(5) "صحيح ابن خزيمة": (1/126- رقم: 256) .
(6) "المستدرك": (1/163) .
(7) كلام البيهقي هذا ملفق من كلامه في " الخلافيات ": (3/271- رقم: 1003) وكلامه في "السنن الكبرى": (1/300) .(1/321)
ومصعب بن شيبة: وثَّقه يحيى بن معين (1) ، وقال أحمد: روى أحاديث مناكير (2) . وقال أبو حاتم الرَازيَّ: لا يحمدونه، وليس بالقويِّ (3) . وقال النَسائيُّ: منكر الحديث (4) . وقال الدَّارَقُطْنيُ: ليس بالقويِّ ولا بالحافظ (5) O.
*****
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/305- رقم: 1409) من رواية إسحاق بن منصور.
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/305- رقم: 1409) من رواية الأثرم عنه.
وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير": (4/196- 197- رقم: 1775) : (حدثنا إبراهيم ابن عبد الوهاب ثنا أحمد بن محمد بن هانئ قال: ذكر لأبي عبد الله الوضوء من الحجامة، فقال: ذاك حديث منكر، رواه مصعب بن شيبة، أحاديثه مناكير، منها هذا الحديث، و" عشرة من الفطرة ... "، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه مرط مرجل) ا. هـ
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/305- رقم: 1409) .
(4) "سنن النسائي": (8/128- رقم: 5042) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/113) .(1/322)
مسائل المسح على الخفَّين
مسألة (54) : يجوز المسح في الحضر والسَّفر.
وقال مالك: يجوز في السَّفر. وله في الحضر روايتان.
ومنعت الإمامية وأبو بكر بن داود من المسح جملةً.
لنا أحاديث:
359- قال مسلم بن الحجَاج: ثنا يحيى بن يحيى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همَّام قال: بال جرير ثمَّ توضَأ ومسح على خفَّيه، فقيل: تفعل هذا؟! فقال: نعم، رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال ثمَّ توضَّأ ومسح على خفَّيه.
قال الأعمش: قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث، لأنَّ إسلام جرير كان بعد نزول " المائدة " (1) .
وأخرجه البخاريُّ (2) .
360- وقال: ثنا (3) يحيى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فقال: " يا
__________
(1) "صحيح مسلم": (1/156- 157) ؛ (فؤاد- 1/227- رقم: 272) .
(2) "صحيح البخاري": (1/108) : (فتح- 1/494- رقم: 387) .
(3) (ثنا) سقطت من (ب) وللصواب إثباتها، والقائل (ثنا يحيى) هو البخاري.(1/323)
مغير (1) ، خذ الإداوة ". فأخذتها، فانطلق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى توارى عني، فقضى حاجته، وصببت عليه فتوضَّأ وضوءه للصَلاة، ومسح على خفَّيه، ثم صلى (2) .
وأخرجه مسلم (3) .
وقد روى حديث المسح: عمر وعلي وسعد وبلالٌ وثوبانُ وعبادةُ بنُ الصَامت وحذيفةُ وأنس وسهلُ بنُ سعدٍ ويعلى بنُ مرة وأسامةُ بنُ زيدٍ وأسامةُ بنُ شَريكٍ وصفوانُ بنُ عسَال وأبو أمامةَ وجابرٌ وعمرو بنُ أميَة في آخرين.
وقال الحسن البصريَّ: روى المسح سبعون نفساً فعلاً منه وقولاً.
ز: حديث سعد بن أبي وقَاص: رواه البخاريُّ (4) ؛ وكذلك حديث عمرو بن أميَّة (5) .
وحديث بلال: رواه مسلم (6) .
وقال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيءٌ، فيه أربعون حديثاً عن أصحاب رسول الله جمع، ما رفعوا إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما وقفوا (7) O.
أمَّا الخصم:
__________
(1) كذا.
(2) "صحيح البخاري": (1/101) ؛ (فتح- 1/473- رقم: 363) .
(3) "صحيح مسلم": (1/158) ؛ (فؤاد- 1/229- رقم: 274) .
(4) "صحيح البخاري": (1/62) ؛ (فتح- 1/305- رقم: 202) .
(5) "صحيح البخاري": (1/62) ؛ (فتح- 1/308- رقم: 204- 205) .
(6) "صحيح مسلم": (1/159) ؛ (فؤاد 1/231- رقم: 275) .
(7) "المغني" لابن قدامة: (1/360- باب المسح على الخفين) .(1/324)
360/أ- فرووا عن عليٍّ عليه السلام (1) أنَّه قال: ما أبالي مسحت على الخفَّين أو على ظهر حمار.
360/ب- وعن ابن عبَّاس أَنه قال: سبق كتاب الله المسح، وما أبالي أمسحت على الخفين أو على طهر نجيبي (2) هذا.
360/جـ- وأَنه قال: قد مسح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخفين، ووالله ما مسح بعد " المائدة ".
وجواب هذا: أَنه قد صحَ عن علي عليه السَلام حديث المسح، وما ذكروه عنه لا يصحُ.
وكذلك ما رووا عن ابن عبَّاس، ولو صحَ فجرير أعلم بحال نفسه، وقد ذكرنا أَنه روى المسح وقال: أسلمت بعد " المائدة ".
*****
مسألة (55) : والمسح يتوقَّتُ بيوم وليلةِ للمقيم، وثلاثة أيَّام ولياليها للمسافر.
وقال مالك: ليس فيه توقيت.
لنا ستة أحاديث:
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد الصحابة- رضي الله عنهم- بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(2) في " النهاية ": (5/17- ن ج ب) : (النجيب من الأبل:.... هو القوي منها، الخفيف السريع) ا. هـ(1/325)
361- الحديث الأوَل: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد عن الحجَّاج عن الحكم عن القاسم بن مُخيمرة عن شُريح بن هانىء قال: سألت عائشة عن المسح فقالت: سل عليّاً فإنه أعلم بهذا مني، كان يسافر مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فسألت عليّاً فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
362- الحديث الثاني: قال أحمد: ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان عن عاصم عن زر بن حُبيش قال: أتيت صفوان بن عَسَّال فسألته عن المسح على الخفَّين فقال: كنَّا نكون مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيَّامٍ إلا من جنابة، ولكن من غائطٍ وبولِ ونوم (3) .
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (4) .
فإن قيل: قد تكلَّموا في حفظ عاصم بن أبي النجود.
قلنا: قد خرّج عنه في "الصَحيحين" (5) .
ز: وقد روى هذا الحديث: النَّسائي (6) وابن ماجه (7) وابن خزيمة في "صحيحه" (8) .
__________
(1) "المسند": (1/96، 149) وانظر: (1/113) .
(2) "صحيح مسلم": (1/159- 160) ؛ (فؤاد- 1/232- رقم: 276) .
(3) "المسند": (4/239) .
(4) "الجامع": (1/140- رقم: 96) .
(5) "التعديل والتجريح" للباجي: (3/994- رقم: 1131) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/95- رقم: 1241) .
(6) "سنن النسائي": (1/83، 98- رقمي: 126، 158) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/161- رقم: 478) .
(8) "صحيح ابن خزيمة": (1/13- 14، 97، 98- 99- الأرقام: 17، 193، 196) .(1/326)
وعاصم: روى له البخاريُّ ومسلمٌ مقروناً بغيره، ووثَّقه الإمام أحمد (1) وأبو زرعة (2) ومحمد بن سعد (3) وأحمد بن عبد الله العِجلي (4) وغيرهم، وكان صاحب سنَّة وقراءةٍ للقرآن، وقال ابن معين: لا بأس به (5) .
وقال أبو حاتم: محله الصدق، لم يكن بذاك الحافظ (6) . وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ (7) . وقال ابن خراشِ: في حديثه نكرة (8) . وقال العقيليُّ: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ (9) . وقال الدارَقُطنِي: في حفظه شيءٌ (10) O.
363- الحديث الثَالث: قال التِّرمذي: ثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيميٌ عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدليٌ عن خُزيمة بن ثابت عن النَبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه سُئل عن المسح على الخفين فقال: " للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة ".
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله بن أحمد: (1/421- رقم: 918) ؛ "سؤالات أبي داود": (ص: 293- رقم: 345) ؛ "العلل" برواية الميموني: (ص: 201- رقم: 357) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/341- رقم: 1887) .
(3) ورد توثيق ابن سعد له عند المزي في "تهذيب الكمال": (13/476- رقم: 3002) ، والذي في مطبوعة "الطبقات الكبرى": (6/321) أن ابن سعد قال: (قالوا: وكان عاصم ثقة إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه) ا. هـ
(4) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 2/6- رقم: 807) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/341- رقم: 1887) من رواية عبد الله بن أحمد عن ابن معين، وفي رواية ابن طهمان عن ابن معين: (ص: 64- رقم: 157) : (ثقة لا بأس به، وهو من نظراء الأعمش، والأعمش أثبت منه) ا. هـ
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/341- رقم: 1887) ، وفيه: (محله عندي محل الصدق، صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ) ا. هـ
(7) "تهذيب الكمال" للمزي: (13/478- رقم: 3002) .
(8) المصدر السابق.
(9) المصدر السابق.
(10) "سؤالات البرقاني": (ص: 49- رقم: 338- ط. الهند) .(1/327)
قال التِّرمذيَّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (1) .
ز: ورواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4) وأبو حاتم ابن حِبَان (5) .
وقال البيهقيُ: إسناده مضطربٌ (6) .
وقال مُهَنَا: سألت أحمد عن أجود الأحاديث في المسح، قال: حديث شريح بن هانىء عن عائشة، وحديث خزيمة بن ثابت، وحديث عوف بن مالك (7) O.
364- الحديث الرَابع: أخبرنا محمَّد بن أحمد بن صرما أنا عبد الله بن الحسن الخلاَّل أنا عبيد الله بن أحمد الصَيدلانيُ ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا محمَّد بن عمر ثنا قدامة بن موسى الجُمحِيُ عن الزبرقان بن عبد الله ابن عمرو بن أميَة الضَّمْرِي عن أبيه عن جدِّه عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في المسح على الخفَين: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومٌ وليلة ".
ز: محمَّد بن عمر (8) الواقديَّ: متروكٌ O.
__________
(1) "الجامع": (1/139- رقم: 95) .
(2) "المسند": (5/213، 214، 215) .
(3) "سنن أبي داود": (1/222- 223- رقم: 158) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/184- رقم: 553- 554) .
(5) "الإحسان": لابن بلبان: (4/158- 160، 161- الأرقام: 1329- 1330، 1332) .
(6) "المعرفة": (1/347- رقم: 437) .
(7) أورده الزركشي في " شرح مختصر الخرقي ": (1/384) ، وفيه: (وقال مثنى: سئل أحمد ... إلخ) .
(8) في (ب) : (عبد) خطأ.(1/328)
365- الحديث الخامس: وبالإسناد ثنا النَّيسابوريُّ ثنا عليُ بن حربِ ثنا زيد بن الحُباب حدَّثني خالد بن أبي بكر بن [عبيد الله] (1) حدثني سالم عن ابن عمر أنَ سعد بن أبي وقَاص سأل عمر بن الخطَاب عن المسح، فقال عمر: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالمسح على ظهر الخف للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يومٌ وليلةٌ.
366- الحديث السادس: وبالإسناد عن زيد بن الحُباب حدَثني عمر بن عبد الله اليماميُ (2) عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المسح على الخفين، فقال: " للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها ".
ز: إسناد حديث عمر: صالحٌ.
قال أبو حاتم: خالد بن أبي بكر بن عبيد الله: يكتب حديثه (3) . وقال البخاريَّ: له مناكير عن سالم بن عبد الله (4) . وذكره ابن حِبَان في "الثقات" (5) .
وقد أطال الدَارَقُطْنيُ الكلام على حديث عمر في المسح، ثم قال: ورواه خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب عن سالم عن أبيه عن عمر، وأغرب فيه بألفاظِ لم يأت بها غيره، ذكر فيه المسح وقال فيه: على ظهر الخف، وذكر فيه التوقيت ثلاثاً للمسافر ويوماً وليلةً للمقيم، قاله زيد
__________
(1) في الأصل: (عبد الله) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(2) في (ب) : (اليماني) خطأ.
(3) "الجرح والتعديل": (3/323- رقم: 1448) .
(4) "الجامع" للترمذي: (4/308- رقم: 2548) .
(5) "الثقات": (6/254) وفي بعض نسخه قال: يخطئ.(1/329)
ابن الحباب عنه.
حدَّثنا القاضي المحاملي ثنا علي بن حربٍ ثنا زيد بن الحباب بذلك.
وخالد بن أبي بكر العمري- هذا-: ليس بالقوي (1) .
وعمر بن عبد الله اليماميُّ- في إسناد حديث أبي هريرة-: قال البخاريُّ فيه: منكر الحديث ذاهب (2) .
وقد روى ابن ماجه حديثه هذا عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب كلاهما عن زيد بن الحبُاب (3) .
وقد سُئل عنه الدَّارَقُطنِي فضعَّفه، وضعف كلَّ ما (4) روي عن أبي هريرة في المسح على الخفين (5) ، والله أعلم.
368- وعن عوف بن مالكٍ الأشجعي أنَّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالمسح على الخُفَّين في غزوة تبوك، ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلةً للمقيم.
رواه الإمام أحمد (6) والدَارَقُطني (7) .
وقال أحمد: هذا من أجود حديثٍ في المسح على الخُفَّين، لأنه في غزوة تبوك، آخر غزاة غزاها (8) .
__________
(1) "العلل" للدارقطني: (2/22- رقم: 92) .
(2) "العلل الكبير" للترمذي: (ترتيبه - ص: 52- رقم: 61) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/184- رقم: 555) .
(4) في (ب) : (من) .
(5) "العلل": (8/275- 276- رقم: 1563) .
(6) "المسند": (6/27) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/197) .
(8) "المسائل" برواية عبد الله: (1/121- رقم: 154) .(1/330)
369- وقال أبو طاهر المُخَلص: ثنا عبد الله- هو البغويَّ- ثنا أحمد بن إبراهيم الموصليُ ثنا الصُبَيُ بن الأشعث عن أبي إسحاق عن البراء: سئل عن الخفَّين، فقال: أمرني- يعني: النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كذا قال الموصليُ- أن أمسح عليهما للمسافر ثلاث ليالٍ وأيَّامهن، وللمقيم يوماً وليلةَ (1) .
ورواه الطَّبرانيُ بمعناه عن محمَّد بن عبد الله الحضرميِّ ثنا موسى بن الحسن السَّلوليُ ثنا الصُبَيُ ... فذكره (2) .
وقد تكلَم ابن عَدِي في الصُبَيِّ بن الأشعث (3) ، وقال أبو حاتم: شيخ، يكتب حديثه (4) O.
احتجّوا بثلاثة أحاديث:
370- الحديث الأوَل: أنا به محمد بن أحمد بن صرما أنا عبد الله بن الحسن الخلاَّل أنا عبيد الله بن أحمد الصَيدلانيُ ثنا أبو بكر عبد الله بن محمَّد النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن إسحاق أنا ابن أبي مريم أنا يحيى بن أيُّوب حدَثني عبد الرحمن بن رَزِين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن أيُّوب بن قَطَن عن عبادة بن نُسيٍّ عن أُبي بن عمارة أَنه قال: يا رسول الله، أمسح على الخفَين؟ قال: " نعم ". قال: يومَا يا رسول الله؟ قال: " نعم، ويومين ". قال: ويومن يا رسول الله؟ قال: " نعم، وثلاث ". قال: وثلاث؟ قال: " نعم " - حتى بلغ سبعاً-. ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم، ما بدا لك ".
__________
(1) ومن طريق البغوي خرجه ابن عدي في "الكامل": (4/90- 91- رقم: 940) وقال عقبه: (هذا عن أبي إسحاق عن البراء لا أعرفه إلا من حديث الصبي عنه) ا. هـ
(2) "المعجم الكبير": (2/25- رقم: 1174) ؛ "المعجم الأوسط": (6/58- رقم: 5788) ، وقال: (لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا الصبي بن الأشعث، تفرد به موسى بن الحسين) ا. هـ
(3) "الكامل": (4/91- رقم: 940) .
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/454- رقم: 2003) .(1/331)
قال أحمد بن حنبل: رجاله لا يعرفون.
وقال الدارَقُطْني: هذا إسنادٌ لا يثبت،.... وعبد الرَّحمن ومحمد بن يزيد وأيوب مجهولون (1) . والله أعلم.
ز: رواه أبو داود عن يحيى بن معين عن عمرو بن الربيع بن طارق عن يحيى بن أيُّوب، ولم يذكر عبادة (2) ،.
ورواه ابن ماجه عن حرملة بن يحيى وعمرو بن سَوَّاد كلاهما عن ابن وهبٍ عن يحيى بن أيُّوب (3) .
قال أبو داود: وقد اختلف في إسناده، وليس بالقويِّ (4) .
ورواه الحاكم وقال: في رواته مجروحٌ (5) .
وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث أُبيِّ بن عمارة ليس بمعروفٍ (6) .
وأخبرني يحيى بن معين عن عمرو بن الربيع بن طارق عن يحيى بن أيوب أن أُبيَّ بن عمارة صلَّى القبلتين.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/198) .
(2) "سنن أبي داود": (1/223- رقم: 159) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/185- رقم: 557) .
(4) "سنن أبي داود": (1/224- رقم: 159) .
(5) كذا بالأصل و (ب) ، ولعل صوابها: (ما في رواته مجروح) ، وهو اختصار لكلام الحاكم في "المستدرك": (1/170- 171) بنحو ما اختصره به الذهبي في "تلخيصه":
(1/171) وعقب عليه بقوله: (بل مجهول) ا. هـ ونص كلام الحاكم: (أبي بن عمارة صحابي معروف، وهذا إسناد مصري، لم ينسب واحد منهم إلى جرح) ا. هـ، والله أعلم.
(6) في مطبوعة "التاريخ" لأبي زرعة: (ليس بمعروف الإسناد) .(1/332)
فناظرت أبا عبد الله أحمد بن حنبل في حديثه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح، فلم يقنع (1) ، قلت له: فحديث عطاء بن يسار عن ميمونة- حديث يحدث به أبو عبد الله (2) ، أعني: في المسح أيضاً-؟ قال: ذاك من كتاب.
قال: قلت لأبي عبد الله: فإلى أيَّ شيءَ ذهب أهل المدينة في المسح أكثر من ثلاثٍ ويومٍ وليلةِ؟ قال: لهم فيه أثرٌ (3) .
قال أبو عبد الله: حديث خزيمة مما لعلَه أن يدلَّ عليَّ- يعني حجَة لهم- قوله: ولو استزدته لزادني (4) O.
371- الحديث الثاني: أنا محمَّد بن أحمد الدَّقَّاق أنا عبد الله بن الحسن أنا عبيد الله الصَيدلانيُ ثنا أبو بكرِ النَّيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهبِ أخبرني حَيْوة قال: سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول: حدَثني عبد الله بن الحكم عن عُلَيَّ بن رباح أن عقبة بن عامر حدَثه أَنه قدم على عمر بفتح دمشق، قال: وعَلَيَّ خُفان. قال لي عمر: كم لك يا عقبة مذ لم تنزع خفيك؟
فذكرت: من الجمعة، منذ ثمانية أيام. فقال: أحسنت وأصبت السُنَة.
هذا حديثٌ قد اختلف على يزيد بن أبي حبيب فيه، فرواه عنه جرير عن عُلَيَّ بن رباح، ليس بينهما أحد.
ز: ذكر الدَارَقُطْنيُ في "العلل" أن عمرو بن الحارث ويحيى بن أيُّوب والليث بن سعدِ رووه عن يزيد فقالوا فيه: فقال عمر: أصبت. ولم يقولوا:
__________
(1) في مطبوعة "التاريخ": (فلم يقنع به) .
(2) في مطبوعة "التاريخ": (حدثت به أبا عبد الله) .
(3) انظر: "الإمام" لابن دقيق: (2/194) .
(4) "التاريخ": (1/631- الأرقام: 1824، 1827) .(1/333)
(السُّنَة) ، وهو المحفوظ.
قال: ورواه جرير بن حازم عن يحيى بن أيُّوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عُلَيَّ بن رباح عن عقبة- وأسقط من الإسناد: (عبد الله بن الحكم البَلَويَّ) - وقال فيه: (أصبت السُّنة) كما قال ابن لَهيعة والمفضَّل (1) O.
372- الحديث الثَالث: قال الدارَقُطني: ثنا أبو محمَّد بن صاعد ثنا الرَّبيع بن سليمان ثنا أسد بن موسى ثنا حمَّاد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا توضأ أحدكم ولبس خُفيه فليمسح عليهما، وليصلِّ فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة " (2) .
وهذا محمولٌ على مدَة الثَلاث (3) بدليلنا.
ز: إسناد هذا الحديث قويٌ.
وأسدٌ صدوقٌ، وثقه النَسائي (4) وغيره، ولا إلتفات إل كلام ابن حزم فيه (5) .
وقد صحَح إسناده الحاكم، وذكر أَنه شاذٌ بمرَّةٍ (6) O.
*****
__________
(1) "العلل": (2/111- رقم: 148) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/203) .
(3) في (ب) : (الثالث) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (2/514- رقم: 400) .
(5) قال في "المحلى": (1/326- المسألة: 212) : (منكر الحديث) .
(6) "المستدرك": (1/181) .(1/334)
مسألة (56) : من شرط جواز المسح أن يلبس الخفَّين بعد كمال الطَّهارة.
وقال أبو حنيفة: لا يشترط ذلك.
لنا أحاديث، منها:
373- ما روى الدارَقُطني: ثنا علي بن إبراهيم المُستَملي ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا بُندَار ثنا عبد الوهَاب بن عبد المجيد ثنا المهاجر بن مخلد عن عبد الرَحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النَّبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رخَّص للمسافر ثلاثة أيَّام ولياليهن، وللمقيم يومَا وليلةَ، إذا تطهَّر فلبس خُفَّيه أن يمسح عليهما (1) .
ووجه الحجَّة: أنَّ الفاء للتعقيب، فعقَّب طهارة الرِّجلين باللبس.
ز: وروى هذا الحديث: أبو بكر الأثرم في "سننه" (2) والطَّبراني.
وقال الخطَابي: هو صحيح الإسناد (3) .
وروى بعضهم: ولبس خفَّيه (بالواو) .
وقد تكلَّم بعضهم في مهاجر بن مخلد، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لينُ الحديث، ليس بذاك، وليس بالمتقن (4) ، شيخٌ يكتب حديثه. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالحٌ (5) O.
374- حديث آخر: قال أحمد: ثنا عَبدة بن سليمان ثنا مُجالد عن
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/204) .
(2) عزاه إليه أيضاً المجد في " المتقى ": (نيل- 1/182) .
(3) " أعلام الحديث ": (1/268- رقم: 55/206) .
(4) في مطبوعة "الجرح والتعديل": (ليس بالمتين) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/262- رقم: 1191) .(1/335)
الشَعبيَّ عن المغيرة بن شعبة قال: وضأتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فغسل وجهه وذراعيه، ومسح برأسه، ومسح على خُفيه، فقلت: يا رسول الله، ألا أنزع خُفَيك؟ قال: " لا، إني أدخلتهما وهما طاهرتان " (1) .
وقد روى هذا المعنى عنه: أبو هريرة وصفوان بن عَسَّال.
ز: مُجالد: تكلَم فيه غير واحدٍ، وأصل حديث المغيرة في " الصحيح " من رواية الشَعبيَّ عن عروة بن المغيرة عنه (2) .
375- وقد روى أبو يعلى الموصليُ: ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا أبو أسامة حدَثني أبو روق [] (3) عطيَّة بن الحارث الهمدانيُ حدَثني أبو الغريف عن صفوان بن عَسَال قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريَّةً، وقال: " سيروا بسم الله، قاتلوا أعداء الله، لا تغلُوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، وليمسح أحدكم إذا كان مسافراً- إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان- ثلاثة أيّام ولياليها، وإن كان مقيماً فيومٌ وليلةٌ " (4) .
رواه الإمام أحمد بنحوه (5) .
__________
(1) "المسند": (4/245) .
وفي هامش الأصل: (ح: أخرجاه) ا. هـ
ولا ندري عن هذه الحاشية هل هي من تعليق ابن عبد الهادي أم الناسخ؟ والحديث في "الصحيحين" من غير طريق الشعبي عن المغيرة، كما سينبه عليه ابن عبد الهادي، والله أعلم.
(2) "صحيح البخاري": (1/62- 63) ؛ (فتح- 1/309- رقم: 206) .
"صحيح مسلم": (1/158) ؛ (فؤاد- 1/230- رقم: 274) .
(3) أقحمت في الأصل: (عن) ، وهو على الصواب في (ب) و"المختارة".
(4) لم نقف عليه في الرواية المطبوعة من "مسند أبي يعلى"، وقد خرجه من طريق الرواية الأخرى - رواية ابن المقرئ-: الضياءُ في "المختارة": (8/43- رقم: 33) .
(5) "المسند": (4/240- 241) .(1/336)
ورواه النَسائي عن هارون بن عبد الله (1) .
ورواه ابن ماجه عن الحسن بن علي [] (2) الخلاَّل (3) .
كلاهما عن أبي أسامة، سوى ما في آخره من ذكر المسح.
وأبو الغريف: اسمه: عبيد الله بن خليفة، قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: كان على شرطة عليَّ بن أبي طالبٍ، ليس بالمشهور. قلت: هو أحبُّ إليك أو الحارث الأعور؟ قال: الحارث أشهر، وهذا قد تكلَّموا فيه، وهو شيخٌ، من نظراء أصبغ بن نُبَاته (4) .
وقد ذكر البخاري أبا الغريف فلم يذكر فيه شيئاً (5) .
ورواية النَسائيَّ من طريقه ممَا يقويَّ أمره، ولم يبيَّن أبو حاتم من تكلَم فيه، ولا بيَّن الجرح ما هو؟
376- وعن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأ ومسح على خفيه، فقلت: يا رسول الله، رجليك لم تغسلهما! قال: " إني أدخلتهما وهما طاهرتان ".
رواه الإمام أحمد بإسنادٍ ضعيفِ (6) O.
*****
__________
(1) "السنن الكبرى": (5/260- رقم: 8837) .
(2) أقحمت في الأصل كلمة (بن) فحذفت، وهو على الصواب في (ب) و"سنن ابن ماجه".
(3) "سنن ابن ماجه": (2/953- رقم: 2857) .
(4) "الجرح والتعديل": (5/313- رقم: 1489) .
(5) "التاريخ الكبير": (5/380- رقم: 1213) .
(6) "المسند": (2/358) .(1/337)
مسألة (57) : يمسح ظاهر الخفِّ دون باطنه.
وقال مالك والشَّافعيُّ: يمسح الظَاهر والباطن.
لنا ثلاثة أحاديث:
الأوَّل: حديث عمر: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالمسح على ظهر الخفِّ.
وقد سبق بإسناده (1) .
377- والثَّاني: رواه الدَارَقُطْنِيُّ: ثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو كريب ثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير قال: قال عليٌّ (2) عليه السَّلام (3) : لو كان الدَّين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على ظاهر خُفَّيه (4) .
ز: ورواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) .
وقال الحافظ عبد الغني المقدسيُّ: إسناده صحيحٌ، ورجاله ثقاثٌ كلُّهم.
وقد روى أبو السَّوداء- شيخٌ لابن عيينة- عن عبد خيرٍ عن أبيه عن عليٍّ نحوه O.
378- الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: ثنا إبراهيم بن أبي العبَّاس
__________
(1) برقم: (365) .
(2) في (ب) : (عليه) !
(3) كذا بالأصل، وتخصيص أحد الصحابة- رضي الله عنهم- بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(4) "سنن الدارقطني": (1/204- 205) .
(5) "المسند": (1/95) .
(6) "سنن أبي داود": (1/226- رقم: 163) .(1/338)
ثنا عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن أبي الزناد عن عروة قال: قال المغيرة بن شعبة: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على طهور الخفَين (1) .
ز: ورواه التِّرمذي، ولفظه: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفَّين، على ظاهرهما.
وقال: حديثٌ حسنٌ، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة: على ظاهرهما. غير عبد الرحمن (2) .
قال الفلاَّس: كان عبد الرَحمن بن مهدي لا يحدِّث عن عبد الرَحمن بن أبي الزِّناد (3) . وقال أحمد: عبد الرحمن مضطرب الحديث (4) . وقال ابن معينِ: لا يحتج بحديثه (5) . ووثَّقه مالكٌ (6) ، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُ به (7) . وقال النَسائيُّ: ضعيفٌ (8) O.
__________
(1) "المسند": (4/246- 247، 254) .
(2) "الجامع": (1/143- رقم: 98) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/252- رقم: 1201) من رواية محمد بن إبراهيم عنه.
(4) " مسائل صالح ": (1/418- رقم: 398) ، وأورده من رواية صالح: ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (5/252- رقم: 1201) .
(5) "التاريخ" برواية الدوري: (3/258- رقم: 1211) .
(6) قال الترمذي في " جامعه ": (1/144- رقم: 98) وفي " علله ": (ترتيبه- ص: 390) : (قال محمد [هو البخاري] : كان مالك يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد) ا. هـ
ولعل المراد بهذا ما رواه أبو زرعة الرازي، قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: سمعت ابن أبي مريم يحدث عن خاله موسى بن أبي سلمة قال: قدمت المدينة فأتيت مالك بن أنس فقلت: إني قدمت لأحمل عنك العلم، وعمن تأمر به. قال: عليك بابن أبي الزناد) ا. هـ من " سؤالات البرذعي ": (2/425- 426) .
وقال الترمذي في " جامعه ": (3/360- رقم: 1755) : (كان مالك بن إنس يوثقه ويأمر بالكتابة عنه) ا. هـ
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/252- رقم: 1201) .
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 151- رقم: 367) .(1/339)
احتجوا:
379- بما روى أحمد: ثنا الوليد بن مسلم أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حَيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح أعلى الخفّ وأسفله (1) .
قال التّرمذي: هذا حديث معلولٌ، لم يسنده عن ثور غير الوليد.
وسألتُ أبا زُرْعة ومحمداً عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيحِ (2) .
قال المؤلّف: قلت: كان الوليد يروي عن الأوزاعيٌ أحاديث هي عند الأوزاعيٌ عن شيوخِ ضعفاء، عن شيوخِ قد أدركهم الأوزاعي- مثل: نافع والزهريٌ -، فيسقط أسماء الرواة الضعفاء، ويجعلها عن والأوزاعيّ عنهم.
ز: الوليد بن مسلم: إمامٌ، صدوقٌ، مشهورٌ، لكنه يدلّس عن الضعفاء، فإذا قال: (ثنا الأوزاعي- أو غيره- أو أنا) فهو حجَّةٌ.
وليس علةُ الحديث ما ذكره المؤلف، ولم يرو الوليد هذا الحديث عن الأوزاعيٌ، ولكن علَّةُ الحديث ما ذكره التّرمذي من رواية ابن المبارك عن ثور عن رجاء قال: حدِّثت عن كاتب المغيرة- مرسلٌ- عن النبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يذكر فيه المغيرة (3) .
وقال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء (4) .
__________
(1) "المسند": (4/251) .
(2) "الجامع": (1/142- رقم: 97) .
(3) "الجامع": (1/142- رقم: 97) .
(4) "سنن أبي داود": (1/227- رقم: 167) .(1/340)
وقال الإمام أحمد: لم يسمعه ثور من رجاء، وليس فيه المغيرة (1) .
وقال أبو حاتم الرَازي: ليس بمحفوظِ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح (2) .
وقال الدارَقُطني: لا يثبت، لأن ابن المبارك رواه عن ثور مرسلاً (3) .
والله أعلم O.
*****
مسألة (58) : يمسح أكثر أعلى الخفِّ.
وقال أبو حنيفة: مقدار ثلاث أصابع.
وقال الشَافعي: مقدار ما يقع عليه اسم المسح.
380- قال ابن ماجه: ثنا محمَّد بن المُصَفَّى ثنا بقية عن جرير بن يزيد حدثنى منذر حدَّثني محمَّد بن المنكدر عن جابر قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلِ يتوضأ ويغسل خُفَّيه، فقال بيده، كأنَّه دفعه: " إنَّما أمرت بالمسح هكذا: أطراف الأصابع إلى أصل الأصابع، إلى أصل السَّاق " وخطط بالأصابع (4) .
وهذا يقتضي بجميع أصابعه.
__________
(1) انظر: "المسائل" برواية صالح: (2/126- رقم: 689) ، و"الإمام" لابن دقيق: (2/146) .
(2) "العلل" لابنه: (1/54- رقم: 135) .
(3) "العلل": (7/111- رقم: 1238) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/183- رقم: 551) .(1/341)
ز: جرير- هذا-: ليس بمشهورٍ، ولم يرو عنه غير بقيَّة.
ومنذر: كأنَّه ابن زياد الطَائيّ، وقد كذَّبه الفلاَّس (1) ، وقال الدَارَقُطني: متروكٌ (2) .
ولم يخرِّج ابن ماجه لجرير ومنذر غير هذا الحديث، والله أعلم O.
380- وروى سعيد بن منصور ثنا هُشيم ثنا ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: رأيتُ عمر بن الخطَّاب بال فتوضَّأَ، ثمَّ مسح على خفَّيه، حتى إنِّي أنظر إلى آثار أصابعه.
381- قال سعيدٌ: وثنا فُضيل بن عياض عن هشام بن حسَّان عن الحسن قال: المسح على الخفين خطوطٌ بالأصابع (3) .
*****
مسألة (59) : يجوز المسح على الجوربين الصَّفيقين، خلافاً لهم.
لنا حدثان:
381/أ- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي قيس عن هُزَيل بن شُرَحبيل عن المغيرة بن شُعبة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأَ، ومسح على
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (8/243- رقم: 1099) .
(2) "الضعفاء" لا بن الجوزي: (3/139- رقم: 3412) ، و"الميزان" للذهبي: (4/181 - رقم: 8759) ، وانظر: "الضعفاء" للدارقطني: (ص: 374- رقم: 535) .
(3) ورواه من طريق فضيل: ابنُ أبي شيبة في " المصنف ": (1/353- رقم: 1956- ط: الجمعة واللحيدان) .(1/342)
الجوربين والنَّعلين (1) .
قال الترمذيَّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (2) .
فإن قالوا: قد روي عن أحمد أنَه قال: أحاديث أبي قيس ليست حجَةَ (3) .
قلنا: قد قال في رواية: ليس بأبي قيس بأسٌ (4) . ثم قد صحَّحه الترمذيَّ.
ز: وروى هذا الحديث: أبو داود (5) وابن ماجه (6) .
قال أبو داود: وكان عبد الرحمن بن مهديّ لا يحدِّث بهذا الحديث، لأنَ المعروف عن المغيرة أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين.
وذكر البيهقيُّ حديث المغيرة هذا، وقال: وذاك حديث منكرٌ، ضعَّفه: سفيان الثَوريَّ وعبد الرحمن بن مهديّ وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعليُ بن المدينيِّ ومسلم بن الحجَاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين، ويروى عن جماعة أنهم فعلوه (7) .
وأبو قيس: اسمه: عبد الرحمن بن ثروان الأَوْدِيَّ، وهو من رجال
__________
(1) "المسند": (4/252) .
(2) "الجامع": (1/144- رقم: 99) ، وفيه: (حسن صحيح) .
(3) في "الضعفاء" لابن الجوزي: (2/91- رقم: 1858) : (قال أحمد: لا يحتج بحديثه) ا. هـ وفي "الميزان" للذهبي: (2/553- رقم: 4832) : (لا يحتج به) ا. هـ
(4) "تهذيب التهذيب" لابن حجر: (6/138- رقم: 309) .
(5) "سنن أبي داود": (1/224- رقم: 160) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/185- رقم: 559) .
(7) "المعرفة": (1/349) ، وقد ساق أقوال هؤلاء الأئمة بأسانيده إليهم في " سننه الكبير ": (1/284) .(1/343)
" الصحيح " (1) ، ووثَّقه يحيى بن معين (2) ، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: يخالف في حديثه (3) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن أبي قيسٍ الأَوْدِي، فقال: ليس بقوي، قليل الحديث، ليس بحافظٍ. قيل له: كيف حديثه؟
قال: صالحٌ، هو ليِّنُ الحديث (4) O.
382- الحديث الثاني: قال ابن ماجه: ثنا محمَّد بن يحيى (5) ثنا مُعَلى بن منصور وبشر بن آدم قالا: ثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سِنان عن الضَحَاك بن عَرْزَب عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضَّأَ، ومسح على الجوربين والنَّعلين (6) .
قال يحيى بن معين: عيسى بن سِنان ضعيفٌ (7) .
ز: الضَحَاك هو: ابن عبد الرحمن بن عَرْزَب- ويقال: ابن عَرزَم-، أبو عبد الرحمن الشَاميُ، وثقه أحمد بن عبد الله العِجْلِيُ (8) وأبو حاتم بن حِبَان (9) .
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/860- رقم: 883) .
(2) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/218- رقم: 1028) من رواية إسحاق بن منصور.
(3) "العلل": (1/412- رقم: 870) وفيه: (يخالف في أحاديث) ، وفي " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (يخالف في أحاديثه) .
(4) "الجرح والتعديل": (5/218- رقم: 1028) .
(5) في "التحقيق": (يعلى) خطأ.
(6) "سنن ابن ماجه": (1/186- رقم: 560) .
(7) "التاريخ" برواية الدوري: (4/430- رقم: 5129) .
(8) "معرفة الثقات": (ترتيبه 1/471- رقم: 772) .
(9) "الثقات": (4/387) .(1/344)
وعيسى: ضعَّفه أحمد أيضاً (1) ، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث (2) .
وقال البيهقيُ: الضَحَّاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سِنان ضعيف لا يحتجُ به (3) O.
قال المؤلف: وقد كان يمسح على الجوربين: عمر وعليٌ وابن عبَّاسِ والبراء وأبو أمامة وأنس وعقبة بن عامر.
ز: وقال أحمد بن حنبل: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4) .
وقال أبو داود: ومسح على الجوربين: عليُّ بن أبي طالب وابن (5)
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/277- رقم: 1537) من رواية أبي بكر الأثرم.
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/277- رقم: 1537) .
(3) "سنن البيهقي": (1/285) .
(4) "الأوسط" لابن المنذر: (1/464- رقم: ث 487) ؛ و"المغني" لابن قدامة: (1/ 374) ؛ و" شرح العمدة " لابن تيمية: (1/251) ؛ ونسبه الزركشي في " شرح مختصر الخرقى ": (1/399- 400) إلى رواية الميموني.
(5) كذا بالأصل و (ب) ، ومطبوعة "سنن أبي داود"- التي بأعالي " عون المعبود "-: (1/ 274- رقم: 159) و" مختصر سنن أبي داود " للمنذري: (1/121- رقم: 149) وفي الطبعة التي نعزو إليها من "سنن أبي داود": (أبو مسعود) ، وقد نبَّه على هذا الاختلاف محققها، فقال: (" قال أبو داود:..... وأبو مسعود ": وفي رواية ابن داسة: " وابن مسعود " وكلاهما صواب، فقد روى عبد الرزاق 1: 199- 200 وابن أبي شيبة 1: 331، 334 عن أبي مسعود البدري الأنصاري أنه كان يمسح على جوربين، كما روى عبد الرزاق 1: 200 عن ابن مسعود ذلك، وعزاه الهيثمي في " المجمع " 1: 258 إلى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود، وقال: رجاله موثقون) ا. هـ وهو نموذج للمنهج الذي يجب أن يسلك عند وجود الاختلاف بين نسخ الكتاب الواحد، أو بين ما في نسخة من ذلك الكتاب والمصادر التي تنقل عنه، والله الموفق.(1/345)
مسعودِ والبراء بن عازبِ وأنس بن مالكِ وأبو أمامة وسهل بن سعدِ وعمرو بن حُرَيث؛ وروي ذلك عن: عمر بن الخطَّاب وابن عبَّاسِ رضي الله عنهما.
وقال ابن المنذر: ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعةِ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... وذكر منهم: ابن عمر وابن أبي أوفى (1) .
ورواه سعيد بن منصور عن أبي مسعودِ البدري.
383- وقال سعيد: ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عبيد الله بن عبيد الكَلاعيَّ عن مكحول عن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل بن سهيل قالا: سألنا بلالاً مؤذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن على مطهرة الدَرج بدمشق، ونحن نتوضَّأ فيها- عن المسح على الخفين، فقال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " امسحوا على النَّصيف والمُؤق " (2) .
384- وقال الحسن بن محمَّد الزعفراني: ثنا عليٌ ثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن الحارث بن معاوية وسُهيل بن أبي جندل أنَّهما سألا بلالاً عن المسح، فقال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " امسحوا على الخفين والمؤُق " (3) .
قال الدَارَقُطني: وأبو جندل بن سهيل أشبه بالصَّواب (4) O.
*****
__________
(1) "الأوسط" لابن المنذر: (1/462- رقم: م 159) ، ولكن وقع فيه (أبو أمامة) بدل (ابن أبي أوفى) ، وقد نقل هذا النص عن ابن المنذر: ابن قدامة في "المغني" وابن القيم في "تهذيب السنن": (مع العون- 1/272- رقم: 159) فذكرا (ابن أبي أوفى) بدل (أبي أمامة) .
ولم نقف عليه مسنداً عن ابن أبي أوفى، وهو عند ابن أبي شيبة في " مصنفه ": (1/359- رقم: 1993) وابن المنذر في "الأوسط": (1/463- رقم: ث 485) من رواية أبي غالب عن أبي أمامة.
(2) في هامش الأصل: (النصيف: الخمار، والموق: فوق الخف، فارسيٌّ معرَّبٌ) ا. هـ
(3) " مسند بلال بن رباح ": (ص: 17- 18) .
(4) "العلل": (7/180- 181- رقم: 1285) .(1/346)
مسألة (60) : إذا انقضت مدَه المسح، أو ظهر القدم، استأنف الوضوء.
وعنه: أنه يجزئه غسل رجليه، كقول أبي حنيفة ومالك.
وعن الشافعي كالروايتين.
