"إن الله أرسلني مُبلِّغاً، ولم يرسلني مُتعنِّتاً".
وقد سبق تخريجه برقم (1516) . *
3531- (إنّ عاشوراء يومٌ من أيام الله، فقن شاء صامه، ومن شاء تركه) .
أخرجه مسلم (3/147) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (3/55) ، وأحمد (2/143) ، والبيهقي في "السنن " (4/289) من طريق نافع عن ابن عمر:
أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله: ... فذكره. *
3532- (إنّ عبد الله بن قيس- أو الأشعري- أعطي مزماراً من مزامير آل داود) .
أخرجه مسلم (2/192- 193) ، والبخاري في" الأدب المفرد" (805) وابن أبي شيبة في "المصنف " (12/122/12308) ، وأحمد (5/351) ، وابن سعد في "الطبقات " (4/107) كلهم من طريق مالك بن مغول عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ورواه النسائي في "السنن الكبرى" (5/23/8058) من طريق أخرى عن مالك به، ولفظه:
مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي موسى ذات ليلة وهو يقرأ، فقال: ... فذكره. وزاد:
فلما أصبح ذكروا ذلك له، فقال: لو كنت أعلمتني؛ لحبرت ذلك تحبيراً. وإسناده صحيح. *(7/1483)
3533- (إنّ عبد الله رجلٌ صالحٌ؛ لو كان يكثرُ الصلاة من الليل) .
أخرجه ابن ماجه (2/1291 /3919) من طريق عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال:
كنت غلاماً شاباً عزباً في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فكنت أبيت في المسجد، فكان من رأى منّا رؤيا؛ يقصها على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: اللهم! إن كان لي عندك خير؛ فأرني رؤيا يعبرها لي النبي - صلى الله عليه وسلم - فنمت فرأيت ملَكين أتياني فانطلقا بي، فلقيهما ملك آخر، فقال: لم تُرع، فانطلقا بي إلى النار؛ فإذا هي مطوية كطيّ البئر، وإذا فيها ناس قد عرفت بعضهم، فأخذوا بي ذات اليمين، فلما أصبحت ذكرت ذلك لحفصة! فزعمت حفصة أنها قصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكر الحديث. قال:
فكان عبد الله يكثر الصلاة من الليل.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الله بن معاذ الصنعاني- وهو صاحب معمر-، قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق، تحامل عليه عبد الرزاق ".
وتابعه عبد الرزاق عند البخاري (3738) ، ومسلم (7/158) ، وهشام بن يوسف عند البخاري أيضاً (7030) كلاهما عن معمر به. وزاد هشام بعد قوله: (لن تراع) :
"إنك رجل صالح ".
وتابع سالماً: نافعٌ أن ابن عمر قال: ... فذكر القصة نحوها.(7/1484)
أخرجه البخاري (7028 و7029) ، ومسلم أيضاً، والطيالسي في "مسنده " (1588) .
ورواه الترمذي (3825) - مختصراً-، وأحمد (2/ 5) . وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". *
3534- (إن فاطمة بضعةٌ منّي، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها، وإني لست أحرم حلالاً، ولا أحلّ حراماً، ولكن والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدوِّ الله مكاناً واحداً أبداً- وفي رواية: عند رجل واحد أبداً-)
أخرجه أحمد (4/326) ، والبخاري (3110 و3729) ، ومسلم (7/141) ، وأبو داود في " السنن " (2/556/2069) ، والنسائي في "الخصائص" (147/137) ، وابن ماجه (1999) ، والبيهقي (7/308) من طريق علي بن الحسين أن المسور بن مخرمة حدث:
أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية- مقتل حسين بن علي- لقيه المسور بن مخرمة فقال: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قال: فقلت له: لا، قال له: هل أنت معطي سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله! لئن أعطيتنيه؛ لا يخلص إليه أبداً حتى تبلغ نفسي؛ إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم- فقال: ... فذكره. قال: ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال:(7/1485)
"حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي؛ وإني لست أحرم حلالاً ... " الحديث. والسياق لأحمد ومسلم، والرواية الثانية لهما.
وأخرجه البخاري (5230) ، والآخرون من طريق ابن أبي مليكة عن المسور ابن مخرمة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر:
"إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن؛ إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم؛ فإنما هي بضعة مني؛ يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها".
وهو مخرج في "الإرواء" برقم (2676) ، وفي "صحيح أبي داود" (1805و1806) . *
3535_ (إن فضل عائشة على النساء؛ كفضل الثريد على سائر الطعام) .
ورد من حديث أنس وأبي موسى وعائشة.
أما حديث أنس؛ فيرويه عبد الله بن عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.
أخرجه البخاري (3770 و5419 و5428) ، ومسلم (7/138) ، والترمذي في"السنن" (3887) - وصححه-، والدارمي في "السنن " (2/106) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (6692) ، وابن ماجه (3281) ، وأحمد في"المسند" (3/156) .
2- وأما حديث أبي موسى؛ فأخرجه البخاري (3769) ، ومسلم (7/132-133) ، والنسائي (8381 و8895) ، والترمذي (1834) - وصححه-،(7/1486)
والطيالسي (504) ، وكذا ابن ماجه (3280) ، وأحمد (4/394) .
3- وأما حديث عائشة؛ فأخرجه النسائي (8896) من طريق الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عنها به.
قلت: وإسناده جيد. *
3536- (إن في الجنة شجرةً، يسيرُ الراكب الجواد المضمّر السريع مئة عام ما يقطعها) .
جاء من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وسهل بن سعد وأنس بن مالك.
أما حديث أبي سعيد؛ فأخرجه البخاري (6553) ، ومسلم (8/144) ، والدولابي في "الكنى" (1/ 160) من طريق النعمان بن أبي عياش عنه.
وتابعه عطية عن أبي سعيد به نحوه، وزاد:
وقال: "ذلك (الظل الممدود) ".
وأما حديث أبي هريرة؛ فله طرق كثيرة، أذكر أهمها:
الأولى: عن الأعرج عن أبي هريرة نحوه، وزاد:
"في ظلها". وفي آخره:
"واقرؤوا إن شئتم (وظل ممدود) ".
أخرجه البخاري (4881) ، ومسلم (8/144) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (234/403) .
الثانية: عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عنه مثله.(7/1487)
أخرجه البخاري (3252) ، وأحمد (2/482) ، وعنه أبو نعيم في "صفة الجنة" (235/403) .
الثالثة: عن أبي سعيد المقبري عنه مختصراً.
أخرجه مسلم، وأبو نعيم (233/ 401) .
الرابعة: عن محمد بن زياد عنه به.
أخرجه أحمد (2/469) ، والبيهقي في "البعث " (168/295 و 296) .
واسناده صحيح.
الخامسة: يرويها محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه.
أخرجه الدارمي (2/338) ، وابن ماجه (4335) ، وأحمد (2/438) .
وسنده حسن.
وطرقه الأخرى في "سنن الدارمي " (2/338) ، و"مسند الطيالسي " (2547) ، و"مسند أحمد " (2/404 و455 و462) ، وأبو نعيم (ص 236) .
وأكثرها لا تخلو أسانيدها من ضعف.
وأما حديث سهل؛ فيرويه أبو حازم عنه.
أخرجه البخاري (6552) ، ومسلم (8/ 144) ، والدولابي (2/ 160) ، وأبو نعيم (237/ 405) ، والبيهقي (168/297) .
وأما حديث أنس بن مالك؛ فيرويه قتادة عنه.
أخرجه البخاري (3251) ، والترمذي (3293) ، وأحمد (3/110 و135) ،(7/1488)
وأبو نعيم في "صفة الجنة " (234/402) وفي "الحلية" (9/ 30) وفي "أخبار أصبهان " (2/306) ، والبيهقي في " البعث " (168/296) .
(تنبيه) : عزا السيوطي في "الجامع " حديث أنس لمسلم أيضاً! وما نراه إلا وهماً، ولم يعزه إليه المزي في "التحفة ". *
3537- (إنّ في أمتي اثني عشر منافقاً، لا يدخلون الجنّة ولا يجدون ريحها؛ حتى يلج الجملُ في سمّ الخياط؛ ثمانيةٌ منهم تكفيكهم الدّبيلة: سراجٌ من نار يظهرُ في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم) .
أخرجه مسلم (8/123) ، وأحمد (4/ 320) ، والبيهقي في "الدلائل " (5/262) ، والبغوي في "التفسير" (4/69) من طريق شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن قيس بن عُباد قال:
قلنا لعمار: أرأيت قتالكم؛ أرأياً رأيتموه؛ فإن الرأي يخطئ ويصيب، أو عهداً عهده إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال:
ما عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً لم يعهده للناس كافة. وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث. *
3538- (إنّ في ثقيف كذاباً ومُبِيراً) .
ورد من حديث أسماء بنت- أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمر، وسلامة بنت الحرّ الجعفية.
1 ـ أما حديث أسماء؛ فأخرجه مسلم (7/ 190- 191) ، والحاكم في " المستدرك " (3/553) ، وأبو داود الطيالسي في " المسند" (1641) ، وأبو نعيم في(7/1489)
"الحلية" (2/57) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/481) من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عنها:
أنها قالت للحجّاج: أما إن رسول الله حدثنا: ... فذكر الحديث. قالت:
فأما الكذاب؛ فقد رأيناه، وأما المبير؛ فلا إخالك إلا إياه.
والسياق للطيالسي، وفيه عند مسلم قصة صلب الحجاج لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، ومرور ابن عمر به، وثنائه عليه، وأنه كان قد نصحه بأن لا يخرج على الخليفة ... إلخ.
وأبو نوفل بن أبي عقرب اسمه: مسلم، وقيل غير ذلك، وهو ثقة من رجال البخاري أيضاً.
وقد تابعه جمع:
منهم: أبو الصديق الناجي:
أن الحجاج بن يوسف دخل على أسماء بنت أبي بكر بعدما قتل ابنها عبد الله بن الزبير، فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله عز وجل أذاقه من عذاب أليم، وفعل به ما فعل، فقالت: كذبت! كان برّآ بالوالدين، صواماً قواماً، والله! لقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه:
"سيخرج من ثقيف كذابان؛ الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير".
أخرجه أحمد (6/351) ، وابن سعد في " الطبقات " (8/254) كلاهما بإسناد واحد صحيح.
ومنهم: عنترة بن عبد الرحمن قال:(7/1490)
لما قتلَ الحجاجُ ابن الزبير وصلبه منكوساً، فبينا هو على المنبر؛ إذ جاءت أسماء ومعها أمةٌ تقودها؛ وقد ذهب بصرها، فقالت: أين أميركم؟ ... فذكر قصة، فقالت: كذبت، ولكني أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"يخرج من ثقيف كذابان؛ الآخر منهما أشر من الأول، وهو مبير".
أخرجه أحمد (6/352) وإسناده جيد.
ومنهم: أم أبي المحياة قالت:
لما قتل الحجاج بن يوسف عبد الله بن الزبير؛ دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر، فقال لها: يا اُمّه! إن أمير المؤمنين أوصاني بك، فهل لك من حاجة؛ فقالت: لست لك بأم! ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"يخرج من ثقيف كذاب ومبير".
فأما الكذاب؛ فقد رأيناه، وأما المبير؛ فأنت "! فقال الحجاج: مبير المنافقين.
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 481- 482) .
وأبو المحياة، ثقة، اسمه يحيى بن يعلى، لكني لم أعرف أمه.
ومنهم: القاسم بن محمد الثقفي:
أن أسماء أتت الحجاج بعدما ذهب بصرها ومعها جواريها ... الحديث.
أخرجه ابن سعد.
والثقفي هذا؛ لم أعرفه.(7/1491)
2- وأما حديث ابن عمر؛ فيرويه شَريك عن أبي عُلوان عبد الله بن عصمة عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: ... فذكر الحديث.
أخرجه الترمذي (2220 و3944) ، والطيالسي (1925) ، وأحمد (2/ 26 و87 و91 و92) ، والدولابي في "الكنى" (2/36) ، والبيهقي في "الدلائل " (6/482) . وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك ".
3- وأما حديث سلاّمة بنت الحر؛ فترويه أم غراب عن عقيلة مولاة أم البنين عن سلامة بنت الحر مرفوعاً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/310/782) .
قلت: وهذا إسناد مجهول.
(تنبيه) : لقد أخرج الطبراني هذه الطرق وغيرها في ترجمة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما؛ ومنها طريق أبي نوفل بن أبي عقرب التي أخرجها مسلم؛ فخفي هذا على الهيثمي، فذكره في "مجمع الزوائد" (7/226) ، وقال:
" رواه الطبراني، ورجاله رجال (الصحيح) "! *
3539- (إنّ في عجوة العالية شفاءً، أو إنّها ترياق أول البكرة) .
أخرجه مسلم (6/124) ، وأحمد (6/105 و152) من طريق شريك بن أبي نمر عن عبد الله بن أبي عتيق عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث.
قلت: شريك هذا؛ وإن كان من رجال الشيخين؛ فهو صدوق يخطئ؛ كما قال الحافظ في "التقريب "، وهو الذي روى قصة الإسراء والمعراج، وخالف في(7/1492)
بعض المواضع منها الثقات، ومنها: أنه جعلها مناماً؛ فخطأه العلماء من أجل ذلك، ولهذا؛ فالحديث لا يتجاوز عندي مرتبة الحسن. والله أعلم. *
3540- (إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض؛ فُضُلأ عن كُتَّاب الناس [يلتمسون أهل الذكر] ؛ فإذا وجدُوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون فيحفُّون بهم إلى السّماء الدنيا، فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك، ويمجِّدونك، ويذكرونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف [لو رأوني] ؟ فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميداً وتمجيداً وذكراً، فيقول: فأي شيء يطلبون؟ فيقولون: يطلبون الجنة، فيقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، قال: فيقول: ومن أي شيء يتعوذون؟ فيقولون: من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها هرباً، وأشد منها خوفاً، قال: فيقول: إني أشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: فيقولون: فإن فيهم فلاناً الخطّاء؛ لم يردهم، إنما جاء لحاجة؟! فيقول: همُ القوم لا يشقى بهم جليسهم) .
أخرجه البخاري (6408) ، ومسلم (8/68) ، وأبو نعيم في "الحلية" (8/117) ، والحاكم في "المستدرك " (1/495) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (207) ، و"الشعب " (1/399/ 531) ، والبغوي في "شرح السنة" (5/11و12/1241) ، وأحمد في "المسند" (2/ 251 و252 و 358 و359 و 382 و 383) عن أبي صالح(7/1493)
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث.
والسياق لأحمد، والزيادة للحاكم وغيره. *
3541- (إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضاً) .
أخرجه البخاري (3243) ، ومسلم (8/148) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (13/105/ 15831) ، والدارمي (2/336) ، وأحمد (4/ 400 و 411و419) ، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (95/317) كلهم من طريق همام بن يحيى عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى بن قيس عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. والسياق لمسلم.
وتابعه الحارث بن عبيد عن أبي عمران الجوني به.
أخرجه مسلم، وأبو نعيم في "صفة الجنة" رقم (398) ، والبيهقي في "البعث " (374) .
وخالفهما عبد العزيز بن عبد الصمد فقال: حدثنا أبو عمران الجوني به؛ إلا أنه قال:
"عرضها ستون ميلاً".
أخرجه البخاري (4879) ، ومن طريقه: البغوي في "شرح السنة " (15/216/4289) و " تفسيره " (7/ 458) ، ومسلم (8/ 148) ، والترمذي (2528) - وصححه-، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/479) ، وأحمد (4/411) كلهم عن عبد العزيز(7/1494)
به؛ إلا أن النسائي لم يذكر إلا الطرف الأول منه دون ما بعدها من الطول أو العرض.
ولعل ذلك للخلاف المذكور بين عبد العزيز واللذين ذكرا الطول مكان العرض.
ومن الغرائب أن الحافظ ابن حجر لم يتعرض للتوفيق بين اللفظين؛ لا في شرحه لحديث همام (6/323- 324) ، ولا في شرحه لرواية عبد العزيز (8/624- 625) ! كل ما في الأمر: أنه ذكر الخلاف بين رواية عبد العزيز والحارث بن عبيد بلفظ: "ستون " ورواية همام بلفظ: "ثلاثون "! كذا قال: "ثلاثون "؛ هكذا وقعت روايته عنده في متن "البخاري "! ولا أشك أنه خطأ، وإن كنت لا أدري ممن هو؛ لأنه مخالف لجميع من رواه من المخرّجين الذين سبق ذكرهم.
هذا.. ولعل الجمع بين الروايتين؛ أن يقال بصحة كل منهما، ويكون المعنى بأن طول الخيمة مساوٍ لعرضها؛ فإن صح هذا فبها ونعمت، وإلا؛ فرواية الطول أرجح؛ لاتفاق ثقتين عليها. والله أعلم. *
3542- (إنّ معَ الدّجال إذا خرج ماءً وناراً، فأما الذي يرى الناسُ أنها النار؛ فماءٌ باردٌ، وأما الذي يرى الناسُ أنه ماءٌ باردٌ؛ فنار تحرق، فمن أدرك منكم؛ فليقع في الذي يرى أنها نار؛ فإنه عذبٌ باردٌ) .
أخرجه البخاري (3450 و7130) ، ومسلم (8/196) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (19351) ، وأحمد (5/395) ، والمحاملي في "الأمالي " (315) ، والطبراني (17/ 231- 232) من طريق عبد الملك عن ربعي بن حراش قال:
قال عقبة بن عمرو لحذيفة: ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قال: إني سمعته يقول: ... فذكر الحديث. زاد الشيخان وغيرهما:
فقال عقبة: وأنا قد سمعته؛ تصديقاً لحذيفة.(7/1495)
وتابعه نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش به مثله.
أخرجه مسلم، والمحاملي (312) .
وتابعهما أبو مالك الأشجعي عن ربعي به نحوه، وزاد:
"فإما أدركن أحدٌ؛ فليأت النهر الذي يراه ناراً، وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه؛ فإنه ماء بارد. وإن الدجال ممسوح العين؛ عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن؛ كاتب وغير كاتب ".
أخرجه مسلم، وابن أبي شيبة (19318) .
وتابعهم منصور عن ربعي به نحوه موقوفاً وفيه الزيادة بلفظ:
قال أبو مسعود البدري: هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول.
أخرجه أبو داود (4315) . *
3543- (إنّ مكة حرّمها الله ولم يحرّمها الناس، فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة؛ فإن أحدٌ ترخّص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها؛ فقولوا: إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعةً من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهدُ الغائب) .
أخرجه البخاري (104 و 1832 و4295) ، ومسلم (4/110) ، والترمذي (809) ، والنسائي (2/ 32) ، والبيهقي (7/60 و9/212) ، وأحمد (4/ 31 و 6/ 385) . وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ". *(7/1496)
3544- (إنّ من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مثلُ المسلم، فحدثوني ما هي؟
فوقع الناسُ في شجر البوادي. قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييتُ. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟! قال: هي النخلة) .
قلت: هو من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وله عنه طرق:
الأولى: عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث.
أخرجه البخاري (61 و62 و131) ، ومسلم (8/137) ، والترمذي (2867) ، وابن جرير الطبري في "تفسيره " (13/137 و138) ، والبغوي في "شرح السنة" (1/307/ 143) وفي " تفسيره " (4/ 348) .
الثانية: عن مجاهد قال:
صحبت ابن عمر إلى المدينة، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا حديثاً واحداً، قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتي بجمّار فقال: ... فذكره نحوه.
أخرجه البخاري (72 و 5448) ، ومسلم (8/137) ، وأحمد (2/ 12) ، والطبري (13/137) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (13508 و13513 و13517 و13521) .
الثالثة: عن نافع عن ابن عمر قال:
كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره نحوه، وزاد في آخره:(7/1497)
قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً، فقال عمر: لأن تكون قلتها؛ أحب إلي من كذا وكذا.
! خرجه مسلم (8/138) ، والطبري (13/138) . *
3545- (إنّ منهم من تأخذه النارُ إلى كعبيه، [ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه] ، ومنهم من تأخذه إلى حُجْزَته، ومنهم من تأخذه إلى عنقه) .
أخرجه مسلم (8/ 150) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (16026) ، وأحمد (5/ 10 و18) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6969 و6970) من طريق، أبي نضرة عن سمرة بن جندب أنه سمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكر الحديث. والسياق لمسلم مع الزيادة.
ورواه الطبراني (6889) من طريق سعيد بن بشير عن الحسن عن سمرة به نحوه. *
3546- (إنّ هذا اخترط سيفي وأنا نائمٌ، فاستيقظت وهو في يده صلتاً، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فها هو ذا جالسٌ) .
أخرجه البخاري (4134 و4135) ، ومسلم (7/62) ، والنسائي في " السنن الكبرى " (8772 و 2 885) ، والبيهقي في " السنن " (6/319) وفي "دلائل النبوة " (3/373) ، وأحمد (3/3311) من طريق سنان بن أبي سنان وأبي سلمة عن جابر بن عبد الله:(7/1498)
أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد، فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت سمُرة، فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة؛ فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا، فجئناه؛ فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث، وزاد البخاري وغيره:
ثم لم يعاقبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. *
3547- (إنّ هذا بكى؛ لما فَقَدَ من الذِّكر) .
أخرجه البخاري (2095و3584) ، وأحمد (3/300) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 560) من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب إلى جذع نخلة، قال: فقالت امرأة من الأنصار- كان لها غلام نجار-: يا رسول الله! إن لي غلاماً نجاراً، أفآمره أن يتخذ لك منبراً تخطب عليه؟ قال: "بلى"؛ قال: فاتخذ له منبراً، قال: فلما كان يوم الجمعة؛ خطب على المنبر. قال: فأنّ الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث.
والسياق لأحمد. *
3548- (إنّ هذا يومٌ كان يصومه أهل الجاهليّة، فمن أحب أن يصومه؛ فليصمه، ومن أحب أن يتركه؛ فليتركه) .
أخرجه مسلم (3/147- 148) ، والبيهقي في "السنن " (4/290) من طريق الوليد بن كثير: حدثني نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدثه أنه سمع(7/1499)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في يوم عاشوراء: ... فذكر الحديث.
وأخرجه البخاري (1892و4501) ، ومسلم أيضاً، وأحمد (2/57و143) من طرق أخرى عن نافع به نحوه، وزاد البخاري ومسلم:
وكان عبد الله رضي الله عنه لا يصومه؛ إلا أن يوافق صيامه.
وتابعه سالم عن أبيه مرفوعاً مختصراً جداً بلفظ:
"يوم عاشوراء إن شاء صامه ".
أخرجه البخاري (2000) . *
3549- (إنّ هذه الصّلاة عرضت على من كان قبلكم فضيّعوها، فمن حافظ عليها؛ كان له أجرُه مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهدُ- والشاهدُ: النّجم-) .
أخرجه مسلم (2/208) ، وأبو عوانة في "المسند" (1/359) ، والنسائي (1/90) ، وابن جرير الطبري (2/351) ، والدّولابي في"الكنى والأسماء " (1/18) ، وأحمد (6/396- 397) ، والبيهقي في" السنن " (2/452) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (2166) من طريق أبي تميم الجيشاني عن أبي بصرة الغفاري قال:
صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بالمُخَمَّصِ، فقال: ... فذكر الحديث.
وخالف محمد بن إسحاق فقال: عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي تميم الجيشاني عن أبي أيوب قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/219/4084) .(7/1500)
قلت: وهذا إسناد منكر؛ لعله من قبل عنعنة ابن إسحاق.
فقد أخرجه مسلم من طريق ابن إسحاق أيضاً قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن خير بن نعيم الحضرمي عن عبد الله بن هبيرة السبائي- وكان ثقة- عن أبي تميم الجيشاني عن أبي بصرة الغفاري قال:
صلى بنا رسول - صلى الله عليه وسلم -العصر ... بمثله.
ومن هذا القبيل: ما رواه عبد الرزاق في "المصنف" (1/579/2209) عن ابن أبي سبرة عن عبد الله بن عبد الرحمن عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي نصرة الغفاري قال: ... فذكر الحديث نحوه، وزاد:
"وفُضِّلَت على ما سواها بستة (!) وعشرين درجة".
قلت: كذا قال: (أبو نصرة) بالصاد والنون! وهو منكر إسناداً ومتناً، وآفته ابن أبي سبرة- وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة-؛ في اسمه اختلاف، وقد رموه بالوضع. *
3550- (يمين الله ملأى، لا يغيضُها نفقة، سحّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السّماء والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، قال: وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القبضُ، يرفعُ ويخفض) .
قلت: هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وله عنه طريقان:
الأولى: عن همام بن منبه- أخي وهب بن منبه- قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث.
أخرجه مسلم (3/78) ، وأحمد (2/313) .(7/1501)
والأخرى: عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره نحوه، وفيه:
"الميزان" مكان: " القبض ".
أخرجه البخاري (4684 و7411) ، ومسلم (3/77) ، والترمذي (3045) ، وابن ماجه في "السنن" (197) ، وأحمد (2/242 و500) . *
3551- (إنّا قد اتخذنا خاتماً، ونقشنا فيه نقشاً، فلا ينقش أحدٌ على نقشه) .
أخرجه البخاري (5874) ، والنسائي (9510 و9511 و9534) ، وابن ماجه (3640) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال:
اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتماً، ونقش عليه نقشاً قال: ... فذكر الحديث. واللفظ للنسائي؛ وزاد:
ثم قال أنس: فكأني أنظر إلى وبيصه في يده.
وللحديث شاهد من رواية ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه.
رواه الشيخان وغيرهما، وصححه الترمذي، وهو مخرج في "مختصر الشمائل " (61/81) . *
3552- (إنّك دعوتنا خامس خمسة، وهذا رجلٌ قد تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته. قال: بلٌ أذنتُ له) .
أخرجه البخاري (5434 و5461) ، ومسلم (6/115- 116) ، والترمذي (1099) ، والنسائي في"السنن الكبرى" (6614 و6615) ، والدارمي (2/105-(7/1502)
106) ،
والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 524- 532) ، والبغوي في "شرح السنة" (9/145) من طريق أبي مسعود الأنصاري قال:
كان من الأنصار رجل يقال له: أبو شعيب، وكان له غلام لحام، فقال: اصنع لي طعاماً أدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة، فتبعهم رجل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث. والسياق للبخاري. *
من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، وبطولات بعض أصحابه
3553- (إنك كالذي قال الأول: اللهم! أبغني حبيباً هو أحبّ إلي من نفسي) .
أخرجه مسلم (5/190) من طريق إياس بن سلمة: حدثني أبي قال:
قدمنا الحديبية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ونحن أربع عشرة مئة، وعليها خمسون شاة لا تُرويها، قال: فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جَبَا الرّكية، فإما دعا وإما بصق فيها، قال: فجاشت، فسقينا واستقينا. قال:
2- ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعانا للبيعة في أصل الشجرة، قال: فبايعته أوّل الناس، ثم بايع وبايع، حتى إذا كان في وسط من الناس قال:
"بايع يا سلمة! ". قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله! في أول الناس! قال: " وأيضاً ". قال:
ورآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزلاً (يعني: ليس معه سلاح) قال: فأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجفة أو درقة، ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال:(7/1503)
"ألا تبايعني يا سلمة؟! ". قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله! في أول الناس وفي أوسط الناس! قال:
"وأيضاً". قال: فبايعته الثالثة، ثم قال لي:
"يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟ ". قال: قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلاً فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ... فذكر الحديث.
ثم إن المشركين راسلونا الصلح، حتى مشى بعضنا في بعض واصطلحنا، قال: وكنت تبيعاً لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه وأحسهُ وأخدمه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجراً إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض؛ أتيت شجرة فكسحت شوكها، فاضطجعت في أصلها، قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قُتل ابن زنيم، قال: فاخترطت سيفي، ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود، فأخذت سلاحهم، فجعلته ضغثاً في يدي، قال: ثم قلت: والذي كرم وجه محمد؛ لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال:
وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له: مكرزٌ؛ يقوده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فرس مجفف، في سبعين من المشركين، فنظر إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
"دعوهم؛ يكن لهم بدءُ الفجور وثناهُ".(7/1504)
فعفا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل الله: {وهو الذي كل أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ... } الآية كلها. قال:
7- ثم خرجنا راجعين إلى المدينة، فنزلنا منزلاً، بيننا وبين بني لحيان جبل، وهم المشركون، فاستغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن رقي هذا الجبل الليلة؛ كأنه طليعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثاً.
8ـ ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره مع رباح غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه، وخرجت معه بفرس طلحة أندّيه مع الظهر، فلما أصبحنا؛ إذا عبد الرحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المشركين قد أغاروا على سرحه، قال: ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثاً: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز أقول:
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضّع
فألحقُ رجلاً منهم فأصكّ سهماًفي رحله، حتى خلص نصل السهم إلى كتفه. قال: قلت: خذها
وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضّع
قال: فوالله! ما زلت أرميهم أعقرُ بهم، فإذا رجع إلي فارس؛ أتيت شجرة فجلست في أصلها، ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل، فدخلوا في تضايقه؛ علوت الجبل فجعلت أرديهم بالحجارة! قال: فما زلت كذلك أتبعهم،(7/1505)
حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا خلفته وراء ظهري؛ وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بُردة وثلاثين رمحاً يستخفون، ولا يطرحون شيئاً إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة يعرفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، حتى أتوا متضايقاً من ثنية، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري. فجلسوا يتضحون (أي: يتغدَّون) ، وجلست على رأس قرن، قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح، والله! ما فارقنا منذ غلس يرمينا، حتى انتزع كل شيء في أيدينا، قال: فليقم إليه نفر منكم أربعة، قال: فصعد إلي منهم أربعة في الجبل، قال: فلما أمكنوني من الكلام؛ قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع، والذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم -! لا أطلب رجلاً منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني، قال أحدهم: أنا أظن.
9- قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون الشجر، قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي على إثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم.
قال: فولوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق؛ فلا تحُل بيني وبين الشهادة! قال: فحليته، فالتقى هو وعبد الرحمن، قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه.
ولحق أبو قتادة فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الرحمن، فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم -! لتبعتهم أعدو على رجلي، حتى ما أرى ورائي من أصحاب(7/1506)
محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا غبارهم شيئاً، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: (ذو قرد) ؛ ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إلي أعدو وراءهم؛ فحليتُهم عنه (يعني: أجليتهم عنه) ، فما ذاقوا منه قطرة.
قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية، قال: فأعدو، فألحق رجلاٌ منهم فأصُكُهُ بسهم في نغض كتفه، قال: قلت: خذها
وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضّع
قال: يا ثكلتهُ أمّه! أكوعهُ بكرة؟! قال: قلت: نعم يا عدو نفسه! أكوعُك بُكرة.
قال: وأردوا فرسين على ثنية، قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
10- قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقةٌ من لبن وسطيحة فيها ماء، فتوضأت وشربت، ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي حليتهم عنه؛ فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ تلك الإبل، وكل شيء استنقذته من المشركين وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كبدها وسنامها.
قال: قلت: يا رسول الله! خلني فأنتخب من القوم مئة رجل فأتبع القوم؛ فلا يبقى منهم مُخبرٌ إلا قتلته، قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه في ضوء النار. فقال:
"يا سلمة! أتراك كنت فاعلاً؟ ". قلت: نعم، والذي أكرمك! فقال:
"إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان"؛ قال: فجاء رجل من غطفان "؛فقال: نحر لهم فلان جزوراً، فلما كشفوا جلدها رأوا غباراً، فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين.(7/1507)
11- فلما أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة ". قال: ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهمين؛ سهم الفارس وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعاً، ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة.
12- قال: فبينما نحن نسير- قال: وكان رجل من الأنصار لا يُسبق شدّاً-، قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة، هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلما سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً؟ قال: لا؛ إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: قلت: يا رسول الله! بأبي وأمي ذرني فلأسابق الرجل! قال:
"إن شئت ". قال: اذهب إليك، وثنيت رجلي، فطفرت، فعدوت، قال: فربطت عليه شرفاً أو شرفين أستبقي نفسي، ثم عدوت في إثره فربطت عليه شرفاً أو شرفين، ثم إني رفعت حتى ألحقه، قال: فأصُكّه بين كتفيه، قال: قلت: قد سُبقت والله! قال: أنا أظن، قال: فسبقته إلى المدينة.
13- قال: فوالله! ما لبثنا إلا ثلاث ليال، حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم:
تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينةً علينا
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"من هذا؟ ". قال: أنا عامر. قال:(7/1508)
"غفر لك ربك! ".
قال: وما استغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان يخصّه إلا استشهد. قال: فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله! لولا متعتنا بعامر!
14- قال: فلما قدمنا خيبر؛ قال: خرج ملكهم مرحب يخطرُ بسيفه ويقول:
قدعلمت خيبرأني مرحبُ شاكي السلاح بطل مُجربُ
إذا الحروب أقبلت تلهبُ
قال: وبرز له عمي عامر، فقال:
قدعلمت خيبرأني عامرُ شاكي السلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفُل له، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه.
15- قال سلمة: فخرجت؛ فإذا نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: بطل عملُ عامر؛ قتل نفسه.
فال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله! بطل عملُ عامر؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"من قال ذلك؟! ". قال: قلت: ناس من أصحابك، قال:
"كذب من قال ذلك! بل له أجره مرتين ".
ثم أرسلني إلى عليّ وهو أرمدُ، فقال:
"لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله؛ أو يحبه الله ورسوله ".(7/1509)
قال: فأتيت علياً، فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبسق في عينيه، فبرأ وأعطاه الراية، وخرج مرحب، فقال:
قدعلمت خيبرأني مرحبُ شاكي السلاح بطل مجربُ
إذا الحروب أقبلت تلهبُ
فقال علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
أوفيهمُ بالصاع كيل السندره
قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
قلت: هكذا بهذا التمام أخرجه مسلم من طريق عكرمة- وهو ابن عمار- قال: حدثني إياس بن سلمة به. وكذلك رواه إبراهيم- وهو أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه، راوية "صحيح مسلم "-.
وأخرجه الإمام أحمد (4/48) - كُله أو جُله-، والبيهقي- مفرقاً- في "دلائل النبوة" (4/138 و182و207) .
وأخرج هو (4/ 137 و180 و181- 206) ، وكذا أبو داود رقم (2654 و 2752) ، وكذلك أحمد (4/46 و47 و49- 50 و50-51 و 52- 53) ، والرّوياني في "مسنده " (1128 و 1130 و 1131و 1143 و 1149 و1156 و1172) ، والطبراني في "معجمه " (7/8- 13 ورقم 6233 و 6242 و 6243 و 6246 و 6252 و 6256 و 6268 و 6269 و 6274 و 6278 وا 628 و 6284 و 6286 و 6287 و 6294 و6295 و6300) ، وكذا ابن أبي شيبة في "المصنف" (14/ 440- 443) أخرجوا منه من طرق عن سلمة فقرات؛(7/1510)
منها المطول، ومنها المختصر، وأتمها طريق عكرمة بن عمار في "صحيح مسلم ".
وهو- أعني: عكرمة بن عمار- جيد الحديث في روايته عن غير يحيى بن أبي كثير، أما روايته عنه خاصة؛ فقد تكلموا فيها؛ ولذلك قال الحافظ في ترجمته:
"صدوق؛ يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب ".
قلت: ومن ذا الذي لا يغلط؟! وإن روايته لهذا الحديث لأكبر دليل على حفظه وضبطه لما يرويه. وقد تابعه غير ما واحد عن سلمة في بعض فقراته، وبعضها في "الصحيحين "، فانظر إن شئت (4532 و4540 و4543 و4551) في "تحفة الأشراف ".
وقد وجدت له متابعاً على حديث الترجمة؛ لكن فيه من لا يُفرح بمتابعته؛ فقال الطبراني بالرقم المتقدم (6300) : حدثنا محمد بن يونس: ثنا ناصر بن علي: أنا حماد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال:
جاء عامر عمي، فقال: أعطني سلاحك، فأعطيته، ثم جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: أبغني سلاحاً، قال:
"فأين سلاحك؟ "، قلت: أعطيته عامراً عمي، قال:
"ما أجد أحداً يشبهك إلا الذي قال: هب لي أخاً أحب إليّ من نفسي "؛ فأعطاني قوسه ومجنه وثلاثة أسهم من كنانته.
قلت: ومحمد بن يونس هذا: هو العصفري- وهو المعروف بالكديمي-؛ وهو متهم بوضع الحديث. *(7/1511)
3554- (قال الله تبارك وتعالى: إذا أحب عبدي لقائي أحببتُ لقاءه، وإذا كره لقائي كرهتُ لقاءه) .
هو من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وله عنه طرق:
الأولى: عن الأعرج عنه.
أخرجه مالك، والنسائي (1835- أبو غدة) من طريقه وغيره، وأحمد (2/418) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
الثانية: عن شريح بن هانئ عنه به قال:
فأتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين! سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً، إن كان كذلك فقد هلكنا، فقالت: إن الهالك من هلك في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما ذاك؟ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... (فذكر الحديث) . وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت؟! فقالت: قد قاله رسول الله؛ وليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع؛ فعند ذلك: "من أحب لقاء الله؛ أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه ".
أخرجه مسلم (8/66) ، والنسائي (1834) .
الثالثة: عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً به. أخرجه أحمد (2/ 451) . وسنده حسن.
(تنبيه) : عزا الحديث المنذري في "الترغيب " (4/168/3) لـ:
" مالك، والبخاري- واللفظ له-، ومسلم، والنسائي ". ذكره بلفظ: " قال:(7/1512)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني: عن الله عز وجل "!
قلت: وفيه ملاحظتان:
الأولى: أنه ليس عند أحد من المذكورين قوله: "يعني: عن الله "؛ وإنما هو عندهم كما ذكرت آنفاً.
والأخرى: ذكرُهُ البخاريّ معهم! وهو وهم، تبعه عليه السيوطي في "جامعيه "! ولم يعزه إليه المزي في "التحفة" (10/206/13908) ، ولا أصحاب الفهارس، ولا الحافظ في "فتح الباري/ كتاب الرقائق ". *
3555- (إئكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟! قال: أدّوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم) .
أخرجه البخاري (7052) ، ومسلم (6/17- 18) ، والترمذي (2190) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/146) ، وأحمد (1/433) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10073) من طريق زيد بن وهب قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث. *
3556- (لا يجلس الرجلُ بين الرجل وابنِه في المجلس) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (4/358-359/4429) من طريق عبد الله بن محمد بن عبد العزيز- وهو البغوي-، وهذا في "حديث علي بن الجعد" (ق175/1 ورقم 3057- ط) : ثنا محمد بن حبيب بن محمد الجارودي فال: نا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ... فذكره.(7/1513)
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير الجارودي هذا، وقد ترجمه الخطيب في "التاريخ " فقال (2/277) :
"بصري، قدم بغداد وحدّث بها عن عبد العزيز بن أبي حازم. روى عنه أحمد بن علي الخزاز، والحسن بن عليل العنزي، وعبد الله بن محمد البغوي، وكان صدوقاً".
وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال:
"روى عن [ابن] أبي حازم، حدثنا عنه عبد الله بن محمد البغوي ".
ومن الغريب أن الهيثمي لم يعرفه، فقال في "مجمع الزوائد" (8/ 61) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه من لم أعرفه "!
مع أنه ذكره في كتابه "ترتيب ثقات ابن حبان "، فلم يتذكره؛ فسبحان من أحاط بكل شيء علماً!
وأما المناوي؛ فأقر الهيثمي على قوله المتقدم، ولخص ذلك في "التيسير" فقال: "وفيه مجهول "!
وهذا منه غير جيد؛ لأنه لا يلزم من عدم معرفة الهيثمي إياه أن يكون مجهولاً، والمثال بين يديك! فتنبه.
وللحديث شاهد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال:
"لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما".
أخرجه أبو داود (4844) ، وإسناده حسن. *(7/1514)
3557- (كانَ تنامُ عيناهُ، ولا ينام قلبُه) .
أخرجه الحاكم (2/431) من طريق يعقوب بن محمد الزهري: ثنا عبد العزيز ابن محمد عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه قال: ... فذ كره. وقال:
"صحيح على شرط مسلم "!
كذا قال! وردّه الذهبي بقوله:
"قلت: يعقوب ضعيف، ولم يرو له مسلم ".
وأقول: هذا الحديث من الأحاديث المشهورة عند السلف، بحيث يغني ذلك عن الإسناد، وأصل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل:
ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم قام إلى صلاة الفجر فصلى ولم يتوضأ. أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (1224- 1229) مطولاً ومختصراً. ففي رواية للبخاري (138- فتح) في هذا الحديث من طريق سفيان عن عمرو بن دينار ... فساق الحديث، وفيه:
قلنا لعمرو: إن ناساً يقولون: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه ...
وإن مما لا شك فيه: أن الناس الذين يشير إليهم عمرو: هم من الصحابة الذين لقيهم عمرو، أو من كبار التابعين، ولهذا جزم به سفيان في رواية مسلم (2/180) ، فقال:
قال سفيان: وهذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة؛ لأنه بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه، ولا ينام قلبه.(7/1515)
ومن هذا القبيل: ما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/132) بسند رجاله ثقات عن إبراهيم:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نام في المسجد حتى نفخ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه.
وإبراهيم هذا: هو ابن يزيد النخعي التابعي الفقيه.
فأقول: هذه المراسيل والمعاضيل؛ اجتماعها يعطي قوة للحديث. ومن ذلك حديث شهر بن حوشب: قال ابن عباس:
حضرت عصابة من اليهود نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً، فقالوا: يا أبا القاسم! حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي؟ قال:
"سلوني ما شئتم ... ".
فذكر أسألتهم وجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم، وفيه أنه قال لهم:
"هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟! ". قالوا: اللهم! نعم.
وقد جاءت هذه القصة بسند آخر خير من هذا؛ أخصر من هذه؛ وفيها أنهم قالوا: أخبرنا عن علامة النبي؟ قال:
"تنام عيناه، ولا ينام قلبه ".
رواه جمع منهم الترمذي وصححه؛ وهو مخرج في "الصحيحة " (1873) .
فهذا يبين أن أصل تلك المراسيل وكذا حديث أبي هريرة؛ إنما هو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهكذا رواه محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ وهو مخرج في "الصحيحة " أيضاً (696) .(7/1516)
وأقوى من ذلك كله: حديث عائشة قالت:
يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ قال:
"يا عائشة! إن عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي ".
رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج هناك؛ وفي "صحجح أبي داود" (1212) . فصح الحديث والحمد لله. *
3558- (كان ضخم اليدين والقدمين، حسن الوجه، لم أرَ بعدَه ولا قبله مثله) .
أخرجه البخاري (5906- 5912) ، وأحمد (3/125) ، وابن سعد في "الطبقات " (1/414) من طرق عن قتادة عن أنس به؛ والسياق للبخاري.
وعزاه في " الفتح الكبير"- للنبهاني- للبخاري؛ بزيادة فقال:
كان ضخم الرأس واليدين والقدمين.
وهذه الزيادة مقحمة في هذا الحديث، ليس لها أصل عند البخاري ولا عند الآخرين، فلعله سبق قلم منه!
ومن المصادفات الغريبة: أن الحافظ ابن حجر- أو ناسخ كتابه "الفتح"- وقع في مثله؛ فإنه لما نقل المتن لشرحه ذكره (10/358) بلفظ: ضخم الرأس والقدمين!
وهذه الجملة: ضخم الرأس..
قد جاءت من طرق عن علي رضي الله عنه، وقد مضى تخريجه برقم (2053) . *(7/1517)
3559- (أفشِ السَّلام وابذلِ الطعامَ.
واستحي من الله استحياءك رجُلاً من أهلك.
وإذا أسأت فأحسن، ولتُحسن خُلقك ما استطعت) .
أخرجه ابن نصر المروزي في "الإيمان " (ق 226/ 1) ، والبزار (2172- كشف الأستار) عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى قوم، فقال: يا رسول الله! أوصني؟ قال: ... فذ كره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لحال ابن لهيعة. وبه أعله الهيثمي (8/23) ؛ وعزاه للبزار فقط!
وقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/272- 273) من طريق أبي عبد الملك عن القاسم عن أبي أمامة في حديث طويل في غزوة خيبر، وفيه ذكر أبي الطفيل، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ... فذكر الحديث؛ إلا أنه قال:
"واذا أسأت فأحسن؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات ".
وأعله الهيثمي (6/148) بقوله:
"رواه الطبراني، وفيه علي بن يزيد، وهو ضعيف "!
قلت: وهو أبو عبد الملك الراوي عن القاسم-وهو ابن عبد الرحمن- صاحب أبي أمامة.
وان من تخاليط المناوي: أنه نقل عن الهيثمي إعلال حديث أبي أمامة بابن لهيعة! وإنما هو في حديث معاذ كما سبق، ولم يعزه إليه السيوطي.(7/1518)
هذا.. وقد كنت برهة من الزمن حشرت هذا الحديث في "سلسلة الأحاديث الضعيفة"، ثم تبينت أن له شواهد توجب نقله إلى هنا "الصحيحة"، وقد سبق تخريجها؛ فأنا أحيل عليها؛ ليكون القراء على بينة من الأمر، فأقول:
أما الفقرة الأولى؛ فقد تقدمت من حديث عبد الله بن سلام برواية جمع منهم الترمذي وصححه، وقد تقدم (569) .
وأما الفقرة الثانية؛ فمضت من حديث سعيد بن يزيد الأنصاري برواية أحمد وغيره بسند جيد، وتقدم (741) .
وأما الفقرة الثالثة والأخيرة؛ فسبقت من حديث عبد الله بن عمرو برواية ابن حبان وغيره بسند حسن، وتقدم (1228) . فصح الحديث والحمد لله. *
3560- (ألا إنّ لكل شيء تركة وضيعة، وإن ترِكَتي وضيعتي الأنصار، فاحفظوني فيهم) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (5/309/5398) من طريق الوليد بن شجاع قال: نا عمر بن حفص بن ثابت الأنصاري عن عبد الرحمن بن أبي الرّجال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال:
خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره. وقال:
"لم يروه عن ربيعة إلا ابن أبي الرجال، تفرد به عمر بن حفص الأنصاري".
قلت: لم أجد له ترجمة إلا في "التاريخ الكبير" للبخاري، فذكر أنه روى عن أبيه، سمع النعمان بن بشير رضي الله عنهما، وقال داود بن رشيد: حدثنا عمر ابن حفص بن عمر بن ثابت أبو سعد الأنصاري عن أبيه ... فساق له أثراً عن عائشة. وقال:(7/1519)
"في الشاميين ".
قلت: فاستفدنا من هذا النص فائدتين:
إحداهما: أنه شامي، فهو على شرط ابن عساكر، ولم يورده في"تاريخ دمشق"
والأخرى: أنه روى عنه داود بن رُشيد، وهو ثقة، ومثله الوليد بن شجاع، فهذان ثقتان رويا عنه، فهو على شرط ابن حبان في "ثقاته "، وقد ذكره فيهم (8/439- 440) برواية داود بن رشيد فقط. ولعله لهذا قال الهيثمي في "المجمع " (10/32) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وإسناده جيد".
والأحاديث في الوصية بالأنصار خيراً كثيرة مشهورة، وأحدها عن أنس من طريق آخر عنه، وقد تقدم تخريج الكثير الطيب منها برقم (916 و 917 و3430) . *
3561- (لم يبعث الله نبياً إلا بلغة قومه) .
أخرجه أحمد (5/158) : ثنا وكيع عن عمر بن ذرّ قال: قال مجاهد: عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري، لكن قال أبو حاتم:
"مجاهد عن أبي ذر مرسل ".
وبهذا أعله الهيثمي في "المجمع " (7/43) . لكن الحديث صحيح قطعاً؛ لأنه يشهد له قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} . ويشير إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:(7/1520)
"وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة".
متفق عليه؛ وهو مخرج في "الإرواء" (1/315- 316) . *
3562- (لو جعل القرآن في إهاب، ثم ألقي في النار؛ ما احترق) .
أخرجه الدارمي في "سننه " (2/ 430) ، والطحاوي في"مشكل الآثار" (1/390) ، وأحمد (4/151) ، وأبو القاسم بن عبد الحكم في "فتوح مصر" (288) ، وأبو يعلى في "مسنده " (3/284/1745) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 308) ، وابن عدي في "الكامل " (6/469) ، والبيهقي في "الشعب " (2/554/2699) وفي "الأسماء والصفات " (264) ؛ أخرجوه من طرق، منها: عبد الله بن يزيد المقرئ عن عبد الله بن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات؛ على ضعف في مشرح بن هاعان؛ كما بينت في "تيسير الانتفاع "، ردّاً على قول الحافظ فيه:
"مقبول "! وقد قال فيه ابن عدي:
"صدوق، لا بأس به ".
وعبد الله بن لهيعة هنا صحيح الحديث؛ كما هو معروف من ترجمته، فقد غفل عن هذه الحقيقة الهيثمي فأعله به. فقال (7/158) :
"رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، وفيه ابن لهيعة، وفيه خلاف "!
ونقله الأخ حسين في تعليقه على "مسند أبي يعلى" وأقره! بل إنه صرح فقال في مطلع التخريج:(7/1521)
"إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة"!
ثم إن الحديث قد روي عن صحابيين آخرين:
أحدهما: عصمة بن مالك الخطمي.
والآخر: سهل بن سعد الساعدي.
أما الأول، فيرويه الفضل بن المختار عن عبد الله بن موهب عنه به.
أخرجه الطبراني (17/186/498) ، والبيهقي في "الشعب " (2/555/ 2700) . وقال الهيثمي:
"رواه الطبراني، وفيه الفضل بن المختار، وهو ضعيف ".
وأما حديث سهل؛ فيرويه عبد الوهاب بن الضحاك: ثنا ابن أبي حازم عن أبيه عنه.
أخرجه الطبراني في"الكبير" (6/212/5901) ، وابن عدي في "الكامل" (1/32 و5/295) . وقال الهيثمي:
"رواه الطبراني، وفيه عبد الوهاب بن الضحاك، وهو متروك ".
والحديث تكلم عليه المناوي في "فيض القدير"، ونقل أقوال العلماء الذين أعلوه من جميع طرقه، واستدرك عليهم بقوله:
"لكنه يتقوى بتعدد طرقه ".
وقد أطال النفس في شرحه وبيان المراد منه دون طائل، والظاهر أن المراد ما قاله أئمة الحديث، منهم البيهقي، فقال في "الشعب " عن أبي عبد الله:
"يعني: أن من حمل القرآن وقرأه؛ لم تمسه النار".(7/1522)
وأبو عبد الله: هو البوشنجي. وروى مثله في "الأسماء" عن الإمام أحمد.
وإن مما لا شك فيه: أن المراد حامل القرآن وحافظه وتاليه لوجه الله تبارك وتعالى، لا يبتغي عليه جزاءٌ ولا شكوراً إلا من الله عز وجل، وإلا؛ كان كما قال أبو عبد الرحمن- وهو عبد الله بن يزيد المقرئ- كما في "مسند أبي يعلى":
"تفسيره: أن من جمع القرآن، ثم دخل النار؛ فهو شر من خنزير". *
3563- (إذا ضحّى أحدكم، فليأكل من أُضْحِيَّتِهِ) ،
أخرجه أحمد (2/ 391) ، وابن عدي (88/ 1- 2) ، والخطيب في "التاريخ " (7/34) من طريقين عن الحسن بن صالح عن ابن أبي ليلى عن عطاءعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير ابن أبي ليلى- واسمه محمد بن عبد الرحمن الكوفي القاضي الفقيه-؛ أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال:
"صدوق سيئ الحفظ ... ". وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق سيئ الحفظ جدّاً".
وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالإرسال؛ كما حكاه عنهما ابن أبي حاتم في "العلل " (2/38 و41) ! والذي وصله ثقة، فالعلة ما ذكرته.
وإذا عرفت هذا؛ فقول الهيثمي (4/25) - كان تابعه المناوي-:
"رواه أحمد ورجاله رجال (الصحيح) "!(7/1523)
ليس بصحيح؛ فإن ابن أبي ليلى- مع ضعفه المذكور- لم يُخرّج له في "الصحيح "، ولعلهما ظناه عبد الرحمن بن أبي ليلى والد محمد؛ فهو الذي خُرّج له في "الصحيحين "؛ ولكن ليس به، فتنبه.
نعم؛ يمكن أن يقال: إن الحديث حسن بشاهده المروي عن ابن عباس مرفوعاً: "ليأكل كل رجل من أضحيته ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/174/1) ، وعنه أبو نعيم في "الحلية" (4/362) من طريق عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن عبد الله ابن أبي الهُذيل عن ابن عباس مرفوعاً. وقال أبو نعيم:
"غريب من حديث عبد الله، لم نكتبه إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو ضعيف جداً؛ فإن عبد الله بن خراش متفق على تضعيفه. وقال الساجي:
"ضعيف الحديث جدّاً، ليس بشيء، كان يضع الحديث". ونحوه قول البخاري:
"منكر الحديث ".
وجملة القول؛ أنه شديد الضعف؛ فلا يصلح للاستشهاد به، فيبقى الحديث على ضعفه. والله أعلم.
ثم وجدت ما يقويه من رواية شريك عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه وقتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"كلوا لحوم الأضاحي وادّخروا".
أخرجه أحمد (3/48) .(7/1524)
ثم أخرجه (3/85) ، وكذا مسلم وغيره من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري وحده بلفظ:
" كلوا، وأطعموا، واحبسوا ".
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، وقد خرجت بعضها في "صحيح أبي داود" (2503) ، و"الإرواء" (4/369- 370) ، وتقدم بعضها في "الصحيحة " (2969) . من أجل ذلك؛ رأيت إيداع حديث الترجمة في"الصحيحة " أيضاً. *
3564- (من أُعْمِر شيئاً فهو لمُعمَرِهِ؛ محياهُ ومماتهُ، ولا ترقبوا؛ فمن أرقب شيئاً؛ فهو سبيله. وفي رواية: سبيلُ الميراث) .
أخرجه أبو داود (3559) ، والنسائي (2/135) ، وابن ماجه (2381) مختصراً-، وكذا ابن حبان (1149 و1150) ، وأحمد (5/182 و186 و189) ، والطبراني في"المعجم الكبير" (5/179- 182) من طرق عن حُجر المدريّ عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح. وله شاهد من حديث جابر عند مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1607- 1609) .
(فائدة) : روى أبو داود (3560) بسند جيد عن مجاهد قال:
" (العمرى) : أن يقول الرجل للرجل: هو لك ما عشت. و (الرقبى) : هو أن يقول الإنسان: هو للآخر مني ومنك ".
وقال أبو الحسن السندي في "حاشية النسائي":
" (الرّقبى) على وزن (حُبلى) ، وصورتها: أن يقول: جعلت لك هذه الدار،(7/1525)
فإن مت قبلك فهي لك، وإن مت قبلي عادت إلي؛ من المراقبة؛ لأن كلاً منهما يراقب موت صاحبه ".
وقال، في (العمرى) :
"هي ك (حبلى) كما سبق؛ اسم من أعمرتك الدار؛ أي: جعلت سكناها لك مدة عمرك ".
قلت: وكل من (العمرى) و (الرقبى) توجبان الملك لـ (المعمر) و (المرقب) ، ولعقبه من بعده، ولا رجوع فيهما، كما قال الشوكاني وغيره، انظر "الروضة الندية " (2/167- 168) . *
3565- (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمّة الله وذمّة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته) .
أخرجه البخاري (391) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (2/530/ 11728) ـ دون جملة الذمة- من طريق منصور بن سعد عن ميمون بن سياه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن؛ فإن ميمون بن سياه- مع أنه من رجال البخاري- ففيه كلام أشار إليه الحافظ بقوله في "التقريب ":
"صدوق عابد يخطئ ".
وهو تلخيص لقول ابن عدي في آخر ترجمته من "الكامل " بعد أن ساق له أحاديث هذا أحدها (6/414- 415) :
"أحد من كان يعد في زهاد البصرة، ولعل ليس له من الحديث غير ما ذكرت(7/1526)
من المسند، والزهاد لا يضبطون الأحاديث كما يجب، وأرجو أنه لا بأس به ".
قلت: فأنا أخشى أن يكون وهم في ذكر جملة الذمة في الحديث، دخل عليه حديث في حديث؛ فإنها معروفة وثابتة في أحاديث: "من صلى صلاة الصبح؛ فهو في ذمة الله ... " إلخ، وقد سبق تخريجه برقم (2890) .
وميمون نفسه لم يذكرها في رواية عنه، فقال حميد: سأل ميمون بن سياه أنس بن مالك قال:
يا أبا حمزة! ما يحرم دم العبد وماله؟ فقال:
من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم.
أخرجه البخاري (393) .
ولعل الإمام النسائي أشار إلى ما ذكرت من الخشية بحذفه الجملة المذكورة.
والله سبحانه وتعالى أعلم. *
3566- (من مات يشرك بالله شيئاً؛ دخل النّار) .
هو من حديث ابن مسعود، يرويه عنه شقيق أبو وائل، وله عنه طرق: الأولى: الأعمش: حدثنا شقيق به؛ وزاد:
وقلت أنا (يعني: ابن مسعود) : من مات لا يشرك بالله شيئاً؛ دخل الجنة. أخرجه البخاري (1238 و4497 و6683) ، ومسلم (1/65) ، والنسائي في "الكبرى" (6/294/11011) ، وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 233) ، وأحمد (1/462 و464) من طرق عن الأعمش به.(7/1527)
الثانية: سيّار أبو الحكم عن أبي وائل به.
أخرجه ابن خزيمة، وأحمد (1/374) .
الثالثة: المغيرة عن أبي وائل به.
أخرجه ابن حبان (1/235/251) ، وأحمد أيضاً؛ قرنه بـ (سيار) .
الرابعة: عاصم عن شقيق به.
أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير" (10/231/ 10410) ، ولفظ الموقوف:
قال عبد الله: وأخرى لم أسمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أرجو أن يكون حقاً: لا يموت عبد وهو لا يجعل لله ندّاً؛ إلا أدخله الله الجنة.
وإسناده حسن.
ثم روى (10416) من طريق آخر عن عاصم به المرفوع فقط.
وله طريق أخرى عن ابن مسعود؛ يرويه أبو بحر البكراوي عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عنه بالمرفوع والموقوف.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (4/348) ، وقال:
"تفرد به عبد الرحمن بن عثمان البكراوي عن شعبة".
قلت: والبكراوي هذا ضعيف، والمحفوظ عن شعبة الرواية الأولى عن الأعمش، وستأتي الإشارة إلى روايته عنه في كلام ابن خزيمة الآتي قريباً إن شاء الله تعالى.
(تنبيه) : واعلم أنه قد وقع لبعض الرواة الحفاظ خطأ فاحش في هذا الحديث، ونحوه لأحد الحفاظ المتأخرين.(7/1528)
أما الأول؛ فهو أبو معاوية فقال: ثنا الأعمش عن شقيق به؛ إلا أنه انقلب عليه متنه؛ فجعل المرفوع موقوفاً، والموقوف مرفوعاً.
أخرجه ابن خزيمة أيضاً، وأبو عوانة في"صحيحه" (1/17) ، وأحمد أيضاً (1/382 و425) . وقال ابن خزيمة- بعد أن عقب عليه برواية ابن نمير عن الأعمش مثل رواية الجماعة عنه-:
"قلب ابن نمير المتن على ما رواه أبو معاوية؛ وتابع شعبة في معنى المتن، وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية، وتابعهما أيضاً سيار أبو الحكم ... " فساق روايته. ولذلك قال الحافظ في "الفتح " (3/ 111) :
"ولم تختلف الروايات في " الصحيحين " في أن المرفوع: الوعيد، والموقوف: الوعد، وزعم الحميدي في "الجمع "- وتبعه مغلطاي في "شرحه "، ومن أخذ عنه- أن في رواية مسلم من طريق وكيع وابن نمير بالعكس؛ بلفظ:
"من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة"، وقلت أنا: من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار.
وكأن سبب الوهم في ذلك: ما وقع عند أبي عوانة والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس؛ لكن بين الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في "البخاري"، قال: وإنما المحفوظ أن الذي قلبه أبو معاوية (1) وحده، وبذلك جزم ابن خزيمة في "صحيحه "، والصواب رواية الجماعة. وهذا هو الذي يقتضيه النظر؛ لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن، وجاءت السنة على وفقه؛ فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف
_________
(1) الأصل (أبو عوانة) ، وفي الهامش: في نسخة: "أبو معاوية ". قلت: وهو الصواب، ولا يستقيم المعنى إلا به.(7/1529)
جانب الوعد؛ فإنه في محل البحث؛ إذ لا يصح حمله على ظاهره؛ كما تقدم. وكأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ: قيل: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ قال: "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار" ... ".
وكذا أبو عوانة (1/18) ، وأحمد (3/391) .
وأقول: لقد ألقي في نفسي أن قول ابن مسعود هذا يشبه إلى حد كبير قول ابن عمر في (التحيات) بعد الشهادة:
وزدت فيها: وحده لا شريك له ... وهي ثابتة في (تحيات) غير واحد من الصحابة (1) ، فالظاهر أنهما قالا ما قالا؛ اعتماداً على غيرهما من الصحابة الذين سمعوا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - دونهما، فلم يرفعاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد يشير إلى هذا - بالنسبة لابن مسعود- قوله في رواية عاصم المتقدمة: لم أسمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فلعل هذا أولى من تأويل أنه قال، ذلك استنباطاً؛ تمسكاً بدليل الخطاب. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما الحافظ المتأخر؛ فهو الإمام السيوطي؛ فإنه أورد الموقوف على ابن مسعود في "الجامع الكبير" (2/835) من رواية (حم، خ، م) عن ابن مسعود. (حم، والدارمي، طب، والبغوي) عن أبي أيوب. (حم، بز، وابن خزيمة، ن، حل) عن أبي الدرداء. (ع) عن أبي سعيد".
فأوهم أن الحديث مرفوع عند الشيخين؛ كما هو عند الآخرين، وزاد في الإيهام في كتابه الآخر "الجامع الصغير"؛ فإنه اختصر التخريج فيه، فلم يذكره إلا من رواية ابن مسعود برمز (حم، ق) !
_________
(1) انظر"صفة الصلاة" (163) .(7/1530)
وإن من غرائبه: أنه أخلى "جامعيه " من حديث ابن مسعود هذا المرفوع، وهذا نوع جديد من القلب. والله المستعان. *
3567- (نهى أن يضعَ (وفي رواية: يرفعَ) الرّجل إحدى رجليه على الأخرى- زاد في الرواية الأخرى- وهو مستلق على ظهره) .
أخرجه أبو داود في "سننه " (4865) هكذا: حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا الليث. (ح) وحدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر قال: ... فذكره، واللفظ الثاني، والزيادة لقتيبة.
ورواية الليث أخرجها مسلم، وأحمد (3/349) من طرق أخرى عنه باللفظ الثاني والزيادة.
وذكره باللفظ الأول والزيادة الحافظ ابن عبد البر في"التمهيد" (9/204) من رواية الليث بن سعد وابن جريج وحماد بن سلمة؛ رووه عن أبي الزبير عن جابر به. ورواية ابن جريج: عند مسلم، وأحمد أيضاً باللفظ الأول نحوه.
وقد كنت خرجت الحديث مبسطاً فيما مضى برقم (1255) ، وفاتني هناك عزوه لرواية أبي داود، والآن- وأنا في صدد تهذيب "صحيح الجامع "، و"ضعيف الجامع " منذ بضعة أشهر- وجدت السيوطي قد أورد حديث الترجمة باللفظ الأول من رواية (حم- عن أبي سعيد) ، فاستغربت عزوه لحديث أبي سعيد؛ فإني لما رجعت إلى التخريج المبسط؛ وجدته مخرجاً من حديث جابر، وابن عباس، وأبي هريرة دون أبي سعيد، فرابني الأمر، فأخذت أبحث من جديد، واضعاً نصب عيني احتمال أن يكون فاتني الوقوف عليه يومئذ، ولكن دون جدوى، فلم أجد له أثراً فيما لدي من المصادر أصولها وفروعها، ومن هذه "مجمع الزوائد". ولكني(7/1531)
رأيت المناوي قد انطلى عليه عزو السيوطي، وغفل عن الخطأ الذي فيه، فأقره عليه، بل واستدرك عليه، فقال:
"ورواه الطبراني أيضاً، ورمز المصنف لحسنه، وهو تقصير، بل حقه الرمز لصحته، فقد قال الهيثمي: رجاله ثقات "!
والهيثمي إنما قال هذا في رواية الطبراني عن جابر، ولم يذكره ألبتة من حديث أبي سعيد!
ثم قال المناوي:
"وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجاً في أحد "الصحيحين "، بل ولا لأحد من الستة؛ وإلا لما اقتصر على غيره، وهو غفلة؛ فقد خرجه مسلم والبخاري في اللباس باللفظ المذكور، لكنه قال: (يرفع) بدل (يضع) "!
وهذا خطأ آخر ومزدوج؛ فإن مسلماً أخرجه باللفظين؛ كما تقدم. وأما البخاري؛ فلم يخرجه مطلقاً، لا في (اللباس) ، ولا في غيره.
ومن عجائبه: قوله في آخر كلامه:
".. وذهل عن رد الحافظ ابن حجر له بأنه عند البخاري في (اللباس) "!
والحافظ نفسه إنما عزاه في آخر (اللباس) (10/399) لمسلم فقط! نعم؛ لقد ذكر رحمه الله في (الاستئذان) (11/ 81) بأنه قد سبقه القلم في (أبواب المساجد) فكتب "صحيح البخاري "، والمراد "صحيح مسلم ". *
3568- (نهى عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضّة) .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (4/149/16632) ، وكذا البيهقي(7/1532)
(1/28) من طريق إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال:.. فذكره مرفوعاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
ثم روى البيهقي من طريق يونس بن عبيد عن أنس بن سيرين قال:
كنت مع أنس بن مالك عند نفر من المجوس، قال: فجيء بفالوذج على إناء من فضة، قال: فلم يأكله، فقيل له: حوّله، قال: فحوله على إناء من خلج (شجر معروف) ، فجيء به، فأكله.
ورجاله ثقات؛ غير أحمد بن عمرو القطواني؛ فلم أعرفه الآن.
ثم رأيته في "السير" (13/506) وموصوفاً بـ"المحدّث المعمّر، الثقة "، ونسبته (القطراني) .
وللحديث شاهد من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، رواه الشيخان وغيرهما بنحوه، وهو مخرج في " الإرواء " (32) . *
3569- (نهى عن المخابرة) .
أخرجه ابن أبي شيبة في"المصنف" (6/346/1296) ، ومن طريقه: أبو داود (3407) ، وعنه البيهقي (6/133) ، وأحمد (5/187 و188) من طريق جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن زيد بن ثابت قال: ... فذكره مرفوعاً.
قلت: وما المخابرة؟ قال:
أن تأخذ الأرض بنصف، أو ثلث، أو ربع.
قلت: إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.(7/1533)
وهذا التفسير للمخابرة؛ الظاهر أنه من زيد بن ثابت، فهو الذي ينبغي أن يعتمد من بين الأقوال التي ذكرها ابن الأثير في "النهاية"؛ لأنه تفسير صحابي، وراو للحديث؛ فهو أدرى بمرويّه من غيره.
وقد جاء بيان سبب نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة في طريق آخر؛ يرويه عروة بن الزبير قال؛ قال زيد بن ثابت:
يغفر الله لرافع بن خديج! أنا والله أعلم بالحديث منه؛ إنما أتى رجلان اقتتلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن كان هذا شأنكم؛ فلا تكروا المزارع ". قال: فسمع رافع قوله: "لا تكروا المزارع".
أخرجه أحمد (5/182 و187) ، وسنده حسن.
قلت: وهذه الرواية تفيدنا فائدة هامة، وهي أن النهي عن (المخابرة) ليس لذاتها، وإنما ما قد ينتج من النزاع بين صاحب الأرض والمستأجر، وما ذاك إلا بسبب شروط توضع من أحد الفريقين غير مشروعة فيقع النزاع. وهذا هو ما أفادته مجموع روايات حديث رافع بن خديج، كما كنت حققته في "إرواء الغليل " (5/297- 302) ، ومن أبينها رواية لمسلم وغيره من طريق حنظلة بن قيس قال:
سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال:
لا بأس به؛ إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الماذيانات وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا، ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، وأما شيء مضمون؛ فلا بأس به. *(7/1534)
3570- (هذا رمضانُ قد جاءكم، تفتح فيه أبوابُ الجنة، وتغلقُ فيه أبواب النار، وتسلسلُ فيه الشياطينُ) .
أخرجه النسائي (1/296) ، وأحمد (3/236) من طريق ابن إسحاق قال: وذكر محمد بن مسلم عن أويس بن أبي أويس- عديد بني تيم- عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال النسائي:
"هذا الحديث خطأ".
قلت: يعني: إسناده. وقد بين ذلك أبو حاتم؛ وقد سأله عنه ابنه في "العلل" (1/ 240/ 700) فأجابه بقوله:
"هذا خطأ، إنما هو عن الزهري عن ابن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت (ابن أبي حاتم) : فإنه روى ابن إسحاق على أثر هذا الحديث عن الزهري قال: حدثني ابن أبي أنس أنه سمع أبا هريرة يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه؟ قال أبي: وهذا أيضاً: ابن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
قلت: والخلاصة أن الحديث حديث أبي هريرة- لا أنس- وأنه عن ابن أبي أنس عن أبيه عنه. وهكذا أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق عن ابن شهاب به؛ وقد سبق تخريجه برقم (1307) مع طريق آخر عن أبي هريرة.
وهذه المخالفة من ابن إسحاق ليست غريبة " فإنه معروف عند الحفاظ بأن في حفظه شيئاً، ولذلك؛ لم يخرج له الشيخان إلا مسلماً؛ فإنه أخرج له في المتابعات، يضاف إلى هذا أنه موصوف بالتدليس، وقد اجتمعت فيه هنا العلتان، فإنه- مع المخالفة المذكورة- لم يصرح بالتحديث، وإنما ذكره معلقاً مُنقطعاً!! وقد روى هذا الحديث بإسناد آخر وزيادة في المتن، فقال:(7/1535)
عن الفضل الرقاشي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعاً به نحوه، وزاد:
"بُعداً لمن أدرك رمضان ولم يغفر له، إذا لم يغفر له فيه؛ فمتى؟ ".
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (3/2) ، والطبراني في"الأوسط " (7/323/7627) .
لكن العلة في هذا ممن فوقه. ولذلك قال الهيثمي (3/143) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، وهو ضعيف ".
قلت: ومثله شيخه يزيد- وهو ابن أبان الرقاشي-، وهو عمه كما وقع في إسناد ابن أبي شيبة، قال الحافظ في "التقريب ":
"ضعيف". *
3571- (الوسيلةُ درجة عند الله؛ ليس فوقها درجة، فسَلُوا الله أن يؤتيني الوسيلة) .
أخرجه أحمد (3/83) : ثنا موسى بن داود عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ على ضعف في حفظ ابن لهيعة؛ لكنه قد توبع، فدل على أنه قد حفظ؛ فقال الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/89/263) : حدثنا أحمد بن رشدين قال: نا روحُ بن الصلاح قال: نا سعيد بن أيوب عن عُمارة بن غزية به.
وهذه متابعة قوية، لكن السند إليها ضعيف.(7/1536)
إلا أنه قد صح إلى متابع آخر ثقة، فقال في"الأوسط" أيضاً (2/126/1466) : حدثنا أحمد قال: نا يحيى بن محمد بن السكن قال: نا محمد بن جهضم قال: نا إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية به، وزاد في آخره:
"على خلقه ".
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير أحمد هذا- وهو ابن محمد بن صدقة-، من شيوخ الطبراني الذين أكثر عنهم، وهو حافظ متقن.
ومن هذا التخريج يتبين للباحث تقصير الهيثمي في تخريج الحديث والحكم عليه " بقوله (1/332) :
"رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط "، وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وقال الطبراني فيه: فسلوا الله عز وجل أن يؤتيني الوسيلة على خلقه "!!
فأوهم أن إسناد الطبراني بهذا اللفظ الأخير فيه ابن لهيعة أيضاً! وليس كذلك كما بينا.
وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو أتم منه.
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1/259/242) ، و"صحيح أبي داود" (536) . *
3572- (الوزغُ فُوَيْسِقٌ) .
جاء من حديث عائشة، وسعد بن أبي وقاص.
أما حديث عائشة؛ فيرويه ابن شهاب عن عروة بن الزبير عنها أن رسول(7/1537)
الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قالت: ولم أسمعه أمر بقتله.
أخرجه البخاري (1831 و3306) ، ومسلم (7/42) ، والنسائي (2/63) ، وابن ماجه (3230) ، وابن حبان (3952) ، والبيهقي (5/210-211) ، وأحمد (6/87- 271 و279) . وقال ابن حبان:
"وهذا غريب "!
قلت: ولم يظهر لي وجه استغرابه إياه؛ ورجاله جبال في الحفظ، ولا سيما ويشهد له الحديث الثاني:
2- وأما حديث سعد بن أبي وقاص؛ فيرويه مسلم، وأبو داود (5262) ، وابن حبان (5606) ، وأحمد (1/176) من طريق الزهري أيضاً عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص عنه مرفوعاً.
هذا؛ ولا يخفى أن قول عائشة: (ولم أسمعه أمر بقتله) ؛ مما لا ينفي أن يكون غيرها سمعه منه - صلى الله عليه وسلم -، ومن هنا قيل: من علم حجة على من لم يعلم؛ فهذا سعد قد علم ما لم تعلم؛ كما أنه ثبت عن أم شريك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوزغ؛ كما في البخاري وغيره، ومضى تخريجه برقم (1581) ، وقد خرجت هناك رواية عن عائشة نفسها أنها كانت تقتل الأوزاغ، فإن صح ذلك! فتكون قد رجعت إلى حديث غيرها ممن سمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(تنبيه) : قول عائشة المذكور لم يقع في رواية ابن حبان للحديث، وغفل المعلق عليه (9/277) ؛ فلم يعزه إلا للبخاري! *(7/1538)
3573- (لا تصومُوا هذه الأيام؛ فإنّها أيامُ أكل وشرب) .
أخرجه أحمد في"المسند" (3/494) من طريق قتادة عن سليمان بن يسَار عن حمزة الأسلمي:
أنه رأى رجلاً على جمل يتبع رحال الناس بمنى؛ ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - شاهد، والرجل يقول: ... فذكره.
قال قتادة: فذكر لنا أن ذلك المنادي كان بلالاً.
ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (2/165/2875/ 1) دون قول قتادة؛ وذكر الخلاف في إسناده على سليمان بن يسار، وأنه اتفق سالم أبو النضر وعبد الله بن أبي بكر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن ينادي في أيام التشريق:
"إنها أيام أكل وشرب ".
قلت: وهذا إسناد صحيح.
ثم ذكر خلافاً آخر على سليمان بن يسار.
ثم ذكر له بعض الشواهد، منها: عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن بشر بن سحيم مرفوعاً نحوه.
وإسناده صحيح أيضاً.
وفي الباب عن جمع آخر من الصحابة؛ خرج أحاديثهم الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 202- 204) .(7/1539)
ومنها: ما رواه صالح بن كيسان عن عيسى بن مسعود الزرقيّ عن جدته حبيبة بنت شريق:
أنها كانت مع أمها ابنة العجماء في أيام الحج بمنى، قال: فجاء بُديلُ بن ورقاء على راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برحله، فنادى: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"من كان صائماً فليفطر؛ فإنهن أيام أكل وشرب ".
أخرجه الحاكم (2/250) ، والطبراني في "الأوسط " (4/27/3526) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/342/1) .
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات؛ غير عيسى بن مسعود بن الحكم الزرقي، وقد وثقه ابن حبان (7/236) وقد روى عنه ثلاثة من الثقات؛ ذكر منهم اثنين في "التهذيب "، وفاتهما هذا الثالث- وهو صالح بن كيسان-، وهو ثقة ثبت فقيه.
وهذا الحديث قال الهيثمي:
"رواه أحمد، والطبراني في"الأوسط "، وفي إسناد أحمد رجل لم يسم"!
فلم يتكلم عن إسناد الطبراني بشيء! ورجاله كلهم ثقات.
ويظهر أن هذا الحديث مما سقط من بعض نسخ"المسند"؛ ومنها النسخة المطبوعة في مصر، وقد عزاه أيضاً لأحمد الحافظ ابن كثير في"جامع المسانيد" (2/15) ، وكذلك صنع الحافظ في "أطراف المسند" (1/572/1113) ، ولذلك؛ صدره محققه الدكتور زهير ناصر بقوله:
"لم أجده". فلعل القائمين على طبع "المسند" في "مؤسسة الرسالة" يستدركون هذا الحديث مع أحاديث أخرى سقطت من المطبوعة، سبق التنبيه على بعضها.(7/1540)
(تنبيه) : سكت الحاكم عن حديث بديل هذا، بل إنه عقب عليه بقوله:
"هذا الحديث ليس من جملة هذا الكتاب "!
قلت: فلم أفهم مراده منه، ولا ذكره الذهبي في "تلخيصه ". والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم رأيت لـ (عيسى بن مسعود الزرقي) متابعاً، وهو أخوه (يوسف بن مسعود ابن الحكم الزرقي) ، أخرجه البيهقي في "سننه " (4/298) ، والمزي في ترجمة (يوسف) من "التهذيب " (32/461) أخرجاه من طريقين عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن مسعود به.
وعلقه النسائي في "السنن الكبرى" (2/168/2885) بصيغة الجزم، فقال:
"وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد عن يوسف بن مسعود بن الحكم ... ".
وذكر المزي أنه وصله من طريق عيسى بن حماد عن ليث بن سعد عن يحيى ابن سعيد الأنصاري.
ولم أره عند النسائي هكذا موصولاً. والله أعلم.
ويوسف هذا وثقه ابن حبان أيضاً (5/551) . *
3574- (لا صاعَيْ تمرٍ بصاعٍ، ولا صاعَيْ حنطةٍ بصاعٍ، ولا درْهَمَ بدرهمَينِ) .
هو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وله عنه طريقان:
الأولى: عن أبي سلمة عنه قال:
كنا نُرزقُ تمر الجمع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الخلط من التمر-؛ فكنا(7/1541)
نبيع صاعين بصاع، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره.
أخرجه البخاري (2080) ، ومسلم (5/48) - والسياق له-، والنسائي (2/ 220-221) ، والبيهقي (5/291) ، وأحمد (3/49 و50-51) من طريق يحيى بن أبي كثير به.
وتابعه الحارث بن عبد الرحمن: عند الطحاوي في "الشرح " (2/234) .
ورواه الشيخان وغيرهما من طريق سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وأبي هريرة معاً نحوه؛ وهو مخرج في "الإرواء" (1340) .
والطريق الأخرى: عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد به.
أخرجه ابن حبان (5024/ المؤسسة) من طريق الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثيرعنه.
قلت: وإسناده صحيح؛ لولا عنعنة الوليد- وهو ابن مسلم- في إسناده.
لكنه قد توبع، فرواه يحيى بن حمزة قال: حدثنا الأوزاعي به مختصراً.
أخرجه النسائي.
ورواه معاوية بن سلام: أخبرني يحيى بن أبي كثير قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر يقول: سمعت أبا سعيد يقول:
جاء بلال بتمر برّني، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"من أين هذا؟ ".
فقال بلال: تمر كان عندنا رديء؛ فبعت منه صاعين بصاع لمطعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك:(7/1542)
"أوّه؛ عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر؛ فبعه ببيع آخر، ثم اشتر به ".
أخرجه البخاري (2312) ، ومسلم، وابن حبان (5022) ، وأحمد (3/62) ؛ وزاد في آخره: "ما بدا لك ". وسنده جيد.
ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ:
"لا يصلح صاع تمر بصاعين، ولا درهم بدرهمين، والدرهم بالدرهم، والدينار بالدينار؛ ولا فضل بينهما إلا وزناً ".
أخرجه ابن ماجه (2256) ، وابن أبي شيبة في"المصنف" (7/102/2529) . قلت: وإسناده حسن. *
3575- (إنما هو جبريلُ؛ لم أرَهُ على صُورته التي خُلق عليها إلا هاتين المرتين؛ رأيته مُنهبطاً من السّماء، سادّاً عِظَمُ خَلْقِه ما بين السماء والأرض) .
رواه مسلم (1/ 110) - واللفظ له-، وأحمد (6/236 و241) ، والطيالسي (1408) ، والنسائي في "الكبرى" (11532) ، والترمذي (3068) ، وإسحاق بن راهويه في"مسنده " (884) ، وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 145- 146) ، وأبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (485) من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال:
كنتُ مُتكئاً عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة! ثلاث من تكلم بواحدة منهنّ(7/1543)
فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئاً فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين! أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله- عز وجل-: {ولقد رآه بالأفق المبين} ، {ولقد رآه نزلة أخرى} ؟! فقالت:
أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ... فذكره.
فقالت: أولم تسمع أن الله يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يُدركُ الأبصار وهو اللطيف الخبير} ؟! أولم تسمع أن الله يقول: {وما كان لبشر أن يُكلمه الله إلا وحياً أومن وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌ حكيم} ؟!
قالت: ومن زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئاً من كتاب الله؛ فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} .
قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد؛ فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} . *
3576- (إنما مثل المهجّر إلى الصلاة: كمثل الذي يُهدي البدنة، ثم الذي على إثره: كالذي يُهدي البقرة، ثم الذي على إثره: كالذي يُهدي الكبش، ثم الذي على إثره: كالذي يُهدي الدجاجة، ثم الذي على إثره: كالذي يُهدي البيضة) .
هو من حديث أبي هريرة، وله عنه طرق:
الأولى: الأغرّ عنه:
رواه البخاري (929) ، ومسلم (3/7-8) ، والنسائي (1/138) - واللفظ له-(7/1544)
و (1/205-206) ، والدارمي (1/362) ، وابن أبي شيبة (2/ 152) ، وعبد الرزاق (5562) ، وأحمد (2/259 و280 و499 و505) ، والطحاوي في"مشكل الآثار" (2600 و2601) وفي"شرح معاني الآثار" (4/ 180) ، والبيهقي (3/226) ، وأبو يعلى (6158) .
الثانية: عن أبي سلمة عنه:
رواه الطحاوي في "المشكل" (2603) وفي" الشرح" (4/ 180) ، وأبو الشيخ في "الأمثال" (2 31) ، وابن خزيمة (1768) من طريقين عنه عن أبي هريرة.
(تنبيه) : أعلّ أبو حاتم- كما في "العلل" (600) لابنه - رواية ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بالوقف!
وابن العشرين متابع من مُبشر بن إسماعيل- في رواية ابن خزيمة- عن الأوزاعي به.
ومُبشر ثقة، والطرق قبله تؤيد روايته.
وقد رواه البخاري (3211) ، والنسائي في "الصغرى" (2/116) و"الكبرى" (936) ، وأحمد (2/512) من طريق أبي سلمة والأغر- معاً- عنه بألفاظ.
الثالث: عن سعيد بن المسيّب عنه:
رواه مسلم (3/8) - ولم يسق لفظه-، وأحمد (2/239) ، وابن خزيمة (1769) ، وابن ماجه (1092) ، والبيهقي (3/225-226) ، والبغوي في "شرح السنة" (1061) ، والطحاوي في "المشكل " (2602) وفي "شرح المعاني" (4/180) .(7/1545)
الرابع: هلال المدني عنه:
رواه أحمد (2/499) .
وهلال هذا مجهول. ولكن الطرق قبله تثبت روايته.
وفي معنى هذه الرواية أحاديث متعددة عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره. *
3577- (إنما مثلُ صاحب القرآن: كمثل صاحب الإبل المُعَقَّلَةِ؛ إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت) .
جاء من حديث ابن عمر، وله عنه طريقان:
الأول: عن نافع:
رواه البخاري (5031) ، ومسلم (1/190-191) ، والنسائي في " الصغرى" (2/154) و"الكبرى" (1/327) ، وابن ماجه (3783) ، وابن حبان (761 و762) ، ومالك (1/202) ، وابن أبي شيبة (2/500و10/476) ، وعبد الرزاق (5971 و5972 و6032) ، وأحمد (2/17و24و30 و 64) ، والبيهقي (2/395) ، والبغوي في"شرح السنة" (1221) من طرق عنه.
الثاني: عن سالم: رواه عبد الرزاق (5972) . *
3578- (إنّما هلك من كان قبلكم: باختلافهم في الكتاب) .
رواه مسلم (7/57) ، والنسائي في" الكبرى" (8095) ، وأحمد (2/ 192) ، والآجُرّي في "الشريعة" (ص 67) من حديث عبد الله بن عمرو قال:(7/1546)
هجّرتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً قال: فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- يُعرفُ في وجهه الغضب -؛ فقال: ... فذكره. *
3579- (إنّه اتبعنا رجلٌ لم يكن معنا حين دعوتنا؛ فإن أذنتَ له دخل) .
جاء من حديث أبي مسعود البدري، وجابر بن عبد الله.
أما حديث أبي مسعود، فقد رواه البخاري (5434 و5461) ، ومسلم (6/115- 116) ، والترمذي (1099) - واللفظ له-، والدارمي (2/105-106) ، وأبوعوانة (5/373-375) ، وابن حبان (5276) ، وأحمد (4/ 121) من طرق عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود البدري الأنصاري قال:
جاء رجل- يقال له: أبو شعيب- إلى غلام له لحام، فقال: اصنع لي طعاماً يكفي خمسة؛ فإني رأيت في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع.
قال: فصنع طعاماً، ثم أرسل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدعاه وجُلساءه الذين معه، فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - اتبعهم رجل لم يكن معهم حين دعوا، فلما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الباب " قال لصاحب المنزل: ... فذكره.
قال: فقد أذنّا له؛ فليدخل.
وأما حديث جابر؛ فقد رواه مسلم (6/116) - ولم يسق لفظه-، وأبو عوانة (5/375) ، وأحمد (3/353) من طريق عمار بن رُزيق.
ومسلم- أيضاً- ولم يسق لفظه-، وأبو عوانة أيضاً، وأحمد (3/396) من طريق زهير: كلاهما عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر. *(7/1547)
3580- (إنّه لم يُقبض نبيٌ حتّى يُرى مقعدُه من الجنة، ثم يُخيّر) .
رواه البخاري (4463) - واللفظ له-، و (4437) ، ومسلم (7/137- 138) ، وأحمد (6/89) من طريق عروة وسعيد بن المسيّب أن عائشة قالت:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو صحيح: ... فذكرته.
فلما نزل به- ورأسه على فخذي- غشي عليه، ثم أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال:
"اللهم! الرفيق الأعلى".
فقلت: إذن؛ لا يختارنا، وعرفتُ أنه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح. قالت: فكان آخر كلمة تكلم بها:
"اللهم! الرفيق الأعلى". *
3581- (إئه ليأتي الرّجل العظيمُ السّمين يومَ القيامة؛ لا يزنُ عندَ الله جناح بعوضة) .
رواه البخاري (4729) - واللفظ له-، ومن طريقه: البغوي في "شرح السنة " (4327) ، ومسلم (8/25) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.
وقال: اقرؤوا: {فلا نُقيم لهم يوم القيامة وزناً} .
قال الحافظ ابن حجر في"الفتح " (8/426) تعليقاً على قوله: "اقرؤوا":
"القائل يُحتمل أن يكون الصحابي، أو هو مرفوع من بقية الحديث ".(7/1548)
قلت: وليس في رواية مسلم قوله: "وقال ".
وللحديث طريق آخر نحوه؛ رواه ابن أبي حاتم- كما في"تفسير ابن كثير" (3/107) - من طريق ابن أبي الزناد عن صالح مولى التوأمة؛ وفيه قوله: "وقال "
ورواه ابن جرير في "تفسيره " (16/29) من الطريق نفسه، وليس فيه قوله: "وقال ".
وقد أورد السيوطي الحديث في "الزيادة على الجامع الصغير" (2403- "صحيح الجامع ") بدون الزيادة مطلقاً.
والله تعالى أعلم. *
3582- (إنها حرمٌ آمنٌ) .
