"يا عميل! يا شيخ الخيانة! يا شيخ الشياطين وشيطان المشايخ! يا فتوى الضلال! يا مفتي يا دجال! يا.. يا.. " إلخ ما هو مسجل في شريطه، حتى
وصل به الأمر إلى أن حضهم على لعنه! مما يرجع عليه بنص الحديث الصحيح المرفوع- إن شاء الله تعالى-، كيف لا، وقد بلغ به طغيانه إلى أن صرح بأن كل البلاد الإسلامية لاتُعدُّ ديار إسلام؟!
وبناءً عليه حض الناس على الهجرة إلى اليهود! فقال ما نصه:
"ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى (تل أبيب) "!
وقال:
"والله! لو خُيِّرْتُ- أقسم بالله- بين أن أعيش في القدس تحت احتلال
اليهود، وبين أن أعيش في أي عاصمة عربية؛ لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود ... ".
ومع كل هذه التصريحات الخطيرة شرعاً وسياسةً واجتماعياً؛ استمر الرجل ينشر سمومه بين الناس في خطبه ومجالسه، حتى تأثر بها كثير من الناس وظنوها حقاً، ولعل من آثار ذلك أن كُبست داري من (المخابرات) ، وفُتِّشت تفتيشاً دقيقاً في سبع ساعات وأكثر، وصادروا نحو ستين خطاباً من مختلف البلاد الإسلامية وغيرها، وكذلك صادرواعديداً من الأشرطة لي ولغيري من طلاب العلم؛ بدعوى البحث عن أسلحة ومفرقعات!! والله المستعان.
ولقد كان من تلك الآثار السيئة: أن تتابع الخطباء في كثير من المساجد، وبعض الكتّاب في بعض الجرائد يضربون على أوتاره وينفخون في ناره، افتراءً وكذباً، حتى كتب أحد الحزبيين ما نصه- دون أي حياء أو خجل-:
"وأخشى أن يكون قد وصل مرحلة الخرف في أرذل العمر التي لا يعلم(7/653)
صاحبها شيئاً "! (جريدة اللواء17محرم001414العدد 1053) ، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت ". رواه البخاري.
واستمرت الآثار السيئة تنتشر في الشعب وتتطور حتى قال أحدهم: إنه زنديق! وقال آخر: إنه ماسوني!! حتى كاد أن تقع في المجتمع فتن لا تحمد عقباها؛ لولا لطف الله تعالى! عامل الله المثيرين لها بما يستحقون.
وإن مما يلفت نظر الألبّاء المخلصين: أن أحداًمن أولئك الخطباء والكتاب المثيرين للفتنة لم يسق قولي في الهجرة، واحتجاجي بالقرآن والسنة، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تنقطع الهجرة ما دام الجهاد" (1) ؛ لأنهم يعلمون في قرارة نفوسهم أنهم لو فعلوا ذلك لانكشف للناس زغلهم وجهلهم، واصطيادهم في الماء العكر- كما يقال-، وبخاصة منهم كبيرهم (الفقير) الذي أرجو الله تبارك وتعالى
أن يريني فيه يومه الأسود، أو يتوب إلى الله مما جنته يداه، ونطق به، وسكت عنه مناصروه، إنه خير مسؤول.
كتبت هذا للعبرة والموعظة، ولله عاقبة الأمور. *
3215- (أيُّ الخلق أعجبُ إيماناً؟ قالوا: الملائكة. قال: الملائكة كيف لا يؤمنون؟! قالوا: النبيون. قال: النبيون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون؟! قالوا: الصحابة. قال: الصحابة مع الأنبياء فكيف لا يؤمنون؟! ولكن
أعجب الناس إيماناًً: قوم يجيئُون من بعد كم فيجدون كتاباً من الوحي؛ فيؤمنون به ويتَّبعونه، فهم أعجب الناس إيماناً- أو الخلق إيماناً-) .
أخرجه البزار في "مسنده " (3/318- 319- كشف الأستار) : حدثنا الفضل(7/654)
(1) رواه احمد وغيره؛ وهو مخرج في " الصحيحة " (1674) ، و" الإرواء" (1208) .
ابن يعقوب الرُّخامي: ثنا زيد بن يحيى بن عُبيد الدمشقي: ثنا سعيد بن بشير
عن قتادة عن أنس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:
"غريب من حديث أنس ".
قلت: ورجاله ثقات؛ إلا أن سعيد بن بشير- مع حفظه- قد تكلم بعضهم
فيه، وقد وثقه جمع من الحفاظ؛ خلافاً لمن زعم- من الكتاب المعاصرين المتشددين على المرأة- أنه ضعيف جداً، وأوهم القراء أنه لا موثق له، والواقع يكذبه، ومنهم إمام الأئمة البخاري، حتى إن الحافظ الذهبي في "الكاشف " لم يزد على قوله فيه- بعد وصفه إياه بـ (الحافظ) ؛ وزاد في "السير" (الصدوق) -:
"قال (خ) : يتكلمون في حفظه، وهو محتمل. وقال دُحيم: ثقة، كان مشيختنا يوثقونه ".
وقد رددت على المتجاهل للتوثيق، وعلى أمثاله من المتشددين في كتابي الجديد: "الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب ... " يسر الله لي تبييضه ونشره بمنه وكرمه.
ولهذا؛ لما عزا هذا الحديث الهيثميُّ في "المجمع " (10/65) للبزار وحكى استغرابه إياه؛ عقّب عليه بقوله:
"قلت: فيه سعيد بن بشير، وقد اختلف فيه، فوثقه قوم، وضعفه آخرون،
وبقية رجاله ثقات".
قلت: فمثله وسط حسن الحديث لذاته، أو لغيره على الأقل، وعلى هذا كنت جريت في تقوية حديثه: "إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفاها"؛ فراجع كتابي بعنوانه الجديد: "جلباب المرأة المسلمة ".(7/655)
وقد كنت خرجت حديث الترجمة بنحوه في "الضعيفة" (647) من طريقين الأولى خيرمن الأخرى، وذكرت أن الحافظ ابن كثير جزم بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه لعله وقف له على طريق أو طرق أخرى يتقوى بها، وحينئذ ينبغي النظرفيها. وها أنذا قد وقفت على هذه الطريق، فبادرت إلى تخريجها وفاءً بما قلت
هناك، فالظاهر أنه من جملة الطرق التي ألقى مجموعها في قلب الحافظ ابن كثير ثبوت الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجزم بنسبته إليه، وهذا أُلقي في صدري أيضاً حين وقفت على هذه الطريق التي عرفت مما سبق أنها حسنة لغيرها على الأقل، فهي قوية بالطريق الأولى المشار إليها آنفاً.
ثم وجدت لها طريقاً أخرى مرسلة، يرويها أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس
ابن بُكير عن مالك بن مِغول عن طلحة عن أبي صالح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "متى ألقى إخواني؟ ".
فقيل: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟! قال:
"أنتم أصحابي، وإخواني قوم من أمتي لم يروني، يؤمنون بي ويصدقونني ".
ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أي الخلق أعجب إيماناً؟ ... " الحديث.
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (6/538) ، وقال:
"هذا مرسل ".
ثم ساقه من الطريق الأولى المخرَّجة هناك، ثم قال:
"وروي أيضاً عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس موصولاً".(7/656)
قلت: فكأنه أشار إلى تقوية الحديث بهذه الطرق الثلاث، فهو سلف ابن
كثير في تقويته. والله تعالى أعلم.
وهذا المرسل رجاله ثقات؛ غير أحمد بن عبد الجبار- وهو العطاردي-؛
مختلف فيه، ولذا قال الذهبي في "الميزان ":
"حسن الحديث "، وقد خرجت له حديثاً فيما تقدم (2458) من روايته عن يونس بن بكير هذا، وهو صحيح السماع منه كما بينت هناك، فهو مرسل جيد، وشاهد حسن. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولعله مما يؤكد صحة السماع المشار إليه: أن الطرف الأول من هذا المرسل قد
صح من رواية أنس وغيره، وقد سبق تخريجه أيضاً برقم (2888) من المجلد السادس، وقد طبع بحمد الله.
(تنبيه) : من الأوهام الفاحشة: عزو حديث الترجمة للبخاري من الشيخ
نسيب الرفاعي رحمه الله (1) ، في "مختصر تفسير ابن كثير"، وتبعه عليه بلديُّه الشيخ الصابوني في "مختصره " أيضاً! وإنما أوقعهما في ذلك سرعة النقل عن الحافظ ابن كثير، أو سوء الفهم لعبارته؛ فإنه قال في أول تفسير سورة (الحديد) : "وقد روينا في الحديث من طرق في أوائل شرح كتاب الإيمان من "صحيح البخاري " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوماً لأصحابه: أي المؤمنين أعجب ... فذكره، وقد ذكرنا طرقاًً من هذه في أول سورة البقرة".
فلم يتنبها لقوله: "شرح "!
_________
(1) توفي رحمة الله عليه وغفر لنا وله: صباح يوم الأربعاء، في 15جمادى الآخرة سنة (1413) ، وصلينا عليه بعد صلاة الظهر. *(7/657)
من فضائل عمار بن ياسر
3216- (أبو اليقظان على الفطرة، لا يدَعُها حتى يموت، أو يمسَّهُ
الهرم) .
أخرجه البزار في "مسنده " (3/252/2686- الكشف) : حدثنا أحمد بن
يحيى: ثنا عبيد الله بن موسى: ثنا سعيد بن أوس عن بلال بن يحيى قال:
لما قتل عثمان- رضي الله عنه- أُتي حذيفة، فقيل: يا أبا عبد الله! قتل هذا الرجل؛ وقد اختلف الناس؛ فما نقول؟ فقال: أسندوني؛ فأسندوه إلى صدر رجل فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال:
"لا نعلمه يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو إسناد صحيح رجاله ثقات كلهم، وأحمد بن يحيى هو الأودي أبو جعفر الكوفي من ثقات شيوخ النسائي، وقد توبع، فقال ابن سعد في "الطبقات " (3/262- 263) - وعنه ابن عساكر في "التاريخ " (12/652) -: أخبرنا عبيد الله ابن موسى والفضل بن دُكين قالا: أخبرنا سعيد بن أوس العبسي به، إلا أنه قال: "أو يُنسِيَهُ الهرم ".
وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/163/3043) ، وابن عدي في "الكامل " (5/205) من طريقين آخرين عن سعيد بن أوس به مختصراًً، إلا أن ابن عدي قال: "سعد".
وهو الصواب الموافق لكتب التراجم القديمة والحديثة مثل: "تاريخ البخاري "، و"الجرح والتعديل "، و"ثقات ابن حبان "، وغيرها، و"تهذيب الكمال " وفروعه.(7/658)
وهكذا على الصواب وقع في "مجمع البحرين " (6/367/ 3850- مكتبة
الرشد) .
والحديث قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/295) :
"رواه البزار والطبرا ني في " الأ وسط " با ختصار، ورجالهما ثقات ".
وذكر له الذهبي في "السير" (1/417) شاهداًً من حديث عائشة؛ وقال:
"فيه من ضُعِّف ".
ثم رأيت الحديث في "تاريخ ابن عساكر" (12/629) من طريق أخرى عن
أبي نعيم: نا سعد بن أوس.. إلخ، هكذا فيه (سعد) على الصواب، ووقع فيه
"ينسيه " على وفق رواية "الطبقات ".
ثم أخرج (12/ 630) حديث عائشة موقوفاً ومن طريق أخرى (12/643)
عنها مرفوعاً.
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 141) ، وابن عساكر (12/658- 659) من طريق يحيى بن عبد الحميد الحمَّاني: ثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب به. وقال الهيثمي في "المجمع " (9/297) :
"رواه الطبراني وأبو يعلى بأسانيد، وفي بعضها عطاء بن السائب، وقد تغيَّر، وبقية رجاله ثقات، وبقية الأسانيد ضعيفة".
ومنها: عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ قال:
لما كان يوم صفين قال عمار ... الحديث نحوه.
أخرجه البزار (2690) ، وقال:(7/659)
"لا نعلم روى ربيعة عن عمار إلا هذا".
قلت: وربيعة مجهول، وفي الطريق إليه يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو متروك.
ومنها: عن عيسى بن مسلم- كان يقال له: أبو داود الأعمى- عن عبد الأعلى ابن عامرالثعلبي عن عبد الله بن شَريك العامري عن مسلم بن مِخراق عن مخراق مولى حذيفة قال: قلت لعمار ... فذكره مختصراً نحوه.
أخرجه البزار (2691) ، وعيسى وعبد الأعلى ضعيفان.
ومنها: عن مولاة لعمار بن ياسر، قالت:
اشتكى عمار شكوى ثقل منها؛ فغُشي عليه، فأفاق ونحن نبكي حوله،
فقال: ما يبكيكم؟! أتخشون أني أموت على فراشي؟! أخبرني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تقتلني الفئة الباغية، آخر زادي مذقة لبن.
أخرجه أبو يعلى (1614) ، وعنه ابن عساكر (12 /635) ، ورجاله ثقات؛
غير مولاة عمار فهي مجهولة.
وللحديث شاهدان:
أحدهما: عن حذيفة، وله عنه طريقان:
الأولى: عن عيسى ... إلخ.
والأخرى: عن مسلم بن عبد الله الأعور عن حبَّة العُرنيّ قال:
دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان؛ نسأله عن الفتن؛ فقال: دوروا مع كتاب الله حيثما دار، وانظروا الفئة التي فيها ابن سُميَّة فاتَّبعوها؛ فإنه يدور مع كتاب الله حيثما دار، قال: فقلنا: ومن ابن سمية؟ قال: عمار،(7/660)
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له:
"لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية، تشرب شربة ضياح تكون آخر رزقك
من الدنيا".
أخرجه الحاكم (3/ 391) ، والخطيب في "التاريخ " (8/ 274- 275) ، وقال
الحاكم:
"حديث صحيحٌ عالٍ ".
كذا قال! ووافقه الذهبي على تصحيحه، وحبة العُرني؛ الأكثر على
تضعيفه، وتناقض فيه ابن حبان، فانظر تعليقنا على ترجمته في كتابي "تيسير الانتفاع "، يسر الله لي إتمامه.
ومسلم بن عبد الله الأ عور؛ كذا وقع في"المستدرك ": (ابن عبد الله) ، والصواب (أبو عبد الله) ؛ فهذه كنيته، واسم أبيه (كيسان) ، فهو (أبو عبد الله بن كيسان) ، وهو متفق على تضعيفه، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ":
"واه".
فلعل التصحيح المذكور، إنما هو لطرقه المتقدمة، ولذلك قال الهيثمي في "المجمع " (9/297) :
"رواه الطبراني، وفيه مسلم بن كيسان الأعور، وهو ضعيف ".
والشاهد الآخر: يرويه محمد بن سليمان بن أبي الرجاء الهاشمي: ثنا أبو مَعشر: ثنا جعفر بن عمرو الضَّمري عن أبي سنان الدُّولي- صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- قال:
رأيت عمار بن ياسر دعا بشراب، فأتي بقدح من لبن فشرب منه، ثم قال:(7/661)
صدق الله ورسوله، اليوم ألقى الأحبة، محمداً وحزبه، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث، ثم قال:
والله! لو هزمونا حتى يبلغونا سعفات (هجر) ؛ لعلمنا أنا على حق، وهم على باطل.
أخرجه أبو نعيم (1/ 141- 142) من طريق الطبراني: ثنا الحسن بن علي المعمري: ثنا محمد بن سليمان بن أبي الرجاء ...
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد؛ المعمري حافظ معروف، وشيخه
محمد بن سليمان وثقه ابن حبان (9/95) .
وأبو معشر: هو نجيح بن عبد الرحمن السِّندي، ضعيف لاختلاطه، وقول
الهيثمي (9/298) :
"رواه الطبراني، وإسناده حسن "!
تساهل منه؛ إلا إن كان يعني أنه حسن لغيره، وهو خلاف الظاهر. والله أعلم. *
3217- (إن آخر زادك من الدنيا ضيحٌ من لبنٍ. يعني: عمار بن
ياسرٍ) .
أخرجه الحاكم (3/389) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (2/ 101/2) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (12/659) من طريقين عن حرملة بن يحيى: ثنا عبد الله بن وهب: أخبرني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: سمعت عمار
ابن ياسر بـ (صِفِّين) في اليوم الذي قُتل فيه، وهو ينادي: أزلفت الجنة، وزُوجت الحور العين، اليوم نلقى حبيبنا محمداً - صلى الله عليه وسلم -، (وفي رواية: نلقى الأحبة، محمداً وحزبه) ، عهِد إلي ... فذ كر الحديث.(7/662)
وقال الطبراني- والرواية الأخرى- له:
"لم يروه عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف إلا ولده، ولا رواه عن إبراهيم
ابن سعد إلا ابن وهب، تفرد به حرملة".
قلت: هو ثقة من شيوخ مسلم، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فهو
إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقال الحاكم- وتبعه الذهبي-:
"صحيح على شرطهما"!!
وأورده الذهبي في "السير" (1/425) ساكتاً عليه، ولم يُخرِّجه المعلِّق عليه
ألبتة، وتحرف عليه قوله: "عن جده " إلى "عمن حدثه "، فأفسد إسناده!
والحديث خبط الهيثمي في تخريجه؛ فقال (9/296) :
"رواه الطبراني في "الأ وسط "، وأحمد باختصار، ورجالهما رجال "الصحيح "، ورواه البزار بإسناد ضعيف، وفي رواية لأحمد: أنه لما أتي باللبن ضحك ".
ووجه الخبط أنه أوهم أنه عند الآخرين- وبخاصة عند البزار- من طريق
واحدة، وليس كذلك كما سيتبين لك من التخريج الآتي:
فمن تلك الطرق: ما رواه سفيان- وهو الثوري- عن حبيب بن أبي ثابت عن
أبي البختري قال: قال عمار يوم (صفين) :
ائتوني بشربة لبن؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن "؛ فأتي بشربة لبن فشربها، ثم تقدم،
فقُتِل.(7/663)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (5 1/302 /19723) ، وأحمد (4/9 31) ، وكذا ابن سعد (3/257) . وأبو يعلى (3/188/1613) ، وابن عساكر في"تاريخ دمشق " (2 1/ 658) ، وا لحا كم (3/ 389) وقال:
"صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا إن كان حبيب سمعه من أبي البختري؛ فإنه كان
مدلساً، وأيضاً أبو البختري- واسمه سعيد بن فيروز- لم يدرك علياً رضي الله عنه. لكنه توبع، فقال أبو يعلى (1626) - وعنه ابن عساكر (12/659) -: حدثنا
وهب ابن بقية: حدثنا خالد عن عطاء عن ميسرة وأبي البختري:
أن عماراً يوم صفين.. الحديث مثله. *
سبب نزول: (ومن يخرج من بيته مهاجراً)
3218- (هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة، فنهشتهُ حيةٌ
في الطريق فمات، فنزلت فيه: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يُدرِكه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً
رحيماً) [النساء: 100] . قال الزبير بن العوام: وكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة، فما أحزنني شيءٌ حُزنَ وفاته حين بلغني؛ لأنه قلَّ أحدٌ ممن هاجر من قريش إلا معه بعض أهله أو ذي رحِمِهِ،
ولم يكُن معي أحدٌ من بني أسد بن عبد العُزَّى، ولا أرجو غيره) .
أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (2/175/1) : حدثنا أبو زرعة: ثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحِزامي: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة بن(7/664)
عبد الرحمن الحزامي عن المنذر بن عبد الله عن هشام بن عروة عن أبيه: أن الزبير ابن العوام قال: ... فذكره.
وأخرجه أبو نعيم في "المعرفة " (1/209/2) من طريق أخرى عن عبد الرحمن
ابن شيبة هذا دون قول الزبير: وكنت أتوقعه ... إلخ.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات؛ ابن شيبة الحزامي من شيوخ
البخاري، تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وأخرج له البخاري متابعة كما حققه الحافظ، وانظر تعليقي على ترجمته في "تيسير الانتفاع "؛ فكأنه- لحسن حاله- مشّى حديثه هذا كما ذكروه في ترجمة خالد بن حزام وجزموا به؛ مثل الحافظ الذهبي في "التجريد"، والعسقلاني في "الإصابة "، ومن قبلهم ابن الأثير في
"أسد الغابة ".
ورواه الواقدي على وجه آخر، فقال ابن سعد في "الطبقات " (4/119) : أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي قال: أخبرني أبي قال: خرج خالد بن حزام مهاجراً إلى أرض الحبشة في المرة الثانية؛ فنهش في الطريق ... الحديث؛ دون قول الزبير أيضاً.
وهذا- مع إرساله- واه جداً؛ لحال محمد بن عمر الواقدي المعروفة.
ومن طريقه: أخرجه الحاكم (3/485) بأسانيد أخرى له.
وبالجملة؛ فالعمدة على الطريق الأولى؛ لثقة رواتها.
غير أنه بقي شيء كدت أن أسهو عنه، وهو أن المنذر بن عبد الله الحزامي لم يوثقه غير ابن حبان (7/518 و 9/176) ، وقال الحافظ:
"مقبول "!(7/665)
فأقول: بل هو ثقة فاضل، كما يظهر من ترجمته في "تاريخ بغداد" (13/244- 245) ، وتوثيق ابن حبان إياه، وكثرة الرواة الثقات عنه، وفيهم بعض الحفاظ والفقهاء؛ فراجع "تهذيب المزي "، و"تيسير الا نتفاع ".
وأما ما روى أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس قال:
خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً، فقال لأهله: احملوني فأخرجوني
من أرض المشركين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنزل الوحي: (ومن يخرج من بيته مهاجراً ... ) الآية.
أخرجه ابن أبي حاتم أيضاً، وأبو يعلى في "مسنده " (5/ 81/2679) ، وأبو نعيم
أيضاً في"المعرفة" (1/ 331/ 2) ، والوا حدي في"أسباب النزول " (ص 131-
132) . وقال الهيثمي في "المجمع " (7/10) :
"رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات "!
كذا أطلق! وفيه نظر؛ فإن أشعث بن سوار مختلف فيه، وقد أخرج له مسلم متابعة، ولا شك في صدقه وسوء حفظه، وبهذا نجمع بين قول الذهبي فيه في "الكاشف ":
" صد وق ".
وقول الحافظ في "التقريب ":
"ضعيف".
لكن لعله يتقوى برواية شريك عن عمرو بن دينار عن عكرمة به.
أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره " (5/152) بسند رجاله ثقات، غير(7/666)
شريك هذا- وهو ابن عبد الله القاضي-، وفيه ضعف من قبل حفظه.
وله شواهد كثيرة مرسلة بأسانيد مختلفة يقطع الواقف عليها بصحة حديث
ابن عباس هذا، فراجعها إن شئت في "تفسير ابن جرير".
وإذا ثبت هذا؛ فلا تعارض بين حديث ابن عباس هذا، وحديث الترجمة؛
لأنه من الممكن أن تتعدد أسباب النزول، وذلك معروف عند علماء التفسير، فما نحن فيه من هذا القبيل.
ولعمرو بن دينار بهذا الإسناد حديث آخر في نزول قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) [النساء: 197] ، يرويه عنه محمد بن شريك. أخرجه البزار (2204) : حدثنا عبدة بن عبد الله: ثنا أبو نعيم: ثنا محمد بن
شريك به. وقال:
"لا نعلم أحداً يرويه عن عمرو إلا محمد بن شريك ".
قلت: وهو ثقة، وهو أبو عثمان المكى، وثقه جمع، ولذلك قال الحافظ في "مختصر الزوائد " (2/ 80/ 1460) :
" وفي " البخاري " بعضه، وإسناده صحيح ".
وقال الهيثمي في "المجمع " (7/ 10) :
"رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح؛ غير محمد بن شريك، وهو ثقة ". وتابعه أبو أحمد الزبيري قال: ثنا محمد بن شريك به.
أخرجه ابن جرير (5/148) ، وابن أبي حاتم (2/175/ 1) .(7/667)
وأما رواية البخاري التي أشار إليها الحافظ؛ فهي عنده (4596) من طريق
محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود عن عكرمة به. وهو رواية لابن جرير. *
3219- (كان يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإذا رأى أهل
المسجد قليلاًً؛ جلس حتى يرى منهم جماعةً ثم يصلي، وكان إذا خرج فرأى جماعة، أقام الصلاة) .
أخرجه البيهقي في "السنن " (2/19- 20) من طريق الفاكهي: أنبأ أبو
يحيى عبد الله بن أحمد بن زكريا بن الحارث بن أبي مسرَّة: ثنا أبي: ثنا عبد المجيد ابن عبد العزيز عن ابن جريج: أخبرني موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ... الحديث.
قلت: وهذا إسناد مرسل، ولكنه قد جاء موصولاً كما يأتي، وقال الحافظ
عقبه في "الفتح " (2/110) :
"وإسناده قوي مع إرساله ".
وأقول: كأنه لم يتنبه أن البيهقي قال عقبه مباشرة:
"قال- يعني ابن جريج-: وحدثني موسى بن عقبة أيضاً عن نافع بن جبير
عن مسعود بن الحكم الزُّرقي عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- مثل هذا الحديث ".
قلت وهذا إسناد جيد متصل، وإنما قوّى الحافظ مرسله مع أن فيه عبد المجيد
ابن عبد العزيز- وهو ابن أبي رواد-؛ متكلم فيه؛ لكنه قوي في روايته عن ابن جريج خاصة؛ قال ابن معين:
"كان أعلم الناس بابن جريج ".(7/668)
وقال الدارقطني:
"كان أثبت الناس في ابن جريح".
ومن دونه ثقات؛ غير أن أحمد بن زكريا بن الحارث بن أبي مسرّة لم أجد له ترجمة فيما عندي من كتب الرجال؛ إلا أن الفاكهي في "أخبار مكة" (2/348) ذكرأنه كان يفتي في مكة، ومن بعده ابنه عبد الله.
وهذا وثقه ابن حبان (8/369) ، وقال ابن أبي حاتم: "محله الصدق "، ووصفه الذهبي في السير (12/632) بـ: "الإمام المحدث المسند".
وقد خالف عبد المجيد: أبو عاصم- وهو الضَّحاك بن مخلد النبيل- في إسناده ومتنه.
أما الإسناد؛ فإنه قال: "أبي مسعود الزرقي " مكان: "مسعود بن الحكم
الزرقي ".
أخرجه أبو داود (546) : حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري: أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع بن جبير عن أبي مسعود الزرقي عن علي بن أبي طالب ...
قلت: وأبو مسعود الزرقي لا يعرف إلا بهذه الرواية، فكأنه وهم من أبي عاصم، لم يحفظه، وقد يدل على ذلك أنه اضطرب في إسناده ولم يستقر عليه،
بل إنه أسقطه وأرسله.
فرواه أبو داود (545) بالسند نفسه عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم
يُصل، وإذا رآهم جماعة صلى".(7/669)
ومن المعروف في علم المصطلح أن الحديث المضطرب من أقسام الحديث الضعيف، وما ذلك إلا لأن اضطراب الراوي في ضبط إسناده أو متنه، إنما يدل على أنه لم يتمكن لسبب أو آخر من حفظه وضبطه، وما نحن فيه من هذا
القبيل. وكأنه لهذا جزم الحافظ في ترجمة أبي مسعود الزرقي من "التهذيب " أن الصواب: (مسعود بن الحكم) .
وإذا عرفت هذا؛ انكشف لك السر في عدم ورود كنية (أبي مسعود الزرقي)
هذه في كتب (الكنى) ، وأجمعها: "المقتنى في الكنى" للذهبي.
وأما المخالفة في المتن؛ فهي قوله: "حين تقام الصلاة"، والصواب حديث عبد المجيد "بعد النداء"؛ أي: الأذان؛ فإن في آخره التصريح بأن الإقامة كانت تقام بعد خروجه ورؤيته جماعة المسجد.
ومن أجل هذه المخالفة وتلك: كنت أوردت حديث أبي عاصم في "ضعيف
أبي داود" (87- 88) ، والآن جاءت مناسبة لتأكيد ذلك، ونشر اللفظ الصحيح المحفوظ. والله ولي التوفيق. *
3220- (بُعثت والساعة كهاتين- وضمَّ إصبعيه الوسَّطى والتي
تلي الإبهام-، وقال:
ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان. ثم قال:
ما مثلي ومثل الساعة إلا كمثل رجُلٍ بعثه قومٌ طليعةُ، فلمّا خشي
أن يسبق؛ ألاح بثوبه: أتيتم أتيتم، أنا ذاك، أنا ذاك) .
أخرجه ابن جرير الطبري في "تاريخه " (1/8) : حدثنا محمد بن يزيد(7/670)
الأدمي قال: حدثنا أبو ضمرة عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير الأدمي هذا،
وهو ثقة بلا خلاف.
وقد توبع، فقال محمد بن حماد: نا أنس بن عياض الليثي عن أبي حازم-
ولا أعلمه إلا- عن سهل بن سعد به.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (7/260/10237) .
ومحمد بن حماد هذا ثقة أيضاً، وهو الأبيوردي؛ وثَّقه ابن حبان (9/99 و 107) ، وروى عنه جمع من الثقات.
وتابعهما الإمام أحمد (5/331) : ثنا أنس بن عياض به.
والطرف الأول منه أخرجه البخاري (4936 و5301 و 03 65) ، ومسلم (8/208) ، وابن حبان (6608- الإحسان) ، وأحمد (5/ 330و335و338) ، والطبراني (5873و 5885و5912و5988) وغيرهم من طرق عن أبي حازم به. وله شاهد من حديث أنس عند الشيخين، وابن حبان (6606) ، وغيرهم.
وآخر من حديث أبي هريرة عند البخاري، وابن ماجه (2/375/3265) ،
وا بن حبان (6607) وغيرهم. *
3221- (أشهد أن لا إله إلا الله، وأنِّي رسول الله، لا يأتي بهما
عبدٌ مُحِقٌ إلاّ وقاه الله حرّ النّار) .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (1/199- 200/ 230) - والسياق له-،(7/671)
والبزار (1/13/ 11) -مختصراً-من طريق يزيد بن أبي زياد عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن جده عمر قال:
كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فقلنا: يا رسول الله! إن العدو قد حضر وهم شِباع، والناس جياع؟! فقالت الأنصار: ألا ننحر نواضحنا فنطعمها الناس؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"من كان معه فضل طعام؛ فليجيء به ".
فجعل يجيء بالُمُدِّ والصاع، وأكثر وأقل، فكان جميع ما في الجيش بضعاً وعشرين صاعاً، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جنبه، ودعا بالبركة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"خذوا، ولا تنتهبوا ".
فجعل الرجل يأخذ في جرابه وفي غرارته، وأخذوا في أوعيتهم؛ حتى إن الرجل ليربط كم قميصه فيملأه، ففرغوا والطعام كما هو! ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لحال عاصم ويزيد المعروفة في سوء الحفظ، ولكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد بهما، وتقوية حديثهما بالشواهد، ولهذا خرجته هنا؛ فإن لهذه القصة والحديث شواهد بنحوه كثيرة، بعضها في "الصحيح ":
منها حديث أبي هريرة- أو أبي سعيد؛ شك الأعمش- قال:
لما كان غزوة تبوك أصابت الناس مجاعة؛ قالوا: يا رسول الله! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا، فأكلنا وادهنا ... الحديث بنحوه، وقال في آخره:
".. لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكٍّ، فيحجب عن الجنة".(7/672)
أخرجه مسلم (1/42) ، وأبو عوانة (1/7) ، وأبو يعلى في "مسنده " (2/ 411
- 412/1199) ، ومن طريقه: ابن حبان (8/162/6496) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/229- 230) ، وأحمد (3/ 11) من طرق عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد ...
وتابعه طلحة بن مُصرِّف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ... فذكره، ولم
يشك.
أخرجه مسلم، وأبو عوانة، والنسائي في "السنن الكبرى" (5/245/ 8794) ، والبيهقي أيضاً (5/228- 229 و 6/ 120- 121) .
وهذا هو المحفوظ عن الأعمش بسنده المتقدم عن أبي هريرة دون شك؛ فإنه هكذا أخرجه أبو عوانة، والنسائي (8796 و 8797) من طرق أخرى عن الأعمش: أخرجاه من طريق قتادة بن الفُضيل بن عبد الله بن قتادة، ومن طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل؛ كلاهما عن الأعمش به.
وأخرجه أحمد (2/421- 422) من طريق فُليح عن سهيل بن أبي صالح
عن أبي هريرة به.
هكذا الإسناد فيه، لم يذكر الواسطة بين سهيل وأبي هريرة، فهو منقطع ظاهر الانقطاع، فلا أدري أهو سقط من الناسخ، أم من أوهام فليح؟!
على أن الراوي عنه (فزارة بن عمرو) ، لم يذكروا له راوياً غير أحمد، وقد
روى له حديثاً آخر عن أنس، وقال الحسيني:
"فيه نظر".(7/673)
كما في "التعجيل "، ولم يذكر له غير حديث أنس، فيستدرك عليه هذا
الحديث.
وقتادة بن الفضيل؛ وقع عند "أبي عوانة": (الفضل) مكبراً؛ وهو مما قيل فيه؛ كما قال ابن حبان في "الثقات " (7/341 و 9/42) ، فليس خطأ مطبعياً كما قد يُظن، وهو ثقة عندي؛ كما في "تيسير الانتفاع ".
ومن تلك الشواهد: حديث أبي عمرة الأنصاري، قال:
كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ... الحديث نحوه بلفظ:
".. لا يلقى الله عبدٌ يؤمن بهما إلا حُجبت عنه النار يوم القيامة".
أخرجه النسائي (8793) ، و"عمل اليوم والليلة" (1140) ، وأحمد (3/417
- 418) كلاهما من طريق عبد الله بن المبارك-وهذا في"الزهد" (321/917) -، عن الأوزاعي قال: حدثني المطلب بن حنطب المخزومي قال: حدثني عبد الرحمن ابن أبي عمرة قال: حدثنا أبي قال: ... فذكره.
وتابعه جمع عن الأوزاعي به.
أخرجه ابن حبان (رقم 8- موارد) ، والحاكم (2/618) ، والبيهقي (6/ 121) ، وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا؛ فقد صرح ابن أبي عمرة بالتحديث عنده كما هو في رواية
ابن المبارك. تم بحمد الله القسم الأول ويليه القسم الثاني إن شاء الله. *(7/674)
3222- (في قوله تعالى: (ذلك أدنى أن لا تعولوا) ، قال: أن لا
تجورُوا) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (رقم 1730- الموارد) ، وابن أبي حاتم في "التفسير" (2/104/2) من طرق عن عبد الرحمن بن إبراهيم: حدثنا محمد بن شعيب عن عمر بن محمد العُمَري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله ... وقال ابن أبي حاتم:
"قال أبي: هذا حديث خطأ، والصحيح عن عائشة موقوف "!
قلت: كذا قال! ولم تطمئن النفس لهذه التخطئة؛ فإن رجال الإسناد كلهم ثقات رجال الشيخين، غير عبد الرحمن بن إبراهيم- وهو أبو سعيد الدمشقي الحافظ الملقب بـ (دُحَيم) -، قال الحافظ في "التقريب ":
"ثقة حافظ متقن ".
وغير محمد بن شعيب- وهو ابن شابور الدمشقي-، وهو ثقة اتفاقاً، وهو غير محمد بن شعيب الراوي عن داود بن علي الهاشمي الأمير- وهو مجهول- كما
في "الميزان "، ثم ذكر عقبه ابن شابور هذا، وقال فيه:
".. فمشهور، وما أعلم- والله! - به بأساً".
ووصفه في "السير" (9/376) في مطلع ترجمته بـ:
"الإمام المحدث العالم الصادق.. ".
وختمها بقوله:
"كان إماماً طلاّبة للعلم ".(7/675)
فأقول: إذا عرفت حال هذا الإسناد ثقة وصحة، ودون علة ظاهرة تقدح فيه؛
فمن الصعب جداً على من تشبّع وتفقه بقواعد علم الحديث أن يقبل توهينه بهجرد القول بخطأ رفعه؛ لأنه مخالف للمتفق عليه أن الرفع زيادة يجب قبولها من الثقة- كما هنا- ولو خالف ثقة مثله أوقفه لو وجد؛ فكيف وهو مفقود؟! ولا سيما أن جمهور العلماء على تفسير الآية بما في هذا الحديث الصحيح، فهو مما يؤكد صحته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"الفتاوى" (3/386- الكردي) بعد أن ذكر الآية:
"أي: لا تجوروا في القسم؛ هكذا قال السلف، جمهور العلماء. وظن طائفة
من العلماء: أن المراد: أن لا تكثر عيالكم! وقالوا: هذا يدل على وجوب نفقة الزوجة. وغلّط أكثرُ العلماء من قال ذلك لفظاً ومعنى.
أما اللفظ؛ فلأنه يقال: عال يعول؛ إذا جار، و: عال يعيل؛ إذا افتقر. و: أعال
يُعيل؛ إذا كثر عياله، وهو سبحانه قال: (تعولوا) لم يقل: تُعيلوا.
وأما المعنى؛ فإن كثرة النفقة والعيال يحصل بالتسرِّي كما يحصل بالزوجات،
ومع هذا فقد أباح مما ملكت اليمين ما شاء الإنسان بغير عدد؛ لأن المملوكات لا يجب لهن قسمٌ، ولا يستحققن على الرجل وطأً ... ".
ونقل الحافظ ابن كثير خلاصة هذا، وقال:
"والصحيح قول الجمهور". *
3223- (لا، ولكن برَّ أباك، وأحسن صحبته) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (2029) - من طريق شبيب بن سعيد-، والبزار (3/ 260/2708) - من طريق عمرو بن خليفة- عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:(7/676)
مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وهو في ظل أجمة، فقال:
قد غبّر علينا ابن أبي كبشة! فقال ابنه عبد الله بن عبد الله:
والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب! إن شئت لأتيتك برأسه. فقال النبي
- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقا ل البزار:
"لا نعلم رواه عن محمد بن عمرو إلا عمرو بن خليفة، وهو ثقة".
قلت: قد تابعه شبيب بن سعيد- كما رأيت- وكلاهما وثقهما ابن حبان،
وفيهما كلام. والأول أخرج له ابن خزيمة في "صحيحه "- كما في "اللسان "-، والآخر روى له البخاري، فأحدهما يقوي الآخر، فالإسناد حسن، للخلاف
المعروف في محمد بن عمرو. *
3224- (ما تُوُفي حتى أحلَّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء) . أخرجه الدارمي (2/ 154) ، والنسا ئي (2/68) ، وفي " الكبرى " (6/ 434) ،
وا بن حبان (2126- موارد) ، والحاكم (2/437) - ومن طريقه البيهقي (7/ 54) -، وأحمد أيضاً (6/ 180) ، وكذا ابن جرير في "التفسير" (22/24) ، وابن سعد في "الطبقات " (8/195) من طرق عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عميرالليثي عن عائشة قالت: ... فذكره.
وصرّح ابن جريج بالتحديث كما في "المستدرك "، وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وكذلك صرح بالتحديث في رواية أخرى لأحمد، إلا أن عطاء شك في
الواسطة بينه وبين عائشة.(7/677)
فقال أحمد (6/ 201) : ثنا عبد الرزاق قال: أنا ابن جريج قال: وزعم عطاء أن عائشة قالت (فذكره) ، قلت: عمن تأثِرُ هذا؟ قال: لا أدري؛ حسبت أني سمعت عبيد بن عمير يقول ذلك.
وتابعه أبو عاصم عن ابن جريج عن عطاء قال: أحسب عبيد بن عمير
حدثني عن عائشة.
أخرجه ابن جرير.
وقد تابعه سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائشة.
أخرجه أحمد أيضأ (6/ 41) ، وا بن جرير، والترمذي (4 321) - وقال: "حسن صحيح "-، والنسائي أيضاً، وسكت عنه في "الفتح " (8/526) .
وللحديث شاهدان: أحدهما من رواية المغيرة بن عبد الرحمن الحِزامي عن
أبي النضر مولى عمر عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة قالت:
لم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء؛ إلا
ذات محرم.
أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" كما في "تفسير ابن كثير" (3/500) ،
ووقع فيه أخطاء مطبعية في الإسناد.
وهو إسناد حسن.
وأخرجه ابن سعد (8/194) من طريق محمد بن عمر الواقدي عن بردان بن
أبي النضر عن أبيه به.
والشاهد الآخر؛ يرويه داود بن أبي هند قال: ثني محمد بن أبي موسى عن
زياد- رجل من الأنصار- قال:(7/678)
قلت لأبيِّ بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّين، أما كان له أن يتزوج؟! فقال: وما يمنعه من ذلك- وربما قال داود: وما يحرم عليه ذلك-؟! قلت: قوله: (لا يحِلُّ لك النساء من بعد) ، فقال: إنما أحل الله له ضرباً من النساء
فقال: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك..) إلى قوله: قاله (إن وهبت نفسها للنبي..) ثم قيل له: (لا يحل لك النساء من بعد) [من بعد هذه الصفة]
أخرجه الدارمي (2/153- 154) ، وا بن سعد (8/196) ، والبخاري في
"التاريخ" (2/ 1/ 360) ، وابن جرير في"التفسير" (22/ 31) ، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (5/132) ، والضياء المقدسي في"المختارة" (رقم1171و 1172) . أورده البخاري مختصراً في ترجمة زياد هذا، وسمى أباه (عبد الله) ؛ وكذلك
سماه ابن أبي حاتم، ولم يذكر له راوياً غير محمد بن أبي موسى هذا، ولا توثيقاً ًولا تجريحاً؛ ولذلك قال الحسيني في "رجال المسند":
"لا أعرفه ".
وأقره الحافظ في "التعجيل ".
وأما الهيثمي؛ فقال- بعد أن عزاه لعبد الله بن أحمد (7/93) -:
"رأيت في"ثقات ابن حبان": " زياد، أبو يحيى الأنصاري، يروي عن ابن عباس "؛ فإن كان؛ فهو ثقة، والظاهر أنه هو. ومحمد بن أبي موسى ذكره
ابن حبان في (الثقات) ".
وأقول: في "ثقات ابن حبان " ثلاثة بهذا الاسم والنسب، أحدهم (5/376) تابعي يروي عن ابن عباس، وعنه أبو سعد البقَّال.(7/679)
والآخران من أتباع التابعين:
أحدهما: (7/426) نُسب إلى جده ابن أبي عياش، يروي عن عطاء بن يسار. وعنه أبو أويس.
والآخر: (7/427) روى عن عبد الله بن عبد الرحمن عن علي، وعنه
شريك.
وإذا عرفت هذا؛ فمن الصعب تحديد أنهم المراد في هذا الحديث! على أنه لا
فائدة تُذكر من وراء ذلك؛ لأنهم جميعاً في حكم المجهولين، مع أن صنيع البخاري في"التاريخ " (1/ 1/236) إلى أنه التابعي الراوي عن ابن عباس.
وإن مما يلفت النظر أن ابن أبي حاتم لم يذكر هذا مطلقاً، وإنما ذكر الذي روى
عنه أبو أويس، وآخر روى عن القاسم بن مُخيمِرة، وعنه الأوزاعي، وقال أبوه فيه: "مجهول ".
ومن العجيب أن أحداً من هؤلاء الأربعة لم يُذكر في "الميزان " ولا في "اللسان ". نعم، المذكور أولاً- وهو الراوي عن ابن عباس- قد ذُكِر فى "التهذيب "، وقال
في " التقريب ":
"مستور".
وأورده في "التعجيل " أيضاً، ونقل عن الحسيني قوله:
" مجهول ". وأ قره.
هذا ما يقال في محمد بن أبي موسى.
وأما شيخه زياد الأنصاري، فمن المحتمل ما ذكره الهيثمي أنه زياد أبو يحيى(7/680)
الأنصاري الذي ذكره ابن حبان في "الثقات " (4/ 261) .
وأما جزمه بأنه ثقة؛ فلا وجه له؛ لأنه ليس بالمشهور، ولم يوثقه غير
ابن حبان. والله أعلم.
ومما سبق تعلم أن قول الشيخ المعلق على "الأحاديث المختارة":
"إسناده حسن "!
غير حسن؛ للجهالة التي بيَّنّا. والله ولي التوفيق. *
3225- (اللهم! أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب خاصةً) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (2180- موارد) من طريق عبد الله بن عيسى الفروي، وكذا البيهقي في "سننه " (6/ 370) ، وابن عدي في "الكامل " (6/ 310) ، وعنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/718) - وكنوه بأبي علقمة- قال: حدثنا عبد الملك بن الماجشون: حدثني مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف الفروي هذا، ويُستغرب تصحيح ابن
حبان إياه، مع أنه قد ذكره في "الضعفاء" باسمه وكنيته (2/45) ، وقال:
"يروي العجائب، ويقلب على الثقات الأخبار التي يعرفها من الحديث
صناعته أنها مقلوبة".
وضعفه غيره أيضاً. وسمَّاه الحسيني في "الإكمال " (7/84) : "عبد الله بن
محمد الفروي "!
ومن فوقه ثقات، لولا أن مسلم بن خالد سيئ الحفظ، وهو الزَّنجي المكي(7/681)
الفقيه من شيوخ الإمام الشافعي، وقد وثقه بعضهم، ومنهم ابن حبان، لكنه أشار إلى ضعف حفظه، فقال في "ثقاته " (7/448) :
"يخطئ أحياناً".
قلت: فمثله يُحتج به عند المتابعة على الأقل.
وقد وجدت له متابعاً قوياً، فقال عبد العزيز بن عبد الله الأويسي: ثنا
الماجشون بن أبي سلمة عن هشام بن عروة به.
أخرجه الحاكم (3/83) ، وعنه البيهقي، ومن طريقه: ابن عساكر (6/719) ،
وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ في "الفتح " (7/48) :
"أخرجه الحاكم بإسناد صحيح ".
وهو كما قال، فإن الماجشون هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني؛
ثقة فقيه من رجال الشيخين.
وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي ثقة من شيوخ البخاري.
ومن دونه ثقات حفاظ.
وهذه المتابعة مما فات المعلق على "إحسان المؤسسة" (15/306) ؛ فإنه وقف
مع الضعف الظاهر في إسناد ابن حبان بسبب الزنجي والفروي!
وإذا عرفت هذا المتابع؛ فلعله به يزول الاستغراب الذي سبق ذكره؛ فإن(7/682)
الفروي الذي ضعفه ابن حبان يحتمل أن يكون عنده من أولئك الضعفاء الذين يقول فيهم:
"لا يحتج به إلا فيما وافق فيه الثقات ".
فإن إخراجه لحديثه هذا في "صحيحه " يشير إلى هذا، وإلا؛ كان متناقضاً، وهذا غير لازم ما أمكن التوجيه الحسن، كما هو معروف عند أهل العلم من باب: (التمس لأخيك عذراً) . والله أعلم.
ولا منافاة بين هذا الحديث وحديث ابن عمر:
"اللهم! أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: أبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب ".
رواه ابن حبان (2179- موارد) ، وله شواهد، ذكرت بعضها في "تخريج المشكاة" (6036/ التحقيق الثا ني) ، وقواه الحافظ (7/48) بشوا هده.
أقول: لا منافاة؛ لاحتمال أن يكون هذا قاله - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر، فلما رأى عناد أبي جهل وإصراره على معاداته - صلى الله عليه وسلم -؛ دعا لعمر خاصة، واستجاب الله دعاءه، وأعز الله به دينه، كما هو معروف في سيرته- رضي الله عنه-، وهو ما صرح به عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- بقوله:
"ما زلنا أعزَّة منذ أسلم عمر".
أخرجه البخاري (3684) ، وا بن حبان (6841- الإحسان) ، وا بن أبي شيبة
في "المصنف " (12 /22- 23) ، وا بن سعد (3/ 270) ، وغيرهم.
واستدركه الحاكم (3/84) على الشيخين؛ فوهم على البخاري!(7/683)
(تنبيه) : أخرج ابن أبي عاصم حديث ابن عمر في كتابه "السنة" (رقم
1264) من طريق أخرى عنه نحوه، وزاد في آخره:
"قال ابن عمر: والله! ما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ لنا أبا جهل "!
فهي زيادة باطلة لمخالفتها لتلك الشواهد المشار إليها آنفاً، مع ضعف الإسناد. *
معتدَّة الوفاة تُحِد بالسواد ثلاثاً فقط
3226- (تسلّبي ثلاثاً، ثم اصنعي ما شئتِ. قاله لأسماء بنت
عُميسٍ لما أصيب زوجُها جعفرُ بن أبي طالب) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (745- موارد) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/44) ، وأحمد (6/438) ، وابن سعد (8/282) ، وابن جرير الطبري في "التفسير" (2/318) ، والطبراني في"المعجم الكبير (24/139/ 369) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/187) ، والبيهقي في "السنن " (7/438) ، و"معرفة الآثار" (6/61/4676) من طرق كثيرة عن محمد بن طلحة بن مُصرِّف عن الحكم بن عُتيبة عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عُميس أنها قالت: لما أصيب جعفر بن أبي طالب؛ أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد أعله البيهقي بالانقطاع بين عبد الله بن شداد وأسماء، وبمحمد بن طلحة!
أما الانقطاع؛ فدعوى باطلة؛ فإن عبد الله من كبار التابعين الثقات، ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسماء خالته، ولم يُرم بتدليس.
وأما محمد بن طلحة؛ فهو من رجال الشيخين، وفيه كلام يسير لا يسقط به(7/684)
حديثه، ولذلك جزم الذهبي في "المغني " بأنه ثقة. وقال الحافظ:
"صدوق له أوهام ".
ولذلك قوى إسناده في "الفتح " (9/487) ، وذكر عن أحمد أنه صححه.
وقد رد ابن التركماني على البيهقي إعلاله بما تقدم رداً قوياً، فراجعه.
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تسلَّبي "- كما قال ابن الأثير-:
"أي: البسي ثوب الحداد، وهو (السِّلاب) ، والجمع (سُلُب) ، وتسلبت المرأة:
إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تُغطي به المُحِد رأسها".
فأقول: هذا المعنى هو صريح في رواية أحمد؛ فإنها بلفظ:
"البسي ثوب الحداد ثلاثاً، ثم اصنعي ما شئت ".
ولكن في رواية أخرى له (6/369) بلفظ:
"لا تُحِدِّي بعد يومك هذا".
وهو شاذ عندي بهذا اللفظ، لمخالفته للطرق المتقدمة من جهة، وللحديث المتواتر عن جمع من أمهات المؤمنين وغيرهن- من جهة أخرى- الصريح في أن المتوفى عنها زوجها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، وهو مخرج في"الإرواء" (2114) . فذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحديث المتواتر ناسخ لحديث الترجمة،
ومنهم أبو جعفر الطحاوي.
فأقول: لو كان الحديث محفوظاً باللفظ الثاني؛ لكان القول بالنسخ مما لا بد منه، أما والمحفوظ إنما هو باللفظ الأول: "تسلبي ثلاثاً"؛ فهو أخص من الحديث المتواتر، فيستثنى الأقل من الأكثر، أي: تحد بما شاءت من الثياب الجائزة غير(7/685)
السواد؛ إلا في الثلاثة أيام، وهذا هو اختيار الإمام ابن جرير، قال- رحمه الله:
"فإنه غير دالٍّ على أن لا إحداد على المرأة، بل إنما دلَّ على أمر النبي إياها
بالتسلب ثلاثاً، ثم العمل بما بدالها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز
للمعتدة لبسه؛ مما لم يكن زينة ولا طيباً؛ لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلُّب، وذلك كالذي أذن - صلى الله عليه وسلم - للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب
العصب وبرود اليمن؛ فإن ذلك لا من ثياب زينة، ولا من ثياب تسلُّب ".
قلت: وهذا هو العلم والفقه والجمع بين الأحاديث، فعضَّ عليه بالنواجذ.
والله هو الموفق لا رب سواه.
(تنبيه) : إن من أعجب وأغرب التحريفات التي مرَّت بي في حياتي العلمية
- وقد دخلت في الثمانين من عمري- ما أصاب هذا الحديث في لفظ (تسلَّبي) :
فقد وقع فى"الموارد" (745) : "سلَّمي "وكذلك وقع في أصله"صحيح ابن حبان " (3138 - دار الكتب- بيروت) ! وفي طبعة المؤسسة (3148) "تسلَّمي "، وكذا في "طبقات ابن سعد" (8/282) !
وفي "شرح المعاني "، و"المعجم الكبير": "تسكني "!
وفي "سنن البيهقي ": "تسلبني "، وفي "المعرفة ": "لا تسلني " بدون الباء الموجودة، ولكني أظن أنه خطأ مطبعي؛ لأن المعلق عليه أفاد أن الفرق بين كتابي البيهقي"السنن"و"الآثار"إنما هو زيادة حرف (لا) النافية، وقال: "كذا في المخطوطة " يعني أن فيها: "لا تسلبني "!
وقد نبَّه الحافظ- رحمه الله- في "الفتح " (9/448) على خطأ ابن حبان، وجزم بأن الصواب ما أثبتُّه أعلاه. ثم قال:(7/686)
"وقد وقع في رواية البيهقي وغيره: "فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتسلب
ثلاثاً "، فتبين خطؤه ".
ولم أقف على هذه الرواية عند البيهقي ولا عند غيره من أصحاب المصادر المتقدمة، والله أعلم.
نعم؛ لفظ رواية أحمد يعطي معناها، فإنه قال:
"البسي ثوب الحداد ثلاثاً، ثم اصنعي ما شئت ".
وما أثبتُّه هو لفظ الطبري وأبي نعيم.
وإن من ذلك التحريف: ما وقع في"مجمع الزوائد" (3/17) معزواً لرواية
أحمد: "تسلَّي "!
ولا وجود لها في "مسنده " المطبوع!
وأعجب من ذلك كله: أن الأخ الفاضل حمدي السلفي أورد في فهرسه
القيم "مرشد المحتار" (2/32) الحديث بلفظه الصحيح: "تسلبي.. " معزوّاً لأحمد بالرقم المتقدم مني (6/438) ، وليس هو فيه- من الطبعة الميمنية- أيضاً إلا باللفظ الذي ذكرته آنفاً: "البسي ثوب الحداد.. "! *
3227- (اللهم! علِّم معاوية الكتاب والحساب، وقِِهِ العذاب) .
روي من حديث العرباض بن سارية، وعبد الله بن عباس، وعبد الرحمن ابن أبي عمِيرةالمزني، ومسلمة بن مُخلَّد، ومرسل شُريح بن عُبيد، ومرسل حَرِيز بن عثمان. ا- أما حديث العرباض؛ فيرويه يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عنُ
أبي رُهمٍ السمعي عن العرباض بن سارية السلمي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذ كره.(7/687)
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1938) ، وابن حبان (278 2) ، وأحمد
(4/127) ، وفي "فضائل الصحابة " (1748) ، والبزار (2723) ، والفسوي في "التاريخ " (2/345) ، والحسن بن عرفة في "جزئه " (61/122) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (18/ 251/628) ، وابن عدي في "الكامل " (6/406) ، ومن المخطوطات: أبو القاسم الكتَّاني في "جزء من حديثه " (ق 4/2) ، وفي مجلس البطاقة"أيضاً (ق 188/ 1) ، وا بن بِشران في "الأمالي " (ق 14/ 1) ، وابن حمصة في "جزء البطاقة" (ق70/2) ، وأبو طاهر الأنباري في "مشيخته " (ق 149/1) ، وابن عساكرفي"تاريخ دمشق " (16/682 و 683) ، وأبو موسى المديني في "جزء من الأمالي " (ق 1/2) كلهم عن يونس به.
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله ثقات, غير الحارث بن زياد؛
فإنه مجهول لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يذكر له راوياً غير يونس هذا، وعليه؛ فقول الحافظ فيه:
"لين الحديث "!
ليس على الجادة.
ثم إنه ليس يخفى أن إخراج ابن خزيمة لحديثه في "الصحيح " يعني أنه ثقة عنده، إلا أنه قد عرف بالتساهل في التصحيح والتوثيق- كتلميذه ابن حبان-، فلا أقل من أن يصلح للاستشهاد به، وهذا هو الذي مال إليه من قوى هذا الحديث
كما يأتي.
ومع هذا؛ فقد خفي توثيق ابن حبان المذكور على الهيثمي، فقال في "مجمع
الزوا ئد " (9/ 356) :(7/688)
"رواه البزار وأحمد- في حديث طويل- والطبراني، وفيه الحارث بن زياد؛
ولم أجد من وثقه، ولم يرو عنه غير يونس بن سيف، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف ".
2- وأما حديث ابن عباس؛ فيرويه عثمان بن عبد الرحمن الجُمحِي عن
عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعأ به.
أخرجه أبو جعفر الرزاز في "حديثه " (4/99/ 1) ، وابن عدي (5/162) ،
وا بن عساكر (16/683- 684) ، وقال:
"وهو ضعيف ".
قلت: وعلته الجمحي هذا؛ فإنه مختلف فيه، وهو كما قال الذهبي في
" الميزان ":
"صويلح ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"ليس بالقوي ".
قلت: فمثله يستشهد به أيضاً، فكأنه لذلك سكت عنه الحافظ ابن كثيرفي
"البداية " (8/ 121) ولم يضعفه.
3- وأما حديث عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني؛ فيرويه سعيد بن
عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عنه به.
أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/ 1/327) ، وابن عساكر (16 /684- 686) ، والذهبي في "السير" (8/38) .(7/689)
قلت: وهذا إسناد جيد عندي، وشاهد قوي، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير
ابن أبي عميرة؛ وهو صحابي كما جاء مصرحاً به في بعض الطرق، وبلفظ: "اللهم! اجعله هادياً مهديّاً، واهده، واهد به ".
وقد تقدم تخريجه برقم (1969) ، وحسنه الترمذي كما ذكرت ثمة؛ وكذلك
حسنه الجوزقاني في كتابه "الأباطيل " (1/193) .
وقد أعل حديث الترجمة- من رواية ابن أبي عميرة- المعلق على "الإحسان " (16/193) بقوله:
"ورجاله ثقات إلا أن سعيد بن عبد العزيز قد اختلط "!
وقد غفل- كما هو شأن كل كاتب- أو تغافل عن كون الراوي لهذا الحديث
عن سعيد إنما هو أبو مُسهِرٍ- واسمه عبد الأعلى بن مسهر-، وأنه هو الذي رماه بالاختلاط، وأنه يستبعد منه- لفضله- أن يحدِّث عنه فيما سمعه منه في حال اختلاطه، كما كنت ذكرت ذلك فيما تقدم.
وأضيف الآن فأقول:
وإن مما يؤيد ذلك: أن الإمام مسلماً قد احتج في "صحيحه " برواية أبي مسهر
عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد، كما في "تهذيب المزي "، وما أجد لهذا وجهاً إلا ما تقدم، أو أن اختلاطه كان ضيِّقاً لا يضر، وهو الذي يكني عنه بعضهم بأنه: "تغير"؛ وهو ما وصفه به الحافظ حمزة الكناني، وهذا الوصف هو الذي يلتقي مع إطلاقاتِ أئمة الجرح الثناء عليه، كقول أحمد:
"ليس بالشام رجل أصح حديثاً منه ".(7/690)
وقول ابن معين فيه:
"حجة". ونحوه كثير.
ولعل قول الحافظ الذهبي في "السير" (3/124) عقب حديث العرباض:
"وللحديث شاهد قوي ".
أقول: لعل هذا القول منه هو ما ذكرته. والله أعلم.
4- وأما حديث مسلمة بن مخلد؛ فيرويه أبو هلال محمد بن سُليم قال:
ثنا جبلة بن عطيَّة عن مسلمة بن مخلد أو عن رجل عن مسلمة بن مخلد.
أنه رأى معاوية يأكل، فقال لعمرو بن العاص: إن ابن عمك هذا لمِخضدٌ،
أما إني أقول هذا، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكر الحديث؛ لكنه لم يذكر: "الحساب "، وقال مكانه:
"ومكن له في البلاد".
أخرجه أحمد في "الفضائل " (1750) ، وكذا ابن سعد كما في "البداية"
(8/ 121) - وليس في المجلدات المطبوعة، ولا في المجلد الذي طبع منه- حديثاً- كمتمم-، وابن الجوزي في "العلل " (1/272) ، وابن عساكر (16 /684) .
وأعله ابن الجوزي بأبي هلال، وهو صدوق فيه لين كما في "التقريب ".
وأعله الهيثمي بالانقطاع فقال (9/357) :
"رواه الطبراني من طريق جبلة بن عطية عن مسلمة بن مخلد، وجبلة لم
يسمع من مسلمة؛ فهو مرسل، ورجاله وثقوا، وفيهم خلاف ".(7/691)
قلت: والصواب إعلاله بالرجل الذي لم يُسَمَّ، فهو مجهول، ولم يقع له ذكر
في إسناد ابن الجوزي، وكذلك في طريق الطبراني فيما يظهر من كلام الهيثمي، والقسم الذي فيه مسلمة بن مخلد.
وجبلة هذا: الظاهر أنه ابن عطية الفلسطيني المترجم في "التهذيب " برواية جمع عنه، ومنهم الراسبي هذا، وبتوثيق ابن معين وابن حبان، ووثقه الذهبي أيضاً في "الكاشف ".
وصنيعه في "الميزان " يدل على أنه يفرِّق بين الفلسطيني الموثَّق، وبين جبلة
ابن عطية هذا؛ فإنه ذكره هكذا في "الميزان " غير منسوب، وقال:
"لا يعرف، والخبر منكر بمرة، وهو من طريق ثقتين عن أبي هلال محمد بن سليم: حدثنا جبلة عن رجل ... " فذكر الحديث.
وتعقبه الحافظ في "اللسان "، فقال:
"ولعل الآفة في الحديث من الرجل المجهول، وأما جبلة؛ فنقل ابن أبي حاتم
توثيقه عن ابن معين ... ".
5- وأما مرسل شُريح بن عُبيد، فقال أحمد في "الفضائل " (1749) : ثنا
أبو المغيرة قال: ثنا صفوان قال: حدثني شريح بن عبيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لمعاوية بن أبي سفيان: "اللهم ... " الحديث بلفظ الترجمة.
قلت: وهذا إسناد شامي مرسل صحيح، رجاله ثقات، وشريح بن عبيد:
هو الحضرمي الحمصي تابعي ثقة، روى عن جمع من الصحابة، وأرسل عن آخرين.(7/692)
وصفوان: هو ابن عمرو هو السَّكسكي الحمصي، وهو من رجال مسلم.
وأبو المغيرة: اسمه عبد القدوس بن الحجَّاج الخولاني الحمصي، من رجال الشيخين.
6- وأما مرسل حريز بن عثمان؛ فقال الحسن بن عرفة في "جزئه " (66) : حدثنا شبابة بن سوَّار عن حريز بن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا ... الحديث. ومن طريق الحسن: أخرجه ابن عساكر (16/684) .
وهذا أيضاً إسناد شامي مرسل صحيح؛ فإن الحسن بن عرفة ثقة من شيوخ الترمذي وابن ماجه.
وشبابة بن سوّار: ثقة حافظ من رجال الشيخين.
وحريز بن عثمان: هو الرَّحبي الحمصي، وهو ثقة من رجال البخاري؛ ولكنه
كان يبغض علياً أبغضه الله! ولذلك أورده ابن حبان في "الضعفاء" (1/268- 269) ، وقال في "صحيحه "- بعد أن ساق حديث عقبة بن عامر في التشهد بعد الوضوء من طريقين عنه، أحدهما: عن أبي عثمان عن جبير بن نفيرعنه (3/325- 328/ 1050- المؤسسة) -:
"أبو عثمان هذا يشبه أن يكون حريز بن عثمان الرحبي، وإنما اعتمدنا على
هذا الإسناد الأخير؛ لأن حريز بن عثمان ليس بشيء في الحديث "!
وأرى أن في موقف ابن حبان هذا من حريز- مع تواتر أقوال الأئمة في توثيقه تواتراً عجيباً، نادراً ما نرى مثله في كثير من الثقات المعروفين مع وصف بعضهم إياه بالبغض المذكور آنفاً- مبالغةً ظاهرةً، وهو قائم على مذهبه الذي(7/693)
أفصح عنه في مقدمة"ضعفائه " (ص 81) : "أن منهم المبتدع إذا كان داعية إلى
بدعته ".
وهي مسألة طالما اختلفت فيها أقوال العلماء، كما هو مبسوط في "علم المصطلح "، والذي تحرر عندي فيها- ورأيت فحول العلماء عليها-: أن المبتدع إذا ثبتت عدالته وضبطه وثقته؛ فحديثه مقبول ما لم تكن بدعته مكفرة، ولم يكن حديثه مقوياً لبدعته، والى هذا مال الحافظ في "شرح النخبة" تبعاً للعلامة المحقق ابن دقيق العيد، وقد حكى كلامه في "مقدمة الفتح " (ص 385) ، وهو جيد ومهم جداً، فراجعه.
واذا عرفت هذا؛ فحديث عقبة ليس فيه ما يؤيد البدعة، وكذلك حديثنا،
إنما هو في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية- رضي الله عنه-، وهذا يقال فيما لو تفرد به حريز، فكيف وقد توبع من جمع كما تقدم؟!!
فلا غرابة إذن أن ذهب إلى تقويته من سبق ذكرهم من الحفاظ، ويمكن أن نُلحق بهم الحافظ ابن عساكر؛ فإنه بعد أن ساق الأحاديث المتقدمة، وغيرها مما
لا مجال بوجه لتقويتها، وروى بسنده الصحيح عن إسحاق بن راهويه أنه قال:
"لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل معاوية بن أبي سفيان شيء"؛ عقب عليه بقوله:
"وأصح ما روي في فضل معاوية حديثُ أبي حمزة عن ابن عباس أنه كان كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخرجه مسلم في "صحيحه "، وبعده حديث العرباض: "اللهم! علمه الكتاب ... "، وبعده حديث ابن أبي عميرة: "اللهم! اجعله هادياً مهدياً ... ". *(7/694)
3228- (يا شداد بن أوسٍ! إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة، فأكثر هؤلاء الكلمات:
اللهم! إني أسألك الثبات في الأمرِ، والعزيمة على الرُّشد،
وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتِك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك من خير
ما تعلم، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرُك لما تعلمُ؛ إنك أنت
علامُ الغيوب) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/335- 336) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (1/266) ، وكذا ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (16/127) من طريقين عن سليمان بن عبد الرحمن: ثنا إسماعيل بن عياش: حدثني محمد بن يزيد الرحبي عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف لا يضر:
1- سليمان بن عبد الرحمن: هو ابن بنت شرحبيل أبو أيوب الدمشقي،
قال الذهبي في "الكاشف ":
"مُفتٍ ثقة، لكنه مُكثِرٌعن الضعفاء".
2- إسماعيل بن عياش: ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها كما يأتي.
3- محمد بن يزيد الرحبي، وهو دمشقي، له ترجمة في "تاريخ دمشق "
لابن عساكر (16/127) ، وأفادأنه روى عنه خمسةآخرون غير إسماعيل بن عياش،(7/695)
وأكثرهم ثقات، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (9/35) . وذكره أبو زرعة الدمشقي في "تسمية نفر ذوي إسناد وعلم " كما ذكر ابن عساكر. ولم أجده في "تاريخ دمشق " المطبوع لأ بي زرعة.
4- وأما أبو الأشعث الصنعاني- واسمه شَراحِيل بن آدّة-؛ فهو ثقة من
رجال مسلم.
فصح الإسناد والحمد لله، وهو مما فات المعلق على "الإحسان " (3/216) أن يذكره في جملة ما خرَّج من طرق الحديث، وكلها لا تخلو من ضعف أو جهالة أو انقطاع، ولذلك لم يصرح بمرتبة الحديث! لكنه صرح بأنه ضعيف عقبه في طبعته من "الموارد" (2/1089) .
ومن تلك الطرق: ما عزاه للحاكم (1/508) من طريق عمر بن يونس بن القاسم اليمامي عن عكرمة بن عمار قال: سمعت شداداً أبا عمار يحدث عن
شداد بن أوس. قال المعلق:
"وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي ".
وسكت عليه ولم يتعقبهما بشيء، مع أنّ خطأهما في ذلك ظاهر؛ لأنه من
رواية أبي الحسن محمد بن سنان القزاز: ثنا عمر بن يونس ...
فأقول: القزاز هذا ليس من رجال مسلم أولاً، ثم هو متكلَّم فيه، فأورده
الذهبي نفسه في "الميزان " وقال:
"رماه أبو داود بالكذب، وابن خراش يقول: ليس بثقة. وأما الدارقطني
فمشّاه، وقال: لا بأس به ".
ولذلك؛ جزم الحافظ بضعفه في "التقريب ".(7/696)
ومن ذلك يتبين أن المعلِّق المشار إليه لم يحسِن حينما ساق إسناد الحاكم من عند عمر بن يونس؛ فإن ذلك يوهم أن من دونه ليس فيهم أي ضعف، وما هكذا يكون التحقيق!
ومن هذا القبيل: أنه ضعف إسناد ابن حبان في هذا الحديث بسُويد بن عبد العزيز قال: حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي عبيد الله مسلم بن مِشكَم قال:
خرجت مع شداد بن أوس ... فذكر قصة، وفيها هذا الحديث؛ فعلق عليه بقوله:
"سويد بن عبد العزيز لين الحديث، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أحمد (4/123) من طريق روح عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: كان شداد بن أوس ... ورجاله ثقات إلا أن حسان بن عطية لم يدرك شداداً".
فأقول: نعم؛ ولكن قد ذكر الحافظ المزي في ترجمة حسان أن من شيوخه أبا عبيد الله مسلم بن مشكم، فلا يبعد أن يكون هو الواسطة بين حسان وشداد،
فتكون طريق روح- وهو ابن عبادة- متابعة قوية لسويد بن عبد العزيز.
وهناك احتمال آخر، وهو أن تكون الواسطة بينهما أبا الأشعث الصنعاني فإنه
من شيوخ حسان أيضاً.
وللحديث طرق أخرى: منها ما عند النسائي، وا بن حبان (2416- موارد) ،
والطبراني (7/353/ 7180) من طريق سعيدالجُريري عن أبي العلاءعن شداد به. ورجاله ثقات، لكنه منقطع بين أبي العلاء وشداد.(7/697)
ووصله الترمذي (4004) ، وأحمد (4/ 125) ، والطبراني (7175- 7178) ،
وأبو نعيم أيضاً ... بذكر رجل حنظلي بينهما.
والحنظلي لم أعرفه، وانظر تعليقي على "المشكاة" (995) .
وقد وجدت له شاهداً، ولكنه واه جداً، فأذكره لبيان حاله، فأقول:
رواه إسماعيل بن عمرو البجلي: ثنا موسى بن مُطَير عن أبي إسحاق قال:
قال لي البراء بن عازب: ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ...
فذ كره.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/9- 10) ، وفي "الأوسط " (2/156/2/7542) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/27) ،
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا موسى بن مطير، تفرد به إسماعيل بن عمرو".
قلت: هذا ضعيف، وشيخه موسى؛ قال الذهبي:
"واهٍ، كذبه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم والنسائي وجماعة: متروك ... ".
وبه أعله الهيثمي فقال (10/173) :
"رواه الطبراني في" الكبير" و" الأ وسط "، وفيه موسى بن مطير وهو متروك ".
وأبو إسحاق- وهو السبيعي- كان اختلط، لكن العلة ممن دونه.
وفي حديث شداد- ولا سيما من الطريق الأولى- ما يغني عن الاستشهاد بهذا الإسناد الواهي. *(7/698)
3229- (من صام رمضان، وصلّى الصلوات [الخمس] ، وحجَّ البيت- لا أدري أذكر الزكاة أم لا؟ -؛ إلا كان حقاً على الله أن يغفر
له، إن هاجر في سبيل الله، أو مكث بأرضه التي ولد بها، قال معاذٌ: ألا أُخبر بهذا الناس؟! فقال: ذرِ الناس [يا معاذُ] يعملون) .
أخرجه الترمذي (2530) ، وأحمد (5/ 232 و 240- 241) ، والبزار (1/23/
26) عن عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارعن معاذ بن جبل مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات من رجال مسلم، لولا أنه منقطع؛
فقد قال الترمذي عقبه:
"عطاء لم يدرك معاذ بن جبل، ومعاذ قديم الموت، مات في خلافة عمر"
قلت: مات سنة (18) كما جزم به في "التقريب "، وعطاء كانت ولادته
سنة (19) ، وعليه؛ فقول الترمذي المذكور: " ... لم يدرك معاذاً" أدق من قول الحافظ في "التهذيب ":
"وفي سماعه من معاذ نظر"!
وذلك " لأنه يفيد بمفهومه أنه أدركه؛ وليس كذلك.
ثم وجدت للحديث شاهداً من حديث أبي هريرة عند البخاري وغيره؛ وهو
مخرج فيما تقدم برقم (921) . *(7/699)
3230- (يظهرُ هذا الدّين حتى يجاوز البحار، وحتى تُخاض بالخيل في سبيل الله، ثُمَّ يأتي أقوامٌ يقرأون القرآن، فإذا قرأوا قالوا:
قد قرأنا القرآن، فمن أقرأُ منا؟ من أعلمُ منا؟!
ثم التفت إلى أصحابه، فقال:
هل ترون في أولئك من خير؟
قا لوا: لا. قال:
فأولئك منكم، وأولئك من هذه الأمة، وأولئك هُم وقُودُ النار) . أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (152/ 450) قال: أخبرنا موسى بن عُبيدة
عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ابن الهاد عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وأخرجه أبو يعلى (12/56/6698) ، والبزار (1/99/ 174) من طريقين آخرين عن موسى بن عُبيدة به (1) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف موسى هذا مع عبادته.
وابن الهاد: اسمه يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد؛ لم يدرك العباس كما
يدل على ذلك تاريخ وفاتهما.
وقد جاء عنه موصولاً من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن يزيد بن الهاد
قال: حدثتني هند بنت الحارث الخثعمية امرأة عبد الله بن شداد عن أم الفضل أم
__________
(1) ثم رأيته في"ترغيب الأصبهاني " (2/876) من طريق رابع عن موسى، لكنه شذ فقال: "عن ابنة الهاد أنها قالت: أخبرني العباس بن عبد المطلب ... ".(7/700)
عبد الله بن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أنه قام ليلة بمكة، فقال:
"اللهم! هل بلّغت؟ " ثلاث مرات.
فقام عمر بن الخطاب فقال: اللهم! نعم، ونصحت وجهدت. فأصبح فقال: "ليظهرن الإيمان حتى يردَّ الكُفر إلى مواطنه، وليخوضنَّ البحار بالإسلام،
وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن ... ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/27- 28) ، وقال المنذري في
" الترغيب " (1/ 80) :
"وإسناده حسن إن شاء الله ".
وقال الهيثمي (1/186) :
"ورجاله ثقات؛ إلا أن هند بنت الحارث الخثعمية التابعية لم أر من وثقها ولا جرحها"!
وأقول: بلى؛ قد وثقها من أنت كثير الاعتماد عليه، وهو ابن حبان؛ فقد ذكرها في "الثقات " (5/517) برواية يزيد هذا عنها، وقد قال الحافظ فيها: "مقبولة".
يعني عند المتابعة، وقد توبعت؛ فقال البزار في "مسنده " (1/405/283- البحر الزخار) : حدثنا عبد الله بن شبيب قال: نا إسحاق بن محمد الفروي قال:
نا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يظهر الإسلام حتى تخوض الخيلُ البحار، وحتى يختلف التجار في البحر، ثم يظهر قوم يقرأون القرآن ... " الحديث.(7/701)
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الله بن زيد، قال الحافظ:
"صدوق فيه لين ".
قلت: فمثله يكون حديثه حسناً لغيره على الأقل إذا سلم ممن دونه؛ فلننظر.
وإسحاق بن محمد الفروي من رجال البخاري، لكن قال الحافظ:
"صدوق، كفَّ فساء حفظه ".
فهو كالذي قبله.
فيبقى النظر في الراوي عنه: عبد الله بن شبيب؛ فإن له ترجمة سيئة
في "الميزان " و"لسانه "، ولم يوثقه أحد، وأحسن ما قيل فيه قول الدارقطني:
"غير عبد الله بن شبيب أثبتُ منه ".
ولذا قال الذهبي:
"أخباري علامة، لكنه واهٍ ".
فالاستشهاد به موضع نظر. والله أعلم.
ولم يتفرد به؛ فقال الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/86/2/6378) : حدثنا محمد بن علي الصائغ قال: نا خالد بن يزيد العُمري قال: ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم به. وقال:
"لم يروه عن عبد الله بن زيد بن أسلم إلا العمري "!
كذا قال! وكأنه لم يقف على متابعة الفروي، أو أنه لم يعتدّ بإسناده إليه.
وهذا أعدل من قول الحافظ (1/143) :
"قلت: وقد أخطأ في ذلك ".(7/702)
وقال الهيثمي:
"رواه الطبراني في " الأوسط "، والبزار، ورجال البزار موثّقون ".
وهذا نحو قول المنذري قبله في "الترغيب " (1/79) :
"رواه الطبراني في"الأ وسط "والبزار بإسناد لا بأس به، ورواه أبو يعلى والبزار والطبراني من حديث العباس بن عبد المطلب ".
وأقول: بمجموع الطريقين إليهما مع طريق أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب يمكن القول بأن الحديث يرتقي إلى مرتبة الحسن، مع ملاحظة أن معناه مطابق للواقع، وطرفه الأول من معجزاته العلمية التي تدل على صدق
نبوته - صلى الله عليه وسلم -. والله سبحانه وتعالى أعلم.
3231- (مرَّ رجلٌ ممن كان قبلكُم بجُمجُمة، فنظر إليها، فحدّث نفسه بشيءٍ ثم قال: يا ربِّ! أنت أنت، وأنا وأنا، أنت العوادُ
بالمغفرةِ، وأنا العوادُ بالذنوب! وخرّ للهِ ساجداً، فقيل له: ارفع رأسك، فأنت العوّادُ بالذّنوبِ، وأنا العوّادُ بالمغفرةِ، [فرفع رأسه، فغُفِر له] ) . أخرجه ابن عدي (2/147) ، والخطيب في" التاريخ " (9/ 92) ، والديلمي
في "مسند الفردوس " (3/67) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (2/ 71) من طريق سعيد بن نُصَير البغدادي: حدثنا سيَّار بن حاتم: حدثنا جعفر بن سليمان الضُّبعِي قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن جابر مرفوعاً.
وقال الخطيب:
"تفرد بروايته هكذا مرفوعاً سيَّارُ بن حاتم عن جعفر بن سليمان، ورواه العباس(7/703)
ابن الوليد النَّرسي عن جعفر عن ابن المنكدر عن جابر موقوفاً، وذاك أصح ". قلت: يعني الموقوف؛ لأن النرسي ثقة، وسيَّار فيه ضعف.
لكني وجدت له متابعاً قوياًّ، فقال البزار في"مسنده " (1/ 361/755) :
حدثنا الوليد بن عمرو بن سُكَين: ثنا حبَّان بن هلال: ثنا جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر عن جابر رفعه.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال مسلم- ليس فيهم
مغمز- سوى الوليد بن عمرو؛ فليس من رجاله، ولكنه ثقة كما قال الذهبي. وقال النسائي:
"لا بأس به "، وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال (9/228) :
"ربما أخطأ ". وقال الحافظ:
" صد وق ".
وأعله البزار بعلة غريبة؛ فقال عقبه:
"ولا نعلمه عن جابر إلا من هذا الوجه، ولا أحسب جعفر بن سليمان سمع
ابن المنكدر، ولا روى عنه إلا هذا"!
قلت: هذا ليس بشيء؛ فقد روى عمن هو أقدم وفاة منه، وهو ثابت البناني،
ولم يُرمَ بتدليس، وهو ثقة من رجال مسلم كما سبقت الإشارة إليه.
نعم؛ قد أورده ابن عدي في ترجمة جعفر هذا، مشيراً إلى أنه من مفاريده، وليس ذلك بضارِّه؛ فقد ساق له الذهبي عده أحاديث من هذا القبيل، وقال:
"وغالب ذلك في "صحيح مسلم " ... ".(7/704)
وقال الذهبي فيه:
"ثقة، فيه شيء مع كثرة علومه، قيل: كان أمَّياً، وهو من زهاد الشيعة".
وقال الحافظ:
"صدوق زاهد كان يتشيع ".
قلت: فمثله يحتج به من أهل العلم ما لم يظهر خطؤه. والله أعلم.
(تنبيه) : تحرف (سيار بن حاتم) في "الديلمي " إلى (سفيان الثوري) !
ولم يتنبه لذلك المعلق على "الفردوس " (4/172/6535) فنقله على خطئه!
ولم يتكلم على إسناده بشيء!
والحديث قال الهيثمي (2/287) :
"رواه البزار، ورجاله ثقات ". *
3232- (إنّ من تمامِ إسلامِكم أن تُؤدُّوا زكاة أموالِكم) .
أخرجه ابن أبي عاصم، في "الآحاد والمثاني " (4/309 /2334) : حدثنا يعقوب بن حُميد: ثنا عيسى بن الحضرمي بن كلثوم بن علقمة بن ناجية الخزاعي عن جده كلثوم عن أبيه:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم عام (الُمَريسيع) حين أسلموا: ... فذكره.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/8/6) : حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي: ثنا يعقوب بن حميد به، وزاد في نسب (ناجية) فقال: (ابن
الحارث الخزاعي) .(7/705)
وأخرجه البزار في "مسنده " (1/415/876) : حدثنا بعض أصحابنا عن
عيسى بن الحضرمي به. ووقع فيه بعض الأخطاء المطبعية.
قلت: وهذا إسناد حسن؛ يعقوب بن حميد فيه كلام لا ينزله عن مرتبة الاحتجاج به، وقوَّاه البخاري كما في "المغني "، وقال الحافظ:
"صدوق ربما وهم ".
وعيسى بن الحضرمي، قال ابن أبي حاتم (3/274) عن أبيه:
"لا بأس به ".
وكلثوم بن علقمة- ويقال: (كلثوم بن المصطلق) نسبةً إلى جده الأعلى-
وثّقه ابنُ حبان (5/335) ، وروى عنه جماعة، وقيل: له صحبة، ولذلك جزم الحافظ بأنه ثقة، وعلى ذلك خرجت له حديثاً في "صحيح أبي داود" (2703) . (تنبيه) : كنت حينما ألفت "صحيح الترغيب والترهيب " ونشرته؛ جرَّدتُ
منه هذا الحديث لتضعيف المنذري إياه؛ بتصديره له بقوله: "روي ... "، وإعلال الهيثمي بقوله (3/62) :
" ... وفيه من لا يعرف ".
وما كان يمكنني إلا الاعتماد عليهما يومئذ؛ لعدم التمكن من الوصول إلى إسناده في تلك المصادر، وبخاصة منها كتاب ابن أبي عاصم، فلما منّ الله تعالى بطبعها، ويسر لي الرجوع إليها ودراسة إسناده؛ تبينت أن ما أعل به غير وارد، وبخاصة بالنسبة لإسناد ابن أبي عاصم، أما بالنسبة لإسناد البزار فالعلة واضحة؛ لأنه لم يسم شيخه، وإن كنت لا أستبعد أن يكون هو يعقوب بن حميد، وأما(7/706)
بالنسبة لإسناد الطبراني؛ فيجوز أن يكون الهيثمي أشار بقوله المتقدم إلى شيخ الطبراني: (أحمد بن عمرو الخلال) ؛ فإني لم أجد له ترجمة، أقول هذا مع ملاحظتي أن الهيثمي ليس من عادته إعلال الحديث بشيخ الطبراني إلا نادراً، وبخاصة أن (الخلال) هذا قد روى له في"المعجم الأوسط " (17) سبعة عشر حديثاً. ويحتمل أن يكون خفي عليهما حالُ من فوق يعقوب بن حميد، وبخاصة
عيسى بن الحضرمي الذي لم يُذكر إلا في كتاب ابن أبي حاتم. والله أعلم. *
3233- (لا نبيَّ بَعدِي، ولا أُمّة بعدكم؛ فاعبدُوا ربَّكم، وأقيمُوا خمسكُم، وأعطُوا زكاتكُم، وصُومُوا شهركُم، وأطيعُوا وُلاةَ أمرِكم؛ تدخلوا جنة ربِّكم) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/316/797) وفي "مسند الشاميين " (2/193- 194) ، وأبو نعيم في"معرفة الصحابة" (2/283/ 1) ، وابن مندة في "المعرفة" أيضاً (2/175/1) من طريق بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد ابن معدان عن أبي قُتَيلة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام في الناس في حجة الوداع فقال: ... فذ كره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن بقية مدلس وقد عنعن.
لكن له شاهد قوي من حديث أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيها الناس! إنه لا نبيَّ بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا! فاعبدوا ربكم ... " الحديث، وزاد بعد جملة الزكاة:
"طيبةً بها أنفسُكم ".(7/707)
أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين " (2/16 /834) وفي "المعجم الكبير"
(8/136/7535) من طريق إسماعيل بن عياش: حدثني شُرَحييل بن مسلم ومحمد بن زياد: أنهما سمعا أبا أمامة يقول: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد شامي متصل صحيح.
وأخرجه في "المعجم الكبير" (8/162- 163) من طريق أخرى عن إسماعيل به مختصراً، لكنه قرن مع شيخَيِ ابن عياش: (أسد بن وداعة) ، وقد وثقه ابن حبان (4/56) ، وروى البخاري في "التاريخ " (1/2/ 50) ، والفسوي في "المعرفة" (1/117) عن معاوية بن صالح أنه كان مرضياًّ، وروى الفسوي (2/385) ما يدل على أنه كان من الذين نصبوا أنفسهم للفقه، وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا، وأنه كان قاضي الجند بحمص.
ثم روى الطبراني (7617) بإسناد آخر صحيح عن إسماعيل عن شرحبيل
عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته عام حجة الوداع: ... فذكره ببعض اختصار.
وروى في "مسند الشاميين " (2/401- 402) من طريق فرجِ بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة قال:
كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فخطب الناس، فقال في موعظته:
"ألا لعلكم لا تروني بعد عامكم هذا، (ثلاث مرات) ".
فقام رجل طويل أشعث، كأنه من رجال شنوءة، قال: فما الذي نفعل يا رسول الله؟! فقال:
"اعبدوا ربكم ... " الحديث، وفيه: "طيبة بها أنفسكم ".(7/708)
وفرج ضعيف.
وللحديث طريق رابع عن أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:
"اتقوا الله ربكم ... " الحديث نحو لفظ الترجمة.
وتقدم تخريجه برقم (867) . *
3234- (حمَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كل ناحيةٍ من المدينة برِيداً برِيد اً) .
أخرجه أبو داود (036 2) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 111/722)
من طريق سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان: أخبرنا عبد الله بن أبي سفيان عن عدي بن زيد قال: ... فذكره، وزاد:
"لا يُخبَط شجره ولا يُعضد؛ إلا ما يساق به الجمل ".
قلت: وهذا إسناد مجهول كما هو مبين في غير هذا الموضع، وإنما أوردته هنا لأثبت صحته ببعض الشواهد التي وقفت عليها؛ ولم أر من صنع ذلك من قبل، فأقول:
الأول: روى أبو بكر الفضل عن جابر قال: ... فذكر مثله. أخرجه البزار في "مسنده " (2/54/ 1190) ، وقال:
"لا يروى إلا من هذا الوجه، والفضل بن مبشر.. صالح الحديث". كذا قال! وتعقبه الحافظ، فقال في "مختصر الزوائد" (2/479) : "قلت: بل هو ضعيف ".
وقال في " التقريب ":
"فيه لين ".(7/709)
قلت: وهذا في الجرح ألين، وإن كان ضعفه الأكثر، فقد قال ابن معين في
روا ية:
"ليس به بأس ".
قلت: فمثله يستشهد به ولا بأس- إن شاء الله-، وسائر الرجال ثقات.
الثاني: عن صالح بن محمد بن زائدة الليثي عن عامر بن سعد بن أبي
وقاص عن أبيه قال: ... فذكره بمعناه.
أخرجه ابن عدي (4/59) .
وهذا كالذي قبله أو هو خير منه؛ فإن صالحاً هذا، قال الذهبي في "الميزان ": "مقارب الحال ... "
وقال في "المغني ":
"صويلح، قال الدارقطني: ضعيف، وقال أحمد: ما أرى به بأساً، وقال ابن
معين: ضعيف ".
وذكر في "الكاشف " أنه كان صاحب ليل وتألُّه وجهاد.
فمثله يستشهد به، ويرتفع الحديث إلى مرتبة الحسن على الأقل، وإلى
الصحيح يقيناً بالشاهد الآتي وهو:
الثالث: عن أبي هريرة قال:
حرَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين لابتيِ المدينة.. وجعل اثني عشر ميلاً حول
المدينة حِمّى.
أخرجه مسلم (4/116) ، وأحمد (2/279) .(7/710)
وإن مما يحسن ذكره: أنني اعتبرت هذا الحديث الصحيح شاهداً لحديث الترجمة مع الاختلاف الظاهر بين لفظيهما؛ لما هو معروف عند العلماء أن البريد يكون عادة اثني عشر ميلاً، وكأنه لذلك سكت الحافظ في "الفتح " (4/85) عن حديث عدي بن زيد؛ مع ما في إسناده من الجهالة.
وأما الزيادة التي في آخره: "لا يخبط شجره ... "؛ فلها شواهد من حديث جابر وغيره، خرجتها في "صحيح أبي داود" (رقم 1777) . *
3235- (أحسِنُوا مبايعة الأعرابيِّ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/35/3559و5/307/5294) من طريق أبي الهيثم خلف بن الهيثم النَّهشِليِِِّ القصَّاب: حدثنا غسان بن الأغر النهشلي: ثنا عمي زياد بن الحُصين عن أبيه حُصين بن قيس:
أنه حمل طعاماً إلى المدينة، فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
"ماذا تحمل يا أعرابي؟ ".
قال: قمحاً.
قال: "ما أردت به- أو ما تريد به-؟ ".
قال: أردت بيعه، فمسح رأسي، وقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير خلف هذا، فلم أجد له ترجمة، لكنه
قد توبع من:
1- الصّلت بن محمد قال: حدثنا غسان بن الأغر به مختصراً. أخرجه النسائي (2/277) .(7/711)
والصلت هذا ثقة من رجال مسلم.
ولغسّان متابعةٌ- أيضاً- من:
2- نُعَيم بن حُصين السَّدُوسي: ثنا عمي زياد به مختصراً.
أخرجه البزار في "مسنده " (2/ 89/1273) ، والطبراني أيضاً (3560) ، وفي "الأوسط " (2012- مجمع البحرين) من طريق عبد الله بن معاوية الجُمَحي: ثنا نعيم بن حصين السدوسي به. وقال الطبراني:
"لم يروه عن نعيم إلا عبد الله، وهو نعيم بن فلان بن حصين. وجدُّه حصين السد وسي ".
قلت: وعبد الله بن معاوية ثقة، لكن شيخه نعيم لم أجد له ترجمة.
3- موسى بن إسماعيل: ثنا غسان بن الأغر به، مختصراً.
أخرجه البخاري في " التاريخ " (2/ 1/ 1) ، والطبراني أيضاً (3558) ، وأبو نعيم في "المعرفة" (1/182/ 1) من طريقه ومن طريق إسماعيل بن عبد الله:
ثنا موسى بن إسماعيل به، ولفظه:
أنه قدم المدينة بإبل، فقال: يا رسول الله! مُر أهل الوادي أن يعينوني ويُحسنوا مخالطتي؛ فأمرهم، فقاموا معه فأحسنوا مخالطته، ثم دعاه، فمسح يده على وجهه ودعا له.
وموسى بن إسماعيل هو المنقري، ثقة ثبت، فصح الإسناد والحمد لله.
وإسماعيل بن عبد الله هو الأصبهاني الملقب بـ (سمَّوَيهِ) ، وهو حافظ ثقة؛
وقد ترجمه الذهبي في"السير"، ومن قبله أبو نعيم في "أخبار أصبهان ".(7/712)
ومن طريقه أخرجه الحافظ المزي في"التهذيب " (9/454- 455) . *
3236- (إذا باع أحدُكم الشَّاة واللَّقحة؛ فلا يُحفِّلها) .
أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (8/198/ 14864) ، ومن طريقه: النسائي
(2/214) ، وابن حبان (7/224/4948) ، وأحمد (2/273- 274) كلهم عن عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو كثير أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وتابعه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير به.
أخرجه أحمد (4/ 481) .
وإسناده صحيح أيضاً.
وقد أخرجه الشيخان وأصحاب "السنن " وغيرهم من طرق عديدة، وبألفاظ متقاربة عن أبي هريرة، وهي مخرجة بتوسع في "أحاديث البيوع ".
وهو شاهد قوي لحديث أنس: "نهى عن بيع المحفلات "، وكنت خرجته في "الضعيفة " (4726) لضعف سنده، وبالتالي أوردته في"ضعيف الجامع "؛فلينقل منهما. *
3237- (ما أخافُ على أُمّتِي إلا ثلاثاً: شُحٌّ مُطاعٌ، وهوىً متَّبعٌ،
وإمامُ ضلالٍ) .
أخرجه البزار في"مسنده " (2/238/1602) ، والدَّولابي في "الكنى" (1/16) ، وابن منده في "المعرفة " (2/62/2) ، وابن عساكر في"تاريخ دمشق "(7/713)
(13/462) من طرق؛ أحدها: أبو عبد الرحمن المقرئ: نا ابن لهيعة: حدثني ابن هُبيرة عن عمرو البِكالي عن أبي الأعور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، لم يعرف بعضهم الهيثميُّ، فقال في "مجمع الزوائد" (5/239) :
"رواه الطبرا ني، والبزار، وفيه من لم أعرفه ".
أقول:
أولاً: أبو الأعور الأسلمي، أثبت صحبته مسلمٌ وأبو أحمد الحاكم والبغوي وغيرهم، ونفاها بعضهم. وتفصيل ذلك في "الإصابة".
ولعله مما يرجِّح صحبته أن الراوي عنه صحابي، وهو:
ثانياً: عمرو البِكالي، قال البخاري: "له صحبة "، وكذا قال أبو حاتم. ونفاها بعضهم0انظر " الإصابة ".
ثالثاً: ابن هبيرة- اسمه عبد الله السَّبئي الحضرمي المصري- تابعي ثقة، احتج به مسلم.
رابعاً: ابن لهيعة- واسمه عبد الله- ثقة معروف بالضعف في حفظه؛ إلا فيما
رواه عنه أحد العبادلة، ومنهم عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو أبو عبد الرحمن أحد الرواة عنه لهذا الحديث، ولذا صححته، والحمد لله. *
3238- (لقد تاب توبةً، لو تابها صاحب مُكسٍ؛ لقُبِلت منه) .
أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير" (148/1) عن أبي شيبة عن الحكم عن
مقسم عن ابن عباس مرفوعاً.(7/714)
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ أبو شيبة هذا اسمه إبراهيم بن عثمان
العبسي مولاهم الكوفي، قال البخاري:
"سكتوا عنه ". وقال النسائي والدولابي:
"متروك الحديث ". وقال أبو حاتم:
"ضعيف الحديث، سكتوا عنه وتركوا حديثه ".
ثم وجدت له طريقاً آخر، يرويه أبو إسماعيل المؤدِّب عن الأعمش عن أنس
ابن مالك:
أن امرأة اعترفت بالزنى أربع مرات وهي حبلى، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارجعي حتى تضعي "، ثم جاءت، فقال: "ارجعي حتى تفطمي "، ثم جاءت، فرُجمت، فذكروها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره بلفظ:
"لغُفر له ".
أخرجه البزار في "مسنده " (2/212/ 1541- الكشف) ، وابن عدي في "الكامل " (1/249) من طريقين عن أبي إسماعيل المؤدب به وقالا:
"تفرد به عن الأعمش أبو إسماعيل المؤدب ".
قلت: واسمه إبراهيم بن سليمان، وهو كما قال ابن عدي:
"حسن الحديث، وله أحاديث كثيرة غرائب حسان، تدل على أنه من أهل
الصدق، وهو ممن يُكتب حديثه ".
قلت: فهو شاهد قوي لولا الانقطاع بين أنس والأعمش، قال الهيثمي في
"مجمع الزوائد" (6/252) :(7/715)
"رواه البزار، ورجاله ثقات؛ إلا أن الأعمش لم يسمع من أنس، وقد رآه ".
ثم وجدت للحديث شاهداً من حديث بُريدة بن الحُصيبِ رضي الله عنه في قصة رجم الغامدية حين جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تطلب إقامة الحد عليها، فقال
لها- صلى الله عليه وسلم -:
"اذهبي حتى تلدي ".
فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته. قال:
"اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ".
فلما فطمته أتته بالصبي في يده كِسرةُ خبز، فقالت: هذا يا نبي الله! قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبيَّّ إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحُفر إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها.. ثم قال - صلى الله عليه وسلم -:
"فو الذي نفسي بيده! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ".
أخرجه مسلم (5/ 20) ، وأبو داود (4442) ، والبيهقي (4/18 و 8/218و1 22) ،
وأ حمد (5/ 348) . *
3239- (إنِّ صاحب السٌّلطان على باب عنتٍ؛ إلاّ من عصم اللهُ
عزّ وجلّ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/55/3603) من طريق معاوية بن هشام عن سفيان عن عطاء بن السائب عن مالك بن الحارث عن رجل- قال الحضرمي (شيخ الطبراني) في كتاب أبي كريب (شيخ الحضرمي) : عن حميد قال: عن رجل- قال:(7/716)
استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً على سرِيّةٍ، فلما مضى ورجع إليه قال له:
"كيف وجدت الإمارة؟ ".
فقال: كنت كبعض القوم، كنت إذا ركبت ركبوا، وإذا نزلتُ نزلوا، فقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
فقال الرجل: والله! لا أعمل لك ولا لغيرك أبداً. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -حتى بدت نواجذه!
قلت: وهذا إسناد جيد، وأعله الهيثمي فقال: (5/ 201) :
"رواه الطبراني، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات ".
وأقره المعلق عليه!
قلت: وكأنه لم يتنبه لكونه من رواية سفيان- وهو الثوري-، وأنه ممن سمع
منه قبل الاختلاط.
ويشهد للحديث ما رواه سوَّار أبو حمزة عن ثابت عن أنس:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل المقداد بن الأسود على جريدة خيل، فلما قدم قال: "كيف رأيت؟ ".
قال: رأيتهم يرفعون ويضعون، حتى ظننت أني ليس ذاك!
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"هو ذاك ".
فقال المقداد: والذي بعثك بالحق؛ لا أعمل على عمل أبداً. فكانوا يقولون
له: تقدّم فصلِّ بنا، فيأبى.(7/717)
وقال البزار:
"لا نعلم رواه عن ثابت إلا سوار، ولم يكن بالقوي، وقد حدث عنه كثير من
أهل العلم ".
قلت: هو وسط، وهو حسن الحديث ما لم يخالف، وعلى ذلك جرى العلماء
من بعد الحفاظ، وأشار إلى ذلك الحافظ بقوله فيه:
"صدوق له أوهام ".
وقال الذهبي في "المغني ":
"صالح الحديث ".
وانظر أقوال الحفاظ في "صحيح أبي داود" (510) .
وقال الهيثمي في تخريج الحديث:
"رواه البزار، وفيه سوار بن داود أبو حمزة، وثقه أحمد وابن حبان وابن
معين، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
وقد نقل الأعظمي هذا في تعليقه على "البزار"؛ لكن سقط منه قوله:
"وفيه ضعف ... " إلخ.