لنا:
الأحاديث المتقدمة في التَوقيت.
ز: هذا الخلاف مبنيٌ على أنَ المسح هل يرفع الحدث عن الرِّجل؟
فإن قلنا: لا يرتفع عنها، فقد ارتفع عن الوجه واليدين والرأس، وبقي الرِّجلان، فيكفيه غسلهما.
وإن قلنا: يرتفع، فبالخلع عاد، والحدث لا يتبعض، فيجب استئّناف الوضوء. وقيل: منشأ الخلاف: جوز التفريق، فإن جاز أجزأه غسل قدميه، ومسح رأسه في خلع العمامة؛ وإلا أعاد الوضوء لفوات شرطه، وهو: الموالاة.
وقال بعضهم: والصحيح الأوَل، لأن الخلاف واقعٌ في المسألتين مطلقاً، سواء كان عقب الوضوء، أو بعد مضي زمان يحصل به التفريق O.
*****(1/347)
مسألة (61) : إذا كان في (1) أعضائه جَبيرة لزمه المسح عليها.
وقال أبو حنيفة: لا يلزمه.
لنا:
حديث جابر: " إنَّما كان يكفيه أن يعصب جرحه، ويمسح عليه ".
وسيأتي بإسناده في مسائل التيمم- إن شاء الله تعالى- (2) .
وقد استدلَ أصحابنا بأحاديث فيها مقالٌ:
385- قال الدَارَقُطنيُ: ثنا أبو بكر الشَافعيُ ثنا أبو عمارة محمَّد بن أحمد ابن المهدي ثنا عبدوس بن مالك العطَار ثنا شَبابة ثنا وَرقَاء عن ابن أبي نَجيح عن مجاهدِ عن ابن عمر أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح على الجبائر.
قال الدَارَقُطنيُ: لا يصحُ مرفوعاً، وأبو عمارة ضعيف جدا (3) .
386- قال: وثنا دَعْلَج ثنا محمَّد بن علي بن زيدِ ثنا أبو الوليد وهو: خالد بن يزيد المكيُ ثنا إسحاق بن عبد الله بن محمَّد بن علي بن الحسين ثنا الحسن بن زيد عن أبيه عن علي قال: سألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجبائر تكون على الكسر، كيف يتوضأ صاحبُها؟ وكيف يغتسل؟ قال: " يمسح بالماء عليها ".
قال الدَارَقُطْنِيُ: خالد بن يزيد ضعيفٌ (4) . وقال أبو حاتم الرازيَّ (5)
__________
(1) في (ب) : (على) .
(2) برقم: (441) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/205) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/226) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/360- رقم: 1630) .(1/348)
ويحيى بن معينِ (1) : كذَابٌ.
ز: الحسن بن زيد (2) - هذا-، هو: ابن عليَّ بن الحسين بن عليِّ بن [أبي] (3) طالب.
وأبوه زيد بن علي هو: أخو محمَّد بن علي الباقر، ولم يدرك جدَه علياً O.
387- قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُ ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزَاق عن إسرائيل عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جدِّه عن علي (4) قال: انكسر أحد زنديَّ، فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرني أن أمسح على الجبائر.
قال الدَارَقُطْنِيُ: عمرو بن خالد هو: أبو خالد الواسطيُ، متروكٌ (5) .
قلت: وقد كذَّبه أحمد ويحيى، وسبق القدح فيه (6) .
ز: حديث عليٍّ: رواه ابن ماجه (7) .
وقال أبو حاتم: هو حديث باطلٌ، لا أصل له، وعمرو بن خالد متروك الحديث (8) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/360- رقم: 1630) من رواية علي بن الحسن الهسنجاني.
(2) في (ب) : (يزيد) خطأ.
(3) زيادة استدركت من (ب) .
(4) (عن علي) سقطت من "التحقيق".
(5) "سنن الدارقطني": (1/226-227) .
(6) (ص: 289) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/215- رقم: 657) .
(8) "العلل" لابنه: (1/46- رقم: 102) .(1/349)
وقال البيهقيُّ: وقد تابع عمرو بن خالد: عمر بن موسى بن وجيه، فرواه عن زيد بن علي مثله.
وعمر بن موسى متروك، منسوبٌ إلى الوضع، ونعوذ بالله من الخذلان.
وروي بإسنادٍ آخر مجهول عن زيد بن علي، وليس بشيءٍ.
ورواه أبو الوليد خالد بن يزيد المكيُّ بإسنادِ آخر عن زيد بن عليٍّ عن عليٍّ مرسلاً.
وأبو الوليد ضعيفٌ، ولا يثبت عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيءٌ (1) O.
*****
__________
(1) "سنن البيهقي": (1/228) .(1/350)
مسائل الغسل
مسألة (62) : يجب الغسل بالتقاء الختانين، خلافاً لداود.
لنا حديثان:
388- الحديث الأوَل: قال البخاريُّ: ثنا أبو نعيم عن هشام عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جلس بين شُعبها الأربع، ثم جَهَدها، وَجَب الغسل " (1) .
وأخرجه مسلمٌ (2) .
ز: ورواه من رواية مَطَر عن الحسن، وزاد: " وإن لم يُنزل " O.
389- الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا إسماعيل أنا عليُّ بن زيدٍ عن سعيد بن المسيَّب عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قعد بين الشعَب الأربع، ثم ألزق الخِتَان بالخِتان، فقد وجب الغسل " (3) .
انفرد بإخراجه مسلم (4) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/80) ؛ (فتح- 1/395- رقم: 291) .
(2) "صحيح مسلم": (1/186) ؛ (فؤاد- 1/271- رقم: 348) .
وفي "التحقيق": (أخرجاه في "الصحيحين") .
(3) "المسند": (6/47) .
(4) "صحيح مسلم": (1/186- 187) ؛ (فؤاد- 1/271- 272- رقم: 349) من حديث حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى عن عائشة بنحوه.(1/351)
ز: لفظ مسلم: " إذا جلس بين شعبها الأربع، ومسَّ الخِتَان الخِتَان، فقد وَجَب الغسل ".
ولم يروه من حديث عليَّ بن زيد.
390- وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قعد بين شُعَبها الأربع، وألزق الخِتَان بالخِتَان، فقد وجب الغسل " (1) O.
391- طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُ ثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: إذا جاوز الخِتَان الخِتَان فقد وَجَب الغسل، فعلتُه أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسلنا (2) .
قال الترمذيَّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
ز: رواه الترمذيَّ عن ابن مثنَى عن الوليد.
ورواه النَسائيُ عن عبيد الله بن سعيد عن الوليد (4) .
ورواه ابن ماجه عن عليَّ بن محمَّد الطنَافِسي ودُحيم عن الوليد (5) .
وقال الترمذيَّ في "العلل": قال البخاريَّ: هذا الحديث خطأ، إنَّما يرويه الأوزاعيُ عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلاً.
وقال: قال أبو الزناد: سألتُ القاسم بن محمَّد: سمعتَ في هذا الباب
__________
(1) " سنن أبي دواد ": (1/254- رقم: 218) .
(2) "المسند": (6/161) .
(3) "الجامع": (1/151- 152- رقمي: 108- 109) .
(4) "السنن الكبرى": (1/108- رقم: 196) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/199- رقم: 608) .(1/352)
شيئاً؟ قال: لا (1) .
وقد روى هذا الحديث الدَارَقُطْنيُ من رواية العبَاس بن الوليد بن مَزْيَد عن أبيه عن الأوزاعي.
وقال: رفعه الوليد بن مسلم والوليد بن مَزْيَد. وذكر أنَ بشر بن بكر وجماعة رووه موقوفاً (2) .
وقد صحَّح هذا الحديث ابن القطَان، ولم يلتفت إلى ما قيل فيه (3) .
392- وعن جابر عن أم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة أنَ رجلاً سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجامع أهله، ثم يُكْسِل- وعائشة جالسةٌ-، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل ".
رواه مسلمٌ (4) ، وهذا من رواية الصحابة عن التابعين، لأنَ جابر بن عبد الله صحابيٌ، وأمُ كلثوم بنت أبي بكر من التابعين، ولدت بعد موت أبيها.
393- وعن أبيِّ بن كعبِ أنَ الفتيا التي كانوا يقولون: (الماء من الماء) رخصة كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص بها في أول الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدها.
رواه الإمام أحمد- وهذا لفظه (5) - وأبو داود (6) وابن ماجه (7) والترمذيَّ وقال: حديث حسنٌ صحيحٌ (8) .
__________
(1) "العلل الكبير": (ترتيبه- ص: 57- رقم: 72) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/111- 112) .
(3) " بيان الوهم والإيهام ": (5/267- 269- رقم: 2465) .
(4) "صحيح مسلم": (1/187) ؛ (فؤاد- 1/272- رقم: 350) .
(5) "المسند": (5/115) .
(6) "سنن أبي داود": (1/253- 254- رقم: 216) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/200- رقم: 609) .
(8) "الجامع": (1/152-153- رقم: 110) .(1/353)
394- وعن رافع بن خَديجٍ قال: ناداني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا على بطن امرأتي، فقمت ولم أُنزل، فاغتسلت، وخرجت فأخبرته، فقال: " لا عليك، الماء من الماء ". قال رافع: ثمَّ أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك بالغسل.
رواه الإمام أحمد من رواية رِشدين بن سعد، وفيه: (عن بعض ولد رافع عن رافع) لم يسمِّه (1) .
395- وعن الزهري قال: سألتُ عروة عن الذي يجامع أهله ولا يُنْزِل، فقال: نُولِّ (2) النَّاس أن يأخذوا بالآخر من أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدَّثتني عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكَّة، ثُمَّ اغتسل بعد ذلك، وأمر النَّاس بالغسل.
رواه أبو حاتم البُستي (3) والدَّارَقُطني (4) O.
*****
مسألة (63) : إذا أسلم الكافر فعليه الغسل.
وقال أبو حنيفة والشَّافعي: يستحب له.
لنا حديثان:
396- الحديث الأوَل: قال أحمد: ثنا عبد الرَّحمن ثنا سفيان عن الأغر عن خليفة بن حُصَين بن قيس عن جده قيس بن عاصم أنَّه أسلم، فأمره النَبيُّ
__________
(1) "المسند": (4/143) .
(2) كذا قرأناها من الأصل و (ب) ، وفي "الإحسان": (على) وفي "سنن الدارقطني": (قول) ، والله أعلم.
(3) "الإحسان" لابن بلبان: (3/454- 455- رقم: 1180) .
(4) "سنن الدارقطني": (1/126- 127) .(1/354)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل بماءَ وسِدرٍ (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والنَّسائي (3) والتِّرمذي4 وقال: حديثٌ حسنٌ (4) .
وخليفة بن حُصَين: وثَقه النَّسائي (5) وابن حِبَّان (6) ، وروى عنه الأغر ابن الصَبَاح فقط، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: الأغر بن الصَبَّاح عن خليفة بن حُصَين: ثقةٌ (7) . وقال أبو حاتم: صالحٌ (8) . وقال النَّسائي: ثقةٌ (9) O.
397- الحديث الثَاني: قال أحمد: ثنا عبد الرَحمن ثنا عبد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقَبرُيٌ عن أبي هريرة أنَّ ثُمامة أسلم، فقال النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل " (10) .
ز: عبد الله بن عمر العُمَريُّ: تُكلم فيه.
ورواه البيهقي من رواية عبد الرَّزَّاق (11) عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر عن سعيد المقبُري عن أبي هريرة، وفيه: وأمره أن يغتسل فاغتسل (12) .
__________
(1) "المسند": (5/61) .
(2) "سنن أبي داود": (1/324- رقم: 359) .
(4) "سنن النسائي": (1/109- رقم: 188) .
(5) "الجامع": (1/595- 596- رقم: 605) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (8/313- رقم: 1718) .
(6) "الثقات": (4/209) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/309- رقم: 1154) .
(8) المرجع السابق.
(9) "تهذيب الكمال" للمزي: (3/315- رقم: 541) .
(10) "المسند": (2/304) .
(11) هو في "المصنف": (6/9- 10- رقم: 9834) .
(12) "سنن البيهقي": (1/171) .
وعزاه المنقح في "المحرر": (1/134- 135- رقم: 114) إلى "صحيح ابن خزيمة" أيضاً، وهو فيه: (1/125- رقم: 253) .(1/355)
وقال الطَّبرانيُّ: هذا الحديث عند سفيان عن عبد الله وعبيد الله.
وقال الخطيب: ورواه عبد الله الأشجعي عن سفيان الثوريِّ عن عبيد الله بن عمر.
ورواه عبد الرزَّاق بن همَام عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر جميعاً عن سعيد المقَبِرُيِّ.
وفي "الصَّحيحين" أنه اغتسل، وليس فيه أمر النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بذلك (1) .
398- وقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده": حدثنا بشر بن سَيحَان ثنا عمرو بن محمَّد الرََّزِيني- قال: وما رأيت مثله بعيني قط- ثنا سفيان الثَوريُ عن رجلِ عن سعيد بن أبي سعيدِ المقبرُي عن أبي هريرة قال: لمََّا أسلم ثُمامة أمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل، ويصلِّي ركعتين (2) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغسل واجبٌ إن أصابته جنابة في الكفر.
ومن لم يوجب الغسل مطلقاً حمل الأمر الوارد فيه على الاستحباب، لأنَّ استقراء أحوال المسلمين في عهده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتضي عدم وجوب الغسل مطلقاً، فإنَّهم كانوا يدخلون في الدِّين أفواجاً- ولهم الأولاد والزَّوجات- ولا يؤمرون بالغسل، مع استحالة كونهم لم تصبهم جنابة O.
*****
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/125) ؛ (فتح- 1/555- رقم: 462) .
"صحيح مسلم": (15/58) ؟ (3/1386- رقم: 1764) .
(2) "مسند أبي يعلى": (11/424- 425- رقم: 6547) .(1/356)
مسألة (64) : لا يجب إمرار اليد في غسل الجنابة.
وقال مالكٌ: يجب.
لنا ثلاثة أحاديث:
399- الحديث الأول: قال أحمد: ثنا حُجَين بن المثنَى ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سليمان بن صُرَد عن جُبير بن مُطْعِم قال: تذاكرنا غسل الجنابة عند النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّا أنا فآخذ ملء كفي من الماء، فأصبُّ على رأسي، ثم أفيض بعد على سائر جسدي " (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
400- الحديث الثاني: قال أحمد: وثنا وكيعٌ ثنا الأعمش عن سالم عن كريب ثنا ابن عبَّاس عن خالته ميمونة قالت: وضعت للنَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسلاً، فاغتسل من الجنابة، فأكفأ الإناء بشماله على يمينه، فغسل كفيه ثلاثا، ثم أفاض على فرجه، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا، ثم أفاض على رأسه ثلاثا، ثم أفاض على سائر جسده الماء، ثم تنحَى فغسل رجليه (3) .
أخرجاه في "الصحيحين" (4) .
__________
(1) "المسند": (4/81) .
(2) "صحيح البخاري": (1/73) ؛ (فتح- 1/367- رقم: 254) .
"صحيح مسلم": (1/177- 178) ؛ (فؤاد- 1/258- 259- رقم: 327) .
(3) "المسند": (6/335) .
(4) "صحيح البخاري": (1/72) ؛ (فتح- 1/361- رقم: 249) .
"صحيح مسلم": (1/174- 175) ؛ (فؤاد- 1/254- رقم: 317) .(1/357)
401- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطني: ثنا البغويُّ ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا سفيان عن أيُّوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقَبُريٌ عن عبد الله بن رافعِ عن أمِّ سلمة قالت: كنتُ امرأة أشدُّ ظفر رأسي، فسألَت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إنَّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات- أو: ثلاث حفناتِ- ثم تُفرغي عليك، فإذا أنت قد طَهُرت " (1) .
ز: رواه مسلمٌ (2) وأصحاب " السنن الأربعة " (3) .
ورواه رَوح بن القاسم والثَوريُّ عن أيُّوب بن موسى O.
احتجوا بثلاثة أحاديث:
402- الحديث الأوَّل: قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز (4) بن محمَّد أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة: غسل يديه، ومضمض، وتوضَّأ، ويدلك بأصابعه أصول شعره، فإذا خيِّل إليه أنَّه قد استبرأ البشرة أفاض على جلده من الماء.
403- الحديث الثَاني: قال التِّرمذىُّ: ثنا نصر بن علي ثنا الحارث بن وجيهٍ ثنا مالك بن دينار عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة عن النَّبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تحت كل شعرةٍ جنابة، فاغسلوا الشَّعر وأنقُوا البشرة " (5) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/114) .
(2) "صحيح مسلم": (1/178) ؛ (فؤاد- 1/259- 260- رقم: 330) .
(3) "سنن أبي داود": (1/272- رقم: 255) ؛ و"الجامع" للترمذي: (1/149- رقم: 105) ؛ و"سنن النسائي": (1/131- رقم: 241) ؛ و"سنن ابن ماجه": (1/198- رقم: 603) .
(4) في "التحقيق": (سعيد أنبأنا منصور بن عبد العزيز) خطأ.
(5) "الجامع": (1/150- رقم: 106) .(1/358)
تفرَد به الحارث بن وجيهٍ عن مالكِ مرفوعاً، وإنَما يروى هذا عن أبي هريرة من قوله.
قال يحيى بن معينِ: الحارث بن وجيهِ ليس بشيءٍ (1) . قال ابن حِبَان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير (2) .
ز: وروى هذا الحديث: ابن ماجه (3) وأبو داود وقال: الحارث بن وجيه حديثه منكرٌ، وهو ضعيف (4) .
وقال الترمذيَّ: حديث الحارث بن وجيهِ حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحدٍ من الأئمة، وقد تفرَد بهذا الحديث عن مالك بن دينار.
[وذكر الدَارَقُطْنيُ أنه غريبٌ من حديث محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة، تفرد به مالك بن دينار،] (5) وعنه الحارث بن وجيهِ (6) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه الحارث بن وجيهِ عن مالك بن دينارِ عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاَ: " تحت كل شعرةٍ جنابة، فاغسلوا الشَّعر، وأنقوا البشر ".
__________
(1) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 476- رقم: 831) .
(2) "المجروحون": (1/224) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/196- رقم: 597) .
(4) "سنن أبي داود": (1/271- رقم: 252) .
(5) سقط من الأصل بسبب انتقال النظر فيما يبدوا من (مالك بن دينار) الأولى إلى (مالك بن دينار) الثانية، واستدرك من (ب) .
(6) " أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (5/251- رقم: 5326) .(1/359)
قال أبي: هذا حديث منكرٌ، والحارث ضعيف الحديث (1) .
وروى ابن عَدِي للحارث بن وجيهِ هذا الحديث وحديثاً آخر، وقال: لم يحدِّث بهما عن مالك بن دينار غيره (2) .
وقد ضعَّف هذا الحديث أيضاً: الشَّافعي (3) ويحيى بن معيِن (4) والبخاريُّ (5) .
ويروى عن الحسن مرسلاً.
ويروى موقوفاً على أبي هريرة، كما تقدَّم O.
404- الحديث الثالث: قال أحمد: ثنا حسن بن موسى ثنا حمَّاد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ترك موضع شعرةٍ من جنابةٍ لم يصبها الماء فعل [الله] (6) به كذا وكذا من النار ". قال عليٌّ: فمن ثَمَّ عاديت رأسي (7) .
والجواب: أنَّ هذه الأحاديث محمولةٌ على من يمنع شعرُه الماءَ أن يصل إلى جلده.
__________
(1) "العلل": (1/29- رقم: 53) .
(2) "الكامل": (2/193- رقم: 376) .
(3) انظر: "المعرفة": (1/270- رقم: 275) .
(4) قال الدوري في "التاريخ": (4/86- رقم: 3267) : (سألت يحيى عن الحارث بن وجيه فقال: ليس حديثه بشيء) ا. هـ
(5) قال في "التاريخ الكبير": (2/284- رقم: 2484) : (الحارث بن وجه الراسبي البصري، سمع مالك بن دينار، سمع منه زيد بن حباب ونصر بن علي، فيه بعض المناكير) ا. هـ
(6) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(7) كذا بالأصل، وفي (ب) و"التحقيق" و"المسند": (1/94) : (شعري) .(1/360)
ز: وروى حديث علي من رواية عطاء بن السَائب أيضاً: ابنُ ماجه (1) وأبو داود، ولفظه: فمن ثمَّ عاديت رأسي- ثلاثاً-. وكان يجزُّ شعره - رضي الله عنه- (2) .
وذكر الدَارَقُطْنيُ في "العلل" أنَه روي موقوفا، ثم قال: وعطاء تغيَّر حفظه (3) O.
*****
مسألة (65) : يجب إيصال الماء في غسل الجنابة إلى باطن اللحية.
وعن مالك رواية: لا يجب.
لنا:
الأحاديث التي تقدَّمت (4) .
405- وقال أحمد: ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن أبي قِلابة عن رجلِ من بني عامر عن أبي ذر عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " إن الصعيد الطيب طهورٌ، ما لم تجد الماء، ولو إلى عشر حججِ، فإذا وجدت الماء فأمسس بشرتك " (5) .
احتجُّوا:
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/196- رقم: 599) .
(2) "سنن أبي داود": (1/271- رقم: 253) .
(3) "العلل": (3/208- رقم: 365) .
(4) برقم: (402- 404) .
(5) "المسند": (5/146) .(1/361)
بقوله عليه السَلام: " أمَا أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثياتٍِ ".
وقد تقدَّم بإسناده (1) .
*****
مسألة (66) : غسل الجمعة سنَةٌ.
وحكي عن مالك وداود: أنَه واجبٌ (2) .
احتجُّوا:
406- بما روى أحمد: ثنا أبو سلمة الخزاعيُ أنا مالك عن صفوان بن سُلَيم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيدِ الخدري أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " غسل يوم الجمعة واجبٌ على كلَّ محتلمٍ " (3) .
أخرجاه في "الصحيحين" (4) .
407- قال أحمد: وثنا معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
__________
(1) برقم: (399) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: غسل الجمعة ليس بواجب في قول أكثر أهل العلم، قال الترمذي: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعدهم.
منهم: مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، وحكاه ابن عبد البر إجماعاً.
وعن أحمد رحمه الله أنه واجب، روي عن أبي هريرة وغيره) ا. هـ وهو بحروفه في " الشرح الكبير " لابن أبي عمر: (5/269) تحت باب صلاة الجمعة.
(3) "المسند": (3/60) .
(4) "صحيح البخاري": (4/223) ؛ (فتح- 2/357- رقم: 879) .
"صحيح مسلم": (3/3) ؛ (فؤاد- 2/580- رقم: 846) .(1/362)
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جاء أحدكم يوم (1) الجمعة فليغتسل " (2) .
ز: أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) O.
والجواب: أنَ النَاس انقسموا في هذه الأحاديث فريقين:
فمنهم من قال: معنى واجب: لازمٌ في باب الاستحباب، كما يقال: حقُّك عليَّ واجبٌ. وهذا اختيار أبي سليمان الخطَّابيِّ (4) ، يدلُّ عليه أنَه قرنه بما لا يجب:
408- فروى أحمد: ثنا الحسن بن سَوَّار ثنا ليث عن خالد بن يزيد (5) عن سعيد عن أبي بكر بن المنكدر أن عمرو بن سُلَيم أخبره عن عبد الرَحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " إنَّ الغسل يوم الجمعة على كل محتلمٍ، والسِّواك، وأن تمسَّ من الطَّيب ما تقدر عليه " (6) .
ز: أخرجه مسلمٌ (7) O.
409- قال أحمد: وثنا وكيع ثنا سفيان عن يحيى بن سعيدِ عن عَمرة عن عائشة قالت: كان الناسُ عمَّالَ أنفسِهم، فكانوا يَرُوحون كهيئتهم، فقيل
__________
(1) في "التحقيق": (إلى) .
(2) "المسند": (2/141)
(3) "صحيح البخاري": (2/222) ؛ (فتح- 2/356- رقم: 877) .
"صحيح مسلم": (2/3) ؛ (فؤاد- 2/579- رقم: 844) .
(4) "معالم السنن": (1/211- رقم: 321) .
(5) في مطبوعة "المسند": (زيد) خطأ، وهو على الصواب في "أطراف المسند" لابن حجر: (6/271- رقم: 8295) .
(6) "المسند": (3/69) .
(7) "صحيح مسلم": (3/3- 4) ؛ (فؤاد- 2/581- رقم: 846) .(1/363)
لهم: لو اغتسلتم (1) .
أخرجاه في " الصَحيحين " (2)
ويؤكد هذا: أنَّ الصَّحابة لم ينكروا على من ترك الغسل:
410- فروى البخاريُّ: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء أنا جويرية عن مالكٍ عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر أنَّ عمر بن الخطَاب بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة، إذ دخل رجلٌ من المهاجرين [الأوَّلين] (3) ، فناده عمر: أيَّهُ ساعةٍ هذه؟! قال: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتَّى سمعتُ التأذين، فلم أزد على أن توضَّأتُ، فقال: والوضوء أيضاً؟! وقد علمتَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بالغسل (4) .
وأخرجه مسلم (5) .
والرجل: عثمان، ولم ينكر عليه ترك الغسل بمحضرٍ من الصَّحابة، فهذا كلُه يدلُّ على أنَّه إنَّما أمر بالغسل أمر استحبابٍ.
وقد ذهب قومٌ بلى وجوبه للفظ حديث أبي سعيد، وادعوا أنَّه نُسخ: 411- بما روى أحمد: ثنا عبد الصَّمد ثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من توضَّأَ فبها ونِعْمَت، ومن اغتسل فذاك أفضل " (6) .
__________
(1) "المسند" (6/62- 63) .
(2) "صحيح البخاري": (2/228) ؛ (فتح- 2/386- رقم: 903) .
"صحيح مسلم": (3/3) ؛ (فؤاد- 2/581- رقم: 847) .
(3) في الأصل: (الأوابين) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"صحيح البخاري".
(4) "صحيح البخاري": (2/222- 223) ؛ (فتح- 2/356- رقم: 878) .
(5) "صحيح مسلم": (3/2- 3) ؛ (فؤاد- 2/580- رقم: 845) .
(6) "المسند": (5/8) .(1/364)
وفي هذه الدعوى بعدٌ، لأَنه لا تاريخ معنا، وأحاديث الوجوب أصحُ، والوجه ما ذكرناه من أنه مستحبٌ ومندوبٌ.
ز: وقد روى حديث الحسن عن سَمُرة: أبو داود (1) والنسائيُ (2) والترمذيَّ وقال: حديث حسن، وروى بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث، مرسلا (3) .
412- وقال الطبرانيُ: ثنا محمَّد بن عبد الرحمن (4) المروزيُّ ثنا عثمان بن يحيى القرسانيُ (5) ثنا مؤمَل بن إسماعيل ثنا حمَّاد بن سلمة عن ثابت البُنَاني عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من توضَّأَ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل ".
قال الطبرانيُ: لم يروه عن حمَّاد إلا مؤمل، تفرَّد به عثمان بن يحيى (6) .
مؤمَل بن إسماعيل: صدوق، وقد تكلَم فيه البخاريَّ (7) .
413- وعن يزيد الرَقَاشِي عن أنسِ عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من توضأَ يوم الجمعة فبها ونعْمَت، تجزئُ عنه الفريضة، ومن اغتسل فالغسل أفضل ".
رواه ابن ماجه (8) ، ويزيد الرقَاشِيُ: تكلم فيه غير واحدٍ من الأئمة.
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/323- رقم: 358) .
(2) "سنن النسائي": (3/94- رقم: 1380) .
(3) "الجامع": (1/506- 507- رقم: 497) .
(4) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "المعجم الأوسط": (عبدان بن محمد المروزي) وهذا الحديث في وسط أحاديث عبدان بن محمد، وهي تحت عنوان " من اسمه عبدان ".
(5) كذا بالأصل، وفي (ب) : (الغرساني) ، والصواب: (القَرقَسَانيُ) كما في " المعجم الأوسط " و"الأنساب" لابن السمعاني: (10/105) .
(6) "المعجم الأوسط": (5/9- رقم: 4525) .
(7) انظر: "تهذيب الكمال" للمزي: (29/178- رقم: 6319) وليحرر.
(8) "سنن ابن ماجه": (1/247- رقم: 1091) .(1/365)
ورواه البيهقي وغيره من رواية أَسِيد بن يزيد (1) الجمَّال- وهو ضعيفٌ - عن شَريك عن عوفِ عن أبي نَضرة عن أبي سعيدِ مرفوعاً (2) .
ورواه ابن عَدِي من رواية عبيد بن إسحاق- وهو ضعيفٌ - عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً أيضاً (3) .
414- وقال البيهقيُ: أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو أحمد محمَّد بن محمَّد ابن إسحاق الصفَّار العدل ثنا أحمد بن نصر ثنا عمرو بن طلحة القَنَّاد ثنا أسباط ابن نصر عن السُّدِّيِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاسِ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من توضَّأ فبها ونِعمَت، ويجزئ من الفريضة ومن اغتسل فالغسل أفضل ".
قال البيهقي: وهذا الحديث بهذا اللفظ غريبٌ من هذا الوجه، وإنَّما يعرف من حديث الحسن وغيره (4) .
415- وقال أبو داود الطيالسيُ: ثنا أو حُرَّة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سَمُرَة- قال: ولا أعلمه إلا عن النبي"صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (5) قال: " من توضأ فبها ونعمَت، ومن اغتسل فالغسل أفضل " (6) .
رواه البيهقيُ، وقال: ورواه بكر بن بكَار عن أبي حُرَة بإسناده قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يشك (7) O.
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "سنن البيهقي": (زيد) وهو الصواب، والله أعلم.
(2) "سنن البيهقي": (1/296) .
(3) "الكامل": (5/348- رقم: 1505) في ترجمة عبيد بن إسحاق العطار.
(4) "سنن البيهقي": (1/295) .
(5) زيادة استدركت من (ب) و"مسند الطيالسي" و"سنن البيهقي".
(6) "مسند أبي داود الطيالسي": (ص: 192- رقم: 1350) .
(7) "سنن البيهقي": (1/296) .(1/366)
مسائل التيمم
مسألة (67) : لا يجوز التَّيمم بغير التُراب.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز.
لنا:
416- ما روى الدَارَقُطْنيُ: ثنا محمَّد بن عبد الله بن غيلان ثنا الحسن (1) بن الجنيد ثنا سعيد بن مسلمة ثنا أبو مالك الأشجعيُ عن رِبعي بن حِرَاش عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وترابها طهوراً " (2) .
وقد ذكرناه في أوَل الكتاب، وبيَّنَّا أنَه قد أخرج في " الصحيح " (3) .
ز: حديث حذيفة هذا قد تقدَّم أن مسلماً رواه، لكن لفظه: " وجعلت
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" ومطبوعة "سنن الدارقطني" و"إتحاف المهرة" لابن حجر: (4/230- رقم: 4163) : (الحسين) .
وقد ترجم الحافظ المزي في "تهذيب الكمال": (6/356- رقم: 1300) للحسين بن الجنيد الدامغاني، ثم ترجم للحسن بن الجنيد بن أبي جعفر البغدادي- وهو الذي في الإسناد بحسب النظر في الشيوخ والتلاميذ الذين ذكرهم المزي-، وقال في آخر ترجمته: (وقد خلط بعضهم في هاتين الترجمتين والصواب ما ذكرناه إن شاء الله تعالى) ا. هـ وزاد الحافظ ابن حجر في "التهذيب": (2/288- رقم: 590) : (قلت: هذا بفتح الحاء والسين) ا. هـ
(تنبيه) وقع في مطبوعة "تهذيب التهذيب": (الحسين بن الجنيد بن أبي جعفر) وهو تصحيف، وصوابه: (الحَسَن) كما ضبطه الحافظ ابن حجر بالحروف، والله أعلم.
(2) "سنن الدارقطني": (1/176) .
(3) برقم: (3) .(1/367)
تربتها لنا طَهوراً " (1) O.
417- وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهديّ ثنا زُهير عن عبد الله بن محمد بن عَقيلٍ عن محمد بن عليّ أَنه سمع عليَ بن أبي طالبٍ يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعل التُراب لي طهوراً " (2) .
ز: عبد الله بن محمَّد بن عَقيلِ: مختلف في الاحتجاج بحديثه (3) O.
احتجُوا:
418- بما روى سعيد بن منصور: ثنا عيسى بن يونس ثنا المثنَى بن الصَّبَاح عن عمرو بن شُعيبٍ عن ابن المسيَّب عن أبي هريرة: أن ناساً من أهل البادية أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: إنَّا نكون بالرِّمال الأشهر- الثلاثة والأربعة-، ويكون فينا الجنب والنُفساء والحائض، ولسنا نجد الماء. فقال: " عليكمٍ بالأرض ". ثم ضرب بيده على الأرض لوجهه ضربةً واحدةً، ثم ضرب ضربة أخرى، فمسح بها على يديه إلى المرفقين (4) .
والجواب: أن هذا الحديث لا يصحُ، قال أحمد (5) والرَازيَّ (6) : المثنى
__________
(1) برقم: (3) .
(2) "المسند": (1/98) .
(3) في هامش الأصل: (وسعيد بن مسلمة ضعيفٌ) ا. هـ وسجد هو الواقع في إسناد حديث حذيفة السابق.
(4) انظر: "سنن البيهقي": (1/216- 217) .
(5) "العلل" برواية عبد الله: (2/298- رقم: 2324) وفيه: (لا يساوي حديثه شيئاً، مضطرب الحديث) ا. هـ
(6) لم نقف عليه، وفي "الجرح والتعديل" لابنه: (8/324- 325- رقم: 1494) : (سألت أبي وأبا زرعة عن المثنى بن الصباح، فقالا: لين الحديث. قال أبي: يروي عن عطاء ما لم يرو عنه أحد، وهو ضعيف) ا. هـ(1/368)
ابن الصَّبَّاح لا يساوي شيئاً. وقال يحيى: ليس بشيءٍ (1) . وقال النسائيُّ: متروك الحديث (2) .
ثمَّ لا حجَّة فيه، لأنه قال: " عليكم بالأرض "، والرَّمل والجصُّ والنُّورة في الأرض لا منها، فكأنَّه أمرهم بطلب التُّراب، وقد يكون بين الرَّمل، ويكشف هذا أنه قد رواه أحمد كما قلنا، فقال:
419- ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا المثنَى بن الصَّبَّاح أخبرني عمرو بن شُعيبٍ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال: جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني أكون في الرَّمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيكون فينا النُّفساء والحائض والجنب، فما ترى؟ قال: " عليك بالتُراب " (3) .
*****
مسألة (68) : يجوز للمتيمم أن يقتصر على وجهه وكفَّيه.
وقال أبو حنيفة والشَّافعي: لا يجزئه (4) إلا مسح الوجه واليدين إل المرفقين.
لنا:
420- ما روى أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن ذرٍّ
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (6/423- رقم: 1901) من رواية ابن أبي مريم، وفيه: (ضعيف، ليس بشيء) ا. هـ
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 221- رقم: 576) .
(3) "المسند": (2/278) .
(4) في "التحقيق": (لا يجوز) .(1/369)
عن ابن عبد الرحمن بن أَبْزَى عن أبيه عن عمَّار قال: كنت في سريَة، فأجنبت، فتمعكت في التُراب، فلما أتيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذكرت ذلك له، فقال: " إنما كان يكفيك " وضرب النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده إلى الأرض، ثم نفخ فيها، ومسح بها وجهه وكفيه (1) .
أخرجاه في "الصحيحين" (2) .
421- قال أحمد: وثنا عفَان ثنا أبان ثنا قتادة عن عَزْرَة (3) عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبزَى عن أبيه عن عمار أن نبيَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في التَيمم: " ضربة للوجه والكفَّين " (4) .
فإن قيل: فقد روى أبو داود من حديث عمار أَنه قال: إلى المرفقين (5) .
قلنا: تلك الطريق يقول فيها قتادة: حدَّثني محدَّث عن الشَعبيِّ عن ابن أَبزَى عن عَمار. ومثل هذا لا يقدم على روايتنا الصحيحة.
فإن قيل: فقد روى عمَّار: إلى الآباط والمناكب.
قلنا: نعم، رواه أحمد:
422- ثنا يعقوب ثنا أبي عن صالح قال: قال ابن شهاب: حدَثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس عن عمَّار بن ياسر أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرَّس
__________
(1) "المسند": (4/265) مع اختلاف في اللفظ.
(2) "صحيح البخاري": (1/92- 93) ؛ (فتح- 1/443- رقم: 238) .
"صحيح مسلم": (1/193) ؛ (فؤاد- 1/280- 281- رقم: 368) .
(3) في (ب) : (عروة) خطأ.
(4) "المسند": (4/263) .
(5) "سنن أبي داود": (1/311- رقم: 332) .(1/370)
بالات (1) الجيش، ومعه عائشة، فانقطع عقدٌ لها من جَزْع ظَفَار (2) ، فحبس النَاس ابتغاء عقدها ذلك، حتَّى أضاء الفجر، وليس مع النَاس ماء، فأنزل الله عزَّ وجلَّ على رسوله رخصة التَّطهر بالصَعيد الطيب، فقام المسلمون فضربوا الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط (3) .
قلت: ووجه هذا الحديث أنهم فعلوا هذا بآرائهم، فلمَّا عرَفهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدَّ التيمم، انتهوا إلى قوله.
ز: وروى هذا الحديث: أبو داود (4) والنسائيُ (5) بنحوه.
423- وعن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة عن عمَّار بن ياسر أنَّه كان يُحدث: أنهم تمسَحوا وهم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصَعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مَسحةَ واحدةَ، ثم عادوا، فضربوا
بأكفِّهم الصعيد مرةً أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم.
وفي روايةٍ: قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب، ولم يَقبِضوا من التراب. ولم يذكر المناكب والآباط.
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "المسند": (بآلات) ، وفي "التحقيق" و"سنن أبي داود" و"سنن النسائي": (بأولات) ، وقال السندي في " حاشيته على النسائي ": (بضم الهمزة، جمع ذات، ويقال لذلك الموضع: ذات الجيش. أيضاً) ا. هـ
(2) في " النهاية ": (1/269- جزع) : (الجَزع- بالفتح-: الجرز اليماني، الواحدة جَزعة) ا. هـ
(3) "المسند": (4/264) .
(4) "سنن أبي داود": (1/306- 307- رقم: 324) .
(5) "سنن النسائي": (1/167- رقم: 314) .(1/371)
قال ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين.
رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود- وهذا لفظه (2) - وابن ماجه (3) ، وهو منقطع، عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة لم يدرك عمار بن ياسر.
وقد أخرجه النسائيُ (4) وابن ماجه (5) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة عن أبيه عن عمار موصولاً مختصراً.
قال إسحاق بن راهويه: حديث عمَّار في التيمُم للوجه والكفَين هو حديثٌ صحيحٌ، وحديث عمَّار: تيمَمنا مع النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المناكب والآباط، ليس هو بمخالفٍ لحديث: الوجه والكفَين، لأن عماراً لم يذكر أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بذلك، وإنَّما قال: فعلنا كذا وكذا ... فلما سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بالوجه والكفَّين، والدليل على ذلك: ما أفتى به عمَّارٌ بعد النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التيمُم، أَنه قال: الوجه والكفين. ففي هذا دلالة أنَّه انتهى إلى ما علَّمه النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6) O.
احتجّوا بأحاديث:
425- قال الدَارَقُطنيُ: ثنا أبو سعيد محمَّد بن عبد الله المروزيَّ ثنا محمَّد ابن خلفٍ ثنا أحمد بن حمدويه ثنا أبو معاذ (7) ثنا أبو عصمة عن موسى بن عقبة عن الأعرج (8) عن أبي جهيم قال: أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بئر جمل: إمَا من
__________
(1) "المسند": (4/320، 321) .
(2) "سنن أبي داود": (1/306- رقمي: 322- 323) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/189- رقم: 571) .
(4) "سنن النسائي": (1/168- رقم: 315) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/187- رقم: 566) .
(6) "الجامع": (1/189- 190- رقم: 144) .
(7) في هامش الأصل: (هو النحوي) ا. هـ
(8) كتب فوقها بالأصل و (ب) : (كذا) ا. هـ
ويبدو أنه يشير إلى أنه هكذا وقع في هذه الرواية: (الأعرج عن أبي جهيم) بدون واسطة، والله أعلم.(1/372)
غائطِ، وإمَا من بولِ؛ فسلمت عليه، فلم يرد علي السلام، وضرب الحائط بيده ضربةَ، فمسح بها وجهه، ثمَّ ضرب أخرى، فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين، ثمَّ ردَ عَلَي السَّلام.
قال أبو معاذ: وثنا خارجة عن عبد الله بن عطاء عن موسى بن عقبة مثله (1) .
426- قال الدَارَقُطني: وثنا البغوي ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا محمد بن ثابتِ العَبدي ثنا نافع عن ابن عمر أن رجلاً مرَّ برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم، فلم يردَ عليه حتَّى ضرب بيديه على الحائط، فمسح وجهه، ثمَّ ضرب ضربةً أخرى، فمسح ذراعيه، ثمَّ ردَ على الرَجل السلام (2) .
427- قال الدَارَقُطني: وثنا محمَّد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن الحسين ابن جابر ثنا عبد الرََّحيم (3) بن مطرِّف ثنا علي بن ظَبيان عن [عبيد] (4) الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربةٌ لليدين إلى المرفقين " (5) .
428- قال الدَارَقُطني: وثنا محمد بن مخلد ثنا إبراهيم الحربي ثنا عثمان ابن محمد الأنماطي ثنا حَرَمِي بن عمارة عن [عزرة] (6) بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " التَّيمم ضربتان: ضربة للوجه (7) ، وضربة
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/177) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/177) .
(3) في "التحقيق": (عبد الرحمن) ، والصواب ما بالأصل.
(4) في الأصل: (عبد) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(5) "سنن الدارقطني": (1/180) .
(6) في الأصل و (ب) : (عروة) ، والتصويب من "التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(7) في (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني": (التيمم ضربة للوجه) .(1/373)
للذراعين إلى المرفقين " (1) .