رواه مسلم (8/118) ، وابن أبي شيبة (12/182 و14/198- 199) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/192) ، والبيهقي في "سننه " (5/195) ، وأحمد (3/486) ، والطبراني في "الكبير" (5610 و5611 و5612) من طريق يُسير بن عمرو عن سهل بن حنيف قال:
أهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى المدينة، فقال: ... فذكره.
(تنبيه) : وقع في بعض المصادر تكرار لفظ حديث الترجمة مرتين، وبعضها بلفظ: "حرام ". *
3583- (إنها طَيْبةُ، تَنفِي الخَبَثَ؛ كما تنفِي النارُ خَبَثَ الفِضّةِ) .
جاء من حديث زيد بن ثابت، وأبي هريرة، وجابر، وأبي أمامة، وأبي قتادة:(7/1549)
أما حديث زيد؛ فإنه من طريق شعبة عن عدي عن عبد الله بن يزيد عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه:
{فما لكم في المنافقين فئتين} ، رجع ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحد، وكان الناس فيهم فرقتين؛ فريق يقول: اقتلهم، وفريق يقول: لا، فنزلت: {فما لكم في المنافقين فئتين} ، وقال: ... فذكره.
رواه البخاري (4589) قال: حدثني محمد بن بشار: حدثنا غندر وعبد الرحمن قالا: حدثنا شُعبة به.
ورواه الترمذي (1) (3028) ، والنسائي في "الكبرى" (1113) - عن محمد بن بشار-، وأحمد (5/188) - عن فيّاض بن محمد- كلاهما عن غندر عن شعبة به.
وتابع غندراً على هذا اللفظ:
1 ـ معاذ العنبري: عند مسلم (1384) .
2- وعفان: عند أحمد (5/187) .
3- وأبو داود الطيالسي: عند الطبري في "تفسيره " (5/121) .
4- وأبو أسامة: عند ابن أبي شيبة (14/406) ، والطبري (5/121) - ولم يسق لفظه-.
5- وبهز: عند أحمد (5/184) .
وخالفه في لفظه اثنان:
_________
(1) وعنده: "..خبث الحديد(7/1550)
1ـ أبوالوليد الطيالسي: عند البخاري (4055) بلفظ: "تنفي الذنوب ". وكذا عند البغوي في "تفسيره " (2/259) .
ووقعت رواية أبي الوليد عند البيهقي في "الدلائل " (3/222) ، والفسوي في "المعرفة " (1/348) - مقروناً مع سليمان بن حرب-: موافقة لرواية غندر!
2- سليمان بن حرب: عند البخاري (1884) بلفظ: "إنها تنفي الرجال كما تنفي النارُ خبثَ الحديد" (1) .
ووقعت رواية سليمان هذه عند عبد بن حميد في "مسنده " (242- المنتخب) موافقة لرواية غندر!
(تنبيه) : قال الحافظ ابن حجر في"الفتح " (7/356) :
"لفظ: " تنفي الخبث " هو المحفوظ ".
وأما حديث أبي هريرة؛ فله عنه طرق:
سعيد بن يسار عنه:
رواه البخاري (1871) : حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك عن يحيى ابن سعيد قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أمرت بقرية تأكل القرى؛ يقولون: يثرب! وهي المدينة؛ تنفي الناس كما تنفي الكير خبث الحديد".
_________
(1) وبهذا اللفظ: أورده السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير " (1103- صحيحة) ، عازياً إياه للشيخين وأحمد!(7/1551)
ورواه مسلم (1382) عن قتيبة بن سعيد عن مالك به.
ورواه أحمد (2/237 و247) من طريق مالك به.
وهو في "الموطأ" (3/84- رواية يحيى بن يحيى الليثي) بسنده.
ثم رواه مسلم من طريقين عن يحيى بن سعيد به. وقال:
"وقالا: "كما ينفي الكير الخبث"، ولم يذكر: "الحديد" ... ".
وله طريق ثالث عن يحيى بن سعيد به: عند الفسوي في "المعرفة" (1/384) بلفظ:
"شرار الناس ".
2- عبد الرحمن بن يعقوب المدني:
رواه مسلم (1381) ، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " (1/349) ، وابن حبان (3726 و6737) ، والطبراني في"المعجم الأوسط " (2804 و2805) عن قتيبة بن سعيد عن عبد العزيز الدراوردي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مطولاً، وفيه:
"ألا إن المدينة كالكير، تُخرج الخبثَ، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها؛ كما ينفي الكيرُ خبث الحديد".
3- أبو صالح مولى السعديّين:
رواه أحمد (2/439) ، والبيهقي في "الشعب " (3881) عن ابن نمير قال: حدثنا هاشم بن هاشم قال: حدثني أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وفيه: "والذي نفسي بيده! إنها لتنفي أهلها؛ كما ينفي الكير خبث الحديد".(7/1552)
وأبو صالح هذا لا بأس به، كما قال أبو زرعة، كما في "الجرح والتعديل " (9/392)
أما حديث جابر؛ فله طرق وألفاظ، ويرويه عنه جماعة: …
ا- زيد بن أسلم عنه:
رواه أحمد (3/292) من طريق زهير عن زيد به، وفيه:
"وذلك يوم تنفي المدينة الخبث؛ كما ينفي الكير خبث الحديد".
2- الحارث بن أبي يزيد عنه:
رواه أحمد (3/385) من طريق محمد بن أبي يحيى عن الحارث به، وفيه:
"إنما المدينة كالكير؛ تنفي الخبث؛ كما ينفي الكير خبث الحديد".
3- أبو الزبير عنه:
رواه أبو يعلى (2174) من طريق الحجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير به، وفيه:
"إنها طيبة؛ تنفي خبث الرجال؛ كما ينفي الكير خبث الحديد".
أما اللفظ الآخر، وهو:
"المدينة كالكير؛ تنفي خبثها، وتنصع طيبها ":
فقد رواه البخاري (1883و7209) و (7211و7216و7322) من طريق محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله: أن أعرابيّاً بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام، فأصاب الأعرابيَّ وعكٌ بالمدينة،(7/1553)
فأتى الأعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! أقِلْني بيعتي. فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جاء فقال: أقلني بيعتي. فأبى، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي. فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وقد رواه مسلم (1383) ، ومالك (3/ 84) ، والنسائي (7/151) ، والترمذي (3920) ، والحميدي (1241) ، وأ حمد (3/306 و307 و365 و 392) ، والطيالسي (2629 و2728- ترتيبه) ، وا بن حبان (3724 و3727) ، والبغوي في "شرح السنة " (2015) ، وأبو يعلى (2023) ، وعبد الرزاق (17164) ، وابن أبي شيبة (12472) ، والفسوي (1/347) من طريق محمد بن المنكدر به.
أما حديث أبي أمامة؛ فيرويه ابن ماجه (4077) ضمن حديث طويل، وفيه:
".. فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه [أي: الدجال] ، فتنفي الخبث منها؛ كما ينفي الكير خبث الحديد ... ".
وهو- بطوله- ضعيف؛ وقد خرجته في "المشكاة" (6044) ، و"ظلال الجنة " (391) .
وأما حديث أبي قتادة؛ فرواه عمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (1/163) من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه مرفوعاً، ولفظه:
" هذه طيبة أسكنيها ربي؛ تنفي خبث أهلها؛ كما ينفي الكير خبث الحديد ... ".
وقد قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري " (4/97) - بعد ذكره شيئاً من ألفاظ حديث الترجمة: " الرجال " و" الذنوب " و" الخبث "، مشيراً إلى اللفظ الأخير: "الخبث "، وأنه من رواية غندر-:(7/1554)
".. أثبت الناس في شعبة، وروايته توافق رواية حديث جابر الذي قبله، حيث قال فيه: "تنفي خبثها"، وكذا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: "تخرج الخبث "، ومضى- في أوائل فضائل المدينة- من وجه آخر عن أبي هريرة: "تنفي الناس "، والرواية التي هنا- بلفظ: "تنفي الرجال "- لا تنافي الرواية بلفظ: " الخبث "، بل هي مفسرة للرواية المشهورة، بخلاف: "تنفي الذنوب "، ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره: "أهل الذنوب "، فليتم مع باقي الروايات ".
قلت: والخلاصة عندي: أن أصح الألفاظ رواية؛ إنما هو لفظ: "الخبث "، والألفاظ الأخرى دونه صحة، وبعضها- كلفظ: "الرجال "، و"الناس "- يمكن اعتبارها مفسرة للخبث؛ كما ذكر الحافظ رحمه الله.
وسبب ورود الحديث- في رواية محمد بن المنكدر عن جابر- صريح في ذلك، والله أعلم. *
3584- (للمهاجرين منابرُ من ذهبٍ يجلسون عليها يوم القيامة، قد أمنوا من الفزع)
أخرجه ابن حبان (1582) - من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيري-، والبزار (2/306/1753) - عن سفيان بن حمزة-، والحاكم (4/76) - من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: حدثني عمي- ثلاثتهم عن كثير بن زيد عن عبد الرحمن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قال أبو سعيد الخدري:
والله! لو حبوت بها أحداً؛ لحبوت بها قومي.
وقال الحاكم:(7/1555)
"صحيح الإسناد"! ورده الذهبي بقوله:
"قلت: أحمد- يعني: ابن عبد الرحمن بن وهب- واه ".
قلت: هو عند ابن حبان والبزار من غير طريقه كما سبقت الإشارة إليه. وأما قوله المناوي في "فيض القدير":
"فتعقبه الذهبي بأن أحمد بن سليمان بن بلال- أحد رواته- واه؛ فالصحة من أين؟! "!
أقول: أحمد بن سليمان بن بلال شخصية لا وجود لها، وإنما رواه الحاكم من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: حدثني عمي: أخبرني سليمان بن بلال ...
قلت: فتأمل كيف اختلط الأمر على المناوي، فتركب في ذهنه من ثلاثة أسماء في هذا الإسناد ذاك الاسم الذي لا وجود له!
والذي دارت عليه الطرق: كثير بن زيد- وهو الأسلمي المدني- مختلف فيه، وقد قال فيه أبو زرعة- وتبعه الذهبي في "الكاشف "-:
"صدوق، فيه لين ". وقال العسقلاني:
"صدوق يخطئ ".
وقد ساق له ابن عدي في "الكامل " (6/67ـ 69) أحاديث من رواية بعض الثلاثة عنه، وقال:
"ولم أر بحديثه بأساً ".
قلت: ويبدو لي من قوله هذا، وأقوال الأئمة الآخرين: أنه وسط حسن الحديث ما لم يخالف، ولذلك حسنت له بعض الأحاديث فيما تقدم من هذه(7/1556)
"السلسلة"، فانظر مثلأ (1128 و 1296) من المجلد الثالث.
هذا.. ولم يتنبه الشيخ الغماري في كتابه الحاوي الذي أسماه "المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي " للخلط الذي وقع فيه المناوي بين الأسماء الثلاثة! وانما تعقبه فيما قاله في رواية البزار بلفظ: "إن للمهاجرين " لقوله في شيخ البزار: "مجهول "، وعقب عليه برواية الحاكم المتقدمة، وقال:
"فإن كان البزار رواه من غير طريقه (يعني: أحمد بن عبد الرحمن) ؛ فهو شاهد جيد له "!
قلت: وهذا- مع الأسف- مما يشعر الباحث أن الشيخ الغماري رحمه الله يهتم بنقد الأشخاص وتتبع زلاتهم كأنها غاية عنده، ولا يهتم بنقد الحديث وتتبع طرقه وبيان صحيحه من ضعيفه، وهو الغاية عند أهل العلم؛ كما لا يخفى! فانشغل بالوسيلة عن الغاية، ألا تراه علق قوله: "فهو شاهد جيد" على كون طريق البزار من غير طريق (أحمد بن عبد الرحمن) ، وهذا صريح في أنه لم يرجع إلى "البزار" فضلأ عن "ابن حبان "!!
ثم كيف يكون شاهداً جيداً، وهو لا يدري هوية الشاهد، فلعله يكون كذاباً أو متروكاً لا يصلح للشهادة؟!
ثم لنفترض أنه صالح- كما هو الواقع-؛ فكان عليه أن يتم المداواة والمعالجة؛ بأن يبين سلامة الحديث من العلة، وصلاحيته للحجة- كما قدمنا-؛ أو إذا كان معلولأ عنده ممن فوق المتابعين، حتى تتم الفائدة من النقد. والله المستعان.
وأما الهيثمي؛ فقال في "المجمع " (5/254- 255) :
"رواه البزار عن شيخه حمزة بن مالك؛ ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"!(7/1557)
قلت: هو- أولاً-متابع كما تقدم، وثانياً: روى عنه أبو حاتم؛ ولم يضعفه. *
3585- (إنها مباركة، إنها طعامُ طُعْمٍ) .
جاء من حديث أبي ذر، وابن عباس:
أولاً: حديث أبي ذر، وله عنه طريقان:
الأول: عن عبد الله بن الصامت:
رواه مسلم (3/152- 155) من طريق حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال:
خرجنا من قومنا غفار- وكانوا يحلون الشهر الحرام-، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، فجاء خالنا، فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدَّرته، ولا جماع لك فيما بعد، فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا ثوبه، فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها، قال: وقد صليت يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل، ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس، فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني، فانطلق أنيس، حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشعراء، قال أنيس: لقد سمعت قول(7/1558)
الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله! إنه لصادق، وإنهم لكاذبون، قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر، قال: فأتيت مكة، فتضعّفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابىء؟ فأشار إلي، فقال: الصابىء؟! فمال على أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي، قال: فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، قال: فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت- يا ابن أخي- ثلاثين بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عُكَن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع، قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان؛ إذ ضرب على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتان منهم تدعوان إسافاً ونائلة، قال: فأتتا علي في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى، قال: فما تناهتا عن قولهما، قال: فأتتا علي، فقلت هن مثل الخشبة، غير أني لا أكني، فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا! قال: فاستقبلهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وهما هابطان، قال: "ما لكما؟ "، قالتا: الصابىء بين الكعبة وأستارها، قال: "ما قال لكما؟ "، قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته قال أبو ذر: فكنت أنا أول من حياه بتحية الإسلام، قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله! فقال: "وعليك ورحمة الله "، ثم قال: "من أنت؟ "، قال: قلت: من غفار، قال: فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار؟! فذهبت آخذ بيده، فَقَدَعَنِي صاحبه- وكان أعلم به مني- ثم رفع رأسه، ثم قال: "متى كنت هاهنا؟ "، قال: قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم، قال: "فمن كان يطعمك؟ "،(7/1559)
قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عُكن بطني، وما أجد على كبدي سُخفة جوع، قال: ... فذكره.
فقال أبو بكر: يا رسول الله! ائذن لي في طعامه الليلة؟! فانطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وابوبكر، وانطلقت معهما، ففتح أبوبكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب. الطائف، وكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غَبَرْتُ ما غَبَرْتُ، ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب؛ فهل أنت مُبَلِّغٌ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك وبأجرك فيهم ".
فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقت، قال: ما بي رغبة عن دينك؛ فإني قد أسلمت وصدقت، فأتينا أمَّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت وصدقت، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاري، وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله! إخوتنا؛ نسلم على الذي أسلموا عليه! فأسلموا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمهاالله".
وقد رواه عن حميد جماعة- مطولاً ومختصراً-:
أولهم: خالد الحذاء:
وهي رواية مسلم- المتقدمة-. ورواه أيضاً البزار في "مسنده " (1171) بلفظ: "زمزم: طعام طعم، وشفاء سقم "، والفاكهي في "أخبار مكة" (1080) بلفظ: "إنهاطعام طعم، وشفاء سقم ".(7/1560)
الثاني: سليمان بن المغيرة:
رواه ابن أبي شيبة (18447) بلفظ: "إنها مباركة؛ إنها طعام طعم "، وابن حبان (7133) ، وأحمد (4/174-175و175) من طريقين عن سليمان بن المغيرة - ولم يسق متنه في الموضع الثاني-، والطيالسي (61) ، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4/219- 222) ، والفاكهي في "أخبار مكة " (1081) - وعزا المتن دون إيراده لما قبله، وقال: وزاد فيه: "إنها مباركة "، والبيهقي في "الدلائل " (2/ 211) و"السنن " (5/147) بلفظ: "إنها مباركة؛ إنها طعام طعم، وشفاء سقم "، وأبو نعيم في "الدلائل " (ص 207- 210) - دون قوله: "وشفاء سقم "، وفي "الحلية" (1/157 و 159) مختصراً جذاً، ولم يسق حديث الترجمة.
الثالث: ابن عون:
رواه الأزرقي في "تاريخ مكة " (2/53) بلفظ: "إنها طعام طعم "، والبزار (1172) - ولم يسق لفظه-، والفاكهي (1082) - ولم يسق لفظه-، وابن عدي في "الكامل " (6/ 2301) بلفظ: "زمزم طعام طعم، وشفاء سقم ".
الرابع: عبد الله بن بكر المزني:
رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (947- " الروض النضير") بلفظ: "إنها مباركة؛ إنها طعام طعم، وشفاء سقم ".
الخامس: أبو هلال الراسبي:
رواه أبو نعيم في "الحلية" (1/157- 159) مختصراً جذاً، وليس فيه حديث الترجمة.(7/1561)
السادس: عبد العزيز بن المختار:
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (1640) بلفظ: "إنها مباركة؛ إنها طعام طعم ".
السابع: عمرو بن مرة:
رواه الطبراني في "الكبير" (1639) - ولم يسق لفظه-.
قلت: وقد شذت رواية الطحاوي في "مشكل الآثار" (1863) عن رواية الجماعة المذكورين عن حميد، فجاءت عنده من طريق الطيالسي عن سليمان بن المغيرة (عن أبي عمران الجوني) عن عبد الله به!
وقد أورد الحافظ الحديث في "المطالب العالية " (1404- النسخة المسندة) عاطفاً إسناده على إسناد ابن أبي شيبة من طريق سليمان بن المغيرة على الجادة.
وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (3524- المسندة) :
"إسناده صحيح ".
أما الطريق الثاني عن أبي ذر؛ فهو من طريق أبي ليلى الأشعري عنه:
وهو في "معجم الطبراني الكبير" (773) و"الأحاديث الطوال " (رقم: 5) له، وعنه: أبو نعيم في "الحلية" (1/157- 158) ، والحاكم (3/ 341) ، وسكت عنه!
وقال الذهبي في "التلخيص ":
"إسناده صالح ".
وأما حديث ابن عباس؛ فقد رواه الطبراني وغيره بلفظ: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم؛ فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم ".
وهو مخرج فيما تقدم من هذه "السلسلة" (برقم 1065) . *(7/1562)
3586- (إن المؤمن لَيُنْضِي شياطينه؛ كما يُنضِي أحدكم بَعيرَه في السفر) .
أخرجه أحمد (2/380) قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد حسن؛ لأن ابن لهيعة صحيح الحديث من رواية قتيبة؛ كما قدمت أكثر من مرة.
وموسى بن وردان صدوق؛ كما قال الذهبي وغيره، ومرت له أحاديث، فانظر مثلأ المجلد الأول رقم (225 و 467) .
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع " للحكيم أيضاً، وابن أبي الدنيا في "مكايد الشيطان "، فقال المناوي:
"قال الهيثمي- تبعاً لشيخه الحافظ العراقي-: فيه ابن لهيعة. وأقول: فيه أيضاً سعيد بن شرحبيل، أورده الذهبي في "الضعفاء"، وعده من المجاهيل. وفي "الميزان ": قال أبو حاتم: مجهول. وموسى بن وردان ضعفه ابن معين، ووثقه أبو داود "!
قلت: ابن شرحبيل هذا ليس له ذكر في إسناد أحمد، خلافاً لما أوهمه كلام المناوي.
وموسى بن وردان؛ الراجح فيه أنه وسط حسن الحديث كما تقدم، وإلى ذلك يشير قول الذهبي المذكور. ومثله- أو نحوه- قول الحافظ في "التقريب ": "صدوق ربما أخطأ".
ثم رأيت الشيخ أحمد الغماري قد حمل في كتابه "المداوي " على المناوي حملة(7/1563)
شعواء لوهمه المذكور، وأطال النفس في ذلك في صفحتين (2/414- 415) دون فائدة تذكر بالنسبة لمتن الحديث؛ فإنه سكت عن ابن لهيعة وإعلال العراقي ثم الهيثمي الحديث به، فلا يدري القارئ بعد قراءته الصفحتين ما موقفه من الحديث ورواية ابن لهيعة؟ هل هو عنده ضعيف مطلقاً لسوء حفظه؟! أم يفرق بين ما يرويه جمهور الرواة عنه فهو على الضعف، وما يرويه العبادلة ونحوهم ممن سمع منه قديماً مثل قتيبة بن سعيد الراوي عنه هنا، كما عليه المحققون من الحفاظ؟ هذا هو المهم في نقد الرجال، سواءً كانوا من رواة الحديث أو من المخرجين له. لكن الشيخ الغماري - عفا الله عنه- قد شغف قلبه بنقد المناوي وتتبع زلاته، وشغله ذلك عن الغاية من نقد الرجال، كما ذكرت في الحديث الذي قبل هذا بحديث، إلى سلاطة باللسان ومبالغة في الكلام؛ يذكرني بمن قال في ابن حزم رحمه الله: (السان ابن حزم وسيف الحجاج قرينان) . ولا أدل على ذلك من قوله في تضاعيف حملته المذكورة.
"فإن أكثررجال "الصحيح " بل كلهم متكلّم فيهم "! *
3587- (إنّها لايُرمى بها لموت أحدٍ ولا لحياته؛ ولكن ربّنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمراً؛ سبّح حملت العرش، ثم سبّح أهل السماء الذين يلونهم،. حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً، حتى يبلغ الخبر هذه السماء الد نيا، فتخطف الجن السمع، فيقذفونّ إلى أوليائهم، ويرمون به، فما جاؤوا به على وجهه؛ فهو حق، ولكنّهم يقرفون فيه ويزيدون) .
رواه مسلم (7/36) من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن(7/1564)
علي بن حسين أن عبد الله بن عباس قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار:
أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ رمي بنجم، فاستنار، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ ".
قالوا: الله ورسوله أعلم! كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات رجل عظيم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنها ... " فذكره.
ورواه الترمذي (3224) ، والنسائي في "السّنن الكبرى " (11272) ، وعنه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2334) ، وأحمد (1/218) ، والبيهقي في " الدلائل " (2/236- 237) وفي "الأسماء والصفات " (203- 204) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/143) من طرق عن الزهري به.
وقد وقع في بعض هذه المصادر: عن رجال ... ، وهو رواية عند مسلم أيضاً، وهي بمعنى الرواية الأولى؛ بقوله فيها: "إنهم ... ".
ورواه الترمذي (3224) ، وأحمد (1/218) ، والبيهقي في " الدلائل " (2/238) ، وعبد بن حميد (682) من طرق عن الزهري عن علي بن حسين عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... به.
قلت: والأسانيد كلها صحيحة؛ فسواء كان راويه ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ابن عباس عن صحابي آخر عنه - صلى الله عليه وسلم -، فالأمر واسع بحمد الله، والصحابة كلهم عدول مأمونون.
وللحديث شاهد عن عائشة بنحوه مختصراً:
رواه البخاري (5762 و 7561) ، ومسلم (7/ 36) ، وأحمد (6/87) . *(7/1565)
3588- (إنّهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم) .
رواه مسلم (7/171) من طريق سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال:
ئما قدمت نجران سألوني، فقالوا: إنكم تقرؤون: (يا أخت هارون) ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟! فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ سألته عن ذلك؟ فقال: ... فذ كره.
ورواه الترمذي (3155) ، والئسائي في " الكبرى" (11315) ، وأحمد (4/252) ، وابن حبان في "صحيحه " (6250- الإحسان) ، والبغوي في "شرح السنة " (3362) وفي " تفسيره " (5/ 229) ، والطبري في " تفسيره " (16/ 59) ، والطبرا ني في " المعجم الكبير" (20/ رقم 986) ، والبيهقي في "الدلائل " (5/393) من طرق عن سماك به. *
3589- (إنّهم خيروني (بين) أن يسألوني بالفُحشِ، أويُبخّلوني؛ فلستُ بباخِلٍ) .
رواه مسلم (3/103) ، وأحمد (1/20 و35) من ثلاثة طرق عن الأعمش عن أبي وائل عن سلمان بن ربيعة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قَسَمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسماً، فقلت: والله يا رسول الله! لَغَيْرُ هؤلاء كان أحقّ به منهم؟ قال: ... فذكره.
والزيادة لأحمد في الموضع الثاني.
وقد اختلف على الأعمش فيه:(7/1566)
فرواه الحاكم في "المستدرك " (1/46) ، وأبو يعلى في "المسند الكبير"- كما في "مسند الفاروق " (1/ 260) لابن كثير، و"مجمع الزوائد" (3/94- 95) للهيثمي- من طريق عبد الله بن بشر عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن عمر مرفوعاً.
وصححه الحاكم على شرط الشيخين. وقال الهيثمي:
"رجاله ثقات ".
ورواه أحمد (3/4 و17) ، والحا كم (1/ 46) ، والبزار (925- زوائده) ، وا بن حبان (3414- الإحسان) من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن عمر مرفوعاً.
ورواه أبو يعلى (1327) ، والبزّار (924) من طريق جرير عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال: ... فذكر الحديث بنحوه، مع القصّة.
وفيها بعد: فقال عمر ...
وقد قال الحاكم في حديث عبد الله بشر:
"هذا الحديث ليس بعلة لحديث الأعمش. عن أبي صالح؛ فإنه شاهد له بإسناد آخر".
قلت: والجادة- والله أعلم- رواية مسلم؛ لأنها من رواية جماعة- وهم ثقات أثبات- عن الأعمش بسنده المذكور.
ويحتمل أن تكون رواية عبد الله بن بشر طريقاً آخر- كما أشار الحاكم -؛ فإن الأعمش حافط متسع الرواية.(7/1567)
وأما الروايتان الأخريان؛ ففي أسانيدهما مغمز؛ سواء رواية أبي بكر بن عياش، أو رواية جرير- وهو ابن عبد الحميد الضبي -؛ فإن في حفظهما كلاماً. *
3590- (إنّي أُعطِي قُريشاً أتألّفهم؛ لأنهم حديثُ عهدٍ بجاهليةٍ) .
رواه البخاري في "صحيحه " (3146) من طريق أبي الوليد: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ورواه- أيضاً- (4334) من طريق محمد بن جعفر- غندر- عن شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ناساً من الأنصار، فقال:
"إن قريشاً حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألّفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا، وترجعون برسول الله- صلى الله عليه وسلم -- إلى بيوتكم؟! ". قالوا: بلى. قال:
"لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار شعباً؛ لسلكت وادي الأنصار، أو شعب الأنصار".
قلت: ويستفاد من هذه الرواية سبب ورود حديث الترجمة.
ورواه مسلم (3/ 106) ، والترمذي (3901) ، وأحمد (3/ 172) ، وأبو يعلى (3002) من طرق عن غندر به.
ورواه البخاري (3147 و 4331) ، ومسلم (3/ 105) ، وعبد الرزاق (19908) ، وابن حبان (7278) ، وأبو يعلى (3594) من طرق عن الزهري عن أنس مرفوعاً بلفظ: "إني لأعطي رجالاً حديثي عهد بكفر؛ أتألفهم ". *(7/1568)
3591- (إنّي أُعطِي قوماً؛ أخافُ ظَلَعَهُم وجَزَعهُم، وأَكِلُ أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من [الغنى و] الخير؛ [منهم عمرو بن تغلب] ) .
رواه البخاري (923 و3145 و7535) ، وأحمد (5/69) من طرق عن جرير ابن حازم عن الحسن: سمعت عمرو بن تغلب قال:
أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوماً، ومنع آخرين؛ فكأنهم عتبوا عليه، فقال: ... فذكره.
فقال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم.
واللفظ للبخاري - في الموضع الثا ني منه-، والزيادتان من الموضعين الآخرين.
وله طريق آخر عن الحسن:
رواه الطيالسي في "مسنده " (1170) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (1665) من طريق مبارك عن الحسن به.
ومبارك: هو ابن فضالة؛ مدلس مشهور.
وما قبله مُغْنٍ عنه.
وله شاهد عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً:
"إني لأعطي رجالاً، وأدع من هو أحبُّ إلي منهم- فلا أعطيه شيئاً-؛ مخافة أن يُكَبُّوا في النار على وجوههم ".
رواه البخاري (27 و1478) ، ومسلم (1/ 91- 92 و 3/ 104) ، وأبو داود (4685) ، والنسائي في "السنن الصغرى" (8/103- 104 و 104) و"الكبرى"(7/1569)
(11723) ، وابن حبان (163) ، وابن أبي شيبة (11/31) ، وابن نصر في "الصلاة" (560) ، واللالكائي في "شرح أصول أهل السنة" (1496) ، وابن منده في "الإيمان " (161) ، والطيالسي (27- 28) ، وأحمد (5/69) ، والحميدي (68) ، وعبد بن حميد (140) ، وأبو يعلى (733 و 778) ، والهيثم الشاشي (91) ، والبزار (1087 - البحر الزخار) ، والطبري في "تهذيب الآثار" (ص680 - مسند ابن عباس) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/191) ، والخطيب في "تاريخه " (3/119) من طرق عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعاً.
وألفاظهم متفاوتة، والسياق لأ حمد.
وقال البزار عقب روايته:
"وهذا الكلام روي عن سعد، وعن عمرو بن تغلب، وعن غيرهما، وحديث سعد إسناد صحيح؛ فاقتصرنا عليه ".
قلت: وقوله: "ظلعهم "؛ معناه: ميلهم عن الحق، وضعف إيمانهم.
وقيل: ذنبهم.
وأصله: داء في قوائم الدابة تغمز منه، ورجل ظالع؛ أي: مائل مذنب.
كذا في "النهاية" (3/159) لابن الأثير. *
3592- (إنّي خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان؛ فرُفِعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، التمسُوها في السَّبع والتِّسع والخّمسِ) .
رواه البخاري (49 و2023 و6049) ، والشافعي في "مسنده " (737) ،(7/1570)
والد ارمي (2/27-28) ، والنسائي في " الكبرى " (3394 و3395) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (2/514 و3/73) ، وابن خزيمة (2198) ، وابن حبان (3679) ، والبغوي في "شرح السنة " (1821) ، والبيهقي (4/ 311) ، وأحمد (5/313 و 319) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (2/200) من طرق عن حميد عن أنس قال: أخبرني عبادة بن الصامت:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: ... فذ كره.
وأخرجه الطيالسي (576) ، وأحمد (5/313) من طريق ثابت وحميد (1) عن أنس عن عبادة.
ورواه أحمد (5/424) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن عمر بن عبد الرحمن عن عبادة
قلت: ولعله من أوهام ابن عقيل هذا، فالحديث حديث حميد عن أنس عن عبادة.
ورواه مالك (1/298) ، ومن طريقه: النسائي في " الكبرى " (3396) عن حميد عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن عبد البر في "التمهيد" (2/200) :
"هكذا روى مالك هذا الحديث، لا خلاف عنه في إسناده ومتنه، وإنما الحديث لأنس، عن عبادة بن الصامت ... "؛ وأقرّه الحافظ في "الفتح " (4/268) .
_________
(1) وهذا يؤيد ما ذكر في ترجمته من أن عامة حديثه عن أنس إنما سمعه من ثابت، فانظر "تهذيب التهذيب " (3/39) للحافظ ابن حجر.(7/1571)
وعقّب المزي في "تحفة الأشراف " (1/ 201) على رواية النسائي عن أنس بقوله:
"رواه جماعة عن حميد، فزادوا في الإسناد: عبادة".
وله شاهد عن الفَلَتَانِ بن عاصم:
رواه الطبراني في " الكبير" (18/334 و335/857 و 860) ، والبزار (3384- زوائده) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (2/514- 515) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (1040) - كلاهما مختصراً- من طرق عن عاصم بن كليب عن أبيه عن الفلتان ... فذكره بنحوه.
وقال الهيثمي في "المجمع " (1) (3/178) :
"رواه الطبراني في " الكبير"، ورجاله رجال (الصحيح) "!
وقال (7/348) : "رواه البزار، ورجاله ثقات "!
قلت: وعليه في هذا مؤاخذتان:
الأولى: أن كليبا لم يخرج له صاحبا "الصحيح " شيئأ!
والثانية: أن عاصماً صدوق- حسب-؛ كما قال الحافظ في "التقريب ".
فالإسناد حسن. *
3593- (إنّي ذاكرٌ لك أمراً، فلا عليك أن تستعجلِي؛ حتى تستأمِري أبويك، ثم قال: إن الله قال: (يا أيها النَّبيُّ قل لأزواجك ... ) إلى تمام الآيتين) .
جاء من حديث عائشة، وله عنها طرق:
_________
(1) تصحف اسم (الفلتان) فيه إلى: (الغلبان) ! وهو تصحيف طريف!!(7/1572)
الأول: أبو سلمة بن عبد الرحمن:
رواه البخاري (4785) ، ومسلم (4/185-186) ، والنسائي في "سننه الصغرى" (6/55- 56) و"الكبرى" (5309 و5312 و5632) ، والترمذي (3204) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/36- 37) ، والبغوي في "شرح السنة " (216) ، والطبري في "التفسير" (21/100- 101) ، وأحمد (6/77- 78 و 78 و125- 153) من طرق عن ابن شهاب عنه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:
لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتخييرأزواجه؛ بدأ بي فقال: ... فذكره (الجملة الأولى) .
قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: ... فذكره (الجملة الثانية) .
فقلت له: ففي أي شيء أستأمر أبوي؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
وعلقه البخاري (4786) : وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب ... فذكره.
الثاني: عروة:
رواه مسلم (4/194) ، والترمذي (3318) ، وا بن ماجه (2053) ، والنسائي في "الصغرى" (6/160) ، وابن سعد في "الطبقات " (8/68) ، والبيهقي في "سننه " (7/38) و"الدلائل " (1/336) ، وأحمد (6/163 و185و 248 و 263- 264) من طرق عن عروة عنها به.
وعلقه البخاري عقب (4786) ، ولم يسق المتن.
الثالث: عَمْرَة:
رواه الطبري في "تفسيره " (21/100- 101) من طريق عبد الله بن أبي بكر عن عمرة به.(7/1573)
وله شاهد عن جابر قال:
دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأ بي بكر، فدخل، ثم أقبل عمر، فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، قال: فقال: لأقولن شيئاً أضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة ساْلتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "من حولي كما ترى يساْلنني النفقة "، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول؛ تساْلن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده، فقلن: والله! لا نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: (يا أيها النبي قل لأزواجك) له حتى بلغ (للمحسنات منكن أجراً عظيماً) ؛ قال: فبدأ بعائشة، فقال:
"يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمراً، أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك "، قالت: وما هو يا رسول الله؟! فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله! أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسالك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال:
(لا تساْلني امرأة منهنَّ إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولامتعنِّتاً؛ ولكن بعثني معلماً ميسراً) .
رواه مسلم (4/187-188) ، والبيهقي في "سننه " (7/38) ، وأبو يعلى (2253) ، والبغوي في "تفسيره " (6/346) ، وأحمد (3/328) من طرق عن زكريا ابن إسحاق عن أبي الزبير عنه به.(7/1574)
هكذا وقع عندهم جميعاً بعنعنة أبي الزبير.
وقوله في آخر الحديث:
(ولكن بعثني معلماً ميسراً) ؛ فيه شاهد لا بأس به لحديث ابن عمرو بلفظ:
(إنما بعثت معلماً) .
وقد كنت خرجته في "الضعيفة" برقم (11) من أجل المناسبة التي ورد فيها. وبينت ضعف إسناده، ونصها:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بمجلسين، فقال: "كلاهما على خير ... " وفي آخره اللفظ المذ كور.
ولم أستحضر يومئذ- وذلك قبل أكثر من أربعين سنة- شاهده هذا، فاقترح الأخ الذي ذكرني به- جزاه الله خيراً- أن أجعل المناسبة مكان اللفظ المذكور ثمة، وأذكر له هذا الشاهد، فرأيته اقتراحاً جيداً، فبادرت إلى التنبيه عليه هنا، وكتبت نحوه في نسختي من "الضعيفة"، لكي يلحق بطبعته الجديدة إذا يسر الله ذلك؛ بحياتي أو بعد وفاتي، سائلاً المولى أن يختم لي ولكل محب بالإيمان؛ فإنه خير مسؤول. *
3594- (ذكرتُ [وأنا في الصلاة] شيئاً من تِبْرٍ [من الصدقة] عند نا، فكرهت أن يحبسني (وفي رواية: أن يُمْسِيَ- أو يبيتَ- عند نا) ؛ فأمرتُ بقسمته) .
رواه البخاري (851 و1221و1430و6275) من طرق عن عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة قال:(7/1575)
صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة العصر، فسلم، ثم قام مسرعاً، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجَر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ... فذكره.
والسياق من الموضع الأ ول من "الصحيح "، والزيادة الأولى والرواية للموضع الاْول، والزيادة الثانية للموضع الثالث من "الصحيح ".
والموضع الرابع مقتصرٌ على طرف من القصة، ليس فيه شيء من حديث الترجمة.
ورواه النسائي (3/84) ، وأحمد (4/7- 8 و8 و 384) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (476 و 477) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/354/979) من طرق أيضاً عن عمر بن سعيد به. *
3595- (إنّي رأيتُ في المنام كأنّ جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رِجلَيَّ، يقولُ أحدُهما لصاحبه: اضرب له مثلاً، فقال: اسمع سمعَت أذنُك، واعقِلْ عَقَلَ قلبُك؛ إنّما مثلُك ومَثَلُ أمتك: كمَثَل ملك اتخَذَ داراً، ثم بنى فيها بيتاً، ثم جعل فيها مائدةً، ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه؛ فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه؛ فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت- يا محمد- رسول؛ فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل ما فيها) .
رواه الترمذي (2860) ، ومن طريقه: الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق "(7/1576)
(5/320) ، والطبري في "تفسيره " (11/73) من طريق قتيبة وحجاج عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن جابر بن عبد الله قال:
خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً، فقال: ... فذكره. وقال الترمذي:
"وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد أصح من هذا؛ هذا حديث مرسل؛ سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله ".
وعلقه البخاري (7281/ م) عَقِيبَ حديث سعيد بن ميناء عن جابر- الآتي ذ كره-.
وقال الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف " (2/184) معقباً على كلام الترمذي:
"قد أخرجه الحاكم في "المستدرك " من طريق أبي صالح- كاتب الليث- عن الليث؛ فزاد فيه بين سعيد بن أبي هلال وجابر: (عطاءً) ".
قلت: هو فيه (4/393) ، وصححه، ووافقه الذهبي!
ورواية الترمذي- من غير ذكر عطاء- أصح؛ لوجوه:
الأول: أن أبا صالح هذا- واسمه عبد الله بن صالح- صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة؛ كما قال الحافظ في "التقريب ".
الثاني: أن اثنين من الثقات- وهما قتيبة والحجاج- كما سبق روياء عن الليث بدونه!
الثالث: أن أبا صالح اضطرب فيه؛ فرواه هكذا- مرة-، وجعله- مرة أخرى- من طريق محمد بن علي بن الحسين عن جابر!(7/1577)
وفوق هذا كله؛ فإن أصل الإسناد- عند سائر المخرجين فيه سعيد بن أبي هلال، وهو مختلط؛ كما تقدم مراراً في هذه "السلسلة "، و"السلسلة" الأخرى.
ولكن.. للحديث شاهد يقويه:
فقد أخرج البخاري (7281) من طريق سُلَيْم بن حيان: حدثنا سعيد بن ميناء: حدثنا- أو سمعت- جابر بن عبد الله يقول:
جاءت ملائكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، قال: فاضربوا له مثلاً. فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي؛ دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي؛ لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوِّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن أطاع محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس ".
والحديث في "صحيح مسلم " (7/65) من طريق سليم به، بلفظ:
"مَثَلي ومَثَلُ الأنبياء: كمثل رجل بنى داراً، فأتمها وأكملها؛ إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها، ويقولون: لولا موضع اللبنة! ".
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فأنا موضع اللبنة؛ جئت فختمت الأنبياء".
ورواه الترمذي (2862) من طريق سليم به بالقطعة الأولى فقط.(7/1578)
قلت: وفي الباب عن أبي هريرة، وهو مخرج في تعليقي على "فقه السيرة" (ص 135) .
وعن أبي قلابة- مرسلاً- عند الطبري في "تفسيره " (11/73) . *
3596- (ألا أدُلُّكِ على ما هو خيرٌ لك من خادم؟! تُسَبِّحين ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبِّرين أربعاً وثلاثين حين تأخذين مضجعك) .
رواه مسلم (7/84- 85) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة:
أن فاطمة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تساله خادماً، وشكت العمل، فقال: "ما ألْفَيْتِيه عند نا! "، قال: ... فذ كره.
ورواه البغوي في "شرح السنة " (1321) من الطريق نفسه، وزاد:
".. عند كل صلاة".
وللحديث شاهد عن علي رضي الله عنه، وهو مخرج في كتابي "ضعيف الأدب المفرد" تحت الحديث رقم (98) ، وهو في "الصحيحين ".
وشاهد آخر عن أنس- بسند ضعيف- عند البخاري في "الأدب المفرد" (98) .
تم رأيت طريقاً أخرى لحديث أبي هريرة؛ عند ابن أبي الدنيا في "الدعاء" كما في "إتحاف السادة المتقين " (10/ 100) للزبيدي- بنحو لفظ حديث الترجمة عن أبي هشام الرفاعي عن أبي أسامة عن الأعمش عن أبي صالح به، وزاد: "وتقولين: اللهم رب السماوات السبع! ورب العرش العظيم! ربنا ورب كل(7/1579)
شيء! منزل التوراة والإنجيل والقرآن! أعوذ بك من شر كل شيء أنت أخذ بناصيته، اللهم! أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر".
قلت: وهذه الزيادة- مستقلة- هي في "صحيح مسلم " (8/79) أيضاً من طريقين عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بقصة فاطمة، دون التسبيح والذكر ...
قلت: فلعل الجمع بين الحديثين من تخاليط أبي هشام الرفاعي، فهو متفق على تضعيفه، كما قال البخاري. *
3597- (ألا إنّ الفتنة ها هنا؛ من حيث يطلع قرنُ الشيطان) .
جاء من حديث ابن عمر، وأبي مسعود الأنصاري، وابن عباس، وأبي هريرة:
أما حديث ابن عمر؛ فله عنه طرق:
الأ ولى: عبد الله بن دينار:
رواه البخاري (3279 و 5296) - واللفظ له -، وا بن حبان (6648 و 6649) ، وأحمد (2/23 و50و73 و111) ، والبغوي في "شرح السنة" (4005) ، وأبو نعيم (6/348) ، والفسوي في "المعرفة والتاريخ " (2/749) من طرق عنه به.
الثانية: سالم بن عبد الله بن عمر:
رواه البخاري (3511 و7092) ، ومسلم (8/180 و181) ، والترمذي (2268) ، وعبد الرزاق (21016) ، وأحمد (2/23 و26 و40 و 72 و121 و 143) ، وأبو يعلى(7/1580)
(5449 و5510) ، والطبراني في "الأوسط " (4092) ، وأبو نعيم في "الحلية " (6/133) ، والدولابي في "الكنى" (1/168) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/ 130- 132) ، والفسوي في "المعرفة والتاريخ " (2/748) من طرق عنه به. وقد تكلمت عليه- باختصار- في كتابي "تخريج أحاديث فضائل الشام " (ص 25) .
الثالثة: نافع مولى ابن عمر:
رواه البخاري (3104 و 7093 و 7094) ، ومسلم (8/180و181) ، وأحمد (2/18 و92) ، والطرسوسي في "مسند ابن عمر" (69) ، والفسوي (2/748) ، وابن عساكر (1/133- 136) .
الرابعة: بشر بن حرب الندبي:
رواه أحمد (2/124) ، وابن عساكر (1/137) .
وبشر: صدوق فيه لين؛ كما في "التقريب ".
(تنبيه) : في بعض هذه الروايات لفظ: "ألا إن الكفر ها هنا ... "، وفي بعض آخر: "الزلازل والفتن ... "، وفي بعض ثالث: قصة ابن عمر مع أهل العراق لما سألوه عن دم البعوض!