وطبع مكانه: "وغيره، وعبد الله بن أحمد ثقة مأمون "!!
وهذا وقع عند الهيثمي في حديث آخر عقب هذا، فاختلط الأمر على الشيخ الأعظمي، فاقتضى التنبيه!
ويقوِّي حديث المقداد هذا: ما روى عبد الله بن عون عن عُمَير بن إسحاق
عنه قال:(7/718)
بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - مبعثاً، فلما رجعت قال لي:
"كيف تجد نفسك؟ ".
قلت: ما زلت حتى ظننت أن معي خولاً لي! وايمُ الله! لا أعمل على رجلين
بعدها أبداً.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (20/258- 259) .
قال الهيثمي عقب تخريج حديث المقداد السابق:
"رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح "؛ خلا عمير بن إسحاق، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره، وعبد الله بن أحمد ثقة مأمون ".
وأقول: لم يرو عنه غير عبد الله بن عون، فمثله يستشهد به ولا يحتج به. وبخاصة أن ابن معين وغيره قد ضعفه (1) . لكن إطلاق نسبة الضعف إلى ابن معين ليس بجيد، بل يجب تقييده بمثل قوله: "في رواية"؛ فإنه قد وثقه في رواية أخرى. وتوثيقه لعبد الله مما لا شك فيه، لكن ذلك قد يوهم من لم يقف على الحديث عند الطبراني أن عبد الله تفرد به! وليس كذلك؛ فقد أخرجه من غير طريقه أيضاً، فاقتضى التنبيه. *
- (لَيدخُلنَّ عليكُم رجلٌ لَعِينٌ. يعني: الحكم بن أبي العاص) . أخرجه أحمد (2/163) ، والبزار في "مسنده " (2/247) من طريق عبد الله
ابن نُمير: ثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف عن عبد الله 3240 بن عمرو قال:
_________
(1) وقد بينت ذلك في"تيسير الانتفاع"(7/719)
كنا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني،
فقال ونحن عنده: ... فذكر الحديث، فوالله! ما زلت وجلاً أتشوَّف داخلاً
وخارجاً حتى دخل فلان: الحكم [بن أبي العاصي] .
والزيادة للبزار، وقال:
"لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمرو بهذا الإسناد".
قلت: وهو إسناد صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي (5/ 241) :
"رواه أحمد والبزار والطبراني في" الأ وسط "، ورجال أحمد رجال (الصحيح) ".
وله شاهدان قويَّان ساقهما البزار:
أحدهما: من طريق الشعبي قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول- وهو
مستند إلى الكعبة-: وربّ هذا البيت! لقد لعن الله الحكم- وما ولد- على لسان
نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
وقال البزار:
"لا نعلمه عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو إسناد صحيح أيضاً، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخ البزار (أحمد بن منصور بن سيّار) ، وهو ثقة، ولم يتفرد به كما يشعر بذلك تمام كلام البزار:
"ورواه محمد بن فُضيل أيضاً عن إسماعيل عن الشعبي عن ابن الزبير".
ولذلك لم يسع الحافط الذهبي- مع تحفظه الذي سأذكره- إلا أن يصرِّح في "تاريخ الإسلام " (2/57) بقوله:(7/720)
"إسناده صحيح ". وسكت عنه في "السير" (2/108) ؛ ولم يعزه لأحد!
وقد أخرجه أحمد أيضاً (5/5) : ثنا عبد الرزاق: أنا ابن عينية عن إسماعيل
ابن أبي خالد عن الشعبي.
وهذا صحيح على شرط الشيخين كما ترى.
والشاهد الآخر: يرويه عبد الرحمن بن معنٍ (وهو ابن مَغْرَاءَ) : أنبأ إسماعيل
ابن أبي خالد عن عبد الله البَهِِيّ- مولى الزبير- قال:
كنت في المسجد، ومروان يخطب، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: والله! ما استخلف أحداً من أهله. فقال مروان: أنت الذي نزلت فيك (والذي قال لوالديه
أفٍ لكما) ، فقال عبد الرحمن: كذبت، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن أباك، وقال البزار: "لا نعلمه عن عبد الرحمن إلا من هذا الوجه ".
قلت: واسناده حسن كما قال الهيثمي، وأقره الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/686) .
وقد وجدت لابن مغراء متابعاً قوياً، وهو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وقد ساقه بسياق أتم وأوضح، رواه عنه ابن أبي حاتم- كما في "تفسير ابن كثير" (4/159) - عن عبد الله البهي قال:
إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين
في (يزيد) رأياً حسناً وأن يستخلفه، فقد استخلف أبو بكر عمر- رضي الله عنهما-. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما-: أهرقلية؟! إن أبا بكر- رضي
الله عنه- ما جعلها في أحد من ولده، وأحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية
إلا رحمة وكرامة لولده! فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه: (أفٍّ لكما) ؟ فقال(7/721)
عبد الرحمن: ألست يا مروان! ابن اللعين الذي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباك؟! قال: وسمعتهما عائشة- رضي الله عنها-، فقالت: يا مروان! أنت القائل لعبد الرحمن
كذا وكذا؟! كذبت! ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلان. ثم انتحب
مروان (!) ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها، فجعل يكلمها حتى انصرف. قلت: سكت عنه ابن كثير، وهو إسناد صحيح.
وأخرجه البخاري في "صحيحه " (4827) بإسناد آخر مختصراً، وفيه:
فقال (مروان) : خذوه! فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا عليه.
وفيه إنكار عائشة على مروان.
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (6/458- 459) من طريق ثالثة من رواية
شعبة عن محمد بن زياد قال:
لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر! فقال عبد الرحمن بن
أبي بكر: سنة هرقل وقيصر!
وفيه أن عائشة قالت ردّاً على مروان:
كذب والله! ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي أُنزلت فيه لسمَّيته، ولكن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لعن [أبا] (1) مروان، ومروان في صلبه فََضَض (2) من لعنة الله. قلت: وإسناده صحيح، وعزاه الحافظ في "الفتح " (13/577) السيوطي في
"الدر" (6/ 41) لعبد بن حميد، وا بن المنذر، والحاكم- وصححه-، وا بن مردويه.
_________
(1) سقطت من "سنن النسائي"، واستدركتها من "الدر".
(2) أي: قطعة وطائفة منها؛ كما في "النهاية"، وفي "الدر": (فضفض) ! فهو تصحيف، وكذلك وقع في تفسير ابن كثير"، فليصحح.(7/722)
ثم وجدت لحديث الترجمة طريقاً أخرى عن ابن عمرو، من رواية ابن عبد البر في "الاستيعاب " بإسناده الصحيح عن عبد الواحد بن زياد: حدثنا عثمان ابن حكيم قال: حدثنا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضاً؛ فإن رجاله كلهم ثقات، وعبد الواحد بن زياد
ثقة محتج به في "الصحيحين "، ولم يتكلموا فيه إلا في روايته عن الأعمش خاصة، وهذه ليست منها كما ترى، وعليه: يكون لعثمان بن حكيم إسنادان صحيحان في هذا الحديث، وذلك مما يزيد في قوّته والله سبحانه وتعالى أعلم
وهذه الطريق كالطريق الأولى؛ سكت عنها الذهبي في "التاريخ "!
هذا؛ وإني لأعجب أشد ّالعجب من تواطؤ بعض الحفاظ المترجمين لـ (الحكم)
على عدم سوق بعض هذه الأحاديث وبيان صحتها في ترجمته، أهي رهبة الصحبة، وكونه عمَّ عثمان بن عفان- رضي الله عنه-، وهم المعروفون بأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم؟! أم هي ظروف حكومية أو شعبية كانت تحول بينهم وبين ما كانوا يريدون التصريح به من الحق؟ فهذا مثلاً ابن الأثير يقول في "أسد الغابة":
"وقد روي في لعنه ونفيه أحاديث كثيرة، لا حاجة إلى ذكرها، إلا أن الأمر المقطوع به: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -- مع حلمه وإغضائه على ما يكره- ما فعل به ذلك إلا لأمرعظيم ".
وأعجب منه صنيع الحافظ في "الإصابة"؛ فإنه- مع إطالته في ترجمته- صدَّرها بقوله:
"قال ابن السكن: يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليه، ولم يثبت ذلك "!(7/723)
وسكت عليه ولم يتعقبه بشيء، بل إنه أتبعه بروايات كثيرة فيها أدعية مختلفة عليه، كنت ذكرت بعضها في "الضعيفة"، وسكت عنها كلها وصرح بضعف بعضها، وختمها بذكر حديث عائشة المتقدم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن أباك وأنت في صلبه. ولكنه- بديل أن يصرح بصحته- ألمح إلى إعلاله بمخالفته رواية البخاري المتقدمة، فقال عقبها:
"قلت: وأصل القصة عند البخاري بدون هذه الزيادة"!
فأقول: ما قيمة هذا التعقب، وهو يعلم أن هذه الزيادة صحيحة السند، وأنها
من طريق غير طريق البخاري؟! وليس هذا فقط، بل ولها شواهد صحيحة أيضاً كما تقدم؟! اكتفيت بها عن ذكر ما قد يصلح للاستشهاد به! فقد قال في آخر
شرحه لحديث: "هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش " من "الفتح " (13/11) : "وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد. أخرجها الطبراني وغيره؛ غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك "!
وأعجب من ذلك كلِّه تحفُّظُ الحافظ الذهبي بقوله في ترجمة (الحكم) من
" تاريخه " (2/ 96) :
"وقد وردت أحاديث منكرة في لعنه، لا يجوز الاحتجاج بها، وليس له في الجملة خصوص من الصحبة بل عمومها"!
كذا قال! مع أنه- بعد صفحة واحدة- ساق رواية الشعبي عن ابن الزبير مصححاً إسناده كما تقدم!! ومثل هذا التلون أو التناقض مما يفسح المجال لأهل الأهواء أن يأخذوا منه ما يناسب أهواءهم! نسأل الله السلامة.(7/724)
وبمناسبة قوله المذكور في صحبته؛ أعجبتني صراحته فيها في "السير" (2/107) ؛ فقد قال:
"وله أدنى نصيب من الصحبة"!
(تنبيه) : وأما ما رواه الحاكم (3/476) من طريق إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال:
بعث معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما- بمئة
ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية، فردها عبد الرحمن وأبى أن يأخذها، وقال: أبيع ديني بدنياي؟! وخرج إلى مكة حتى مات بها.
بيض له الحاكم والذهبي، وكأنه لظهور ضعفه؛ فإن إبراهيم هذا قال ابن عدي: "عامة أحاديثه مناكير". *
3241- (مع أحدِكُما جبريلُ، ومع الآخر ميكائيلُ؛ وإسرافيلُ ملكٌ عظيمٌ يشهدُ القتال، أو قال: يشهدُ الصفَّ!. قاله لعليٍّ ولأبي بكر) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/16/12002) ، وأحمد (1/147) ، وابن سعد في "الطبقات " (3/175- 176) ، والبزار (2/ 314/1765) ، وأبو يعلى (1/283- 283) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/574- 575) ، والحاكم (3/68) من طريق مِسعَر عن أبي عون الثقفي عن أبي صالح الحنفي عن علي قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر- رضي الله عنه- يوم بدر: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ في "الفتح " (7/313) .
وقال البزار:
"لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد". *(7/725)
3242- (كان يوم الأحزابِ (وفي رواية: يوم الخندق) (1) ينقلُ معنا التراب، ولقد وارى التُّرابُ بياض بطنِه (وفي رواية: شعر صدرِه) (2) [وكان رجُلاً كثير الشَّعرِ] (3) ، وهو [يرتجزُ برجزِ عبدِ اللهِ بن رواحة] (4) ، وهو:
والله لولا أنت ما اهتدينا ولاتصدَّقنا ولا صلينا
فأنزِلن سكِينةً علينا [وثبت الأقدام إن لاقينا] (5)
إن الأُلى قد أبوا (وفي رواية: بغوا) (6) علينا
إذا أرادُوافتنةً أبينا [أبينا] (7)
ويرفعُ بها صوته) .
أخرجه البخاري (رقم2837و 4106و 6620 و7236) - والروايتان مع الزيادات له-، ومسلم (5/187- 188) ، والدارمي (2/ 1 22) ، وا بن حبان (4518- الإحسان) ، والبيهقي (7/43) ، وفي"الدلائل " (3/413- 414) ، وا بن أبي شيبة (14/419) ، وأحمد (4/282و285 و291و 300 و 302) ، والطيالسي أيضاً (97/712) ،
_________
(1) خ.
(2) خ، ش، حم، هق.
(3) خ، هق.
(4) خ، ش، حم، هق.
(5) خ، طيا، حم.
(6) خ.
(7) خ، طيا.(7/726)
وأبو يعلى (3/1716) من طرق، منها: سفيان وشعبة عن أبي إسحاق عن البراء ابن عازب به؛ يزيد بعضهم على بعض كما أشرنا إلى ذلك بوضع الزيادات بين المعكوفات، ورمزنا في الحاشية لمخرجيها.
وللحديث شاهد من حديث أنس، يرويه زكريا بن يحيى قال: سمعت ثابتاً
البُناني يحدِّث عنه بلفظ:
"كان يقول يوم الخندق:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولاصلينا
فأنزلن سكينة علينا
أخرجه البزار (2/ 332/ 1804) هكذا؛ دون قوله:
"وثبِّت الأقدام إن لاقينا"!
فلا أدري أسقط من الناسخ أم من أحد رواته؟! فإن فيه ضعفاً، خلافأ لقول
الهيثمي عقبه (6/133) :
"رواه البزار وأبو يعلى، ورجاله ثقات "!
فأقول: زكريا بن يحيى- وهو أبو يحيى الذَّارع- لم يصرح بتوثيقه أحد، غير
ابن حبان بإيراده إياه في كتابه "الثقات " (6/334) ، ومع ذلك فإنه غمزه بسوء الحفظ، فقال:
"يخطئ ".
وتبناه الحافظ؛ فقال في "التقريب ":
"صدوق يخطئ ".(7/727)
وأما الذهبي؛ فمشّاه؛ فقال في " الميزان ":
"اختلف في الاحتجاج به. كذا قال ابن الجوزي، والرجل صدوق ".
قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف الثقات، وقد
خالفهم في لفظ الحديث كما يأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى.
ومن طريقه رواه أبو يعلى (6/84) مختصراً بلفظ:
"كان يقول:
اللهم إن الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة".
قلت: ومع أن الراوي عن زكريا- عنده- سويد بن سعيد، وهو ضعيف، فهو الصواب من حديث أنس؛ لأن زكريا قد تابعه عليه حماد بن سلمة عن ثابت عنه بلفظ أتم، قالت:
إن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون يوم الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما بقينا أبدا
أو قال: على الجهاد- شك حماد- والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"اللهم إن الخير ... " إلخ.
أخرجه مسلم (5/189) ، وأحمد (3/252 و288) ، وأبو يعلى أيضاً (6/ 70 / 3324) ، والبيهقي في "الدلائل " (3/ 1 41) ، وقد قرن هذا مع (ثابت) حُميداً. أخرجه البخاري (3796 و 99 0 4) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (5/ 0 27/ 8859) ، وا بن سعد (2/ 70) ، والبيهقي أيضاً (3/ 410) ، وفي "السنن " (7/43) ،(7/728)
وابن أبي شيبة (14/419) ، وأحمد (3/187و205) كلهم عن حميد مختصراً ومطولاً، وهذا لفظه: سمعت أنساً- رضي الله عنه- يقول:
خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النَّصب
والجوع قال:
"اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة".
فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
والسياق للبخاري.
ومن هذا التخريج يتبين خطأ رواية زكريا بن يحيى للحديث؛ حيث خالف الثقات عن ثابت، وكذا عن حميد، فجعل الحديث الذي رواه البراء لحديث أنس، وحديث أنس في "الصحيحين " بلفظ آخر مخالف له كما ترى.
ومن الواضح أنه لا تعارض بين حديث البراء من جهة وحديث أنس بن مالك من جهة أخرى، مع ما بينهما من اختلاف لفظهما؛ لأنه يمكن أن يقال: إنهم كانوا يقولون تارة هذا، وتارة هذا، وهذا بيِّن لا يخفى. والله تعالى أعلم.
هذا " وقد تقدم تخريج الحديث من رواية قتادة وغيره عن أنس مختصراً
برقم (3199) . *(7/729)
من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -
3243- (الآن (وفي رواية: اليوم) نغزوهُم (يعني: مشركي مكة الذين انهزمُوا في غزوةِ الخندقِ) ولا يغزُونا، [نحنُ نسيرُ إليهم] ) . أخرجه البخاري (4109 و 4110) ، والطيالسي (1289) ، وأحمد (4/262) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/115/6484 و6485) ، وأبو نعيم في "الحلية " (4/345 و 7/135) ، والبيهقي في "الدلائل " (3/457- 458) من طريق جمع منهم سفيان وشعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سليمان بن صُردٍ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أُجلي الأحزاب [يعني يوم الخندق] عنه ...
والسياق للبخاري مع الزيادة الأولى، وهي للبيهقي أيضاً، والزيادة الأخيرة
لأحمد، والرواية الثانية للطبراني وهي من طريق شعبة.
وقال أبو نعيم عقب الحديث:
"مشهور من حديث الثوري؛ ثابت صحيح ".
قلت: وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، يرويه عُبيدة بن الأسود عن مجالد عن عامرعنه.
وهذا إسناد حسن في الشواهد، عُبيدة هذا صدوق ربما دلس، ومجالد- وهو
ابن سعيد- ليس بالقوي، كما في "التقريب " للحافظ، ومع ذلك فإنه جزم في "الفتح" (7/405) بحسن إسناده! وفيه ما ذكرت وما يأتي، فقد قال البزار عقبه: "قد اختلفوا في إسناده؛ فرواه زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن الحارث ابن البرصاء. وقال مجالد: عن الشعبي عن جابر".(7/730)
قال الحافظ عقبه في"مختصر الزوائد" (2/37) :
"والصواب رواية زكريا ".
وأقول: كان ينبغي أن يكون الأمر كما قال الحافظ؛ لأن زكريا أوثق وأحفظ
من مجالد؛ لولا أمران اثنان:
الأول: أنه كان يدلَّس، كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في "التقريب ".
والآخر: أنه قد خالفه عبد الله بن أبي السَّفرِ. فقال: عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن الأسود عن أبيه مطيع قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: ... فذكر الحديث، ولفظه:
"لا تغزى مكة بعد هذا العام أبداً، ولا يقتل قرشي بعد هذا العام أبداً".
وهو مخرج في المجلد الخامس من هذه السلسلة الصحيحة برقم (2427) .
وأزيد هنا فأقول: إن زكريا قد وافق- في رواية يحيى بن سعيد وغيره- عبد الله ابن أبي سفر؛ فقال: ثنا عامر به؛ إلا أنه لم يذكر الجملة الأولى منه.
أخرجه ابن حبان (6/13/2710) ، وأحمد (3/412 و 4/212) .
قلت: وبهذا التخريج تتبين لنا حقيقتان اثنتان:
الأولى: أن رواية زكريا عن الشعبي عن الحارث بن برصاء خطأ منه، وأن الصواب روايته الموافقة لرواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عبد الله بن مطيع عن أبيه.
الأخرى: أن متن حديثه- أعني زكريا؛ على الوجهين المرويين عنه-غيرُ متن حديث الترجمة؛ فإنه بلفظ:(7/731)
"لا تغزى مكة بعد اليوم ... ".
هذا قاله في حق مكة، وهو فيها بعد فتحها، وذاك قاله في المشركين المنهزمين عن الخندق، وهو - صلى الله عليه وسلم - في المدينة؛ وكلاهما صحيح والحمد لله، وإنما يختلفان من حيث وضوح المراد منهما؛ فإن هذا أشكل على بعضهم، كما شرحه الإمام أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/227- 229) .
فمعنى الفقرة الأولى منه: "لا تكفر قريش- سكان مكة يومئذ- حتى تغزى على الكفر"؛ كقوله في تمامه: "ولا يقتل قرشي.. " أي: لا يرتد فيقتل صبراً.
وأما حديث الترجمة؛ فهو كما قال الحافظ في "الفتح ":
"علم من أعلام النبوة؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في السنة المقبلة، فصدَّته قريش عن البيت، ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها، فكان ذلك سبب فتح مكة، فوقع
الأمر كما قال - صلى الله عليه وسلم -".
(تنبيه) : حديث غزو مكة من رواية الحارث بن البرصاء عزاه الحافظ في ترجمة (الحارث) من"الإصابة "للترمذي وابن حبان وصححاه! وما أظن عزوه لابن حبان إلاّ وهماً؛ لأن المتبادر منه أنه يعني "صحيح ابن حبان " ولم نره في ترتيبه المسمى بـ"الإحسان "للأمير علاء الدين الفارسي، ولا في ترتيب زوائده المعروف بـ"موارد الظمآن "للحافظ الهيثمي، وليس له في "الإحسان " إلا حديث واحد في اليمين الفاجرة، هو في "الإحسان " (7/303- 304) ، وهو في "الموارد" برقم (1189) ، فلو كان الحديث في "صحيح ابن حبان "؛ لأورده الهيثمي إن شاء الله في "موارد الظمآن ".
وبياناً للحقيقة أقول: ما ذكرته عن الموارد إنما هو من باب الاستشهاد لا(7/732)
الاحتجاج، فقد استخرجت أنا بنفسي عشرات الأحاديث من "الإحسان " مما فات على الهيثمي فلم يوردها في "موارد الظمآن "، وهي على شرطه، فضممتها إليه في مشروعي الذي أرجو أن يطبع قريباً بقسميه: "صحيح موارد الظمآن في زوائد صحيح ابن حبان "و"ضعيفه ". والله ولي التوفيق. *
3244- (إنِّي دافعٌ لِوَائي غداً إلى رجُلٍ يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه
الله ورسولُه، لا يرجعُ حتّى يُفتح له. يعني: علياً- رضي الله عنه-) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/109/8402) ، والبيهقي في
"دلائل النبوة" (4/ 210) ، وأحمد (5/353- 354 و355) من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدة يقول:
حاصرنا خيبر، فأخذ اللواء أبو بكر؛ ولم يُفتح له، وأخذ من الغد عمر، فانصرف ولم يُفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فذكره) ، وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غداً، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى
الغداة، ثم قام قائماً، ودعا باللواء والناس على مصافهم، فما منا إنسان له منزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا هو يرجو أن يكون صاحب اللواء، فدعا عليّ بن أبي طالب وهو أرمد، فتفل في عينيه، ومسح عنه، ودفع إليه اللواء، وفتح الله له، وأنا فيمن تطاول إليها.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، والحسين بن واقد فيه كلام يسير لا يضر، أشار إليه الحافظ بقوله: "له أوهام ".
وقد تابعه ميمون أبو عبد الله أن عبد الله بن بريدة حدثه به نحوه، وزاد قصة
قتل علي- رضي الله عنه- لِمَرحبٍ في مبارزته إياه.(7/733)
أخرجه النسائي (8403) ، والحاكم (3/437) ، وابن أبي شيبة (14/462/ 1875) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/608) ، والبزار في "مسنده " (2/338/ 1814) من طرق عن عوف عنه؛ وزاد ابن أبي شيبة والبزار؛ ولم يذكرا إلا بعث عمر:
"فلقي أهل خيبر، فردوه وكشفوه هو وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجبِّن أصحابه، ويجبِّنه أصحابه ".
ولعل هذا من مناكير ميمون هذا، وهو مولى عبد الرحمن بن سمرة، فقد أجمعوا على تضعيفه، خلافاً لابن حبان فذكره في"الثقات" (5/ 418) ، ومع ذلك قال:
"كان يحيى القطان سيِّئ الرأي فيه ".
وذكره الذهبي في "المغني "، وقال:
"وقال أحمد: أحاديثه مناكير".
وتابعه أيضاً المسيب بن مسلم الأزدي قال: حدثنا عبد الله بن بريدة به، وفيه
ذكر العمريين وقتالهم قتالاً شديداً دون فتح، لكن فيه جملة (التجبين) .
أخرجه الحاكم (3/37) مختصراً، والبيهقي بتمامه (4/ 210- 212) ، وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي!
وأقول: المسيب هذا لم أجد له ترجمة فيما عندي من المصادر، ولا ذكره المزي في الرواة عن عبد الله بن بريدة، ولا في شيوخ يونس بن بُكير الراوي عنه هنا، فالظاهر أنه مجهول. والله أعلم.(7/734)
وللحديث شاهدان:
أحدهما: من حديث علي؛ يرويه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم والمنهال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عنه.
أخرجه النسائي (5/108- 109) ، والحاكم (3/37) ، والبيهقي (5/212- 213) ، وابن أبي شيبة (18729) ، وقرن (عيسى) مع (الحكم والمنهال) ، وهو عند الحاكم مكان (المنهال) ، وقال:
"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي.
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيىء الحفظ معروف بذلك، فهو صالح للاستشهاد به، وفيه عند غير الحاكم ذكر (العمريين) دون (التَّجبين) .
وله طريق أخرى عن علي؛ يرويه نُعيم بن حكيم عن أبي مريم الحنفي عن
علي به.
أخرجه البزار (1815) - مطولاً، وفيه ذكر عمر وأصحابه مهزومين-، والحاكم،
ولم يسقه بتمامه، ولكنه ذكر الهزيمة وزاد (التجبين) ، وقال- هو والذهبي-: "صحيح الإسناد".
وأقول: أبو مريم الحنفي هذا لم يتبين لي حاله، فقد اختلفوا في نسبته هل هو الحنفي أم الثقفي؟! وفي اسمه هل هو (قيس) أم (إياس) ؟! وقيس وثقه ابن حبان وغيره، وإياس لم يوثقه غيره، فإن كان ثقة فالسند صحيح، وإلا؛ فهو صحيح بما تقدم من الطرق والشواهد.
والشاهد الآخر: عن سلمة بن عمرو بن الأكوع؛ يرويه محمد بن إسحاق
في "السيرة" (3/ 385- 386- ابن هشام) ، ومن طريقه: الحاكم (3/37) ،(7/735)
والبيهقي (4/209- 210) قال: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن
أبيه سفيان عنه به، وفيه ذكر (العمريين) .
لكن بريدة هذا اتفقوا على تضعيفه، بل قال الدارقطني:
"متروك ". وقال ابن عدي:
"منكر الحديث جدّاً".
وشذ ابن حبان فذكره في "الثقات "، فلا يعبأ به، وفيما تقدم من الأسانيد والطرق ما يغني عنه، وبخاصة طريق بُرَيدة بن الحُصيب، فإنها أصحها، وهي تشهد على أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أرسل أولاً أبا بكر، فلم يفتح له، وثانياً عمر، فلم يفتح له، ثم كان الفتح على يد علي، خصوصية خصه الله بها دونهما- رضي الله عنهم- أجمعين.
لكن بقي النظرفي جملة (تجبين عمر) ؛ فإن النفس لم تطمئن لثبوتها في الحديث؛ لعدم ورودها في الطريق الصحيحة وغيرها أولاً، ولعدم وجود شاهد معتبر ثانياً، اللهم إلا إن صحت رواية أبي مريم الحنفي، وقد ذكرتُ ما فيها عندي. والله أعلم.
فإن قيل: ألا يقويها ما أخرجه الحاكم (3/38) من طريق القاسم بن أبي شيبة: ثنا يحيى بن يعلى: ثنا مَعقِل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع الراية يوم خيبر إلى عمر- رضي الله عنه-، فانطلق فرجع يجبِّن أصحابه ويُجبِّنونه. وقال الحاكم:
"صحيح على شرط مسلم "!(7/736)
وردَّه الذهبي بقوله:
"قلت: القاسم واهٍ".
قلت: وهو القاسم بن محمد بن أبي شيبة العبسي أخو الحافظين أبي بكر
وعثمان، وقد تركه أبو زرعة وأبو حاتم، وقال الساجي:
"متروك الحديث ".
وشذ ابن حبان فذكره في "الثقات " (9/18) ، ولكنه قال:
"يخطئ ويخالف "!
ثم أقول: إن سلم منه؛ فلن يسلم من شيخه (يحيى بن يعلى) ، وهو الأسلمي؛ فإنه "ضعيف شيعي "؛ كما في "التقريب ".
فتبين أن حديث جابر هذا في منتهى درجات الضعف، فلا يصلح
للاستشهاد به. والله ولي التوفيق.
(تنبيه وفائدة) :
عزا الحافظ في "الفتح " (7/476) حديث بريدة هذا لـ "أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم "، وليس هو في "صحيح ابن حبان " يقيناً، لا في "الإحسان " ولا في "الموارد". ولم أره في"مستدرك الحاكم "بعد البحث عنه في مظانه، والاستعانة عليه بالفهارس الخاصة والعامة.
وذكر في ترجمة (محمود بن مسلمة) من "الإصابة " أنه ورد في "زيادات المغازي " ليونس بن بكير عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة: أخبرني أبي قال:(7/737)
لما كان يوم خيبر؛ أخذ اللواء أبو بكر، ثم عمر، فلم يفتح لهما؛ وقتل محمود
ابن مسلمة. وهو عند أحمد عن زيد بن الحباب عن الحسين نحوه.
فأقول: ليس عند أحمد هذه الفائدة، وهي: "وقتل محمود بن مسلمة ".
والله سبحانه وتعالى أعلم. *
3245- (صدق الخبيثُ. يعنى: الجنيّ فى قوله: يُجيرُ الإنس من
الجنِّ آيةُ (الكرسيِّ)) .
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (533/ 960) ، وابن حبان (1724) ، والحارث في "زوائده " (ق 125/2) ، وأبو الشيخ في "العظمة " (5/ 1650) ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 525) ، وكذا البيهقي في "الدلائل " (7/108- 109) ، والبغوي في "شرح السنة " (4/462- 463) من طرق عن الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير قال: حدثني ابن أُبيّ: أن أباه أخبره:
أنه كان لهم جُرن فيه تمر، وكان أبي يتعاهده، فوجده ينقص، فحرسه، فإذا
هو بداية تشبه الغلام المحتلم، قال: فسلمت، فرد السلام، فقلت: من أنت أجن أم إنس؟ قال: جن! قال: فناولني يدك، فناولني يده، فإذا هي يد كلب وشعر كلب. قال: هكذا خلق الجن؟ قال: لقد علمتِ الجن ما فيهم أشد مني. قال له أبي: ما حملك على ما صنعت؟ قال: بلغنا أنك رجل تحب الصدقة، فأحببنا أن نصيب من طعامك. قال أبي: فما الذي يجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية: آية (الكرسي) . ثم غدا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره، فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد متصل مسلسل بالتحديث، رجاله كلهم ثقات؛ غير ابن أبي بن كعب، وقد كان لأُبيٍّ ثلاثة من الولد: محمد، والطفيل- وبه يكنى-،(7/738)
وعبد الله؛ والأولان ثقتان معروفان، فإن كان السند دار على أحدهما فهو صحيح، وإلا؛ فعبد الله غير معروف إلا في هذا الحديث فيما رواه أبو يعلى في "مسنده الكبير"كما ذكر الحافظ في "النكت الظراف " (1/38) ، أخرجه عن أحمد بن إبراهيم الدَّورقي عن مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي بهذا الإسناد، لكن قال: "عن عبد الله بن أبي بن كعب؛ أن أباه أخبره ".
وأقول: الدورقي هذا ثقة حافظ، لكني أرى أنه شذ هو أو شيخه مبشر بن إسماعيل في هذه التسمية، وذلك لأمور ثلاثة يقطع الواقف عليها بشذوذها:
1- أنه خالف عبد الحميد بن سعيد- شيخ النسائي؛ وقد وثقه بقوله: لا بأس به-، فقال: حدثنا مبشر ... فذكره دون التسمية.
2- إذا لم نقل بأن الدورقي هو الذي شذ- لما ذكرتُ من حفظه، ولأن عبد الحميد بن سعيد دونه في الحفظ؛ كان لا بد من القول بأن الذي شذ هو مبشر ابن إسماعيل هذا؛ لأنه خالف الجماعة، وهم الوليد بن مسلم عند ابن حبان وأبي الشيخ والبغوي، وهِقل بن زياد عند الحارث وأبي نعيم، والوليد بن مزيد عند البيهقي. وإن مما لا ريب فيه أن رواية الجماعة أقوى من رواية الفرد، ولا سيما إذا وافقهم أحياناً، كما هو الواقع هنا.
3- قد جاء الحديث من طريق آخر عن يحيى بن أبي كثير بإسناد آخر عن أُبيّ بن كعب سمى ابنه (محمداً) ، فقالت معاذ بن هانىء: حدثنا حرب بن شداد: حدثني يحيى: حدثنا الحضرمي بن لاحق التميمي قال: حدثني محمد بن أبي ابن كعب قال: كان لجدي جرن ...
أخرجه النسائي (961) هكذا: "كان لجدي ... " وهذا معناه- كما هو ظاهر-(7/739)
أن (محمد بن أبي بن كعب) - كما وقع في السند- ليس ابنه وإنما حفيده.
ويؤيده رواية أبي داود الطيالسي قال: حدثنا حرب بن شداد؛ به غير أنه قال: عن محمد بن عمرو بن أبي كعب عن جده أبي بن كعب أنه كان له جرن ... فوافقه في (الجد) وزاد عليه، فسمى أبا محمد (عَمراً) .
أخرجه الحاكم (1/ 561- 562) ، ومن طريقه: البيهقي (7/109) .
وخالف حرباً: أبانُ بن يزيد فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عن محمد بن أبي بن كعب عن أبيه: كان له جرن ...
أخرجه الطبراني (1/169/ 541) . وقال المنذري (1/ 232) : "إسناده جيد".
وقد ذكر هذين الوجهين من الاختلاف الإمام البخاري في ترجمة (محمد ابن أبي بن كعب) من "التاريخ " (1/ 1/27) ، كما ذكر رواية الوليد بن مسلم المتقدمة عن الأوزاعي، وفيها إبهام اسم (ابن أُبي بن كعب) .
وهذا اختلاف شديد يقف الباحث أمامه حيران لا يستطيع الجزم بشيء منه!
وإن كان لا بد من إبداء رأيي فيه، فإني أرى أن رواية من قال: (محمد بن أبي بن كعب: كان لجدي ... ) أرجح؛ لأنها متفقة مع رواية الطيالسي التي جعلت (أبي ابن كعب) جدّاً لـ (محمد بن أبي بن كعب) ؛غاية ما في الأمر أنها سمت ابن أبي بن كعب (عَمراً) ، وهي زيادة من ثقة- بل وحافظ- وهو الإمام الطيالسي صاحب "المسند"، وزيادة الثقة مقبولة كما هو معلوم.
هذا رأيي، ولكني لم أجد في الحفاظ المتقدمين من احتفل به، مثل الحافظ المزي العسقلاني؛ فإنهما لم يترجما في "التهذيب " إلا لـ (محمد بن أبي بن كعب) ؛ لأنه هو المسمى عند النسائي دون (محمد بن عمرو بن أبي) كما تقدم، فقالا:(7/740)
"محمد بن أبي بن كعب الأنصاري أبو معاذ المدني، ويقال: محمد بن فلان
ابن أبي.. ".
فأشارا بقولهما: "فلان " إلى (عمرو) ، والى أن ذكره بين (محمد) و (أبي بن كعب) لا يصح. وعمدتهم في ذلك- والله أعلم- قول أبي حاتم في ترجمة (محمد بن أبي) من "الجرح" (3/2/208) :
"روى عن أبيه، روى عنه بُسر بن سعيد والحضرمي بن لاحق وابنه معاذ بن محمد، جعله البخاري اسمين، فسمعت أبي يقول: هما واحد، روى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عنه. وروى حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عنه ".
وان مما يلفت النظر اختلاف الترجمة بين"تهذيب المزي " و"تهذيب العسقلاني "؛ فإن الأول قال: "روى عن جده "! ثم يذكر عن الواقدي أن محمد ابن أبي بن كعب كان فيمن قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين! فلعل قوله: "عن جده " سبق قلم منه.
ومن ذلك أن أبا حاتم الذي أنكر على البخاري جعل الاسم اسمين، وجزم هو بأنهما واحد كما تقدم، فإنه مع ذلك ترجم ترجمة خاصة لمحمد بن عمرو بن أبي ابن كعب الأنصاري، وقال:
"روى عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب، روى عنه محمد بن عبد الرحمن
ابن سعد بن زرارة".
وسبقه إلى ذلك البخاري (1/ 1/192) ، وتبعهما ابن حبان، فذكره في
" الثقات " بهذه الروا ية.(7/741)
فاتفاق أبي حاتم مع البخاري في هذه الترجمة قد كشف لي أن إنكاره المشار إليه ليس يعني أنه ليس هناك ترجمة ثانية باسم (محمد بن عمرو بن أبي) ، وإنما يعني - والله أعلم- أنه ليس هناك آخر روى حديث (الَجرِين) غير (محمد بن أبي بن كعب) ، أي: أنه يرجح أنه صاحب هذا الحديث، وليس (محمد بن عمرو بن أبي) .
وحينئذ يرد إشكال آخر، وهو: أين ما عزاه أبو حاتم إلى البخاري من "جعل
الاسم اسمين " وتراجمهما لـ (المحَمَّدينِ) متشابهة تماماً؟ ذلك مما لم يتبين لي، (وفوق كل ذي علم عليم) !
وبهذه المناسبة أقول:
ومما لاحظته في ترجمة (محمد بن عمرو بن أبي) في الكتب الثلاثة: أن (امرأة أبي) لم تكن مسماة أو مكنية عند البخاري وابن حبان (7/368) ، فتوهم هذا الأخير أنها تابعية؛ فأورد (محمداً) هذا- الراوي عنها- في (طبقة أتباع التابعين) ، وهذا من أوهامه- رحمه الله-! فإن المرأة هي (أم الطفيل) كما صرح ابن أبي حاتم في ترجمة (محمد) هذا، وهي صحابية معروفة مترجمة في "الصحابيات "، ومنهم ابن حبان في "كتاب الثقات " (3/ 460) ، ولها حديث في "مسند أحمد" (6/375- 376) في قصة سبيعة الأسلمية، أنها تتزوج إذا وضعت. وعليه؛ يكون محمد بن عمرو تابعيّاً.
وإن مما يرجح ذلك: أن الراوي عنه (محمد بن عبد الله بن سعد بن زرارة) هو نفسه من التابعين وثقاتهم؛، فقد روى عن بعض الصحابة، وعن بعض التابعين، ولذلك أورده ابن حبان في الطبقتين: (التابعين) و (أتباعهم) (5/375 و 7/372) ، إذا كان هذا حال التلميذ " فيندر جدّاً أن يكون شيخه من (أتباع التابعين) ، فتأمل!
والذي يتبين لي من هذا البحث- وقد طال أكثر مما كنت أتصور-: أنه لم(7/742)
يتبين لي أن (ابن أبي بن كعب) هو (محمد) الابن، أم (محمد) الحفيد! مع جزم الحافظ العسقلاني بأنه الأول، وقد وثقه ابن سعد (5/76) وابن حبان أيضاً كما تقدم، والآخر لم يوثقه غير ابن حبان.
ومع ذلك كله؛ أرى أن الحديث صحيح ثابت؛ لأن ابن أُبيّ- مع كونه ابن صحابي جليل- وقد روى عنه على الأقل ثقتان: يحيى بن أبي كثير، والحضرمي ابن لاحق، وقد صحح الحاكم والذهبي هذا الحديث، وسكت عنه ابن كثير (1/305) والسيوطي في "الدر" (1/322) . والله أعلم.
(تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في "الدر" بزيادة في آخره نصها:
".. آية الكرسي التي في سورة البقرة، من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي، فلما أصبح أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... " الحديث، وعزاه لمن سبق ذكرهم حاشا الحارث! وليست عند أحد منهم هذه الزيادة، فيحتمل أن تكون في "مسند أبي يعلى الكبير"، وقد ذكرت إسناده نقلاً عن الحافظ، وبينت ما فيه من الشذوذ والمخالفة في السند، فمن المحتمل أن تكون هذه الزيادة عنده؛ فإني لم أقف على متنه عنده، وهي على كل حال زيادة شاذة. والله أعلم. *
3246- (تغزون جزيرة العربِ فيفتحُها اللهُ، ثمَّ فارس فيفتحُها الله، ثمّ تغزون الروم فيفتحُها اللهُ، ثمّ تغزون الدجَّال فيفتحُه اللهُ) .
أخرجه مسلم (8/178) ، وابن ماجه (4091) من طريق ابن أبي شيبة- وهذا
في"المصنف " (15/146-147) -، وأحمد (1/178) ، وكذا البخاري في " التاريخ " (4/2/ 81- 82) ، وابن أبي عاصم أيضاً في "الآحاد" (1/462/642) من طريق(7/743)
ابن أبي شيبة والحاكم (3/430- 431) من طرق عن عبد الملك بن عمير عن جابر ابن سمرة عن نافع بن عتبة بن أبي وقاص- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وله في "مسند أحمد" (4/337- 338) طريقان آخران عن ابن عمير، أحدهما
من طريق المسعودي عن عبد الملك به- وهذه عند ابن أبي عاصم أيضاً (643) -، لكن وقع فيه مكان (عبد الملك) : (عبد الله بن عمير) ، ولعله خطأ مطبعي-، ومع
ذلك قال المعلق الفاضل عليه:
"إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح "!
وفاته أن المسعودي هذا كان اختلط، وأنه لم يرو له الشيخان إلا البخاري تعليقاً، فهو صحيح بالطرق الأخرى.
وخالفها يونس بن أبي إسحاق فقال: عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مرفوعاً بلفظ:
"يظهر المسلمون على جزيرة العرب ... " الحديث نحوه.
أخرجه الحاكم أيضاً (3/395) ؛ فجعل مكان (نافع بن عتبة) : (هاشم بن عتبة) ! وأظنه من أوهام يونس هذا؛ فإنه مع كونه من رجال مسلم، فقد قال الحافظ فيه:
"صدوق يهم قليلاً".
وإن مما يؤكد ذلك- وهو أن الحديث من مسند (نافع) وليس من مسند (هاشم) -: أن سماك بن حرب قد تابع ابن عمير على الصواب، فقال شعبة: عنه عن جابر بن سمرة به.
أخرجه ابن حبان (8/285/ 6770- الإحسان) .(7/744)
وثمة مخالفة أخرى من يونس هذا أو ممن دونه- وهو بها أولى-؛ فقال البزار
في "مسنده " (2/357/1847) : حدثنا علي بن المنذر: ثنا محمد بن فُضيل: ثنا يونس بن عمرو- وهو يونس بن أبي إسحاق- عن عبد الله بن جابر عن ابن أخي سعد بن مالك عن سعد مرفوعاً باللفظ المذكور آنفاً. وقال البزار:
"لا نعلمه يروى عن سعد إلا بهذا الإسناد، وعبد الله لا نعلم روى عنه إلا يونس بن عمرو"!
قلت: كذا قال! ويظهر لي أنه الذي في "ثقات ابن حبان " (5/18) :
"عبد الله بن جابر بن عبد الله الأنصاري المدني أخو محمد وعبد الرحمن ابني جابر. روى عنه سعيد المقبري ".
وكذا في "تاريخ البخاري " وكتاب ابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.
لكن ذكره في هذا الإسناد يبدو أنه وهم آخر ليونس السبيعي، وكذلك جعله
الحديث من مسند (سعد بن مالك) - وهو: سعد بن أبي وقاص-، وإنما هو من
مسند أخيه: (نافع بن عتبة بن أبي وقاص) للطرق المتقدمة، ولمتابعة سماك، وعزاها الحافظ في "الإصابة" لابن عساكر! وهو الذي صوبه البغوي وابن السكن؛ كما نقله الحافظ في ترجمة (هاشم) هذا.
(تنبيه) : عزا الأخ الفاضل أبو إسحاق الحويني في تعليقه على "مسند سعد ابن أبي وقاص " (240/159) حديث عبد الله بن جابر لابن أبي عاصم في الآحاد"! وهذا وهم، وإنما عنده حديث عبد الملك بن عمير فقط كما سبق.
وكذلك قوله في (عبد الله بن جابر) : "مجهول "، ولعل مستنده في ذلك قول(7/745)
الهيثمي في "المجمع " (6/14) : "رواه البزار، وفيه من لم يُسمَّ "!
يشير إلى عبد الله هذا؛ فإن سائر رواته مترجمون في "التهذيب "، فكأن الهيثمي لم يقف عليه في الكتب الثلاثة، وبخاصة منها "الثقات " لابن حبان،
وهذا عجيب منه- رحمه الله-! فإنه كانت له به عناية خاصة، فإنه رتبه على حروف المعجم، بحيث يسهل على الباحث الحصول على الراوي بيسر. ولكن جل من قال: (لا يضل ربي ولا ينسى) . *
3247- (ذَكِّرهُ بالله ثلات مرّاتٍ، فإن أبى فقاتِلهُ، فإن قتلك، فأنت في الجنة، وإن قتلتهُ؛ فإنَّه في النّارِ. يعني: العادي على الغير) .
أخرجه البخاري في"التاريخ " (4/ 1/198- 199) ، والبيهقي في "السنن " (8/ 336) ، وأحمد (3/ 422) ، والبزار (2/ 365/ 1864) ، والطبراني في" المعجم الكبير" (19/39/83) من طريق عبد العزيز بن المطلب عن أخيه الحكم عن أبيه المطلب بن حنطبٍ عن قُهيد الغفاري قال:
سأل سائل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن عدا عليّ عادٍ؟ فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم -: "ذكِّره بالله- وأمره بتذكيره- ثلاث مرات ... " الحديث.
وقال البيهقي:
"كذا قال! ".
يشير إلى أن فيه علة، وقد أفصح عنها البخاري؛ فقال عقبه:
"هذا مرسل ".
وأما الهيثمي؛ فتكلم عليه كلاماً مجملاً كغالب عادته، فقال- بعد ما عزاه
لأ حمد والبزار والطبراني (6/245) -:(7/746)
"ورجالهم ثقات ".
فأقول: نعم، لكن فيه ثلاث علل:
الأولى: عنعنة المطلب بن حنطب؛ فإنه كثير التدليس.
الثانية: الاختلاف في صحبة (قُهيد بن مُطرِّفٍ) . ولما ذكره ابن حبان في الصحابة في كتابه "الثقات "؛ قال (3/348) :
"يقال: إن له صحبة".
وكذا قال غيره، ولذلك أعاد ابن حبان ذكره في "ثقات التابعين " (5/326) .
ولم يذكر الحافظ في "الإصابة" أو غيره ما يدل على صحبته غير هذا الحديث، وحكى الاختلاف فيه، وبينه في "التهذيب " على نحو ما يأتي، وليس في كل ذلك ما يفيد صحبته، ولذلك أعله البخاري بالإرسال كما تقدم، يشير بذلك إلى ترجيح عدم صحبته.
الثالثة: أن المطلب بن حنطب قد خولف في إسناده من مولاه عمرو بن أبي عمرو، فقال: عن فُهيد بن مطرف عن أبي هريرة ... فزاد في السند (أبا هريرة) ؛ فوصله.
أخرجه البخاري أيضاً عن شيخه إسماعيل بن أبي أويس: حدثني ابن وهب
عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عمرو مولى المطلب.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير (فُهيد) ، وهو ثقة كما تقدم.
وفي إسماعيل كلام لا يضر، ولا سيما وقد توبع، فرواه الليث بن سعد عن(7/747)
يزيد بن الهاد عن عمرو [مولى المطلب] عن (1) قهيد بن مطرف به.
أخرجه البخاري أيضاً وابن حبان في ترجمة (قهيد) من "الثقات " (5/326) والمزي في "التهذيب " (22/95) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث به. وإسناده صحيح أيضاً؛ لكن اختلف في إسناده عن الليث على وجوه ثلاثة:
هذا أحدها.
الثاني: قال أحمد (2/339) ، والنسائي في " السنن الكبرى " (2/308/ 3245) : أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا الليث عن ابن الهاد عن عمرو بن قهيد الغفاري عن أبي هريرة.
وتوبع قتيبة، فقال أحمد أيضاً: ثنا يونس: ثنا ليثٌ به.
الثالث: رواه شعيب بن الليث قال: أنبأنا الليث عن ابن الهاد عن قهيد بن مطرف به " فأسقط (عمراً) من بين ابن الهاد وقهيد.
أخرجه النسائي أيضآ (3546) ، والبيهقي أيضاً؛ لكنه قرن مع (شعيب) (عبد الله بن عبد الحكم) .
وتابعهما أبو سلمة الخزاعي: ثنا ليث به؛ إلا أنه لم يسم (قهيداً) فقال:
(ابن مطرف) . أخرجه أحمد (2/ 360) . وقال البيهقي عقبه:
"كذا وجدته، والصواب: عن ابن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن قهيد".
يعني كما في الوجه الأول، وتبعه على ذلك الحافظان: المزي والعسقلاني؛
_________
(1) وقع في "التاريخ ": (بن) مكان (عن) ، وهو خطأ مطبعي فيما أظن، ويؤيده الزيادة التي بين المعكوفتين، وهي لابن حبان، وتصويب المزي والعسقلاني الآتي ذكره قريباً إن شاء الله.(7/748)
فقال الأول في "التهذيب " (22/195) :
"وهذه الرواية هي الصواب إن شاء الله تعالى، ورواية قتيبة ومن تابعه وهم.
والله أعلم ".
وزاد العسقلاني، فقال:
"هكذا رواه ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن يزيد (1) عن عمرو". قلت: وهذه الزيادة ضرورية جداً؛ لأ نه بدونها لا يظهر التصويب المذكور،
كيف وابن صالح قد خالفه جمع، الواحد منهم مثل (قتيبة) أرجح منه، فكيف
بهم مجتمعين؟!
إلا أن هذا يقال لو كانوا متفقين على مخالفته، أما والواقع أنهم اختلفوا هم أنفسهم على الليث، فلم يبق لمخالفتهم إياه تلك القوة.
وتوضيحه: أننا بيَّنا أن الوجه الثاني قد اتفق مع الوجه الرابع على تسمية شيخ ابن الهاد (عمراً) ، بينما الوجه الثالث أسقطه، فكان شاذاً؛ لأن زيادة الثقة مقبولة، وهم ابن صالح وقتيبة ويونس- وهو ابن محمد المؤدب-.
وبعد هذا الإسقاط بقي التعارض بين رواية ابن صالح من جهة- وهي التي
قال فيها ابن الهاد: عن (عمرو مولى المطلب) عن قهيد- وبين رواية قتيبة ويونس التي قال فيها ابن الهاد: عن (عمرو بن قهيد) ، فخلط بين الراوي والمروي عنه فجعلهما اسماً واحداً من جهة أخرى، فكان لا بد من المراجحة بينهما، فلما
_________
(1) كذا في "التهذيب "؛ بذكر (يزيد) بين ابن سالم وعمرو. وتقدم مني نقلاً عن "تاريخ البخاري "بإسقاطه من بينهما، ولا أدري الصواب منهما، والغريب أن المزي قد ذكر في ترجمة ابن سالم أنه روى عن كل من عمرو، ويزيد!(7/749)
وجدوا رواية ابن سالم شاهدة لرواية ابن صالح، وهي من غير طريق الليث المضطربة، فجعلوها مرجحة.
وبعبارة أخرى- لتقريب وجه ذلك التصويب- أقول:
اعتبار حديث الليث مضطرباً بتلك الوجوه الثلاثة، والاعتماد على رواية ابن سالم السالمة من الاضطراب، ثم أخذوا الوجه الأول من حديث الليث الموافق لها تقوية لها.
هذا ما عندي بينته؛ و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، فإن أصبت فبفضل الله، وإن أخطات فمن نفسي، سائلاً المولى أن يغفر لي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي؛ إنه هو الغفور الرحيم.
وخلاصة ما تقدم: أن الحديث روي عن قهيد مرسلاً، وعنه عن أبي هريرة مسنداً- وهو الصواب-، وأن إسناده صحيح.
وقد جاء من طريق آخر، يرويه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال:
جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد
أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك ". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله ". قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار".
أخرجه مسلم (1/87) ، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/43) ، وأبو نعيم في
"أخبار أصبهان " (1/ 50) ، والبيهقي في"السنن " (3/265- 266و8/335- 336) .
وله شاهد من حديث قابوس بن مخارق عن أبيه قال:
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: الرجل يأتيني فيريد مالي؟ قال: "ذكَّره(7/750)
بالله ". قال: فإن لم يذَّكر؟ قال: "فاستعن عليه من حولك من المسلمين "، قال:
فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال: "فاستعن عليه بالسلطان". قال: فإن
نأى السلطان عني؟ قال:
"قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة، أو تمنع مالك ".
أخرجه النسائي (3544) ، والبيهقي (8/336) ، وأحمد (5/ 294 و 294- 295) . قلت: وإسناده حسن. *
3248- (وما سبيلُ الله إلاّ من قُتِل؟! من سعى على والديه؟ ففي
سبيل الله!، ومن سعى على عيالهِ!، ففي سبيل الله، ومن سعى على
نفسِهِ ليُعفَّها، ففي سبيل اللهِ، ومن سعى على التّكاثر؛ ففي سبيل
الشيطان. وفي روايةٍ: الطاغوت) .
أخرجه البزار في "مسنده " (2/370/ 1871- الكشف) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (1/254 /4372) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (6/196 - 197) ، والبيهقي في"السنن " (9/25) و"الشعب " (6/412/ 8711 و7/299/ 10377) من طريق أحمد بن عبد الله: ثنا رِياح بن عمرو: ثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال:
بينما نحن جلوس مع رسول - صلى الله عليه وسلم -؛إذ طلع علينا شاب من الثَّنيَّةِ، فلما رأيناه (وفي رواية: رميناه) بأبصارنا؛ قلنا: لو أن هذا الشاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله! قال: فسمع مقالتنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره- والسياق
للبيهقي- وقال الطبراني:(7/751)
"لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به أحمد".
قلت: وهو ثقة حافظ، وكذلك من فوقه؛ غير (رياح) - بالمثناة من تحت-،
قال أبو زرعة:
" صد وق ".
وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/ 310) . وقال في "الميزان ":
"رجل سوء. قاله أبو داود. قلت: هو من زهاد المبتدعة بالكوفة. روى عن مالك بن دينار. وعنه روح بن عبد المؤمن، قال أبو زرعة: صدوق وقال أبو عبيد الآجري (1) : سألت أبا داود عنه؟ قال: هو، وأبو حبيب، وحبان الجريري، ورابعة رابِعتُهم في الزندقة "!
قلت: وكذا في "اللسان " لم يزد عليه شيئأ، وإني لأرى تبايناً شاسعاً بين
قول أبي داود هذا، وقول أبي زرعة وابن حبان، ومع هذا، فإني أرى في قول أبي داود مبالغة غير محمودة، وإن كان قصده التنفير أو التحذير من بدعته التي أشار إليها الذهبي! والظاهر أنه يعني غلوَّه في الزهد والعبادة، وقد روى له أبو نعيم في "الحلية" (6/192- 197) غرائب وعجائب، منها قوله: "سمعت مالك بن دينار يقول: لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب "! ونقله الذهبي في ترجمته من"السير" (8/174) ، وسكت عنه
على خلاف عادته في مثل هذه الطامة المخالفة لهدي سيد الأنبياء والصديقين
عليه الصلاة والسلام! بل إن هذا ينافي حديثه هذا الذي جعل السعي على
__________
(1) "سؤالات الآجري " (321/ 321) ، ووقع فيه: (وأربعة) مكان (ورابعة) ! فليصحح من هنا.(7/752)
العيال من سبيل الله كما هو ظاهر، ومنه أستظهر أن الرجل لم يكن داعية إلى بدعته، وإلا؛ لما روى من الحديث ما يهدمها، فهو في الرواية صدوق كما قال أبو زرعة- رحمه الله-.
هذا؛ وللحديث شواهد كثيرة عن غير واحد من الصحابة، منهم: عبد الله بن عمرنحوه.
أخرجه البيهقي في "السنن " (7/479) و"الشعب " (6/412/ 8710) من
طريق شريك عن الأعمش عن مَغراء العَبدي عنه.
وهذا إسناد حسن في الشواهد على الأقل، و (مغراء) وثقه ابن حبان
والعجلي، وروى عنه جمع.
ومنها: عن كعب بن عُجرة؛ يرويه إسماعيل بن مسلم المكي عن الحكم بن
عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19 /129/282) و"الصغير" (193-
هند) و" الأ وسط " (6835) ، و (5/169 /2862 مجمع البحرين) ؛ وقال:
"لا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو ضعيف، لضعف إسماعيل بن مسلم المكي، ووهم المنذري (3/4) وتبعه الهيثمي (4/325) فقالا- واللفظ لهذا-:
"رواه الطبراني في الثلاثة، ورجاله رجال الصحيح "!
والظاهر أنهما توهما (إسماعيل) هذا (إسماعيل بن مسلم العبدي البصري) ؛
فإنه ثقة ومن طبقة الأول!(7/753)
ومنها: عن إبراهيم بن ميسرة أن أعرابيّاً طلع على أصحاب رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - ... الحديث مثل حديث الترجمة:
أخرجه حسين بن حسن المروزي في "البر والصلة" (31/156- مخطوط) قال: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا أيوب عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل.
ثم تبين أنني كنت خرجت الحديث فيما تقدم برقم (2232) ، ولكن في
تخريجه هنا فوائد جديدة لم تذكر هناك. وما قُدِّر كان.
3249- (أما ترضى أن أكون أنا أبوك، وعائشة أمّكَ؟ قاله لبشرِ
ابنِ عقربة حين بكى لاستشهاد أبيه) .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/2/78) ومن طريقه: ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (3/377) : قال لي عبد الله بن عثمان بن عطاء: حدثنا حُجرُ بن الحارث الغسَّاني قال: سمعت عبد الله بن عوف القاريّ قال: سمعت بِشر بن عقربة يقول: استُشهد أبي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته، فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي،
فقال لي:
"اسكت، أما ترضى ... " الحديث.
ثم أخرجه ابن عساكر من طريق أخرى عن عبد الله بن عثمان، لكنه قال: عبد الله بن محمد بن عثمان بن عطاء به؛ دون قوله: "اسكت "، وذكر مكانها:
"يا حبيب! ما يبكيك؟ أما ترضى ... ".(7/754)
قلت: وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن؛ رجاله ثقات ليس فيهم من
تُكُلِّم فيه سوى شيخ البخاري (عبد الله بن عثمان) ، وقد ذكره ابن حبان في
"الثقات " (8/347) ، وكذلك ذكر الذين فوقه، ولكنه قال في هذا الشيخ:
"يُعتبر حديثه إذا روى عنه غير الضعفاء".
هكذا وقع فيه: (عنه) ! وفي "تهذيب العسقلاني "- عن "الثقات "-:
(عن) . ولعله أصح؛ لأنه المعهود من كلام ابن حبان في مثل هذا الراوي.
وعلى كل حال؛ فهذا الحديث معتبر؛ لأن شيخه (حُجر بن الحارث) ثقة.
والراوي عنه الإمام البخاري، وقد أورده في "التاريخ "، ولم يضعفه، وأما أبو حاتم فقال:
"صالح ".
وقال الذهبي في "الكاشف ".
"ليس بذاك ".
ولكن مما يقوي حديثه هذا: أن له طريقين آخرين:
الأول: يرويه أبو الأسعد (أو أبو الأسود) - من ولد بشير بن عقربة الجهني، وكان ينزل (عسقلان) في (الرملة) في قرية (طور) -، عن أبيه عن جده عن بشير ابن عقربة الجهني قال:
لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، فقلت: ما فعل أبي؟ فقال:
"استشهد رحمة الله عليه "، فبكيت، فأخذني فمسح رأسي، وحملني معه وقال: ... فذ كره.(7/755)
أخرجه البزار في"مسنده " (2/385/ 1910) ، وقال:
"لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد"!
قلت: قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 161) :
"وفيه من لا يعرف ".
قلت: وفات البزار الإسنادُ الأول.
والطريق الآخر: يرويه ابن عساكر أيضاً من طريق عقبة بن عقبة (!) بن عبد الله بن بشير بن عقربة عن أبيه عن جده عبد الله بن بشير قال: سمعت أبي يقول:
قتل أبي عقربة يوم أحد ... الحديث.
قلت: وهذا إسناد مجهول، من دون بشير لم أعرفهم. *
الصوت الإلهي والإيمان به
3250- (يقولُ الله عزّ وجلّ يوم القيامةِ: يا آدمُ! فيقولُ: لبيك ربَّنا! وسعدَيك، فيُنادى بصوتٍ: إنّ الله يأمُرك أن تُخرجَ من ذرِّيتكَ بعثاً إلى النّارِ. قال: يا ربِّ! وما بعثُ النّارِ؟ قال: من كلِّ ألفٍ- أراه قال-:
تِسع مِئةٍ وتسعةً وتسعين، فحينئذٍ تضعُ الحاملُ حملها، ويشيبُ
الوليدُ، (وترى الناس سُكارى وما هُم بِسُكارى ولكنَّ عذاب الله
شديدٌ) . فشقَّ ذلك على الناسِ حتَى تغيَّرت وجوهُهُم، فقال النبيُّ
- صلى الله عليه وسلم -: من يأجوج تسع مئةٍ وتسعةً وتسعين، ومنكم واحدٌ. ثم أنتُم في(7/756)
الناسِ كالشعرةِ السوداءِ في جنَّبِ الثورِ الأبيضِ، أو كالشعرة البيضاء في جنبِ الثور الأسودِ، وإنِّي لأرجُو أن تكونُوا رُبُع أهلِ الجنّةِ؛ فكبَّرنا،
ثمّ قال: ثُلُث أهلِ الجنة؛ فكبَّرنا، ثمَّ قال: شطرَ أهل الجنّة؛ فكبَّرنا) . أخرجه البخاري (5/ 241) ، ومسلم (1/ 139) ، وأحمد (3/ 32- 33) من
حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً- والسياق للبخاري-.
وعزاه شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (3/ 170- مجموع الفتاوى)
لـ "الصحيحين " بهذا اللفظ: "فينادى بصوت "! وهو تساهل؛ لأنه ليس عند مسلم لفظ الصوت (1) .
وقد أعله أبو الحسن بن الفضل بقوله: إنه تفرد به حفص بن غياث عن
الأعمش بهذا اللفظ! ولكن رده الحافظ ابن حجر بقوله في "الفتح " (13/386) : "وليس كما قال؛ فقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش.
أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" عن أبيه عن المحاربي ".
قلت: وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله في حديث له بلفظ: "فينادي بصوت يسمعه من بَعَُد كما يسمعه من قَرُبَ.. ".
وهو حديث صحيح، علقه البخاري في "صحيحه " ووصله في "أفعال العباد" (ص 89) ، وفي "الأدب المفرد" (970) وغيره، وقواه الحافظ ابن حجر، وقد خرجته في "ظلال الجنة في تخريج السنة" (رقم 514) .
__________
(1) وأعاد ذلك في مكان آخر، فقال (33/174) : "خرّجا في "الصحيحين " عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ينادي آدم بصوت " ... ".(7/757)
وفي ذلك كله رد على البيهقي في قوله: "ولم يثبت لفظ الصوت في حديث
صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -"!
ثم تأول الحديث بأن الصوت راجع إلى مَلكٍ أو غيره كما بينه الحافظ عنه،
ثم أشار إلى رده بقوله:
"وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم منه أن الله لم يُسمع
أحداً من ملائكته ورسله كلامه، بل ألهمهم إياه ".
قلت: وهذا باطل مخالف لنصوص كثيرة، وحسبك منها قول الله تبارك وتعالى في مكالمته لموسى: (فاستمع لِما يُوحى) [طه: 13] . ثم قال:
"وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين، لأنها
التي عُهد أنها ذات مخارج. ولا يخفى ما فيه؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخرج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق. سلمنا؛ لكن نمنع القياس المذكور، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة، وجب الإيمان به، ثم إما التفويض، وإما التأويل. وبا لله التوفيق ".
قلت: بل الإيمان كما نؤمن بسائر صفاته، مع تفويض معرفة حقائقها إلى المتصف بها سبحانه وتعالى كما قال: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 111] .
ثم إن حديث الترجمة رمز له في "الفتح الكبير"- وبالتالي في "صحيح الجامع الصغير وزيادته "- ب (حم، ن) فلعل (ن) محرف من (ق) أي: البخاري ومسلم. والله أعلم. فليراجع في "الجامع الكبير" للسيوطي.(7/758)
3251- (لو رأيتُموني وإبليس فأهويتُ بيدي، فما زلتُ أخنقُه
حتى وجدتُ بردَ لُعابِه بين إصبعيَّ هاتين: الإبهام والتي تليها، ولولا دعوةُ أخي سُليمان؛ لأصبح مربوطاً بساريةٍ من سواري المسجد، يتلاعبُ به صبيانُ المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحُول بينَه وبينَ القبلة أحدٌ؛ فليفعل) .
أخرجه أحمد (3/82- 83) : حدثنا أبو أحمد: حدثنا مسرَّة بن معبد:
حدثني أبو عُبيد صاحب سليمان قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائماً يصلي معتماً بعمامة سوداء، مُرخٍ طرفها من خلف، مصفر اللِّحيةِ، فذهبت أمرُّ بين
يديه، فردني ثم قال: حدثني أبو سعيد الخدري:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ، فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته قال: ... فذكره.
قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير مسرة بن معبد، وهو صدوق له أوهام؛ كما في "التقريب ".
ومن هذا الوجه رواه أبو داود (699) مختصراً، وهو في كتابي "صحيح أبي داود" (696) ، وله شواهد ذكر بعضها شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/ 170) ، أحدها من رواية النسائي عن عائشة مختصراً بقصة خنق الشيطان، وقال:
"وإسناده على شرط البخاري، كما ذكر ذلك أبو عبد الله المقدسي في (مختاره) الذي هو خير من (صحيح الحاكم) ".
قلت وفيه من الفقه وجوب اتخاذ السترة في الصلاة، ولو كان في مكان(7/759)
يظن أنه لا يمر أحد بين يديه، كما نسمع ذلك من كثير من الناس حينما تأمرهم بالصلاة إلى سترة، فيستغربون ذلك ويبادروننا بقولهم: يا أخي ما في أحد!! فنذكرهم بهذه القصة وقوله تعالى في إبليس: (إنه يراكم هو وقَبِيلُهُ مِن حيثُ لا ترونهم) [الأعراف: 27] . و (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد) [ق: 37] . *
3252- (ما كان لي ولبني عبدِ المطّلبِ؛ فَهُو لكم) .
أخرجه الطبراني في "الكبير" (5/269/5303) و"الصغير" (1/236- 237) و"الأوسط " (4630) : حدثنا عبيد الله بن رُمَاحِس الجشمي: ثنا أبو عمرو زياد بن طارق- وكان قد أتت عليه عشرون ومئة سنة- قال: سمعت أبا جَرول زهير بن صُردٍ الجُشمِي يقول:
لما أَسَرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين- يوم هوازن-، وذهب يفرِّق الشبان والسبي؛ أنشدته هذا الشعر:
امنن علينا رسول الله في كرمٍ فإنك المرءُ نرجوه وننتظر
امنن على بيضةٍ قد عاقها قَدَر مفرقاً شملها في دهرها غيَرُ أبقت لنا الدهر هتّافاً على حزنٍ على قلوبهمُ الغماءُ والغُمُرُ
إن لم تداركهُم نعماء تنشُرُها يا أرجح الناس حلماً حين يُختبرُ
امنن على نسوة قد كنت ترضعُها وإذ يزينُك ما يأتي وما تذرُ لاتجعلنَّا كمن شالت نعامته فاستبقِ منا فإنا معشرٌ زُهرُ
إنا لنشكرُ للنعماء إذ كُفِرَت وعندنا بعد هذا اليوم مُدَّخَرُ(7/760)
فألبِسِ العفو من قد كنت تَرضَعُه من أمّهاتك إنّ العفو مشتهرُ
يا خيرمن مرحت كمتُ الجيادِ به عند الهياجِ إذا ما استُوقِد الشَّررُ
إنا نؤمِّل عفواً منك نلبسُهُ هادي البريَّةِ إذ تعفُو وتنتصِرُ
فاعفُ عفا الله عمّا أنت راهبُهُ يوم القيامة إذ يَهدِي لك الظفَرُ
فلما سمع هذا الشعر قال: ... فذكره. وقالت قريش: ما كان لنا، فهو لله
ولرسوله، وقالت الأنصار: ما كان لنا؛ فهو لله ولرسوله.
وقال الطبراني:
"لا يروى عن زهير بهذا التمام إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبيد الله بن رُماحس ".
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/187) :
"رواه الطبراني في (الثلاثة) ، وفيه من لم أعرفهم"
قلت: يعني ابن رُماحس هذا وشيخه زياد بن طارق.
أما الأول؛ فما قاله فيه عجيب؛ فقد أورده الذهبي في "الميزان " برواية جمع
عنه غير الطبراني، منهم أبو سعيد بن الأعرابي، وقال:
"ما رأيت للمتقدمين فيه جرحاً، وما هو بمعتمد عليه ".
وقد رد عليه الحافظ في"اللسان "بما خلاصته؛ أنه روى عنه جماعة بلغ عددهم عنده أربعة عشر نفساً، فليس بمجهول، مع أنه نقل عن أبي منصور الباوردي أنه قال: "عبيد الله وزياد مجهولان ". وعن علي بن السكن: "إسناده مجهول ". ثم قال الحافظ:(7/761)
"فالحديث حسن الإسناد؛ لأن راوييه مستوران لم يتحقق أهليتهما، ولم يُجرحا، ولحديثهما شاهد قوي ".
وقال في "العُشاريِّات " (الحديث الأول) منه (ق 3/ ب) :
"ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه "الأحاديث المختارة مما ليس في واحد من الصحيحين " من وجهين إلى الطبراني "، وقال بعده:
"زهير لم يذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم في كتابيهما، ولا زياد بن طارق،
وقد روى محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحو هذه
القصة والشعر. وساقه من طريقه الطبرانيُّ بتمامه. قلت: ولا أعلم للحافظ ضياء الدين في تصحيحه سلفاً؛ لكن رواته لم يجرحوا، وقد صرح كل منهم بالسماع
من شيخه، فهو فرد غريب، لا وجه لتضعيفه "!
وأقول: أما من جهة ابن رُماحس، فنعم؛ لا وجه لتضعيفه.
وأما بالنسبة لزياد بن طارق؛ فالوجه تضعيفه به؛ لأنه مجهول؛ كما تقدم
نقله من الحافظ عن الباوردي أنه مجهول، وأقره عليه، وكذلك صنع في ترجمته من "اللسان "، كما أقر الذهبي على قوله فيه:
"نكرة لا يعرف ".
فأنى لإسناد حديثه الحسن؟! لا سيما وقد أعله الذهبي بعلة قادحة كما بدا
له؛ لكن الحافظ قد رد ذلك عليه وأصاب، فالعلة جهالة زياد.
نعم؛ يمكن أن يقال: إنه حسن لغيره، للشاهد الذي أشار إليه الضياء المقدسي
من رواية ابن إسحاق عند الطبراني، فقد أخرجه- عقب حديث الترجمة(7/762)
مباشرة (5304) - من طريق محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
أن وفد هوازن لما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجِعرانة وقد أسلموا قالوا: إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامنن علينا منَّ الله عليك،
وقام رجل من هوازن- ثم أحد بني سعد بن بكر- يقال له: زهير، يكنى بأبي
صرد، فقال: ... فذكره بنقص البيتين الأخيرين، والقصة أتم.
وهذا إسناد حسن؛ لولا عنعنة ابن إسحاق، لكنه قد صرح بالتحديث في
كتابه "السيرة" التي اختصرها ابن هشام من رواية زياد بن عبد الله البكَّائي عن ابن إسحاق قال: فحدثني عمرو بن شعيب به. (ج 3 ص 488- 0 49) .
فهذا شاهد قوي لحديث الترجمة؛ كما قال الحافظ في "اللسان ". *
3253- (أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبتَ) .
رواه عبد الرزاق في "المصنف " (11/ 200/20319) ، وعنه البيهقي في "الشعب " (6/489/9011) : أخبرنا معمر عن الأشعث بن عبد الله عن أنس بن مالك قال:
مرَّ رجل بالنبي- صلى الله عليه وسلم - وعنده ناس، فقال رجل ممن عنده: إني لأحب هذا لله.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"أَعْلَمْتُهُ؟ ". قال: لا. قال:
"فقم إليه فأعلِمه ".
فقام إليه فأعلمه، فقال:(7/763)
أحبك الذي أحببتني له.
قال: ثم رجع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -فأخبره بما قال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح؛ إن كان الأشعث- وهو الحُدَّاني- سمعه من أنس، فقد قال ابن حبان في "الثقات ": "ما أراه سمع من أنس ".
ولعل السبب في ذلك أن حفص بن غياث رواه عنه عن الحسن عن أنس به مختصراً بلفظ:
"المرء مع من أحب، وله ما اكتسب ".
رواه الترمذي (2386) ، وقال:
"حديث حسن غريب من هذا الوجه ".
قلت: لكن فيه أبو هشام الرفاعي- واسمه محمد بن يزيد-، قال الحافظ:
"ليس بالقوي ".
قلت: فلا يحتج به، وقد خالف في إسناده ومتنه: أما السند؛ فهو أنه أدخل
بين الأشعث وأنس: الحسن، وهو البصري.
وأما المتن؛ فهو قوله: "وله ما اكتسب "! والصحيح: "ولك ما احتسبت "؛
كما في حديث الترجمة.
نعم؛ للحديث أصل عن الحسن؛ فقد قال المبارك بن فضالة: ثنا الحسن: أخبرني أنس بن مالك قال:
كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته، فجاء رجل فقال: يا رسول الله! متى
الساعة؟ قال: "أما إنها قائمة، فما أعددت لها؟ "، قال: والله يا رسول الله!(7/764)
ما أعددت لها من كثير عمل؛ غير أني أحب الله ورسوله. قال: "فإنك مع من أحببت، ولك ما احتسبت ... ".
أخرجه أحمد (3/226و283) وأبو يعلى (5/ 144/2758) ومن طريقه: ابن حبان (1/387/565) .
قلت: وهذا إسناد جيد قد صرح فيه المبارك والحسن بالتحديث، وهو شاهد
قوي للفظ حديث الترجمة. والله أعلم.
وللمبارك إسناد آخر؛ فقد قالت: حدثنا ثابت البناني عن أنس أن رجلاً كان
عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... الحديث إلى قوله: "أحبك الذي أحببتني له ".
أخرجه أبو داود (5125) والحاكم (4/ 171) - وصححه-، وأحمد (3/ 150) . وتابعه الحسين بن واقد: حدثني ثابت به. أخرجه ابن حبان (570) ،
وأحمد (3/ 140- 141) .
وتابعه عبد الله بن الزبير الباهلي: حدثنا ثابت به. أخرجه أبو يعلى (6/162/3442) ، ومن طريقه: ابن عدي في "الكامل " (4/175) ، وعلي بن الجعد " كما تقدم برقم (418) .
والحديث في "الصحيحين " وغيرهما من حديث أنس وابن مسعود مثل حديث المبارك عن الحسن عن أنس؛ لكن بلفظ:
"المرء مع من أحب ".
وهومخرج في"الروض النضير"وغيره؛ فانظر"صحيح الجامع الصغير" (6565) . والداعي إلى تخريج حديث عبد الرزاق: هنا إنما هو أنني لما خرجت "المشكاة"(7/765)
قديماً؛ رأيت المؤلف قد عزاه (5017) للبيهقي في "شعب الإيمان "، ولم يتيسر لي يومئذ الوقوف على إسناده ولو عند غيره، فبيضت له وعزوته لأبي داود فقط، والآن وقفت على إسناده عند عبد الرزاق؛ فخرجته.
ثم وجدت لحديث ثابت عن أنس شاهداً من حديث ابن عمر قال:
بينا أنا جالس عند النبي: - صلى الله عليه وسلم -إذ أتاه رجل فسلم عليه، ثم ولى عنه،
فقلت: يا رسول الله! إني لأحب هذا لله، قال:
"فهل أعلمته ذاك؟ ".
قلت: لا. قال:
"فأعلم ذاك أخاك ".
قال: فاتبعته فأدركته، فأخذت بمنكبه، فسلمت عليه، وقلت: والله! إني
لأحبك لله. قال هو: والله إني لأحبك لله. قلت: لولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -أمرني أن
أعلمك لم أفعل.
أخرجه ابن حبان (1/388/568) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/366/
13361) من طريق الأزرق بن علي أبي الجهم قال: حدثنا حسان بن إبراهيم قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة عن نافع قال:
سمعت ابن عمر يقول: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي حسان- وهو الكرماني- وزهير
ابن محمد كلام لا يضر هنا. وقال الهيثمي (10/282) :
" رواه الطبراني في " الكبير" و"الأ وسط "، ورجالهما رجال " الصحيح "، غير الأزرق بن علي وحسان بن إبراهيم، وكلاهما ثقة".(7/766)
(فائدة) : زاد أبو يعلى- بعد قوله: "ولك ما احتسبت "-:
ثم قال:
"تسألوني عن الساعة؟ والذي نفسي بيده! ما على الأرض نفس منفوسة
اليوم تأتي عليها مئة سنة".
قال: فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال:
"أين السائل عن الساعة؟ ". فجيء بالرجل تُرعد فرائصه، فنظر رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - إلى غلامٍ من دوسٍ يقال له: سعد، فقال:
"إن يعش هذا لا يهرم حتى تقوم الساعة".
قال أنس: وأنا يومئذٍ قدر الغلام.
وعند أحمد قضية الصلاة وقوله: "أين السائل ... " إلخ.
وأخرجها ابن حبان في "صحيحه " (1/387/565 و 4/ 280/2979) مفرقاً
في موضعين من طريق أبي يعلى.
وأخرجها مسلم (8/209) ، وابن حبان (1/387/566) ، وأحمد (3/428) ،
وأبو يعلى (3277) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس.
والجملة الأخيرة- جملة الهرم- أخرجها البخاري (6167) ، ومسلم أيضاً، وأحمد (3/192) من طريق قتادة عن أنس.
ثم رواه مسلم من طريقين آخرين عن أنس.
ثم وجدت لهذه الجملة الأخيرة طريقاً أخرى يرويها قيس بن وهب الهَمداني
عنه، وفيه قصة السؤال عن الساعة وقوله:(7/767)
"أين السائل عن الساعة؟ ". وقوله:
ومر سعد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن هذا عُمِّر حتى يأكل عمره؛ لم يبق منكم عين تطرف ".
أخرجه أبو يعلى (7/104/4049) بسند ضعيف.
وعنده طريق أخرى (7/23/ 3920) ، وسنده حسن.
ثم وجدت للمبارك بن فضالة متابعاً، وهو عمران القطان: ثنا الحسن
عن أنس ... مثل رواية المبارك عند أبي يعلى.
أخرجه أحمد (3/213) . *
3254- (تكون فتنةٌ؛ النائم فيها خيرٌ من المضطجع، والمضطجعُ
فيها خيرٌ من القاعد، والقاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الراكبِ، والراكبُ خيرٌ من المُجري، قتلاها كلُّها في النّارِ. قال: قلتُ: يا رسول الله! ومتى ذلك؟ قال: ذلك أيام
الهرجِ. قلتُ: ومتى أيامُ الهرجِ؟ قال: حين لا يأمن الرجل جليسَهُ.
قال: فبِمَ تأمُرني إن أدركتُ ذلك الزّمان؟ قال: اكفُف نفسك ويدك،
وادخل دارك. قال: قلتُ: يا رسول الله! أرأيت إن دخل عليَّ داري؟
قال: فادخل بيتك. قال: قلتُ: يا رسول الله! أرأيت إن دخل عليَّ
بيتي؟ قال: فادخل مسجدك، واصنع هكذا- وقبض بيمينهِ على
الكوع- وقل: ربِّي الله؛ حتّى تموت على ذلك) .
رواه عبد الرزاق في "المصنف " (1 1/ 350/20727) ، ومن طريقه: أحمد(7/768)
(1/488) ، والحاكم (4/426- 427) عن معمر عن إسحاق بن راشد عن عمرو ابن وابصة الأسدي عن أبيه قال:
إني لَبِالكوفة في داري؛ إذ سمعت على باب الدار: السلام عليكم، أألجُ؟
قلت: وعليك السلام؛ فََلج. فلما دخل إذا هو عبد الله بن مسعود. قال: فقلت: يا
أبا عبد الرحمن! أية ساعة زيارة هذه؟ وذلك في نحر الظهيرة، قال: طال علي النهار فتذكرت من أتحدث إليه، قال: فجعل يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحدثه. قال:
ثم أنشأ يحدثني فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وتابعه عبد الله بن المبارك: أنا معمر به.
أخرجه أحمد (1/449) . وقال الهيثمي (7/203) :
"رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات ".
قلت: يعني بالأ ول: روايته من طريق عبد الرزاق، وبالآخر: روايته من طريق
ابن المبارك، ولا فرق بينهما في الحقيقة؛ لولا أنه في الرواية الأولى لم يقع له تسمية إسحاق بن راشد، بل قال فيها: (عن رجل) وهو إسحاق كما في رواية
" المصنف " و" المستدرك "، ورواية " المسند " الأخرى.
ولم يتنبه لها الشيخ الأعظمي في تعليقه على "المصنف "! فلم يعز لأحمد
إلا الرواية الأولى!
هذا؛ وقد أدخل بعض الرواة بين إسحاق وعمرو: رجلاً لا يعرف، وهي رواية شاذة بل منكرة، وبيان ذلك إن شاء الله تعالى في أول "كتاب الفتن " من "صحيح سن أبي داود". *(7/769)
3255- (إنَّما يهدِي إلى أحسنِ الأخلاق: اللهُ، وإنّما يصرفُ مِن أسوَئها هُو) .
رواه عبد الرزاق في "المصنف " (11/146/20156) عن طاوس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر: ... فذكره.
قلت: إسناده صحيح مرسلاً، وقد وصله الطبراني في "المعجم الكبير" (11/17/10896) من طريق شاهين بن حيَّان: ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته ... فذكره. وشاهين هذا؛ قال أبو حاتم:
"ضعيف الحديث ". وذكره ابن حبان في "الثقات ".
…لكن للحديث شاهد قوي من حديث علي- رضي الله عنه- في استفتاحه
- صلى الله عليه وسلم - الصلاة، وفيه قوله:
"اللهم! اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف
عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ".
أخرجه أحمد (1/102) ، ومسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما"، والترمذي- وصححه- وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح سنن أبي داود" (رقم 738) .
وله شاهد من حديث جابر بلفظ:
"اللهم! اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق؛ لا يقي سيئها إلا أنت ".
رواه النسائي وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (739) .(7/770)
(تنبيه) : إنما حملني على هذا التخريج: أنني رأيت الشيخ الأعظمي في تعليقه
على"المصنف"لم يزد في تخريج الحديث على عزوه للطبراني! هذا من جهة، ومن جهة أخرى: رأيت صاحبنا عبد المجيد السلفي في تعليقه على "الطبراني " أعل الحديث بشاهين المذكور، ولما كان ذلك يشعر القراء بضعفه؛ رأيت من الواجب بيان صحته بالشاهدين المذكورين من حديث علي وجابر. والله سبحانه هو الموفق. *
3256- (قدِ اختلفتُم وأنا بين أظهُركم، وأنتُم بعدِي أشدُ اختلافاً) . أخرجه عبد الرزاق في"المصنف " (11 /389/20818) ، ومن طريقه:
الطبراني في "المعجم الكبير" (3/146) عن معمر عن الزهري عن سنان بن أبي سنان أنه سمع حسين بن علي يحدث:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم -خبأ لابن صياد (دخاناً) ، فسأله عما خبأ له؟ فقال: دخ. فقال:
"اخسأ؟ فلن تعدو قدرك ".
فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"ماقال؟ ".
فقال بعضهم:
دخ. وقال بعضهم:
بل قال: زخ (1)
. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح.
__________
(1) الأصل (ريح) ! وقال المعلق عليه: في "الكنز"من "طب ": "ذخ ". قلت: وهو قريب مما أثبته أخذاً من روايتي الطبراني. والله أعلم.(7/771)
ثم رواه الطبراني (2909) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث:
حدثني عُقيل [عن] ابن شهاب به. وقال الهيثمي (8/5) :
"رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح".
وكأنه يعني الأول، والثاني كذلك عندي لولا أن عبد الله بن صالح فيه
ضعف من قبل حفظه، ولكنه ممن يستشهد به، فيزداد الحديث به قوة على قوة. واعلم أن أحاديث ابن صياد وسؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه عن (الدخان) وعجزه عن الجواب كثيرة، وبعضها في "الصحيح " و"السنن "، فانظر: "المشكاة" (5494) ، و"صحيح سنن أبي داود" (الملاحم) ، وليس هذا فيها، وإنما خرجته هنا لأمرين: الأول: لما فيه من الزيادة عليها من سؤاله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عما قال ابن صياد، ورده - صلى الله عليه وسلم - عليهم بقوله: "قد اختلفتم ... ".
والآخر: أنني أردت أن أذكر به أولئك الغافلين الذين ينسبون إلى الدين ما ليس منه، فيقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اختلاف أمتي رحمة " أو: "اختلاف أصحابي لكم رحمة"، وغير ذلك مما بينت وضعه في محله، ولهذا فهم يقرون الاختلاف الشديد بين المذاهب ويتخذونه ديناً، خلافاً للكتاب والسنة كما بينه العلماء- رحمهم الله تعالى-، ويغلو بعض أولئك فيزعم أن لكل قول من تلك الأقوال المتناقضة دليلاً من السنة؛ كخروج الدم مثلاً، فيتخيلون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل مرة عنه، فأجاب بأنه ينقض الوضوء، وسئل مرة أخرى فأجاب بأنه لا ينقض! ونحو ذلك من التخيلات التي لا أصل لها في السنة، وينشدون بهذه المناسبة قول (بُوصيريِّهم) في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وكُلُّهمِ مِن رسُولِ اللهِ مُلتمِس...................(7/772)
وغير ذلك من الأقوال التي لم يقلها عالم من قبل.
فلعل في أولئك الغافلين من يتنبه من غفلته، ويعود إلى رشده حين يرون النبي - صلى الله عليه وسلم -لا يرضى من الصحابة- رضي الله عنهم- اختلافهم في تحديد ما قاال ابن صياد؛ هل هو (الدُّخ) أو (الزخ) ؟ مع أن مثل هذا الاختلاف ليس له علاقة بالدين مطلقاً كما هو ظاهر، لعلهم حين يتنبهون لهذا يتبين لهم أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى منهم الاختلاف في الدين ولا يقره من باب أولى.
فالحق أن الخلاف- وهو الذي يسميه ابن تيمية- رحمه الله- اختلاف تضاد-
إنما هو نقمة وليس برحمة.
وحسب المسلم البصير في دينه أن يعتذر عن المختلفين بعذر معقول، ويعتقد بأنهم جميعاً مأجورون على التفصيل الوارد في الحديث. أما أن يقر الاختلاف نفسه ويدافع عنه، بدعوى الدفاع عن الأئمة، كما يعلن ذلك بعضهم في بعض الإذاعات الإسلامية، فذلك من التدليس على الناس، والخلط بين الحق والباطل. نسأل الله السلامة في ديننا وعقولنا.
3257- (لا يدخلُ الجنة من كان في قلبهِ مثقالُ حبّةٍ من خردلٍ
من كِبرٍ) .
أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 182) ، والأصبهاني في
" الترغيب " (65/ 1- 2) (1/ 270/ 0 0 6 ط) - والزيادة له-، وكذا الطبراني في "الكبير" (13 /147/363) عن [إسماعيل بن] سنان- يعني: العُصفُرِيَّ-،
والحاكم (3/416) ، والخرائطي في "المساوئ " (265) عن سالم بن إبراهيم صاحب المصاحف، والأصبهاني أيضاً (245/1) (2/956/2331 ط) عن عمر بن(7/773)
يونس اليمامي- ثلاثتهم- عن عكرمة بن عمار عن القاسم بن محمد قال: زعم عبد الله بن حنظلة:
أن عبد الله بن سلام مر في السوق، وعليه حزمة من حطب، فقيل له: أليس
الله قد أغناك عن هذا؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أدفع به الكبر، سمعت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد، ولم يخرجاه في ذكر عبد الله بن سلام ".
فتعقبه الذهبي بقوله:
"قلت: سالم واهٍ".
قلت: قد تابعه من تقدم قرنه به.
واسماعيل بن سنان العصفري ما بحديثه بأس، كما قال أبو حاتم (2/176/592) . وعمر- وفي الأصل: عثمان، وهو خطأ من الناسخ- ابن يونس اليمامي ثقة
من رجال الشيخين.
والراوي عنه سليمان بن داود: هو ابن محمد بن شعبة بن يزيد بن النجار
اليمامي، أثنى عليه ابن معين خيراً، وقال:
"قلَّ من رأيت أفهم بحديث اليمامة منه ". وقال أبو حاتم (4/114/495) :
" صد وق ".
قلت: فإسناد الأصبهاني جيد، وهو من فوائد كتابه العزيزة.
والحديث قال المنذري (4/18) :
"رواه الطبراني بإسناد حسن، والأصبهاني؛ إلا أنه قال: مثقال ذرة من كبر".(7/774)
قلت: الذي في نسختنا من "الأصبهاني " هو باللفظ المذكور أعلاه، ولفظ الطبراني عند المنذري:
"من في قلبه خردلة من كبر".
وكذلك ذكره الهيثمي (1/99) ، وحسن إسناده أيضاً.
والحديث صحيح، له شواهد كثيرة، بعضها في "صحيح مسلم " عن ابن مسعود، وإنما آثرت هذا بالذكر؛ لقصة عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-. *
من تربية نبينا وأخلاق سلفنا
3258- (أجل، فلا ترُدَّ عليهِ، ولكن قل: غفر اللهُ لك يا أبا بكرٍ!
غفر الله لك يا أبا بكرٍ!) .
أخرجه أحمد (4/58- 59) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (577 4) من
طرق عن مبارك بن فضالة: ثنا أبو عمران الجوِني عن ربيعة الأسلمي قال:
كنت أخدم رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعطاني أرضاً، وأعطى أبا بكر أرضاً، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة، فقالت أبو بكر: هي في حد أرضي! وقلت أنا: هي في حدي! وكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم، فقال لي: يا ربيعة! رُدَّ علي مثلها حتى يكون قصاصاً. قلت: لا أفعل. فقال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدين عليك رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: ما أنا بفاعل. قال:
ورفض الأرض. فانطلق أبو بكر- رضي الله عنه- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم فقالوا: رحم الله أبا بكر! في أي شيء يستعدي عليك رسول الله، وهو الذي قال لك ما قال؟! فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق،(7/775)
وهو (ثاني اثنين) ، وهو ذو شيبة المسلمين، فإيَّاكم يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيغضب لغضبه، فيغضب اللهُ لغضبهما، فيهلك ربيعة. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ارجعوا. فانطلق أبو بكر- رضي الله عنه- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتبعته وحدي، وجعلت أتلوه، حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثه الحديث كما كان. فرفع إلي رأسه فقال: "يا ربيعة! ما لك وللصديق؟ "، قلت: يا رسول الله كان كذا وكان كذا؛ فقال لي كلمة كرهتها؛ فقال لي: قل كما قلتُ لك حتى يكون قصاصاً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... (فذكره) قال: فولى أبو بكر - رحمه الله- وهو يبكي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وإنما يخشى من عنعنة ابن فضالة،
وقد صرح بالتحديث، ولذلك وثقه جماعة، وقال أبو زرعة:
"إذا قال: (ثنا) فهو ثقة". *
3259- (لا تحرِّم الإملاجةُ والإِِملاجتانِ) .
أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/13/2) ، ومن طريقه وطريق غيره: مسلم في "صحيحه " (4/166 - 167) عن المعتمر بن سليمان عن أيوب يحدث عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل قالت:
دخل أعرابي على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله! إني كانت لي امرأة؛ فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحُدثى رضعة أو رضعتين، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
(قال ابن الأثير) :(7/776)
"الملج: المصُّ، ملج الصبي أمه يملُجها ملجاً، وملِجَها يملَجها: إذا رضعها.
وا لملجة: المرة.
والإملاجة: المرة أيضاً، من أملجته أمه؛ أي: أرضعته، يعني: أن المصة والمصتين لا تحرمان ما يحرمه الرضاع الكامل ".
قلت: والحديث من الأدلة الكثيرة على أن الرضاع القليل لا يحرم، وهي- لصحتها- صالحة لتقييد قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) [النساء: 23] ، فكما أن الآية مقيدة بالسنة في أنه لا رضاع إلا في حولين، فكذلك هي مقيدة بهذا الحديث وغيره، فلا يغرنك ما صرح به الحنفية- وبخاصة منهم أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن " (2/124) -:
"ولا يجوز قبول أخبار الآحاد عندنا في تخصيص حكم الآية الموجبة للتحريم بقليل الرضاع ... "!
فإنهم لا يلتزمون هذا في كثير من فروعهم، وهو الحق؛ فإنهم مثلاً يحرمون الفضة والذهب والحرير على الرجال، مع مخالفة ذلك لعموم قوله تعالى: (قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) [الأعراف: 32] والأمثلة في ذلك كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن، والُحرُّ تكفيه الإشارة. *
من بطولات الصحابيات
3260- (يا أمّ سُليمٍ! إنّ الله عزّ وجلّ قد كفانا وأحسن) .
أخرجه أحمد (3/286) ، وإسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/15 / 1) قالا:
ثنا عفان: ثنا حماد قال: أنا ثابت عن أنس:(7/777)
أن أم سُليم كانت مع أبي طلحة يوم حُنين، فإذا مع أم سليم خنجر، فقال أبو طلحة: ما هذا معك يا أم سليم؟! فقالت: اتخذته؛ إن دنا مني أحد من الكفار أبعجُ به بطنه. فقال أبو طلحة: يا نبي الله! ألا تسمع ما تقول أم سليم؟! تقول كذا وكذا! فقالت: يا رسول الله! أقتُلُ من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك يا رسول الله! فقال: ... فذ كره.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد أخرجه هو (5/196) وأحمد (3/ 190) من طرق أخرى عن حماد به.
ورواه أحمد (3/108- 109) من طريق حميد عن أنس به نحوه.
ورواه (3/279) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس.
واسناده ثلاثي؛ لكن بين حميد وأنس ثابت كما ذكروا. والله أعلم. *
3261- (إنّ إبليس! يضعُ عرشهُ على الماءِ (وفي طريق: البحر) ، ثم يبعثُ سراياهُ؛ فأدناهُم منه منزلةُ أعظمُهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ: ما صنعتَ شيئاً، ثمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ:
ما تركتُه حتى فرّقتُ بينهُ وبين امرأتهِ، فيُدنِيه منه ويقولُ: نِعم أنت!
قال الأعمش: أراه قال: فيلتزِمُه) .
جاء من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- من طرق:
الأولى: الأعمش عن أبي سفيان عنه.
أخرجه مسلم (8/138) ، وأحمد (3/314) ، وعبد بن حميد في "المنتخب " (3/20/1031) من طريق أبي معاوية: ثنا الأعمش به.(7/778)
ثم بدا لي إشكال على متن الحديث، وهو أن فيه اختصاراً مخلاً بينته في
" الضعيفة " (6102) ؛ فراجعه.
وتابعه جريرعن الأعمش به مختصراً بلفظ:
"إن عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه، فيفتنون الناس، فأعظمهم
عنده أعظمهم فتنة".
أخرجه مسلم.
الثانية: أبو الزبير عن جابر به مختصراً مثل رواية جرير.
أخرجه مسلم (8/139) ، وأحمد (3/332 و 366 و 384) ، وصرح أبو الزبير بالتحديث في رواية لأحمد.
الثالثة: وهب بن مُنبِّه قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (رقم 6154- الإحسان) .
قلت: وإسناده صحيح.
الرابعة: ماعز التميمي عن جابر مرفوعاً.
أخرجه أحمد (3/ 354) .
قلت: ورجاله ثقات؛ غير ماعز هذا، قال الحافظ في "التعجيل ":
"غير معروف، وهو غير ماعز بن عبد الرحمن العامري الذي في (ثقات التابعين) لابن حبان ".(7/779)
الخامسة: عن مصعب بن المقدام قال: نا سعيد بن بَشير عن قتادة عن سليمان
ابن يسار عنه.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/248/ 1/4285/2) (5/78/
4139- ط) ، وقال:
"لم يروه عن سعيد إلا مصعب ".
قلت: وكلاهما ضعيف.
وللحديث شاهد من حديث أبي موسى الأشعري، تقدم برقم (1280) .
(تنبيه) : مع كثرة طرق هذا الحديث في "صحيح مسلم " وغيره؛ لم يعزه المعلق على " الإحسان " (14/66- 67) إلا إلى "أوسط الطبراني "! وبواسطة "مجمع الزوائد" (7/289) ! *
3262- (إنَّ الرَوحَ لتلقى الروحَ (وفي رواية: اجلس واسجد واصنع
كما رأيتَ) . قاله لخُزيمة بن ثابت) .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (4/384/ 7631) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (11 /78/10564) ، وأحمد (5/214و215) ، وابن سعد (4/ 380- 381) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (4/97/3717) من طريق حماد بن سلمة: نا أبو جعفر الخَطمِيُّ عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت: أن أباه قال:
رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرت بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال ... فذكره، وأقنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هكذا-[قال عفان برأسه
إلى خلف]- فوضع جبهته على جبهة النبي - صلى الله عليه وسلم -.(7/780)
والسياق لأحمد، وزيادة عفان للنسائي، والرواية الأخرى للطبراني، وإسنادهم صحيح، رجاله كلهم ثقات. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/182) :
"رواه أحمد بأسانيد أحدها هذا، وهو متصل،.. ورواه الطبراني ورجا لهما
ثقات ".
ولالتقاء الأرواح شاهد من حديث ابن عمرو مرفوعاً؛ مخرج في الكتاب الآخر لزيادة فيه برقم (1947) .
(تنبيه) : قوله: (لتلقى) هكذا وقعت هذه الكلمة عند النسائي، وكذا في "المصنف "، ووقعت في ابن سعد وأحمد: (لايلقى) بالنفي! وأظنه محرفاً لمنافاته للسياق وللشاهد المذكور.
ولما ذكره الهيثمي معزواً لأحمد؛ ذكره على الصواب، وكذلك هو في "كنز العمال " (15/517/42017) برواية ابن أبي شيبة وأبي نعيم. والله أعلم.
وقد جاء الحديث عن خزيمة بلفظ: "صدّّق رؤيا ك "، وهو مخرج في "المشكاة" (4624) . *
3263- ( [المغضوب عليهم] : اليهودُ، و [الضالِّينَ] : النصارى) .
ورد من حديث عدي بن حاتم الطائي، وعمن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي ذر.
1- أما حديث عدي؛ فله عنه طريقان:
الأولى: عن سماك بن حرب قال: سمعت عَبَّاد بن حُبيش يحدث عن عدي بن حاتم به.
أخرجه الترمذي (2956 و2957) ، وابن حبان (5 171 و 2279) وابن جرير(7/781)
في "التفسير" (1/ 61و64) ، وابن أبي حاتم (1/ 31/ رقم 40) ، وأحمد (4/378 - 379) ، ومن طريقه: البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 339- 341) ، والطبراني في"المعجم الكبير" (17/98- 100) عنه به. وفيه عند ابن حبان وأحمد وغيرهما قصة إسلام عدي- رضي الله عنه-، ومنهم الترمذي؛ وقال:
"حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب ".