429- قال الدَارَقُطْنيُ: وثنا الحسين بن إسماعيل ثنا بشر بن موسى ثنا يحيى بن إسحاق ثنا الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن الأسلع قال: أراني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف أمسح، فضرب بكفيه الأرض، ثم رفعهما لوجهه، ثم ضرب ضربةً أخرى، فمسح ذراعيه- باطنهما وظاهرهما-، حتَّى مسَّ بيده المرفقين (2) .
والجواب:
أما حديث أبي جُهيم: فإنَ أبا عصمة وخارجة: متكلَمٌ فيهما، وقد روي من حديث كاتب الليث، وهو مطعونٌ فيه، وإنَما حديثه الذي في "الصحيح " (3) :
430- رواه البخاريَّ: ثنا يحيى بن بكيٍر ثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج قال: سمعت عميراً- مول ابن عبَاسِ- قال: دخلنا على أبي جهيم فقال: أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نحو بئر جملِ، فلقيه رجلٌ، فسلَم عليه، فلم يردَّ عليه حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم ردَّ عليه (4) .
ز: وأخرجه مسلمٌ تعليقاً، قال: وقال الليث بن سعدٍ.... فذكر إسناده، وعنده: أبو الجهم (5) O.
وأمَّا حديث ابن عمر الأوَل: ففيه: محمَّد بن ثابتٍ العَبْدِيَّ، قال
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/181) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/179) .
(3) في "التحقيق": (الصحيحين) .
(4) "صحيح البخاري": (1/92) ؛ (فتح- 1/441- رقم: 337) .
(5) "صحيح مسلم": (1/194) : (فؤاد- 1/281- رقم: 369) .(1/374)
يحيى: ليس بشيءٍ (1) .
وأمَّا حديثه الثَاني: فهكذا رواه علي بن ظَبيان مرفوعاً، قال ابن نمير: يخطئ في حديثه كله (2) . وقال يحيى بن سعيدِ (3) وابن معيِن (4) وأبو داود (5) : ليس بشيءٍ. وقال النَسائيُّ (6) وأبو حاتم الرازيَّ (7) : متروك الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث جداً (8) . وقال ابن حِبَان: سقط الاحتجاج بأخباره (9) .
قال الدَارَقُطْنِي: وقد وقفه يحيى القطَان وهُشيم وغيرهما، وهو الصَّواب (1) .
قال: رواه سليمان بن أبي داود الحرانيُّ عن سالمٍ ونافعِ عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسليمان: ضعيفٌ (11) .
وقال أبو حاتم الرَّازي: ضعيفٌ جداً (12) . وقال ابن حِبَّان: يروي عن الأثبات ما يخالف حديث الثِّقات، حتَّى خرج عن حدِّ الاحتجاج به (13) .
__________
(1) "التاريخ" برواية الدوري: (4/112، 206- رقمي: 3422، 3976) .
(2) "المجروحون" لابن حبان: (2/105) من رواية جعفر بن أبان عنه.
(3) لم نقف عليه إلا عند ابن الجوزي أيضاً في "الضعفاء": (2/195- رقم: 2383) ، وانظر: "تاريخ بغداد" للخطيب: (11/444- رقم: 6347) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/279- رقم: 1339) .
(5) " سؤالات الآجري ": (2/306- رقم: 1938) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 171- رقم: 433) .
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/191- رقم: 1054) .
(8) " سؤالات البرذعي ": (2/429) .
(9) "المجروحون": (2/105) .
(10) "سنن الدارقطني": (1/180) .
(11) "سنن الدارقطني": (1/181) بتصرف.
(12) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/116- رقم: 501) .
(13) "المجروحون": (1/335) وتمامه: (إلا فيما وافق الأثبات من رواية ابنه عنه) ا. هـ(1/375)
وقد رواه سليمان بن أرقم عن الزهريِّ عن سالم.
وسليمان: ليس بشيءٍ بإجماعهم.
وأمَّا حديث جابر: فقد تكلِّم في عثمان بن محمَّد.
وأمَّا حديث الأسلع: ففي إسناده: الربيع بن بدرٍ، قال أبو حاتم الرازيَّ: لا يشتغل به (1) . وقال النسائيُ (2) والدارَقُطنيُ (3) : متروك الحديث.
ثم نحن نقول بهذه الأحاديث، ونجيز هذا الفعل، فنجمع بين الأحاديث.
ز: أبو عِصمة في حديث أبي جُهيم هو: نوح بن أبي مريم، وهو متروكٌ.
وخارجة هو: ابن مصعب، وقد ضعَّفوه، وقال محمَّد بن سعدٍ: تركوه (4) .
والأعرج لم يسمع الحديث من أبي جُهيم، بل بينهم (5) عمير- مولى ابن عبَّاس- كما تقدم (6) .
وحديث محمَّد بن ثابتٍ العبديِّ: رواه أبو داود (7) ، قال ابن معين في العبديِّ: هو ضعيفٌ (8) . وفي روايةٍ: ليس بشيءٍ (9) . وفي روايةٍ: ليس به
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/455- رقم: 2057) .
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 102- رقم: 200) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/99) .
(4) "الطبقات الكبرى": (7/371) .
(5) كذا بالأصل و (ب) .
(6) برقم: (430) .
(7) "سنن أبي داود": (1/311- 312- رقم: 334) .
(8) " من كلام ابن معين في الرجال " برواية ابن طهمان: (ص: 94- رقم: 294) .
(9) سبق أنه في رواية الدوري: (3/279- رقم: 1339) .(1/376)
بأسٌ (1) . وقال النسائيُ: ليس بالقوي (2) . وقال أبو الوليد القاضي: هو متروكٌ. ووثَّقه بعضهم.
وقد أنكر البخاريَّ على محمَّد بن ثابتِ رفع هذا الحديث، وقال: خالفه عبيد الله وأيُوب والناس، فقالوا: عن نافع عن ابن عمر، فِعلُه (3) .
قال البيهقيُ: ورفعه غير منكرٍ (4) .
وقال الخطَابي: وحديث ابن عمر لا يصحُ، لأنَ محمَّد بن ثابتِ العَبديَ ضعيف جداً، لا يحتجُ بحديثه (5) .
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: عرضت على أبي عبد الله- يعني: أحمد بن حنبل- حديث محمَّد بن ثابتِ، فقال لي: هذا حديث منكرٌ، ليس هو مرفوعاً (6) .
وأما حديث عليَّ بن ظبيان: فرواه الحاكم، وقال: لا أعلم أحداً أسنده غير ابن ظَبيان، وهو صدوقٌ (7) .
__________
(1) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 216- رقم: 809) .
وقال الدوري في "تاريخه": (4/310- رقم: 4537) : (سمعت يحي يقول: محمد بن ثابت الذي يحدث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التيمم= بصريٌّ، وهو ضعيف.
قلت ليحي: أليس قلت مرِّة: ليس به بأس؟ قال: ما قلت هذا قط!) ا. هـ
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 203- رقم: 519) .
(3) "التاريخ الكبير": (1/50- 51- رقم: 105) ؛ وانظر: " التاريخ الأوسط ": (2/ 142) ، و"الضعفاء الصغير": (ص: 481- رقم: 312) .
(4) "المعرفة": (1/285- رقم: 310) .
(5) "معالم السنن": (1/204) .
(6) "مسائل ابن هانئ": (1/22- رقم: 110) .
(7) "المستدرك": (1/179) .(1/377)
وقال ابن حِبَّان في عبد الله بن الحسين بن جابرِ: يقلب الأخبار ويسرقها، لا يحتج بما انفرد به (1) .
وأمَّا حديث جابر: فلم يذكر المؤلف من تكلُّم في عثمان بن محمَّد، وقد روى عنه أبو داود (2) وأبو بكر بن أبي عاصم (3) وغيرهما، وذكره ابن أبي حاتم في كتابه، ولم يذكر فيه جرحاً (4) .
وقد روى الحديث: البيهقي (5) والدَارَقُطنِي وقال: كلُهم ثقات، والصُّواب موقوفٌ (6) .
ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيحٌ (7) O.
*****
مسألة (69) : التَّيمم لا يرفع الحدث.
وقال داود: يرفع.
4131- قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيدِ عن عوف حدَّثني أبو رجاء حدَثني عمران بن حُصَينِ قال: كنَّا في سفرٍ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى بالنُّاس،
__________
(1) "المجروحون": (2/46) .
(2) " المعجم المشتمل " لابن عساكر: (ص: 185- رقم: 606) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (19/487- رقم: 3858) .
(4) "الجرح والتعديل": (6/166- رقم: 912) .
(5) "سنن البيهقي": (1/207) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/181) .
(7) "المستدرك": (1/180) .(1/378)
فإذا هو برجلٍ معتزلٍ، فقال: " ما منعك أن تصلِّي؟ " قال: أصابتني جنابة ولا ماء! قال: " عليك بالصَّعيد ". واشتكى إليه النَاس العطش، فدعا عليَّاً وآخر، فقال: " ابغيانا الماء ". فذهبا فجاءا بامرأةٍ معها مزاداتان، فأفرغ من أفواه المزادتين، ونودي في الناس، فسقى من شاء واستسقى، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماءٍ، وقال: " اذهب فأفرغه عليك " (1) .
أخرجاه في " الصَحيحين " (2) .
432- وقال الدارَقُطني: ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمَّد بن بشَّار ثنا وهب بن جريرِ ثنا أبي سمعت يحيى بن أيُّوب يحدِّث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرَّحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلةٍ باردةٍ- وأنا في غزوة ذات السَّلاسل-، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمَّمت، ثمَّ صليت بأصحابي الصُّبح، فذُكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنبٌ؟! " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، فقلت: إنِّي سمعت الله عز وجلَّ يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم " [النساء: 29] . فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يقل لي شيئاً (3) .
ز: ورواه: الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) .
ورواه الحاكم من رواية عبد الرَّحمن بن جبيِرٍ عن أبي قيسٍ- مولى عمرو
__________
(1) "المسند": (4/434- 435) باختصار.
(2) "صحيح البخاري": (1/93- 94) ؛ (فتح- 1/447- 448- رقم: 344) .
"صحيح مسلم": (2/140- 141) ؛ (فؤاد- 1/474- 475- رقم: 682) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/178) .
(4) "المسند": (4/203- 204) .
(5) "سنن أبي داود": (1/314- 315- رقم: 338) .(1/379)
ابن العاص- عن عمرو بن العاص، وقال: على شرطهما، وعندي أنَّهما علَّلاه بحديث يحيى بن أيُّوب عن يزيد بن أبي حبيبِ عن عمران عن عبد الرحمن بن جبيِرٍ عن عمرو نفسه (1) O.
احتجُّوا:
بحديث حذيفة: " وجعل ترابها لنا طهوراً ".
وقد سبق في أوَّل الكتاب (2) .
433- وبما رواه الترمذيَّ: ثنا محمود بن غَيلان ثنا أبو أحمد الزبيريَّ ثنا سفيان عن خالدِ الحذَاء عن أبي قِلابة عن عمرو بن بُجدان عن أبي ذر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الصَعيدَ الطيبَ وَضُوءُ المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسَّه بشرته، فإنَّ ذلك خيرٌ ".
قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (3) .
وليس لهم في هذين الحديثين حجَّة، لأنَ التراب قائمٌ مقام الطَّهور في إباحة الصلاة، ولو كان طهوراً حقيقةً لما احتاج الجنب بعد التيمم أن يغتسل.
*****
__________
(1) "المستدرك": (1/177) ، وكلام الحاكم مختصر وله تتمة تنظر في كتابه.
(2) برقم: (3) .
(3) "الجامع": (1/165- 166) ، وفيه: (حسن صحيح) ا. هـ(1/380)
مسألة (70) : يتيمَم لوقت كل صلاةِ.
وقال أبو حنيفة: يصلي به ما لم يحدث.
واحتجَ:
بالحديث المتقدِّم (1) : " الصعيد وَضوء المسلم ... ".
واحتجَ أصحابنا:
434- بما رواه الدَارَقُطنيُ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعدان ثنا شُعيب بن أيُّوب ثنا أبو يحيى الحِمانيُ عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهدِ عن ابن عبَّاس قال: من السُنَّة أن لا يصلي بالتيمُم أكثر من صلاةٍ واحدةٍ (2) .
الِحِمانيُ وابن عمارة: متروكان.
ز: أبو يحيى الحمانيُ: عبد الحميد بن عبد الرحمن، ليس بمتروكٍ، بل هو من رجال " الصحيح " (3) ، وقد وثَّقه يحيى بن معين (4) وغيره، وضعَّفه أحمد (5) وغيره، وكأنه اشتبه عليه بابنه يحيى بن عبد الحميد، فإنَّه هو المشهور بالضعف.
وقد رواه عبد الرزاق وغيره عن الحسن بن عمارة (6) .
435- وعن نافعِ عن ابن عمر قال: يتيمَّم لكل صلاةٍ وإن لم يحدث.
__________
(1) برقم: (433) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/185) .
(3) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/909- رقم: 977) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/270، 516- رقمي: 1273، 2522) ، برواية الدارمي: (ص: 186- رقم: 674) .
(5) "المعرفة" للفسوي: (3/82) ؛ "الكامل" لابن عدى: (5/321- رقم: 1470) .
(6) " المصنف ": (1/214- 215- رقم: 830) .(1/381)
رواه البيهقيُ وقال: إسناده صحيحٌ (1) .
436- وعن هشيم عن حجَّاج عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ رضي الله عنه قال: يتيمَّم لكل صلاةٍ.
رواه البيهقي (2) ، وإسناده ضعيفٌ.
437- وعن عبد الرََّزَّاق (3) عن معمر عن قتادة أنَّ عمرو بن العاص كان يحدث لكل صلاةٍ تيمماً. وكان قتادة يأخذ به.
رواه البيهقي أيضاً، وقال: وهذا مرسلٌ (4) .
438- وروى حرب الكِرمَانيُّ: عن عكرمة عن ابن عبَاسِ قال: التَّيمم بمنزلة الوضوء، يصلي به- ما لم يحدث- الصَلواتَ كلَّها (5) O.
*****
مسألة (71) : إذا لم يجد ماءً ولا تراباً صلَّى.
وقال أبو حنيفة: لا يصلِّي.
لنا:
439- ما روى أحمد: ثنا ابن نمير ثنا هشام عن أبيه عن عائشة أنَّها
__________
(1) "سنن البيهقي": (1/221) .
(2) "سنن البيهقي": (1/221) .
(3) هو في "المصنف": (1/215- رقم: 833) .
(4) "سنن البيهقي": (1/221) .
(5) ذكره الزركشي أيضاً في " شرح مختصر الخرقي ": (1/361) .(1/382)
استعارت من أسماء قلادةَ، فهلكت، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجالاً في طلبها، فوجدوها، فأدركتهم الصَّلاة وليس معهم ماء، فصلَّوا بغير وضوءٍ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ آية التَّيمُّم (1) .
أخرجه البخاري ومسلمٌ (2) .
احتجوا بحديثين:
440- الحديث الأوَل: قال الترمذيَّ: ثنا هنَّاد ثنا وكيعٌ عن إسرائيل عن سِماَك عن مصعب بن سعدِ عن ابن عمر عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقبل الله صلاةً إلا بطُهُور " (3) .
ز: انفرد بإخراجه مسلمٌ (4) O.
الحديث الثَاني: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقبل الله صلاة امرئ حتَّى يضع الوضوء مواضعه ".
وليس فيما ذكروا حجَّة، لأن ذلك محمولٌ على من يقدر على الطهور.
*****
__________
(1) "المسند": (6/57) .
(2) "صحيح البخاري": (1/92) ؛ (فتح- 1/440- رقم: 336) .
"صحيح مسلم": (1/192) ؛ (فؤاد- 1/279- رقم: 367) .
(3) "الجامع": (1/51- رقم: 1) .
(4) "صحيح مسلم": (1/140) ؛ (فؤاد- 1/204- رقم: 224) .
وفي هامش الأصل: (حاشية: لفظ مسلم: " بغير طهور "، و" إلا ": رواية الترمذي، وهي عند ابن ماجه أيضاً) ا. هـ
وهذه الحاشية ليست للمنقح فيما يبدو، والله أعلم.(1/383)
مسألة (72) : إذا خاف الحاضر ضرر البرد تيمَّم، وفي الإعادة روايتان.
لنا:
حديث عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلةٍ باردةٍ، فأشفقت، فتيمَّمت، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يقل شيئاً (1) .
وقد سبق بإسناده (2) .
ز: نقل عن عطاء والحسن في من يخاف ضرر البرد: أنَّه يغتسل وإن مات.
والصحيح أنَّه يجوز له التيمُم، وهو قول أكثر أهل العلم، لحديث عمرو بن العاص.
فإن تيمَم وصلى، ثم قدر على استعمال الماء، فهل تلزمه الإعادة؟
فيه روايتان:
إحداهما: لا تلزمه، وهو قول أبي حنيفة ومالك، لحديث عمرو، فإنَّ النبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمره بالإعادة، ولو وجبت لأمره بها، فإنَّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
والثانية: تلزمه الإعادة في الحضر دون السفر، وهو قول أبي يوسف ومحمَّد.
والأوَل أصحُ.
__________
(1) في هامش الأصل: (ص: هذا الحديث ليس مطابقاً [] ، لأن عمراً كان مسافراً [] يثبت بالقياس) ا. هـ وما بين المعقوفتين لم يظهر في مصورتنا.
(2) برقم: (432) .(1/384)
وقال الشَافعيُ: يعيد الحاضر، وفي المسافر قولان O.
*****
مسألة (73) : إذا كان بعض بدنه صحيحاً، وبعضه جريحاً، غسل الصحيح، وتيمَم للجريح.
وقال أبو حنيفة ومالك: الاعتبار بالأكثر، فإن كان أكثر صحيحاً غسله، وسقط التيمُم، وبعكسه إذا كان جريحاً.
لنا:
441- ما روى الدَارَقُطنِيُ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث (1) ثنا موسى بن عبد الرحمن الحلبيُ ثنا محمَّد بن سلمة عن الزبير بن خُرَيق عن عطاءٍ عن جابرٍ قال: خرجنا في سفرٍ، فأصاب رجلاً منَّا حَجَرٌ، فشجَّه في رأسه، ثمَّ احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصةً في التيمُم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصةً وأنت تقدر على الماء. فاغتسل، فمات، فلمَّا قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بذلك، فقال: " قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟! فإنَما شفاء العِيَّ السؤال، إنَّما كان يكفيه أن يتيمَم، ويعصر- أو: يعصب- على جرحه، ثم يمسح عليه، ويغسل سائر جسده " شك موسى (2) .
ز: وروى هذا الحديث أبو داود (3) عن موسى (4) .
__________
(1) في "سنن الدارقطني" زيادة: (في كتاب الناسخ والمنسوخ) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/189- 190) .
(3) "سنن أبي داود": (1/316- رقم: 340) .
(4) في هامش الأصل: (حـ: موسى شيخ أبي داود وابنه) ا. هـ(1/385)
والزُّبير: ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (1) .
وقال الدارَقُطنِي: قال أبو بكر- يعني: ابنَ أبي داود-: هذه سنَّةٌ تفرَد بها أهل مكَّة، وحملها أهل الجزيرة.
ثمَّ قال الدارَقُطني: لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خُريق، وليس بالقويِّ، وخالفه الأوزاعيُ، فرواه عن عطاء عن ابن عبَّاس.
واختلف على الأوزاعي:
فقيل: عنه عن عطاء.
وقيل: عنه بلغني عن عطاء.
وأرسل الأوزاعيُّ آخره عن عطاء عن النَّبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصَّواب.
وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم (2) : سألت أبي وأبا زرعة عنه فقالا: رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعيِّ عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عبَّاس. وأفسد الحديث (3) O.
*****
مسألة (74) : إذا كان معه من الماء [] (4) ما يكفي بعض أعضائه،
__________
(1) "الثقات": (4/262) .
(2) هو في "العلل": (1/37- رقم: 77) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/190) وفيه: (وأسند الحديث) .
(4) في الأصل كرر الناسخ كلمة (من الماء) فحذفنا الثانية.(1/386)
لزمه استعماله في الجنابة، وهل يلزمه في الوضوء؟
فيه وجهان، أصحهما عندي: أنَّه يلزمه.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يلزمه.
وللشافعيِّ قولان.
لنا:
442- ما روى البخاريَّ: ثنا إسماعيل حدَثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم " (1) .
وأخرجه مسلم (2) .
*****
مسألة (75) : لا يتيمَم للجنازة والعيد مع وجود الماء (3) .
وقال أبو حنيفة: يتيمَم إذا خاف الفوات.
وعن أحمد في الجنازة كقوله.
احتجُّوا:
__________
(1) "صحيح البخاري": (9/556- 557) ؛ (فتح- 13/251- رقم: 7288) .
(2) "صحيح مسلم": (7/91) ؛ (فؤاد- 4/1830- 1831- رقم: 1337) .
(3) في (ب) و"التحقيق" جاءت هذه المسألة بعد التي تليها.(1/387)
443- بما رواه ابن عَدِي: ثنا محمد بن عبد الله (1) بن فضيلِ ثنا يمان بن سعيدِ ثنا وكيع بن الجرَّاح ثنا المعافى بن عمران عن مغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا فجئتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمَّم ".
قال ابن عَدِي: هذا غير محفوظٍ رَفعُه، وإنَّما هو موقوفٌ على ابن عبَّاس (2) .
وقال أحمد: [مغيرة] (3) بن زيادِ ضعيف الحديث، حدَّث بأحاديث مناكير، وكلُّ حديث رفعه هو منكرٌ (4) .
*****
مسألة (76) : إذا اشتبهت الأواني الطَّاهرة بالنَّجسة لم يتحرّ.
وقال الشافعي: يتحرّى.
لنا حديثان:
444- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" ومطبوعة "الكامل" ومطبوعة "الثقات" لابن حبان: (9/155) : (عبيد الله) ، والله أعلم.
(2) "الكامل": (7/182- رقم: 2093) .
وفي هامش الأصل: (حـ: هذا الحديث ذكره ابن عدي في "الكامل"، ولم يسم شيخه الذي حدثه، ولم يذكره بهذا اللفظ، والله أعلم) ا. هـ
وابن عدي قد أورد الحديث في موضعين: الأول: تحت ترجمة يمان بن- سعيد: (7/182- رقم: 2093) ، وهو الذي نقل منه ابن الجوزي إسناد الحديث ومتنه وكلام ابن عدي فيه.
والثاني: تحت ترجمة مغبرة بن زياد الموصلي: (6/355- رقم: 1837) ، وهو الذي أشار إليه المنقح في الحاشية السابقة.
(3) في الأصل: (وغيره) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(4) "العلل" برواية عبد الله: (2/510- رقم: 3361؛ 3/29- رقم: 4012) .(1/388)
عن ابن أبي السفر عن الشعبيَّ عن عدي بن حاتم قال: سألتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إذا أرسلتَ كلبَك المعلَّم فقتل فكُل، فإذا أكلَ فلا تأكُل، فإنَما أمسكَهُ على نفسه ". قلت: أُرسلُ كلبي فأجدُ معه كلباً آخر؟ قال: " فلا تأكُل، فإنَّما سمَّيت على كلبِك، ولم تسمَّ على كلبٍ آخر " (1) .
أخرجه مسلمٌ (2) .
445- الحديث الثاني: قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيدِ عن شعبة حدَثني بُريد بن أبي مريم عن أبي [الحوراء] (3) عن الحسن بن علي عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه كان يقول: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " (4) .
ز: رواه الترمذيَّ (5) والنسائيُ (6) من حديث شعبة، وصحَحه الترمذيَّ.
وأبي (7) [الحوراء] (8) : اسمه: ربيعة بن شيبان، وقد وثَقه النسائيُ (9) وابن حِبَّان (10) .
وبُريد بن أبي مريم السَّلولي: ثقةٌ O.
*****
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/54- 55) ؛ (فتح- 1/279- رقم: 175) .
(2) "صحيح مسلم": (6/56- 57) ؛ (فؤاد- 3/1529- 1530- رقم: 1929) .
(3، 8) في الأصل: (الجوزاء) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(لطيفة) : قال القاضي عياض في " الإلماع ": (155) : (قال أبو علي الحافظ: روى عبد الله بن إدريس الكوفي قال: لما حدثني شعبة بحديث أبي الجوزاء السعدي عن الحسن بن علي= كتبت أسفله " حور عين " لئلا أغلط. يعني فيقرأه: " أبا الجوزاء " لشبهه به في الخط) ا. هـ
(4) "المسند": (1/200) .
(5) "الجامع": (4/286- رقم: 2518) .
(6) "سنن النسائي": (8/327- رقم: 5711) .
(7) كذا بالأصل و (ب) .
(9) "تهذيب الكمال" للمزي: (9/117- رقم: 1877) .
(10) "الثقات": (4/229) .(1/389)
مسائل الحيض
مسألة (77) : يجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج، خلافا لهم في قولهم: لا يحل- إلا ما فوق الإزار.
لنا حديثان:
446- الحديث الأوَل: قال أحمد: ثنا عبد الرحمن ثنا حمَّاد بن سلمة عن ثابتِ عن أنسِ أنَ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسألَ أصحابُ النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله عز وجل: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذىَ) [البقرة: 222] ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " (1) .
انفرد بإخراجه مسلم (2) .
447- الحديث الثاني: قال أبو داود: ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن أيُّوب عن عكرمة عن بعض أزواج النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد من الحائض شيئاً، ألقى على فَرْجِها ثوباً (3) .
ز: انفرد بهذا الحديث أبو داود، وإسناده صحيح O.
__________
(1) "المسند": (3/132) .
(2) " صحيح مسلم ": (1/169) ؛ (1/246- رقم: 302) .
(3) "سنن أبي داود": (1/282- رقم: 276) .(1/390)
احتجُوا بحديثين:
448- الحديث الأوَل: قال أحمد: حدَثنا [ابن] (1) فضيل عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يباشر نساءه فوق الإزار، وهنَّ حُيَّض (2) .
أخرجاه في "الصحيحين" (3) .
449- الحديث الثاني: قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز عن صفوان بن سُليم عن عطاء بن يسار قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، ما يحل لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قال: " تشدُ إزارها، ثم شأنك بأعلاها ".
هذا حديث مرسلٌ.
450- ز: عن ميمونة أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائضٌ، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين، أو الركبتين، تحتَجِزُ به.
رواه الإمام أحمد (4) والنسائيُ (5) وأبو داود- وهذا لفظه (6) - وأبو حاتم ابن حِبَّان في "صحيحه" (7) .
وفي رواية أحمد: محتجزةٌ به.
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (6/33) .
(3) "صحيح البخاري": (1/82- 83) : (فتح- 1/403- رقم: 302) .
"صحيح مسلم": (1/166- 167) ؛ (فؤاد- 1/242- رقم: 293) .
(4) "المسند": (6/335) .
(5) "سنن النسائي": (1/189- 190- رقم: 376) .
(6) "سنن أبي داود": (1/279- 280- رقم: 271) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (4/200- 201- رقم: 1365) .(1/391)
450/أ- وعن أبي إسحاق عن عاصم بن عمرو (1) عن عمير- مولى عمر- قال: جاء نفر من أهل العراق إلى عمر بن الخطَّاب، فقال لهم عمر: أبإذنٍ جئتم؟ قالوا: نعم. قال: فما جاء بكم؟ قالوا: جئناك نسأل عن ثلاث. قال: وما هنَّ؟ قالوا: صلاة الرجل في بيته ما هي؟ وما يصلح للرجل من امرأته وهي حائضٌ؟ وعن الغسل من الجنابة؟ قال: أسحرةٌ أنتم؟
! قالوا: لا والله، يا أمير المؤمنين، ما نحن بسحرة. قال: لقد سألتموني عن ثلاثٍ ما سألني عنهن أحدٌ - منذ سألتُ عنهن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبلكم!! أمَّا صلاة الرجل في بيته تطوعاً: فنوِّر بيتك ما استطعت؛ وأمَّا الحائض: فلك ما فوق الإزار، وليس لك ممَّا تحته شيءٌ؛ وأما الغسل من الجنابة: فتفرغ بيمينك على شمالك (2) فتغسلهما، ثم تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك وما أصابك، ثم توضأ وضوءك للصلاة، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرَاتِ، تدلك رأسك كلَّ مرةٍ، ثم تغسل سائر جسدك.
رواه أبو يعلى الموصليُ في "مسنده": ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الله بن جعفر الرقِّي ثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فذكره (3) .
وروى ابن ماجه منه ذكر الصلاة (4) .
__________
(1) في مطبوعة "المختارة": (عمر) خطأ.
(2) في مطبوعة "المختارة" و"المقصد العلي": (بشمالك على يمينك) ، وفي "مجمع الزوائد" كما بالأصل وكذلك في "سنن البيهقي" و"مجمع البحرين".
(3) لم نقف عليه في الرواية المطبوعة من "مسند أبي يعلى"- رواية ابن حمدان-، وقد خرجه عنه من رواية ابن المقرئ: الضياءُ في "مختارته": (1/375- رقم: 261) .
وقد أورد الحديث الهيثمي في "مجمع الزوائد": (1/275- 276) وفي "المقصد العلي": (1/97- 98- رقم: 168) .
(تنبيه) قال الهيثمي في مقدمة " المقصد العلم ": (وما كان فيه من حديث في أوله " كـ " فهو من "المسند الكبير" لأبي يعلى أيضاً) ا. هـ ونظن أن محقق النسخة التي عندنا لم ينتبه إلى هذه الرموز، والله تعالى أعلم.
(4) "سنن ابن ماجه": (1/437- 438- رقم: 1375) .(1/392)
ورواه الطَّبراني (1) والبيهقي بكماله (2) .
وسئل عنه الدارَقُطني فذكر الاختلاف فيه، قال: والحديث حديث زيد ابن أبي أنيسة ومن تابعه عن أبي إسحاق.
وقال: زيد بن أبي أنيسة ورَقبة بن مَصقَلة وأبو حمزة السُّكريُّ فقالوا: عن عاصم بن عمرو عن عمير (3) .
وعاصم بن عمرو- ويقال: ابن عوفِ- البجلي الكوفي: أحد الشِّيعة، قال فيه أبو حاتم: صدوقٌ (4) . وكتبه البخاريُّ في كتاب " الضُّعفاء " (5) ، فقال أبو حاتم: يحوَّل من هناك. وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" (6) .
451- وقال أبو داود: حدَّثنا هارون بن محمَّد بن بكار ثنا مروان - يعنى: ابن محمد- ثنا الهيثم بن حميد ثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه (7) أنه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يحلُّ لي من امرأتي وهي حائضٌ؟
__________
(1) لم نقف عليه في مطبوعة "المعجم الأوسط"، وقد خرجه من طريق أبي نعيم- راوي " المعجم الأوسط "- عن الطبراني: الضياءُ في "المختارة": (1/374- 375- رقم: 260) .
وأورده الهيثمي معزواً إلى "الأوسط" في "مجمع الزوائد": (1/275) و" مجمع البحرين ": (1/382- 383- رقم: 491) ، وقال محققه: (هذا الحديث عزاه الشيخ الهيثمي في "مجمع الزوائد" إلى "الأوسط" أيضاً، ولم أجده، وأظن أن روايات أحمد الخشاب على ورقة (63) ، وهي مفقودة) ا. هـ
(2) "سنن البيهقي": (1/312) .
(3) "العلل": (1/196- 198- رقم: 216) وفيه: (عن عاصم بن عمرو عن عمير أو ابن عمير) ا. هـ، ونقله الضياء في "المختارة": (1/376- رقم: 261) وفيه كما هنا.
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/348- رقم: 1921) .
(5) "الضعفاء الصغير": (ص:469- رقم: 280) .
(6) "الثقات": (5/236- 237) .
(7) في هامش الأصل: (حـ: اسمه: عبد الله بن سعد [] ) ا. هـ والكلمة الأخيرة لم نتمكن من قراءتها.(1/393)
قال: " لك ما فوق الإزار " (1) .
العلاء بن الحارث: ثقةٌ من رجال " الصحيح " (2) ، وقد تكلَّم فيه بعضهم.
وحرام بن حكيم الأنصاريَّ: وثقه دحيم (3) والعجليُ (4) ، وضعَّفه ابن حزم (5) .
452- وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ما يحلُ للرجل من امرأته وهي حائضٌ؟ قال: " ما فوق الإزار، والتعفُّف عن ذلك أفضل ".
رواه أبو داود، وقال: ليس بالقويِّ (6) O.
*****
مسألة (78) : إذا أتى امرأته وهي حائضٌ = تصدَّق بدينارٍ أو نصف دينارٍ.
وعنه: يستغفر الله تعال، كقولهم، إلا أن الشافعيَ قال في القديم: إن وطئ في إقبال الدم تصدَّق بدينارٍ، وفي إدباره بنصف دينارٍ.
لنا:
453- ما روى أحمد: ثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد بن
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/252- 253- رقم: 214) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/63- رقم: 1159) .
(3) "تهذيب الكمال" للمزي: (5/158- رقم: 1153) .
(4) "معرفة الثقات": (ترتيبه- 1/290- رقم: 279) .
(5) "المحلى": (1/397- المسألة رقم: 260) .
(6) "سنن أبي داود": (1/253- رقم: 215) .(1/394)
عبد الرحمن عن مِقسم عن ابن عبَّاس عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: " يتصدَّق بدينارٍ، أو بنصف دينارٍ ".
قال أحمد: لم يرفعه عبد الرَحمن ولا بَهز (1) .
454- قال أحمد: وثنا يونس ثنا حمَّاد بن سلمة عن عطاء العطَّار عن عكرمة عن ابن عبَّاس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يتصدَّق بدينار، فإن لم يجد ديناراً، فنصف دينارٍ (2) " يعني في الذي يغشى امرأته حائضاً (3) .
ز: وقد روى اللفظ الأول: أبو داود (4) وابن ماجه (5) والنَّسائي (6) والحاكم وصححه (7) .
وقال أبو داود: هكذا الروايةُ الصَّحيحة، قال: " دينار أو نصف دينار ".
وربَّما لم يرفعه شعبة.
وقد صحَح هذا الحديث أيضاً: ابنُ القطَّان (8) .
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول- وقد سُئل عن الرجل يأتي امرأته
__________
(1) "المسند": (1/229- 230) .
(2) قوله: (فإن لم يجد ديناراً فنصف دينار) غير موجود في مطبوعة "المسند" الميمنية، وهي ثابتة في طبعة مؤسسة الرسالة: (4/81- رقم: 2201) .
وانظر: (1/306، 363) من "المسند".
(3) "المسند": (1/245) .
وفي هامش الأصل حاشية لم نتبين المراد منها.
(4) "سنن أبي داود": (1/278- رقم: 268) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/210- رقم: 640) .
(6) "سنن النسائي": (1/153- رقم: 289) .
(7) "المستدرك": (1/171- 172) .
(8) " بيان الوهم والإيهام ": (5/277) .(1/395)
وهي حائض- قال: ما أحسن حديث عبد الحميد. قيل له: فتذهب إليه؟
قال: نعم (1) O.
وقد احتجُّوا للقول القديم للشَّافعي:
455- بما رواه التِّرمذي: ثنا الحسين بن حُريث ثنا الفضل بن موسى عن أبي حمزة السكَريٌ عن عبد الكريم عن مِقسَم عن ابن عبَّاس عن النبيٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان دماً أحمرَ فدينارٌ، وإذا كان دماً أصفرَ فنصفُ دينارٍ " (2) .
عبد الكريم هو: البصريُّ، ضعيفٌ جداً، كان أيُّوب السختياني يرميه بالكذب (3) ، وقال أحمد (4) ويحيى (5) : ليس هو بشيءٍ. وقال السَعدي: غير ثقةِ (6) . وقال الدَارَقُطني: متروكٌ (7) .
وذكر أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس موقوفاً (8) .
ز: عبد الكريم: ليس هو: ابن أبي المخارق البصري، وإنَّما هو: ابن مالكِ الجزرِي، أحد الثقات. كذا ذكره بعض من جمع الأطراف.
__________
(1) "المسائل" برواية أبي داود: (ص: 39- رقم: 177) .
(2) "الجامع": (1/179- 180- رقم: 137) .
(3) انظر: " مقدمة صحيح مسلم ": (1/16- 17) ؛ (فواد- 1/21) ؛ و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (6/59- رقم: 310) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/60- رقم: 311) من رواية أبي طالب، وفيه: (ليس هو بشيء، شبه المتروك) .
(5) "التاريخ" رواية الدارمي: (ص: 187- رقم: 681) ؛ ورواية ابن طهمان: (ص: 83- 84- رقم: 252) .
(6) "الشجرة في أحوال الرجال": (ص: 161- رقم: 147) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/164) .
(8) "سنن أبي داود": (1/278- 279- رقم: 269) .(1/396)
وقد قيل: إنَّه أبو أميَة- كما ذكر المؤلف-، لأَنه هكذا جاء مصرحًا به في بعض الروايات.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "العلل": حدَّثني أبي ثنا سفيان عن عبد الكريم بن أمية عن مِقْسَم عن ابن عباس: إذا أتى امرأته وهي حائض ... قيل لسفيان: يا أبا محمَّد هذا مرفوعٌ. فأبى أن يرفعه، وقال: أنا أعلم به. يعني: أبا أميَّة (1) .
فيحتمل أن يكون الجَزَرِيُّ وأبو أميه روياه عن مِقسَم.
وقد رواه النسائيُّ: عن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان؛ وعن محمَّد بن كامل المروزي عن هُشيم عن الحجاج؛ كلاهما عن عبد الكريم به (2) .
ورواه ابن ماجه عن عبد الله بن الجرَاح عن أبي الأحوص عن عبد الكريم نحوه (3) .
456- وقال أبو يعلى الموصليُ في "مسنده": ثنا علي بن الجَعد أنا أبو جعفرٍ الرازيَّ عن عبد الكريم بن أبي المُخَارق عن مِقسم عن ابن عباسٍ عن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجلٍ جامع امرأته وهي حائضٌ، فقال: " إن كان دما عبيطًا فليتصدَّق بدينارٍ، وإن كان فيه صفرة فنصف دينارٍ " (4) .
وقد رواه ابن جريج وسعيد بن أبي عَروبة وهشام الدَستوائيُ وغيرهم عن عبد الكريم أبي أُمية، والله أعلم.
__________
(1) "العلل": (1/456- رقم: 1036) .
(2) "السنن الكبرى": (5/348- رقمي: 9107- 9108) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/213- رقم: 650) .
(4) "مسند أبي يعلى": (4/320- 321- رقم: 2432) .(1/397)
وقال الترمذي في هذا الحديث: روي عن ابن عباس، يرفعه بعضهم، وبعضهم موقوفٌ (1) .
وقال أبو داود: روى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد ابن عبد الرَحمن عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: أمره أن يتصدق بخُمُسَي دينار (2) .
وهذا منقطعٌ.
وقال الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري: هذا الحديث قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه، فروي مرفوعاً وموقوفَا، ومرسلًا ومعضلًا.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: قيل لشعبة: إنك كنت ترفعه؟ قال: إني كنت مجنونًا: فصححت!
وأمَّا الاضطراب في متنه: فروي: " بدينار أو نصف دينار " على الشَك؛ وروي: " يتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار "؛ وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدَّم أو في انقطاع الدَم؛ وروي: " يتصدق بخُمُسَي دينار "؛ وروي: " يتصدق بنصف دينار "؛ وروي: " إذا كان دمًا أحمر فدينارٌ، وإذا كان دمًا أصفر فنصف دينار "؛ وروي: " إن كان دمًا عبيطًا فليتصدق بدينار، وإن كان صفرةً فنصف دينارٍ " (3) .
وقال الخطَّابي: وقال أكثر العلماء: لا شيءَ عليه، ويستغفر الله، وزعموا أن هذا الحديث مرسلٌ أو موقوف على ابن عبَّاس، ولا يصح متصلًا مرفوعاً، والذِّمم بريَّةٌ إلا أن تقوم الحجة بشغلها (4) .
__________
(1) "الجامع": (1/180- رقم: 137) .
(2) "سنن أبي داود": (1/279- رقم: 270) .
(3) " مختصر سنن أبي داود ": (1/175- رقم: 260) .
(4) "معالم السنن": (1/173- رقم: 257) .(1/398)
وقال أبو علي بن السكن: هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه، ولا يصحُ مرفوعاً، ولم يصححه البخاريَّ، وهو صحيح من كلام ابن عبَّاسٍ (1) .
وقد خالفه ابن القطَّان في هذا ورد عليه، وصحيح الحديث (2) O.
*****
مسألة (79) : المستحاضة إذا كانت لها أيَّام معروفة رُدت إلى أيَّامها لا إلى التَّمييز.
وقال الشافعيُ: يقدَّم التَّمييز على العادة.
لنا:
457- ما روى الدَارَقُطْنيُ: ثنا عبد الله بن محمَّد ثنا ابن زنجويه ثنا [مُعلى] (3) بن أسد ثنا وهيب ثنا أيُّوب عن سليمان بن يسار أنَ فاطمة بنت أبي حُبيشِ استحيضت، فأمرت أمَ سلمة أن تسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " تدع الصلاة أيَّام أقرائها، ثم تغتسل، وتستدفر بثوب، وتصلي " (4) .
ز: رواه الإمام أحمد بنحوه (5) .
__________
(1) نقله ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام": (5/278- رقم: 2468) .
(2) المرجع للسابق.
(3) في الأصل: (يعلى) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(4) "سنن الدارقطني": (1/208) .
(5) "المسند": (6/293، 320، 322- 323) .(1/399)
وقال الدارَقُطني في رواته: كلهم ثقات (1) .
458- وعن عائشة أن أمٌ حبيبة بنت جَحشٍ كانت تحت عبد الرَحمن بن عوفٍ، وأنها استحيضت فلا تطهر، فذكر شأنها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ليست بالحيضة، ولكنها رَكضةٌ من الرحم، فلتنظر قدر قُرئها الذي كانت تحيض له، فلتترك الصَّلاة، ثم لتنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاةٍ ".