وأما حديث أبي مسعود:
فرواه البخاري (3302 و 3498 و 4387 و5303) ، ومسلم (1/51) ، وأبو عوانة (1/58 و59) ، والحميدي (458) ، وابن أبي شيبة (12/182) ، وأحمد في "المسند" (4/118و5/273) وفي "فضائل الصحابة" (1608) ، وابن منده في "الإيمان "(7/1581)
(425 و 426 و427) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (803) ، والقضاعي في "مسند الشهاب " (163) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ رقم 564 و 569 و 577) من طريقين عن قيس بن أبي حازم عنه به، ولفظه- كما عند البخاري-:
أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده نحو اليمن، فقال:
"الإيمان يمان- ها هنا-، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان، في ربيعة ومضر".
و (الفدادين) : جمع (فدان) ، والمراد به: البقر التي يحرث عليها.
كذا في "الفتح " (6/352) ، وذكر وجوهاً أخرى في معناها.
وأما حديث ابن عباس:
فرواه الطبراني في "المعجم الكبير" (12553) ، وابن عساكر (2/ 138) من طريق إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً، وفيه:
"إنها بها [أي: العراق] قرن الشيطان، وتهيُّج الفتن، وإن الجفاء بالمشرق ".
وإسحاق وأبوه ضعيفان؛ كما في "لسان الميزان " (1/365- 366) ، و"التهذيب " (5/371) كلاهما للحافظ ابن حجر.
وقد قال المنذري في "الترغيب " (2/144) :
"رواته ثقات "! وتابعه الهيثمي في "المجمع " (3/305) ! وهو وهم منهما، بينته في "التعليق الرغيب " (2/144) .(7/1582)
وأما حديث أبي هريرة:
فرواه البخاري (4389) من طريق ثور بن يزيد عن أبي الغيث عنه به مرفوعاً، بلفظ:
"الإيمان يمان، والفتنة ها هنا؛ ها هنا يطلع قرن الشيطان".
وله في "صحيح مسلم " (1/52) ، و"مسند أحمد" (2/252) طرق أخرى.
ثم رأيت الحديث في "المعرفة والتاريخ " (2/750) للفسوي، ومن طريقه: ابن عساكر (1/128) عن الحسن ... مرسلاً.
وإسناده إليه صحيح. *
3598- (ألآ إنِّي أَبرأُ إلى كُلِّ خِلٍّ من خِلِّهِ، ولو كنتُ متخذاً خليلاً، لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً؛ إنّ صاحبَكم خليلُ الله) .
جاء من حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن الزبير، وأبي المعلى الأ نصاري، وجندب البجلي، وأبي هريرة، وعائشة، وأنس، وجابر، وأبي واقد، والبراء.
1- أما حديث ابن مسعود؛ فله عنه طرق:
الأول: أبو الأحوص- واسمه: عوف بن مالك-:
رواه مسلم (7/108 و109) ، والترمذي (3655) ، وابن ماجه (93) ، والنسائي في " الكبرى " (8104 و1805) ، وابن حبان (6855 و6856) ، وعبد الرزاق في "المصنف " (20398) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (11/473 و12/5) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/441- 443) ، والبغوي في "شرح السنة" (3866 و3687)(7/1583)
وفي "التفسير" (2/292) ، وابن أبي عاصم (1226) ، والطيالسي (300 و314) ، والحميدي (113) ، وأحمد في "المسند" (1/377 و389 و408 و409 و412 و433 و434 و437 و439 و463) وفي "فضائل الصحابة" (69 و155 و156 و157 و158 و159 و160 و192 و193 و671) ، والشاشي (720-726) ، وأبو يعلى (5149 و5180 و 5308) ، والطبراني في "الأوسط " (773 و1393 و8347) و"الكبير" (10106) و (10107) ، وابن سعد في "الطبقات " (3/176) من طرق عدة عن أبي الأحوص عنه به.
الثاني: خالد بن ربعيّ:
رواه أحمد (1/395 و410) ، وعبد الرزاق في "تفسيره " (1/ 174) ، وابن حبان (6426) ، والطبراني في "الكبير" (10546) من طريقين عنه موقوفاً ومرفوعاً.
ولا يتعارضان؛ فالموقوف في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي.
وخالد بن ربعي مجهول، لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثقه إلا ابن حبان. الثالث: ابن أبي مليكة:
رواه مسلم (7/109) من طريق أبي عميس عنه به.
وهي رواية غريبة؛ وقعت في "الصحيح " بين مجموع روايات عبد الله بن مسعود- هكذا-: عن ابن أبي مليكة عن عبد الله [هكذا مهملاً] قال: ... فذكر الحديث.
وسبب استغرابي لها أمور:
أ- أن الحافظ المزي لم يذكرها في "تحفة الأشراف " بهذا الإسناد!(7/1584)
ب- أن المزي- نفسه- رحمه الله لم يذكر في "التهذيب " ابن مسعود في شيوخ ابن أبي مليكة، ولا ذكر ابن أبي مليكة في تلاميذ ابن مسعود.
ج- أن الحافظ ابن حجر لم يورد هذه الرواية في كتابه "إتحاف المهرة ... "، ومن ضمن شرطه كتاب "مسند أبي عوانة" (1) ؛ الذي هو مستخرج على "صحيح مسلم "، ولم يطبع القسم الذي فيه هذا الحديث من "أبي عوانة".
د- أني لم أر هذه الرواية على هذا النسق في أي مصدر آخر مما بحثت؛ على كثرة من خرج حديث ابن مسعود منهم؛ كما ترى.
هـ- وقع في القلب أن يكون وقع سقط في الإسناد، وأن الجادةّ فيه رواية أبي الأحوص عن ابن مسعود، يرويها عنه ابن أبي مليكة!
ولكنهم لم يذكروا أبا الأحوص في شيوخ ابن أبي مليكة! ولم يذكروا ابن أبي مليكة في تلاميذ أبي الأحوص!! فيحتمل أن يكون الأرجح التالي.
وفقد رأيت البخاري في "صحيحه " (3658) قد أخرجه من:
4- حديث عبد الله بن الزبير:
يرويه عنه ابن أبي مليكة، وهو من تلاميذه؛ كما في "تهذيب الكمال " (15/256) ، و"تحفة الأشراف " (4/232) - وقد ذكر الحديث فيه-.
ويرويه عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير- تصريحاً- اثنان:
1- أيوب: عند البخاري.
_________
(1) وقد ذكر في "الإتحاف ... " (10/427) روايات أبي الأحوص عند أبي عوانة، وهي في (المناقب) عنده.(7/1585)
2- ابن جريج: عند أحمد في "مسنده " (4/4وه) وفي "فضائل الصحابة" (637) .
فلعل روايتهما- على هذا النسق- تكون- على الأقل- رافعة للإهمال في رواية مسلم، ودافعة للإشكال الذي ذكرته قبل.
ومما يغلب على ظني أنه- بسبب إهمال اسم (عبد الله) الواقع في طريق ابن أبي مليكة- وَهَلَ أحد نساخ "صحيح مسلم "- أو بعض رواته-؛ فحشر هذا الطريق- على سبيل التوهم- بين طرق وروايات حديث ابن مسعود، وهي كثيرة. وبخاصة أن من المعلوم لدى المشتغلين بهذا العلم الشريف أنه إذا أطلق (عبد الله) ؛ فإن المراد به ابن مسعود.
ومثل هذا- أو أشد- قد يقع خطأً، أو سهواً، ويستمر على ما هو عليه! كحديث أبي هريرة في ذكر (السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله) ، حيث وقع في رواية مسلم: ".. حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله "- على القلب! - مخالفاً روايات هذا الحديث في "البخاري " وغيره بصورة خاصة، والسنة بصورة عامة.
ولا يزال هذا القلب في نُسخ "الصحيح " إلى هذه الساعة، مع تنبيه من ينبّه عليها من أهل العلم.
ولقد كنت نبهت- قديماً- على هذا القلب في "الإرواء" (887) أثناء تخريجي للحديث المذكور.
ثم رأيت في "فضائل الصحابة" (181) - للإمام أحمد- الحديث عن ابن أبي مليكة مرسلاً!(7/1586)
يرويه عنه عبد الجبار بن ورد؛ وهو إلى الثقة أقرب، لكنه يخطئ ويهم؛ كما قال ابن حبان!
فلعل هذا من أوهامه، والله أعلم.
ولحديث ابن الزبير طريقان آخران: عند أحمد (4/4) ، وأبي نعيم (4/307) ، وعبد الرزاق (19049) .
ولْنَعُد إلى حديث ابن مسعود؛ فإن له طريقاً أخرى، وهي:
الرابعة: عن شقيق:
رواه الطبراني في "الأوسط " (6265) من طريق إبراهيم بن محمد الشافعي عن سفيان عن الأعمش عنه به.
وإبراهيم بن محمد هذا: هو ابن عم الإمام الشافعي؛ وهو صدوق؛ كما قال الحافظ في "التقريب ".
وبقية رجاله ثقات، فالسند حسن.
2- وأما حديث ابن عباس:
فقد رواه البخاري (467) ، والنسائي في "الكبرى" (8102) ، وابن أبي عاصم في "السنة " (1463) ، وابن حبان (6860) ، وأحمد في "المسند" (1/270) وفي " الفضائل " (67) ، وابن سعد (2/227- 228) ، وأبو يعلى (2584) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/441) ، والقطيعي في "زياداته " على "الفضائل " (134) ، والطبراني في "الكبير" (1193 و11974) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/342- 343) ، والبيهقي في "الدلائل " (7/167) من طريق عكرمة عنه به.(7/1587)
3- أما حديث أبي سعيد الخدري:
فقد رواه البخاري (466) ، ومسلم (7/108) ، والنسائي في "الكبرى" (8103) ، وابن حبان (6861) ، وأحمد في " المسند " (3/18) ، والترمذي (3660) ، والدارمي (1/36) ، وابن سعد (2/228 و 232) ، والبغوي في "شرح السنة" (3821) ، والخطيب في "تاريخه " (13/63) من طريقين عنه به.
5- وأما حديث أبي المُعلّى بن لَوْذَانَ:
فقد رواه الترمذي (3659) ، وأحمد (3/478 و 4/211) ، وابن السنّي (436) ، والدولابي في " الكنى" (1/56) ، والمزي في "تهذيب الكمال " (34/309) .
ورواه أحمد (3/477- 478) ؛ فجعله من مسند أبي سعيد بن المعلّى!
وأفاد الحافظ في "أطراف المسند" (7/86) أنه وقع- كذلك- في "مسند أبي يعلى"!
وقد قال الحافظ ابن كثير في "جامع المسانيد" (14/125) :
"يُحتمل أنه غلط "! وصرح بالصواب فيه في "البداية والنهاية" (5/ 230) .
قلت: وهو ضعيف الإسناد: ابن أبي المعلى لا يعرف!
6- وأما حديث جندب بن عبد الله البجلي:
فقد رواه مسلم (7/108) ، والنسائي في "الكبرى" (11123) ، وأبو عوانة (1/401) ، وابن سعد في "الطبقات " (2/240) ، والطبراني في "الكبير" (1686) ، والحاكم (2/550) ، والبيهقي في "الدلائل " (7/176-177) من طرق عن عبيد الله ابن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث النّجرانيّ قال: حدثني جندب ... فذكره.(7/1588)
ورواه ابن حبان (6425) من طريق أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن جميل النجراني عن جندب ... وقد نقل الحافظ ابن حجر في "النكت الظّراف " (2/443) عن الإمام الدارقطني ترجيحه الرواية الأولى، بقوله:
"هي أشبه بالصواب ". وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي!!
قلت: بل هو في "صحيح مسلم "!
7- أما حديث عائشة:
فرواه أحمد في "الفضائل " (565) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (2055) من طريق معلى بن عبد الرحمن الواسطي عن عبد الحميد بن جعفر عن الزهري عن عروة عنها به.
والواسطي متروك، كذبه غير واحد، كما في "الميزان " (4/148) وغيره.
8- أما حديث أنس:
فرواه الطبراني في "مسند الشاميين " (154) ، والبزار في "مسنده " (2484) من طريق عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي عن ابن ثوبان عن حميد عنه به. والطرائفي ضعيف؛ كما قلته في غير موضع؛ من آخرها "السلسلة " الأخرى (5/363) .
9- أما حديث جابر:
فرواه عبد الله بن أحمد في "زوائده " على "فضائل الصحابة " (21) من طريق(7/1589)
مجالد عن الشعبي عن جابر.
ومجالد مشهور بالضعف؛ كما نبهت عليه مراراً.
10- أما حديث أبي واقد الليثي:
فرواه الطبراني في "الكبير" (3297) من طريق الحِمّاني عن أبيه عن عبد الرحمن بن آمين عن سعيد بن المسيّب عنه به.
وقد أورده الهيثمي في "المجمع " (9/45) ، وأعله بـ (يحيى بن عبد الحميد الحماني) .
قلت: وأبوه صدوق سيئ الحفظ.
وابن آمين- ويقال: ابن يامين- منكر الحديث؛ كما في "المغني " (1/376 و 389) للذهبي.
11- أما حديث البراء:
فرواه الخطيب في "تاريخه " (3/134) من طريق علي بن إبراهيم الواسطي عن وهب بن جرير عن شعبة عن أبي إسحاق عنه به.
قلت: ورجاله كلهم ثقات؛ لكنه شاذ؛ فقد نقل الخطيب- عقبه- عن الدارقطني قوله:
" تفرد به علي بن إبراهيم عن وهب بن جرير عن شعبة! والمحفوظ عن أبي إسحاق عن عبد الله ".
قلت: وقد تقدم هكذا على الصواب.(7/1590)
12- أما حديث أبي هريرة:
فقد أخرجه الترمذي (3661) ، والطبراني في "الأ وسط " (5729) من طريق داود بن يزيد الأودي عن أبيه عنه به.
قلت: وإسناده ضعيف؛ كما بينته- قديماً- في "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" (1) (ص 17) .
(تنبيه) : ألفاظ هذه الطرق والروايات مختلفة- بزيادة أو نقص-، ولكنها جميعاً متفقة على جملة: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً "، وهي الأصل في الحديث كما لا يخفى.
والحمد لله على توفيقه. *
3599- (ألا إنَّ ربِّي أمرني أنّ أعلِّمَكم ما جهلتُم مما علَّمني يومي هذا؛ كلُّ مال نَحَلْتُهُ عبداً حلالٌ، وإنّي خلقتُ عبادي حُنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشياطين فاجتالتهُم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهُم أن يشركوا بي ما لم أُنزِّل به سلطاناً، وإنّ الله نَظَرَ إلى أهل الأرض فمقتهم؛ عربهم وعجمهم؛ إلا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتُك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلتُ عليك كتاباً لا يغسله الماءُ، تقرؤه نائماً وبقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرِّق قريشاً،
_________
(1) وقد نشره المكتب الإسلامي دون مراجعة مني له، وقد كتب عليه (صاحبه) (!) تعليقات له- كعادته -! وكان منها- على هذا الحديث- أن عزاه لمسلم عن أبي سعيد! وفاته أنه في البخاري- أيضاً-!! - كما تقدم-.(7/1591)
فقلتُ: ربّ! إذاً يثلغُوا رأسِي؛ فيدَعُوه خُبْزة! قال: استخرجهم كما استخرجُوك، واغزُهم نُغزِكَ، وأنفقْ فسننفق عليك، وابعث جيشاً نبعث خمسةً مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك.
قال: وأهل الجنّة ثلاثةٌ: ذو سلطان مُقسطٌ متصدِّقٌ موفَّق، ورجلٌ رحيمٌ رقيقٌ القلب لكلِّ ذي قُربى ومسلمٍ، وعفيفٌ متعفِّفٌ [متصدق] ذو عيالٍ
قال: وأهلُ النّار خمسةٌ: الضعيف الذي لا زَبْرَ له، الذين هم فيكم تبعاً لا يتبَعُون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمَعٌ - وإن دقَّ- إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعُك عن أهلِك ومالِك- وذكر البخل أو الكذ ب -، والشِّنظير الفحَّاش، وإن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا؛ حتى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ) .
رواه مسلم (8/159) - والسياق له-، والنسائي في "الكبرى" (8070 و 8071) ، وعبد الرزاق (20088) ، والطيالسي (1079) ، وابن حبان (653 و654) ، وأحمد (4/162 و266) - والزيادة منه-، والبيهقي (9/ 60) ، والطبراني في "الكبير" (17/ رقم: 987 و992 و993 و994و995 و996 و997) ، وابن قانع في "معجم الصحابة " (2/278 و 279) ، وابن أبي عاصم "الآحاد والمثاني " (1196) من طريقين- قتادة والحسن البصري- عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض ابن حمار:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته ... فذكره.(7/1592)
وقد روى أبو داود (4895) ، وابن ماجه (4214) فقرة التواضع منه، وهومخرج فيما سبق (570) .
وتابع مطرِّفاً: عبد الرحمن بن عائذ؛ عند أبي عوانة في "مسنده "- كما في "إتحاف المهرة" (12/635) للحافظ ابن حجر-.
وقد قال همام- شيخ عفان؛ شيخ أحمد في هذا الحديث-:
قال بعض أصحاب قتادة- ولا أعلمه إلا قال: يونس الإسكاف-: قال لي: إن قتادة لم يسمع حديث عياض بن حمار من مُطرف، قلت: هو حدثنا عن مطرف، وتقول أنت: لم يسمعه من مطرف؟! قال: فجاء أعرابي، فجعل يساله واجترأ عليه، قال: فقلنا للأعرابي: سله: هل سمع حديث عياض بن حمار عن مطرف؟ فساْله؟ فقال: لا؛ حدثني أربعة عن مطرف؛ فسمى ثلاثة- الذين قلت لكم-.
قلت: ويونس الإسكاف: هو ابن أبي الفرات، ثقة، ترجمه المزي في "تهذيب الكمال " (32/535- 537) .
وتصريح قتادة بالتحديث عن مطرف جاء من طريق شعبة عنه: عند أحمد؛ وشعبة كفانا- كما صح عنه- تدليس قتادة.
والذي يبدو- جمعاً بين هذا وذاك؛ والله أعلم-: أن قتادة سمعه من مطرف بعد أن لم يكن سمعه، فنزل به، ثم علا! وبهذا- فيما أرى- يندفع إشكال التعارض بين إثبات السماع- في السند-، ونفيه- في المحاورة المذكورة -! والمثبت مقدم على النافي، ولا سيما أنه متابع من الحسن، كما تقدم، بل لمطرف نفسه متابع؛ كماسبق.
والله أعلم بالصواب. *(7/1593)
3600- (ألا تُبايعون رسولَ الله؟! - فردَّدها ثلاث مرات-: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس- وأسرَّ كلمة خفيَّة-[و] أن لا تسألوا الناس شيئاً) .
رواه عنه - صلى الله عليه وسلم -: عوف بن مالك؛ ورواه عن عوف ثلاثة:
1- أبو مسلم الخولاني:
رواه مسلم (3/97) ، والنسائي (1/229) - واللفظ له -، وأبو داود (1642) ، وابن ماجه (2867) ، والطبراني في " الكبير" (18/ رقم 67) ، والمزي في "تهذيب الكمال " (34/292) من طريق أبي إدريس الخولاني عنه به.
2- أبو إدريس الخولاني:
رواه ابن حبان (3385) ، والطبراني في "الكبير" (18/ رقم 68) من طريق ربيعة بن يزيد عنه به.
قلت: ولا تعارض بين الطريقين؛ فالعلو والنزول من الطرائق المعروفة عند أهل الحديث؛ فكون أبي إدريس سمعه من أبي مسلم: لا يُعارض سماعه من عوف مبا شرة.
3- ربيعة بن لقيط:
رواه أحمد (6/27) ، والطبراني (18/ رقم130) من طريق قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عنه به مختصراً بنحوه.
ورواية قتيبة عن ابن لهيعة مقبولة؛ كما نبهت عليه في مواضع من كتاباتي أخيراً.(7/1594)
وربيعة بن لقيط وثقه ابن حبان والعجلي، وروى عنه جماعة.
فالسند جيد- إن شاء الله-.
ولفظ حديث الترجمة من رواية مسلم أطول مما أوردناه؛ فهو عن أبي مسلم الخولاني قال: حدثني الحبيب الأمين- أما هو؛ فحبيب إليّ، وأما هو عندي؛ فأمين- عوف بن مالك الأشجعي قال:
كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: "ألا تبايعون رسول الله؟! "؛ وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟! "؛ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟! "؛ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلام نبايعك؟ قال: "على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس وتطيعوا- وأسر كلمة خفية- ولا تساْلوا الناس شيئاً".
فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه. *
3601- (ألا رجلٌ يمنحُ أهلَ بيتٍ [لا درَّ لهم] ناقةً [من إبله] ؛ تغدُو بعُسٍّ، وتروح بعُسٍّ؟ إنَّ أجرها لعظيمٌ) .
رواه مسلم (3/88) - واللفظ له-، وأحمد (2/242) ، وأبو يعلى (6268) من طرق عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يَبْلُغُ به (1) . ورواه الحسين المروزي في "زوائده " على "الزهد" (780) لابن المبارك من طريق سفيان عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً. والزيادتان منه.
_________
(1) أي: إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.(7/1595)
ورواه الحميدي في "مسنده " (1062) من طريق سفيان به، وزاد:
"ويكتب الله له بكل حلبة حلبها حسنة- أو قال: عشر حسنات-، بقدر ما كانت؛ بَكّأت أوغزرت ".
وابن عجلان حسن الحديث؛ كما تقدم مراراً.
ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/184) من طريق سفيان عن أبي الزناد به، وزاد في أوله:
"أفضل الصدقة المنيحة ... ".
وجعل مكان: "بِعُسّ"- في الموضعين-: "برفد".
وهما بمعنى.
ورواه الحميدي (1061) بنفس الإسناد، بلفظ:
"أفضل الصدقة المنيحة؛ تغدو بعسّ، أو تروح بعسّ".
(تنبيه) :
أورد الحديث السيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير" بلفظ: ".. تغدو بغداء، وتروح بعشاء (1) ... " من رواية مسلم!
وليست هي هكذا لا عند مسلم، ولا عند غيره!!
وهو هكذا في "صحيح الجامع الصغير وزيادته ". (رقم 2650) ، فليُصَحّح. و"العُسّ": هو القدح الكبير.
_________
(1) وتحرف كذلك في "مسند أبي يعلى"؛ لكنه جعل الموضعين: "بعشاء"!(7/1596)
و"المنيحة": "أن يمنح الرجل أخاه ناقة أو شاة؛ حتى يحتلبها عاماً أو أقل أو أكثر، فينتفع بدرها، ثم يردها: فجائز ... ".
قاله البغوي في "شرح السنة" (6/164) .
ثم رأيت ابن المبارك يروي الحديث في "الزهد" (779) عن المبارك بن فضالة عن الحسن مرسلاً بنحوه.
والمبارك بن فضالة مدلس، على إرساله. *
3602- (أيعجزُ أحدُكم أن يكسبَ كلَّ يومٍ ألفَ حسنةٍ؛! فسأله سائلٌ من جُلسائِه: كيف يكسبُ أحدُنا ألف حسنةٍ؟! قال: يسبّحُ مئةَ تسبيحةٍ، فيُكتبُ له ألفُ حسنةٍ، أويُحطُّ عنه ألفُ خطيئةٍ) .
رواه مسلم (8/71) ، والترمذي (3463) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (152) ، وابن حبان (825) ، وأحمد (1497 1563 و1612 و1613) ، والهيثم الشاشي في "مسنده " (66) ، وعبد بن حميد في "مسنده " (134- "المنتخب منه ") ، والحميدي (80) ، وابن أبي شيبة (10/ 294) ، والطبراني في "الدعاء " (1702 و1703 و1704و 1705 و 1706) ، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (129) و"الشُّعَب " (600) ، والبغوي في "شرح السنة" (1266) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة " (537) و"أخبار أصبهان " (1/83) ، وأ بو يعلى (723 و 829) ، والبزار (1160- زوائده) ، والحسن بن عرفة في "جُزئه " (79) من طرق عن موسى الجهني عن مصعب بن سعد: حدثني أبي قال:
كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره.(7/1597)
(فائدة) : قال الإمام النووي في "شرح مسلم " (17/ 20) - تعليقاً على قوله: "أو يحط "-:
"هكذا هو في عامة نسخ "صحيح مسلم ": "أو يحط " بـ (أو) ، وفي بعضها: "ويحط "- بالواو-، وقال الحميدي في "الجمع بين الصحيحين ": كذا هو في كتاب مسلم: "أو يحط" بـ (أو) ، وقال البرقاني: ورواه شعبة، وأبو عوانة، ويحيى القطان عن [موسى] (1) الذي رواه مسلم من جهته، فقالوا: "ويحطّ "- بالواو- ".
قلت: وقد جاءت الروايات في مصادر التخريج- المتقدمة- بالوجهين، والخلاف فيه سهل؛ لأن (أو) تأتي بمعنى (الواو) . *
3603- (إيه يا ابن الخطّاب! والذي نفسي بيده! ما لَقِيكَ الشيطانُ سالكاً فجّاً؛ إلا سلك فجّاً غير فجك) .
رواه البخاري (3294 و3683 و6085) ، ومسلم (7/114- 115) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (8130- فضائل الصحابة) و (10035- عمل اليوم والليلة) ، وابن حبان في "صحيحه " (6893- "الإحسان ") ، وابن أبي شيبة (14/83) ، وأحمد في "مسنده " (1/171 و 182 و 184 و 187) وفي "فضائل الصحابة" (301 و 302) ، وابن أبي عاصم في "السنة " (2/582) ، وأبو يعلى (810) ، والبزار (115- مسند سعد) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (202) ، والبغوي في "شرح السنة" (3874) ، والشاشي في "مسنده " (118) من طرق عن الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن محمد بن سعد عن أبيه قال:
_________
(1) تحرف في "شرح مسلم " إلى: يحيى! والتصحيح من " الترغيب والترهيب " (2/ 244- التعليق الرغيب) .(7/1598)
استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعنده نسوة من قريش، يسألنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب، فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يضحك، فقال أضحك الله سنك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي؟! فقال:
"عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، لّما سمعن صوتك تبادرن الحجاب! ". فقال: أنت أحقُّ أن يهبن يا رسول الله!
ثم أقبل عليهن، فقال: يا عدوّات أنفسهن! أتهبنني ولم تهبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!
فقلن: إنك أفظ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وللحديث طريق آخر عند ابن أبي عاصم (1260) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً، بلفظ:
"والذي نفسي بيده! ما سلك الشيطان طريقاً يمر فيه عمر".
وإسناده حسن، رجاله رجال الشيخين؛ إلا شيخ ابن أبي عاصم- فيه-: ابن كاسب- واسمه يعقوب-؛ فإنه لا يرتفع حديثه إلى درجة الصحة.
(فائدة) :
قول النسوة: (إنك أفظُّ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ؛ مما خرج على غير بابه؛ كما يقول أهل اللغة؛ ذلكم أن الفظاظة والغلظة منفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنص القرآن الكريم صراحة. والله أعلم. *(7/1599)
3604- (إيّاكم والوصال- مرتين-، قيل: إنك تواصل؟! قال: إنّي أبيت يُطعمُني ربّي وبسقيني؛ فاكلَفُوا من العمل ما تطيقون) .
جاء من حديث أبي هريرة، وله عنه طرق:
أولاً: همام:
رواه عبد الرزاق (7754) ، وعنه البخاري (1966) ، وأحمد (2/315) ، والبغوي (1736) ، والبيهقي (4/282) من طريق عبد الرزاق عن معمر عنه به.
ثانياً: أبو سلمة:
رواه عبد الرزاق (7753) ، وعنه أحمد (2/ 261 و 281، 516) ، والبخاري (1965 و 7299) ، ومسلم (3/133) ، وا بن حبان (3575) ، والدارمى (2/8) ، والبيهقي (4/282) من طرق عن الزهري عنه به.
ثالثاً: الأعرج:
رواه مالك (1/301) ، ومن طريقه: الد ارمي (2/7) ، والبغوي (7/173) ، ومسلم (3/134) ، وا بن حبان (3576) ، والحميدي (1009) ، وأحمد (2/244 و 257 و418) من طرق عن أبي الزناد عنه به.
رابعاً: أبو زرعة بن عمرو بن جرير:
رواه مسلم (3/ 134) ، وابن خزيمة (2070) ، وابن أبي شيبة (3/83) ، وإسحاق ابن راهويه في "مسنده " (168) ، وأحمد (2/231) ، وأبو يعلى (6088) من طرق عن عمارة بن القعقاع عنه به.(7/1600)
خامساً: أبو صالح:
رواه مسلم (3/133) ، وابن خزيمة (2072) ، والبغوي (1738) ، وابن أبي شيبة (3/ 82) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (5539) ، وأحمد (2/253 و 495-496) .
سادساً: موسى بن يسار:
رواه أحمد (2/257) عن يزيد عن محمد عنه به.
ومحمد: هو ابن إسحاق.
وموسى بن يسار: عمه.
سابعاً: سعيد بن المسيّب:
رواه البخاي (7242) من طريق الزهري عنه به.
ثامناً: سليم بن حيان:
رواه أحمد (2/345) عن عفان عنه به.
وهذا من ثلاثيات أحمد، وسليم- بفتح السين وكسر اللام- ثقة من رجال الكتب الستة.
وسنده صحيح على شرط الشيخين.
قلت: وفي الباب عن غير واحد من الصحابة؛ فانظر "صحيح أبي داود" (2043 و 2044) ، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته " (2495) . *
3605- (أيّما امرأة أصابت بخوراً؛ فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) .
رواه مسلم (2/ 34) ، وأبو داود (4175) ، والنسائي في " الصغرى " (8/ 154)(7/1601)
و" الكبرى " (9424 و 9430) ، والبيهقي (3/133) ، والبغوي في "شرح السنة " (861) ، وأبو عوانة في "مسنده " (2/ 17) ، وأبو يعلى (545) من طريق يزيد بن خُصَيْفَة عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قال النسائي:
"لا نعلم أن أحداً تابع يزيد بن خصيفة عن بسر بن سعيد على قوله: (عن أبي هريرة) ! وقد خالفه يعقوب بن عبد الله بن الأشج؛ رواه عن بسر بن سعيد عن زينب الثقفية ".
قلت: وهو عند مسلم- أيضاً- (2/33) من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر عن زينب.
وقد تقدم تخريج روايته في هذه "السلسلة" (1094) .
ويزاد على مصادر تخريجه- هناك-:
رواه النسائي في "الكبرى" (9425) - وهي رواية يعقوب-، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (3212 و 3213) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/ رقم: 718و719 و720 و722) - وهي رواية بكير-.
ولقد رجح النسائي في "السنن الكبرى" رواية بكير على رواية يعقوب؛ وهما أخوان ثقتان، ويزيد- على ثقته- في بعض حديثه نكارة!
ثم روى النسائي حديث زينب الثقفية من طريقين عن الليث بإسناده؛ أحدهما: يرويه الليث- وهو ابن سعد- عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير به.
والثاني: يرويه الليث عن بكير- بدون واسطة-.(7/1602)
وقد رجح النسائي رحمه الله الرواية الأولى.
ثم خرجه النسائي- بعد- من طرق أخرى عدة ليذكر وجوه الاختلاف فيه على إبراهيم بن سعد الزهري.
قلت: وكل هذه الوجوه غير ضارة الحديث؛ فالأسانيد صحاح، والرواة ثقات.
وللحديث شاهد من طريق آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ:
"إذا خرجت المرأة إلى المسجد؛ فلتغتسل من الطيب؛ كما تغتسل من الجنابة".
وقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة الصحيحة" (رقم: 1031) ، فليراجع. *
3606- (الأ نصار كَرِشي وعَيْبَتي، والناس سيكثرون، ويقلُّون فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) .
جاء من حديث أنس، وأسيد بن حضير، وأبي سعيد الخدري، وكعب بن مالك.
أولاً: حديث أنس، وله عنه طرق:
1- قتادة:
رواه البخاري (3801) - واللفظ له-، ومسلم (7/174) ، والنسائي في " الكبرى " (8325) ، والترمذي (3901) ، وابن حبان (7265) ، والبغوي في "شرح السنة " (3972) ، وأحمد في "مسنده " (3/176 و 272) وفي "الفضائل " (1464) ، وأبو يعلى (2994 و 3208) من طريق شعبة عنه به.(7/1603)
2- حميد:
رواه النسائي في "الكبرى" (8326) ، وابن حبان (9268) ، وابن أبي شيبة (12/160) ، وسعيد بن منصور في "سننه " (2900) ، والبغوي (3976) ، وأحمد (3/188 و201) ، والقضاعي في "مسند الشهاب " (238) .
3- ثابت:
أخرجه أحمد في "مسنده " (3/246) وفي "الفضائل " (1440) .
4- سعد بن عبد الرحمن بن هاشم:
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/59) .
5- محمد بن سعد ابن أخي سعد بن أبي وقاص:
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/59) .
6- أبو التَّيَّاح:
أخرجه أبو يعلى (3229) .
7- علي بن زيد بن جدعان:
أخرجه الحميدي (1201) .
8- النَّضر بن أنس:
أخرجه أحمد (3/156) .
9- النعمان بن مرة الأنصاري:
رواه الطبراني في "معجمه الصغير"، وهو مخرج عندي في "الروض النضير" (رقم: 34) .(7/1604)
10- هشام بن زيد:
رواه البخاري (3799) وغيره.
وهو مخرج في هذه "السلسلة" تحت رقم (3430) .
ثانياً: حديث أسيد بن خضير
رواه النسائي في " الكبرى " (8324) ، والطبراني في " الكبير" (552) من طريق حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس عن أسيد به.
قال المزي في "تحفة الأشراف " (1/73) :
"رواه غُندر عن شعبة، فلم يذكر أسيداً".
قلت: وهو أرجح؛ فَحرمي: صدوق يهم، بينما غندر- وهو محمد بن جعفر- ثقة؛ وهو من أوثق الرواة في شعبة وأثبتهم.
والرواية المشار إليها: هي الرواية الأولى المخرجة في حديث، أنس المتقدم.
وقال الهيثمي في "المجمع " (10/37) :
"ورجاله رجال (الصحيح) "! لكنه- رحمه الله- لم ينبه إلى هذه العلة الدقيقة. ثالثاً: حديث أبي سعيد الخدري:
رواه الترمذي (3904) ، وأحمد (3/89) ، وأبو يعلى (1358) من طريق زكريا ابن أبي زائدة عن عطية العوفي عنه به.
وعطية ضعيف؛ وفي متنه زيادة منكرة، ومن أجلها أوردته في "ضعيف الجامع الصغير وزيادته " (2174) ، وانظر "المشكاة" (6240) .(7/1605)
رابعاً: حديث كعب بن مالك:
وهو مخرج في هذه "السلسلة" تحت الحديث رقم (3430) .
ويزاد على مصادره هناك: "الكنى والأسماء" (2/108) للدولابي. *
3607- (بسم الله الرحمن الرحيم:
من محمد عبد الله ورسوله: إلى هرقل عظيم الروم؛ سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم: يؤتك الله أجرك مرتين؛ فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين؛ و (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)) .
رواه البخاري (رقم 7- واللفظ له - و 51 و 2681 و 2941 و 2979 و 3174 و 4553 و 5980 و 6260 و 7196) ، ومسلم (5/163 - 166) ، والترمذي (2717) ، والنسائي في "الكبرى" (11064) ، وعبد الرزاق (9724) ، وابن حبان (6555) ، وأحمد (1/263) ، وا بن منده في "الإيمان " (143) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1380و 1977) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (488) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (4/380 - 381) -، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (1457) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (23/428) من طرق عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم(7/1606)
في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؛ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذباً لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه؛ أن قال: كيف نسبه فيكم؛ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سُخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنت تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدَّة لا ندري ما هو فاعل فيها؟! قال: ولم تمكنِّي كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصِّلة.
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه؟ فذكرت أنه فيكم ذو نسب؛ فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا؛ فقلت: لو كان أحد قال هذ القول قبله؛ لقلت: رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؛ فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك؛ قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب(7/1607)
على الناس؛ ويكذب على الله، وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه؛ وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون؛ وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك: أيرتد أحد سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا؛ وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا؛ وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف؛ فإن كان ما تقول حقاً؛ فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه؛ لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده؛ لغسلت عن قدمه.
ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه ... فذكره
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب؛ كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات، وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة! إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقناً أنه سيظهر؛ حتى أدخل الله علي الإسلام.
وكان ابن الناطور- صاحب إيلياء- وهرقل سُقُفَاً على نصارى الشام؛ يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماُ خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناطور: وكان هرقل حزَّاءً ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة - حين نظرت في النجوم - ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؛ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمَّنَّك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك؛ فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم؛ أتي هرقل(7/1608)
برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما استخبره هرقل؛ قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب؟ فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يَرِمْ حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دَسْكَرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطَّلع فقال؛ يا معشر الروم! هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حُمُرِ الوحش إلى الأبواب؛ فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفا ً؛ أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل.
قلت: وقد ورد الحديث نفسه على وجه آخر:
فرواه البخاري (2936 و 2940) ، وأبو داود (5136) ، والنسائي في " الكبرى " (5858 و 8845) ، وأحمد (1/162 - 263 و 263) ، والبيهقي في "الدلائل " (4/377 - 380) ، وابن عساكر في "تاريخه " (23/422) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث دون ذكر أبي سفيان مخبراً ابن عباس.
وهذا معدود من مراسيل الصحابة؛ وهي مقبولة عند جماهير أهل السنة والحديث - بحمد الله تعالى -.
(فائدة) : قول أبي سفيان- في الحديث -: (لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة) ؛ معناه - كما قال ابن الأثير في "النهاية" (4/144) -:(7/1609)
"كان المشركون ينسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي كبشة؛ وهو رجل من خزاعة، خالف قريشاً في عبادة الأوثان، وعبد الشِّعرى والعَبُور (1) ، فلما خالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبادة الأوثان؛ شبهوه به ".
و (أمر) : كثُرَ، وتمًّ.
والحديث كنت قد خرجته- قديماً- في "الإرواء " (1/37) مختصراً. *
3608- (بَشِّروا خديجة في الجنة ببيت من قصبٍ , لا صخب فيه ولا نصَب) .
جاء من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وعائشة، وأبي هريرة، وعبد الله بن جعفر، ورجل من الصحابة:
1- أما حديث ابن أبي أوفى:
فرواه البخاري (1792 و 3829) - واللفظ له-، ومسلم (7/133) ، والنسائي في "الكبرى" (8360) ، وابن أبي شيبة (12/133) ، وابن حبان (7004) ، وأحمد في "مسنده " (4/355 و 356 و381) وفي "الفضائل " (1577 و1581 و 1582) ، وابنه عبد الله في "زوائده " على "الفضائل " (1593 و 1594) ، والقطيعي في "زوائده " على "الفضائل " (1595) ، والحميدي (720) ، والطبراني في "الكبير" (23/ رقم 11) من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عنه به.
2- وأما حديث عائشة:
فرواه البخاري (3826 و 3827) ، ومسلم (7/133) ، والترمذي (3876) ،
_________
(1) هي أسماء نجوم وكواكب؛ كما في "القاموس المحيط " (ص 534) .(7/1610)
والنسائي في "الكبرى" (8362) ، وأحمد في "مسنده " (6/58 و202 و 279) ، والحاكم في "المستدرك " (3/186) ، وإسحاق بن راهويه في "مسنده " (311) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها به. وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي!!
قلت: بل الحديث في "الصحيحين ".
3- أما حديث أبي هريرة:
فرواه البخاري (3820 و7497) ، ومسلم (7/133) ، والنسائي في " الكبرى " (8358) ، وابن أبي شيبة (12/133) ، وابن حبان (7009) ، والحاكم (3/185) ، والبغوي (3953) ، وأحمد في " المسند " (2/ 231) وفى " الفضائل " (1588) ، وأبويعلى (6089) ، والطبراني (23/ رقم10) من طرق عن محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة عنه به. وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة"! ووافقه الذهبي!
قلت: بلى؛ هو فيهما بالسياقة نفسها، والمعصوم من عصمه الله!!
4- وأما حديث عبد الله بن جعفر:
فرواه ابن حبان (7005) ، والحاكم (3/ 184 و185) ، وأحمد في "المسند" (1/205) وفي "الفضائل " (1585 و1591) ، وأبو يعلى في "مسنده " (6795 و 6798) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/ رقم 13) من طرق عن ابن إسحاق: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عنه به.(7/1611)
وهذا إسناد حسن؛ لحال محمد بن إسحاق.
وقد قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه "!
قلت: إنما أخرج مسلم لابن إسحاق متابعة!!
5- وأما حديث الرجل من الصحابة:
فقد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/134) عن ابن نمير عن الأعمش عن أبي صالح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
وهذا إسناد صحيح، وعنعنة الأعمش عن أبي صالح لا تضر؛ لأنه أكثر عنه؛ كما قال الإمام الذهبي.
وابهام الصحابي غير ضار- أيضاً -؛ إذ كلهم- رضي الله عنهم- عدول.
وهنا فائدتان متعلقتان بالحديث:
الأولى: روى عبد الرزاق (5/324 و11/ 430) ، وعنه أحمد في "الفضائل " (1574) عن عروة مرسلاً قال:
توفيت خديجة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"أُريت لخديجة بيتاً من قصب، لا صخب فيه ولا نصب ".
قال: وهو قصب اللؤلؤ.
ورجاله ثقات.(7/1612)
الثانية: روى أبو يعلى في "مسنده " (2047) من طريق مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله- ضمن حديث- قال:
سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن خديجة - لأنها ماتت قبل الفرائض، وأحكام القرآن؟ فقال:
"أبصرتها على نهر من أنهار الجنة، في بيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب ".
قلت: وفيه مجالد- وهو ابن سعيد- من مشاهير الضعفاء. وبه أعله الهيثمي في "المجمع " (9/416) ، قائلاً:
"وهذا مما مُدح من حديث مجالد".
قلت. نعم؛ فلعله يتقوى بحديث الترجمة؛ لشموله عموم معناه، وكذا بالمرسل صحيح الإسناد.
(تنبيه) : كنت قد خرجت الحديث- فيما تقدم من هذه "السلسلة" (1) برقم (1554) ، ويشاء الله سبحانه تكرار تخريجه هنا بعد أكثر من خمسة عشر عاماً! وما تراه هنا- إن شاء الله- فيه فوائد زوائد، والله المستعان. *
3609- (بين يدي الساعة، تقاتلون قوماً نعالهم الشعر؛ وهو هذا البارز (1) - وقال سفيان مرة: وهم أهل البازر (2) -) .
جاء من حديث أبي هريرة، وعمرو بن تغلب، وأبي سعيد الخدري:
_________
(1) وكذا في تعليقي على "فقه السيرة" (ص 88) - مختصراً -.
(2) انظر تعليقي على هذه الكلمة عند موضع هذا الحديث من كتابي الجديد: "تهذيب صحيح الجامع الصغير والاستدراك عليه "، يسر الله إتمامه!(7/1613)
أما حديث أبي هريرة؛ فله عنه طرق:
1- سعيد بن المسيب:
رواه البخاري (2929) ، ومسلم (8/ 184) ، وأبو داود (4304) ، والترمذي (2215) ، وابن حبان (6746) ، والحميدي (1100) ، وأبو يعلى (5878) ، وعبد الرزاق (20781) ، وعنه أحمد (2/ 271) ، وابن ماجه (4096) من طريقين عن الزهري عنه به.
2- همام بن منبه:
رواه عبد الرزاق في " المصنف " (20782) ، وعنه أحمد (2/319 و530) ، ومن طريقه: البخاري (3578) من طريق معمر عنه به.
3- الأعرج:
رواه البخاري (2928 و3578) ، ومسلم (8/ 184) ، وابن ماجه (4097) ، وأحمد (2/ 530) ، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن " (452) من طريق أبي الزناد عنه به.
4- قيس بن أبي حازم:
رواه البخاري (3591) - واللفظ له -، ومسلم (8/ 184) ، وأحمد (2/300 و475) ، وأبوعمرو الداني (450) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عنه قال: أتينا أبا هريرة رضي الله عنه فقال: صحبت رسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاث سنين، لم أكن في سِنِّي أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن، سمعته يقول- وقال هكذا بيده -: ... فذكره.(7/1614)
5- أبو صالح:
رواه مسلم (8/ 184) ، وأبو داود (4303) ، والنسائي (6/ 44- 45) ، وابن حبان (6745) من طريق يعقوب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك؛ قوماً وجوههم كالمَجَانِّ المُطْرَقَةِ، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر".