قلت: هو ثقة وسط في غير روايته عن عكرمة؛ فإنها مضطربة، وهذه من روايته عن عباد بن حبيش، ولا يعرف إلا به، فهو مجهول، فهو علة هذا الإسناد، وقد جهله ابن القطان، وقال الذهبي:
"لا يعرف ".
فقول المعلقين على "الموارد" (5/375) :
"إسناده حسن من أجل سماك بن حرب، وباقي رجاله ثقات ... ".
فليس بحسن؛ لأنه قائم على قاعدة وضعوها لأنفسهم، وهي الاحتجاج بالمجهولين الذين لا يعرفون إلا برواية واحد، ما دام وثقه مثل ابن حبان وغيره من المتساهلين، وعلى تجاهل موقف الحفاظ النقاد تجاه هذا التساهل، فهناك العشرات بل المئات من الرواة الموثَّقين من أولئك المتساهلين، لم يأخذ بتوثيقهم الحفاظ المشار إليهم، وهذا هو المثال بين يديك أيها القارئ الكريم!
الثانية: عن محمد بن مصعب عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب
عن مُرَيّ بن قَطَريّ عن عدي بن حاتم ...
أخرجه الطبري أيضاً.(7/782)
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد؛ فإن مري بن قطري حاله تقريباً كحال ابن حبيش؛ إلا أنه قد وثقه أيضاً ابن معين، وقال فيه الذهبي: "لا يعرف، تفرد عنه سماك ".
ومحمد بن مصعب- وهو القُرقُساني- مختلف فيه، قال الحافظ:
"صدوق كثير الغلط ".
وتجاهل هذان المشارُ إليهما آنفاً، فوثَّقاه وحسّنا إسناده!
الثالثة: قال الطبري: حدثني أحمد بن الوليد الرملي: قال: ثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم به.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أحمد بن الوليد الرملي، وأنا أظن أنه (أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي) ؛وثقه ابن حبان فقال (8/38) :
"يروي عن ابن عيينة وابن أبي فُدَيك، حدثنا عنه الفضل بن محمد العطار بأنطاكية، وهو قديم الموت ".
وترجمه ابن أبي حاتم برواية ابن أبي فديك وجمع وقال (2/179 /176) :
"سمع منه أبي بأنطاكية".
وصحح الإسناد الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله- في تعليقه على "التفسير" (1/185) ، دون أن يفيدنا شيئاً عن حال الرملي هذا عنده.
وكذلك صنع المعلقان المشار إليهما!(7/783)
2- وأما حديث من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيرويه مَعمَرٌ عن بُديلٍ العُقيلي:
أخبرني عبد الله بن شقيق: أنه أخبره من سمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -- وهو بوادي القرى- وهو على فرسه، فسأله رجل من (بلقين) فقال: من هؤلاء؟ قال:
"هؤلاء [المغضوب عليهم] . وأشار إلى اليهود".
قال: فمن هؤلاء؟ قال:
" هؤلاء [الضالين] يعني: النصارى ".
أخرجه الطبري، وأحمد (5/32- 33) من طريق عبد الرزاق، وهذا في "تفسيره " (1/37) قال: ثنا معمر به.
قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله-؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر.
وأقول: لكن قد خولف بديل العقيلي، فأخرجه الطبري عن سعيد الجريري وخالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق: أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر نحوه فأرسلاه، وهذا أصح.
ورواية خالد الحذاء: أخرجها البيهقي في "شعب الإيمان " (4/ 61/4329) ؛ لكنه قال: عن عبد الله بن شقيق عن رجل من (بلقين) عن ابن عم له أنه قال:
أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -.. فأسنده من جهة، وأدخل بين عبد الله بن شقيق وابن العم رجلاً لم يُسمَّ.
لكن في الطريق إليه إبراهيم بن علي- وهو الذهلي-، لم أعرفه.
3- وأما حديث أبي ذر؛ فذكره السيوطي في"الدر المنثور" (1/16) من رواية(7/784)
ابن مردويه من طريق عبد الله بن شقيق عنه. وقد حسن إسناده في "الفتح " (8/159) ؛ وأنا أخشى أن يكون وجهاً من وجوه الاختلاف الواقع في إسناده عن عبد اللة بن شقيق. والعلم عند الله تعالى.
والخلاصة أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، وقد أشار إلى ذلك الحافظ
ابن كثير في "تفسيره"، وصرح بثبوته ابن أبي العز الحنفي في آخر شرحه للعقيدة الطحاوية، وجزم بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شيخُ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/127) ، وعقب عليه بقوله:
"وذلك أن اليهود عرفوا الحق ولم يتبعوه، والنصارى عبدوا الله بغير علم ".
بل إنه صرح بصحته في مكان آخر منه (1/64) . والحمد لله رب العالمين. *
3264- (سبحان اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبرُ؛ مِنَ الباقياتِ الصالحاتِ) .
أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير" (15/166) قال: وجدت في كتابي: عن الحسن بن الصَّبَّاح البزَّار عن أبي نصر التَّمَّار عن عبد العزيز بن مسلم عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن؛ للخلاف المعروف في محمد بن عجلان، وسائر رجاله ثقات رجال الشيخين، والحسن بن الصباح من شيوخ ابن جرير، كما ذكر الذهبي في ترجمته من "السير" (14/269) .
وقد توبع؛ فقال حفص بن عمر الحوضِي: حدثنا عبد العزيز بن مسلم به مطولاً بلفظ:(7/785)
"خذوا جُنَّتكم ".
قالوا: يا رسول الله! أمن عدو حضر؟ قال:
"لا، ولكن جنتكم من النار؛ قول: سبحان الله ... فذكرهن الأربع؛ فإنهن
يأتين يوم القيامة مُجنِّبات ومعقِّبات، وهن الباقيات الصالحات ".
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (488/848) وابن أبي حاتم في "العلل " (2/ 100/1793) والحاكم (1/549) والبيهقي في "شعب الإيمان " (1/425/606) .
وتابعه داود بن بلال السعدي: حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي به.
أخرجه الطبراني في"الأوسط " (5/26/4039) و"الدعاء" (3/ 1561/1682) ، وقال:
"لم يروه عن ابن عجلان إلا عبد العزيز، ولا رواه عنه إلا أبو عمر الحوضي وابن بلال ".
قلت: وكلاهما ثقة. وقال الحاكم:
"صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
وأعله أبو حاتم بعلة غريبة، فذكر ابنه عنه أنه قال:
"كنا نرى أن هذا غريب، حتى حدثنا أحمد بن يونس عن فُضيل بن عياض
عن ابن عجلان عن رجل من أهل الإسكندرية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.. فعلمت أنه قد
أفسد على عبد العزيز بن مسلم، وبيَّن عورته، وحديث فضيل أشبه ".
وأقول: إن مما لا شك فيه أن فضيلاً أوثق من عبد العزيز- وهو القسملي- وإن(7/786)
كانا كلاهما محتجاً به في "الصحيحين "، إلا أنني أرى- والله أعلم- أنه ليس من الضروري تعصيب الوهم بـ (عبد العزيز) ؛ بل (محمد بن عجلان) أولى به؛ لما تقدم من الإشارة إلى الاختلاف فيه، فمن الجائز أنه كان تارة يرسله عن الإسكندراني هذا، وتارة يسنده عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.
وقد روي من طريق أخرى عن أبي هريرة، ولكنها واهية لا يفرح بها؛ لأنها من طريق صلة بن سليمان العطار: حدثنا أشعث عن ابن سيرين عن أبي هريرة به. أخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/336) في ترجمة صلة هذا، وقال:
"قال أبو حاتم: متروك الحديث، أحاديثه عن أشعث منكرة".
وقال الذهبي في "المغني ":
"تركوه ".
ونحوه ما رواه عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي الدرداء نحوه مختصراً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، قال المنذري (2/248) : " بإسنادين؛ أصلحهما فيه عمر بن راشد، وبقية رواته محتج بهم في "الصحيح "، ولا بأس بهذا الإسناد في المتابعات ".
ونحوه في "مجمع الزوائد" (10/ 90) ؛ إلا أنه قال في عمر بن راشد:
"وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
قلت: وقال الذهبي في "المغني ":
"ضعفوه"(7/787)
ومن طريقه: أخرجه الطبري (16/91) مطولاً.
ووجدت له متابعاً؛ يرويه يوسف بن العَنبَسِ اليماني: ثنا عكرمة بن عمار
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً.
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (1/314/713) .
قلت: وعكرمة بن عمارضعيف في يحيى بن أبي كثير.
ويوسف بن العنبس اليماني لم أجد له ترجمة.
وروي من حديث ابن مسعود في آخر حديث: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم ... " مثل حديث الترجمة، وزاد:
"فإنهن مقدمات مجنبات ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات ".
أخرجه البيهقي في "الشعب " (1/426) من طريق الحاكم (1/34) ؛ لكن هذا ليس عنده هذه الزيادة، وفي إسناده من لم أعرفه، وقد سقط من سند البيهقي فليستدرك من "المستدرك "؛ وهو بدونها؛ صحيح الإسناد، تقدم تخريجه برقم (2714) .
ومن حديث ابن عباس يرويه إسماعيل بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس: حدثني أبي صالح: حدثني أبي: حدثني عليٌّ: حدثني أبي عبد الله بن عباس قال:
كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث نحو حديث أبي الدرداء المطول.
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (2/ 841) في ترجمة إسماعيل هذا،
ولم يذكر في ترجمته ما يدل على حاله في الرواية، ولا وجدت له ذكراً في شيء(7/788)
من كتب الرجال، وكذلك أبوه صالح بن علي لم أجده، فهو إسناد مظلم.
وأسوأ منه: ما رواه محمد بن إسحاق الأسدي: ثنا الأوزاعي عن عروة بن
رُويم اللخمي قال: سمعت أبا أمامة الباهلي مرفوعاً: ... فذكره مثل حديث حفص بن عمر الحوضي.
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (1/314/712) .
…قلت: وهذا آفته الأسدي هذا- وهو العكاشي-؛ قال الدارقطني:
"يضع الحديث ".
والمشهور في هذا الباب: حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"استكثروا من الباقيات الصالحات ".
قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال:
"الملَّة".
قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال:
"التكبير ... " فذكر الأربع، وزاد: "ولا حول ولا قوة إلا بالله ".
أخرجه ابن حبان (2332) والحاكم (1/512) والبيهقي في "شعب الإيمان " (1/425/605) والطبري في "التفسير" (15/167) والبغوي في "شرح السنة " (5/ 64) وأحمد (3/75) وأبو يعلى (2/ 524) . وقال الحاكم:
"هذا أصح إسناد المصريين "!(7/789)
كذا قال! ومن الغريب أن الذهبي قال في "تلخيصه ":
"صحيح "!
وهو ينافي إيراده إياه في "المغني "، وقوله فيه:
"قال أحمد وغيره: أحاديثه مناكير، ووثقه ابن معين، وتركه الدارقطني ".
قلت: وأحاديثه تشهد لقول أحمد فيه، ومنها حديث:
"أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون ".
وهو مخرج في "الضعيفة" برقم (517) .
قلت: وهذا الحديث منكر أيضاً؛ لمخالفته لكل أحاديث الباب في قوله:
" استكثروا "، وفي زياداته في آخره: "ولا حول.. ".
(تنبيه) : وقد شذ ابن حبان عن كل أصحاب المصادر المذكورة، فلم يذكر في الحديث جملة: "الملة ".
ثم رأيت في "المسند" (4/267- 268) من طريق رجل من الأنصار من آل النعمان بن بشير عن النعمان بن بشير مرفوعاً، بلفظ:
"ألا! وإن سبحان الله.. هن الباقيات الصالحات ".
ورجاله ثقات؛ غير الرجل الذي لم يسم.
وجملة القول؛ أن الحديث صحيح بشواهده، وهو من حيث المعنى أظهر منها؛ لأنه يتفق مع التفسير الصحيح لقوله تعالى: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً) [الكهف: 46] . فقد ذكر ابن جرير في تفسيرها عدة(7/790)
أقوال، اختار منها ما يجمع أعمال الخير كلها، ومنها ما في هذا الحديث من الذكر على روايته هو: "من الباقيات الصالحات ".
وأما الرواية الأخرى: "هن الباقيات الصالحات "؛ فإما أنها من باب المبالغة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة"، وقوله: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "، ونحوه كثير معروف، أو أنه سقط من الراوي حرف (من) الدال على التبعيض. والله أعلم.
ثم وجدت لحديث "خذوا جنتكم ... " طريقاً آخر؛ يرويه منصور بن سلمة المدني: حدثني حكيم بن قيس بن مخرمة الزهري عن أبيه: أنه سمع أبا هريرة- رضي الله عنه- يقول:
كنا حول النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره.
أخرجه الطبراني أيضاً في "الدعاء" (3/1562/1684) .
وحكيم بن قيس وأبوه لم أجد لهما ترجمة. *
3265- (رحِمَ اللهُ عبداً كانت لأخيهِ عندَه مظلمَةٌ في عِرضٍ أو مالٍ، فجاءه فاستحلَّه قبل أن يُؤخذَ، وليس ثمَّ دينارٌ ولا درهمٌ، فإن كانت له حسناتٌ؛ أُخذ من حسناتهِ، وإن لم يكن له حسناتٌ؛ حمَلُوا عليه من سيئاتهم) .
أخرجه الترمذي (2/68) ، وابن جرير الطبري (2/28/275) ، وأبو يعلى
(4/ 1541) من طريق أبي خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني عن زيد بن أبي أُنيسة عن سعيد المقبُري عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال الترمذي:(7/791)
"حديث حسن صحيح غريب من حديث سعيد المقبري، وقد رواه مالك بن أنس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ".
قلت: أما هذا اللفظ؛ فهو ضعيف؛ لأن أبا خالد الدالاني يخطئ كثيراً، وكان يدلس كما قال الحافظ في "التقريب "، وهو قد عنعنه كما تراه.
وقد خالفه في لفظه جماعة؛ منهم: مالك؛ فرواه- كما تقدم عن الترمذي- عن سعيد المقبري بلفظ:
"من كانت عنده مظلمة لأخيه، فليتحلله منها؛ فإنه ليس ثمَّ دينار ولا درهم ... " الحديث؛ ليس فيه: "رحم الله عبداً ".
أخرجه البخاري (4/238) وا بن جرير وابن عبد البر (20/42و23/233- 234) وغيرهم.
ثم أخرجه البخاري (2/99) ، وأحمد (2/435 و 506) من طريق ابن أبي ذئب قال: حدثنا سعيد المقبري به.
ثم وجدت للدالاني متابعاً قوياً. وشاهداً ضعيفاً:
أما المتابع؛ فهو الإمام مالك؛ يرويه محمد بن الحارث الحرَّاني: حدثنا محمد
ابن سلمة عن زيد عن مالك عن سعيد به.
أخرجه ابن حبان (7318- الإحسان) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/343) . وقال: "صحيح في "الموطأ"، غريب من حديث زيد عن مالك ".
قلت: وإسناده جيد، رجاله رجال مسلم؛ غير محمد بن الحارث الحراني، قال النسائي:(7/792)
"صالح يرسل ".
وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/102) ، وقال الحافظ:
" صدوق ".
وقد توبع الحرَّانيُّ هذا؛ فقال الطبراني في "الأوسط " (1683) : حدثنا أحمد (هو النسائي) قال: أنا أبو المعافى محمد بن وهب بن أبي كريمة الحراني قال: نا محمد بن سلمة به.
وهذه متابعة قوية.
وأما الشاهد؛ فيرويه هاشم بن عيسى اليَزَني قال: ثنا الحارث بن مسلم عن الزهري عن أنس بن مالك مرفوعاً به.
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (5159) وقال:
"لم يروه عن الحارث إلا هاشم بن عيسى".
قلت: قال العقيلي (4/343) :
"منكر الحديث، مجهول بالنقل ".
ثم ساق له حديثاً آخر بإسناد آخر في وضع اليد تحت الخد عند النوم؛ زاد فيه:
"هذه نومة الأنبياء". …
ونقل ذلك عنه الذهبي في "الميزان "، والحافظ في "اللسان "، وأقرَّاه.
ولم يعرفه الهيثمي، فقال في "المجمع " (10/355) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه هاشم بن عيسى اليزني، ولم أعرفه،(7/793)
وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم "!
وحديث الترجمة عزاه الحافظ في "الفتح " (5/ 101) للترمذي، وسكت عنه مشيراً إلى ثبوته عنده، ولعل ذلك للشاهد الذي ذكرته. والله أعلم. *
3266- (لا تقومُ الساعةُ حتى يُمطَرَ الناسُ مطراً، لا تُكِنُّ منه بيوتُ المدرِ، ولا تكنُّ منه إلاّ بيوتُ الشَّعرِ) .
أخرجه أحمد (2/262) : ثنا أبو كامل وعفان قالا: ثنا حماد عن سهيل- قال عفان في حديثه: أنا سهيل- بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه " (8/ 270/6732- الإحسان) من طريق
أبي يعلى قال: حدثنا بسام بن يزيد النَّقَّال قال: حدثنا حماد بن سلمة به.
قلت: وبسام النقال؛ هذا ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/155) ، وقال:
"روى عنه أهل العراق ".
قلت: منهم الحافظ البغوي وغيره؛ كما في "تاريخ بغداد" (7/127) ، وروى
عن الأزدي أنه قال:
"يتكلم فيه أهل العراق".
فقال الذهبي عقبه:
"قلت: هو وسط في الرواية".(7/794)
وأقره الحافظ في "اللسان ".
قلت: فهو حسن الحديث؛ لكنه هنا قد توبع؛ فهو صحيح.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 331) :
"رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ".
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لأحمد فقط؛ لكن وقع فيه:
"المدينة " مكان: "المدر"! وهو خطأ من الناسخ.
ثم اعلم أن ظاهره يخالف ما جاء في حديث النواس بن سمعان في قصة يأجوج ومأجوج، وإهلاك الله تعالى إياهم حتى تنتن الأرض من زُهومتهم، وفيه: "ثم يرسل الله عليهم مطراً، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض، حتى يتركها كالزلقة ". رواه مسلم وغيره، وقد مضى تخريجه برقم (481 و 1780) .
فقوله: "ولا وبر" ينافي قوله في حديث الترجمة: "إلا بيت الشعر"! فلعل ذلك يكون في زمنين مختلفين. والله أعلم.
ثم إن الحديث من الأحاديث الكثيرة التي هي على شرط كتاب "موارد الظمآن " للحافظ الهيثمي، ولم ترد فيه، وقد استدركتها في كتابيَّ الجديدين: "صحيح موارد الظمآن"و"ضعيف موارد الظمآن"، وهما تحت الطبع، نسأل الله تعالى تيسير الإتمام. *
3267- (إنَّ من أشدِّ النَّاسِ بلاءً الأنبياء، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونَهم، ثمّ الذين يلونَهم) .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (4/355/7496 و379-380) ، والحاكم (4/404) ، وأحمد (6/369) ، ومن طريقه الحافظ المزي في"التهذيب" (34/55) ،(7/795)
وابن سعد في"الطبقات " (325- 326) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/245/629) من طريق شعبة عن حُصين بن عبد الرحمن: سمعت أبا عُبيدة ابن حذيفة يحدث عن عمته فاطمة قالت:
أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعوده في نساء، فإذا سقاء معلق نحوه، يقطر ماؤه عليه (وفي رواية: على فؤاده) من شدة ما يجد من حرَّ الحمّى، قلنا: يا رسول الله! لو دعوت الله فشفاك، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ثم أخرجه الطبراني من طرق أخرى عن حصين به، والرواية الأخرى له في بعضها.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون، غير أبي عبيدة هذا، وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جمع من الثقات، وقال الهيثمي عقب الحديث (2/292) :
"رواه أحمد والطبراني في "الكبير" بنحوه.. وإسناد أحمد حسن ".
وقال الحافظ في ترجمة فاطمة بنت اليمان من "الإصابة":
"أخرج حديثها النسائي وابن سعد بسند قوي ".
يعني هذا. وفي "الفتح " (10/111) :
"أخرجه النسائي وصححه الحاكم ". وأقره.
فأقول: تقدم عزوه مني للحاكم، ولكنه بيض له في الموضع الذي أشرت إليه، فلا أدري إذا كان الحافظ يعنيه، ويكون التصحيح قد سقط من الناسخ، أو يعني مكاناً آخر ٍمنه لم أقف عليه؟(7/796)
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية أحمد والطبراني فقط، وسكت عليه كما هي غالب عادته. *
3268- (صلُّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتكم عليَّ زكاةٌ لكُم، وسلُوا الله لي الوسيلة) .
أخرجه الإمام إسماعيل بن إسحاق القاضي في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (18/46) : حدثنا سليمان بن حرب قال: ثنا سعيد بن زيد عن ليث عن كعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير ليث- وهو ابن أبي سليم-، وهو صدوق، لكنه كان اختلط، روى له مسلم مقروناً، قال الذهبي في "الكاشف":
"فيه ضعف يسير من سوء حفظه، كان ذا صلاة وصيام وعلم كثير، وبعضهم احتج به ".
قلت: فمثله يستشهد به، وقد وجدت له شاهداً كما يأتي.
وسعيد بن زيد: هو الأزدي أخو حماد، روى له مسلم؛ لكنهم تكلموا في حفظه، فقال الحافظ:
"صدوق له أوهام ".
قلت: وقد توبع؛ فقال إسماعيل (47) : حدثنا محمد بن أبي بكر: ثنا معتمر عن ليث به.
وقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (2/517) : حدثنا ابن فُضيلٍ عن ليث به
دون جملة الوسيلة.(7/797)
وهذه متابعة قوية؛ ابن فضيل: هو محمد بن فضيل بن غزوان، ثقة محتج به
في "الصحيحين "، فلم يبق في الإسناد من فيه ضعف غير الليث.
لكن يشهد له حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ:
"أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة؛ فليقل في دعائه: اللهم! صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فإنها زكاة".
صححه ابن حبان (913- المؤسسة) والحاكم؛ لكن دراج ضعيف في أبي الهيثم، وهو مخرج في "التعليق الرغيب " (2/ 281) .
وأما جملة الوسيلة؛ فلها شواهد كثيرة، أصحها حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً:
"إذا سمعتم المؤذن؛ فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة؛ صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة ... " الحديث رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1/ 259/ 242) . *
إذا أسلم الكافر تولاه المسلمون
3269- (أقيمُوا اليهوديَّ عن أخيكُم. يعني: ابن اليهوديِّ الذي
أسلمَ) .
أخرجه الإمام أحمد (5/ 411) : ثنا إسماعيل عن الجُرَيري عن أبي صخر العُقيلي: حدثني رجل من الأعراب قال:(7/798)
جلبتُ جلوبة (1) إلى المدينة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغت من
بيعتي؛ قلت: لألقينًّ هذا الرجل، فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر
وعمر؛ يمشون، فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشراً التوراة يقرؤها، يعزي بها نفسه على ابن له في الموت؛ كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أنشُدُك بالذي أنزل التوراة! هل تجد في كتابك صفتي ومخرجي؟ ".
فقال برأسه هكذا؛ أي: لا. فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة! إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال ...
فذكره، ثم ولي كفنه، وحنطه (2) ، وصلى عليه.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير أبي صخر العقيلي، فذكره ابن حبان
في الصحابة من "الثقات " (3/457) ، وسبقه إلى ذلك البخاري ومسلم؛ فجزموا بصحبته، كما في "الإصابة" و"التعجيل ".
واذا كان كذلك؛ فالسند صحيح؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر، ولهذا قال
ابن كثير في تفسير سورة (الأعراف) (2/ 251) :
"هذا حديث جيد قوي، له شاهد في "الصحيح " عن أنس ".
قلت: والشاهد الذي أشار إليه شاهد مختصر جدَّاً، فيه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن
_________
(1) كذا في الأصل بالجيم، وهي ما يجلب للبيع من كل شيء.
وفي "تفسير ابن كثير" و"المجمع ": (حلوبة) بالحاء المهملة، أي: ذات اللبن.
(2) أي: جعل عليه الحنوط، وهو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة، من مسك وذريرة وكافور وغير ذلك.(7/799)
اليهودي بأن يسلم، فأسلم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي أنقذه من النار".
فلما مات قال:
"صلوا على صاحبكم ".
رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 21) .
وله شاهد آخر أتم منه يأتي ذكره قريباً إن شاء الله.
وقد ذكر الحافظ اختلافاً على الجريري في إسناده؛ فرواه ابن خزيمة في "صحيحه "، والحسن بن سفيان في "مسنده"من طريق سالم بن نوح عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن أبي صخر- رجل من بني عقيل- وربما قال: عبد الله بن قدامة، قال: قدمت المدينة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. فأسقط من
الإسناد الأعرابي، وجعله من مسند أبي صخر نفسه، وزاد في الإسناد: (عبد الله ابن شقيق) .
وهكذا رواه أبو أحمد الحاكم في "الكنى" (1/242/2- 243) من طريق ابن خزيمة، وأبو نعيم في "المعرفة" (1/ 271/2) من طريق الحسن بن سفيان وغيره قالوا: ثنا محمد بن المثنى: ثنا سالم بن نوح به.
قلت: وسالم بن نوح- وإن كان من رجال مسلم-؛ ففيه كلام؛ كما يشعر
بذلك قول الحافظ فيه:
"صدوق له أوهام ".
فمثله إذا خالف إسماعيل- وهو ابن عُليَّة- تكون روايته مرجوحة؛ لأن(7/800)
إسماعيل ثقة اتفاقاً، ولا سيما في روايته عن الجريري؛ فقد رمي بشيء من الاختلاط، وإسماعيل روى عنه قبل الاختلاط، فروايته هي الراجحة يقيناً.
ولا يعارض هذا رواية ابن سعد في "الطبقات " (1/185) من طريق الصلت ابن دينار عن عبد الله بن شقيق عن أبي صخر العقيلي قال: خرجت إلى
المدينة000الحديث.
قلت: لا يعارض بهذا الترجيح؛ لأن الصلت هذا ضعيف جداً، متروك.
هذا، ولم يعرف الهيثمي أبا صخر العقيلي، فقال عقب الحديث (8/234) :
"رواه أحمد؛ وأبو صخر لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح "!
وهذا غريب منه؛ فإنه من أعرف الناس بكتاب "ثقات ابن حبان " لكثرة
اعتماده عليه، ونقله عنه أولاً، ولأنه رتبه على الحروف ثانياً، ودمج فيه أسماء الصحابة بأسماء الآخرين، وكذلك فعل في "الكنى"، وقد أورد فيه (أبا صخر) ، وأشار إلى صحبته بكتابة رقم (1) في أول الكنية (3/166/2- المصورة) .
وأما الشاهد؛ فيرويه حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي عبيدة
ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه ابن مسعود قال:
إن الله عز وجل ابتعث نبيه - صلى الله عليه وسلم - لإدخال رجل إلى الجنة؛ فدخل الكنيسة،
فإذا هو بيهود، وإذا يهودي يقرأ عليهم التوراة، فلما أتوا على صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - أمسكوا، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"ما لكم أمسكتم؟ ".
قال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا! ثم جاء المريض يحبو حتى(7/801)
أخذ التوراة، فقرأ حتى أتى على صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم مات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
لأصحابه:
"لُوا أخاكم ".
أخرجه أحمد (1/416) والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ 190/
10295) . وقال الهيثمي (8/ 231) - بعدما عزاه إليهما-:
"وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط ".
فتعقبه الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله-؛ فقال في تعليقه على "المسند"
(6/23) :
"فترك علَّته؛ الانقطاع، وأعله بما لا يصلح؛ لأن حماد بن سلمة سمع من
عطاء قبل اختلاطه على الراجح "!
قلت: الراجح أنه سمع منه بعد الاختلاط أيضاً؛ كما حرره الحافظ في
"التهذيب "، فما أعله به الهيثمي صحيح. والله أعلم. *
3270- (أولُ هذا الأ مرِ نبوةٌ ورحمةٌ، ثمَّ يكونُ خلافةٌ ورحمةٌ، ثمّ يكون مُلكاً ورحمةً، ثمّ يتكادمون عليه تكادُم الحُمُرِ، فعليكُم بالجهادِ،
وإن أفضل جهادِكم الرِّباطُ، وإن أفضلَ رباطِكم عسقلانُ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/88/11138) : حدثنا أحمد بن
النضر العسكري: ثنا سعيد بن حفص النُّفيلي: ثنا موسى بن أعين عن أبي شهاب عن فِطر بن خليفة عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.(7/802)
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير سعيد بن حفص النفيلي،
ففيه كلام يسير، وقد وثقه ابن حبان (8/268) ، وأخرج له في "صحيحه "ثلاثة أحاديث، والذهبي، والعسقلاني فقال:
"صدوق تغير في آخر عمره ".
وأبو شهاب: هو موسى بن نافع الخياط، ووقع في الأصل: (ابن شهاب) ! والتصحيح من المخطوطة (3/ 111/ 1) وكتب الرجال.
وللحديث شاهد بنحوه من حديث حذيفة- رضي الله عنه-، وقد مضى في
أول المجلد الأول برقم (5) . *
3271- (إن عشتُ- إن شاء اللهُ- زجرتُ أن يُسمَّى: بركة، ونافعاً،
وأفلح، فلا أدري قال: أفلح أولا، فقُبضَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يزجُر عن ذلك) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (7/533- 534) من طريق إسماعيل بن
عبد الكريم: حدثني إبراهيم بن عقيل بن مَعقِل عن أبيه عن وهب بن منبِّه: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره، وزاد في أخره:
فأراد عمر أن يزجر عن ذلك، ثم تركه.
قلت: وهذا إسناد صحيح متصل، رجاله كلهم ثقات، فيه تصريح وهب بن منبه بسماعه من جابر، وصححه الحافظ المزي في "التهذيب " (3/ 140) في حديث آخر. والحديث في "صحيح مسلم " من طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ... فذكره نحوه، وقد مضى تخريجه في المجلد الخامس برقم (2143) .(7/803)
ورواه بعضهم من طريق أخرى عن أبي الزبير به؛ إلا أنه أدخل عمر بن الخطاب
بين جابر والنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأعدت إخراجه هنا من هذه الطريق العزيزة الصحيحة؛ كشاهد لرواية مسلم، وأن جابراً سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليس بينهما أحد.
وأما ما رواه الُمفضَّل بن فضالة عن ابن جريج عن أبي الزبير: أنه سمع جابر
ابن عبد الله يقول:
همّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزجر أن يسمى (ميمون) و (بركة) و (أفلح) ، وهذا النحو،
ثم تركه.
أخرجه ابن حبان أيضاً (5812) .
ورجاله كلهم ثقات؛ لكن ابن جريج لم يصرح فيه بالتحديث، وزاد في
الأسماء: (ميمون) ، وهي زيادة شاذة، لم ترد في طرق الحديث الأخرى.
ومثلها: ما رواه سعيد بن سالم عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع
جابر بن عبد الله يقول:
أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينهى أن يسمى ب (علاء) و (بركة) و (أفلح) ونحو
ذلك، ثم إنه سكت بعد عنها، فلم يقل شيئاً.
أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/302) .
وسعيد بن سالم: هو القداح، قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق يهم، ورمي بالإرجاء، وكان فقيهاً ".
قلت: فالظاهر أن ذكره (علاءً) دون سائر الثقات إنما هو من أوهامه؛ ويحتمل
أن يكون هذا الاسم تحرف على بعض النساخ من (يعلى) ؛ فإنه هكذا وقع في(7/804)
"صحيح مسلم " (6/172) ، و"الأدب المفرد" للبخاري (834) من طريقين عن ابن جريج به، ولفظه: ".. ب (يعلى) وب (بركة) ... " الحديث.
ومن الغرائب المؤيدة لقول إمام دار الهجرة: "ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد، إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -": إعلال أبي داود لذكر اسم (بركة) في هذا الحديث بما يعود حجة عليه عند التحقيق؛ فإنه قال عقب الحديث- وقد رواه عن شيخه أبي بكر
ابن أبي شيبة (4960) وهذا هو "المصنف " (8/666/5958) - من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر نحوه، وفيه: (وبركة) ، وكذلك أخرجه البخاري في "الأدب " أيضاً (833) من طريق أخرى عن الأعمش به- قال أبو داود عقبه مُعِلاً ذ كر (بركة) فيه:
"وروى أبو الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه؛ لم يذكر (بركة) "!
فتعقبه الحافظ المنذري في "مختصر السننن " (7/257) ؛ فقال عقبه:
"فيه نظر؛ فقد أخرج مسلم الحديث في "صحيحه " من حديث ابن جريج
عن أبي الزبير، وفيه: "أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسمي (الغلام) - كذا- ب (مقبل) - كذا- وب (بركة) ... " الحديث ".
قلت: يشير إلى حديث ابن جريج الذي خرجته آنفاً، وفيه اسم (بركة)
الذي أشار أبو داود إلى إنكار وجوده فيه، وهو وهم منه- رحمه الله-، فهو فيه كما رأيت، كما هو في طريق أبي سفيان أيضاً عن جابر.
ويشهد له حديث سمرة بن جندب مرفوعاً بلفظ:
"لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ... " الحديث.
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" (1177) .(7/805)
ويلاحظ القراء معي في كلام المنذري أمرين غريبين:
أحدهما: ذكر اسم: (مقبل) في حديث جابر! وهو وهم محض؛ فإنه مما لا أصل له، لا عند مسلم، ولا عند غيره فيما علمت، ويغلب على الظن أنه محرف أيضاً من اسم (يعلى) ، كما تحرف إلى (علاء) فيما سبق في رواية الطحاوي! والآخر: أنه ذكر لفظ: (الغلام) في حديث جابر، ولا أصل له فيه أيضاً،
وإنما هو في حديث سمرة المذكور آنفاً، وهو في "مسلم " قبيل حديث جابر، فأخشى أن يكون انتقل بصره أو حفظه منه إلى الذي قبله. والله أعلم. *
سبب نزول قوله تعالى: (ويُؤِثرُونَ على أنفُسِهم ... ) الآية
3272- (لقد ضحِكَ اللهُ- أو عجِب- من فِعالِكُما [بضيفِكما الليلة] ،
وأنزل اللهُ: "ويُؤِثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصَة ومن يُوقَ
شُحَّ نفسِه فأولئك همُ المفلحون". يعني: أبا طلحة الأنصاريَّ وامرأته) . أخرجه البخاري (3798 و 4889) وفي " الأ دب المفرد" (740) ومسلم
(2054) ، والترمذي (3304) - مختصراً-، وكذا النسائي في "السنن الكبرى" (6/486/11582) ، والبيهقي أيضاً (4/185) وفي "الأسماء" أيضاً (ص 469) من طرق عن فُضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة:
أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، [فقال: أصابني الجهد (وفي رواية: إني مجهود) ] ، فبعث إلى نسائه، فقلن: [والذي بعثك بالحق!] ما معنا إلا الماء، فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -:
"من يضم- أو يضيف- هذا [يرحمه الله] ؟ ".(7/806)
فقال رجل من الأنصار [يقال له: أبو طلحة] : أنا، فانطلق به إلى امرأته
فقال: أكرمي ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[لا تدَّخري شيئاً] ، فقالت: [والله!] ما عندنا إلا قوت للصبيان! فقال: هيِّئي طعامك، وأصلحي سراجك، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً، فهيأت طعامها، وأصلحت سراجها، ونوَّمت صبيانها، ثم قامت
كأنها تصلح سراجها فأطفأته، وجعلا يريانه أنهما يأكلان؛ [وأكل الضيف] ، وباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ... فذكره.
والسياق ل "الأدب المفرد"، والزيادات لمسلم؛ إلا بعضها فهي للبخاري. وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ".
وتابعه يزيد بن كيسان عن أبي حازم به مختصراً جدّاً دون القصة.
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1/250 /570) .
(تنبيه هام) : ذكر البيهقي في "الأسماء"- قُبَيل هذا الحديث وبُعَيده- عن
الخطابي أنه قال:
"قال البخاري: معنى الضحك: الرحمة "!
فأقول في هذا العزو للبخاري نظر؛ لأنه معلق منقطع، لم يذكر الخطابي ولا البيهقي مستنده في ذلك، ولأن أعلم الناس بالبخاري- ألا وهو الحافظ العسقلاني- لم يقف عليه؛ فقد قال عقبه:
"قلت: ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري ".
وإن مما يؤكد عدم ثبوت ذلك عن البخاري: أننا نعلم يقيناً أنه من كبار أئمة(7/807)
الحديث، وأن هؤلاء مجمعون على اتباع السلف في الإيمان بحقائق الصفات الإلهية اللائقة به تبارك وتعالى: إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل: (ليس
كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 11] .
واعلم أن الشك المذكور في الحديث- بين الضحك والعجب- لا يضر في ثبوتهما، لأن كلاً منهما قد جاء فيها أحاديث كثيرة في سياقات متعددة في كتب السنة، وبخاصة منها كتب التوحيد والعقيدة، مثل "السنة" لابن أبي عاصم،
و" التوحيد" لا بن خزيمة، و"الشريعة " للآجري، وقد خرجت بعضها في "ظلال الجنة" (569-573) ، و"الصحيحة" (755 و 1074 و 3129) ، و"صحيح أبي
داود " (2401) وغيرها. *
3273- (ما مِن رَجُلينِ تحابّا في الله بظهرِ الغيبِ؛ إلا كان أحبُّهُما
إلى اللهِ أشدَّهما حُبّاً لصاحبِه) .
أخرجه الطبراني في"المعجم الأوسط" (2/21/2/5412) (6/134/5275- ط) : حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: ثنا المعافى بن سليمان قال: ثنا موسى بن أعين عن جعفر بن بُرقان عن محمد بن سُوقة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز- وكان جليس أم الدرداء- يرفع الحديث إلى أم الدرداء، ترفعه أم الدرداء إلى أبي الدرداء، يرفعه أبو الدرداء ... فذكره. وقال:
"لم يروه عن جعفر بن برقان إلا موسى بن أعين ".
قلت: وكلاهما ثقة من رجال "الصحيح "، وكذا سائر الرواة، وهم من رجال "التهذيب "؛ غير محمد بن أحمد بن البراء، وهو من ثقات شيوخ الطبراني. وقال المنذري في "الترغيب " (4/ 46) :(7/808)
"رواه الطبراني بإسناد جيد قوي ".
وقال الهيثمي (8/276) :
".. ورجاله رجال الصحيح؛ غير المعافى بن سليمان، وهو ثقة".
والحديث في "الجامع الكبير" معزو ل (هب) ! وأظنه محرفاً من (طب) . والله أعلم. *
3274- (كذبَ أبو السنابل؛ ليس كما قالَ، قد حللتِ، فانكِحِي؛
[إذا أتاكِ أحدٌ ترضينه فأتِيني، أو أنبِئيني] . قاله لسُبيعَة بنتِ الحارثِ؛ وقد وضعت بعد وفاةِ زوجها بأيام)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه " (2/350/1506) : نا سفيان عن
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله [بن عتبة] عن أبيه:
أن سبيعة بنت الحارث تَعَاَلت (1) من نفاسها بعد وفاة زوجها بأيام، فمر بها
أبو السنابل، فقال: إنك لا تحِلِّي (!) حتى تمكثي أربعة أشهر وعشراً، فذكرت
ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,فقال: فذكره دون الزيادة.
وكذا رواه الشافعي في "الأم " (5/206) : نا سفيان بن عيينة به؛ إلا أنه زاد
(أو) ، فقال: " أوليس ... ".
وهكذا رواه عنه البيهقي في "السنن " (7/429) ، والبغوي في "شرح السنة "
(9/304/2388) . و"التفسير" (8/153) ، وقال البيهقي:
"وهذه الرواية مرسلة، وفيما قبلها من الموصولة كفاية ".
_________
(1) أي: ارتفعت وطهرت: "نهاية ".(7/809)
قلت: يعني رواية الشيخين من طريق يونس عن ابن شهاب: حدثني
عبيد الله بن عبد الله أن أباه عبد الله بن عتبة كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يَدخُل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية، فيسألها عن حديثها، وعما قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استفتته، فكتب عمر بن عبد الله إلى عبد الله بن عتبة يخبره: أن سبيعة أخبرته أنها ... قلت: فذكر الحديث بأتم، لكن ليس فيه
قوله: "كذب أبو السنابل "، وهو مخرج في "جلباب المرأة المسلمة" (ص 69) وفي " الإرواء " (7/192) ، من طريق أخرى.
ثم أخرجه البيهقي (10/709) من طريق محمد، وأحمد (1/447) من
طريق خلاس، كلاهما عن عبد الله بن عتبة: أن سبيعة بنت الحارث وضعت ... الحديث. وقال البيهقي:
"هذا مرسل حسن، وله شواهد".
ومحمد: هو ابن سيرين، رواه البيهقي من طريق أيوب عنه.
وتابعه منصور عن ابن سيرين، لكنه قال: إن سبيعة ... الحديث، لم يذكر
في إسناده (عبد الله بن عتبة) .
أخرجه سعيد بن منصور أيضاً (1508) .
وإسناده مرسل أيضاً صحيح.
وله شاهد آخر من مرسل الحسن، وهو البصري.
رواه عبد بن حميد؛ كما في "الدر المنثور" (6/236) .
ومن شواهده، حديث عبد الله بن مسعود أن سبيعة بنت الحارث وضعت(7/810)
حملها بعد وفاة زوجها بخمس عشرة ليلة، فدخل عليها أبو السنابل، فقال:
كأنك تحدِّثين نفسك بالباءة؟ ما لك ذلك حتى ينقضي أبعد الأجلين، فانطلقت
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته بما قال أبو السنابل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"كذب أبو السنابل، إذا أتاك أحد ترضينه؛ فأتيني به، أو قال: فأنبئيني ".
فأخبرها أن عدتها قد انقضت.
أخرجه أحمد أيضاً، وإسناده صحيح، قال الهيثمي (5/3) :
"ورجاله رجال الصحيح ".
(تنبيه) : لقد عزا جماعة من المعلقين على هذا الحديث حديث الترجمةِ إلى الشيخين، وذلك وهم فاحش أو تساهل سيئ؛ لأنه يوهم أنه عندهما بهذا
اللفظ: "كذب أبو السنابل "! وليس كذلك، منهم الشيخ الأعظمي في تعليقه
على "سنن سعيد"، والشيخ شعيب في تعليقه على "شرح السنة"؛ والمعلقون على " تفسير البغوي "! *
3275- (نهى عن كسبِ الزَّمّار) .
أخرجه أبو بكر الخلال في "الأمر بالمعروف " (ص 33- مطابع القصيم) عن شيخين له ثقتين قالا كلاهما: ثنا رَوح قال: ثنا شعبة قال: سمعت محمد بن
جُحادة قال: سمعت أبا جعفر قال: سمعت أبا هريرة قال: سمعت رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - نهى ... الحديث.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي جعفر هذا،
وهو الأشجعي؛ ذكره البخاري في "الكنى"وابن أبي حاتم (4/2/352) من رواية(7/811)
مطرف بن طريف والعوام بن حوشب، وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات " (5/568) ، ولم يذكروا في الرواة عند محمد بن جُحَادة هذا، وقد ذكروا في شيوخ هذا أبا حازم الأشجعي، فأخشى أن يكون هو الراوي لهذا الحديث عن أبي هريرة، تحرف على الراوي، أو الناسخ، أو الطابع إلى (أبا جعفر) ، إلا أن يكون له كنيتان، وهذا مما أستبعده!
ويؤيد الأول: أنه رواه جماعة من الثقات عن شعبة به؛ إلا أنهم قالوا:
" الإماء " مكان: "الزمار".
وهذا مما يُلقي في النفس أن هذا اللفظ: (الزمار) محرف من: (الإماء) ؛ لكن
يأتي في طريق أخرى بلفظ: "الزمارة".
أخرجه البخاري (2283 و 5348) ، وأبو داود (3425) ، وابن الجارود (587) ،
وا بن حبان (5136) ، وكذا الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 254) ، والبيهقي (6/ 126) ، والطيالسي (3275) ، وأحمد (2/287و382و437-438و454و 480) من طرق عن شعبة به.
وتابعه همام: حدثنا محمد بن جُحَادة بلفظ:
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الحجام وكسب الأمة.
أخرجه أحمد (2/347) .
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وزاد ابن حبان في رواية (5137) من طريق أبي يعلى قال: ثنا محمد بن
المنهال الضرير قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: ثنا شعبة به، وزاد:
"مخافة أن يَبغِينَ".(7/812)
وإسنادها صحيح على شرط الشيخين؛ لكن في ثبوت هذه الزيادة وقفة
عندي في هذا الحديث؛ لعدم ورودها في تلك الطرق، فالظاهر أنها مدرجة. وللحديث عن أبي هريرة طرق:
الأولى: عن خالد بن أبي يزيد: حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن محمد
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
أنه نهى عن ثمن الكلب، وكسب الزَّمّارة.
أخرجه الخطيب في"التاريخ " (8/ 304) ، والبغوي في"شرح السنة "
(8/22-23) .
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير خالد بن أبي
يزيد، وهو المزرِقيُّ البغدادي، ترجمه الخطيب (8/ 304) برواية جمع من الثقات عنه، وروى عن ابن معين أنه قال:
"لم يكن به بأس ".
وقال الذهبي في "الكاشف "، والحافظ في "التقريب ":
" صدوق ".
وقد توبع؛ فرواه أبو عبيد في "غريب الحديث " (ق 60- 61) : حدثنيه
حجاج عن حماد بن سلمة عن هشام بن حسان وحبيب بن الشهيد عن ابن
سيرين به؛ الجملة الثانية منه. وقال: قال حجاج: " (الزمارة) : الزانية ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، وحجاج هو ابن منهال الأنماطي.
وقال أبو معمر: ثنا عبد الوارث: ثنا هشام بن حسان بلفظ:(7/813)
".. ومهر الزمارة ".
أخرجه البيهقي.
قلت: وإسناده صحيح.
الثانية: عن عبد الرحمن بن شَريك: ثنا أبي: ثنا الأعمش عن أبي صالح
وأبي حازم عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"لا يحل مهر الزانية، ولا ثمن الكلب ".
أخرجه الحاكم (2/33) ، وقال:
"صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي!
وأقول: عبد الرحمن بن شريك لم يخرج له مسلم، وهو صدوق يخطئ.
وأبوه شريك- وهو ابن عبد الله القاضي- أخرج له مسلم متابعة، وهو صدوق يخطئ كثيراً.
الثالثة: عن مسلم بن خالد الزَّنجي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن
أبي هريرة مرفوعاً:
نهى عن كسب الأمة؛ إلا أن يكون لها عمل وأصل يعرف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/28/9/8219) ، وقال:
"لم يروه عن العلاء إلا مسلم، تفرد به عبد الله بن عبد الحكم ".
قلت: وهو المصري، ثقة، وكذلك سائر رواته؛ إلا أن مسلم بن خالد الزنجي
كثير الأوهام، وبه أعله الهيثمي فقال (4/93) :
"وهو ضعيف، وقد وثق ".(7/814)
(تنبيه) : تمام إسناده في "المعجم "هكذا: "حدثنا موسى بن هارون: ثنا سعد
ابن عبد الله بن عبد الحكم: ثنا أبي ... " إلخ.
فسقط من إسناده في "مجمع البحرين "المطبوع (3/378) : (سعد بن) ، وترك محققه بياضاً مكانه! وهذا غريب؛ فإنه قد أحال به إلى الأصل الذي يرجع إليه مشيراً إلى المجلد والورقة، وهو الذي نقلت منه، ويظهر لي أنه لم يتمكن من قراءة اسم (سعد) ؛ فإنه غير ظاهر جدّاً في الأصل- وهو مصور-، وإذا كان كذلك، فكان عليه أن يستعين بترجمة أبيه؛ فإنه سيجد فيها أن من الرواة عنه
ابنه هذا، وإذ لم يفعل؛ فلم أسقط أداة النسبة: (ابن) وهو ظاهر؟!!
والاستثناء المذكور في هذه الطريق؛ له شاهد من مرسل طارق بن عبد الرحمن القرشي قال:
جاء رفاعة بن رافع إلى مجلس الأنصار فقال: لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
اليوم ... فذكر أشياء وقال:
نهانا عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها- وقال هكذا بإصبعه- نحو المغزل،
والخبز، والنَّقش ".
أخرجه أبو داود (3426) ، والبيهقي.
قلت: وهو مرسل حسن الإسناد، يتقوى به الاستثناء في حديث أبي هريرة الموصول، ولا سيما وقد جاء موصولاً من طريق ابن أبي فُدَيك عن عبيد الله بن هُريرٍ عن أبيه عن جده رافع بن خَد يج قال:
"نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو؟ ".
أخرجه أبو داود أيضاً (3427) ، والبيهقي، وكذا الحاكم (2/42) شاهداً.(7/815)
وإسناده حسن في نقدي؛ عبيد الله بن هرير روى عنه آخرون، وذكره ابن
حبان في "الثقات " (7/ 151) ، وأبوه وثقه ابن معين وغيره.
وله طريق يرويه أبو بلجٍ عن عَبَاية بن رِفَاعة أن جده توفي وترك أَمَة تُغلّ، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكره كسب الأمة، وقال:
"لعلها لا تجد شيئاً، فتبتغي بنفسها".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/328/4408) .
قلت: وإسناده جيد مرسل.
وأخرجه أحمد (4/141) ، والطبراني أيضاً (برقم 4405) من طريق أخرى
عن عباية بن رفاعة به مختصراً، دون قوله: "لعلها ... " إلخ؛ لكن زاد أحمد:
"قال شعبة: مخافة أن تبغي ".
ولعل هذا هو أصل تلك الزيادة التي وقعت في رواية ابن حبان المتقدمة، وهِم بعض الرواة فأدرجها في الحديث.
وقد جاءت مرفوعة من حديث ابن عباس بإسناد واهٍ، أذكره لبيان حاله؛
يرويه سوَّار بن مصعب عن عطية العوفي قال: سمعت ابن عباس يقول:
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الإماء.
قلت لابن عباس: ولم نهى عنه؟ قال:
مخافة أن يعجزن فيفجرن.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/129/12673) .(7/816)
وهذا إسناد ضعيف جدّاً؛ سوّار هذا متروك الحديث؛ كما قال الدارقطني وغيره.
وعطية العوفي؛ ضعيف.
(فائدة) : جاء في "النهاية":
" (الزَّمَّارة) : هي الزانية. وقال الأزهري: يحتمل أنه أراد المغنية، يقال: غناء زمير، أي: حسن. وزمَّر؛ إذا غنى، والقصبة التي يزمر بها: (الزمارة) ". *
3276- (إنّ أعظم المسلمين [في المسلمين] جُرماً: من سأل عن
شيءٍ لم يُحرَّم [ونقر عنه] ؛ فحُرِّم [على الناس] مِن أجلِ مسألتِه) . أخرجه البخاري (7289) ومسلم (8/92) وأبو داود (4610) وابن حبان
(1/61/110) والحميدي في"مسنده" (37/67) وأحمد (1/176 و 179) والبزار في "البحر الزخار" (3/292/1084) وأبو يعلى (2/104 - 105) من طرق عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. والسياق للبخاري، والزيادات لمسلم وغيره.
وله شاهد من حديث عُمَير بن قتادة: عند الحاكم (3/626) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/48/105) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (3/357) . وفيه بَكر بن خُنيس، وهو ضعيف؛ كما قال الهيثمي (5/231) وغيره. *
3277- (يا حُمَيراءُ! أتحبِّينَ أن تنظُرِي إليهم؟! يعني: إلى لعِبِ الحبشةِ ورقصِهم في المسجدِ) .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/307/ 8951) ، والطحاوي في
"مشكل الآثار" (1/117) قالا: أنا يونس بن عبد الأعلى قال: أنا ابن وهب قال:(7/817)
أخبرني بكر بن مُضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:
دخل الحبشةُ المسجدَ يلعبون، فقال لي: (فذكره) ، فقلت: نعم، فقام على
الباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت:
ومن قولهم يومئذٍ: أبا القاسم طيباً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"حسبكِ؟! ".
فقلت: يا رسول الله! لا تعجل. فقام لي، ثم قال:
"حسبكِ؟! ".
فقلت: لا تعجل يا رسول الله! قالت: وما لي حب النظر إليهم، ولكني
أحببت أن يبلغ النساءَ مقامُه لي، ومكاني منه.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير يونس بن
عبد الأعلى، فهو على شرط مسلم وحده. وقال الحافظ في "الفتح " (2/444) - بعدما عزاه للنسائي وحده-:
"إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر (الحميراء) إلا في هذا".
وعقب عليه بعضهم بحديث آخر في الصوم، كما كنت نقلته في "آداب
الزفاف " (ص 272) .
وكان ذلك قبل طبع "السنن الكبرى" للنسائي، فافترضت يومئذٍ أن الحديث الآخر فيه، والآن وقد طبعت هذه "السنن "، ولم أجد الحديث فيه، كما لم أجده
من قبل في "الصغرى"- وهي المسماة ب "المجتبى"-؛ فقد غلب على ظني خطأ(7/818)
هذا البعض، وأنه اشتبه عليه بحديث الترجمة، ولا سيما وأحفظ الحفاظ- وهو العسقلاني- ينفي ذلك، وهو متأخر عن ذاك البعض؛ والله أعلم.
وللحديث طريق أخرى؛ يرويه زيد بن حُبَاب قال: أخبرني خارجة بن
عبد الله قال: أنا يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة قالت:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً، فسمعنا لغطاً وصوت الصبيان؛ فقام رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -، فإذا حبشية تَزفِنُ والصبيان حولها، فقال:
"يا عائشة! تعالَي فانظري ".
فجئت، فوضعت ذقني على منكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعلت أنظر إليها ما
بين المنكب إلى رأسه، فقال لي:
"أما شبعت؟ ".
فجعلت أقول: لا؛ لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع عمر، فارفضَّ الناس عنها،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فرُّوا من عمر".
قالت: فرجعت.
قلت: أخرجه النسائي (5/309/8957) ، والترمذي (3691) ، وقال:
"حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ".
قلت: وإسناده حسن، رجاله رجال مسلم؛ غير خارجة بن عبد الله، وهو
صدوق له أوهام كما في "التقريب "، وصححه أيضاً ابن شاهين في كتاب
" السنة.. فضائل العشرة " رقم (140- نسختي) .(7/819)
وتابع يزيد بن رومان: محمدُ بن عبد الرحمن عن عروة به مختصراً؛ لكن
فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة:
"تشتهين تنظرين؟ ".
فقالت: نعم، قالت: فأقامني وراءه؛ خدي على خده ...
رواه مسلم (3/22) وكذا البخاري (950) .
وله عندهما طرق وألفاظ وزيادات عديدة، كنت جمعتها في سياق واحد في
الكتاب المذكور آنفاً: "الآداب "، وأعدت تخريجه هنا باللفظ المذكور أعلاه؛ لأنّ الغزالي كان قد ذكر للحديث في "الإحياء" عدة روايات، منها قوله (2/304) : "وفي رواية أنه قال لعائشة- رضي الله عنها-: "أتحبين أن تنظري إلى زفن
الحبشة؟ "، والزفن: الرقص ".
ومع أن الحافظ العراقي قد أخرج الحديث في مكان آخر كان الغزالي ذكره
فيه (2/278) ، وعزاه "للصحيحين "، وأحال عليه في المكان الذي أشرت إليه أولاً؛ إلا أنه لم يخرِّج الرواية المذكورة، بل إن إحالته المشار إليها قد يوهم من لا علم عنده أنها من المتفق عليه! وليس كذلك، فكان هذا من الدواعي على
تخريجها.
وأهم من ذلك: أن الشيخ السَبكي ذكر أنها مما لا أصل له في فصل هام كان عقده في ترجمة الغزالي جمع فيه "جميع ما وقع في كتاب "الإحياء" من
الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً)) (4/145 و 158) من كتابه "طبقات الشافعية الكبرى "!(7/820)
تنبيهان:
الأول: وهم الشيخ شعيب في تعليقه على "مشكل الآثار" (1/268) بقوله
في الحديث:
"إسناده صحيح على شرط الشيخين "!
وإنما هو على شرط مسلم وحده كما تقدم؛ لأن يونس بن عبد الأعلى ليس
من رجال البخاري.
والآخر: قوله في تعليقه على ترجمة النسائي من "تهذيب الكمال "
(2/328) :
"ولا بد لي هنا من ذكر فائدة، ربما تخفى على كثير من طلبة العلم، وهي أن
قول المنذري في "مختصر سنن أبي داود": "أخرجه النسائي "؛إنما يعني "السنن " لا "المجتبى" الذي صنفه ابن السني، وكذلك الحافظ المزي في "الأطراف " يعني: الأصل، لا المختصر"!
قلت: الفائدة الأولى معروفة، وأما الأخرى ففي الإطلاق نظر؛ لأن المزي قد يعزو في "الأطراف " ل "السنن الصغرى" أيضاً "المجتبى"، كما نص على ذلك محققه الفاضل عبد الصمد شرف الدين في "المقدمة" (1/18) ، وإن كان لي عليه ملاحظة لا مجال الآن لذكرها، وفي تعليقه على "مقدمة المزي " (1/3) ؛ فقد عزا حديثاً لابن عباس إلى "كتاب القصاص" في موضعين منه (4/390 و 447) ، وليس هذا الكتاب من كتب "السنن الكبرى"، وإن كان موجوداً فيها في كتاب
"المحاربة"، وفيه أحاديث أخرى هي في"القصاص "أيضاً، توهم الفاضل المذكور أنها زائدة على ما في "الكبرى"!(7/821)
ويقابل الوهم المذكور؛ قولُ الشيخ الكتاني في "الرسالة المستطرفة "- وقد ذكر "سنن النسائي " (ص 10) -:
"والمراد بها "الصغرى"؛ فهي المعدودة من الأمهات، وهي التي خرج الناس عليها الأ طراف والرجال، دون " الكبرى "؛ خلافاً لمن قال: إنها المرادة"!
وإنما يصدق هذا على "ذخائر المواريث " للشيخ النابلسي، والله أعلم. *
3278- (أحسنَتَ، اتركها حتّى تماثل. يعني: خادماً زنت حديثة
عهدٍ بنفاسها) .
أخرجه مسلم (5/125) والدارقطني (3/159- 160) ، والبيهقي (8/ 244-
245) من طريق إسرائيل عن السُّدِّيِّ عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن قال: خطبنا علي- رضي الله عنه- فقال:
أيها الناس! أيما عبد وأمة فجرا؛ فأقيموا عليهما الحد.. ثم قال:
إن خادماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدت من الزنى، فبعثني لأجلدها، فوجدتها
حديثة عهد بنفاسها، فخشيت [إن أنا جلدتها] أن أقتلها، فقال: فذكره.
والزيادة لمسلم وغيره من طريق أخرى عن السدي، وهو مخرج في "الإرواء"
(7/ 360) مختصراً دون قوله: "اتركها ... "، ومن أجله خرجته هنا.
والسدي: اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة- وهو السدي الكبير-، وفيه كلام يسير، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ":
"حسن الحديث، قال أبو حاتم: لا يحتج به ".(7/822)
وقال الحافظ:
"صدوق يهم ".
وقد ذكرت له هناك في "الإرواء" طريقاً آخر عن علي رضي الله عنه من رواية عبد الأعلى بن عامر ومتابع له، حسنت إسناده لاجتماعهما، وفي رواية للأول منهما عند البيهقي وغيره: أن الأمَةَ لبعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولفظ أبي داود (4473) :
لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ونحوه لأحمد (1/85) بلفظ:
إن أمةً لهم زنت ...
أقول فهذا هو اللائق بمقام النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن هذه الأمة ليست مملوكة له، وإنما
هي لبعض نسائه، كانت تخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيراً، حتى ظُن أنها أمَةُ له.
ويؤيد ما ذكرت- والله أعلم- قصة الرجل الذي اتُّهِم بأم ولده - صلى الله عليه وسلم -، فأمر علياً
- رضي الله عنه- بقتله، فلما رآه مجبوباً ما له ذكرٌ؛ أمسك عنه، ولم يقتله، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -:
"الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت ".
وقد مضى والقصة برقم (1904) من طريق ثالث.
قوله: (تماثل) أي: تقارب البَرء، والأ صل (تتماثل) ؛ يقال: تماثل العليل؛ إذا
قارب البرء. كما في "القاموس ".(7/823)
(تنبيه) : تبين أن الحديث سبق تخريجه برقم (2499) ، ولما كان قد وقع هنا
من الفائدة الحديثية والفقهية ما لم يقع هناك؛ فقد آثرت الاحتفاظ به هنا.
وأيضاً؛ فإني أريد أن أحذر هنا من ضلالة من ضلالات ذلك الشيخ الغزالي،
الذي ملأ الدنيا بالتشكيك في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة، والطعن فيها باسم الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث "! والحقيقة؛ أن كل من درس كتابه هذا من العلماء؛ تبين له- كالشمس في رائعة النهار- أنه لا فقه عنده ولا حديث؛ إلا ما وافق عقله وهواه! وقد بينت شيئاً من ذلك في رسالتي في الرد على ابن حزم ومن قلده، في تضعيفهم لحديث البخاري في تحريم المعازف وغيره مما في معناه، وأنا الآن في صدد تبييضها وإعدادها للنشر إن شاء الله تعالى (1) .
ومن تلك الأحاديث التي طعن فيها وأنكر صحتها: حديث الرجل المتهم
بأمَةِ النبي عليه السلام؛ فإنه جزم في الكتاب المذكور (ص 29) أنه:
"يستحيل أن يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - على رجل بالقتل في تهمة لم تتحقق "!
وجواباً عليه أقول:
هذه مغالطة ظاهرة، لا تخفى على أهل العلم العارفين بحقيقة عصمة
النبي - صلى الله عليه وسلم -,فهي العاصمة له - صلى الله عليه وسلم - من أن يقتل رجلاً بتهمة لم تتحقق، وأما أن
يحكم على ما ظهر له - صلى الله عليه وسلم - من الأدلة الشرعية القائمة على الظاهر؛ فهو ما دل عليه صريح قوله جمعت:
"إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض،
_________
(1) ثم طبعت بحمد الله وفضله.(7/824)
فأحسب أنه صادق؛ فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم؛ فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها". متفق عليه- واللفظ لمسلم-، وهو مخرج في
"الصحيحة" (455) ، و"الإرواء" (1423) ، (8/258/2635) عن أم سلمة. والمقصود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حكمه على الناس أو بين الناس؛ إنما يحكم
بمقتضى كونه بشراً، وليس بحكم كونه نبياً معصوماً، ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا
قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله "؟! متفق عليه، وهو مخرج فيما تقدم برقم (407) .
ولهذا؛ قال الحافظ ابن حجر في "الفتح "، وهو يذكر فوائد حديث أم سلمة (13/174) :
"وفيه: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقضي بالاجتهاد فيما لم يُنزل عليه شيء، وخالف في ذلك قوم، وهذا الحديث من أصرح ما يُحتج به عليهم، وفيه أنه ربما أداه اجتهاده إلى أمر يحكم به، ويكون في الباطن بخلاف ذلك؛ لكن مثل ذلك- لو وقع- لم
يُقرَّ عليه - صلى الله عليه وسلم -؛لثبوت عصمته ".
وعلى هذا الوجه من العلم الصحيح والفهم الرجيح: يُخرَّج حديث الرجل المتهم، ويبطل ما ادعاه الغزالي من الاستحالة فيه، ويتبين لكل باحث لبيب أن الرجل مفلس من العلم النافع، فلا هو من أهل الفقه، ولا من أهل الحديث (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) !
وإن مما يؤكد ذلك: موقفه من الحديث التالي وطعنه فيه؛ مع اعترافه بصحة سنده، ونقضه للقاعدة التي ذكرها بين يديه! *(7/825)
3279- (جاء ملكُ الموتِ إلى (وفي طريق: إنَّ ملكَ الموتِ كان يأتي الناسَ عياناً، حتّى أتى) موسى عليه السلام، فقال له: أجب
ربَّك، قال: فلطَم موسى عليه السلام، عينَ مَلكِ الموتِ ففَقأها، فرجعَ الملكُ إلى اللهِ تعالى، فقالَ: [يا ربِّ!] إنَّك أرسلتني إلى عبدٍ لكَ لا
يريدُ الموتَ، وقد فقأ عيني، [ولولا كرامتُه عليك لشققتُ عليه] . قال: فردَّ اللهُ إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدِي فقِل: الحياة تريدُ؟ فإن كنت تريدُ الحياةَ؛ فضع يدَك على متنِ ثورٍ، فما توارت يدُك من شعرة؛ فإنّك تعيشُ بها سنةً، قال: [أي ربِّ!] ثمَّ مَه؟ قالَ: ثم تموتُ، قال: فالآن
من قريبٍ، ربِّ! أمتني من الأرضِ المقدّسةِ رميةً بحجرٍ! [قال: فشمَّه شمّةً فقبض روحَه، قال: فجاء بعد ذلك إلى النّاسِ خفياً] .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
والله! لو أني عنده لأريتُكم قبره إلى جانب الطريق عند (وفي
طريق: تحت) الكثيبِ الأحمرِ) .
قلت: هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المشهورة التي أخرجها الشيخان
من طرق عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، وتلقته الأمة بالقبول، وقد جمعت ألفاظها والزيادات التي وقعت فيها، وسقتها لك سياقاً واحداً كما ترى؛ لتأخذ
القصة كاملة بجميع فوائدها المتفرقة في بطون مصادرها، الأمر الذي يساعدك على فهمها فهماً صحيحاً، لا إشكال فيه ولا شبهة، فتسلِّم لقول رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - تسليماً.(7/826)
والطرق عنه ثلاثة:
الأولى: عن طاوس عن أبي هريرة:
أخرجه الشيخان وغيرهما، وعندهما الزيادة الثالثة، وهي الطريق المشار إليها
في آخر الحديث.
الثانية: عن همّام عنه.
أخرجاه أيضاً وغيرهما، والسياق لمسلم، وهو أتم.
الثالثة: عن عمار بن أبي عمار قال: سمعت أبا هريرة يقول ...
أخرجه أحمد، وابن جرير الطبري في "التاريخ " (1/ 224) ، وإسناده صحيح،
وهو الطريق المشار إليه في أول الحديث، وفيه كل الزيادات إلا الثالثة.
وهذه الطرق كنت خرجتها في "ظلال الجنة " (1/266- 267) دون أن أسوق متونها، والطريقان الأولان أخرجهما ابن حبان أيضاً في"صحيحه"
(6190و6191) ، وأخرج أبو عوانة (1/187- 188) الثاني منهما.
واعلم أن هذا الحديث الصحيح جدّاً مما أنكره بعض ذوي القلوب المريضة من المبتدعة- فضلاً عن الزنادقة- قديماً وحديثاً، وقد رد عليهم العلماء- على مر العصور- بما يشفي ويكفي من كان راغباً السلامة في دينه وعقيدته؛ كابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والبغوي، والنووي، والعسقلاني، وغيرهم.
وممن أنكره من المعاصرين: الشيخ الغزالي في كتابه "السنة.. " المذكور في الحديث الذي قبله، بل وطعن في الذين دافعوا عن الحديث " فقال (ص 29) : "وهو دفاع تافه لا يساغ "!(7/827)
وهكذا؛ فالرجل ماضٍ في غيّه، والطعن في السنة والذابين عنها بمجرد عقله (الكبير!) . ولست أدري- والله- كيف يعقل هذا الرجل- إذا افترضنا فيه الإيمان والعقل-! كيف يدخل في عقله أن يكون هؤلاء الأئمة الأجلة من محدِّثين وفقهاء
- من الإمام البخاري إلى الإمام العسقلاني- على خطأ في تصحيحهم هذا
الحديث، ويكون هو وحده- صاحب العقل الكبير! - مصيباً في تضعيفه إياه ورده عليهم؟!
ثم هو لا يكتفي بهذا! بل يخادع القراء ويدلس عليهم، ويوهمهم أنه مع
الأئمة لا يخالفهم، فيقول بين يدي إنكاره لهذا الحديث وغيره كالذي قبله
(ص 26) :
"لا خلاف بين المسلمين في العمل بما صحت نسبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفق
أصول الاستدلال التي وضعها الأئمة، وانتهت إليها الأمة، إنما ينشأ الخلاف حول صدق هذه النسبة أو بطلانها، وهو خلاف لا بد من حسمه، ولا بد من رفض الافتعال أو التكلف فيه، فإذا استجمع الخبر المروي شروط الصحة المقررة بين العلماء فلا معنى لرفضه، وإذا وقع خلاف محترم في توفر هذه الشروط أصبح في الأمر سعة "!
هذا كلامه، فهل تجاوب معه؟ كلا ثم كلا؛ فإن الحديث لا خلاف في صحته
بين العلماء، وله ثلاثة طرق صحيحة كما تقدم، فكيف تملص من كلامه المذكور؟! لقد دلس على القراء وأوهم أن الحديث مختلف في صحته؛ فقال (ص 27) :
"وقد جادل البعض في صحته "!
ويعني: أن الحديث صار من القسم الذي فيه سعة للخلاف! فنقول له:(7/828)
أولاً: هل الخلاف الذي توهمه "خلاف محترم " أم هو خلاف ساقط الاعتبار؟!
لأن المخالف ليس من العلماء المحترمين!! ولذلك لم تتجرأ على تسميته! ولعله من الخوارج أو الشيعة الذين يطعنون في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبخاصة راوي هذا الحديث (أبي هريرة) - رضي الله عنه-.
وثانياً: يحتمل أن يكون المجادِل الذي أشرتَ إليه هو أنت، وحينئذٍ فبالأولى
أن يكون خلافك ساقط الاعتبار، كما هو ظاهر كالشمس في رائعة النهار!
ثم قال: "إن الحديث صحيح السند؛ لكن متنه يثير الريبة؛ إذ يفيد أن
موسى يكره الموت ولا يحب لقاء الله ... " إلى آخر هرائه!
فأقول: بمثل هذا الفهم المنكوس يرد هذا الرجل أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -!! ولا
يكتفي بذلك، بل ويرد على العلماء كافة الذين فهموه وشرحوه شرحاً صحيحاً، وردوا على أمثاله من أهل الأهواء الذين يسيئون فهم الأحاديث ثم يردونها، وإنما هم في الواقع يردون جهلهم، وهي سالمة منه والحمد لله، وها هو المثال؛ فإن الحديث صريح بخلاف ما نسب إلى موسى عليه السلام، ألا وهو قوله عليه السلام: "فالآن من قريب ". فتعامى الرجل عنه، وتشبث باللطم المذكور في أوله، ولم ينظر إلى نهاية القصة، فمثله كمثل من يَرُدُّ قوله تعالى: (فويل للمصلين) بزعم أنه يخالف الآيات الآمرة بالصلاة، ولا ينظر إلى ما بعده: (الذين هم عن صلاتهم ساهون)
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى؛ فإن الرجل بنى ردَّهُ للحديث على زعمه أن موسى عليه السلام كان عارفاً بملك الموت حين لطمه! وهذا من تمام جهله وإعراضه عن كلام العلماء الذي نقله (ص 28) :(7/829)
"أن موسى لم يعلم أنه ملك من عند الله، وظن أنه رجل قصده يريد قتله،
فدافعه عنه، فأدت المدافعة إلى فقءِ عينه ".
ومع أن هذا الكلام يدل عليه تمام القصة كما قدمتُ، ويؤكده قوله في أول الحديث: "أن ملك الموت كان يأتي الناس عياناً"، أي: في صورة البشر، وفقءِ
عينه وردها إليه مما يقوي ذلك.
أقول: مع هذا كله، استكبر الرجل ولم يرد على علماء الأمة إلا بقوله الذي
لا يعجزعن مثله أيُّ مُبطِلٍ غريق في الضلال:
"نقول نحن (!) : هذا الدفاع كله خفيف الوزن، وهو دفاع تافه لا يساغ "!
وإن من ضلال الرجل وجهله قوله (ص 27) :
"ثم، هل الملائكة تعرض لهم العاهات التي تعرض للبشر من عَمَى أو عَوَر؟!
ذاك بعيد"!
فأقول: وهذا من الحجة عليك، الدالة على قلة فهمك؛ فإن هذا الذي
استبعدتهُ مما جعل العلماء يقولون في دفاعهم: إن موسى لم يعلم أنه ملك، أفما
آن لك أن تعقل؟!!
ثم ختم ضلاله في هذا الحديث وطعنه فيه بقوله:
"والعلة في المتن يبصرها المحققون (!) وتخفى على أصحاب الفكر السطحي "!
فيا له من مغرور أهلكه العجب! لقد جعل! نفسه من المحققين، وعلماء الأمة
من "أصحاب الفكر السطحي "! والحقيقة أنه هو العلة؛ لجهله وقلة فهمه " إن لم يكن فيه ما هو أكثر من ذلك مما أشار إليه الكفار وهم يعذَّبون في النار: (لو كنا(7/830)
نسمعُ أو نعقِلُ ما كنا في أصحاب السَّعير) ؛ نسأل الله حسن الخاتمة والوفاة على سبيل المؤمنين.
وأرى من تمام الفائدة أن أنقل إلى القراء الكرام كلام إمامين من أئمة المسلمين وحفاظ الحديث، فيه بيان الحكمة من تحديثه - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث، قال ابن حبان
عقب الحديث:
"إن الله جل وعلا بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلماً لِخلقِهِِ، فأنزله موضع الإبانة
عن مراده، فبلَّغ - صلى الله عليه وسلم - رسالته، وبّين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يُحرَمِ التوفيق لإصابة الحق، وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: "أجب ربك ": أمر اختبار وابتلاء، لا أمراً يريد الله جل وعلا إمضاءه؛ كما أمر خليله صلى الله على نبينا وعليه بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه
(وتلّه للجبين) ؛ فداه بالذِّبح العظيم.
وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها؛ كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ولم يعرفهم؛ حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام، فلم يعرفه المصطفى حتى ولَّى.
فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى
عليه السلام عليها، وكان موسى غيوراً، فرأى في داره رجلاً لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي تصور بها، لا الصورة(7/831)
التي خلَقَهُ اللهُ عليها، ولما كان المصرح عن نبينا في خبر ابن عباس حيث قال: "أمَّني جبريلُ عند البيت مرتين ... " فذكر الخبر، وقال في آخره: "هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك " (1) ، كان في هذا الخبر البيانُ الواضح: أن بعض شرائعنا قد تتفق ببعض شرائع من قبلنا مِن الأمم.
ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل دارهُ بغير إذنه، أو الناظر إلى بيته
بغير أمره، من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الواردة فيه، التي أمليناها في غير موضع من كتبنا (2) ؛كان جائزاً اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمّن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحاً له، ولا حرج عليه في فعله.
فلما رجع ملك الموت إلى ربه، وأخبره بما كان من موسى فيه؛ أمره ثانياً بأمر
آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا قبل، إذ قال الله له: "قل له: إن شئت، فضع
يدك على متن ثور، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة"، فلما علم موسى
كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت، وأنه جاء بالرسالة من عند
الله، طابت نفسه بالموت ولم يستمهل، وقال: "فالآن ".
فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت، لاستعمل ما استعمل في
المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به، ضدَّ قول من زعم: "أن أصحاب الحديث حمَّالة الحطب ورعاة الليل، يجمعون ما لا ينتفعون به، ويروون ما لا يؤجرون
_________
(1) حديث حسن صحيح؛ كما قال الترمذي، وصححه جمع، وهو مخرج في "الإرواء" (1/268) ، و"صحيح أبي داود" (417) ، وعزاه بعضهم ل"صحيح ابن حبان"، فوهم!
(2) قلت: من ذلك كتابه "الصحيح" (7/597- 598- الإحسان) من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة، بعضها في"الصحيحين"، وهو مخرج في "الإرواء" (1428و 2227) .(7/832)
عليه، ويقولون بما يبطله الإسلام "، جهلاً منه لمعاني الأخبار، وترك التفقه في الآثار، معتمداً على رأيه المنكوس، وقياسه المعكوس ".
قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة! فهذا الزاعم الطاعن في أصحاب الحديث هو
سلف الغزالي في طعنه فيهم، وفي أحاديثهم الصحيحة، وما وصفه به ابن حبان من الجهل بمعاني الآثار، يشبه تماماً جهل الغزالي بها، وكتابه المتقدم ذكره والنقل عنه مشحون بطعنه في الأحاديث الصحيحة التي لا خلاف عند أهل العلم في صحتها، وقد ختم الكتاب بإنكاره عدة أحاديث صحيحة في إثبات القدر؛ لأنه
فهم منها- بفهمه المعكوس والمنكوس- أنها تفيد الجبر، وتنفي عن الإنسان
الاختيار الذي به كُلِّفَ، وترتب عليه الثواب والعقاب، مشاركاً في هذا الفهم
العامة الجهلة، ولكنه فرَّ من فهمه الخاطىء إلى ما هو مثله أو أسوأ منه، ألا وهو إنكاره القدر والأحاديث الدالة عليها، وألحق نفسه بالمعتزلة!!
وقد قام بواجب الرد عليه كثير من العلماء والكتَّاب، وكشفوا للناس ما فيه من
زيخ وضلال في الحديث والعقيدة والفقه، وكان أطولهم نفساً، وأكثرهم إفادة، وأهدأهم بالاً: الأخ الفاضل سلمان العودة في كتابه "حوار هادئ مع محمد
الغزالي"، فنِعمَ الردُّ هو؛ لولا تساهل وتسامح لا يستحقه الغزالي تجاه طعناته العديدة مع أئمة الحديث والفقه، وإن كان الأخ الفاضل قد كشف القناع عنها بأدبه الناعم! والحافظ الآخر الذي سبقت الإشارة إليه: هو الإمام البغوي؛ فإنه بعد أن ذكر
أن الحديث: "متفق على صحته "؛ قال رحمه القه:
"هذا الحديث يجب على المرء المسلم الإيمان به على ما جاء به من غيرأن
يعتبره بما جرى عليه عُرف البشرِ، فيقع في الارتياب؛ لأنه أمرٌ مصدره عن قدرة(7/833)
الله سبحانه وتعالى وحُكمه، وهو مجادلة بين ملك كريم، ونبي كليم، كلُّ واحد منهما مخصوص بصفة خرج بها عن حكم عوامِّ البشر، ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خُصَّ به، فلا يعتبر حالهما بحال غيرهما، قد اصطفى الله سبحانه وتعالى موسى برسالاته وبكلامه، وأيده بالآيات الظاهرة، والمعجزات الباهرة، كاليد البيضاء، والعصا، وانفلاق البحر، وغيرهما مما نطق به القرآن، ودلّت عليه الآثار، وكل ذلك إكرام من الله عز وجل أكرمه بها، فلما دنت وفاته- وهو بشرٌ يكره الموت طبعاً، ويجد ألمه حساً-؛ لطف له بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر
الملك الموكل به أن يأخذه به قهراً؛ لكن أرسله إليه منذراً بالموت، وأمره بالتعرض له على سبيل الامتحان في صورة بشرٍ، فلما رآه موسى استنكر شأنه، واستوعر مكانه، فاحتجز منه دفعاً عن نفسه بما كان من صكه إياه، فأتى ذلك على عينه
التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها، دون صورة الملكية التي هو مجبول عليها، وقد كان في طبع موسى - صلى الله عليه وسلم - حمِيَّةٌ وحِدّةٌ على ما قص الله علينا من أمره في كتابه من وكزه القبطي، وإلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه.
وروي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً، وقد جرت سنة الدين بدفع
من قصدك بسوء، كما جاء في الحديث: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حلّ
لهم أن يفقأوا عينه" (1) ، فلما نظر موسى إلى شخص في صورة بشر هجم عليه يُريد نفسه، ويقصد هلاكه، وهو لا يثبته، ولا يعرفه أنه رسول ربه؛ دفعه عن
نفسه، فكان فيه ذهاب عينه، فلما عاد الملك إلى ربه، ردّ الله إليه عينه، وأعاده رسولاً إليه؛ ليعلم نبي الله عليه السلام- إذا رأى صحة عينه المفقوءة- أنه رسول
الله بعثه لقبض روحه، فاستسلم حينئذٍ لأمره، وطاب نفساً بقضائه، وكلُّ ذلك
_________
(1) تقدم تخريجه قريباً.(7/834)
رفق من الله عز وجل، ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه، والانقياد لمورد قضائه، قال: وما أشبه معنى قوله: "ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي
عن نفس المؤمن؛ يكره الموت ... " (1) بترديده رسوله ملك الموت إلى نبيه موسى عليه السلام، فيما كرهه من نزول الموت به، وقد ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي في كتابه رداً على من طعن في هذا الحديث وأمثاله من أهل البدع والملحدين أبادهم الله، وكفى المسلمين شرهم ". *
3280- (يا ابن رواحة! انزل، فَحَرِّكِ الرِّكاب) .
أخرجه النسائي في"السنن الكبرى" (5/70/8251) ، وكذا البيهقي
(10/227) من طريق عمر بن علي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن عبد الله بن رواحة:
أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسيرله، فقال له: (فذكره) فقال: يا رسول
الله! قد تركت ذاك، فقال له عمر: اسمع وأطع، قال: فرمى بنفسه وقال:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزِلن سكينة علينا وثبِّتِ الأقدام إن لاقينا. (2)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، وله علتان:
الأولى: الانقطاع بين قيس بن أبي حازم وعبد الله بن رواحة، قال الحافظ
المزي في " التحفة " (4/319) :
_________
(1) رواه البخاري (6502) ، وهو مخرج في "الصحيحة " (1640) .
(2) هنا زيادة في "عمل اليوم والليلة" للنسائي (532) : "وإن أرادوا فتنة أبينا"! وأظنها مقحمة، وهي ثابتة في حديث آخر عن البراء بن عازب تقدم (3242) .(7/835)
"قيس لم يدرك ابن رواحة".
قلت: وذلك؛ لأنه استشهد في حياته - صلى الله عليه وسلم - في معركة (مؤتة) .
والأخرى: عنعنة عمر بن علي، وهو المقدَّمي كان يدلس شديداً كما في
" التقريب "، فانظر " التهذيب ".
وقد خالفه عبد الله بن إدريس، فقال: عن إسماعيل عن قيس قال: قال
عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن رواحة:
"لو حركت بنا الركاب ".
فقال: قد تركت قولي ... الحديث، وزاد:
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" اللهم! ارحمه ".
فقال عمر: وجبت.
وقال الحافظ المزي:
" وهو أشبه ".
يعني: أن الصواب أنه من رواية قيس بن أبي حازم عن عمر، وأنه من مسند
عمر، لا من مسند عبد الله بن رواحة، وقيس قد سمع من عمر، فاتصل السند وصح والحمد لله؛ فإن عبد الله بن إدريس- وهو الأودي- ثقة فقيه احتج به الشيخان. أخرجه النسائي رقم (8250) ، والضياء في "الأحاديث الختارة" (1/ 381/ 264) ، وكذا الدارقطني في "الأفراد"؛كما في "كنز العمال " (13/449/37169) .(7/836)
وفي حديث سلمة بن الأكوع:
فقفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر، فقلت: يا رسول الله! أتأذن لي أن أرتجز؟
فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اعلم ما تقول! فقلت: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"صدقت ".
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا
فلما قضيت رجزي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"من قال هذا؟ ".
قلت: أخي. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"يرحمه الله " ... الحديث.
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2289) . *
3281- (يا عائشةُ! أتعرفين هذه؟ قالت: لا، يا نبيَّ اللهِ! قال:
هذه قينةُ بني فلان، تحبِّين أن تُغنِّيكِ؟ قالت: نعم، قال: فأعطاها طبقاً
فغنَّتها، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
قد نفح الشَّيطانُ في مِنخرَيها) .
أخرجه أحمد (3/449) : ثنا مكِّيٌّ: ثنا الجُعيدُ عن يزيد بن خُصَيفة عن(7/837)
السائب بن يزيد:
أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره.
ومن طريق مكي هذا- وهو ابن إبراهيم-: أخرجه النسائي في "السنن الكبرى " (5/310/8960) و (ق 75/2- عشرة النساء- مخطوطة الظاهرية) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/187-187) ؛دون قوله: " فأعطاها طبقاً ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، والسائب بن يزيد صحابي صغير، حُجَّ به في حجة الوداع، وهو ابن سبع سنين، فالظاهر أنه تلقاه عن السيدة عائشة- رضي الله عنها-، وقد روى عنها.
والجعيد: هو ابن عبد الرحمن بن أوس، وقد يقال: (الجعد) مكبراً.
وقال الهيثمي- وقد ساقه بلفظ أحمد- (8/135) :
"رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح ".
وقال الزَّبيدي في "شرح الإحياء"- بعدما عزاه للنسائي- (6/494) :
"واسناده صحيح، وأخرجه الطبراني في (الكبير) ".
(تنبيه) : سقط من مطبوعة "السنن الكبرى" قوله: "قد نفخ الشيطان في "منخريها"، وهو ثابت في مخطوطة الظاهرية، وكذا في سياق الزبيدي من رواية النسائي.
وقوله: (طبقاً) . قال في " القاموس ":
" (الطَّبَق) محركة: غطاء كل شيء، والذي يؤكل عليه ".(7/838)
ولم ترد جملة الطبق هذه في رواية النسائي والطبراني، والله سبحانه وتعالى
أعلم. *
3282- (كان في بعضِ المشاهدِ قد دَمِيَت إصبَعُه فقال:
هل أنتِ إلا إصبعٌ دَمِيتِ وفي سبيل الله مالقِيتِ) .
أخرجه البخاري (2802) ومسلم (5/181) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (620) وأبو يعلى في "مسنده " (1533) ، وعنه ابن حبان في "صحيحه " (6543) وكذا ابن السني في "عمله " (505) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/186/1708) من طريق أبي عوانة عن الأسود بن قيس عن جندب بن سفيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ... والسياق للبخاري.
وقد اضطرب الرواة على الأسود بن قيس- رحمه الله- في ضبط المناسبة
التي وقعت فيها هذه الحادثة، فقال أبو عوانة- كما ترى-: في بعض المشاهد.
وقال سفيان- وهو الثوري-:
بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يمشي؛ إذ أصابه حجر، فعثر، فدميت إصبعه.
أخرجه البخاري (6146) والنسائي (559) والطبراني (1703) .
ورواه أحمد (4/313) مختصراً.
وقال سفيان بن عيينة:
كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار، فنُكِبَت إصبعه فقال: ... فذكره.
أخرجه مسلم، والترمذي (3345) - وصححه-، والحميدي (776) ،
والطبراني (1705) .(7/839)
وقال حسن بن صالح:
أصاب رِجلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حجَرٌ، فدميت، فقال ... الحديث.
أخرجه الطبراني (1707) ، وسنده صحيح.
وتابعهم- با ختصار-: شعبة؛ عند أحمد (4/ 312) ، والرُّويا ني (164/ 2) ، والطبراني (1704) .
وعلي بن صالح- أخو حسن بن صالح- عند الطبراني أيضاً (1706) .
وقال عمر بن زياد الهلالي (1) :
أصابت إصبع النبي - صلى الله عليه وسلم - شجرة (كذا) فدميت فقال: ... فذكره، وزاد:
فحُمل فوضع على سرير مرمول بخوص أو شريط، ووضع تحت رأسه مرفقة
من أدم حشوها ليف، فأثر الشريط في جنبه، فجاء عمر بن الخطاب فبكى،
فقال: "ما يبكيك؟ "، فقال: يا رسول الله! كسرى وقيصر يجلسون على سرير من الذهب، ويلبسون الديباج والإستبرق! قال:
"أما ترضى أن لهم الدنيا ولكم الآخرة؟! ".
رواه الطبراني (1719) ، وا بن سعد (1/466) .
قلت: فهذه الزيادة باطلة، وعلتها- مع المخالفة للروايات السابقة- الهلالي
هذا " فقد قال البخاري فيه في "التاريخ " (6/156/2012) :
"تعرف وتنكر".
_________
(1) الأصل (عمرو بن زياد الألهاني) ! والتصحيح من "تاريخ البخاري "، وغيره من كتب الرجال، و"المجمع " (10/327) .(7/840)
وقال فيه أبو زرعة وابن عدي:
"لا بأس به ".
وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/174) .
قلت: فمثله حسن الحديث إذا لم يخالف. وهنا قد خلط بين هذا الحديث الصحيح، وحديث آخر، فيه قصة دخول عمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على السرير المرمول ... الحديث، وهو في "الصحيحين " من رواية ابن عباس عن عمر في الحديث الطويل في قصة اللتين تظاهرتا عليه- صلى الله عليه وسلم -، وهو مخرج في"التعليق الرغيب " (4/114) ، فوهم الهلالي فربط بين قصة عمر هذه وقصة الإصبع، وجعلهما قصة واحدة، وأوهم أن الإصابة كانت شديدة حتى حمل على السرير ... !
وقد روى ابن عدي (5/52- 53) قصة عمر وحدها من رواية الهلالي هذا
عن الأسود عن جندب:
أن عمر دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على حصير مرمول ... الحديث؛
وهذا هو الصواب؛ أن قصة عمر لا علاقة لها بحديث الترجمة.
وخالف إسرائيلُ- وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي- جميع أولئك الثقات، فقال: عن الأسود بن قيس عن جندب، قال:
لما انطلق أبو بكر- رضي الله عنه- مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغار، وقال له أبو بكر: لا تدخل الغار يا رسول الله! حتى أستبرئه. قال: فدخل أبو بكر الغار، فأصاب يديه شيء، فجعل يمسح الدم عن إصبعه وهو يقول: هل أنت إلا
إصبع ... إلخ.(7/841)
أخرجه محمد بن عاصم الثقفي الأصبهاني في "جزئه " (95/19) ومن طريقه: الذهبي في "السير" (9/528) والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/480) مختصراً من طريقين عنه.
قلت: وهو- بهذا السياق- شاذ غريب؛ لتفرد إسرائيل به ومخالفته أولئك الثقات، وهو إن كان ثقة من رجال الشيخين، فقد تكلم فيه غير ما واحد من قبل حفظه، وأحد الطريقين المشار إليهما طريق يحيى بن آدم الثقة الإمام الفقيه، وقد ذكر ابن عدي في ترجمة إسرائيل عن يحيى هذا أنه قال:
"كنا نكتب عنده من حفظه، وقد كان لا يحفظ، ثم حفظ بَعدُ".
فالظاهر أن هذا الحديث حدث به من حفظه، فوهم.
وقد فات هذا التحقيقُ المعلق على "السير"، فوثق رجاله فحسب، ولعله ألقي
في نفسه شيء منه، ولذلك لم يتجرأ على تصحيح إسناده! وقال ثمة:
"وقد نسبه الزرقاني في "شرح المواهب " (1/336) إلى ابن مردويه ".
قلت: وظني أنه رواه من طريق ابن عاصم الثقفي.
وذكر الزرقاني هناك أن البيت من إنشاء الصديق، وأن المصطفى تمثل به.
فأقول: أما أنه من إنشاء أبي بكر؛ فلا دليل عليه، حتى لو فرض أن القصة صحيحة، وقد عرفت شذوذها؛ لأنه كما يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - تمثل به، فهو محتمل بالنسبة للصديق أيضاً، ولا سيما وقد قيل: إنه من إنشاء الوليد بن الوليد ابن المغيرة في قصة الحديبية.
وأما أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تمثل به؛ فهو ممكن، ولكن ليس بلازم؛ لأن من الجائز(7/842)
وقوع الكلام منه - صلى الله عليه وسلم - منظوماً من غير قصد إلى ذلك، ولا يسمى ذلك شِعراً، كما حققه الحافظ في "الفتح " (10/541- 542) ، فراجعه فإنه مهم. *
3283- (لا تزالون بخيرٍ ما دامَ فيكُم من رآني وصاحَبَنِي. والله!
لا تزالون بخيرٍ ما دام فيكُم من رأى من رآنِي وصاحبَ من صاحَبَني، والله! لا تزالون بخيرٍ ما دام فيكُم من رأى من رأى من رآني،
وصاحب من صاحَبَ من صاحَبَنِي) .
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" (12/178/4/12463) ومن
طريقه: ابن أبي عاصم في "السنة " (2/ 630/1480) - والسياق له؛ وهو أتم-، والطبراني أيضاً عنه في "المعجم الكبير" (22/85/207) : حدثنا زيد بن الحُباب قال: ثنا عبد الله بن العلاء أبو الزبير الدمشقي قال: ثنا عبد الله بن عامر عن واثلة ابن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله رجال "الصحيح "، وقال الحافظ في "الفتح "
(5/7) .
"أخرجه ابن أبي شيبة، وإسناده حسن ".
قلت: وإنما لم يصححه؛ لأن زيد بن الحباب وإن كان من رجال مسلم؛ ففيه بعض الكلام من جهة حفظه، ولذلك قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق، يخطىء في حديث الثوري ".
والخطب في مثله سهل، ولا سيما وقد توبع؛ فقال ابن السماك في "حديثه " (2/22/2) : حدثنا مُضَرُ بن محمد الأسَدي: ثنا صفوان بن صالح: ثنا الوليد بن(7/843)
مسلم: ثنا عبد الله بن زيد: حدثني عبد الله بن عامر اليحصبى قال: سمعت واثلة ابن الأسقع به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات مسلسل بالتحديث، ومضر
ابن محمد الأسدي؛ وثقه الخطيب (13/268- 269) . وهو بهذا التسلسل عزيز نفيس؛ فقد أخرجه ابن أبي عاصم (1482) ، والطبرانى من طريقين آخرين عن الوليد بن مسلم به دون تصريح اليحصبي بالسماع.
وقد توبع زيد والوليد من إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زيد قال: حدثني
أبي به مختصراً.
أخرجه الطبراني في "الكبير" وفي "مسند الشاميين " (1/452- 453) ،
وعنه أبو نعيم في "المعرفة" (1/4/1) .
وابراهيم هذا روى عنه أبو حاتم وسكت عنه (2/109/319) ، وذكره ابن
حبان في "الثقات " (8/66) ، وأما النسائي فقال:
"ليس بثقة"! ولا يضر هذا؛ فإنه متابع، ولذلك قال الهيثمي (10/20) :
"رواه الطبراني من طرق، ورجال أحدها رجال الصحيح ".
وذكره الحافظ العلائي في ".. من ثبتت له شريف الصُّحبة" (70/15) من
رواية الوليد بن مسلم بسنده المتقدم معنعناً، ودون أن يعزوه لأحد؛ وقال:
"واسناده صحيح ".
ولم يزد محققه الدكتور عبد الرحيم القشقري- في تخريجه- على نقله قول
الحافظ الهيثمي المذكور آنفاً! *(7/844)
3284- (ثكِلتكَ أمُّك [يا معاذُ] بن جَبَل! وهل يكبُّ الناسَ على
مناخرِهم في جهنَّم إلا حصائدُ ألسنتِهم؟!) .
أخرجه ابن البنَّاء في "جزء السكوت ولزوم البيوت " (57/5) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/127-128) من طريقين عن أبي أحمد الزُّبيري قال:
حدثنا عمرو بن عبد الله النَّخعِيُّ قال: حدثنا أبو عمرو الشيباني عن معاذ بن جبل
- رضي الله عنه- قال:
قلت: يا رسول الله! أنؤاخذ بكل ما نتكلم به؟ فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عمرو بن
عبد الله النخعي، وهو ثقة اتفاقاً، روى له البخاري في "الأدب المفرد"، كما في "تهذيب المزي "، و"تقريب العسقلاني "، ووقع في "تهذيب العسقلاني "مرموزاً له ب (خ) ! ويبدو أنه تحريف، والله أعلم.
واعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث، - وهو الطرف الأخير من حديث
طويل لمعاذ رضي الله عنه-؛أنني كنت خرجته من رواية الترمذي وغيره من طريق أبي وائل، وشهر بن حوشب، وميمون بن أبي شيبة مطولاً، يزيد بعضهم على بعض، وكلها معلولة بالانقطاع إلا رواية عن شهر، كما يأتي، خرجت ذلك في"الإرواء" (2/138-141) ، وبين عللها أيضاً المنذري في"الترغيب" (4/5- 6) ، ثم ابن رجب في "شرح الأربعين " (ص 196) ، وعقب عليها بقوله:
"وله طرق أخرى كلها ضعيفة".
فلما وقفت على هذا الإسناد لهذا الطرف؛ بادرت إلى تخريجه؛ لعزته
وصحته خلافاً لتلك الطرق.(7/845)
ثم تابعت البحث، فوجدت له طريقاً أخرى من رواية مبارك بن سعيد- أخي
سفيان بن سعيد-: ثنا سعيد بن مسروق عن أيوب بن كُريز عن عبد الرحمن بن غَنمٍ عن معاذ بن جبل ... الحديث مطولاً، وفيه الطرف.
أخرجه الطبراني (20/73- 74) من طريقين عنه.
وهذا إسناد رجاله ثقات من رجال "التهذيب "؛غير أيوب بن كريز هذا؛ فإنه
لا يعرف إلا في هذه الرواية، ومع ذلك ذكره ابن حبان في " الثقات " (6/54) ! فهو مستور، فيقوى حديثه بمتابعة شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم به. أخرجه أحمد (5/ 235 و 236 و245) مطولاً ومختصراً. *
مشروعية السلام على القارئ
3285- (تعلَّموا كتاب الله واقتنُوه، وتغنُوا به، فو الذِي نفسُ
محمَّدٍ بيدهِ؟! لهُوأشدُّ تفلُّتاَ من المخاضِ من العُقُلِ) .
أخرجه أحمد (4/ 150) ، والشجري في "الأمالي " (1/73) من طريق
عبد الله بن يزيد: ثنا قُبَاث بن رزِين اللَّخمي قال: سمعت عُليَّ بن رَبَاح اللخمي يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول:
كنا جلوساً في المسجد نقرأ القرآن، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلَّم علينا، فرددنا
عليه السلام، ثم قال: ... فذكره.
ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 290/ 800) .. لكنه لم يسق لفظه.
ثم أخرجه أحمد (4/153) ، والطبراني (800 و 802) من طرق أخرى عن قباث به.(7/846)
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وتابع قباثاً: موسى بن عُليِّ بن رباح عن أبيه به دون القصة.
أخرجه ابن أبي شيبة (10/477) ، وعنه ابن حبان (1788- موارد) ، وأحمد (4/164) ، وابن نصر في "قيام الليل" (ص 56) ، والرُّوياني في"مسنده " (ق45/2) ، والطبراني أيضاً (801) من طريق ابن أبي شيبة. وقال الهيثمي (7/169) :
"رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح ".
قلت: وفي هذا الحديث من الفقه: مشروعية السلام على من كان جالساً يقرأ القرآن، ففيه رد على من قال بكراهة ذلك، وهذا مع كونه مجرد رأي " فهو مخالف لهذا الحديث، ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفشوا السلام بينكم " (1) . وإذا كان قد صح إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي في مسجد قباء، ويرد عليهم إشارة بيده الكريمة؛ فمن باب أولى أن يشرع السلام على التالي للقرآن خارج الصلاة، ويكون الرد حينئذٍ لفظاً لا إشارة كما لا يخفى على أولي النهى، وإلى هذا ذهب النووي- رحمه الله-.