رواه الإمام أحمد- واللفظ له (2) - والنسائي (3) .
459- وعن فاطمة بنت أبي حُبيش قالت: أتيت عائشة، فقلت لها: أمَ المؤمنين، قد خشيتُ أن لا يكون لي حظٌ في الإسلام، [وأن أكون من أهل النَار! أمكث ما شاء الله من يوم استحاض، فلا أصلي لله عزّ وجل صلاةً! قالت: اجلسي حتى يجيء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما جاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: يا رسول الله، هذه فاطمة بن أبي حُبيش تخشى أن لا يكون لها حظٌ في الإسلام،] (4) وأن تكون من أهل النار، تمكث ما شاء الله من يوم تستحاض، فلا تصلي لله فيه صلاة. فقال: " مري فاطمة بنت أبي حُبيش فلتمسك من كل شهر عدد أيام أَقرَائِها، ثم تغتسلُ وتحتشِي وتستثفِر بثوبٍ (5) ، ثم تطهر عند كل صلاة، وتصلي، فإنما ذلك: رَكضةٌ من الشيطان، أو عِرقْ انقطع، أو داءٌ عرض [لها] (6) ".
__________
(1) لم نره في مطبوعة "سنن الدارقطني".
(2) "المسند": (6/128- 129) .
(3) "سنن النسائي": (1/183- رقم: 356) .
(4) هذه الفقرة سقطت من الأصل، واستدركت من (ب) و"المسند".
(5) كذا بالأصل، وفي (ب) و"المسند": (وتنظف) بدل: (بثوب) .
(6) زيادة استدركت من (ب) و"المسند".(1/400)
رواه الإمام أحمد (1) والدَارَقُطني (2) والحاكم وصححه (3) .
وهو من رواية: عثمان بن [سعدِ] (4) الكاتب، قال يحيى بن معينِ: ضعيفٌ (5) . وقال مرةَ: ليس بذاك (6) . وقال أبو زرعة: لين (7) . وقال أبو حاتم: شيخٌ (8) . وقال النسائي (9) والدارَقُطْني (10) : ليس بالقوي.
وقال ابن حِبان: لا يجوز الاحتجاج به (11) . وقال الحاكم: بصري ثقةٌ (12) .
460- وعن فاطمة أنَّها أتت النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشكت إليه الدَّم، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّما ذلك عرقٌ، فانظري إذا أتاك قرؤُكِ فلا تصلي، فإذا مرَّ القُرءُ، فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القُرء ".
رواه الإمام أحمد (13) وأبو داود (14) والنَّسائي (15) .
وفي إسناده: المنذر بن المغيرة، سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: هو
__________
(1) "المسند": (6/464) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/216) .
(3) "المستدرك": (1/175- 176) .
(4) في الأصل: (سعيد) ، والتصويب من (ب) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (5/169- رقم: 1326) من رواية ابن أبي مريم.
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (4/142- رقم: 3599) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/153- رقم: 838) .
(8) المرجع السابق.
(9) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 167- رقم: 421) .
(10) " تخريج الأحاديث الضعاف " للغساني: (ص: 93- رقم: 199) .
(11) "المجروحون": (2/96) .
(12) "المستدرك": (1/176) .
(13) "المسند": (6/420) .
(14) "سنن أبي داود": (1/285- رقم: 284) .
(15) "سنن النسائي": (1/183- 184- رقم: 358) .(1/401)
مجهولٌ، ليس بمشهورِ (1) .
وقال النسائي: قد روى هذا الحديث هشام بن عروة عن عروة، ولم يذكر فيه ما ذكر المنذر O.
احتجُّوا:
461- بما روى الدارَقُطني: ثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا محمد بن المثنى ثنا ابن أبي عَدي عن محمد بن عمرو قال: حدثني ابن شهابِ عن عروة ابن الزبير عن فاطمة بنت أبي حُبيش أنَّها كانت تُستحاض، فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان دم الحيض، فإنه أسودٌ يعرف، فإذا كان ذاك فأمسكي عن الصَّلاة، فإذا كان الأخر فتوضئي وصلَّي " (2) .
ز: رواه أبو داود (3) والنسائي- وقال: وقد روى هذا الحديث غير واحدِ ولم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن أبي عَدِي والله أعلم (4) - وأبو حاتم بن حِبَّان في "صحيحه" (5) .
وقال الدارَقُطْني: رواته كلهم ثقات (6) .
ورواه الحاكم، وقال: هو على شرط مسلم (7) .
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (8/242- رقم: 1095) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/206- 207) .
(3) "سنن أبي داود": (1/288- 289- رقم: 290) .
(4) "سنن النسائي": (1/185- رقمي: 362، 363) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (4/180- رقم: 1348) .
(6) لم نقف عليه.
(7) "المستدرك": (1/174) .(1/402)
وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثِ رواه محمَّد بن أبي عَدِي عن محمد بن عمرو عن الزُّهري عن عروة عن فاطمة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " إذا رأيتِ الدم الأسود فأمسكي عن الصَّلاة، وإذا كان الأحمر فتوضَّئي ".
فقال أبي: لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الرِّواية، وهو منكرٌ (1) O.
*****
مسألة (80) : النَّاسية التي لا تمييز لها تحيَّض ستًّا أو سبعًا.
وقال الشَّافعي: لا تحيَّض شيئاً.
لنا:
462- ما روى أحمد: ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عَقيل عن إبراهيم بن محمَّد بن طلحة عن عمران بن طلحة عن أمه حَمنة بنت جَحشِ قالت: كنت أُستحاض حيضةً شديدةً، فجئتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستفتيه وأخبره، فوجدتُه في بيت أختي زينب بنت جَحشِ، فقلت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة. قال: " وما هي؟ " قلت: إني أُستحاض حيضةً كبيرةً شديدةً، فما ترى فيها؟ قد منعتني الصَّلاة والصِّيام! فقال: " أنعتُ لك الكُرسُف (2) ، فإنه يذهب الدَّم ". قالت: هو أكثر من ذلك!
قال: " فاتخذي ثوبًا " (3) . قلت: هو أكثر من ذلك! قال: " فتلجَّمي ".
__________
(1) "العلل": (1/49- 50- رقم: 117) .
(2) في " النهاية ": (3/163- كرسف) : (الكرسف: القطن) ا. هـ
(3) في (ب) : (يوما) !(1/403)
قالت: إنَّما أثج ثجا! فقال لها: " سآمرك بأمرين، أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم ". فقال لها: " إنما هذه ركضةٌ من ركضات الشيطان، فتحيَّضي ستَّة أيَّام، أو سبعة أيَّام في علم الله، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت، واستنقأت، فصلّ أربعًا وعشرين ليلة، أو ثلاثًا وعشرين ليلة، وأيامها، وصلي (1) وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كل شهرٍ، كما تحيض النساء، وكما يطهرن، لميقات حيضهن، وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخِّرين الظهر، وتعجلين العصر، ثُم تغتسلي، وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي، وتغتسلين مع الفجر، وتصلين، وكذلك فافعلي، وصلِّي، وصومي إن قويت على ذلك ". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا أعجبُ الأمرين إليَّ " (2) .
قال أحمد والترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ز: ورواه أبو داود (3) وابن ماجه (4) والحاكم (5) والترمذي، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
__________
(1) (وصلي) غير موجودة في (ب) ولا في "التحقيق" ولا "المسند"، فكأنها مقحمة، والله أعلم.
(2) "المسند": (6/439) .
وفي هامش الأصل: (حـ: فيه من الفقه: أن الغسل لكل صلاة لا يجب، بل يجزئها الغسل لحيضها الذي تجلسه؛ وأن الجمع للمرض جائز؛ وأن جمع الفريضتين بطهارة واحدة جائز، وأن تعيين العدد من الستة والسبعة باجتهادها لا بتشهيها، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حتى إذا رأيت أن قد طهرت واستنقأت ") ا. هـ وهو من كلام المجد ابن تيمية في "المنتقى": (مع النيل- 1/ 372) .
(3) "سنن أبي داود": (1/290- 292- رقم: 291) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/205- رقم: 627) .
(5) "المستدرك": (1/172- 173) .(1/404)
ورواه عبيد الله بن عمرو الرقّي وابن جُريج وشَريك عن عبد الله بن محمَّد بن عَقِيلِ عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمّه عمران عن أمّه حَمنة، إلا أنَّ ابن جريج يقول: (عمر بن طلحة) والصَّحيح: (عمران بن طلحة) .
وسألتُ محمدَا عن هذا الحديث فقال: هو حديثٌ حَسَنٌ. وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ (1) .
وقال أبو داود: رواه عمرو بن ثابتِ عن ابن عَقيل فقال: قالت حَمنة: هذا أعجبُ الأمرين إليَّ. لم يجعله قولَ النَبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو داود: كان عمرو بن ثابت رافضيًّا- وذكره عن يحيى بن معيِن-. هذا آخر كلامه (2) .
وعمرو بن ثابت- هذا-: هو أبو ثابت، ويعرف بـ: ابن أبي المقدام، قال عباس الداوري عن يحيى بن معيِن: ليس بثقةِ، ولا مأمون (3) .
وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث. زاد أبو حاتم: يكتب حديثه، كان ردئ الرأي، شديد التَّشيُّع (4) . وقال النسائي: متروك (5) . وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (6) .
وروى هذا الحديث أيضاً: الدارَقُطني وقال: تفرد به ابن عَقيل،
__________
(1) "الجامع": (1/169- 171- رقم: 128) .
(2) "سنن أبي داود": (1/292- رقم: 291) .
(3) "التاريخ": (3/367- رقم: 1781) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/223- رقم: 1239) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 176- رقم: 450) .
(6) "المجروحون": (2/76) وفيه: (كان ممن يروي الموضوعات، لا يحل ذكره إلا على سبيل الاعتبار) ا. هـ وما بالأصل موافق لما في "تهذيب الكمال" للمزي: (21/558- رقم: 4333) .(1/405)
وليس بالقوي (1) .
وقال الخطَابي: وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث، لأنَّ ابن عَقيل- راويه- ليس بذاك (2) .
وقال البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد بن عَقيل، وهو مختلفٌ في الاحتجاج به (3) .
وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن حديثِ رواه ابن عَقيل عن إبراهيم بن محمد عن عمران بن طلحة عن أمه حَمنة بنت جَحشِ في الحيض، فوهَنه ولم يقوِّ إسناده (4) O.
*****
مسألة (81) : إذا رأت الدَم قبل أيَّامها، أو بعد أيَّامها، ولم يجاوز أكثر الحيض، فما رأته في أيَّامها فهو حيضٌ، وما رأته قبل أيَّامها، أو بعدها، فهو مشكوكٌ فيه، حتى يتكرر ثلاثَا، فيكون حيضَا.
وقال أبو حنيفة: ما رأته قبل أيَّامها فهو استحاضة، حتى تراه في الشهر الثَاني، وما رأته بعد أيَّامها فهو حيضٌ.
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/214- 215) ، ولم نقف على كلام الدارقطني في مطبوعة "السنن" ولا في "العلل"، وهو في " تخريج الأحاديث الضعاف " للغساني: (ص: 92- رقم: 127) .
(2) "معالم السنن": (1/185- رقم: 278) .
(3) "المعرفة": (1/375- رقم: 479) .
(4) "العلل": (1/51- رقم: 123) .(1/406)
وقال الشَافعيُ: ما رأته قبل أيَّامها، وبعد أيَّامها= حيضٌ.
لنا:
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تجلس أيَّام أقرائها، ثم تغتسل ".
وقد سبق (1)
*****
مسألة (82) : أقلُ الحيض يومٌ وليلةٌ.
وقال أبو حنيفة: أقلُه ثلاثة أيَّام، وقال مالك: لا حدَ لأقله.
وللشَافعيٌ قولان: أحدهما: كقولنا. والثَاني: يومٌ.
دليلنا:
أن المرجع في ذلك إلى العرف:
463- فروى الدارَقُطنيُ: ثنا القاسم (2) بن إسماعيل ثنا عبَّاس بن محمَّد ثنا محمَّد بن مصعب (3) قال: سمعت الأوزاعي يقول: عندنا امرأةٌ
__________
(1) انظر الأرقام: (457- 459) .
(2) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي هامش الأصل: (الحسين) وفوقها رمز لم نتبينه، وكذا هو في "سنن الدارقطني".
(3) في (ب) : (محمد بن الحسين مصعب) ، وكأنه رأى (الحسين) في هامش أصله الذي نسخ منه الكتاب فأثبتها هنا خطأ، والله أعلم.(1/407)
تحيض غدوةً، وتطهر عشيَّةَ (1) .
وقال عطاء: رأيت من النِّساء من كانت تحيض يومَا، ومن كانت تحيض خمسة عشر يومَا.
وقال الشَافعيُ (2) : أثبت لي عن امرأة لم تزل تحيض يومَا.
ويقال لمالك: ما عرف حيضٌ أقلُ من يوم.
احتجّوا بأحاديث:
أحدها: قول النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة بنت أبي حُبيش " دعي الصلاة أيَّام أقرائك ". وأقل الأيام ثلاثة.
وقد سبق هذا الحديث (3) .
464- الحديث الثاني: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا عثمان بن أحمد بن السَّمَّاك ثنا إبراهيم [بن الهيثم] (4) البَلَديَّ ثنا إبراهيم بن مهدي المِصَّيصيُ ثنا [حسان] (5) بن إبراهيم الكرمانيُ ثنا عبد الملك سمعتُ العلاء يقول: سمعتُ مكحولاَ يحدث عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقلُ ما يكون الحيض للجارية البكر والثَيب ثلاث، وأكثر ما يكون من المحيض عشرة أيَّام، وإذا رأت الدَّم
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/209) .
(2) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، ولعلها: (ويقال- أو: وقل- للشافعي) ، والله أعلم.
(3) برقم: (457) .
(4) زيادة استدركت من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(5) في الأصل: (حيان) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".(1/408)
أكثر من عشرة أيَّام فهي مستحاضةٌ " (1) .
وقد رواه سليمان بن عمرو عن يزيد بن جابر عن مكحول.
465- قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا أبو حامد محمَّد بن هارون ثنا محمَّد بن أحمد ابن [أنس] (2) ثنا حمَّاد بن المنهال البصريَّ عن محمَّد بن راشد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقلُّ الحيض ثلاثةُ أيَّام، وأكثره عشرة أيَّام " (3) .
466- وقال أبو أحمد بن عَدِي: ثنا أحمد بن الحسن الكرخيُ ثنا الحسن ابن شبيب ثنا أبو يوسف عن الحسن بن دينار عن معاوية بن قُرَة عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحيض: ثلاثة أيَّام، وأربعة، وخمسة، وستَة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، وعشرة، فإذا جاوز العشرة فهي مستحاضة " (4) .
467- وقال العُقيليُ: ثنا جعفر بن محمَّد بن بريق ثنا عبد الرحمن بن [نافع] (5) ثنا أسد بن سعيدٍ البَجَليُ عن محمد بن الحسن الصُّدفي عن عُبادة بن نُسي عن عبد الرحمن بن غَنم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا حيض أقل من ثلاثٍ، ولا فوق عشرٍ " (6) .
468- قالوا: وقد روى حسين بن علوان عن هشام عن أبيه عن عائشة
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/218) .
(2) في الأصل: (إدريس) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(3) "سنن الدارقطني": (1/219) .
(4) "الكامل": (2/301- 302- رقم: 446) تحت ترجمة الحسن بن دينار.
(5) في الأصل و (ب) : (قانع) ، والتصويب من "الضعفاء الكبير"، وفي "التحقيق": (عبد الرحمن عن نافع) خطأ، وانظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/294- رقم: 1395) .
(6) "الضعفاء الكبير": (4/51- رقم: 1604) .(1/409)
عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه قال: " أكثر الحيض عشرٌ، وأقلُه ثلاثٌ ".
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَل: فإنَّما قال لفاطمة: " دعي الصلاة أيَّام أقرائك ".
على الأغلب، والأغلب وجود أيَّام [في] (1) الحيض.
وباقي الأحاديث: ليس فيها ما يصحُ:
أمَّا حديث أبي أمامة: ففي طريقه الأوَّل: عبد الملك، قال الدَارَقُطْنيُ: هو رجل مجهولٌ (2) .
قال: والعلاء بن كثيِر ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئاً (3) .
قلت: قال أحمد بن حنبل: العلاء بن كثيِر ليس بشيءٍ (4) . وقال أبو زرعة: واهي الحديث (5) . وقال ابن حِبَان: يروي الموضوعات عن الأثبات (6) .
وأمَّا طريقه الثاني: فإن سليمان بن عمرو هو: أبو داود النخعيُ، قال أحمد: هو كذَّابٌ (7) . وسئل مرةَ: أيضع الحديث؟ فقال: نعم، أبو
__________
(1) زيادة من (ب) ، وفي "التحقيق": (أيام الحيض في الحيض) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/218) .
(3) الموضع السابق.
(4) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (3/347- رقم: 1379) ، وفيه: (حديثه ليس بشيء) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/360- رقم: 1987) وفيه: (ضعيف الحديث، واهي الحديث) .
(6) "المجروحون": (2/181- 182) .
(7) "العلل" برواية عبد الله: (2/542- رقم: 3569) .(1/410)
داود النخعي كان يضع الحديث (1) . وقال شَريك: ذاك كذَاب النَّخَع (2) .
وقال يحيى: هو ممن يعرف بالكذب ووضع الحديث (3) . وقال مرَّةَ: رجل سوءَ كذَّابٌ (4) . وقال يزيد بن هارون: لا يحل لأحدِ أن يروي عنه (5) .
وقال البخاري: هو معروفٌ بالكذب (6) . وأخبرنا أبو منصور القَزَّاز: أنا أبو بكر أحمد بن علي أنا ابن الفضل أنا عبد الله بن جعفر أنا يعقوب بن سفيان (7) قال: أبو داود النَّخَعي، رجل سوءَ، كذاب، كان يكذب مجاوبه. قال إسحاق (8) : أتيناه فقلنا له: أي شيءَ تعرف في: أقلِّ الحيض وأكثره، وما بين الحيضتين من الطهر؟ فقال: الله أكبر! حدَثني يحيى بن سعيدِ عن سعيد بن المسيَّب عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثنا أبو طوالة عن أبي سعيد الخدريِّ، وجعفر بن محمد عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أقل الحيض ثلاثٌ، وأكثره عشرٌ، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يومًا ". وكان هو و [أبو] (9) البختري يضعان
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (3/245- رقم: 733) من رواية أبي طالب، وفيه: (كان يضع الأحاديث الكاذبة) ا. هـ
(2) "العلل" لأحمد- برواية عبد الله-: (2/542- رقم: 3569) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (3/246- رقم: 733) من رواية ابن أبي مريم.
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (3/554- 555- رقم: 2716) ؛ ورواية ابن طهمان: (ص: 76- رقم: 218) .
(5) "الجامع" للترمذي: (العلل الصغير- 6/233) .
(6) في "التاريخ الكبير": (4/28- رقم: 1853) : (معروف بالكذب قال [قال المعلمي: كذا، والظاهر: قاله] قتيبة وإسحاق) ا. هـ، وفي "الضعفاء الصغير": (ص: 442- رقم: 144) : (معروف بالكذب. سمعت قتيبة يقوله) ا. هـ، وفي " التاريخ الأوسط ": (2/205) : (رماه قتيبة وإسحاق بالكذب) ا. هـ
وأورد الخطيب البغدادي في "تاريخه": (9/20- رقم: 4613) العبارة السابقة من كلام البخاري، من رواية محمد بن إبراهيم بن شعيب عنه.
(7) هو في " المعرفة والتاريخ ": (3/57) .
(8) في هامش الأصل: (حـ: هو ابن راهويه) ا. هـ
(9) في الأصل: (وأبوه) خطأ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".(1/411)
الحديث (1) .
وأما حديث واثلة بن الأسقع: فقال الدَارَقُطْنيُ: حمَّاد بن المنهال مجهولٌ، ومحمد بن أحمد بن أنسِ ضعيفٌ (2) .
قال ابن حِبان: ومحمد بن راشدِ كان يأتي بالشيء على التوهُم، وكثرت المناكير في روايته، فاستحق ترك الاحتجاج به (3) .
وأما حديث أنس: ففيه: الحسن بن دينارِ، وقد كذَّبه العلماء، منهم: شعبة (4) .
وفيه: الحسن بن شبيب، قال ابن عَدِي: حدَّث عن الثقات ببواطيل (5) .
قال: وهذا الحديث يعرف بالجلد بن أيُّوب عن معاوية بن قُرَّة (6) .
[قلت] (7) : كان إسماعيل بن عليَة يرمي الجلْد بن أيُّوب بالكذب (8) .
وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئاً (9) . قال: وليس لهذا الحديث أصلٌ (10)
__________
(1) "تاريخ بغداد" للخطيب: (9/20- رقم: 4613) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/219) .
(3) "المجروحون": (2/253) مع اختلاف يسير.
(4) لعله يشير إلى حكاية في ذلك وأوردها ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (3/11- رقم: 37) ، ولم نقف على نص من شعبة في تكذيبه وابن الجوزي نفسه لم يذكر في "الضعفاء": (1/201- رقم: 815) شيئاً من ذلك عن شعبة، والله أعلم.
(5) "الكامل": (2/330- رقم: 464) .
(6) "الكامل": (2/302- رقم: 446) .
(7) في الأصل: (قالت) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(8) "المجروحون" لابن حبان: (1/211) .
(9) "العلل" برواية عبد الله: (1/391- رقم: 775) وفيه: (ليس يسوى حديثه شيئاً) .
(10) انظر: "التاريخ" لأبي زرعة الدمشقي: (2/684- رقم: 2094- 2095) ، و"الأوسط" لابن منذر: (2/229- رقم: م 272) ؛ و"سنن الدارقطني": (1/210) .(1/412)
وقال الدَّارَقُطنيُّ: متروكٌ (1) .
وأمَّا حديث معاذ بن جبل: ففيه محمد بن الحسن، قال العقيليُّ: هو مجهولٌ، وحديثه غير محفوظِ (2) . قال (3) : وقد روى هذا الحديث محمَّد بن سعيدِ المصلوب عن عبادة بن نُسي، وليس ذاك بشيءٍ أصلاً.
وأمَّا حديث عائشة: فيرويه الحسين بن علوان، قال أبو حاتم بن حِبان: كان يضع الحديث، لا يحلُّ كتب حديثه، كذَّبه أحمد ويحيى (4) .
*****
مسألة (83) : أكثر الحيض خمسة عشر يومًا.
وقال أبو حنيفة: عشرة.
وهو يحتج بالأحاديث التي قدَّمناها، وقد تكلَّمنا عليها (5) .
وأصحابنا قد ذكروا أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلِّ ".
__________
(1) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 168- رقم: 141) .
(2) "الضعفاء الكبير": (4/51- رقم: 1604) ، وفيه: (ليس بمشهور بالنقل، وحديثه غير محفوظ) ا. هـ
(3) كذا بالأصل و (ب) ، وكلمة (قال) غير موجودة في "التحقيق" ولا في " العلل المتناهية " لابن الجوزي: (1/382- رقم: 639) ، والكلام الذي بعدها لم نجده في " الضعفاء الكبير " للعقيلي، فقد يكلون من كلام ابن الجوزي، والله أعلم.
(4) "المجروحون": (1/244- 245) ، وليس في المطبوع كلمة: (ويحي) ، ثم وجدناه في الطبعة التي حققها الشيخ حمدي السلفي: (1/297- رقم: 228) .
(5) في المسألة السابقة.(1/413)
وهذا لفظ لا أعرفه.
*****
مسألة (84) : الحامل لا تحيض.
وقال مالك والشَّافعيُ- في أحد قوليه-: تحيض.
لنا:
469- ما روى أحمد: ثنا أسود بن عامر أنا شَريك عن أبي إسحاق وقيس بن وهبٍ عن أبي الوَدَاك عن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قال] (1) في سبي أوطاس: " لا تُوطأ حاملٌ حتَّى تضع، ولا غير حامل حتَّى تحيضَ حيضةً" (2) .
قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله: ما ترى في الحامل ترى الدم، تمسك عن الصلاة؟ قال: لا. قلت: أيُّ شيءً أثبت في هذا الباب؟ فقال: أنا أذهب في هذا إلى حديث محمَّد بن عبد الرحمن- مولى آل طلحة- عن سالم عن أبيه أنَّه طلَق امرأته وهي حائضٌ، فسأل عمر النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " مُرْه فليراجعها، ثم يطلقها طاهرًا، أو حاملاً ". فأقام الطهر مقام الحمل. فقلت: [فكأنَّك] (3) ذهبت بهذا الحديث إلى أن الحامل لا تكون إلا طاهرًا. قال: نعم (4) .
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (3/62) .
(3) في " الأصل ": (فإنك) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق".
(4) انظر: "الأوسط" لابن المنذر: (2/241) ؛ و" الإمام " لابن الدقيق: (3/229- 230) .(1/414)
ز: حديث أبي سعيد: رواه أبو داود (1) ، وإسناده حسن.
وأبو الوَدَّاك: اسمه: جبر بن نَوف، من رجال " الصَّحيح " (2) .
وحديث ابن عمر: رواه مسلمٌ (3) وأصحاب السُّنن (4) .
وفي الاستدلال بالحديثين على أنَ الحامل لا تحيض نظرٌ O.
*****
مسألة (85) : لانقطاع الحيض غاية، وفيها روايتان:
إحداهما: خمسون سنة. والأخرى: ستون.
وقال أصحاب الشَافعيٌ: لا غاية له.
واستدل أصحابنا بقول عائشة: لن ترى المرأة ولدًا في بطنها بعد [خمسين] (5) سنة.
*****
__________
(1) "سنن أبي داود": (3/52- رقم: 2150) .
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/119- رقم: 217)
(3) "صحيح مسلم": (4/181) ؛ (2/1095- رقم: 1471) .
(4) "سنن أبي داود": (3/64- 65- رقم: 2174) ؛ و"الجامع" للترمذي: (2/465 - رقم: 1176) ؛ و"سنن النسائي": (6/141- رقم: 3397) ؛ و" سنن ابن ماجه ": (1/652- رقم: 2023) .
(5) في الأصل و (ب) : (خمسون) ، والمثبت من "التحقيق".(1/415)
مسألة (86) : أكثر النَّفاس أربعون يومًا.
وقال الشافعيُّ: ستون.
لنا أحاديث:
470- قال الترمذي: ثنا نصر بن علي ثنا شجاع بن الوليد عن عليٌ ابن عبد الأعلى عن أبي سهلٍ عن مُسة (1) الأَزديةَ عن أمِّ سلمة قالت: كانت النُفساء تجلس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أربعين] (2) يومَا، وكنَّا نَطلي وجوهنا بالوَرس من الكَلَفِ (3) .
قال البخاري: علي بن عبد الأعلى ثقةٌ، وأبو سهل ثقةٌ (4) .
ز: رواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) وابن ماجه (7) والدَارَقُطني وقال: مُسَّة لا تقوم بها حجَّة (8) .
وقال [الترمذي] (9) : هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: مُسَّة أمُّ بُسَّة) ا. هـ
(2) في الأصل: (أربعون) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"الجامع".
(3) في " النهاية ": (5/173- ورس) : (الورس: نبت أصفر يصبغ به) ا. هـ
وفي " القاموس ": (ص: 1099- الكلف) : (الكلَف.... ومحركة: شيء يعلو الوجه كالسمسم، ولونْ بين السواد والحمرة، وحمرةٌ كدرة تعلو الوجه) ا. هـ
(4) "الجامع": (1/182- رقم: 139) ، وستأتي تتمة كلام الترمذي.
(5) "المسند": (6/300، 303، 304، 309- 310) .
(6) "سنن أبي داود": (1/302- رقم: 315) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/213- رقم: 648) .
(8) "سنن الدارقطني": (1/221- 222) ، ولم نر كلامه في مُسَّة الأزدية في مطبوعة " السن "، ولعله ساقط أو في رواية أخرى، فقد أورده الغساني في " تخريج الأحاديث الضعاف في سنن الدارقطني ": (ص: 97- رقم: 139) .
(9) في الأصل و (ب) : (الدارقطني) ، ولكنها صححت في هامش الأصل، فكتب: (ص: الترمذي) .(1/416)
مُسَّة عن أمِّ سلمة، واسم أبي سهل: كثير بن زياد، ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل.
وقال أحمد في عليِّ بن عبد الأعلى: ليس به بأسٌ (1) . وقال أبو حاتم: ليس بقويٍّ (2) .
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: أبو سهل كثير بن زياد ثقة (3) . وقال أبو حاتم: ثقةٌ من أكابر أصحاب الحسن (4) O.
471- وقال الدَارَقُطْنيُ: ثنا يزداد بن عبد الرحمن ثنا أبو سعيدِ الأشج ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سلَّام بن [سَلم] (5) عن حُميد عن أنسِ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وقت النُفساء أربعون يومَا، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " (6) .
ز: روى ابن ماجه لسلَّام هذا الحديث الواحد (7) O.
472- وقال الدَارَقُطنيُ: ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيدِ ثنا أبو شيبة ثنا أبو بلال (8) ثنا أبو شهاب عن هشام بن حسَان عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: وقَت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء في نفاسهن [أربعين] (9) يومًا.
__________
(1) "العلل" برواية عبد الله: (3/283- رقم: 5259) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/196- رقم: 1075) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (7/151- رقم: 842) .
(4) المرجع السابق.
(5) في الأصل: (سالم) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(6) "سنن الدارقطني": (1/220) ، وقال: (لم يروه عن حميد غير سلام هذا، وهو سلام الطويل، وهو ضعيف الحديث) ا. هـ
(7) "سنن ابن ماجه": (1/213- رقم: 649) .
(8) في هامش الأصل: (قيل: اسمه: مرداس بن محمد) ا. هـ
(9) في الأصل: (أربعون) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".(1/417)
قال أبو بلال: ثنا حِبَان (1) عن عطاء [عن] (2) عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله (3) .
473- قال الدَارَقُطنِي: وثنا عبد الباقي بن قانع ثنا موسى (4) بن زكريا ثنا عمرو بن الحُصَين ثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن عَبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تنتظر النفساء [أربعين] (5) ليلة، فان رأت الطَّهر قبل ذلك فهي طاهر، وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة، تغتسل، وتصلّي، فإن غلبها الدَّم توضَّأَت لكلّ صلاة" (6) .
474- وقد روى حسين بن علوان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: وقَّت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنُّفساء أربعين يومَا إلا أن ترى الطهر قبل، فتغتسل وتصلِّي، ولا يقربها زوجها في الأربعين.
هذه الأحاديث ليس فيها ما يصحُّ:
أمَّا الأوَل: فلم يروه عن حُميد غير سلَّام الطَّويل، قال يحيى بن معينِ: لا يكتب حديثه (7) . وقال النَسائي (8) والدارَقُطني (9) : متروكٌ. وقال
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: هو: أبو علي العنزي، أخو مندل) ا. هـ
(2) في الأصل: (ابن) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق".
(3) "سنن الدارقطني": (1/220) .
(4) في "التحقيق": (أبو موسى) خطأ.
(5) في الأصل: (أربعون) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(6) "سنن الدارقطني": (1/221) .
(7) "الكامل" لابن عدي: (3/299- رقم: 766) من رواية ابن أبي مريم عنه، وفيه: (ضعيف لا يكتب حديثه) ا. هـ
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 113- رقم: 237) وفيه: (متروك الحديث) .
(9) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 233- رقم: 265) .(1/418)
عبد الرحمن بن يوسف بن خِرَاشِ: كذَّاب (1) .
قال الدَارَقُطنيُ: وأبو بلال الأشعريُّ ضعيفٌ، وعطاء هو: ابن عجلان، متروك الحديث (2) .
وعمرو بن الحصين وابن علاثة: متروكان.
قال ابن حِبَان: وكان حسين بن علوان يضع الحديث، كذَّبه أحمد ويحيى (3) .
475- وقد روى أصحابنا عن أبي هريرة أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا مضى أربعون فهي مستحاضة، تغتسل وتصلِّي".
وما أعرف هذا الحديث.
*****
__________
(1) "تاريخ بغداد": (9/197- رقم: 4774) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/220) .
(3) "المجروحون": (1/245) ، وانظر ما تقدم: (ص: 413) .(1/419)
كتاب الصلاة(2/5)
مسائل الأوقات
مسألة (87) : تجب الصَّلاة بأوَّل الوقت وجوباً موسعاً.
وقال الحنفيُّون: بآخر الوقت.
لنا:
476- ما روى الدارقطني: وجدت (1) في أصل كتاب أحمد بن عمرو ابن جابر بخطَِّه: ثنا علي بن عبد الصَّمد الطَّيالِسيُّ ثنا هارون بن سفيان ثنا عتيق ابن يعقوب ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّفق الحُمْرة، فإذا غاب الشَّفق وجبت الصلاة " (2) .
ز: رواه الدارقطني أيضاً موقوفاً من قول ابن عمر (3) ، وهو أشبه، وقال البيهقيُّ: الصحيح أنه موقوفٌ (4) O.
* * * * *
__________
(1) في هامش الأصل: (خ: قرأت) ا. هـ وهو موافق لما في مطبوعة "سنن الدارقطني".
(2) "سنن الدارقطني": (1/269) .
(3) المرجع السابق.
(4) "سنن البيهقي": (1/373) .(2/7)
مسألة (88) : آخر وقت الظُّهر إذا صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله من موضع الزَّوال.
وقال أبو حنيفة: إذا صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثليه.
وقال مالكٌ: يمتد وقت الإدراك إلى غروب الشَّمس.
لنا أحاديث، منها:
477- ما روى أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن عيَّاش بن أبي ربيعة عن حكيم بن [حكيم] (1) قال: أخبرني نافع ابن جُبير بن مُطعِم قال: أخبرني [ابن] (2) عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمَّني جبريل عند البيت مرَّتين، فصلَّى بي الظُّهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشِّراك (3) ، ثمَّ صلَّى العصر حين كان كلُّ شيءٍ مثل ظلِّه، ثمَّ صلَّى المغرب حين وجبت الشَّمس وأفطر الصَّائم، ثمَّ صلَّى العشاء حين غاب الشَّفق، ثمَّ صلَّى الفجر حين برق الفجر، وحرم الطَّعام على الصَّائم؛ وصلَّى المرَّة الثَّانية الظُّهر حين كان ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله لوقت العصر بالأمس، ثمَّ صلى العصر حين صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثليه، ثمَّ صلَّى المغرب لوقته الأوَّل، والعشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثمَّ صلَّى الصُّبح حين أسفرت الأرض، ثمَّ التفت إليَّ جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين " (4) .
__________
(1) في الأصل: (حزام) ، والتصويب من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(2) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(3) في " النهاية ": (2/467 - 468 - شرك) : (الشراك: أحد سيور النعل التي تكون على وجهها ... إلخ) ا. هـ
(4) "المسند": (1/333) مع اختلاف كثير في لفظه، ويبدو أن اللفظ الذي ساقه هو لفظ الترمذي فإنه مطابق له تمامًا، وكثيرًا ما يفعل هذا رحمه الله، يسوق إسناد أحد الأئمة ثم يورد لفظ الحديث لإمام آخر.(2/8)
478- قال أحمد: وثنا يحيى بن آدم ثنا ابن المبارك عن حسين بن عليِّ ابن حسين حدَّثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه جبريل، فقال: قم فصلِّ. فصلَّى الظُّهر حين زالت الشَّمس، ثمَّ جاءه العصر، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى العصر حين صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله، ثمَّ جاء المغرب، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى حين وجبت الشَّمس، ثمَّ جاءه العشاء فقال: قم فصلِّه. فصلَّى حين غاب الشَّفق، ثمَّ جاءه الفجر، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى حين برق الفجر - أو قال: حين سطع الفجر -، ثمَّ جاءه من الغد الظُّهر، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى الظُّهر حين صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثله، ثمَّ جاءه العصر، فقال: قم فصلِّه. فصلَّى العصر حين صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثليه، ثمَّ جاءه المغرب وقتًا واحدًا، لم يزل عنه، ثمَّ جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل - أو قال: ثلث الليل - فصلَّى العشاء، ثمَّ جاءه الفجر حين أسفر جدًّا، فقال: قم [فصلِّه] (1) . فصلَّى الفجر، ثم قال: ما بين هذين وقتٌ (2) .
قال التِّرمذيُّ: حديث ابن عباس حديث حسنٌ، وقال البخاريُّ: أصحُّ حديثٍ في المواقيت حديث جابر (3) .
ز: حديث ابن عباس: رواه الإمام أحمد أيضًا: عن وكيع (4) وأبي
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (3/330 - 331) .
(3) "الجامع": (1/197 - رقم: 150) .
وفي هامش الأصل: (حـ: قال الترمذي في حديث جابر: روى عطاء وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر نحوه.
وروى تمَّام في الجزء السادس من " فوائده " حديث جابر في [] من رواية برد بن سنان عن عطاء عنه) ا. هـ وما بين المعقوفتين كلمة لم نتمكن من قراءتها، وانظر: " الروض البسَّام " للفهيد: (1/277 - رقم: 241) .
(4) "المسند": (1/354) .(2/9)
نُعيم (1) عن سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث.
ورواه أبو داود: عن مسدَّد عن يحيى عن سفيان عن عبد الرَّحمن بن فلان بن أبي ربيعة.
قال أبو داود: هو عبد الرَّحمن بن الحارث بن عيَّاش بن أبي ربيعة (2) .
ورواه التِّرمذيُّ: عن هنَّاد عن عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناد عن عبد الرَّحمن ابن الحارث (3) .
ورواه أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه": عن أحمد بن عَبْدة عن مغيرة ابن عبد الرَّحمن عن عبد الرَّحمن بن الحارث؛ وعن بُنْدَار عن أبي أحمد، وعن [سلم] (4) بن جُنادة عن وكيع كلاهما (5) عن سفيان بنحوه (6) .
وعبد الرَّحمن هو: ابن الحارث بن عبد الملك بن عياش بن أبي ربيعة، تكلم فيه الإمام أحمد، وقال: هو متروك الحديث - كذا حكاه المؤلف في "الضعفاء" عن أحمد (7) -. وقال يحيى بن معين: صالح (8) . وقال ابن نُمير: لا أُقْدِم على ترك حديثه (9) . وقال أبو حاتم: شيخٌ (10) . وقال
__________
(1) "المسند": (1/333) .
(2) "سنن أبي داود": (1/339 - رقم: 396) .
(3) "الجامع": (1/195 - 196 - رقم: 149) .
(4) في الأصل: و (ب) : (سالم) ، والتصويب من "صحيح ابن خزيمة".
(5) أي: أبو أحمد ووكيع.
(6) "صحيح ابن خزيمة": (1/168 - رقم: 325) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (2/92 - رقم: 1862) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/224 - رقم: 1057) من رواية ابن أبي خيثمة.
(9) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (2/92 - رقم: 1862) .
(10) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/224 - رقم: 1057) .(2/10)
النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (1) . ووثَّقه محمد بن سعدٍ (2) وابن حِبَّان (3) .
وأمَّا حَكيم: فهو ابن حَكيم بن عبَّاد بن حُنيف الأنصاريُّ الأوسيُّ المدنيُّ، ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" (4) ، وقال محمد بن سعدٍ: كان قليل الحديث، ولا يحتجُّون بحديثه (5) .
وأمَّا حديث جابر: فرواه التِّرمذيُّ عن أحمد بن محمد بن موسى (6) .
ورواه النَّسائيُّ عن سُويد (7) .
ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البُستيُّ عن الحسن بن سفيان عن حِبَّان (8) .
كلُّهم عن ابن المبارك.
ورواه الحاكم وصحَّحه (9) .
وحسين بن عليِّ بن حسين بن عليِّ بن أبي طالب: يقال له: حسين الأصغر، أخو أبي جعفر محمد بن عليِّ بن الحسين، قال النَّسائيُّ: ثقةٌ (10) .
وذكره ابن حِبّان في كتاب "الثِّقات" (11) O.
* * * * *
__________
(1) "تهذيب الكمال" للمزي: (17/38 - رقم: 3787) .
(2) "الطبقات الكبرى": (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة - ص: 269 - رقم: 148) .
(3) "الثقات": (7 /69 - 70) .
(4) "الثقات": (6/214) .
(5) "الطبقات الكبرى": (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة - ص: 298 - رقم: 196) .
(6) "الجامع": (1/196 - رقم: 150) .
(7) "سنن النسائي": (1/263 - رقم: 526) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (4/335 - 336 - رقم: 1472) .
(9) "المستدرك": (1/195 - 196) .
(10) "تهذيب الكمال" للمزي: (6/396 - رقم: 1322) .
(11) "الثقات": (6/205 - 206) .(2/11)
مسألة (89) : للمغرب وقتان: فالأوَّل: الغروب؛ والثَّاني: إلى غيبوبة الشَّفق.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: وقتٌ واحدٌ.
لنا ستَّة أحاديث:
478/ أ - الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا محمد بن فُضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ للصَّلاة أولاً وآخرًا، وإنَّ أوَّل وقت صلاة الظُّهر: حين تزول الشَّمس، وآخر وقتها: حين يدخل وقت العصر، وإنَّ أوَّل وقت العصر: حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها: حين تصفرُّ الشَّمس، وإنَّ أوَّل وقت المغرب: حين تغرب الشَّمس، وإن آخر وقتها: حين يغيب [الأفق] (1) ، وإنَّ أوَّل وقت عشاء (2) الآخرة: حين يغيب [الأفق] (3) ، وإنَّ آخر وقتها: حين ينتصف الليل، وإنَّ أوَّل وقت الفجر: حين يطلع الفجر، وآخر وقتها: حين تطلع الشَّمس" (4) .
قالوا: قد قال البخاريُّ: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصحُّ من حديث ابن فُضيل عن الأعمش؛ وحديث ابن فُضيل خطأٌ، أخطأ فيه ابن فُضيل (5) .
وكذلك قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يصحُّ حديث ابن فُضيل مسندًا، وهم ابن
__________
(1) في الأصل: (الشفق) ، والمثبت من "التحقيق" و"المسند".