وأما حديث عمرو بن تغلب:
فرواه البخاري (2927 و 3592) ، وابن ما جه (4098) ، وأحمد (5/69 و70) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/212) ، وأبو نعيم في "المعرفة" (ق 87/ أ) من طريق جرير بن حازم عن الحسن عنه به.
وهو مخرج- باختصار- تحت الحديث رقم (2767) فيما تقدم من هذه "السلسلة".
وأما حديث أبي سعيد:
فهو مخرج- قبل- في هذه "السلسلة " برقم (2429) .
والله الموفق. *
3610- (بينا أنا أسير في الجنة؛ إذ عُرضَ لي نهرٌ حافتاه قباب اللؤلؤ، قلت للملك: ما هذا [يا جبريل] ؟! قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله، قال: ثم ضرب بيده إلى طينه (1) ، فاستخرج مسكاً، ثم رُفعت لي سِدرةُ المنتهى، فرأيت عندها نوراً عظيماً) .
رواه البخاري (6581) - والزيا دة منه -، وأبو داود (4748) ، والترمذي (3360) -
_________
(1) وقع في طبعة الدعاس لـ "الترمذي ": "طينة"!(7/1615)
واللفظ له -، وأحمد (3/103 و115- 116 و191 و207 و231- 232 و232 و 263 و 289) ، وابن حبان (6474) ، والآجري في "الشريعة " (395- 396) ، والطبري في "تفسيره " (30/209) من طرق عن قتادة قال: حدثنا أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وتابع قتادة عليه: حميد الطويل:
رواه النسائي في "الكبرى" (11706) ، وابن أبي شيبة (11/13437/147) ، وأحمد (3/103 و115) ، وهناد بن السري في "الزهد" (134) ، وابن حبان (6472) ، والحاكم (1/ 80) ، والآجري في " الشريعة " (396) ، والطبري في "تفسيره " (30/209) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (327) ، والبغوي في "شرح السنة" (4343) ، وفي "تفسيره " (8/558) من طريقين عنه به مرفوعاً بلفظ: "دخلت الجنة ... ". وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ".
وعزاه السيوطي في "الجامع الصغير" (3360- صحيحه) إلى البخاري والترمذي!
وليس فيهما هذا اللفظ، إنما فيهما اللفظ الأول.
ورواه ثابت عن أنس بنحوه؛ وهو مخرج فيما تقدم من هذه "السلسلة" (برقم2513) .
(فائدة) : عزا ابن كثير في "تفسيره " (4/557) حديث أنس من طريق قتادة إلى البخاري (ومسلم) !
وكذلك صنع المزي في "تحفة الأشراف " (1/337) ، لكنه عقب بقوله:
"حديث مسلم هذا لم يذكره أبو مسعود، ووجدته ملحقاً في كتاب خلف ".(7/1616)
ونكت الحافظ عليه- في الحاشية- بقوله:
"أورده الحميدي في أفراد البخاري ".
قلت: ويبدو أن هذا هو الصواب؛ إلا أن يكون قد وقع ذلك في بعض النسخ دون بعض! والله أعلم. *
3611- (بينما أنا نائمُ؛ أتيت بخزائن الأرض، فَوُضِعَ في يدي سِوَارَان من ذهب، فكَبُرا عليَّ وأهمَّاني، فأوُحي إليَّ: أن انفُخُهُما؛ فَنَفَخْتُهُما فذهبا؛ فأوَّلْتُهُما: الكذَّابَيْنِ اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة) .
رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة، ورواه عنه رضي الله عنه ثلاثة:
الأول: همام بن منبه:
رواه البخاري (4375 و 7037) ، ومسلم (7/58) ، وأحمد (2/ 319) - واللفظ له -، والبيهقي في " السنن الكبرى " (8/175) و" الدلائل " (5/335) ، والبغوي في "شرح السنة" (3297) من طريق معمرعنه به.
الثاني: أبو سلمة:
رواه أحمد (2/338 و344) ، وابن ماجه (3922) ، وابن أبي شيبة (11/58) ، وابن حبان (6653) من طريق محمد بن عمرو عنه به مختصراً.
وإسناده حسن؛ لحال محمد بن عمرو بن علقمة.(7/1617)
الثالث: أبو صالح:
رواه العقيلي في "الضعفاء" (4/29- 30) من طريق محمد بن أنس عن الأعمش عنه به.
ورجاله ثقات؛ إلا محمد بن أنس هذا؛ قال فيه العقيلي: ".. عن الأعمش بأحاديث لم يتابعه عليها أحد.. "، ثم ذكر هذا الحديث. ثم أتبعه بقوله:
"هذا يُروى من غير هذا الوجه بإسناد صالح ".
ومحمد بن أنس هذا؛ ليس هو القرشي العدوي مولى عمر بن الخطاب؛ فإن هذا الأخير ثقة، وقد خلط بينهما محقق "الضعفاء"! عازياً في الحاشية- من ضمن ما عزا- إلى "تهذيب التهذيب "!
مع أن فيه ترجيح أنهما اثنان!!
وقد ورد الحديث- ضمن قصة- عن ابن عباس يرويه عن أبي هريرة رضي الله عنهما:
فقد أخرج البخاري (3620 و 3621 و 4373 و 4374) ، ومسلم (7/58) ، وا بن حبان (6654) ، والطحاوي في "المشكل " (5843) ، والأصبهاني في "الدلائل " (126) ، والبيهقي في "الدلائل " (5/334) من طريق نافع بن أبي جبيرعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قدم مسيلمة الكذاب على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعه ثابت بن قيس بن شماس- وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعة جريد - حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال:(7/1618)
"لو ساْلني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أُريتُ فيك ما رأيتُ ".
فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"بينما أنا نائم؛ رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام: أن أنفخهما، فنفختهما فطارا؛ فأوَّلتهما: كذابين يخرجان بعدي، فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة".
وروى الترمذي (2292) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (7649) ، وأبو يعلى (5894) منه قصة الرؤيا.
وروى البخاري (7461) ، والطبرا ني في "الكبير" (10750) ، والبغوي في "الأنوار" (869) منه قصة قدوم مسيلمة.
ورواه البخاري (4378 و 4379) تاماً بنحوه من طريق صالح بن كيسان عن عبد الله بن عبيدة بن نشيط عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ... فذكره.
ورواه البخاري (7033 و7034) من هذا الوجه نفسه مختصراً.
ووقع في رواية عند أحمد (1/263) ، والنسائي في "الكبرى" (7648) - في هذا الطريق نفسه- عدم ذكر (عبد الله بن عبيدة بن نشيط) .
وأرى أن كلا الوجهين صحيح، فرواية صالح عن عبيد الله- في غير هذا الحديث- على شرط "البخاري "، وكذا رواية عبد الله بن عبيدة بن نشيط عن عبيد الله أيضاً. والله أعلم. *(7/1619)
3612- (بينما أنا نائم؛ رأيت الناس يُعرَضُونَ عليّ وعليهم قُمُصٌ؛ منها ما يَبْلُغُ الثَّديَّ، ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك؛ فعُرِضَ عليَّ عُمَرُ وعليه قميص يَجُرُّهُ، قالوا: فما أوّلتَهُ يا رسول الله؟! قال: الدِّين) .
رواه عبد الرزاق (20385) ، ومن طريقه: أحمد (5/373- 374) ، والترمذي (2285) - واللفظ له- عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
ورواه عن الزهري ثلاثة، فسموا الصحابي المبهم: أبا سعيد الخدري:
فقد أخرج البخاري (23 و2390) ، ومسلم (7/112) ، والترمذي (2286) ، والنسائي في "الصغرى" (8/113- 114) و"الكبرى" (7645 و8121 و11742) ، وابن حبان في "صحيحه " (6890) ، وأحمد (3/86) ، والدرامي (2/127) ، وأبو يعلى (1290) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (1259) ، والبغوي في "شرح السنة" (3294) من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وتابع صالحاً: عقيل بن خالد:
رواه البخاري (3691 و7009) ، وابن أبي عاصم (1258) .
وتابعهما الزبيدي:
رواه ابن أبي عاصم (1257) ، والآجري في "الشريعة " (1436) .
ولقد قال الترمذي- عقب الرواية التي نصت على (أبي سعيد) -:
"وهذا أصح". *(7/1620)
3613- (بينما أيُّوب يغتسل عُرياناً؛ فخرَّ عليه جرادٌ من ذهب، فجعل أيُّوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربُّه: يا أيوب! ألم أكن أغنيتُك عما ترى؟! قال: بلى وعزتك! ولكن؛ لا غنى بي عن بركتك) .
رواه عنه - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة؛ ورواه عن أبي هريرة ثلاثة ثقات:
الأول: همام بن منبِّه:
رواه البخاري (279 و 3391 و 7493) ، وابن حبان (6229) ، وأحمد (2/314) ، والبغوي في "شرح السنة " (2027) وفي "تفسيره " (5/347) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 206) وفي "السنن الكبرى" (1/198) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (10/75) من طريق معمر عنه به.
الثاني: بشير بن نَهِيكٍ:
رواه الطيالسي (2455) ، وأحمد (2/304 و490 و551) ، وابن حبان (6230) ، والحاكم (2/582) ، وابن عساكر (10/76) من طريق النضر بن أنس عنه به.
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه ".
وقال الذهبي في " تلخيصه ": "خ. م ".
وقال الإمام ابن كثير في "تاريخه " (1/323) :
"وهو على شرط (الصحيح) ".
الثالث: عطاء بن يسار:
علقه البخاري في "صحيحه " (1/ 3811- "فتح ") ، ووصله النسائي (1/ 200) ،(7/1621)
ومن طريقه: الحافظ ابن حجر في "التعليق " (2/163) ، وأحمد (2/243) ، وابن عسا كر في "تاريخه " (10/76) .
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
قلت وخالف هؤلاء الثلاثة في رفع الحديث عن أبي هريرة: ثلاثة آخرون:
1- الأعرج:
رواه أحمد في "المسند" (2/243) ، ومن طريقه: ابن عساكر (10/74) عن سفيان عن أبي الزناد عنه به موقوفاً.
وسنده صحيح على شرط الشيخين.
2- أبو زرعة:
رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (10/77) من طريق الحسين بن محمد بن أبي معشر عن محمد بن ربيعة عن يحيى بن أيوب عنه به.
وابن أبي معشر لم يكن بثقة؛ كما في "المغني " (1/155) للحافظ الذهبي.
3- أبو يونس مولى أبي هريرة:
رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10/77) من طريق قتيبة عن ابن لهيعة عنه به.
وأبو يونس اسمه: سليم بن جبير، وهو ثقة.
ورواية قتيبة عن ابن لهيعة مأمونة إن شاء الله؛ كما بينته في مواضيع من هذه "السلسلة". قلت: ولا أرى هذا الوقف علة ً؛ وذلك لأمرين:(7/1622)
الأول: ثقة الرافعين له؛ فهم أكثر وأوثق.
الثاني: اختيار صاحب "الصحيح " لرواية الرفع في كتابه.
ثم وجدت للحديث شاهداً:
رواه ابن عساكر (10/77) من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً ... فذكره بمعناه.
قلت: وجويبر من مشاهير المفسرين المتروكين! فهو ضعيف جداً. *
3614- (بينما أنا على بئر أَنْزِعُ منها؛ جاءني أبو بكر وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو، فنزع ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له! ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر، فاستحالت في يده غرباً، فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه، فنزع، حئى ضرب الناس بعطن ٍ) . جاء من حديث ابن عمر، وأبي هريرة، وأبي الطفيل. أما حديث ابن عمر؛ فرواه عنه اثنان: أولهما ة سالم - ولده-:
رواه البخاري في (3633 و 3682 و7020) ، ومسلم (7/113) ، والترمذي (2289) ، والنسائي في " الكبرى " (7636) ، وأحمد في "مسنده " (2/28 و 39) وفي "الفضائل " (224) ، وابن أبي شيبة (11/62 و 12/ 21) ، والبيهقي (8/154) ، وأبو يعلى (5514 و 5524) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (13177) ، وابن أبي عاصم (1456) من طريقين عن سالم عنه به.(7/1623)
ثانيهما: نافع - مولاه-:
رواه البخاري (3667 و 7019) ، وأحمد (2/107) من طريق صخر عنه به.
أما حديث أبي هريرة؛ فرواه عنه جماعة:
الأول: سعيد بن المسيب:
رواه البخاري (3664 و7021 و 7475) ، ومسلم (7/112) ، وابن حبان (6898) ، والنسائي في "الكبرى " (8116) ، وابن أبي عاصم (1458) ، والبيهقي في "الدلائل " (6/ 344) ، والبغوي في "شرح السنة " (3881) ، من طرق عن الزهري عنه به.
الثاني: أبو سلمة:
رواه أحمد (2/450) ، وابن أبي شيبة (12/21) ، وابن أبي عاصم (1457) ، والبغوي (3883) من طريق محمد بن عمرو عنه به.
وسنده حسن.
الثالث: أبو صالح، يرويه عنه عاصم بن أبي النَّجود:
أخرجه أحمد في "المسند" (2/368) وفي "الفضائل " (149) .
وسنده حسن؛ لحال عاصم.
الرابع: همام:
أخرجه البخاري (7022) ، والبغوي (3882) .
الخامس: الأعرج:
أخرجه مسلم (7/113) .(7/1624)
السادس: أبو يونس:
أخرجه مسلم (7/113) .
السابع: ابن سيرين:
أخرجه البيهقي في "الدلائل " (6/345) .
أما حديث أبي الطفيل:
فرواه أحمد (5/455) من طريق حماد بن سلمة: ثنا علي بن زيد عنه به.
قال ابن كثير في "جامع المسانيد" (14/205) :
"تفرد به"؛ يعني: أحمد. وقال الهيثمي في "المجمع " (5/180) :
".. وفيه علي بن يزيد، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات "!
قلث: كذا! وانما هو علي بن زيد - وهو ابن جدعان -؛ أما علي بن يزيد؛ فهو الألهاني! نعم؛ كلاهما ضعيف!!
(تنبيه) : الحديث رؤيا منامية؛ كما دلت عليه مجموع الروايات.
" الذنوب ": الدلو.
" غرباً ": هي الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور.
" العبقري ": هو السيد القوي.
"فريه ": أصل (الفري) : القطع؛ أي: يعمل عمله ويقطع قطعه.
كذا في " النهاية "- ملخصاً بنحوه -.(7/1625)
ثم رأيت الحديث في "فضائل الصحابة" لأحمد (150) عن الحسن ... مرسلا ً. *
3615- (البركةُ في نواصي الخيل) .
رواه البخاري (2851 و3645) ، ومسلم (6/32) ، والنسا ئي (6/221) ، وابن حبان (4670) ، وابن أبي شيبة (12/481) ، وأحمد (3/114 و 127 و 171) ، وسعيد بن منصور في "سننه " (2427) ، والبيهقي (6/329) ، والبغوي (2643) ، والقضاعي (222) من طريق شعبة عن أبي التيََّاح عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذ كره.
(فائدة) : بوّب ابن حبان على الحديث في "صحيحه " (10/526 -" الإحسان ") بقوله:
" ذكر إثبات البركة في ارتباط الخيل للجهاد في سبيل الله ".
وقال الحافظ ابن حجر، في "الفتح " (6/55) معقباً على لفظ الحديث:
"كذا وقع! ولابد فيه من شيء محذوف يتعلق به المجرور، وأولى ما يقدَّر: ما ثبت في رواية أخرى؛ فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن (1) شعبة، بلفظ:
" البركة تنزل في نواصي الخيل " ... ".
قلت: وعاصم صدوق ربَّما وهم؛ كما قال الحافظ نفسُه في "التقريب "!
وقد قال العيني في "عمدة القاري " (14/145) :
_________
(1) تصفحت في الطبعة السلفية من "الفتح " إلى: " بن "!(7/1626)
"وقوله: "في نواصي الخيل " يتعلق بمحذوف تقديره. البركة حاصلة ٌ أو نازلة ٌ في نواصي الخيل ". *
3616- (تحرُّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) .
رواه البخاري (2017) من طريق أبي سهيل عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وأبو سهيل اسمه: نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي.
وأبوه مالك: هو جد الإمام مالك بن أنس.
ورواه أحمد (6/73) ، والبيهقي في " السنن الكبرى " (4/308) ، والبغوي في "شرح السنة" (1824) وفي "تفسيره " (8/487) من طريق أبي سهيل به.
وروى الحديث عن عائشة - على وجه آخر-: عروة؛ دون ذكر لفظ: "الوتر":
فرواه هكذ ا: البخاري (2019 - 2020) ، ومسلم (3/173) ، والترمذي (792) ، وابن أبي شيبة (2/511 و 3/75 و5/75) ، وأحمد (6/56 و 204) ، وإسحاق بن راهويه في "مسنده " (655 و670 و 842) ، وابن أبي داود في "مسند عائشة " (83) ، وابن نصر في "قيام الليل " (ص 105) ، والبيهقي (4/307) ، والبغوي (1822) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (5479) و"شرح معاني الآثار" (2/91) ، وابن عدي في "الكامل " (4/1517) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ".
(تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في "الدر المنثور" (6/373) ، وعزاه للبخاري، وابن مردويه، والبيهقي(7/1627)
وفاته النسبة للإمام أحمد، وهو أشهر وأعلى من الأخيرين!! *
3617- (تصدّقي، ولا تُوعي؛ فيُوعى عليك) .
جاء من حديث أسماء، وعائشة:
أولاً: حديث أسماء؛ وله طرق عنها:
1- رواه البخاري (2590) قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مُليْكة عن عبَّاد بن عبد الله عن أسماء رضي الله عنها - أو كانت [مُحصِية]- قالت:
قلت: يا رسول الله! ما لي مالٌ إلا ما أدخل عليَّ الزبير، فأتصدق؟ قال: ... فذ كره.
قلت: وعباد: هو ابن عبد الله بن الزبير بن العوام؛ ثقة.
ورواه مسلم (3/92 - 93) ، والنسائي في " السنن الكبرى" (9193) ، وأحمد (6/353) ، والبغوي في "شرح السنة " (1654) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/187) من طرق عن ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة به، بلفظ:
"ارضخي ما استطعت، ولا توعي؛ فيوعي الله عليك ".
ورواه البخاري (1434) ، وأحمد (6/354) -؛ ولم يسق المتن - من طريق ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما -:
أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره (1) .
_________
(1) ولكن جعل الجملة الأولى منه ثانية ً والثانية أولى!!(7/1628)
2-وقصَّر أيوب في روايته؛ فرواه عن ابن أبي مليكة عن أسماء؛ دون ذكر عباد:
رواه هكذا الترمذي (1960) ، وأبو داود (1699) ، والنسائي في " الكبرى " (9192) ، وعبد الرزاق (20056) ، وأحمد (6/344 و 354) بلفظ: " أنفقي ولا توكي؛ فيوكى عليك ".
لكن؛ تابعه محمد بن سليمان، وعبد الجبار بن ورد:
رواه أحمد (6/353) عن وكيع عنهما به بلفظ قريب.
3- وله طريق ثالث:
فقد رواه البخاري (1433) عن صدقة بن الفضل: أخبرنا عبدة عن هشام عن فاطمة [بنت المنذر] عن أسماء رضي الله عنها قالت: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"لا توكي؛ فيوكى عليك ".
ثم رواه البخاري - عقبه -، والنسائي في "الكبرى " (9194) من طريقين عن عبدة به، بلفظ: " لا تحصي؛ فيحصي الله عليك ".
ورواه مسلم (3/92) ، وأحمد (6/345 و 346 و 354) ، ومن طريقه: المِزِّي في "تهذيب الكمال " (14/13) ، والطبراني في "الكبير" (24/ رقم: 337 و 338 و 339) ، والبيهقي (4/186 - 187) من طرق عن هشام به بلفظ:
"أنفقي - أو انْضَحِي، أو انفَحِي (1) -، ولا تحصي؛ فيحصيَ الله عليك ".
وهذا لفظ مسلم، وهو في بقية المصادر بنحوه.
_________
(1) وقع في " تهذيب الكمال ": "انفخي "! بالمعجمة!! *(7/1629)
وقد رواه أبو أسامة عن هشام بن عَروة أيضاً على وجه آخر؛ جامعاً بين عباد وفاطمة عن أسماء:
فقد رواه ابن حبان (3209) من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير وفاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر- وكانت إذا أنفقت شيئاً تحصي-؛ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أنفقي ولا تحصي؛ فيحصي الله عليك، ولاتوعي؛ فيوعي الله عليك ".
قلت: أبو أسامة: هو حماد بن أسامة، من رجال الكتب الستة؛ ومع ذلك فقد قال فيه الحافظ في "التقريب ":
" ثقة ثبت، ربما دلّس، وكان بأخرة يُحدّثُ من كتب غيره ".
ورواه أحمد (6/354) - والزيادة له- عن محمد بن بشر عن هشام عن فاطمة عن أسماء مرفوعاً.
4- وقد رواه أحمد (6/346) أيضاً عن محمد بن بشر عن هشام؛ ولكن جعله: عن فاطمة وعبّاد بن حمزة عن أسماء مرفوعاً
ورواه مسلم (3/ 92) ، والنسائي في " الصغرى " (5/73) و" الكبرى " (9195) من طريق أبي معاوية الضرير عن هشام به.
قلت: وعباد هذا: هو ابن حمزة بني عبد الله بن الربير؛ ثقة أيضاً.
وخلاصة الطرق المتقدمة:
أن الحديث مروي عن أسماء، ويرويه عنها:
- عباد بن عبد الله. - فاطمة بنت المنذر.(7/1630)
- عباد بن حمزة.
ثم جاءت روايات على وجه الجمع والتفرد بين هؤلاء- جميعاً-:
عباد بن عبد الله- وحده-، وفاطمة - وحدها -، وعباد بن عبد الله وفاطمة - معاً-، وعباد بن حمزة وفاطمة- معاً -.
وثمة وجه آخر، هو:
- ابن أبي مليكة.
وهو- في الأصل- الراوي عن عباد عن أسماء؛ لكنه- في رواية- رواه عن أسماء مباشرة.
وهذا محتمل، ولعله من المزيد في متصل الأسانيد؛ إذ إن له رواية معروفة عنها.
وعن أسماء- في هذا الحديث- راويان آخران:
5- أبو بكر الحنفي:
يرويه أحمد (6/352) - عنه- عن الضحاك بن عثمان عن وهب بن كيسان - عنها- مر فوعاً.
6- وكيع:
يرويه أحمد (6/353- 354) - عنه- عن أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر- عنها- مرفوعاً.
ثانياً: حديث عائشة:
وهو مروي من طريق ابن أبي مليكة- نفسه -:
رواه أبو داود (1700) ، وأحمد (6/108 و139و160) ، والدولا بي في "الكنى"(7/1631)
(1/ 120) ، وإسحاق في "مسنده " (695 و 696 و 823 و1200) من طرق عن ابن أبي مليكة به مرفوعاً بلفظ:
"أعطي، ولا تحصي؛ فيحصي الله عليك".
وقد كنت خرجته- قديماً- في "صحيح سنن أبي داود" (1491) ، وذكرت له متابعين لرواية ابن أبي مليكة عن عائشة.
فالحديث صحيح- إن شاء الله- عن أسماء، وعن عائشة رضي الله عنهما، وهما أختان. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
3618- (تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر) .
جاء من حديث أبي هريرة، ورواه عنه جماعة:
1- 2- سعيد بن المسيب وأبو سلمة:
رواه البخاريّ (648 و 4717) - عنهما -، ومسلم (2/122) ، والنسائي (1/241) ، وأحمد (2/233) - ثلاثتهم- عن سعيد بن المسيب- وحده- بتمامه.
ورواه أحمد (2/266) عن أبي سلمة- وحده- بتمامه.
وروى القطعة الأولى منه عن سعيد عنه:
مسلم (2/122) ، والترمذي (216) ، مالك (1/150) ، وابن ماجه (787) ، وابن خزيمة في "صحيحه " (1472) ، وابن حبان (2053) ، وابن شيبة (2/ 480) ، والدارمي (1/ 292) ، وأ بو عوانة (2/ 2) ، وأحمد (2/ 264 و 396 و 473) ، والبيهقي(7/1632)
(2/302) ، والبغوي (786) ، والطبراني في " المعجم الصغير" (1099- " الروض النضير") .
وروى القطعة الأولى- أيضاً- عن أبي سلمة عنه:
ابن حبان (2051) ، وعبد الرزاق (2001) ، وأحمد (2/501) ، وابن أبي شيبة (2/480) .
3- أبو صالح:
رواه البخاري (477 و 647 و2119) ، ومسلم (2/128) ، وأبو داود (559) ، والترمذي (603) ، وابن ماجه (786) ، وابن خزيمة (1490) ، وابن حبان (2043) ، وأبوعوا نة (1/388 و 2/ 4) ، وأحمد (2/252 و520) ، والطيالسي (2412 و2414) بالقطعة الأولى منه.
وروى ابن خزيمة (322) ، وابن حبان (2061) ، وأحمد (2/396) من طريق أبي صالح عنه القطعة الثانية منه بأطول منه.
4- سليمان الأغر:
رواه مسلم (2/122) ، وأحمد (2/475 و485) ، وأبو عوا نة (2/2) ، والبيهقي (3/ 61) بالقطعة الأولى أيضاً.
5- أبو الأ حوص:
رواه أحمد (2/328) - بلفظ: "سبعاً وعشرين درجة " -، و (2/ 454) - بلفظ: "سبعاً وعشرين درجة، أو خمساً وعشرين درجة "- بالقطعة الأولى أيضاً.
وقد أشرت في "الروض النضير" (2/469) - قديماً- إلى اضطراب أبي الأحوص(7/1633)
في روايته، مبيناً وجه الصواب في ذلك.
6- الأعرج:
رواه الشافعي في "الأم " (1/137) ، ومن طريقه: البيهقي في "السنن " (3/ 51) بالقطعة الأولى أيضاً.
7- أبوجعفر:
رواه ابن أبي شيبة (2/480) عن خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي جعفر، عن أبي هريرة موقوفاً بالقطعة الأولى أيضاً.
وأبو جعفر: هو المدني؛ ثقة.
ولكن خلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر، كما قال الحافظ في "التقريب "؛ فلعل روايته الحديث موقوفاً- دون جماعة الثقات- من تخاليطه!
وفي الباب- في فضل صلاة الجماعة- عن أبي سعيد الخدري؛ وقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة" (3475) .
وفي اجتماع الملائكة عن أبي هريرة رواية أخرى، وهي مخرجة في "ظلال الجنة" (491) . *
3619- (تقيءُ الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأُسطُوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه، فلا يأخذون منه شيئاً) .
رواه مسلم (3/ 84- 85) ، ومن طريقه: البغوي (4241) ، والترمذي (2208)(7/1634)
عن واصل بن عبد الأعلى وغيره عن ابن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ورواه أبو يعلى (6171) ، وعنه ابن حبان (6697) عن واصل به.
(تنبيه) : لفظ ابن حبان: "في هذأ قُطعتُ"! مُغايراً رواية أبي يعلى شيخه في هذا الحديث- نفسه!! ورواية مسلم والآخرين، ومنهم الترمذي؛ وقال:
"هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". والبغوي وقال:
"هذا حديث صحيح ". *
3620- (ثلاثٌ إذا خرجنَ؛ " لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ": طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) .
رواه مسلم (1/ 95- 96) ، والترمذي (3072) ، وأبو عوانة (1/107) ، وابن أبي شيبة (15/178) ، وأحمد (2/445) ، وأبو يعلى (6170 و 6172) ، وابن منده في "الإيمان " (1023) ، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن " (695) ، والطبري في "تفسيره " (8/76) من طرق عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن صحيح ".
(تنبيه) : وقع في طبعة "المسند"- بدلاً من: "الدجال "-: "الدخان "! ولا أراه إلا تصحيفاً. *(7/1635)
3621- (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظُرُ إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضلِ ماء بالفلاة؛ يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف له بالله: لأَخَذَها بكذا وكذا، فصدّقه، وهو على غير ذلك، ورجلٌ بايع إماماً؛ لا يُبايعُهُ إلا لدنيا؛ فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يَفِ) .
جاء من حديث أبي هريرة، ورواه عنه أبو صالح، وعن أبي صالح- فيه- راويان:
الأول: الأعمش:
رواه البخاري (2358 و 2672 و 7212) ، ومسلم (1/72) - واللفظ له -، والترمذي (1595) ، وأبو داود (3474) ، وابن ماجه (2207 و2870) ، وأحمد (2/253 و480) ، وابن منده في "الإيمان " (622 و625) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3488) ، والبيهقي (5/330) و (8/106) وفي "الأسماء والصفات " (1/353) ، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق " (125) من طرق عنه بلفظ حديث الترجمة.
ورواه مسلم (1/ 72) ، والنسائي في " الصغرى " (7/246- 247) و" الكبرى " (6020) ، وأبو عوانة (1/41) ، وابن منده (623 و 624) ، والبيهقي (10/177) ، من طرق أيضاً عنه باللفظ نفسه؛ إلا أنه قال:
"ورجل حلف لقد أعطي بسلعته أكثرمما أعطي "؛ بدل: "ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا".(7/1636)
الثاني: عمرو بن دينار:
رواه البخاري (2369 و 7446) ، ومسلم (1/72) ، وابن حبان في "صحيحه " (4908 - "الإحسان ") ، وابن منده (626) ، والبيهقي في "السنن " (6/152 و10/177-178) و"الأسماء والصفات " (1/352- 353) ، والبغوي (1669 و 2516) من طرق عنه بلفظ رواية الأعمش الأخرى. وقال البغوي- في الموضعين -:
"هذا حديث صحيح ".
(فائدة) : قال الإمام البغوي في "شرح السنة" (10/143) :
"قيل: إنما خص: "بعد العصر" بالذكر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد عظم شأن هذا الوقت، فقال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) [البقرة: 238] ؛ فروي عن جماعة من الصحابة أن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ويجتمع فيها ملائكة الليل والنهار، وترفع فيها الأعمال التي اكتسبها العبد من أول النهار.
ومما يؤكد تعظيم حرمة هذا الوقت: قول الله سبحانه زتعالى: (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله) [المائدة: 106] قيل: أراد به صلاة العصر. قال الخطابي: ويحتمل أن يقال: إن الغالب من حال التاجر أنه إنما ينفق من ربح ربحه، أو فضل استفضله في بياض نهاره، وقد يتفق أن لا يربح ربحاً؛ وبعد العصر وقت منصرفه، فإذا اتفقت له صفقة بعد العصر؛ حرص على إمضائها باليمين الكاذبة؛ لينفق من الربح، ولا ينصرف من غير زيادة". (تنبيه) : نقل المعلق على "الإحسان " (!) - مقراً- تأويل صفتي الكلام والنظرمن صفات الله تعالى بالرضا والإعراض، ونحو ذلك!!(7/1637)
وهذا من التأويل المذموم؛ المخالف لعقيدة السلف الصالح، والأصل إمرارها على ظاهرها على الوجه اللائق بعظمة الله وجلاله؛ كما في قوله سبحانه: (ليس كمثله شيء وهوالسميع البصيرة) . والموفق هو الله!! *
3622- (ثَمَنُ الكلب خبيثٌ، ومَهرُ البَغِيِّ خبيثٌ، وكسبُ الحَجّام خبيثٌ) .
رواه مسلم (5/ 35) ، وأبو داود (3421) ، والترمذي (1275) ، والنسائي (7/190) ، وابن حبان (5152 و 5153) ، والحاكم (2/42) ، وابن أبي شيبة (6/246 و270) ، والدرامي (2/272) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/129) و"مشكل الآثار" (4650) ، والبيهقي (9/336- 337) ، والطيالسي (966) ، وأحمد (3/ 464 و465و4/141) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (4258 - 4260) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (2/266) من طرق عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "!
ووافقه الذهبي!!
قلت: وهذا وَهَمٌ منهما رحمهما الله؛ فالحديث في "صحيح مسلم " كما ترى.
ورواه مسلم (5/ 35) ، والنسائي (7/190) ، والبيهقي (9/337) ، وأحمد (4/140) ، والطبراني في "الكبير" (4263) وغيرهم من طرق عن السائب بن يزيد عن رافع مرفوعاً بلفظ:(7/1638)
"شر الكسب: مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام ".
وللحديث شاهدعن ابن عباس بنحوه؛ وقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة" (1806) .
(تنبيه) : رويت الفقرة الأولى من الحديث بزيادة في آخرها: ".. وهو أخبث منه "، وهي زيادة لا تصح؛ كما بينت ذلك في "السلسلة" الأخرى (3459) . *
3623- (الجُمعَةُ إلى الجُمُعةِ كفّارةُ ما بينهما؛ ما لم تُغْشَ الكبائر) .
جاء من حديث أبي هريرة؛ ورواه عنه جماعة:
أولاً: عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي:
رواه مسلم (1/ 144) ، والترمذي (214) ، وابن ما جه (1086) - واللفظ له -، وابن خزيمة (314 و1814) ، وابن حبان (1733 و2488) ، وأبو عوانة (2/20) ، وأحمد (2/484) ، والبيهقي (2/467 و10/187) ، والبغوي في "شرح السنة " (345) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/46) من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه.
ثانياً: محمد بن سيرين:
رواه مسلم (1/ 144) ، وأحمد (2/359) ، والبيهقي (2/466) من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه.
ثالثاً: إسحاق مولى زائدة:
رواه مسلم (1/144) ، وأحمد (2/400) ، والبيهقي (10/187) من طريق حميد بن زياد عن عمر بن إسحاق مولى زائدة عن أبيه عنه(7/1639)
رابعاً: الحسن البصري:
رواه الطيالسي (2470) ، وأحمد (2/ 414) ، وابن عبد البر (4/ 49-50) من طرق عن الحسن عنه.
خامساً: عطاء بن أبي مسلم:
رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده " (377) ، ومن طريقه: ابن عدي في "الكامل " (6/2092) عن كلثوم بن محمدعن عطاء عنه.
(تنبيه) : في عدد من المصادر- منها "صحيح مسلم "- زيادات في المتن، منها: "الصلوات الخمس "، ومنها:
" رمضان إلى رمضان ". والله المستعان. *
3624- (الجنّةُ أقربُ إلى أحدِكم من شِراكِ نعلِه، والنّار مثْلُ ذلك) .
رواه البخاري (515 و6488) ، وابن حبان (661) ، وأحمد (1/387 و 413 و442) ، والشاشي في "مسنده " (514 و515) ، والبغوي في "شرح السنة " (4174) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/368) ، وأبو يعلى (5211 و5280) ، والخطيب في "تاريخه " (11/388) ، وأبو نعيم في "الحيلة" (7/125) ، وابن عساكر في "تاريخه " (8/392) من طرق عن شقيق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. *
3937- (اللهمّ! إنِّي أعوذُ بك من البخلِ، وأعوذُ بك من الجُبنِ، وأعوذُ بك أن أردّ إلى أرذلِ العُمُر، وأعوذُ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر) .
أخرجه البخاري (6365 و 6370) ، والنسائي (2/314 و316) ، وأحمد(7/1640)
(1/183و186) ، وأبو بكر البزار في "مسند سعد"، وأبو يعلى في "مسنده " (2/71/716) ، والشاشي في "مسنده " (1/143/79) ، والبيهقي في "عذاب القبر" (113/183) من طرق عن شعبة: حدثنا عبد الملك بن عمير عن مصعب قال: كان سعد يأمر بخمسٍ، ويذكرهن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر بهن ... فذكرهن. وزاد البخاري- بعد قوله: "فتنة الدنيا"-:
يعني: فتنة الدجال.
وقد ذكر الحافظ في "الفتح " (11/179) أنه من تفسير بعض الرواة.
وتابعه جماعة عن عبد الملك بن عمير به.
منهم: عييدة بن حميد في "مصنف ابن أبي شيبة" (3/376 و10/188/9179) ، ومن طريقه: أبو يعلى (2/110/ 771) .
ومن هذا الوجه أخرجه البخاري (6390) بلفظ:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا هؤلاء الكلمات كما تعلم الكتابة.
وكذا رواه ابن حبان في "صحيحه " (2/175/1000) .
ومنهم: أبو عوانة عند البخاري (2822) قال: حدثنا عبد الملك بن عمير: سمعت عمرو بن ميمون الأودي قال: كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله كان يتعوذ منهن دبر الصلاة ... فذكرهن. فحدثت به مصعباً فصدقه.
وأخرجه النسائي (2/314) ، والبيهقي (114/184) .(7/1641)
وتابعه إسرائيل عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد وعمرو بن ميمون الأودي قال: كان سعد ... إلخ.
أخرجه النسائي (2/316) .
وتابعهما شيبان عن عبد الملك بن عميرعنهما به.
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/367/746) ، وابن حبان (2022) . وتابعهم عبيد الله بن عمرو الكوفي عن عبد الملك بن عمير به.
أخرجه النسائي (8/ 266) ، والترمذي (3567) ، وقال:
"هذا حديث حسن صحيح من هذا الوجه ".
ووقع في إسناد النسائي زيادة (إسرائيل) بين (عبد الله) و (عبد الملك) ؛ وهي خطأ.
(تنبيه) : اختلف لفظ شعبة في "مسند الشاشي " في بعض فقراته؛ ومن ذلك أنه وقع مكان: "فتنة الدنيا": "فتنة المسيح الدجال "! وهو خطأ من شيخ الشاشي أبي قلابة عبد الملك بن محمد.
كما أن لفظة: "الدنيا" في الحديث تحرفت عند بعض الحفاظ إلى: "النساء"، وقد بينت ذلك في "الضعيفة" (7050) بما لا تراه في غيره؛ والحمد لله. *
3938- (أقربُ العملِ إلى الله عز وجل: الجهاد في سبيل الله، ولا يقاربه شيء؛ [إلا من كان مثل هذا، وأشار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى قائم لا يفترُ من قيامٍ وصيامٍ] ) .
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/152) من طريق سالم بن غيلان(7/1642)
أنه عرض على يزيد بن أبي حبيب هذا الحديث بـ (عرفة) عن السائب بن مالك أنه سمع فضالة يقول:
أقبل رجل فقال: يا رسول الله! صلى الله عليك، ما أقرب العمل إلى الجهاد؟ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات، وفي سالم بن غيلان كلام لا يضر؛ ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ":
" صدوق ".
وأخرج له ابن حبان في "صحيحه " بعد أن وثقه في "الثقات ". *
3939- (أعطيتُ ما لم يُعْطَ أحدٌ من الأنبياء. فقلنا: يا رسول الله! ماهو؟ قال:
نُصِرْتُ بالرُّعبِ، وأُعطيتُ مفاتيحَ الأرض، وسُمّيتُ أحمدَ، وجُعلَ الترابُ لي طهوراً، وجُعلت أمّتي خير الأمم) .
أخرجه أحمد (1/98) ، والبيهقي في "السنن " (1/213- 214) من طريق زهير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن؛ للخلاف المعروف في ابن عقيل.
ومحمد بن علي: هو ابن الحنفية، ثقة من رجال الشيخين مشهور.
وزهير: هو ابن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني، ولا بأس به في غير(7/1643)
رواية الشاميين عنه، وهذه منها؛ لأنه عند أحمد من رواية عبد الرحمن عنه- وهو ابن مهدي-، وعند البيهقي من رواية يحيى بن أبي بكير، والأول بصري، والآخر يمامي.
ومن طريق هذا: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (11/434/11693) ، والبيهقي في "الدلائل " أيضاً (5/472) ، وعزاه المعلق عليه لـ "مسند أحمد" (1/301) ! والرقم خطأ.
وقد توبع زهير؛ فقال أحمد (1/158) : ثنا أبو سعيد: ثنا سعيد بن سلمة ابن أبي الحسام: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي الأكبر به.
(تنبيه) : من الملاحظ أنه لا اختلاف بين رواية زهير ورواية سعيد بن سلمة، وقد ذكر ابن أبي حاتم في "العلل " (2/399/2705) فرقاً نقلاً عن أبي زرعة؛ وما أظن ذلك صحيحاً، فلعله وقع له خطأ في الرواية. وقد كنت أشرت في "الإرواء" (1/317) إلى هذا الفرق أو الاضطراب معزواً لابن أبي حاتم قبل أن يتيسر لي هذا التحقيق؛ فاقتضى التنبيه.
ثم إن الحديث صحيح؛ فقد جاء أكثر فقراته في أحاديث كثيرة صحيحة، فخرجته في "الإرواء" (1/315-317) .
وفقرة: "وسميت أحمد" يشهد لها أحاديث "أنا محمد، وأحمد ... " الحديث؛ وبعضها مخرج في "الروض النضير" (401 و 1017) . وأكبر من ذلك شهادة القرآن الكريم على لسان عيسى عليه الصلاة والسلام: (ومبشراً برسول الله يأتي من بعدي اسمه أحمد) .
وكذلك فقرة: "خير الأمم " يشهد لها قوله تبارك وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس ... ) الآية.(7/1644)
أما فقرة: "وأعطيت مفاتيح الأرض "؛ فيشهد لها قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم؛ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت بين يدي ".
رواه الشيخان، وابن حبان وغيرهم عن أبي هريرة، وهو مخرج في "التعليقات الحسان " (8/94/6329) . *
3940- (إنّي رأيتُ في منامي؛ كأنّ بني الحكمِ بن أبي العاصِ يَنْزُونَ على منْبري كما تنزُو القردةُ) .
ورد من حديث أبي هريرة، وثوبان، ومرسل سعيد بن المسيب.
1- أما حديث أبي هريرة؛ فيرويه مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. فذكره. قال:
فما رؤي النبي - صلى الله عليه وسلم - مستجمعاً ضاحكاً حتى توفي.
أخرجه الحاكم (4/ 480) ، وقال:
"صحيح على شرط الشيخين "!!
كذا قال! ونحوه قول الذهبي:
"على شرط مسلم "!
وكلاهما مخطئ؛ فإن الزنجي ليس من رجال البخاري ولا مسلم! ثم هو ضعيف لسوء حفظه، قال الحافظ في "التقريب ":
" فقيه، صدوق، كثيرالأوهام ".(7/1645)
ونحوه قول الذهبي في "المغني ":
"صدوق يهم، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وجماعة، وقال البخاري وأبوزرعة: منكر الحديث ".
وغلا ابن الجوزي في "العلل المتناهية " (2/212- 213) ، فأعله أيضاً بـ (العلاء ابن عبد الرحمن) ، فقال:
"قال يحيى: ليس حديثه بحجة، مضطرب الحديث، لم يزل الناس يتقون حديثه "!
وهذا تنطع منه؛ فالرجل ثقة احتج به مسلم، وفيه كلام يسير لا يضره، قال الذهبي في "المغني ":
"صدوق مشهور. قال ابن عدي: ما أرى بحديثه بأساً. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وأنكر من حديثه أشياء".
وقد توبع الزنجي؛ فقال أبو يعلى في "مسنده " (11/348/6461) : حدثنا مصعب بن عبد الله قال: حدثني ابن أبي حازم عن العلاء به.
قلت: وهذا إسناد جيد، مصعب بن عبد الله- وهو الزبيدي- صدوق.
ومن فوقه ثقات من رجال "الصحيح "؛ ولذا قال الهيثمي في "المجمع " (5/244) :
"رواه أبو يعلى، ورجاله رجال "الصحيح "؛ غير مصعب بن عبد الله بن الزبير؛ وهو ثقة".
وأعله ابن الجوزي بعلة غريبة، فقال في راوي "مسند أبي يعلى" أبي عمرو محمد بن أحمد الحِيرِيِّ:
"كان متشيعاً"!(7/1646)
والجواب عليه من وجوه:
الأول: أنني لم أجد- فيما وقفت عليه من المصادر في ترجمته- من رماه بالتشيع.
الثاني: هب أنه كان فيه شيء منه؛ فهو ليس بجرح قادح إذا كان ثقة؛ وهو كذلك؛ فقد وصفه السمعاني في "الأنساب " بأنه كان من الثقات الأثبات.
وذكر ابن العماد في "الشذرات " (3/87) : أنه كان مقرئاً عارفاً، بالعربية، له بصر بالحديث، وقدم في العبادة.