وقد خرَّجت حديث الإقرار المشار إليه في "صحيح أبي داود" برقم (860) ، وفيما تقدم من هذا الكتاب برقم (186) ، وذكرت فيه عمل أحمد وإسحاق وابن العربي به. وتطرقت للسلام على القارئ والمؤذن، وأشرت إلى هذا الحديث، ولم يتيسر لي هناك تخريجه، والآن فقد وفق الله ويسر لي تخريجه؛ و (لكل أجل
كتاب) . والله ولي التوفيق.
_________
(1) ورد من حديث البراء، وأبي هريرة، وابن عمرو، وأنس، فانظر كتابي الجديد "صحيح الأدب المفرد" (750- 752 و760) . *(7/847)
3286- (يُكتبُ في كلِّ إشارةٍ يشيرُ الرجلُ [بيده] في صلاتهِ
عَشرُ حسناتٍ؛ كلَّ إِصبعٍ حسنةٌ) .
أخرجه أبو عثمان البَحِيري في "الفوائد" (ق 39/2) ، والديلمي (4/ 344)
من طريق ابن لهيعة عن عبد الله بن هُبيرة: أخبرني أبو مصعب المعافري: سمعت عقبة بن عامر ... مرفوعاً.
ومن هذا الوجه أخرجه المؤمل بن إهاب في "جزئه " (98/26) ، وابن أبي
الحديد السلمي في "حديث أبي الفضل السلمى" (4/2) ، إلا أنهما قالا: "عن
أبي عُشَّانة" مكان: "أبي مصعب "، وباختصار شديد:
"في كل إشارة في الصلاة عشر حسنات ".
ويرجح الأول سنداً ومتناً: رواية الطبراني في "المعجم الكبير"من طريق أبي
عبد الرحمن المقرئ عن ابن لهيعة: حدثني ابن هبيرة: أن أبا المصعب مِشرح بن هاعان المعافري حدثه: أنه سمع عقبة بن عامر الجهني به، والزيادة منه، إلا أنه في حكم المرفوع كما هو ظاهر؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي.
وإسناده صحيح؛ فإن أبا عبد الرحمن المقرئ- وهو عبد الله بن يزيد المصري-
من جملة العبادلة الذين سمعوا من ابن لهيعة قبل تغير حفظه، ومنهم عبد الله بن المبارك، ورواية الديلمي من طريقه، لكن فيه من لم أعرفه، وقد رواه معلقاً على الحاكم، وإليه عزاه السيوطي في "الجامع الكبير"؛ لكن قيده بقوله: ".. في (تاريخه) "، وعزاه فيه وفي "الجامع الصغير"أيضاً للمؤمَّل بن إهاب في "جزئه "! وفاته أن يعزوه للطبراني؛ مع أنه في "مجمع الزوائد"، وقال (2/103) :
"رواه الطبراني، وإسناده حسن ".(7/848)
وكذا قال المناوي في "التيسير"، دون أن يعزوه لأحد. وأما في أصله "الفيض "؛
فقال:
"قال البيهقي: وسنده حسن ".
ويغلب على ظني أن (البيهقي) محرف من (الهيثمي) .
(تنبيه) : لقد توهم بعض الفضلاء أن الحديث يعني: الإشارة بإصبعه السبابة وتحريكها في تشهد الصلاة، وأن له بكل تحريك عشر حسناتٍ! وهذا وهم محض، ويؤكده زيادة: (بيده) ، ولم يقل: (بإصبعه) ، ولذلك أورده الهيثمي في " باب رفع اليدين في الصلاة".
أقول هذا مع العلم؛ بل والانتصار لثبوت التحريك في حديث وائل بن
حجر، وقد صححه جمع من الأئمة دون أي مخالف، وعمل به الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما، ولا عبرة بمن ضعفه من المعاصرين بحجة الشذوذ والمخالفة؛ فإنها حجة داحضة؛ لجهلهم وظنهم أن التحريك ينافي الإشارة، وليس
كذلك؛ كما حققته في "تمام المنة" (218- 222) تحقيقاً قد لا تراه في غيره،
ولله الفضل والمنة. *
3287- (من طلب الدُّنيا أضرَّ بالآخرةِ، ومن طلَبَ الآخرةَ أضرَّ بالدُّنيا! فأضِرّوا بالفاني للباقي) .
أخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" (78/ 161) : أخبرنا هَدِيّة بن عبد
الوهاب: أخبرنا الفضل بن موسى: أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "؛ على(7/849)
الخلاف المعروف في محمد بن عمرو- وهو ابن علقمة بن وقاص المدني-، قال الذهبي في " الميزان ":
"شيخ مشهور، حسن الحديث، مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قد
أخرج له الشيخان متابعة".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق له أوهام ".
وله شاهد موقوف من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-.
أخرجه وكيع في "الزهد" (1/297- 298) ، ومن طريقه ابن أبي شيبة في "المصنف " (13/287-288) بسندٍ صحيحٍ عنه.
وهناد في " الزهد " أيضاً (2/353- 354) بإسناد آخر رجاله ثقات.
وله شاهد آخر مرفوع من حديث أبي موسى الأشعري بنحوه، كنت خرجته
في الكتاب الآخر (5650) لانقطاعه مع ثقة رجاله، ثم وقفت على هذا الشاهد العزيز القوي، فسارعت إلى تخريجه هنا، ثم أشرت إليه هناك؛ ليكون القراء على بصيرة وعلم بما يَجِدُّ من العِلمِ؛ فإنه في تَقدُّمٍ لا يقبلُ الجُمود، وبالله تعالى التوفيق. *
3288- (ما مِن مُسلمٍ يبيتُ على ذِكر [الله] طاهراً، فيتعارُّ مِنَ
الليل، فيسألُ الله خيراً مِن [أمرِ] الدُّنيا والآخرِة؛ إلاّ أعطاهُ إياه) .
أخرجه الطيالسي في "مسنده " (77/563) : حدثنا حماد بن سلمة عن
ثابت عن شهر بن حوشب قال: ثنا رجل عن معاذ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره نحوه. قال ثابت:(7/850)
فقدم علينا الذي حدثنا شهر بن حوشب عنه، فحدثنا بهذا الحديث.
قلت " هكذا وقع في "المسند": (رجل) لم يسم، وقد رواه النسائي في "عمل
اليوم والليلة " (469/805) من طريق الطيالسي؛ فقال: "عن أبي ظبية ". وقال: قال: ثابت: فقدم علينا أبو ظبية، فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ.
وهكذا أخرجه أبو داود في "سننه " (5042) ، وأحمد في "مسنده " (5/234
و241) ، والطبراني في"معجمه" (20/118/235) من طرق عن حماد بن سلمة به. ورواه ابن ماجه (3881) دون قول ثابت.
قلت: وأبو ظَبية: هو السّلفِىُّ الحمصي، روى عنه جمع من الثقات غير ثابت البناني، فاقتصار الحافظ على قوله فيه: "مقبول "؛ غير مقبول! لا سيما وقد وثقه ابن معين وغيره، كما كنت ذكرت ذلك تحت الحديث (595) ، وأزيد هنا فأقول: قال المنذري في "الترغيب " (1/207) :
"شامي ثقة".
فحديث الترجمة- بالإسناد الثاني- عن حماد عن ثابت عن أبي ظبية-
صحيح، وأما إسناده الأول- عن ثابت عن شهر عن أبي ظبية-؛ فضعيف، لكن يستشهد به لحال شهر المعروف.
ومن هذه الطريق الصحيحة فقط: أخرجه ابن ماجه (3881) ، والأصبهاني
في "الترغيب " (2/557/ 1330) ، وهو رواية لأ حمد (5/ 244) .
(تنبيه) : لقد شتَّ نظر المعلق على الحديث في "موارد الظمآن " (1/287-
طبع دمشق) عن حقيقتين اثنتين:(7/851)
الأولى: أنه حسن إسناده من طريق (شهر بن حوشب) ! وفاته أن إسناده من طريق (ثابت) صحيح ثابت.
والأخرى: أنه جعلة شاهداً لحديث ابن عمر الذي عند ابن حبان (167-
موارد) بلفظ: "من بات على طهارة بات في شِعاره ملك ... " الحديث! وليس فيه مما في هذا إلا فضل من بات طاهراً؛ فهو شاهد قاصر كما بينته عند تخريج
الحديث رقم (2539) .
والحقيقة الأولى قد فاتت المنذريَّ أيضاً؛ فإنه لم يذكره إلا من طريق شهر،
مع أنه عزاه لأبي داود والنسائي، وابن ماجه. فظن أن رواية الأولين كرواية ابن ماجه عن شهر فقط، ومع ذلك فإنه أشار إلى تقوية الحديث بتصديره إياه بقوله: (عن) ، وكذلك قواه الحافظ بسكوته عنه في "الفتح " (11/109) ، وعزاه للثلاثة المذكورين دون أن يتعرض لبيان حال إسناده. *
3289- (كان بين آدمَ ونوحٍ عشرةُ قرونِ، وبين نوحٍ وإبراهيم عشرةُ
قرونٍ)
أخرجه الحاكم (2/262) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/139-145) ،
وفي "المعجم الأوسط " (1/24/2/398- بترقيمي) من طريق أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي: ثنا معاوية بن سلام: حدثني زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام
يقول: حدثني أبو أمامة رضي الله عنه:
أن رجلاً قال: يا رسول الله! أنبي كان آدم؟ قال:
"نعم، مُعلَّمٌ مُكلَّمٌ ".(7/852)
قال: كم بينه وبين نوح؟ قال:
" عشرة قرون ".
قال: كم كان بين نوح وإبراهيم؟ قال:
" عشرة قرون ".
قالوا: يا رسول الله! كم كانت الرسل؟ قال:
"ثلاث مئة وخمسة عشر، جمّاً غفيراً".
وقال الحاكم- والسياق له-:
"صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وقال الطبراني:
"تفرد به معاوية بن سلام ".
قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، كما أشار إلى ذلك الحاكم. وقال الهيثمي (8/210) :
"رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح؛ غير أحمد بن خليد الحلبي، وهو
ثقة".
قلت: هو ممن أكثر عنهم الطبراني في "المعجم الأوسط "، فروى له فيه ثمانين حديثاً (388- 468) ، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/53) ، وقال فيه الحافظ الذهبي في "السير" (13/489) :
"ما علمت به بأساً".(7/853)
قلت: ومع هذا؛ فهو متابع عند الحاكم من الحافظ عثمان بن سعيد الدارمي.
وقد وجدت للشطر الثاني من حديث الترجمة شاهداً موقوفاً قوياً من حديث
ابن عباس- رضي الله عنهما- قال:
"كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق؛ فاختلفوا؛ فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا) ".
أخرجه الطبري في "تفسيره " (2/ 194) ، والحاكم (2/546- 547) وقال: "صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الدهبي.
قلت: كنت خرجت هذا الحديث من مصدر مخطوط فيما تقدم برقم (2668) ، ومن مصادر أخرى مطبوعة، لم يقع في بعضها الشطر الثاني من حديث الترجمة، فرأيت أن أبرزه هنا وأفرده بالتخريج، وأن أقويه بهذا الشاهد الصحيح عن ابن عباس؛ فإنه وإن كان موقوفاً رواية؛ فهو مرفوع دراية؛ فإنه في تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) [البقرة: 213] ، وبخاصة أنه من رواية ترجمان القرآن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-، وفيه ما يؤكد رفعه، وهو قوله: "وكذلك هي في قراءة عبد الله.. " يعني: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وفيه فائدة هامة؛ وهي أن الناس كانوا في أول عهدهم أمة واحدة على
التوحيد الخالص، ثم طرأ عليهم الشرك، خلافاً لقول بعض الفلاسفة والملاحدة؛ أن الأصل فيهم الشرك ثم طرأ عليهم التوحيد! ويبطل قولهم هذا الحديثُ وغيرهُ مما هو نصٌّ في نبوة أبيهم آدم عليه السلام، إلى أدلة أخرى كنت ذكرت بعضها في(7/854)
كتابي"تحذير الساجد" (ص 147- 150) ، فراجعه فإنه مهم. *
3290- (يا جابرُ! أمّا علمت أنّ الله عزّوجلّ أحيا أباك، فقال له:
تمنَّ عليَّ، فقال: أُردُّ إلى الدُّنيا فأُقتلُ مرةً أُخرى! فقال: إنّي قضيتُ
الحُكمَ: أنّهُم إليها لا يُرجعُون؟!) .
أخرجه أحمد في "المسند" (3/361) من طريق محمد بن علي بن رُبيِّعةَ
السُّلمي عن عبد الله بن محمد بن عَقيل عن جابر قال: قال لي رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره.
قلت: وهذا إسناد حسن على الخلاف المعروف في (ابن عقيل) ، والذي
استقر عليه رأي الحفاظ المتأخرين أنه وسط حسن الحديث، وبخاصة إذا توبع،
كما يأتي.
ومحمد بن علي بن ربيعة السلمي؛ وثقه ابن معين، وابن حبان (7/435) ،
وقال أبو حاتم (278- 28/ 120) :
"صدوق، لا بأس به، صالح الحديث ".
قلت: وقد تابعه أبو حماد الحنفي عن ابن عقيل قال: سمعت جابر بن
عبد الله به.
أخرجه الحاكم (2/119- 120) ، وقال:
"صحيح الإسناد".
ورده الذهبي بقوله:
"قلت: أبو حماد هو المفضل بن صدقة، قال النسائي: متروك ".(7/855)
قلت: فيه خلاف، ولم يجرحه غير النسائي، وقول ابن معين فيه: "ليس بشيء"؛ إنما يعني أن أحاديثه قليلة جدّاً، كما قال ابن القطان الفاسي، فيما نقله الحافظ في "المقدمة " (ص 421) ، وأقره! وعندي في ذلك وقفة، لما ذكرته في بعض التعليقات على "الرفع والتكميل "، (ص 100) ، وعلى كل حال، فليس هو بجرح قوي، وقريب منه قول أبي حاتم (8/315- 316/1456) :
"ليس بقوي، يكتب حديثه ".
وقال أبو زرعة:
"ضعيف الحديث ".
ويقابل هؤلاء قول ابن عدي (6/410) :
"روى عنه الكوفيون وغيرهم [من] الثقات، وما أرى بحديثه بأساً، وكان
أحمد بن محمد بن سعيد (1) يثني عليه ثناءً تاماً ".
وزاد في " الميزان " و" اللسان ":
"وقال الأهوازي: كان عطاء بن مسلم يوثقه، وقال البغوي في "معجم
الصحابة ": كوفي صالح الحديث ".
قلت: فمثله يستشهد به على الأقل، إن لم يكن وسطاً حسن الحديث، والله
سبحانه وتعالى أعلم.
وتابع ابن عقيل طلحةُ بنُ خِراش قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: ...
فذكره نحوه، وفيه:
_________
(1) هو الحافظ ابن عقدة، ووقع في"الميزان "و"اللسان ": (ابن شعيب) ! وهو تحريف.(7/856)
"قال الرب تبارك وتعالى: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: وأنزلت
هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً) الآية [آل عمران: 169] ". إسناده حسن؛ كما قال المنذري (2/ 191) ، وحسنه الترمذي (3010) والمزي، وصححه الحاكم (3/203- 204) ، وهو مخرج في"ظلال الجنة" (1/267- 268) . وللحديث شاهد ضعيف جدّاً، يرويه فَيضُ بن وَثِيق: ثنا أبو عُبَادة
الأنصاري: أخبرني ابن شهاب عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجابر: ... فذكره دون الآية.
أخرجه الحاكم (3/203) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/298) ، والبزار
في " مسنده " (3/ 259) ، وقال:
"لا يروى عن عائشة إلا من هذا الوجه، وأبو عباد (كذا) حدث عنه أبو داود، والقاسم بن الحكم (1) ، والفضل ".
قلت: كذا وقع فيه (أبو عباد) ، وكذا في "الجرح والتعديل " (6/ 281/1559) .
وفي "كنى البخاري " (54/468) كما في الإسناد: "أبو عبادة"، وكذا في
"التهذيب"وفروعه، لكن البخاري لما ساق له حديثاً من طريق أبي داود الطيالسي وقع فيه: (أبو عباد) فالظاهر أنه خلاف قديم، واسمه: (عيسى بن عبد الرحمن بن فروة الزُّرَقي) ، وهو متروك. وأما الحاكم فقال:
"صحيح الإسناد"!
وتعقبه الذهبي بقوله:
"قلت: فيض كذاب "!
_________
(1) الأصل: "أبو داود القاسم، والحكم، والفضل"! ولعل الصواب ما أثبته.(7/857)
كذا قال! وهو في ذلك تابعٌ لابن معين، وغفل عن تعقُّبه إياه في "الميزان "
بقوله:
"قلت: قد روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم، وهو مقارب الحال إن شاء الله تعالى".
وأقره الحافظ في "اللسان "، وقالت:
"وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه، وأخرج له الحاكم في "المستدرك "
محتجّاً به، وذكره ابن حبان في (الثقات) [9/12] ".
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/317) :
"رواه الطبراني، والبزار من طريق الفيض بن وثيق عن أبي عبادة الزرقي، وكلاهما ضعيف ".
ووقع في "المستدرك " و"التلخيص ": (أبو عمارة) ! فلعله لذلك لم يعله
الذهبي به؛ لأنه لم يعرفه؛ فإنه محرف، والله أعلم.
ومن التحريفات: أن (الفيض) وقع في "كشف الأستار": (الفضل) ! ولم
يعرفه الشيخ الأعظمي، فقال "في تعليقه عليه:
"كذا الأصل، وفي الزوائد: (الفيض) "! ذلك مبلغه من العلم!
وبالجملة؛ فالحديث صحيح بهذه المتابعات والشواهد، ومع ذلك لم ينج من
جناية ذلك الهدام عليه المسمى ب (حسان) ، فقد أنكره في تعليقه على "إغاثة اللهفان "، وقد رددت عليه في كتابي الذي أنا في صدد تعقبي فيه لما ضعفه من الأحاديث الصحيحة، وبينت أن له شواهد أخرى، تجاهلها كلها! عامله الله بما يستحق. *(7/858)
3291- (جُعلَت قُرُّة عَيني في الصَّلاةِ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/420/1012) : حدثنا حفص بن
عمر الرُقِّي ومحمد بن الحسن بن كيسان المِصيصيُّ قالا: ثنا أبو حذيفة: ثنا سفيان عن زياد بن عِلاقة عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد "أبو حذيفة اسمه: (موسى بن مسعود) ؛ قال الحافظ: "صدوق سيء الحفظ، وكان يصحف، وحديثه عند البخاري في المتابعات ".
وقال الذهبي في "الميزان ":
"صدوق إن شاء الله، يهم، تكلم فيه أحمد، وضعفه الترمذي، وقال ابن
خزيمة: لا أحتج به ... ".
قلت: لكن له شاهد قوي يرويه يحيى بن عثمان الحربي: ثنا هِقل بن زياد
عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
أخرجه العقيلي (4/ 420) ، والطبراني "المعجم الأوسط " (5772) ، وفي "المعجم الصغير" (ص 153- هند) ومن طريقه: الخطيب في "التاريخ " (12/ 371 و 14/190) .
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد أعل بما لا يقدح، كما تقدم
تحقيقه رقم (1107، 1809) . وإنما أعدته هنا شاهداً لحديث أبي حذيفة هذا.
وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن أنس. بأتم مما هنا، وهو مخرج في
" المشكاة " (5261) ، و" الروض النضير" رقم (53) .(7/859)
ومن جور المسمى بـ (حسان) على السنة: استنكاره هذا الحديث! وقد رددت
عليه فيما أنا في صدده رقم (141) ، وذكرت ثمة من صححه من الأئمة، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني. *
3292- (نَعَم، وإن كنت على نهر جار) .
أخرجه الإمام أحمد (2/221) : ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِيِّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بسعد وهو يتوضأ، فقال:
"ما هذا السرف يا سعد؟! "
قال: أفي الوضوء سرف؟! قال: ... فذكره.
وأخرجه ابن ماجه (425) : حدثنا محمد بن يحيى: ثنا قتيبة به.
قلت: وهذا إسناد حسن؛ حيي بن عبد الله مختلف فيه، وهو عندي أنه وسط حسن الحديث، وقد حسّن له الترمذي، وصحح له ابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم، وحسنت أنا- بدوري- فيما مضى عدة أحاديث، فانظر مثلاً "المشكاة" (593 1) ، و"الصحيحة" (1003 و 4 30 1) وغيرهما، وقال فيه ابن عدي (2/ 251) :
"وأرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة".
قلت: وهذا الشرط بدهي، ويبدو- لأول وهلة- أنه هنا غير متوفر، لسوء حفظ ابن لهيعة الذي عرف به، وإن كان صدوقاً في نفسه، وهذا هو الذي كان حملني- تبعاً لغيري- على تضعيف الحديث من أجله في "إرواء الغليل " (1/ 171/ 140) قديماً، وفي غيره إحالة عليه.(7/860)
ثم بدا لي ما غير وجهة نظري في رواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة، وأن روايته عنه ملحقة في الصحة برواية العبادلة عنه، استفدت ذلك من ترجمة الحافظ الذهبي لقتيبة في "سير أعلام النبلاء"، وقد نقلت ذلك تحت الحديث المتقدم (2843) ، فلا داعي لتكراره.
وبناءً على أن هذا الحديث من رواية قتيبة عن ابن لهيعة، فقد رجعت عن تضعيف الحديث به إلى تحسينه، راجياً من الله أن يغفر لي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، وأن يزيدني علماً وهدى.
وهناك أثر ذكره البيهقي (1/197) عن هلال بن يساف قال: "كان يقال: في كل شيء إسراف، حتى الطهور؛ وإن كان على شاطىء النهر".
وهلال هذا ثقة تابعي، فكأنه يشير إلى هذا الحديث، وإلى أنه كان مشهوراً بين السلف، والله أعلم. *
3293- (أما إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه، [فتلك عِبادتهم] ) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/1/106) والترمذي في "السنن " (309) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/92/218 و 219) ، وابن جرير في "التفسير" (10/ 80- 18) ، والبيهقي في "السنن " (10/116) من طريق عبد السلام بن حرب عن غُطَيْفِ بن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال:
أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب، فقال:
"يا عدي! اطرح هذا الوثن ".(7/861)
وسمعته يقرأ في سورة (براءة) : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) ، [فقلت: إنا لسنا نعبدهم] ؟! قال: ... فذكره.
والزيادتان للبخا ري وغيره، والسياق للترمذي، وقال:
"حديث [حسن] غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين؛ ليس بمعروف في الحديث ".
قلت: فهو علة الحديث، وهي جهالة (غطيف بن أعين) ، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/ 311) برواية عبد السلام هذا فقط، وكذلك ذكره البخاري وابن أبي حاتم، وذكرا له في "التهذيب " راوياً آخر، وهو (إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة) ، ولكنه متروك. وأما قول الحافظ فيه:
"قلت: وضعفه الدارقطني ".
فأقول: ظن الدارقطني أنه هو (رَوح بن غطيف) ، بينه الذهبي بقوله في "الميزان ":
"ضعفه الدارقطني وقال: روى عنه القاسم بن مالك المزني فقال: روح بن غطيف ".
فتعقبه الذهبي بقوله:
"قلت: أظن ذا آخر".
فأقول: وعلى التفريق جرى البخاري وابن أبي حاتم ومن جاء بعدهما؛ فقد ترجما للأول (غطيف بن أعين) برواية عبد السلام عنه كما تقدم، ثم ترجما لروح ترجمة أخرى؛ فقال البخاري (2/1/308/1047) :(7/862)
"روح بن غطيف الثقفي عن عمر بن مصعب، روى عنه محمد بن ربيعة؛ منكر الحديث.. ".
ثم ساق له حديث (الدرهم) من طريق القاسم بن مالك عنه عن الزهري بسنده المتقدم في "الضعيفة" (148) ، ووقع فيه عند البخاري: (روح بن غطيف ابن أبي سفيان الثقفي) ، وهكذا وقعت ترجمته في كتاب "الضعفاء" لابن حبان (1/298) . وأما ابن أبي حاتم؛ فقال:
"روح بن غطيف بن أعين الجزري، روى عن الزهري وعمرو- كذا- بن مصعب بن الزبير، روى عنه عبد السلام بن حرب والقاسم بن مالك المزني ومحمد ابن ربيعة، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: ليس بالقوي؛ منكر الحديث جدّاً".
هكذا سمّى جده (أعين الجزري) ، فلا أدري هل هو محفوظ؛ فإني لم أره عند غيره، وكذلك قوله: "روى عنه عبد السلام بن حرب ... "؟ والباقي موافق لما عند البخاري وغيره.
ثم رأيت حديث (الدرهم) في "علل الدارقطني " (8/43- 44) من طريق القاسم بن مالك المشار إليها آنفاً عن (روح بن غطيف) به. ثم ذكر أنه خالفه أسد ابن عمرو البجلي فقال: "عن غطيف "، وقال الدارقطني:
"وهو روح بن غطيف كما قال القاسم بن مالك، وروح ضعيف ".
قلت: ففيه إشارة قوية إلى أن صاحب حديث (الدرهم) إنما هو (روح بن غطيف) ، وليس (غطيف بن أعين) ، وأن روحاً في نفسه ضعيف، وأن (أسد بن عمرو) أخطأ في قوله فيه: (غطيف) مكان (روح) . وقد صرح بذلك في كتاب "السنن " (1/ 401) ، فقال عقب رواية القاسم بن مالك المذكورة:(7/863)
"خالفه (أسد بن عمرو) في اسم (روح بن غطيف) ، فسماه (غطيفاً) ؛ ووهم فيه ".
قلت: ومن هذا التحقيق يتبين:
أولاً: أن (غطيف بن أعين) هو غير (روح بن غطيف) .
ثانياً: وأن (روحاً) هذا هو الذي ضعفه الدارقطني، خلافاً لما نسبه إليه الحافظ كما تقدم نقله عنه، وأشار إليه الذهبي بقوله في " الكاشف ": " ليّنه بعضهم "؛ يشير إلى الدارقطني، وإنما ليَّن (روحاً) كما عرفت.
ثالثاً: وأن ما نسبه الذهبي في "الميزان " إلى الدارقطني أنه قال في (روح) : "روى عنه القاسم ... "؛ وهمٌ على الدارقطني، وأن الذي روى ذلك عن القاسم إنما هو (أسد بن عمرو) كما صرح الدارقطني، فاغتنم هذا التحقيق؛ فقد لا تجده في مكان آخر.
ويتبين مما سبق أن علة هذا الإسناد جهالة غطيف بن أعين التي أشار إليها الترمذي بقوله فيه: "ليس بالمعروف ".
وحينئذ يرد السؤال التالي: كيف يلتقي تجهيله إياه مع تحسينه للحديث؟
وجوابي من وجهين:
الأول: أن التحسين المذكور لم يرد في النسخة التي ننقل عنها، وإنما هي زيادة استفدتها من "تخريج الكشاف " للحافظ العسقلاني (75/108) ، و" الدر المنثور " للسيوطي (3/ 230) .
والآخر: لعله من أجل الشاهد الذي يرويه أبو البختري قال:(7/864)
"سئل حذيفة- رضي الله عنه- عن هذه الآية (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) ؛ أكانوا يصلون لهم؟ قال: لا، ولكنهم كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه، ويحرمون عليهم ما أحل الله لهم فيحرمونه، فصاروا بذلك (أرباباً) ".
أخرجه عبد الرزاق في " التفسير" (1/272) ، والطبري والبيهقي في " السنن " - والسياق له- وفي "الشعب " (7/45) ، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (2/109) من طرق عنه.
وهذا إسناد صحيح مرسل؛ فقد ذكروا أن (أبا البختري) - واسمه سعيد بن فيروز- عن حذيفة: مرسل.
على أن الحافظ ذكر أنه أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن عطاء بن يسار عن عدي بن حاتم؛ فهو بمجموع طرقه حسن إن شاء الله تعالى، وقد أشار ابن كثير في "تفسيره " (2/348) إلى تقويته، ولكنه عزاه لأحمد أيضاً، ولعله يعني في غير "مسنده "؛ فإني لم أره فيه، ولا عزاه إليه غيره. وقد عزاه السيوطي إلى ابن سعد أيضاً وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ. وعزاه الحافظ لابن أبي شيبة وأبي يعلى والبيهقي في " المدخل " من هذا الوجه - يعني: الذي عند الترمذي-. وقال العلامة الآلوسي في "روح المعاني " عقب الحديث وأثر حذيفة:
"ونظير ذلك قولهم: فلان يعبد فلاناً؛ إذا أفرط في طاعته، فهو استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة، أو مجاز مرسل بإطلاق العبادة، وهي طاعة مخصوصة على مطلقها، والأول أبلغ، وقيل: اتخاذهم أرباباً بالسجود لهم، ونحوه مما لا يصلح(7/865)
إلا للرب عز وجل، وحينئذ فلا مجاز، إلا أنه لا مقال لأحد بعد صحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لكلام علمائهم ورؤسائهم، والحق أحق بالاتباع، فمتى ظهر وجب على المسلم اتباعه، وإن أخطأه اجتهاد مقلده ".
(تنبيه) : لقد اطلعت على موقفين متعارضين من مُعَلِّقُيْن على هذا الحديث، غفلا كلاهما عن خطأ نسبة تضعيف الدارقطني لـ (غطيف بن أعين) ، فجاءا بالعجب:
أما أحدهما- وهو الأخ أبو الأشبال الزهيري-؛ فإنه بناءً على التضعيف المزعوم طلع علينا بشيء جديد، وهو أن (غطيفاً) مجهول الحال! لأنه روى عنه أسد بن عمرو والقاسم بن مالك! وهما إنما رويا عن (روح) ! وعليه قال:
"فقد وثقه ابن حبان وضعفه الدارقطني، فلا أقل من أن يقال فيه: "لا بأس به "مثلأ"!
وهذه تركيبة عجيبة، ظاهرة البطلان، لا حاجة لإطالة الرد عليها!
وأما الآخر؛ فهو المدعو بـ (حسان عبد المنان) ؛ فإنه قال في تعليقه على "إغاثة اللهفان " (2/375) :
"وهذا إسناد ضعيف، غطيف بن أعين ضعيف، وفيه جهالة"!
فقوله: "ضعيف " يشير إلى تضعيف الدارقطني، ولا أصل له كما سبق، على أن جمعه بين وصفه بالضعف ووصفه بالجهالة جمع بين متناقضين، كما بينته في ردي عليه رقم (152) ! فلا داعي للإعادة. *(7/866)
3294- (لو أن رجلين دخلا في الإسلام فاهتجرا؛ لكان أحدهما خارجاً من الإسلام حتى يرجع. يعني: الظالم) .
أخرجه البزار في "مسنده " (ص 245- زوائده) : حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد: حدثني أبي: ثنا شبيب عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:
"صحيح ".
ولا أدري جزماً من القائل: "صحيح "؟ أهو البزار، أم الهيثمي صاحب
" الزوائد"؟ ولعله أرجح؛ فقد قال في "مجمع الزوائد" (8/66) :
"رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ".
لكن وقع فيه موقوفاً لم يذكر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف "الترغيب "؛ فإنه وقع فيه (3/282) مرفوعاً كما في " الزوائد"، وقال:
"ورواته رواة الصحيح " 0
وهو كما قالا، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخ عبد الصمد وهو ابن عبد الوارث-؛ فلم أعرفه، لأنه لم يتبين لي من النسخة- وهي سيئة- أهو (شبيب) بالباء الموحدة بعد الشين أم (شعيب) بالعين المهملة، وسواء كان هذا أو ذاك؛ فلم يظهرلي من هو؛ لكن من المحتمل أن يكون محرفاً من: "شعبة"؛ وهو شعبة بن الحجاج الثقة المشهور؛ فإنه من شيوخ عبد الصمد، ويروي عن الأعمش، فإن كان كذلك؛ فالسند من فوق البزار صحيح.
لكن في النفس من تفرد البزار برفعه شيء؛ فإنه- مع حفظه- قد تكلموا(7/867)
فيه، وقد أورده الذهبي في "المغني " " وقال:
"صدوق؛ قال أبو أحمد الحاكم: يخطئ في الإسناد والمتن ".
ولعل أصل الحديث موقوف على ابن مسعود، أخطأ فيه البزار أو غيره فرفعه؛ فقد أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/17/2) من طريق عصمة بن سليمان الخزاز الكوفي: نا محمد بن طلحة بن مُصَرِّف عن أبيه عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود فذكره نحوه.
ورجاله ثقات معروفون كلهم؛ غير عصمة بن سليمان؛ قال ابن أبي حاتم (3/2/21) :
"روى عنه أبي، وسألته عنه؟ فقال: ما كان به بأس، كان أحمد بن حنبل
في حانوته ". وقال الهيثمي:
"رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح؛ غير عصمة بن سليمان، وهو ثقة ".
وقال المنذري:
"رواه الطبراني موقوفاً بإسناد جيد".
قلت: وهو كما قال لولا انقطاع فيه؛ قال في "التقريب ":
" محمد بن طلحة بن مصرف كوفي صدوق له أوهام، وأنكروا سماعه من أبيه لصغره ".
ثم ترجح عندي أن الراوي هو شعبة، وأن الحديث مرفوع؛ لأني وجدت ذلك في بعض المصادر الأخرى.
وقد وجدت للبزار متابعاً، فرواه الحاكم (1/ 21- 22) من طريق علي بن(7/868)
العباس البَجَلي قال: ذكر عبد الوارث بن عبد الصمد قال: حدثني أبي: ثنا شعبة به.
وأخرجه هو، وأبو نعيم في "الحلية" (4/173) من طريق جماعة عن ابن خزيمة قال: ثنا علي بن مسلم الطّوسي قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال. ثنا شعبة به. وقال أبو نعيم:
"غريب من حديث الأعمش وشعبة، لم يرفعه إلا عبد الصمد".
قلت: هو صدوق ثبت في شعبة؛ كما قال الحافظ في "التقريب "، ولذلك قال الحاكم عقبه:
"صحيح على شرط الشيخين، وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد ثقة مأمون، وقد خرجا له جميعاً غير حديث تفرد به عن أبيه وشعبة وغيرهما".
ووافقه الذهبي.
ولذا؛ فقد قررت نقله هنا إلى "الصحيحة"، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. *
3295- (ألا أدُلُّكم على مَن هو أشدُّ منه؟ (يعني: الصَّريعَ) رجل ظلمَه رجل، قكظم غيظه؛ فغلبه، وغلب شيطانه، وغلب شيطان صاحبه، (وفي رواية) : الذي يملك نفسه عند الغضب) .
أخرجه البزارفي "مسنده " (2/438ـ 439/2053 و 54 0 2) - بالروايتين بإسناد واحد- من طريق شعيب بن بيان: ثنا عمران عن قتادة عن أنس:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يرفعون حجراً، فقال:(7/869)
"ما يصنع هؤلاء؟ ".
فقالوا: يرفعون حجراً يريدون الشِّدة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"أفلا أدلكم على ما هو أشد منه؟ - أو كلمة نحوها-: الذي يملك نفسه عند الغضب ".
ثم ساق الرواية الأولى بلفظ:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يصطرعون، فقال:
"ماهذا؟ ".
قالوا: يا رسول الله! هذا فلان الصريع؛ ما يصارع أحداً إلا صرعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فذكره.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/68) :
" رواهما البزار بإسناد واحد، وفيه شعيب بن بيان وعمران القطان، ووثقهما ابن حبان، وضعفهما غيره، وبقية رجالهما رجال الصحيح ".
قلت: فالسند حسن، وكذا قال الحافظ في "الفتح " (10/519) .
ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ". أخرجه الشيخان وغيرهما، وا بن حبان؛ ولفظه:
"ليس الشديد من غلب الناس، وإنما الشديد من غلب نفسه ".
وهو مخرج في التعليق على "صحيح الأدب المفرد" (500/989) . *(7/870)
3296- (لو فَعَل (يعني: أبا جهل) ؛ لأَخذتْه الملائكة عِياناً، ولو
أنّ اليهود تمنَّوُا الموت، لماتُوا) .
رواه البزار (3/40/2189) - والسياق له- وابن جرير (1/336و 0 3/ 65 1) من طريق زكريا بن عدي: ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس:
قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً - صلى الله عليه وسلم - لأطأن على عنقه، فقيل: هو ذاك، قال: ما أراه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وزكريا بن عدي ثقة من رجال مسلم، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد صحيح.
وتابعه أحمد بن عبد الملك: ثنا عبيد الله به.
أخرجه أحمد (1/248) ولكنه لم يسق لفظه، وإنما أحال على لفظ قبله، وهو من رواية (فرات بن سلمان) الآتي. وكأنه- لذلك- خفي على الهيثمي فلم يعزه لأحمد، وقال (6/ 314) :
"رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ".
وعزاه الحافظ في "الفتح " (8/ 724) لابن مردويه مثل سياق البزار، وزاد بعد قوله: "لماتوا ":
"ورأوا مقاعدهم من النار".
وأما متابعة فرات؛ فقال لأحمد: ثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد: ثنا فرات عن (الأصل: بن) عبد الكريم به، ولفظه:(7/871)
قال: قال أبو جهل: لئن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند الكعبة، لآتينَّه حتى أطأ على عنقه! قال: فقال:
"لو فعل؛ لأخذته الملائكة عياناً، ولو أن اليهود تمنوا الموت؛ لماتوا ورأوا مقاعدهم في النار".
ولو خرج الذين يباهلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً ".
وفرات: هو ابن سلمان، وهو ثقة.
والراوي عنه إسماعيل بن يزيد الرقي؛ لم أعرفه، وادعى الحافظ في "التعجيل " أنه (إسماعيل بن عبد الله بن خالد الرقي) الذي في "التهذيب"! وخطأه في ذلك الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله-، لأمور ذكرها، وهي قوية، وانتهى إلى أنه غيره، وقال:
"وأحمد يتحرى شيوخه، فلا يروي إلا عن ثقة، وعند ذاك صححنا حديثه ".
كذا قال. والله أعلم.
نعم؛ حديثه صحيح؛ فقد وجدت له متابعاً قوياً، فقال أبو يعلى في "مسنده " (4/471/2604) : حدثنا زهير: حدثنا عبد الله بن جعفر: حدثنا عبيد الله بتمامه مثل رواية (فرات) .
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وتابعه معمر عن عبيد الله به مختصراً جدّاً؛ ليس عنده إلا قوله: "لو فعل؛ لأخذته الملائكة عياناً ".
أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره " (1/52 و 2/334) ومن طريقه البخاري (4958)(7/872)
والترمذي (3348) - وصححه-، والنسائي في " السنن الكبرى " (6/518/ 11685) , والطبري (1/336) ، والبيهقي في " الدلائل " (2/192) ، وأحمد (1/368) ، كلهم عن عبد الرزاق به. وزعم المعلق على "الترمذي " أنه تفرد به؛ يعني دون البخاري وسائر الستة! وقال الحافظ عقب الحديث:
"وزاد الإسماعيلي في آخره من طريق معمر عن عبد الكريم الجزري: قال ابن عباس: لو تمنى اليهود الموت؛ لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً ".
ولحديث الترجمة شاهد من حديث أبي هريرة قال:
قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب! قال:
فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي- زعم ليطأ على رقبته-! قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لو دنا مني، لاختطفته الملائكة عضواً عضواً".
قال: فأنزل الله عز وجل- لا ندري في حديث أبي هريرة، أو شيء بلغه-:
(كلا إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى. إن إلى ربك الرجعى. أرأيت الذي ينهى. عبداً إذا صلى. أرأيت إن كان على الهدى. أو أمر بالتقوى. أرأيت إن كذب وتولى (يعني: أبا جهل) . ألم يعلم بأن الله يرى) إلى آخر السورة.(7/873)
أخرجه مسلم (8/ 130) ، والنسائي- ببعضه- في "الكبرى " (6/518/ 11683) ، والطبري (0 3/ 65 1) ، والبيهقي (2/ 89 1) ، وأحمد (2/370) . *
3297- (مرَّ الملأ من قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وعنده صهيب، وبلال، وعمار، وخباب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد! اطردهم، أرضيت هؤلاء من قومك، أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟ ! أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا؟ ! فَلَعَلَّكَ إن طردتهم أن نأتيك! قال: فنزلت: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيِّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين)) .
أخرجه أحمد (1/420) من طريق أسباط مختصراً نحوه، والبزار (3/48/2209) - والسياق له- من طريق ابن جرير في "التفسير" (7/137) ، كلاهما من طريق جرير بن عبد الحميد، وابن جرير أيضاً من طريق أبي زُبَيدٍ (الأصل: أبو زيد) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/268/ 10520) من طريق يزيد بن عبد العزيز- أربعتهم- عن أشعث- زاد البزار: ابن سوار- عن كردوس الثعلبي عن عبد الله بن مسعود قال: فذكره. وقال البزار:
"لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو ضعيف؛ لضعف أشعث بن سوار عند الجمهور، وجزم بضعفه الحافظ في "التقريب ". وأما قول الهيثمي (7/ 21) :
"رواه أحمد والطبراني. ورجال أحمد رجال " الصحيح "؛ غير كردوس، وهو ثقة"!(7/874)
فهو من أوهامه، ويعود السبب في ظني إلى أمرين:
الأول: أنه لم يقف على رواية البزار المصرحة بأن (أشعث) هو (ابن سوار) ، وليس من رجال "الصحيح " على ضعفه.
والآخر: أنه توهم أن (أشعث) هذا هو (ابن أبي الشعثاء) ؛ فقد ذكروه في الرواة عن (كردوس الثعلبي) ، لكن الأربعة الذين رووا هذا الحديث عن (أشعث) ليس فيهم أحد روى عن (ابن أبي الشعثاء) ؛ فتعين أنه ليس به، وأنه (ابن سوار) .
وللحديث شاهد يتقوى به؛ يرويه أسباط بن نصر عن السُّدِّي عن أبي سعد الأزدي- وكان قارئ الأزد- عن أبي الكنود عن خباب في قوله تعالى: (ولا تطرد الذين يد عون ربهم بالغداة والعشي) إلى قوله: (فتكون من الظالمين) قال:
جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعُيَيْنَة بن حصن الفزَاري، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - حقروهم، فأتوه فَخَلَوْا به وقالوا: ... الحديث نحوه بزيادة فيه.
أخرجه ابن ماجه (27 1 4) ، وابن جرير (7/127) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (12/207-208) .
ومن هذا الوجه رواه ابن أبي حاتم أيضاً؛ كما في "تفسير الحافظ ابن كثير"،
وقال (2/135) :
"وهذا حديث غريب؛ فإن هذه الآية مكية، والأقرع بن حابس وعُيَيْنَة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر".
قلت: والظاهر أن الوهم من أسباط بن نصر؛ فإنه وإن كان صدوقاً ومن رجال مسلم، فقد كان كثير الخطأ يغرب؛ كما قال الحافظ في "التقريب ".(7/875)
وأبو سعد الأزدي وأبو الكنود؛ لم يوثقهما غير ابن حبان، ووثق الأخير منهما
ابن سعد في "طبقاته "، وقال الحافظ في كل منهما:
" مقبول ".
ولم أجد لهما متابعاً في ذكر الأقرع وعيينة، فهو غير محفوظ. وقد جرى البوصيري في "الزوائد" على ظاهر ما قيل في رجال الإسناد، فقال:
"إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وقد روى مسلم والنسائي والمصنف بعضه
من حديث سعد بن أبي وقاص "!
قلت: قول ابن كثير عندي أرجح وأقوى؛ فإن سياق القصة يدل على أنها كانت في مكة والمسلمون ضعفاء، وحديث سعد الذي أشار إليه البوصيري يؤيد ذلك، فقال سعد:
كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر, فقال المشركون للنبي: اطرد هؤلاء، لا يجترئون علينا. قال: وكنت أنا، وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) .
أخرجه مسلم (7/127) - والسياق له-، والنسائي في "الكبرى" (. 6/340/ 11163) ، وابن ماجه (4128) ، وابن جرير (7/128) ، والحاكم (3/319) ، والبزار في "البحر الزخار" (4/ 61- 62) ، وأبو يعلى في "مسنده " (2/141/ 826) ، وعبد بن حميد في "المنتخب " (1/173/131) ، وابن حبان (14/535/6573 ـ المؤسسة) من طرق عن المقدام بن شريح عن أبيه عنه. وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي!(7/876)
قلت: وهو وهم من ناحيتين:
إحداهما: استدراكه على مسلم، وقد أخرجه.
والأخرى: تصحيحه على شرط البخاري؛ والمقدام وأبوه لم يحتج بهما
البخاري. *
كفارة وَأدِ البنات
3298- (أعتق عن كل واحدة منهن رقبة، قال: إني صاحب إبل؟ قال: فانحر (وفي رواية: فاهد إن شئت) عن كل واحدة بدنة) .
أخرجه البزار (3/78/2280- كشف الأستار) ، والطبراني (18/333/ 863) ، والبيهقي (8/116) ، وكذا ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" (4/478) ، وابن منده- كما في "الإصابة "- كلهم من طريق عبد الرزاق: أنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: (وإذا الموؤدة سئلت) ، قال:
جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! إني وأدت [ثماني] بنات لي في الجاهلية؟ فقال: ... فذكره، وقال البزار:
"لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولم يسنده عنه إلا عبد الرزاق عن إسرائيل، ولم نسمعه إلا من (الحسين) ، وقد خولف عبد الرزاق في إسناده عن إسرا ئيل ".
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير (الحسين) شيخ البزار، وهو (ابن مهدي الأبُلِّي) ؛ وهو ثقة عند ابن حبان (8/188) ، صدوق عند أبي حاتم (3/65/294) ، وأخرى له ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".(7/877)
وقد توبع خلافاً لما وصل إليه علم البزار، فقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو عبد الله الطهراني- فيما كتب إلي- قال: حدثنا عبد الرزاق: فذكره، كذا وقع عند ابن كثير، ليس فيه بيان من هو الذي كتب، وهو عند ابن منده من طريق محمد ابن عماد الظهراني: حدثنا عبد الرزاق..
قلت: هو محمد بن حماد (بالحاء المهملة) الطهراني (بكسر الطاء المهملة) من رجال ابن ماجه، ثقة، لم يصب من ضعَّفه؛ كما قال ابن حجر في "التقريب "، وهو نفسه أبو عبد الله المتقدم عند ابن أبي حاتم.
وتابعهم (محمد بن مهدي الأبلي) عند البيهقي، وهو أخو (الحسين بن مهدي) المتقدم، وثقه ابن حبان أيضاً (9/99 و 122) ، وروى عنه أبو زرعة.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/134) :
"رواه البزار والطبراني، ورجال البزار رجال "الصحيح "؛ غير حسين بن مهدي الأيلي (!) ، وهو ثقة ".
قلت: وعليه ملاحظتان:
الأولى: أن الطبراني رواه من طريق الحسين أيضاً، فقال: حدثنا عَبْدان بن أحمد: ثنا الحسين بن مهدي الأبلي ... فلا وجه لتخصيص (البزار) بالذكر كما هو ظاهر، و (عبدان بن أحمد) من الحفاظ المشهورين، ولعله أحفظ من (البزار) .
والأخرى: أن الصواب في نسبة (الأبلي) : أنه بالموحِّدة المضمومة. كما وقع في "الطبراني "، وليس (الأيلي) بالمثناة التحتية كما وقع عند الهيثمي، وسكت عنه الأعظمي على عادته من قلة الانتباه والتحقيق!(7/878)
وبالموحدة قيده الحافظ في "التقريب "، تبعاً للحافظ عبد الغني في "مشتبه النسبة " وغيره، وانظر "تيسير الانتفاع ".
وعلى ما تقدم؛ فإسناد الحديث جيد.
وله طريق أخرى؛ يرويها قيس عن الأغر بن الصَّبَّاح عن خليفة بن حُصَيْن
عن قيس بن عاصم ... نحوه.
أخرجه الطبراني (رقم 868) ، والبيهقي، وابن أبي حاتم أيضاً.
ورجاله ثقات؛ إلا قيساً- وهو ابن الربيع-، وهو ممن يستشهد به.
وله شاهد مرسل قوي، يرويه معمر عن قتادة قال:
جاء قيس بن عاصم التميمي ... الحديث.
أخرجه عبد الرزاق في " التفسير" (2/ 351) ، وابن جرير (30/46) مختصراً.
وأما قول البزار: "وقد خولف عبد الرزاق في إسناده عن إسرائيل "!
فلم أعرف المخالف الذي يشير إليه، فالله أعلم. *
3299- (يتبعُ الميِّت إلى قبره ثلاثة: أهُله، ومالُه، وعملُه، فيرجعُ اثنان ويبقى واحدٌ، يرجعُ أهلُه ومالُه، ويبقى عملُه) .
أخرجه أحمد (3/ 110) وابن المبارك في "الزهد" (224/636) والحميدي
في "مسنده " (500/1186) - والسياق له- قالوا: ثنا سفيان: قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:......فذكره.(7/879)
قلت: وهذا إسناد صحيح غاية متصل بالتحديث، وهو على شرط الشيخين،
وقد أخرجاه كما يأتي:
فقد أخرجه البخاري (11/362/6514) من طريق الحميدي، وكذا أبو نعيم
في "الحلية" (10/4) ، والبغوي في "شرح السنة" (14/259/4056) من طريق البخاري، وكذا في "تفسيره " (8/518) ، وقال:
"متفق على صحته ".
وأخرجه من طريق أحمد: أبو نعيم أيضاً (7/ 310) ، وقال:
"صحيح ثابت ".
وأخرجه من طريق ابن المبارك: الترمذيُّ (0 238) ، وقال:
"حديث حسن صحيح ".
وأخرجه مسلم (8/ 211- 212) ، والنسائي (1/274) ، وابن حبان في "صحيحه " (5/42/3097) ، والحاكم (1/74) ، وأبو نعيم أيضاً (10/4) ، والبيهقي في "الزهد" (268/695) . وقال أبو نعيم أيضاً عقبه:
"ثابت صحيح ".
وتابعه قتادة عن أنس به مرفوعاً نحوه أتم منه، وقال في الأهل والمال:
"فذلك أهله وحشمه ".
رواه ابن حبان، والحاكم، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وجود إسناده الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3/233) ، وتقدم تخريجه برقم (2481) تحت حديث النعمان بن بشير بنحوه، وجود إسناده العراقي(7/880)
أيضاً، وفيه أنه قال في الأهل والمال:
"فذلك خدمه وأهله ".
كما في "جامع المسانيد" (12/165/9503) ، و"مجمع الزوائد" (10/251) ، و"الترغيب " (4/ 100) ، وقال:
"رواه الطبراني في "الكبير" بأسانيد أحدها صحيح ".
و (الحشم) بمعنى: (الخدم) ، ففي " النهاية ":
"الحشم- بالتحريك-: جماعة الإنسان، اللائذون به لخدمته ".
قلت: فقوله في الحديث: "وماله " هو من إطلاق الكل وإرادة الجزء، وهو أسلوب معروف في القرآن والسنة واللغة، فمن الواضح أن المراد هنا عبيد الميت الذين كانوا يخدمونه، بل هو منصوص عليه في حديث النعمان وغيره، وقد قال ابن الأثير في "النهاية":
"المال في الأصل: ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم ". قال:
"وقد تكرر ذكر "المال " على اختلاف مسمَّياته في الحديث، ويفرق فيها
بالقرائن ".
قلت: والشواهد على ما ذكر من الكتاب والسنة- فضلاً عن اللغة- كثيرة جدّاً، كمثل قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"إنما يكفيك من جمع المال خادم، ومركب في سبيل الله ".(7/881)
" المشكاة" (5185) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة الأنصاري- لما عزم على أن يتصدق بأحب أمواله إليه (بَيْرُحاء) -:
"ذلك مال رابح " (مرتين) . البخاري (1461) .
وحديث والد أبي الأحوص لما سأله - صلى الله عليه وسلم -: "هل عندك من مال؟ ". قال:
من كل المال آتاني الله؛ من الإبل والغنم والخيل والرقيق. "غاية المرام " (63/75) .
ومن هنا فسر العلماء قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الترجمة: "ماله ":
"أي: عبيده "؛ جزم به العلامة أبو الحسن السندي في حاشيته على "النسائي ".
وقال علي القارئ في "المرقاة" (5/23- 4 2) :
"كالعبيد والإماء والدابة والخيمة ونحوها".
وقال الحافظ في "الفتح " (11/365) :
"قوله: "يتبعه أهله وماله " هذا يقع في الأغلب، ورُبَّ ميت لا يتبعه إلا عمله فقط، والمراد مَن يتبع جنازته من أهله ورفقته ودوابه على ما جرت به عادة العرب ".
قلت: ونحوه اليوم خروج أقارب الميت؛ وفيهم أولاده في سياراتهم لتشييعه
ودفنه.(7/882)
لقد تعامى عن هذه الحقائق العلمية والتاريخية والواقعية: ذاك الطبيب البيطري (إسماعيل منصور المصري) ، وفسر- بجهله البالغ، وعناده المعادي للسنة- المال في الحديث بمعناه العام! ورَتب عليه جهلاً أكبر؛ وهو تكذيبه بالحديث وسخريته بالقائلين به، والمؤمنين بصحته، فقال:
"وأبسط اختبار لكشف الكذب في هذا الحديث: أن نسأل الذين يؤمنون به قائلين: هل وجدتم حالة واحدة في العالم يتبع الميت فيها ماله؟؟ (!) نريد إجابة علمية واقعية، فنحن لم نر ولم نسمع عن ميت واحد- في تاريخ البشرية- تبعه ماله وهو متجه إلى القبر ... "، إلى آخر هرائه في تمام صفحتين، وختمه بقوله:
"إنها الخرافة التي صاغتها الحكايات، وقصص الليل، وتصورات العجائز، وأمنيات السُّذج، وخيالات العوام "!!
وأقول: لقد كنت- ولا أزال- أشكو من انحراف السقاف وحسان وأمثالهما عن السنة، وتضعيفهما للأحاديث الصحيحة، فلما وقفت على كلام هذا الدكتور البيطري كدت أن أنسى جنايتهما على السنة! ولست أشك أن مثله لا يعدو أن يكون أحد رجلين؛ إما عميلاً لجهة تعادي الإسلام، وتسخر لذلك بعض ضعفاء الإيمان لمحاربة الإسلام باسم الإسلام، وإما رجل أخرَقُ جاهل يظن أنه على شيء من العلم والفهم، وهو في الحقيقة من الذين (يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) ، أو من الذين قال الله فيهم: (لهم قلوب لا يفقهون بها..) ، وهذه الآية وإن كان المقصود بها الكفار والمشركين؛ فلمن سار مسيرتهم من المسلمين في نقد الأحاديث نصيب كبير منها، مثل المعتزلة قديماً، وأذنابهم حديثاً، كهذا الطبيب البيطري مثلاً، كيف لا، وهو يأتي إلى أحاديث صحيحة اتفق علماء المسلمين قاطبة على ثبوتها وتلقيها بالقبول؛ فيبطلها بجهله المركب، فيقع في وعيد قوله تعالى: (ومن(7/883)
يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) [النساء: 115] .
وليس يشك كل ذي عقل ولب حقاً، أن من خالف سبيل المؤمنين في أمر ما:
أنه يكون أحد الرجلين المشار إليهما آنفاً، وأحلاهما مر؛ إذ ليس من المعقول يقيناً أن يكون هو محقاً فيما يبطل، وهم مبطلون فيما يقولون ويعتقدون، والله عز وجل يقول: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) [يونس: 32] ، وهنا يأتي قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"من قال: هلك الناس؛ فهو أهلكهم ". رواه مسلم في "صحيحه ".
ولا مجال الآن للإشارة إلى الأحاديث الأخرى التي أبطلها بعقله الكاسد، وجهله البالغ تحت عنوان: "أحاديث صحيحة السند فيها مخالفة صريحة للكتاب "! وحسب القارئ الكريم أن يعلم أن ذلك مما أودعه في مقدمة كتابه الذي أسماه "شفاء الصدر بنفي عذاب القبر" الثابت كتاباً وسنة وبإجماع أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، ويكفيك من المكتوب عنوانه! ومثله كتابه الآخر: "تذكير الأصحاب بتحريم النقاب " الذي أشار به في المقدمة المذكورة (ص 8) ، وهو فيها- كغيرها- مهذار، كثير الكلام والثناء على نفسه، وتفصيل القول في جهوده في دراساته التي حصّل بها كثيراً من الشهادات منها "شهادة الدكتوراه في الطب البيطري "! ولعل هذا هو مجال اختصاصه، فحمله حب الظهور إلى أن يكتب فيما لا يحسنه، مما لا يستطيع الخوض فيها إلا كبار العلماء والذين يخشون الله، والكتابان المذكوران يؤكدان أنه ليس منهم بسبيل، وهو مع ذلك (كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد) ! فاستمع إليه كيف يتفاخر في تأليفه للكتابين بقوله- مما نظن أنه ليس صادقاً فيه-:
"وقد علم تبارك اسمه أني لم أخط فيهما حرفاً أو كتبت كلمة؛ إلا وتوضأت قبلها، وصليت ركعتين "!!(7/884)
ومن تجرأ على الله فنسب إليه ما لا يعلم- لأنه غير واقع- أحرى به أن ينسب
إلى غيره من خلقه تعالى ما يخالف الواقع، فها هو (ص 20) ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الانتقاب للمرأة المحرمة غير جائز؛ لأنه يحدد معالم عظام وجه المرأة، وبالتالي يؤدي إلى الفتنة! وهذا كذب على الشيخ بقصد أو سوء فهم، وقد يجتمعان، وأقل ما يدل عليه أنه جاهل لا يفهم كلام العلماء؛ وليس الآن مجال بيان ذلك، والله المستعان! *
3300- (إني اتخذت خاتماً من وَرِقِ، ونقشْتُ فيه: "محمد رسول الله "، فلا ينقُشن أحد على نقشِه) .
رواه البخاري (5877) ، ومسلم (6/ 51 1) ، وابن ماجه (3640) ، والبيهقي
في "السنن الكبرى" (10/128) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 115) ، وأحمد (3/186- 187 و290) ، وأبو يعلى (3896 و 3936 و3943) ، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (1/475) من طرق عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من فضة، ونقش فيه: "محمد رسول الله " وقال: ... فذ كره.
وله طريق آخر عن أنس:
فقد روى عبد الرزاق في "المصنف " (19465) - وعنه أحمد (3/ 161) ، ومن طريقه: الترمذي (745 1) ، والبغوي (37 31) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " (115- 116) ، والبيهقي (10/182) ـ عن معمر عن ثابت عنه رضي الله عنه-:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صنع خاتماً من وَرِق؛ فنقش فيه: "محمد رسول الله "، ثم قال:(7/885)
"لا تنقشوا عليه ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
ولم أقل: "على شرط الشيخين "؛ لأن البخاري لم يخرج لمعمر عن ثابت في "صحيحه " إلا تعليقاً؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري " (ص 444- 445) ، بينما مسلم أخرج له هكذا.
وفي "تحفة الأشراف " (1/ 150- 154) - للحافظ المزي- سوق أسانيد معمر على نسق ما أشار ابن حجر.
ولحديث الترجمة شاهد عن ابن عمر؛ خرجته في "الإرواء" (818) . *
3301- (إنِّي لأعرف أصوات رُفقة الأشعريّين بالقرآن حين
يد خلُون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن باللّيل؛ وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهارِ؛ ومنهم حكيم: إذا لقي الخيل - أو قال: العدوَّ-، قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم) .
رواه البخاري (4232) ، ومسلم (7/ 171) ، وأبو يعلى في "مسنده " (7318)
من طريق أبي أسامة: حدثنا بُريد بن عبد الله عن أبي بُردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... نمذكره.
"تنظروهم "؛ قال الحافظ في "الفتح " (7/487) :
" أي: تنتظروهم ".
قلت: وهو لفظ رواية أبي يعلى. *(7/886)
3302- (إنّي لأعرف غضبكِ ورضاكِ؛، قال: إنّك إذا كنت راضية، قلت: بلى، وربِّ محمد! وإذا كنت ساخطة؛ قلت: لا، وربِّ إبراهيم!) .
رواه البخاري (5228 و 6078) ، ومسلم (7/135) من طريقين عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر القطعة الأولى منه.
قالت: قلتُ: وكيف تعرف ذلك يا رسول الله؟ !
قال: ... فذكره القطعة الثانية منه.
قالت: قلت: أجل، لا أهجر إلا اسمك.
ورواه البخاري- أيضاً- في "الأدب المفرد" (403) ، وابن حبان (2117) ، والبغوي (2338) ، والبيهقي (10/27) ، وأحمد (6/61 و 213) ، وأبو يعلى (4893 و 4894) ، والطبراني في "الكبير" (23/ رقم: 119 و120 و121 و 22 1) ، والخطيب في "تاريخه " (3/61) ، من طرق عن هشام به.
قلت: وخالف جميع الرواة عن هشام: عبَّاد بن عباد:
فرواه أحمد (6/ 30) - ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (9/227) - عن عباد هذا عن هشام به.. لكنّه وهم في ضبط لفظه؛ فجعل القطعة الثانية منه بلفظ:
"إذا غضبت؛ قلت: يا محمد! وإذا رضيت؛ قلت: يا رسول الله! ".
وعباد: هو الأزدي العتكيُّ، وهو- على ثقته- يغلط؛ كما قال ابن سعد،(7/887)
وابن جرير، فيما نقله المزي في "تهذيب الكمال " (14/ 131) ، وقال الحافظ ابن حجر في " التقريب ":
"ثقة، ربما وهم ". وهذا غلط ظاهر منه، والله تعالى أعلم. *
3303- (إنِّي لأعلم كلمة لو قالها؛ لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) .
جاء من حديث سليمان بن صُردِ، ومعاذ، وابن مسعود، وأُبَيّ بن كعب:
أما حديث سليمان بن صُرَد:
فرواه البخاري في "صحيحه " (3282 و 6048و6115) , وفي "الأدب المفرد" (434) ، ومسلم في "صحيحه " (8/31) ، وابن أبي شيبة (8/533 و10/349- 0 35) ، وأحمد (6/ 394) ، وأبو داود (4781) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (392 و 393) ، وابن حبان (5692) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6488 و 6489) ، والبغوي في "شرح السنة" (333 1) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (2349 و2350) من طرق عن الأعمش قال: سمعت عدي بن ثابت يقول: حدثنا سليمان بن صُرَد قال:
استبَّ رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل أحدهما يغضب، ويحمر وجهه؛ فنظر
إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره.
قال: فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتدري ما قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - آنفاً؟ قال: ... فذكره.
فقال له الرجل: أمجنوناً تراني؟ !(7/888)
تنبيهان:
الأول: روى الحاكم الحديث في "مستدركه " (2/ 441) ، وفيه عنده زيادة (1) :
فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)
وصححه، ووافقه الذهبي!
وهو كما قالا؛ لولا تفرد شيخ الحاكم- عبد الله بن محمد بن شاكر- بالزيادة
عن سائر من رواه عن الأعمش؛ فهي شاذة.
الثاني: روى ابن أبي عاصم الحديث في "الآحاد والمثاني " (2351) ؛ فجعل
بين (عدي بن ثابت) و (سليمان بن صُرَد) : زر بن حُبيش!!
ولا أراه إلا من أوهام شيخ شيخ ابن أبي عاصم- مهدي بن جعفر-؛ حيث رواه عن أبي معاوية عن الأعمش هكذا!! وهو "صدوق له أوهام "؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "التقريب ".
وأما حديث معاذ:
فرواه أبوداود (4780) ، والترمذي (3448) ، والنسائي في"عمل اليوم والليلة" (389و390) ، وابن السني (454) ، وابن أبي شيبة (8/534و10/ 350) ، وعبد بن حميد في "مسنده" (111- " المنتخب " منه) ، والطيالسي (570) ، وأحمد (5/ 240) من طرق عن عبد الملك بن عُمَير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... بنحوه.
_________
(1) أجمل السيوطي في"الدر المنثور" (5/365) بعزوه- بالزيادة- لجميع مصادر التخريج!(7/889)
وقال الترمذي:
" وهذا حديث مرسل؛ وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل، مات معاذ في خلافة عمر بن الخطاب، وقُتل عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين.
هكذا روى شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ وقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر بن الخطاب، ورآه.
وعبد الرحمن بن أبي ليلى يُكنى أبا عيسى، وأبو ليلى اسمه يسار.
وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: أدركت عشرين ومئة من الأنصار، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
قلت: وهذا مرويٌّ في كتاب "العلم " (رقم: 21- بتحقيقي) لأبي خيثمة؛
فانظره.
أما حديث ابن مسعود:
فرواه الطبراني في "الصغير" (2/ 91) و"الأوسط " (7022) ، ومن طريقه الخطيب في "تاريخه " (3/399) ؛ وفي إسناده ضعف ونكارة؛ من قبل أبي طَيْبَة- وهو عيسى بن سليمان-؛ إذ جعله عن ابن مسعود! وهو حديث معاذ.
وهو مخرج عندي في "الروض النضير" (635) .
أما حديث أبيِّ بن كعب:
فقد رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (391) من طريق الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب ... نحوه.(7/890)
قلت: وهذا شاذ أو منكر، فالفضل بن موسى- على ثقته- قال الحافظ:
"ربما أغرب "؛ فالحديث حديث معاذ من هذا الطريق.
وقد أشار إلى هذا الإمام ابن كثير في "جامع المسانيد" (1/ 131) .
(تنبيه) : اكتفى محقق "عمل اليوم والليلة " الدكتور فاروق حمادة بقوله في
الحاشية:
"هذا إسناد متصل "!! *
3304- (أهريقوا عليَّ من سبع قرب لم تُحْلَلْ أوكِيتُهنَّ؛ لعلّي أعهدُ إلى النّاس) .
جاء من حديث عائشة، ومعاوية- رضي الله عنهما-:
أما حديث عائشة؛ فله عنها طريقان:
الأول: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:
رواه البخاري (198 و 4442 و 5714) ، والنسائي في "السنن الكبرى"
(7183) ، والبغوي في "شرح السنة" (3825) ، والبيهقي في "سننه " (1/ 31) ، وفي "الدلائل " (7/173) ، وأبو يعلى في "مسنده " (4579) ، وابن سعد في "الطبقات " (2/232) من طرق عن الزُّهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة قالت:
لما ثَفُلَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، واشتد به وجعه؛ استأذن أزواجه في أن يُمَرَّض في بيتي، فأذن له، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رجلين، تخُطُّ رجلاه في الأرض: بين عباس ورجل آخر- قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس، فقال: أتدري من(7/891)
الرجل الآخر؟ ! قلت: لا، قال: هو علي-، وكانت عائشة- رضي الله عنها- تحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال- بعدما دخل بيته، واشتد وجعه-: ... فذكره (1) . وأُجلس في مخضب لحفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم طَفِقْنا نصبُّ عليه تلك؛ حتى طفق يشير إلينا أن: "قد فعلتن " ثم خرج إلى الناس.
ورواه مسلم (2/20- 21) ، وكذا البخاري (687) - مختصراً- من طريق موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة...... ضمن القصة نفسها بنحوه، ولكنه اقتصر على قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"ضعوا لي ماء في المخضب ".
الطريق الثاني: عن عروة:
رواه ابن حبان (6599) ، والحاكم (1/ 45 1) ، وا بن خزيمة (258) ، والنسائي في"الكبرى" (7082) ، والدارمي (1/38) ، وعبد الرزاق (179) ، وأبو يعلى (4770) ، والطبراني في "الأوسط " (4 671) ، وابن عدي في "الكامل " (6/2438) من ثلاثة طرق عن عروة عن عائشة مرفوعاً، بلفظ:
"صُبُّوا ... ".
ورواه ابن خزيمة (258) ، وابن حبان (6596 و00 66) ، وأحمد (6/ 551 1
و228) ، والبيهقي (1/ 31) من طرق عن معمر عن الزهري عن عروة- أو عن عمرة- عن عائشة مرفوعاً بالشك.
_________
(1) ولفظه عند البخاري: "هريقوا" بغير همز؛ وهي رواية الأكثر، ووقع عند الأصيلي: "أهريقوا" بالهمز. أفاده الحافظ في "الفتح " (1/303) .(7/892)
وهو اختلاف لا يضر؛ فعروة وعمرة ثقتان معروفان بالرواية عن عائشة رضي الله عنها.
وشذت رواية الحاكم (1/144ـ 145) - وعنه البيهقي (1/ 31) -؛ إذ جعله
من طريق عروة عن عمرة عن عائشة مرفوعاً!!
وأما حديث معاوية:
فرواه الطبراني في "الأوسط " (7017) من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري عن أيوب بن بشير قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان به مرفوعاً؛ فذكره بلفظ:
"صبُّوا.. ".
وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/42) للطبراني في "الأوسط " و"الكبير"، ثم قال:
"وإسناده حسن "!
قلت: وعليه ملاحظتان:
الأولى: أن رواية "المعجم الكبير" (19/ رقم: 792) مختصرة؛ ليس فيها
حديث الترجمة.
الثانية: أن في إسناده محمد بن إسحاق- وهو مدلس- وقد عنعنه.
ثم تبين لي أنه مضطرب، وأن الصواب فيه حديث عائشة.
فرواه الطبراني في "الأوسط " (5528) من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري وأيوب بن بشير الأنصاري عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.(7/893)
ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/408) من طريق الزُّبيدي عن الزهري عن أيوب بن بشير الأنصاري عن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والله تعالى أعلم. *
3305- (أول الآيات: طُلُوع الشمس من مغربها) .
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8022) ، والخطيب في "تاريخ بغداد"
(2/156و 5/24) ، وابن حبان في "المجروحين " (2/204) ، وابن عدي في "الكامل " (6/2047) , وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (5/365) من طريق طالوت ابن عبّاد عن فضال بن جُبَيْرِ عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وهذا إسناد ضعيف " فضال بن جبير؛ ضعفه أبو حاتم الرازي؛ كما في
" الميزان ".
وقال ابن حبان: "لا يحل الاحتجاج به بحال ".
وقال الهيثمي في "المجمع " (8/9) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه فضالة بن جبير، وأنكر هذا الحديث "!
قلت: أما أنه في "الأوسط "؛فلا؛ فلعل ما عند الهيثمي وهم، أو تصحيف!
وفضالة: تصحيف من فضال المذكور!
وقوله: "وأُنكر هذا الحديث "؛ لعله إشارة إلى صنيع ابن عدي في سياقه هذا الحديث من مناكير فضال هذا.(7/894)
ولكن الحديث صحيح بشاهده:
فقد رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو، وهو مخرج في تعليقي على
" الطحاوية" (504) . *
3306- (أول شيء يأكله أهل الجنّة: زيادة كبد الحوت) .
رواه الطيالسي (2051) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (6/252) قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وورد من طريق حُميد عن أنس- ضمن قصة إسلام عبد الله بن سلام- رضي
الله عنه-، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -:
".. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة؛ فزيادة كبد الحوت ... ".
رواه البخاري (3329 و 3938 و 4480) ، وابن حبان (7161) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (9074) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (13/125) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (336) ، وأحمد (3/108و 89 1) ، والبغوي في "شرح السنة" (3769) ، والبيهقي في "الدلائل " (2/528- 529) ، وأبو يعلى في "مسنده " (3856) من طرق عن حميد: حدثنا أنس أن عبد الله بن سلام بلغه مَقْدَمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء ... فذكر الحديث بطوله.
ويظهر لي أن حديت أنس الأول هو نفسه حديث عبد الله بن سلام هذا، لكنه لم يذكر ابن سلام فيه- قَبْلُ- على ما هو معلوم من ائتمان الصحابة بعضهم بعضاً في الرواية.(7/895)
ويؤيد هذا رواية عند أحمد (3/ 271) عن عفان: حدثنا حميد: أخبرنا ثابت وحميد عن أنس بن مالك ... فذكر قصة عبد الله بن سلام نفسها.
فجمع هذا الإسناد رواية ثابت- الأولى-، ورواية حميد- الثانية- في سياق واحد.
ورواه ابن حبان (7423) ، وأبو يعلى (3414) ، وأبو نعيم في " الدلائل " (ص 300) من طريق حماد، بهذا الإسناد.
وله شاهد عن ثوبان:
رواه مسلم (1/173) - ضمن قصة- بلفظ:
.. قال اليهودي: فما تُحْفَتُهم حين يدخلون الجنة؟ قال:
"زيادة كبد النون ".
(تنبيه) :
علق البخاري في "صحيحه " (11/415) لفظ حديث الترجمة قائلاً:
"وقال أبو سعيد: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"أول طعام يأكله أهل الجنة: زيادة كبد حوتِ ".
فقال الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق " (5/184) :
"هذا طرف من حديث الشفاعة، وقد أسنده المؤلف- بطوله- في (التوحيد) ، وفي صفة الجنة أيضاً في (بدء الخلق) "!
قلت: وليس هو في شيء من هذه المواضع!(7/896)
ولكنه ذكر عزوه- رحمه الله- على الصواب- في "الفتح " (11/419) في (باب: يقبض الله الأرض يوم القيامة) ، ثم قال:
"وهو مذكور هنا بالمعنى".
يشير- رحمه الله- إلى حديث أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة.. "، وفيه:
"ألا أخبرك بإدامهم- أي: أهل الجنة-؟ "، قال:
"إدامهم بالام ونون ". قالوا: وما هذا؟ قال:
"ثور ونون؛ يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً ".
وهو في " الصحيح " برقم (6520) .
ورواه- أيضاً- مسلم (8/ 128) . *
3307- (أول من يدعى يوم القيامة: آدم، فتراءى ذريته، فيقال:
هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك! فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول؛ يا رب! كم أخرج؟ فيقول: أخرج من كل مئة تسعة وتسعين، فقالوا: يا رسول الله! إذا أخذ منا من كل مئة تسعة وتسعون؛ فماذا يبقى منّا؟! قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود) .
رواه البخاري (6529) ، وأحمد (2/378) من طريق ثور عن أبي الغيث عن
أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وثور: هو ابن زيد الديلي.(7/897)
واسم أبي الغيث: سالم؛ وهما ثقتان.
وله شاهد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"يقول الله: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك! قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصغير، (وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديدة) " فاشتد ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله! أيُّنا ذلك الرجل؟ قال: "أبشروا؛ فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجل "، ثم قال: "والذي نفسي بيده؛ إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة "، قال: فحمدنا الله وكبرنا، ثم قال: "والذي نفسي بيده! إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم؛ كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرَّقْمَةِ في ذراع الحمار".
رواه البخاري (6530) ، ومسلم (1/139-140) من طريق جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وهو في "صحيح الجامع " (7998) ، وقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة" (برقم 3250) . *
3308- (ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانَيه- إلا من عمل مثله-؟! تسبِّحون وتحْمَدون وتكبِّرون خلف كل صلاة ثلاثة وثلاثين) .
جاء من حديث أبي هريرة، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وابن عباس، وابن عمر: أما حديث أبي هريرة؛ فرواه عنه جماعة:(7/898)
الأول: أبو صالح:
رواه البخاري (843) ، ومسلم (2/97) ، وابن خزيمة (749) ، وابن حبان
(2014) ، وأبو عوانة (2/271ـ 272) ، والطبراني في"الدعاء " (720 و 722) ، والبيهقي (2/186) من طرق عن سُمَيِّ عن أبي صالح عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء الفقراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى، والنعيم المقيم؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموالهم يحجُّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون؟! قال: ... فذكره.
فاختلفنا بيننا؛ فقال بعضنا: نسبّح ثلاثاً وثلاثين، ونحمَد ثلاثاً وثلاثين، ونكبّر أربعاً وثلاثين، فرجعت إليه، فقال:
تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر؛ حتى يكون منهن كلهن ثلاث
وثلاثون.
قلت: وهذا لفظ البخاري.
وقد خالف جميع الرواة عن سُمَيِّ: ورقاء؛ فرواه البخاري (6329) ، والبغوي في "شرح السنة " (0 72) و" التفسير" (7/366) ، والبيهقي (2/186) ... فذكره،
".. فتسبحون في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً ". وقال الإمام البخاري- عقبه-:
"تابعه عبيد الله بن عمر عن سمي.
ورواه ابن عجلان عن سمي ورجاء بن حيوة.(7/899)
ورواه جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي الدرداء. ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
قلت:
أما الأول: فقد تقدم تخريجه ضمن الرواة عن سمي في الإسناد الأول، وهو
في "صحيح البخاري " نفسه.
أما الثاني: فقد رواه مسلم (2/97) ، والبيهقي (2/186) من طريق ليث عن
ابن عجلان به.
ورواه الطبراني في "الأوسط " (5310) و"الصغير" (1094- بترتيبي وتخريجي)
من طريق حيوة بن شريح عن محمد بن عجلان به، ولكنه جعل لفظه:
".. تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدونه ثلاثاً وثلاثين، وتكبرونه ثلاثاً وثلاثين ".
وهو مخرج في "الروض النضير" (1094) ، ونقلت فيه كلام الإمام النووي
في قبول الزيادات الواردة في هذه الروايات، وخلاصة ذلك: أن يأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة، ومثلها تحميدات، وأربع وثلاثين تكبيرة، ويقول معها: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ... ) إلى آخرها.
ورواه- هكذا- أيضاً أبو عوانة (2/ 271- 272) ، والطبراني في " الدعاء " (721) - ولم يسق لفظه- من طريقين عن محمد بن عجلان عن رجاء بن حيوة- وحده- عن أبي صالح به.
أما الثالث- وهو حديث أبي الدرداء-؛ فسيأتي تخريجه مستقلاً- بعد-.(7/900)
أما رواية سهيل:
فقد أخرجها مسلم (2/97- 98) - مختصراً متنه- من طريق روح عن سهيل به.
ورواه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (145) ، والبغوي في "شرح السنة " (717) من طريقين عن ابن عجلان عن سهيل به.
الثاني من الرواة عن أبي هريرة: سعيد (1) :
رواه أبو يعلى (6587) من طريق أبي معشر عن سعيد به.
وأبو معشر: ضعيف؛ أسن واختلط؛ كما قال الحافظ في "التقريب ".
الثالث من الرواة عن أبي هريرة: محمد بن أبي عائشة.
رواه أبو داود (1504) ، والدارمي (1/312) ، وابن حبان (2015) ، وأحمد (2/238) من طريق الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة قال:
قال أبو ذر: يا رسول الله! ذهب أصحاب الدثور بالأجر ... فذكره بطوله.
وإسناده صحيح، محمد بن أبي عائشة من رجال مسلم، ووثقه ابن معين، وقال ابن أبي حاتم:
"ليس به بأس ".
ثم رأيته مخرجاً في هذه "السلسلة" (رقم 100) ؛ فلينظر.
_________
(1) ويحتمل أن يكون ابن أبي سعيد المقبري، أو ابن المسيب، فكلاهما من شيوخ أبي معشر، ومن الرواة عن أبي هريرة؛ وإن كان الأول أرجح عندي، والله أعلم.(7/901)
أما حديث أبي الدرداء:
فقد رواه عنه ثلاثة:
الأول: أبو عمر الصيني، ورواه عنه جماعة:
رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (49 1) ، وعبد الرزاق (3187) ، وا بن
أبي شيبة (10/235) ، والطبراني في "الدعاء" (708) من طريق الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عنه.
ورواه النسائي (150و151) ، وابن أبي شيبة (10/235) ، وأحمد (6/446) ، وابن الجعد في "مسنده " (160) ، ومن طريقه: المزي في "التهذيب" (34/111) ، والطبراني في "الدعاء" (710و711) من طريق شعبة ومالك بن مغول عن الحكم عنه.
ورواه الطبراني (712) من طريق ميمون بن أبي شبيب عنه.
ورواه- أيضاً- الطبراني (713) من طريق يونس بن خباب عنه.
الثاني: أبو صالح:
رواه النسائي (47 1) ، وابن أبي شيبة (13/453) ، والطبراني في"الدعاء " (709) ، من طريق أبي الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عنه.
ورواه الطيالسي (1235- ترتيبه) من طريق سلام عن عبد العزيز عنه.
ورواه ابن أبي شيبة (13/453) ، والإسماعيلي- ومن طريقه: الحافظ ابن حجر في "التغليق " (5/143) - من طريق جرير عن عبد العزيز عنه.(7/902)
الثالث: عبد الرحمن بن أبي ليلى:
رواه المروزي في "زوائد الزهد " (1159) ، والطبرا ني (714) ، والبزار (3095- زوائده) من طريق ليث بن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة عنه.
ولقد روى الحديث: شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي عمر عن أم الدرداء قالت:
نزل بأبي الدرداء ... فذكرت الحديث ضمن قصة.
رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (148) ، والطبراني في "الدعاء "
(707) .
وشريك؛ سيئ الحفظ.
وأما أبو عمر- الراوي عن أبي الدرداء-؛ فقد روى عنه جماعة، ولم يوثق، وقال الحافظ ابن حجر:
"مقبول، وروايته عن أبي الدرداء مرسلة ".
قلت: لعل اعتماد الحافظ في هذا على رواية شريك؛ وفيه ما ذكرت!
أما حديث أبي ذر:
فقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة" (1125) ، ولْيُزَد على مصادره:
ابن خزيمة (748) ، والحميدي (133) ، والمروزي في"زوائد الزهد" (1157) ؛
وزاد الأولان: "وعند منامك مثل ذلك ".
وإسنادها صحيح.(7/903)
(تنبيه) : عزا الحديث حسين أسد الداراني في تعليقه على "مسند الحميدي " لمسلم في "صحيحه "!
فأقول: نعم؛ لكن من غير هذه الطريق.
وقد تقدم ذكر رواية مسلم من طريق أبي هريرة، وفيها قصة عن أبي ذر.
أما حديث ابن عباس:
فقد رواه الترمذي (2/ 264- 265) ، والننسائي (1/199) ، وغيرهما؛ وهو مخرج في "التعليق الرغيب " (2/260) ؛ حيث بينت ضعف سنده، وأن في متنه ما ينكر!
أما حديث ابن عمر:
فقد رواه البزار (3094) من طريق موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ... فذكره بطوله، ثم قال البزار- عقبه-:
"وعلته موسى بن عبيدة".
وبه أعله الهيثمي في "المجمع " (10/101) .
ثم رأيت للحديث طريقين مرسلين في "مصنف عبد الرزاق " (3181 و3185) عن عطاء، وعن قتادة.
وخلاصة القول؛ أن الحديث صحيح جدّاً، وأن اختلاف بعض ألفاظه مما لا يؤثر فيه شيئاً.
والحمد لله على توفيقه؛ وأسأله سبحانه المزيد من فضله. *(7/904)
3309- (بئسما جزيتيها! ليس هذا نذراً، إنما النذر ما ابتغي به وجه الله. قاله في امرأة أبي ذر التي نذرت: إن نجت من الكفار على راحلته - صلى الله عليه وسلم - أن تنحرها!) .
أخرجه البيهقي في "سننه " (10/75) من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن امرأة أبي ذر جاءت على (القصواء) راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أناخت عند المسجد، فقالت:
يا رسول الله! نذرت لئن نجاني الله عليها لآكلن من كبدها وسنامها!
قال: ... فذ كره.
قلت: وهذا إسناد حسن، عبد الرحمن بن الحارث: هو المخزومي أبو الحارث المدني، قال الحافظ:
"صدوق له أوهام ".
وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إسناده حسن، احتج به أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم، وعلى ذلك جرى العلماء بعدهم في تخاريجهم، ولا عبرة ببعض الأحداث المتعلقين بهذا العلم الذين- لجهلهم بعلم الجرح والتعديل أولاً، ولعدم ثقتهم بعلم العلماء السابقين ثانياً- يضعفون الراوي لجرح قيل فيه، ولو كان مرجوحاً.
وقد جاءت هذه القصة في "صحيح مسلم " وغيره من حديث عمران بن حصين بأتم مما هنا، كما رويت من حديث النواس بن سمعان عند الطبراني بإسناد(7/905)
واه، فيها بعض الزيادات المنكرة، ولذلك خرجته في "الضعيفة " (6549) ، وخرجت حديث عمران المشار إليه تحته، وليس فيه أن المرأة هي امرأة أبي ذر، وقد تقدم تخريج الحديث في هذه "السلسلة" (2859) ، ولكن ههنا فائدة زائدة. *
3310- (قوم يأتون من بعدكم، يأتيهم كتاب بين لوحين، يؤمنون
به ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجراً) .
أخرجه البخاري في "أفعال العباد" (124/ 390- السلفية) ، والروياني في "مسنده " (33/720/ 1- 2) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 74 1/ 1) ، ومن طريقه: المزي في "تهذيب الكمال "، والهروي في "ذم الكلام " (ق 148/ 1) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (8/95/ 1) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني معاوية بن صالح عن صالح بن جبير أنه قال:
قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت المقدس ليصلي فيه، ومعنا رجاء بن حيوة يومئذ، فلما انصرف خرجنا معه لنشيعه، فلما أردنا الانصراف قال:
إن لكم علي جائزة وحقاً؛ أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فقلنا: هاته يرحمك الله! قال:
كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، قال: فقلنا: يا رسول الله! هل من قوم هم أعظم منا أجراً؛ آمنا بك واتبعناك؟ قال:
"ما يمنعكم من ذلك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهركم، يأتيكم بالوحي من السماء؟! بل قوم ... " الحديث، والسياق للروياني.(7/906)
قلت: وهذا إسناد جيد؛ على ضعف في عبد الله بن صالح كاتب الليث، إلا
أن الحافظ قد استظهر من أقوال الأئمة فيه: أن ما يجيء عنه من رواية أهل الحذق كيحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم؛ فهو من صحيح حديثه؛ فإن هذا من حديث البخاري عنه.
وقد توبع؛ فقال أحمد (4/106) : ثنا أبو المغيرة قال: ثنا الأوزاعي قال: حدثني أسيد بن عبد الرحمن قال: حدثني صالح بن محمد قال: حدثني أبو جمعة قال:
تغدينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح قال: فقال: يا رسول
الله! أحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: ... فذكره مختصراً بلفظ:
"قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ".
ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (4/85) ، والطبراني.
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده " (3/128) ، وابن عساكر من طرق أخرى عن الأوزاعي به. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقال الحافظ (7/6) :
" إسناده حسن "
ولأسيد بن عبد الرحمن شيخ آخر، فقال أسيد: عن خالد بن دُريك عن أبي محيريز قال: قلت: لأبي جمعة- رجل من الصحابة-: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، أحدثكم حديثاً جيداً.....فذكره.
أخرجه أحمد، وكذا الدارمي في "سننه " (2/308) ، قالا: تنا أبو المغيرة:(7/907)
ثنا الأوزاعي به. وأخرجه الطبراني، وابن منده في "الإيمان " (2/372) .
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات " (7/508- 509) ، وابن منده، وابن عساكر من طرق أخرى عن الأوزاعي به.
وله طريق ثالث عن صالح بن جبير؛ رواه ضمرة بن حبيب عن مرزوق بن
نافع عنه مختصراً.
أخرجه الطبراني، والهروي، وابن قانع في ترجمة أبي جمعة من "معجم الصحابة"، وابن عساكر أيضاً.
ورجاله ثقات؛ إلا مرزوق بن نافع، فلا يعرف إلا بهذه الرواية، وبها ذكره ابن حبان في "الثقات " (9/189) .
وقال ابن منده عقب رواية (أسيد) :
"وروى هذا الحديث عن صالح بن جبير: معاوية بن صالح ومرزوق بن نافع وغيرهما، وهذا إسناد صحيح مشهور".
(تنبيه) : اختلفت روايات الحديث- كما مر- في سؤال الصحابة؛ هل كان بلفظ:
"أعظم أجراً"؛ كما في رواية عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن
صالح بن جبير؟
أم بلفظ:
"خير منا"؛ كما في رواية أسيد بن عبد الرحمن ومرزوق بن نافع عن صالح؛
فذكر الحافظ في "الفتح " (7/7) أن اللفظ الأول أقوى، والظاهر أنه يعني من(7/908)
حيث المعنى، وإلا؛ فاللفظ الآخر هو الأقوى؛ لاتفاق اثنين عليه كما رأيت، ولا سيما ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"مثل أمتي كالمطر، لا يُدرى أوله خير أم آخره؟ ".
وهو حديث صحيح، كما تقدم بيانه مفصلاً برقم (2286) . *
3311- (ما من شيء إلا يعلم أنّي رسول الله؛ إلا كفرة أو فسقة
الجن والإنس)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/261 /672 و25/306/54) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/22) من طريق شريك عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده قال:
رأيت من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي:
أ- كنت معه في طريق مكة، فمر على امرأة معها ابن لها به لمم، ما رأيت لمماً أشد منه، فقالت: يا رسول الله! ابني هذا كما ترى؟ قال: "إن شئت دعوت له "، فدعا له، ثم مضى.
ب- فمر عليه بعير مادً جرانه يرغو، فقال:
"علي بصاحب هذا"، فقال:
"هذا يقول: نُتِجْتُ عندهم واستعملوني؛ حتى إذا كبرت أرادوا أن ينحروني "،
ثم مضى.
ج- فرأى شجرتين متفرقتين، فقال لي:
"اذهب فمرهما؛ فلتجتمعا ".(7/909)
فاجتمعتا فقضى حاجته، وقال:
"اذهب فقل لهما يتفرقا"، ثم مضى.
فلما انصرف مر على الصبي وهو يلعب مع الصبيان، وقد هيأت له أمه ستة أكبش، فأهدت له كبشين، وقالت: ما عاد إليه شيء من اللمم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ شريك- وهو ابن عبد الله النخعي-؛ ليس بالقوي لسوء حفظه.
وعمر بن عبد الله بن يعلى؛ ضعيف؛ كما في "التقريب ".
قلت: ومثله أبوه عبد الله؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/25) :
"لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد؛ لكثرة المناكير في روايته، على أن
ابنه واه أيضاً، فلست أدري: البلية فيها منه أو من أبيه؟! ".
وقال العقيلي في "الضعفاء" (2/319) :
"فيه نظر".
ثم ذكر الحديث من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الله بن يعلى قال:
حدثني أبي ...
قلت: فساق القصة الأولى ببعضها نحوه، وقال:
"وذكر الحديث، ويروى من طريق أصلح من هذا".
قلت: أخرجه أحمد (4/170- 73 1) ، والطبراني رقم (680) ، والبيهقي (6/ 20- 24) من طرق أخرى عن يعلى؛ أحدها عند الحاكم (2/617- 618) من(7/910)
طريق الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى به، دون حديث الترجمة. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي! وفيه انقطاع كما يأتي.
والحديث أعله المناوي بـ (علي بن عبد العزيز) أيضاً قائلاً:
"فإن كان البغوي؛ فقد كان يطلب على التحديث، أو ابن الحاجب؛ فلم
يكن في دينه بذاك، أو الجناب؛ فغير ثقة"!
قلت: هذه جعجعة لا طحن فيها، فهو الحافظ البغوي دون ريب؛ فإنه شيخ الطبراني فيه، وطلبه على التحديث عيب لا يجرح به، ولذلك كان حجة عند جميع المحدثين، كما لا يخفى على أهل العلم، على أنه قد توبع عند البيهقي والحاكم.
وأما إنكاره على السيوطي تصحيحه للحديث؛ فغير وارد إلا على إسناده، ثم هو على ما ذكره من رمز السيوطي لصحته، ورموزه مشكوك في صحة نسبتها إلى السيوطي، كما كنت حققته في مقدمة "صحيح الجامع " و"ضعيف الجامع "، فارجع إلى أحدهما إن شئت.
لكن الحديث صحيح بطرقه وشاهده الآتي الإشارة إليه، وقد ألمح إلى تقويته العقيليُّ كما تقدم.
وقد أخرجه الطبراني (679) من طريق يحيى بن عيسى عن الأعمش عن المنهال بن عمرو قال: حدثني ابن يعلى بن مرة عن أبيه قال:
كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرأيت منه ثلاثة أشياء عجيبة، قال ...
قلت: فذكرها دون حديث الترجمة، وقد ساقه الحافظ ابن كثير في "شمائل(7/911)
البداية" (4/ 140) مع طرف أخرى عن يعلى ليس فيها حديث الترجمة، وقال عقبه: "فهذه طرق جيدة متعددة، تفيد غلبة الظن أو القطع- عند المتبحرين- أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة".
وقال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 221) :
"والأحاديث في أعلام نبوته أكثر من أن تحصى، وقد جمع قوم كثير كثيراً منها، والحمد لله، ومن أحسنها- وكلها حسن- ما حدثنا ... " ثم ساق طريق الأعمش عن المنهال عن يعلى المتقدم.
وقد خرج طرقه إليه أخونا الفاضل حمدي السلفي في تعليقه على "المعجم " (22/264- 266) ، وتكلم على رواتها، وإن كان لم يتعرض لبيان الفرق بين متونها، وما فيها من الزيادات كحديث الترجمة هذا؛ لأن مجال التعليق ضيق كما هو ظاهر.
وشاهده الذي تقدمت الإشارة إليه كنت خرجته قديماً في المجلد الرابع من
هذه السلسلة (1718) بسند حسن من حديث جابر- رضي الله عنه-، من طريقين عن الأجلح عن الذيّال بن حرملة عنه، رواه أحمد وغيره.
ثم رأيته من رواية أبي بكر بن عياش عن الأجلح به؛ إلا أنه قال:
"عن ابن عباس.. ": مكان "جابر بن عبد الله ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/155/12744) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 30) . وقال الهيثمي (9/ 4) :
"رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف ".(7/912)
كأنه يشير إلى (الأجلح) ، وهو صدوق كما قال الحافظ، وفيه كلام يسير، وقال ابن كثير في "البداية" (4/136) :
"وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جدّاً، والأشبه رواية الإمام أحمد
عن جابر؛ اللهم إلا أن يكون الأجلح قد رواه عن الذيّال عن جابر، وعن ابن عباس، والله أعلم ".
قلت: وأنا أرى أنه إذا كان هناك خطأ؛ فهو من أبي بكر بن عياش؛ فإن فيه ضعفاً من قبل حفظه، مع كونه من رجال البخاري. *
3312- (ليحْملَنّ شرار هذه الأمّة على سَنَنِ الذين خلَوا من قبلهم- أهل الكتاب- حذو القُذَّةِ بالقُذَّة) .
أخرجه أحمد (4/125) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/338/7140) ، وابن عدي (4/ 40) من طريق عبد الحميد بن بَهرام قال: ثنا شهر بن حوشب: حدثني ابن غنم أن شداد بن أوس حدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد؛ فإن شهراً مختلف فيه، وبعضهم يحسن حديثه، وبخاصة من رواية عبد الحميد بن بهرام عنه. وقال الهيثمي في "المجمع " (7/261) :
"رواه أحمد والطبراني، ورجاله مختلف فيهم ".
وله شواهد كثيرة، أذكر المتيسر منها:
الأول: عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل، لتركبن طريقتهم حذو القُذة بالقذة، حتى لا(7/913)
يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله، حتى إن القوم لتمر عليهم المرأة، فيقوم إليها بعضهم فيجامعها، ثم يرجع إلى أصحابه؛ يضحك إليهم ويضحكون إليه".
أخرجه الطبراني في "الكبير" (10/47/9882) : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني: ثنا عُبَيْدُ بن عَبِيدَةَ التَّمَّارُ: ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه- أراه- عن ليث عن عبد الرحمن بن ثروان عن هُزيل عن عبد الله به. وقالت الهيثمي:
"رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه "!
كذا قال! وذلك ما أحاط به علمه، وكلهم معروفون:
ا- إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، ترجمه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/188- 89 1) ، وساق له أحاديث، وأرخ وفاته سنة (291) . وروى له الطبراني في " الأوسط " (1/ 3081- 3084) أربعة أحاديث أخرى، وآخر في " الصغير" (275- الروض النضير) .
2- عُبَيْدُ بن عَبِيدَة التَّمَّار، ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 431) ، وقال: "يُغرِب ".
ووثقه غيره، وروى عنه جمع، انظر "اللسان "، وقد- توبع كما يأتي.
3- ومن فوقه، ثقات من رجاله "الصحيح "؛ غير ليث- وهو ابن أبي سليم-،
وهو صدوق، ولكنه كان اختلط.
ومن طريقه: أخرجه البزار (3/ 321/2846) من رواية عمرو بن عاصم: ثنا المعتمر بن سليمان ... بطرفه الأول، ولفظه:
"أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل؛ سمتاً، وسِمَةً، وهدياً ".(7/914)
وقال الهيثمي (10/ 70) :
"رواه البزار، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله رجال الصحيح "!
وهذا من أوهامه المتكررة، يرمي ليثاً بالتدليس! وإنما علته الاختلاط، وقد سبق التنبيه على ذلك مراراً، والغريب في كل ذلك أن الشيخ الأعظمي يُقره!
وقد خالف سفيان الثوري ليثاً، فرواه عن ابن مسعود موقوفاً، فقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (15/102/19225) : حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هُزيل قال: قال عبد الله:
أنتم أشبه الناس سمتاً وهدياً ببني إسرائيل، لتسلكن طريقهم حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، قال عبد الله: إن من البيان سحراً.
قلت: وهذا إسناد صحيح موقوف، ولكنه في حكم المرفوع؛ فإنه من الغيبيات التي لا تقال بالاجتهاد والرأي، ويؤيده أن قوله: "إن من البيان سحراً" قد صح مرفوعاً عن جمع من الصحابة؛ كابن عمر وغيره، وسبق تخريجه برقم (1731 و2851) .
ثم روى ابن أبي شيبة عن أبي البختري قال: قال حذيفة:
لا يكون في بني إسرائيل شيء إلا كان فيكم مثله. فقال رجل: فينا قوم لوط؟! قال: نعم، وما ترى بلغ ذلك لا أم لك؟!
وإسناده حسن؛ لولا أنه منقطع بين أبي البختري- واسمه سعيد بن فيروز- وحذيفة.(7/915)
ثم رواه بسند صحيح عن أبي البختري به نحوه، وفيه:
فقال رجل: تكون فينا قردة وخنازير؟! قال: وما يبريك من ذلك لا أم لك؟!
وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " (11/369/20765) من طريق قتادة أن حذيفة قال:
لتركبن سنن بني إسرائيل حذو القذة بالقذة، وحذو الشراك بالشراك، حتى
لو فعل رجل من بني إسرائيل كذا وكذا؛ فعله رجل من هذه الأمة، فقال له رجل: قد كان في بني إسرائيل قردة وخنازير؟! قال: وهذه الأمة سيكون فيها قردة وخنا زير.
ورجاله ثقات؛ لكنه منقطع.
الثاني: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"والذي نفسي بيده! لتركبن سنن الذين من قبلكم حذو النعل بالنعل ".
أخرجه الطبراني (6/251/6017) من طريق ابن لهيعة: حدثني بكر بن سوادة عنه.
ورجاله ثقات ورواه عن ابن لهيعة يحيي بن إسحاق السَّيْلَيحني وهو من قدماء أصحابه.
وقد جزم بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عبد البر في "التمهيد" (5/45) ، وكأنه
لشواهده.
ومن طريقه: أخرجه أحمد (5/340) بلفظ:
"والذي نفسي بيده! لتركبن سنن من قبلكم مثلاً بمثل ".(7/916)
وله طريق أخرى؛ يرويه النضر بن محمد الجرشي: ثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن عثمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعاً بلفظ:
"لتتبعن سنن من كان قبلكم؛ شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم ".
قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال:
"فمن إلا اليهود والنصارى؟! ".