(2) من قوله: (وقت المغرب) إلى هنا سقط من (ب) .
(3) في الأصل: (الشفق) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(4) "المسند": (2/232) .
(5) "الجامع" للترمذي: (1/198 - رقم: 151) .(2/12)
فُضيل في إسناده، وغيره يرويه عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً (1) .
قلنا: ابن فُضيل ثقةٌ، فيجوز أن يكون الأعمش قد سمعه من مجاهد مرسلاً، وسمعه من أبي صالح مسندًا.
ز: روى هذا الحديث التِّرمذيُّ: عن هنَّاد عن ابن فُضيل عن الأعمش (2) .
ورواه: عن هنَّاد عن أبي أسامة عن أبي إسحاق الفَزَاريِّ عن الأعمش عن مجاهد قال: كان يقال: [إنَّ] (3) للصَّلاة أولاً وآخرًا ... فذكر نحوه، وحكى كلام البخاريِّ (4) .
وقال العبَّاس بن محمد الدُّوريُّ: سمعت يحيى بن معين يضعِّف حديث محمد بن فُضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - أحسب يحيى يريد: "إنَّ للصَّلاة أولاً وآخرًا ... " -، وقال: إنَّما يروى عن الأعمش عن مجاهد (5) .
وقال في موضع آخر من "التَّاريخ": حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ للصَّلاة أولاً وآخرًا ... " رواه النَّاس كلُّهم عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً (6) O.
479- الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا أحمد بن مَنِيع ثنا إسحاق
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/262) .
(2) "الجامع": (1/197- 198 - رقم: 151) .
(3) زيادة من (ب) و"الجامع".
(4) "الجامع": (1/199 - رقم: 151 م) .
(5) "التاريخ": (3/393 - رقم: 1909) .
(6) "التاريخ": (4/66 - رقم: 3175) .(2/13)
ابن يوسف الأزرق عن سفيان عن علقمة بن مَرْثَد عن سليمان بن بُريدة عن أبيه قال: أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلٌ فسأله عن مواقيت الصَّلاة، فقال: "أقم معنا".
فأمر بلالاً فأقام، فصلَّى حين طلع الفجر؛ ثمَّ أمره فأقام حين زالت الشَّمس، فصلَّى الظُّهر؛ ثمَّ أمره فأقام فصلَّى العصرَ والشَّمسُ بيضاءُ مرتفعةٌ؛ ثمَّ أمره بالمغرب حين وقع حَاجِبُ الشَّمسِ؛ ثمّ َأمره بالعشاء فأقام حين غابَ الشَّفَقُ؛ ثمَّ أمره من الغد فنوَّر بالفجر؛ ثمَّ أمره بالظُّهر، وأنعم أن يبرد بها؛ ثمَّ أمره بالعصر، فأقام والشَّمسُ آخر وقتها؛ ثمَّ أمره فأخَّر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشَّفق؛ ثمَّ أمره بالعشاء، فأقام حين ذهب ثلثُ الليل؛ ثمَّ قال: " أين السَّائل عن مواقيت الصَّلاة؟ ". قال الرَّجل: أنا. فقال: " مواقيتُ الصَّلاة بين هذين ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (1) .
ز: رواه مسلمٌ عن زهير بن حربٍ وغيره عن إسحاق الأزرق، وعن إبراهيم بن محمد بن عَرْعَرةَ عن حَرَمي بن عمارة عن شُعبة عن عَلْقمة بن مَرْثدٍ (2) .
ورواه النَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) أيضًا O.
480- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا أحمد بن عليِّ بن العلاء ثنا يوسف بن موسى ثنا الفضل بن دكين ثنا بدر بن عثمان حدَّثنا أبو بكر ابن أبي موسى عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتاه سائلٌ يسأله عن مواقيت
__________
(1) "الجامع": (1/199 - رقم: 152) وفيه: (حسن غريب صحيح) ، وفي "تحفة الأشراف": (2/72 - رقم: 1931) : (حسن صحيح غريب) .
(2) "صحيح مسلم": (2/105 - 106) ؛ (فؤاد - 1/428 - 429 - رقم: 613) .
(3) "سنن النسائي": (1/258 - 259 - رقم: 519) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/219 - رقم: 667) .(2/14)
الصَّلاة، فأمر بلالاً فأقام ... - وذكر نحو حديث بريدة، وقال: - " الوقت مابين هذين " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
481- الحديث الرَّابع: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الصَّمد ثنا همَّام ثنا قتادة عن أبي أيُّوب عن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " وقت الظُّهر إذا زالت الشَّمس، وكان ظلُّ كل شيءٍ [كطوله] (3) ، ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفرَّ الشَّمسُ، ووقت المغرب ما لم يغب الشَّفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشَّمس " (4) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (5) .
ز: في بعض ألفاظ مسلم: " ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشَّمس ما لم يسقط [الشَّفق] " (6) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/262) .
(2) "صحيح مسلم": (2/106 - 107) ، (فؤاد - 1/429 - رقم: 614) .
وفي هامش الأصل حاشية لم يظهر منها إلا: (.... في صحتها، فضعفها بعضهم، ورأى بعضهم أن بعضها يشدُّ بعضًا، وإن كانت عن الرجل الذي ليس بمشهور.... - ثم قال في أثناء كلامه -: بدر بن عثمان ليس بالمشهور) ا. هـ
ويبدو أن هذا من كلام أبي العباس بن سريج، فقد قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": (1/370 - رقم: 780) : (وقال أبو العباس بن شريح [كذا، وصوابه: سريج] في كتاب " الرد على ابن داود ": بدر بن عثمان ليس بالمشهور) ا. هـ والله أعلم.
(3) في الأصل: (طوله) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(4) "المسند": (2/210) مع اختلاف يسير.
(5) "صحيح مسلم": (2/104 - 105) ؛ (فؤاد - 1/426 - 428 - رقم: 612) .
(6) "صحيح مسلم": (2/105) ؛ (فؤاد - 1/428 - رقم: 612) .
وكلمة (الشفق) استدركت من (ب) و"صحيح مسلم".(2/15)
وفي لفظٍ: " ووقت المغرب ما لم يسقط ثَوْرُ الشَّفق " (1) O.
482- الحديث الخامس: قال أحمد: حدثنا سفيان عن الزهري عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا حضر العشاء، وأقيمت الصلاة، فأبدءوا بالعشاء " (2) .
483- طريقٌ آخر: قال البخاريُّ: ثنا يحيى بن بُكير ثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهابٍ عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قُدِّم العشاء، فابدءوا به قبل أن تصلُّوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا (3) عن عشائكم " (4) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (5) .
484- الحديث السادس: قال البخاريُّ: ثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا وُضع عشاء أحدكم، وأقيمت الصَّلاة، فأبدءوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه " وكان ابن عمر يوضع له الطعام، وتقام الصَّلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام (6) .
أخرجه مسلم (7) .
__________
(1) "صحيح مسلم": (2/104) ؛ (فؤاد - 1/427 - رقم: 612) .
وفي " النهاية ": (1/229 - ثور) : (ثور الشفق: أي انتشاره، وثوران حمرته، من ثار الشيء يثور إذا انتشر وارتفع) ا. هـ
(2) "المسند": (3/110) .
(3) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (بضم المثناة وبفتحها، والجيم مفتوحة فيهما، ويروى بضم أوله وكسر الجيم) ا. هـ
(4) "صحيح البخاري": (2/171) ؛ (فتح - 2/159 - رقم: 672) .
(5) "صحيح مسلم": (2/78) ؛ (فؤاد - 1/392 - رقم: 557) .
(6) "صحيح البخاري": (1/171) ؛ (فتح - 2/159 - رقم: 673) .
(7) "صحيح مسلم": (2/78) ؛ (فؤاد - 1/392 - رقم: 559) .(2/16)
احتجُّوا بأحاديث:
أحدها: حديث ابن عبَّاس: " ثُمَّ صلَّى المغرب لوقته الأوَّل ".
وقد سبق بإسناده (1) .
والثَّاني: حديث جابرٍ، وهو مثلُ حديث ابن عباس، وقد ذكرناه (2) ، وفيه: ثمَّ جاءه المغرب في المرََّة الثَّانية حين غابت الشَّمس وقتًا واحدًا.
485- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعدٍ ثنا حميد بن الرَّبيع ثنا محبوب بن الجهم ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل حين طلع الفجر ... - فذكر الحديث، وقال في المغرب: - ثم أتاني حين سقط القُرْص، فقال: قم فصلِّ، ثم أتاني من الغد حين سقط القُرْص، فقال: قم فصلِّ " (3) .
486- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا أحمد بن عليٍّ الخزَّاز ثنا سعيد بن سليمان ثنا أيُّوب بن (4) عُتبة ثنا أبو بكر بن عمرو بن حَزْم عن عروة بن الزُّبير عن ابن أبي مسعود عن أبيه - إن شاء الله -: أنَّ جبريل عليه السَّلام أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.... - فذكر المواقيت -، ثمَّ أتاه من الغد حين غابت الشَّمس وقتًا واحدًا (5) .
487- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرميُّ ثنا (6)
__________
(1) برقم: (477) .
(2) برقم: (478) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/259) .
(4) في (ب) : (عن) خطأ.
(5) "سنن الدارقطني": (1/261) .
(6) في (ب) : (بن) خطأ.(2/17)
الحسين بن حُريث ثنا الفضل بن موسى السيناني ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا جبريل يعلمكم دينكم ... - فذكر المواقيت، وقال فيه: - ثم صلى المغرب حين غربت الشَّمس، وكذلك صلاها في اليوم الثاني " (1) .
488- وقال أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى ثنا ابن لَهِيعة ثنا بكير (2) بن الأشج عن عبد الملك بن سعيد بن سُويد الساعدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمَّني جبريل ... - فذكر الحديث، وفيه: - وصلَّى المغرب حين غابت الشَّمس - في اليومين - " (3) .
489- قال أحمد: وثنا قتيبة ثنا عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم " (4) .
490- قال أحمد: وحدثنا إسماعيل أنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني قال: قدم علينا أبو أيّوب غازياً - وعقبة بن عامر يومئذٍ على مصر - فأخَّر المغرب، فقام إليه أبو أيّوب، فقال: ما هذه الصَّلاة يا عقبة؟! قال: شُغلنا. قال: أما والله، ما بي إلاَّ أن يظن الناس أنك
__________
(1) سنن الدارقطني: (1/261) .
وفي هامش الأصل: (حـ: روى الحاكم حديث عمر بن عبد الرحمن بن أسيد عن محمد بن جعفر المؤذن أنه سمع أبا هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثهم أن جبريل أتاه، فصلى به الصلوات في وقتين، إلاَّ المغرب، قال: " جاء في المرتين حين غاب الشَّفق " ا. هـ انظر: "المستدرك": (1/194) .
(2) في مطبوعة "المسند": (بكر) خطأ.
(3) "المسند": (3/30) .
(4) "المسند": (5/415) .(2/18)
قد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع هذا! أما سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تزال أمتي بخير - أو: على الفطرة -، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " (1) .
والجواب عن هذه الأحاديث:
أنه قد طعن في أكثرها:
ففي إسناد حديث ابن [عمر] (2) : حميد بن الرَّبيع، قال يحيى: هو كذَّاب (3) . وقال النَّسائيُّ: ليس بشيءٍ (4) .
وفيه: محبوب بن الجهم، قال أبو حاتم بن حِبَّان: يروي عن عبيد الله ابن عمر الأشياء التي ليست من حديثه (5) .
وفي حديث أبي مسعود: أيُّوب بن عُتبة، قال يحيى: ليس بشيءٍ (6) .
وقال النَّسائيُّ: مضطرب الحديث (7) . وقال علي بن الجُنَيد: شبه المتروك (8) .
وفي حديث أبي سعيدٍ وأبي أيُّوب: ابنُ لَهِيعة، وهو ذاهب الحديث.
__________
(1) "المسند": (5/417) .
(2) في الأصل و (ب) : (عمير) وهو سبق قلم، وهو على الصواب في "التحقيق".
(3) "الكامل" لابن عدي: (2/280 - رقم: 444) من رواية جعفر بن الهذيل.
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 84 - رقم: 142) .
(5) "المجروحون": (3/41) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (4/87 - رقم: 3275) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 48 - رقم: 24) .
(8) ذكره ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكون" أيضاً: (1/132 - رقم: 472) .(2/19)
وفي طريقه الثَّاني: ابنُ إسحاق، وقد كذَّبه مالكٌ (1) .
ثمَّ قد أجاب أصحابنا بثلاثة أجوبة:
أحدها: أنَّ جبريل إنَّما أمَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكَّة، والنَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ما فعل بالمدينة، وإنَّما يؤخذ بالآخر من أمره.
والثَّاني: أنَّ أخبارنا أصحُّ، وأكثر رواةً.
والثَّالث: أنَّ فعله للمغرب في وقت واحدٍ لا يدلُّ على أنَّه لا وقت لها غيره، ألا ترى أنَّه صلَّى به العصر قبل اصفرار الشَّمس، ولم يدلَّ ذلك على أنَّه لا وقت لها غيره.
وأمَّا أمره بالمبادرة إلى المغرب، فلأجل الفضيلة.
ز: حديث أبي هريرة: رواه النَّسائيُّ (2) ، وفي إسناده: محمد بن عمرو، وليس بالقويِّ.
ورواه الحاكم وقال: على شرط مسلمٍ (3) .
وحديث مَرْثد بن عبد الله: رواه أبو داود (4) وأبو بكر بن خزيمة (5)
والحاكم أيضًا وقال: على شرط مسلمٍ (6) .
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (6/103 - رقم: 1623) .
(2) "سنن النسائي": (1/249 - 250 - رقم: 502) .
(3) "المستدرك": (1/194) .
(4) "سنن أبي داود": (1/349 - رقم: 421) .
(5) "صحيح ابن خزيمة": (1/174 - رقم: 339) .
(6) "المستدرك": (1/190 - 191) .(2/20)
وابن إسحاق: صدوق، والمؤلِّف يحتجُّ به في غير موضعٍ.
491- وقد روى ابن ماجه بإسناده عن العبَّاس بن عبد المطَّلب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزال أُمَّتي على الفِطْرة، ما لم يؤخِّروا المغرب حتى تشتبك النُّجوم " (1) .
ورواه الحاكم وصحَّحه (2) .
492- وقد روى عبد الله بن أحمد قال: حدَّثني أبي ثنا هارون بن معروف - قال عبد الله: وسمعته أنا من هارون - أنا ابن وهبٍ حدَّثني عبد الله ابن الأسود القرشيُّ أنَّ يزيد بن [خصيفة] (3) حدَّثه عن السَّائب بن يزيدَ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تزال أُمَّتي على الفطرة، ما صلَّوا المغرب قبل طلوع النُّجوم " (4) .
ورواه الطَّبرانيُّ عن يحيى بن عثمان بن صالحٍ عن أصبغ بن الفرج عن ابن وهبٍ (5) .
قال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن عبد الله بن الأسود القرشيِّ، فقال: شيخٌ، لا أعلم روى عنه غير ابن وهبٍ (6) O.
* * * * *
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/225 - رقم: 689) .
(2) "المستدرك": (1/191) .
(3) في الأصل و (ب) : (خيصفة) ، والتصويب من "المسند" وكتب التراجم.
(4) "المسند": (3/449) .
(5) "المعجم الكبير" للطبراني: (7/154 - رقم: 6671) .
(6) "الجرح والتعديل": (5/2 - رقم: 6) .(2/21)
مسألة (90) : الشَّفق الذي تجب بغيبوبته العشاء: هو الحمرة.
وقال أبو حنيفة: هو البياض.
لنا:
حديث ابن عمر: " الشَّفق الحُمْرة ".
وقد سبق بإسناده (1) .
وفي الأحاديث المتقدِّمة: صلَّى العشاء حين غاب الشَّفق (2) .
والمراد: الحُمْرة.
فإن قالوا: ففي بعض الأحاديث المتقدِّمة: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى العشاء حين اسودَّ الأفق.
قلنا: ذاك عند غيبوبة الحُمْرة، وهو أوَّل الاسوداد.
* * * * *
مسألة (91) : التَّغليس بالفجر أفضل - إذا اجتمع الجيران -.
وقال أبو حنيفة: الإسفار أفضل.
لنا طريقان في الدَّليل:
__________
(1) برقم: (476) .
(2) الأرقام: (477، 478، 479) .(2/22)
أحدهما: يدلُّ على فضيلة تقديم الصَّلاة في أوَّل وقتها عمومًا.
والثَّاني: يخصُّ التغليس بالفجر.
أمَّا الأوَّل:
493- فروى أحمد: ثنا عفَّان ثنا شعبة أخبرني الوليد بن العيزار قال: سمعت أبا عمرو الشَّيبانيُّ قال: ثنا صاحب هذه الدَّار- وأشار إلى دار عبد الله ولم يسمِّه - قال: سألتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيَّ العمل أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ؟
قال: " الصَّلاة على وقتها ". قلت: ثُُمَّ أيّ؟ قال: " ثُمَّ برُّ الوالدين " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
494- قال أحمد: وثنا يونس ثنا ليث عن عبد الله بن عمر بن حفص عن القاسم بن غنَّام عن جدَّته أمِّ أبيه الدُّنيا عن جدَّته أمِّ فروة أنَّها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنَّ أحبَّ العمل إلى الله عزَّ وجلَّ تعجيل الصَّلاة لأوَّل وقتها " (3) .
ز: حديث أمِّ فروة: رواه محمد بن عبد الله الخُزَاعيُّ والقَعْنَبِيُّ والفضل ابن موسى ووكيع وأبو نُعيم عن عبد الله بن عمر العُمَرِيِّ عن القاسم بن غَنَّام.
ورواه الليث بن سعدٍ وقَزَعة بن سُويدٍ عن عبيد الله بن عمر العُمَرِيِّ عن القاسم بن غَنَّام.
فقد حدَّث به عبد الله وعبيد الله، كما نذكره عن الدَّارَقُطْنِيِّ فيما يأتي (4) O.
__________
(1) "المسند": (1/409 - 410) .
(2) "صحيح البخاري": (1/140) ؛ (فتح - 3/9 - رقم: 527) .
"صحيح مسلم": (1/62 - 63) ؛ (فؤاد - 1/89 - رقم: 85) .
(3) "المسند": (6/375) .
(4) برقم: (500) .(2/23)
495- وقال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا يعقوب بن الوليد عن عبد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الوقت الأول من الصَّلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله " (1) .
496- وقال أحمد: ثنا قتيبة ثنا الليث عن خالد بن يزيد (2) عن سعيد ابن أبي هلال عن إسحاق بن عمر عن عائشة قالت: ما صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً لوقتها الآخر [] (3) مرتين حتى قبضه الله (4) .
ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: إلاَّ مرتين (5) .
وفي لفظٍ عن عائشة: ما صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاة لوقتها الآخر حتى قبضه الله عزَّ وجلَّ (6) .
497- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد بن السمّاك ثنا الحسين بن حميد حدَّثني فرج بن عبيد المُهَلَّبيُّ ثنا عبيد بن القاسم (7) عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوَّل الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله ".
498- قال ابن السماك: وثنا علي بن إبراهيم الواسطي ثنا إبراهيم بن زكريا ثنا إبراهيم بن عبد الملك (8) بن أبي محذورة حدَّثني أبي عن جدي قال:
__________
(1) "الجامع": (1/213 - رقم: 172) .
(2) في "التحقيق": (زيد) خطأ.
(3) أقحمت في الأصل كلمة: (إلا) فحذفناها كما في (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(4) "المسند": (6/92) .
(5) سنن الدارقطني: (1/249) .
(6) المرجع السابق.
(7) في هامش الأصل: (حـ: عبيد بن القاسم ضعّفوه) ا. هـ
(8) في (ب) : (عبد الله) والصواب ما بالأصل.(2/24)
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوَّل الوقت رضوان الله، ووسط الوقت رحمة الله، وآخر الوقت عفو (1) الله " (2) .
الاعتماد على الحديث الأول، وفي باقي الأحاديث مقالٌ:
أما حديث أم فروة: فإنه لا يرويه إلاَّ العمري، وقد اضطرب فيه، فرواه: عن القاسم بن غنام عن عمته أم فروة.
والعمري: ضعيف، ضعّفه يحيى (3) وغيره.
ويمكن أن يقال: فقد روي عن يحيى أنه قال في رواية: ليس به بأس، يكتب حديثه (4) . وقال أحمد بن حنبل: هو صالح (5) .
وأما حديث ابن عمر: ففيه العمري أيضاً، وقد قلنا فيه.
وفيه: يعقوب بن الوليد، قال أحمد: كان من الكذابين الكبار، يضع الحديث (6) .
وقال أبو داود: غير ثقة (7) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (8) .
__________
(1) في "التحقيق" (تحفوا) !
(2) سنن الدارقطني: (1/249 - 250) .
(3) "العلل" لعبد الله بن أحمد: (2/605 - رقم: 3877) .
(4) "الكامل" لابن عدي: (4/141 - رقم: 976) .
(5) "الجرح والتعديل": (5/109 - رقم: 499) من رواية أبي طالب وفيه: (صالح لا بأس به) .
(6) "العلل" برواية عبد الله: (1/548 - رقم: 1305؛ 2/532 - رقم: 3518) .
(7) " سؤالات أبي عبيد الآجري ": (2/314 - رقم: 1970) .
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 237 - رقم: 615) ، وفي المطبوع: (ليس بشيء، متروك) ، وفي "الكامل" لابن عدي: (7/147 - رقم: 2057) : ليس بشيء، متروك الحديث) .(2/25)
وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث على الثِّقات، لا يحلُّ كتب حديثه إلا على التَّعجُّب (1) .
وأمَّا حديث عائشة: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس إسناده بمتصلٍ (2) .
وأمَّا حديث جرير: ففيه: الحسين بن حميد، قال مُطَيَّن: هو كذَّابٌ ابن كذَّابٍ (3) .
وأمَّا حديث أبي محذورة: ففيه: إبراهيم بن زكريا، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: هو مجهولٌ، والحديث الذي رواه منكرٌ (4) . وقال ابن عَدِيٍّ: حدَّث عن الثِّقات بالأباطيل (5) .
وسُئل أحمد عن هذا الحديث - " أوَّل الوقت رضوان الله ... " - فقال: من روى هذا؟! ليس هذا يثبت (6) .
ز: 499- عن عبد الله بن عمر عن القاسم بن غنَّام عن أهل بيته عن جدَّته أمِّ فروة أنَّها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسأله رجلٌ عن أفضل الأعمال - فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلاة لأوَّل وقتها ".
__________
(1) "المجروحون": (3/137 - 138) .
(2) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق" ولم نقف عليه، وقد يكون سبق قلم ابن الجوزي من (الترمذي) إلى (الدارقطني) ، فهذه الكلمة قالها الترمذي في " جامعه ": (1/216 - رقم: 174) عقب حديث عائشة، والله أعلم.
(3) "الكامل" لابن عدي: (2/368 - رقم: 498) من رواية أحمد بن محمد بن سعيد عنه، وفيه: (كذاب ابن كذاب ابن كذاب) ثلاثًا، وفي "التحقيق": (كذاب) واحدة.
(4) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/101 - رقم: 280) .
(5) "الكامل": (1/256 - رقم: 86) وفيه: (حدث عن الثقات بالبواطيل) .
(6) أورده ابن دقيق في "الإمام": (4/75 - 76) نقلاً عن الخلال من رواية الميموني.(2/26)
هكذا رواه الإمام أحمد (1) .
ورواه أبو داود وعنده: عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة (2) .
وفي رواية التِّرمذيِّ: عن القاسم عن عمته أم فروة، ولم يقل: عن بعض أمهاته.
وقال: لا يروى إلاَّ من حديث العمري، وليس بالقوي في الحديث، واضطربوا في هذا الحديث (3) .
كذا قال التِّرمذيُّ، وفيه نظرٌ.
وقد رواه قزعة بن سويد وغيره عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة، وقد تقدم ذلك (4) .
500- وقال أبو الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيُّ (5) : ثنا أبو طالب الحافظ ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا علي بن معبد ثنا يعقوب بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير الأعمال الصَّلاة في أوَّل وقتها ".
كذا رواه الحافظ محمد بن عبد الواحد في كتاب "المختارة" من طريق الدَّارَقُطْنِيِّ في ترجمة عبيد الله بن عمر عن نافع.
ثم قال: سئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه محمد بن حِمْيرَ الحمصيّ عن
__________
(1) "المسند": (6/440) من رواية يزيد بن هارون عن عبد الله بن عمر.
(2) "سنن أبي داود": (1/353 - رقم: 429) .
(3) "الجامع": (1/212 - 214 - رقم: 170) .
(4) برقم: (494) .
(5) هو في "سنن الدارقطني": (1/247) .(2/27)
عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
وقيل: عنه عن عبد الله بن عمر - أخي عبيد الله بن عمر - عن نافع عن ابن عمر، وهو وهمٌ.
والمحفوظ: عن عبيد الله وعن عبد الله، عن القاسم بن غَنَّام عن جدَّته عن أمِّ فروة (1) عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
وروى حديث إسحاق بن عمر عن عائشة: التِّرمذيُّ وقال: غريبٌ، وليس إسناده بمتصلٍ (3) .
وقال البيهقيُّ: هو مرسلٌ، إسحاق بن عمر لم يدرك عائشة (4) .
وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم عن أبيه: إسحاق بن عمر، روى عن موسى بن وَرْدَان، روى عنه سعيد بن أبي هلال، مجهولٌ (5) .
وأمَّا حديث أبي مَحْذُورة: فرواه ابنُ عَدِيٍّ:
501- ثنا محمد بن أحمد بن أبي مقاتل ثنا إبراهيم بن راشد ثنا إبراهيم ابن زكريا ثنا إبراهيم بن محمد بن أبي مَحْذُورة - مؤذِّن مسجد مكَّة - قال: حدَّثني أبي عن جدِّي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوَّلُ الوقت رضوانُ الله، وأوسطُ الوقت رحمةُ الله، وآخرُ الوقت عفوُ الله " (6) .
__________
(1) في (ب) : (عن جدته أمِّ فروة) .
(2) "المختارة": (مسند ابن عمر - ق: 239/ب) .
(3) "الجامع": (1/215 - 216 - رقم: 174) .
(4) "سنن البيهقي": (1/435) .
(5) "الجرح والتعديل": (2/229 - رقم: 800) .
(6) "الكامل" لابن عدي: (1/256 - رقم: 86) .(2/28)
كذا قال: (إبراهيم بن محمد بن أبي محذورة) .
وفي طريق الدَّارَقُطْنِيِّ: إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة، وهو أشبه بالصواب (1) .
وقال البيهقيُّ: هو إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، مشهور O.
وأما الطريق الثَّاني:
502- فروى أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة أن نساءً من المؤمنات كنّ يصلّيَّن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متلفعات بمروطهن، ثم يرجعن إلى أهلهن، ما يعرفهن أحد من الغلس (2) .
503- قال أحمد: وثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن أبي المنهال عن أبي برزة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف أحدنا جليسه (3) .
الحديثان في "الصحيحين".
504- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا الربيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب أخبرني أسامة بن زيد أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعداً على المنبر، فأخّر صلاة العصر شيئاً، فقال عروة بن الزبير: أما إن جبريل قد أخبر محمداً بوقت الصَّلاة، سمعتُ بشير بن أبي
__________
(1) "سنن البيهقي": (1/436) .
(2) "المسند": (6/37) ؛ "صحيح البخاري": (1/104) ، (فتح - 1/482 - رقم: 372) ؛ "صحيح مسلم": (2/118 - 119) ، (فؤاد - 1/445 - 446 - رقم: 645) .
(3) "المسند": (4/423) ؛ "صحيح البخاري": (1/144) ، (فتح - 2/26 - رقم: 547) ؛ "صحيح مسلم": (2/119 - 120) ، (فؤاد - 1/447 - رقم: 647) .(2/29)
مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاريَّ يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نزل جبريل فأخبرني بوقت الصَّلاة، فصليت معه، ثم صليت معه، [ثم صليت معه] (1) .... - يحسب بأصابعه خمس صلواتٍ - ". فرأيت رسول الله: يصلِّي الظُّهر حين تزول الشَّمس، وربما أخرها حين يشتد الحر؛ ورأيته يصلِّي العصر والشَّمس مرتفعة بيضاء، فينصرف الرجل من الصَّلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشَّمس؛ ويصلِّي المغرب حين تسقط الشَّمس؛ ويصلِّي العشاء حين يسود الأفق؛ وصلَّى الصُّبح مرة بغلس، ثم صلَّى مرة أخرى فأسفر، ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى مات، ثم لم يعد إلى أن يسفر (2) .
ز: ورواه أبو داود من رواية أسامة بن زيد الليثي عن ابن شهاب.
قال أبو داود: روى هذا الحديث عن الزُّهريِّ: معمر ومالك وابن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والليث بن سعدٍ وغيرهم، لم يذكروا الوقت الذي صلَّى فيه، ولم يفسروه (3) .
وأسامة بن زيد الليثي: قال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: تركه يحيى ابن سعيد بأخرة (4) . وقال الأثرم عن أحمد: ليس بشيء (5) . وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: روى عن نافع أحاديث مناكير (6) . واختلفت الرواية فيه عن
__________
(1) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"سنن الدارقطني".
(2) "سنن الدارقطني": (1/250) .
(3) "سنن أبي داود": (1/340 - 341 - رقم: 397) .
(4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/284 - رقم: 1031) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/284 - 285 - رقم: 1031) .
(6) "العلل": (1/302 - رقم: 503؛ 2/24 رقم - 1428) .(2/30)
يحيى بن معين، فقال مرة: ثقة صالحٌ (1) . وقال مرة: ليس به بأسٌ (2) . وقال مرة: ثقة حجةٌ (3) . وقال مرة: تُرك حديثه بأخرة (4) . وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتجُّ به (5) . وقال النَّسائيُّ (6) والدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقويِّ.
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (1/395 - رقم: 212) من رواية أبي يعلى.
(2) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 66 - رقم: 118) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (1/395 - رقم: 212) ، من رواية ابن أبي مريم، وليس فيه: (حجة) ، ويبدو أنها ساقطة، فقد أثبتها المزي في "تهذيب الكمال": (2/350 - رقم: 317) وغيره.
(4) قال الحافظ الذهبي في "الميزان": (1/174 - رقم: 706) : (قال ابن الجوزي: اختلفت الرواية عن ابن معين ... وقال مرة: ترك حديثه بأخرة.
الصحيح أن هذا القول الأخير ليحيى بن سعيد) ا. هـ ونحوه في " سير النبلاء ": (6/343 - رقم: 145) ، وقد سبق في رواية أبي طالب عن أحمد.
(تنبيه) : جاء في " المنتخب من ضعفاء الساجي " لابن شاقلا - المطبوع مع " تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان " -: (ص: 58 - رقم: 25) ما نصه: (حدّث يحيى بن معين عن أسامة بن زيد ثم تركه بأخرة) ا. هـ
والذي يبدو والله أعلم أن ثَمَّ خطأ ما، إما تصحيف وإما سقط، فالذي حدَّث عن أسامة ثم تركه هو: يحيى بن سعيد القطان، وقال مغلطاي في " إكمال التهذيب ": (2/59 - رقم: 369) : (في كتاب "الجرح والتعديل" للساجي: ثنا بندار ثنا يحيى بن سعيد عن أسامة بن زيد بأحد عشر حديثاً، منها ستة أحاديث مسندة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الساجي: اختلف أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في أسامة الليثي) ا. هـ وهذا النص فيه أن يحيى بن سعيد كان يحدث عن أسامة، ولعله لم ينقل تركه للرواية عنه بأخرة لتقدم ذلك عن غير الساجي، والله أعلم.
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (2/285 - رقم: 1031) .
(6) وقع في مطبوعة "الضعفاء" للنسائي: (ص: 56 - رقم: 51) : (أسامة بن زيد، روى عنه سفيان الثوري، ليس بثقة) ا. هـ والظاهر أن الصواب: (ليس بالقوي) لأمور: 1- هكذا أورده ابن بكير في جزئه: "ذكر أقوام أخرجهم البخاري ومسلم بن الحجاج في كتابيهما وأخرجهم أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النَّسائيّ في الضعفاء" - المطبوع باسم: "سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره لأبي الحسن الدارقطني" -: (ص: 26 - رقم: 5) .
2- هكذا نقله عن النَّسائيّ: ابن عدي في "الكامل": (1/394 - رقم: 212) ، وابن =(2/31)
وقال ابن عَدِيٍّ: ليس بحديثه بأسٌ (1) . وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (2) O.
أمَّا حجَّتهم:
505- فروى التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا عَبْدة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لَبيدٍ عن رافع بن خَدِيجٍ قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أسفروا بالفجر، فإنَّه أعظمُ للأجر" (3) .
506- طريقٌ آخر: قال أحمد: ثنا سفيان عن ابن عجلان عن عاصم ابن عمر بن قتادة عن محمود بن لَبيد عن رافع بن خَدِيج عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أصبحوا بالصُّبح، فإنَّه أعظم لأجوركم، - أو: أعظم للأجر - " (4) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ (5) .
__________
= الجوزي في "الضعفاء": (1/96 - رقم: 289) ، والمزي في "تهذيب الكمال": (2/350 - رقم: 317) ، والذهبي في "الميزان": (1/174 - رقم: 706) .
3- أن النسائي قال في "عمل اليوم والليلة": (ص: 351 - رقم: 504) : (أسامة بن زيد ليس بالقوي في الحديث) ا. هـ
4- أننا لم نقف على أحد نقل عن النسائي أنه قال في أسامة: (ليس بثقة) ، والله أعلم.
(فائدة) : قال العلامة الحافظ المعلمي في " التنكيل ": (1/64) : (من أحب أن ينظر في كتب الجرح والتعديل للبحث عن حال رجل وقع في سندٍ، فعليه أن يراعي أمورًا:....... الثاني: ليستوثق من صحة النسخة، وليراجع غيرها - إن تيسر له - ليتحقق أن ما فيها ثابت عن مؤلف الكتاب. راجع " الطليعة " ص: 55 - 59) ا. هـ
(1) "الكامل": (1/395 - رقم: 212) وفيه: (حسن الحديث، وأرجو أنه لا بأس به) ا. هـ
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/70 - رقم: 98) ، وقال المنقح فيما يأتي: (رقم: 2262) : (روى له مسلم متابعة فيما أرى) ا. هـ
(3) "الجامع": (1/201 - رقم: 154) .
(4) "المسند": (4/140) .
(5) في مطبوعة "الجامع": (حسن صحيح) ا. هـ(2/32)
وهو محمول على ما إذا تأخر الجيران.
ز: ورواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) وأبو حاتم بن حِبَّان البُستيُّ (5) بطرق عن ابن إسحاق وابن عجلان.
ورواه الإمام أحمد أيضاً عن يزيد بن هارون عن ابن إسحاق عن ابن عجلان (6) .
فيحتمل: أن يكون: (وابن عجلان) (7) ، كما رواه النعمان بن عبد السلام عن سفيان عن محمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان عن عاصم.
ويحتمل: أن يكون محمد بن إسحاق إنما سمعه من ابن عجلان، وكان يدلسه، والله أعلم.
507- وقال النَّسائيُّ: أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدَّثني إبراهيم بن أبي مريم أنا أبو غسان قال: حدَّثني زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رجال من قومه من الأنصار أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أسفرتم بالصُّبح، فإنه أعظم للأجر " (8) .
هذا إسناد صحيح، وابن أبي مريم هو: سعيد، وأبو غسان هو:
__________
(1) "المسند": (3/465؛ 4/140، 142) .
(2) "سنن أبي داود": (1/352 - 353 - رقم: 427) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/221 - رقم: 672) .
(4) "سنن النسائي": (1/272 - رقم: 548) .
(5) "الإحسان" لابن بلبان: (4/355 - رقم: 1489) .
(6) وقع في مطبوعة "المسند": (قال أنبأنا ابن عجلان) ، وانظر ما يأتي في التعليق التالي.
(7) كذا ذكره الحافظ ابن حجر في "أطراف المسند": (2/334 - رقم: 2349) .
(8) "سنن النسائي": (1/272 - رقم: 549) .(2/33)
محمد بن مطرِّف المدنيُّ O.
* * * * *
مسألة (92) : إذا تأخر الجيران فالإسفار بالصُّبح أفضل.
وقال الشَّافعيُّ: الأفضل التَّقديم.
وقد استدلَّ أصحابنا:
508- بما روى سعيدٌ الأمويُّ في "المغازي" بإسناده: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا بعث معاذًا إلى اليمن قال له: "إذا كان الشِّتاء فصلِّ الفجر في أوَّل وقتها، ثُمَّ أطل القراءة؛ وإذا كان في الصَّيف فأسفر بالصُّبح، فإنَّ الليل قصيرٌ، والنَّاس ينامون" (1) .
* * * * *
مسألة (93) : يستحبُّ تعجيل الظُّهر في غير يوم الغيم.
وقال مالك: يستحبُّ أن يؤخَّر حتَّى يصير الفيء ذراعًا.
__________
(1) في هامش الأصل: (حـ: رواه الحسين بن مسعود البغوي في " شرح السنة " أيضًا) ا. هـ وهو فيه: (2/ 198 - 199 - رقم: 356) من رواية أبي الشيخ، وهو عنده في " أخلاق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": (ص: 67) ، وهو عند أبي نعيم في "الحلية" أيضًا: (8/249) .
وقال المجد ابن تيمية في "المنتقى": (مع النيل - 2/20) - بعد أن عزاه للبغوي -: (وأخرجه بقي بن مخلد في مسنده المصنف) ا. هـ(2/34)
لنا حديثان:
509- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن أبي المنهال قال: قال لي أبي: انطلق إلى أبي بَرْزَة. فانطلقت معه، فسأله (1) أبي: كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي المكتوبة؟ قال: كان يصلِّي الهجير - التي تدعونها: الأولى - حين تدحض الشَّمس، وكان يصلِّي العصر ثمَّ يرجع أحدنا إلى رحله والشَّمس حيَّةٌ (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
510- الحديث الثَّاني: قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا وكيع عن سفيان عن حكيم بن جُبير عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: ما رأيتُ أحدًا أشدَّ تعجيلاً للظُّهر من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكرٍ وعمر (4) .
حكيم بن جُبير: مضطرب الحديث، ضعَّفه أحمد (5) ويحيى (6) والنَّسائيُّ (7) .
* * * * *
__________
(1) في "التحقيق": (فسأل) .
(2) "المسند": (4/423) .
(3) "صحيح البخاري": (1/144) ؛ (فتح - 2/26 - رقم: 547) .
"صحيح مسلم": (2/119 - 120) ؛ (فؤاد - 1/447 - رقم: 647) .
(4) "الجامع": (1/202 - رقم: 155) وقال: (حديث حسن) .
وفي هامش الأصل: (حـ: حسَّنه الترمذي) ا. هـ
(5) "العلل" برواية عبد الله: (1/396 - رقم: 798) ، وفيه: (ضعيف الحديث، مضطرب) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (3/287 - رقم: 1363) ، وفيه: (ليس بشيء) ، و" الضعفاء
الكبير" للعقيلي: (1/317 - رقم: 389) من رواية محمد بن عثمان، وفيه: (ضعيف) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 80 - رقم: 129) .(2/35)
مسألة (94) : تعجيل العصر أفضل.
وقال أبو حنيفة: تأخيرها أفضل ما لم تصفر الشَّمس.
لنا ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث أبي برزة، وقد تقدم (1) .
والثَّاني: حديث أنس:
511- قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ قال: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلِّي العصر، فيذهب أحدنا إلى العوالي والشَّمس مرتفعة.
قال الزُّهريُّ: والعوالي على ميلين من المدينة وثلاثة. وأحسبه قال: وأربعة (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
512- طريق آخرٌ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا القاضيان: أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل وأبو عمر محمد بن يوسف قالا: ثنا عبد الله بن شبيب ثنا أيُّوب بن سليمان ثنا أبو بكر بن أبي أويس حدَّثني سليمان بن بلال ثنا صالح بن كيسان عن حفص بن عبيد الله عن أنس بن مالك قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العصر، فلما انصرف، قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، إن عندي
__________
(1) برقم: (509) .
(2) "المسند": (3/161) .
(3) "صحيح البخاري": (1/145) ؛ (فتح - 2/28 - رقم: 551) .
"صحيح مسلم": (2/109) ؛ (فؤاد - 1/433 - رقم: 621) .(2/36)
جزوراً أريد أن أنحرها، فأحب أن تحضر. فانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانصرفنا، فنحرت الجزور، وصنع لنا منها، فطعمنا منها قبل أن تغيب الشَّمس؛ وكنا نصلِّي العصر مع رسول الله، فيسير الراكب ستة أميال قبل أن تغيب الشَّمس (1) .
ز: عبد الله بن شبيب: ضعفه غير واحد، لكن قد روى الحديث مسلم بمعناه في الصَّلاة عن عمرو بن سواد ومحمد بن سلمة وأحمد بن عيسى، ثلاثتهم عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى ابن سعد عن حفص بن عبيد الله (2) O.
513- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا أبو المغيرة عن الأوزاعي حدَّثني أبو النجاشي ثنا رافع بن خديج قال: كنا نصلِّي مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العصر، ثم ننحر الجزور، فتقسم عشر قسم، ثم تطبخ، فنأكل لحماً نضيجاً، قبل أن تغيب الشَّمس (3) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (4) .
واسم أبي النجاشي: عطاء بن صهيب، وهو ثقة.
514- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثني أبي ثنا محمد بن أبي بكر ثنا عبد السلام بن عبد الحميد ثنا موسى بن أعين عن الأوزاعي عن أبي النجاشي قال: سمعت رافع بن خديج يقول: قال رسول الله: " ألا أخبركم بصلاة
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/255) .
(2) "صحيح مسلم": (2/110) ؛ (فؤاد - 1/435 - رقم: 624) .
(3) "المسند": (4/141 - 142) .
(4) "صحيح البخاري": (3/624) ؛ (فتح - 5/128 - رقم: 2485) .