الثالث: أن الحديث عزاه الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" المسندة (2/188/2) لأ بي يعلى أيضاً، وقد ذكر في المقدمة أنه يروي "مسنده " من طريق أبي بكر المقرئ عن أبي يعلى.
وابن المقرئ: ثقة حافظ مأمون، فهو متابع قوي لأ بي عمرو الحيري.
وبذلك يسقط إعلال ابن الجوزي الحديث به.
2- وأما حديث ثوبان , فيرويه يزيد بن ربيعة: ثنا الأشعث عن ثوبان به نحوه.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/92/1425) .
ويزيد هذا متروك.
3- وأما حديث سعيد بن المسيب؛ فيرويه الشاذكوني عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن علي بن زيد عنه ... مرسلاً نحوه.
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/44) .
والشاذكوني كذاب. فالعمدة على حديث أبي هريرة. والله أعلم. *(7/1647)
3941- (إذا مررتُم على أرضٍ قد أهلكت بها أمَّةٌ من الأمم؛ فأغِذُّوا السَّيْر) .
أخرجه أبو الشيخ في "الطبقات " (ق 52/ 1) ، وعنه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/139) : حدثنا سلم بن عصام قال: وجدت في كتاب أبي قال: حدثني جهور بن سفيان الجرموزي قال: حدثني أبي سفيان بن الحارث قال: حدثني أبو غالب عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ سفيان بن الحارث مجهول، أورده ابن أبي حاتم (2/1/221) ، وقال:
"روى عن محمد بن كعب، روى عنه عاصم بن كليب ".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، والظاهر أنه هذا، وعليه؛ كان ينبغي أن يذكر في الرواة عنه ابنه جهوراً، فقد ترجمه بأنه صدوق؛ فلعله لم يقف على هذه الرواية.
ثم رأيته ذكر في ترجمة (الابن) أنه روى عن أبيه.
وقد ذكر ابن حبان الأب في "الثقات " برواية ابنه جهور عنه.
وعصام: هو سلم بن عبد الله بن أبي مريم أبو سلم بن عصام، قال أبو الشيخ: "من أهل المدينة، توفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين، لم يخرج حديثه وتوفي وهو شاب "! ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
والحديث عزاه فى "الجامع الكبير" (1/82/2) للطبراني في "الكبير"؛ وهو فيه (8/333/ 8068 و8069) من طريقين آخرين عن جهور بن سفيان به.
وقال الهيثمي في "المجمع " (10/ 290) :
"رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف".(7/1648)
قلت: والظاهر أنه يشير إلى أبي غالب! والعلة- عندي- جهالة سفيان بن الحارث، كما تقدم.
لكن الحديث له شواهد تقويه، منها حديث ابن عمر في النهي عن الدخول على القوم المعذبين، متفق عليه، وهو مخرج في "فقه السيرة" (ص408) ، و ((الصحيحة " (19) . زاد البخاري في رواية (4419) :
وأسرع السير حتى أجاز الوادي.
ولفظ مسلم (8/221) ، وابن جرير في "التفسير" (14/34) :
ثم زجر (أي: ناقته) ، فأسرع حتى خلفها.
ومنها حديث علي وجابر رضي الله عنهما في إسراعه - صلى الله عليه وسلم - في وادي محسر، ولفظ علي:
ثم أفاض حتى انتهى إلى (وادي محسر) ، فقرع ناقته، فَخبَّت حتى جاز الوادي، فوقف ... الحديث. وهو مخرج في "جلباب المرأة المسلمة " (ص 62) .
وحديث جابر راوه مسلم وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1699) . *
3942- (إذا ظننتُم فلا تُحَقِّقوا.
وإذا حسدتُم فلا تبغُوا.
وإذا تطيَّرتُم فامضوا؛ وعلى الله توكلوا.
وإذا وُزنتُم فأرجحُوا) .
أورده هكذا السيوطي في "الجامع الصغير" و"الكبير" من رواية ابن ماجه عن(7/1649)
جابر! وليس عند ابن ماجه منه إلا الجملة الأخيرة فقط.
وأورده الحافظ في " تسديد القوس " بالطرف الأول، مشيراً إلى تمامه بقوله:
"الحديث. ابن ماجه من رواية محارب عن جابر".
وهذا يوهم أنه عند ابن ماجه بتمامه، وليس كذلك كما تقدم.
وأورده الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (6/125) بتمامه دون الشطر الأخير منه، لكنه لم يقف على إسناده، فقال:
"وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد لا أحفظه في وقتي هذا أنه قال ... " فذكره.
وقد راجعت له "مسند الفردوس " بواسطة "الغرائب الملتقطة " فلم أره فيه؛ والنسخة فيها تشويش وخرم. والله أعلم.
ومع ذلك؛ فإني أميل إلى ثبوت الحديث لشواهده:
فالجملة الأولى والثانية قد رويتا من حديث أبي هريرة في لفظ:
"في المؤمن ثلاث خصال ... ".
رواه جمع منهم أبو الشيخ والبيهقي وغيرهما، وهو مخرج في الكتاب الآخر: "الضعيفة" (4019) .
كما رويتا من حديث حارثة بن النعمان عند الطبراني بلفظ:
"ثلاث لازمات أمتي ... " الحديث وفيه الجملة الثالثة أيضاً نحوه.
وهو مخرج في "غاية المرام " (185/302) ، مع شاهدين مرسلين له، أحدهما من رواية عبد الرزاق، وقد أشار إليه الحافظ في "الفتح " (10/213) بقوله:(7/1650)
"وهذا مرسل أو معضل، وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه البيهقي في "الشعب ".... "؛ يشير إلى حديثه المذكور آنفاً. ثم قال:
"وأخرج ابن عدي بسند لين عن أبي هريرة رفعه: "إذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا " ... ".
ومما يشهد لهذه الجملة الثالثة - سوى ما تقدم-: حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الطيرة شرك، وما منا إلا.. ولكن الله يذهبه بالتوكل ".
رواه أصحاب "السنن " وغيرهم، وصححه جمع، وهو مخرج فيما تقدم برقم (429) ، وفي "غاية المرام " (186/303) .
وأما الجملة الأخيرة: "واذا وزنتم فأرجحوا "؛ فقد تقدم أنه رواه ابن ماجه، وهو في "سننه " (2222) ، وإسناده صحيح على شرط البخاري؛ كما قال البوصيري. وله عنده وغيره من أصحاب "السنن " شاهد من حديث سويد بن قيس مرفوعاً نحوه؛ وصححه الترمذي والحاكم والذهبي؛ وهو كما قالوا.
وقول المعلق على "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 105/ دار الكتاب العربي) : "والحديث لا يصح "!
فهذا جهل ظاهر، ويبدو من تعليقاته أن الرجل لا يحسن شيئاً من هذا العلم! وان مما يؤكد ذلك قوله- تعليقاً على حديث ".. فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بطنه عن حجرين " (ص 223) -:
"لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع " ... "!(7/1651)
قلت: ومع كون هذا التعليق لا صلة له بالمعلق عليه- لأن وضع الحجرين لم يكن اختياراً؛ بخلاف ماعلقه هذا الجاهل كما لا يخفى -؛ فإن هذا القول الذي نسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أصل له! *
3943- (كان يقولُ في دعائِه:
اللهم! إنّي أعوذ بك من جارِ السُّوء في دارِِ المُقامةِ؛ فإنَّ جارَ البادية يتحوّل) .
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (117) ، وابن حبان (2056) ، والطبراني في "الدعاء " (3/1425/1340) ، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (2/62/296) من طريق الحاكم، وهذا في "المستدرك " (1/532) من طريق سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ... الحديث.
ووقع في رواية البخاري في " الأدب ": " الدنيا" مكان: " البادية "! وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر؛ لأن مسلماً إنما أخرج لابن عجلان متابعة، وقال الحافظ:
"اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة ".
فالحديث حسن فقط أو قريب منه؛ لكنه صحيح بما يأتي له من الشواهد.
وقد خالف أبا خالد في متن الحديث: يحيى بن سعيد؛ فقال: حدثنا محمد ابن عجلان به؛ إلا أنه قال:
"تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام ... " الحديث مثله.(7/1652)
أخرجه النسائي (2/319) ، وهذا أصح؛ لأن ابن عجلان قد تابعه عليه عبد الرحمن بن إسحاق القرشي، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقد سبق تخريجه برقم (1443) ، وذكرت له هناك شاهداً من حديث عقبة بن عامر، فلا داعي للإعادة.
والمقصود: أن هذا الشاهد والمتابعة المذكور تؤكد شذوذ رواية سليمان بن حيان بلفظ: "الدنيا"، بل هو باطل؛ كما يدل عليه سياق الأحاديث كلها، فضلاً عن ألفاظها.
وبهذه المناسبة؛ لا بد لي من بيان ما يأتي- دفاعاً عن الحديث النبوي، ورداً على من يتبع هواه فيضعف ما صح منه، ويصحح ما ضعف بل ما هو باطل-، أعني به هنا: الشيخ أحمد الغماري المغربي؛ فإنه تجاهل الشذوذ المشار إليه، بل إنه قلب الأمر فادعى صحته وضعف ما خالفه، وأنه من تصرف الرواة! فقد ذكر في كتابه "المداوي " (1/258) الحديث المعروف بوضعه وبطلانه: " ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين؛ فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء"! فحلا له تصحيحه ولو بقلب الحقائق العلمية! فقد ساق طرقه، وتكلم على بعضها نقلاً عن ابن الجوزي وابن حبان، وأنه باطل موضوع؛ لأن فيه (سليمان بن عيسى السِّجزي) الكذاب، ولكنه سكت عن بعضها مما تعقب به السيوطي ابن الجوزي، وتساهله في ذلك معروف؛ ومنها حديث عليّ الطويل، وفيه:
قيل: يا رسول الله! وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؛ قال: "هل ينفع في الدنيا؛ "، قالوا: نعم. قال: "كذلك ينفع في الآخرة"!
قلت: وهذا أيضاً فيه الكذاب المذكور، والغماري يعلم ذلك من كتابي(7/1653)
"الأحاديث الموضوعة " (613) ، وهو كثير الاستفادة منه؛ ولكن على الصمت! كما يتبين ذلك لمن يقابل تخريجاتي فيه بما يخرجه هو في "المداوي "، فكتم علة هذا الحديث؛ تكثراً وتضليلاً للقراء، وإيهاماً لهم بأنه شاهد معتبر!
ولو فرضنا أنه لم يقف على هذه العلة؛ لم يجزله جعله شاهداً مع جهله حال أحد من رواته؛ كما لا يخفى على أهل العلم.
وإن من دعاويه الباطلة، وتضليله لتلامذته السٌّذَّجِ؛ قوله عقب تلك الأحاديث الباطلة:
"قلت: غفل الحافظ السيوطي رحمه الله عن شاهد صحيح وجدته لهذا الحديث في "الأدب المفرد" للبخاري ... "! فساقه بإسناده، مع رواية الحاكم المخالفة لمتنه؛ وشاهدها المؤيد لها، ورد ذلك كله بشطبة قلم فقال:
"وهو عندي من تصرف الرواة، والصحيح ما رواه البخاري (!) ؛ فإن (دار المقامة) في لسان الشرع هي الآخرة لا الدنيا. وأيضاً لا خصوصية للبادية على الحاضرة في هذا، فالحديث كما عند البخاري (!) يشير إلى سؤال مجاورة الصالحين في الدفن، فيكون شاهداً صحيحاً لحديث الكتاب. والله أعلم "!!
فأقول- وبالله أستعين-:
ما أظن- بعد كل ما تقدم- أن عامة القراء- فضلاً عن خاصتهم- بحاجة إلى مزيد من البيان لبطلان هذا الكلام الذي ختم به الرجل تصحيحه للحديث الباطل بالحديث الشاذ، ومع ذلك فإني أرى أن من الخير رده ببيان ما فيه من الزور والمغالطة، والتقول على الشارع الحكيم، فأقول:
أولاً: قوله: " فإن (دار المقام) في لسان الشارع هي الآخرة لا الدنيا"!(7/1654)
قلت: وهذا كذب وزور، وتقوُّل على الشارع الحكيم بتحميل كلامه ما لا يتحمل؛ فإنه يشير بذلك إلى قوله تعالى في أهل الجنة:
(جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَنَ إن ربنا لغفور شكور. الذي أحلنا دار المُقَامة من فضله لا يمسُّنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لُغُوب) .
فأنت ترى أن (دار المقامة) في الآية أريد بها الجنة؛ لأن من دخلها أقام فيها
ولم يخرج منها ألبتة، بخلاف (النار) فليست كذلك " فإنه يخرج منها الموحدون كما هو معلوم، فوسع ذاك المأفون معنى هذه الكلمة، فقال: هي الآخرة، فدخل فيها النار أيضاً، وهذا باطل بداهة! فعل ذلك ليدخل فيها الحياة البرزخية؛ تمهيداً للاستشهاد بالحديث- مع شذوذه- على صحة الحديث الباطل! وقد أشار إلى هذا المعنى الذي ذكرته الراغب الأصبهاني في كتابه الفذ "المفردات في غريب القرآن " فقال (418/2) :
"و (المقامة) : الإقامة، قال تعالى: (الذي أحلنا دار المقامة من فضله) نحو (دار الخلد) ، و (جنات عدن) ". وقال قتادة في تفسير الآية:
"أقاموا فلا يتحولون ولا يُحَوَّلون " (1) .
فالكلمة معناها لغوي محض في القرآن والحديث، ليس لها معنى خاص في الشرع كما زعم المأفون، فهي تقابل معنى التحول الذي صرح به الحديث في قوله:
"جار البادية يتحول ". ولهذا قال ابن الأثير في "غريب الحديث ":
_________
(1) " الدر المنثور" (5/ 254) . *(7/1655)
"هو الذي يكون في البادية ومسكنه المضارب والخيام، وهو غير مقيم في موضعه، بخلاف جار المقام في المدن ".
ثانياً: قوله: "وأيضاً لا خصوصية للبادية على الحاضرة في هذا"!
قلت: هذه سفسطة ومكابرة ذات قرون؛ من ناحيتين:
الأولى: ضربه للأحاديث الصحيحة- بالحديث الشاذ- المصرحة بالفرق الذي نفاه.
والأخرى: جحده للمعروف عن أهل البادية أنهم لا يستقرون ولا يقيمون في مكان واحد، بل يتنقلون من مكان إلى آخر للماء والمرعى لمواشيهم، حتى إن بعض العلماء لم يوجبوا عليهم الجمعة؛ لأنهم غير مقيمين.
ومما سبق؛ يتبين لكل ذي بصيرة سقوط ما نفاه من الحقائق العلمية في ختام كلامه، وهو قوله: "فالحديث كما عند البخاري يشير إلى سؤال مجاورة الصالحين في الدفن ... "!!
وخلاصة ذلك؛ أن حديث البخاري في "الأدب المفرد" شاذ لا يستحق التحسين فضلاً عن التصحيح؛ وأن الصحيح إنما هو باللفظ المخالف له: "البادية".
3944- (إنِّي لكم فرَطٌ على الحوض، فإيّاي! لا يأتينّ أحدكم فيُذَبَّ عنِّي كما يُذبُّ البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟! فأقول: سُحْقاً) .
أخرجه مسلم (7/67) ، والنسائي في "التفسير- الكبرى" (13/16/18173-تحفة الأشراف) ، وأحمد (6/297) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/297 و413) عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -أنها قالت:(7/1656)
كنت أسمع الناس يذكرون الحوض؛ ولم أسمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
فلما كان يوماً من ذلك والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله يقول:
"أيها الناس! ".
فقلت للجارية: استأخري عني؛ قالت: إنما دعا الرجال، ولم يدعُ النساء! فقلت: إني من الناس! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. والسياق لمسلم؛ ولفظ أحمد:
"أيها الناس! بينما أنا على الحوض؛ جيء بكم زُمراً، فتفرقت بكم الطرق، فناديتكم: ألا هلموا إلى الطريق! فنادى مناد من بعدي: إنهم قد بدلوا بعدك، فقلت: ألا سحقاً! ألا سحقاً! ".
وإسناده جيد على شرط مسلم.
والحديث في "زوائد الجامع للسيوطي " برواية مسلم فقط؛ وقد سبقت الإشارة إليها تحت الحديث (2948) . *
3945- (إنِّي لم أُبعَث لعّاناً، وإنما بعثتُ رحمةً) .
أخرجه مسلم (8/24) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (321) ، وأبو بكر أحمد ابن جرير السَّلَمَاسِيُّ في "حديث أبي علي اللحياني " (ق هـ- 6) من طريق مروان الفزاري عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال:
قيل: يا رسول الله! ادع على المشركين. قال: ... فذكره.
وتابعه هُيَّاج بن بسطام قال: حدثنا يزيد بن كيسان به؛ بتقديم الجملة الأخرى على الأولى.(7/1657)
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/366) في ترجمة (هياج) هذا، وقال:
"ولا يتابع عليه، ولا على شيء من حديثه. والحديث من غير هذا الطريق معروف بإسناد صالح ".
قلت: كأنه يشير إلى ما قبله. والله أعلم.
وللشطر الثاني من الحديث طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ:
"يا أيها الناس! إنما أنا رحمة مهداة".
وقد سبق تخريجه في المجلد الأول برقم (490) .
وللجملة الأولى شاهد من حديث كريز بن أسامة مرفوعاً.
رواه الطبراني بسند ضعيف؛ وقد كنت ذكرته تحت الحديث (3220- "الضعيفة") ؛ لتأكيد أن لفظ أبي بكر السلماسي لحديث الترجمة: "عذاباً" مكان: "لعاناً" شاذ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن غرائب الشيخ الغماري، وإهماله الدفاع عن الحديث الصحيح، بل وموهماً القراء أنه حديث ضعيف بسبب تخصصه في نقد الشيخ المناوي وتتبع زلاته، وبعضها شكلي لا يخرج عن ملخص نقده إياه؛ من ذلك هذا الشاهد، فقد أعله المناوي بالجهالة، غاية الأمر أنه في "الشرح الكبير" نقل عن الهيثمي أن فيه من لم يعرفهم، وفي "الصغير" قال: "فيه مجهول "؛ فتنطع الشيخ الغماري، وسود صفحة كاملة (3/ 30- 31) في نقده، وبيان تناقض المناوي! وأما الحديث فسكت عنه، وأوهم القراء بذلك ضعفه، وكيف لا؛ وهو قد بين أن فيه ثلاثة مجاهيل؟!! فمن الواضح أنه كان عليه من الواجب أن يبين لقرائه أن متن الحديث صحيح لرواية مسلم إياه من طريق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه. فاللهم هداك!! *(7/1658)
3946- (اتقُوا الله، واعدِلُوا بينَ أولادِكم؛ كما تُحبُّون أنْ يَبَرُّوكم) .
ذكره السيوطي في "الجامعين ": "الكبير"، و"الصغير" من رواية الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث النعمان بن بشير، وسكت عنه كغالب عادته، ولم يورده الهيثمي في "مجمعه "؛ لأن أصله في "الصحيحين " وغيرهما " كما يأتي، لكن ليس فيهما جملة (الحب) ، فكان ذلك من الأسباب التي حملتني على إيراده في "ضعيف الجامع " يوم جعلت "الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير" للشيخ النبهاني على قسمين: صحيح وضعيف، والآن وقد تفضل الله تبارك وتعالى علي بشيء من النشاط والقوة على البحث والكتابة في مرضي الذي اقعدني- وأنا في صدد تهذيب "الفتح الكبير"-؛ كان لا بد من تكوين رأي علمي حول هذا الحديث وأمثاله مما كنت بيضت له؛ للسبب المذكور ونحوه مما هو مشروح في مقدمة (القسمين) المشار إليهما، فقد جددت البحث عن الحديث؛ فلم أجده في "معجم الطبراني "؛ لأن المجلد الذي فيه من أول اسمه حرف النون لم يطبع بعد، لكن وفقني الله تعالى، فوجدته في مصدر؛ نادراً ما يرجع الباحثون إليه، ووجدت ما يشهد له ويقويه، فأقول:
أخرجه مسلم الواسطي المعروف بـ (بحشل) في "تاريخ واسط " (224- 225) من طريق علي بن عاصم عن داود بن أبي هند وحصين بن عبد الرحمن وإسماعيل ابن أبي خالد ومطرف وأبي إسحاق الشيباني عن عامر قال؛ سمعت النعمان بن بشير وهو يخطب على المنبر فقال:
تصدق أبي علي بصدقة، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهِِدَ عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى بشير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقال: إني تصدقت على ابني(7/1659)
بصدقة، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال:
"ألك بنون غيره؟ ". قال: نعم. قال:
"فكلهم أعطيت مثلما أعطيت؟ ". قال: لا. قال:
"هذا جور؛ فلا تشهدني عليه، اتقوا الله ... " الحديث.
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير علي بن عاصم، وهو صدوق يخطئ ويصر، كما قال الحافظ.
ولكنه قد توبع، فأخرجه مسلم (5/66-67) ، وأبو داود (3542) ، وابن حبان (5084/الإحسان) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (2/243- 244 و 244) ، والبيهقي (6/177-178و178) ، وأحمد (4/270) من طرق عن داود بن أبي هند عن الشعبي وإسماعيل بن سالم ومجالد- عند أحمد- ثلاثتهم عن الشعبي به نحوه، وفي حديث داود:
ثم قال: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ "، قال: بلى، قال: " فلا إذن ". وذكر مجالد في حديثه:
"إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يَبَرُّوك ".
وأخرجه الطيالسي في "مسنده" (1/107/789) ، ومن طريقه: البيهقي (6/177) : ثنا شعبة عن مجالد به. وقال البيهقي:
"تفرد مجالد بهذه اللفظة".(7/1660)
يعني لفظة: "الحق "، لكن معناها صحيح، يشهد له مجموع روايات الحديث
كما هو ظاهر.
وللطرف الأول من الحديث: (التقوى والعدل) طرق أخرى في "الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجت بعضها في "الإرواء" (6/ 41- 42) . وانما كان المقصود هنا العناية بتخريج الشطر الثاني منه، والتوصل إلى معرفة مرتبته، فقد تبين أنه صحيح، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. *
3947- (سِبَابُ المسلمِ أخاه فسوقٌ، وقتالُهُ كفرٌ، وحُرمَةُ مالِهِ كحُرمة دَمِهِ) .
هو من حديث عبد الله بن مسعود، وله عنه طريقان:
الأولى: عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
أخرجه أحمد (1/416) .
وإبراهيم هذا لين الحديث، لكن يقويه ما يأتي.
ومن طريقه: أخرج جملة الحرمة: أبو نعيم في "الحلية"، وقد خرجتها مع طرق أخرى- يأتي بعضها قريباً- في "غاية المرام " (203-204/345) .
والأخرى: عن ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/197/10316) .
وليث بن أبي سليم ضعيف أيضاً.(7/1661)
ولجملة (الحرمة) طريق ثالث: عند البزار (2/ 134/1372) وغيره عن أبي وائل عنه؛ وقد تكلمت عليها هناك.
ومن هذا الوجه أخرج البخاري (88- فتح) ، ومسلم (1/57-58) ، وأبو عوانة (1/24- 25) وغيرهم من طريقين عن أبي وائل: الجملة الأولى فقط.
ولسائره شاهد قوي من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه ".
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (2450) .
وبذلك صح الحديث بشطريه. والحمد لله رب العالمين. *
3948- (ذمَّةُ المسلمينَ واحدةٌ، فإن جارَت عليهم جائرةٌ؛ فلا تُخفِرُوها؛ فإن لكل غادرٍ لواءً يُعرَفُ به يوم القيامة) .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (ق 202/ 1/ مصورة المكتب) : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم: ثنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي سعد عن عمرو بن مرة عن أبي البختري الطائي عن عائشة قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أبي سعد؛ فلم أعرفه.
وأما الهيثمي؛ فكأنه عرفه؛ فقد قال (5/329) :
"رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن أسعد، وثقه ابن حبان، وضعفه أبو زرعة، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ".
ثم قال في الصفحة التالية وقد ذكره عنها بلفظ آخر:(7/1662)
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وأبو يعلى باختصار، ورجاله ثقات، وإسناد الطبراني ضعيف ".
والحديث أخرجه الحاكم (2/ 141) من طريق محبوب بن موسى: ثنا أبو إسحاق الفزاري عن عمرو بن مرة به!
كذا قال؛ لم يذكر في إسناده: (عن أبي سعد) ! وقال:
"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي!
ثم بدا لي أمران:
أحدهما: أني لم أجد من كنى (محمد بن أسعد) بـ (أبي سعد) ؛ وإنما كنوه بـ (أبي سعيد) ، مثل ابن أبي حاتم في "الجرح " (3/1/208) ، والدولابي في "الكنى" وغيرهما؛ ولم يذكر ابن أبي حاتم في شيوخه (عمرو بن مرة) ، وفي الرواة عنه (أبو إسحاق الفزاري) !
والآخر: أني وقفت بعد زمن على إسناد الطبراني في "المعجم الأوسط "؛ فإذا هو فيه (6/5/5628) من طريق أبي سعيد البقال، يرويه ضرار بن صرد أبو نعيم قال: نا علي بن هاشم بن البريد عنه عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عنها مرفوعاً بلفظ:
"لكل غادر لواء يوم القيامة، ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، من أخفر مسلماً؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل".
فألقي في البال أن (أبا سعد) في الطريق الأولى؛ لعله (أبو سعد البقال)(7/1663)
لاتحاد شيخهما، لكن ضرار بن صرد ضعيف لا يحتج به، بل هو متروك متهم. والله أعلم.
وعلى كل حال؛ فقد قررت نقل الحديث إلى هذه "السلسلة الصحيحة" لشواهده الكثيرة.
فالجملة الأولى في ذمة المسلمين؛ لها شواهد كثيرة، منها حديث علي:
" المدينة حرم.. " وفيه:
"وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً".
رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء " (1058) .
وجملة الغدر؛ جاءت بنصها عن جمع من الصحابة، وهو مخرج فيما تقدم برقم (1690) . *
3949- (إن لي حوضاً ما بينَ الكعبةِ وبيتِ المقدِسِ، أبيضَ مثلَ اللّبن؛ آنِيَتُةُ عدَدَ النُّجُومِ، وإني لأكثرُ الأنبياءِ تبعاً يومَ القيامةِ) .
أخرجه ابن ماجه (4301) من طريق عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل عطية- وهو العوفي- فإنه ضعيف ومدلس.
لكن للحديث شواهد تدل على أنه صحيح، قد أخرج الكثير الطيب منها ابن أبي عاصم في "السنة"؛ فانظر الأحاديث (718 و 9 71 و 723- بتحقيقي) . *(7/1664)
3950- (إن أربى الربِّا: استطالةُ المرءِ في عرضِ أخيهِ) .
رواه البزار (3569) ، وابن عدي (311/2) ، والبيهقي في "الشعب " (2/309/1) ، وأبو بكر الشيرازي في "سبعة مجالس من الأمالي " (7/2) عن النعمان بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال: قال أبو علي الحافظ:
"لم يقل أحد: عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة إلا النعمان "! وقال ابن عدي:
"وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات "!
كذا قال! وهو مختلف فيه، وأخرج له مسلم، وأقرب ما قيل فيه قول النسائي: "صدوق، فيه ضعف ".
ولذلك قال في "التقريب ":
"صدوق سيئ الحفظ ".
وقال البزار عقبه:
"لا نعلم رواه عن الزهري إلا النعمان، وحدث عمه جماعة جملة، منهم ابن جريج، وجرير بن حازم، ووهيب بن خالد".
قلت: وقد روي من وجوه أخرى عن أبي هريرة:
الأول: عن عبد الله بن سعيد المَقْبرِيِّ عن أبيه (وفي رواية: عن جده) عنه.
أخرجه البزار (3570) ، وابن أبي الدنيا في "الصمت " (رقم 173) ،(7/1665)
والأصبهاني في"الترغيب" (2/579/1382- طبعة فدا) . قال البيهقي (2/140/1) :
"وعبد الله ضعيف ".
قلت: بل هو متروك، وعليه؛ فقول المنذري في"الترغيب" (3/296) :
"رواه البزار بإسنادين أحدهما قوي "!
فليس بالمسلَّم! ومثله قول الهيثمي (8/92) :
"رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما رجال "الصحيح "؛ غير محمد بن أبي نعيم، وهو ثقة، وفيه ضعف "!
وهما يعنيان إسناد النعمان بن راشد، وقد أغمضا أعينهما عن الكلام الذي فيه مما أشرت إليه آنفاً
الثاني: عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.
أخرجه البيهقي (2/430/1) من طريقين عنه، وضعفهما.
الثالث: عن جعفر بن محمد بن الحسن: ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن يحيى بن النضر عنه.
قلت: وهذا إسناد جيد؛ لولا أني لم أجد لجعفر هذا ترجمة.
وسائر رواته ثقات، وقتيبة ممن سمع من ابن لهيعة قديماً قبل احتراق كتبه.
ثم تبينت أن جعفراً هذا: هو أبو بكر الفريابي، وهو ثقة حافظ مأمون، مترجم في "تاريخ بغداد" (7/199-203) ، و"تذكرة الحفاظ "، فصح الحديث والحمد لله.(7/1666)
وله شاهد من حديث سعيد بن زيد: عند أحمد (1/190) ، والبيهقي في "الشعب " (5/297/6710) بسند صحيح.
الرابع: عن زهير بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه بلفظ:
"من الكبائر: استطالة الرجل في عرض رجل مسلم، ومن الكبائر: السَّبَّتان بالسبة".
أخرجه ابن أبي الدنيا (727) ، وكذا أبو داود (4877) .
ورجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ غير أن زهيراً هذا ضعيف في رواية الشاميين عنه، وهذه منها، فهي صالحة في المتابعات.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح بهذه الطرق، وبما له من الشواهد، فأذكر ما تيسر لي منها:
الأول: عن سعيد بن زيد عن النبي- صلى الله عليه وسلم -قال:
"إن من أكبر الكبائر: استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق، ومن الكبائر: السَّبَّتان بالسبة ".
أخرجه أبو داود (4876) ، والبيهقي (2/301/1) ، وأحمد (1/ 190) .
قلت: وإسناده صحيح.
الثاني: عن قيس بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال:
"إن أربى الربا: أن يستطيل الرجل في شتم أخيه، وإن أكبر الكبائر: أن يشتم الرجل والديه "؛ قالوا: وكيف يشتمهما يا رسول الله؟! قال: "يشتم الرجل فيشتمهما".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/353/899) من طريق طاهر بن(7/1667)
خالد بن نزار، حدثني أبي: ثنا سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن أبيه عنه.
قال الهيثمي في "المجمع " (8/73) :
"رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح "؛ غير طاهر بن خالد بن نزار، وهو ثقة، وفيه لين "!
كذا قال! وفاته أن أباه خالد بن نزار ليس من رجال "الصحيح "، ثم هو صدوق يخطئ كما في "التقريب ".
ولكن حديثه هذا صحيح بلا ريب؛ فإن شطره الأول يشهد له ما قبله، وشطره الآخر يشهد له حديث ابن عمرو في "الصحيحين " نحوه، ولفظ مسلم (1/ 64- 65) إليه أقرب.
وقد خالفه في الشطر الأول: إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، في إسناده ومتنه، فقال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره مرسلاً بلفظ:
"أربى الربا: تفضيل المرء على أخيه بالشتم ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت " (174) عنه.
وإسناده صحيح؛ لولا أنه مرسل.
الثالث: عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه:
"أخبروني بأربى الربا؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم! قال؛
"فإن أربى الربى عند الله عز وجل: استحلال عرض المسلم "، ثم قرأ: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) .(7/1668)
أخرجه أبو يعلى (1) ، والبيهقي وغيرهما بسند ضعيف. وقول المنذري- ثم الهيثمي-:
"رواته رواة (الصحيح) "!
من أوهامهما؛ كما بينته في "غاية المرام " (438) ؛ فليراجعه من شاء التفصيل.
3951- (أَتاني رجُلان، فأَخذاَ بضَبعَيَّ، فأَتيَا بي جَبَلاً وعراً، فقالا: اصعد. فقلتُ: إنِّي لا أُطِيقُه. فقالا: إنّا سنُسهّله لك. فصعِدتُ حتّى إذا كنتُ في سَواءِ الجبَل؛ إذا أنا بأصواتٍ شديدةٍ، قلتُ: ما هذه الأصواتُ؟ قالوا: هذا عُواء أهلِ النّارِ
ثم انطلقَا بي؛ فإذا أنا بقوم معلَّّقينَ بعَراقِيبهم، مشقّقة أشداقُهم، تسيلُ أشداقُهم دماً، قال، قلتُ: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومِهم. فقال: خابتِ اليهودُ والنّصارى- فقال سليمان (2) : ماأدري أسمعه أبو أمامة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أم شيءٌ من رأيه؟! -.
ثمّ انطلقا [بي] ؛فإذا بقومٍ أشدَّ شيءٍ انتفاخاً، وأنتنِهِ ريحاً، وأسودِهِ منطَراً، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: هؤلاءِ قتلَى الكفار.
ثم انطلقا بي، فإذا بقوم أشدَّ شيءٍ انتفاخاً، وأنتنِهِ ريحاً، كأن ريحَهم المراحيضُ، قلتُ: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزّانُون والزّواني.
_________
(1) وتحرّف في "مطبوعته " (8/ 145) إلى: "أزنى الزِّنى"!! *
(2) هو: ابن عامر أبو يحيى الراوي عن أبي أمامة رضي الله عنه.
*(7/1669)
ثم انطلقا بي؛ فإذا أنا بنساء تنهشُ ثُديَّهنَّ الحيّاتُ. قلتُ: ما بالُ هؤلاء؟! قال: هؤلاءِ اللاتي يمنعنَ أولادَهنّ ألبانَهُنَّ.
ثم انطلقا بي؛ فإذا أنا بغِلمانٍ يلعبونَ بين نهرَينِ، قلتُ: من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء ذراري المؤمنينَ.
ثم أشرفا بي شرفاً؛ فإذا أنا بنفرٍ ثلاثة يشربونَ من خمر لهم، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جعفرٌ وزيدٌ وابنُ رواحةَ.
ثم أشرفا بي شرفاً آخر؛ فإذا أنا بنفر ثلاثة، قلت: من هؤلاء؟ قال: هذا إبراهيمُ ومُوسَى وعيسَى، وهم ينتظرونَكَ) .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (4/2/246/3286) - مختصراً-، وابن خزيمة في "صحيحه " (3/237/1986) ، وعنه ابن حبان في "الموارد" (445/1800) ، والحاكم (1/430و2/209) ، وعنه البيهقي (4/266) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7667) ، والأصبهاني في "الترغيب " (2/608-609) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سليم بن عامر أبي يحيى: حدثني أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. والسياق لابن خزيمة وغيره؛ مع تصحيح بعض الأخطاء وقعت فيه. وقال الحاكم:
"صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
ومن هذه الطريق ذكره الحافظ ابن كثير في "تاريخه " من طريق أبي زرعة؛ وهو- كما قال ابن كثير-:
"الإمام العالم الحافظ أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي نضر الله وجهه؛ في كتابه "دلائل النبوة"، وهو كتاب جليل ".(7/1670)
ولم يعزه إلى غيره، ومنه صححت بعض الأخطاء.
وقد تابع ابن جابر: معاوية بن صالح عن سليم بن عامر به.
أخرجه الطبراني برقم (7666) . وأورد الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب " (2/74/2) إلى قوله: "قبل تحلة صومهم "، وقال:
"الحديث رواه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما" ... "!
قلت: فقصر؛ لأنه لم يعزه إلى الحاكم بل ولا النسائي، وقد روى منه جملة المفطرين؛ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
وإن مما يحسن التنبيه عليه: أن الشيخ النابلسي في كتابه "الذخائر" (3/135) عزاه للنسائي في (الصوم) ، وليس هو عنده في "سننه الصغرى"، كما هو اصطلاح النابلسي في "ذخائره "؛ فقد خالف بذلك شرطه الذي نص عليه في المقدمة " أنه لا يخرج للنسائي إلا من "سننه الصغرى".
ثم رأيت الحافظ الناجي في "عجالة الإملاء" (ق/124/2) تعجب من المؤلف لعزوه الحديث لابن خزيمة وابن حبان؛ قال:
"مع كونه في "النسائي الكبير"! ".
(تنبيه) : قلت في تعليقي على "صحيح موارد الظمآن " ما نصه:
"أقول: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمداً قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلاً؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة"،
وذكرت هناك ما مفاده أن من شؤم الاعتماد على المؤذنين الذين يؤذنون على التوقيت الفلكي المذكور في (الروزنامات) ؛ أن بعض الناس سيفطر قبل الوقت؛(7/1671)
فإن بعضهم يؤذن قبل الوقت، وبعضهم بعد الوقت، وهذا أمر شاهدناه بأعيننا، وسمعناه بآذاننا، فعلى المسلمين أن يحافظوا على الأذان الشرعي الذي يختلف وقته من بلد إلى بلد آخر، وأن يؤدوا العبادات في مواقيتها الشرعية!.
3952- (تَرِدُ عليَّ أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه؛ كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله! أتعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون علي غراً محجلين من آثار الوضوء.
وليصدن عني طائفة منكم، فلا يَصِلُون، فأقول: يا رب! هؤلاء من أصحابي؟!
فيجيبني ملكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟!) .
قلت: هذا حديث صحيح من رواية أبي هريرة- رضي الله عنه-، وله عنه طرق وألفاظ، بعضها مطول كهذا، وبعضها مختصر، وإليك البيان:
الطريق الأولى: عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعاً به.
أخرجه مسلم (1/150) - والسياق له-، وأبو عوانة (1/137) ، والبيهقي في "البعث والنشور" (102/158) .
الثانية: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يحدث- وفي رواية عن ابن المسيب أنه كان يحدث- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال:
"يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيُجْلَوْن عن الحوض، فأقول: يا رب! أصحابي؟! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك؛ إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ".(7/1672)
الثالثة: عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً نحو حديث الترجمة؛ وفي آخره:
"ألا ليُذَادَنَّ رجال عن حوضي؛ كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلمَّّ! فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً! ".
أخرجه مسلم (1/ 150-151) ، وأبو عوانة (1/138) ، والبيهقي (161) ، وأحمد (2/300و408) .
الرابعة: عن محمد بن زياد: سمدت أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال:
"والذي نفسي بيده! لأذودن رجالاً عن حوضي؛ كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض ".
أخرجه البخاري (2367) - وهذا لفظه-، ومسلم (7/70) ، والبيهقي (165) ، والبغوي في "شرح السنة " (15/172/4345) ، وأحمد (2/298و454) . وقال البغوي:
"هذا حديث متفق على صحته ".
الخامسة: عن عبيد الله بن أبي رافع عنه مرفوعاً مختصراً جداً.
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (769) .
السادسة: عن الوليد بن رباح عنه مرفوعاً مختصراً أيضاً.
أخرجه ابن أبي عاصم (775) .
وللحديث شواهد كثيرة، استوعب طائفة طيبة منها البخاري، وابن أبي عاصم، والبيهقي، وغيرهم بألفاظ مختلفة؛ منها المطول، ومنها المختصر. *(7/1673)
3953- (لا تحلفُوا بآبائِكم (وفي رواية: بغيرِ الله) ، وإذا خلوتُم؛ فلا تستقبلُوا القِبلةَ ولا تستدبرُوها، ولا تستنجُوا بعظمٍ ولا بِبَعرٍ) .
أخرجه الحاكم في "المستدرك " (3/412) - والسياق له-، وأحمد (3/487) - والرواية الأخرى له- كلاهما من طريق ابن جريج: أخبرني عبد الكريم بن أبي المخارق عن الوليد بن مالك- رجل من عبد القيس- عن محمد بن قيس- مولى سهل بن حنيف- عن سهل بن حنيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثه قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"أنت رسولي إلى مكة؛ فأقرئهم مني لهم السلام، وقل لهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يأمركم بثلاث: ... " فذكر الحديث.
رواه الدارمي (1/172) مختصراً، لم يذكر من الثلاث إلا الجملة الأخيرة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل:
الأولى: عبد الكريم بن أبي المخارق؛ فإنه ضعيف، كما قال الحافظ في "التقريب ".
الثانية: الوليد بن مالك- وهو ابن عباد بن حنيف الأنصاري-، لم يذكروا عنه راوياً غير عبد الكريم بن أبي المخارق؛ ولذلك قال عنه الحسيني:
"مجهول، غير مشهور".
وأقره الحافظ في "تعجيل المنفعة" (432/1155) . والعجب من ابن حبان؛ فإنه ذكره في "الثقات " (7/552) من رواية عبد الكريم هذا عنه، وقد قال في ترجمة عبد الكريم من "ضعفائه ":(7/1674)
"كان كثير الوهم، فاحش الخطأ ... ".
فكان الأحرى به أن يلحق الشيخ بالراوي عنه في "الضعفاء".
والوليد هذا: هو غير ابن أبي مالك الهمداني الدمشقي، وهذا ثقة، ونبهت على هذا؛ لأن المترجم وقع في "المستدرك "، و"تلخيصه ":
"الوليد بن أبي مالك "، فخشيت أن يلتبس بالمترجم.
الثالثة: محمد بن قيس مولى سهل؛ فإنه مجهول أيضاً؛ لأنه لم يرو عنه إلا الوليد المجهول كما تقدم بيانه.
وأما ما وقع في "الجرح والتعديل " (4/1/62) أنه روى عنه أيضاً عبد الكريم ابن أبي المخارق؛ فهو وهم، تبعه عليه الحسيني في كتابه، تعقبه عليه الحافظ ابن حجر في "التعجيل " (375/969) بقوله:
"وانما روى عبد الكريم عنه بواسطة الوليد، كذا هو عند أحمد من طريق ابن جريج ... فذكر الحديث ".
وكذلك ذكره البخاري في كتابه، وابن حبان في "ثقاته " (5/373) برواية الوليد بن مالك فقط.
واذا عرفت هذا؛ تبين لك خطأ ابن حبان أيضاً في ذكر محمد بن قيس هذا
في "الثقات "؛ لأنه برواية مجهول عنه.
ومع هذا الضعف الظاهر في إسناد الحديث؛ فقد بيض له الحاكم، وتبعه الذهبي، ثم ابن الملقن في كتابه "مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحاكم "، فلم يذكره فيه إطلاقاً!(7/1675)
وفي ظني أنهم أشاروا بذلك إلى أمرين اثنين: وضوح ضعف إسناده، والآخر صحة متنه، وهذا أمر لا يخفى على كل متشبع بالمعرفة بالسنة المحمدية؛ فإن الجمل الثلاث قد جاءت مفرقة في أحاديث عدة:
1- أما قوله: "لا تحلفوا بآبائكم "؛ فأخرجه البخاري، ومسلم في "صحيحيهما" من حديث ابن عمر، وهو مخرج في "الإرواء" (2560) ، وصح من حديث أبي هريرة أيضاً وغيره بزيادة في متنه، وهو مخرج في "المشكاة" (3418/ التحقيق الثاني) .
2- وأما جملة النهي عن الاستقبال والاستدبار؛ ففيه أحاديث؛ أصحها حديث أبي أيوب الأنصاري، بلفظ:
"إذا أتيتم الغائط؛ فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا".
رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " برقم (60) .
3- وأما الجملة الأخيرة؛ فلها شاهد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتمسح بعظم أو بعر.
رواه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (29) . وله شاهد من حديث ابن مسعود مرفوعاً بزيادة:
"فإنه زاد إخوانكم من الجن ".
أخرجه مسلم، وأبو عوانة أيضاً، لكن في متنه اختلاف واضطراب كثير، كنت من أجله خرجته في "الأحاديث الضعيفة" برقم (1038) ، فراجعه إن شئت.