أخرجه الطبراني (6/229/5943) ، والروياني في "مسنده " (ق 182/2) . وقال الهيثمي- بعد لفظ أحمد المختصر-:
"رواه أحمد والطبراني بنحوه، وزاد..، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة؛ وفيه ضعف، وفي إسناد الطبراني يحيى بن عثمان عن أبي حازم، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات "!
قلت: وعليه ملاحظتان:
الأولى: فاته رواية ابن لهيعة عند الطبراني باللفظ الأول.
والأخرى: أن يحيى بن عثمان مترجم في الكتب الثلاثة: "تاريخ البخاري "، و"الجرح والتعديل "، و"ثقات ابن حبان " وغيرها؛ مثل "الضعفاء" للعقيلي، وساق له هذا الحديث، وقال (4/419) :
"هذا يروى بغير هذا الإسناد من طريق أصلح من هذه ".
وقال البخاري:
"حديثه ليس بالقائم ".(7/917)
وقال أبو حاتم:
"ليس بالقوي، وهو مجهول ".
يعني: مجهول العين؛ لأنهم لم يذكروا له راوياً غير عكرمة بن عمار. وأما
قول الذهبي في "الميزان ":
"وعنه: النضر بن محمد وغيره "!
فهو سبق بصر أو قلم منه، ولم ينبه عليه الحافظ في "اللسان "؛ فإن النضر
هذا إنما روى عن عكرمة بن عمار؛ كما رأيت في الإسناد.
قلت: فالعجب من الهيثمي كيف لم يعرفه؟! وهو مترجم في هذه المصادر، وأعجب من ذلك أنه في كتابه "ترتيب ثقات ابن حبان "!! فتعالى الله، (لا يضل ربي ولا ينسى) .
والطريق الأصلح التي أشار إليها العقيلي في قوله المتقدم؛ لا أدري بالضبط ما يعني بها؛ فإنه قد صح من حديث أبي سعيد الخدري عند الشيخين، وأبي هريرة عند مسلم، وابن عمرو عند ابن أبي عاصم في "السنة"، وهي مخرجة في "ظلال الجنة" (1/36- 37/72- 75) ، ومن حديث ابن عباس عند الحاكم وغيره، وقد مضى تخريجه برقم (1348) بنحو حديث يحيى بن عثمان، وانظر لفظه في "صحيح الجامع الصغير" (4939) .
(فائدة) : قوله: "حذو القذة بالقذة"، وفي حديث سهل: "حذو النعل بالنعل ". قال في "النهاية ":
"أي: تعملون مثل أعمالهم، كما تقطع إحدى النعلين على قدر النعل
الأخرى، و (الحذو) : التقدير والقطع ".(7/918)
و (القذة) بالضم: ريش السهم.
(تنبيه) ألا أحد المعاصرين- المتعالمين المغرورين المتعالين على أئمة السنة والجاهلين بها، والمعادين لها، ومع ذلك كنى نفسه بـ (أبي عبد الرحمن الأثري) ! - ألف كتاباً أسماه: "استحالة دخول الجان بدن الإنسان "! يكفيك هذا العنوان عن مضمونه، فقد حشاه أنواعاً من الجهل بالكتاب والسنة، وبالتدليس وقلب الحقائق، والذي يهمني هنا التنبيه عليه: أنه حرف هذا الحديث وأفسد معناه، فذكره (ص 27) بلفظ: "حذاء القذة بالقذة"؛ كذا (حذاء) ! وقد يتبادر إلى من لم يعرف شيئاً من جهله أنه خطأ مطبعي، وهو ما أتمناه، ولكنه سرعان ما أعاده (ص 34) مقروناً بخطأ آخر: "حذاء القذة بالقذة"! فضبط القاف بالفتح! ومن أراد أن يقف على شيء من التفصيل لجهله المشار إليه، فليرجع إلى الحديث المتقدم برقم (2918) وما كتبته تحته في الرد عليه مما يقضي على ما زعم استحالته قضاءً مبرماً، وهو في آخر المجلد السادس، وهو تحت الطبع، وسيكون تحت أيدي محبي السنة قريباً إن شاء الله تعالى (1) . *
3313- (إياك والذنوب التي لا تُغفر، (وفي رواية: وما لا كفارة من الذنوب) ، فمن غل شيئاً أُتيَ به يوم القيامة، وآكل الربا؛ فمن أكل الربا بُعِث يوم القيامة مجنوناً يتخبط، ثم قرأ: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) [البقرة: 275] ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 60/ 100) ، والخطيب في "التاريخ " (8/78 1- 79 1) من طرق عن الحسين بن عبد الأول: ثنا أبو خالد
_________
(1) وقد طبع بحمد الله ومنه وكرمه.(7/919)
الأحمر: ثنا شعبة عن يزيد بن خُمَيْرِعن حبيب بن عبيد عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وقال الهيثمي- وسقط من المطبوعة (4/119) عزوه للطبراني-:
"وفيه الحسين بن عبد الأول، وهو ضعيف ".
قلت: هو مختلف فيه، قال في "الميزان " و"اللسان ":
"قال أبو زرعة: "لا أحدث عنه ". وقال أبو حاتم: "تكلم فيه الناس ". وكذبه
ابن معين. وقال أبو زرعة أيضاً: "روى أحاديث؛ لا أدري ما هي؟ ". وذكره ابن حبان في (الثقات) ". (8/187) .
ثم ذكر له الحافظ حديثاً منكراً من روايته عن أبي معاوية عن عثمان بن واقد
عن موسى بن يسار عن أبي هريرة رفعه:
"إن السماوات السبع والأرضين السبع لتلعن العجوز الزانية والشيخ الزاني " (1) .
قلت: وتعصيب جناية هذا الحديث بالحسين بن عبد الأول ليس بأولى من تعصيبها بعثمان بن واقد؛ فإن فيه ضعفاً؛ قال الذهبي في "المغني ":
"وُثِّق، وضعفه أبو داود".
ثم على فرض أن حسيناً هو العلة؛ فذلك لا يستلزم تضعيفه مطلقاً؛ لأن أحداً لا يخلو من الوهم، كما لا يخفى على أهل العلم، ولعل هذا الحديث هو السبب في رمي ابن معين إياه بالكذب، ويكون ذلك من تشدده الذي عرف به، أقول هذا لأنني رأيت من التوثيق لهذا الرجل- مما لم يذكره الحافظ- ما جعلني لا
_________
(1) وقد روي من حديث بريدة، وهو مخرج في "الضعيفة" (3011) .(7/920)
أعتد بما قيل فيه مما تقدم؛ لأنه ظاهر في أنهم لم يدروا حديثه ولم يسبروه، ألا وهو قول الإمام العجلي في "تاريخ الثقات " (119/ 290) :
"كوفي، ثقة، عالم ". وسكت عنه البخاري في "التاريخ " (1/2/393) .
ولذلك؛ فإني أرى أن الحديث حسن على الأقل؛ فإن من فوقه ثقات من رجال مسلم، لا سيما وقد جاء من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد أن حبيب بن مسلمة أتي برجل قد غلّ، فربطه إلى جانب المسجد، وأمر بمتاعه فأحرق، فلما صلى قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الغلول وما أنزل الله فيه، فقام عوف بن مالك فقال:
يا أيها الناس! إياكم وما لا كفارة من الذنوب؛ فإن الرجل يربي ثم يتوب، فيتوب الله عليه، وإن الله تعالى يقول: (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) ، وإن الله يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنوناً مخنقاً ".
أخرجه الطبراني أيضاً (رقم 109) بسند صحيح عن أبي بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف مختلط، ولا يمنع ذلك من الاستشهاد به؛ فقد كان من العبّاد وأحد أوعية العلم، وقال ابن عدي:
"أحاديثه صالحة، ولا يحتج به ".
وأما ما رواه حُصَين بن مُخَارق عن حمزة الزيات عن أبَان عن أنس مرفوعاً بلفظ:
"يأتي آكل الربا يوم القيامة مخبلاً يَجُرُّ شِقَّهُ، ثم قرأ: (لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) ".
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (2/ 574/ 1374) ، وأشار المنذري في(7/921)
"ترغيبه " (3/52) إلى تضعيفه مع حديث الترجمة! وشتان ما بينهما؛ فهذا موضوع؛ آفته حصين هذا؛ قال الدارقطني:
"يضع الحديث ".
وأبان: هو ابن أبي عياش، وهو متروك.
وأما الأول؛ فقد عرفت أنه حسن.
وأما السيوطي؛ فسكت عن الاثنين- كعادته- في "الدر المنثور" (1/364) ، وكذلك سكت عن الأول في "الجامع الكبير". *
3314- (وُزِنْتُ بألفٍ من أمَّتي فرجَحْتُهم، فجعلُوا يتناثرون عليَّ
من كِفَّةِ الميزان) .
أخرجه البزار في "مسنده " (3/116/2372- كشف الأستار) : حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري: ثنا النضر بن محمد الجرشي: ثنا عكرمة بن عمار عن أبي زُمْيَل عن مالك بن مَرْثَدِ عن أبيه عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره.
قال البزار: وبإسناده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"يا أبا ذر! رأيت كأني وُزِنْتُ بأربعين أنت فيهم؛ فوزنتهم ".
وقال البزار:
"وأحاديث النضر لا نعلم أحداً شاركه فيها"!
قلت: هذا غير معقول! أو لعل في العبارة شيئاً؛ فقد قال العجلي في "تاريخ الثقات" (449/1692) :(7/922)
"ثقة، وهو من أروى الناس عن عكرمة بن عمار اليمامي؛ سمع من عكرمة
ابن عمار ألف حديث ".
قلت: فمن يحفظ هذا العدد عن شيخ واحد- فضلاً عما يحفظه عن شيوخه الآخرين- أن لا يتابع على شيء منها؛ وإلا كان ضعيفاً (1) ؛ لأن أئمة الجرح يجرحون الراوي بمثل قولهم: "لا يتابع على حديثه "؛ كما هو معلوم.
وإن مما يؤكد بطلان عموم قول البزار المذكور؛ أننا وجدنا له متابعين في بعض أحاديثه، فانظر مثلاً حديثاً في "الأدب المفرد" (891) ؛ فإنه من رواية عبد الله بن رجاء قال: أخبرنا عكرمة بن عمار ... وهو مخرج في "الصحيحة" (572) من رواية جمع من الحفاظ منهم الترمذي وابن حبان، أخرجاه من طريق النضر بن محمد: حدثنا عكرمة به.
وآخر في "صحيح مسلم " (8/27) من طريق عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار بإسناد له عن أنس، وهو في "صحيح ابن حبان " (5761) من طريق النضر ابن محمد عن عكرمة به، وقد سقته من رواية مسلم في "الصحيحة" تحت الحديث (82) .
وإنما علة الحديث جهالة (مرثد) وهو (الزِّمّا ني) - بكسر الزاي- والد (مالك) ،
قال الذهبي:
"لا يعرف ". وقال الحافظ:
"مقبول ".
_________
(1) كذا الأصل، ولعله سقطت "لا يضره " قبل "أن لا يتابع ". (الناشر) .(7/923)
وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (5/ 440) !
لكن الحديث حسن، فقد وجدت له بعض الشواهد:
ا- عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ:
"وُزنتُ بالخلقِ كلهم، فرجحت بهم، ثم وزن أبو بكر ... "
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (6/325-326) من طريق معروف بن أبي معروف البَلْخي: ثنا جرير: ثنا ليث عن مجاهد عنه.
وهذا إسناد ضعيف؛ ليث: هو ابن أبي سليم؛ كان اختلط.
ومعروف هذا؛ مجهول، ليس بمعروف؛ كما قال ابن عدي.
2- عن أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:
"أُتيتُ بكِفَّةٍ فوضعت فيها، ووضعت أمتي في كفة، فرجحت بها، ثم أتي بأبي بكر ... " الحديث.
أخرجه أحمد في "المسند" (5/259) وفي "الفضائل " (1/194- 196) ، وعنه الخطيب في "التاريخ " (14/78) من طريق مُطَّرِح بن يزيد عن عبيد الله بن زحْر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالضعفاء: علي بن يزيد- وهو الألهاني- واللذان دونه، وضعفه العراقي في "المغني " (4/359) .
ورواه الطبراني (8/254- 255) من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي عن عبيد الله بن زحر به. والعرزمي متروك.(7/924)
ثم رواه (8/281/7923) من طريق صدقة بن عبد الله عن الوليد بن جميل قال: سمعت القاسم بن عبد الرحمن به.
قلت: وصدقة هذا ضعيف، وشيخه الوليد خير منه.
وحديث (المطرح) قد خرجته في "الضعيفة " (5346) ؛ لنكارة فيه.
3- عن ابن عمر مرفوعاً نحوه.
أخرجه أحمد أيضاً وغيره بإسناد فيه عبيد الله بن مروان، وهو مجهولى كما بينته في "الضعيفة" (6486) ، وقد صحح إسناده بعض إخواننا المحققين؛ فوهم؛ كما ذكرت هناك.
4- عن معاذ بن جبل مرفوعاً بلفظ:
"أُريتُ أني وضعت في كفة؛ وأمتي في كفة؛ فعدلتها، ثم وضع أبو بكر ... ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/86- 87) ، وابن عساكر في "التاريخ " (11/204) من طريق عمرو بن واقد: نا يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عنه.
قلت: وعمرو هذا متروك؛ كما في "التقريب ". وقالى الهيثمي (9/59) :
"رواه الطبراني، وفيه عمرو بن واقد، وهو متروك؛ ضعفه الجمهور، وقال محمد بن المبارك الصوري: كان صدوقاً، وبقية رجاله ثقات ".
والخلاصة؛ أن حديث الترجمة بهذه الشواهد لا ينزل إن شاء الله عن مرتبة الحسن؛ فإن أكثرها خالية عن الضعف الشديد. والله سبحانه وتعالى أعلم.(7/925)
وقد جاء حديث أبي ذر من طريق أخرى عنه بنحوه مطولاً، فيه ضعف وانقطاع ونكارة، وهو عند البزار أيضاً (2271) ، فانظر تعليقي عليه في "ضعيف زوائد البزار".
ولعل البعض يتساءل فيقول: إن الشواهد المذكورة أعم من حديث الترجمة؟ فأقول: لا بأس من ذلك؛ لأن الأعم يصلح شاهداً للأقل، ولا عكس كما لا يخفى على أهل العلم، لا سيما وقد جاء في طريق أبي ذر المشار إليها آنفاً من التفصيل ما يؤكد ذلك ويبين أن الوزن تعدد؛ ففيه:
"أتاني ملكان.. فقال أحدهما: زنه برجل، فوزنت برجل فرجحته.. " الحديث، وفيه: "ثم قال: زنه بألف، فوزنني بألف فرجحتهم، فقال أحدهما للآخر: لو وزنته بأمته رجحها ... " الحديث. *
من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -
3315- (هل لك أن أريك آية؟ وعنده نخل وشجرة، فدعا رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عِذقاً منها، فأقبل إليه، وهو يسجد ويرفعُ رأسه، حتى انتهى إليه، فقام بين يديه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارجع إلى مكانك "، فرجع إلى مكانه) .
أخرجه أبو إسحاق الحربي في "غريب الحديث " (5/84/ 1) ، وأبو يعلى في "مسنده " (4/236- 237) ، وابن حبان (2111- موارد) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2 1/ 100/12595) - والسياق له-، وأبو نعيم في "الدلائل " (335) ، وكذا البيهقي (6/16- 17) من طرق عن عبد الواحد بن زياد: ثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال:(7/926)
جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- وكان يداوي ويعالج-، فقال: يا محمد! إنك تقول أشياء، فهل لك أن أداويك؟ قال: فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الله عز وجل، ثم قال: ... فذكر الحديث. قال العامري: والله! لا أكذبك بقول أبداً. ثم قال: يا آل بني صعصعة! والله! لا أكذبه بشيء يقوله أبداً.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.
وللأعمش فيه شيخ آخر، فقال: عن أبي ظبيان عن ابن عباس به نحوه، لكنه قال في آخره:
فقال العامري: يا آل بني عامر! ما رأيت كاليوم رجلاً أسحر!
أخرجه الدارمي (1/13) ، وأحمد (1/223) ، والبيهقي أيضاً (6/15- 16) . قلت: وإسناده صحيح أيضاً.
وتابعه سماك عن أبي ظبيان به إلا أنه قال: فأسلم الأعرابي.
أخرجه البخاري في " التاريخ " (2/ 1/3) ، وعنه الترمذي (3632) ، وابن سعد (1/182) ، والحاكم (2/620) ، ومن طريقه: البيهقي أيضاً (6/15) ، والطبراني في "الكبير" (12/110/12622) من رواية شريك عنه. وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح "!
وقال الحاكم:
"صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
كذا قالا! وشريك- وهو ابن عبد الله القاضي- لم يخرج له مسلم إلا متابعة؛ على ضعف فيه. وقد تنبه لهذا المعلق على "مسند أبي يعلى"؛ ولكنه غفل عن(7/927)
شيء آخر، فقال عقبه:
"نقول: نعم، شريك ضعيف، لكن تابعه عليه الأعمش؛ كما تقدم ".
قلت: تلك متابعة قاصرة؛ إذ ليس في حديث الأعمش عن شيخه الأول أن الأعرابي أسلم، بل في روايته عن شيخه الثاني ما ينافيه، وهو اتهامه للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالسحر! ولا يعارضه قول شيخه الأول: والله! لا أكذبه في شيء أبداً؛ لأن هذا لا يستلزم الإسلام، بل هو على حد قوله تعالى في اليهود: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) ، ومع ذلك فقد عاندوا ولم يسلموا. ولذلك قال ابن كثير في "التاريخ " (6/124) عقب هذا القول:
"وهذا يقتضي أنه سالم الأمر، ولم يجب من كل وجه ".
وخالف البيهقي؛ فقال (6/17) :
"في هذه الرواية تصديق الرجل إياه؛ كما هو في رواية سماك- يعني: برواية شريك عنه-، ويحتمل أنه توهمه سحراً، ثم علم أنه ليس بساحر، فآمن وصدق. والله أعلم ".
فأقول: لا شك في تَوَهُّمِهِ المعجزة سِحْراً، وإنما الشك في إيمانه بعد ذلك، وهذا ما تفرد به شريك، وهو ضعيف عند التفرد، فكيف إذا خالف؟!
نعم؛ قد روي إسلام الرجل في قصة تشبه هذه، لكنها لا تصح؛ لأنها من رواية حِبَّان بن علي: ثنا صالح بن حَيَّان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أَرِنِي آية، قال: "اذهب إلى تلك الشجرة، فادعها"....... الحديث نحوه وفيه:(7/928)
فقام الرجل، فقبّل رأسه ويديه ورجليه، وأسلم.
أخرجه البزار في "مسنده " (3/132- 133- كشف الأستار) ، وكذا ابن الأعرابي في "كتاب القُبَلِ " (ص 6) ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 332- 333) . وقال البزار:
"لا نعلم من رواه عن صالح إلا حبان، ولا نعلم يروى في تقبيل الرأس إلا هذا ".
قلت: وإسناده ضعيف؛ لأن كلاً من صالح وحبان ضعيف؛ كما في " التقريب " وغيره.
وفي الباب قصة أخرى نحو حديث الترجمة من رواية ابن عمر- رضي الله عنهما- بسند صحيح عند البزار وغيره، صححه ابن حبان وغيره، وهو مخرج في " المشكاة " برقم (5925) .
وقد خلط الشيخ حبيب الأعظمي- عفا الله عنا وعنه- في تعليقه عليه في "كشف الأستار" (3/133) بينه وبين حديث عمر- رضي الله عنه-؛ يرويه من طريق علي بن زيد عن أبي رافع عنه، فقال في التعليق عليه:
"قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، ورواه أبو يعلى أيضاً، والبزار (8/292) . قلت (الأعظمي) : وفي إسناده علي بن زيد، وهو حسن الحديث عند الهيثمي والبزار"!
قلت: ومحل الخلط أنه زعم أن في حديث ابن عمر عند البزار علي بن زيد-
وهو ابن جدعان-! وهو وهم محض، وإنما هو في إسناد حديث عمر كما رأيت. وقد ذكره الهيثمي في مكان آخر، وقال فيه (9/ 10) :(7/929)
"رواه البزار وأبو يعلى، وإسناد أبي يعلى حسن "!
قلت: وتخصيصه أبا يعلى بالذكر خطأ، وكذلك تحسينه لإسناده؛ فإنه عنده
- كالبزار- من طريق علي بن زيد، وهو ضعيف.
وكذلك تخصيصه الطبراني بالذكر دون البزار، ولو أنه عكس لأصاب؛ لأن الطبراني رواه من طريق شيخه (الفضل بن أبي روح البصري) ، ولم يوثقه أحد، بل إن الشيخ حماد الأنصاري - رحمه الله - لم يعرفه، فلم يذكره في كتابه الفريد: "بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني "، وقد روى له في "معاجمه " الثلاثة نحو خمسة أحاديث هذا أحدها، ولكني أيضاً لم أجد له ترجمة، بينما البزار- مع كونه أعلى طبقة منه- قد رواه عن شيخه (علي بن المنذر) ، وهو ثقة كما قال الذهبي، ومن رجال "التهذيب "؛ فكان الواجب ذكره دون الطبراني، كما لا يخفى على أهل العلم. *
وجوب التطهر من الغائط
3316- (إذا تغوّط أحدكم؛ فليمسح ثلاث مرّات، (وفي رواية) : فليتمسَّح بثلاثة أحجار) .
ورد من حديث جابر، والسائب بن خلاد، وأبي أيوب الأنصاري:
أ- أما حديث جابر؛ فله عنه طريقان:
الأولى: قال ابن لهيعة: ثنا أبو الزبير عنه أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره بالرواية الأولى.
أخرجه أحمد (3/336) .(7/930)
وابن لهيعة سيّىء الحفظ يستشهد به، وأبو الزبير ثقة، إلا أنه مدلس، لكنه
قد توبع، وهي الطريق:
الأخرى: قال عيسى بن يونس: نا الأعمش عن أبي سفيان عنه مرفوعاً بلفظ:
"إذا استجمر أحدكم؛ فليستجمر ثلاثاً ".
أخرجه ابن خزيمة (1/42/76) ، ومن طريقه: البيهقي (1/103- 104) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (1/155) ، وأحمد (3/400) . وقال الهيثمي (1/211) :
"ورجال أحمد ثقات ".
قلت: بل رجاله ثقات رجال مسلم، فهو إسناد جيد. وقد عزاه الدكتور الأعظمي في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة".
لـ: "م الطهارة 24 من طريق أبي الزبير عن جابر"!
وعليه مؤاخذتان:
إحداهما: أنه ليس عند مسلم (1/147- استانبول) : "ثلاثاً "، وإنما عنده
مكانها: " فليوتر"، وكذلك أحمد (3/ 294) .
والأخرى: أنه عندهما طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر
ابن عبد الله ...
فقد صرح أبو الزبير بالتحديث، وهي فائدة مهمة، فلا يليق إهمالها؛ لما هو معروف عن أبي الزبير من التدليس كما تقدم. ولعل في هذه الرواية قوة لرواية ابن لهيعة المذكورة، ولو في الجملة.(7/931)
2- وأما حديث السائب، فيرويه عنه ابنه خلاد بن السائب الجُهَنِيُّ، وذكره
ابن حبان في " الثقات " (4/ 201) ، وروى عنه جمع من الثقات، وقال الحافظ: "صدوق "، وله عنه طرق ثلاث:
أحدها: يرويه حماد بن الجعد عن قتادة: حدثني خلاد الجهني عن أبيه السائب مرفوعاً بالرواية الثانية.
أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/2/ 151) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(7/167/6623) .
قلت: ورجاله ثقات؛ غير حماد بن الجعد؛ فهو ضعيف؛ كما في "التقريب "، وبه أعله الهيثمي؛ إلا أنه قال:
"رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط "، وفيه حماد بن الجعد، وقد أجمعوا على ضعفه "!
كذا قال! ولا إجماع عليه، كيف وأبو حاتم الرازي- مع تشدده في الجرح-
قال فيه:
"ما بحديثه بأس ".
قلت: فيمكن أن يستشهد به، والله أعلم.
ثم إن عزوه لـ"الأوسط " من هذا الوجه وهم فيما نرى؛ فإنه لم يذكره في كتابه الآخر "مجمع البحرين " (1/296- 297- الرشد) إلا من الطريق الثالثة الآتية.
والطريق الثانية: عن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي: ثنا أبي عن يحيى ابن أبي كثير قال: أخبرني خلاد به أتم منه بلفظ:(7/932)
"وليتمسح ثلاث مرات ".
أخرجه الطبراني أيضاً في "الكبير" (رقم 6624) ، والدّولابي في " الكنى" (1/26- 27) - والسياق له؛ فإن الطبراني لم يسقه-، وفيه:
".. وإذا خرج الرجلان جميعاً؛ فليتفرقا، ولا يجلس أحدهما قريباً من صاحبه، ولا يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك ".
وهو بهذه الزيادة صحيح؛ فإن لها شاهداً قويّاً من حديث جابر- رضي الله عنه-، مضى الكلام عليه برقم (3120) .
وإسناده هنا ضعيف؛ من أجل يزيد بن سنان الرهاوي وابنه.
والطريق الثالثة: يرويه أبو غسان محمد بن يحيى الكناني (الأصل: الكسائي!) قال: حدثني أبي عن ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب قال: أخبرني خلاد (الأصل: ابن خلاد) أن أباه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره مثل الرواية الأولى.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/416- 417/1717- ط) ، وقال:
"لم يروه عن الزهري إلا ابن أخيه، ولا عن ابن أخي الزهري إلا أبو غسان (!) ، تفرد به محمد بن يحيى النيسابوري ".
قلت: كذا الأصل: "إلا أبو غسان "! وكذا في أصله المصور (1/92/2) ، وكذا في "مجمع البحرين " (1/297) ، وهو خطأ ظاهر لم يتنبه له المعلقان على الأصل، و"المجمع "! فإن ظاهره أن (أبا غسان) هو الذي رواه عن ابن أخي الزهري، والذي في الإسناد أن بينهما (أبا أبي غسان) ، وهو علة الإسناد، واسمه (يحيى(7/933)
ابن علي بن عبد الحميد الكناني) ، ترجمه ابن أبي حاتم (4/2/175) برواية ابنه (أبي غسان) فقط عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
ولم يتكلم الهيثمي على هذا الإسناد؛ توهماً منه أن فيه (حماد بن الجعد) المذكور في الطريق الأولى؛ كما تقدم التنبيه عليه فيها.
3- وأما حديث أبي أيوب؛ فيرويه عمرو بن هاشم البيروتي: ثنا الهقل بن
زياد عن الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة عن أبي شعيب الحضرمي عنه مرفوعاً بالرواية الثانية، وزاد:
"فإن ذلك يكفيه ".
أخرجه الطبراني في "الكبير" (4/208/4055) ، و"الأوسط " (4/112-
113/ 3170) ، وقال:
"لم يروه عن الأوزاعي إلا الهقل، تفرد به عمرو".
قلت: هو صدوق يخطئ، كما قال الحافظ، فإن لم يُحَسِّنْ حديثه؛ فلا أقل من أن يستشهد به، على أنه قد توبع في "التمهيد" (22/311) ، وحسنه.
ومن فوقه؛ ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير أبي شعيب الحضرمي، أورده
ابن أبي حاتم برواية الأوزاعي هذه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فهو مجهول. وقال الهيثمي:
"رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط "، ورجاله موثقون؛ إلا أن أبا شعيب صاحب أبي أيوب لم أر فيه تعديلاً ولا تجريحاً "!
قلت: قد فاته أنه ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين " (5/572) ، وليس هو(7/934)
في كتابه "ترتيب الثقات "، فإما أن يكون سقط منه أثناء ترتيبه إياه، أو أنه لم يكن في نسخته من "الثقات ". والله أعلم.
هذا؛ وللحديث في معناه أحاديث كثيرة صحيحة، أقربها إليه ما رواه ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا أتى أحدنا الغائط بثلاثة أحجار.
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني " (1/73) وغيره، وإسناده جيد. وصححه البغوي في "شرح السنة" (1/356) ، وهو في "صحيح أبي داود" (6) .
وله شواهد أخرى مخرجة في "الإرواء" (1/84/44) ، و"صحيح أبي داود"
(رقم 31 و 32) .
(فائدة) : قال في "النهاية ":
"وقد تكرر ذكر (الغائط) في الحديث بمعنى الحدث والمكان ".
وقال البغوي في "شرح السنة " (1/357) :
"وأصل الغائط: المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنَوا به عن نفس الحدث؛ كراهية ذكره بخاص اسمه ".
(تنبيه) : كنت خرجت قديماً حديث الترجمة في "الضعيفة" برقم (2461) من طريق أبي الزبير المعنعنة، وحديث السائب عند الطبراني، وقبل أن يطبع "أوسط الطبراني "، فلما وقفت عليه، وعلى الطرق الأخرى والشواهد؛ بادرت إلى تخريجه هنا، ونقله من "ضعيف الجامع الصغير" إلى "صحيحه "، أداء للأمانة العلمية، وتبرئة للذمة، ولا علي بعد ذلك ما قد يتقوله المتقولون، ويأفكه(7/935)
الأفاكون، الذين لا يعتبرون بقوله - صلى الله عليه وسلم - الحكيم: "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع في عينه "، وقد سبق تخريجه برقم (33) مرفوعاً وموقوفاً، والمعصوم من عصمه الله. *
3317- (اللهمّ! سُقْ إلى هذا الطعام عبْداً تحبُّه ويحبُّك، فطلع سعد [بن أبي وقّاص] ) .
أخرجه البزار في "البحر الزخار" (4/46/ 1210) من طريق مَعْن بن عيسى، قال: حدثتني عُبَيْدَةُ بنت نابِل عن عائشة بنت سعد عن أبيها:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بين يديه طعام، فقال: ... فذكره. وقال:
"لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن سعد بهذا الإسناد".
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، غير عبيدة بنت نابل، وقد ذكرها ابن حبان في "الثقات " (7/307) برواية (الخَصِيب بن ناصح) عنها، وقد روى عنها جمع آخر منهم (معن بن عيسى) ؛ كما ترى في هذا الإسناد، وإسحاق بن محمد الفروي؛ كما في "التهذيب "، وعثمان بن عبد الرحمن الحراني؛ كما قال البزار في "البحر الزخار" (4/ 44) ، ورواية الفروي عنها عنده برقم (1205- 1208) ، ورواية الحراني عنها برقم (1209) ، فهي صدوقة، خلافاً لقول الحافظ فيها: "مقبولة"! ولذلك لم يذكرها الذهبي في (فصل النساء المجهولات) في آخر "الميزان "، بل صحح حديثها كما يأتي.
وأما رواية (الخصيب) عنها؛ فأخرجها الحاكم في "المستدرك " (3/499) من طريق الربيع بن سليمان: ثنا الخصيب بن ناصح: ثنا عبيدة بنت (الأصل: بن) نابل (الأصل: نائل) عن عائشة بنت سعد به، وقال:(7/936)
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
وعلقه ابن أبي حاتم في "العلل " (2/371- 372) من رواية سعيد بن أسد قال: حدثني الخصيب بن ناصح به. وذكر أنه سأل أبا زرعة عنه؟ فقال أبو زرعة: "خالف (معن) فقال: عن عبيدة بنت نابل (الأصل: نائل!) أنها سمعت أم عمرو بنت سعد تحدث عن أبيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بين يديه ... فسمعت أبا زرعة يقوله: حديث (معن) أصح من حديث الخصيب بن ناصح ".
فأقول: لا أرى خلافاً جوهريّاً بين حديثه وحديث معن الذي ذكره أبو زرعة، فقد اتفقا على أن الراوي عن سعد- رضي الله عنه- هي ابنته، كل ما في الأمر أن الأول ذكرها باسمها (عائشة) ، والآخر بكنيتها (أم عمرو) ، والجمع بين الروايات هو الأصل ما أمكن، وهو هنا ممكن بكل يسر، فهي (أم عمرو عائشة بنت سعد) ، ويؤيد ذلك رواية معن عند البزار؛ فقد ذكرها باسمها كما رأيت، فهل يقال: خالف معن معناً؟! غاية ما في الأمر أن بعض الرواة عنه ذكرها باسمها، والبعض الآخر بكنيتها.
فلا اختلاف بين رواية من سماها، وبين رواية من كناها، أقول هذا على التسليم برواية الكنية؛ فإني لم أرها إلا عند أبي زرعة ولا وقفت على إسنادها، لنقابله بإسناد البزار الصحيح إلى (معن بن عيسى) ، وإن كان الظن بأبي زرعة أنه لا يذكر إلا ما صح إسناده؛ لما عرف عنه من الحفظ والنقد للرواة والأسانيد.
وإن مما يؤكد الجمع المذكور؛ أن من المعلوم أن سعداً- رضي الله عنه- قد خلّف جمعاً من الذكور، ولم يخلف إلا بنتاً واحدة، وهي عائشة هذه، فإذا قال بعض الرواة: (أم عمرو بنت سعد) ، فهي (عائشة) يقيناً؛ كما هو ظاهر جلي؛ والحمد لله.(7/937)
ولقد رأيت أخانا الفاضل (أبا إسحاق الحويني) قد دندن حول هذا الجمع في
تعليقه على " مسند سعد بن أبي وقاص "، فقال (216) - بعد أن ساق ما في "العلل "-:
"قلت: رواية معن هنا توافق رواية الخصيب بن ناصح، ولعل "أم عمرو" كنية "عائشة بنت سعد"، فتلتقي الروايتان، والله أعلم ".
ولكنه جزم بضعف إسناده كما ضعفه في أحاديث ثلاثة قبله، بدعوى أن (عبيدة بنت نابل) مجهولة الحال، تابعاً في ذلك قول ابن حجر المتقدم: "مقبولة"!
أو مستأنساً به؛ فإنه بمعناه، والصواب ما تقدم بيانه أنها صدوقة. وإن مما يؤيد ذلك؛ أن الحافظ قال في "الفتح " (4/ 100) - في حديث آخر من طريقها-:
"رجاله ثقات ".
ونقله الأخ الفاضل عنه (ص 214) . فهذا- مع ما قدمته من البيان- يلقي
في النفس الاطمئنان لصحة حديثها. والله أعلم.
(تنبيه) : هذا الحديث مما سقط من كتاب الهيثمي "مجمع الزوائد"، ولذلك
لم يعلق عليه الشيخ الأعظمي المقلّد للهيثمي في كتابه الآخر "كشف الأستار" (3/207/2581) ؛ لأنه لم بجد ما ينقله! ذلك مبلغ علمه وتحقيقه الذي أشاد به الطابع لتعليقاته!
هذا؛ وقد روى عاصم بن أبي النّجود عن مصعب بن سعد عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بقصعة فأكل منها، ففضل منها فضلة، فقال:
"يجيء (وفي رواية: يطلع) رجل من هذا الفج من أهل الجنة، فيأكل هذه ".(7/938)
قال سعد: وكنت تركت (عُميراً) أخي يتوضأ، فقلت: هو عمير، فجاء عبد الله بن سلام، فأكلها ".
أخرجه ابن حبان (9/148/7120) ، والحاكم (3/416) ، وأحمد (1/169) ، والبزار في "البحر" (3/355/1156) ، وأبو يعلى (2/75/ 721 و 98/ 754) من طريق حماد بن سلمة وغيره عنه. وقال البزار:
"لا نعلم رواه عن مصعب بن سعد إلا عاصم، ورواه عن عاصم غير واحد".
قلت: وعاصم متكلّم في حفظه، والذي استقر عليه رأي العلماء: أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، فإن كان حفظه فالحديث حسن، وتكون القصة تكررت، فروى مصعب عن أبيه هذه، وروت أخته عائشة عن أبيها نحوها. وصحح إسناد أخيها الحاكمُ والذهبي. والله أعلم. *
3318- (لا يَعْطِفُ عليكنَّ بعْدِي إلا الصّادقُون الصّابرُون) .
أخرجه البزار في "مسنده " (3/ 210/ 2590- كشف) : حدثنا عبد الله بن شبيب: ثنا محمد بن عبد الله بن يزيد: ثنا محمد بن طلحة الطويل عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال: ... قال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذ كره.
قال عبد الرحمن! فبعت من عبد الله بن سعد بن أبي سَرْحٍ شيئاً- قد سماه - بأربعين ألفاً، فقسمته بينهن- يعني: بين أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورحمهن الله-. وقال البزار:
"روي عن عبد الرحمن من وجه آخر، ولا نعلمه يروى من وجه عنه أحسن
من هذا".(7/939)
قلت: وهو منقطع؛ أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، لم يسمع من أبيه. ورجاله موثقون؛ غير عبد الله بن شبيب؛ وهو أخباري واه؛ لكن تابعه يعقوب
ابن محمد الزهري: نا عمر بن طلحة الليثي عن محمد بن عمرو الليثي به.
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (10/132) .
والزهري هذا صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء؛ كما في "التقريب ". وشيخه عمر بن طلحة الليثي؛ قال الذهبي في "المغني ":
"فيه جهالة، وقال أبو حاتم: محله الصدق ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
" صد وق ".
قلت: والوجه الآخر عن عبد الرحمن الذي أشار إليه البزار، الظاهر أنه يعني رواه عبد الله بن جعفر عن أم بكر أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضاً له من عثمان بن عفان بأربعين ألف دينار، فقسمه في فقراء بني زهرة، وفي ذوي الحاجة من الناس، وفي أمهات المؤمنين. قال المِسْوَر: فدخلت على عائشة بنصيبها من ذلك، فقالت: من أرسل بهذا؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف، فقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا يَحِنُّ عليكم بعدي إلا الصابرون ".
سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة!
أخرجه الحاكم (3/310- 311) ، وأحمد (6/135) وفي "الفضائل " (2/729/
1249) ، وابن سعد في "الطبقات " (3/132 -133) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (10/52- 53/ 9111- ط) ، وابن عساكر في "التاريخ " (10/131- 132 و 132)(7/940)
من طرق عن عبد الله بن جعفر المخرمي به. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد".
وتعقبه الذهبي بقوله:
"قلت: ليس بمتصل ".
وأقول: صورته صورة المرسل، لقول (أم بكر) - وهي بنت (المسور بن مخرمة) -:
"إن عبد الرحمن بن عوف باع ... ؛ فإنها لم تدركه، لكن الظاهر من سياق القصة أنها تلقته عن أبيها؛ لقولها فيه: قال المسور: فدخلت على عائشة ... ؛ فاتصل السند، وإليه مال الشيخ البنا الساعاتي في "الفتح الرباني "؛ كما نقله الأخ الفاضل وصي الله في تعليقه على "الفضائل ".
قلت: ويؤيد ذلك رواية الطبراني وابن عساكر من طرق عن المخرمي عن أم
بكر عن المسور بن مخرمة أن عبد الرحمن ...
وإنما علة الحديث (أم بكر) هذه؛ فإنها لا تعرف إلا بهذه الرواية، ولذلك قال الذهبي في (فصل النساء المجهولات) من "الميزان ":
"تفرد عنها ابن ابن أخيها عبد الله بن جعفر".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"مقبولة".
لكن للمرفوع من حديث عائشة طريق أخرى عنها، وفيه التصريح بأن قوله
في آخره: سقى الله ابن عوف ... أنه من قول عائشة، فهو مدرج في حديث (أم بكر) ، ولذلك فصلته عن المرفوع، وجعلته وراء الهلالين (") ، وهو مخرج في(7/941)
"المشكاة" (6131) محسناً، وقد صححه الترمذي، وابن حبان (2216) .
وله شاهد من حديث أم سلمة، وفيه علتان، انظر "المشكاة" (6132/ التحقيق الثاني) . *
3319- (إنّي، وإيّاكِ، وهذين، وهذا الرّاقد- يعني: عليّاً- يوم القيامة في مكان واحد، يعني: فاطمة وولديْها: الحسن والحسين رضي الله عنهم)
أخرجه الطيالسي في "مسنده " (26/ 190) : حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي فاختة قال: قال علي:
زارنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبات عندنا؛ والحسن والحسين نائمان، فاستسقى الحسن، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قربة لنا، فجعل يعصرها في القدح، ثم يسقيه، فتناوله الحسين ليشرب فمنعه، وبدأ بالحسن، فقالت فاطمة:
يا رسول الله! كأنه أحب إليك؟ فقال:
"لا، ولكنه استسقى أول مرة". ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.
ومن طريق الطيالسي أبي داود: أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 31- 32/2622) ، وابن عساكر في "التاريخ " (5/39- 0 4) .
وأخرجه البزار في "مسنده " (3/223/2616) - بتمامه-، وأبو يعلى (1/393/ 510) - مختصراً- من طريقين آخرين عن عمرو بن ثابت به. وقال البزار:
"لا نعلمه يروى عن علي إلا بهذا الإسناد"!(7/942)
كذا قال! وفيه نظر؛ لأنه عند أحمد وغيره من طريق أخرى كما يأتي.
وعمرو بن ثابت: هو ابن هرمز الكوفي، ويكنى ثابت بأبي المقدام.
وعمرو ضعيف، وأبوه ثابت بن هرمز صدوق يهم.
وأبو فاختة اسمه: سعيد بن عِلاقة، وهو ثقة.
قلت: وقد تابعه عبد الرحمن الأزرق- وهو ابن بشر بن مسعود الأنصاري أبو بشر المدني، ثقة من رجال مسلم-، رواه قيس بن الربيع عن أبي المقدام عنه عن علي قال: ... فذكره نحوه، وفيه: أنه حلب شاة، فَدَرَّتْ.
أخرجه أحمد في "المسند" (1/101) وفي "الفضائل " (2/692/ 1183) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/598/1322) ، وابن عساكر أيضاً.
قلت: وقيس بن الربيع " صدوق سيّئ الحفظ.
وأبو المقدام: هو ثابت بن هرمز، وهو صدوق يهم كما تقدم، فالإسناد يستشهد به.
والحديث قال الهيثمي في "المجمع " (9/ 170) :
"رواه أحمد والبزار والطبراني، وأبو يعلى باختصار، وفي إسناد أحمد قيس
ابن الربيع، وهو مختلف فيه، وبقية رجال أحمد ثقات ".
قلت: وخالف بعضهم في إسناده، فقال الطبراني في "معجمه " (22/405/
1016) : حدثنا محمد بن حُبَّان المازني: ثنا كثير بن يحيى: ثنا سعيد بن عبد الكريم بن سليط وأبو عوانة عن داود بن أبي عوف أبي الجحّاف عن عبد الرحمن ابن أبي زياد أنه سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل يقول: ثنا أبو سعيد الخدري:(7/943)
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على فاطمة ذات يوم؛ وعليًّّ نائم، وهي مضطجعة، وأبناؤها إلى جنبها، فاستسقى الحسن، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى لقحة، فحلب لهم، فأتى به، فاستيقظ الحسين، فجعل يعالج أن يشرب قبله، حتى بكى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن أخاك استسقى قبلك ".
فقالت فاطمة: إن الحسن آثرُ عندك؟ فقال:
"ما هو بآثر عندي منه، وإنما هما عندي بمنزلة واحدة، وإني وإياك ... " الحديث.
ثم ساقه الطبراني (1017) بهذا الإسناد عن سعيد بن عبد الكريم بن سليط الحنفي عن عمرو بن أبي المقدام ... بإسناده المتقدم عند الطيالسي بنحوه.
قلت: وهذا إسناد منكر عندي؛ علته: محمد بن حُبّان المازني (1) شيخ الطبراني؛ فقد ضعفوه؛ قال محمد بن علي الصوري:
"ضعيف "، وقال عبد الغني بن سعيد الحافظ:
"يحدث بمناكير".
كذا في "تاريخ الخطيب " (5/ 231- 232) ، لكنه روى عن أبي القاسم عبد الله
ابن إبراهيم الآبندوني (2) أنه قال:
_________
(1) كذا وقع في "المعجم " في الموضعين! وأظنه محرفاً من (الباهلي) ، فبها ترجموه.
(2) نسبته إلى (آبندون) قرية من أعمال جرجان كما قال في "السير" (16/ 261) . وله ترجمة مبسطة في "أنساب السمعاني ".(7/944)
"لا بأس به إن شاء الله تعالى".
قلت: واعتمد الذهبي تضعيف الصوري المذكور في "الميزان "، و"المغني "،
وزاد فقال:
"وقال ابن منده: ليس بذاك ".
قلت: وأما الهيثمي؛ فأعله بشيخ (ابن حُبان) هذا، فقال في "المجمع " (9/171) - بعد أن ساقه من حديث أبي سعيد الخدري فقط-:
"رواه الطبراني، وفيه كثير بن يحيى، وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان ".
قلت: وتضعيفه المذكور، تبع فيه الذهبي في "الميزان "، وهو مردود؛ لأنه جرح غير ثابت، والمعتمد توثيق ابن حبان؛ لأنه مدعم بغيره كما بينته في ترجمته من "تيسير الانتفاع "، ويكفي في ذلك أنه من شيوخ أبي زرعة الرازي، وهو لا يروي إلا عن ثقة، وكذلك هو من شيوخ أبي حاتم الرازي في هذا الحديث وغيره.
وقد أخرجه الحاكم (3/137) من طريقه: ثنا يحيى بن كثير: ثنا أبو عوانة
به، مع اختصار للقصة. وقال:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
وله طريق آخر؛ يرويه علي بن عابس عن أبي الجحاف به.
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (5/40) .
لكن علي بن عابس ضعيف، فالعمدة على رواية أبي عوانة- واسمه وضاح اليشكري-، وهو ثقة ثبت من رجال الشيخين.(7/945)
ويبقى النظر فيمن فوقه، فأقول:
1- داود بن أبي عوف أبو الجحاف، قال الحافظ:
"صدوق شيعي، ربما أخطأ".
2- عبد الرحمن بن أبي زياد- ويقال: ابن زياد- روى عنه الأعمش أيضاً، ووثقه ابن معين والعجلي، وقال البخاري:
"فيه نظر".
قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وقال الحافظ:
"مقبول "!
3- وأما (عبد الله بن الحارث بن نوفل) ؛ فهو ثقة بالاتفاق، ومن رجال الشيخين.
فالإسناد حسن، فإذا ضم إليه إسناد حديث علي؛ أخذ الحديث قوة، وارتقى إلى مرتبة الصحة. ولعله لذلك سكت عنه الذهبي في "السير" (3/258) بعد أن ساقه من رواية الطيالسي. والله سبحانه وتعالى أعلم. *
3320- (عليك بتقوى الله ما استطعت، واذكر الله عز وجل عند
كل حجر وشجر.
! اذا عملت سيئةً فأحدثْ عندها توبةً؛ السرُّ بالسرِّ، والعلانيةُ بالعلانيةِ) .
أخرجه أحمد في "الزهد" (ص 26) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/159/331) من طرق عن شريك بن عبد الله عن عطاء بن يسار:(7/946)
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: يا رسول الله! أوصني، قال: ...
فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ على ضعف في حفظ شريك بن عبد الله- وهو ابن أبي نَمر المدني-؛ قال الذهبي في "المغني ":
"صدوق ". وزاد الحافظ:
"يخطىء ".
قلت: لكنه مرسل؛ فإن عطاء لم يلق معاذاً، ولذلك قال المنذري في "الترغيب " (4/75/14) :
"رواه الطبراني بإسناد حسن؛ إلا أن عطاء لم يدرك معاذاً، ورواه البيهقي، فأدخل بينهما رجلاً لم يسم ".
واختصر كلامه الهيثمى، فقال في "مجمع الزوائد" (10/74) :
"رواه الطبراني، وإسناده حسن "!
قلت: فما أحسن؛ كما هو ظاهر.
وأما رواية البيهقي التي أشار إليها المنذري؛ فلم أقف عليها الآن، وقد وقفت
على طريقين آخرين عنده عن معاذ، أخرجهما في "كتاب الزهد" (347- 348) ، أحدهما رقم (957) من طريق عبد الرحمن بن الحويرث عن محمد بن جبير رضي الله عنه قال:
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذاً إلى اليمن، فلما حضر رحيله أتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلم عليه، فقال؛ يا رسول الله! إني منطلق فعظني، فقال: ... فذكره.(7/947)
قلت: وهذا مرسل أيضاً، محمد بن جبير- وهو ابن مطعم- تابعي ثقة؛ خلافاً لما تشعر به جملة الترضي عنه، والصحبة لأبيه (جبير بن مطعم) .
والراوي عنه عبد الرحمن: هو ابن معاذ بن الحويرث؛ نسب إلى جده، وهو ضعيف كما في "الكاشف ". وقال الحافظ:
"صدوق يخطىء ".
قلت: فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى.
والطريق الأخرى؛ عند البيهقي (956) من طريق إسماعيل بن رافع المدني
عن ثعلبة بن صالح عن سليمان بن موسى عن معاذ بن جبل به مطولاً نحوه.
ومن طريق البيهقي: أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (10/617) .
ورواه أبو نعيم في "الحلية " (1/ 420) ، ومن طريقه: الديلمي في "مسنده " (3/282) من الوجه المذكور؛ إلا أنه قال: "رجل من أهل الشام " مكان "سليمان ابن موسى".
قلت: وسليمان بن موسى؛ روى له مسلم في "المقدمة"، ولم يلق معاذ بن جبل، فهو مرسل أيضاً.
وثعلبة بن صالح؛ لم أجد له ترجمة.
والرواي عنه إسماعيل بن رافع؛ ضعيف.
وله طريق رابعة؛ عن معاذ تقدم تخريجها برقم (1475) ، ولكن ليس فيها الجملة الأولى، لكنها مع الطرق المتقدمة لها شواهد كثيرة، سبق تخريج بعضها برقم (555 و1730) ، وفي قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) أكبر شاهد لها. *(7/948)
3321- (كان لا يصلّي في لُحُفِنا) .
أخرجه أصحاب " السنن " وغيرهم، وإسناده عند أبي داود (645) هكذا: حدثنا عبيد الله بن معاذ: حدثنا أبي: حدثنا الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة.
ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (1/252) ، وقال؛
"صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي!
فأقول: إنما هو صحيح فقط؛ لأن الأشعث- وهو ابن عبد الملك الحراني- لم يخرج له مسلم، والبخاري إنما أخرج له تعليقاً.
ورواه الآخرون من طرق أخرى عنه، وفي بعضها التصريح بأنه الحراني، وهو مخرج في " صحيح أبي داود" (393) .
وممن صحح الحديث ابن حبان، فأخرجه في "صحيحه " (4/38/0 233- الإحسان) بسنده الصحيح عن عبيد الله بن عمر القواريري: حدثنا معاذ بن معاذ به. وهذه متابعة قوية من عبيد الله القواريري لعبيد الله بن معاذ العنبري، إلى متابعات أخرى يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
وخالفهم إسناداً ومتناً: الحباب بن محمد والد الفضل أبي خليفة، فقال ابن
حبان (4/36/ 2324- الإحسان) ، و (106/ 0 35- الموارد) : أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا أبي: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا أشعث بن سَوَّار عن ابن سيرين ... بلفظ:
"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في لحفنا ".(7/949)
أما مخالفته في اللفظ؛ فهو أنه أسقط حرف (لا) ، فأثبت ما نفاه الثقتان في روايتيهما عن معاذ بن معاذ.
وأما مخالفته في الإسناد؛ فهو أنه قال: (أشعث بن سوار) ، مكان: (أشعث
ابن عبد الملك) !
فلو أن الحباب هذا كان ثقة؛ لكان قوله هذا شاذاً، ولكني أراه منكراً؛ لأنه
غير معروف بالرواية، وليس له في "الإحسان " غير هذا الحديث، وآخر متابع عليه، كما بينته في "التيسير".
وابن سوار ضعيف.
ولا بد لي بهذه المناسبة من التنبيه هنا على أمرين مهمين:
أحدهما: أن الهيثمي في "الموارد" خلط بين اللفظ الأول الصحيح، وبين هذا الآخر المنكر، ولم يميز فيه بينهما كما هو الواجب؛ فإنه لما ساق هذا بإسناده- كما تقدمت الإشارة إليه- أتبعه بإسناد القواريري الذي سقته آنفاً، ولكنه لم يسق لفظه الصحيح، وإنما قال:
"فذكر نحوه "!
فأوهم أنه مثله في المعنى؛ لأنه هو المعروف في علم المصطلح، بل وفي اللغة أيضاً؛ فإن أحداً لا يفهم من قوله: "نحوه "؛ أي: ضده في المعنى كما هو ظاهر، فهو خطأ فاحش لا أدري كيف وقع؟!
وأوهم شيئاً آخر، وهو أن في رواية (القواريري) : (الأشعث بن سوار) ؛ وإنما فيه (الأشعث) غير منسوب، وهو في رواية بعض الثقات (ابن عبد الملك) كما سبق ويأتي.(7/950)
وغفل عن هذه الحقيقة المعلق على "موارد المؤسسة" فنبه على الوهم الأول دون هذا! من أجل ذلك أوردت هذا اللفظ في كتابي "ضعيف موارد الظمآن " (27/ 351) ، والأول في "صحيح موارد الظمآن " (301/352) ، وهما تحت الطبع.
والآخر: أن المعلق على "الإحسان " تصرف بإسناده تصرفاً سيئاً جدّاً فجعله هكذا (6/ 100/2330) : أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، قال: حدثني أبي معاذ بن معاذ قالت: حدثنا أشعث بن سوار ... إلخ.
فانظر كيف وضع (عبيد الله بن معاذ) مكان: (أبي) ، والد أبي خليفة، وحذف قول الأب: "حدثنا"! وبذلك صار (عبيد الله) شيخ أبي خليفة (1) ، و (معاذ ابن معاذ) شيخ ابنه عبيد الله!! وبذلك ظهر الإسناد إلى (أشعث بن سوار) صحيحاً! وهذا نوع من التدليس لا عهد لنا به من أحد لا قديماً ولا حديثاً، وهو أشبه ما يكون بما يعرف عند المحدثين بتدليس الشيوخ! وذلك من شؤم توسيد الأمر إلى غير أهله؛ إلى أولاد لا يحسنون صنعة التخريج والتعليق فضلاً عن فن التصحيح والتضعيف!!
لم يقف أمر المشار إليه عند هذا، بل بنى عليه نوعاً آخر من الجهل والبهت
على الحافظ ابن حبان، فعلق على متن الحديث بقوله:
"هكذا رواه ابن حبان، فأثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في لحف نسائه، وخالفه أصحاب "السنن " وغيرهم؛ فذكروا في روايتهم أنه كان لا يصلي في اللحف ... "!
_________
(1) وهذا مما لم يذكره أحد في ترجمة (أبي خليفة) ، ولا رأيناه في شيوخه، بعد أن تتبعنا رواياته في "الإحسان "، وقد بلغت نحو (700) رواية، ليس في شيوخه فيها- وما أكثرهم- (عبيد الله) هذا!(7/951)
قلت: فنسب الخلاف المذكور إلى ابن حبان، وغمزه في حفظه، وهو منه بريء، وإنما هو من (الحباب بن محمد) والد (أبي خليفة) كما تقدم بيانه. وما أوقعه في هذه الفرية إلا تغييره لإسناده دون أي مستند من نسخة أو رواية، ودون أن يشير إلى ذلك في تعليقه أدنى إشارة!! هداه الله.
وقد انتقل هذا التغيير والتبديل في الإسناد إلى كتاب آخر، ألا وهو "الموارد" (1/168- 169- طبعة المؤسسة) أيضاً، وأظن أن الفاعل واحد، أو أنه أعمى مقلد! فهو هنا قد بين ما كان في أصل "الموارد"، ومع أنه جزم بأنه خطأ- وعليه صحح إسناد "الموارد" طبق تصحيحه المزعوم إياه في "الإحسان "! - مع ذلك كله، فقد ذكر مستنده في التصحيح المذكور، فقال عقب ذكره لإسناد الأصل:
"وهو خطأ، والتصحيح من "سنن أبي داود"، انظر تخريج الحديث والتعليق عليه في (الإحسان) "!
كذا قال! ولم يبين وجه التصحيح الذي زعمه؛ لأنه لو فعل لا نفضح وانكشف جهله بهذا العلم، وذلك لأنه استلزم من مجرد رواية أبي داود الحديث عن شيخه (عبيد الله بن معاذ) ، أن يكون شيخ (أبي خليفة) أيضاً، وهذا غير لازم بداهة، وهذا نقوله على فرض أن يكون من شيوخه، لأنه يحتمل أن يكون غيره ممن رواه فعلاً عن معاذ بن معاذ، مثل (عبيد الله القواريري) ، وهو في السند الثاني من "الموارد" كما تقدم، أو (القاسم بن سلام) ، وهو الراوي لهذا الحديث عن معاذ عند البغوي في "شرح السنة" (2/429/520) ، وفيه قوله: "عن أشعث بن عبد الملك ". وهذه فائدة مهمة، وهي عند الترمذي أيضاً (600) من طريق آخر عنه، وهذا مما يؤكد وهم الهيثمي الآخر كما سبقت الإشارة إليه، ويدين المعلق المشار إليه بالجهل والغباوة والغفلة عن النتائج التي ترتبت من وراء تصحيحه(7/952)
المزعوم من رمي ابن حبان بالمخالفة، وإيهام أن رواية (عبيد الله بن معاذ) هي عن (الأشعث بن سوار) !! ظلمات بعضها فوق بعض، وكذب على كذب.
وأنا لا أعتقد أن المعلق المشار إليه هو الشيخ شعيب، وإنما هو أحد الذين يعملون تحت يده، ويتّكِل عليهم دون أن يطلع على خبطاتهم العشوائية، ثم تنشر باسمه وتحقيقه، فهو من هذه الحيثية مؤاخذ، ولو أنه أحياناً يقرن مع اسمه غيره، وبذلك (تضيع الطاسة) كما يقولون في سوريا! فقد رأيت في التعليقات على "الإحسان " وغيره خبطات كثيرة من نحو ما تقدم، ومنها ما تقدم تحت الحديث (3093) ، فإنه وقع عند ابن حبان مختصراً جدّاً، وبسند منقطع بلفظ:
"من سمّع يهوديّاً أو نصرانيّاً دخل النار"!
وهذا باطل لا أصل له في شيء من مصادر التخريج، وإنما هو مجرد وهم من بعض رواته في "الإحسان "، وبإسناد منقطع، ومع ذلك فالمعلق عليه صحح إسناده! وضغثاً على إبالة؛ فسره تفسيراً مخالفاً للشرع لجهله بفقهه، وعلى خلاف تفسير ابن حبان إياه أيضاً، مع أن فيه نظراً بينته هناك؛ فراجعه إن شئت.
ثم بدا لي شيء يؤكد ما أشرت إليه من اختلاف المعلقين على "الإحسان ":
أن الذي حمل المحرف على تغيير الإسناد إنما هو ظنه أن قول أبي خليفة في الإسناد: "حدثنا أبي " خطأ من الناسخ؛ لأنه لم يعرف أبا أبي خليفة، ولا غرابة في جهله هذا؛ لأن ترجمته عزيزة جدّاً، ولذلك قال الأخ الداراني في تعليقهِ على طبعته من "الموارد" (2/43) :
"أبو خليفة الفضل بن الحباب، ليس له رواية عن أبيه فيما نعلم ".
قلت: ولا بأس عليه من ذلك؛ لأنه انتهى إلى ما علم، ولم يقف ما ليس(7/953)
له به علم كما فعل ذلك المحرف، وإن كان الحباب مترجماً عند ابن حبان كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، وترجمه ابن ماكولا في "الإكمال " أيضاً (2/ 141- 142) كما في "التيسير"، والذي أريد بيانه هنا إنما هو أن الحديث الآخر (1) الذي سبقت الإشارة إليه من رواية أبي خليفة عن أبيه؛ أخرجه ابن حبان في موضعين من "صحيحه " (496 5 و 6393- الإحسان طبعة المؤسسة) ، فقال المعلق عليه في الموضعين:
"والد أبي خليفة اسمه الحباب بن محمد.. ذكره المؤلف في "ثقاته " (8/217) ".
فيغلب على ظني أن هذا المعلق- هنا- هو غير ذاك المعلق المحرِّف- هناك-؛ ولعله (شعيب) . أقول: ما أقول إلا هذا لما وقع منه ذلك التحريف الذي لا وجود له في عالم التحقيق، والله المستعان.
ثم إن الحديث يدل على شرعية التنزه عن الصلاة في ثياب النساء التي تباشر أجسادهن، لكن لا يدل على عدم الجواز؛ لأنه خلاف الأصل، ولأحاديث أخرى تدل على الجواز، كحديث ميمونة رضي الله عنها:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في مرطٍ لبعض نسائه، وعليها بعضه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (395) . وروى أحمد (6/217) بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان يصلي في الثوب الذي يجامع فيه.
_________
(1) هو في نقش خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخرجه الشيخان وغيرهما من طريق أخرى، وهو مخرج في "مختصر الشمائل ". *(7/954)
3322- (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفرات ما بينهن؛ إذا اجتُنبتِ الكبائر) .
أخرجه أحمد (2/ 400) : ثنا هارون: ثنا عبد الله بن وهب قال: حدثني
أبو صخر حميد بن زياد: أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد على شرط مسلم على جهالة في عمر بن إسحاق كما يأتي. وهارون: هو ابن معروف وهو من أقران الإمام أحمد كما في "سير الذهبي " (11/ 181) ، وقد توبع من هارون آخر وغيره.
فقال مسلم في "صحيحه " (1/144) : حدثني أبو الطاهر وهارون بن سعيد الأيلي قالا: أخبرنا ابن وهب به.
وأخرجه البيهقي في "الشعب " (3/308/3619) ، والمزي في "تهذيب الكمال " (1 2/273- 274) بإسناده عن هارون بن سعيد بن الهيثم به.
وأخرجه البخاري في "التاريخ " (3/2/ 140- 141) من طريق آخر عن ابن وهب.
قلت: وعمر بن إسحاق لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي. وقال الحافظ:
"مقبول ".
وقد توبع كما يأتي، وأرى- والله أعلم- أن لا يطلق في ترجمته أنه أخرج له مسلم إلا مقروناً ببيان أنه أخرج له متابعة؛ فقد جاء في "التهذيب " أنه لم يرو له مسلم إلا هذا الحديث الواحد، وهو إنما أخرجه عقب الطريق التي ساقها من رواية(7/955)
العلاء بن عبد الرحمن التي يأتي الإشارة إليها قريباً إن شاء الله تعالى.
أما المتابعة المشار إليها؛ فهي في "مسند أحمد"، قال (2/229) : ثنا هشيم:
أنا العوام بن حوشب عن عبد الله بن السائب عن أبي هريرة مرفوعاً به.
وهذا إسناد ظاهره الصحة، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لكن له علة، فقال أحمد أيضاً (2/506) : ثنا يزيد: أنا العوام: حدثني عبد القه بن السائب عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة ...
قلت: فاختلف هشيم ويزيد- وهو ابن هارون-، وكلاهما ثقة متقن من رجال الشيخين، فزاد يزيد الرجل الأنصاري بين عبد الله بن السائب- وهو الكندي- وأبي هريرة، ولذلك جاء في ترجمة الكندي من "التهذيب ":
"روى عن أبي هريرة، أو عن رجل عنه ".
هكذا على الشك، وإذا نحن تذكرنا قاعدة: (زيادة الثقة مقبولة) كان الراجح رواية يزيد، والله أعلم.
لكن الأنصاري هذا تابعي، فيمكن عدُّه شاهداً ومتابعاً لرواية إسحاق مولى زائدة المتقدمة عند مسلم وغيره.
بيد أنه قد يعكر على هذا أنه قد رواه جماعة من الثقات عن أبي هريرة دون جملة: "ورمضان إلى رمضان "، ومن المفيد تخريجها؛ فأقول:
1- عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحُرَقة عن أبي هريرة به.
أخرجه مسلم وأبو عوا نة (2/22) والترمذي (214) - وصححه-، وابن خزيمة
(1/162/314 و 3/158/1814) وابن حبان (4/65/2409) والبغوي في "شرح(7/956)
السنة " (2/177/345) - وصححه أيضاً-، وأحمد (2/484) كلهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه.
2- محمد بن سيرين عن أبي هريرة.
أخرجه مسلم، وأحمد (2/359) .
3- الحسن- وهو البصري- عن أبي هريرة.
أخرجه أحمد أيضاً (2/414) .
قلت: فاجتماع هذه الطرق لا تلقي في النفس الاطمئنان لثبوت جملة
رمضان في حديث أبي هريرة.
إلا أنني قد وقفت لها على بعض الطرق والشواهد، فلنسقها لننظر فيها، هل
نجد بينها ما يمكن أن نقويها بها؟!
أولاً: قال ابن أبي الدنيا في "فضائل رمضان " (64/36) :
حدثنا أبو سعيد المدني قال: ثنا إسحاق بن محمد الفروي قال: حدثنا يزيد
ابن عبد الملك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"شهر رمضان يكفر ما بين يديه إلى شهر رمضان المقبل ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً، أبو سعيد المدني: هو عبد الله بن شبيب
الربعي، قال الذهبي:
"أخباري علامة، لكنه واه، قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث ".
وإسحاق بن محمد الفروي: من شيوخ البخاري، ضعفوه لسوء حفظه.(7/957)
ويزيد بن عبد الملك: هو النوفلي، قال الذهبي في "المغني ":
"مجمع على ضعفه ".
ثانياً: قال أبو بلال الأشعري: ثنا المفضل بن صدقة أبو حماد الحنفي عن
أبان بن أبي عياش عن أبي مَعْشَر التميمي عن قزعة مولى زياد عن أبي أمامة الباهلي مرفوعاً مثل حديث الترجمة، وزاد:
"والحج يكفر ما قبله إلى الحج ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/313/8016) . وقال الهيثمي في "المجمع " (2/300) :
"وفيه المفضل بن صدقة، وهو متروك الحديث ".
قلت: ومثله أبان بن أبي عياش؛ كما قال أحمد وغيره.
وأبو بلال الأشعري؛ ضعفه الدارقطني.
ثالثاً: قال يحيى بن أيوب: عن عبد الله بن قُريط عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري يحدث: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: فذكر الجملة فقط بلفظ: "صيام رمضان إلى رمضان كفارة ما بينهما".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/46- 47) . وقال الهيثمي (3/142) : "وفيه عبد الله بن قريط، ذكره ابن أبي حاتم، وقال: يروي عنه يحيى بن أيوب، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
قلت: وثقه ابن حبان، وصحح له حديثاً بإخراجه إياه في "صحيحه "، لكنه لا يعرف إلا برواية يحيى هذا، كما هو مبين في "تيسير الانتفاع ".(7/958)
وبالجملة؛ فلا أجد في هذه الأحاديث الثلاثة ما يصلح أن يستشهد به إلا
هذا الحديث الأخير، وبه يمكن- مع متابعة الأنصاري المتقدمة عن أبي هريرة- أن نطمئن لثبوت جملة رمضان في حديث أبي هريرة. ولعله لذلك سكت عنه الحافظ في "الفتح " (4/111) ، فقال:
"ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة ... ".
فذكره بالزيادة. والله سبحا نه وتعالى أعلم. *
3323- (تعاد الصّلاة من ممر الحمارِ، والمرأة، والكلْبِ الأسود، وقال: الكلبُ الأسودُ شيطان) .
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (2/21/831) ، ومن طريقه ابن حبان (4/54- 55/2384) : نا محمد بن الوليد: نا عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي: نا هشام عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به. وفيه:
قلت: ما بال الأسود من الكلب الأصفر من الكلب الأحمر؟! فقال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني؟ فقال: "الكلب الأسود شيطان ".
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وهشام هو ابن حسان؛ كما في رواية ابن حبان.
وقد أخرجه مسلم وغيره من طرق عن حميد بلفظ: "يقطع الصلاة ... "،
وهو مخرج في"الروض النضير" (956) ، و"صحيح أبي داود" (699) وغيرهما. وإنما خرجت حديث الترجمة؛ لتصريحه بالإعادة المفسر للفظ: "يقطع "، وقد(7/959)
قال به طائفة من السلف كما في "معالم السنن " للخطابي، وانتصر له ابن القيم في "زاد المعاد".
وخالف الطبري في "تهذيب الآثار" (ص 321- الجزء المفقود، تحقيق علي رضا) فزعم أن معنى: "يقطع " في هذا نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم إلى سترة " فليدن منها " لا يقطع الشيطان عليه صلاته "؛ وهو حديث صحيح مخرج في "صحيح أبي داود" (692 و 695) ! فقال الطبري:
"ومعلوم أن قطع الشيطان صلاة المصلي ليس بمروره بين يديه وحده دون إحداثه له من أسباب الوسوسة والشك، وشغل القلب بغير صلاته ما يفسد به صلاته ويقطعها عليه "!
فأقول: هذا كلام عجيب غريب من مثل هذا الإمام الحافظ، فإنه يشبه كلام المعطلة لنصوص الصفات بالتأويل المبطل لدلالتها، وإليك البيان:
لقد سلم الإمام بأن الشيطان يقطع الصلاة ليس بالمرور وحده، وإنما بالوسوسة أيضاً، فكيف يصح جعل القطع بمرور الأجناس الثلاثة نظير قطع الشيطان، وليس في شيء منها الوسوسة التي هي من طبيعة الشيطان بنص القرآن: (الذي يوسوس في صدور الناس) ؟! وإنما فيها المرور فقط، أليس في هذا التنظير تعطيلاً واضحاً لعلة المرور المذكور في حديث الأجناس دون الحديث الآخر؟! وذلك أن الشيطان يوسوس ولو لم يمر كما في حديث: "إن أحدكم إذا قام يصلي؛ جاء الشيطان فلبّس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى ... " الحديث متفق عليه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (943) ، ولذلك لم يذكر في الحديث الآخر المرور؛ بخلاف الحديث الأول حديث الأجناس الثلاثة، فاختلفا، ولم يجز التنظير والمساواة بينهما في معنى "القطع ".(7/960)
وأيضاً؛ فالشيطان لا يُرى بحكم قوله تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) ، فناسب أن لا يذكر مروره في الحديث، وعدم الأمر بإعادة الصلاة، بخلاف الحديث الأول؛ فإنها أجناس مرئية فناسب الأمر بالإعادة، فاختلفا من هذه الناحية أيضاً.
فإن قيل: إذا كان الأمر كما ذكرت " فما فائدة الأمر باتخاذ السترة؟! فأقول:
الأمر تعبدي محض، وسبب شرعي غير معقول المعنى للمحافظة على صحة الصلاة في الحديث الأول، وسلامتها من وسوسة الشيطان وتعريضه إياها للفساد، أو على الأقل لنقص الخشوع فيها في الحديث الآخر.
وأيضاً؛ فإن مما يؤكد بطلان ذلك التنظير وفساده: أنه لا يجعل لذكر الأنواع الثلاثة معنى، بل يجعله لغواً، وهذا مما يتنزه عنه كلام من هو أفصح من نطق بالضاد، إذ لا فرق- من حيث شَغلُ البال عن الخشوع- بين أن يكون المار رجلاً أو امرأة، وبين أن تكون امرأة حائضاً (أي: بالغة) وبين أن تكون غير بالغة، كما لا فرق بين أن يكون حماراً أو بغلاً، كلباً أو هراً، كلباً أسود أو غيره؛ إذ كل ذلك يشغل! وسواء كان المرور بين المصلي والسترة أو من ورائها بعيداً عنها أو محتكاً بها! بل لا فرق في ذلك كله بين اتخاذ السترة وتركها؛ إذ الفساد المدعى أو انشغال البال حاصل في كل هذه الأحوال.
وإن مما لا شك فيه أن ما لزم منه باطل فهو باطل، فكيف بما لزم منه بواطيل
من التسوية بين ما يرى وما لا يرى في الحكم، وإلغاء الفرق بين الأجناس المذكورة في الحديث وما لم يذكر فيه، وإلغاء الأمر بالسترة من أصله؟! ولذلك قلت في مطلع الرد على كلام الإمام:
"إنه يشبه كلام المعطلة.. ".(7/961)
قلت هذا؛ وأنا أعرف علمه وفضله وقدره، ولكن قدر كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم عندي من أي شخص بعده، فكن رجلاً يعرف الرجال بالحق، وليس يعرف الحق بالرجال. والله المستعان. *
3324- (غيِّروا سِيما اليهود، ولا تغيِّروا بسواد) .
أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (493/926- الجزء المفقود) : حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة أنه سمع أنس بن مالك يخبر قال:
دخلت يهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنهم؟ فقالوا: يهود يا رسول الله!
وهم لا يصبغون الشعر، فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير ابن لهيعة وسعد ابن إسحاق، وهما ثقتان، وابن لهيعة- واسمه عبد الله- إنما يتقى من حديثه ما كان من غير رواية العبادلة عنه- على الغالب-؛ فإنهم رووا عنه قبل احتراق كتبه كما تقدم التنبيه على ذلك مراراً، وابن وهب- وهو عبد الله المصري- منهم، وهذه فائدة هامة من فوائد كتاب الطبري رحمه الله، ولذلك بادرت إلى تخريجه.
فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/127/142- ط) من طريق يحيى بن بكيرقال: حدثني عبد الله بن لهيعة به نحوه.
وقد كنت عزوته إليه نقلاً عن النسخة المصورة في كتابي "جلباب المرأة المسلمة" (ص 191) شاهداً لحديث عائشة في التغيير. والآن فبهذه المتابعة القوية من ابن وهب ليحيى بن بكير قد صح الحديث، والحمد لله.
وله طريق أخرى عن أنس؛ سبق تخريجها برقم (496) ، وتحته بعض الشواهد. *(7/962)
3325- (كنّا نصلِّي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العِشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسَه أخذهما [بيده من خلفه أخذاً رفيقاً] ، فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد، عادا، فلمّا صلَّى [وضعهما على فخذيه] واحداً ههنا، وواحداً ههنا، قال أبو هريرة رضي الله عنه:
فجئته، فقلت: يا رسول الله! ألا أذهب بهما إلى أمهما؟! قال:
لا، فبرقت برقة، فقال:
الحقا بأمكما.
فما زالا يمشيان في ضوئها، حتى دخلا [إلى أمهما] ) .
أخرجه الحاكم (3/167) - والسياق له-، ومن طريقه البيهقي في "الدلائل " (6/76) ، وأحمد في "المسند" (2/513) - والزيادة الأولى له-، وابنه عبد الله في زوائده على "فضائل الصحابة " لأبيه (2/785/1401) - والزيادة الأخيرة له-، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/45/2659) - والزيادة الثانية له-، والعقيلي في "الضعفاء" (4/9) ، وابن عدي في "الكامل " (6/81) ؛ كلهم من طريق كامل بن العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي!
قلت: وإنما هو حسن فقط؛ للخلاف المعروف في كامل بن العلاء، ولذلك
قال فيه الحافظ:
"صدوق يخطئ ".(7/963)
فهو وسط، وقد أشار إلى هذا الذهبي بقوله في "الكاشف ":
"وثقه ابن معين، وقال (س) : ليس بالقوي ".
فمثل هذا يمشى حديثه إلا إذا تبين خطؤه.
وقد توبع بما لا يفيد، فرواه موسى بن عثمان الحضرمي عن الأعمش عن أبي صالح به مختصراً.
أخرجه البزار في "مسنده " (3/227/2629- كشف الأستار) ، وقال:
"لا نعلم رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة إلا موسى؛ وإنما يعرف من حديث كامل عن أبي صالح ".
ثم ساق إسناده إليه. وموسى هذا؛ قال أبو حاتم:
" متروك ".
ولذلك قال الهيثمي في "المجمع " (9/ 181) :
"رواه أحمد، والبزار باختصار، وقال: "في ليلة مظلمة "، ورجال أحمد ثقات ".
ومن طريق موسى بن عثمان هذا: أخرجه أبو نعيم في "الدلائل " (ص 494) ، لكن سقط من إسناده: "عن أبي صالح "، ولا أدري أهو من الناسخ أو الطابع، أم الرواية هكذا وقعت له؟! والأقرب الأول، فقد رأيت الحديث في "العلل المتناهية " لابن الجوزي (1/256/415) رواه من طريق الدارقطني عن موسى هذا عن أبي صالح به، وأعله بموسى.(7/964)
وهنا تنبيهات:
أولاً: لقد اقتصر ابن الجوزي على ذكر هذه الطريق الواهية، وفاتته طريق كامل بن العلاء الجيدة!
ثانياً: لم يتنبه الأخ الفاضل وصي الله في تعليقه على كتاب "الفضائل " لسقوط (أبي صالح) من إسناد أبي نعيم، مع أنه عزاه إلى "علل الدارقطني " وابن الجوزي، وهو ثابت فيه!
ثالثاً: لم يفصح عن ضعف الحضرمي الشديد، واكتفى بقوله أنهما ضعفاه بموسى!
رابعاً: وهو أهم من كل ما تقدم-: أنه قال بعدما حسن إسناد "الفضائل " من طريق كامل بن العلاء:
"وأخرجه أحمد (2/513) بإسنادين صحيحين، والحاكم.. والطبراني.. كلاهما من طريق كامل "!
فتراه قد غاير بين إسناد أحمد وإسناد من ذكر بعده، وهو واحد! مداره على كامل.
وأسوأ منه: أنه زعم أن لأحمد فيه إسنادين- وصحيحين!! - وهذا وهم فاحش من مثله؛ فإنه عند أحمد من طريق كامل فقط، وفي الموضع الذي أشار إليه كما تقدم، وإليك البيان:
قال أحمد: "ثنا أسود بن عامر: ثنا كامل وأبو المنذر: ثنا كامل أبو كامل قال: أنا- المعنى- عن أبي صالح عن أبي هريرة ... ثنا أبو أحمد- بإسناده- عن أبي صالح: ثنا أبو هريرة ... ".(7/965)
فأنت ترى أن الإمام أحمد رحمه الله رواه أولاً عن شيخيه: أسود بن عامر وأبي المنذر- واسمه إسماعيل بن عمر الواسطي-، كلاهما قالا: ثنا كامل " إلا أن أبا المنذر زاد على الأول فقال: "أبو كامل " فكنى كاملاً بأبي كامل، وهذه الكنية لم يذكروها في ترجمته، وإنما كنوه ب (أبي العلاء) ويقال: (أبو عبد الله) ، فإن كانت محفوظة فهي كنية ثالثة له، ولكنه على كل حال هو لهما شيخ واحد.
ثم قال أحمد: ثنا أبو أحمد ... وهذا شيخ ثالث لأحمد- واسمه محمد بن عبد الله الزبيري-، وهذا رواه أيضاً عن كامل، وهو المراد بقول أحمد: "بإسناده "، وهو الذي لا يمكن أن يفهم من عانى هذا الأمر غيره، وإن كانت العبارة لا تخلو من شيء، وأظن أنها من النساخ.
وعلى كل حال؛ فلو فرض أن إسناد أبي أحمد الزبيري إسناد آخر؛ فالواسطة بينه وبين أبي صالح مجهولة لم تسم، فمن أين له الصحة؟ ! والإسناد الأول حسن كما قال الأخ وصي الله نفسه؛ فمن أين له الصحة أيضاً؟ !
ثم رأيت الحافظ ابن حجر قد أشار في "أطراف المسند" (7/215/9282) إلى وحدة الإسناد، فقال:
"عن الأسود بن عامر، وأبي المنذر، وأبي أحمد، ثلاثتهم عن كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة".
ثم إن هذه القصة قد وردت بألفاظ أخرى مطولاً ومختصراً، وقد ذكرتها في "صفة الصلاة" (ص 148) . *
3326- (هذا العباس بن عبد المطلب، أجود قريش كفاً، وأوصلها) .
أخرجه أحمد في "المسند" (1/185) و"الفضائل " (2/924/1768) وعبد الله(7/966)
في زوائد " الفضائل " (2/938/1804) والبزار في "مسنده " (3/247/2673-كشف الأستار) وأبو يعلى (2/139/820) والنسائي أيضاً في " الفضائل " (93/ 71) والفسوي في " المعرفة " (1/502) والحا كم (3/328 و 329) وابن عساكر في "التاريخ " (8/930- 931) من طرق عن محمد بن طلحة التيمي: حدثني أبو سهيل نافع بن مالك عن سعيد بن المسيّب عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس: ... فذكره. وقال البزار:
"لا نعلمه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، ولا له إلا هذا الإسناد، ومحمد بن طلحة مدني مشهور".
وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد". وأقره الذهبي!
قلت: وفيه نظر؛ لأن محمد بن طلحة هذا فيه كلام من قبل حفظه، ولذلك
قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق يخطىء ".
وقال الذهبي في "الميزان ":
"معروف صدوق، وثِّق. وقال أبو حاتم: لا يحتج به ".
قلت: فمثله حسن الحديث إذا لم يخالف.
وقد رواه بعض الضعفاء عنه عن ابن المنكدر عن سعيد بن المسيب به.
أخرجه ابن عساكر (8/929) من طريق محمد بن يونس البصري: نا يعقوب
بن محمد الزهري: نا محمد بن طلحة التيمي به. وقال ابن عساكر:(7/967)
"غريب من حديث محمد بن المنكدر عن سعيد، والمحفوظ حديث أبي سهيل عنه ".
قلت: وعلته؛ إما يعقوب بن محمد الزهري؛ فإنه كثير الوهم كما في " التقريب ".
وإما محمد بن يونس البصري، وهو به أولى فإنه متهم- وهو الكديمي-؛ قال الذهبي في "المغني ":
"هالك، قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات ".
وأوجد بعض الضعفاء لمحمد بن طلحة متابعاً، فرواه أحمد بن محمد بن السَرِيِّ التميمي: نا أحمد بن موسى بن إسحاق الحمّار الكوفي: نا عبد الله بن عبد الوهاب النمري البصري: نا مطرّف نجن عبد الله عن مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل بن مالك به.
أخرجه ابن عساكر أيضاً. وقال:
"هذا حديث غريب من حديث مالك عن عمه أبي سهيل، والمحفوظ حديث محمد بن طلحة بن الطويل عن أبي سهيل ".
ثم ساقه من الطرق المشار إليها في أول التخريج عن محمد بن طلحة.
وآفة هذه الطريق: أحمد بن محمد بن السري التميمي؛ فإنه رافضي كذاب كما في "الميزان " و"اللسان "، هذا إن سلم من عبد الله بن عبد الوهاب النمري البصري؛ فإنه غير معروف، وبه أعله الدارقطني، فقد أخرجه في "غرائب مالك " من طريق أحمد بن موسى بن إسحاق عنه، وقال:(7/968)
"الراوي عن مطرف ليس بالمشهور، والمعروف في هذا رواية محمد بن طلحة الطويل عن أبي سهيل ".
ذكره الحافظ في ترجمة (.. النمري البصري) هذا في "اللسان ".
ثم أتبعه بترجمة أخرى، فقال:
"عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي.. ".
ثم ذكر بعض شيوخه، وبعض الرواة عنه، ثم ذكر ما قاله أبو نعيم في ترجمته من "أخبار أصبهان " (2/52) :
"قدم أصبهان، وحدث بها، في حديثه نكارة".
وعقب عليه الحافظ بقوله:
"قلت: ويحتمل أن يكون هو [النمري البصري] الذي قبله؛ فإنهما في طبقة
واحدة ".
قلت: وهو احتمال قوي، وقد فاته أن ابن حبان ذكر (الخوارزمي) هذا في
" الثقات " (8/367) ، وقال:
"يروي عن أبي نعيم، روى عنه أهل خراسان، مات سنة سبع وستين ومائتين، ربما أغرب ".
قلت: وإذا عرفت وهاء هذه الطريق بالمتابعة، وطريق ابن المنكدر التي قبلها؛ يتبين لك خطأ قول الشيخ عبد القادر بدران رحمه الله في "تهذيب تاريخ ابن عساكر" (7/ 240- 241) عقب الحديث، مشيراً إلى طريق مالك وغيره:
"رواه بطرق متعددة يقوي بعضها بعضاً "!(7/969)
ونقله عنه الأخ الفاضل وصي الله في تعليقه على "الفضائل " (2/924) ! وأقره؛ لأنه لم يقف على الطريقين الواهيين. *
3327- (من قرأ حرْفاً من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشْرِ أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/216/679) ، والترمذي (8/115/2910) كلاهما بإسناد واحد قالا- والسياق للترمذي-: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا أبو بكر الحنفي: حدثنا الضحاك بن عثمان عن أيوب بن موسى قال: سمعت محمد ابن كعب القُرَظي قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الترمذي:
"ويروى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن مسعود، ورواه أبو الأحوص عن ابن مسعود؛ رفعه بعضهم، ووقفه بعضهم عن ابن مسعود. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ".
قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير الضحاك بن عثمان، احتج به مسلم، وهو مختلف فيه، قال الذهبي في "الميزان ":
" صد وق ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق يهم ".
وكأن البخاري أشار إلى هذا بقوله عقب الحديث في ترجمة القرظي:(7/970)
"لا أدري حفظه أم لا؟ ".
قلت: لكن الأصل في مثل هذا المتكلم فيه تمشية حديثه؛ إذا لم يتبين وهمه فيه كما هنا " وإلا لزم التوقف عن قبوله حديث كثير من رواة البخاري الذين يتكلم فيه بعض الحفاظ كأبي بكر بن عياش ونحوه، ولذلك رأينا تلميذه الترمذي قد قوّى هذا الحديث، وأقره جماعة من الحفاظ، منهم المنذري في "الترغيب " (2/205) ، وابن تيمية في "الفتاوى" (12/13 و 23/282) وغيرهم- لو تتبع- كثير، مثل الضياءالمقدسي كما كنت نقلته من جزء له في "الصحيحة".
وخالفه موسى بن عبيدة فقال: حدثنا محمد بن كعب عن عوف بن مالك الأشجعي مرفوعاً به نحوه.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/461/9982) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (1/213- 214) . وموسى هذا: هو الربذي؛ ضعيف.
وله طريق أخرى من رواية عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عن ابن مسعود به مرفوعاً.
أخرجه ابن منده في جزء "الرد على من يقول: (الم) حرف " (رقم 4 و5 و 6)
من طريق حماد بن زيد وسفيان الثوري وغيرهما عنه " وهما رويا عنه قبل الاختلاط، فهو إسناد صحيح، وقد كنت خرجت قديماً رواية سفيان في "الصحيحة" (660) من رواية الخطيب، والآن وجدتها من رواية ابن منده أيضاً عنه وعن حماد في كتابه المذكور تحقيق الأخ الباحث المحقق عبد الله الجديع.
لكني رأيته قد ذهب إلى إعلال هذين الطريقين الصحيحين وغيرهما مما رواه
ابن منده وغيره- بالوقف- بحجة أن أكثر الطرق الصحيحة عن ابن مسعود هي(7/971)
موقوفة، ولست أشك في أصحية كثير من الطرق الموقوفة، وقد ساق بعضها الطبراني في "المعجم الكبير" (9/139- 140) ، ولكني رأيته متكلفاً في نصب التعارض بينها وبين الطرق المرفوعة من جهة، ومغالياً في ادعاء الانقطاع بين محمد بن كعب القرظي وعبد الله بن مسعود من جهة أخرى.
أما التكلف؛ فإني لا أرى أي تعارض بين المرفوعات والموقوفات حتى يصار
إلى ترجيح هذه على تلك؛ ذلك لأن الموقوف هنا في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر، وهذا هو ملحظ الترمذي ومن وافقه حين صححوه، وهم على علم بالطرق الموقوفة دون ريب، وكذلك الحافظ ابن منده الذي أقام جزءه على الطرق المرفوعة، وساق الطرق الكثيرة الموقوفة، فلم يعل تلك بهذه لما ذكرت.
وأما المغالاة؛ فقد تشبث في إثبات الانقطاع المزعوم بقول البخاري المتقدم:
"لا أدري حفظه أم لا؟ "! فقال:
"أراد قوله: سمعت عبد الله ".
وأقول: إن كان أراد ذلك؛ فليس إلا شكاً في السماع، وليس نفياً له، ولو صرح بالنفي؛ فغيره قد أثبته، وأعني به الترمذي، فإن تصحيحه للحديث يستلزم صحة اتصال إسناده كما هو ظاهر، بل قد صرح أبو داود بسماعه منه فقال.
"سمع من علي ومعاوية، وابن مسعود".
ومعلوم من علم الأصول أن المثبت مقدم على النافي، وهذا أمر لا يخفى عليه
إن شاء الله. ولكن لننظر كيف رد الإثبات بطرق ملتوية هزيلة:
لقد نقل عن الترمذي قوله عقب تصحيحه المذكور:(7/972)
"سمعت قتيبة يقول: بلغني أن محمد بن كعب القرظي ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
قلت: ومع أن الترمذي لم يصحح هذا- كيف وهو قد ذكره بلاغاً وهو نقل عن مجهول- " فهو شاذ غير مقبول كما قال (الجديع) نفسه؛ ومع ذلك فهو يقول في قول الترمذي:
"ولعل هذا القول هو عمدته في تصحيح الحديث، ولذا ذكره، ووافق الترمذي
أبو داود في نقله عن قتيبة، لكن في رواية أبي داود:
سمعت قتيبة يقول: "بلغني أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: واعتمد هذا القول
أبو داود فقال في محمد بن كعب: سمع من علي، ومعاوية، وابن مسعود". فأقول: أما قوله: "ولعل ... " إلخ فيقال له: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب، وكذلك قوله: "واعتمد هذا القول أبو داود ... " فهو مثله أو أسوأ؛ لأنه مجرد دعوى لا دليل عليها، فسبيلها أن يضرب بها عرض الحائط، لا سيما وهي في صدد ردّ حقيقة ثابتة، وهي تصريح الراوي الثقة بالسماع، بل واتهام لحافظين من حفاظ الأمة أنهما يصححان الأحاديث بناء على بلاغ منقطع لا يخفى على المبتدئ في هذا العلم ضعفه. وإني- والله- لأعجب من جرأة هذا الباحث على مثل هذه الدعوى الهدامة التي لم يسبق إليها، وليس هذا فقط، بل ولا يقيم وزناً لبعض الأقوال التي تؤيد الاتصال من بعض الحفاظ من أئمة الجرح والتعديل المطلعين على أقوال الحفاظ السابقين من الناقدين، كالحافظ العسقلاني الذي رد البلاع الذي تقدم عن قتيبة بقوله:
"لاحقيقة له ".(7/973)
ومع ذلك؛ فإنه لم يرد قول أبي داود الصريح بسماع القرظي من ابن مسعود والآخرين معه، بل إنه أشار إشارة قوية إلى تمريض القول المخالف له؛ فإنه لما ذكر في مطلع ترجمته جماعة من الصحابة الذين روى عنهم، وفيهم هؤلاء الثلاثة؛ عقب على ذلك بقوله:
"يقال: إن الجميع مرسل ".
وهو قول الحافظ المزي في "تهذيبه "، ولذلك رأيت الحافظ العلائي في "جامع التحصيل " (ص 329) يعقب على قول أبي داود الصريح بالسماع بقوله:
"وهذا هو الصحيح ... "
ثم احتج له بهذا الحديث، مشيراً إلى صحته، ومبطلاً لقول من قد يقول بانقطاع إسناده!
ويخطر في البال أن المخالف شعر أن ما تشبث به لا يكفي لإثبات الانقطاع، فلجأ إلى شيء بديع لم يتنبه له أولئك الحفاظ! ألا وهو الاحتجاج بما ذكروه من تاريخ ولادة (محمد بن كعب القرظي) ، وهو سنة (40) على أكثر ما قيل، وما ذكروه في وفاة ابن مسعود، وهي سنة (33) على أكثر الأقوال؛ وعليه قال (ص 99) :
"وأي ذلك كان الصواب؛ فإنه ولد قطعاً بعد موت ابن مسعود"!
فأقول: أثبت العرش ثم انقش؛ فإن الأقوال التي قيلت في تاريخ ولادته هي أقوال معلقة لا زمام لها ولا خطام، فالاعتماد عليها فاسد الاعتبار في مثل هذا المجال، وأتعجب منه! لقد رد قول قتيبة: بلغني.. المتقدم بأنه عن مجهول فهو شاذ غير مقبول، رده لأنه يثبت اتصال سند الحديث الذي رفضه، والآن تشبث بالتاريخ الذي لا سند له؛ لأنه يؤيد الانقطاع الذي زعمه!! وأعل به رواية الثقة(7/974)
الذي قال عن محمد بن كعب: سمعت عبد الله بن مسعود ... فاعتبروا يا أولي الأبصار!
لقد ذكرني صنيع هذا الباحث بما فعله بعض الحنفية بحديث أبي هريرة الصحيح: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر، فسلم في ركعتين ... - الحديث- وفيه قصة ذي اليدين وإتمامه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة بعد قوله: "أصدق ذو اليدين؛ ". متفق عليه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (923) . فأعله بعض الحنفية انتصاراً لمذهبه بقول الزهري: إن صاحب القصة- يعني: ذا اليدين- استشهد ببدر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر. فأعل الصحيح بقول الزهري المعضل، فهذا كذاك! انظر "فتح الباري " (3/96- 97) . *
3328- (كان يقرأ في ركعتي الفجر، [والركعتين بعد المغرب] (قل يا أيّها الكافرون) و (قل هو الله أحد)) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/424/13564) : حدثنا عبدان بن أحمد: ثنا الفضل بن سهل الأعرج: ثنا أبو الجوّاب الأحوص بن جوّاب عن عمار ابن رزيق عن أبي إسحاق عن "إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ... الحديث دون الزيادة.
قلت: وعبدان بن أحمد- وهو الأهوازي- ثقة حافظ.
وقد تابعه الإمام النسائي فقال في "سننه " (1/154) : أخبرنا الفضل بن سهل به أتم منه، ولفظه:
رمقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل الفجر ... فذكر السورتين.(7/975)
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أن ابن جَوَّاب قد تُكلم فيه، قال ابن معين: "ثقة "، وقال مرة:
"ليس بذاك القوي ".
وشيخه عمار أقوى منه، وقد قال فيه النسائي والبزار:
"ليس به بأس ".
وقد خولف في إسناده من ثلاثة من ثقات أصحاب أبي إسحاق- وهو السبيعي-:
الأ ول: سفيان الثوري. فقال عبد الرزاق في "المصنف " (3/59/4790) : أخبرنا الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد به دون الزيادة، نحو رواية النسائي دون الزياد ة.
ومن طريق عبد الرزاق: أخرجه أحمد (2/35) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/414/13527) .
ثم قال أحمد (2/94) : حدثنا أبو أحمد الزبيري: حدثنا سفيان به.
وأخرجه الترمذي (2/84/417) , وابن ماجه (1149) من طرق أخرى عن أبي أحمد الزبيري. وقال الترمذي:
"حديث حسن، ولا نعرفه من حديث الثوري عن أبي إسحاق إلا من حديث أبي أحمد، والمعروف عند الناس حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، وقد روي عن أبي أحمد عن إسرائيل هذا الحديث أيضاً ".(7/976)
قال المحقق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "الترمذي " (2/277) :
"كأن الترمذي يشير إلى تعليل إسناد الحديث بأن الرواة رووه عن إسرائيل عن أبي إسحاق، وأنه لم يروه عن الثوري إلا أبو أحمد؛ وليست هذه علة إذا كان الراوي ثقة، فلا بأس أن يكون الحديث عن الثوري وإسرائيل معاً عن أبي إسحاق، وأبو أحمد ثقة، فروايته عن الثوري تقوي رواية غيره عن إسرائيل، ثم هو قد رواه عن إسرائيل أيضاً كغيره، فقد حفظ ما حفظ غيره، وزاد عليهم ما لم يعرفوه، أو لم يرو لنا عنهم ".
قلت: وهذا هو التحقيق الذي تقتضيه الصناعة الحديثية.
على أنه يستدرك عليه وعلى الترمذي رواية عبد الرزاق المتقدمة عن سفيان الثوري، وهذا مما يؤيد تحقيق أحمد شاكر رحمه الله.
وفاته تخريج حديث إسرائيل عن أبي إسحاق- وهو الثاني من أصحابه الثلاثة الذين سبقت الإشارة إليهم-، فأقول:
الثاني: إسرائيل- وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي- قال: عن أبي إسحاق به , وفيه الزيادة.
أخرجه أحمد (2/24 و 58 و 77 و 99) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (1/176) من طرق عنه- أحدها عند أحمد في الموضع الثالث-: حدثنا محمد ابن عبد الله بن الزبير، وهو أبو أحمد الزبيري.
الثالث: أبو الأحوص سلام بن سُليم قال: عن أبي إسحاق به، وفيه الزيادة بلفظ:
سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من عشرين مرة يقرأ ... الحديث.(7/977)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (2/242) ، والطيالسي في "مسنده " (257/1893) قالا: حدثنا أبو الأحوص به.
وخالفهما في المتن موسى بن داود قال: ثنا أبو الأحوص به دون الزيادة.
أخرجه الطبراني (12/415/13528) .
وموسى بن داود: هو الضبي، قال الحافظ:
"صدوق فقيه زاهد له أوهام ".
فلا تضر مخالفته؛ لأن زيادة الثقة مقبولة، ولا سيما إذا كانت من ثقتين حافظين كما هو ظاهر.
وللحديث طريقان آخران عن ابن عمر، ولكنهما ضعيفان:
أحدهما: عن ليث عن نافع عن ابن عمرقال:
رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرين ليلة أو خمساً وعشرين ليلة أو شهراً ... الحديث بالزيادة.
أخرجه ابن نصر المروزي في "قيام الليل " (ص 31- هندية رفاه) .
قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري؛ غير ليث- وهو ابن أبي سُليم-، قال الذهبي في "الكاشف ":
"فيه ضعف يسير من سوء حفظه ".
قلت: وذلك لاختلاطه، فمثله يستشهد به.
والطريق الأخرى: يرويها إسماعيل بن عمرو البَجَلي: نا إسرائيل عن ثُوَير بن أبي فاختة عن ابن عمر به.(7/978)
أخرجه الطبراني في " الكبير"؛ كذا في أصل "صفة الصلاة" دون ذكر الجزء والصفحة، فلا أدري من أين نقلته يومئذ؟!
وإسماعيل البجلي، وثوير بن أبي فاختة " كلاهما ضعيف.
وللحديث شاهد من حديث ابن مسعود؛ يرويه عبد الملك بن الوليد بن معدان عن عاصم ابن بهدلة عن أبي وائل عنه قال:
ما أحصي ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ... الحديث بالزيادة.
أخرجه الترمذي (431) ، وابن ماجه (1166) ، وابن نصر أيضاً، والطحاوي (1/175- 176) . وقال الترمذي:
"حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن معدان ".
قلت: وهو ضعيف كما في "التقريب ". وقال الذهبي في كتابه "المغني ":
"ضعفو5".
وهناك شاهد آخر؛ لكن في إسناده أصرم بن حوشب بسنده عن عبد الله بن جعفرمثله.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (8/373) في جملة أحاديث بهذا الإسناد تحت رقم (7757) ، وأفاد أنه لا يروى إلا بهذا الإسناد.
قلت: وهو ضعيف جدّاً؛ أصرم هذا متروك متهم، فهو ممن لا يستشهد به.
والذي يمكن أن أستخلصه من هذا التخريج والتحقيق: هو أن الحديث صحيح لذاته، أو لغيره بمجموع طرقه عن ابن عمر، وبشاهده عن ابن مسعود، والأول أرجح عندي، وذلك لاتفاق الثقات الثلاثة على روايته عن أبي إسحاق السبيعي عن مجاهد عن ابن عمر.(7/979)
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، ولا يحول بيني وبين الجزم بصحته إلا أمران معروفان في ترجمة السبيعي:
أحد هما: اختلاطه، لكنا قد أمنّا هذا منه برواية الثوري عنه، فإن من المشهور أنه روى عنه قبل الاختلاط، وروايته عنه في "الصحيحين ". وقد تابعه سلام بن سليم كما تقدم، وقد أخرجا له عنه في "الصحيحين " أيضاً.