"صحيح مسلم": (2/110 - 111) ؛ (فؤاد - 1/435 - رقم 625) .(2/37)
المنافق؟ أن يؤخر العصر حتى إذا كانت كثرب البقرة (1) صلاها " (2) .
احتج الخصم بحديث وأثر:
515- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا الحسين بن إسماعيل وأحمد بن علي بن العلاء قالا: ثنا أحمد بن المقدام ثنا أبو عاصم ثنا عبد الواحد بن نافع قال: دخلت مسجد المدينة، فأذن مؤذن بالعصر، وشيخ جالس، فلامه، وقال: إن أبي أخبرني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بتأخير هذه الصَّلاة. فسألت عنه، فقالوا: هذا عبد الله بن رافع بن خديج (3) .
ز: قال البيهقي - بعد ذكره حديث أبي النجاشي عن رافع بن خديج -: وهذه الرواية الصحيحة عن رافع بن خديج تدل على خطأ ما رواه عبد الواحد - أو: عبد الحميد - بن (4) نافع - أو: نفيع - الكلابي عن ابن رافع بن خديج عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمرهم بتأخير العصر، وهو مختلفٌ في اسمه واسم أبيه، واختلف عليه في اسم ابن رافع: فقيل فيه: عبد الله؛ وقيل: عبد الرَّحمن.
قال البخاريُّ (5) : لا يتابع عليه. واحتج على خطئه بحديث أبي النجاشي عن رافع.
__________
(1) في " النهاية ": (1/209 - ثرب) : (وفيه: " نهى عن الصَّلاة إذا صارت الشَّمس كالأثارب ": أي إذا تفرقت، وخصت موضعها دون موضع، عند المغيب، شبهها بالثروب، وهي: الشحم الرقيق الذي يغشى الكرش والأمعاء، الواحد: ثرب، وجمعها في القلة: أثرب، والأثارب: جمع الجمع) ا. هـ
(2) "سنن الدارقطني": (1/252 - 253) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/251) .
(4) في (ب) : (عن) خطأ.
(5) هو في "التاريخ الكبير": (5/89 -90 - رقم: 243) .(2/38)
وقال أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيُّ (1) - فيما أخبرنا أبو بكر [بن] (2) الحارث عنه -: هذا حديثٌ ضعيف الإسناد، والصَّحيح عن رافع وغيره ضدُّ هذا (3) O.
516- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا محمد بن شاذان ثنا معلَّى بن منصور ثنا عبد الرَّحيم بن سليمان ثنا الشيبانيُّ عن العباس بن ذَرِيح عن زياد بن عبد الله النَّخَعِيِّ قال: كنَّا جلوسًا مع عليٍّ عليه السَّلام (4) في المسجد الأعظم، فجاءه المؤذِّن، فقال: الصَّلاة يا أمير المؤمنين. فقال: اجلس.
فجلس، ثمَّ عاد فقال ذلك له، فقال عليٌّ: هذا الكلب يعلّمنا السُّنَّة! فقام عليٌّ فصلَّى بنا العصر، ثمَّ انصرفنا فرجعنا إلى المكان الذي كنَّا فيه جلوسًا، فجثونا للرُّكب، لنزول الشَّمس للمغيب نترآها (5) .
والجواب:
أمَّا الحديث: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ابن رافع ليس بالقويِّ، ولم يروه عنه غير عبد الواحد، ولا يصحُّ هذا الحديث عن رافع ولا عن غيره من الصَّحابة (6) .
قلت: وقد قال أبو حاتم بن حِبَّان: عبد الواحد يروي عن أهل الحجاز المقلوبات، وعن أهل الشَّام الموضوعات، لا يحلُّ ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه (7) .
__________
(1) هو في "سنن الدارقطني": (1/251 - 252) بأطول مما هنا.
(2) زيادة من (ب) و"سنن البيهقي".
(3) "سنن البيهقي": (1/442 - 443) .
(4) كذا بالأصل و (ب) ، ولا يشرع تخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - بالتسليم، بل في ذلك مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(5) "سنن الدارقطني": (1/251) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/251) .
(7) "المجروحون": (2/154) .(2/39)
وأما الأثر: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: زياد بن عبد الله مجهول، لم يروه (1) عنه غير العباس بن ذريح (2) .
ز: حديث زياد بن عبد الله النخعي: رواه الحاكم عن محمد بن أحمد بن بالويه الجلاب عن محمد بن شاذان الجوهري، وقال: صحيح (3) .
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ في "العلل" فقال: رواه إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني عن أبيه بهذا الإسناد، وقال: يعلمنا بالصَّلاة، ولم يقل: بالسُّنَّة (4) O.
* * * * *
مسألة (95) : الصَّلاة الوسطى العصر، وهو قول علي وأبي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وسمرة وعائشة وحفصة وأم سلمة وجمهور التابعين.
وقال مالك والشَّافعيُّ: الفجر.
517- قال أحمد: ثنا عفان ثنا همام أنا قتادة عن أبي حسان عن عبيدة عن علي أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم الأحزاب: " ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، كما شغلونا عن الصَّلاة الوسطى، حتى غابت الشَّمس " (5) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (لم يرو) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/251) .
(3) "المستدرك": (1/192) .
(4) "العلل": (3/217 - رقم: 369) .
(5) "المسند": (1/154) ؛ "صحيح البخاري": (4/54 - 55) ، (فتح - 6/124 - رقم: 2931 - ط: الريان) ؛ "صحيح مسلم": (2/111) ، (فؤاد - 1/436 رقم: 627) .(2/40)
518- قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مسلم عن شُتَير بن شَكَل عن عليٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الأحزاب: " شغلونا عن الصَّلاة الوسطى - صلاة العصر - ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارًا ".
ثمَّ صلاَّها بين العشاءين (1) .
انفرد بإخراج هذا مسلمٌ (2) ، واتَّفقا على الذي قبله.
519- أخبرنا عبد الوهَّاب بن المبارك أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ثنا إسماعيل بن الحسن الصَّرصريُّ ثنا الحسين بن إسماعيل المَحَامليُّ ثنا يوسف ثنا وكيع ثنا سفيان الثَّوريُّ عن عاصم بن أبي النَّجود عن زِرٍّ أنَّ عَبيدة سأل عليًّا عن الصَّلاة الوسطى، فقال: كنَّا نعدُّها الفجر، حتى سمعتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يوم الأحزاب: " شغلونا عن الصَّلاة الوسطى - صلاة العصر -، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارًا ".
ز: إسناد هذا الحديث قويٌّ، وقد رواه بمعناه: النَّسائيُّ (3) وابن ماجه (4) وعبد الله بن أحمد فيما زاده في مسند أبيه عن غيره (5) O.
520- وقال أحمد: ثنا خلف بن الوليد ثنا محمد بن طلحة عن زُبَيْد عن مُرَّة عن ابن مسعودٍ قال: حبَسَ المشركون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة العصر حتى اصفارت - أو: احمارت - الشَّمس، فقال: " شغلونا عن الصَّلاة الوسطى،
__________
(1) "المسند": (1/81 - 82) .
(2) "صحيح مسلم": (2/112) ؛ (فؤاد - 1/437 - رقم: 627) .
(3) "السنن الكبرى": (1/152 - رقم: 360) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/124 - رقم: 684) ، وليس فيه: (كنا نعدها الفجر) .
(5) "المسند": (1/122) .(2/41)
ملأ الله أجوافهم وقبورهم - أو: حشى الله أجوافهم وقبورهم - نارًا " (1) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (2) .
ز: 521- وروى سمرة بن جندب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في صلاة الوسطى: " صلاة العصر ".
رواه أحمد (3) والتِّرمذيُّ وقال: قال محمد - يعني البخاريَّ -: قال عليُّ ابن عبد الله - هو: ابن المدينيِّ -: حديث الحسن عن سمرة حديثٌ صحيحٌ، وقد سمع منه.
وقال التِّرمذيُّ: حديث سمرة في صلاة الوسطى حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (4) .
ورواه الإمام أحمد قال: " صلاة الوسطى: صلاة العصر " (5) .
وفي رواية له: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن صلاة الوسطى، قال: " هي صلاة العصر" (6) .
وفي لفظٍ له: أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حافظوا على الصَّلوات والصَّلاة الوسطى " وسمَّاها لنا أنها هي صلاة العصر (7) .
522- وعن ابن مسعودٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الوسطى: صلاة العصر ".
__________
(1) "المسند": (1/403 - 404)
(2) "صحيح مسلم": (2/112) ؛ (فؤاد - 1/437 - رقم: 628) .
(3) "المسند": (5/7، 12، 13، 22) .
(4) "الجامع": (1/222 - 223 - رقم: 182) .
(5) "المسند": (5/22) .
(6) "المسند": (5/7) .
(7) "المسند": (5/8) .(2/42)
رواه التِّرمذيُّ وقال: حديثٌ صحيحٌ (1) O.
احتجُّوا:
523- بما روى مسلمٌ: ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك بن أنسٍ عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حَكيم عن أبي يونس - مولى عائشة - قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا، ثمَّ قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذنِّي: [ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الوُسْطَى} ] (2) [البقرة: 238] .
فلمَّا بلغتها آذنتها، فأملت: " حافظوا على الصَّلوات والصَّلاة الوسطى وصلاة العصر " وقالت: سمعتها من رسول الله (3) .
524- قال مسلمٌ: وثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليُّ أنا يحيى بن آدم ثنا الفضيل بن مرزوقٍ عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازبٍ قال: نزلت هذه الآية:} حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ العَصْر {، فقرأناها ما شاء الله عزَّ وجلَّ، ثُمَّ نسخها فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الوُسْطَى} [البقرة: 238] . فقال رجلٌ كان جالسًا عند شقيق: فهي إذًا صلاة العصر؟
فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله تعالى (4) .
انفرد بإخراج الحديثين مسلمٌ.
وهما حجَّةٌ لنا، لأنها هي الوسطى وهي العصر.
* * * * *
__________
(1) "الجامع": (1/222 - رقم: 181) ، وفيه: (حسن صحيح) ، وذكر محققه أنه وقع في بعض نسخه (صحيح) فقط.
(2) زيادة من "التحقيق" و"صحيح مسلم".
(3) "صحيح مسلم": (2/112) ؛ (فؤاد - 1/437 - 438 - رقم: 629) .
(4) "صحيح مسلم": (2/112 - 113) ؛ (فؤاد - 1/438 - رقم: 630) .(2/43)
مسألة (96) : يستحب تأخير العشاء، خلافًا لأحد قولي الشَّافعيِّ.
525- قال أحمد: ثنا سفيان عن عمرو عن عطاء، وابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخَّر العشاء حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فقال له عمر: يا رسول الله، نام النِّساء والولدان! فخرج فقال: " لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم أن يصلُّوها هذه السَّاعة " (1) .
526- قال أحمد: وثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن أبي المنهال عن أبي بَرْزَة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحبُّ أن يؤخِّر العشاء، التي تدعونها: العتمة (2) .
527- قال أحمد: وثنا حسين بن محمد ثنا أيُّوب بن جابر عن سِماَك عن جابر بن سَمُرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤخِّر العتمة (3) .
انفرد بإخراج هذا الحديث مسلمٌ، واتَّفقا على الحديثين قبله.
528- قال أحمد: وثنا ابن أبي عَدِيٍّ عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيدٍ قال: انتظرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلةً لصلاة العشاء، حتى ذهب نحوٌ من شطر الليل، فجاء، فصلَّى بنا، وقال: " لولا ضعف الضَّعيف، وسُقمْ السَّقيم،
__________
(1) "المسند": (1/221) ؛ "صحيح البخاري": (1/149 - 150) ، (فتح - 2/50 - رقم: 571) ؛ "صحيح مسلم": (2/117 - 118) ، (فؤاد - 1/444 - رقم: 642) .
(2) "المسند": (4/423) ؛ "صحيح البخاري": (1/144) ، (فتح - 2/26 - رقم: 547) ؛ "صحيح مسلم": (2/119 - 120) ، (فؤاد - 1/447 - رقم: 647) .
(3) "المسند": (5/89) ؛ "صحيح مسلم": (2/118) ، (فؤاد - 1/445 - رقم: 643) .
وفي هامش الأصل: (حـ: رواه " م " من غير طريق أيوب) ا. هـ(2/44)
وحاجة ذي الحاجة، لأخَّرتُ هذه الصَّلاة إلى شطر الليل " (1) .
ز: هذا حديثٌ صحيحٌ، رواه: أبو داود (2) وابن ماجه (3) والنَّسائيُّ (4) وابن خزيمة في "صحيحه" (5) .
وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه داود بن أبي هند، واختلف عنه: فرواه هُشيم وخالد وابن أبي عَدِيٍّ وبشر بن المفضَّل وعليُّ بن مُسْهِرٍ وعبد الوارث وإبراهيم بن طَهْمان ويحيى بن زكريا بن أبي زَائدة ومحمد بن سعيدٍ الأُمويُّ - أخو يحيى، وهم أربع إخوة: عبيد الله ومحمد ويحيى وعبد الله، كلُّهم ثقات - عن داود عن أبي نَضْرة عن أبي سعيدٍ.
وخالفهم: أبو معاوية الضَّرير، فرواه عن داود عن أبي نَضْرة عن جابر.
والصَّحيح عن أبي سعيدٍ (6) .
وقد رواه ابن حِبَّان من رواية أبي معاوية عن داود عن أبي نَضْرة عن جابر (7) O.
529- وقال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا عَبْدة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المَقْبُرِيِّ عن أبي هريرة قال: قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا أن أشقَّ على أمَّتي، لأمرتهم أن يؤخِّروا العشاءَ إلى ثلثِ الليلِ، أو نصفِه ".
__________
(1) "المسند": (3/5) .
(2) "سنن أبي داود": (1/351 - رقم: 425) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/226 - رقم: 693) .
(4) "سنن النسائي": (1/268 - رقم: 538) .
(5) "صحيح ابن خزيمة": (1/177 - 178 - رقم: 345) .
(6) "العلل": (11/327 - 328 - رقم: 2315) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (4/396 - 397 - رقم: 1529) .(2/45)
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (1) .
ز: وروى هذا الحديث: ابن ماجه (2) والإمام أحمد، وعنده: " ولأخَّرت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأوَّل " (3) O.
احتجُّوا:
بحديث أبي مسعود الأنصاريِّ: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي العشاء حين يسودُّ الأفق.
وقد سبق إسناده (4) .
530- وبما رواه التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشَّوارب ثنا أبو عَوانة عن أبي بِشْر عن بَشير بن ثابتٍ (5) عن حَبيب بن سالمٍ عن النُّعمان بن بَشيرٍ قال: أنا أعلمُ النَّاس بوقت هذه الصَّلاة - يعني: العشاء -، كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلَِّيها لسُقوطِ القمر لثالثةٍ (6) .
__________
(1) "الجامع": (1/209 - رقم: 167) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/226 - رقم: 691) .
(3) "المسند": (2/509) .
(4) برقم: (504) .
(5) في هامش الأصل: (بشير بن ثابت وثَّقه ابن معين) ا. هـ وانظر: "التاريخ" للدارمي: (ص: 80 - رقم: 194) .
(6) "الجامع": (1/208 - رقم: 165) .
وللشيخ العلامة أحمد بن محمد شاكر كلام مهم في شرح الجملة الأخيرة من الحديث في تعليقه على "الجامع": (1/308 - 310 - رقم: 165) وذكر أن ذلك البحث كتبه في سنة (1345) في شرحه على كتاب "التحقيق" لابن الجوزي، ولكنه لم يطبع، ولذلك نقله هناك.(2/46)
ز: ورواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والنَّسائيُّ (3) .
وقد رواه جرير عن رقبة عن أبي بشر عن حبيب، فأسقط بشيراً.
تابعه هشيم عن أبي بشر.
وقال التِّرمذيُّ: حديث [أبي] (4) عوانة أصح (5) O.
والجواب: أن أحاديثنا أصح وأكثر، وإنما كان يفعل ذلك لأجل الضعيف والسقيم، والكلام في الأفضل.
* * * * *
__________
(1) "المسند": (4/272) وفيه: (ليلة ثالثة أو رابعة) .
(2) "سنن أبي داود": (1/349 - رقم: 422) .
(3) "سنن النسائي": (1/264 - رقم: 528) .
(4) في الأصل: (أبو) ، والتصويب من (ب) و"الجامع".
(5) "الجامع": (1/209 - رقم: 166) ، ونصه: (حديث أبي عوانة أصح عندنا، لأن يزيد بن هارون روى عن شعبة عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة) ا. هـ(2/47)
مسائل الأذان
مسألة (97) : الأذان فرضٌ على الكفاية، خلافًا لأكثرهم.
531- قال أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا أيُّوب عن أبي قِلابة عن مالك بن الحُويرث قال: أتينا رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، وكان رحيماً رقيقًا، فظنَّ أَنَّا قد اشتقنا إلى أهلنا، فقال: " ارجعوا إلى أهليكم، وليوذِّن لكم أحدكم، ثمَّ ليؤمَّكم أكبركم " (1) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
* * * * *
مسألة (98) : لا يستحب التَّرجيع في الأذان.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: يستحبُّ.
532- قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي ثنا ابن إسحاق قال: وذكر محمد ابن مسلمٍ الزُّهريُّ عن سعيد بن المسيّب عن عبد الله بن زيدِ بن عبد ربِّه قال: لمَّا أجمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضرب بالنَّاقوس لجمع النَّاس [للصَّلاة] (3) - وهو
__________
(1) "المسند": (3/436) .
(2) "صحيح البخاري": (8/233) ؛ (فتح - 10/437 - 438 - رقم: 6008) .
"صحيح مسلم": (2/134) ؛ (فؤاد - 1/465 - 466 - رقم: 674) .
(3) في الأصل: (في الصَّلاة) ، والمثبت من (ب) و"التحقيق".(2/48)
كارهٌ لموافقة النصارى -، طاف بي من الليل طائف وأنا نائم: رجل عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله، فقلت له: با [] (1) عبد الله، ألا تبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصَّلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى. قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصَّلاة، حي على الصَّلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاَّ الله. قال: ثم استأخر غير بعيد، ثم قال: تقول إذا أقمت الصَّلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصَّلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصَّلاة، قد قامت الصَّلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاَّ الله. قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله، فأخبرته بما رأيت، فقال: " إن هذه لرؤيا حق - إن شاء الله - ". ثم أمر بالتأذين، فكان بلال يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصَّلاة، فدعاه ذات غداةٍ إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائم. فصرخ بلال بأعلى صوته: الصَّلاة خير من النوم.
قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر (2) .
وهذا الحديث أصل التأذين، وليس فيه ترجيع، فدل على أنه المستحب، وعليه عمل أهل المدينة، والأخذ بالمتأخر من حال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ز: وقد روى هذا الحديث: أبو يعلى الموصلي، ثنا عمرو الناقد ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن إسحاق ثنا محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن
__________
(1) أقحمت في الأصل و (ب) : (أبا) ، وهو على الصواب في "التحقيق" و"المسند".
(2) "المسند": (4/42 - 43) .(2/49)
زيد بن عبد ربِّه عن أبيه فذكره (1) .
ورواه الإمام أحمد أيضًا من رواية ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم (2) .
ورواه أبو داود عن محمد بن منصور الطُّوسيِّ عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم (3) .
ورواه التِّرمذيُّ عن سعيد بن يحيى الأُمويِّ عن أبيه عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم ببعضه، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (4) .
ورواه ابن ماجه عن محمد بن عُبيد بن ميمون المدنيِّ عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق (5) .
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بطرقٍ، منها: عن محمد بن يحيى عن يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم (6) .
وقال: سمعت محمد بن يحيى يقول: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان خبرٌ أصحُّ من هذا، لأنَّ محمد بن عبد الله بن زيدٍ سمعه من أبيه، وعبد الرَّحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيدٍ (7) .
__________
(1) لم نقف عليه في الرواية المطبوعة من "مسند أبي يعلى" - رواية ابن حمدان -، وخرجه من طريقه: الضياءُ في "المختارة": (9/373 - رقم: 344) من رواية ابن المقرئ.
(2) "المسند": (4/43) .
(3) "سنن أبي داود": (1/387 - 388 - رقم: 500) .
(4) "الجامع": (1/231 - 232 - رقم: 189) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/232 - رقم: 706) .
(6) "صحيح ابن خزيمة": (1/193 - رقم: 371) .
(7) "صحيح ابن خزيمة": (1/193 - رقم: 372) .(2/50)
قال ابن خزيمة: وخبر محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد ابن عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه عن أبيه ثابتٌ صحيح من جهة النَّقل، لأنَّ محمد ابن عبد الله بن زيدٍ قد سمعه من أبيه، ومحمد بن إسحاق قد سمعه من محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيميِّ، وليس هو ممَّا دلَّسه محمد بن إسحاق (1) .
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن أبي يعلى الموصليِّ (2) .
وفي كتاب "العلل" لأبي عيسى التِّرمذيِّ قال: سألتُ محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث - يعني حديث محمد بن إبراهيم التَّيميِّ - فقال: هو عندي صحيحٌ (3) .
وقال التِّرمذيُّ أيضًا عن البخاريِّ: لا يعرف لعبد الله بن زيدٍ إلا حديث الأذان (4) O.
533- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا سعيد بن المغيرة ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّتين مرَّتين، والإقامة مرَّة مرَّة (5) .
وهذا دليلٌ على أنَّه لم يكن فيه ترجيعٌ.
__________
(1) "صحيح ابن خزيمة": (1/197 - رقم: 379) .
(2) "الإحسان" لابن بلبان: (4/572 - رقم: 1679) .
(3) لم نقف عليه في مطبوعة " ترتيب العلل الكبير"، وقد نقله البيهقي في "سننه الكبرى": (1/391) .
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (14/541 - رقم: 3282) ، وقال التِّرمذيُّ في "الجامع": (1/232 - رقم: 189) : (لا نعرف له عن النبي شيئًا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان) ا. هـ
(5) "سنن الدارقطني": (1/239) .(2/51)
ز: هذا إسناد صحيح، وسعيد بن المغيرة الصياد: وثقه أبو حاتم (1) وغيره.
وقد رواه الإمام أحمد من غير طريق عبيد الله عن نافع، فقال: 534- ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال: سمعت أبا جعفر- يعني: المؤذن - يحدث عن مسلم أبي المثنى (2) عن ابن عمر قال: إنما كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين - وقال حجاج: يعني مرَّتين مرَّتين -، والإقامة مرة غير أنه يقول: قد قامت الصَّلاة، قد قامت الصَّلاة. وكنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا، ثم خرجنا إلى الصَّلاة.
قال أحمد: وثنا حجاج ثنا شعبة قال: سمعت أبا جعفر - مؤذن مسجد العُريان (3) ، في مسجد بني هلال - عن مسلم أبي المثنى - مؤذن مسجد الجامع - ... فذكر هذا الحديث. قال شعبة: لا أحفظ عنه غير هذا (4) .
وقد رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن خزيمة في "صحيحه" (7) وأبو حاتم بن حبان البستيُّ (8) والدَّارَقُطْنِيُّ (9) بطرقٍ عن شعبة O.
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابنه: (4/68 - رقم: 283) .
(2) في هامش الأصل: (هو مسلم بن المثنى، أبو المثنى، الكوفي، المؤذن) ا. هـ
(3) قال العيني في " شرح سنن أبي داود ": (2/457 - رقم: 493) (قوله: " مسجد العريان ": مسجد مشهور بالكوفة) ا. هـ، وفي " عون المعبود ": (2/206 - رقم: 507) : (" مسجد العريان ": بضم العين وسكون الراء ثم ياء تحتانية، كذا في أكثر النسخ الصحيحة؛ وفي بعضها: بالباء الموحدة؛ والصحيح المعتمد هو الأول) ا. هـ
(4) "المسند": (2/85) .
(5) "سنن أبي داود": (1/396 - رقم: 511) .
(6) "سنن النسائي": (2/20 - 21 - رقم: 668) .
(7) "صحيح ابن خزيمة": (1/193 - رقم: 374) .
(8) "الإحسان" لابن بلبان: (4/570 - رقم: 1677) .
(9) "سنن الدارقطني": (1/239) .(2/52)
احتجُّوا:
535- بما روى أحمد: ثنا رَوْح ثنا ابن جريج قال: أخبرني عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبي مَحْذُورة أنَّ عبد الله بن محيريز أخبره - وكان يتيماً في حجر أبي مَحْذُورة - قال: قلت لأبي مَحْذُورة: أخبرني عن تأذينك. قال: نعم، خرجت في نفرٍ فكنت في بعض طريق حنين، مَقْفل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض الطََّريق، فأذَّن مؤذِّن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعنا صوت المؤذِّن، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به، فسمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّوت، فأرسل إلينا، إلى أن وقفنا بين يديه، فقال: " أيُّكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ " فأشار القوم كلُّهم إليَّ - وصدقوا-، فأرسلهم كلَّهم وحبسني، فقال: " قم فأذِّن بالصَّلاة ". فقمت ولا شيء أكره إليَّ من النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فألقى عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التأذين هو بنفسه: " الله أكبر، الله أكبر- كذا قال روح مرَّتين -، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمَّدًا رسول الله، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله ". ثمَّ قال لي: " ارجع فامدد من صوتك ". ثمَّ قال لي: " قل: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ". ثمَّ دعاني حين قضيت التَّأذين، فأعطاني صرَّةً فيها شيءٌ من فضة، ثمَّ وضع يده على ناصية أبي مَحْذُورة، ثُمَّ أمرَّها على وجهه، ثُمَّ بين ثدييه، ثُمَّ على كبده، وقال: " بارك الله فيك وبارك عليك ". فقلت: يا رسول الله، مُرني بالتَّأذين بمكَّة. قال: " قد أمرتك به ". وذهب كلُّ شيءٍٍ كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كراهية، وعاد ذلك كله محبةً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
536- قال أحمد: ثنا عفَّان ثنا همَّام ثنا عامر الأحول قال: حدَّثني
__________
(1) "المسند": (3/409) .(2/53)
مكحول أنَّ عبد الله بن محيريز حدَّثه أنَّ أبا مَحذُورة حدَّثه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، الأذان: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر (1) ، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله؛ والإقامة - مثنى مثنى -: الله أكبر، الله أكبر [] (2) ، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصَّلاة، قد قامت الصَّلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله (3) .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ، وأبو محذورة، اسمه: سَمُرة بن مِعْيَر (4) .
وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث سعد القَرَظ أنَّه وصف أذان بلال، وفيه التَّرجيع (5) .
والجواب من وجهين:
أحدهما: أنَّه لمَّا لقَّن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا مَحْذُورة وكان كافرًا أعاد عليه الشَّهادة وكرَّرها لتثبت عنده ويحفظها، ويكرِّرها على أصحابه المشركين، فإنَّهم كانوا ينفرون منها، خلاف نفورهم من غيرها، فلمَّا كرَّرها عليه ظنَّها من
__________
(1) التكبير في مطبوعة "المسند" مرَّتين فقط.
(2) وقع التكبير في الأصل أربع مرات، والمثبت من (ب) و"التحقيق" و"المسند".
(3) "المسند": (3/409) .
(4) "الجامع": (1/234 - 235 - رقم: 192) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/236) .(2/54)
الأذان، فعدَّ الأذان تسع عشرة كلمة، وإذا كان كذلك لم يكن تكرارها سنَّة.
والثَّاني: أنَّ أذان أبي مَحْذُورة عليه أهل مكَّة، وما ذهبنا إليه عليه أهل المدينة، والعمل على المتأخِّر من الأمور.
وأما ما ادعي على بلال: فمحالٌ، لأنَّه لا يختلف في أنَّ بلالاً كان لا يرجِّع، وإنَّما الحديث الذي ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية عبد الله بن محمد بن عمَّار ابن سعد القَرَظ، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ (1) .
ز: روى مسلمٌ في "صحيحه" حديث أبي محذورة مختصرًا:
537- من رواية عامر الأحول عن مكحول عن ابن مُحَيْريز عن أبي مَحْذُورَة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه الأذان: الله أكبر، الله أكبر (2) ، أشهد أَن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، [أشهد أن محمدًا رسول الله] (3) ، ثُمَّ يعودُ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله - مرَّتين -، أشهد أن محمدًا رسول الله - مرتين -، حيَّ على الصَّلاة - مرَّتين-، حيَّ على الفلاح - مرَّتين-، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله (4) .
وقد روى الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) والتِّرمذيُّ (7) والنَّسائيُّ (8) وابن
__________
(1) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 169 - رقم: 606) .
(2) في (ب) زيادة: (مرتين) .
(3) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"صحيح مسلم".
(4) "صحيح مسلم": (2/3) ؛ (فؤاد - 287 - رقم: 379) .
(5) "المسند": (4/408 - 409) .
(6) "سنن أبي داود": (1/388 - 392 - الأرقام: 501 - 506) .
(7) "الجامع": (1/233 - 234 - رقمي: 191 - 192) .
(8) "سنن النسائي": (2/3 - 8 - الأرقام: 629 - 633) .(2/55)
ماجه (1) وابن خزيمة (2) وأبو يعلى الموصلي (3) وأبو القاسم الطبراني (4) حديث أبي محذورة بطرقٍ، وفي بعضها زيادة على بعض O.
* * * * *
مسألة (99) : التَّكبير في أوَّل الأذان أربع.
وقال مالك: مرَّتان.
حديث عبد الله بن زيدٍ - المتقدِّم (5) -، وأنَّ بلالاً دام على ذلك بحضرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
احتجُّوا:
بما ذكرنا في المسألة قبلها من رواية رَوْح عن ابن جُريج أنَّ التَّكبير مرَّتان (6) ، وكذلك روى محمد بن بكر عن ابن جريج أيضاً.
538- وقال أحمد: ثنا سريج بن النُّعمان عن الحارث بن عبيد عن محمد
__________
(1) "سنن ابن ماجه": (1/234 - 235 - رقمي: 708 - 709) .
(2) "صحيح ابن خزيمة": (1/194 - 196، 200 - 202 - الأرقام: 377 - 379، 385) .
(3) لم نقف عليه في الرواية المطبوعة - رواية ابن حمدان - من "المسند"، ولعله في رواية ابن المقرئ، والله أعلم.
(4) "المعجم الكبير": (7/170 - 175 - الأرقام: 6728 - 6736) .
(5) برقم: (532) .
(6) رقم: (535) .(2/56)
ابن عبد الملك ابن أبي مَحْذُورة عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه الأذان.... فذكر التَّكبير فيه مرَّتين فقط (1) .
539- قالوا: وروى أبو داود من حديث معاذ بن جبل أنَّ عبد الله بن زيدٍ جاء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستقبل القبلة، وقال: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله ... فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقِّنها بلالاً " (2) .
والجواب: أنَّ رواةَ حديثنا أكثر وأشهر وأحفظ، وقد روينا في حديث عبد الله بن زيدٍ أنَّ التَّكبير أربع، وأنَّ بلالاً كان يفعل ذلك.
وروينا في حديث أبي مَحْذُورة وسعد القَرَظ كذلك، وإذا اختلفت الرِّواية عن أبي مَحْذُورة وكانت رواتنا أكثر وأحفظ، وقد أتوا بالزِّيادة، كانوا أولى، لأنَّ الآتي بالزِّيادة قد حفظ ما لم يحفظ النَّاقص.
ز: حديث الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك: رواه أبو داود عن مُسَدَّد عنه، وذكر فيه التَّكبير أربعًا (3) ، والله أعلم O.
* * * * *
مسألة (100) : الأفضل في الإقامة الإفراد.
وقال أبو حنيفة: التَّثنية.
__________
(1) "المسند": (3/408) .
(2) "سنن أبي داود": (1/395 - رقم: 508) .
(3) "سنن أبي داود": (1/388 - 389 - رقم: 501) .(2/57)
540- قال البخاريُّ: ثنا سليمان بن حربٍ ثنا حمَّاد بن زيدٍ عن سِماك ابن عطيَّة عن أيُّوب عن أبي قِلابة عن أنس قال: أُمر بلالٌ أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة (1) .
وأخرجه مسلمٌ (2) .
541- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشر ثنا أحمد بن سنان ثنا عبد الرَّحمن عن شعبة عن أبي جعفر قال: سمعت أبا المثنَّى يحدِّث عن ابن عمر قال: كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّتين مرَّتين، والإقامة واحدة، غير أنَّ المؤذِّن كان إذا قال: قد قامت الصَّلاة قال: قد قامت الصَّلاة - مرَّتين (3) -.
ز: قد تقدَّم ذكر من روى هذا الحديث في مسألة التَّرجيع (4) O.
542- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا محمد بن غالبٍ ثنا عبد الله بن عبد الوهَّاب ثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن (5) عبد الملك بن أبي مَحْذُورة قال: حدَّثني عبد الملك أنَّه سمع أباه أبا مَحْذُورة يحدِّث: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة (6) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/157) ؛ (فتح - 2/82 - رقم: 605) وفيه: (ويوتر الإقامة إلا الإقامة) .
(2) "صحيح مسلم": (2/2 - 3) ؛ (فؤاد - 1/286 - رقم: 378) من رواية عبد الوارث بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد كلاهما عن أيوب به، ومن رواية خالد الحذاء عن أبي قلابة به.
وفي هامش الأصل: (حـ: رواه من غير طريق سماك) ا. هـ
(3) "سنن الدارقطني": (1/239) .
(4) برقم: (534) .
(5) في (ب) : (عن) خطأ.
(6) "سنن الدارقطني": (1/238) .(2/58)
احتجُّوا:
543- بما روى التِّرمذيُّ: ثنا أبو سعيد الأشَجُّ ثنا عُقبة بن خالد عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن مُرَّة عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيدٍ قال: كان أذان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شفعًا شفعًا، في الأذان والإقامة (1) .
544- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعدٍ ثنا الحسن بن يونس الزَّيَّات ثنا أسود بن عامر ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن الأعمش عن عمرو بن مُرَّة عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبلٍ قال: قام عبد الله بن زيدٍ فقال: يا رسول الله، رأيتُ في النَّوم كأن رجلاً نزل من السَّماء - فأذَّن مثنى مثنى - ثم جلس، ثم قام فقال: مثنى مثنى. فقال: " علِّمها بلالاً ". فقال عمر: قد رأيت مثل الذي رأى، ولكنَّه سبقني (2) .
545- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا إبراهيم بن محمد ثنا إبراهيم بن دينار ثنا زياد بن عبد الله البَكَّائِيُّ ثنا إدريس الأَوْديُّ عن عون بن أبي جُحَيفة عن أبيه أنَّ بلالاً أذَّن لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى صوتين صوتين، وأقام مثل ذلك (3) .
546- قالوا: وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ: أنَّ الأسود بن يزيد وسُويد بن غَفَلَة قالا: كان بلال يثنِّي الإقامة (4) .
__________
(1) "الجامع": (1/236 - رقم: 194) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/242) .
(3) المرجع السابق.
(4) "سنن الدارقطني": (1/242) من رواية الأسود بن يزيد، وأما رواية سويد فلم نرها في مطبوعة "سنن الدارقطني"، ولا ذكرها الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة": (2/641 - رقم: 2426) .(2/59)
547- وقال مجاهد: كان الأذان والإقامة مثنى مثنى، فلمَّا قام بنو أميَّة أفردوا الإقامة.
548- وقال النَّخعيُّ: أوَّل من نقص الإقامة معاوية.
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فقال التِّرمذيُّ: لم يسمع ابن أبي ليلى من ابن زيد.
وأمَّا الحديث الثَّاني: فقال ابن خزيمة: لم يسمع ابن أبي ليلى من معاذ (1) .
وأمَّا الثَّالث: فيرويه زياد عن إدريس الأَوْدِيِّ، ووَهِمَ عليه فيه، وقال يحيى: زياد ليس بشيءٍ (2) . وقال ابن المدينيِّ: لا أروي عنه (3) .
فإن قيل: قد وثَّقه أحمد - في رواية - (4) -، وقال أبو زرعة: صدوق (5) .
قلنا: الجرح مقدّمٌ.
وأمَّا الأسود وسُويد فلم يدركا بلالاً (6) .
__________
(1) "صحيح ابن خزيمة": (1/200 - رقم: 384) .
(2) "التاريخ" برواية الدوري: (3/278 - رقم: 1331) .
(3) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/79 - رقم: 529) من رواية محمد بن يحيى عنه.
(4) قال ابن الجوزي في "الضعفاء": (1/301 - رقم: 1302) : (قال أحمد - في رواية -: هو ثقة) ا. هـ ولم نقف على نص صريح في توثيق أحمد له، وإنما قوَّى أمره في بعض الروايات عنه، انظر: "العلل" برواية عبد الله: (3/298 - رقم: 5325) ؛ و" سؤالات الآجري لأبي داود ": (1/180 - رقم: 118) ؛ و"تاريخ بغداد" للخطيب: (8/477 - رقم: 4592) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/538 - رقم: 2425) .
(6) في هامش الأصل: (حـ: روى " س " حديثان من رواية الأسود عن بلال) ا. هـ
وانظر: "سنن النسائي": (2/14 - رقم: 649) .(2/60)
وما ذكروا عن مجاهد: لا يعرف.
وما ذكروه عن النَّخعيِّ: فالمحفوظ (نَقَضَ الإقامة) بالضَّاد المعجمة، ونقضُه لها: أنَّها كانت فرادى فجعلها مثنى.
قال أبو عبد الله الحاكم: والدَّليل على أنَّ المنقول كذا، أنَّا روينا عن النَّخعيِّ ما يوافق مذهبنا، فلو كان عنده سنَّةٌ صحيحةٌ لم يخالفها.
وأحاديثنا أصحُّ، والجمهور معنا، قال بكير بن عبد الله بن الأشج: أدركت أهل المدينة في الأذان مثنى مثنى، وفي الإقامة مرَّة.
وبكير: من كبار التَّابعين، وهو يخبر بهذا عن الصَّحابة والتَّابعين في دار الهجرة.
ثمَّ إنَّ مذهبنا مرويٌّ عن الخلفاء الأربعة - كان يقام لهم مرَّة -، وعن ابن عمر وابن عباس وأنس، وفقهاء المدينة السَّبعة - سعيد بن المسيَّب وأبي بكر بن عبد الرَّحمن والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار وخارجة بن زيدٍ وعبيد الله بن عبد الله وعروة -، وهو مذهب الحسن وسالم وعمر بن عبد العزيز والزُّهريِّ والقُرَظيِّ والأوزاعيِّ والليث ومالك والشَّافعيِّ وابن راهويه في خلقٍ كثير.
وما ذهب الخصم إليه لم ينقل إلا عن الثَّوريِّ وابن المبارك، وفي الحديث: " عليكم بالسَّواد الأعظم ". وهو معنا بحمد الله.
ز: حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه: حديثٌ منكرٌ.
وزياد بن عبد الله البَكَّائِيُّ: روى له البخاريُّ مقرونًا بغيره (1) ، واحتجَّ
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/587 - رقم: 396) .(2/61)
به مسلمٌ (1) ، وصدَّقه جماعة وتكلَّم فيه آخرون.
وحديث: " عليكم بالسَّواد الأعظم ": ليس بصحيحٍ.
وفي بعض كلام المؤلِّف في هذه المسألة نظرٌ، كقوله: (إنَّ بكيرًا من كبار
التَّابعين) ، وقوله: (إن الأسود بن يزيد وسُويد بن غَفَلَة لم يدركا بلالاً) ،
والله أعلم O.
* * * * *
مسألة (101) : يقول: " قد قامت الصَّلاة " مرَّتين.
وقال مالك: مرَّة.
لنا:
ما تقدَّم من الأخبار، وفيها كلُّها كمذهبنا.
احتجُّوا:
549- بما روى الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا بشر بن موسى ثنا الحُميديُّ ثنا عبد الرَّحمن بن سعد بن عمَّار بن سعد بن عائذ القَرَظَ قال: حدَّثني عمَّار وعمر ابنا حفص بن سعد القَرَظَ عن عمر بن سعد عن أبيه سعد أنَّه سمعه يقول: هذا الأذان أذان بلال ... - فذكره، ثمَّ قال: - والإقامة واحدة، تقول: " قد قامت الصَّلاة " مرَّة واحدةً (2) .
__________
(1) رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/222 - رقم: 480) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/236) .(2/62)
والجواب: إن أحاديثنا أكثر ورواتنا أحفظ، وقد دام على مذهبنا أهل المدينة.
ز: 550- وقد احتج مالكٌ بحديث أنس: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
رواه البخاريُّ (1) ومسلمٌ (2) ، لكن زاد البخاريُّ: إلا الإقامة (3) O.
* * * * *
مسألة (102) : يجوز الأذان للفجر قبل طلوعه.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
551- قال أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " إنَّ بلالاً يؤذِّن بليلٍ، فكلُوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أمِّ مَكْتُوم " (4) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/157) ؛ (فتح - 2/82 - رقم: 605) .
(2) "صحيح مسلم": (2/2 - 3) ؛ (فؤاد - 1/286 - رقم: 378) .
(3) في هامش الأصل: (حاشية: قد روى مسلم هذه الزيادة أيضاً في بعض طرقه) ا. هـ والذي يبدو - والله أعلم - أن هذه الحاشية ليست من المنقِّح.
والذي في "صحيح مسلم" نصه: (حدثنا خلف بن هشام ثنا حماد بن زيد (ح) وثنا يحيى ابن يحيى أنا إسماعيل بن علية جميعاً عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس قال: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
زاد يحيى في حديثه عن ابن علية: فحدَّثت به أيوب، فقال: إلا الإقامة) ا. هـ
(4) "المسند": (2/9) .(2/63)
أخرجاه في "الصَّحيحين" (1) .
552- أنا يحيى بن ثابت بن بندار أنا أبي أنا أبو بكر البَرْقَانيُّ أنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيليُّ أنا الفريابيُّ ثنا إسحاق بن موسى ثنا عَبْدة بن سليمان ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر؛ وعن القاسم عن عائشة قالا: كان للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤذِّنان: بلال وابن أمِّ مكتوم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بلالاً يؤذِّن بليلٍ، فكُلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أمِّ مكتوم ".