هذا، ولقد كان من دواعي تخريج حديث الترجمة بهذا التحقيق الذي رأيته:(7/1676)
أن أخانا الفاضل (أبا إسحاق الحويني) سئل في فصله الخاص الذي تنشره له مجلة (التوحيد) الغراء في كل عدد من أعدادها، فسئل- حفظه الله وزاده علماً وفضلاً- عن هذا الحديث في العدد (الثالث- ربيع أول- 1419) ؟ فضعفه، وبين ذلك ملتزماً علم الحديث وما قاله العلماء في رواة إسناده، فأحسن في ذلك أحسن البيان، جزاه الله خيراً، لكني كنت أود وأتمنى له أن يُتْبِعَ ذلك ببيان أن الحديث بأطرافه الثلاثة صحيح؛ حتى لا يتوهمن أحد من قراء فصله أن الحديث ضعيف مطلقاً سنداً ومتناً، كما يشعر بذلك سكوته عن البيان المشار إليه. أقول هذا؛ مع أنني أعترف له بالفضل في هذا العلم، وبأنه يفعل هذا الذي تمنيته له في كثير من الأحاديث التي يتكلم على أسانيدها، ويبين ضعفها، فيتبع ذلك ببيان الشواهد التي تقوي الحديث، لكن الأمر- كما قيل-: كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه. *
3954- (دخل النبي- صلى الله عليه وسلم - نخلاً لبني النّجار، فسمع أصوات رجالٍ من بني النجار ماتوا في الجاهلية، يعذَّبُون في قبورهم؛ فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَزِعاً، فأمر أصحابه أن يتعوذوا من عذاب القبر) .
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (3/584/6742) ، ومن طريقه: الإمام أحمد في "المسند" (3/295- 296) ، وكذا في كتاب "السنة" له (2/601/1432) من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ كما قال الحافظ في "فتح الباري " (1/321) ؛ يرد به على من اعتمد على رواية ابن لهيعة بلفظ:
"فسمعهم يعذبون في القبور بالنميمة"، وهو حديث منكر؛ كما بينته في
" الضعيفة " برقم (6946) .(7/1677)
وقد تابع ابن جريج: سفيان- وهو الثوري-: عند ابن أبي داود في "البعث " (42/13) ، وموسى بن عقبة: عند البزار في "كشف الأستار" (1/412/871) كلاهما عن أبي الزبير عن جابر به.
ومن الغرائب: أن ابن لهيعة وافقهم جميعاً إسناداً ومتناً في رواية خرجها الشجري في "الأمالي "؛ كما ذكرت هناك في "الضعيفة ".
ثم إن أبا الزبير قد خالفه أبو سفيان، فقال: عن جابر عن أم مبشِّر قالت: ... فذكرت الحديث.
أخرجه ابن حبان وغيره، وسبق تخريجه برقم (1444) ، وهو مخرج أيضاً في " الظلال " برقم (875) . *
3955- (أتمّوا الصفوف (وفي رواية: استوُوا، استوُوا) [وتراصُّوا] ؛ فإني أراكم خلفَ ظهري [كما أراكم من بين يديَّ] ) .
أخرجه مسلم (2/ 30- 31) ، وأبو عوانة (2/43) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس مرفوعاً مختصراً دون الزيادات.
وأخرجه أبو عوانة أيضاً، وابن حبان برقم (2170) ، وأحمد (3/183و263) من طريق حميد عن أنس قال:
أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه حين قام إلى الصلاة قبل أن يكبر، فقال: ... فذكر الحديث، وفيه الزيادة الأولى.
وتابعه ثابت عن أنس بالرواية الثانية، والزيادة الأخيرة.
أخرجه أبو عوانة، وأحمد (3/268) .(7/1678)
وقد مضى حديث حميد برواية البخاري بزيادة هامة في آخره في لصق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم من الصحابة؛ تجاوباً منهم مع أمر الرسول عليه السلام بالتراص، فراجعه برقم (31) . *
3956- (أُتيتُ بالبُراقِ، وهو دابةٌ أبيضُ طويلٌ، فوقَ الحمارِ ودونَ البغلِ، يضعُ حافرَه عند منتهى طرفهِ، قال: فركبتُه حتى أتيتُ بيت المقدس، قال: فربطتُه بالحلقة التي يربطُ بها الأنبياءًُ، قال: ثم دخلت المسجد فصلّيتُ فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السّلامُ بإناءٍ من خمرٍ، وإناءٍ من لبنٍ؛ فاخترتُ اللبن، فقال جبريل عليه السلام: اخترتَ الفِطرةَ
ثم عُرجَ بنا إلى السّماءِ، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمدٌ. قيل: وقد بُعثَ إليه؟ قال: قد بُعثَ إليهِ، ففُتحَ لنا؛ فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخيرٍ.
ثم عُرجَ بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: جبريلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قيل: وقد(7/1679)
بُعثَ إليه؟ قال: قد بُعثَ إليهِ، ففتحَ لنا؛ فإذا أنا بابني الخالةِ: عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما، فرحّبا ودعَوا لي بخير.
ثمَّ عُرجَ بي إلى السّماءِ الثالثة، فاستفتحَ جبريلُ، فقيل: من أنت؟ قال: جبريلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد - صلى الله عليه وسلم -. قيل: وقد
بُعثَ إليه؟ قال: قد بُعثَ إليه. ففتح لنا؛ فإذا أنا بيوسف- صلى الله عليه وسلم -؛ إذا هو قد أُعطيَ شطرَ الحُسنِ، فرحَّب ودعا لي بخير.
ثم عُرجَ بنا إلى السماء الرّابعةِ، فاستفتح جبريل عليه السلام. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قال: وقد بُعثَ إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففُتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحّب ودعا لي بخير، قال الله عز وجل: (ورفعناه مكاناً علياً) .
ثم عُرج بنا إلى السماءِ الخامسة، فاستفتح جبريل. قيل: من هذا؟ فقال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بهارون- صلى الله عليه وسلم -، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا؛ فإذا أنا بموسى - صلى الله عليه وسلم -، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد - صلى الله عليه وسلم -. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا؛ فإذا أنا بإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخلُه كلَّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه
ثم ذهب بي إلى السِّدرةِ المنتهى، وإذا ورقُها كآذان الفِيَلةِ، وإذا(7/1680)
ثَمَرُها كالقِلالِ، قال: فلما غَشِيَها من أمرِ اللهِ ما غَشِي؛ تغيرت، فما أحدٌ من خلقِ اللهِ يستطيعُ أن ينعتها؛ من حُسنها.
فأوحى الله إليّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلتُ إلى موسى- صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما فرضَ ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربِّك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا يُطيقون ذلك؛ فإني قد بلوتُ بني إسرائيل وخَبَرتهم.
قال: فرجعتُ إلى ربِّي، فقلت: يا رب! خفّف على أمتي، فحَطَّ عني خمساً، فرجعتُ إلى موسى، فقلتُ: حطّ عني خمساً. قال: إنَّ أمتك لا يطيقون ذلك؛ فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام؛ حتى قال: يا محمد! إنَّهن خمسُ صلوات كل يوم وليلة، لكلِّ صلاة عشر؛ فذلك خمسون صلاة.
ومن همّ بحسنة فلم يعملها؛ كُتبت له حسنة، فإنْ عملها كُتبت له عشراً، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها؛ لم تكتب شيئاً، فإن عملها كُتبت سيئة واحدة.
قال: فنزلتُ حتى انتهيت إلى موسى- صلى الله عليه وسلم -فأخبرتُه، فقال: ارجع إلى ربِّك فاسأله التخفيف. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه) .
أخرجه مسلم (1/99-101) ، وأبو عوانة (1/126-128) ، وأحمد (3/148) ،(7/1681)
من طريق حماد بن سلمة: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره بطوله.
وبإسناد مسلم المتقدم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"أُتيت، فانطلقوا بي إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أنزلت ... ".
وتابعه شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد الكعبة:
أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام ... وساق الحديث بقصته، نحو حديث ثابت البناني؛ وقدم فيه شيئاً وأخر، وزاد ونقص.
أخرجه البخاري (3570) ، ومسلم، وأبو عوانة (1/125-126و135-137) ولكنه لم يذكر: "وهو نائم " " إشارة منه إلى نكارة هذه الزيادة، وهي تنافي كل أحاديث الإسراء والمعراج التي تدل أنهما كانا يقظة لا مناماً، ولذلك عدهما العلماء من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - التي فضله الله بها على سائر خلقه.
وإن مما يؤكد ذلك؛ رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال:
"بينما أنا بين النائم واليقظان؛ إذ سمعت قائلاً يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين، فأُتيت بطست ملئ حكمة وإيماناً، فشق من النحر إلى مَراقِّ البطن، ثم أخرج القلب؛ فغسل بماء زمزم، وملئ حكمة وإيماناً.
وأتيت بدابة- دون البغل وفوق الحمار- أبيض، يقال له: البراق ... " وذكر الحديث.(7/1682)
أخرجه البخاري (3207) ، ومسلم (1/103-104) ، وأبو عوانة (1/116) - والسياق له-.
وصرح قتادة بالتحديث عند البخاري، وهو صريح في أنه لم يكن نائماً، وإنما كان بين النائم واليقظان حينما جاءه ثلاثة النفر، وشقوا بطنه- صلى الله عليه وسلم -. *
3957- (آمُركُم بأربعٍ، وأنهاكُم عن أربعٍ:
الإيمان بالله، ثمّ فسّرها لهم، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله- وعقدَ واحدةً-، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وأن تؤدُّوا خُمُسَ ما غنمتُم، وأنهاكُم عن الدُّبّاء، والحنتََم، والنَّقِير، والمقيَّر) .
أخرجه البخاري (1/129/53- "فتح الباري ") ، ومسلم (1/35) ، وأبو داود (4/94/ 3692) ، والترمذي (2611) ، والنسائي (2/272) ، والبيهقي في "السنن " (6/294-295و303) وفي "شعب الإيمان " (1/ 50- 51) وفي "دلائل النبوة" (3/323-324) كلهم من طريق أبي جمرة عن ابن عباس قال:
قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله! إنا- هذا الحي-: من ربيعة، وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر، فلا نخلص إليك إلا في شهر الحرام، فمُرنا بأمر نعمل به، وندعو إليه من وراءنا؟ قال: ... فذكره.
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري بنحوه.
أخرجه مسلم (1/36) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/326) ، وأحمد (3/22/23) . *(7/1683)
3958- (أحياناً يأتينِي في مثل صَلصلَةِ الجَرَسِ، وهو أشدُّه عليَّ، ثمّ يَفصِمُ عنِّي وقد وَعَيتُه، وأحياناً ملَكٌ في مثلِ صُورِة الرّجُلِ، فأَعِي ما يقولُ) .
أخرجه البخاري برقم (2، 3215) ، ومالك في "الموطأ" (1/206-207) ، والترمذي (9/252-253) - وقال: "حديث حسن صحيح "-، والنسائي (1/147-148) ، وابن حبان في "صحيحه " (1/123-124/38) ، والبيهقي في "السنن " (7/152-153) ، والبغوي في "شرح السنة " (13/321-322/3737) ، وأحمد (6/158و163و256-257) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/293-294/3343و3344) كلهم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة:
أن الحارث بن هشام سأل النبي- صلى الله عليه وسلم -: كيف يأتيك الوحي؟ فقال: ... فذكره. وقال البغوي:
"هذا حديث متفق على صحته ".
قلت: وزاد الطبراني في رواية أخرى من روايتيه- بعد قوله في آخره-:
"يكلمني كلاماً، وهو أهون عليّ "؛ فهذه الزيادة: "وهو أهون عليّ " في إسنادها عنده: عاصم بن هلال، وهو- كما قال الحافظ-:
"فيه لين ".
لكن ذكر في "فتح الباري " (1/ 20) أن هذه الزيادة عند أبي عوانة؛ إلا أنني لم أر الحديث في الجزء الأول من "صحيح أبي عوانة"، فلا أدري إذا كان عنده من طريق عاصم هذا، أو عن غيره؟!(7/1684)
وأما قول الهيثمي عقب الحديث بهذه الزيادة:
"رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات "!
قلت: ففيه وهم، أو تسامح في التخريج؛ لأن الإسناد الذي وثق رجاله هو عنده بدون الزيادة مثل رواية الجماعة، ولكنها غير منافية لروايتهم.
(تنبيه) : من عجائب التخريج: أن المعلق على "شرح السنة" للبغوي لم يعزه لغير مسلم، مع أن البغوي عزاه للبخاري أيضاً!. *
3959- (إذا أحسَنَ أحدُكم إسلامَه؛ فكلُّ حسنةٍ يعمَلُها تُكتبُ بعشرِ أمثالِها؛ إلى سَبعِ مِئَةِ ضِعفٍ، وكلُّ سيئةٍ يعملُها تُكتبُ له بمثلها، حتّى يلقَى الله عزّ وجلّ) .
أخرجه البخاري (42) ، ومسلم (1/82) ، وأبو عوانة (1/83-84) ، وابن حبان في "صحيحه " (1/226-228) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 71) ، والبغوي في "شرح السنة " (14/339/4148) ، وأحمد (2/317) كلهم من طريق عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وهو في "صحيفة همام بن منبه " (43/103) .
(تنبيه) : وإن من عجلة المعلق على "البغوي "، وقلة تحقيقه: أنه عزاه للبخاري في "باب قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) "!! وليس فيه هذا الحديث، وإنما فيه حديث آخر لأبي هريرة في الحسنات والسيئات، اشتبه عليه بهذا. *(7/1685)
3960- (إذا اختلفتم في الطريق؛ جُعلَ عَرضهُ سبعَ أذرعٍ) .
جاء من حديث أبي هريرة، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله.
1- أما حديث أبي هريرة؛ فله عنه طرق:
الأولى: عن خالد الحذاء عن يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً به.
أخرجه مسلم (5/59) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 71) ، وابن حبان في "صحيحه " (7/261/5044) ، والبغوي في "شرح السنة" (8/248/2175) ، وأحمد (2/228) ، وكذا البيهقي (6/154) .
الثانية: عن المثنى بن سعيد الضُّبَعي عن قتادة عن بُشَير بن كعب العدوي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه.
أخرجه أبو داود (4/48/3633) ، والترمذي (5/36/1356) - وصححه-، وابن ماجه (2338) ، والطحاوي (2/70) ، وأحمد (2/429و466و474) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (7/255/3075) .
الثالثة: عن جرير بن حازم عن الزبير بن خِرِّيت عن عكرمة: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال:
قضى النبي- صلى الله عليه وسلم - إذا تشاجروا في الطريق المِيتاءِ: بسبعة أذرع.
أخرجه البخاري برقم (2473- "فتح ") - واللفظ له-، وابن عدي في "الكامل " (2/127) ، ولفظه:(7/1686)
"إذا اشتجرتم في الطريق؛ فاجعلوها سبعة أذرع ".
ونحوه في "مسند أحمد" (2/495) ، و"سنن البيهقي " (6/54) .
وقال الحافظ في "الفتح " (5/119) :
"وقد أورد ابن عدي هذا الحديث في أفراد جرير بن حازم، فهو من غرائب "الصحيح "، لكن شاهده في "مسلم " من حديث عبد الله بن الحارث عن ابن عباس، وعند الإسماعيلي من طريق وهب بن إسماعيل عن أبيه: سمعت الزبير بن خريت ".
قلت: وقوله: " (مسلم) من حديث عبد الله بن الحارث عن ابن عباس "!
لعله سبق قلم منه؛ فإنما رواه مسلم كما تقدم من رواية عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة.
وما ذكره عن ابن عدي؛ فهو لأن الزبير بن خريت- مع كونه ثقة-؛ قد خالف جماعة من الثقات في متنه وإسناده.
أما المتن: فهو أنه زاد فيه (الميتاء) ، وهي زيادة شاذة، لم ترد إلا في رواية المستملي عن البخاري، ولذلك قال الحافظ:
"ولم يتابع عليه، وليست بمحفوظة في حديث أبي هريرة".
ثم ساق لها ثلاثة أسانيد، وختمها بقوله:
"وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال ".
وسيأتي الكلام عليها قريباً إن شاء الله.
وأما السند؛ فهو أن الزبير بن خريت خالف الجماعة، وفيهم بعض الثقات فقالوا: عن عكرمة عن ابن عباس؛ كما يأتي عقبه.(7/1687)
2- وأما حديث ابن عباس؛ فيرويه سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً.
أخرجه ابن ماجه (2339) ، والطحاوي (2/70) ، والبيهقي (6/69و155) ، وابن أبي شيبة (3076) ، وأحمد (1/235و303و313و317) من طرق منها:
سفيان الثوري عن سماك به، وزاد أحمد في رواية من طريق جابر عن عكرمة لفظة:
" الميتاء "، وهي منكرة.
3- وأما حديث عبادة بن الصامت؛ فيرويه البيهقي (6/155) ، وعبد الله بن أحمد في "زوائده " (5/326-327) من طريق إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عنه قال:
إن من قضاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أنه قضى في الرحبة تكون بين الطريق، ثم يريد أهلها البناء فيها، فقضى أن يترك للطريق منها سبعة أذرع، قال: وكانت تلك الطرق تسمى (المئتاء) .
قلت: وهذا إسناد منقطع ضعيف؛ من أجل إسحاق هذا، فقد قال الحافظ في " التقريب ":
"أرسل عن عبادة، وهو مجهول الحال ".
4- وأما حديث أنس؛ فيرويه عباد بن المنصور الناجي عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عنه قال:
قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -في الطريق الميتاء الذي تؤتاه من كل مكان، إذا استأذن أهله فيه؛ فإن عرضه سبعة أذرع.(7/1688)
قلت: هذا إسناد ضعيف، ومتن منكر، قال الحافظ:
"عباد بن منصور الناجي؛ صدوق رمي بالقدر، وكان يدلس، وتغير بآخرة".
5- وأما حديث جابر؛ فيرويه سويد بن عبد العزيز عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً مختصراً بلفظ:
"حد الطريق سبعة أذرع ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (9/96/9224) ، وقال:
"لم يروه عن أبي الزبير إلا سويد ".
قلت: وهو ضعيف؛ كما في "التقريب ". وبه أعله الهيثمي؛ فقال في "المجمع " (4/160) .
"وفيه سويد بن عبد العزيز، وثقه دحيم، وضعفه جمهور الأئمة". *
3961- (إذا استيقظَ أحدُكم من منامِه، فتوضّأَ؛ فليستنثر ثلاثاً؛ فإنّ الشّيطانَ يبيتُ على خَيشُومِه) .
أخرجه البخاري (3295- "فتح ") ، ومسلم (1/146-147) ، وأبو عوانة (1/248) ، والنسائي (1/27) ، وابن خزيمة في "صحيحه " (1/77/149) ، والبيهقي (1/49) ، وأحمد (2/352) . *
3962- (إذا اصطحبَ رجلانِ مُسلمانِ، فحالَ بينهما شجَرٌ أو حجرُ أو مَدَرٌ؛ فليسلّم أحدُهما على الآخرِ، ويتبادلانِ السّلامَ) .
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (6/451/8860) من طريق بقية قال:(7/1689)
حدثنا عبد الله بن العوذ الأملوكي عن أبي أمين الحميري عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي الدرداء مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ بقية وإن كان قد صرح بالتحديث عن عبد الله ابن العوذ الأملوكي فإن هذا قد ترجمه ابن أبي حاتم فقال: (2/2/133) :
"روى عن أبي أمين الحميري صاحب أبي الدرداء (؟) روى عنه بقية بن الوليد، وروى عبد السلام بن محمد الحضرمي المعروف بـ (سُليم الحمصي) عن جده عنه ".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فكأنه من شيوخ بقية المجهولين.
وقوله عنه: "صاحب أبي الدرداء"! لعله سبق قلم؛ فإن بينه وبين أبي الدرداء: القاسم بن عبد الرحمن- وهو الدمشقي-.
وأبو أمين هذا له ترجمة في "تعجيل المنفعة" (465/1226) ؛ يؤخذ منها أنه مجهول الحال.
وبالجملة؛ فهو إسناد مظلم، وقد أجمل الكلام فيه المناوي في "شرح الجامع " (1/288) ، فقال:
"وفيه بقية، وحاله مشهور، لكن له شواهد، وذكر بعضهم أن المؤلف رمز لحسنه، ولم أره في خطه ".
قلت: ومن الملاحظ أن الرمز للحديث في "نسخة الجامع " التي عليها شرح المناوي؛ إنما هو بالضعف، وهذا مما يشعر القارئ أن الشرح ليس على النسخة التي كان يملكها المناوي من "الجامع ".
ثم إن بعض الشواهد التي أشار إليها المناوي صحيح عن أبي هريرة موقوفاً ومرفوعاً، وقد مضى تخريجه في المجلد الأول من هذه " السلسلة " برقم (186) . *(7/1690)
3963- (إذا أُقعِدَ المؤمنُ في قبرِه؛ أُتي، ثمّ شهِدَ أن لا إله إلا اللهُ، وأنّ محمّداً رسولُ اللهِ، فذلك قولُه: (يثبّتُ اللهُ الذينَ آمنوا بالقولِ الثابتِ) [قال: نزلت في عذاب القبر] ) .
أخرجه البخاري (1369 و 4699) - والزيادة له في الرواية الأخرى-، ولفظه في الرواية الأخرى:
"المسلم إذا سئل في القبر؛ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة! ".
وبنحوه أخرجه مسلم (8/262) ، وأبو داود (4700) ، والترمذي (3120) ، والنسائي (1/ 290) ، وابن ماجه (4269) ، وابن حبان في "صحيحه " (206) ، والبغوي في "شرح السنة " (1520) ، والطيالسي (745) ، وأحمد (4/282 و 291-292) كلهم من طريق شعبة: أخبرني علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب مرفوعاً به. وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ". وقالت البغوي:
"حديث متفق على صحته ".
وله طريق أخرى؛ يرويها سفيان عن أبيه عن خيثمة عن البراء بن عازب مختصراً بلفظ:
" (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ؛ نزلت في عذاب القبر".
وله طريق ثالثة عن البراء بن عازب مطولاً جداً، في نحو أربع صفحات.(7/1691)
رواه أبو داود وغيره، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (198- 202) .
ورواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص100- هندية) ، وفي "الأوسط " رقم (3664) قال: حدثنا شعيب بن عمران العسكري قال: نا عبدان بن محمد العسكري قال: نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: نا الأعمش قال: حدثني سعد ابن عبيدة به وأتم منه، ولفظه:
"يقال للكافر: من ربك؟ فيقول: لا أدري، فهو تلك الساعة أصمُّ أعمى أبكم، فيضرب بمَرْزَبَّة لو ضرب بها جبل؛ صار تراباً، فسمعها كل شيء غير الثقلين "، قال: وسمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قرأ: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين) . وقال:
"لم يروه عن الأعمش إلا يحيى بن زكريا".
قلت: وهما ومن فوقهما ثقات من رجال الشيخين؛ لكن العسكريان دونهما
لم أعرفهما. *
3964- (إذا أقيمتِ الصّلاةُ وأحدُكم صائمٌ؛ فليبدَأ بالعَشَاءِ قبلَ صلاةِ المغربِ، ولا تَعجَلُوا عن عَشائكم) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (2065) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (5075) ، أخرجاه من طريقين عن أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني قال: نا موسى بن أعين قال: نا عمرو بن الحارث عن ابن شهاب أنه سمع أنس بن مالك يخبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الطبراني:
"لم يقل في هذا الحديث: "وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب " إلا عمرو بن الحارث، تفرد به موسى بن أعين ".(7/1692)
قلت: كلاهما ثقة من رجال الشيخين، فلا يضر تفردهما، لا سيما والذين شاركوهم في رواية أصل الحديث قد رووه بألفاظ متقاربة، يزيد بعضهم على بعض في "الصحيحين " وغيرهما، وأقربهم ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن ابن شهاب بتمامه نحوه؛ إلا أنه لم يقل: "وأحدكم صائم ".
أخرجه مسلم (2/72) .
وتابعه أيضاً بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث به.
أخرجه أبو عوانة (2/16) .
وتابع عمراً: عقيل عن ابن شهاب به نحوه.
أخرجه البخاري (672) .
يضاف إلى ما سبق أن هذه الزيادة: "وأحدكم صائم " لا تنافي الروايات الأخرى، لأنها بإطلاقها وشمولها تشمل الصائم وغيره؛ كما هو ظاهر، بل الصائم هو أولى بهذه الرخص من غير الصائم، كما هو ظاهر. والله أعلم. *
3965- (إذا أمَمتَ قوماً؛ فأخِفَّ بهم الصلاة) .
أخرجه مسلم (2/44) ، وأبو عوانة (2/96) ، وابن ماجه (988) ، والبيهقي (3/116) ، والطيالسي (129/940) ، وأحمد (4/22) من طريق شعبة عن عمرو ابن مرة قال: سمعت سعيد بن المسيب قال: حدث عثمان بن أبي العاص قال: آخر ما عهد به إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "إذا أممت ... " الحديث.
وله في "مسلم "، و"أبي عوانة "، و"المسند" وغيرها طرق أخرى.
وله شواهد عن جمع من الصحابة، منهم أبو هريرة نحوه، وحديثه أتم.(7/1693)
أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "إرواء الغليل " برقم (512) . *
3966- إذا بدا (وفي لفظ: طلع) حاجبُ الشّمسِ فأخِّروا الصّلاةَ حتى تَبرُزَ، وإذا غَابَ حاجبُ الشّمسِ؛ فأخِّروا الصّلاةَ حتّى تغيبَ) .
أخرجه البخاري (583 و 3272) ، ومسلم (2/207-208) ، وأبو عوانة (1/383) ، والنسائي (1/66) ، والبيهقي (2/453) ، وأحمد (2/13و19/106) أخرجوه من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر مرفوعاً.
وزاد أحمد في رواية له في أوله:
"لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان، فإذا طلعت.... " الحديث.
وكذلك هي عند البخاري، لكنه فصل بينهما في الرواية فقال (يعني: عروة) : حدثني ابن عمر، فذكر الشطر الثاني.
والشطر الأول منه أخرجه مفصولاً عن الثاني: مسلم، وأبو عوانة (1/382) ، وهي رواية لأحمد (2/19و24و29و33و36و63و106) .
وأخرجه- أعني: فقرة التحري-: مالك في "الموطأ" (1/ 221) عن نافع عن عبد الله عن ابن عمر مرفوعاً به.
وأخرج حديث الترجمة عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ... فذكره هكذا مرسلاً لم يذكر ابن عمر، وليس بعلة؛ لإسناد الجماعة عنه.
ولجملة التحري شاهد من حديث عائشة أنها قالت:
لم يدع رسول الله الركعتين بعد العصر. قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"لا تتحروا ... " الحديث نحوه.(7/1694)
أخرجه مسلم (1/ 210) .
وفي رواية له عنها قالت:
وهم عمر؛ إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها.
ورواها أبو عوانة (1/382) ، والنسائي (1/96) بلفظ: أوهم عمر.
قلت: تشير السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها إلى ما ثبت عن عمر: أنه كان يضرب الذين يصلون الركعتين بعد العصر.
وانظر تحقيق ذلك فيما تقدم من هذه "السلسلة" (6/1013) . *
3967- (إذا تَبعتُم جنازةً؛ فلا تجلسُوا حتَّى توضَعَ [في الأرض] ) .
أخرجه مسلم (3/57) ، وأبو داود (3173) ، وابن حبان في "صحيحه " (3094) ، والبيهقي (4/26) - والزيادة له-، وأحمد (3/37-38) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
هكذا إسناده عندهم جميعاً؛ إلا ابن حبان فقال: عن سهيل بن أبي صالح عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد ...
فإن صح هذا؛ فهو إسناد آخر لسهيل، وإلا؛ فهو شاذ.
زاد البيهقي: قال سهيل: رأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال.
رواه البيهقي، وكذا أبو نعيم في "المستخرج "؛ كما في "الفتح ".
وقد تابع أبا صالح: أبو سلمة بن عبد الرحمن فقال: عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ:(7/1695)
"إذا رأيتم الجنازة، فقوموا، فمن تبعها؛ فلا يجلس حتى توضع ".
أخرجه البخاري (1310) ، ومسلم، وكذا الترمذي (1043) ، والبيهقي، وأحمد (3/51) . وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح، وهو قول أحمد وإسحاق، قالا: من تبع جنازة؛ فلا يقعدن حتى توضع عن أعناق الرجال ".
ثم روى أحمد (3/48) من طريق شريك عن سهيل عن أبيه عن أبي سعيد قال:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اتبع جنازة؛ لم يجلس حتى توضع.
ومفهوم هذا- وكذا حديث الترجمة-: أنه يقعد بعد وضعها على الأرض، وبه ترجم البخاري للحديث، فقال:
"باب: من تبع جنازة؛ فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال، فإن قعد أمر بالقيام ".
وأخرج الشيخان، وغيرهما من حديث عامر بن ربيعة مرفوعاً نحو حديث الترجمة. *
3968- (إذا لَعِبَ الشّيطانُ بأَحدِكم في منامِه؛ فلا يحدِّث به النّاسَ) .
أخرجه مسلم (7/55) ، وابن ماجه (3912) ، وأحمد (3/315) من طريق أبي سفيان قال:
أتى النبي رجل وهو يخطب، فقال: يا رسول الله! رأيت البارحة- فيما رأى(7/1696)
النائم- كأن عنقي ضربت وسقط رأسي [فتدحرج] ، فاتبعته، فأخذته فأعدته؟ [فضحك النبي- صلى الله عليه وسلم -] ، فقال: ... فذكره، والزيادتان لمسلم. وفي لفظ له:
"لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه ".
وتابع أبا سفيان أبو الزبير بلفظ:
"إذا حلم أحدكم؛ فلا يخبر أحداً بتلعب الشيطان به في المنام ".
أخرجه مسلم (7/54) ، وابن ماجه (3913) ، وابن حبان (6024) ، وأحمد (3/350) من طريق الليث بن سعد عنه.
وتابعه زكريا بن إسحاق: ثنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ... فذكر القصة نحو حديث أبي سفيان؛ وفيه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال:
"ذاك من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها؛ فلا يقصها على أحد، وليستعذ بالله من الشيطان ".
أخرجه أحمد (3/383) ، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وتابعه سفيان بن عيينة عن ابن الزبير مختصراً. *
3969- (على رِسلِكم! أَبشرُوا، إنّ من نعمةِ اللهِ عليكم: أنّه ليسَ أحدٌ من النّاسِ يصلِّي هذه السَّاعة غيرَكم) .
أخرجه البخاري (567- "الفتح ") ، ومسلم (2/117) ، وأبو عوانة (1/363-364) عن أبي موسى قال:
كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولاً في بقيع (بُطحَان) ، والنبي- صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، فكان يتناوب النبي - صلى الله عليه وسلم - عند صلاة العشاء كل ليلة نفر(7/1697)
منهم، فوافقنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وأصحابي؛ وله بعض الشغل في بعض أمره، فأعتَمَ بالصلاة حتى ابهارَّ الليل، ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال لمن حضره: ... فذكر الحديث؛ وزاد أو قال:
"ما صلى هذه الصلاة أحد غيركم "، لا يدري أي الكلمتين قال؟!
قال أبو موسى:
فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
قوله: (ابهار) ؛ أي: انتصف. وبهرة كل شيء: وسطه.
وقيل: (ابهار الليل) : إذا طلعت نجومه واستنارت، والأول أكثر. *
3970- (أَبغضُ الرّجالِ إلى اللهِ: الألدُّ الخصِمُ) .
أخرجه البخاري (4523و7188- " فتح ") ، ومسلم (8/57) ، والترمذي (2976) ، والنسائي (2/ 311) ، وابن حبان (5667) ، والبيهقي (10/108) وفي "الأسماء والصفات " (501) ، وأحمد (6/55و63و205) كلهم من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها. *
3971- (إذا راحَ أحدُكم إلى الجُمعةِ؛ فليغتسل) .
أخرجه البخاري (882- "فتح ") ، ومسلم (3/3) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه " (2/94) ، وأحمد (1/46) عن أبي هريرة:
أن عمر رضي الله عنه بينما هو يخطب يوم الجمعة؛ إذ دخل رجل (وفي رواية: عثمان) ، فقال عمر: لِمَ تحتبسون عن الصلاة؛! فقال رجل: ما هو إلا أن سمعت النداء توضأت! فقال: ألم تسمعوا النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث؟ ! . *(7/1698)
3972- (إذا سألتُم اللهَ؛ فَسَلُوه الفِردوسَ؛ فإنه سرّ الجنّةِ، يقولُ الرّجلُ منكم لراعيهِ: عليكَ بسرِّ الوادِي؛ فإنّه أمرعُه وأعشبُه) .
أخرجه البخاري في " التاريخ " (2/2/146) ، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ " (2/348) - وسياق الإسناد له-، والبزار في "مسنده " (4/191/3512 - " كشف الأستار") ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/254/634) كلهم من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق قال: حدثني عمرو بن الحارث بن الضحاك قال: حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: حدثني عبد الرحمن ابن أبي عوف؛ أن سويد بن جبلة حدثهم؛ أن عرباض بن سارية حدثهم يرده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد فيه ضعف؛ ابن زبريق هذا؛ قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يهم كثيراً ".
وشيخه ابن الضحاك؛ قال الحافظ:
"مقبول ".
وسويد بن جبلة صدوق عندي، ذكره ابن حبان في "الثقات " (4/325) ، وروى عنه أربعة من الثقات.
وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون.
وللحديث شاهدان من حديث أبي هريرة، وعبادة بن الصامت، أتم منه، وسبق تخريجهما برقم (921 و 922) .
(تنبيه) : تناقض الهيثمي، فذكر الحديث في موضعين، قال في الأول منهما (10/171) :(7/1699)
"رواه الطبراني، ورجاله وثقوا "!
وقال في الآخر منهما (10/398) :
"رواه البزار، ورجاله ثقات "!. *
3973- (إذا شهَرَ المسلمُ على أخيهِ سلاحاً، فلا تزالُ ملائكةُ اللهِ تلعنُه حتّى يَشِيمَهُ عنه) .
أخرجه البزار في "مسنده " (9/103/3641) من طريق سويد بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير سويد بن إبراهيم- وهو أبو حاتم الحناط-، قال الهيثمي في "الزوائد" (7/291) :
"رواه البزار؛ وفيه سويد بن إبراهيم، ضعفه النسائي، ووثقه أبو زرعة، وهو لين ".
وعقب عليه المناوي في "فيض القدير" بقوله:
"ومن ثم رمز المصنف (السيوطي) لحسنه "!!
قلت: كيف وسويد هذا؛ كما قال الحافظ:
"صدوق سيئ الحفظ، له أغلاط، وقد أفحش ابن حبان فيه القول "؟ !
ثم إن فيه عنعنة الحسن البصري، ومثله قتادة.
لكن هذا قد توبع، فقال المبارك: سمعت الحسن يقول: أخبرني أبو بكرة قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قوم يتعاطون سيفاً مسلولاً، فقال:(7/1700)
"لعن الله من فعل هذا، أوليس قد نهيت عن هذا؟! "، ثم قال:
"إذا سل أحدكم سيفه فنظر إليه، فأراد أن يناوله أخاه؛ فليغمده ثم يناوله إياه ". أخرجه أحمد (5/41- 42) .
قلت: وهو إسناد حسن. وقال الحافظ في "الفتح " (13/25) :
"رواه أحمد، والطبراني بسند جيد عن أبي بكرة".
قلت: ولا يخفى أن متن هذا يختلف عن حديث الترجمة.
غير أن الحديث له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه، رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "غاية المرام " برقم (446) . *
3974- (إذا قامَ أحدُكم إلى الصّلاةِ؛ فلا يبصق أمامَه؛ فإنما يناجِي الله ما دامَ في الصّلاةِ، ولا عن يمينِه؛ فإنَّ عن يمينِه ملكاً. وليبصق عن يَسارِه أو تحتَ قدمِه فيدفِنَها) .
أخرجه البخاري (416- "فتح ") ، وابن حبان (2266) ، وأحمد (2/318) ، والسلمي في "صحيفة همام بن منبه " (45/119) كلهم من طريق عبد الرزاق، وهذا في "مصنفه " (1/431/1686) عن معمر عن همام سمع أبا هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.
ورواه عبد الرزاق (1681) عن معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة نحوه.
وتابعه جماعة عن الزهري به، وقرن بعضهم مع أبي هريرة: أبا سعيد الخدري، وقد سبق تخريجه برقم (1274) .(7/1701)
وللشطر الأول من الحديث شواهد صحيحة منها:
ا- عن عبد الله بن عمر:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى بصاقاً في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال:
"إذا كان أحدكم يصلي؛ فلا يبصق قبل وجهه؛ فإن الله قبل وجهه إذا صلى".
أخرجه البخاري (1/406) ، ومسلم (2/75) ، وأبو عوانة (1/403-404) عنه.
2- عن أنس:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم -رأى نخامة في القبلة؛ فشق ذلك عليه حتى رُئِيَ في وجهه؛ فقام فحكه بيده، فقال:
"إن أحدكم إذا قام في صلاته؛ فإنه يناجي ربه- أو إنه بينه وبين القبلة-؛ فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدميه ".
ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض فقال:
"أو يفعل هكذا".
أخرجه البخاري (1/405) - والسياق له-، ومسلم (2/76) ، وأبو عوانة (1/405) ، وابن حبان (2264) ، والنسائي (1/119) من طريقين عن أنس. *
3975- (إذا قامَ أحدُكم من مجلِسه ثمّ رجعَ إليهِ؛ فهو أحقُّ به) .
أخرجه مسلم (7/ 10) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (1132) ، وأبو داود (4853) ، وابن ماجه (3717) ، وابن خزيمة (1821) ، وابن حبان (587) ،(7/1702)
وأحمد (2/263و283و342و389و446و447و483و527و537) من طريق سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وله شاهد من حديث وهب بن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره بلفظ:
"إذا قام الرجل من مجلسه فرجع إليه؛ فهو أحق به، وإن كانت له حاجة فقام إليها، ثم رجع؛ فهو أحق به ".
أخرجه أحمد (3/422) ، والترمذي (2751) - بنحوه- من طريق خالد بن عبد الله الواسطي قال: ثنا عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان عن وهب بن حذيفة به. وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح غريب ".
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وخالفه إسماعيل بن رافع فقال: عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان عن أبي سعيد الخدري، مرفوعاً مختصراً.
قلت: وإسماعيل بن رافع ضعيف الحفظ؛ فهو بهذا الإسناد منكر.
وله شاهد من حديث ابن عمر مرفوعاً نحوه.
أخرجه أحمد (2/32) من طريق محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً نحوه.
قلت: ورجاله ثقات، غير أن محمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعنه. *(7/1703)
من الحقوق المهجورة تجاه الزوجة
3976- (إذا قدم أحدكم ليلاً؛ فلا يأتينَّ أهلَه طُرُوقاً، حتى تستحدَّ المُغِيبَةُ، وتمتشط الشَّعِثَة) .
أخرجه مسلم (6/55) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (5/362/9145) ، وأحمد (3/298و355) كلهم من طريق شعبة عن سيار عن عامر عن جابر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ومن هذا الوجه رواه البخاري (5243) مختصراً؛ لكنه قال: عن شعبة: حدثنا محارب بن دثار قال: سمعت جابر بن عبد الله قال.
كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يكره أن يأتي الرجل أهله طروقاً.
وتابعه هشيم: أخبرنا سيار به عن جابر قال:
كنا مع رسول الله في سفر، فلما رجعنا؛ ذهبنا لندخل فقال:
"أمهلوا حتى ندخل ليلاً- أي: عشاء-، لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة".
أخرجه أحمد (3/303) ، والبخاري (5079و5245و5247) ، ومسلم أيضاً، وأبو عوانة (5/114) ، وكذا النسائي (9144) ، وأبو داود (2778) - من طريق الإمام أحمد-. وقال أبو داود:
"قال الزهري: الطروق بعد العشاء ". قال أبو داود:
"وبعد المغرب لا بأس به ".
وللحديث طرق وألفاظ أخرى متقاربة، أخرجها أحمد (229و308و310(7/1704)
و314و358و362و391و395و396و399) ، وبعض هذه الطرق عند أبي داود أيضاً، وهي مخرجة في "صحيح أبي داود" (8480- 8482) .
قلت: في هذا الحديث أدب رفيع، أخل به جماهير الأزواج- إلا من شاء الله-؛ فهم يباغتون زوجاتهم إذا رجعوا من سفرهم ليلاً، دون أي إخبار سابق، فعليهم أن يتأدبوا بهذا الأدب الرفيع؛ بأن يخبروا زوجاتهم بمجيئهم ليلاً بعد العشاء بواسطة ما؛ كشخص يسبقهم إلى البلد، أو بالهاتف، والله ولي التوفيق. *
التفريق في الطاعة بين أمور الدين وأمور الدنيا المحضة
3977- (إذا كانَ شيءٌ من أمرِ دُنياكم؛ فأنتُم أعلمُ به، فإذا كانَ من أمر دينكم؛ فإليَّ) .
أخرجه أحمد (3/152) من طريق حماد عن ثابت عن أنس قال:
سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصواتاً، فقال: "ما هذا؟ "، قالوا: يلقحون النخل، فقال: "لو تركوه فلم يلقحوه لصلح "، فتركوه فلم يلقحوه، فخرج شيصاً، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -:
"ما لكم؟ "، قالوا: تركوه لما قلت، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وأخرجه مسلم (7/95) ، وابن ماجه (2471) ، وابن حبان (1/112/22) من طرق أخرى عن حماد بن سلمة قال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وعن ثابت عن أنس به. ولفظ مسلم-
"أنتم أعلم بأمر دنياكم ".
وله شاهدان؛ أحدهما: عن رافع بن خديج. أخرجه مسلم وابن حبان.(7/1705)
والأخر عن موسى بن طلحة عن أبيه. أخرجه مسلم، وابن ماجه (2470) ، وأحمد (1/ 162) .
(تنبيه) : لقد فرق الحافظ السيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير" بين رواية مسلم فجعلها عن أنس، وبين رواية ابن ماجه فجعلها عن أنس وعائشة!! وهذا تفريق لا وجه له كما ترى. *
3978- (احشُدوا؛ فإنِّي سأقرأُ عليكم ثُلُثَ القُرآنِ، فحشدَ من حشَدَ، ثم خرجَ نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -فقرأ:
(قل هو اللهُ أحدٌ) ألا إنَّها تعدلُ ثلث القُرآنِ) .
أخرجه مسلم (2/200) ، والترمذي (2900) - وصححه-، وأحمد (2/ 429) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره إلى قوله: "سأقرأ عليكم ثلث القرآن "؛ وزاد:
فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ (قل هو الله أحد) ، ثم دخل. فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبر جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله، ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
"إني قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن ".
والسياق لمسلم.
ورواه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 80) من هذا الوجه مختصراً.
وروى منه ابن ماجه من طريق أخرى عن أبي هريرة:
" (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن ". *(7/1706)
3979- (إذا كانُوا ثلاثةً [في سفَرٍ] ؛ فليؤمّهم أحدُهم، وأحقّهم بالإِمامةِ أقرؤُهم) .
أخرجه مسلم (2/33) ، والدارمي (286) ، والنسائي (1/ 153) ، وابن خزيمة (3/4/1508) ، وابن حبان (3/287/2129) ، والبيهقي (3/119) ، والطيالسي (386/2152) ، ومن طريقه: البيهقي أيضاً، وابن أبي شيبة (1/343) ، وأحمد (3/24و34و36و48و51و84) كلهم من طرق عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال:..... فذكره.
والزيادة لابن حبان، والطيالسي من طريق شعبة وهشام عن قتادة. *
3980- (إذا نزلَ أحدُكم منزلاً؛ فليقل: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّاتِ من شرّما خلَقَ؛ فإنه لا يضرّه شيءٌ حتّى يرتحلّ منه) .
أخرجه مسلم (8/76) ، والدارمي (289) ، والترمذي (10/133) - وصححه-، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (560و561) ، وابن ماجه (2/1174/3547) ، وابن حبان (4/167/2689) ، والبيهقي (5/253) ، وأحمد (6/377) كلهم عن سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وقال بعضهم في روايته:
"من نزل منزلاً".
وقد أورده السيوطي بهذا اللفظ في "الزيادة على الجامع الصغير" برواية أحمد ومسلم والترمذي عن خولة، ورواية الطبراني في "الكبير" عن عبد الرحمن بن عائش. *(7/1707)
توجيه سديد للدُّعاةِ والوُعَّاظ
3981- (اذهب بنعليِّ هاتَين؛ فمَن لقِيتَ من وراءِ هذا الحائط يشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيقِناً بها قلبُه؛ فَبَشِّره بالجنّةِ) .