والآخر: عنعنته، فقد رمي بالتدليس، وهذا في نقدي غير وارد هنا، وذلك لما يأتي:
أولاً: أنهم قد ذكروا في ترجمة السبيعي أنه روى عن ابن عمر، وممن ذكر ذلك ابن أبي حاتم عن أبيه، فلو أن السبيعي أراد التدليس لأسقط مجاهداً من البين، ولرواه عن ابن عمر مباشرة؛ ولو أنه فعل لصدق عليه وصف التدليس هنا، وقد أشار إلى هذا ابن أبي حاتم في روايته عن أبيه في "المراسيل " (ص 94) أنه قال:
"لم يسمع أبو إسحاق من ابن عمر، إنما رآه رؤية".
ثانياً: روى في "الجرح " بسند صحيح عن الطيالسي قال:
"قال رجل لشعبة: سمع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: ما كان يصنع بمجاهد؟! كان هو أحسن حديثاً من مجاهد، ومن الحسن، وابن سيرين ".
قلت: فهذا شعبة يكبره أن يروي عن مجاهد؛ لأنه أجل منه عنده، ومع ذلك فإنه لما احتاج إلى حديثه؛ رواه عنه وأثبته ولم يدلسه، فهذا مما يدفع عنه شبهة التدليس هنا.(7/980)
ثالثاً: لو كانت عنعنته هنا علة؛ لتمسك بها أبو حاتم نفسه حينما أورد هذا الحديث في كتابه "العلل "، والواقع أنه أعله بعلة أخرى، وهي غير قادحة إن شاء الله كما سأبينه قريباً بإذن الله تعالى، فثبت أن الإسناد صحيح جزماً، والحمد لله.
وكأنه لذلك أورده الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، كما كنت ذكرت في " صفة الصلاة "، والى ذلك يجنح كلام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه المتقدم على "الترمذي ".
ولا يشكل على هذا التصحيح اقتصار الترمذي على التحسين؛ لأنه لم يكن - فيما أرى- إلا بسبب خوفه أن يكون أبو أحمد الزبيري وهم في رواية الحديث عن سفيان، أما وقد تابعه عبد الرزاق؛ كما أسلفت؛ فقد زال الإشكال. والحمد لله.
وأما ما أعله به أبو حاتم؛ فهو ما في كتاب ابنه "العلل "، قال (1/105) :
"سألت أبي عن حديث رواه أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن مجاهد عن
ابن عمر ... (فذكر الحديث) ؛ قال أبي:
ليس هذا الحديث بصحيح، وهو عن أبي إسحاق مضطرب، وإنما روى هذا الحديث نفيع الأعمى عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "!
فأقول: هذا الإعلال غريب جدّاً، وبخاصة من مثل هذا الإمام النقاد! فإنه لو صب كلامه على إسناد الحديث فقط؛ لكان أهون من نفيه صحة الحديث، فإنه لا يخفى على أهل العلم أن الحديث قد لا يصح بإسناد، ويصح بإسناد آخر، أو بشواهد، أو بمجموع طرقه، ولذلك نصوا على أن من وقف على حديث بإسناد ضعيف؛ لا يقول: "حديث ضعيف "، وإنما: "إسناده ضعيف " إلا إن كان من الحفاظ الجامعين للطرق والأسانيد، فله ذلك.(7/981)
إذا عرفت هذا؛ فمن الميسور أن تتبين خطأ الإمام من وجوه:
الأول: أنه خطأ (أبا الأحوص) الثقة في إسناده- عن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر- برواية مجهولة عن نفيع الأعمى، لم يسق إسنادها لننظر فيه هل يصح أن يعارض لمثله إسناد هذا الثقة، أم هو مثل إسناد ذاك المخالف المتقدم: عمار ابن رزيق؟
الثاني: لو فرض أن الإسناد الذي لم يسقه هو صحيح إلى نفيع، وكان مداره على أبي إسحاق؛ فلا ينهض لمعارضة رواية أبي الأحوص لمتابعة سفيان وإسرائيل إياه.
الثالث: هب أن رواية نفيع هي الأرجح من رواية الثلاثة؛ فهناك الطريقان الآخران عن ابن عمر، والشاهد عن ابن مسعود، وكل ذلك مما يدفع الترجيح المذكور.
الرابع: لو سلمنا جدلاً بهذا الترجيح؛ فذلك لا يستلزم تضعيف الحديث لما ذكرته من الأسباب بين يدي الوجه الأول، وهي كلها متوفرة في هذا الحديث كما تقدم بيانه، وبخاصة بالنسبة لركعتي الفجر؛ فقد ذكر الحافظ في "الفتح " (3/47) لحديث ابن عمر هذا شواهد من حديث عائشة، وابن مسعود (الماضي) ، وأنس، وجابر، وأبي هريرة؛ وقد عزاها إلى مصادرها من كتب السنة، وأصحها حديث أبي هريرة؛ فإنه في "صحيح مسلم "، و"أبي عوانة"، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (1150) .
وهناك إعلال آخر للحديث يشبه ما تقدم في الغرابة، ويشترك معه في الغفلةعن الطريق الصحيحة، ويزيد عليه أنه نقد الطريق الضعيفة المتقدمة من رواية ليث ابن أبي سليم، فقال ابن نصر عقبها:(7/982)
"وهذا غير محفوظ عندي؛ لأن المعروف عن ابن عمر رضي الله عنه: أنه روى عن حفصة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الركعتين قبل الفجر، وقال: تلك ساعة لم أكن أدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها"!
قلت: إنما يستقيم على قوله في الحديث: إنه غير محفوظ! وهذا مردود بما تقدم من الطريق الصحيح عن مجاهد عن ابن عمر، ومن الظاهر أن ابن نصر لم يقف عليها؛ وإلا لساقها ولم يعقب عليها بما تقدم منه.
ثم إنه ليس في حديث الليث الذي ساقه- فضلاً عن غيره مما لم يحط به علمه- أن ابن عمر رآه تلك المرات الكثيرة في حالة الإقامة حتى يرد عليه حديث أخته حفصة، فيمكن أن يكون ذلك والنبي - صلى الله عليه وسلم - خارج بيته في بعض المناسبات كغزوة الخندق، وهذا بالنسبة لركعتي المغرب، وأما بالنسبة لركعتي الفجر؛ فمن الثابت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدعهما سفراً ولا حضراً، ولا بد أن ابن عمر سافر معه - صلى الله عليه وسلم - كثيراً كحجة الوداع، فرآه في بعض أسفاره يصليها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإن من جنف بعض الطلبة المغرورين الذين لم يعرفوا بعدُ قدر العلم والعلماء - على السنة الصحيحة- أن أحدهم ألف رسالة بعنوان: "نظرات في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - "؛ ضعف فيها عشرات الأحاديث الصحيحة، مقدماً فيها ما قيل في بعضها من الجرح والعلة، دون أن يدرس هل هي علة قادحة أم لا؟! ودون التفات إلى قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق، ودون اعتداد بموقوفات الصحابة التي هي في حكم المرفوع، حتى وصل به الأمر إلى تضعيف حديث الاستفتاح بـ: " سبحانك اللهم وبحمدك ... .." مع وروده عن خمسة من الصحابة وغيرهم، وتعليم عمر رضي الله عنه الناس وهو يصلي بهم ويرفع صوته به يعلمهم، وهو صحيح الإسناد عنه كما اعترف هو به؛ ومع ذلك انتقده عليّ! وهذا مثال آخر بين(7/983)
يديك؛ فإنه نقل إعلال أبي حاتم وابن نصر لحديث ابن عمر، دون أن يتنبه أنه محصور في بعض الطرق، وأنه لا يلزم من الضعف المذكور- لو سُلِّمَ به- ضعف الحديث لطرقه الأخرى، والشواهد التي منها حديث أبي هريرة في " صحيح مسلم "؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار! *
3329- (إنك لست مثلي، إنما جُعل قُرَّةُ عيني في الصلاة) .
أخرجه ابن نصر في " تعظيم قدر الصلاة " (ق 68/2) : حدثنا يحيى بن عثمان: ثنا هقل عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام من الليل؛ وامرأة تصلي بصلاته، فلما أحس التفت إليها، فقال لها:
"اضطجعي إن شئت ".
قالت: إني أجد نشاطاً؟! قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير يحيى بن عثمان- وهو أبو زكريا الحربي البغدادي-؛ قال أبو زرعة:
"تقة". وقال ابن معين:
"ليس به بأس "، كما في "الميزان " و"التعجيل "، و"تاريخ الإسلام " (17/403) . وفاتهما قول صالح بن محمد جزرة:
"صدوق، وكان من العباد"؛ رواه عنه الخطيب (14/ 191) . وذكره ابن حبان
في " الثقات "، وقال (9/ 263) :
"ربما وهم ".(7/984)
والحديث أخرجه العقيلي (4/ 420) - مختصراً-، والخطيب (14/ 190) - أتم منه- من طريقين آخرين عن يحيى بن عثمان به. وقال العقيلي:
"لا يتابع على حديثه ".
وقال الخطيب:
"تفرد بروايته هكذا موصولاً: هقل بن زياد عن الأوزاعي، ولم أره إلا من رواية يحيى بن عثمان عن هقل، وخالفه الوليد بن مسلم فرواه عن الأوزاعي عن إسحاق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً؛ لم يذكر فيه أنسآ)) .
ثم ساق إسناده إلى الوليد، وفيه أن المرأة: من أزواجه.
وأقول: هقل ثقة متقن من رجال مسلم، وبخاصة في روايته عن الأوزاعي، فقد كان كاتبه، حتى قال أحمد:
"لا يُكتب حديث الأوزاعي عن أوثق من هقل ".
ونحوه قول أبي مسهر:
"ما كان ههنا أحد أثبت في الأوزاعي من هقل ".
ولذلك؛ فروايته أرجح من رواية الوليد بن مسلم، ولا سيما ومعه زيادة في الإسناد، فيجب قبولها حسب القاعدة المعروفة، وبخاصة أن رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي متكلم فيها.
ولجملة (القُرة) منه طريق آخر عن أنس، وهو مخرج في "المشكاة" (5261) ، و" الروض النضير" (رقم 53) ، و"الرد على الهدام " (رقم: 141) .
وقد مضى قريباً من حديث المغيرة (3291) ، وقد سبق في (1107و1809) مكرراً. *(7/985)
3330- (إذا أراد الله جل ذكره أن يخلق النسمة، فجامع الرجل المرأة؛ طار ماؤه في كل عرق وعصب منها، فإذا كان يوم السابع؛ أحضر الله له كل عرق بينه وبين آدم، ثم قرأ: [في أيّ صورة ما شاء ركبك] ) .
أخرجه الحافظ يعقوب الفسوي في "المعرفة" (1/342) ، ومن طريقه البيهقي في "الأسماء" (ص 387) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (9 1/0 29/ 644) ، و"الأوسط " (2/365/1636) ، و"الصغير" (ص 1 2- هند، الروض 850) ، وأبو نعيم في "الطب النبوي " (ق 9 1/ 1) ، وابن منده في "التوحيد" (1/ 231- 232/89 و 2/ 80/ 220) من طريقين عن أنَيْس بن سوَّار الجرمي: ثنا أبي: ثنا مالك بن الحويرث قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الطبراني:
"لا يروى عن مالك بن الحويرث إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن سوار".
وقال ابن منده:
"هذا إسناد متصل مشهور على رسم أبي عيسى والنسائي وغيرهما".
قلت: يشير إلى أنه حسن على شرط أبي عيسى الترمذي وسائر أصحاب "السنن "؛ وهو كما قال إن شاء الله تعالى؛ فإن أنيس بن سوار وأباه ترجمهما البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيهما جرحاً ولا تعديلاً، وذكرهما ابن حبان في "الثقات "، فقال في (سوار) (4/337) :
"سوار الجرمي، بصري، يروي عن مالك بن الحويرث، روى عنه ابنه قتادة ابن سوار، وأنيس بن سوار الجرميان، وأبو قلابة".
كذا قال في "طبقة التابعين ". ثم أورده في "طبقة أتباع التابعين "، فقال (6/422) :(7/986)
"سوار الجرمي، من أهل البصرة، يروي عن أبي قلابة. روى عنه ابنه قتادة ابن سوار".
ويلاحظ أنه ذكر أبا قلابة في الموضع الأول في الرواة عنه، وفي الموضع الآخر أنه روى هو عنه، وهذا هو الصواب لموافقته لما في كتابي البخاري وابن أبي حاتم: أنه روى عن مالك بن الحويرث، وأبي قلابة.
ولزيادة الفائدة أذكر أن ابن أبي حاتم أفاد أنه روى عنه ابنه (واهب) أيضاً، فقد روى عنه أبناؤه الثلاثة، أوثقهم أنيس؛ فقد قال فيه ابن حبان (6/82 و 8/134) :
"أنيس بن سوار الجرمي، يروي عن أبيه عن مالك بن الحويرث، روى عنه أبو بكر عبد الله بن أبي الأسود".
ذكره في الطبقة الثالثة، ثم في (الرابعة) " ولا وجه له!
ولم يذكر فيه البخاري: جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك ابن أبي حاتم، لكنه أفاد أنه روى عنه أيضاً ابن مُقَدَّم، وخليفة بن خياط، وحُمَيْد بن مَسْعَدة، وكل هؤلاء ثقات.
ولذلك قال الهيثمي في "المجمع " (7/134) :
"رواه الطبراني في (الثلاثة) ، ورجاله ثقات ".
وقال السيوطي في "الدر المنثور" (6/323) :
"أخرجه الحكيم الترمذي، والطبراني، وا بن مردويه بسند جيد، والبيهقي في "الأسماء والصفات " عن مالك بن الحويرث.. ".
وذكر له شاهداً فقال:(7/987)
"وأخرج البخاري في "تاريخه "، وابن جرير، وابن المنذر، وابن شاهين، وابن قانع، والطبراني، وابن مردويه من طريق موسى بن عُلَيّ بن رباح عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له:
"ما ولدك؟ ".
قال: يا رسول الله! ما عسى أن يولد لي؟! إما غلام، وإما جارية. قال:
"فمن يشبه؟ ".
قال: يا رسول الله! ما عسى أن يشبه؟! إما أباه، وإما أمه. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندها:
"مه! لا تقولن هذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم؛ أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم، فركب خلقه في صورة من تلك الصور، أما قرأت هذه الآية في كتاب الله: (في أي صورة ما شاء ركبك) ؛ من نسلك ما بينك وبين آدم؟! ".
قلت: وسكت عنه فما أحسن؛ لأنه من رواية مُطهَّر بن الهيثم الطائي: ثنا موسى بن عُلَي بن رباح! به.
هكذا هو عند ابن جرير في "تفسيره " (30/56) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/72/4624) . وقال الهيثمي (7/135) :
"رواه الطبراني، وفيه مطهر بن الهيثم، وهو متروك ".
وكذا قال الحافظ في "التقريب ".
وذكر في "التهذيب " عن أبي سعيد بن يونس أنه قال:
"متروك الحديث، روى عن موسى بن علي عن أبيه عن جده حديثاً منكراً".(7/988)
قلت: يشير إلى هذا، وله حديث آخر بهذا الإسناد؛ لكن ذكر مكان (جده) : (أبا هريرة) بحديث لعن من يلعب بالشطرنج.
ذكره ابن حبان في ترجمته من "الضعفاء". وقال (3/26)
"يأتي عن موسى بن علي بما لا يتابع عليه، وعن غيره من الثقات ما لا يشبه حديث الإثبات ".
وقال ابن كثير عقبه- وبعد أن قال: "إسناده ليس بالثابت "-:
"ولكن في "الصحيحين " عن أبي هريرة: أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود! قال: "هل لك من إبل؟ "، قال: نعم. قال: "فما لونها؟ "، قال: حُمْر. قال: "فهل فيها من أورق؟ "، قال: نعم. قال: "فأنى أتاها ذلك؟ "، قال: عسى أن يكون نزعة عرق! قال: "وهذا عسى أن يكون نزعة عرق! " ... ".
قلت: وهو مخرج في "صحيح أبي داود" رقم (2056) . ويشير الحافظ ابن كثير به إلى أن فيه شاهداً قوياً لقوله في حديث الترجمة: "أحضر الله له كل عرق ... " إلخ. والله أعلم. *
3331- (كان إذا ركع؛ لوصُبَّ على ظهرِه ماء لاستقرَّ) .
ذكره ابن أبي حاتم في "كتاب العلل " (1/142) من رواية أبي يحيى الحِمَّاني عن الثوري عن مسلم أبي (الأصل: ابن) فروة الجهّني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب مرفوعآ. وقال:
"سمعت أبي يقول: ليس ذكره: "عن البراء" بمحفوظ ". وقال ابن أبي حاتم عقبه:(7/989)
"روى هذا الحديث حسين بن حفص عن سفيان في "جامعه الكبير": عن مسلم الجهني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... مرسل، وروى عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري عن مسلم الجهني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح؛ لاتفاق الثقتين على روايته عن الثوري عن مسلم الجهني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ومسلم: هو ابن سالم النهدي أبو فروة الأصغر الكوفي الجهني، ثقة من رجال الشيخين.
وقد توبع سفيان؛ فقال أبو داود في "المراسيل " (95/43) : حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، عن أبي فروة به.
وقد ظن المعلق على "المراسيل " أن أبا فروة هذا هو عروة بن الحارث الهمداني، وهو أبو فروة الأكبر، وهو ثقة أيضاً من رجال الشيخين، وهو في هذا الظن معذور؛ لأنه قد شارك أبا فروة الأصغر في الرواية عن ابن أبي ليلى، وفي رواية الثوري عنه، لكن رواية ابن أبي حاتم التي فيها (مسلم الجهني) هي التي كشفت عن هوية (أبي فروة) هذا.
ثم إن أبا يحيى الحماني الذي أسنده عن البراء؛ متكلم فيه من قبل حفظه، مع أنه من رجال الشيخين، ووثقه ابن معين وغيره، وضعفه آخرون، فقال الحافظ في
" التقريب ":
"صدوق يخطئ ".
ولذلك رجح أبو حاتم المرسل على إسناده إياه عن البراء. لكن يبدو أنه لم(7/990)
يتفرد به، فقال عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/123) : وجدت في كتاب أبي قال: أخبرت عن سنان بن هارون: ثنا بيان عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع؛ لو وضع قدح من ماء على ظهره لم يهراق.
وقد ذكره الدارقطني في "العلل " (3/275- 276) من رواية أحمد هذه، ثم قال:
"وخالفهم سلم بن سلام أبو المسيب الواسطي، فرواه عن سنان بن هارون عن بيان عن ابن أبي ليلى عن البراء. وهو أشبه بالصواب ".
ثم ساق إسناده من طريقين عن مصعب بن عبد الله الواسطي- شيخان لقبه-: ثنا سلم بن سلام: ثنا سنان بن هارون عن بيان عن ابن أبي ليلى عن البراء بذلك.
وأخرجه بحشل في "تاريخ واسط " (247) قال: ثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب به.
قلت: وهذا إسناد حسن، مصعب هذا وثقه ابن حبان (9/175) ؛ وهو من شيوخه، وروى عنه جماعة آخرون من الثقات، كما أثبته في "تيسير الانتفاع ". وسَلْم بن سلام يكنى بأبي المسيب الواسطي، روى عنه جمع غفير سماهم الحافظ المزي في "التهذيب "، فيهم جماعة من الثقات، فهو على شرط ابن حبان؛ فلا أدري لم لم يورده في "الثقات "؟! وقال فيه الحافظ:
"مقبول "!
وحقه عندي أن يقول: "صدوق "، كما فهمنا من تخريجاتهم وكثير من ممارساتنا لأقوالهم في بعض التراجم.(7/991)
على أن للحديث شواهد أحدها في "ابن ماجه "، وسائرها عند الطبراني وغيره؛ كنت قويته بها في أصل "صفة الصلاة" اعتماداً على تخريج الهيثمي والحافظ إياها، وأشرت إلى ذلك في "صفة الصلاة"، أخرجه الهيثمي عن ابن عباس ووثق رجاله، وضعف الحافظ إسناده، ومن حديث أبي برزة، ووثق رجاله، وحسن إسناده الحافظ! ومن حديث علي- وقد عرفت حاله-، ومن حديث أنس، وضعفا إسناده.
ولما يسر الله لبعضهم طبع المصادر التي عزوا الحديث إليها؛ لم يعد يناسب أصول التخريج الاعتماد فيه على العازين إليها، دون الرجوع مباشرة إليها، وبخاصة أن هناك تناقضاً بين الشيخ وتلميذه في الحكم- كما رأيت- على بعضها، ولذا فقد صار لزاماً علي أن أستقي مباشرة منها، وأصدر الحكم على أسانيدها، تجاوباً مع الحكمة القائلة: (ومن ورد البحر استقل السواقيا) .
فأقول؛ وبالله التوفيق:
أولاً: حديث ابن عباس، قال الهيثمي (2/ 241) :
"رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو يعلى، ورجاله موثقون "!
كذا قال! وإسناده عند أبي يعلى (4/335/2447) : حدثنا أبو الربيع: حدثنا سلام بن سليم عن زيد العَمِّيِّ عن أبي نضرة عن ابن عباس ...
ومن هذا الوجه رواه الطبراني (12/167/12781) : حدثنا الحسين بن إسحاق التُّسْتَري: ثنا أبوالربيع الزهراني: ثنا سلام الطويل به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً، سلام الطويل متروك؛ كما قال الذهبي في "المغني "، والحافظ في "التقريب "، وهو قول الهيثمي في أكثر تخريجاته؛ (انظر(7/992)
فهارس "المجمع ") (ص 305/3) . وعليه فقول الحافظ في "التلخيص " (2/ 241) : "إسناده ضعيف "! تساهل لا وجه له.
وزيد العمي ضعيف، وقد توبع لكن السند إليه واه؛ لأنه من رواية عُلَيْلَةَ بن بدر: ثنا سيَّار بن سلامة عن أبي العالية عن ابن عباس ...
أخرجه الطبراني أيضاً (12/159/12755) .
وعليلة لقب، واسمه: الربيع، وهو متروك أيضاً، ولم يشر الهيثمي ولا الحافظ إلى هذه الطريق.
ثانياً: حديث أبي برزة الأسلمي " قال الهيثمي:
"رواه الطبراني في " الكبير" و" الأوسط "، ورجاله ثقات ".
وقال الحافظ بعدما عزاه للطبراني:
"وإسناده حسن ".
قلت: قد وقفت على إسناد "الأوسط " (6/316/5672 ـط) فوجدته إسناداً ضعيفاً، أخرجه من طريق يحيى بن سعيد العطار عن حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عنه، وقال:
"لم يروه عن حماد إلا يحيى العطار الحمصي ".
ويحيى هذا؛ قال الذهبي في "الميزان ":
"كان صاحب حديث، وله رحلات إلى مصر، والعراق، والحرمين.. قال ابن مصفى: ثقة. وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو داود: جائز الحديث. وقال ابن خزيمة: لا يحتج به. وقال ابن عدي: بيِّن الضعف ".(7/993)
ولهذا قال الحافظ في "التقريب ":
"ضعيف "
قلت: ولهذا؛ فتحسين إسناده بعيد، لكن يمكن أن يقال: إنه صالح للاستشهاد به، أو إن حديثه حسن بغيره، والله أعلم.
وما أظن أن إسناده في "كبير الطبراني " إلا من هذا الوجه، أقول هذا؛ لأن الجزء الذي فيه مسند (أبي برزة) واسمه (نضلة) لم يطبع بعد.
ثالثاً: حديث علي سبق تخريجه، وعرفت أنه حسن الإسناد من رواية الدارقطني، ويزداد قوة بالذي قبله، وبالآتي بعده.
رابعاً: حديث أنس بن مالك؛ يرويه محمد بن ثابت عن أبيه عنه.
أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير"، وقد خرجته في "الروض النضير" (رقم 78) ، فلا أطيل الكلام عليه.
ومحمد بن ثابت ضعيف , كما قال الهيثمي والعسقلاني.
خامساً: حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو، وهذا ذكره الحافظ دون شيخه الهيثمي في رواية الطبراني، وقال:
"إسناد حسن "!
كذا قال! وفيه نظر؛ فإنه في "المعجم الكبير" للطبراني (17/242/674) من طريق علي بن الجعد: ثنا عبد الملك بن الحسين عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبد الله البراد عن عقبة بن عمرو.
قلت: عبد الملك بن الحسين إن كان أبا مالك النخعي الواسطي؛ فهو متروك؛(7/994)
كما قال الحافظ نفسه في "التقريب "، ولم يوثقه أحد، فكيف يحسن الحافظ إسناده؟! لا وجه لهذا إلا غلبة الطبيعة البشرية، أو أن يكون قد وقع في اسمه شيء من التحريف في طبعة "المعجم " " وهذا ما أستبعده. والله أعلم.
ثم وجدت ما استبعدته، فقد رأيت الحديث في "المعجم الأوسط " للطبراني من الوجه المذكور في "المعجم الكبير"، وفيه (6/96/5201) التصريح في الإسناد بأنه (عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي) ، وقال الطبراني:
"لم يروه عن عبد الملك بن عمير إلا عبد الملك بن حسين ".
ثم قال الحافظ- وأجاد-:
"وعزاه القاضي حسين في "تعليقه " لرواية عائشة، ولم أره من حديثها. قلت: معناه عند مسلم من حديثها: كان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك. وقد تقدم معنى هذا من حديث أبي حميد".
قلت ة يشير إلى حديث البخاري (رقم 828) عنه: أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حميد:
أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته" إذا.. ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هَصَر ظهره " الحديث. وهو مخرج في "الإرواء" (2/13 ـ14) و"صحيح أبي داود" (722) .
وفسر الحافظ قوله: (هصر) فقال في "الفتح " (2/308) :
"أي: ثناه في استواء من غير تقويس؛ ذكره الخطابي ".
وهو في معنى حديث الترجمة لمن تأمله، وقد أشار إلى ذلك الحافظ آنفاً ,(7/995)
ومثله حديث عائشة الذي ذكره. وهو مخرج في "الإرواء" (2/ 20ـ23) ، و"صحيح أبي داود" (752) .
والخلاصة: أن حديث الترجمة صحيح بلا ريب؛ لحسن إسناد الدارقطني وبحشل، كما سبق بيانه، ولا يعل برواية مسلم الفروي؛ لأنه من طريق بيان- وهو ابن بشر الأحمسي، وهو ثقة ثبت-، ثم هو يرتقي إلى درجة الصحة ببعض الشواهد الخمسة التي تقدم ما يصلح للشهادة منها مما لا يصلح، وأخيراً شهادة حديث أبي حميد وعائشة من حيث المعنى، مع ملاحظة أن ألفاظهم فيها من إنشائهم وتعابيرهم، وهي وإن اختلفت لفظاً؛ فهي متحدة معنى، كما أشار إلى ذلك الحافظ رحمه الله. فاغتنمه تحقيقاً قد لا تراه في مكان آخر. والله الموفق. *
3332- (كان يحبُّ علياً) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (6/389/5828) ، و"المعجم الصغير" (199- هندية) : حدثنا محمد بن الحسين أبو حُصين القاضي: قال: حدثنا عون ابن سلام قال: حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السُلَمي عن السُّدِّي عن أبي عبد الله الجدَلي قال:
قالت لي أم سلمة: أيُسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينكم على المنابر؟! قلت: سبحان الله! وأنى يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قالت:
أليس يُسَبُّ علي بن أبي طالب ومن يحبه؟ وأشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحبه! وقال الطبراني:
"لم يروه عن السدي إلا عيسى".(7/996)
قلت: ومن طريقه أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (12/444- 445) ، والطبراني أيضاً في "المعجم الكبير" (23/323/738) من طرق أخرى عن عيسى به.
قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله كلهم ثقات، وفي السدي- واسمه إسماعيل بن عبد الرحمن- كلام يسير لا يضر، وهو من رجال مسلم. وأما إعلال المعلق على "المسند " بقوله:
"رجاله ثقات إلا أنه- عندي- منقطع، ما علمت رواية لإسماعيل بن عبد الرحمن السدي عن أبي عبد الله الجدلي فيما اطلعت عليه. والله أعلم "!
قلت: وهذا من أسمج ما رأيت من كلامه؛ فإن السدي تابعي روى عن أنس في "صحيح مسلم "، ورأى جماعة من الصحابة مثل الحسن بن علي، وعبد الله بن عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة كما في "تهذيب المزي "، يضاف إلى ذلك أن السدي لم يرم بتدليس، فيُكتفى في مثله المعاصرة، كما هو مذهب جمهور الحفاظ الأئمة , فلعله جنح به القلم إلى مذهب الإمام البخاري في "صحيحه " الذي يشترط اللقاء وعدم الاكتفاء بالمعاصرة، وما أظنه يتبناه؛ وإلا انهار مئات التصحيحات والتحسينات التي قررها، ويغلب عليه التساهل في الكثير منها، وبخاصة ما كان فيا من الرواة ممن لم يوثقهم أحد غير ابن حبان، وهو لا يشترط اللقاء!
ومحمد بن الحسين شيخ الطبراني؛ مما فات على صاحبنا الشيخ الأنصاري رحمه الله أن يترجم له في كتابه النافع: "بلغة القاصي والداني "، وقد ترجم له الخطيب (2/129) ترجمة حسنة، وأنه روى عنه جماعة من الحفاظ، وفاته الطبرانيُّ، ثم قال:
"وكان فهماً، صنف "المسند". وقال الدارقطني: كان ثقة. وقال إبراهيم بن إسحاق الصواف: أبو حصين صدوق، معروف بالطلب، ثقة. مات سنة (296) ".(7/997)
هذا، وقد تابع السدي: أبو إسحاق وهو السبيعي؛ رواه فطر بن خليفة عنه عن أبي عبد الله الجدلي قال:
قالت أم سلمة: يا أبا عبد الله! أيسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكم؟ قلت: ومن يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: ... فذكره.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (23/322/737) .
قلت: ورجاله ثقات؛ على الكلام المعروف في أبي إسحاق، وقد اختلف عليه في إسناده ومتنه، فرواه بعضه عنه بلفظ:
"من سب عليّاً فقد سبني، ومن سبني سبه الله ".
وهو بهذا اللفظ منكر، ولذلك أوردته في "الضعيفة" (2310) ، وخرجته هناك، وتعقبت من صححه، فليراجع في المجلد الخامس منه، وهو تحت الطبع، وسيكون بين أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى، وقد طبع بحمد الله ومنته.
والأحاديث في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه كثيرة جدّاً، أصحها حديث إعطائه الراية يوم خيبر، وقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ... ".
رواه جمع من الصحابة في "الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجت بعضها فيما تقدم (3244) ، وفي " تخريج الطحاوية " (484/713) . *
3333- (خيرُ النّاس منزلة: رجل على متن فرسِه، يُخيفُ العدوَّ ويخيفونه)
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (4/42/ 4291) : أخبرنا أبو محمد(7/998)
عبد الله بن يوسف الأصبهاني: أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري: نا عبد الله بن أيوب المخرمي: نا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن أم مُبَشِّرٍ تبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، سفيان فمن فوقه ثقات معروفون من رجال الشيخين، ليسوا بحاجة إلى التعريف بهم، وإنما من دونهم، فأقول:
1- عبد الله بن أيوب المخرمي؛ قال ابن أبي حاتم (2/2/ 11) :
"روى عن سفيان بن عيينة، و ... سمعت منه مع أبي، وهو صدوق ".
وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/362) ، وذكر أنه مات بعد سنة (0 25) ، ونسبه (البغدادي) أيضاً، ولم يورده الخطيب في "تاريخه ".
2- أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري: هو الحافظ الثقة المعروف بـ (ابن الأعرابي) ، مترجم في "تذكرة الحفاظ "، و"سير أعلام النبلاء" وغيرهما، وله في المكتبة الظاهرية بعض الأجزاء والكتب؛ أهمها "المعجم ".
3- أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، شيخ البيهقي " ترجم له الذهبي في " السير" (17/239) ، ووصفه بـ:
"الإمام المحدث الصالح "؛ وقال:
"أكثر عنه البيهقي ".
وقال في ترجمته من "تاريخ الإسلام " (28/187) :
"صحب أبا سعيد بن الأعرابي، وأكثر عنه.. انتخب عليه الحفاظ، ورحلوا إليه "(7/999)
ووصفه في "تذكرة الحفاظ " (3/1049) بـ:
"مسند خراسان ". مات سنة (409) .
والحديث عزاه المنذري في "الترغيب " (2/153/18) للبيهقي، وسكت عنه.
وأما المعلقون الثلاثة عليه في طبعتهم التجارية الجديدة (!) فجزموا (2/206) بأنه! "ضعيف"؛ مع أنهم عزوه للمكان المتقدم الإشارة إليه من "شعب الإيمان "! وهذا من الأدلة الكثيرة على أنهم جهلة بهذا العلم، يخبطون فيه خبط عشواء في الليلة الظلماء، فهلا ذكروا- على الأقل- علة ضعفه، وهكذا تراهم يصححون ويضعفون بغير حجة، ولا كتاب منير، هداهم الله، وألهمنا الله وإياهم الإخلاص في القول والعمل. آمين
ومع هذا الإجحاف والاعتداء؛ فإن للحديث طريقاً أخرى، وشاهداً!
أما الطريق؛ فيرويه محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح به نحوه أتم منه.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/104/ 271) . وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/304) :
"رواه الطبراني، ورجاله ثقات؛ إلا أن ابن إسحاق مدلس ".
وسكت عنه الحافظ في ترجمة (أم مبشر الأنصارية) من "الإصابة"، وكأن ذلك لطرقه أو شواهده.
وأما الشاهد؛ فهو من حديث ابن عباس عند الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقد سبق تخريجه برقم (698) ، فلا داعي للإعادة. *(7/1000)
3334- (لا تتَّهم الله تباركَ وتعالى في شيء قضى لك به) .
أخرجه أحمد (5/318- 319) : ثنا حسن: ثنا ابن لهيعة: ثنا الحارث بن
يزيد عن عُلَيّ بن رباح: أنه سمع جنادة بن أبي أمية يقول: سمعت عبادة بن الصامت يقول:
إن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله! أي العمل أفضل؟ قال:
"الإيمان بالله، وتصديق به، وجهاد في سبيله ".
قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله! قال:
"السماحة والصبر".
قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله! قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد في المتابعات جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم- والحسن:
هو ابن موسى الأشيب-؛ غير ابن لهيعة؛ فهو سيئ الحفظ إلا فيما رواه العبادلة عنه، فهو صحيح الحديث، أو توبع، وكل ذلك متحقق هنا كما سأبينه.
أما الأول؛ فقد أخرجه ابن أبي الدنيا في "الرضا عن الله " (ص 82- 83) من طريق يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا عبد الله بن وهب عن الحارث بن يزيد دون جملة؛ "السماحة والصبر".
كذا وقع فيه: "عبد الله بن وهب عن الحارث ... "، وكذا في مخطوطة "الرضا" (ق 7/ 1- ظاهرية) ! فالظاهر أنه سقط من السند (ابن لهيعة) ، وظني أنه من يعقوب الزهري؛ فإنه كثير الوهم كما في "التقريب ". ولم يذكروا لابن وهب رواية عن الحارث بن يزيد، ولا يمكنه أن يسمع منه، فإنه مات سنة (130) ؛ ولابن وهب خمس سنوات.(7/1001)
ومما يدل على السقط المذكور: أنه رواه غير واحد عن ابن لهيعة، منهم الوليد ابن مسلم في "تاريخ ابن عساكر" (9/ 810) ، ومنهم محمد بن معاوية- وهو النيسابوري المتروك- عند البيهقي في "شعب الإيمان " (7/123/9714) .
فالظاهر أن عبد الله بن وهب رواه أيضاً عن ابن لهيعة، فإن ثبت ذلك فالسند صحيح. والله أعلم.
وأما المتابعة؛ فقد رواه ابن أبي الدنيا أيضاً (42/5) من طريق يحيى بن سُليم عن محمد بن مسلم قال: بلغني أن رجلاً ... الحديث مقتصراً على حديث الترجمة.
وهذا إسناد صالح للاستشهاد به على إعضاله؛ فإن يحيى ومحمداً- وهما طائفيان- لا صلة بينهما وبين ابن لهيعة المصري، وهما صدوقان في حفظهما ضعف، ومحمد بن مسلم من طبقة ابن لهيعة، فهو متابع له- إن شاء الله- في الجملة.
على أنه يبدو أن له متابعاً آخر، فقد أورد الهيثمي الحديث في "المجمع " (5/278- 279) بسياق أتم من سياق أحمد، وعن عبادة بن الصامت، وقال:
"رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وفي الآخر سويد بن إبراهيم، وثقه ابن معين في روايتين، وضعفه النسائي، وبقية رجالهما ثقات ".
وان مما يؤسف له أن الجزء الذي فيه مسند عبادة بن الصامت من "معجم الطبراني الكبير" لم يطبع بعد، لنعلم هل هناك فرق بين الإسنادين؟! وننظر في إسناد (سويد بن إبراهيم) هل هو متابع لابن لهيعة متابعة تامة، أم أن متابعته إياه(7/1002)
بإسناد آخر عن عبادة؟! وإنما قلت مع ذلك: إنه متابع له؛ لأنه في طبقة ابن لهيعة، وأقدم وفاة منه، فإنه توفي قبله بنحو عشر سنين؛ ثم هو مختلف فيه كما تقدم عن الهيثمي. وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق سيئ الحفظ، له أغلاط ".
فمثله يستشهد به أيضاً.
والحديث أورده المنذري أيضاً في "الترغيب " بسياق أتم أيضاً مثل سياق " المجمع "؛ وقال (2/ 176) :
"رواه أحمد والطبراني بإسنادين، أحدهما حسن؛ واللفظ له ".
ولست أدري أي الإسنادين حسن؟! ولكن مما لا شك أنه حسن على الأقل بمجموعهما، فضلاً عما إذا أضيف إليهما ما قدمنا.
وأما المعلقون على طبعة "الترغيب " الجديدة؛ فلم يعبأوا بتصريح المنذري بالتحسين، ولا بمجموع الطريقين، ولا بكلام الهيثمي أيضاً؛ وقد نقلوه عنه كما هي عادتهم، وصدروا ذلك بقولهم: " ضعيف "!! *
3335- (غنيمة مجالس الذكر؛ الجنّة) .
أخرجه أحمد (2/177 و0 19) من طريقين عن ابن لهيعة: ثنا راشد بن يحيى المعافري: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلي يحدث عن عبد الله بن عمرو قال: قلت: يا رسول الله! ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: ... فذكره.(7/1003)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، راشد بن يحيى- ويقال: ابن عبد الله- أبو يحيى مجهول، كما قال الحسيني، ولم يرو عنه إلا ضعيفان: أحدهما: ابن لهيعة، والآخر: عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، انظر "تيسير الانتفاع "، وقد سبق تخريج حديث الإفريقي عنه برقم (2639) لشاهد له، ولهذا أخرجت أيضاً حديثه هنا كما يأتي. وقد قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/78) :
"رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن "!
وكذا قال المنذري في "الترغيب " (2/234) ! إلا أنه لم يذكر الطبراني، وقلدهما المعلقون على الطبعة الجديدة من "الترغيب " (2/ 381/ 2234) دون أي بيان كما هي عادتهم، وقد عرفت أن ما حسنوه مداره على ضعيف عن مجهول! ومن أجل ذلك كنت ذكرته في "ضعيف الجامع الصغير"، قبل أن يطبع القطعة التي فيها هذا الحديث من الجزء (13) من "معجم الطبراني الكبير"، فرأيته فيه (21/36) من طريق رشدين بن سعد، وخالد بن حميد المهراني (الأصل: الهمداني) عن زهرة بن معبد عن أبي عبد الرحمن الحبلي به.
وخالد بن حميد ثقة من رجال التهذيب، ورشدين بن سعد؛ وإن كان ضعيفاً؛ فهو متابع، ولولا أن في الطريق إليهما ضعفاً- لا أرى فائدة تذكر ببيانه- لقلت: إن الحديث صحيح، لكن حسبي أن أقف عند القول بحسنه بمجموع الطريقين عن الحبلي. وأما الشيخ أحمد شاكر رحمه الله؛ فقد صرح بتصحيح إسناد أحمد (10/179) بناء على اعتداده بتوثيق ابن حبان، ولو للمجهولين، وعدم اعتداده بأقوال الحفاظ المضعفين لابن لهيعة، حتى الذين فصلوا بين ما رواه العبادلة عنه فهي صحيحة، وبين ما رواه غيرهم! والله الموفق. *(7/1004)
3336- (قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فعقد الأعرابي على يده، وقضى وتفكر ثم رجع، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تفكر البائس.
فجاء فقال: يا رسول الله! سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ هذا لله، فما لي؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:
يا أعرابي! إذا قلت: سبحان الله، قال الله: صدقت، وإذا قلت: الحمد لله، قال الله: صدقت، وإذا قلت: لا إله إلا الله، قال الله: صدقت، وإذا قلت: الله أكبر؛ قال الله: صدقت.
وإذا قلت: اللهم! اغفر لي، قال الله: قد فعلت، وإذا قلت: اللهم! ارحمني؛ قال الله: [قد] فعلت، وإذا قلت: اللهم! ارزقني، قال الله: قد فعلت. فعقد الأعرابي على سبع في يده، ثم ولّى) .
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (1/431- 432/619) من طريق الحسن ابن ثواب أبي علي: حدثني عمار بن عثمان الحلبي أبو عثمان- وكان أحمد بن حنبل يوثقه، وتأسف على أنه لم يكتب عنه شيئاً-: حدثني جعفر بن سليمان الضّبعي عن ثابت عن أنس قال:
جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! علمني خيراً، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، أما من دون الحسن بن ثواب؛ فثقات حفاظ معروفون، ولذلك لم أذكرهم.
وأما الحسن بن تواب؛ فقد أضناني البحث عنه حتى وجدته، فسجدت لله(7/1005)
شكراً على توفيقه، فأساله المزيد من فضله، فترجمه الخطيب البغدادي في "التاريخ " (10/ 291- 292) برواية جمع من الحفاظ عنه، وروى عن الدارقطني أنه قال:
"بغدادي ثقة ".
مات سنة (268) .
ومن جملة من روى عنه أبو بكر الخلال، وقال:
"كان شيخاً جليل القدر، وكان له بأبي عبد الله أنس شديد، قال لي: كنت إذا دخلت إلى أبي عبد الله يقول لي: إني أفشي إليك ما لا أفشيه إلى ولدي، ولا إلى غيره. فأقول له: لك عندي ما قال العباس لابنه عبد الله: إن عمر بن الخطاب يكرمك ويقدمك، فلا تفشين له سرّآ، فإن أمت فقد ذهب، وإن أعش فلن أحدث بها عنك يا أبا عبد الله! فيفشي إليه أشياء كثيرة. وكان عنده عن أبي عبد الله جزء كبير، فيه مسائل كبار لم يجئ بها غيره مشبعة".
ثم ساق عنه بعض المسائل.
وأما عمار بن عثمان الحلبي؛ فهو بصري روى عنه أيضاً "حميد بن الربيع وأهل العراق " كما في "ثقات ابن حبان " (8/518) ؛ ووثقه الإمام أحمد أيضاً كما ترى في إسناد الحديث، والظاهر أنها من الفوائد التي تلقاها الحسن بن ثواب عن الإمام أحمد، ولعلها في الجزء الذي أشار إليه أبو بكر الخلال رحمه الله.
وبالجملة؛ فهذا الإسناد صحيح كما يتبين من هذا التحقيق، وهو من نفائس هذا الكتاب بفضل الله؛ فإن المنذري في "الترغيب " أشار إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله "وروي عن أنس.. "، وقال:
"رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي، وهو في "المسند"، و"سنن النسائي " من حديث أبي هريرة بمعناه "!(7/1006)
وأما المعلقون الثلاثة على "الترغيب " في طبعتهم الجديدة الحسناء! فقد اهتبلوا الإشارة المذكورة ليتظاهروا أنهم على معرفة بهذا العلم، فكشفوا عن جهلهم به حيث قالوا:
"وفيه جعفر بن سليمان الضّبعي: ينفرد بأحاديث عُدت مما ينكر: "ميزان الاعتدال " (1/408) ".
هكذا نقلوا من "الميزان "! وهو نقل مبتور، لعله غير مقصود! متوهمين أنهم نقلوا ما يؤيد تضعيفهم للحديث، وذلك من الأدلة الكثيرة على جهلهم بهذا العلم، وتطفلهم عليه؛ فإن العبرة بكون الراوي ثقة أو صدوقاً، ولا يضره بعد ذلك أن يكون له أحاديث أنكرت عليه، فإن الجرح لا يثبت بهذا، وإنما إذا كثرت مناكيره، وحينئذ يقال في مثله: منكر الحديث؛ وجعفر هذا ليس كذلك، والعجيب أن كلام الذهبي يدل على ذلك ويؤكده! فإنه قال- بعد أن ذكر كلام الأئمة فيه كالمخلص لها-:
"وهو صدوق في نفسه، وينفرد بأحاديث غدت مما ينكر، واختلف في الاحتجاج بها، منها ... " ثم ساق ستة أحاديث، وعقب عليها بقوله:
"وغالب ذلك في "صحيح مسلم " ... ".
قلت: وبعضها عنده من روايته عن جعفر عن ثابت عن أنس، وهو حديث: "إنه حديث عهد بربه "؛ وهو مخرج في "الإرواء" (3/143/678) (1) ، و"مختصر
_________
(1) تنبيه: وقع تخريج هذا الحديث في الصفحة الأخرى تحت حديث آخر، وهو ضعيف.
ووقع تخريج الثاني تحت الحديث الأول! وهو حديث صحيح، وهو من أفحش الأخطاء المطبعية التي وقعت في "الإرواء"، بسبب عدم إشرافي على تصحيح تجاربه، وجهل المشرف عليها!
وقد استغل هذا الخطأ- الذي لا إرادة لي فيه- بعض الحاقدين من المبتدعة، فنسب إلي أني ضعفت الحديث! عامله الله بما يستحق.(7/1007)
العلو" (93/25) ، و"ظلال الجنة" (1/276/622) ، وهذا الحديث واحد من ستة أحاديث عند مسلم بهذه الرواية، ولقد كان هذا وحده يكفي رادعاً لهؤلاء الجهلة عن تضعيفهم لحديث الترجمة بجعفر هذا، لو كانوا يعلمون! فكيف وهناك عشرات الأحاديث من رواية جعفر هذا اتفق الحفاظ على تصحيحها قديماً وحديثاً، كالترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي والعسقلاني وغيرهم؟! وهي معروفة مبثوثة في مختلف أبواب كتب السنة. ولذلك قال الذهبي في ترجمة جعفر من "المغني ":
"صدوق، صالح، ثقة، ضعفه يحيى القطان وغيره، فيه تشيع، وله ما ينكر".
وقال في "الكاشف ":
"ثقة، فيه شيء، مع كثرة علومه ".
ولذلك أورده في كتابه "معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد" (ص 81 - 82) ، وذكر فيه نحو ما تقدم.
وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع ".
والخلاصة: أن الرجل صدوق حجة ما لم يظهر خطؤه؛ كسائر الثقات الذين فيهم شيء من الضعف، فتضعيفهم للحديث به مما يشعر أنهم يظنون- لبالغ جهلهم- أن كل كلام في الراوي هو جرح مقبول، وهذا ما لا يقبله حتى من كان مبتدئاً في هذا العلم. والله المستعان. *
3337- (قُولي (وفي رواية: تقولين) : اللهم! إنك عفوٌّ تحبُّ العفو؛ فاعف عني) .
أخرجه الترمذي (08 25) والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (872- 875) ،(7/1008)
ومن طريقه ابن السني (246/763) ، وابن ماجه (0 385) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (3/338- 339) ، و"الأسماء والصفات " (ص 5 5) ، والأصبهاني في "الترغيب " (2/728/1772) ، وأحمد (6/170 و 182 و 183 و 208) من طرق عن ابن بريدة- وقال بعضهم: عبد الله بن بريدة- عن عائشة قالت:
قلت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر؛ ما أقول فيها؟ قال: ... فذكره.
والسياق للنسائي والترمذي، وقال:
"حديث حسن صحيح ".
وأقره المنذري في "الترغيب " (4/ 144) ، والنووي في "الأذكار"، و" المجموع " (6/447) ، وهو حري بذلك؛ فإن عبد الله بن بريدة ثقة من رجال الشيخين.
وقد أعل بما لا يقدح، فقال الدارقطني في "سننه " (3/233) - وتبعه البيهقي (7/118) - في حديث آخر لعبد الله بن بريدة (1) :
"لم يسمع من عائشة شيئاً "!
كذا قالا! وقد كنت تبعتهما برهة من الدهر في إعلال الحديث المشار بالانقطاع، في رسالتي "نقد نصوص حديثية" (ص 45) ، والآن؛ فقد رجعت عنه؛ لأني تبينت أن النفي المذكور لا يوجد ما يؤيده، بل هو مخالف لما استقر عليه الأمر في علم المصطلح أن المعاصرة كافية لإثبات الاتصال بشرط السلامة من
_________
(1) أخرجه أحمد وغيره بلفظ: جاءت فتاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع بي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء.(7/1009)
التدليس، كما حققته مبسطاً في تخريج بعض الأحاديث، وعبد الله بن بريدة لم يرم بشيء من التدليس، وقد صح سماعه من أبيه كما حققته في الحديث المتقدم (2904) وغيره، وتوفي أبوه سنة (63) ، بل ثبت أنه دخل مع أبيه على معاوية في "مسند أحمد" (5/347) ، ومعاوية مات سنة (60) ، وعائشة ماتت سنة (57) ، فقد عاصرها يقيناً، ولذلك أخرج له الشيخان روايته عن بعض الصحابة ممن شاركها في سنة وفاتها أو قاربها، مثل عبد الله بن مغفل، وقريب منه سمرة بن جندب مات سنة (58) . بل وذكروه فيمن روى عن عبد الله بن مسعود المتوفى سنة (32) ، ولم يعلوها بالانقطاع، ولعله- لما ذكرت- لم يعرج الحافظ المزي على ذكر القول المذكور، إشارة إلى توهينه، وكذلك الحافظ الذهبي في "تاريخه "، ونحا نحوهما الحافظ العلائي في "جامع التحصيل " (252/338) ، فلم يذكره بالإرسال إلا بروايته عن عمر، وهذا ظاهر جدّاً؛ لأنه ولد لثلاث خلون من خلافة عمر.
وما تقدم من التحقيق ونفي الانقطاع يقال، لو لم يكن هناك ما يمكن دعم الحديث به؛ فكيف وثمة أمران:
أحد هما: أن بعض الرواة سمى (ابن بريدة) : (سليمان) كما وقع في "النسائي" (500/877) و"المستدرك " (1/ 530) من طريق علقمة بن مرثد عنه، وقال:
"صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري.
لكن تعقبه الحافظ في "تخريج الأذكار"- كما قال ابن علان في "الفتوحات " (4/346) - بقوله:
"وفي ذلك نظر؛ فإن البيهقي جزم في كتاب الطلاق من "السنن " أن عبد الله بن بريدة لم يسمع من عائشة"!(7/1010)
وأقول: سبق الجواب عن هذا، وكان الأولى أن يكون النظر من جهة أن سليمان بن بريدة ليس من رجال البخاري، وأن الأشهر- كما نقله ابن علان أيضاً من قبل عن الحافظ- أنه عن أخيه (عبد الله) .
ثم إن قوله: "كتاب الطلاق " سبق قلم، وإنما هو "كتاب النكاح "، وقد تقدمت الإشارة إلى موضعه منه جزء وصفحة.
على أن الإمام أحمد أخرج الحديث (6/258) من الطريق المذكورة دون تسمية ابن بريدة، وكذلك رواه الطبراني في "الدعاء" (2/1228/916) . فيبدو لي أن الحديث حديث عبد الله، وأن ذكر (سليمان) شاذ. والله أعلم.
وكان الغرض من ذكر الحديث من روايته دفع الإعلال بالانقطاع؛ لأن (سليمان) لم يقل فيه أحد ما قالوا في أخيه، ولكن ما دام أنه لم يصح ذكره؛ فلم يتحقق الغرض، فحسبنا ما تقدم ويأتي.
والأمر الآخر: أنه ثبت عن عائشة أنها قالت:
لو علمت أي ليلة ليلة القدر؛ لكان أكثر دعائي فيها أن أسأل الله العفو والعافية.
رواه النسائي (878) ، والبيهقي في "الشعب " (2 0 37) من طريقين عنها، ومن الظاهر أنها لا تقول ذلك إلا بتوقيف. والله أعلم.
(تنبيه) : وقع في "سنن الترمذي " بعد قوله: "عفو" زيادة: "كريم "! ولا أصل لها في شيء من المصادر المتقدمة، ولا في غيرها ممن نقل عنها، فالظاهر أنها مدرجة من بعض الناسخين أو الطابعين؛ فإنها لم ترد في الطبعة الهندية من " سنن الترمذي " التي عليها شرح "تحفة الأحوذي " للمباركفوري (4/ 264) ، ولا(7/1011)
في غيرها. وإن مما يؤكد ذلك: أن النسائي في بعض رواياته أخرجه من الطريق التي أخرجها الترمذي، كلاهما عن شيخهما (قتيبة بن سعيد) بإسناده دون الزيادة.
وكذلك وقعت هذه الزيادة في رسالة أخينا الفاضل علي الحلبي: "مهذب عمل اليوم والليلة لابن السني " (95/202) ، وليست عند ابن السني؛ لأنه رواه عن شيخه النسائي- كما تقدم- عن قتيبة، ثم عزاه للترمذي وغيره! ولقد كان اللائق بفن التخريج أن توضع الزيادة بين معكوفتين كما هو المعروف اليوم [] ، وينبه أنها من أفراد الترمذي. وأما التحقيق فيقتضي عدم ذكرها مطلقاً؛ إلا لبيان أنه لا أصل لها، فاقتضى التنبيه. *
3338- (يا أم رافع! إذا قمت إلى الصلاة؛ فسبحي الله عشراً، وهلِّليه عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشراً، واستغفريه عشراً، فإنك إذا سبحت عشراً قال: هذا لي، وإذا هللت قال: هذا لي، وإذا حمدت قال: هذا لي، وإذا كبرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال: قد غفرت لك) .
أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (37-38/ 105) ، ومن طريقه الديلمي (3/ 1 31) ، والحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/389-390) من طريق ابن منده من طريقين عن عطاف بن خالد: حدثني زيد بن أسلم عن أم رافع رضي الله عنها أنها قالت:
يا رسول الله! دلني على عمل يأجرني الله عز وجل عليه؟ قال: ... فذكره، وقال الحافظ:
"هذا حديث حسن، ورجاله موثقون، لكن في (عطاف) مقال يتعلق(7/1012)
بضبطه، وقد تابعه بُكير بن مسمار عن زيد بن أسلم، وسمّى (أم رافع) ؛ فقال: عن سلمى أم بني رافع ... فذكر الحديث نحوه، لكن أطلق موضع القول، والشيخ (يعني: عطافاً) حمله على الإرادة، ووقع لنا من وجه آخر ما قد يدل على أنه داخل الصلاة".
قلت: ثم ساقه من طريق ابن منده أيضاً بسنده الصحيح عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن وهب عن أم رافع أنها قالت:
يا رسول الله! أخبرني بعمل أفتتح به صلاتي ... فذكر الحديث نحوه. قال: "وأخرج الترمذي وصححه عن أنس أن أم سليم قالت:
يا رسول الله! علمني كلمات أقولهن في صلاتي ... فذكر نحوه.
وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أنس بلفظ:
"إذا صليت المكتوبة.. ".
وأفادت رواية هشام بن سعد زيادة راو بين زيد بن أسلم وأم رافع. والله أعلم ".
قلت: يشير إلى (عبد الله بن وهب) ، ولم يتكلم الحافظ عنه بشيء، ولا أستبعد أنه (عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب الأسدي الأصغر) ؛ فإنه مدني من هذه الطبقة، وروى عن أم سلمة، وروى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات " (5/48) ، وحسن له الترمذي (3873) . وقال الحافظ في "التقريب ":
"ثقة".
وأما متابعة بكير بن مسمار التي ذكرها الحافظ؛ فقد أخرجها الطبراني في(7/1013)
"المعجم الكبير"- بإسناد رجاله ثقات غير شيخ الطبراني- نحوه، كما قال الحافظ ولكنه مختصر عن هذا، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر (6620) ، ولكنه شاهد جيد لهذا في الجملة. ومثله حديث أنس عند الترمذي وغيره، وفيه مكان الجملة الأخيرة من حديث الترجمة:
"ثم سليه حاجتك، يقول: نعم، نعم ".
وقد خرجته من أجلها هناك أيضاً (3688) .
وللحديث شاهد من رواية محمد بن عمرو بن عطاء قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسودة:
"سبحي الله كل غداة عشراً، وكبري عشراً، واحمدي عشراً، وقولي: اغفر لي (عشراً) ؛ فإنه يقول: قد فعلت، قد فعلت ".
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/294/9480) من طريق شبيب بن غرقدة عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين، لكنه مرسل؛ محمد
ابن عمرو بن عطاء: هو القرشي العامري، تابعي مات في حدود العشرين بعد المائة.
وقد صح من فعله - صلى الله عليه وسلم - ما يؤكد أن الذكر الوارد في الحديث أنه في الصلاة، وهو ما جاء من طرق عن عائشة قالت:
كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يفتتح صلاته: كان يكبر عشراً، ويحمد عشراً، ويسبح عشراً، ويهلل عشراً، ويستغفر عشراً ... الحديث، رواه أبو داود وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبو داود" (742) ، و"صفة الصلاة".(7/1014)
3339- (كانت تأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخاصرة، فاشتدت به جداً؛ وأخذته يوماً، فأغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى ظننا أنه قد هلك على الفراش، فلددناه، فلما أفاق عرف أنّا قد لددناه، فقال: كنتم ترون أن الله كان يسلّط علي ذات الجنب؟ ما كان الله ليجعل لها عليّ سُلطاناً، والله لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس.
قالت: فما بقي في البيت أحد إلا لدّ، فإذا امرأة من بعض نسائه تقول: أنا صائمة! قالوا: ترين أنّا ندعك وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يبقى أحد في البيت إلا لُدَّ؟! فلددناها وهي صائمة) .
أخرجه أحمد (6/118) : ثنا سليمان بن داود، وابن سعد (2/235) : أخبرنا محمد بن الصباح، وأبو يعلى (8/353- 354) : حدثنا محمد بن بكار؛ قالوا- والسياق لابن سعد-: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين " إلا أن ابن أبي الزناد إنما أخرج له البخاري تعليقاً (1) ، ومسلم في المقدمة، وذلك لأن في حفظه ضعفاً، لكن الذي رجحه الذهبي أنه حسن الحديث، وبخاصة في رواية المدنيين عنه. وإلى ذلك أشار الحافظ بقوله في "التقريب ":
"صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد".
_________
(1) ومن ذلك هذا الحديث، لكنه لم يسق لفظه (8/148- فتح) ، وقد وصله أيضاً الطحاوي في "المشكل " (2/382) . ******(7/1015)
وقد استثنى من البغداديين الذين رووا عنه سليمان بن داود الهاشمي؛ فقال:
"أحاديثه عنه مقاربة".
وقال ابن معين:
"هو أثبت الناس في هشام بن عروة".
قلت: وهذا الحديث من روايته عنه كما ترى، وقد رواه عنه- عند أحمد- سليمان بن داود الهاشمي، فهو من صحيح حديثه إن شاء الله تعالى، وكأنه لذلك سكت عنه الحافظ في "الفتح " (8/148) ، ولم يعزه إلا لابن سعد.
وله طريق أخرى، وشاهد.
أما الطريق؛ فأخرجه الحاكم (4/405) ، وأحمد (6/274) من حديث محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة: أنها حدثته:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال- حين قالوا: خشينا أن الذي برسول الله ذات الجنب-: "إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه عليّ ".
قلت: وهذا إسناد حسن؛ صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. وقال الحاكم:
"هذا حديث على شرط مسلم "؛ ووافقه الذهبي!
وابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، لكن قد توبع في الطريق الأولى، فهو بهذا الاعتبار على شرط مسلم، والله أعلم.
وأما الشاهد؛ فيرويه أحمد (6/438) : حدثنا عبد الرزاق: ثنا معمر عن(7/1016)
الزهري قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أسماء بنت عُمَيْس قالت:
أوذ ما اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة، فاشتد مرضه حتى أغمي عليه، فتشاور نساؤه في لدّه، فلدّوه، فلما أفاق قال:
"ماهذا؟! ".
فقلنا (1) : هذا فعل نساء جئن من ههنا، وأشار إلى أرض الحبشة، وكانت أسماء بنت عميس فيهن، قالوا: كنا نتهم فيك ذات الجنب يا رسول الله! قال:
"إن ذلك لداء ما كان الله عز وجل ليُقْرِفني به، لا يبقين في هذا البيت أحد إلا التدَّ " إلا عثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يعني: العباس. قال:
فلقد التدّت ميمونة يومئذ؛ وإنها لصائمة؛ لعزمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وإسناده صحيح؛ كما قال الحافظ في "الفتح ". وقال الهيثمي (9/33) :
"ورجاله رجال الصحيح ".
وأقول هو على شرط الشيخين. ورواه الطحاوي أيضاً عن عبد الرزاق.
وقد أخرجه البخاري (4458) ، ومسلم (7/24) من طريق أخرى عن عائشة مختصراً بلفظ:
_________
(1) كذا الأصل، وكذلك هو في "جامع المسانيد" (15/257) ! وسقط من "الفتح " قوله: "ما هذا؟ فقلنا"، ومن "المجمع " قوله: "فقلنا"، فصار قوله: "هذا فعل نساء جئن من ههنا" من قوله - صلى الله عليه وسلم - وهو بعيد. والله أعلم******(7/1017)
لددنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، فأشار أن لا تلُدّوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال:
"لا يبقى أحد منكم إلا لد؛ غير العباس؛ فإنه لم يشهدكم ".
واللفظ لمسلم. وزاد البخاري- بعد قوله: فلما أفاق قال-:
"ألم أنهكم أن تلدوني؟! "، أقال: أقلنا: كراهية المريض للدواء! فقال ... ".
وكذا أخرجه برقم (2 571 و 6897) .
(تنبيه) : من أوهام المعلق على "مسند أبي يعلى": أنه أخرج تحت حديث الترجمة هذا المختصر من رواية الشيخين دون أن يسوق لفظه، أو أن يبين أنه ليس فيه ما في حديث الترجمة، أو على الأقل أن يقول:
".. مختصراًً" كما قلنا!!!
ونحوه قول الحافظ في حديث الترجمة:
"ثبت في "الصحيح " ... "! فإنه يوهم أنه في أحد "الصحيحين "؛ كما نبهت عليه في "الضعيفة" تحت الحديث (6626) ، وقد ذكرت فيه حديث ابن لهيعة المنكر المخالف لهذا الحديث بلفظ:
مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذات الجنب.
إلا أن قول الحافظ يمكن تأويله بأنه أراد: "الحديث الصحيح "، وليس المعنى المتبادر منه " أي: أحد " الصحيحين " اصطلاحاً.
غريب الحديث
1ـ (الخاصرة) ؛ أي: وجع الخاصرة، قيل: إنه وجع الكليتين. كذا في "النهاية".(7/1018)
وأقول: لا مسوغ لتمريض القول الثاني، فقد جاء في رواية أحمد وأبي يعلى لحديث الترجمة ما يدل على أن (الخاصرة) هي وجع الكلية، ولفظه:
كانت تأخذه (الخاصرة) ، فيشتد به جدّاً، فكنا نقول: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرق الكلية، لا نهتدي أن نقول: (الخاصرة) .
2- (فلددناه) ؛ أي: جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره، وهذا هو
اللدود. " فتح ". *******
3340- (لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدْرٍ؛ خرج فاستشار الناس، فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضي الله عنه، فسكت، فقال رجل من الأنصار: إنما يريدكم، فقالوا: [تستشيرنا] يا رسول الله؟! والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ! ولكن والله لو ضربت أكباد الإبل حتى تبلغ برك الغِماد؛ لكنّا معك) .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/170/8580و 6/334/11141) ، وأحمد (6/105 و 88 1) - والسياق والزيادة له-، وأبو يعلى (6/407/3766 و430/3803) ، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه " (11/23/4721-المؤسسة) من طريقين عن حميد عن أنس قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، على ما هو معروف عند العلماء من تسليك الحفاظ لعنعنة حميد عن أنس، نظراً لكون الواسطة بينهما ثابتاً البناني؛ كما في "جامع التحصيل " للعلائي (201- 202) . وقال ابن حبان في "الثقات " (4/148) :(7/1019)
"كان يدلس ما سمعه من ثابت عن أنس، فيرويه هو عن أنس ".
ولذلك أكثر في "صحيحه " من الرواية عنه عن أنس، فانظر "فهرس المؤسسة " (ص 123) .
وله شاهد من مرسل علقمة بن وقاص به أتم منه.
أخرجه ابن أبي شيبة (14/355- 356) ، وابن مردويه- كما في "الفتح " (7/288) - من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص [عن أبيه] (1) عن جده نحوه، وفيه أن القائل: لا نقول كما قال ... هو سعد بن معاذ.
سكت عنه الحافظ، وسنده حسن.
وأما ما رواه الطبراني في "الكبير" (4/209) من حديث أبي أيوب الأنصاري بهذه القصة نحوه مطولاً، وفيه أن القائل هو (المقداد بن عمرو) ؛ فلا يثبت إسناده، وان حسنه الهيثمي (6/73- 74) ؛ لأن فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، هذا إن سلم من شيخ الطبراني (بكر بن سهل) ؛ فقد ضعفه النسائي. ثم إن فيه جملة منكرة جدّا عندي، وهو جواب الأنصار بعد استشارته - صلى الله عليه وسلم - إياهم، فقالوا:
لا والله ما لنا طاقة بقتال العدو، لكن أردنا العير! ثم قال: "ما ترون في قتال القوم؟ "، فقلنا مثل ذلك، فقال المقداد بن عمرو ... ".
ثم استدركت فقلت: ليس فيه قول الأنصاري أو سعد بن معاذ جملة: برك الغماد ... وإنما فيه ما قبلها، وهذا القدر قد صار من قول المقداد في غزوة بدر، فقد روى طارق بن شهاب قال: سمعت ابن مسعود يقول:
_________
(1) زيادة عزاها الحافظ لابن مردويه.(7/1020)
شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً [يوم بدر] [وهو على فرس له] ، لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عُدل به؛ أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو على المشركين، فقال: [إنا] لا نقول [لك] كما قال قوم موسى [لموسى] : (اذهب أنت وربك فقاتلا [إنا ههنا قاعدون] ) ، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك! فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أشرق وجهه وسره- يعني: قوله-.
وفي رواية: ولكن امض ونحن معك.
أخرجه البخاري (7/287 و8/ 273) - والسياق له، وكذا الزيادات إلا الأولى والرواية الأخرى-، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/333/11140) - وله الزيادة الأولى وما بعدها، وله الرواية الأخرى فقط-، وابن سعد في "الطبقات " (3/162) - بالرواية الأولى-، وكذا الحاكم (3/349) - وصححه-، وأحمد (1/390 و 428) ، ورواه ابن جرير (6/115) باختصار.
وقد روي أن المقداد رضي الله عنه قال ذلك في مناسبة أخرى، فقال سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يوم الحديبية حين صد المشركون الهدي، وحيل بينهم وبين مناسكهم:
"إني ذاهب بالهدي، فناحره عند البيت ".
فقال له المقداد بن الأسود: أما والله لا نكون كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكم مقاتلون، فلما سمعها أصحاب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - تتابعوا على ذلك.
أخرجه الطبري: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد.(7/1021)
قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير بشر- وهو ابن معاذ العقدي البصري-؛ فقد ذكره الحافظ المزي في الرواة عن (يزيد بن زريع) ، وهو صدوق كما قال أبو حاتم، وتبعه الحافظ العسقلاني، وذكره ابن حبان في " الثقات " (8/144) ، وروى عنه جمع من الحفاظ كأصحاب "السنن " غير أبي داود، وابن خزيمة وابن جرير الطبري وغيرهم، وأخرج له ابن حبان في "صحيحه " أحاديث كثيرة، فانظر أرقامها إن شئت في "فهارس الرجال " (ص 107 طبع المؤسسة) .
ويزيد بن زريع ثقة ثبت، وبخاصة في روايته عن سعيد بن أبي عروبة؛ حتى قال أحمد:
"كل شيء رواه يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة؛ فلا تبالي أن لا تسمعه من أحد، سماعه من سعيد قديم ".
يشير الإمام إلى أن سعيداً هذا كان قد اختلط، وكان من أثبت الناس في روايته عن قتادة. بل قال أبو حاتم:
"كان أعلم الناس بحديث قتادة".
قلت: وقد خالفه في إسناده عبد الله بن رجاء؛ فقال: عن قتادة عن أنس به ... فأسنده عن أنس.
أخرجه البزار (3/254/2692) : حدثنا محمد بن المثنى: ثنا عبد الله بن رجاء به. وقال:
"لا نعلمه يروى عن قتادة عن أنس إلا من هذا الوجه ".
قلت: ويبدو لي أنه شاذ؛ لأن عبد الله بن رجاء- وهو الغداني؛ كما ذكر(7/1022)
المزي في ترجمة محمد بن المثنى- وهو وإن كان صدوقاً ومن شيوخ البخاري؛ فقد كان يهم قليلاً كما قال العسقلاني في "التقريب "، فمثله لا يعارض به رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. وقد ذكر هذه الحافظ ابن كثير عقب رواية ابن مسعود المتقدمة، وقال في "تفسيره " (2/39) :
"وهذا إن كان محفوظاً يوم الحديبية؛ فيحتمل أنه كرر هذه المقالة يومئذ كما قال يوم بدر".
وأما الحافظ؛ فقال في "الفتح " (7/288) :
"ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية".
قلت: لم أقف على هذا، والله أعلم. ********
قصة فتح مكة الرائعة وإسلام أبي سفيان في أكمل رواية صحيحة
3341- (مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستخلف على المدينة أبا رُهْمٍ كلثوم بن حُصين الغفاري.
وخرج لعشر مضين من رمضان، فصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصام الناس معه، حتى إذا كان بـ (الكديد) (1) ما بين (عُسْفان) و (أمَجَ) أفطر.
ثم مضَى حتى نزل (مرَّ الظّهران) (2) في عشَرة آلاف من المسلمين؛
_________
(1) قلت: وفي "البخاري " (4275) : حتى إذا بلغ (الكديد) : الماء الذي بين (قديد)
و (عسفان) أفطر. و (أمج) : بلد من أعراض المدينة على يومين أو ثلاثة منها؛ كما في "معجم البلدان ". وعليه ففي ذكره هنا نظر. والله أعلم.
(2) (الظهران) : واد قرب مكة، وعنده قرية يقال لها: (مَر) تضاف إليه. "معجم ". ******(7/1023)
من مزينة وسُليم، وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب (1) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف منهم أحد، فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ب (مرِّ الظَّهران) ، وقد عميت الأخبار عن قريش؛ فلم يأتهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر، ولا يدرون ما هو فاعل؟!
خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل ابن ورقاء، يتحسسون وينظرون؛ هل يجد ون خبراً، أو يسمعون به؟! وقد كان العباس بن عبد المطلب أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق.
وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أيضاً] فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله! ابن عمك، وابن عمتك وصهرك، قال:
لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي، فهتك عرضي (2) ، وأما ابن عمتي وصهري، فهو الذي قال لي بمكة ما قال (3) .
فلما أخرج إليهما بذلك- ومع أبي سفيان بنيٌّ له- فقال: والله
_________
(1) أي: خرج جميعهم معه - صلى الله عليه وسلم -.
(2) العرض: موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في خلفه، أو من يلزمه أمره. "نهاية"، ويشير إلى (عبد الله بن أبي أمية) أخي أم سلمة أم المؤمنين.
(3) يشير- والله أعلم- إلى قوله مع جماعة من المشركين كما في القرآن الكريم: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ... ) الآيات (90- 93/ الإسراء) . انظر "تفسير ابن كثير" (3/62- 63) . ******(7/1024)
ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً، فلما بلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لهما، ثم أذن لهما، فد خلا وأسلما. (1)
فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بـ (مر الظهران) ؛ قال العباس: واصباح فريش! والله لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة قبل أن يستأمنوه؛ إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر. قال: فجلست على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء؛ فخرجت عليها حتى جئت الأراك، فقلت: لعلي ألقى بعض الحطابة، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتي مكة ليخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوا إليه، فيستأمنونه قبل أن يد خلها عليهم عنوة. قال: فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له؛ إذ سمعت كلام أبي سفيان وبد يل بن ورقاء؛ وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً ولا عسكراً. قال يقول بديل: هذه- والله- نيران خزاعة؛ حمشتها الحرب (2) . قال: يقول أبو سفيان: خزاعة- والله- أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها. قال: فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة! فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي؟! فقلت: ويحك يا أبا سفيان! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس، واصباح قريش والله! قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟! قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب
_________
(1) هكذا وقعت هذه الفقرة والتي قبلها في القصة متقدمة على إسلامهما الآتي ذكره.
(2) أي: أحرقتها الحرب. ******(7/1025)
معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستأمنه لك. قال: فركب خلفي، ورجع صاحباه، فحركت به (1) ، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: من هذا؟ وقام إليِّ، فلما رأى أبا سفيان على عجز الناقة قال؛. أبو سفيان عدو الله! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وركضت البغلة، فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة (2) الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودخل عمر، فقال: يا رسول الله! هذا أبو سفيان، قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال: قلت: يا رسول الله! إني [قد] أجرته، ثم جلست إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذت برأسه فقلت: لا والله؛ لا يناجيه الليلة رجل دوني، فلما أكثر عمر في شأنه، قلت: مهلاً يا عمر! والله لو كان من رجال بني عديِّ بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه رجل من رجال بني عبد مناف! فقال: مهلاً يا عباس! فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب [لو أسلم] ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
_________
(1) كذا الأصل، و"المجمع "! وفي "السيرة!: (فجئت به) ، ولكل وجه.
(2) الأصل و"المجمع ": (البطيء) ! والمثبت من "السيرة"، و"تاريخ ابن كثير". ******(7/1026)
اذهب به إلى رحلك يا عباس! فإذا أصبح فأتني به.
فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟!.
قال: بأبي أنت وأمي، ما أكرمك [وأحلمك] وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره، لقد أغنى عني شيئاً [بعد] ، قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟!.
قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! هذه- والله- كان في نفسي منها شيء حتى الآن (1) ، قال العباس: ويحك يا أبا سفيان! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله قبل أن يضرب عنقك، قال: فشهد بشهادة الحق وأسلم (2) .
قلت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئاً. قال:
نعم، من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن، ومن أغلق بابه؛ فهو آمن، ومن دخل المسجد، فهو آمن.
_________
(1) كذا الأصل، و"المجمع "! وفي "السيرة": أما هذه- والله- فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً ... والزيادات منه.
(2) انظر التعليق المتقدم رقم (1) صفحة (1025) . ******(7/1027)
فلما ذهب لينصرف؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
يا عباس! احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها.
قال: فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أحبسه. قال: ومرت به القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء؟ فأقول: (سُليم) ، فيقول: ما لي ولـ (سليم) ؟ قال: ثم تمر القبيلة، قال: من هؤلاء؟ فأقول: (مزينة) ، فيقول: ما لي ولـ (مزينة) ؟ حتى تفذت (1) القبائل؛ لا تمر قبيلة إلا قال: من هؤلاء؟ فأقول: بنو فلان، فيقول: ما لي ولبني فلان؟ حتى مر رسول الله في كتيبته الخضراء (2) فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق [من الحديد] ، قال: سبحان الله! من هؤلاء يا عباس؟! قلت: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً! قلت: يا أبا سفيان! إنها النبوة، قال: فنعم إذاً، قلت: النجاء إلى قومك.
قال: فخرج حتى إذا جاءهم؛ صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش!
هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان؛ فهو آمن، فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه فقالت:
_________
(1) الأصل: (تعدت) ! والتصحيح من " السيرة"، و"البداية ".
(2) الأصل: (في الخضراء كتيبة) ! والمثبت من المصدرين المذكورين. ******************(7/1028)
اقتلوا الدسم الأحمش (1) قبح من طليعة قوم! قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاء ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان؛ فهو آمن، قالوا: ويلك وما تغني دارك؟! قال: ومن أغلق بابه؛ فهو آمن، ومن دخل المسجد، فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم، وإلى المسجد) .
أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" (4/17- 24- ابن هشام) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 10- 15) - والسياق له-، والطبري في "التاريخ " (3/ 114) - ببعضه-، وكذا الحاكم (3/43- 44) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/32) ، وأبو داود (3021) - فقرة منه (2) - من طريق محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن ابن عباس به. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي!
ونحوه قول الهيثمي في "المجمع " (6/167) :
"رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ".
فأقول: محمد بن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، وهو حسن الحديث - بعامة- بشرط التصريح بالتحديث كما هنا، وهو حجة في السيرة النبوية كما هو معروف عند العلماء، ولذلك نقله الحافظ ابن كثير في تاريخه "البداية" (4/288- 291) عن "السيرة" ساكتاً عنه، وكذلك الحافظ في "الفتح " (7/8- 12) قطعاً
_________
(1) (الدسم) : الأسود. و (الأحمش) : القليل اللحم. أي: الأسود الدنيء؛ قالته له في معرض الذم. كذا في "النهاية" (د س م، ح م ش) .
(2) انظر "صحيح أبي داود" (2672- 2673) .(7/1029)
منه في شرحه لحديث عروة بن الزبير الذي أخرجه البخاري (4280) من طريق هشام بن عروة عن أبيه مرسلاً. وفيه جمل كثيرة مما في حديث ابن إسحاق؛ فهو شاهد قوي.
وأخرجه الطبري (3/ 7 1 1- 8 1 1) ، والبيهقي (5/ 36- 38، 38- 39) - ببعضه-، والطبراني (7263) من طريق أخرى عن هشام به مطولاً، وفيه ابن لهيعة.
ولابن إسحاق إسناد آخر، قال: ثنا الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس نحوه.
أخرجه الطبري (3/115- 117) ، والبيهقي (5/32- 35) .
والحسين هذا ضعيف.
وقد خالفه أيوب فرواه عن عكرمة مرسلاً؛ لم يذكر ابن عباس.
رواه البيهقي أيضاً، ولكنه لم يسق متنه، وقال عقبه:
"وقد رواه عبد الله ابن إدريس عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس بمعناه ".
ثم رواه (5/39- 46) عن موسى بن عقبة، زاد في رواية: عن ابن شهاب مرسلاً نحوه مطولاً.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح بهذه الطرق والشواهد، وهو أصح وأتم ما وقفت عليه مسنداً في قصة فتح مكة حرسها الله. والله سبحانه وتعالى أعلم. **************************(7/1030)
3342- (هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا) .
أخرجه ابن ماجه (1338) - والسياق له-، وابن نصر في "قيام الليل " (ص 55) ، وأحمد (6/165) ، وأبو نعيم في "الحلية " (1/ 371) ، والحاكم (3/325) من طريقين عن حنظلة بن أبي سفيان: أنه سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحي يحدث عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:
أبطأث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال:
"أين كنت؟ ".
قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك، لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام وقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!
كذا قالا! وفيه أمران:
الأول: أن عبد الرحمن بن سابط لم يخرج له البخاري شيئاً.
والآخر: أن ابن سابط لم أجد من صرح أنه سمع من عائشة رضي الله عنها، وقد أرسل عن كثير من الصحابة، وروى له مسلم عن عائشة فرد حديث بواسطة - كما قال الخزرجي في "الخلاصة"-؛ ففيه شبهة الانقطاع. وكأنه لذلك قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"- بعدما عزاه لابن ماجه (1) -:
_________
(1) الأصل: "أبو داود"! وهو خطأ من الناسخ أو الطابع، فلم يروه أبو داود. ************(7/1031)
"ورجال إسناده ثقات ".
قلت: فلم يصححه. وقد بين ذلك الحافظ في "تخريج الأذكار"، فقال- كما
في "شرح ابن علان " (3/266) -:
"تفرد به ابن ماجه، ورجاله رجال "الصحيح "؛ إلا أن عبد الرحمن بن سابط كثير الإرسال، وهو تابعي ثقة، وقد (أخرجه) ابن المبارك في "كتاب الجهاد" مرسلاً، فقال: عن ابن سابط: أن عائشة سمعت سالماً ... وابن المبارك أتقن من الوليد الذي روى الحديث موصولاً؛ لكن للحديث طريق آخر ذكر فيه الحديث دون القصة، وإذا انضم إلى السند [الذي] قبله؛ تقوى به، وعرف أن له أصلاً ".
قلت: وقوله: "وابن المبارك أتقن من الوليد"مما لا شك فيه، ولكنه يشعر (1) أن الوليد تفرد به، وليس كذلك؛ كما أشرت إليه في قولي المتقدم:
"من طريقين عن حنظلة".
وأعني بالأولى: طريق الجماعة عن (الوليد) ، وبالأخرى: طريق أحمد قال: "ثنا ابن نمير قال: ثنا حنظلة عن ابن سابط عن عائشة ... "، رواه في جملة أحاديت لابن نمير- واسمه عبد الله أيضاً-، وهو ثقة من رجال الشيخين، فهذه متابعة قوية منه للوليد بن مسلم، فالعلة شبهة الانقطاع، وليست المخالفة، والله أعلم.
ثم رأيت الحافظ قد ذكر رواية أحمد هذه في "الإصابة"، ومع ذلك نصب الخلاف بين ابن المبارك والوليد فقط، فقال:
"وابن المبارك أحفظ من الوليد"!
_________
(1) الأصل: "يشعر 7 عن "!! والتصحيح من "شرح الإحياء" (4/498) .(7/1032)
ثم قواه بطريق البزار؛ وقال:
"ورجاله ثقات ".
وهو كما قال، لكن فيه عنعنة ابن جريج، فإنه قال: عن ابن أبي مليكة عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع سالماً مولى أبي حذيفة يقرأ من الليل فقال: ... فذكره مختصراً.
أخرجه البزار (3/254/2694) بسند صحيح عنه. وقال الهيثمي (9/ 330) :
"رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ".
قلت: فهو صحيح الإسناد لولا العنعنة. لكنه شاهد قوي لحديث عائشة؛ فأحدهما يقوي الآخر. وقد قال البوصيري في "مصباح الزجاجة " (1/ 158) في حديث عائشة:
"هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه الحاكم ... ".
استدراك:
ثم تبينت أن رواية ابن المبارك التي اعتمدها الحافظ في إعلال رواية الثقتين: الوليد بن مسلم، وعبد الله بن نمير: مما لا يجوز الثقة بها- بله معارضة رواية الثقات بها-، وكان مفتاح ذلك أنني رأيت ابن الأثير- جزاه الله خيراً- قد ساق إسناده إلى ابن المبارك بها، في ترجمة سالم رضي الله عنه في "أسد الغابة"، فإذا هي من طريق (سعيد بن رحمة بن نعيم) قال: سمعت ابن المبارك ...
وسعيد هذا لم يوثقه أحد، بل قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/328) :
"روى عنه أهل الشام، لا يجوز الاحتجاج به " لمخالفته الأثبات في الروايات ".(7/1033)
ونقله عنه الذهبي في " الميزان "، والعسقلاني في "اللسان "، وأقراه، وذكرا أنه
هو راوي "كتاب الجهاد" عن ابن المبارك. فلا أدري كيف غاب هذا عن الحافظ، واعتمد على الكتاب المذكور فيما تقدم؟ ! ********
3343- (كان يقوم فيصلِّي من الليل [على خمرته] ، (قالت ميمونة رضي الله عنها) وأنا نائمة إلى جنبه، [مفترشة بحذاء مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] ، فإذا سجد أصابني [طرف] ثوبه وأنا حائض) .
أخرجه أحمد (6/ 0 33- 1 33) من طرق عن عبد الواحد وغيره، عن سليمان الشيباني قال: ثنا عبد الله بن شداد قال: سمعت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: ... فذ كره.
والسياق لعبد الواحد- وهو ابن زياد العبدي-، وهو ثقة من رجال الشيخين، والزيادات لغيره، وكلها صحيحة.
والحديث في "الصحيحين " وأصحاب "السنن " وغيرهم بألفاظ نحوه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (395/663) ، لكن وقع في "مسلم " مختصراً جدّاً بلفظ:
كان يصلي وأنا حذاءه، وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على الخمرة.
ولذلك أشكل على بعض إخواننا، وتساءل في خطاب له أرسله إلي من الرياض بتاريخ (2/6/1416هـ) تساءل فيه:
"هل يفهم منه أن تقف المرأة مع الإمام الرجل في صف واحد في صلاة الجماعة في النافلة، كما- ربما- أفاد عنوان الحديث وما قبله في "صحيح مسلم "؟! أم يفهم أنها كانت جالسة لا تصلي ... ؟! ".(7/1034)
قلت: وإن مما لا شك فيه أن الأمر الأول بعيد جداً عن الحديث- على اختصاره-؛ لأنه ليس فيه: وأنا أصلي حذاءه؛ وهو خلاف المعروف من الأحاديث الصحيحة الأخرى أن المرأة تقف خلف الإمام ولو كانت وحدها، خلافاً للرجل. ومن أبواب البخاري في "صحيحه ":
"باب المرأة وحدها تكون صفاً ".
ثم ساق تحته (727) حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمي- أم سُليم- خلفنا.
ورواه مسلم أيضاً، وأصحاب " السنن " وغيرهم، وهو مخرج في "الإرواء" (2/329- 330) .
وأما حديث: "المرأة وحدها صف "؛ فموضوع، كما قال ابن عبد البر، وقد عزاه إليه الحافظ (2/212) دون أن يحكي عنه الموضع! وساكتاً عنه أيضاً! انظر "الضعيفة" (6628) .
أقول: فدفعاً لذاك الإشكال وجواباً عن ذاك المتسائل؛ جمعت أطراف الحديث وزوائده، وسقته سياقاً واحدً سمحًا سهلاً؛ للإطاحة بالإشكال، ولبيان أنها لم تكن جالسة، وإنما نائمة، ولا بمصلية بل وهي حائض! وإنما كان فراشها بحذاء مسجده - صلى الله عليه وسلم - أي: مصلاه. وبالله التوفيق. *
3344- (ذاك إبراهيم عليه السلام. يعني: أنّه خير البريّة) .
أخرجه مسلم (7/97) ، وأبو داود (4672) ، والترمذي (3349) ، والنسائي
في "السنن الكبرى" (6/520/11692) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (11/518/11865) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/48- 49- المؤسسة) ،(7/1035)
وأحمد (3/178و184) ، وأبو يعلى (7/39 - 40/3948- 3950) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/128 و 2/156- 57 1) ، والبيهقي في " دلائل النبوة" (5/497) من طرق عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال:
جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا خير البرية! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ".
قلت: وظاهر الحديث يدل على أمرين:
أحدهما: أن إبراهيم عليه السلام خير الخلق مطلقاً بما فيهم الملائكة.
والآخر: أنه أفضل من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وأجاب العلماء عن هذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك تواضعاً وهضماً لنفسه، أو أنه قال ذلك قبل أن يوحى إليه بأن الله تعالى اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه سيد الناس يوم القيامة، آدم فمن دونه تحت لوائه - صلى الله عليه وسلم -، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وبهذا أجاب الطحاوي، فراجعه فإنه هام مفيد.
وأما الأمر الأول؛ فلم يتعرض له الطحاوي، فأرى- والله أعلم- أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خير البرية" من حيث إنه لا يشمل الملائكة، كقوله تعالى في سورة (البينة) : (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) بعد قوله: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) ، وأن المراد بـ (خير البرية) و (شر البرية) ؛ إنما هم غير الملائكة- كما يشعر بذلك السياق-؛ فإن الملائكة (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) . وقد ذكر القرطبي أنه قد استدل بقوله تعالى: (خير البرية) من فضل(7/1036)
بني آدم على الملائكة، ثم أحال في بيان الخلاف في ذلك على سورة البقرة (1/289) ، وهناك ذكر الخلاف في المسألة بشيء من التفصيل، وذكر دليل من قال بذلك، والقائل بأن الملائكة أفضل، ومن ذلك قوله:
"وفي البخاري: "يقول الله تعالى: من ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم "، وهذا نص " (1) .
ثم قال:
"وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم, لأن طريق ذلك خبر الله تعالى، وخبر رسوله، أو إجماع الأمة، وليس ههنا شيء من ذلك ".
ثم رأيت العلامة ابن أبي العز الحنفي قد توسع جدا في ذكر أدلة الفريقين ومناقشتها، وبيان ما لها وما عليها في "شرح العقيدة الطحاوية" (301- 311) - وتبعه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري " (13/384- 388) -؛ وذكر عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لم يقطع فيها بجواب، وقال:
"وهذا هو الحق، فإن الواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين، وليس علينا أن نعتقد أي الفريقين أفضل؛ فإن هذا لو كان من الواجب لبين لنا نصاً.. وحملني على بسط الكلام هنا: أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم: كان الملك خادماً للنبي - صلى الله عليه وسلم -! أو أن بعض الملائكة خدام بني آدم!! يعنون: الملائكة الموكلين بالبشر، ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع المجانبة للأدب.. ".
_________
(1) الحديث أخرجه مسلم أيضاً، وهو من حديث أبي هريرة، وله شواهد من حديث ابن عباس، وأنس بن مالك، وهي مخرجة في "الصحيحة" (2011و 2287 و 2942) .(7/1037)
ثم شرع في البسط المذكور، وختمه بقوله:
"وحاصل الكلام: أن هذه المسألة من فضول المسائل، ولهذا لم يتعرض لها كثير من أهل الأصول، وتوقف أبو حنيفة في الجواب عنها كما تقدم. والله أعلم بالصواب ".
قلت: ولقد كان التوقف المذكور هو الذي يقتضيه النظر والتأمل في أدلة الفريقين، وجواب كل منهما عن أدلة الآخر، لولا حديث البخاري الذي قال فيه القرطبي: إنه نص في المسألة كما تقدم؛ وقد حكاه الحافظ العسقلاني عن ابن بطال أيضاً، وإن كان الحافظ تكلف في رد دلالته وتأويله:
"بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معاً؛ فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع ".
وقد كنت وقفت منذ القديم في "الترغيب والترهيب " على حديث من رواية البزار وابن حبان في "صحيحه " هو نص في الموضوع وأقوى؛ لأنه يبطل التأويل المذكور، ونصه:
"أول من يدخل الجنة من خلق الله: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله لملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة:
ربنا! نحن سكان سماواتك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؛! قال: إن هؤلاء كانوا عباداً لي يعبدوني لا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم الثغور..، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك؛ فيدخلون عليهم من كل باب: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) .(7/1038)
وقال المنذري (4/86) ، والهيثمي (10/259) :
"ورجاله ثقات ".
وهو في "موارد الظمآن " (2565) - والسياق له-، ومخرج في المجلد السادس من "الصحيحة" برقم (2559) . وإني لأستغرب جدا كيف فات على أولئك العلماء من الفريقين إيراده احتجاجاً ودفعاً؟! وبخاصة الحافظ ابن حجر العسقلاني، لنعلم رأيه في شهادة الملائكة أمام ربهم: أنهم خيرة خلقه، وما أظن أنه يجد له تأويلاً إلا التسليم لدلالته!
ونحوه حديث الترجمة، فما تعرض أحد منهم لذكره، ولعل ذلك لأنهم يرون أيضاً أنه خاص بالناس دون الملائكة؛ كما تقدم بيانه في طليعة هذا التخريج، وهو الذي استظهره الإمام الآلوسي في تفسيره "روح المعاني " (3/264) ! والله ولي التوفيق.
وأما حديث: "علي خير البرية"؛ فمن موضوعات الشيعة، وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري، وهو مخرج في "الضعيفة " (5593) ، ومن حديث جابر بن جابر برقم (4925) ، وذكره الآلوسي من حديث أبي هريرة عند ابن أبي حاتم، وحديث عائشة وعلي وابن عباس عند ابن مردويه، ولم أقف على أسانيدها. ومن الظاهر أنها من عمل الشيعة أو غيرهم من الضعفاء والكذابين، ولذلك عقب الآلوسي عليها بقوله:
"وإن دون إثبات صحة تلك الأخبار خرط القتاد. والله تعالى أعلم ".
ولا بد من التنبيه أنه وقع فيه حديث أبي هريرة: "مرفوعاً "، وأنا أظن أنه محرف: "موقوفاً"؛ فإن من المعروف أن مرجع المتأخرين في تخريج أحاديث التفسيرإنما هو "الدر المنثور"على الغالب، والحديث فيه (6/379) غيرمرفوع! *(7/1039)
3345- (لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك، ما وطئوا الأرض قبلها، وقال حين دفن:
سبحان الله! لو انفلت أحد من ضغطة القبر؛ لانفلت منها سعد، [ولقد ضم ضمة، ثم أفرج عنه] ) .
أخرجه البزار (3/256/2698- كشف الأستار) من طريق أبي عَتَّاب: ثنا مسكين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الخطاب: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون؛ غير مسكين هذا؛ فقد ذكره البخاري في "التاريخ " بروايته عن برد بن سنان، وقال:
"يعد في البصريين، روى عنه محمد بن رومي وبشر بن الحكم ".
وسكت عنه. وترجمه ابن أبي حاتم (4/1/ 329) برواية خمسة آخرين من الثقات، وقال:
"سألت أبي عنه؟ فقال: وهن أمر مسكين أبي فاطمة بهذا الحديث؛ حديث أبي أمامة في الغسل يوم الجمعة".
قلت: وهذا تضعيف لين؛ فإن الحديث الذي أشار إليه قد رواه أبو فاطمة عن حوشب عن الحسن قال: كان أبو أمامة يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره؛ وهو مخرج في "الضعيفة" (1802) ، وتضعيفه بهذا الحديث فيه نظر عندي؛ لأنه لا ذنب له فيه؛ إنما هو راو، والعلة فيه من الحسن- وهو البصري-؛ فإنه لم يصرح بسماعه، دل قال أدو حاتم
"الحسن عن أبي أمامة لا يجيء".(7/1040)
ثم إن بين أبي فاطمة والحسن: حوشب- وهو ابن مسلم الثقفي-، وهو دون (أبي فاطمة) في الشهرة؛ فإن ابن أبي حاتم لم يذكر عنه من الرواة مع أبي فاطمة غير ثلاثة، بينما هذا روى عنه ستة من الثقات، إذا ضم إلى الخمسة الذين ذكرهم ابن أبي حاتم (بشر بن الحكم) الذي ذكره البخاري، وفي إسناد هذا الحديث راو سابع عنه، وهو أبو عتاب- وهو سهل بن حماد-، ويمكن أن يضاف إليهم ثامن، وهو عبد الله بن عون، فقد قال ابن حبان في ترجمة (مسكين) هذا (5/449) :
"روى عن رجل من الصحابة، روى عن الحسن (!) ، وأحسبه: الذي روى عن علي، روى عنه عبد الله بن عون ".
وفرق البخاري، وابن أبي حاتم بين المترجم وبين هذا الذي روي عن علي، وأفرداه بالترجمة؛ إلا أنهما اختلفا، فقال البخاري:
"سمع علياً، روى عنه عبد الله بن عون ".
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه:
"روى عن علي رضي الله عنه؛ مرسل، روى عنه ... ".
بل، ويمكن أن يلحق بهم ثقة تاسع، وهو العباس بن الوليد النرسي، كما يأتي نقلاً عن "لسان الحافظ ".
من أجل ذلك أستبعد جدّاً تعصيب علة حديث (غسل الجمعة) بأبي فاطمة هذا، وعلته من الانقطاع بين الحسن وأبي أمامة، فإن كان ولا بد من النزول عنه إلى غيره؛ فهو حوشب بن مسلم، لما ذكرت آنفاً أنه دون أبي فاطمة في الشهرة، وإن كان قد قال الحافظ فيه:
" صدوق ".(7/1041)
وله وجه. وقد خالفه الذهبي فقال في "الميزان ":
"لا يدرى من هو؟ ".
وإذا كان الحافظ قد صدّقه، وقد روى عنه أربعة؛ فإن مما لا شك فيه أن من روى عنه ثمانية بل تسعة من الثقات؛ أنه لا يجوز في النظر السليم أن تعصّب به العلة، وفوقه من هو أولى بها.
ومن الغريب أن الحافظ قد فاته أن أبا فاطمة مترجم في المصادر الثلاثة المتقدمة: "التاريخ "، "الجرح "، "الثقات "، وأنه ذكره في كتابه: "اللسان " مختصراً جدّاً، فقال (6/28- 29) :
"مسكين أبو فاطمة، عن التمار بن يزيد، وعنه العباس بن الوليد النرسي. قال الدراقطني: ضعيف الحديث ".
فأقول: هذا تضعيف غير مفسَّر، فأخشى أن يكون نحو تضعيف أبي حاتم الذي بينت وهاءه. والله أعلم.
على أنه لم يتفرد به (مسكين أبو فاطمة) ، بل تابعه عبيد الله بن عمر عن نافع به، وفيه الزيادة، ولفظه:
"لهذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماوات، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لم ينزلوا الأرض قبل ذلك، ولقد ضم ... " إلخ.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (3/ 430) : أخبرنا إسماعيل بن أبي مسعود قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر به.
ومن هذا الوجه أخرجه الخطيب في "التاريخ " (6/ 250) في ترجمة إسماعيل(7/1042)
ابن أبي مسعود، وذكر أن كنيته أبو إسحاق كاتب الواقدي، وقال:
"حدث عن عباد بن العوام وعبد الله بن إدريس وخلف بن خليفة الأشجعي، روى عنه إبراهيم بن عبد الرزاق، وعباس الدوري، وعبد الكريم بن الهيثم العاقولي ".
وعبد الكريم هذا ثقة ثبت، كما في "التاريخ " (6/78) .
ثم روى بسنده عن ابن السكن: "حدثنا إسماعيل بن أبي مسعود، بغدادي ثقة".
قلت: وهذه فائدة تستدرك على "اللسان "؛ فإنه لم يذكر توثيقه إلا عن ابن حبان، وقد ذكره في الطبقة الرابعة من "الثقات " (8/95) ، وقال:
"روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن خُرَّزَاذَ الأنطاكي، يغرب ".
قلت: وروى عنه أربعة آخرون، ثلاثة منهم ثقات، ذكر منهم الخطيب اثنين، والثالث ابن سعد كما ترى، فهو ثقة إن شاء الله؛ كما قال ابن حبان وابن السكن.
على أنه قد توبع من عمرو بن محمد العَنْقَزيِّ في "سنن النسائي "، وعنه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 11) ، وفي "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (1/ 270/ 1) ، ومن داود بن عبد الرحمن عند البزار أيضآ (رقم 2699) ؛ ولم يسق الهيثمي لفظه، ولكنه ساقه عقب حديث الترجمة، ثم قال:
"قلت: فذكر نحوه ".