أخرجاه في "الصَّحيحين" (2) .
553- وقال أحمد: ثنا وكيع ثنا أبو هلال عن سوادة بن حنظلة عن سَمُرة بن جُنْدب قال: قال رسول الله: " لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق " (3) .
انفرد بإخراجه مسلمٌ (4) .
554- وقال أبو داود: ثنا عبد الله بن مَسْلمة ثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرَّحمن بن زياد عن زياد بن نُعَيم (5) أنَّه سمع زياد بن الحارث الصُّدائِيَّ قال: لمَّا كان أوَّل أذان الصُّبح، أمرني النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأذَّنت، فجعلتُ
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/160) ؛ (فتح - 2/99 - رقم: 617) .
"صحيح مسلم": (3/128) ؛ (فؤاد - 2/768 - رقم: 1092) .
(2) "صحيح البخاري": (1/161) ؛ (فتح - 2/104 - رقمي: 622 - 623) .
"صحيح مسلم": (3/129) ؛ (فؤاد - 2/768 - رقم: 1092) .
(3) "المسند": (5/13 - 14) .
(4) "صحيح مسلم": (3/130) ؛ (فؤاد - 2/769 - 770 - رقم: 1094) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: زياد بن نعيم هو: زياد [بن ربيعة] بن نعيم، وثقه العجلي) ا. هـ
وما بين المعقوفتين لم يظهر في مصورتنا، واستدرك من "تهذيب الكمال" للمزي: (9/460 - رقم: 2041) ، وتوثيق العجلي في " ثقاته ": (ترتيبه - 1/375 - رقم: 516) .(2/64)
أقول: أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق إلى الفجر، فيقول: " لا ". حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرَّز، ثُمَّ انصرف فتوضَّأَ، فأراد بلال أن يقيم، فقال له: " إنَّ أخا صُداءٍ أذَّن، ومن أذَّن فهو يقيم ". فأقمتُ (1) .
قالوا: عبد الرَّحمن بن زياد هو: الإفريقيُّ، وهو ضعيفٌ.
قلنا: قد قوَّى أمره البخاريُّ، وقال: هو مقارب الحديث (2) .
ز: وروى حديث زياد أيضًا: الإمام أحمد (3) وابن ماجه (4) والتِّرمذيُّ، قال: وفي الباب عن ابن عمر، وحديث زياد إنَّما نعرفه من حديث الإفريقيِّ، وهو عبد الرَّحمن بن زياد بن أنعم، وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث، ضعَّفه يحيى بن سعيد القطَّان وغيره، ورأيتُ محمد بن إسماعيل يقوِّي أمره ويقول: هو مقارب الحديث (5) .
وقال أحمد: ليس بشيءٍ، نحن لا نروي عنه شيئًا (6) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقويِّ (7) . وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الثِّقات (8) O.
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/397 - رقم: 515) .
(2) انظر كلام التِّرمذيُّ الآتي.
(3) "المسند": (4/169) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/237 - رقم: 717) .
(5) "الجامع": (1/240 - 241 - رقم: 199) .
(6) "الميزان" للذهبي: (2/562 - رقم: 4866) ، وفي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (5/234 - 235 - رقم: 1111) من رواية أبي طالب عن أحمد قال: (ليس بشيء) ا. هـ
وفي "الضعفاء" لابن الجوزي: (2/94 - رقم: 1870) : (قال أحمد: نحن لا نروي عنه شيئًا) ا. هـ
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 274 - رقم: 337) .
(8) "المجروحون": (2/50) .(2/65)
فإن قيل: كان بلال مريض العين لا يحقِّق الفجر، واستدلوا: 555- بما روى أحمد: ثنا عفَّان ثنا همَّام قال: حدَّثني سوادة قال: سمعت سَمُرَة بن جُنْدب يقول: إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يغرَّنكم نداء بلال، فإنَّ في بصره سوءًا " (1) .
ز: رواه أبو داود (2) والتِّرمذيُّ (3) والنَّسائيُّ (4) .
وسوادة هو: ابن حنظلة القُشَيرْيُّ البصريُّ، إمام مسجد بني قُشَيرْ، قال أبو حاتم: شيخٌ (5) . وذكره ابن حِبان في كتاب "الثِّقات" (6) ، ولم يرووا له غير هذا الحديث O.
556- وقال عبد بن حميد: ثنا محمد بن الفضل ثنا حمَّاد بن سلمة عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر: أنَّ بلالاً أذَّن قبل طلوع الفجر، فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرجع فينادي: ألا إنَّ العبد نام - ثلاث مرَّات -، فرجع فنادى: ألا إنَّ العبد نام (7) .
ز: رواه أبو داود، وقال: رواه الدَّراوَرْدِيُّ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان لعمر مؤذِّنٌ - يقال له: مسعود - ... وذكر نحوه.
__________
(1) "المسند": (5/9) .
(2) "سنن أبي داود": (3/144 - رقم: 2338) .
(3) "الجامع": (2/79 - رقم: 706) .
(4) "سنن النسائي": (4/148 - رقم: 2171) .
(5) "الجرح والتعديل": لابنه: (4/292 - رقم: 1265) .
(6) "الثقات": (4/340) .
(7) "المنتخب من مسند عبد": (2/27 - 28 - رقم: 280) .(2/66)
وقال: هذا أصحُّ من ذلك (1) .
وذكر التِّرمذيُّ لفظ الحديث، وقال: هذا حديثٌ غير محفوظٍ، والصَّحيح عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ بلالاً يؤذِّن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أمِّ مكتوم".
وذكر عن عليِّ بن المدينيِّ أنَّه قال: هو غير محفوظ (2) .
وقد حكى المؤلِّف كلام التِّرمذيِّ في هذا الحديث، وسيأتي (3) .
وقال الحاكم: أنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال: سمعت أبا بكر المطرِّز يقول: سمعت محمد بن يحيى يقول: حديث حمَّاد بن سلمة عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر أنَّ بلالاً أذَّن قبل طلوع الفجر = شاذٌ، غير واقعٍ على القلب، وهو خلاف ما رواه النَّاس عن ابن عمر (4) .
وقال أحمد بن حنبل: ثنا شعيب بن حرب قال: قلت لمالك بن أنس: أليس قد أمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً أن يعيد الأذان؟ فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ بلالاً يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا ... ". قلت: أليس قد أمره أن يعيد الأذان؟
قال: لا، لم يزل الأذان عندنا بليلٍ (5) .
وقال ابن بكير: قال مالك: لم يزل الصُّبح ينادى بها قبل الفجر، فأمَّا غيرها من الصَّلوات فإنَّا لم نر ينادى لها إلا بعد أن يحلَّ وقتها (6) O.
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/405 - 406 - رقمي: 533 - 534) .
(2) "الجامع": (1/244 - 245 - رقم: 203) .
(3) برقم: (560) .
(4) "سنن البيهقي": (1/383) .
(5) "سنن البيهقي": (1/385) ، وانظر: "التمهيد" لابن عبد البر (17/5 - 6) .
(6) "سنن البيهقي": (1/385) ، وانظر " الموطأ " برواية الليثي: (1/72 - رقم: 7) .(2/67)
557- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن نوحٍ الجند يسابوري ثنا معمر بن سهلِ ثنا عامر بن مدرك ثنا عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع عن ابن عمر أنَّ بلالاً أذَّن قبل الفجر، فغضب النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن ينادي: إنَّ العبد نام.
فوجد بلالٌ وجداً شديداً (1) .
558- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا العباس بن عبد السَّميع الهاشميُّ ثنا محمد بن سعد العَوْفِيُّ ثنا أبي ثنا أبو يوسف القاضي عن سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة عن أنس أنَّ بلالاً أذَّن قبل الفجر، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصعد فينادي: إنَّ العبد نام. ففعل وقال: ليت بلالاً لم تلده أمُّه ... وابتل من نضح دمٍ جبينُه (2)
559- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا يحيى بن محمد بن صاعدٍ أنا أحمد بن عثمان بن حكيم ثنا محمد بن القاسم الأسديُّ ثنا الرَّبيع بن صَبيح عن الحسن عن أنس بن مالك قال: أذَّن بلالٌ، فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد، فرقي وهو يقول: ليت بلالاً ثكلته أمُّه ... وابتل من نضح دمٍ جبينُه يردِّدها حتى صعد، ثمَّ قال: إنَّ العبد نام - مرَّتين -. ثمَّ أذَّن حين أضاء الفجر (3) .
وقد روي هذا عن الحسن وحميد بن هلال وغيرهما من التَّابعين، يذكرون ذلك عن بلال.
ويؤكِّد هذا:
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/245) .
(2) "سنن الدارقطني": (1/245) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/245) .(2/68)
560- ما روى أبو داود من حديث شدَّاد - مولى عياض بن عامر - عن بلال أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تؤذِّن حتى يستبينَ لك الفجرُ هكذا ".
ومدَّ يديه عَرْضًا (1) .
والجواب:
أمَّا الحديث الأوَّل: فقد رواه جماعة ولم يقولوا: في بصره سوءٌ (2) .
وأمَّا حديث حمَّاد بن سلمة: فوهمٌ منه، قال التِّرمذيُّ: قال عليِّ بن المدينيِّ: حديث حمَّاد غير محفوظٍ، أخطأ فيه حمَّاد بن سلمة (3) .
وقد تابعه على ذلك سعيد بن زَرْبيِّ عن أيُّوب، وكان ضعيفًا، قال يحيى: ليس بشيءٍ (4) . وقال البخاريُّ: عنده عجائب (5) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقةٍ (6) . وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات عن الأثبات (7) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصَّواب: ما روى شعيب بن حربٍّ عن عبد العزيز ابن أبي روَّاد عن نافع عن مؤذِّنٍ لعمر- كان يقال له: مسروح - أذَّن قبل الصُّبح فأمره عمر أن يرجع فينادي ...
قال: وقد رواه عامر بن مدرك عن عبد العزيز بن أبي روَّاد، ووهم فيه
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/406 - 407 - رقم: 535) .
(2) في هامش الأصل: (الزيادة من الثقة مقبولة) ا. هـ
(3) "الجامع": (1/245 - رقم: 203) .
(4) "التاريخ" برواية الدوري: (4/89 - رقم: 3290) ، وبرواية الدارمي: (ص: 127 - رقم: 394) ، ورواية ابن الجنيد: (ص: 392 - رقم: 493) .
(5) " التاريخ الأوسط ": (2/136) ، وفي "التاريخ الكبير": (3/473 - رقم: 1582) : (صاحب عجائب) .
(6) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 122 - رقم: 278) .
(7) "المجروحون": (1/318) .(2/69)
عامر، والصَّواب ما ذكرنا عن شعيب بن حرب (1) .
قال التِّرمذيُّ: لعلَّ حمَّاد بن سلمة أراد حديث مؤذِّن عمر (2) .
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأمَّا حديث أبي يوسف القاضي فتفرَّد به عن سعيد (3) ابن أبي عَرُوبة، وغيره يرسله عن قتادة (4) أنَّ بلالاً - ولا يذكر أنساً -، والمرسل أصحُّ (5) .
وأما حديث أنس الثَّاني: فإنَّ محمد بن القاسم مجروحٌ، قال أحمد بن حنبل: أحاديثه موضوعة، ليس بشيءٍ، رمينا حديثه (6) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (7) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يكذب (8) .
وفي إسناده أيضاً: الرَّبيع بن صَبيح، قال عفَّان: أحاديثه كلُّها مقلوبة (9) . وقال يحيى: ضعيف الحديث (1) . وقال في روايةٍ: ليس به بأسٌ (11) . وقال ابن حِبَّان: كان رجلاً صالحاً، ليس الحديث من صناعته، فوقع في حديثه المناكير من حيث لا يشعر (12) .
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/244 - 245) بتصرف.
(2) "الجامع": (1/244 - رقم: 203) .
(3) في "التحقيق": (شعيب) !
(4) في "سنن الدارقطني": (عن سعيد عن قتادة) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/245) بتصرف يسير.
(6) "العلل" برواية عبد الله: (2/171 - رقم: 1899) وفيه: (يكذب، أحاديثه أحاديث موضوعة، ليس بشيء) . وأما قوله: (رمينا حديثه) فذكره ابن عدي في "كامله": (6/ 249 - رقم: 1727) .
(7) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 211 - رقم: 545) .
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 348 - رقم: 478) .
(9) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/465 - رقم: 2084) من رواية الفلاس عنه.
(10) المرجع السابق، من رواية ابن أبي خيثمة عنه.
(11) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 111 - رقم: 334) .
(12) "المجروحون": (1/296) مع اختلاف يسير.(2/70)
وما روي عن الحسن وغيره: فمقاطيع.
وكذلك حديث شدَّاد: فإنَّه لم يلق بلالاً.
وقال محمد بن إسحاق بن خُزيمة: كان الأذان نوباً بين بلال وابن أمِّ مكتوم، فكان يتقدَّم بلال مرَّة، ويتأخر ابن أمِّ مكتوم، ويتقدَّم ابن أمِّ مكتوم، ويتأخر بلال، فيجوز أن يكون قال هذا في اليوم الذي كان نوبته التأخير (1) .
561- ز: روى خبيب بن عبد الرَّحمن عن عمَّته أنيسة بنت خبيب قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أذَّن ابن أمِّ مكتوم فكلُوا واشربوا، وإذا أذَّن بلال فلا تأكلُوا ولا تشربوا ". فإن كانت المرأة منَّا ليبقى عليها شيءٌ من سحورها، فتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري.
رواه الإمام أحمد (2) وأبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" (3) وأبو حاتم ابن حِبَّان في كتاب " الأنواع والتقاسيم " (4) .
قال ابن خزيمة: هذا خبرٌ قد اختلف فيه - يعني: على خبيب بن عبد الرَّحمن -، رواه شعبة عنه عن عمَّته أنيسة، فقال: ابن أمِّ مكتوم - أو بلال - ينادي بليلٍ ... (5) .
562- وروى ابن خزيمة أيضاً عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ ابن أمِّ مكتوم يؤذِّن بليلٍ، فكلُوا واشربوا حتى يؤذِّن بلال ". وكان (6) بلال لا
__________
(1) انظر: "صحيح ابن خزيمة": (1/212 - رقم: 408) ، وما سيأتي في كلام المنقح. (2) "المسند": (6/433) .
(3) "صحيح ابن خزيمة": (1/210 - 211 - رقم: 405) .
(4) "الإحسان" لابن بلبان: (8/252 - رقم: 3474) .
(5) "صحيح ابن خزيمة": (1/210 - رقم: 404) .
(6) في مطبوعة "صحيح ابن خزيمة": (فإن) .(2/71)
يؤذِّن حتى يرى الفجر (1) .
قال: وليس هذا الخبر يضاد خبر سالم عن ابن عمر، وخبر القاسم عن عائشة، إذ جائزٌ أن يكون النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان جعل الأذان بالليل نوائب بين بلال وبين [ابن] (2) أمِّ مكتوم، فأمر في بعض الليالي بلالاً أن يؤذِّن أولاً بالليل، فإذا نزل بلال صعد ابن أمِّ مكتوم فأذَّن بعده بالنَّهار، فإذا جاءت نوبة ابن أمِّ مكتوم بدأ ابن أمِّ مكتوم فأذَّن بليلٍ، فإذا نزل صعد بلال فأذَّن بعده بالنََّهار، فكانت مقالة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بلالاً يؤذِّن بليل ... " في الوقت الذي كانت النوبة لبلالٍ في الأذان بالليل، وكانت مقالته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن ابن أمِّ مكتوم يؤذِّن بليلٍ ... " في الوقت الذي كانت النَّوبة في الأذان بالليل نوبة ابن أمِّ مكتوم، فكان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم النَّاس في كلا الوقتين أنَّ أذان الأوَّل منهما هو أذانٌ بليلٍ لا بنهارٍ، وأنَّه لا يمنع من أراد الصَّوم طعمًا ولا شرابًا، وأنَّ أذان الثَّاني إنَّما يمنع الطُّعم والشرب إذ هو بنهارٍ لا بليلٍ (3) .
وقد حكى المؤلِّف بعض ذلك عن ابن خزيمة، وفيه نظرٌ من وجوهٍ كثيرةٍ.
563- وعن زيد بن ثابت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ ابن أمِّ مكتوم يؤذِّن بليلٍ، فكلُوا واشربوا حتى يؤذِّن بلال".
رواه البيهقيُّ من رواية الواقديِّ (4) ، وليس بحجَّةٍ O.
* * * * *
__________
(1) "صحيح ابن خزيمة": (1/211 - رقم: 406) .
(2) زيادة من (ب) و"صحيح ابن خزيمة".
(3) "صحيح ابن خزيمة": (1/212 - 213 - رقم: 408) .
(4) "سنن البيهقي": (1/382 - 383) .(2/72)
مسألة (103) : يثوِّب في أذان الفجر.
وقال الشَّافعيُّ: لا يثوَّب.
لنا ثلاثة أحاديث:
564- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا حسن بن الرَّبيع ثنا أبو (1) إسرائيل ثنا الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا أثوِّب في شيءٍ من الصَّلاة إلا في صلاة الفجر (2) .
قالوا: أبو إسرائيل اسمه: إسماعيل بن أبي إسحاق، وهو ضعيفٌ، ثمَّ لم يسمعه من الحكم، إنَّما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم.
قلنا: مجرَّد التَّضعيف لا يقبل حتى يتبيَّن سببه، وقد ذكرنا عنه أنَّه قال: ثنا الحكم.
ز: روى هذا الحديث ابن ماجه (3) والتِّرمذيُّ وقال: لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل المُلائِيِّ، واسمه: إسماعيل بن أبي إسحاق، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم، فقال: إنَّما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم، وأبو إسرائيل ليس بذاك القويِّ (4) .
__________
(1) في مطبوعة "المسند": (ابن) خطأ.
(2) "المسند": (6/14) .
(3) "سنن ابن ماجه": (1/237 - رقم: 715) .
(4) "الجامع": (1/239 - رقم: 198) بتقديم وتأخير.(2/73)
وقال يحيى بن معين: أبو إسرائيل صالح الحديث (1) . وقال مرَّةً: ضعيفٌ (2) . وقال البخاريُّ: تركه ابن مهديٍّ، وكان يشتم عثمان. وقال في موضعٍ آخر: يضعِّفه أبو الوليد، قال: سألته عن حديث ابن أبي ليلى عن بلال - وكان يرويه عن الحكم - في الأذان، فقال: سمعته من الحكم أو الحسن بن عمارة (3) . وقال النَّسائيُّ: ضعيفٌ (4) . وقال مرَّةً: ليس بثقةٍ (5) . وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة ما يرويه يخالف الثِّقات، وهو في جملة من يكتب حديثه (6) .
وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث أبي مسعود عبد الرَّحمن بن الحسن الموصليِّ الزَّجاج عن أبي سعيد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى (7) .
قال أبو حاتم الرَّازيُّ في عبد الرَّحمن بن الحسن: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به (8) .
__________
(1) "تهذيب الكمال" للمزي: (3/78 - رقم: 440) من رواية إسحاق بن منصور، وهي عند ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (2/166 - رقم: 559) ولكنه وقع في المطبوع: (صالح) فحسب.
(2) "الضعفاء الكبير" للعقيلي: (1/76 - 77 - رقم: 80) من رواية معاوية بن صالح.
(3) "التاريخ الكبير": (1/346 - رقم: 1091) ؛ و" التاريخ الأوسط ": (2/115 - رقم: 1265) ؛ و"الضعفاء الصغير": (ص: 409 - رقم: 15) .
وفي هامش الأصل: (الحسن بن عمارة كذَّبه شعبة، وقال السهيلي: اتفقوا على ضعفه. قال شيخنا في " الزهر الباسم ": ليس كذلك فقد وثَّقه يزيد بن هارون والفلاس) ا. هـ
والظاهر أن هذه الحاشية ليست لابن عبد الهادي، وصاحب " الزهر الباسم " هو مغلطاي، قال ابن فهد في " لحظ الألحاظ ": (ص: 139) تحت ترجمته: (ووضع شيئاً على " الروض الأنف " للسهيلي، سمَّاه: " الزهر الباسم ") ا. هـ
(4) "تهذيب الكمال" للمزي: (3/80 - رقم: 440) .
(5) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 54 - رقم: 44) .
(6) "الكامل" لابن عدي: (1/291 - رقم: 126) .
(7) "سنن الدارقطني": (1/243) .
(8) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/227 - رقم: 1071) .(2/74)
و (أبو سعيد) : الظَّاهر أنه أبو سعد (1) ، وهو سعيد بن المرزبان، وقد ضعَّفه غير واحدٍ.
565- وقال البيهقيُّ: أنا عليُّ بن محمد بن بشران أنا أبو جعفر الرَّزاز (2) ثنا يحيى بن جعفر أنا عليُّ بن عاصم أنا عطاء بن السَّائب عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: أمرني رسول الله أن لا أثوِّب إلا في الفجر.
قال البيهقيُّ: هذا مرسلٌ، فإنَّ عبد الرَّحمن بن أبي ليلى لم يلق بلالاً (3) O.
566- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أبو الأزهر ثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريجٍ ثنا عثمان بن السَّائب - مولى لهم - عن أبيه السَّائب عن أبي مَحْذُورة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه الأذان، وقال: " إذا أذَّنت من الصُّبح (4) فقل: الصَّلاة خيرٌ من النَّوم " (5) .
567- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ثنا أبو أسامة ثنا ابن عونٍ عن محمد عن أنسٍ قال: من السُّنَّة إذا قال المؤذِّن في صلاة الفجر: حيَّ على الفلاح. قال: الصَّلاة خيرٌ من النَّوم (6) .
ز: رواه أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" عن محمد بن عثمان (7) O.
* * * * *
__________
(1) في (ب) : (سعيد) خطأ.
(2) في (ب) : (الرزازي) خطأ.
(3) "سنن البيهقي": (1/424) .
(4) في "سنن الدارقطني": (بالأولى من الصبح) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/235) .
(6) "سنن الدارقطني": (1/243) .
(7) "صحيح ابن خزيمة": (1/202 - رقم: 386) .(2/75)
مسألة (104) : والتَّثويب ما ذكرنا.
قال أحمد: التَّثويب: أن يقول في أذان الفجر: الصَّلاة خيرٌ من النَّوم.
وقال الحنفيُّون: هو أن يقول بين الأذان والإقامة: "الصَّلاة خيرٌ من النَّوم" مرَّتين، ويعيد قوله: "حيَّ على الفلاح" مرَّتين.
لنا:
ما تقدَّم من الأحاديث " (1) .
واحتجُّوا:
بأنَّ [بلالاً] (2) أذَّن، ودعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصَّلاة، وقالوا: إنَّه نائمٌ. فقال: الصَّلاة خيرٌ من النَّوم.
وقد سبق هذا الحديث، وقد ذكرنا عن سعيد بن المسيَّب أنَّ تلك الكلمة دخلت في الأذان (3) .
ز: " قال إسحاق فيما ذهب إليه الحنفيَّة: هذا شيءٌ أحدثه النَّاس.
وقال التِّرمذيُّ: هذا التَّثويب الذي كرهه أهل العلم (4) O.
* * * * *
__________
(1) في المسألة السابقة.
(2) في الأصل و (ب) : (بلال) ، والمثبت من "التحقيق".
(3) برقم: (532) .
(4) "الجامع": (1/239 - رقم: 198) .(2/76)
مسألة (105) : المستحبُّ أن يقيم من أذَّن.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يستحبُّ.
لنا:
حديث الصُّدَائِيّ، وقد سبق (1) .
واحتجُّوا:
568 - بما روى أحمد: ثنا زيد بن الحبُاب العُكْليُّ أنا أبو سهل (2) محمد ابن عمرو قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن زيدٍ عن عمِّه عبد الله بن زيدٍ أنَّه أري الأذان، قال: فجئت إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فقال: "ألقه على بلال".
فألقيته، فأذَّن. قال: فأراد أن يقيم، فقلت: يا رسول الله، أنا رأيت فأريد أن أقيم. قال: " فأقم أنت ". قال: فأقام هو، وأذَّن بلالٌ (3) .
والجواب: أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد تطييب قلبه، لأنَّه رأى المنام.
ز: أبو سهل محمد بن عمرو هو: الأنصاريُّ، وهو ضعيفٌ، تكلَّم فيه يحيى بن معين (4) وغيره.
__________
(1) برقم: (554) .
(2) أقحمت في مطبوعة "المسند": (عن) ، وهو على الصواب في "أطرافه" لابن حجر: (3/23 - رقم: 3162) .
(3) "المسند": (4/42) .
(4) قال في "التاريخ" برواية الدوري: (4/96 - رقم: 3328) : (ضعيف) .(2/77)
وقد روى هذا الحديث أبو داود:
عن عثمان بن أبي شيبة عن حمَّاد بن خالد عن محمد بن عمرو عن محمد بن عبد الله عن عمِّه عبد الله بن زيدٍ بنحوه.
وعن عبيد الله بن عمر القَواريريَّ عن عبد الرحمن بن مهديٍّ عن محمد بن عمرو قال: سمعتُ عبد الله بن محمد قال: كان جدِّي عبد الله بن زيد ... بهذا الخبر، قال: فأقام جدِّي (1) .
وقد روي عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه عن جدِّه O.
* * * * *
مسألة (106) : يجوز أن يدور المؤذِّن في مجال المنارة.
وعنه: يكره، كقول الشَّافعيِّ.
569- قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن عون بن أبي جُحَيْفة عن أبيه قال: أتيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأبطح - وهو في قبَّةٍ له حمراء -، قال: فخرج بلالٌ بفضل وَضوءه، فبين ناضحٍ ونائلٍ! قال: فأذَّن بلالٌ، فكنت أتتبع فاه هكذا وهكذا. يعني: يميناً شمالاً (2) .
أخرجاه في "الصَّحيحين" (3) .
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/397 - رقمي: 513 - 514) .
(2) "المسند": (4/308 - 309) .
(3) "صحيح البخاري": (1/163) ؛ (فتح - 2/114 - رقم: 634) .
"صحيح مسلم": (2/56) ؛ (فؤاد - 1/360 - رقم: 503) .(2/78)
ز: ورواه أبو داود، وفيه: فلمَّا بلغ: حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح. لَوَى عُنُقَه يميناً وشمالاً، ولم يَستَدر (1) .
وفي رواية لأحمد (2) والتِّرمذيِّ (3) : رأيتُ بلالاً يؤذِّن، وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وإصبَعاه في أُذنيه.
وقال التِّرمذيُّ: [هذا حديثٌ حسنٌ] (4) صحيحٌ.
ولابن ماجه: فاستدَارَ في أذانه، وجعل أصبعيه في أذنيه (5) O.
* * * * *
مسألة (107) : يسنُّ الجلوس بين أذان المغرب وإقامتها.
وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: لا يسنُّ.
570- قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن الحسن ثنا مُعَلَّى بن أسد ثنا عبد المنعم - وهو صاحبُ السِّقاء - ثنا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبلال: " يا بلال، إذا أذَّنت فترسَّل، وإذا أقمت فاحْدُر،
__________
(1) "سنن أبي داود": (1/399 - 400 - رقم: 521) .
(2) "المسند": (4/308) .
(3) "الجامع": (1/237 - 238 - رقم: 197) .
(4) في الأصل: (حديث) ، والمثبت من (ب) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/236 - رقم: 711) .(2/79)
واجعل بين أذانكَ وإقامتكَ قدرَ ما يفرغُ الآكلُ من أكلهِ، والشَّاربُ من شربِه، والمعتصرُ إذا دخل لقضاء حاجتِه ".
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من حديث عبد المنعم، وهو إسنادٌ مجهولٌ (1) .
ز: 571 - قال الحاكم: ثنا أبو بكر بن إسحاق أنا عليُّ بن عبد العزيز ثنا عليُّ بن حمَّاد بن أبي طالب ثنا عبد المنعم بن نعيم الرِّياحِيُّ ثنا عمرو بن فائد ثنا يحيى بن مسلمٍ عن الحسن وعطاء عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبلال: " إذا أذَّنت فترسَّل في أذانك، وإذا أقمت فاحْدُر، واجعل بين أذانكَ وإقامتكَ قدر ما يفرغ الآكلُ من أكلِه، والشَّاربُ من شربه، والمعتصرُ إذا دخل لقضاء حاجتهِ ".
قال الحاكم: إسنادٌ بصريٌّ (2) .
عمرو بن فائد: اتهمه ابن المدينيِّ (3) ، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: متروكٌ (4) .
وعبد المنعم بن نعيم: ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ (5) ، وقال أبو حاتم: منكر الحديث (6) . وقال ابن حِبَّان: منكر الحديث جدًّا، لا يجوز الاحتجاج به (7) .
572- وعن أُبَيِّ بن كعبٍ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا بلال، اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً، يفرغ الآكلُ من طعامهِ في مهلٍ، ويقضي المتوضِّىءُ حاجتَه
__________
(1) "الجامع": (1/237 - رقم: 195) .
(2) "المستدرك": (1/204) ، ونص كلام الحاكم: (هذا حديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد، والباقون شيوخ البصرة، وهذه سنة غريبة لا أعرف لها إسناداً غير هذا، ولم يخرجاه) ا. هـ
(3) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (2/230 - رقم: 2581) ، وانظر: " سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لابن المديني ": (ص: 68 - رقم: 45) .
(4) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (2/230 - رقم: 2581) .
(5) ذكره في "الضعفاء والمتروكون": (ص: 287 - رقم: 360) ، وقال عنه في " سؤالات البرقاني ": (ص: 46 - رقم: 313 - ط: الهندية) : (متروك) ، ونقل عنه ابن الجوزي في "الضعفاء": (2/154 - رقم: 2192) أنه قال فيه: (ضعيف) .
(6) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/67 - رقم: 352) .
(7) "المجروحون": (2/158) .(2/80)
في مهلٍ ".
رواه عبد الله بن أحمد فيما زاده في "المسند" عن غير أبيه (1) .
573- وروى تمَّام في " فوائده " بإسناده عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " جلوس المؤذِّن بين الآذان والإقامة في المغرب سُنَّةٌ " (2) O.
* * * * *
مسألة (108) : لا يسنُّ في حقِّ النِّساء أذانٌ ولا إقامةٌ.
وقال الشَّافعيُّ: تسنُّ الإقامة.
574- وقد حكى أصحابنا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس على النِّساء أذانٌ ولا إقامة ".
وهذا لا نعرفه مرفوعاً، إنِّما رواه سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم النَّخعيِّ والشَّعبيِّ وسليمان بن يسار.
وحكي عن عطاء أنَّه قال: يُقِمن.
__________
(1) "المسند": (5/143) .
(2) " الروض البسام " للفهيد: (1/293 - رقم: 265) .(2/81)
575- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أحمد بن العباس البغويُّ ثنا عمر بن شَبَّة ثنا أبو أحمد الزُّبيريُّ ثنا الوليد بن جميع عن أمِّه عن أمِّ وَرَقة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِن لها أن يؤذَّن لها ويقام، وتؤمَّ نساءها (1) .
الوليد بن جميع ضعيفٌ، وأمُّه مجهولةٌ، قال ابن حِبَّان: لا يحتجُّ بالوليد ابن جميع (2) .
ز: وقد روى هذا الحديث أبو داود مطولاً من رواية الوليد بن جميع عن غير أمِّه، ثمَّ رواه مختصراً، فقال:
576- حدَّثنا الحسن بن حمَّاد الحضرميُّ ثنا محمد بن فضيل عن الوليد ابن جميع عن عبد الرَّحمن بن خلاَّد عن أمِّ وَرَقة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذِّناً يؤذِّن لها، وأمرها أن تَؤُمَّ أهل دارها. قال عبد الرَّحمن: فأنا رأيت مؤذِّنها شيخاً كبيراً (3) .
ورواه الإمام أحمد بمعناه (4) ، والبيهقيُّ وعنده: وأمر أن يؤذَّن لها ويقام، وتؤمَّ أهل دارها في الفرائض (5) .
والوليد بن عبد الله بن جميع: وثَّقه يحيى بن معين (6) ، وقال الإمام أحمد: ليس به بأسٌ (7) . وقال أبو زرعة: لا بأس به (8) . وقال أبو حاتم
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/279) .
(2) "المجروحون": (31/78 - 79) ، ونص كلامه: (كان ممن ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات، فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به) ا. هـ
(3) "سنن أبي داود": (1/430 - رقم: 593) .
(4) "المسند": (6/405) .
(5) "سنن البيهقي": (3/130) .
(6) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 222 - رقم: 838) ؛ وبرواية ابن محرز: (1/97 - رقم: 403) .
(7) " سؤالات أبي داود لأحمد ": (ص: 303 - رقم: 378) ، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/8 - رقم: 33) من رواية ابنه عبد الله، ولم نقف عليه في مطبوعة "العلل".
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/8 - رقم: 34) .(2/82)
الرَّازيُّ: صالح الحديث (1) . وروى له مسلمٌ في "صحيحه" (2) ، وقال عمرو ابن عليٍّ: كان يحيى بن سعيدٍ لا يحدِّثنا عن الوليد بن جميع، فلمَّا كان قبل موته بقليلٍ ثنا عنه (3) .
* * * * *
مسألة (109) : إذا فاتته صلوات، أذَّن وأقام للأولى، ثمَّ يقيم للبواقي.
وقال أبو حنيفة: يؤذِّن ويقيم لكلِّ صلاةٍ.
وقال مالكٌ: لا يؤذِّن.
وعن الشَّافعيِّ: كقولنا، وكقول مالك.
لنا:
577- ما روى أحمد: ثنا هشيم ثنا أبو الزُّبير عن نافع بن جُبير بن مُطْعِم عن أبي عُبيدة بن عبد الله قال: قال عبد الله: إنَّ المشركين شغلوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أربع صلواتٍ يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر
__________
(1) المرجع السابق.
(2) "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/299 - 300 - رقم: 1740) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (9/8 - رقم: 33) .(2/83)
بلالاً فأذَّن، ثُمَّ أقام فصلَّى الظُّهر، ثُمَّ أقام فصلَّى العصر، ثُمَّ أقام فصلَّى المغرب، ثُمَّ أقام فصلَّى العشاء (1) .
قال التِّرمذيُّ: ليس بهذا الإسناد بأسٌ، إلا أنَّ أبا عُبيدة لم يسمع من عبد الله (2) .
ز: وروى هذا الحديث النَّسائيُّ (3) والتِّرمذيُّ (4) من حديث هُشيم O.
* * * * *
مسألة (110) : وكذلك يفعل في صلاتي الجمع.
وقال أبو حنيفة: يجمع بأذانٍ وإقامتين بعرفة، وأذانٍ وإقامة بمزدلفة.
578- قال التِّرمذيُّ: ثنا بُندَار ثنا يحيى بن سعيد القطَّان ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك أنَّ ابن عمر صلَّى بجَمْعٍ، فجمع بين الصَّلاتين بإقامةٍ، وقال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل مثل هذا، في هذا المكان (5) .
وقد روى نحو هذا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليُّ بن أبي طالبٍ وابن مسعودٍ وجابرٍ وأسامة.
__________
(1) "المسند": (1/375) .
(2) "الجامع": (1/221 - رقم: 179) .
(3) "السنن الكبرى": (1/506 - رقم: 1626) .
(4) "الجامع": (1/220 - رقم: 179) .
وفي هامش الأصل حاشية مضروب عليها.
(5) "الجامع": (1/224 - رقم: 887) .(2/84)
ز: وروى حديث عبد الله بن مالك: أبو داود (1) ، وقال فيه التِّرمذيُّ: حديثٌ صحيحٌ حسنٌ (2) .
وهو حُجّةٌ لأبي حنيفة.
579- وعن أسامة بن زيدٍ قال: دفع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عرفة حتى إذا كان بالشِّعْبِ نزل فبال، ثُمّ َتوضَّأ ولم يُسبغ الوضوء، فقلت: الصَّلاة، يا رسول الله. فقال: " الصَّلاة أمامَك ". فركب، فلمَّا جاء المزدلفة نزل فتوضَّأ، فأسبغ الوضوء، ثُمَّ أُقيمت الصَّلاة، فصلَّى المغرب، ثُمَّ أناخَ كلُّ إنسانِ بعيره في منزله، ثمَّ أقيمت العشاء فصلَّى، ولم يصلِّ بينهما.
رواه البخاريُّ (3) ومسلمٌ (4) .
580- وعن جابر بن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أتى المزدلفة فصلَّى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحدٍ وإقامتين.
رواه مسلمٌ (5) .
581- وعن عبد الله بن عمر قال: جمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المغرب والعشاء بجمعٍ، كلُّ واحدةٍ منهما بإقامة، ولم يسبِّح بينهما ولا على إثر كلِّ واحدةٍ منهما.
__________
(1) "سنن أبي داود": (2/498 - رقم: 1924) .
(2) كذا بالأصل و (ب) ، وفي "الجامع" و"تحفة الأشراف": (حسن صحيح) ، فلعل المنقِّح وضع علامة التقديم والتأخير في نسخته، ولم ينتبه لها النساخ، والله أعلم.
(3) "صحيح البخاري": (1/47) ؛ (فتح - 1/239 - 240 - رقم: 139) .
(4) "صحيح مسلم": (4/73 - 74) ؛ (فؤاد - 2/934 - رقم: 1280) .
(5) "صحيح مسلم": (4/42) ؛ (فؤاد - 2/891 - رقم: 1218) في حديثه الطويل في صفة حج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(2/85)
رواه البخاريُّ (1) .
وهذه الأحاديث مخالفةٌ لحديث عبد الله بن مالك.
581- وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المغرب والعشاء بجمع، صلَّى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين، بإقامةٍ واحدةٍ.
رواه مسلمٌ (2) .
وفي روايةٍ لأبي داود: بإقامةٍ واحدةٍ لكلِّ صلاةٍ، ولم يناد في الأولى، ولم يسبِّح على إثر واحدة منهما.
وفي روايةٍ: لم يناد في واحدةٍ منهما (3) O.
* * * * *
مسألة (111) : لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان.
وقال مالكٌ والشَّافعيّ: يجوز.
582- قال التِّرمذيُّ: ثنا هنَّاد ثنا [أبو] (4) زُبيد عن الأشعث عن [الحسن] (5) عن عثمان بن أبي العاص قال: إنَّ من آخر ما عهد إليَّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أتخذ مؤذِّناً لا يأخذ على أذانه أجراً (6) .
__________
(1) "صحيح البخاري": (2/421) ؛ (فتح - 3/523 - رقم: 1673) .
(2) "صحيح مسلم": (4/75) ؛ (فؤاد - 2/937 - رقم: 1288) .
(3) "سنن أبي داود": (2/ 498 - رقم: 1923) من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه.
(4) زيادة سقطت من الأصل و (ب) ، واستدركت من "التحقيق" و"الجامع".
(5) في الأصل و (ب) : (الحسين) ، والتصويب من "التحقيق" و"الجامع".
(6) "الجامع": (1/250 - 251 - رقم: 209) .(2/86)
ز: الأشعث هو: ابن سَوَّار، وقد تكلَّم فيه غير واحد (1) .
وقد رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد عن سعيد الجُريْرِيِّ عن أبي العلاء عن مطرِّف بن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص (2) .
ورواه الإمام أحمد (3) وابن ماجه (4) والنَّسائيُّ (5) .
وقال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ.
ورواه الحاكم أيضاً من حديث حمَّاد عن الجريْرِيِّ، وقال: هو على شرط مسلمٍ (6) .
* * * * *
__________
(1) في هامش الأصل: (قلت: قد ضعفه النسائي، ووثقه ابن معين - في رواية الدورقي -، وقال ابن عدي: يكتب حديثه) ا. هـ
(2) "سنن أبي داود": (1/405 - رقم: 532) .
(3) "المسند": (4/21، 217) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/236 - رقم: 714) .
(5) "سنن النسائي": (2/23 - رقم: 672) .
(6) "المستدرك": (1/199) .(2/87)
مسائل استقبال القبلة وموضع (1) الصَّلاة
مسألة (112) : إذا تحرَّى في القبلة فأخطأ، فلا إعادة عليه.
وقال الشَّافعيُّ: يعيد.
لنا حديثان:
583- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمود بن غيلان ثنا وكيع ثنا أشعث بن سعيد السَّمَّان عن عاصم بن عبيد الله (2) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: كُنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، في ليلة مظلمة، فلم نَدْرِ أين القِبلة؟ فصلَّى كلُّ رجلٍ منَّا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] .
قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ، ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السَّمَّان، وأشعث يضعَّف في الحديث (3) .
__________
(1) في "التحقيق": (مواضع) .
(2) في هامش الأصل: (حـ: ورواه عمر بن قيس عن عاصم) ا. هـ
(3) "الجامع": (1/374 - 375 - رقم: 345) ، وليس في المطبوع قوله: (حديث حسن) ، ولا ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (4/228 - رقم: 5035) .
ولكن أورده الحافظ ابن كثير في "تفسيره": (1/393 - البقرة: 115) كما ذكره ابن الجوزي، فالله أعلم.(2/88)
قلت: كان هُشيم يقول: أشعث السَّمان يكذب (1) . وقال أحمد بن حنبل: حديثه مضطرب، ليس بذاك (2) . وقال يحيى (3) والنَّسائيُّ (4) وأبو زرعة (5) : ضعيف. وفي لفظٍ عن يحيى: ليس بشيءٍ (6) . وقال الفلاَّس (7) والدَّارَقُطْنِيُّ (8) : متروكٌ. وقال أبو حاتم بن حِبَّان: يروي عن الأئمة الأحاديث الموضوعات، خصوصًا عن هشام بن عروة (9) .
وقال العقيليُّ: لا يروى متن هذا الحديث من وجهٍِ يثبت (10) .
وأمَّا عاصم بن عبيد الله: فقال يحيى بن معين: ضعيف، لا يحتجُّ بحديثه (11) . وقال ابن حِبَّان: كان سيء الحفظ، كثير الوهم، فاحش
__________
(1) "الكامل" لابن عدي: (1/376 - رقم: 200) من رواية يحيى بن أيوب عنه.
(2) "العلل" برواية عبد الله: (2/516 - رقم: 3402) .