أخرجه مسلم (1/44- 45) ، وأبو عوانة (1/9- 10) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة قال:
كنا قعوداً حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، وخشينا أن يُقتَطَعَ دوننا، وفزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له باباً؛ فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة- والربيع: الجدول-، فاحتفزت فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أبو هريرة؟ ". فقلت: نعم يارسول الله! قال: "ماشأنك؟ ". قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي! فقال: "يا أبا هريرة! "، وأعطاني نعليه، قال: ... (فذكر الحديث) . وقال:
فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟! فقلت: هاتان نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعثني بهما:
من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه؛ بشرته بالجنة.
فضرب عمر بيده بين ثديي، فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة!(7/1708)
فرجعت إلى رسول الله عيشة، فأجهشت بكاء، وركبني عمر، فإذا هو على إثري؛ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"مالك يا أبا هريرة؟ ! ".
قلت: لقيت عمر، فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي؛ قال: ارجع! قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟! ". قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك؛ من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بشره بالجنة؟! قال: "نعم ". قال: فلا تفعل؛ فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"فخلِّهم ".
قلت: وهذا إسناد حسن؛ فإن عكرمة بن عمار- وإن كان من رجال مسلم-، ففي حفظه كلام، وبخاصة فيما يرويه عن يحيى بن أبي كثير، وليس هذا من روايته عنه كما ترى.
وقد رويت هذه القصة أنها وقعت بين جابر وعمر:
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " بسند صحيح، وقد سبق تخريجه برقم
(2355) .
وفي الحديث توجيه سديد للدعاة أن لا يحدثوا بأحاديث الترغيب والترهيب، إلا مع بيان المراد منها بالتفصيل؛ خشية أن يساء فهمها، فيتكلوا، فيبن مثلاً:(7/1709)
أن الشهادة لله بالوحدانية يجب أن تفهم جيداً، بحيث تمنع قائلها من عبادة غير الله بأي نوع من أنواع العبادات المعروفة.
وأن من شهد بها وقصر بالقيام ببعض الأحكام الشرعية، أو ارتكب بعض المعاصي؛ فذلك لا يعني أنه لا يستحق أن يعذب عليها؛ إلا أن يغفر الله له. *
3982- (أرى أن تجعلَها في الأقرَبِينَ) .
أخرجه البخاري (1461) ، ومسلم (3/79) ، وأحمد (3/141و256) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول:
كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس:
فلما أنزلت هذه الآية: (لن تنالوا البز حتى تنفقوا مما تحبون) ؛ قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن الله تبارك وتعالى يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ؛ وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو بِرَّها وذُخْرَها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله.
قال: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح! وقد سمعت ما قلت، وإني أرى ... " فذكر الحديث.(7/1710)
وقد توبع إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس نحوه مختصراً ومطولاً، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1482) . *
3983- (أَراني اللّيلةَ عند الكعبةِ، فرأيتُ رجُلاً آدمَ، كأحسنِ ما أنتَ راءٍ من أُدمِ الرِّجالِ، له لِمَّةٌ كأحسنِ ما أنتَ راءٍ من اللِّمَم، قد رجَّلَها فهي تقطُر ماءً، متكئاً على رجُلين أو على عواتق رجلينِ، يطوفُ بالكعبةِ، فسألتُ: من هذا؟ قيل: هذا المسيحُ ابنُ مريمَ.
ثمّ إذا أنا برجلٍ جَعدٍ قطَطٍ، أعور العينِ اليمنَى، كأنّها عِنّبةٌ طافية، فسألتُ: من هذا؟ فقيل لي: هذا المسيحُ الدّجالُ) .
أخرجه مالك في "الموطأ" (3/107) قال: عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله! قال: ... فذكره.
ومن طريق مالك: أخرجه البخاري (5902 و 6999) ، ومسلم (1/107) ، وأبو عوانة (1/149) كلهم عن مالك به.
وتابعه موسى بن عقبة: عند مسلم، وأبي عوانة.
وفليح بن سليمان: عند أحمد (2/126-127) .
وتابع نافعاً: سالم عن ابن عمر بنحوه، ولفظه صريح بأنها رؤيا منامية؛ فإنه قال:
"بينما أنا نائم؛ رأيتني أطوف بالكعبة ... ".
وقد سبق تخريجه برقم (1857) . *(7/1711)
3984- (أربعٌ من عَمَلِ الأَحياءِ يجرِي للأمواتِ:
رجلٌ ترك عَقِباً صالحاً فيدعو، فيبلغه دعاؤهم.
ورجل تصدق بصدقة جارية، له من بعده أجرها ما جَرَت.
ورجل علَّم علماً يُُعمَلُ به من بعده، فله مثل أجر من عمل به؛ من غير أن ينتقص من [أجر] عمله شيئاً.
ورجل مرابط يُنمَى له عمله إلى يوم الحساب) .
أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "العيال " (2/613-431) - والسياق له-، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/328/6181) من طريق إسحاق بن عبد الله عن مكحول عن شرحبيل بن السمط عن سلمان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذ كره.
ثم رواه ابن أبي الدنيا رقم (432) بالإسناد نفسه عن إسحاق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن عامر بن سعد عن عبد الله بن مسعود عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ... مثله.
قلت: ورجاله ثقات؛ غير إسحاق بن عبد الله- وهو ابن أبي فروة-؛ وهو ضعيف متروك.
لكن الحديث حسن لغيره؛ لأنه جاء مفرقاً في جملة أحاديث، أصحها وأشهرها:
"إذا مات الإنسان؛ انقطع عمله إلا من ثلاث ... " الحديث.
رواه مسلم وغيره.(7/1712)
وعدد "ثلاث " لا مفهوم له؛ للأحاديث المشار إليها؛ فراجعها إن شئت في "صحيح الترغيب " (3/ كتاب العلم) .
(تنبيه) : سقطت الخصلة الرابعة من رواية الطبراني، وهي ثابتة في رواية ابن أبي الدنيا.
كما أنه تحرفت كلمة: "للأموات " في "المعجم الكبير" إلى: "للأحياء"!! وهو خطأ مفسد للمعنى كما لا يخفى، ولعله خطأ مطبعي، فاقتضى التنبيه. *
من تواضعه- صلى الله عليه وسلم - لربه: سجوده في ماء وطين
3985- (أُريتُ ليلةَ القدرِ، ثم أُنسيتُها، وأَراني صُبحَها أَسجدُ في ماءٍ وطينٍ) .
أخرجه مسلم (3/173) ، والبيهقي (4/309) من طريق بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره؛ قال:
فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانصرف؛ وان أثر الماء والطين على جبهته وأنفه. *
3986- (أُريتُ ليلةَ القدرِ، ثم أيقظَني بعضُ أَهلي، فنُسِّيتُها؛ فالتمِسُوها في العشرِ الغَوابرِ) .
أخرجه مسلم (3/171) ؛ والدارمي (2/28) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (2/270/3392) ، وابن حبان (5/272/3670) ، والبيهقي (4/308) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.(7/1713)
قلت: وله طريق أخرى أتم منه؛ يرويه المسعودي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"خرجت إليكم وقد بُيِّنت لي ليلة القدر، ومسيح الضلالة، فكان تلاح بين رجلين بسُدَّة المسجد، فأتيتهما لأحجز بينهما، فأنسيتهما، وسأشدو لكم شدواً، أما ليلة القدر؛ فالتمسوها في العشر الأواخر وتراً، وأما مسيح الضلالة؛ فإنه أعور العين، أجلى الجبهة، عريض النحر، فيه دفاً كأنه قطن بن عبد العزى". قال: يا رسول الله! هل يضرني شبهه؟ قال: "لا، أنت امرؤ مسلم، وهو امرؤ كافر".
أخرجه أحمد في "المسند" (2/291) من طريقين من المسعودي به.
قلت: ورجاله ثقات؛ غير أن المسعودي كان قد اختلط. *
3987- (أُرتيكِ في المنامِ مرّتينِ؛ ورجلٌ يحملُك في سَرَقة من حريرٍ، فيقولُ: هذه امرأتُك. فأقولُ: إن يكُ هذا من عندِ الله عز وجل يُمضِهِ) .
أخرجه أحمد (6/41و128و161) - واللفظ له-، والبخاري (3895 و 5078و5125و7011و7012) ، ومسلم (7/134) ، وابن حبان (7051) ، وابن سعد في " الطبقات " (8/ 64 و 67) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 410) ، والبغوي في "شرح السنة " (12/236) ، والخطيب في "التاريخ " (5/428/2940) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ولفظ الآخرين كلفظ أحمد- ومنهم البخاري في رواية-؛ لكن في رواية له؛ وهي ذات الرقم (5078و5125) بلفظ:
" أرتيك في المنام؛ يجيء بك الملك".(7/1714)
أخرجهما من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة.
ولقد كدت أن أقول بشذوذها؛ لولا أني وجدت لها شاهداً من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت:
جاء بي جبريل عليه السلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خرقة حرير فقال:
"هذه زوجتك في الدنيا والآخرة".
أخرجه ابن حبان، وغيره بسند صحيح على شرط مسلم.
وانظر تعليقي على "المشكاة" (6182- التحقيق الثاني) . *
3988- (أسلَمُ سالَمها اللهُ، وغِفَارُ غفَرَ اللهُ لها، أمَا إنِّي لم أَقُلها، ولكن قالَها اللهُ عزّ وجلّ) .
أخرجه مسلم (7/177) ، والحاكم (4/82) من طريق خثيم بن عراك عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجه البخاري إلا مختصراً من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة به، دون قوله: "أما إني ... "؛ وهو رواية لمسلم، وأخرجه أحمد (2/469) .
واستدرك الحاكم حديث عراك على مسلم؛ فوهم!
ولهذا القدر شاهد من حديث أبي ذر:
أخرجه مسلم مختصراً هكذا في الموضع المشار إليه، وأخرجه في آخر حديث أبي ذر الطويل في خروجه مع أخيه أنيس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة (7/152- 155) من طريق عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: ... فذكره بطوله.(7/1715)
وله طريق أخرى عن أبي ذر في "معجم الطبراني الأوسط " (1/23- 25) .
وشاهد آخر من حديث جابر: عند مسلم من طريق أبي الزبير عنه.
وتابعه عمرو بن دينار عن جابر بتمامه.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/316) من طريق الحسين بن إسماعيل: ثنا إسحاق بن بهلول: ثنا يحيى بن الحسين عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار به. وقال:
"غريب من حديث سفيان عن عمرو، لم نكتبه إلا من حديث الحسين ".
قلت: والحسين- وهو ابن إسماعيل-: هو أبو عبد الله القاضي المحاملي، وهو حافظ ثقة، ومن فوقه ثقات؛ غير يحيى بن الحسين، فلم أعرفه. والله أعلم.
ولحديث الترجمة شاهد آخر من حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: ... فذكره بتمامه.
أخرجه أحمد (4/48) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/23/6255) من طريق عمر بن راشد اليمامي قال: حدثنا إياس بن سلمة به.
ورجاله ثقات؛ غير عمر بن راشد اليمامي؛ فإنه ضعيف.
لكن تابعه علي بن يزيد بن أبي حكيم الأسلمي: حدثني إياس بن سلمة به.
أخرجه الحاكم أيضاً شاهداً لحديث عراك، وذكر أن إسناده صحيح!
وفيه نظر؛ لأن علي بن يزيد هذا ذكره ابن أبي حاتم من رواية ذؤيب بن العمامة السهمي والحميدي؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (7/206) !(7/1716)
فمثله يستشهد به، ويحسن حديثه في الشواهد على الأقل، والله أعلم.
(تنبيه) : ابن أبي حكيم؛ هكذا وقع في "المستدرك " في هذا الحديث وآخر بعده! ووقع في "الجرح " و"الثقات ": (ابن أبي حكيمة) ، ولعله الصواب. والله أعلم. *
3989- (أفضَلُ الرِّقابِ أغلاها (وفي رواية: أكثرُها) ثمَناً، وأنفَسُها عند أهلِها) .
أخرجه البخاري (2518) ، ومسلم (1/62) ، وأبو عوانة (1/62) ، وابن حبان (1/183/152و7/58/4577) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (3/172/4894و4895) ، وابن ماجه (2/19) ، وأحمد (5/150و171) كلهم من طريق هشام ابن عروة عن أبيه عن أبي مراوح عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
سألت النبي- صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال:
"إيمان بالله، وجهاد في سبيله ".
قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال:
"أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها".
قلت: فإن لم أفعل؟ قال:
"تعين ضائعاً، أو تصنع لأخرق ".
قال: فإن لم أفعل؟ قال:
"تدع الناس من الشر؛ فإنها صدقة تَصَدِّقُ بها على نفسك ".
وخالف مالك في "الموطأ" (3/7- 8) فقال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم -:(7/1717)
أن رسول الله عن سئل عن الرقاب أيها أفضل؟ فقال: "أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها".
فجعله من حديث عائشة، وهو شاذ.
ولحديث الترجمة شاهد من حديث أبي أمامة في حديثه الطويل، وإسناده ضعيف؛ كما هو مبين في "الضعيفة" تحت الرقم (609) .
وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة نحو حديث أبي ذر.
أخرجه أحمد (2/388) بسند رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين؛ غير خليفة بن غالب الليثي، وهو صدوق؛ كما قال الحافظ في "التقريب "، فالإسناد جيد. *
3990- (أفضَلُ الصّومِ: صومُ أخي داود؛ كان يصُومُ يوماً، ويفطرُ يوماً، ولا يفرّ إذا لاقَى) .
أخرجه الترمذي (770) ، وأحمد (2/164و190) من طريق وكيع عن مسعر وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وأخرجه البخاري (3419) ، ومسلم (3/165) من طريقين آخرين عن مسعر وحده بنحوه؛ غير أن مسلماً لم يسق لفظه.
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح "!(7/1718)
قلت: وهو كما قال، لولا عنعنة حبيب بن أبي ثابت، لكن قد رواه عنه شعبة فقال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت أبا العباس المكي ... فذكره نحوه.
أخرجه البخاري (1979) ، ومسلم أيضاً، والنسائي (1/326) ، وابن حبان (6193) ، وأحمد (2/188-189) من طرق عن شعبة به نحوه.
وتابعه عطاء: أنا أبو العباس الشاعر به نحوه.
أخرجه البخاري (1977) ، ومسلم أيضاً، وكذا النسائي، وابن خزيمة (2109) ، وأحمد (2/199) .
وتابع أبا العباس أبو سلمة بن عبد الرحمن أبو عوف قال:
دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص ... الحديث بنحوه.
أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة.
ورجاله ثقات؛ لولا عنعنة محمد بن إسحاق.
(تنبيه) : حديث الترجمة ذكره السيوطي في "الجامع الصغير" برواية الترمذي والنسائي! ولقد كان الأولى به أن يرمز لأحمد مكان النسائي؛ لأن هذا لم يروه بلفظ الترجمة، وإنما رواه بنحوه من طريق شعبة كما تقدم.
فإن قيل: لا بأس من العزو إليه؛ لأن الخلاف بين الروايتين قد يغض النظر عنه في مثله؟!
قلت: إن كان الأمر كذلك؛ فكان الأولى أن يعزوه للشيخين؛ لأنهما أخرجاه من طريق شعبة أيضاً؛ كما سبق. والله أعلم. *(7/1719)
3991- (اقتُلُوا الحيّاتِ والكلابَ، واقتلُوا ذا الطُّفيَتَينِ والأبتَرَ؛ فإنّهما يلتمسانِ البصَرَ، ويستسقطانِ الحَبَالى) .
ورد من حديث ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم:
أ- أما حديث ابن عمر؛ فيرويه سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال:
سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يأمر بقتل الكلاب، ويقول: ... فذكره.
أخرجه مسلم (7/38) - هكذا بزيادة: "الكلاب " ...
وأخرجه البخاري (3297) ، وأبو داود (5/411/5252) ، والترمذي (5/191/1528) - وصححه-، وابن ماجه (2/1169/3535) ، وابن حبان (7/461/5609) ، وأحمد (2/9و121) ، وليس عندهم لفظ: "الكلاب ".
وقد جاءت من طريق نافع عن ابن عمر، عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " برقم (2549) .
2- وأما حديث عائشة؛ فله عنها طرق:
الأولى: عن هشام بن عروة عن أبيه عنها رضي الله تعالى عنها.
أخرجه البخاري (2308) ، وابن ماجه (2/1169/3534) ، وأحمد (6/29و52و134و230) مختصراً.
الثانية: عن سائبة عنها رضي الله عنها.
أخرجه أحمد (6/49و 83 و147) .
وأخرجه مالك (3/142) عن السائبة مرسلاً.(7/1720)
الثالثة: عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها.
أخرجه النسائي (2/27) بسند صحيح.
الرابعة: عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عنها رضي الله عنها.
أخرجه أحمد (6/157) من طريق الليث عنه. *
3992- (اقرؤوا القرآن؛ فإنّه يأتي يومَ القِيامِة شفيعاً لأصحابهِ؛ اقرؤوا الزّهراوينِ: البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ؛ فإنّهما تأتيانِ يومَ القِيامِة كأنّهما غمامتانِ، أو كأنّهما غيايتانِ، أو كأنّهما فِرقان من طيرٍ صوَافّ، تحاجَّانِ عن أصحابِهما؛ اقرؤوا سورةَ البقرِة؛ فإنّ أخذها برَكةٌ، وتركها حسرةٌ، ولا يستطيعها البَطَلةُ) .
أخرجه مسلم (2/197) ، والبيهقي (2/395) ، والبغوي في "شرح السنة " (4/456) ، وأحمد (5/249و251و255و257) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/138/7542و139/7543و7544) كلهم من طريق أبي سلام يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.
ورواه عبد الرزاق (3/ 365- 366) ، ومن طريقه أحمد (5/ 251) ؛ لكن وقع عندهما: (أبو سلمة) ، وزاد عبد الرزاق: (ابن عبد الرحمن) ! وكل ذلك خطأ. *
3993- (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتُم فقومُوا عنه) .
أخرجه البخاري (5060 و5061 و7364و7365) ، ومسلم (8/57) ، وابن حبان (2/69/756) ، والدارمي (442) ، والنسائي في " السنن الكبرى " (5/33) ،(7/1721)
وأحمد (4/313) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/176/1674و1675) عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. *
3994- (أقيمُوا الصفَّ في الصّلاةِ؛ فإن إقامةِّ الصفِّ من حُسنِ الصّلاة) .
أخرجه البخاري (722) ، ومسلم (2/31) ، وأبو عوانة (2/43) ، وابن حبان (3/303) ، والبغوي في "شرح السنة" (3/422) ، وأحمد (2/314) كلهم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وله شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعاً به.
أخرجه ابن خزيمة (1543) ، وأحمد (3/179) .
وهو عند مسلم بلفظ:
"سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ".
وأخرجه الحاكم (1/217) مختصراً بلفظ:
"من حسن الصلاة إقامة الصف ". وقال:
"صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. *
3995- (أكثرتُ عليكم في السِّواكِ) .
أخرجه البخاري (888) ، وابن حبان (2/201/1063) ، والدارمي (174) ، والنسائي (1/6) ، والبيهقي (1/35) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه " (1/171) ، وأحمد (3/143) كلهم من طريق شعيب بن الحبحاب: حدثنا أنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. *(7/1722)
3996- (أكرم الناس: أتقاهم لله) .
أخرجه البخاري (3383و3490و4689) ، ومسلم (7/103) ، والبغوي في "شرح السنة" (13/125) ، وأحمد (2/431) كلهم من طريق سعيد بن أبي سعيد (زاد بعضهم: عن أبيه) عن أبي هريرة رضي الله عنه:
سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: من أكرم الناس؟ قال:
"أتقاهم لله ". قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال:
"فأكرم الناس: يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله ". قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال:
"فعن معادن العرب تسألونني؟ الناس معادن؛ خيارهم في الجاهلية: خيارهم في الإسلام؛ إذا فقهوا".
وتابعه محمد بن عمرو: ثنا أبو سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم خليل الرحمن ".
أخرجه أحمد (2/332و416) .
قلت: وإسناده حسن.
ويشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ... فذكره مثله.
أخرجه البخاري (3382و3390و4688) ، وأحمد (2/96) .(7/1723)
وله شاهد آخر من حديث ابن مسعود مختصراً، وزاد- بعد قوله: "إسحاق "-:
"ذبيح الله ".
وهو منكر بهذه الزيادة، ولذلك كنت خرجته في "الضعيفة " برقم (334) . *
3997- (اللهمَّ! اجعل بالمدينةِ ضِعْفي ما جعلتَ بمكَّةَ من البَركةِ) .
أخرجه البخاري (1885) ، ومسلم (4/115) ، وأحمد (3/142) من طريق الزهري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وللحديث شواهد من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعلي بن أبي طالب.
أخرجها ابن حبان في "صحيحه " (3735 و 3736 و 3738 و 3739) بأسانيد صحيحة نحوه وأتم منه.
وحديث أبي هريرة وأبي سعيد: في "صحيح مسلم " أيضاً (4/116- 118) .
وحديث علي: أخرجه الترمذي وغيره، وهو مخرج في "التعليق الرغيب " (2/144) . *
3998- (اللهمَّ! [أنتَ] خلقتَ نفسِي وأنتَ توفَّاها، لكَ مماتُها ومحياها، إن أحييتَها فاحفظها، وإن أمتَّها فاغفِر لها.
اللهمَّ! إنَّي أسالُك العافِيةَ) .
أخرجه مسلم (8/78) ، وابن حبان (7/428/5516) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (75) ، وأحمد (2/79) كلهم من طريق عبد الله بن الحارث عن عبد الله ابن عمر:(7/1724)
أنه أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه قال: ... فذكره؛ فقال له رجل: أسمعت هذا
من عمر؟ فقال: من خير من عمر! من رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
والسياق لمسلم. *
3999- (اللهمَّ! إنِّي أتّخذُ عندَك عهداً لن تُخلِفَنِيهِ، فإنّما أنا بشَرٌ؛ فأيُّ المؤمنينَ آذيتُه؛ شتمتُه، لعنتُه، جلدته؛ فاجعلها له صلاةً، وزكاةً، وقربةً تقرّبه بها إليكَ يومَ القيامةِ) .
أخرجه مسلم (8/25) ، وأحمد (2/243و449) من طريق الأعرج عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وله طرق أخرى عن أبي هريرة:
1- منها: عن سالم مولى النصريين قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.
أخرجه مسلم، وأحمد (2/493) .
2- عن أبي صالح عنه مختصراً.
أخرجه مسلم أيضاً، وأحمد (2/488و496) ، وكذا الدارمي (2/ 314- 315) .
3- عن سعيد بن المسيب عنه.
أخرجه مسلم ببعض اختصار. وعند البخاري (6361) منه قوله:
"اللهم! فأيما مؤمن سببته؛ فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة".(7/1725)
4- عن همام بن منبه عنه.
أخرجه ابن حبان (6482) ، والبيهقي (7/61) من طريق عبد الرزاق، وهذا
في "المصنف " (11/190/20294) .
5- أبو يونس عنه مرفوعاً.
أخرجه أحمد (2/390) من طريق يحيى بن إسحاق عن ابن لهيعة عنه.
قلت: يحيى بن إسحاق- وهو السيلحيني- من قدماء أصحاب ابن لهيعة؛ فأمنا بذلك اختلاط ابن لهيعة.
ثم أخرجه أحمد (3/33) من طريق محمد بن إسحاق بسنده عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
وله شواهد:
أولاً: عن عائشة قالت:
دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو؛ فأغضباه، فلعنهما وسبهما، فلما خرجا، قلت: من أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان؟! قال:
"وما. ذاك؟! ". قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما. قال:
"أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟! قلت: اللهمَّ! إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته؛ فاجعله له زكاة وأجراً".
أخرجه مسلم (8/24) .
وله طريق أخرى؛ يرويه حماد عن سماك عن عكرمة عنها قالت:(7/1726)
دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إزار ورداء، فاستقبل القبلة، وبسط يديه ... فذكره مختصراً نحوه.
قلت: ورجاله رجال مسلم؛ لكن في رواية سماك- وهو ابن حرب- عن عكرمة اضطراب.
ثانياً: عن أنس بن مالك.
أخرجه مسلم وغيره، وسبق تخريجه تحت الحديث (83) . *
4000- (اعلِفهُ ناضحَك، وأطعمه رقيقكَ. يعني: كسبَ الحجّامِ) .
أخرجه مالك (2/974) ، وأحمد (5/435- 436) ، وأبو داود (3422) ، والترمذي (1277) ، وابن ماجه (2166) ، وابن حبان في "صحيحه " (1121"موارد") من طرق عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة:
أن محيصة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كسب حجام له؟ فنهاه عنه، فلم يزل به يكلمه؛ حتى قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح؛ فإن حراماً هذا ثقة، وثقه ابن سعد.
وقد توبع، رواه أبو عفير الأنصاري عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن محيصة بن مسعود الأنصاري:
أنه كان له غلام حجام، يقال له: نافع أبو طيبة، فانطلق إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
يسأله عن خراجه؟ فقال:
"لا تقربه ".(7/1727)
فرده على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ فقال:
"اعلف به الناضح، واجعله في كرشه ".
أخرجه أحمد. وأبو عفير هذا لا يعرف، ترجمه في "التعجيل ".
وتابعه محمد بن أيوب:
أن رجلاً من الأنصار حدّثه يقال له: محيصة؛ كان له غلام حجام، فزجره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسبه، فقال: أفلا أطعمه يتامى لي؟ قال: "لا"، قال: أفلا أتصدق به؟ قال: "لا"، فرخص له أن يعلفه ناضحه.
أخرجه أحمد (5/436) : ثنا عبد الصمد: ثنا هشام عن (1) يحيى عن محمد ابن أيوب به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد هذا لا يعرف، ذكره ابن أبي حاتم (3/2/197) بهذا الحديث، وقال:
"سألت أبي عنه؟ فقال: هو مجهول ".
وأفاد أنه روى عنه حُدَيج بن صومى أيضاً، وبروايته ذكره الذهبي في "الميزان " وقال أيضاً:
"مجهول ".
وللشطر الأول منه شاهد من حديث جابر:
_________
(1) تحرفت في مطبوعة "المسند" إلى: (بن) !
وهشام هو الدستوائي؛ ويحيى هو ابن أبي كثير، وانظر "تاريخ البخاري الكبير" (1/ 1/30) . *(7/1728)
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن كسب الحجام؟ فقال: ... فذكره.
أخرجه أحمد (3/307و381) .
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وآخر من رواية أبي بلج يحيى بن أبي سليم قال: سمعت عباية بن رقاعة ابن رافع بن خديج يحدث:
أن جده حين مات ترك جارية وناضحاً وغلاماً حجاماً وأرضاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجارية، فنهى عن كسبها (قال شعبة: مخافة أن تبغي) . وقال: "ما أصاب الحجام. فأعلفه الناضح ". وقال في الأرض: "ازرعها أو ذرها".
أخرجه أحمد (4/ 141) - وهذا لفظه-، والطبراني (4405- 4408) .
قلت: وأبوبلج هذا ثقة فيه ضعف؛ فالسند صحيح بما سبق.
وشاهد ثالث يرويه يزيد بن ربيعة: ثنا أبو الأشعث عن ثوبان:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى الحجام أجره وقال: ... فذكره.
أخرجه إلطبراني في "الكبير" (1422) .
لكن يزيد هذا متروك.
(تنبيه) : تقدم تخريج هذا الحديث برقم (1400) من هذه "السلسلة"، ولكن هنا فوائد ليست هناك. والحمد لله.
4001- (يكون في آخر أمتي خليفةٌ؛ يحثي المال حثياً؛ لا يعدُّه عداً) .
أخرجه مسلم (8/185) ، وأحمد (3/317) عن الجريري عن أبي نضرة قال:(7/1729)
كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مُدْيٌ، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم. ثم سكت هُنَيَّةً، ثم قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... (فذكره) . قال: قلت لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا.
ثم أخرجه مسلم، والحاكم (4/454) من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعد وجابر بن عبد الله قالا: ... فذكراه مرفوعاً مختصراً بلفظ: "يكون في آخر الزمان خليفة؛ يقسم المال ولا يعده ".
وأخرجه أحمد (3/49و60و96) من طرق أخرى عن أبي نضرة عن أبي سعيد وحده.
ثم أخرجه (3/98) عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال:
قلت: والله ما يأتي علينا أمير إلا وهو شر من الماضي، ولا عام إلا وهو شر من الماضي. قال:
لولا شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقلت مثل ما تقول، ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"إن من أمرائكم أميراً يحثي المال حثياً، ولا يعده عداً، يأتيه الرجل فيسأله، فيقول: خذ. فيبسط الرجل ثوبه فيحثي فيه- وبسط رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ملحفة غليظة كانت عليه؛ يحكي صنيع الرجل-، ثم جمع إليه أكنافها، فيأخذه ثم ينطلق ". ومجالد- وهو ابن سعيد- ليس بالقوي.(7/1730)
وفي رواية أخرى عنده (3/37) من طريق المعلى بن زياد: ثنا العلاء بن بشير عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"أبشركم بالمهدي، يبعث فيأتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً؛ كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً". فقال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: "بالسوية بين الناس ". قال: "ويملأ الله قلوب أمة محمد- صلى الله عليه وسلم -غنى، ويسعهم عدله، حتى يأمر منادياً فينادي فيقول: من له في مال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل، فيقول: ائت السدان (يعني: الخازن) فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً، فيقول له: احث! حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم، فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفساً، أَوَعَجَزَ عني ما وسعهم؟! قال: فيرده فلا يقبل منه، فيقال له: إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه.
فيكون كذلك سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده، أو قال: ثم لا خير في الحياة بعده ".
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير العلاء بن بشير، وهو مجهول؛ كما في "التقريب ". لكن قد توبع على بعضه عند الحاكم (4/558) .
ورواه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ:
"يخرج عند انقطاع من الزمان، وظهور من الفتن رجل يقال له: (السفاح) ، فيكون إعطاؤه المال حثياً ".
أخرجه أحمد (3/80) . *(7/1731)
4002- (كانَ يصلي والحسنُ والحسينُ يلعبانِ ويقعدانِ على ظهرِه، فأخذَ المسلمونَ يميطونَهما؛ فلمّا انصرفَ قال:
ذرُوهما- بأبي وأمّي- من أحبّني؛ فليحبَّ هذَينِ) .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/305) عن الحسين بن زريق الكوفي: ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: ... فذكره مرفوعاً. وقال:
"غريب من حديث عاصم، لم يروه إلا أبو بكر".
قلت: وهما موثقان، لكن الحسين بن زريق الكوفي لم أجد له ترجمة.
لكن تابعه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة، فقال في "المصنف " (12/95/ 12223) : حدثنا أبو بكر بن عياش به.
وأخرجه ابن خزيمة (887) ، وابن حبان (2233- "موارد") من طريق ثالث عن ابن عياش به.
قلت: فالإسناد حسن.
وهو صحيح بشواهده، أحدها من حديث شداد بن الهاد في "صفة الصلاة". *
4003- (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى الحسين بن علي) .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده 3/1874" (102/1- نسخة المكتب الثانية) ، وعنه ابن حبان (2237) عن الربيع بن سعد الجعفي عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر مرفوعاً.(7/1732)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكن فيه علتان:
الأولى: الانقطاع بين عبد الرحمن بن سابط وجابر؛ فقد سئل ابن معين: سمع عبد الرحمن من جابر؟ قال: "لا، هو مرسل ".
الثانية: جهالة حال الربيع بن سعد الجعفي، قال الذهبي:
"لا يكاد يعرف "؛ وساق له هذا الحديث من الطريق المذكورة.
وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " على قاعدته! وهو عمدة قول الهيثمي في "مجمعه " (10/187) :
"رواه أبو يعلى، ورجاله رجال "الصحيح "؛ غير الربيع بن سعد؛ وقيل: ابن سعيد، وهو ثقة"!
وقد صح الحديث في حق عبد الله بن سلام في قصة رواها مسلم (7/161) ، وابن ماجه (2/454- 455) من حديث عبد الله بن سلام نفسه.
ثم ترجح عندي ثبوت الحديث- والحمد لله- باندفاع العلتين المذكورتين:
أما الأولى: فقد وجدت سماع عبد الرحمن بن سابط في حديث آخر، تقدم تخريجه برقم (2926) ، وانضم إلى ذلك شهادة ابن أبي حاتم باتصاله بقوله في ترجمة ابن سابط:
"روى عن عمر مرسل، وعن جابر متصل ".
وكذلك أثبته الحافظ في "الإصابة"
وأما الأخرى؛ فبقول أبي حاتم في الربيع بن سعد:
"لا بأس به ".(7/1733)
وبتوثيق الفسوي أيضاً وابن شاهين إياه، ورواية خمسة من الثقات عنه، كما أثبته في كتابي الجديد "تيسير الانتفاع "؛ يسر الله إتمامه.
ثم رأيت الحديث في "كشف الأستار عن زوائد البزار" (3/230/2637) : حدثنا إبراهيم بن سعيد: ثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير عن الربيع بن سعد بإسناده عن جابر نحوه بلفظ:
"من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله- صلى الله عليه وسلم -؛ فلينظر إلى الحسن بن علي ".
وإسناده إلى الربيع صحيح على شرط مسلم.
فلعل الربيع كان يروي بإسناده المذكور متنين، أحدهما: في الحسين، والآخر: في أخيه الحسن. والله أعلم. *
4004- (يا سفيان بن سهل! لاتُسبِل، فإنّ الله لا يحبُّ المسبِلين) .
أخرجه ابن أبي شيبة (8/395) ، وعنه ابن ماجه (3574) ، وابن حبان (1449) ، وأحمد (4/246و250و253) ، والبغوي في "الجعديات " (101/2) عن شريك عن عبد الملك بن عمير عن حصين بن قبيصة عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ شريك- وهو ابن عبد الله القاضي-.
ثم وجدت للحديث شاهدين يتقوى بهما:
الأول: عن أبي أمامة قال:
بينما ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة:(7/1734)
إزار ورداء قد أسبل.. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ".. يا عمرو بن زرارة! إن الله لا يحب المسبلين ".
أخرجه الطبراني في "الكبير" (8/277-7909) من طريقين عن إبراهيم ابن العلاء الحمصي: ثنا الوليد بن مسلم عن الوليد بن أبي السائب عن القاسم عنه.
وقد تقدم تحت الحديث (2682) ؛ ونقلنا هناك عن الهيثمي أنه قال (5/124) :
"رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات ".
وأقول الآن: والظاهر أنه يعني هذا الإسناد، وهو كما قال، وهو حسن لولا أن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية.
والآخر: يرويه أبو الحجاج عن سعيد الثقفي عن رجل من قومه قال:
مر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل يجر إزاره، فقال له:
"ارفع إزارك؛ فإن الله عز وجل لا يحب المسبلين ". فقال: إن في ساقي حموشة؟ ! فقال رسول الله:
"ما بإزارك أقبح مما بساقك ".
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (2/232/2- 223/ 1) .
قلت: ورجاله ثقات؛ غير أبي الحجاج وشيخه الثقفي؛ فلم أعرفهما.
وبالجملة " فالحديث حسن بمجموع طرقه. والله أعلم. *(7/1735)
4005- (اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم، وعذاب القبر.
اللهم! آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) .
أخرجه مسلم (8/81) ، والبغوي في "شرح السنة " (5/158) - وصححه-، وابن أبي شيبة (3/374) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/227/5085) من طريق عبد الله بن الحارث وأبي عثمان النهدي كلاهما عن زيد بن الأرقم قال:
لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول، كان يقول: ... فذكره.
ورواه النسائي (2/315و322، وأحمد (4/371) ، وعبد بن حميد (1/245 /267) والطبراني في "المعجم الكبير" (5086و5088) كلهم عن عبد الله بن الحارث وحده، وزاد الطبراني- بعد قوله: "وعذاب القبر"-:
"وفتنة الدجال "، وإسنادها حسن، ولكنها شاذة في هذا الحديث؛ إلا أنها قد ثبتت في غير ما حديث صحيح، ولعل هذا هو الذي سوغ للحافظ السيوطي أن يذكرها في الحديث برواية:
(حم، عبد بن حميد، م، ن) ! وعلى ذلك؛ فقد قصر حيث لم يعزه للطبراني الذي تفرد بهذه الزيادة دون الآخرين. *(7/1736)
4006- (أمَا إنِّها ستكون لكمُ الأنماطُ) .
أخرجه البخاري (3631و5161) ، ومسلم (6/146) ، وأبو داود (4145) ، والنسائي (2/94) ، والترمذي (2774) - وصححه-، وأحمد (3/294) كلهم من طريق محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم -:
"هل لكم من أنماط؟ ".
قلت: وأنى يكون لنا الأنماط؟! قال: ... فذكره. قال جابر:
فأنا أقول لها- يعني: امرأته-: أخِّري عنا أنماطك، فتقول: ألم يقل النبي- صلى الله عليه وسلم -: "إنها ستكون لكم الأنماط "؟ ! فأدعها!. *
4033- (قال الله عز وجل: افترضتُ على أمتك خمس صلوات، وعهدتُ عندي عهداً: أنه من حافظ عليهنَّ لوقتهنَّ؛ أدخلتُه الجنة، ومن لم يحافظ عليهنَّ؛ فلا عهدَ له عندي) .
أخرجه ابن ماجه (1403) ، وابن نصر في "قيام الليل " (ص 113) من طريق بقية بن الوليد: ثنا ضبارة بن عبد الله بن أبي السليل أخبرني دويد بن نافع عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: إن أبا قتادة بن ربعي أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذ كره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، دويد موثق؛ لكن ضبارة مجهول؛ كما في "التقريب ".
والحديث إنما يصح من قوله - صلى الله عليه وسلم -، وليس حديثاً قدسياً؛ كما ورد عن عبادة
ابن الصامت: عند مالك، وأبي داود وغيرهما، وهو مخرج في "الترغيب" (1/142) .(7/1737)
ثم وجدت للحديث شاهداً من حديث كعب بن عجرة من طريقين عنه، فاطمأنت النفس لثبوته عنه- صلى الله عليه وسلم -حديثاً قدسياً، فأوردته في هذه "السلسلة" من أجلهما، وفي "صحيح أبي داود" أيضاً برقم (455) . والله تعالى هو الهادي. *
4034- (إذا أبردتم إليَّ بَرِيداً؛ فابعثُوه حَسَنَ الوجهِ، حَسَنَ الاسمِ) .
أخرجه البزار في "مسنده " بإسناده الصحيح عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد صحيح، وقد صححه الهيثمي، والحافظ ابن حجر العسقلاني في "مختصر الزوائد" (2/203/1700- المطبوعة) ، وذلك منهما إشعار بعدم اعتدادهما بعنعنة قتادة؛ فإنه كان معروفاً بالتدليس، ولعل ذلك لأنه كان لا يدلس إلا عن ثقة، كما نقله العلائي في "التحصيل " ص (112) ، أو لقلة تدليسه؛ فقد قال الحافظ في "مقدمة الفتح " (ص 436) :
"أحد الأثبات المشهورين، كان يضرب به المثل في الحفظ؛ إلا أنه كان ربما دلس ". ولذلك اقتصر في "التقريب " على قوله:
"ثقة ثبت ".
فلم يتعرض لوصفه بالتدليس مطلقاً.
ولذلك نجد كثيراً من الحفاظ المتقدمين يحتجون بحديثه، من ذلك حديثه عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة بلفظ:
"إذا حُضر المؤمن أتته ملائكة الرحمن ... "، صححه ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وسبق تخريجه برقم (1309) .(7/1738)
ومثله حديث أبي سعيد بلفظ:
"ليأخذن الرجل بيد أبيه يوم القيامة ... " المروي في "صحيح الموارد" (18- باب) ، وهو مخرج في "التعليقات الحسان " (1/235/252) .
وحديث علي بلفظ:
"بول الغلام يُنْضَحُ، وبول الجارية يُغْسَلُ ".
وإسناده صحيح؛ كما قال الحافظ، وصححه جماعة منهم الترمذي، والحاكم، والذهبي، وهو مخرج في "الإرواء " برقم (166) ، و"صحيح أبي داود" (402) . وحديث " المرأة عورة ... ".
حسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان؛ وهو مخرج في "الإرواء"
(رقم 273) ، وفيما تقدم من هذه "السلسلة" (2688) .
وأكتفي الآن بهذه الأمثلة؛ فإني لا أزال في مرضي طريح الفراش؛ راجياً من الله الشفاء العاجل، مع استعانتي بابني عبد المصور، أسعده الله ووفقه.
ولقد تجشمت وتكلفت إملاء هذا- على الرغم مما أنا فيه- حينما رأيت الأخ الفاضل (علي رضا) ذهب إلى تضعيف الحديث، معللاً إياه بعنعنة قتادة، وحكى هناك تصحيحه عن الهيثمي والسيوطي والألباني في "الصحيحة" (1186) ، وقد كنت خرجته هناك، وذكرت له بعض الشواهد، انتقدني فيها في كتابه الذي هو بعنوان: "لا تكذب عليه متعمداً"، وقد أهداه إلي جزاه الله خيراً بتاريخ 7/11/1418، ومع أنه قد صدر تضعيفه للحديث بقوله (ص 49) :
"من أصعب علوم الحديث: الحكم على المتن؛ بالرغم من كون الأسانيد التي روي بها ذلك المتن متعددة وكثيرة؛ يمكن القول بتقوية الحديث بها"!(7/1739)
ثم لا أدري ما الذي حمله على الجزم بضعف الحديث، وعدم تقويته بأسانيده المتعددة، كما هي القاعدة المعروفة في علم المصطلح؟! هذا على فرض التسليم بضعف حديث بريدة، فإن ضعفه ليس شديداً، وكذلك بعض شواهده التي كنت ذكرتها هناك، ونقلها هو عني مضعفاً.
وفي ظني أن الحامل له على مخالفة القاعدة، توهمه أن الحديث يشبه بعض الأحاديث الصوفية المنكرة- بل الباطلة- كحديث: " من عشق فكتم فمات؛ مات شهيداً "!! والواقع أنه لا شيء من ذلك في هذا الحديث، بل هو على الجادة التي جاء ذكرها في أحاديث التفاؤل والنهي عن الطيرة، ومنها قوله عليه السلام: ".. ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة "، رواه الشيخان وغيرهما، وسبق تخريجه برقم (786) ، وراجع لمزيد الفائدة "الكلم الطيب " (60- فصل الفأل والطيرة/ ص 125- 127- بتخريجي) . *
4035- (إن كان في شيءٍ شفاءٌ؛ ففي شرطةِ مِحْجَمٍ، أو شَرْبَةِ عَسَلٍ، أو كَيّةٍ تصيبُ ألماً، وأنا أكرهُ الكيَّ ولا أحبُّه)
أخرجه أحمد في "مسنده " (4/146) ، وكذا الطبراني في "المعجم الكبير" (17/288-289) ، وفي "الأوسط " (9339) من طريق عبد الله بن الوليد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: هذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير عبد الله بن الوليد - وهو ابن قيس التُّجيبي البصري-، وقد روى عنه جماعة من الثقات، ووثقه ابن حبان. وقال الدارقطني:
"لايعتبر به ".(7/1740)
لكن له شواهد؛ منها: عن معاوية بن حديج مرفوعاً مثله.
أخرجه أحمد في "المسند" (6/401) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/430/1044) ، وفي "الأوسط " (9/134/9337) من طريق سعيد بن أبي أيوب: ثنا يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وله شاهدان آخران من حديث جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر؛ وهما مخرجان فيما تقدم من هذا الكتاب برقم (245) .
(تنبيه) : وقع في رواية عبد الله بن الوليد لفظ: "ثلاثة" في أوله، وهي منكرة أو شاذة؛ لما عرفت من حال عبد الله بن الوليد.
ووقع في "مسند أحمد": "ثلاثاً "؛ على النصب، وهي أنكر؛ لأنه لا أصل له في شيء من الأحاديث المشار إليها آنفاً.
وقد توهم السيوطي أن اللفظ الأول من صلب الحديث، فذكره تحت (حرف الثاء) : "ثلاث إن كان ... "! وقد نبهت على ذلك في التعليق عليه.
هذا آخر ما حققه الشيخ من هذه "السلسلة" المباركة إن شاء الله، وكان ذلك أواخر شهر جمادى الأولى عام 1420، نسأل الله أن يجعله علماً نافعاً يجرى له أجره إلى يوم القيامة، إنه سميع مجيب.
اللهم اغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم. *(7/1741)