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وقد ساق لفظه الحافظ ابن كثير في تاريخه "البداية" (4/128) ، وزاد في آخره:(7/1043)
"ثم بكى نافع ". وقال ابن كثير:
"وهذا إسناد جيد، لكن قال البزار: رواه غيره عن عبيد الله عن نافع مرسلاً".
قلت: لم يذكر من هو هذا (الغير) ؟ ولا ذكر إسناده إليه، ولا عرفته، فإن صح فلا يضر بعد أن أسنده العنقزي متابعآ لداود بن عبد الرحمن كلاهما عن عبيد الله ابن عمر، متابعين لعبد الله بن إدريس عنه، فهؤلاء ثلاثة من الثقات قد أسندوه، فلا يضرهم مخالفة من أرسله مهما كان شأنه؛ فكيف وقد توبع عبيد الله بن عمر على إسناده من مسكين أبي فاطمة عن نافع عن ابن عمر، كما في حديت الترجمة؟!
وله شاهدان مختصران من حديث عائشة وابن عباس، تقدم تخريجهما برقم (1695) .
(تنبيه) : كنت اعتمدت في تخريج حديث (غسل الجمعة) المتقدم في أول
هذا التخريج تضعيف أبي حاتم والدارقطني لـ (مسكين بن عبد الله) ، وبعد هذا التحقيق الذي وفقني الله تبارك وتعالى حوله، وتتبع من روى عنه من الثقات، فقد رجعت عن تضعيفه، وأسأل الله تعالى المزيد من فضله وتوفيقه، وصدق الله (وما بكم من نعمة فمن الله) ا.
ثم وجدت له طريقاً أخرى عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ:
"إن سعداً ضغط في قبره ضغطة، فسألت أن يخفف الله عنه ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/205/2) عن عبد السلام بن حرب عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال.
اهتز العرش لحب لقاء الله سعداً، وكان آخرهم خرج من قبره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال: ... فذ كره.(7/1044)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عطاء بن السائب كان اختلط.
وعبد السلام بن حرب؛ قال الحافظ:
"ثقة حافظ، له مناكير".
قلت: وقد توبع، فأخرجه الحاكم (3/206) ، والبزار (3/256/2697) ، وابن أبي شيبة (12/142 ـ 143) ، وابن سعد (3/433) من طريق ابن فضيل عن عطاء بن السائب به؛ ولفظه:
"ضُمَّ سعد في القبر ضمة، فدعوت الله أن يكشف عنه ". وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي!
وهذا من أوهامهما؛ فإن اختلاط عطاء بن السائب ثابت عند أهل العلم، وقد ذكر ذلك الذهبي نفسه في ترجمته من "الميزان "، وأن من روى عنه قديماً؛ فهو صحيح الحديث، وليس عبد السلام بن حرب ومحمد بن فضيل منهم، ولذلك فالحديث ضعيف لاختلاطه؛ لا سيما والأحاديث في ضمة القبر على سعد كثيرة؛ ذكر السيوطي طائفة منها في "شرح الصدور" (ص 44- 45) ، وليس في شيء منها: "فسألت الله أن يخفف عنه " أو: "فدعوت الله أن يكشف عنه "؛ مع ملاحظة الفرق أيضاً بين "يخفف " و"يكشف ". *
3346- (أتعجبون من هذه؟ فو الذي نفسي بيده، لمناديل سعد ابن معاذ في الجنة خير منها)
أخرجه البزار في "مسنده " (3/257- 258) : حدثنا محمد بن المثنى: ثنا سالم بن نوح: ثنا عمر بن عامر عن قتادة عن أنس:(7/1045)
أن أكيدر الدّومة بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبة سندس، فلبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتعجب الناس منها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ثم أهداها إلى عمر، فقال: يا رسول الله! تكرهها وألبسها؟! قال:
"يا عمر! إنما أرسلت بها إليك لتبعث بها وجهاً، فتصيب بها مالاً"؛ وذلك قبل أن ينهى عن الحرير.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم.
وقد أخرجه في "صحيحه " (7/ 151) عقب حديث شيبان عن قتادة الآتي، فقال: حدثناه محمد بن بشار: حدثنا سالم بن نوح به؛ إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما قال:
فذكر نحوه، ولم يذكر فيه: وكان ينهى عن الحرير.
وقد جاء الحديث من طرق أخرى عن قتادة مفرقاً.
الأولى: عن شيبان عنه بالشطر الأول منه دون جملة الإهداء، ودون ذكر (أكيد ر دومة) ، وزا د:
وكان ينهى عن الحرير.
أخرجه البخاري (5 261 و 3248) ، ومسلم (7/ 51 1) ، وأبو يعلى (5/423/3112) ، وعبد بن حميد في "المنتخب " (3/101/1198) .
الثانية: سعيد بن أبي عروبة عنه بالشطر الأول.
أخرجه أحمد (3/206- 7 0 2 و 234) ، وابن حبان (9/91/ 6999) ، والطحاوي (2/343) .(7/1046)
وإسناد أحمد في الموضع الأول صحيح على شرط الشيخين، وعلقه البخاري (6 1 26 و 2 380) ، وفي الموضع الآخر صحيح على شرط مسلم.
الثالثة: شعبة عنه به مختصراً.
أخرجه الطيالسي (267/ 0 99 1) ، ومن طريقه أحمد (3/209) .
وإسناده صحيح على شرط الشيخين أيضاً.
ووجدت لقتادة ثلاثة متابعين:
الأول: واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال:
دخلت على أنس بن مالك، فقال لي: من أنت؛ قال: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال: إنك بسعد لشبيه، ثم بكى فأكثر البكاء، قال: رحمة الله على سعد، كان من أعظم الناس وأطولهم، ثم قال:
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشاً إلى (أكيدر دومة) ، فأرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبة ديباج منسوج فيها الذهب، افلبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام على المنبر، أو جلس، فلم يتكلم، ثم نزل، فجعل الناس يلمسون الجبة وينظرون إليها، فقال: ... فذكر حديث الترجمة؛ دون جملة الإهداء.
أخرجه الترمذي (1723) ، والنسائي (2/297) ، وابن حبان في "صحيحه " (6998- الإحسان) - والسياق له-، وابن أبي شيبة في "المصنف " (14/ 41- 413/18644) من طريق محمد بن عمرو: حدثنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ ... وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ".(7/1047)
قلت: وإسناده حسن للخلاف المعروف في محمد بن عمرو- وهو ابن علقمة الليثي المدني-.
وواقد ثقة من رجال مسلم.
الثاني: عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس قال:
رأيت قباء (أكيدر) حين قدم به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث؛ دون الجملة.
أخرجه أحمد (3/238) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني عاصم ... إلخ.
قلت: وهذا إسناد حسن أيضاً، صرح فيه محمد بن إسحاق بالتحديث.
الثالث: علي بن زيد بن جدعان عنه قال:
أهدى (أكيدر دومة) ... الحديث دون الهدية، وزاد في رواية:
ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب، فلبسها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"إني لم أعطكها لتلبسها".
قال: فما أصنع بها؟ قال:
"أرسل بها إلى أخيك النجاشي ".
أخرجه أحمد (3/ 111 و 229 و 251) ، والحميدي (1203) - مختصراً-.
وابن جدعان ضعيف، والجملة الأخيرة منه منكرة عندي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وثمة متابع رابع؛ وهو الزهري عن أنس قال:(7/1048)
أهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - حلة من إستبرق ... الحديث دون الجملة.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/15/5347) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن زِيْرِيق: ثنا عمرو بن الحارث: ثنا عبد الله بن سالم عن الزُّبَيْدِي عنه.
وعلَّقه البخاري عقب حديث البراء الآتي الإشارة إليه، فقال (3802) :
"رواه قتادة والزهري سمعا أنسآ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
فقال الحافظ (7/123) - وتبعه العيني في "العمدة" (16/267) -:
"أما رواية قتادة " فوصلها المؤلف في (الهبة) ، وأما رواية الزهري؛ فوصلها في (اللباس) ".
قلت: أما رواية قتادة " فهي المتقدمة من رواية شيبان عنه.
وأما رواية الزهري؛ فلم يصلها البخاري، وإنما علقها أيضاً في (اللباس) فقال تحت (26- باب مس الحرير من غيرلُبْسِ) :
"ويروى فيه عن الزُّبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
فقول الحافظ: "فوصلها في (اللباس) " وهم (1) ، لعله سبق قلم، صوابه: "فيأتي وصلها في (اللباس) "؛ فقد وصله هو هناك من رواية الطبراني المذكورة، وعقب عليها بقوله (10/291) :
"قال الدارقطني في "الأفراد": لم يروه عن الزبيدي إلا عبد الله بن سالم ".
قلت: وهو أبو يوسف الحمصي، ثقة من رجال البخاري، لكن السند إليه
_________
(1) قلت: قلده فيه الشيخ الأعظمي في تعليقه على الحديث؛ فقال: "أخرجه البخاري من طريق قتادة والزهري عن أنس، أما رواية قتادة ففي (ج 5 ص 5 14) "!!(7/1049)
ضعيف؛ إلا أن قول الدارقطني المذكور يشعر بأن الضعيف متابع، وكذلك قول البخاري المتقدم، فقد جزم بأن قتادة والزهري سمعاه من أنس، لكن رواية الطبراني معنعنة، وكذلك رواية تمام التي قرنها الحافظ بها، بيد أنني رجعت إلى "فوائد تمام " بواسطة "الروض البسام " (4/325- 326/ 00 5 1 و1 0 5 1) ؛ فرأيته قد أخرجه من وجه آخر أيضاً، وفي كل منهما صرح الزهري بالتحديث، لكنهما ضعيفان؛ كما بينه مرتبه الفاضل أبو سليمان الدوسري جزاه الله خيرآ. وكأن البخاري عاد أخيراً إلى الإشارة إلى تضعيفه في الباب المشار إليه آنفاًً بقوله في صدره:
"ويروى فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "؛ وإليه مال الحافظ في "تغليق التعليق " (5/62) . وفي الطرق المتقدمة عن أنس ما يكفي ويغني عن هذه الطريق. والله أعلم.
على أن لحديث الترجمة شاهداً من حديث البراء بن عازب قال:
أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها، فقال: ... فذ كره.
أخرجه البخاري (3249 و 2 380 و 5836 و0 664) ، ومسلم (7/ 150 - 51 1) ، والترمذي (3846) ، وابن ماجه (57 1) ، وابن حبان (9/90/6996و 6997- الإحسان) ، وأحمد (4/ 1 30 و 2 30) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/15/5348) من طريق سفيان وشعبة وغيرهما عن أبي إسحاق عنه. وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ".
وجملة الإهداء؛ يرويها أبو صالح الحنفي عن علي:
أن (أكيدر دومة) أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوب حرير، فأعطاه عليّاً، فقال:(7/1050)
"شققه خمراً بين الفواطم ".
أخرجه مسلم (6/142) . *
3347 - (إنّما كانت تحملُه الملائكة معَهم. يعني: جنازة سعدِ بن معاذ رضي الله عنه) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (9/89/6993- الإحسان) قال: أخبرنا الحسن بن سفيان: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف: حدثنا محمد بن سَوَاءِ: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال- وجنازة سعد موضوعة-:
"اهتز لها عرش الرحمن ".
فطفق المنافقون في جنازته، وقالوا: ما أخفها! فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات مشهورون؛ غير محمد بن عبد الرحمن العلاف، ذكره ابن حبان في "الثقات " بروايته عن محمد بن سواء وأبي عاصم، وقال (9/89) :
"حدثنا عنه الحسن بن سفيان ".
قلت: وحدث عنه ابن أبي عاصم كما يأتي، وابن أبي داود أيضاً الحافظ ابن الحافظ، كما في "شرح معاني الآثار" (2/343) ، فمثلا صدوق يحسن حديثه؛ لا سيما في الشواهد، وقد أخرج له ابن حبان بهذا الإسناد عن أنس حديثاً آخر في: (مناديل سعد في الجنة) ، وتقدم تخريجه في الحديث الذي قبل هذا، لكن وقع فيه. (سعيد) مكان: (شعبة) ، وهو الصواب كما يأتي، وكذلك أخرج له (5720)(7/1051)
بالإسناد نفسه إلى قتادة عن عكرمة عن ابن عباس بحديث: لعن المخنثين من الرجال، وهو مخرج في "جلباب المرأة المسلمة " (154/3- الإسلامية) من رواية البخاري وغيره.
وسعيد: هو ابن أبي عَروبة. وقد تابعه معمر عن قتادة به.
أخرجه الترمذي (3849) من طريق عبد بن حميد، وهذا في "المنتخب من المسند" (3/99/1192) : أخبرنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر به. وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ".
وضعفه المعلق على "المنتخب " بعنعنة قتادة! غير مبال بجريان العمل على الاحتجاج به عند الأئمة الستة وغيرهم، ومنهم الشيخان، فقد مشيا عنعنته في أحاديث كثيرة، وهذا منها على ما سأبينه، وذلك لقلة تدليسه في جملة أحاديثه الكثيرة، فقد كان من الحفاظ الأثبات. وقد أشار إلى ذلك الحافظ في "مقدمة الفتح " بقوله (ص 436) :
"التابعي الجليل، أحد الأثبات المشهورين، كان يضرب به المثل في الحفظ؛ إلا أنه ربما دلس، احتج به الجماعة".
ولذلك اقتصر في "التقريب " على قوله فيه:
"ثقة ثبت ".
قلت: فمثله يغتفر تدليسه- والله أعلم- وبخاصة إذا عنعن عمن سمع منه كثيراً كأنس، فلا يعل حديثه عنه إلا إذا ضاق الأمر، وكان هناك ما يؤكد تدليسه.
ثم رأيت الحديث في "المستدرك " (3/207) من طريق آخرعن عبد الرزاق به. وقال:(7/1052)
"صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
هذا، وقد توبع محمد بن سواء على بعض حديثه من عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن سعيد عن قتادة: حدثنا أنس بن مالك به؛ دون قوله: فطفق المنافقون ... إلخ.
أخرجه مسلم (7/ 0 5 1) ، وأحمد (3/234) ، وأبو يعلى (5/329/2953) .
كما توبع الحسن بن سفيان " فقال ابن أبي عاصم في "السنة" (1/247/561) : ثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف ... بجملة:
"اهتز لها عرش الرحمن ".
وتوبع العلاف نفسه من محمد بن ثعلبة بن سواء: ثنا عمي محمد بن سواء: ثنا سعيد به مثل رواية عبد الوهاب الخفاف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/14/5342) من طريقين عنه.
وهو صدوق؛ كما في "التقريب ".
قلت: وفي كل هذه الطرق والمتابعات؛ وقع فيها: (سعيد) خلافاً لرواية ابن حبان التي فيها: (شعبة) مما يؤكد خطأها، كما تقدم التنبيه عليه.
وغفل عن ذلك المعلق على "الإحسان "، فمر عليها دون أي تعليق، رغم أنه نقل رواية أحمد ومسلم عن الخفاف، ورواية الطبراني عن ابن ثعلبة، وفاتته رواية ابن أبي عاصم، وفيها كلها: (سعيد) ، فلم يتنبه لخطأ رواية ابن حبان، والمعصوم من عصمه الله.
ثم إن جملة (اهتزاز العرش) لها شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة، قال الحافظ (7/124) :(7/1053)
"عشرة أو أكثر، وثبت في "الصحيحين "، فلا معنى لإنكاره ".
وقال الذهبي في "العلو" (109- مختصره) بعد أن ساقه عن جمع منهم:
" فهذا متواتر، أشهد بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله ".
قلت: هو عندهما من حديث جابر، وقد أخرجته عنه في "الظلال " (1/247- 248) ، ومن حديث أنس هذا، وأسيد بن حضير، وأبي سعيد، وابن عمر، وأسماء بنت يزيد بن السكن، ورميثة.
ولحديث الترجمة شاهد من مرسل الحسن البصري قال:
لما مات سعد بن معاذ- وكان رجلاً جسيماً جَزٍلاً- جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون: لم نر كاليوم رجلاً أخف! وقالوا: أتدرون لم ذاك؟ لحكمه في بني قريظة، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
"والذي نفسي بيده؛ لقد كانت الملائكة تحمل سريره ".
أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (3/ 430) : أخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا أبي قال: سمعت الحسن قال: ... فذكره.
وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله رجال الشيخين، فهو شاهد قوي، فالحديث حسن. *
3348- (هذا الرجل الصَالحُ الذي فتحت له أبواب السَماءِ، شُدِّد عليه، ثم فرِّج عنه. يعني: سعد بن معاذ) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (9/89/6994- الإحسان) ، وأحمد (3/327) ، وفي " فضائل الصحابة" (2/823/1496و1497) ، والحاكم (3/206) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/13/ 5340) من طريق محمد بن عمرو: حدثني(7/1054)
يزيد بن عبد الله بن أسامة بن زيد الليثي ويحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة الزرقي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم:
"وقد صح سنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو حسن للخلاف المعروف في محمد بن عمرو- وهو الليثي-.
وله شاهد من حديث ابن عمر أتم منه، تقدم تخريجه قريباً تحت الحديث (3345) . *
3349- (آذانِي ريحُها فقمتُ. يعني: جنازة يهوديّ) .
أخرجه ابن عدي (1/ 0 32) ، والطبراني في "المعجيم الأوسط " (7/374- 375) من طريق أبي الأسباط الحارثي عن إسماعيل بن شروس الصنعاني عن عكرمة عن ابن عباس:
أن الجنازة التي قام لها النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت جنازة يهودي، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الطبراني:
"لم يروه عن إسماعيل بن شروس إلا أبو الأسباط ".
قلت: واسم هذا: بشر بن رافع؛ وهو ضعيف، لكن الآفة من شيخه إسماعيل ابن شروس؛ فإنه متهم بالوضع، وفي ترجمته ساقه ابن عدي مع حديث آخر له، وقد خرجته في "الضعيفة " برقم (6631) لتفرده به.
وأما هذا؛ فقد أخرجه العقيلي أيضآ (1/84/94) دون حديث الترجمة، وكأنه ظن أنه تفرد به، وليس كذلك؛ فقد قال الإمام أحمد (1/201) : ثنا عبد الرزاق: أنبأنا ابن جريج قال: سمعت محمد بن علي يزعم عن حسين وابن عباس- أو عن أحدهما- أنه قال:(7/1055)
إنما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل جنازة يهودي مُرَّ بها عليه، فقال: "آذاني
ريحها".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وحسين: هو ابن علي بن
أبي طالب، جد محمد بن علي الراوي عنه؛ المعروف بأبي جعفر الباقر. والحديث قال الهيثمي (3/28) :
"رواه أحمد- والطبراني في " الأوسط " بنحوه-؛ ورجاله رجال الصحيح ".
قلت: وقد عرفت أن إسناد "الأوسط " لا شيء، فالعمدة على إسناد أحمد.
وله شاهد من حديث عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال:
ما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتلك الجنازة، إلا أنها كانت يهودية، فإذا هي ريح بخورها، فقام حتى جاوزته.
كذا ذكره الهيثمي، وقال:
"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه أبو عمرو السدوسي، ولم يرو عنه غير أبي عامر العقدي، وبقية رجاله ثقات ".
قلت؛ قال الحافظ في أبي عمرو السدوسي:
"هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام؛ وإلا فهو مجهول ".
قلت: سعيد هذا من رجال مسلم، وفيه ضعف، وحتى يتبين أنه هو؛ فهو على الجهالة، وكلام الهيثمي المذكور يشعر بذلك، والله أعلم.
ومسند عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة من "المعجم الكبير" هو من القسم الذي لم يطبع حتى اليوم في علمي، ولذلك فإني لم أقف على إسناده فيه لأنظر(7/1056)
في بقية رجال إسناده، فإني أخشى أن يكون فيهم من لم يوثقه غير ابن حبان، فقد رأيت الحافظ في "الإصابة" قد ذكر الحديث من رواية ابن منده من طريق عبد الله بن الحارث المخزومي عن عبد الله بن عياش به.
فإن كان عند الطبراني من هذا الوجه؛ فقد صح ما خشيته؛ لأن عبد الله بن الحارث هذا لم يوثقه غير ابن حبان (7/32) ، ولم يذكر له- هو والبخاري وابن أبي حاتم- راوياً غير أخيه: عبد الرحمن بن الحارث، فيكون مجهولاً.
ثم إنه ذكره في (أتباع التابعين) ، وقد أشار إلى ذلك البخاري بقوله في "التاريخ ":
"رأى ابن عباس وابن عمر".
وعليه يكون الحديث منقطعاًً بينه وبين عبد الله بن عياش إن ثبتت صحبته؛ وإلا فيكون مرسلاً. والله أعلم. *
3350- (سأل موسى ربَّه عن ستِّ خصال؛ كان يظن أنَّها له خالصة، والسابعة لمْ يكن موسى يحبُّها:
1 - قال: يا ربِّ! أي عبادك أتقى؟ قال: الذي يذكر ولا ينسى.
2- قال: فأيُّ عبادك أهدى؟ قال: الذي يتبع الهدى.
3- قال: فأيُّ عبادك أحكم؛ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه.
4- قال: فأيُّ عبادك أعلم؟ قال: الذي لا يشْبعُ من العلم؛ يجمع علم الناس إلى علمه.(7/1057)
5- قال: فأيُّ عبادك أعزُّ؟ قال: الذي إذا قدر غفر.
6- قال: فأيُّ عبادك أغنى؟ قال: الذي يرضَى بما يُؤتى.
7- قال: فأيُّ عبادك أفقر؟ قال: صاحبٌ منقوصٌ (1) .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
ليس الغنى عن ظهر؛ إنّما الغنى غنى النفس، وإذا أراد الله بعبد خيْراً؛ جعل غناه في نفسه، وتقاه في قلبه، وإذا أراد الله بعبد شرّاً جعل فقره بين عينيه)
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (50/86- موارد) ، والخرائطي في "مكارم الأخلاق " (1/274/369) والديلمي (1/1/92 و 2/102/2) ، وابن عساكر في "التاريخ " (17/367- 368) من طريق عمرو بن الحارث وغيره أن أبا السمح حدثه عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات؛ غير أبي السمح- واسمه أو لقبه: دراج-؛ فهو مختلف فيه، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أحمد وغيره، وفصل فيه بعضهم، فقال الذهبي في "الكاشف ":
" وقال أبو داود وغيره: حديثه مستقيم؛ إلا ما كان عن أبي الهيثم ".
_________
(1) الأصل: "مبغوض "! والمثبت من "تاريخ ابن كثير" (1/ 291) ، و"الإحسان ". وفسره بقوله: "يريد به منقوص حالته، يستقل ما أوتي، ويطلب الفضل ". وكأنه يعني: أنه فقير النفس، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم - الآتي عقبه. ووقع في "التاريخ " و"الديلمي ": "سقر" بالقاف أو بالفاء، وكذا في مصورة "الجامع الكبير" التي عندي!(7/1058)
وإلى هذا التفصيل ذهب الحافظ ابن حجر، فقال في "التقريب ":
"صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف ".
قلت: وهذا هو الذي تبين لي أخيراً؛ فإني وجدت الأحاديث المناكير التي أنكرها العلماء مدارها على روايته لها عن أبي الهيثم، وقد ساق ابن عدي في "الكامل " (3/112- 115) طائفة كبيرة منها، ليس فيها ما رواه عن غيره؛ سوى حديث، لكنه من رواية ابن لهيعة عنه عن ابن حجيرة الأكبر مرسلاً. وهذا مما لا يحمل به عليه كما هو ظاهر، ثم قال ابن عدي ما ملخصه:
"وله غير ما ذكرت يتابعه الناس عليها، وأرجو- بعد أن خرجت له هذه الأحاديث التي أنكرت عليه- أن سائر أحاديثه لا بأس بها، ويقرب صورته ما قال يحيى بن معين ".
وقد صحح له ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي أحاديث كثيرة عن أبي الهيثم وغيره، والصواب إن شاء الله ما تقدم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإن مما يقوي الشطر الأخير من الحديث: أنه جاء مفرقاً في أحاديث، فجملة غنى النفس جاءت في "الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة، وهو مخرج في "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" (رقم 16) ، ومن حديث أبي ذر، وهو مخرج في "التعليق الرغيب " (4/92ـ 93) ، وكلاهما في "موارد الظمآن " (2520 و1 252) ، مع أن الأول ليس على شرطه، كما نبهت عليه في "صحيح الموارد" (40- كتاب الزهد/ 20- باب) .
وقوله: "إذا أراد الله بعبد خيراً ... " إلخ؛ وجدت له شاهداً من مرسل الحسن البصري، أخرجه الإمام أحمد في "كتاب الزهد" (ص 286) بسند صحيح عنه.(7/1059)
(تنبيه) : وقع للدكتورة (سعاد) في تعليقها على "مكارم الأخلاق" وهمان في
هذا الحديث، فقد قالت- بعد أن ترجمت لكل رجاله فرداً فرداً-:
"إسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة ودراج بن سمعان؛ وكلاهما ضعيف "!
ففاتها متابعة (عمرو بن الحارث) عند ابن حبان وغيره! وذلك مما يؤكد قصر باعها في تخريج أحاديث الكتاب وتحقيق الكلام عليها.
كما فاتها التحقيق المتقدم في (دراج) ، وأنه مستقيم الحديث في غير روايته
عن أبي الهيثم. والغريب أنها نقلت عبارة الحافظ ابن حجر المؤيدة لذلك، ولكنها وقعت عندها هكذا:
"صدوق في حديثه عن أبي الهيثم، ضعيف "!
وهذا قلب لمقصود الحافظ ولعباراته كما هو ظاهر، فلا أدري أهو خطأ مطبعي
أو قلمي؛! آو هو سوء فهم؛! ولعله يؤيد هذا جزمها بضعف (دراج) ؛ لأني لا أعتقد أن عندها من الشجاعة الأدبية، والاعتداد بعلمها في هذا المجال، حتى تتجرأ على مخالفة الحافظ. والله أعلم. *
3351- (نعم- والذي نفسي بيده- دحماً دحماً؛ فإذا قام عنها
رجعت مطهرة بكراً) .
أخرجه ابن حبان (2633- 2634) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (2/232/ 393) ، والضياء المقدسي أيضأ في"صفة الجنة" (ق 83/ 1- مخطوطة الظاهرية) عن عمرو بن الحارث عن درّاج عن ابن حُجَيرة عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه قيل له: أنطأ في الجنة؛ قال: ... فذكره.(7/1060)
قلت: وهذا إسناد حسن على ما تقدم بيانه من التفصيل في (دراج) في الحديث الذي قبله.
بل هو حديث صحيح؛ فإن له طريقاً أخرى، وشاهداً يزداد بهما قوة على قوة.
أما الطريق؛ فيرويه عبد الرحمن بن زياد عن عمارة بن راشد عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل يمس أهل الجنة أزواجهم؛ قال: فقال:
"نعم، بذكر لا يمل، وفرج لا يحفى، وشهوة لا تنقطع ".
أخرجه البزار (4/197/ 3524- كشف) ، وأبو نعيم أيضاً رقم (366) ، وابن عسا كر في " التاريخ " (2 1/ 582- 583- المصورة) . وقال البزار:
"عمارة؛ لا نعلم حدث عنه إلا عبد الرحمن بن زياد، وعبد الرحمن كان حسن العقل، ولكنه وقع على شيوخ مجاهيل، فحدث عنهم بأحاديث مناكير، فضعف حديثه، وهذا مما أنكر عليه ولم يشاركه فيه غيره ".
قلت: وهذا يعني شيئين:
أحد هما: أن عبد الرحمن بن زياد- وهو الإفريقي- صدوق في نفسه، وأن ضعف أحاديثه من شيوخه المجهولين، وقد ذكر الحافظ نحوه عن أبي حاتم وأبي زرعة، فانظر "التهذيب "، وروى فيه توثيقه عن جمع، وعن آخرين تضعيفه، والذي يظهر من مجموع كلامهم أنه صدوق في نفسه " كما أشار البزار، لكنه ضعيف في حفظه مع صلاحه، وقد لخص الحافظ- أحسن التلخيص- اختلافهم فيه، فقال في "التقريب ":
"ضعيف في حفظه، وكان رجلاً صالحاً ".(7/1061)
والأخر: أن (عمارة بن راشد) مجهول، لم يرو عنه غير الإفريقي.
فأقول: هذا ما أحاط به علم البزار، ولا يكلف الله نفسأ إلا وسعها، لكن قد روى عنه آخران؛ كما ذكر ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل "، وابن عساكر في "التاريخ ". وقال ابن حبان في "الثقات " (5/244) :
"روى عنه أهل الشام ومصر".
ومع ذلك قال أبو حاتم:
"مجهول "!
فتعقبه الذهبي في "المغني " بقوله:
" بل معروف ".
وقوله في "الميزان ":
"قلت: قد روى عنه جماعة، ومحله الصدق ".
وأقره الحافظ في "اللسان "، بل وأيده بتوثيق ابن حبان.
قلت: فهذه الطريق تصلح للاستشهاد إن شاء الله تعالى.
وأما الشاهد؛ فيرويه سليم بن عامر عن أبي أمامة قال:
سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل يتناكح أهل الجنة؛ فقال: ... فذكر مثل حديث الطريق الآخر، إلا أنه قال:
"دحماً دحماً " مكان: "وفرج لا يحفى".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/187 ـ 188/7674) ، وأبو نعيم أيضاً (368) من طريق هاشم بن زيد وغيره عنه.(7/1062)
قلت: وهاشم بن زيد ضعيف الحديث؛ كما قال ابن أبي حاتم (4/2/103)
عن أبيه، وتبعه الذهبي والعسقلاني.
وبقية رجاله ثقات.
وقد تابع هاشماً صفوان بن عمرو، وهو الذي عنيته بقولي: "وغيره "، وهو في رواية الطبراني، لكن في الطريق إليه سليمان بن سلمة الخبائري؛ وهو متروك. وللجملة الأخيرة من الحديث شاهد آخر من حديث أبي سعيد مرفوعاً بلفظ:
"إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم؛ عادوا أبكاراً ".
أخرجه البزار أيضآ (3527) ، ومن طريقه أبو الشيخ في كتابه "العظمة "
(3/1081/583) ، والطبراني في "المعجم الصغير" (ص 49- هندية) ، ومن طريقه أبو نعيم برقم (365) ، وكذا الخطيب في "التاريخ " (6/53) ، والضياء المقدسي في "صفة الجنة" (ق 83/1) من طريق مُعلى بن عبد الرحمن: ثنا شريك عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عنه. وقال الطبراني:
"لم يروه عن عاصم إلا شريك، تفرد به معلى بن عبد الرحمن ".
قلت: هو متهم بالوضع؛ كما في "التقريب "، وقال الهيثمي (10/417) :
"رواه البزار، والطبراني في "الصغير"، وفيه معلى بن عبد الرحمن الواسطي، وهو كذاب ".
فهو ممن لا يصلح الاستشهاد به، وفيما تقدم ما يغني عنه.
وقد كنت أوردت حديث (المعلى) هذا في" ضعيف الجامع الصغير"، مقتصراً على قولي فيه: "ضعيف"، وكان ذلك بناء على تضعيفي قديماً لحديث (دراج)(7/1063)
مخرجاً لهما في "الضعيفة " (برقم 3170) ، وعزوت إليه تضعيفي المذكور، فلما تبين لي حسن إسناده، وصحة الاستشهاد بالطريق الأخرى والشاهد؛ قررت نقله إلى "صحيح الجامع ". والله الموفق.
وقد أشكل اقتصاري المذكور على الأخ الفاضل علي رضا، مخرج ومحقق "صفة الجنة" لشدة ضعف (معلى) ، فقال (2/208) :
".. فلم يتبين لي وجه اكتفاء الألباني بتضعيفه فقط "!
فأقول: حُق له ذلك؛ لأنه وقف عند رواية (المعلى) هذه، وظنه أنه تفرد به،
أما أنه لو تذكر أنه يشهد له حديث الترجمة، والذي خرجه هو فيما بعد (2/232 - 233) ، لتبين له وجه ذلك إن شاء الله تعالى، وهو وإن كان مال إلى تضعيف (دراج) مطلقاً- كما كنت أنا عليه سابقاً، ولعله يعيد النظر كما صنعت لاحقاً، فيبدو له كما بدا لي أنه حسن الحديث إلا عن أبي الهيثم؛ كما حققته في الحديث الذي قبله- أقول: فإن تضعيفه إياه يُعد شاهداً ضعيفاُ لحديث (المعلى) ، بخلافي أنا الذي حسنته؛ فإنه يُعد شاهداً حسناً لحديث (المعلى) ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صدقك وهو كذوب"، فكما لا يجوز رد حديث الكذاب إذا تبين صدقه؛ فكذلك لا يجوز هدر حديث الراوي الضعيف غير المتهم لرواية المتهم إياه.
وبيان ذلك: أن الحديث الذي رواه الضعيف يصير بالشرط المعروف حسناً لغيره، فكذلك الحديث الذي رواه الكذاب- بله الشديد الضعف- يصير ضعيفاً لغيره، بل وقد يصير حسناً أو صحيحاً حسب طرقه قلة وكثرة، ونوعية ضعفها خفة وشدة، وهذه نكتة يعرفها- أو على الأقل ينتبه لها- من مارس فن التخريج، وتفقه دهراً طويلاً في فقه أصول الحديث، والله ولي التوفيق.(7/1064)
3352- (سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا) .
جاء من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبي سعيد، وزيد بن أسلم مرسلاً.
1- أما حديث أبي هريرة؛ فله طريقان:
الأولى: عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
أخرجه الإمام أحمد (2/380) : حدثنا قتيبة: حدثنا ابن لهيعة.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات على ما عرفت من استقامة حديث دراج عن ابن حجيرة في الحديث المتقدم (3350) ، وابن لهيعة وإن كان سيئ الحفظ؛ فإنه صحيح الحديث في رواية العبادلة عنه، وألحق بهم قتيبة هذا- وهو ابن سعيد-؛ فقد قال:
"قال لي أحمد: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح! فقلت: لأنا كنا نكتب
من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة".
ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/15) ، وهذه فائدة هامة يجب الانتباه لها.
والطريق الأخرى: عن زهير بن محمد أبي المنذر عن سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عنه به، وزاد:
" وصوموا تصحوا ".
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/92) ، وغيره بسند ضعيف كنت بينت(7/1065)
ذلك في "الضعيفة" (253) ، ثم زدته بياناً وتحقيقاً والرد على من حسنه من جهلة المعاصرين برقم (5188) .
2- وأما حديث ابن عمر؛ فقد كنت خرجته في "الضعيفة" برقم (255)
قبل أن يتبين لي حسن إسناد ابن حجيرة المخرج هناك أيضاً (254) ، فلا داعي للإعادة، لا سيما وفي تخريجه طول، فإنه من رواية ستة من الحفاظ، ثم وقفت على سابع، وهو البيهقي في "السنن " (7/102) .
3- وأما حديث ابن عباس؛ فله طريقان:
الأولى: عن بسطام بن حبيب: ثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبي حازم
عنه بحديث الترجمة.
أخرجه البيهقي أيضاً وسكت عنه!
وبسطام هذا لم أجد له ترجمة.
والقاسم بن عبد الرحمن: هو الأنصاري، ضعفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة:
"منكر الحديث ".
والأخرى: عن محمد بن معاوية النيسابوري: ثنا نهشل بن سعيد عن الضحاك
عنه مرفوعآ بلفظ:
"سافروا تصحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا ".
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (7/57) .
قلت: وهذا إسناد هالك، نهشل بن سعيد متروك، وكذبه إسحاق بن راهويه. ونحوه محمد بن معاوية النيسابوري، قال الحافظ:(7/1066)
"متروك مع معرفته؛ لأنه كان يتلقن، وقد أطلق عليه ابن معين الكذب".
4- وأما حديث أبي سعيد؛ فيرويه سوار الضرير عن عطية عنه مرفوعاً بالفقرة الأولى فقط.
أخرجه ابن عدي أيضآ (3/454) .
وسوار: هو ابن مصعب، قال أحمد والدارقطني:
"متروك الحديث "؛ كما في "المغني ".
5- وأما مرسل زيد، فيرويه إسماعيل بن رافع عنه مرفوعاً بلفظ:
"اغزوا تصحوا وتغنموا ".
أخرجه ابن أبي شيبة (5/349) .
قلت: ورجاله ثقات؛ غير ابن رافع، فهو ضعيف.
وجملة القول؛ أن حديث أبي هريرة- بطريقيه وبهذا الشاهد المرسل- يرتقي
إلى رتبة الصحيح إن شاء الله تعالى، ولعله لذلك جزم البيهقي بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو تابع فيه للإمام الشافعي في كتابه "الأم " (5/127) ، والله سبحانه وتعالى أعلم. *******
3353- (ما من قوم يعُمل فيهم بالمعاصي؛ هم أكثر وأعز ممن يعمل بها، ثم لا يغيرونه؛ إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب) .
أخرجه أبو داود (4339) ، وابن ماجه (9 00 4) ، وابن حبان (839 1 و1840
- موارد) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 4 21/ 1174) ، والبيهقي في "السنن " (10/ 91) ، وعبد الرزاق في "المصنف " (11/348/20723) ، ومن طريقه أحمد(7/1067)
(4/366) ، وأبو يعلى (13/497/7508) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/377/2380) ثلاثتهم عن عبد الرزاق، وأحمد أيصاً (4/ 364 و 366) ، والطبراني (2381- 2385) ، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب (1/154/290) من طرق منها شعبة- واللفظ له عند البيهقي- عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات معروفون؛ غير عبيد الله بن جرير؛ فلم يوثقه غير ابن حبان (5/65) ، لكن قد روى عنه ثقتان آخران، فهو- مع تابعيته- حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وقد أشار المنذري في "الترغيب " (3/ 170) إلى تحسين حديثه هذا.
وقد صرح أبو إسحاق بالسماع في رواية شعبة عنه عند الأصبهاني.
وخالف شعبة- ومن معه في إسناده- شريك، فقال: عن أبي إسحاق عن المنذر بن جرير عن أبيه مرفوعاً به! فذكر: (المنذر) مكان: (عبيد الله) ، وهو أشهر من أخيه، ومن رجال مسلم.
أخرجه أحمد (4/ 1 36 و 363 و 366) ، وأبو عمرو الداني في "الفتن " (ق 36/2) ، والطبراني (2379) . وشريك: هو ابن عبد الله القاضي، وهو سيئ الحفظ، فلا يحتج به إذا تفرد، فكيف إذا خالف الثقات، فكيف وفيهم شعبة؛!
ومن هذا التحقيق تعلم خطأ المعلق على "مشكل الآثار" (3/214) في قوله في راويه (عبيد الله بن جرير) :
"وقد تابعه أخوه المنذر"!
قلت: فقد عرفت أن هذه مخالفة، وليست متابعة!(7/1068)
ونحوه المعلق على "مسند أبي يعلى" " فإنه ساق رواية شريك هذه في تخريجه للحديث في نحو صفحة، دون أن ينبه أنها شاذة بل منكرة.
نعم، للحديث شاهد صحيح من حديث أبي بكر الصديق بنحوه، يزداد به قوة،
وهو مخرج فيما تقدم برقم (1564) ، وفي "تخريج الأحاديث المختارة" رقم (59- 60) ، وبخاصة أن في رواية للبيهقي بلفظ: "يقدرون على أن يغيروا، فلا يغيروا".
ورجاله ثقات.
(تنبيه) عرفت من التخريج أن أبا داود أخرج الحديث كالجماعة من طريق
أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير ... وقد عزاه إليه ابن كثير في "التفسير" (1/74- التجارية) من هذه الطريق، لكن وقع فيه: "عن المنذر بن جرير"! ولعله خطأ مطبعي، والله أعلم. *******
3354- (كان يأخذ أسامة بن زيد والحسن، ويقول:
اللهم! إني أحبهما فأحبهما) .
أخرجه البخاري (3735 و 3747) ، وأحمد (5/210) ، وكذا ابن أبي شيبة
في "المصنف " (12/98/12232) وابن سعد في "الطبقات " (4/62) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/39/2642) من طرق عن المعتمر- إلا الطبراني فعن هوذة ابن خليفة؛ وهو رواية لابن سعد-؛ كلاهما عن سليمان التيمي: حدثنا أبو عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يأخذه والحسن ... إلخ. ولفظ هوذة:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذني والحسن، فيقعد أحدنا على فخذه اليمنى، والآخر على فخذه اليسرى، ويقول: ... فذكره.(7/1069)
وهذه الزيادة دون ذكر (اليمنى) و (اليسرى) ؛ قد أخرجها البخاري أيضاً (6003) ، وكذا ابن سعد، وأحمد (5/205) في رواية من طريق عارم: حدثنا المعتمر به؛ إلا أنه قال:
"اللهم! ارحمهما فإني أرحمهما".
وهو بهذا اللفظ شاذ عندي؛ لأن (عارماً) كان اختلط أو تغير في آخر عمره
- واسمه محمد بن الفضل-؛ فمثله لا تقبل مخالفته لمن هو أحفظ منه، وبخاصة إذا كانوا جمعاً كما هنا.
وقد استشكل بعضهم إقعاده لأسامة مع الحسن؛ لأن أسامة كان أكبر منه بنحو عشر سنين، وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر الحسن ثمان سنين، وقد أجاب عنه الحافظ في "الفتح " (10/434) ؛ فليراجعه من شاء.
ولولا أن (عارماً) قد توبع من (هوذة) على جملة الإقعاد؛ لكان من الممكن أن يقال بشذوذها أيضاً، والله أعلم.
والدعاء المذكور أعلاه قد صح أيضاً عن غير واحد من الصحابة؛ منهم أبو هريرة أنه دعا به للحسن والحسين رضي الله عنهما؛ وقد سبق تخريجه تحت الحديث (2789) . *******
من فضائل الحجر الأسود
3355- لولا ما مسه من أنجاس الجاهلية؛ ما مسه ذو عاهة إلا شُفي، وما على الأرض شيء من الجنة غيره) .
أخرجه البيهقي في "السنن " (5/75) ، و"شعب الإيمان " (3/449/4033) قال: وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ: أنبأ الحسن بن محمد بن(7/1070)
إسحاق: تنا يوسف بن يعقوب: ثنا مسد د: تنا حماد بن زيد عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عمرو يرفعه قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناده جيد , رجاله كلهم ثقات معروفون، والحسن بن محمد بن إسحاق هو الأزهري الإسفرائيني.
وأما الرواي عنه: أبو الحسن علي بن محمد المقرىء؛ فهو من شيوخ الخطيب أيضاً، وترجم له في "التاريخ" ترجمة حسنة، وقال (12/98) :
(كتبنا عنه، وكان صدوقاً فاضلاً، عالماً بالقراءات، مات سنة (415)) .
وأما يوسف بن يعقوب؛ فهو أبو محمد البصري، حافظ ثقة، مترجم في "التذكرة " (1/ 660) للحافظ الذهبي.
ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين؛ غير مسدد- وهو ابن مسرهد ـ من شيوخ البخاري، وقد أخرجه مسدد في "مسنده " بإسناده المذكور أعلاه , كما في "المطالب العالية المسندة " للحافظ ابن حجر (1/42/2)
وقد ذكر له في المقدمة إسنادين عن مسد د غير إسناد البيهقي عنه، فرجاله متابعون عن (مسدد) ، فصح السند؛ والحمد لله.
وقد أورده المنذري في "الترغيب " (2/123/15) رواية عن البيهقي مشيراً
إلى قوتها، ولذلك أوردته في "صحيح الترغيب " في الجزء الثاني منه (ص 28/1134) وهو تحت الطبع، يسر الله لنا نشره. (1)
وأما المعلقون الثلاثة على "الترغيب " في طبعتهم الجديدة؛ فقد ضعفوه
(2/147/1722/2) اعتداءً، ودون أن يبينوا السبب في مثله، ولو بأوجز عبارة، وذلك لجهلهم وعجزهم عن البحث عن تراجم الرجال، ولا سيما، إذا كانوا من غير
_________
(1) ثم طبع بحمد الله. (الناشر) 0******(7/1071)
رجال الستة، كما هو الشأن هنا، ولقد كان يسعهم السكوت وأن لا يتكلموا بغير علم، وبخاصة في تضعيف أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة.
ولو أنهم كانوا على شيء من المعرفة بفن التصحيح والتضعيف؛ لأمكنهم أن يصححوه بشواهده، ولا سيما أن بعضها مما قووه هم! فالشطر الأول منه قد حسنوه (2/146/1720/1) تقليداً منهم للمنذري! وفيه لفظة: (المها) ، وهي منكرة عندي مع ضعف إسنادها، عند الطبراني عن ابن عباس، ولذلك أوردته في "ضعيف الترغيب "، ولكنه شاهد لا بأس به لهذا الشطر.
وله شاهد من طريق أخرى عن ابن عمرو عند البيهقي أيضاً، أخرجه قبيل حديث الترجمة، وإسناده حسن على الأقل؛ إلا أن المعلقين الثلاثة جنوا عليه أيضاً (2/147/1722/1) فضعفوه! للسبب الذي ذكرته آنفاً.
وأما الشطر الآخر في أن الحجر الأسود من الجنة؛ فيشهد له حديث ابن عباس، وقد حسنوه أيضاً (2/146/1720) ، وحديث ابن عمرو الذي حسنوه بشواهده (1722) ، وله شاهد ثالث من حديث أنس وهو مخرج في "الصحيحة" المجلد السادس، برقم (2618) ، وهو تحت الطبع، وسيكون بين أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى (1) .
ولقد كنا خرجنا حديث الترجمة فيما سبق برقم (2619) ، ولكن بدا لنا زيادة في التحقيق والفائدة؛ فخرجته مجدداً. فاقتضى التنبيه.
بقي النظر في أن ظاهر قوله: "ما على الأرض شيء من الجنة غيره ". مخالف لما ثبت في بعض الأحاديث أنه ذكر مع الحجر: "غرس العجوة، وأواق تنزل في الفرات كل يوم من بركة الجنة"؛ كما سبق برقم (3111) ، فكيف التوفيق بينهما؟
_________
(1) ثم طبع بحمد الله (الناشر)(7/1072)
فأقول: لعل المراد بقوله: "غيره "؛ يعني: من الحجارة، وحينئذ فلا منافاة.
والله أعلم. ********
3356- (من جهز غازياً في سبيل الله؛ فله مثل أجره، ومن خلف غازياً في سبيل الله في أهله بخير؛ وأنفق [على أهله] ؛ فله مثل أجره) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5/283/5234) : حدثنا محمود بن محمد الواسطي: ثنا وهب بن بقية: أنا خالد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن زيد عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم، وفي عبد الرحمن بن إسحاق- وهو القرشي المدني- كلام لا يضر؛ غير محمود بن محمد الواسطي وهو ابن متويه؛ حافظ كبير مترجم في "تاريخ بغداد" (13/94 ـ 95) ، و"تاريخ الإسلام " (23/223) وغيرهما.
وبهذا الإسناد أخرجه في "المعجم الأوسط " (8/429/7879) لكنه أدخل موسى بن عقبة- بين عبد الرحمن ومحمد بن زيد- وقال: (زيد بن ثابت) مكان: (زيد بن خالد) ، والزيادة له.
وكذلك ذكره المنذري في " الترغيب " (2/158) ، وقال.
"ورجاله رجال الصحيح ".
وكذلك قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/283) ، ولكنه لم يذكر من(7/1073)
الحديث إلا الشطر الأول فقط! ولعله سقط من الطابع أو الناسخ.
ولعل ذكر (زيد بن ثابت) من أوهام عبد الرحمن بن إسحاق القرشي؛ فإن الحديث مشهور عن (زيد بن خالد) من طرق صحيحة عنه، بألفاظ متقاربة، يزيد بعضهم على بعض، بعضها في "الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجت شيئاً منها في "الروض النضير" رقم (322) ، و"صحيح أبي داود" (2266) ، و"التعليق الرغيب " (2/96) ، وتجد بعض الألفاظ المشار إليها في "صحيح الترغيب والترهيب " (2/ 69/ 1226) .
وقد وهم الحافظ السيوطي فعزا حديث الترجمة في "الجامع الكبير" (2/770) للدارمي أيضاً وابن حبان، وليس هو عندهما بهذا التمام، وتجد لفظهما في المكان المشار إليه من "صحيح الترغيب " معزواً لابن حبان وابن ماجه أيضاً، وقد عزاه السيوطي نفسه لابن ماجه في "الجامعين "، وهو في "صحيح الجامع الصغير" (5/280/6070) من الطبعة الأولى الشرعية!
كما أن الحافظ الهيثمي غفل؛ فلم يورده في "مجمع الزوائد"، مع أنه على شرطه، وأورد من حديث زيد بن ثابت الشطر الأول منه كما تقدم.
واغتر بقوله: "رجاله رجال الصحيح " المعلقون الثلاثة على طبعتهم الجديدة لكتاب "الترغيب " فصححوه (2/215/1868) ! وهذا من جهلهم بهذا العلم؛ فإنه لا تلازم بين الصحة وبين هذا القول؛ لاحتمال أن يكون فيه علة قادحة في صحته كالانقطاع والتدليس وغير ذلك، كما هو الشأن هنا؛ فإن عبد الرحمن بن إسحاق - مع كونه من رجال (الصحيح) " أي "صحيح مسلم "- ففيه ضعف كما تقدم، من أجل ذلك اقتصرت على تحسين إسناده. *******(7/1074)
من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -
3357- (ليأتين على الناس زمان؛ قلوبهم قلوب الأعاجم؛ حب الدنيا، سنتهم سنة الأعراب، ما أتاهم من رزق جعلوه في الحيوان، يرون الجهاد ضرراً، والزكاة مغرماً)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13/36/82) من طريق هشام بن عمار قال: ثنا بقية بن الوليد قال: ثنا خالد بن حميد المهري قال: ثنا حميد بن هانىء الخولاني عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الصحيح؛ غير خالد بن حميد المهري، قال أبو حاتم:
"لا بأس به ".
وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 221) .
وبقية إنما يخشى منه التدليس؛ وقد صرح بالتحديث كما ترى. وقد خفي هذا على الهيثمي، فقال في "المجمع " (3/65) :
"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه بقية بن الوليد وهو ثقة؛ ولكنه مدلس، وبقية رجاله موثقون "!
وقد خولف خالد بن حميد في إسناده، فقال ابن لهيعة: حدثني حميد بن هانىء عن شفي عن عبد الله بن عمرو به مرفوعاً.
فجعل شفياً مكان: أبي عبد الرحمن- وهو عبد الله بن يزيد المعافري-، وكلاهما ثقة.(7/1075)
وقد خالفه سعيد بن أبي أيوب في رفعه فقال: حدثني ابن هانىء: حدثني شفي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ... قوله بهذا.
رواه أبو يعلى في "المسند الكبير"، والحارث كما في "المطالب العالية المسندة" (ق 101/2) .
وسعيد بن أبي أيوب ثقة ثبت؛ كما قال الحافظ، فهو أحفظ من ابن لهيعة ومن خالد بن حميد، فإن لم يكن هذا حفظ إسناده بذكر أبي عبد الرحمن فيه؛ فذكر شفي مكانه أصح؛ لما عرفت من ثقة سعيد بن أبي أيوب، ولا سيما وقد تابعه ابن لهيعة. وأما إيقاف سعيد إياه؛ فلا يضر؛ لأنه في حكم المرفوع؛ كما لا يخفى، وهو من أعلام صدقه ونبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن ما فيه من الغيب قد تحقق في هذا الزمان. والله المستعان.
(تنبيه) لقد جاء هذا الحديث في "كنز العمال " (6322) من رواية الطبراني
عن ابن عمر. والصواب (ابن عمرو) كما تقدم. *******
3358- (إن مما تذكرون من جلال الله: التسبيح والتهليل والتحميد، ينعطفن حول العرش، لهن دوي كدوي النحل، تذكر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون له- أو لا يزال له- من يذكر به) .
أخرجه ابن ماجه (3809) ، وأحمد (4/ 271) ، والطبراني في "الدعاء" (3/1566/1693) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/269) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 137) من طريق يحيى بن سعيد عن موسى بن أبي عيسى الطحان عن عون بن عبد الله عن أبيه- أو عن أخيه- عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، واللفظ لابن ماجه.(7/1076)
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة " (4/132) :
"هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وأخو عون؛ اسمه: عبيد الله بن [عبد الله
ابن] عتبة".
قلت: وهو ثقة ففيه ثبت من رجال الشيخين، وأخوه عون ثقة من رجال مسلم، ولذلك فالشك فيها لا يضر؛ لأنه لا يعدو أحد الثقتين.
وموسى بن أبي عيسى الطحان، كذا وقع في "ابن ماجه "، ووقع في "المسند" و"الدعاء": (أبي عيسى موسى الصغير) ، وقد ذكر الحافظ في ترجمة الأول من "التهذيب " أن اسم أبي عيسى: ميسرة، وأنه روى عن عون بن عبد الله بن عتبة، وعنه يحيى بن سعيد، وكذلك ذكر الحافظ المزي في ترجمته، ومثله في ترجمة (موسى الصغير) ، واسم أبيه: مسلم؛ وكنيته: أبو عيسى الكوفي الطحان. وذكرا في "تهذيبيهما":
"موسى الصغير الذي يروي عنه أبو معاوية: هو موسى بن مسلم، وهو موسى الطحان، وهو موسى الصغير، ثقة ".
قلت: فالظاهر أن ذكر أداة النسبة: (ابن) في "سنن ابن ماجه " خطأ من الناسخ أو الطابع، وأن الصواب: (موسى أبي عيسى الطحان) بحذف النسبة، والله أعلم.
ويؤيد بعض ما تقدم رواية أخرى لأحمد قال (4/268) : ثنا ابن نمير: ثنا موسى- يعني: ابن مسلم الطحان- عن عون بن عبد الله عن أبيه- أو عن أخيه- به.
وبهذا الإسناد أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/289/9464 و 13/455/16888) ؛ إلا أنه لم يذكر (الطحان) . ومن طريقه رواه الطبراني في "الدعاء"؛ لكن وقع فيه: (موسى الجهني) !(7/1077)
وهذا وجه آخر من الخلاف؛ فإن موسى الجهني: هو ابن عبد الله، ويقال: ابن عبد الرحمن أبو سلمة، ويقال: أبو عبد الله الكوفي؛ فهو غير موسى الصغير، ومع ذلك فقد ذكروا أنه روى عن عون بن عبد الله بن عتبة، وعنه يحيى بن سعيد!
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (4/269) من طريق ابن أبي شيبة وأحمد وغيرهما عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن نمير قالا: عن موسى بن مسلم به. وقال: "غريب من حديث عون، تفرد به عنه موسى، وهو أبو عيسى موسى بن مسلم الطحان، يعرف بـ (الصغير) ".
قلت: فما في رواية الطبراني أنه (موسى الجهني) ؛ شاذ لمخالفته لما في "المصنف " ولرواية أبي نعيم هذه عنه، وكذا لرواية أحمد. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وثمة خلاف أشد؛ ترتب عليه تضعيف الحديث، فأخرجه الحاكم (1/ 500) : حدثنا علي بن حمشاذ العدل: ثنا محمد بن عيسى بن السكن: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير: ثنا أبي: ثنا موسى بن سالم عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه به. وقال:
"صحيح الإسناد"!
ورده الذهبي بقوله:
"قلت: موسى بن سالم؛ قال أبو حاتم: منكر الحديث "! ونقله ابن الملقن في "مختصره " (1/387) وأقره كما هي عادته! وفيه خطأن في نقدي، أحدهما من الحاكم، والآخر من الذهبي:
أما الأول؛ فهو مخالفته الروايات المتقدمة في تسميته لوالد موسى بـ (سالم) ، وبخاصة منها رواية ابن نمير، فإن الحاكم رواه من طريقه كما رأيت، وإنما جزمت(7/1078)
بنسبة الخطأ إليه " لأن من فوقه كلهم ثقات، فشيخه (علي بن حمشاذ العدل) ثقة حافظ مترجم في "سيرأعلام النبلاء" (15/398) . و (محمد بن عيسى بن السكن) ثقة؛ كما قال الخطيب في "التاريخ " (2/ 401) . و (محمد بن عبد الله بن نمير) ثقة حافظ أيضاً من أحفظ الناس لحديث أبيه (عبد الله) . يضاف إلى ذلك كثرة الأخطاء الواقعة في "مستدركه " كما هو معروف عند العلماء، فتعصيب الخطأ به هو المتعين.
وأما الآخر؛ فخطؤه من وجهين:
أحدهما: أنه نسب إلى أبي حاتم ما ليس في كتاب ابنه "الجرح والتعديل "؛
إلا أن يكون أخذه من كتاب آخر له مثل "العلل "! لكن هذا بعيد؛ لأن الحافظ لما حكى عنه في "اللسان " نقله القول المذكور عن أبي حاتم " تعقبه بقوله:
"وقد أنكر البرزالي على الذهبي هذا النقل عن أبي حاتم، وقال: إن الذي في كتاب ابن أبي حاتم عن أبيه: صالح الحديث ".
قلت: هذا ذكره عن أبيه في ترجمة (موسى بن سالم أبو جهضم) ، وزاد- بعد قوله: "صالح الحديث "-: "صدوق "، وقد ذكرها الذهبي في "الميزان " عقب الترجمة الأولى، وذكر فيها قول أبي حاتم: "صدوق " وسمى جماعة وثقوه، فهو يفرق بين الترجمتين، وكذلك اقتصر في "المغني " على الأولى دون الأخرى فلم يذكرها فيه، وإنما أوردها في "الكاشف "، وقال: "صدوق " وتبعه الحافظ في "التقريب "، وقد وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وابن حبان.
والوجه الآخر في خطأ الذهبي: أننا لو سلمنا بصحة التفريق الذي نقلته عنه؛ فلا يصح رد تصحيح الحاكم بـ (موسى بن سالم) الذي ضعفه أبو حاتم؛(7/1079)
لاحتمال أن يكون سميه الذي وثقه أبو حاتم ومن ذكرنا معه من الأئمة، والدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال، فكيف وليس لأحدهما علاقة بهذا الحديث؟! وإنما هو (موسى بن مسلم الطحان) الثقة؛ كما في كل الطرق المتقدمة، وَهِمَ الحاكم في اسم أبيه، ثم وَهِمَ الذهبي على وهمه، فضعف الحديث وهو صحيح. واغتر به بعض من لا علم عنده، كالمعلقين الثلاثة على طبعتهم الجديدة لكتاب "الترغيب " للحافظ المنذري، فزعموا في تعليقهم عليه (2/417/2312) أنه حسن بشواهده، وهذا كذب؛ فإنه لا شاهد- بله شواهد- بلفظه، بل هو غريب كما تقدم عن أبي نعيم. ثم نقلوا تعقب الذهبي ورده لتصحيح الحاكم، وأقروه!!
ومن أوهام محقق "مصنف ابن أبي شيبة": أنه- مع تصريحه بأن أصله كان فيه: (موسى بن مسلم) - جعله: (موسى بن سالم) وطبعه هكذا، وصرح في التعليق بأنه نقله من "المستدرك "! ظلمات بعضها فوق بعض. والله المستعان. *******
3359- (من صلى علي مرة واحدة؛ كتب الله له بها عشر حسنات) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (2/130ـ131/902- الإحسان) ، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (7/ 11) ، وأحمد (2/262) ، وابن عدي في "الكامل " (5/218) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي عبد الرحمن ابن إسحاق- وهو المدني البصري- كلام لا يضر، وقد توبع؛ كما يأتي.
ورواه جماعة عن العلاء بن عبد الرحمن.. بلفظ:(7/1080)
".. صلى الله عليه بهاعشراً ".
رواه مسلم وغيره، وصححه الترمذي، وابن حبان، وهو مخرج في "صحيح
أبي داود" (1369) .
قلت: ورواية الجماعة لا تعل رواية عبد الرحمن بن إسحاق؛ لأنه قد توبع بطريق أخرى، وله شواهد: أما الطريق؛ فقال الإمام أحمد عقبها: ثنا أبو كامل: ثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم؛ لولا أنه منقطع بين سهيل بن أبي صالح وأبي هريرة؛ فإن سهيلاً إنما يروي عن أبيه عنه أحاديث كثيرة جداً في "مسلم " وغيره؛ فيحتمل أن يكون الأصل: (سهيل عن أبي صالح) ، فتحرف على بعض النساخ حرف (عن) إلى: (بن) ، فكان الانقطاع، ويؤيد هذا الاحتمال أن الإمام أحمد رحمه الله روى عقبه بهذا الإسناد عينه حديثين على الصواب: (سهيل عن أبي صالح) ، وأحاديث أخرى عن شيخه (أبي كامل) أيضاً: ثنا زهير: ثنا سهيل عن أبيه.
فإذا صح هذا؛ فالإسناد صحيح على شرط مسلم، وقد دندن حول هذا الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (13/286) ، فراجعه إن شئت.
وأما الشواهد؛ فاثنان منها في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (رقم 10 و 12) ، والثالث في " عمل اليوم " للنسائي (رقم 64 و65) ، و" الترغيب " للأصبها ني (2/683 ـ684) ، وأحد الشاهدين في " الترغيب " للمنذري (2/278) من حديث عبد الرحمن بن عوف، وأشار إلى تقويته، وكذلك أشار إلى تقوية حديث الترجمة! إلا أنه ذكر أنه: "في بعض ألفاظ الترمذي "! وهذا وهم " فليس عند(7/1081)
الترمذي إلا اللفظ الآخر الذي عند مسلم، وإنما هو عند ابن حبان؛ فإنه ممن روى اللفظ الآخر كما قدمت.
(تنبيه) : غفل المعلق على "الإحسان " (3/187) عن عزو الطريق الأولى لأحمد، فعزاه إليه من الطريق الأخرى فقط! ونقل عن الهيثمي أنه قال: "رجاله رجال الصحيح "! وغفل أيضاً عن الانقطاع الذي وقع فيه بين سهيل بن أبي صالح وأبي هريرة، فلم يتكلم عليه بشيء. *******
3360- (من صلى علي من أمتي صلاة مخلصاً من قلبه؛ صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات) .
أخرجه النسائي في "اليوم والليلة" (166/64) من طريق وكيع عن سعيد- وهو ابن سعيد- عن سعيد بن عمير الأنصاري عن أبيه- وكان بدرياً- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. وقال:
"خالفه أبوأسامة حماد بن أسامة؛ رواه عن سعيد بن سعيد عن سعيد بن عمير، عن عمه ".
ثم ساقه هو (رقم 65) ، والبخاري في "التاريخ " (2/ 1/502) ، وابن أبي عاصم
في "الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (37/42) ، والبزار (4/46/3160) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/195ـ 196) ، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (1/118/156) كلهم عن أبي أسامة عن سعيد بن سعيد عن سعيد بن عمير بن عقبة بن نيارعن عمه أبي بردة بن نيار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:........فذكره.(7/1082)
وهذه الرواية؛ قال أبو زرعة الرازي: "أشبه من الرواية الأولى"، كما نقله الحافظ السحاوي في "القول البديع " (ص 81) .
قلت: لعل وجه هذا الترجيح تفضيل أحمد أبا أسامة في الحفظ؛ فقد قال فيه:
"كان ثبتاً، ما كان أثبته! لا يكاد يخطئ ".
وهو وان كان بالغ في الثناء على وكيع وحفظه، وفضله على كثير من حفاظ زمانه؛ إلا أنه قد قال فيه:
"أخطأ في خمس مئة حديث ".
وهذا وان كان لا يعد شيئاً في كثرة أحاديثه البالغة ألوفاً مؤلفة؛ فإنه يدل
- بمقابلته بقوله في أبي أسامة: "لا يكاد يخطئ "- أن هذا أرجح عنده في الحفظ من وكيع، فإذا اختلفا فيكون له الفلج.
قلت: لعل هذا هو سبب ترجيح أبي زرعة لرواية أبي أسامة؛ إلا أنني أرى أن الأشبه رواية وكيع؛ لأنني رأيت أنه قد تابعه محمد بن ربيعة الكلابي عن أبي الصّبّاح النميري قال: حدثني سعيد بن عمير عن أبيه به.
أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب " (2/683ـ 384/1646) .
على أنني أقول: وسواء كان الراجح هذا أو عكسه؛ فهو اختلاف لا يضر؛ لأن كلاً من عمير أبي سعيد، وأبي بردة بن نيار من الصحابة، وكلهم عدول كما هو معلوم، وإنما يبقى النظر في (سعيد بن عمير) نفسه، والراوي عنه (سعيد بن سعيد) ، وكلاهما موثق.
أما سعيد بن عمير؛ فذكره ابن حبان في "الثقات" (4/287 و 288) ، وقال(7/1083)
يعقوب بن سفيان في "المعرفة" (3/101)
"لا بأس به"
وروى عنه جمع من الثقات، وراجع له "تهذيب المزي " والتعليق عليه (11/25 ـ 27) .
وأما سعيد بن سعيد؛ فهو أبو الصّبّاح التغلبي الكوفي، فذكره ابن حبان أيضاً في "الثقات " (6/364) ، لكن وقع فيه ".. ابن أبي سعيد الثعلبي "! وهو خطأ كما بينت في "تيسير الانتفاع "، وقد تبين من هذا التخريج أنه روى عنه ثلاثة من الثقات، وهم: وكيع، وأبو أسامة، ومحمد بن ربيعة الكلابي، فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، وهذا الثالث منهم لم يذكر في "التهذيبين "؛ فيستدرك عليهما، والله الموفق.
وله شاهد مختصر بلفظ:
"من صلى علي من تلقاء نفسه؛ صلى الله بها عليه عشراً ".
أخرجه البزار (4/46/3161) من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه مرفوعاً به.
وعاصم ضعيف؛ كما قال الهيثمي (10/161) وغيره. وقال الحافظ في "مختصر الزوائد " (2/440) مستدركاً عليه:
"قلت: لكنه اعتضد".
ولعله يعني: بالحديث الأول، وهو صحيح دون قوله: "من تلقاء نفسه "، وتقدم تخريج بعضها قريباً. *******(7/1084)
3361- (الحلال بين، والحرام بين، وبين ذلك شبهات، فمن أوقع بهن؛ فهو قمن أن يأثم، ومن اجتنبهن؛ فهو أوفر لدينه، كمرتع إلى جنب حمى، أوشك يقع فيه، لكل ملك حمى، وحمى الله الحرام) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/404ـ 405/1024) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (7/ 1) من طريقين عن الوليد بن شجاع بن الوليد: حدثني أبي: ثنا سابق الجزري أن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب أخبره عن عبد الرحمن ابن الحارث عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد عزيز صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ غير سابق الجزري- وهو ابن عبد الله الرقي-، وثقه ابن حبان (6/433) ، وقال:
"روى عنه الأ وزاعي وأهل الجزيرة".
قلت: وقد سمى ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (7/ 1) طائفة منهم، وأكثرهم ثقات، وترجم له ترجمة طويلة في ثمان صفحات كبار، وذكر أنه قدم على عمر ابن عبد العزيز، وأنشده أشعاراً في الزهد، وأنه كان إمام مسجد الرقة، وقاضي أهلها؛ وله ترجمة مختصرة في "تاريخ الرقة " (ص 123- 127) . ويبدو أن الحافظ ابن حجر لم يقف على ترجمته في "تاريخ ابن عساكر"، فلم يذكر في ترجمة الرجل من "اللسان " هذه الفوائد التي استفدناها منه، وتبين أنه كان معروفاً بالفضل والزهد والإمامة والقضاء، وبرواية الثقات الفضلاء عنه. كما خفي أصل ترجمته على شيخه الهيثمي، فقال في تخريجه للحديث (10/294) .
"رواه الطبراني، وفيه (سابق الجزري) ، ولم أعرفه "!
وقلده المعلقون الثلاثة النقلة في تعليقهم على "الترغيب " (2/543) ، ولا(7/1085)
يسعهم إلا ذلك! ولكنهم قالوا: "حسن بشاهده المتقدم "!
يعنون حديث النعمان بن بشير المتفق عليه، ولفظه يختلف عن هذا في بعض حروفه، ولولا صحة إسناده لم أستجز تحسينه به؛ لما ذكرت من الاختلاف، وهو مخرج في "غاية المرام " (30/20) .
وله شاهد مختصر من حديث عمار بن ياسر نحوه.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (3/213/1653) ، والطبراني في "المعجم
الأوسط " (2/437/1756) ؛ وقال:
"لا يروى عن عمار إلا بهذا الإسناد".
وكذلك أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (9/236) ، وقال:
"غريب من حديث عمار، لم يروه إلا موسى".
قلت: وهو ضعيف؛ كما قال الهيثمي (4/73) - وعزاه لـ "كبير الطبراني " أيضاً-. وقال في موضع آخر (10/293) :
".. وهو متروك ".
وعزاه لأبي يعلى.
ووقع في مسنده: "موسى بن عبيدة: أخبرني سعد بن إبراهيم عمن أخبره عن عمار". فأعله المعلق عليه بجهالة الخبر! ونقل عن الهيثمي عزوه لـ "المعجمين "، وقال:
"وفاته أن ينسبه إلى أبي يعلى"!
وقد عرفت أنه نسبه إليه في المكان الآخر، ولم يتنبه هو أنه فاته أنه جاء(7/1086)
تسمية المخبر في رواية الطبراني وأبي نعيم بـ (عبد الله بن عبيدة) ؛ وهو تابعي ثقة، فالعلة أخوه (موسى بن عبيدة) ، ولذلك- والله أعلم- لم يعله الهيثمي إلا به.
وأخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/ 70) من حديث جابر مختصراً أيضاً؛ وأعله بـ (سعيد بن زكريا المدائني) ؛ قال فيه يحيى بن معين:
"ليس بشيء".
قلت: وشيخه الزبير بن سعيد الهاشمي؛ قال الحافظ:
"لين الحديث".
وقال الحافظ السيوطي في "الجامع الكبير" (1/408) - بعد أن عزاه لابن شاهين أيضاً وابن عساكر-:
"قال ابن شاهين: حديث غريب، لا أعلم حدث به إلا سعيد بن زكريا عن الزبير بن سعيد، والمشهور حديث الشعبي عن النعمان بن بشير". *******
3362- (من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين؛ فهو خاطئ) .
أخرجه أحمد (2/354) ، وابن عدي (7/54) من طريق أبي معشر عن محمد ابن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت وهذا إسناد حسن في الشواهد.
وأبو معشر- واسمه نجيح السندي- فيه ضعف لا يمنع من الاستشهاد به، وهذا معنى قول الهيثمي في "المجمع " (4/101) :(7/1087)
"رواه أحمد، وفيه أبو معشر، وهو ضعيف، وقد وثق".
وقد توبع؛ لكن في الطريق إليه من كان يسرق الحديث، وهو إبراهيم بن إسحاق الغسيلي: ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي: ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو به، وزاد:
".. وقد برئ منه ذمة الله ".
أخرجه الحاكم (2/12) ، وعنه البيهقي في "السنن " (6/ 30) . وأشار الحاكم إلى تضعيفه، فإنه ذكره في جملة أحاديث في النهي عن الاحتكار، وقال:
"إنها ليس على شرط الكتاب ".
وبين علته الذهبي فقال:
"قلت: الغسيلي كان يسرق الحديث ".
وكذلك قال في "الميزان "، وأقره في "اللسان "، وذكر عن ابن حبان أنه قال (1/119ـ120) :
"كان يسرق الحديث، ويقلب الأخبار.. والاحتياط في أمره أن يحتج به فيما وافق فيه الثقات من الأخبار، ويترك ما تفرد به ".
ثم ذكر الحافظ عن الحاكم أنه كان: "من المجهولين ".
وأشار المنذري في "الترغيب " إلى تضعيفه، فقال- بعدما عزاه للحاكم (3/28) -:
".. وفيه مقال ".(7/1088)
والزيادة التي زادها؛ لعله سرقها مما رواه أصبغ بن زيد بسنده إلى ابن عمر مرفوعاً بلفظ:
"من احتكر طعاماً أربعين ليلة؛ فقد برئ من الله، وبرئ الله منه ... ".
وهو حديث منكر؛ كما قال أبو حاتم في "العلل " (1/392/1174) ، وقد أعله كثير من الحفاظ بـ (أصبغ) هذا، والعلة من شيخه المجهول، وقد أخطأ بعضهم فقوى الحديث؛ وكل ذلك وهم بينته في "غاية المرام " (194- 195/324) ، وخرجته فيه ونقلت أقوال العلماء في إسناده مبيناً الراجح منها من المرجوح بما لا تراه في غيره. والله الموفق.
ثم إن مما يشهد لحديث الترجمة: حديث معمر بن أبي معمر مرفوعاً:
"من احتكر؛ فهو خاطىء ".
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "غاية المرام " (165/325) . وقد وقع في
" الترغيب " (3/26) معزواً لمسلم وغيره بزيادة:
".. طعاماً "!
ولا أصل لها في شيء من روايات حديث معمر هذا، كما كنت نبهت عليه
في " التعليق الرغيب " (3/26) .
وبهذه المناسبة أقول:
إن مما يحسن التنبيه له: أن نسبة (الغسيلي) في اسم (إبراهيم بن إسحاق) تحرف في "المستدرك " إلى (العسيلي) بالعين المهملة، مكان المعجمة كما هو عند البيهقي، وفي ترجمته من "الميزان، ": أنه من ولد (حنظلة الغسيل) . وعلى الصواب ذكره المنذري في "الترغيب " لكن المعلقون الثلاثة عليه حرفوه (3/ 570) فجعلوه(7/1089)
بالعين المهملة في المتن والتعليق؛ جهلاً واغتراراً بما في "المستدرك "! وهكذا يكون التحقيق في هذا الزمان! *******
3363- (اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب، (وفي لفظ:) للبركة) .
أخرجه أحمد (2/235 و 242 و 413) ، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (9/233) ، وابن حبان (7/204/4886) ، والبيهقي في "السنن " (5/265) من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. واللفظ الآخر لأحمد في رواية.
وهو عند البخاري من طريق أخرى عن أبي هريرة أصح من هذه، ولفظه:
"الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة".
ورواه مسلم؛ إلا أنه قال:
".. للربح ".
وهو مخرج في "غاية المرام " (202/342) .
وإسناد حديث الترجمة صحيح على شرطه، ولم يخرجه الحاكم- وهو على شرطه-، ولعله لم يتنبه لزيادة: "الكاذبة" أنها لم ترد في رواية الشيخين، كما لم يتنبه لها آخرون، منهم الحافظ العراقي؛ فإن الغزالي لما أورده في "الإحياء" مثل حديث الترجمة باللفظ الآخر؛ قال العراقي في تخريجه (2/75) :
"متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ: "الحلف "؛ وهو عند البيهقي بلفظ المصنف "!(7/1090)
ومنهم تلميذه الحافظ الهيثمي؛ فإنه لم يورده في كتابه "موارد الظمآن "؛وهو على شرطه، ولهذا استدركته عليه في كتابي "صحيح الموارد"؛ يسر الله تمام طبعه، بمنه وجوده وكرمه.
(تنبيه) : أورد الديلمي في كتابه "الفردوس " (5/549/9054) حديث الترجمة باللفظ الأول، فقال المعلق عليه:
"إسناد هذا الحديث في "زهر الفردوس " (4/432) قال: أخبرنا أبي وغيره - (قلت [الألباني] : فساق إسناده الطويل في ثلاثة أسطر لا طائل من ذكرها إلى:) حدثنا أبوحنيفة عن ناصح عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً ".
فأقول: الذي في نسختي المصورة من "زهر الفردوس " آخر المجلد (ص 356) بهذا الاسناد إلى أبي هريرة بلفظ:
"واليمين الغموس تذهب بالمال، وتدع الديار بلاقع ".
وناصح هذا: هو ابن عبد الله المحلمي، قال البخاري:
"منكر الحديث ".
لكنه لم يتفرد به، فانظر الحديث المتقدم في المجلد الثاني برقم (978) . *******
3364- (من اقتطع مال امرئ مسلم؛ بيمين كاذبة؛ كانت نكتة سوداء في قلبه، لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة) .
أخرجه الحاكم (4/294) من طريق محمد بن سنان القزاز: ثنا عبد الرحمن ابن حمران: ثنا عبد الحميد بن جعفر: ثنا عبد الله بن ثعلبة:(7/1091)
أنه أتى عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وهو في إزار جرد (1) ، فطاف خلف البيت قد التبب به، وهو أعمى يقاد، قال: فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: عبد الله بن ثعلبة، قال: أخو بني حارثة؟ قلت: نعم، قال: وختن جهينة؟ قلت: نعم، قال: هل سمعت أباك يحدث بحديث سمعته يحدث به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا أدري، قال: سمعت أباك يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذ كره. وقال:
"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي!
قلت: وفيه نظر؛ فإن القزاز هذا مختلف فيه اختلافاً شديداً؛ فمن قائل فيه: "كذاب "، ومن قائل: "ثقة "! وقال الذهبي في "المغني ":
"مشهور، رماه بالكذب أبو داود وابن خراش ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
" ضعيف "
لكنه قد توبع، فقال الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 250/801) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي: ثنا أحمد بن عنبسة العباداني: ثنا عبد الله بن حمران به دون القصة.
وأحمد بن عنبسة؛ كذا وقع في هذه الرواية: (ابن عنبسة) منسوبآ إلى جده؛
فإ نه في " التهذيب " وفروعه:
"أحمد بن عاصم بن عنبسة العباداني أبو صالح نزيل بغداد".
_________
(1) بفتح الجيم وتسكين الراء؛ أي: متجرد خلق. قاله الناجي في "العجالة ". ووقع في "الترغيب " (3/47) : "إزار خز ذي طاق خلق؛ قد التبب به "!(7/1092)
وهكذا وقع في حديث آخر عند الطبراني (791) في حديث آخر منسوباً إلى أبيه وجده (أحمد بن عاصم بن عنبسة العباداني) من طريق الحضرمي نفسه.
وقد روى عنه جماعة؛ منهم ابن ماجه، ولم يذكر المزي توثيقه عن أحد، لكن زاد عليه الحافظ العسقلاني؛ فقال:
"قلت: ذكره ابن حبان في (الثقات) ".
ولما عزاه المعلق على كتاب "المزي " إلى "الثقات "؛ لم يقرن معه الجزء والصفحة كما هي العادة المعروفة اليوم، وذلك لأنه وقع فيه مقلوبآ (8/30) هكذا:
"أحمد بن صالح بن عنبسة أبو عاصم العباداني.. حدثنا عنه عبد الله بن قحطبة الصالحاني ".
وقالت الحافظ في "التقريب ":
"صدوق"
قلت: وعلى هذا، فالمتابعة قوية، ولكن بقي أن نعرف حالة (عبد الله بن ثعلبة) ، فالظن أن ابن أبي حاتم لم يعرفه، لا هو ولا أبوه، فقد قالت:
"عبد الله بن ثعلبة، وهو أبو أمامة الحارثي ".
وقال قبل:
"ثعلبة والد عبد الله بن ثعلبة، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله: "من حلف على يمين ... ". روى عبد الحميد.. " فساق إسناده المتقدم ولم يزد!
ويظهر أنه وقع منسوباً إلى جده أيضاً في هذه الرواية، فقد وقع في رواية أخرى عند الطبراني (790) بإسناد آخر من طريق صالح بن كيسان أن عبد الله بن(7/1093)
أبي أمامة بن ثعلبة حدثه عن أبيه ... وهكذا أورده في "التهذيب " برواية جمع آخر من الثقات عنه غير صالح بن كيسان، وقال:
"ذكره ابن حبان في (الثقات) ". وعليه قال في "التقريب ":
" صد وق ".
قلت: وهو في " الثقات" (7/18) .
وعلى ما تقدم من التحقيق؛ يتبين أن الإسناد حسن على الأقل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم إن الحديث على شرط الهيثمي في "مجمع الزوائد"، ولم يورده.
وقد رواه هشام بن سعد عن محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ التيمي عن ابن ثعلبة الأنصاري عن عبد الله بن أنيس الجهني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وما حلف حالف يمين صبر، فأدخل فيها مثل جناح بعوضة؛ إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة ".
أخرجه الترمذي (3023) ، والطحاوي في " المشكل " (1/382) ، والحاكم (4/296) - وصححه، ووافقه الذهبي-، والبيهقي في "الشعب " (4/218/4843) ، والطبراني في "الأوسط " (3261) ، وعنه أبو نعيم في "الحلية " (7/327) . وقال الترمذي:
"حديث حسن غريب، وأبو أمامة الأنصاري: هو ابن ثعلبة، ولا يعرف اسمه،
وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث ". ********(7/1094)
3365- (من غصب رجلاً أرضاً ظلماً؛ لقي الله وهو عليه غضبان) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/18/25) : حدثنا طالب بن قرة الأذني: ثنا محمد بن عيسى الطباع. (ح) وحدثنا الحسين بن إسحاق التستري: ثنا يحيى الحماني قالا: ثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن علقمة بن واثل عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:....... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم من طريق الحماني، وهذا وإن كان قد اتهم بسرقة الحديث؛ فقد تابعه من الوجه الأول: محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة فقيه؛ كما قال الحافظ في "التقريب ".
وقد خفيت هذه المتابعة الهامة على الحافظ المنذري في "الترغيب " (3/54/7) ، ثم الهيثمي في "المجمع " (4/176) فذكر الحديث عن عبد الله رضي الله عنه باللفظ المذكور؛ وقالا:
"رواه الطبراني من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني ". زاد الهيثمي:
"وهو ضعيف، وقد وثق، والكلام فيه كثير".
ثم إنهما قد وهما في نسبتهما الحديث لـ (عبد الله) ، وتابعهما الحافظ الناجي، فأخذ يفسر هذه النسبة قائلاً (ق 167/2) :
"الظاهر أنه ابن مسعود؛ فإنه المعني عند الإطلاق "!
وجزم بذلك شيخه الحافظ العسقلاني، فقال في "مختصره " المنتقى من " الترغيب " (177/ 658) :
"وعن عبد الله- يعني: ابن مسعود- ... " فذكر الحديث!(7/1095)
وكل ذلك ناشئ من التقليد وحسن الظن بالمؤلف المنذري، مع كثرة أوهامه التي تعجب منها الحافظ الناجي، وكشف النقاب عن الكثير منها، وفاتته أشياء نبهت على بعضها في تعليقي على "صحيح الترغيب "، و"ضعيف الترغيب "؛ وهذا منها.
ثم وقع الناجي- من الأوهام الكثيرة! - في وهم آخر، فقال:
"ولفظ: "الغصب " لم يطلع عليه الإمام البلقيني في "تدريبه " (1) ! فقال:
"وليس في الأحاديث: "من غصب " ... ".
ولا شيخنا ابن حجر؛ تبعاً لشيخه ابن الملقن في "تخرج أحاديث الرافعي " حيث قالا: "لم يروه أحد منهم بلفظ: "من غصب " ... ".
قلت: وهذا النفي قد يرد بالنسبة للبلقيني " فإني وإن كنت لم أقف بعد على كلامه في "البدر المنير"؛ فإن المجلد الذي فيه كتاب "البيوع " منه لما يطبع ولكني رأيته في "خلاصة البدر المنير" قال (2/98/1620) - بعد أن ذكره من حديث أبي هريرة نحوه-:
"ولا أعلم أنه ورد في رواية: "من غصب "، مع أني ذكرته في (الأصل) من طرق ليست فيها".
قلت: فاستدراك الناجي عليه وارد، بخلاف شيخه ابن حجر؛ فإنه قال بعد تخريجه لحديث أبي هريرة بألفاظ، وأحاديث أخرى خرجها دون أن يسوق ألفاظها:
_________
(1) كذا الأصل، ولعل الصواب "بدره ".(7/1096)
" (تنبيه) : لم يروه أحد منهم بلفظ: "ومن غصب "، نعم " في "الطبراني " من حديث وائل بن حجر: "من غصب ... " فذكر حديث الترجمة.
قلت: ففي هذا (التنبيه) فائدتان:
الأولى: الرد على الناجي في استدراكه المذكور على الحافظ.
والأخرى: بيان خطأ نسبة الحديث من الحافظ وغيره لرواية ابن مسعود،
والله ولي التوفيق.
ثم رأيت السيوطي قد عزاه في "الجامع الكبير" (2/804) للطبراني عن وائل
ابن حجر، فالحمد الله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.
ولم يتنبه لهذا الخطأ، ولا لتلك المتابعة القوية المصححة للحديث المعلقون الثلاثة، فضعفوا الحديث (2/268) مقلدين الهيثمي في تضعيفه للحماني!! ********
3366- (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق زوجها؛ حتى لو سألها نفسها على قتب لأعطته) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5/236/5116) : حدثنا موسى بن هارون: ثنا أحمد بن حفص: حدثني أبي: ثنا إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن القاسم الشيباني عن زيد بن أرقم:
أن معاذاً قال: يا رسول الله! أرأيت أهل الكتاب يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، أفلا نسجد لك؟ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير القاسم(7/1097)
الشيباني، وهو صدوق يغرب؛ كما قال الحافظ في "التقريب "، وهو من رجال مسلم، واسم أبيه: عوف.
وموسى بن هارون ثقة حافظ مشهور، مترجم في "تاريخ بغداد"، و"تذكرة الحفاظ " وغيرهما.
ثم رواه الطبراني (5117) من طريق صدقة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
وصدقة: هو ابن عبد الله السمين ضعيف.
وله طريق أخرى عن زيد بن أرقم؛ يرويه المغيرة بن مسلم عن عمرو بن دينار
عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"المرأة لا تؤدي حق الله عليها؛ حتى تؤدي حق زوجها كله، حتى لو سألها وهي على ظهرقتب؛ لم تمنعه نفسها".
أخرجه الطبراني (5/227/5084) .
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وقال المنذري في "الترغيب " (3/77/28) :
"رواه الطبراني بإسناد جيد".
وقال الهيثمي في "المجمع " (4/308) :
"رواه الطبراني في " الكبير" و" الأوسط " بنحوه، ورجاله رجال " الصحيح "؛ خلا المغيرة بن مسلم، وهو ثقة".
قلت: الذي في"مجمع البحرين " (4/193/2317) يختلف سنده أيضاً عن(7/1098)
هذا " ليس فيه: (المغيرة بن مسلم) ، وهو في "المعجم الأوسط " (8/209/7429- ط) من طريق أبي يزيد الكوفي بشر بن عبد الملك قال: حدثنا محمد بن سواء (الأصل: سواد!) عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم مرفوعاً مختصراً، بلفظ:
"لا تمنع المرأة زوجها نفسها؛ وإن كانت على قتب ".
وهذه متابعة قوية من محمد بن سواء؛ فإنه ثقة من رجال الشيخين.
وأما بشر بن عبد الملك؛ فقد كنت ذكرت فيما تقدم من هذا الكتاب تحت الحديث (1203) المجلد الثالث، وقد ذكرت هذا الحديث شاهداً له؛ فقلت: "بشر هذا لم أعرفه، ويراجع له "الجرح والتعديل "؛ فإني لا أطوله الآن ".
وفي الطبعة الجديدة لهذا المجلد علقت عليه بما خلاصته أنه ثقة، فراجعه، وعليه فالسند جيد قوي. وبالله التوفيق. *******
3367- (إني أجد نفس الرحمن من هنا- يشير إلى اليمن) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/60/6358) : حدثنا أبو زرعة: ثنا أبو اليمان: ثنا إسماعيل بن عياش عن الوليد بن عبد الرحمن. (ح) ثنا بكر بن سهل: ثنا عبد الله بن يوسف: ثنا عبد الله بن صالح الحمصي: حدثني إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير: حدثني سلمة بن نفيل السكوني قال:
دنوت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى كادت ركبتاي تمسان فخذه، فقلت: يارسول الله! تركت الخيل، وألقي السلاح، وزعم أقوام أن لا قتال! فقال:(7/1099)
"كذبوا! الآن جاء القتال، لا تزال من أمتي أمة قائمة على الحق، ظاهرة على الناس، يزيغ الله قلوب قوم قاتلوهم لينالوا منهم ".
وقال وهو مول ظهره إلى اليمن: ... فذكر الحديث، وزاد:
"ولقد أوحي إلي أني مكفوف (1) غير ملبث، وتتبعوني أفناداً، والخيل معقود
في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها".
قلت: واسناده صحيح من الوجه الأول عن الوليد بن عبد الرحمن، وهو ثقة
من رجال مسلم.
وفي الوجه الآخر بكر بن سهل؛ فيه ضعف.
وشيخ عبد الله بن صالح الحمصي لم أعرفه! ثم تبين أن اسم أبيه محرف، صوابه (سالم) ، فقد رأيت البيهقي قد أخرج الحديث في "الأسماء والصفات " (ص 462- 463) من طريق محمد بن إسحاق الصاغاني: أنا عبد الله بن يوسف: أنا عبد الله بن سالم الحمصي: ثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس به.
قلت: فهو إسناد صحيح أيضاً؛ لأن عبد الله بن سالم الحمصي- وهو الأشعري- ثقة اتفاقاً، ومن رجال البخاري.
ومن ضلال الشيخ الكوثري، ومعاداته للسنة وأحاديث الصفات، وتضليله للقراء: تعليقه في حاشية "الأسماء" على ابن سالم هذا بقوله:
"كان أبو داود يذمه "!
_________
(1) كذا الأصل! وفي " الجامع الكبير" (1/306) برواية الطبراني: "مقبوض "، وكذلك هو عنده في رواية أخرى. ******(7/1100)
فتعامى عن أقوال الأئمة المجمعة على توثيقه، وتشبث بذم أبي داود إياه لمذهبه، وقد أخرج له في "سننه "، وهو يعلم أن ذلك لا يضر في عدالته وصحة حديثه عند العلماء تنصيصاً وتفريعاً، مع أن الحديث ليس له علاقة بالصفات؛ كما يأتي عن ابن تيمية.
على أنه قد توبع في الوجه الأول كما رأيت، فلا يضره الذم المذكور لو كان قدحاً في ثقته، ولكن هذا هو شأن أهل الأهواء؛ لا يخلصون للبحث العلمي، وإنما يتبعون منه ما يوافق أهواءهم! والله المستعان.
واعلم أن هذا الحديث قد جاء في بعض طرقه زيادة أخرى بلفظ:
"عقر دار المؤمنين بالشام".
وكنت خرجته في المجلد الراج (1935) ، فأعدت تخريجه هنا لحديث الترجمة، مستدركاً به على تخريجي إياه في "الضعيفة" في المجلد الثالث (1097) ، لكن من حديث أبي هريرة، فهذا شاهد قوي له من حديث سلمة بن نفيل، أوجب علي تخريجه هنا، والتنبيه على أن الحديث صار به صحيحاً، والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.
هذا؛ ويبدو أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يذهب إلى ثبوت الحديث، فقد رأيته سئل عن حديث: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض "، وعن هذا الحديث في "مجموع الفتاوى" (6/397 ـ 398) ؟ فضعف الأول، دون هذا، وقال مبيناً معناه، وأنه ظاهر فيه؛ فقال:
"فقوله في: "اليمن " يبين مقصود الحديث؛ فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه، الذين(7/1101)
قال فيهم: (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) ؛ وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية؛ سئل عن هؤلاء؛ فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري (1) . وجاءت الأحاديث الصحيحة، مثل قوله: "أتاكم أهل اليمن، أرق قلوباً، وألين أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية " (2) . وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات، ومن خصص ذلك بأويس؛ فقد أبعد".
قلت: وعلى هذا المعنى فليس الحديث من أحاديث الصفات، ولذلك لم يورده الحافظ الذهبي في جملة أحاديثها في كتابه "العلو" الذي كنت اختصرته، وهو مطبوع، خلافاً للشيخ زاهد الكوثري الذي غمز من صحته كما تقدم مع الرد عليه، ولذلك كذب ابن تيمية رحمه الله ما حكاه الغزالي عن بعض الحنابلة أن الإمام أحمد لم يتأول إلا ثلاثة أشياء؛ منها هذا الحديث، فقال (5/398) :
"فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي مجهول لا يعرف ".
ثم رأيت ابن الأثير قد أورد الحديث في مادة (نفس) من "النهاية "، وقال:
"قيل: عنى به الأنصار؛ لأن الله نفس بهم الكرب عن المؤمنين، وهم يمانون؛ لأنهم من الأزد، قال الأزهري: (النفس) في الحديث اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من: (نفس ينفس تنفيساً ونفساً) ، كما يقال: (فرج يفرج تفريجاً وفرجاً) ؛ كأنه قال: أجد تنفيس ربكم من قبل اليمن ".
_________
(1) فيه عدة أحاديث يدل مجموعها على صحة ذلك؛ انظر الحديث الآتي.
(2) متفق عليه، وهو مخرج في "الروض النضير" (1045) . *******(7/1102)
3368- لما نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) ؛ أوْمأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي موسى بشيء كان معه، فقال:
"هم قوم هذا ") .
أخرجه الحاكم (2/313) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (12/125) ، وابن سعد في "الطبقات " (4/107) ، وابن جرير في "التفسير" (6/183) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/371/1016) من طرق عن شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري قال: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي في "المجمع " (7/16) :
"رواه الطبرا ني، ورجاله رجال الصحيح ".
وأقول: عياض: هو ابن عمرو الأشعري، مختلف في صحبته. فقال الحافظ
في التقريب:
"صحابي، له حديث، وجزم أبو حاتم بأن حديثه مرسل، وأنه رأى أبا عبيدة
ابن الجراح؛ فيكون مخضرماً ".
قلت: وقد جاء موصولاً؛ فقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى قال: ثنا أبو الوليد قال: ثنا شعبة عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضاً يحدث عن أبي موسى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية ... الحديث نحوه.
قلت: وهذا إسناد صحيح متصل؛ فإن أبا الوليد هذا- واسمه هشام بن(7/1103)
عبد الملك- ثقة ثبت من رجال الشيخين؛ كما في "التقريب "، فالظاهر أن شعبة كان يرسله تارة ويسنده أخرى، فقد تابعه على إسناده عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا شعبة به:
أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره " (3/13/1) .
ويشهد لهذا المسند: أنه قد توبع عليه من عبد الله بن إدريس عن أبيه عن سماك بن حرب به.
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 351) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: ثنا أبو معمر: حدثنا عبد الله بن إدريس به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم أيضاً؛ غير عبد الله بن أحمد، وهو ثقة، وكذلك من دونه.
وللحديث شواهد:
أولاً: عن معاوية بن حفص قال: حدثنا أبو زياد- يعني: إسماعيل بن زكريا-
عن محمد بن قيس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال:
سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) ؟ قال: "هؤلاء قوم من اليمن، ثم من كندة، ثم من السكون، ثم من تجيب ".
أخرجه ابن أبي حاتم أيضاً، والطبراني في "المعجم الأوسط " (2/232/1414) ، وقال- والسياق له-:
"لم يروه عن محمد بن قيس الأسدي إلا أبو زياد، ولا عن أبي زياد إلا معاوية، تفرد به أبو حميد".(7/1104)
كذا قال! ولم يتفرد به- وهو ثقة-؛ فقد تابعه محمد بن المصفى عند ابن أبي حاتم، ولكنه مضعف، قال الحافظ:
"صدوق، له أوهام، وكان يدلس ".
قلت: وقد صرح بالتحديث، لكنه لم يذكر في إسناده: (محمد بن قيس الأسدي) ، فلعل ذلك من أوهامه! وعلى كل حال فالإسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير معاوية بن حفص- وهو الشعبي الحلبي-، قال الحافظ:
" صد وق ".
ولذلك قال الهيثمي:
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وإسناده حسن ".
ثانياً: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج: حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل حديث جابر؛ لكنه لم يذكر: "ثم من تُجِيبَ ".
وإسناده جيد حسن؛ ومحمد بن عمرو: هو ابن علقمة المدني، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر. وقد روي عن أبيه شيء من هذا؛ وهو:
ثالثاً: أخرج البخاري في "تاريخه " عن القاسم بن مخيمرة قال:
أتيت ابن عمر، فرحب بي ثم تلا: (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي
الله بقوم يحبهم) ، ثم ضرب على منكبي؛ وقال:
أحلف بالله؛ إنهم منكم أهل اليمن (ثلاثاً) .
ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/292) .(7/1105)
رابعاً: قال شريح بن عبيد:
لما أنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ... ) إلى آخر الآية؛ قال عمر: أنا وقومي هم يا رسول الله؟! قال:
"لا، بل هذا وقومه "؛ يعني: أبا موسى الأشعري.
أخرجه ابن جرير. وإسناده مرسل صحيح رجاله كلهم ثقات؛ فهو شاهد قوي
في الجملة. والله سبحانه وتعالى أعلم. *******
3369- (لما نزلت: (إذا جاء نصر الله والفتح) ، قال: أتاكم أهل اليمن؛ هم أرق قلوباً، الإيمان يمان، الفقه يمان، الحكمة يمانية) .
أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره " (2/ 404) ومن طريقه أحمد في "مسنده " (2/277) : أنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول: ... فذ كره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقد أخرجه مسلم (1/52) وغيره من طريق أخرى عن ابن سيرين به دون الآية.
وكذلك أخرجه هو، والبخاري (4388-4390) ، وابن حبان (7253 و7255
- 7256) ، وأبو عوانة (1/59 ـ60) وغيرهم من طرق أخرى عن أبي هريرة به، وهو مخرج في "الروض النضير" (1045) .
لكن لزيادة الآية شاهد قوي من حديث ابن عباس، وله عنه طريقان، بل ثلاثة:(7/1106)
الأولى: الحسين بن عيسى الحنفي: حدثنا معمر عن الزهري عن أبي حازم
عنه قال:
بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة؛ إذ قال:
"الله أكبر، الله أكبر، جاء نصر الله، وجاء الفتح، وجاء أهل اليمن، قوم نقية قلوبهم، لينة طاعتهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية ".
أخرجه ابن حبان (2299- موارد) ، والطبري في "تفسيره " (30/215) ، والبزار (3/316/2837- كشف الأستار) - مختصراً-، ولفظه:
".. إذ قال: الله أكبر (إذا جاء نصر الله والفتح) ، وجاء أهل اليمن ... ".
وقال البزار:
"لا نعلم أسند الزهري عن أبي حازم غير هذا".
قلت: ورجاله ثقات؛ غير الحسين بن عيسى، وهو ضعيف.
وقد خالفه في إسناده ابن ثور؛ فقال هذا: عن معمر عن عكرمة:
لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) ؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن ... " الحديث.
أخرجه ابن جرير، وإسناده مرسل صحيح، وقد جاء عنه مسنداً عن عكرمة
عن ابن عباس، وهو التالي:
الثانية: عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال:
لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح ... ) إلى آخر السورة؛ قال: نُعِيت(7/1107)
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان [قط] اجتهاداً في أمر الآخرة، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك:
"جاء الفتح، وجاء نصر الله، وجاء أهل اليمن ".
فقال رجل: يا رسول الله! وما أهل اليمن؛ قال:
"قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان".
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (6/525/11712) والطبراني في "المعجم الكبير" (11/328ـ329) ، و"الأوسط " (3/15/2017) .
وروى أحمد الجملة الأولى منه (1/217) من طريق عطاء عن سعيد عن ابن عباس. وقال الهيثمي (7/ 144) عقبه:
"رواه أحمد، والطبراني في حديث طويل.. وفي إسناده هلال بن خباب، قال يحيى: ثقة مأمون لم يتغير، ووثقه ابن حبان، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال "الصحيح "، وفي إسناد أحمد عطاء بن السائب، وقد اختلط ".