(3) "الكامل" لابن عدي: (1/376 - رقم: 200) من رواية الدوري، ولم نقف عليه في مطبوعة "التاريخ".
(4) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 58 - رقم: 57) .
(5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/272 - رقم: 980) وفيه: (ضعيف الحديث) .
(6) "التاريخ" برواية الدوري: (4/90 - رقم: 3293) .
(7) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/272 - رقم: 980) وفيه: (متروك الحديث وكان لا يحفظ) .
(8) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 153 - رقم: 113) .
(9) "المجروحون": (1/172) .
(10) "الضعفاء الكبير": (1/31 - رقم: 12) .
(11) كذا أورده ابن الجوزي في "الضعفاء" أيضًا: (2/70 - رقم: 1757) ، ولم نقف عليه بهذا النص، وقد يكون ملفقًا من كلام ابن معين، ففي "التاريخ" برواية الدوري: (3/ 183 - رقم: 822) قال: (ضعيف) ، وفي موضع آخر: (3/230 - رقم: 1077) : ذكر عاصم وآخرين، وقال: (ليس حديثهم بالحجج) . قال الدوري: (أو قريبًا من هذا تكلم به يحيى) ا. هـ والله أعلم.(2/89)
الخطأ، فترك (1) .
ز: وروى هذا الحديث ابن ماجه (2) والدَّارَقُطنِيُّ (3) .
584- وقال البيهقيُّ: أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسين عليُّ بن الحسين الرُّصَافيُّ ببغداد ثنا محمد بن الحارث العسكريُّ حدَّثني أحمد بن عبيد الله ابن الحسن العنبريُّ قال: وجدت في كتاب أبي: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزميُّ عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريَّة، كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة: القبلة هاهنا - قبل الشّمال -. فصلَّوا وخطّوا خطًّا، وقال بعضنا: القبلة هاهنا - قبل الجنوب -. وخطّوا خطًّا، فلما أصبحنا وطلعت الشَّمس، أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فقدمنا من سفرنا، فأتينا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألناه عن ذلك، فسكت، وأنزل الله عزَّ وجلَّ {وَلِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] أي: حيث كنتم.
قال البيهقيُّ: وكذلك رواه الحسن بن عليِّ بن شبيب المَعْمَريُّ ومحمد بن محمد بن سليمان الباغنديُّ عن أحمد بن عبيد الله (4) O.
585- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قرئ على عبد الله بن محمد بن عبد العزيز - وأنا أسمع -: حدَّثكم داود بن عمرو ثنا محمد بن يزيد الواسطيُّ عن محمد بن سالم عن عطاء عن جابر قال: كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَسِيرٍ فأصابنا غيمٌ، فتحيرَّنا، فاختلفنا في القبلة، فصلَّى كل رجلٍ منَّا على حِدةٍ،
__________
(1) "المجروحون": (2/127) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/326 - رقم: 102) .
(3) "سنن الدارقطني": (1/272) .
(4) "سنن البيهقي": (2/11 - 12) .(2/90)
وجعل أحدنا يخطُّ بين يديه لنعلم أمكنتنا، فذكرنا ذلك للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يأمرنا بالإعادة، وقال: " قد أجزأت صلاتكم ".
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: كذا قال: (عن محمد بن سالم) ، وقال غيره: (عن محمد بن عبيد الله العَرْزَميِّ عن عطاء) وهما ضعيفان (1) .
قلت: أمَّا محمد بن سالم: فكان ابن المبارك إذا مرَّ بحديثه يقول: اضربوا عليه (2) . وقال أحمد: هو شبه المتروك (3) . وقال يحيى القطَّان: ليس بشيءٍ (4) . وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث، لا يساوي شيئًا (5) .
وأمَّا العَرْزَميُّ: فقال أحمد: ترك النَّاس حديثه (6) . وقال يحيى: لا يكتب حديثه (7) .
قلت: على أنَّه قد حدَّث عنه شعبة وسفيان.
ز: وقال البيهقيُّ: لا نعلم لهذا الحديث إسنادًا صحيحًا قويًّا، وذلك لأنَّ عاصم بن عبيد الله بن عمر العُمَرِيَّ ومحمد بن عبيد الله العَرْزَمِيَّ ومحمد بن سالم الكوفيَّ كلَّهم ضعفاء، والطَّريق إلى عبد الملك العَرْزَمِيَّ غير واضح، لما فيه
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/271) .
(2) "الكامل" لابن عدي: (6/154 - رقم: 1647) من رواية نعيم بن حماد عنه.
(3) "العلل" برواية عبد الله: (1/415 - رقم: 886) .
(4) "الكامل": (6/154 - رقم: 1647) .
(5) كذا أورده ابن الجوزي في "الضعفاء" أيضًا: (3/62 - رقم: 3001) ، وفي " الضعفاء والمتروكون " للنسائي: (ص: 202 - رقم: 515) : (متروك الحديث) فحسب.
(6) "العلل" برواية عبد الله: (1/313 - 315 - رقم: 539) .
(7) "التاريخ" برواية الدوري: (3/457 - رقم: 2245) .(2/91)
من الوجادة وغيرها (1) .
* * * * *
مسألة (113) : لا تصحُّ الصَّلاة في المواضع المنهي عن الصَّلاة فيها.
وعنه: تصحُّ وتكره، كقول بقيَّة الفقهاء.
لنا أحاديث:
586- قال أحمد: ثنا وكيع عن أبي سفيان بن العلاء عن الحسن عن عبد الله بن مغفَّل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا حضرت الصَّلاة وأنتم في مرابض الغنم فصلُّوا، وإذا حضرت الصَّلاة وأنتم في أعطان الإبل فلا تصلُّوا، فإنَّها خلقت من الشَّياطين" (2) .
587- قال أحمد: وثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان عن سِماَك بن حرب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سَمُرَة أنَّ رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أأصلِّي في مراح الغنم؟ قال: " نعم ". قال: أفأصلِّي في أعطان الإبل؟ قال: " لا " (3) .
588- قال أحمد: وثنا هارون ثنا ابن وهب قال: حدَّثني عاصم بن حكيم عن يحيى بن أبي عمرو الشَّيبانيِّ عن أبيه عن عُقبة بن عامر الجهنيِّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: " صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل
__________
(1) "سنن البيهقي": (2/12) .
(2) "المسند": (5/54) .
(3) "المسند": (5/86، 288) .(2/92)
أو: مبارك الإبل - " (1) .
589- قال أحمد: وثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة في مبارك الإبل، فقال: " لا تصلُّوا فيها، فإنَّها من الشَّياطين " (2) .
590- قال أحمد: وثنا يعقوب ثنا عبد الملك بن الرَّبيع بن سبرة عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله نهى أن يصلَّى في أعطان الإبل، ورخَّص أن يصلَّى في مراح الغنم (3) .
وقد ذكرنا في باب الوضوء حديثًا في ذلك أيضًا عن أُسيد بن حُضير وعن ذي الغُرَّة (4) ، وقد رواه أبو هريرة أيضًا.
591- وقال عبد بن حميد: ثنا عبد الله بن يزيد المُقْرِئ ثنا يحيى بن أيُّوب عن زيد بن جَبِيرة عن داود بن حُصَين عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يصلَّى في سبعة مواطن: في المَزْبَلة، والمَجْزَرة، والمقبرة، وقارعة الطَّريق، وفي الحمَّام، وفي مَعَاطِن الإبل، وفوق ظهر بيت الله (5) .
592- وقال ابن ماجه: ثنا عليُّ بن داود ومحمد بن أبي الحسين قالا: ثنا أبو صالح قال: حدَّثني الليث قال: حدَّثني نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطَّاب أن رسول الله قال: " سبعة مواطن لا تجوز فيها الصَّلاة: ظهر بيت الله، والمقبرة، والمَزْبَلة، والمَجْزَرة، والحمَّام، وعَطَنُ الإبل، ومَحَجَّةُ الطََّريق " (6) .
__________
(1) "المسند": (4/150) .
(2) "المسند": (4/288) .
(3) "المسند": (3/404) .
(4) برقمي: (345، 348) .
(5) "المنتخب من مسند عبد": (2/21 - 22 - رقم: 763) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/246 - رقم: 747) .(2/93)
593- وقال التِّرمذيُّ: ثنا الحسين بن حُريث ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرضُ كلُّها مسجدٌ، إلا المقبرة والحمَّام " (1) .
قالوا:
أمَّا حديث ابن عمر: فقد قال التِّرمذيُّ: ليس إسناده بذاك القويِّ، وقد تُكلِّم في زيد من قبل حفظه (2) .
وقال يحيى: زيدٌ ليس بشيءٍ (3) .
وأمَّا حديث عمر: ففيه كاتب الليث أبو صالح، وكلُّهم طَعَن فيه. وأمَّا حديث أبي سعيد: فمضطربٌ، كان الدَّراورديُّ يقول فيه تارةً: عن أبي سعيد، وتارةً لا يذكره.
قلنا:
أمَّا زيد: فقد ضُعِّف، إلا أنَّه إذا كان من قبل حفظه، فما يخلوا الحافظ من الغلط.
وداود بن الحُصَين أيضاً: قد ضُعِّف، إلا أنَّ أبا زُرعة يقول: هو ليِّنٌ (4) .
وأمَّا أبو صالح: فقال أبو حاتم الرَّازيُّ: كان رجلاً صالحاً، لم يكن ممَّن يكذب (5) .
__________
(1) "الجامع": (1/350 - رقم: 317) .
(2) "الجامع": (1/376 - رقم: 347) .
(3) "سؤالات ابن الجنيد": (ص: 279 - رقم: 27) .
(4) "الجرح والتعديل": (3/409 - رقم: 1874) .
(5) "الجرح والتعديل" لابنه: (5/87 - رقم: 398) ، وفيه: (الأحاديث التي أخرجها =(2/94)
ومثل هذه الأشياء لا توجب اطراح الحديث.
ز: حديث عبد الله بن مغفَّل: رواه النَّسائيُّ من حديث أشعث (1) ، وابن ماجه من حديث يونس (2) ، كلاهما عن الحسن، ولم يقل أشعث: " فإنَّها خلقت من الشَّياطين ".
وقد تقدَّم حديث جابر بن سَمُرة والبراء بن عازب والكلام عليها (3) .
594- وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل ".
رواه الإمام أحمد (4) وابن ماجه (5) والتِّرمذيُّ وصحَّحه (6) .
وروى حديث ابن عمر: ابن ماجه (7) والتِّرمذيُّ وقال: وقد روى الليث هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العُمَرِيِّ عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله.
وحديث ابن عمر أشبه وأصحُّ من حديث الليث بن سعد، والعُمَرِيُّ
__________
= أبو صالح في آخر عمره التي أنكروا عليه نرى أن هذه مما افتعل خالد بن نجيح، وكان أبو صالح يصحبه، وكان سليم الناحية، وكان خالد بن نجيح يفتعل الحديث ويضعه في كتب الناس، ولم يكن وزن أبي صالح وزن الكذب، كان رجلاً صالحاً) ا. هـ
(1) "سنن النسائي": (2/56 - رقم: 735) .
(2) "سنن ابن ماجه": (1/253 - رقم: 769) .
(3) برقمي: (343، 344) .
(4) "المسند": (2/451، 491، 509) .
(5) "سنن ابن ماجه": (1/252 - 253 - رقم: 768) .
(6) "الجامع": (1/377 - رقم: 348) .
(7) "سنن ابن ماجه": (1/246 - رقم: 746) .(2/95)
ضعَّفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه (1) .
وقد تقدَّم أنَّ ابن ماجه رواه من رواية أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن نافع عن ابن عمر، فأسقط العُمَرِيَّ من الرِّواية (2) .
وزيد بن [جَبِيرة] (3) : اتَّفقوا على ضعفه، وقال البخاريُّ: منكر الحديث (4) . وقال مرَّةً: متروك الحديث (5) . وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة (6) .
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا، متروك الحديث، لا يكتب حديثه (7) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ضعيف الحديث (8) . وقال الأَزْدِيُّ: متروك الحديث (9) . وقال ابن عَدِيٍّ: عامَّة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد (10) .
وأمَّا داود بن الحُصَين: فروى له البخاريُّ ومسلم (11) ، ووثَّقه يحيى بن معين (12) وغيره، وتكلَّم فيه بعضهم (13) .
__________
(1) "الجامع": (1/376 - رقم: 347) .
(2) برقم: (592) .
(3) في الأصل: (جبير) ، والتصويب من (ب) .
(4) "التاريخ الكبير": (3/390 - رقم: 1299) ؛ و" التاريخ الأوسط ": (2/49) ؛ و"الضعفاء الصغير": (ص: 437 - رقم: 125) .
(5) "الكامل" لابن عدي: (3/202 - رقم: 700) .
(6) "تهذيب الكمال" للمزي: (10/35 - رقم: 2093) .
(7) "الجرح والتعديل" لابنه: (3/559 - رقم: 2528) .
(8) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (1/304 - رقم: 1315) ، وقد ذكره الدارقطني في " ضعفائه ": (ص: 215 - رقم: 232) .
(9) "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي: (1/304 - رقم: 1315) .
(10) "الكامل": (3/204 - رقم: 700) .
(11) "التعديل والتجريح" للباجي ": (2/565 - رقم: 354) ؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/195- 196 - رقم: 413) .
(12) "التاريخ" برواية الدوري: (3/178، 194، 235 - الأرقام: 790، 888، 1100) .
(13) انظر ما تقدم: (1/78 - 89) .(2/96)
وأمَّا أبو صالح كاتب الليث: فاسمه: عبد الله بن صالح، وقد وثَّقه جماعة، وتكلَّم فيه آخرون، والصَّحيح أنَّ البخاريَّ روى عنه في " الصَّحيح " (1) .
وأمَّا حديث أبي سعيد:
595- فرواه أبو يعلى الموصليُّ: ثنا زهير ثنا يزيد بن هارون أنا سفيان الثَّوريُّ وحمَّاد بن سلمة جميعًا عن عمرو بن يحيى المازنيِّ عن أبيه - قال حمَّاد في حديثه: عن أبي سعيد الخدريِّ، ولم يجاوز سفيان أباه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرض كلُّها مسجد إلا المقبرة والحمَّام " (2) .
596- وقال أحمد: ثنا أبو معاوية الغُلابيُّ ثنا عبد الواحد بن زياد عن عمرو بن يحيى الأنصاريِّ عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرض كلُّها مسجد إلا الحمَّام والمقبرة " (3) .
597- قال أحمد: وثنا أحمد بن عبد الملك ثنا محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُّ الأرض مسجدٌ وطهور إلا المقبرة والحمَّام " (4) .
598- وقال أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشَّافعيُّ: ثنا إسحاق - هو: ابن الحسن - ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرض كلُّها مسجد إلا المقبرة والحمَّام " (5) .
__________
(1) "التعديل والتجريح" للباجي: (2/835 - 836 - رقم: 832) .
(2) "مسند أبي يعلى": (2/503 - رقم: 1350) .
(3) "المسند": (3/96) .
(4) "المسند": (3/83) .
(5) في هامش الأصل: (حـ: أخرج البخاري حديثًا عن أبي نعيم بإسناده) ا. هـ
انظر: "صحيح البخاري": (9/456) ؛ (فتح - 12/263 - رقم: 6916) .(2/97)
ورواه الإمام أحمد أيضًا عن يزيد بن هارون مثل رواية زهير (1) ؛ ورواه أبو داود عن موسى عن حمَّاد بن سلمة، وعن مسدَّد عن عبد الواحد بن زياد، قال موسى في حديثه: فيما يحسب عمرو أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، شكَّ في رفعه (2) .
ورواه التِّرمذيُّ عن ابن أبي عمر وأبي عمَّار المروزيِّ كلاهما عن الدَّراورديِّ عن عمرو بن يحيى به مُسْندًا، وقال: قد روي عن الدَّراورديِّ روايتين: منهم من ذكره عن أبي سعيد، ومنهم من لم يذكره؛ وهذا حديثٌ فيه اضطراب، وروى سفيان الثَّوريُّ عن عمرو عن أبيه [عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل، ورواه ابن إسحاق عن عمرو عن أبيه] (3) .
قال: وكان [عامَّة] (4) روايته عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يقل عن أبي سعيد، وكأنَّ رواية الثَّوريِّ أثبتُ وأصحُّ (5) .
ورواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى عن يزيد بن هارون عن سفيان الثَّوريِّ وحمَّاد بن سلمة - فرقهما - كلاهما عن عمرو بن يحيى به مسندًا (6) .
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن ابن خزيمة عن بشر بن معاذ عن عبد الواحد ابن زياد (7) .
ورواه الحاكم في "المستدرك" من طريق عبد الواحد بن زياد عن عمرو
__________
(1) "المسند": (3/83) .
(2) "سنن أبي داود": (1/383 - 384 - رقم: 493) ؛ وانظر " النكت الظراف " لابن حجر: (3/484 - رقم: 4406) .
(3) زيادة سقطت من الأصل، واستدركت من (ب) و"الجامع".
(4) تحرفت في الأصل إلى: (عكرمة) ، والتصويب من (ب) و"الجامع".
(5) "الجامع": (1/350 - 351 - رقم: 317) .
(6) "سنن ابن ماجه": (1/246 - رقم: 745) .
(7) "الإحسان" لابن بلبان: (4/598 - رقم: 1699) .(2/98)
مسنداً، ورواه أيضاً من رواية بشر بن المفضَّل عن عمارة بن غزيَّة عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيدٍ مرفوعاً.
وقال: كلاهما على شرط البخاريِّ ومسلم (1) .
وقد رواه عليُّ بن عبد العزيز عن حجَّاج بن منهال عن حمَّاد مسنداً (2) .
وكذلك رواه أبو بكر البزَّار عن أبي كامل الجَحْدريِّ عن عبد الواحد ابن زياد.
وكذلك رواه أبو نُعيم عن خارجة بن مصعب عن عمرو بن يحيى.
وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: رواه عبد الواحد بن زياد والدَّراورديُّ ومحمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد متصلاً.
وكذلك رواه أبو نُعيم عن الثَّوريِّ عن عمرو، وتابعه سعيد بن سالم القدَّاح ويحيى بن آدم عن الثَّوريِّ فوصلوه.
ورواه جماعة عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً.
والمرسل المحفوظ (3) O.
* * * * *
__________
(1) "المستدرك": (1/251) .
(2) ومن طريق علي بن عبد العزيز خرجه ابن حزم في "المحلى": (2/345 - المسألة رقم: 393) .
(3) "العلل" (11/320 - 321 - رقم: 2310) .
وفي هامش الأصل: (حـ: عن ضمرة بن ربيعة عن عباد بن كثير الثقفي عن عثمان الأعرج عن الحسن قال: أخبرني سبعة - منهم: أبو هريرة وجابر وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين ومعقل بن يسار وأنس - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الصلاة في مسجد تجاه حشٍّ أو حمَّامٍ أو مقبرة.
رواه ابن عدي، وهو حديث منكرًا جدًّا، وعبَّاد بن كثير تركوه. قاله البخاري) ا. هـ
وانظر: "الكامل" لابن عدي: (4/334 - رقم: 1165) ؛ و"الضعفاء الصغير" للبخاري: (ص: 460 - رقم: 227) .(2/99)
مسألة (114) : لا تصحُّ الفريضة في الكعبة، ولا على ظهرها.
وقال أبو حنيفة: تجوز إذا كان بين يديه شيءٌ منها.
وعن مالك كالمذهبين.
وقال الشَّافعيُّ: لا تصحُّ إلا أن يستقبل سترةً مبنيَّةً أو خشبةً شاخصة متصلةً بالبناء.
لنا:
الحديث المتقدِّم (1) .
* * * * *
مسألة (115) : إذا صلَّى في دار غصب أو ثوب غصب، لم تصحَّ صلاته.
وعنه: تصحُّ، كقول الباقين.
599- قال أحمد: ثنا أسود بن عامر ثنا بقيَّة بن الوليد الحمصيُّ عن عثمان بن زفر عن هاشم عن ابن عمر قال: " من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم، وفيه درهم حرام، لم يقبل الله عزَّ وجلَّ له صلاةً مادام عليه ". قال: ثُمَّ أدخل أصبعيه في أذنيه، ثُمَّ قال: صُمَّتا إن لم أكن سمعتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله (2) .
هاشم: مجهولٌ، إلا أن يكون ابن زيد الدِّمشقيُّ، فذاك يروي عن نافع، ثُمَّ قد ضعَّفه أبو حاتم الرَّازيُّ (3) .
__________
(1) برقم: (591، 592) .
(2) "المسند": (3/98) .
(3) "الجرح والتعديل" لابنه: (9/103 - رقم: 436) .(2/100)
ز: قال أبو طالب: سألتُ أبا عبد الله عن هذا الحديث، فقال: ليس بشيءٍ، ليس له إسناد. ذكره الخلال.
600- وقال أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم: ثنا أبو عتبة ثنا بقيَّة ثنا يزيد بن عبد الله الجُهنيُّ عن أبي جَعْوَنة عن هشام (1) الأوقص: سمعت ابن عمر يقول: " من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم وفي ثمنه درهمٌ حرام، لم يقبل الله له صلاةً ما كان عليه ". ثُمَّ أدخل أصبعيه في أذنيه، قال: صُمَّتا إن لم أكن سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّتين أو ثلاثاً.
قال شيخنا أبو الحجَّاج: يزيد بن عبد الله وأبو جَعْوَنة وهشام (1) الأوقص لا يعرفون.
وقال السَّعديُّ: هاشم (2) الأوقص ضالٌ، غير ثقةٍ (3) .
وقد تكلَّمنا على هذا الحديث في غير هذا الموضع.
601- وقال ابن حِبَّان: ثنا عليُّ بن أحمد بواسط قال: ثنا أبي وعمِّي قالا: ثنا عبد الله بن أبي علاج عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: " من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم في ثمنه درهم حرام، لم تقبل له صلاة ... " الحديث (4) .
ابن أبي علاج: متهمٌ بالكذب O.
* * * * *
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، والمعروف: (هاشم) .
(2) هكذا بالأصل و (ب) ، وفي هامش الأصل: (هشام) ، ولا ندري هل هي تصحيح أم إشارة إلى نسخة أخرى؟ وفي مطبوعة " الشجرة في أحوال الرجال " كما بالأصل.
(3) " الشجرة في أحوال الرجال ": (ص: 162 - رقم: 148) ، وفيه: (هاشم الأوقص) .
(4) "المجروحون": (2/37 - 38) .(2/101)
مسائل ستر العورة
مسألة (116) : حدُّ عورة الرَّجل من السُّرَّة إلى الرُّكبة.
وعنه: أنَّها القُبل والدُّبر، كقول داود.
لنا ستة أحاديث:
602- الحديث الأوَّل: قال عبد الله بن أحمد: حدَّثني عبيد الله بن عمر القواريريُّ قال: حدَّثني يزيد أبو خالد القرشيُّ ثنا ابن جريج قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن (1) ضمرة عن عليٍّ قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حيٍّ ولا ميِّتٍ " (2) .
603- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا محمد بن سابق ثنا إسرائيل عن أبي يحيى القتَّات عن مجاهد عن ابن عباس قال: مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجلٍ فخذه خارجة، فقال: " غطِّ فخذك، فإنَّ فخذ الرَّجل من عورته " (3) .
604- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا حسين بن محمد ثنا ابن أبي الزِّناد عن أبيه عن زُرعة بن عبد الله (4) بن جَرهد عن جَرْهد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ على جَرْهد، وفخذ جَرْهد مكشوفةٌ في المسجد، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
__________
(1) أقحمت في مطبوعة "المسند": (أبي) .
(2) "المسند": (1/146) .
(3) "المسند": (1/275) .
(4) كذا بالأصل و (ب) و"التحقيق"، وفي "المسند": (عبد الرحمن) ، وكتب في هامش الأصل: (عبد الرحمن) ولا ندري هل هي تصحيح، أم إشارة إلى اختلاف النسخ؟ الله أعلم.
والذي في كتب التراجم: (زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد) .(2/102)
" يا جرهد، غط فخذك، فإن الفخذ عورة " (1) .
605- الحديث الرابع: قال أحمد: وثنا هشيم ثنا حفص بن ميرة عن العلاء عن أبي كثير - مولى محمد بن جحش - عن محمد بن جحش عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مر على معمر محتبيًا كاشفًا عن طرف فخذه، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خمِّر فخذك يا معمر، فإن الفخذ عورة " (2) .
606- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول ثنا جدي ثنا أبي عن سعيد بن راشد عن عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي أيُّوب قال: سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل (3) السرة من العورة" (4) .
607- الحديث السادس: قال يوسف: ثنا محمد بن حبيب ثنا عبد الله بن بكر ثنا سوار أبو حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا زوج الرجل منكم عبده أمته فلا يرين ما بين ركبته وسرته، فإن ما بين سرته وركبته عورة " (5) .
__________
(1) "المسند": (3/479) .
(2) "المسند": (5/290) .
(3) في هامش الأصل: (خ: من) ا. هـ
(4) "سنن الدارقطني": (1/230 - 231) .
(5) "سنن الدارقطني": (1/230 - 231) .
وفي هامش الأصل: (حـ: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: " إذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره، فلا ينظر إلى شيء من عورته، فإن ما تحت السرة إلى ركبته عورة ". يريد الأمة.
رواه أحمد وأبو داود والدارقطني، وفي رواية أحمد قال: " ما أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته "؛ ولفظ أبي داود: " فلا تنظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة ". هكذا لفظ الحديث) ا. هـ
وانظر: "المسند": (2/187) ؛ و"سنن أبي داود": (1/385 - رقم: 497؛ 4/426 - رقمي: 4110 - 4111) ؛ و"سنن الدارقطني": (1/230) .(2/103)
أصلح هذه الأحاديث: حديث علي عليه السلام (1) ، وحديث عمرو ابن شعيب، وحديث ابن جحش.
فأما زرعة - في حديث جرهد -: فإنه مجهول.
وأما حديث أبي أيُّوب: فإن سعيد بن راشد وعباد بن كثير متروكان.
ز: حديث علي: رواه إسحاق بن راهويه: عن روح بن عبادة عن عباد بن منصور عن عكرمة بن خالد عن حبيب عن عاصم، وعن روح عن ابن جريج عن حبيب (2) .
ورواه أبو داود عن علي بن سهل الرملي عن حجاج عن ابن جريج قال: أُخبرت عن حبيب بن أبي ثابت بنحوه.
وقال: هذا الحديث فيه نكارة (3) .
ورواه ابن ماجه عن بشر بن آدم - ابن بنت أزهر السمان - عن روح بن عباد عن ابن جريج عن حبيب (4) .
ورواه الهيثم بن كليب الشاشي: ثنا محمد بن سعد العوفي ثنا روح بن عبادة ثنا ابن جريج قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت.... فذكره (5) .
__________
(1) كذا بالأصل و (ب) ، وتخصيص أحد من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - بالتسليم غير مشروع، بل فيه مشابهة لأهل البدع، والله أعلم.
(2) عزاه إليه الضياء في "المختارة": (2/145 - رقم: 515) ، وساق إسناد إسحاق الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية ": (1/161 - رقم: 329) .
(3) "سنن أبي داود": (4/384 - رقم: 4011) ، وانظر: (4/29 - 30 - رقم: 3132) .
(4) "سنن ابن ماجه": (1/469 - رقم: 1460) .
(5) " مسند علي رضي الله عنه " ضمن الجزء المخروم من " مسند الشاشي "، ولكن خرج الحديث من طريقه: الضياء في "المختارة": (2/145 - رقم: 515) .(2/104)
وقد تكلَّم أبو حاتم الرَّازيُّ على هذا الحديث في "العلل" وضعَّفه، وقال: إن ابن جريج لم يسمعه من حبيب، ولا حبيب من عاصم بن ضَمْرة (1) .
وعاصم بن ضَمْرة: وثَّقه ابن معين (2) وابن المدينيِّ (3) والعجليِّ (4) ، وقال النَّسائيُّ: ليس به بأس (5) . وتكلَّم فيه ابن عَدِيٍّ (6) وابن حِبَّان (7) .
وحديث ابن عباس: رواه التِّرمذيُّ مختصرًا - وحسَّنه (8) - وأبو يعلى الموصليُّ (9) والطَّحاويُّ - وصحَّحه (10) -.
وفي إسناده أبو يحيى القتَّات، وقد اختلف في اسمه، فقيل: اسمه زاذان، وقيل: دينار، وقيل: عبد الرَّحمن بن دينار، وقيل غير ذلك؛ ضعَّفه شَريك (11) ويحيى في رواية (12) ، ووثَّقه في رواية أخرى (13) ، وقال أحمد:
__________
(1) "العلل": (2/271 - رقم: 2308) ، ووقع في مطبوعته: (ولا يثبت لحسن رواية عن عاصم) خطأ، وصوابه: (لحبيب رواية عن عاصم) كما في نسخة خطية لـ"العلل".
(2) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 150 - رقم: 516) ؛ ورواية ابن طهمان: (ص: 65 - رقم: 159) وفيها: (ثقة شيعي) .
(3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (6/345 - رقم: 1910) من رواية ابن البراء عنه.
(4) "معرفة الثقات": (ترتيبه - 2/9 - رقم: 811) .
(5) "تهذيب الكمال" للمزي: (13/498 - رقم: 3012) .
(6) "الكامل": (5/225 - رقم: 138) .
(7) "المجروحون": (2/125 - 126) .
(8) "الجامع": (4/494 - رقم: 2796) ، وحكم الترمذي غير موجود في طبعة الأستاذ بشار عواد، وفي الطبعة التي بأعالي " تحفة الأحوذي ": (8/81 - رقم: 2950) قال عقبه: (هذا حديث حسن غريب) ا. هـ وكذا ذكره المزي في "تحفة الأشراف": (5/228 - رقم: 6432) .
(9) "مسند أبي يعلى": (4/421 - رقم: 220) .
(10) " شرح معاني الآثار ": (1/474) .
(11) "العلل" لأحمد - برواية عبد الله -: (2/51 - رقم: 1523) .
(12) "التاريخ" برواية الدوري: (3/362 - رقم: 1757) .
(13) "التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 247 - رقم: 964) .(2/105)
روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير جدًّا (1) . وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ (2) . وقال ابن حِبَّان: فحش خطؤه، وكثر وهمه، حتَّى سلك غير مسلك العدول في الرِّوايات (3) .
وأمَّا حديث جَرْهد:
608- فرواه أبو يعلى الموصليُّ: ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الرَّحمن عن مالك عن سالم أبي النَّضر عن زُرْعة بن عبد الرَّحمن بن جَرْهد عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ به وهو كاشفٌ فخذه، فقال: " أما علمت أنَّ الفخذ عورة؟ ".
609- ورواه الطَّبرانيُّ: ثنا إسحاق بن إبراهيم الدَّبَريُّ عن عبد الرَّزَّاق عن مَعمر عن أبي الزِّناد عن ابن جَرْهد عن جَرْهد قال: مرَّ بي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا كاشفٌ فخذي، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غطِّها فإنَّها من العورة " (4) .
610- قال الطَّبرانيُّ: وثنا حفص بن عمر بن الصَّبَّاح الرَّقِّيُّ ثنا قَبيصة ابن عُقبة ثنا سفيان عن أبي الزِّناد عن زُرعة بن عبد الرَّحمن بن جَرْهد عن جَرْهد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " غطِّ فخذَك، فإنَّ الفخذَ عورةٌ " (5) .
611- قال الطَّبرانيُّ: وثنا علي بن عبد العزيز ثنا القَعْنَبِيُّ عن مالك عن
__________
(1) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (3/433 - رقم: 1965) من رواية الأثرم عنه.
(2) "الضعفاء والمتروكون": (ص: 255 - رقم: 672) .
(3) "المجروحون": (2/53) .
وفي هامش الأصل: (حـ: عن عبد الله بن جعفر مرفوعًا: " مابين السرة إلى الركبة عورة ".
وفي إسناده أصرم بن حوشب، وهو ضعيف) ا. هـ
انظر: "المستدرك" للحاكم: (3/568) و"تلخيصه" للذهبي.
(4) "المعجم الكبير": (2/271 - رقم: 2139) .
(5) "المعجم الكبير": (2/271 - رقم: 2138) .(2/106)
أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال: كان جرهد من أصحاب الصفة، قال: جلس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندنا وفخذي منكشفةٌ، فقال: " أما علمت أن الفخذ عورة " (1) .
612- قال الطبرانيُّ: وثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري ثنا أحمد ابن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع: أنا مالك عن أبي النضر عن زرعة ابن عبد الرحمن الأسلمي عن أبيه عن جده أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلس إليه، وكان من أصحاب الصفة، فرأى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخذه مكشوفة، فقال: " خمِّر فخذك، فإن الفخذ عورة " (2) .
613- وقال أحمد: ثنا سفيان عن أبي النضر عن زرعة بن مسلم بن جرهد أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى جرهداً في المسجد وعليه بُردةٌ، قد انكشف فخذه، فقال: " الفخذ عورة " (3) .
614- قال أحمد: وثنا أبو عامر ثنا زهير - يعني: ابن محمد - عن عبد الله بن محمد - يعني: ابن عقيل - عن عبد الله بن جرهد الأسلمي أنه سمع أباه جرهداً يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " فخذ المسلم عورة " (4) .
ورواه الإمام أحمد أيضاً عن عبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن عيسى جميعاً عن مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر به ... كذا رواية ابن مهدي (5) ، وفي رواية إسحاق: عن مالك
__________
(1) "المعجم الكبير": (2/272 - رقم: 2143) .
(2) "المعجم الكبير": (2/272 - رقم: 2144) .
(3) "المسند": (3/478) .
(4) المرجع السابق.
(5) المرجع السابق.(2/107)
عن زرعة بن جرهد الأسلمي عن أبيه (1) .
ورواه أيضاً عن عبد الرَّزَّاق (2) ، ورواه عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي الزناد عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن جده جرهد (3) .
ورواه أبو داود السجستاني عن القعنبي (4) .
ورواه التِّرمذيُّ:
عن محمد بن أبي عمر عن سفيان عن أبي النضر - مولى عمر بن عبيد الله - عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده جرهد بمعناه.
وقال: حديث حسن، وما أرى إسناده بمتصل (5) .
وعن الحسن بن علي عن عبد الرَّزَّاق.
وقال: حديث حسن (6) .
وعن واصل بن عبد الأعلى عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جرهد عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الفخذ عورة" مختصر.
وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه (7) .
__________
(1) "المسند": (3/479) .
(2) "المسند": (3/478) .
(3) "المسند": (3/479) .
(4) "سنن أبي داود": (4/384 - رقم: 4010) .
(5) "الجامع": (4/493 - رقم: 2795) .
(6) "الجامع": (4/494 - 495 - رقم: 2798) .
(7) "الجامع": (4/494 - رقم: 2797) .(2/108)
ورواه أبو حاتم البستيُّ عن الحسين بن محمد بن أبي مَعْشر عن إسحاق بن إبراهيم الصَّوَّاف عن أبي عاصم عن سفيان عن أبي الزِّناد عن زُرْعة [عن] جدِّه (1) .
وزُرعة بن عبد الرَّحمن بن جَرْهد الأَسْلَمِيُّ: وثَّقه أبو عبد الرحمن النَّسائيُّ (2) ، وذكره أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: من زعم أنَّه زُرْعة بن مسلم بن جَرْهد فقد وَهِمَ (3) .
وقال ابن القطَّان: حديث جَرْهد له علتان:
إحداهما: الاضطراب المورث سُقوط الثِّقة به، وذلك أنَّهم مختلفون فيه: فمنهم من يقول: زُرعة بن عبد الرَّحمن، ومنهم يقول: زُرعة بن عبد الله، ومنهم من يقول: زُرعة بن مسلم.
ثُمَّ من هؤلاء من يقول: عن أبيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنهم من يقول: عن أبيه عن جَرْهد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنهم من يقول: زُرْعة عن آل جَرْهد عن جَرْهد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: وإن كنت لا أرى الاضطراب في الإسناد علَّةً، فإنَّما ذلك إذا كان من يدور عليه الحديث ثقة، فحينئذٍ لا يضرُّه اختلاف النَّقلة عليه إلى مسندٍ ومرسلٍ، أو رافعٍ وواقفٍ، وواصلٍ وقاطعٍ؛ وأمَّا إذا كان الذي اضطُرِب عليه بجميع هذا - أو بعضه - غير ثقةٍ، أو غير معروفٍ، فالاضطراب حينئذٍ يكون زيادةً في وهنه، وهذه حال هذا الخبر، وهي:
__________
(1) "الإحسان" لابن بلبان: (4/609 - رقم: 1710) .
وما بين المعقوفتين استدرك من (ب) و"الإحسان".
(2) "تهذيب الكمال" للمزي: (9/349 - رقم: 1985) .
(3) "الثقات": (4/268) .(2/109)
العلَّة الثَّانية: وذلك أنَّ زُرْعة وأباه غير معروفَي الحال، ولا مشهورَي الرِّواية (1) . انتهى كلامه.
وفيه نظرٌ.
وأمَّا حديث محمد بن جَحشٍ: فإسناده صالح، وقد رواه البخاريُّ في "تاريخه" (2) ، والطَّحاويُّ وصحَّحه (3) .
وأمَّا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: فرواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) بمعناه.
وسَوَّار أبو حمزة هو: ابن داود البصريُّ، وثَّقه يحيى بن معين (6) وابن حِبَّان (7) ، وقال أحمد: شيخٌ بصريٌّ، لا بأس به (8) . وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا يتابع على أحاديثه، فيعتبر به (9) .
ولم يذكر المؤلِّف حجَّة من قال: إنَّ العورة هي الفرجان.
وقد احتجَّ من قال ذلك:
__________
(1) "بيان الوهم والإيهام": (3/339 - رقم: 1083) .
(2) "التاريخ الكبير": (1/12 - 13 - رقم: 2) .
(3) "شرح معاني الآثار": (1/474) .
(4) "المسند": (2/187) .
(5) "سنن أبي داود": (4/426 - 427 - رقمي: 4110 - 4111) .
(6) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/272 - 273 - رقم: 1176) من رواية إسحاق ابن منصور عنه.
(7) "الثقات": (6/422) ، وقال: (يخطئ) .
(8) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/272 - رقم: 1176) من رواية أبي طالب عنه.
(9) "سؤالات البرقاني": (ص: 35 - رقم: 210) .
وفي هامش الأصل: (خ: يعتبر به) ا. هـ إشارة إلى أنه وقع في بعض النسخ كذلك.(2/110)
615- بما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زقاق خيبر، ثم حسر الإزار عن فخذه، حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما دخل القرية قال: " الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين ". قالها ثلاثاً.
رواه البخاريُّ (1) ومسلم، وفي روايته: فانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
قال البخاريُّ: ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الفخذ عورة ". وقال أنس: حسر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فخذه.
وحديث أنس أسندُ، وحديث جرهد أحوط حتى يخرج من اختلافهم (3) .
616- وروت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فخذه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسوى ثيابه، قال: فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك! فقال: " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! ".
__________
(1) "صحيح البخاري": (1/103 - 104) ؛ (فتح - 1/497 - 480 - رقم: 371) .
(2) "صحيح مسلم": (4/145) ؛ (فؤاد - 2/1043 - 1044 - رقم: 1365) .
(3) "صحيح البخاري": (1/103) ؛ (فتح - 1/478 - كتاب الصَّلاة - الباب رقم: 12) .(2/111)
رواه مسلمٌ (1) .
617- وروى الإمام أحمد أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جالسًا كاشفًا عن فخذه، فأستأذن أبو بكر ... فذكر الحديث (2) .
618- وروى الإمام أحمد أيضًا عن حفصة بنت عمر قالت: دخل عَلَيَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يومٍ، فوضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر يستأذن، فأذن له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هيئته ... فذكر نحو حديث عائشة، وفيه: فلمَّا جاء عثمان بن عفَّان فأستأذن فتجلَّل ثوبه ثُمَّ أذن له (3) O.
* * * * *
مسألة (117) : الرُّكبة ليست عورة.
وقال أبو حنيفة: هي عورةٌ.
واستدل أصحابنا بالحديثين المتقدِّمين (4) .
وللخصم:
619- ما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا إسماعيل بن محمد الصَّفَّار ثنا العباس بن محمد الدُّوريُّ ثنا موسى بن إسماعيل ثنا النَّضر بن منصور ثنا أبو الجنوب - قال موسى: واسمه: عقبة بن علقمة - قال: سمعت عليًّا يقول: سمعت رسول
__________
(1) "صحيح مسلم": (7/116 - 117) ؛ (فؤاد - 4/1866 - رقم: 2401) .
(2) "المسند": (6/62) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3) "المسند": (6/288) .
(4) برقمي: (606، 607) .(2/112)
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الركبة من العورة " (1) .
قال أبو حاتم الرَّازيُّ: عقبة ضعيف الحديث (2) .
والنضر: مجهول، يروي أحاديث منكرة، وقال ابن حِبَّان: لا يحتج به (3) .
* * * * *
مسألة (118) : قدم المرأة عورة، وفي يديها (4) روايتان.
وقال أبو حنيفة: ليسا عورة.
620- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا مجاهد بن موسى ثنا عثمان بن عمر ثنا عبد الرَّحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد ابن زيد بن مهاجر عن أمه عن أمِّ سلمة أنها سألت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتصلِّي المرأة في درع وخمارٍ ليس لها إزار؟ قال: " إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها " (5) .
في هذا الحديث مقال، وهو أن عبد الرَّحمن بن عبد الله: ضعفه
__________
(1) "سنن الدارقطني": (1/231) وقال عقبة: (أبو الجنوب ضعيف) .
(2) "الجرح والتعديل" لابنه: (6/313 - رقم: 1743) .
(3) "المجروحون": (3/50) وفيه: (منكر الحديث جداً، لا يجوز الاعتبار بحديثه ولا الاحتجاج به، لما فيه من غلبة المناكير) ا. هـ
(4) في "التحقيق": (بدنها) !
(5) "سنن الدارقطني": (2/62) .(2/113)