أما حديث هلال بن خباب؛ فحسن الإسناد، وقد قال الذهبي في "الكاشف ": "ثقة".
والأقرب قول الحافظ في "التقريب ":
"صدوق تغير بأخرة". ولذلك سكت في "الفتح" (8/ 100) عن الحديث،
وقد عزاه للبزار.
الثالثة: وهي متابعة لهلال بن خباب من عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة
عن ابن عباس قال:(7/1108)
كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت (إذا جاء) ، فقال:
"هم أهل اليمن ".
هكذا رواه البخاري في " التاريخ " (3/2/195) ؛ فقال: وقال عبد العزيز: حدثنا الخضر: حدثنا عمر عن عبد الملك بن أبي بشير ...
قلت: وهذا إسناد حسن أيضاً، ومتابعة قوية من عبد الملك هذا؛ فإنه ثقة، وكذلك من دونه.
وعمر: هو ابن مجاشع المدائني، وفي ترجمته ساقه البخاري ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك فعل ابن أبي حاتم، لكن ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/184) من رواية الخضر هذا عنه- وهو ابن محمد الحراني-؛ لكن ذكر له في "اللسان " راويين آخرين، وأن ابن معين قال؛ "لا بأس به "، فراجعه إن شئت، أو "تيسير الانتفاع ".
قلت: له شاهد من حديث ميناء عن عبد الله بن مسعود به:
أخرجه أحمد (1/449) ؛ لكن ميناء هذا متروك. وقد روي بإسناد آخر أسوأ منه عن ابن مسعود مطولاً، وقد خرجته في "الضعيفة" (6445) .
قلت: إن من فضل الله علي أن وفقني لتخريج هذه الفضائل لأهل اليمن وإحيائها، وبخاصة حديث الترجمة، فقد خفي على كثير من الحفاظ والمخرجين فضلاً عن غيرهم، فإنه وإن كان هناك منهم من ذكر شيئاً من طرقه وألفاظه؛ فما منهم من أحد من أحاط بطرقه وشواهده التي تقويه، ومن وجد شيئاً منها فبدون تحقيق وتصحيح، فلنذكر من وقفنا على كلامهم:(7/1109)
أولاً: الحافظ ابن كثير؛ فإنه مع كثرة استحضاره لأحاديث "المسند" وعزوه إليه كثيراً، حتى قيل: إنه من أعلم الناس به، ومع ذلك؛ فقد فاته حديث الترجمة، فلم يذكره في تفسير سورة (النصر) (4/562) ، وإنما ذكر حديث ابن عباس من الوجهين عنه من رواية ابن جرير والطبراني، وحديث عكرمة المرسل، وفاتته رواية البخاري عنه عن ابن عباس!
ثانياً: الحافظ ابن حجر؛ فإنه مع توسعه المعروف في تتبع ألفاظ الحديث في "الفتح " وتخريجها، وتمييز صحيحها من ضعيفها في الغالب، بحيث إننا لا نعرف له نظيراً في ذلك، ومع ذلك؛ فقد فاته حديث الترجمة وما تحته؛ إلا حديث هلال ابن خباب، ومن رواية البزار فقط، مع أنه شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أتاكم أهل اليمن.." في أكثر من موضع من "الفتح "، وأورده في "أطراف المسند" (8/36/10223) من رواية عبد الرزاق، لكن دون آية النصر!
ثالثاً: الحافظ السيوطي؛ فإنه مع ذكره لحديث الترجمة في "الدر المنثور" (6/408) ، ولحديث ابن عباس أيضاً؛ فإنه قد أبعد النجعة في تخريجهما، فإنه عزا الأول لابن مردويه فقط! والآخر لابن عساكر فحسب! وسكت عن إسنادهما على عادته الغالبة.
رابعاً وأخيراً: قول مصحح "تاريخ البخاري " والمعلق عليه تعليقات علمية مفيدة، وهو الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني؛ قال في التعليق على قوله في الحديث (إذا جاء) :
"كذا في الأصل، ولعل ما بعد: " إذا جاء " سقط من الأصل، فالله أعلم أي: "إذا جاء " أراد".
قلت: قد تبين- والحمد لله- من هذا التحقيق والتخريج أنه أراد (إذا جاء(7/1110)
نصر الله والفتح) وعندي أنه لا سقط فيه، وأنه من اختصار البخاري نفسه، وهي عادة له- لا تخفى على الشيخ الفاضل- في كثير من أحاديث الكتاب التي يذكر في بعض التراجم، وقد يكون الاختصار أحياناً اختصاراً شديداً يشبه اللغز، مثل قوله في ترجمة (عمر بن مسكين) :
"يروي عن نافع عن ابن عمر في الجنائز".
لكن الباحث- أو الحافظ- من السهل عليه أن يهتدي إلى الحديث المشار إليه. وبالله التوفيق. *******
3370- (كُفْرٌ بامْرِئ ادِّعاءُ نَسَبٍ لا يَعْرِفُه، أو جَحْدُهُ وإن دقَّ) .
أخرجه ابن ماجه (2/916/2744) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (8/446/7915) و"الصغير" (ص 222 هند) من طريقين عن يحيى بن سعيد: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن. وقول الطبراني فيه:
"لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا أبو ضمرة أنس بن عياض "! فهو بالنسبة لما أحاط به علمه؛ وإلا فهو عند ابن ماجه من طريق سليمان بن بلال عن يحيى. وهذا ثبت في بعض نسخ "ابن ماجه " دون بعض؛ كما نبه على ذلك الحافظ في "النكت الظراف " (6/ 341- 342) ، ولذلك لم يعزه المنذري في "الترغيب " لابن ماجه؛ فقال (3/88) :
"رواه أحمد والطبراني في (الصغير) "!
وفاته عزوه لـ "الأوسط " أيضاً!
وأما أحمد؛ فرواه من طريق أخرى عن عمرو بن شعيب؛ فقال (2/215) :(7/1111)
ثنا علي بن عاصم عن المثنى بن الصّبّاح عن عمرو بن شعيب به مع تقديم وتأخير، ولفظه:
"كفر؛ تبرؤ من نسب وإن دق، أو ادعاء إلى نسب لا يعرف ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف إلى عمرو؛ لحال المثنى وعلي بن عاصم، ولكنه لا يضر الطريق الأولى عن عمرو، ولذلك لم يعله المنذري بهما، وتبعه الهيثمي، فقال (1/97) :
"رواه أحمد، والطبراني في "الصغير"، و"الأوسط "؛ وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ".
يشير بذلك إلى أنها رواية حسنة، احتج بها الأئمة أحمد وغيره؛ كما هو مبين في محله.
قلت: ومن جهل المعلقين الثلاثة على "الترغيب "، وقلة فهمهم فيه: أنهم لم ينتبهوا إلى ما أشرت إليه من صنع المنذري والهيثمي! ومما دلني على ذلك أنهم لما نقلوا كلام الهيثمي المذكور بتروا منه قوله: "وهو من رواية ... " إلخ؛ لأنهم- لجهلهم البالغ- لم يفهموا له معنى! ولذلك تطاولوا عليه وعلى المنذري؛ فتعقبوهما بقولهم - وكأنهم اكتشفوا كنزاً!! -:
"قلنا (!) : في إسناده المثنى بن الصباح؛ ضعيف اختلط بأخرة"!
وهذا كذب بالنسبة لرواية الطبراني؛ لأنها سالمة منه؛ كما قد رأيت، ولكذبهم هذا جنوا على الحديث بتصديرهم الكلام عليه بقولهم: "ضعيف "! ولم يضعفه أحد من قبل فيما علمت؛ فهذا هو الحافظ ابن حجر الذي من "تقريبه " نقلوا تضعيف المثنى؛ قد ذكر الحديث في "الفتح " (12/42) من رواية أحمد، ولم(7/1112)
يضعفه، بل أشار إلى تقويته بسكوته عنه كما هي قاعدته، وبقوله:
"وله شاهد عن أبي بكر الصديق ".
وعزاه في مكان آخر (ص 55) للطبراني.
وهذا الشاهد قد روي مرفوعاً وموقوفاً: أما المرفوع؛ فله طريقان:
أحدهما: يرويه السريّ بن إسماعيل عن بيان عن قيس بن أبي حازم عن
أبي بكر الصديق مرفوعاً.
أخرجه البزار في "البحر الزخار" (1/139/70) ، وأبو يعلى في "المسند الكبير" (2/ 4/ 1- المطالب العالية المسندة) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (3/ 0 39- 391) ؛ وقال:
"لم يروه عن بيان إلا السري ".
قلت: وهو متروك؛ كما قال الهيثمي والعسقلاني.
والطريق الآخر؛ يرويه عمر بن موسى الحادي: حدثنا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن سخبرة عن أبي بكر الصديق مرفوعاً.
أخرجه ابن عدي (5/54) ، والطبراني أيضاً في "الأ وسط " (9/ 261/ 8570) ، والخطيب في " التاريخ " (3/ 144) - واستغربه-. وقال الطبراني:
"تفرد به عمر بن موسى الحادي ".
قلت: قال ابن عدي:
"ضعيف، يسرق الحديث، ويخالف في الأسانيد".(7/1113)
والحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعنه. وذهل الهيثمي عن العلة الأولى، وعن علة الحجاج الحقيقية، فقال:
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف "!!
قلت: فأطلق الضعف عليه، وهو خطأ؛ فإنه ثقة في نفسه، وإنما علته أنه يدلس، فإذا صرح بالتحديث؛ فهو حجة، وهنا قد عنعنه فهي العلة. وقد خولف؛ كما يأتي.
وأما الموقوف؛ فقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/538/3160) : حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال: قال أبو بكر:
"كفر بالله من ادعى نسباً لا يُعلم، وتبرأ من نسب وإن دق ".
وتابعه شعبة عن سليمان- وهو الأعمش-. أخرجه الخطيب.
وأبو معمر: هو عبد الله بن سخبرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح موقوف، وهو- في نقدي- في حكم المرفوع؛ لأنهلا يقال بالاجتهاد والرأي. والله أعلم. *******
3371- (من شاب شيبةً في سبيل الله (وفي رواية: في الإسلام) ؛ كانت له نوراً يوم القيامة. فقال رجل عند ذلك: فإن رجالاً ينتفون الشيب؟ فقال:
من شاء؛ فلينتف نوره) .
أخرجه أحمد (6/20) : ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي(7/1114)
حبيب عن عبد العزيز بن أبي الصعبة عن حنش (1) عن فضالة بن عبيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
ومن هذا الوجه: أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/304ـ 305) ؛
إلا أنه جمع بين الروايتين فقال:
"في الإسلام في سبيل الله ".
وأخرجه البزار (3/371/2973) من طريق أبي الأسود النضر بن عبد الجبار المصري: ثنا ابن لهيعة ... بالرواية الأخرى.
وابن عدي في "الكامل " (4/152) من طريق ثالث عن ابن لهيعة به مختصراً.
وقد تابعه يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب ... بالرواية الأخرى.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/304/782) ، وفي" الأوسط " أيضاً (6/231/5489) من طريق وهب بن جرير بن حازم: ثنا أبي قال: سمعت يحيى ابن أيوب به.
وأخرجه البيهقي في "الشعب " (5/210/6388) - من هذين الطريقين عن يزيد بن أبي حبيب- وكذا الشجري في "الأمالي " (2/242) من طريق الطبراني من الوجهين.
إذا ثبت هذا؛ فرجال الإسناد كلهم ثقات معروفون؛ غير عبد العزيز بن أبي الصعبة؛ فقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/ 111) ؛ ومع أنه لم يرو عنه غير
_________
(1) قلت: وقع فيه: (حسن) مكان: (حنش) ! وهو خطأ قديم من بعض الرواة، كما بينت في "تيسير الانتفاع "، وهو ابن عبد الله الصنعاني الدمشقي.(7/1115)
يزيد هذا، وعمران بن موسى، ومع ذلك " قال ابن المديني:
"ليس به بأس، معروف".
فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، وهو الذي كنت جنحت إليه فيما تقدم تحت حديث ابن عدي المشار إليه آنفاً برقم (1244) .
وإنما أعدت تخريجه هنا بشيء زائد في الفائدة والتخريج: أنني رأيت المنذري في "الترغيب "- وأنا في صدد تهيئة الجزء الثاني والثالث من "صحيح الترغيب "- رأيته قد أعل الحديث بابن لهيعة؛ فقال (3/113/2) :
"رواه البزار، والطبراني في "الكبير"، و"الأوسط " من رواية ابن لهيعة، وبقية إسناده ثقات "!
قلت: ونحوه في "مجمع الزوائد" (5/158) !
فأقول: في هذا التخريج- على إيجازه- أمور عجيبة من الخلط؛ لم ينبه عليها الحافظ الناجي:
أولاً: لم يعزواه لأحمد، وهو أولى بالعزو لجلالته وعلو طبقته؛ كما هو معلوم.
ثانياً: غفلا عن متابعة يحيى بن أيوب- وهو الغافقي المصري- لابن لهيعة في "كبير الطبراني "، فلم يبق وجه لإعلاله بابن لهيعة، وقد كان من آثارها أن اغتر بهذا الإعلال المعلقون الثلاثة؛ فضعفوا الحديث!
ثالثاً: أخطأا في نسبة رواية ابن لهيعة للطبراني في "الأوسط "، وإنما عنده المتابعة المذكورة(7/1116)
رابعاً: لا يتوجه الإعلال المذكور بالنسبة لرواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة؛ لأنها صحيحة ملحقة برواية العبادلة عنه؛ كما في ترجمة ابن لهيعة في "سير أعلام النبلاء" (8/15) ، وقد سبق بيان هذا في غيرما موضع. ********
3372- (إن أطول الناس جوعاً يوم القيامة؛ أكثرهم شبعاً في الدنيا)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/126/327) : حدثنا عبدان بن أحمد: ثنا محمد بن خالد الكوفي: ثنا إسحاق بن منصور: ثنا عبد السلام بن حرب عن أبي رجاء عن أبي جحيفة قال:
تجشأت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
"ما أكلت يا أبا جحيفة؟! ". فقلت: خبز ولحم، فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن خالد الكوفي، وأنا أظن أنه الذي في "ثقات ابن حبان " (9/133) :
"محمد بن خالد بن صالح التميمي، أبو عبد الله، كوفى، يروي عن أبى
نعيم وأهل بلده، حدثنا عنه محمد بن المنذر بن سعيد وغيره ".
قلت: أظنه هذا؛ لأنه من هذه الطبقة؛ فإن عبدان بن أحمد، الثقة الحافظ من طبقة محمد بن المنذر بن سعيد، هذا توفي سنة ثلاث وثلاثمائة، وذاك توفي سنة ست وثلاثمائة.
وخفي حاله على الهيثمي فلم يعرفه، فقال في "المجمع " (5/31) :
"رواه الطبراني في " الأوسط "، و"الكبير" بأسانيد، وفي أحد أسانيد " الكبير"(7/1117)
محمد بن خالد الكوفي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: وهذا النفي منه هو الذي أهاب بي لتخريج الحديث هنا مرة أخرى، بعد أن كنت خرجته قديماً عن جمع من الصحابة منهم أبو جحيفة هذا، ومن ثلاثة طرق عنه، منها طريق أبي رجاء هذه، في المجلد الأول من هذه السلسلة برقم (343) ، وفي الطبعة الجديدة منه نقلت فيه النفي المذكور دون أي تعقيب عليه؛ لأن المصادر التي ساعدتني الآن على معرفة محمد بن خالد الكوفي هذا لم تكن مطبوعة يومئذ؛ مثل "ثقات ابن حبان "، و"معجم الطبراني الكبير".
وقد كنت نقلت عن المنذري أنه قال في أحد إسنادي البزار: "رواته ثقات ".
ولما وقفت على إسناده بواسطة "كشف الأستار"؛ جودت إسناده في الطبعة الجديدة قائلاً:
"فهو جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخ البزار: العباس بن جعفر - وهو البغدادي-؛ ثقة ".
ولم أكن أعلم أنه متابع لمحمد بن خالد لما ذكرت من فقد "المعجم الكبير"، والآن وبمقابلة إسناده بإسناد البزار؛ فقد تبينت المتابعة؛ فإن إسناد البزار هكذا: "حدثنا العباس بن جعفر: ثنا إسحاق بن منصور به ".
فهذه متابعة قوية لمحمد بن خالد تدل على أنه قد حفظ الحديث، ولذلك فما كان ينبغي للهيثمي أن يعله به، ولو فرض أنه مجهول لا يعرف؛ كما هو معلوم عن العارفين بهذا العلم، ولكن يظهر أنه فاتته رواية البزار هذه فلم يقف على المتابعة، فقال ما قال! يدل على ذلك عدم عزوه إياه، بخلاف المنذري رحمه الله تعالى.
فهذا هو السبب في إعادة تخريج الحديث.(7/1118)
ثم رأيت البيهقي أخرجه في "الشعب " (5/26/5643) من طريق عبيد الله ابن أحمد بن منصور الكسائي الهمداني: ثنا محمد بن خليد (1) الحنفي: ثنا عبد الواحد بن زياد، عن مسعر عن علي بن الأقمر عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات " غير محمد بن خليد الحنفي " ضعفه ابن منده وابن حبان والدارقطني؛ كما في "اللسان ".
وعبيد الله بن أحمد بن منصور الكسائي؛ ترجمه الخطيب في "التاريخ"
(10/339ـ 340) ، وروى عن الحافظ أبي الفضل صالح بن أحمد أنه قال:
"محله الصدق".
والمعروف: عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة مباشرة، وقد كنت خرجته هناك قديماً من وجهين عنه، أحدهما: من طريق مالك بن مغول عنه به؛ لكن أعله أحمد، فلما وقفت على رواية مسعر عنه؛ بادرت إلى إخراجها والنظر في إسنادها، فتبين ضعفها، فالعمدة في تصحيح الحديث على الإسناد الذي صدرت به التخريج، مع الشواهد المذكورة هناك، والله ولي التوفيق.
وإن مما يحسن التنبيه عليه هنا: أنني كنت ذكرت هناك في الشواهد حديث ابن عباس، ونقلت تضعيفه عن الحافظ العراقي، وتضعيف رواية (يحيى بن سليمان الحفري) من أبي نعيم في "الحلية".
تم رأيت الهيثمي قد ذكر الحديث في "المجمع " (10/250 ـ 251) ، ومال إلى تقوية الراوي بقوله:
_________
(1) الأصل: (خالد) ، والتصحيح من "تاريخ بغداد".(7/1119)
"رواه الطبراني، وفيه (يحيى بن سليمان الحفري) ، وقد تقدم الكلام عليه.. وبقية رجاله ثقات ".
وفي المكان الذي أشار إليه؛ ساق حديثاً آخر عن ابن مسعود قد خرجته في "الضعيفة " (6650) ، وبينت هناك حال (يحيى الحفري) هذا، وأن قول الذهبي فيه: "ما علمت به بأساً "! ليس له وجه، فلا داعي للإعادة. ********
3373- (يجيء الرجل يوم القيامة من الحسنات ما يظن أنه ينجو بها، فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة، فيؤخذ من حسناته؛ فيعطى المظلوم حتى لا تبقى له حسنة، ثم يجيء من قد ظلمه؛ ولم يبق من حسناته شيء، فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته) .
أخرجه البزار في مسنده "البحر الزخار" (6/ 490- 491/2524) وعنه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/316ـ317/6153) : حدثنا عبد الله بن إسحاق العطار قال: أخبرنا خالد بن حمزة العطار قال: أخبرنا عثمان بن غياث قال: أخبرنا أبو عثمان عن سلمان رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير خالد بن حمزة العطار، وذكره المزي في الرواة عن عثمان بن غياث، ووصفه بـ (الأحمر) ، ولم أجد له ترجمة. وأما الهيثمي؛ فقال (10/353) :
"رواه الطبراني، والبزار عن عبد الله بن إسحاق العطار عن خالد بن حمزة، ولم أعرفهما، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ".
قلت: الأول مترجم في "التهذيب "؛ كما تقدمت الإشارة إليه، وهو عبد الله ابن إسحاق بن محمد الناقد أبو جعفر الواسطي، ويقال: البغدادي، وذكره ابن(7/1120)
حبان في "الثقات " (8/362) ، وروى له في "صحيحه " (8/142- 143/6455) بواسطة شيخ له، وهو من شيوخ جمع من الحفاظ، كابن ماجه وابن جرير، وبحشل الواسطي في "تاريخ واسط " (ص 237) ، فالإسناد صحيح، لولا خفاء حال خالد بن حمزة علينا، لكنه قد توبع، فقال خالد الحذاء: سمعت أبا عثمان النهدي يحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"يرفع للرجل الصحيفة يوم القيامة، فما تزال مظالم بني آدم تتبعه ... " الحديث نحوه باختصار، قال:
فقلت له، أو قال له عاصم: عمن يا أبا عثمان؟! فقال: عن سلمان، وسعد، وابن مسعود، حتى عد ستة أو سبعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال شعبة: فسألت عاصماً عن هذا الحديث؟ فحدثنيه عن أبي عثمان عن سلمان، وأخبرني عثمان بن عتاب أنه سمع أبا عثمان يحدث بهذا عن سلمان وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أخرجه الحاكم (4/ 574) ، وقال:
"صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي!
وأقول: إنما هو على شرط مسلم؛ لأن أبا داود الراوي عن شعبة لم يخرج له البخاري إلا تعليقاً، وهو الطيالسي.
ورواية الحاكم هذه مما فات المنذري؛ فإنه ساقها في "الترغيب " (3/145/13) من طريق أبي عثمان عن سلمان الفارسي وسعد.. إلخ قالوا: إن الرجل لا ترفع له يوم القيامة صحيفته حتى يرى أنه ناج، فما تزال مظالم بني آدم ... إلخ، هكذا ذ كره موقوفاً. وقال:
"رواه البيهقي في "البعث "، واسناده جيد".(7/1121)
قلت: كتاب "البعث " هذا لم يطبع منه إلا الجزء الثاني والأخير منه، ولذلك لم يتيسر لي الوقوف على إسناده، ويغلب على الظن أنه من طريق الطيالسي. والله أعلم.
وللحديث شواهد كثيرة في "مجمع الزوائد"؛ من أحسنها حديث أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"يجيء الظالم يوم القيامة؛ حتى إذا كان على جسر جهنم بين الظلمة والوعرة؛ لقيه المظلوم، فعرفه؛ وعرف ما ظلمه به، فما يبرح الذين ظلموا يقتصون من الذين ظلموا؛ حتى ينزعوا ما في أيديهم من الحسنات، فإن لم يكن لهم حسنات؛ رد عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموا، حتى يوردوا الدرك الأسفل من النار".
أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/1/228ـ229) - ولم يسق لفظه-، وحسين المروزي في "زوائد الزهد" (499/1420) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " (6/455/5973) - والسياق له- من طريق حسين المعلم عن أيوب عن الجهم بن فضالة عنه. وقال الطبراني:
"لم يروه عن أيوب إلا حسين المعلم، تفرد به ابن أبي عدي ".
قلت: تابعه عند البخاري روح- وهو ابن عبادة-، ورجاله ثقات معروفون من رجال الشيخين؛ غير الجهم بن فضالة، لم يوثقه غير ابن حبان (4/113) ، وذكر أنه روى عنه سويد أبو قزعة.
قلت: وسويد ثقة، ومثله أيوب هنا، فقد روى عنه ثقتان، فهو حسن الحديث أو قريب منه، فيصلح للاستشهاد به.
ومن تلك الشواهد حديث أنس بن مالك، وقد تقدم تخريجه برقم (3265) . *******(7/1122)
3374- (ثلاثة لا يرد الله دعاءهم: الذاكر الله كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط) .
أخرجه البزار (4/39/3140- كشف الأستار) ، والبيهقي في "شعب الإيمان "
(1/419/588 و 6/11/7358) من طرق عن حميد بن الأسود: نا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار قال: سمعت أبا هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:..... فذكره
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير حميد بن الأسود، فروى له البخاري مقروناً كما في "مقدمة الفتح "؛ وفيه كلام يسير لا يضر، ولا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى.
(تنبيه) : لم يسق الهيثمي من الحديث إلا طرفه الأول، ساقه عقب الحديث الذي قبله بلفظ:
"ثلاث حق على الله أن لايرد لهم دعوة: الصائم حتى يفطر، والمظلوم حتى ينتصر، والمسافر حتى يرجع ".
وفي إسناده إبراهيم بن خثيم، وهو متروك؛ فساق عقبه حديث الترجمة بلفظ: "ثلاث لا يرد دعاؤهم: الذاكر لله ... قلت فذكر نحوه "!
قلت: فأوهم أن تمامه مثله في المعنى، والفرق كما ترى. *******
3375- (لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني ولا إلى العجوز الزانية) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (9/184/8396) قال: حدثنا موسى(7/1123)
ابن سهل قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي عن عثمان بن واقد عن مسلم (!) بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:.......فذكره
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "، وفي بعضهم كلام لا يضر؛ إلا شيخ الطبراني- وهو أبو عمران الجوني كما في أول أحاديثه التي ساقها له الطبراني في "اوسطه (8367) وقد قال فيه الدارقطني: "ثقة " كما في ترجمته من "تاريخ بغداد " (13/56 ـ57) وخفي هذا على الشيخ الهيثمي , فقال (6/255) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " عن شيخه موسى بن سهل؛ ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات "!
(تنبيه) : تابعي هذا الحديث (مسلم بن يسار) ؛ هكذا وقع في مطبوعة "الأوسط "! وأنا أظن أن الصواب (موسى بن يسار) ؛ لأنه هو الذي ذكروه في شيوخ عثمان بن واقد، وفي الرواة عن أبي هريرة، دون (مسلم بن يسار) ، وكلاهما تابعي ثقة، وكذلك وقع في النسخة المصورة التي عندي. وقال الطبراني عقب الحديث: "لم يروه عن مسلم بن يسار إلا عثمان بن واقد، تفرد به محمد بن ربيعة"!
فالله سبحانه وتعالى أعلم *******
3376- (لا، ولكنك تفلت بين يديك وأنت تؤمّ الناس فآذيت الله وملائكته) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13/ 43 ــ 44/104) قال: حدثنا إسماعيل بن الحسن قال: ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا ابن وهب قال: حدثني(7/1124)
حيي عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال:
أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يصلي بالناس صلاة الظهر، فتفل في القبلة وهو يصلي للناس، فلما كان صلاة العصر؛ أرسل إلى آخر، فأشفق الرجل الأول، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل فيّ؟ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات مترجمون في "التهذيب "؛ على ضعف يسير في حيي- وهو ابن عبد الله المعافري المصري-؛ سوى إسماعيل بن الحسن، ولم أعرفه، وهو الخفاف المصري، وقد أكثر عنه الطبراني في "كتاب الدعاء"، فروى عنه فيه (14) حديثاً، كما في مقدمة محققه للدكتور البخاري (1/187) , وروى له في " الأوسط " (4/5 ـ 6) حديثين، وفي " الصغير" حديثاً واحداً (715- الروض) ، وجلها عن أحمد بن صالح هذا- الحافظ المصري-، ولا بد أنه أكثر عنه جداً في "المعجم الكبير"، فهو ممن أشار الحافظ الذهبي إلى إجازة حديث مثله في بعض تراجم كتابه "الميزان "؛ وكأنه لذلك قال المنذري في " الترغيب " (1/ 122/ 9) :
"رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد".
وقال الهيثمي (2/ 20) :
"رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات ".
وله شاهد من حديث أبي سهلة السائب بن خلاد نحوه؛ رواه أبو داود وابن حبان، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" رقم (501) , وفي "التعليق الرغيب " (1/122/8) , وسكت عنه الحافظ في "الفتح " (1/508) .
(تنبيه) الحديث- كما رأيت- من رواية (عبد الله بن عمرو) ، ووقع في "الترغيب ":(7/1125)
(.. عمر) بدون واو، وكذلك هو في طبعة المحققين الثلاثة (1/275/439) ! *******
3377- (استحيُوا, فإن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء
في أدبارهن) .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/322/9009) ، والبزار في مسنده
" البحر الزخار" (1/ 474/339) ، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (9 0 2- 0 21/ 466- 467) ، وأبو يعلى في "المسند الكبير" (2/344/779- المقصد العلي) عن عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح عن ابن طاوس [عن أبيه] عن عبد الله بن الهاد عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، والزيادة للخرائطي، وفيه خلاف أخر يطول ذكره، منه أن النسائي ذكر مكانها: (عن عمرو ابن دينار) .
وهذا الاختلاف يحتمل أنه من (عثمان بن اليمان) ، فقد قال ابن حبان في "الثقات " (8/ 450) :
"ربما أخطأ".
أو هو من (زمعة بن صالح) ؛ فإنه ضعيف كما في "التقريب " وغيره، فإعلاله
به أولى، وقد اختلف عليه بوجوه أخرى؛ ذكرها الدارقطني في "العلل " (2/166- 167) ، وقال:
"وقول عثمان بن اليمان أصحها. والله أعلم "
قلت: لكن اختلف عليه فيه أيضاً، والدارقطني إلا الوجه الثاني الذي فيه
زيادة [عن أبيه] !(7/1126)
ومن هذا التخريج والتحقيق " يتبين لك خطأ قول المنذري في "الترغيب "
(3/200) :
"رواه أبو يعلى بإسناد جيد"!
وقول الهيثمي في "المجمع " (4/298- 299) :
"رواه أبو يعلى، والطبراني في "الكبير"، والبزار، ورجال أبي يعلي رجال "الصحيح "؛ خلا عثمان (1) بن اليمان؛ وهو ثقة"!
كذا قال! ولم أره في "كبير الطبراني "، لا في "مسند عمر" ولا في "مسند خزيمة بن ثابت ".
ثم إن زمعة بن صالح- مع ضعفه- لم يحتج به في "الصحيح " لا في "صحيح البخاري "، ولا في "صحيح مسلم "، وإنما روى هذا له مقروناً بغيره. نعم؛ الحديث صحيح بما له من الشواهد.
منها: عن جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعاً نحوه.
أخرجه الطحاوي (2/26) والدارقطني في "سننه " (3/288/160) من طريق الحسن بن عرفة: نا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن المنكدر عنه.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، فهو صحيح؛ لولا أن ابن عياش ضعيف في رواية غير الشاميين عنه، وهذه منها.
وقد تابعه الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر به مختصراً بلفظ:
(1) الأصل: (يعلى) ! وهو خطأ مطبعي.(7/1127)
نهى عن محاشِّ النساء.
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (8/ 351/7718) بسند جيد.
ومنها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:.... فذكره.
أخرجه النسائي في "الكبرى" (5/322/9010) وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/190- 191) من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني: نا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن أبي سلمة عنه.
وهذا إسناد ضعيف؛ الصنعاني هذا لين الحديث؛ كما في "التقريب "؛ فمثله يستشهد به، ومن فوقه ثقات.
ومنها: عن خزيمة بن ثابت مرفوعاً بألفاظ متقاربة، بعضها مثل حديث الترجمة، ومن طرق عنه، بعضها صحيح، وهي مخرجة في "إرواء الغليل " (7/65- 68) ، فليراجعها من شاء. *******
3378- (من أتى النساء في أعجازهن؛ فقد كفر) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (9/85/ 9180) : حدثنا مورّع بن عبد الله قال: حدثنا عمر بن يزيد السّيّاري قال: حدثنا عبد الوارث [عن ليث] عن أيوب عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال:
"لم يروه عن ليث إلا عبد الوارث، تفرد به عمر بن يزيد".
قلت: هو صدوق، ومن فوقه ثقات؛ غير ليث؛ وهو ابن أبي سُليم الحمصي كما يستفاد من ترجمته في "تهذيب الحافظ المزي "، فقد ذكر في الرواة عنه عبد الوارث هذا- وهو ابن سعيد التنوري-.(7/1128)
وقد سقط ذكر الليث هذا من الإسناد، فاستدركته من تعقيب الطبراني المذكور
على الحديث، ولذلك جعلته بين المعكوفتين، مشيراً بذلك إلى سقوطه من الإسناد، ولعله سقطٌ قديمٌ حمل الحافظ المنذري على أن يقول في تخريج الحديث (3/201) :
"رواه الطبراني في " الأوسط "، ورواته ثقات "
وتبعه الهيثمي فقال (4/299) :
"رواه الطبراني، ورجا له ثقات "!
وإطلاقه العزو للطبراني يوهم أنه في "المعجم الكبير"، ولم أره فيه.
والليث هذا ضعيف لاختلاطه.
على أن شيخ الطبراني مورع بن عبد الله- وهو أبو ذُهْلٍ المصيصي- لم أجد له ترجمة، ويبدو أنه ليس من شيوخه المشهورين؛ فإن الطبراني لم يرو له في "الأوسط " إلا سبعة أحاديث، هذا أحدها، ولم يرو له في "الصغير" شيئاً، وكذلك في كتابه "الدعاء".
وإن مما يؤيد نكارة الحديث، وأنه من رواية ليث وتخاليطه: أنه رواه عبد الرزاق في "المصنف " (11/443/20958) - عن معمر-، وابن أبي شيبة (4/252) - عن حفص- كلاهما عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة أنه قال:
من أتى ذلك فقد كفر.
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (5/323/9018) من طريق سفيان عن ليث بلفظ:
إتيان النساء والرجال في أدبارهن كفر.(7/1129)
ثم رواه (9021) من طريق علي بن بَذيمة عن مجاهد به.
قلت: وهذه متابعة قوية من علي بن بذيمة. ولذلك نقل السيوطي في "الدر المنثور" (1/264) عن الحافظ ابن كثيرأنه قال:
"هذا الموقوف أصح ".
قلت: ذكر ابن كثير هذا في "تفسيره/ البقرة" (1/264) وهو مما لا شك فيه. لكن لحديث الترجمة شاهد قوي من طريق أخرى عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد".
وإسناده جيد، وهو مخرج في "الإرواء " (7/68 ـ 69) و"آداب الزفاف " (105- 106) وغيرهما.
واعلم أن كون الأصح في الحديث الوقف؛ لا ينافي رفعه بعد ثبوته، بل ذلك
مما يدعمه ويقويه؛ لأنه يبعد جداً أن تتتابع الآثار بكون الشيء كفراً، وليس له أصل في السنة، ومثله أن تتتابع الآثار بتحريمه كما لا يخفى على أهل العلم، وقد جاءت أحاديث كثيرة في تحريم الدبر، فيها الصحيح والحسن وما يعتضد به، وقد خرج العلماء الكثير الطيب منها، كابن كثير في "إلتفسير"، وابن حجر في "التلخيص "، ثم السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 264- 265) ، وقد استنكرت منه ختمه لتخريجه إياها بقوله:
"قال الحفاظ في جميع الأحاديث المرفوعة في هذا الباب- وعدتها نحو عشرين حديثاً-: كلها ضعيفة لا يصح منها شيء، والموقوف منها هو الصحيح "!
فيا سبحان الله! كيف يستقيم هذا القول؟! ومن السيوطي المعروف تساهله(7/1130)
في التحسين والتصحيح؟! فلوسلمنا جدلاً بضعفها- كما زعم- فلم لا يقال: يقوي بعضها بعضاً؛ كما هي القاعدة المعروفة عند العلماء؟! فأين هذا القول وقائله من قول الحافظ الذهبي وقائله:
"قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أدبار النساء، وجزمنا بتحريمه، ولي في ذلك مصنف كبير"؟!
انظر "آداب الزفاف " (ص 106 ـ طبع المكتبة الإسلامية) . *******
3379- (من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم أن يهريقه؛ كأنما يذبح به دجاجة، كلما تعرض لباب من أبواب الجنة؛ حال الله بينه وبينه، ومن استطاع أن لا يجعل في بطنه إلا طيباً فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه) .
أخرجه الطبراني فى "المعجم الكبير" (2/ 171 / 1662) عن أبي كامل الجحدري-، و"المعجم الأوسط " (9/225/8490) والبيهقي في "شعب الإيمان " (4/347/5350) كلاهما عن أبي بكر بن أبي الأسود- قالا: ثنا أبو عوانة عن قتادة عن الحسن عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:......فذكره، - السياق للبيهقي-، وقال:
"وكذلك رواه أبو كامل عن أبي عوانة مرفوعاً، والصحيح موقوف "! وقال الهيثمي: (7/297)
" رواه الطبراني في " الأوسط "، و" الكبير"، ورجاله رجال (الصحيح) ". وهذا أدق من قول المنذري (3/203)
"رواه الطبراني، ورواته ثقات ".(7/1131)
قلت: وأبو عوانة ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه؛ فهو إسناد صحيح لولا عنعنة الحسن- وهو البصري-.
لكنه قد صح مرفوعاً من غير طريقه، فلا وجه لإعلاله بالوقف؛ لأن الرفع زيادة يجب قبولها، ولا سيما أن الذي أوقفه كان اختلط، وهو سعيد بن إياس الجريري، فقد قال: عن طريف أبي تميمة قال:
شهدت صفوان وجندباً وأصحابه وهو يوصيهم، فقالوا: هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: سمعته يقول:
"من سمع سمع الله به يوم القيامة". قال:
"ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة".
قالوا: أوصنا! قال:
"إن أول ما ينتن.. " فذكر الحديث مختصراً جملة الدجاجة وأبواب الجنة،
مع تقديم وتأخير.
هكذا أخرجه البخاري (7152) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (5/54/ 5753) . وقال الحافظ في ترجمة الجريري من "التقريب ":
"ثقة، اختلط قبل موته بثلاث سنين ".
وعندي جواب آخر على افتراض أن الجريري حفظه- وهو قول الحافظ في "الفتح " (13/129) ـ:
"وهذا لو لم يرد مصرحاً برفعه؛ لكان في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بالرأي ". قلت: فكيف وقد صح مرفوعاً؟! فقال هشام بن عمار: ثنا علي بن سليمان(7/1132)
الكلبي: حدثني الأعمش عن أبي تميمة عن جندب بن عبد الله الأزدي- صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
انطلقت أنا وهو إلى البصرة، حتى أتينا مكاناً يقال له: (بيت المسكين) ، وهو
من البصرة مثل (الثوية) من الكوفة، فقال: هل كنت تدارس أحداً القرآن؟ فقلت: نعم، قال: فإذا أتينا البصرة؛ فأتني بهم، فأتيته بصالح بن مسرح، وبأبي بلال، ونجدة، ونافع بن الأزرق، وهم في نفسي يومئذ من أفاضل أهل البصرة (1) ، فأنشأ يحدثني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال جندب: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه؛ كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة- وهو ينظر إلى أبوابها- ملء كف دم مسلم أهراقه ظلماً ".
قال: فتكلم القوم، فذكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ساكت يستمع منهم، ثم قال:
لم أر كاليوم قط قوماً أحق بالنجاة إن كانوا صادقين.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/178/1681) .
قلت: وهذا إسناد جيد- وحسنه المنذري في "الترغيب " (1/77/13) ، رجاله ثقات من رجال البخاري؛ غير علي بن سليمان الكلبي، وهو ثقة، وثقه هشام بن عمار. وقال أبو حاتم:
_________
(1) قال الحافظ (13/129) : "قلت: وهؤلاء الأربعة من رؤوس الخوارج ".(7/1133)
"ما أرى بحديثه بأساً، صالح الحديث، ليس بمشهور".
وذكره ابن حبان في "الثقات " وقال:
"يغرب ".
انظر "تيسير انتفاع الخلان ".
قلت: ومع ذلك كله لم يعرفه الهيثمي؛ كما يأتي.
وله طريق أخرى؛ يرويه ليث عن صفوان بن محرز عن جندب بن عبد الله:
أنه مر بقوم يقرأون القرآن، فقال: لا يغرنك هؤلاء؛ إنهم يقرأون القرآن اليوم، ويتجادلون بالسيوف غداً!
ثم قال: ائتني بنفر من قراء القرآن، وليكونوا شيوخاً، فأتيته بنافع بن الأزرق، ومرداس بن أبي بلال، وبنفر معهما ستة أو ثمانية، فلما أن دخلنا على جندب، قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... (قلت: فذكر مثل من يعلم الناس الخير) ، قال: "ومن رايا الناس بعلمه؛ رايا الله به يوم القيامة، ومن سمع الناس بعمله؛ سمع الله به؛ فاعلموا أن أول ما ينتن ... " الحديث مثل رواية البخاري.
أخرجه الطبراني (2/179ـ180/1685) ، ورجاله ثقات؛ غير ليث- وهو
ابن أبي سُليم- وهو ضعيف لاختلاطه.
ومن طريقه: روى جملة العلم أبو الشيخ في "الأمثال " (181/276) . وذكر الهيثمي رواية صفوان هذه، وطرفاً من رواية علي بن سليمان الكلبي المتقدمة، ثم قال:
"رواه الطبراني من طريقين، في أحدهما ليث بن أبي سُليم؛ وهو مدلس،(7/1134)
وفي الأخرى علي بن سليمان الكلبي، ولم أعرفه، وبقية رجالهما ثقات "! وقلده المعلقون الثلاثة!
قلت: أما الليث؛ فوصفه إياه بالتدليس من أوهامه المتكررة التي خالف فيها الأولين والآخرين، كما نبهنا عليه مراراً. وأما جهله بالكلبي؛ فمن غرائبه؛ فإن الرجل معروف ثقة كما تقدم، بل هو في كتابه "ترتيب ثقات ابن حبان " فيما أظن؛ لأنه في أصله كما سبق، وإنما لم أجزم بذلك؛ لأن الجزء الثالث الذي فيه حرف (العين) لم أقف عليه، والله أعلم.
ثم إن الجملة الأولى من الحديث قد رواها أيضاً إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب مرفوعاً.
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه " (10/26/18250) ، والرّوياني في "مسنده " (2/143/662) ، والطبراني أيضاً في "المعجم الكبير" (2/ 170/ 1660 و 171/ 1661) .
وبالجملة؛ فالحديث بهذه الطرق والمتابعات صحيح مرفوعاً، ولا يضره وقف من أوقفه، ولذلك سكت عن هذه الطرق الحافظ في "الفتح "، بل صرح بأن الموقوف في حكم المرفوع؛ كما تقدم عنه، فاتفقت الروايات، وزال الخلاف من بينها. والحمد لله رب العالمين.
تنبيهان:
ا- علق الشيخ الأعظمي على رواية إسماعيل بن مسلم هذه عند عبد الرزاق بقوله:
"أخرجه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال "الصحيح ". قاله الهيثمي 297: 7 "!(7/1135)
قلت: وهذا من أوهامه رحمه الله " فإن الهيثمي إنما قال هذا في رواية قتادة
عن الحسن؛ كما تقدم، وتبعه على هذا الوهم أخونا حمدي السلفي في تعليقه على رواية إسماعيل هذه، وفي الموضعين المشار إليهما من "الطبراني "! وإسماعيل ابن مسلم هذا: هو المكي البصري وهو ضعيف؛ وليس هو العبدي البصري، وهذا ثقة؛ وهما- وإن كانا من طبقة واحدة- يشتركان في الرواية عن الحسن البصري، فيمكن في كثير من الأحيان تحديد المراد منهما بالنظر إلى الراوي عنه، كما هو الشأن هنا؛ فإن الثوري يروي عن المكي دون العبدي كما أفاده الخطيب رحمه الله.
2ـ تحرف اسم راوي الحديث: (جندب) في "المعجم الأوسط " في بعض طبعاته إلى (خبيب) ! فاقتضى التنبيه.
ثم إن جملة: "مثل العالم الذي يعلم الناس ... " قد أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (2/876/2144) من طريق هشام بن عمار: ثنا علي بن سليمان الكلبي- قال هشام: وهو من أهل دمشق ثقة حدث عنه الوليد- ... ********
3380- (ألا أخبركم برجالكم في الجنة؛! النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر- لا يزوره إلا لله- في الجنة.
ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؛! كل ودود ولود، إذا غضبت أو أسيء إليها [أو غضب زوجها] ؛ قالت: هذه يدي في يدك؛ لا أكتحل بغمض حتى ترضى) .
روي من حديث أنس، وابن عباس، وكعب بن عُجْرة.(7/1136)
1- أما حديث أنس، فيرويه إبراهيم بن زياد القرشي عن أبي حازم عنه. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/242/1764) ، و"الصغير" (ص 23- هند) ؛ وقال:
"لم يروه عن أبي حازم سلمة بن دينار الزاهد إلا إبراهيم بن زياد، ولا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد".
ومن هذا الوجه أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (2/626ـ 627/1498) ؛ والزيادة له.
قلت: ورجاله ثقات؛ غير القرشي هذا؛ فهو مجهول، قال المنذري في " الترغيب " (3/77) :
"رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح "؛ إلا إبراهيم بن زياد القرشي؛ فإني لم أقف فيه على جرح ولا تعديل. وقد روي هذا المتن من حديث ابن عباس، وكعب بن عجرة، وغيرهما".
وقال الهيثمي (4/312) :
"رواه الطبراني في "الصغير"؛ و"الأوسط "، وفيه إبراهيم بن زياد القرشي،
قال البخاري: "لا يصح حديثه ". فإن أراد تضعيفه فلا كلام، وإن أراد حديثاً مخصوصاً فلم يذكره، وأما بقية رجاله؛ فهم رجال (الصحيح) "!
قلت: إنما قال البخاري في إبراهيم هذا:
"لم يصح إسناده ".(7/1137)
رواه عنه العقيلي في "الضعفاء" (1/53) .
وكذلك هو في "التاريخ الكبير" (11/287) .
وعقب عليه الذهبي في "الميزان " بقوله:
"قلت: ولا يعرف من ذا؟ ".
وعزاه الدكتور القلعجي للحافظ في "اللسان "، وهو وهم منه في جملة أوهامه
الكثيرة.
2- وأما حديث ابن عباس؛ فقد تقدم تخريجه في المجلد الأول برقم (287) ، وأزيد هنا فأقول: أخرجه أيضاً الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (61/263/1ـ 2) من طريق خلف بن خليفة وغيره بسنده المتقدم عنه، وروى الأصبهاني (2/630/1507) النصف الأول منه، ورواه البيهقي في "الشعب " (6/418/8732 و 294/9028) بتمامه.
3- وأما حديث كعب بن عجرة؛ فيرويه السّريّ بن إسماعيل عن الشعبي
عنه به.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/14/307) ، و"الأوسط " (6/ 301) وقال:
"لا يروى عن كعب بن عجرة إلا بهذا الإسناد".
قلت: والسري هذا متروك؛ كما قال الهيثمي (4/312) ، فالعمدة على اللذين قبله. *******(7/1138)
3381- (إن الحياء، والعفاف، والعيّ- عيّ اللسان لا عيّ القلب- والفقه (1) : من الإيمان، وإنّهن يزدن في الآخرة وينقصْن من الدّنيا، وما يزدن في الآخرة أكثر مما ينقصْن من الدنيا.
وإن الشحّ والفحش والبذاء من النفاق، وإنّهن ينقصْن من الآخرة، ويزدن في الدنيا، وما ينقصْن من الآخرة أكثر مما يزدن من الدنيا) .
أخرجه يعقوب بن سفيان الفسويّ في "المعرفة" قال (1/ 311) : حدثنا محمد بن أبي السّريّ: حدثني بكر بن بشر العسقلاني: حدثني عبد الحميد بن سوّار: حدثني إياس بن معاوية بن قرّة المزني عن أبيه عن جده قرة المزني قال:
كنا عند رسول اللة - صلى الله عليه وسلم -، فذكر عنده الحياء، فقالوا: يا رسول الله! الحياء من الدين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قال إياس: فحدثت به عمر بن عبد العزيز، فأمرني فأمليتها عليه، ثم كتبه بخطه، ثم صلى بنا الظهر والعصر، وإنها لفي كفه ما يضعها.
ومن طريق يعقوب: أخرجه البيهقي في "الآداب " (132/199) ، و"الشعب " (6/134ـ135) ، وابن عساكر (10/6ـ7) .
ثم أخرجه البيهقي في "الشعب " أيضاً، وفى "السنن الكبرى" (10/194-195) ، وكذا البخاري في "التاريخ " (4/ 1/ 181) ، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق " (19/87) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/29ـ30) ، وخلف- وكيع في "القضاة" (1/318ـ319) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/125) ، كلهم من
_________
(1) الأصل: "العقل "، وهو هنا بمعنى الفقه، والمثبت من "مكارم ابن أبي الدنيا". وعند الآخرين: "والعمل "، ولعله أنسب. وانظر"صحيح الترغيب ".(7/1139)
طرق عن محمد بن أبي السري به. وقال الهيثمي في "المجمع " (8/26ـ27) : "رواه الطبراني، وفيه عبد الحميد بن سوار، وهو ضعيف ".
وأشار المنذري في "الترغيب " (3/ 354) إلى تضعيفه، وقال:
"رواه الطبراني باختصار، وأبو الشيخ في "الثواب "؛ واللفظ له ".
قلت: ومثله رواية الفسوي هذه.
وقد اقتصر الهيثمي على إعلاله بـ (عبد الحميد) ، وهو قصور؛ فإن الراوي عنه بكر بن بشر العسقلاني- ويقال فيه: الترمذي-؛ قال ابن أبي حاتم (1/1/ 382) وقد ذكره بهذه الرواية:
"سمعت أبي يقول: هو مجهول ".
وكذا قال في "الميزان ".
وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (8/148) برواية ابن أبي السري أيضاً
دون غيره!
ومحمد بن أبي السري فيه كلام من قبل حفظه، قال الحافظ:
"صدوق عارف، له أوهام كثيرة".
وبالجملة؛ فالإسناد ضعيف لا تقوم به حجة.
لكني وجدت له طريقاً أخرى يصح بها الحديث، وهو من النفائس والحمد لله، فقال الدارمي رحمه الله في "سننه " (1/129- 130) ؛ أخبرنا الحسين بن منصور: ثنا أبو أسامة: ثنا أبو غفار المثنى بن سعيد الطائي: حدثني عون بن(7/1140)
عبد الله قال: قلت لعمر بن عبد العزيز: حدثني فلان- رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعرفه عمر؛ قلت: حدثني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث بتمامه، وفيه: " والفقه ".
قلت: هذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير المثنى هذا، وثقه جمع منهم ابن حبان (7/503) ، وسقط ذكره في "التهذيبين ". وقال أبو حاتم: "صالح الحديث ". وقال الحافظ في "التقريب ":
"ليس به بأس ".
ثم روى الدارمي بإسناده المذكور عن أبي أسامة: حدثني سليمان بن المغيرة قال: قال أبو قلابة:
خرج علينا عمر بن عبد العزيز لصلاة الظهر ومعه قرطاس، ثم خرج علينا لصلاة العصر وهو معه، فقلت له: يا أمير المؤمنين! ما هذا الكتاب؟ قال: حديث حدثني به عون بن عبد الله؛ فأعجبني؛ فكتبته؛ فإذا فيه هذا الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
(تنبيه) : ذكر الحافظ في ترجمة (بكر بن بشر الترمذي) المذكور في الطريق الأولى عن أبي حاتم أنه انقلب، وأن الصواب:
"بشربن بكر".
فلينظر أين ذكر هذا أبو حاتم؟ ! فقد ذكره ابنه كما وقع في الإسناد، ونقل عن أبيه أنه: "مجهول " كما تقدم. وكذلك وقع عنده في ترجمة شيخه (عبد الحميد ابن سوار) . والله أعلم.(7/1141)
ورواه عبد الرزاق (11/142/21047) من طريق قرة عن عون بن عبد الله موقوفاً. ورواه أبو نعيم في "الحلية" (4/248) من طريق يزيد بن هارون عن المسعودي عن عون.... فذكره- أيضاً- موقوفاً. ********
3382- (إن أولى الناس بالله؛ من بدأهم بالسّلام) .
هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وله عنه طرق:
الأولى: عن أبي خالد وهب عن أبي سفيان الحمصي عن أبي أمامة قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
أخرجه أبو داود (97 1 5) ، ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان " (6/433/8787) .
قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أبي خالد وهب
- وهو ابن خالد الحمصي-، وهو ثقة بلا خلاف.
وشيخه أبو سفيان الحمصي؛ اسمه محمد بن زياد الألهاني.
وله عنه طريق آخر مختصر؛ فقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/435/5788) : إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة قال: أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نفشي السلام.
ومن طريق ابن أبي شيبة: أخرجه ابن ماجه (3693) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/131/ 7525) ، ورواه من طريقين آخرين عن إسماعيل بن عياش به.
وهذا إسناد شامي صحيح.(7/1142)
وتابعه بقية بن الوليد: حدثني محمد بن زياد به.
أخرجه الطبراني أيضاً (7524) ، وهو صحيح أيضاً
الثانية: عن أبي فروة الرّهاوي يزيد بن سنان عن سُليم بن عامر عن أبي أمامة قال:
قيل: يا رسول الله! الرجلان يلتقيان؛ أيهما يبدأ بالسلام؟ فقال:
"أولاهما بالسلام ".
أخرجه الترمذي (2694) ، وقال:
"هذا حديث حسن ".
قلت: أي: حسن لغيره؛ لأن أبا فروة هذا متفق على ضعفه. ولذلك قال
الحافظ: "ضعيف"
الثالثة: عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة
مرفوعاً بلفظ:
"من بدأ بالسلام؛ فهو أولى بالله عز وجل ورسوله ".
أخرجه أحمد (5/ 254 و 261/264 و 269) ، والطبراني في "المعجم " (8/237/7814 و 7815)
وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف علي بن يزيد- وهو الألهاني-.
ونحوه- أو خير منه- عبيد الله بن زحر، وقد توبع، فقال بقية بن الوليد: عن(7/1143)
إسحاق بن مالك عن يحيى بن الحارث عن القاسم به.
أخرجه الطبراني (8/ 210/7743) .
قلت: بقية مدلس.
وإسحاق بن مالك- وهو الحضرمي- ضعفه الأزدي، وقال ابن القطان:
"لا يعرف ".
وذكر له الأزدي هذا الحديث بلفظ:
"البادي بالسلام أولى بالله ورسوله ".
(تنبيه) من أوهام الحافظ أنه عزا في "الفتح " (11/16) حديث الترجمة للترمذي! وقد عرفت أن لفظه مخالف للفظه، وأقر تحسينه دون أن يبين وجهه!
ومن تخاليط المعلقين الثلاثة على "الترغيب " قولهم (3/416/3989) :
"حسن بشواهده، رواه أبو داود.. والترمذي.. وابن حبان (911) "!
فجهلوا صحة إسناد أبي داود، وحسنوه بشواهده دون أن يبينوها، أو أن يشيروا على الأقل إلى شيء منها كما هي عادتهم.
ثم كذبوا في عزوهم إياه لابن حبان! فإن الرقم الذي قرنوه به إنما هو عنده لحديث ابن مسعود:
"إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة"!
فالتبس عليهم هذا بحديث الترجمة، والسبب أنهم يستعينون بل يتكئون في التخريج والعزو على الفهارس، ولا يرجعون إلى الأصول، ولو رجعوا إليها؛ لم(7/1144)
يستطيعوا الاستفادة منها لجهلهم بهذا العلم، إنما هم مقلدة نقلة. وهذا هو الدليل بين يديك، فإسناد أبي داود صحيح كالشمس وضوحاً، ومع ذلك جهلوه، ولما توهموا أنه في "صحيح ابن حبان "؛ توسطوا في الحكم عليه، فلا هم صححوه، ولا هم ضعفوه، فقالوا: "حسن بشواهده "!! أنصاف حلول. وهذا هو الغالب عليهم: التحسين هذا أو التحسين مطلقاً في كثير مما هو صحيح، وكثير مما هو ضعيف عند التحقيق؛ ستراً لجهلهم! والله المستعان. *******
3383- (ما رأيت الذي هو أبخل منك؛ إلا الذي يبخل بالسلام) .
أخرجه أحمد في "مسنده " (3/328) : ثنا أبو عامر العَقَديُّ: ثنا زهير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر:
أدن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لفلان في حائطي عِذقاً، وانه قد آذاني وشق علي مكان عذقه، فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - " فقال:
"بعني عذقك الذي في حائط فلان ".
قال: لا. قال:
"فهبه لي ". قال:
قال: لا. قال:
"فبعنيه بعذق في الجنة".
قال: لا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره.
وهكذا أخرجه البزار (2/417/2000) عن شيخين له ثقتين قالا: ثنا أبو عامر به. وقال:(7/1145)
"لا نعلم يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد".
قلت: فقوله المنذري في " الترغيب " (3/ 269) :
"رواه أحمد والبزار، وإسناد أحمد لا بأس به "!
ففيه نظر من جهة تفريقه بين رواية أحمد والبزار، وكلاهما روياه من طريق زهير- وهو ابن محمد التميمي الخراساني-، تكلموا في رواية الشاميين عنه، وهذه ليست منها؛ فإن أبا عامر العقدي بصري ثقة، واسمه عبد الملك بن عمرو. قال الحافظ- في زهير-:
"رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهيراً الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه، فكثرغلطه ".
وقال الذهبي في " الكاشف ":
"ثقة يغرب، ويأتي بما ينكر".
قلت: قد صرح غير واحد من الحفاظ بأن ما أنكر عليه هو من رواية الشاميين، فقال أحمد فيهم:
"يروون عنه أحاديث مناكير.. أما رواية أصحا بنا- يعني: العراقيين- عنه فمستقيمة " عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر أحاديث مستقيمة صحاح ".
وقا ل البخا ري:
"ما روى عنه أهل الشام؛ فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة؛ فإنه صحيح ". إذا عرفت هذا؛ فالصواب قوله الهيثمي في "المجمع " (8/32) :(7/1146)
"رواه أحمد والبزار، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ".
وقد توبع أبو عامر العقدي، فقال عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (3/22/1035) : حدثني موسى بن مسعود: حدثنا زهير بن محمد به.
وموسى بن مسعود: هو أبو حذيفة البصري أيضاً، أخرج له البخاري في
المتابعات، كما في "التقريب ".
ومن طريقه أخرجه الحاكم في "المستدرك " (2/ 20) شاهداً.
وتابعه يحيى بن أبي بكير: ثنا زهير بن محمد به.
أخرجه البيهقي في "السنن " (6/157- 158) .
ويحيى هذا: هو الكرماني، كوفي الأصل، ثقة أيضاً من رجال الشيخين. *******
3384- (خصال ست؛ ما من مُسلم يموتُ في واحدة منْهن؛ إلا كانت ضامناً على الله أن يدْخِلََه الجنّة:
1- رجل خرج مجاهداً، فإن مات في وجْهه؛ كان ضامناً على الله.
2- ورجل تبع جنازة، فإن مات في وجهه؛ كان ضامناً على الله.
3- ورجل عاد مريضاً، فإن مات في وجهه؛ كان ضامناً على الله.
4- ورجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لصلاته،
فإن مات في وجهه؛ كان ضامناً على الله.
5- ورجل أتى إماماً، لا يأتيه إلا ليعزِّره ويوقره، فإن مات في وجهه ذلك؛ كان ضامناً على الله.(7/1147)
6- ورجل في بيته، لا يغتاب مسلماً، ولا يجرُّ إليهم سخطاً ولا نقمة، فإن مات؛ كان ضامناً على الله) .
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (4/491 /3834) من طريق الحكم
ابن بشير بن سلمان عن عمرو بن قيس المُلائي عن عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة مرفوعاً. وقال:
"لم يروه عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (كذا) إلا عمرو بن قيس، تفرد به الحكم بن بشيربن سلمان ".
قلت: الحكم هذا صدوق.
وشيخه عمرو بن قيس الملائي ثقة متقن من رجال مسلم.
وشيخه عيسى بن عبد الرحمن: هو ابن فروة- ويقال: ابن سبرة- الأنصاري، ضعيف جداً، قال البخاري:
"منكر الحديث".
وقال النسائي:
"متروك الحديث ".
وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/120) :
"كان ممن يروي المناكير عن المشاهير، روى عن الزهري ما ليس من حديثه من
غير أن يدلس عنه، فاستحق الترك ".
قلت: وهو الذي ذكروا في ترجمته أنه روى عن الزهري، وعنه عمرو بن قيس الملائي. فما جاء في تعقيب الطبراني أنه (ابن أبي ليلى) ! وهم ظاهر، لعله(7/1148)
من الناسخ، ويؤيده قول الهيثمي في "مجمع الزوئد" (7/278) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي (كذا) فروة، وهو متروك ".
كذا وقع فيه بزيادة؛ (أبي) ، فلعلها من النساخ أيضاً.
ثم وجدت للحديث شواهد تدل على صحته، وتوجب علينا ضمه إلى "الصحيحة"، فقال الإمام أحمد (5/241) : ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عُلَيِّ بن رَبَاح عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن معاذ قال؛
عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في:
"خمس من فعل منهن كان ضامناً على الله ... " فذكر الخصال المتقدمة إلا الرابعة، وقد جاءت في طريق أخرى سأذكرها قريباً إن شاء الله تعالى.
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه لم يخرج لابن لهيعة إلا مقروناً؛ لما هو معروف من سوء حفظه، بيد أن هذا مأمون هنا؛ لأن رواية قتيبة بن سعيد عنه صحيحة، كما تقدم بيانه مراراً. وقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/37-38) من طرق أخرى عن ابن لهيعة به.
وتابعه عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو بلفظ:
"من جاهد في سبيل الله؛ كان ضامناً على الله...... " الحديث فذكر بقية الخصال إلا الثانية: خصلة الجنازة.
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1495) ، ومن طريقه ابن حبان (1595) ، والبيهقي في"السنن" (9/166- 67 1) ، والطبراني أيضاً (20/37/54) ، والحاكم(7/1149)
(2/90) ببعض فقراته؛ كلهم عن الليث بن سعد عن الحارث بن يعقوب عن قيس بن رافع القيسي عنه. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير قيس بن رافع القيسي، وهو تابعي ثقة روى عنه من الثقات سبعة، وذكره ابن حبان في "الثقات " (5/315) ، ووثقه الحاكم أيضاً في جملة من المصريين (1/212) .
ولجملة المسجد- الرابعة- شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:
"ثلاثة كلهم ضامن على الله.. " الحديث وفيه:
"ومن خرج إلى المسجد؛ فهو ضامن على الله ... " الحديث.
أخرجه أبو داود وغيره، وصححه ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2253) وغيره.
(تنبيه) : إن من عجائب السقط وقلة الانتباه والتحقيق: أن حديث الترجمة
رغم كونه مصدراً بلفظ: "خصال ست "، فلم تقع هذه الخصال ستاً في طبعة حسام الدين المقدسي لـ "مجمع الزوائد"! فليس فيه الفقرة (3) و (5) ! ويبدو أن السقط قديم من الهيثمي نفسه أو بعض نساخ كتابه؛ فإنه وقع كذلك في "الجامع الصغير" للسيوطي، وهذا مما يدل على أنه كثير النقل منه والاعتماد عليه، وأنه لا ينقل من الأصول مباشرة، ولذلك تتشابه أخطاؤه مع أخطاء غيره، وكذلك وقع في "كنز العمال " (5/894/43536) . ثم جرى عليه المناوي في شرحيه لـ "الجامع الصغير": "الفيض " و"التيسير"، فشرحه دون أن ينتبه لمخالفة المعدود للعدد! بل وأورده كذلك في كتابه الذي أسماه "الجامع الأزهر" (1/255/1) ، مقروناً بما يدل(7/1150)
على أنه نقله من "المجمع "؛ لأنه نقله بالخطأ الذي فيه: (.. أبي فروة) !
ولذا؛ فقد كان من الطبيعي جدّاً أن يقع النقص المذكور في كتابي "ضعيف الجامع " (2828) ؛ لأنه لم يكن همي فيه- أعني "الجامع "- إلا فرز "الصحيح " عن "الضعيف "، وطبع كل منهما على حدة. ولذلك فلست مسؤولاً عما قد يقع فيهما من خطأ في المتن أو العزو تبعاً لأصلهما، كما هو ظاهر. وكذلك الشأن في كل ما ألفته أو أؤلفه على هذا النمط من الفرز. ومع ذلك فقد تفضل الله علي كثيراً، فنبهت على كثير من الأوهام التي وقعت فيهما أو في غيرهما تبعاً للأصل، كما يعلم ذلك العارفون المطلعون على كتبي.
هذا؛ وبعد أن تبين في هذا التخريج والتحقيق أن الحديث صحيح بطريقه وشاهده " فقد وجب نقله من "ضعيف الجامع " إلى "صحيح الجامع " مع استدراك الفقرتين إليهما، فمن كان يملكها فليصحح، وجزاه الله خيراً.
ولقد كان ينبغي أن يكون هذا التحقيق والتنبيه قبل هذا بزمن بعيد، ولكن الأمر كله بيد الله، (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) . (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) . *******
3385- (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر! فهو كقتله، ولعْنُ المؤمنِ كقتله) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكببر" (18/193- 194) : حدثنا عبدان بن أحمد: ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان: ثنا بشر بن مبشر الواسطي: ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلّب عن عمران ابن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، عبدان بن أحمد ثقة حافظ مشهور، ومن فوقه ثقات(7/1151)
معروفون من رجال "التهذيب "، غير بشر بن مبشر الواسطي، وثقه ابن حبان (8/138) ، وروى عنه جمع من الثقات، كما في "تيسير الانتفاع "؛ فمثله جيد الحديث إن شاء الله تعالى. ولا سيما وقد توبع.
فأخرجه البزار مفرقاً (2/ 431-432 /2034- 2035) من طريق إسحاق بن إدريس: ثنا حماد بن سلمة به.
لكن إسحاق هذا- وهو الأسواري- متروك، وقد اضطرب قول الهيثمي فيه
في الباب الواحد من "مجمعه "، فقال في الشطر الثاني منه (8/73) "لعن المؤمن كقتله "-:
"رواه البزار، وفيه إسحاق بن إدريس، وهو متروك ".
وقال في الشطر الأول آخر الباب:
"رواه البزار، ورجاله ثقات "!
وهو في هذا متابع للمنذري في "الترغيب " (3/285) !
وذلك من أوهامهما التي تقلدها المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (3/458/4091) !
وسببه أنه وقع (إسحاق) غير منسوب، فوثقاه ظنّاً منهما أنه من الثقات، وهو هو؛ لأنه بإسناد واحد عند البزار من شيخه إلى منتهاه، غاية ما في الأمر أنه نسب إلى أبيه (إدريس) في شطر، ولم ينسب في الشطر الآخر!
ثم إن حماد بن سلمة قد خولف في إسناده، فرواه البخاري (6105) عن وهيب، ومسلم (1/73) عن شعبة وغيره؛ كلهم عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت ابن الضحاك الأنصاري مرفوعاً به في حديث مخرج في "الإرواء" (8/ 201) ، فجعلوا صحابي الحديث (ثابت بن الضحاك) ، وأسقطوا بينه وبين أبي قلابة (أبا المهلب) ،(7/1152)
وصرح بالتحديث عن ثابت في رواية، فإن كان حماد بن سلمة حفظ إسناده، فيكون لأيوب إسنادان؛ وإلا فلا ضير؛ لأنه انتقال من صحابي إلى آخر، وكلهم عدول. وإذا عرفت هذا؛ فمن الغرائب قول البزار عقب حديث عمران:
"لا نعلمه يروى إلا عن عمران، وثابت بن الضحاك؛ وحديث عمران أحسن إسنادآ (كذا) ، وعمران أجل، ولا نعلم روى هذا إلا حماد"!
قلت: حماد إمام وله أوهام عن غير ثابت البناني، ومع ذلك كيف يقف أمام الجماعة الذين خالفوه في إسناده؟ ! فالحق أن روايتهم أرجح، وروايته حسبها أن تكون محفوظة، أما أنها أحسن؛ فلا! *******
3386- (لا يزالُ النّاس بخير؛ ما لم يتحاسدوا) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/369/8157) : حدثنا الحسن بن جرير الصُّوريُّ: ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي: ثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي بحرية عن ضمرة بن ثعلبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "، وفي بعضهم خلاف لا يضر؛ غير شيخ الطبراني الحسن بن جرير الصوري، وهو من شيوخه المشهورين، ترجم له الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (4/419) بروايته عن جمع من الثقات، وعنه نحو عشرين من الشيوخ بعضهم من الحفاظ، ووصفه الحافظ الذهبي في"سير أعلام النبلاء" (13/442) بـ: "الإمام المحدث ".
على أنه قد توبع، فقال أبو الشيخ ابن حيان في "التوبيخ " (108/78) : حدثنا
أبو الجارود: ثنا أبو سيار: ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش: ثنا أبي به.(7/1153)
ومحمد بن إسماعيل تكلموا فيه، ولا يضر ذلك هنا؛ لأنه متابع.
وأبو سيار هذا؛ الظاهر أنه الذي في "كنى أبي أحمد الحاكم " (1/) :
"أبو سيار العلاء بن محمد بن سيار، يروي عن أبي المثنى محمد بن عمرو
ابن علقمة الليثي، حدث عنه إسحاق بن إبراهيم الصواب (1) البصري، حديثه في البصريين ".
(تنبيه) : تكلم الأخ حسن أبو الأشبال على بعض رجال "التوبيخ" مصرحاً بضعف إسناده، ثم أتبعه بذكر ما قاله مراجع كتابه الشيخ (محمد عمرو بن عبد اللطيف) ، فقال:
" [لكن أخشى أن لا يكون (شريح بن عبيد) قد سمعه من (أبي بحرية) ؛ فإنه كثير الإرسال، وقال ابن أبي حاتم في " المراسيل " (ص 90) : "شريح بن عبيد الحمصي، لم يدرك أبا أمامة، ولا الحارث بن الحارث، ولا المقدام ". قلت: وتوفي أبو أمامة سنة (86) ، وتوفي أبو بحرية سنة (77) ، أي: قبلهما بسنين. فأخشى أن لا يكون أدركه أيضاً. (م) ] "!!
فأقول: هذه الخشية غير واردة هنا في نقدي؛ لأن الإدراك الذي نفاه أبو حاتم لا يعني أنه لم يدركهم ولم يعاصرهم، وسنة وفاتهم المتقاربة تؤكد ذلك، وإنما يعني أنه لم يسمع منهم، وعليه فليس يعني أنه لم يسمع من كل من عاصرهم، فهذا هو الإمام البخاري يصرح أنه سمع من معاوية، وقد توفي سنة (60) ، فإمكان سماعه من أبي بحرية ظاهر جداً وأولى. فإذا لم يكن لدينا نص من حافظ
_________
(1) كذا أصل الشيخ، ولعله سبق قلم. والصواب: "الصَّوَّاف "؛ كما في "تهذيب المزي " ترجمة إسحاق هذا (برقم: 325) .
******(7/1154)
نقاد بأنه لم يسمع منه؛ فيكفينا في هذه الحالة ثبوت المعاصرة وإمكان اللقاء " كما هو المختار عند جماهير العلماء بشرط السلامة من التدليس، ولم يُرْمَ (شريح) بشيء من التدليس فيما علمت، ولا تلازم بينه وبين الإرسال عند أهل العلم، فكم من راو ثقة وصف بالإرسال، ومع ذلك فحديثه صحيح عند الشيخين فضلاً عن غيرهم، ولو كانت روايته معنعنة! هذا أمر لا يخفى إن شاء الله على من مارس هذا العلم وعرفه حق المعرفة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحديث؛ قال المنذري مشيراً إلى تقويته (4/12/4) :
"رواه الطبراني، ورواته ثقات ".
وكذا قال الهيثمي في "المجمع " (8/78) . ********
3387- (من أتى كاهناً، فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد) .
أخرجه البزار في "مسنده " (3/ 400/3045) : حدثنا عقبة بن سنان: ثنا غسان بن مضر: ثنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. وقال:
"لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه، ولم نسمع أحداً يحدث به عن غسان إلا عقبة".
قلت: قال الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/647/1171) :
"قال الشيخ- يعني: الهيثمي-: وهو ثقة".
قلت: وهذا هو الصواب، خلافاً لقول الهيثمي الآخر في "مجمع الزوائد" (5/117) :(7/1155)
"رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح؛ خلا عقبة بن سنان، وهو ضعيف ".
وقد كنت شككت في هذا التضعيف في "غاية المرام " (174/285) ؛ لأسباب كنت ذكرتها هناك، فمن شاء راجعها، وخلاصتها أنه لا وجه لهذا التضعيف؛ لأنه ليس فيمن يسمى بـ (عقبة بن سنان) مضعف؛ فإنهم ثلاثة، أحدهم: مجهول الحال، وهو أعلى من هذا طبقة، والآخران: ثقتان، أحدهما: (عقبة بن سنان بن عقبة الهدادي البصري) روى عن غسان بن مضر؛ فهو هذا، وقد قال فيه أبو حاتم: " صد وق ".
وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين؛ غير غسان بن مضر؛ وهو ثقة من شيوخ النسائي. وقد وهم الهيثمي في عدم استثنائه إياه مع عقبة بن سنان، في قوله المتقدم. فالإسناد جيد؛ كما قال المنذري في "الترغيب " (4/52/7) ، وتبعه الحافظ في "الفتح " (10/217) .
وللحديث شواهد كثيرة يزداد بها قوة، خرجت بعضها في "إرواء الغليل " (7/68ـ 70) ، و"غاية المرام " (72 1-173/284) ، و"آداب الزفاف " (105ـ107) .
(فائدة) : قال ابن الأثير في "النهاية":
"الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن وزئيّآ يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله، أو من فعله، أو حاله، وهذا يخصّونه بالعراف، كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق، ومكان الضالة ونحوهما. والحديث الذي فيه: "من أتى كاهنا ... " قد يشتمل على إتيان(7/1156)
الكاهن، والعراف، والمنجم ".
قلت: فإذا عرفت هذا؛ فمن (الكهانة) ما كان يعرف ب (التنويم المغناطيسي) ،
ثم بـ (استحضار الأرواح) ، وما عليه اليوم كثير من الناس- وفيهم بعض المسلمين الطيبين- ممن اتخذوا ذلك مهنة يعتاشون منها، ألا وهو القراءة على الممسوس من الجني، ومكالمتهم إياه، وأنه يحدثهم عن سبب تلبسه بالإنسي؛ حبّاً به أو بغضاً! وقد يزعمون أنهم يسألونه عن دينه، فإذا أخبرهم بأنه مسلم؛ صدقوه في كل ما ينبئهم به! وذلك منتهى الغفلة والضلال؛ أن يصدقه وهو لا يعرفه ولا يراه، فكن حذراً منهم أيها الأخ المسلم! ولا تأتهم ولا تصدقهم " وإلا صدق فيك هذا الحديث الصحيح وما في معناه. *************
3388- (قالت قريش للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ادع لنا ربّك أن يجْعل لنا الصّفا ذهباً ونؤمن بك! قال:
وتفعلون؟ .
قالوا: نعم.
فدعا، فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السّلام ويقول:
إن شِئت أصبح لهم (الصّفا) ذهباً، فمن كفر بعد ذلك منهم؛ عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة. قال:
بل باب التوبة والرحمة) .
أخرجه الحاكم (1/53و4/240) ، والبيهقي في "الدلائل " (2/272) ،(7/1157)
وأحمد (1/242 و345) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/152/12736) من طرق منها: وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران بن الحكم (وفي رواية: أبي الحكم) السلمي عن ابن عباس قال: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح محفوظ من حديث الثوري عن سلمة بن كهيل ".
وهو كما قال، ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عمران أبي الحكم السلمي
- وهو الصواب من الروايتين-؛ فهو من رجال مسلم، وكأن الحاكم ذهل عن ذلك؛ فإنه في الموضع الثاني اقتصر على قوله:
"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
والصواب أنه صحيح على شرط مسلم. وقد أشار إلى هذا المنذري بقوله في "الترغيب " (4/ 75/ 12) :
"رواه الطبراني، ورواته رواة (الصحيح) ".
وكذا قال الهيثمي في "المجمع " (10/196) .
وقد غفلا عن عزوه لأحمد- فضلاً عن الحاكم-، وهذا على شرط المنذري دون الهيثمي كما لا يخفى على العارفين بكتابيهما ومنهجيهما فيهما.
والحديث أخرجه البزار في "مسنده " (3/55/2224- كشف الأستار) قال: حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي: ثنا وكيع: ثنا سفيان ... بإسناده المتقدم؛ لكن بلفظ:
سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن يحوّل الجبال عنهم حتى يزدرعوا، فقيل: إن شئت أن نؤتيهم الذي سألوه؛ فإن كفروا أهلكوا كما هلك(7/1158)
من كان قبلهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة) !.
قلت: وفي هذا السياق ما يخالف سياق حديث وكيع ومن معه زيادة ونقصاً، وهو من أخطاء (محمد بن يزيد الرفاعي) ؛ فإنه قد ضعفه جمع مع أنه من شيوخ مسلم، لكن الذين سبروا أحاديثه وتتبعوها؛ نسبوه إلى الخطأ والمخالفة، وإلى سرقة حديث غيره، انظر " التهذيب ".
وهذا الحديث مما يؤكد ذلك؛ فإن حديث وكيع يختلف عن هذا زيادة ونقصاً كما رأيت، فهو إما أن يكون مما سرقه الرفاعي وألصقه بوكيع، وإما أن يكون وهم عليه فيه، وخالف أحمد وغيره في روايته عنه باللفظ المذكور أعلاه.
وأصل حديث الرفاعي؛ إنما يعرف من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي الجبال عنهم فيزدرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوه؛ فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من كان قبلهم، [وإن شئت أن أستأني بهم؛ لعلنا نستحيي منهم] ، قال:
"لا، بل أستأني بهم ".
فأنزل هذه الآية ... " فذكرها.
أخرجها النسائي في "السنن الكبرى" (6/ 380/11290) ، والحاكم (2/362) وابن جرير في "التفسير" (15/ 74) ، والبيهقي أيضاً، وأحمد (1/258) - والسياق له، والزيادة للحاكم وغيره-، والبزار أيضاً (2225) ، والضياء المقدسي في "المختارة" (10/78- 79- ط) . وقال الحاكم:(7/1159)
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي! وقال البزار:
"لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -من وجه صحيح إلا من هذا الوجه ".
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ فهو على شرطهما.
(تنبيه) : لقد ساق الهيثمي في تفسير سورة الإسراء من "المجمع " (7/50)
هذه الرواية أولاً، ثم أتبعها بقوله:
"وفي رواية: فدعا فأتاه جبريل ... " فذكرها، وهي رواية عمران المتقدمة،
ثم قال:
"ورجال الروايتين رجال "الصحيح "، إلا أنه وقع في أحد طرقه: عمران بن الحكم، وهو وهم، وفي بعضها: عمران أبو الحكم- وهو ابن الحارث-، وهو الصحيح، ورواه البزار"!
والمقصود أنه لم يذكر من أخرج الروايتين، فالظاهر أنه كان في الأصل: "رواه أحمد"؛ لأنه هو الذي أخرج الروايتين كما تقدم، فسقط ذلك من الناسخ أو الطابع. والله أعلم. *******
3389- (مَن أحسن فيما بقِيَ؛ غُفرَ له ما مضَى، ومن أَساءَ فيما بقيَ؛ أُخِذَ بما مضَى وما بقيَ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (7/413/6802) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (18/377) من طريقين عن سليمان بن عبد الرحمن قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن الوَضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد عن أبي ذر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الطبراني:(7/1160)
"لم يروه عن الوضين بن عطاء إلا يحيى بن حمزة ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وسائر الرجال ثقات، وفي الوضين، وسليمان بن عبد الرحمن- وهو ابن بنت شرحبيل- كلام من جهة حفظهما , لا ينزل به حديثهما عن درجة الحسن. ولذلك قال المنذري في "الترغيب " (4/79) - وتبعه الهيثمي (10/202) -:
"رواه الطبراني بإسناد حسن ".
ورواه الأصبهاني في "الترغيب " (1/94/151) مقطوعاً من قول الفضيل بن عياض، وفيه:
ثم بكى الفضيل، فقال: أسال الله أن يجعلنا وإياكم ممن يحسن فيما بقي.
وقد خفي رفعه على بعض المتأخرين، فقد أورده الشيخ العجلوني في "كشف الخفاء "، وقال (2/225) :
"قال النجم: لم أجده في الحديث المرفوع، وإنما أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " عن الفضيل بن عياض من قوله. وفي معناه ما أخرجه الشيخان وابن ماجه عن ابن مسعود ... "، ثم ذكر الحديث الآتي بعد هذا!
وروى الدارمي في أول "سننه " (1/3- 4) من طريق أخرى عن الوَضين:
أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان، فكنا نقتل الأولاد، وكانت عندي ابنة لي، فلما أجابت، وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها، فدعوتها يوماً، فاتبعتني، فمررت حتى أتيت بئراً من أهلي غير بعيد، فأخذت بيدها؛ فرديت بها في البئر، وكان آخر عهدي بها أن تقول:(7/1161)
يا أبتاه! يا أبتاه! فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -حتى وَكَفَ دمع عينيه، فقال له رجل من جلساء رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أحزنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقال له:
"كف؛ فإنه يسأل عما أهمه ".
ثم قال له: "أعد عليَّ حديثك "، فأعاده، فبكى حتى وَكَفَ الدمع من عينيه
على لحيته، ثم قال له:
"إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا، فاستأنف العمل ".
ويشهد له حديث ابن مسعود الآتي: *******
3390- (مَن أحسنَ في الإِسلام، لم يُؤاخَذ بما عمِلَ في الجاهليّةِ، ومن أساءَ في الإِسلام؛ أُخِذَ بالأوّل والآخرِ) .
أخرجه البخاري (6921) ، ومسلم (1/77- 78) ، وأبو عوانة (1/71) والدارمي (1/3) ، وابن ماجه (4242) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/211) ، والبيهقي في " السنن " (9/123) ، و" الشعب " (1/57/23) ، وعبد الرزاق في "المصنف" (10/454/19686) ، وأحمد (1/409و431) من طريق منصور والأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
قال رجل: يا رسول الله! أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: ... فذكره. *******
3391- (نَعَم، تفعلُ الخيرات، وتتركُ السيئات، فيجعلُهنَّ اللهُ لكَ خيراتٍ كلَّهنَّ) .
أخرجه البزار في "مسنده " (4/79-80/3244- كشف الأستار) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (5/188-189/2718) ، ومن طريقه ابن الأثير في(7/1162)
" أسد الغابة " (2/372) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/375-376/7235) ، ومن طريقه أبو نعيم في ("معرفة الصحابة"/ شَطْب) من طريقين عن أبي المغيرة: ثنا صفوان بن عمرو: ثنا عبد الرحمن بن جُبَير عن أبي طويل شَطب الممدود:
أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها؛ فلم يترك منها شيئاً، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجَةً إلا أتاها، فهل له من توبة؟ قال: " فهل أسلمت؟ ".
قال: أما أنا؛ فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، قال: ... فذ كره.
قال: وغدراتي، وفجراتي؟ قال؛
"نعم ".
قال: الله أكبر! فما زال يكبر حتى توارى.
وأخرجه ابن عبد البر في "الاستيعاب " من طريق أبي علي سعيد بن عثمان بن سكن عن محمد بن هارون أبي نشيط- أحد الطريقين عن أبي المغيرة-. ثم قال: "قال أبو علي: لم أجد لشطب الممدود أبي طويل غير هذا الحديث ".
قلت: وأما الحافظ؛ فنقل في "الإصابة" عن ابن السكن أنه قال:
"لم يروه غير أبي نشيط " يعني: عن أبي المغيرة عن صفوان بن عمرو! فتعقبه الحافظ بقوله:
"قلت: وهو حصر مردود، فقد أخرجه الطبراني من غير طريقه، وقال ابن منده: "غريب، تفرد به أبو المغيرة". قلت: هو على شرط "الصحيح "، وقد وجدت(7/1163)
له طريقاً أخرى قال ابن أبي الدنيا في كتاب "حسن الظن " (1) : حدثنا عبيد الله بن جرير: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا نوح بن قيس عن أشعث بن جابر عن مكحول عن عمرو بن عَبَسَةَ قال:
إن شيخاً كبيراً أتى النبي فيما، وهو يدَّعم على عصا، فقال: يا نبي الله! إن
لي غدرات وفجرات، فهل تُغفر لي؟ ... الحديث. وهذا ليس فيه [غير] انقطاع بين مكحول وعمرو بن عبسة".
قلت: ولي هنا ملاحظات:
الأولى: لعل الأولى أن يقال: وقد وجدت له شاهداً؛ لأنه أوضح للمراد كما هو ظاهر.
الثانية: أنه قد أبعد النُّجعة في عزوه لابن أبي الدنيا، فأوهم أنه لم يروه من
هو أعلى طبقة وأشهر! وليس كذلك، فقد أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (4/385) : ثنا سُرَيجُ بن النعمان: ثنا نوح بن قيس به.
الثالثة: أنه ليس فيه حديث الترجمة؛ خلافاً لما يوهمه قوله: ".. الحديث "!
الرابعة: قوله: "ليس فيه غير انقطاع ... " يشعر أن رجاله ثقات، وأنه لولا الانقطاع كان صحيح الإسناد، فهذا يخالف قول شيخه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/32) :
"رواه أحمد والطبراني، ورجاله موثقون؛ إلا أنه من رواية مكحول عن عمرو ابن عبسة، فلا أدري أسمع منه أم لا؟ ".
_________
(1) (ص118/144) . ******(7/1164)
قلت: هو معروف بالتدليس والإرسال، فما لم يصرح بالتحديث فهو منقطع،
ولا سيما أن عمرو بن عبسة لم يذكر في جملة الصحابة الذين سمع منهم، على قلتهم.
ثم إن قوله: "ورجاله موثقون " فيه نظر، لأنه يشعر بأن في بعضهم كلاماً،
ولا شيء من ذلك، وبخاصة رجال إسناد أحمد؛ فإنهم ثقات كلهم، فعبارة الحافظ أدق وأصح.
وقال الهيثمي في حديث الترجمة:
"رواه الطبراني والبزار بنحوه، ورجال البزار رجال "الصحيح "، غير محمد بن هارون أبي نشيط، وهو ثقة".
وقال المنذري (4/80-81/41) :
"رواه البزار، والطبراني- واللفظ له-، وإسناده جيد قوي، و (شَطب) قد ذكره غير واحد في (الصحابة) ؛ إلا أن البغوي ذكر في "معجمه " أن الصواب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير مرسلاً: أن رجلاً أتى النبي- صلى الله عليه وسلم -طويلاً شطباً ...
و (الشطب) في اللغة: الممدود، فصحَّفه بعض الرواة، وظنه اسم رجل. والله أعلم "! قلت: هذا الإعلال مردود؛ لأنه مجرد دعوى، وتوهيم للثقة بدون بينة أو حجة. والذي نقله الحافظ عن البغوي أنه قال: "أظن أن الصواب ... " وهذا أقرب إلى ما ذكرته. والله أعلم. *
3392- (والله! للدُّنيا أهونُ على اللهِ من هذه السَّخلةِ على أهلِها،
فلا أُلفينَّها أهلكت أحداً منكم) .
أخرجه البزار في "مسنده " (4/268/3690- الكشف) : حدثنا محمد بن(7/1165)
عامر: ثنا الربيع: حدثني محمد بن مهاجر عن يونس بن حَلبَسَ عن أبي إدريس عن أبي الدرداء قال:
مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بِدِمنةِ قوم، فيها سخلة ميتة، فقال:
"ما لأهلها فيها حاجة؟ ". قالوا: يا رسول الله! لو كان لأهلها فيها حاجة ما
نبذوها، فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين؛ غير محمد
ابن عامر- وهو الأنطاكي-، روى عنه جماعة من الحفاظ منهم النسائي؛ وقال: "ثقة". وكذا قال الحافظ.
والحديث ذكره المنذري في "الترغيب " (4/101/39) من حديث أبي الدرداء، وقال:
"رواه البزار، والطبراني في "الكبير" من حديث ابن عمر بنحوه، ورواتهما
ثقات ".
وكذا قال الهيثمي (10/278) ؛ لكنه عزاه إلى "الأوسط " أيضاً، وهو عنده (3/433/2934) ، وفيه (سُقير) والد (بكار) ، ولم يوثقه غير ابن حبان (4/350) ، ولم يرو عنه غير ابنه، وليس فيه قوله: "فلا ألفينها.. " إلخ.
والأحاديث بدون هذه الزيادة كثيرة عن جمع من الصحابة، خرجت طائفة
منها في "الصحيحة" (2482) .
ثم استدركت فقلت: قال البزار عقب الحديث:
"قد روي هذا الحديث من وجوه، وأعلى من رواه أبو الدرداء، وإسناده صحيح شاميون، وفيه زيادة: "فلا ألفينها أهلكت أحداً منكم " ... ". *******(7/1166)
3393- (إنّ اللهَ ليبتَلي عبدَه بالسَّقمِ، حتّى يُكفِّر ذلكَ عنه كلَّ ذَنبٍ) .
أخرجه الحاكم (1/347- 348) من طريق عبد الرحمن بن سلمان الحَجَرِيِّ
عن عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال:
"صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وأقره المنذري في "الترغيب " (4/153/63) !
فأقول: عبد الرحمن بن سلمان الحجري لم يخرج له البخاري مطلقاً، بل قال
"فيه نظر".
ووثقه غيره، وضعفه بعضهم، وقال أبو حاتم:
"صالح الحديث ".
وفي " التقريب ":
"لا بأس به ".
فالإسناد حسن، وعلى شرط مسلم.
وخالفه يعقوب بن عبد الرحمن- وهو ثقة من رجال الشيخين- فقال: عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الرحمن بن الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.(7/1167)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/133/1548) ، و"الأوسط "
(9/340/8740) ، وقال:
"لا يروى عن جبير بن مطعم إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو ضعيف، عبد الرحمن هذا: هو ابن معاوية بن الحويرث؛ قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق، سيئ الحفظ ".
وقال الهيثمي (2/302) :
"رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط "، وفيه عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث، ضعفه ابن معين، ووثقه ابن حبان ".
ومن طريق يعقوب: أخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات " (107/227) ؛ لكنه لم يقل: عن أبيه.. فأرسله.
وتابعه عنده (113/248) عبد العزيز بن محمد عن عمرو به.
أخرجه من طريق إبراهيم بن حمزة عنه.
وإبراهيم هذا: هو الزبيري المدني، ثقة من شيوخ البخاري.
وخالفه سليمان بن داود االمِنقَرِيِّ فقال: عن الدراوردي: أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً به.
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (15/615) .
لكن سليمان هذا: هو الشاذكوني، متروك، رماه ابن معين بالكذب، وقال البخاري:
"فيه نظر".(7/1168)
وروي من حديث ابن عمر مرفوعاً بلفظ:
"إن الله ليبتلي عبده بالبلاء والهم والغم، حتى يتركه من ذنبه كالفضة المصفاة". أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/169- 170) من طريق أبي سمرة أحمد
ابن سالم بن خالد بن جابر بن سمرة ... بسنده عنه. وقال:
"أحمد بن سالم هذا كوفي ليس بالمعروف، وله أحاديث مناكير".
وللحديث طريق آخر بسند حسن عن أبي هريرة سبق تخريجه برقم (2280) . *******
3394- (يا أيُّها النّاسُ! إن هذه الأمَّةَ تُبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دُفنَ فتفرَّق عنه أصحابُه؛ جاءه ملكٌ في يدهِ مِطراقٍ فأقعدَه، قال: ما تقولُ في هذا الرجلِ؟ فإن كان مؤمناً؛ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولُ: صدقْتَ، ثم يُفتحُ له بابٌ إلى النار فيقول: هذا كان منزلَكَ لو كفرْتَ بربك؛ فأمّا إذ آمنتَ؛ فهذا منزلُكَ؛ فيُفتحُ له باب إلى الجنَّة، فيريدُ أن ينهض إليه، فيقول له: اسكنْ! ويُفسحُ له في قبره.
وإن كان كافراً أو منافقاً؛ يقول له: ما تقولُ في هذا الرَّجلِ؟ فيقول: لا أدْري، سمعتُ النّاس يقولون شَيئاً، فيقول: لا دريْتَ ولا تليْتَ ولا اهتديْتَ! ثم يُفتحُ له بابٌ إلى الجنّة، فيقول: هذا منزلُك لو آمنْتَ بربِّك، فأما إذ كفرتَ به، فإنّ الله عزّ وجلّ أبدَلك به هذا، ويُفتحُ له باب إلى النّارِ، ثم يقمعهُ قَمْعة بالمطراقِ، يسمعُها خَلْقُ اللهِ كلّهم غيرَ الثّقلينِ.(7/1169)
فقال بعضُ القومِ: يا رسولَ الله! ما أحد ٌيقوم عليه مَلَكٌ في يدهِ مطراقٌ إلا هَبِلَ عند ذلك؟! فقالَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (يثبتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت)) .
أخرجه الإمام أحمد (3/3- 4) : ثنا أبو عامر: ثنا عبَّاد بن راشد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال:
شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنازة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وكذلك أخرجه ابن جرير في "التفسير" (13/143) ، وابن أبي عاصم في "السنة " (2/417-418/865) ، والبزار (1/412-413) من طريقين آخرين عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو به.
قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال المنذري (4/183/10) ، وعزاه لأحمد. وقال الهيثمي (3/38) :
"رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال (الصحيح) ".
قلت: وفي عباد بن راشد كلام يسير لا يضر. وقد أشار لذلك ابن كثير بقوله في "تفسيره " عقب رواية أحمد (2/533) :
"وهذا إسناد لا بأس به؛ فإن عباد بن راشد التميمي روى له البخاري مقروناً، ولكن ضعفه بعضهم ".
وقال الذهبي في "المغني ":
" صد وق ".
وكذا قال الحافظ في "التقريب "، وزاد:
"وله أوهام ".(7/1170)
ومن الغريب أنهما لم يشيرا إلى أنه مقرون عند البخاري، وقد صرح بذلك أصلهما "تهذيب الكمال " للحافظ المزي، بل صرح به الحافظ نفسه في "مقدمة الفتح "، بل أفاد أن له حديثاً واحداً في "الصحيح "؛ فقال بعد ذكر أقوال الأئمة فيه (ص 412) :
"قلت: له في "الصحيح " حديث واحد في "تفسير سورة البقرة" بمتابعة يونس له عن الحسن البصري عن معقل بن يسار".
قلت: وقوله في آخر الحديث: فقال بعض القوم ... لعلها عائشة، فقد روى البزار (1/410/868) عنها قالت:
قلت: يا رسول الله! أتبتلى هذه الأمة في قبورها، فكيف وأنا امرأة ضعيفة؟! قال:
(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) . *******
3395- (يُحشر النّاسُ على ثلاثِ طرائقَ: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثةٌ على بعير، وأربعةٌ على بعير، وعشرةٌ على بعير، ويَحشرُ بقيتَهم النّارُ، تقيلُ معهم حيثُ قالُوا، وتبيتُ معهم حيثُ باتُوا، وتصبحُ معهم حيث أصبحُوا، وتُمسي معهم حيثُ أمسُوا) .
أخرجه البخاري (6522) ، ومسلم (8/157) ، والنسائي (1/295) ، وابن حبان في "صحيحه " (9/217/7292) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (13/248/16245) ، وابن أبي الدنيا في "الأهوال " (239/235) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (1/318/359) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (6/50/5103) ، والبغوي(7/1171)
في "التفسير" (5/176) ، و"شرح السنة " (15/124-125/4314) - وصححه- من طرق كثيرة عن وُهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الطبراني:
"لم يروه عن ابن طاوس إلا وهيب وابن جريج، تفرد به حجاج الأعور عن ابن جريج ".
قلت: ولم أقف على متابعة ابن جريج هذه.
(تنبيه هام) : هكذا ثبت الحديث في المصادر المذكورة؛ إلا "سنن النسائي "؛
فإنه ساقه بزيادة: "يحشر الناس يوم القيامة "، فهي زيادة شاذة بلا شك، ومفسدة للمعنى أيضاً؛ فإن الركوب الوارد فيه ليس من أهوال يوم القيامة. ويعود الفضل في التنبيه على زيادة النسائي هذه إلى الحافظ إبراهيم الناجي في كتابه القيم "عجالة الإملاء" (ق224/2- 225/1) ، وإن كان لم يصرح بشذوذها، ولكنه بحث في معنى الحديث، وحكى أقوال العلماء فيه، وجمع أطراف بعض الأحاديث التي تخالف الزيادة؛ وختم بحثه بقوله:
"وهذا كله يدل على أن هذا في الدنيا قبل الآخرة. والله أعلم ".
وهو في ذلك موافق لما انتهى إليه بحث شيخه ابن حجر في "الفتح "
(11/379-382) " فإنه أطال النفس جداً في حكاية أقوال العلماء المختلفة في ذلك ومناقشتها وبيان ما لها وما عليها، ورجح ما تقدم عن تلميذه؛ فليراجعه من شاء.
بيد أن هذه الزيادة وقع لبعضهم أوهام حولها، فكان من المفيد بيانها، فأقول:
أولاً: لقد ذكر الحديث الحافظ المنذري في "الترغيب " (4/164/13) بهذه الزيادة معزوًّاً للشيخين! ولم يتنبه لذلك المعلقون الثلاثة- كعادتهم- فتابعوه في(7/1172)
الوهم، وزادوا في الإيهام بأنهم عزوا الحديث إليهما بالأرقام! (انظر طبعتهم المنمقة 4/290) !
ثانياً: صرح بعض المحدثين بنسبة الزيادة إلى البخاري؛ حكاه الحافظ في "الفتح " (11/382) عن الطيبي أنه قال:
"ثم رأيت في "صحيح البخاري " في "باب الحشر" (يعني: الذي فيه الحديث بالرقم المتقدم!) : "يحشر الناس يوم القيامة " ... "!
ثالثاً: فردَّ عليه الحافظ، وعارضه، معقباً عليه بقوله:
"قلت: ولم أقف في شيء من طرق الحديث الذي أخرجه البخاري على لفظ: "يوم القيامة"؛ لا في "صحيحه " ولا في غيره، وكذا هو عند مسلم والإسماعيلي وغيرهما؛ ليس فيه: يوم القيامة ".
قلت: ففاتته رواية النسائي، فجل من أحاط بكل شيء علماً. *******
3396- (لو أنّ ما يُقِلُّ ظفرٌ ممّا في الجنّةِ بدَا؛ لتزخرفَت له خَوافقُ السماواتِ والأرضِ، ولو أنَّ رجُلاً من أهلِ الجنّةِ اطّلع فبدَا أساورُه؛ لطمسَ ضَوءَ الشّمسِ كما تطمسُ الشّمسُ ضَوءَ النُّجومِ) .
هو من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وله عنه طريقان:
الأولى: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، وله عنه طريقان:
1- عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.(7/1173)
أخرجه الترمذي (2541) ، ونعيم بن حماد في "زوائد الزهد" (126/416) ، وأحمد (1/169و171) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (9/407/8875) ، والبغوي في "شرح السنة" (15/214/4377) من طرق، أحدها: عبد الله بن المبارك: أخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن داود بن عامر ... وقال الترمذي، والبغوي:
"حديث غريب "!
كذا وقع فيهما! ونقل المنذري في "الترغيب " عن الترمذي (4/277/3) أنه قال: "حديث حسن غريب ".
فزاد كلمة "حسن ". وهذا هو اللائق بحال إسناده؛ فإن رجاله ثقات كلهم رجال مسلم؛ غير ابن لهيعة، وحديثه صحيح إذا كان من رواية أحد العبادلة، وهذا منه كما ترى. ولقد كنت غفلت عن هذه الحقيقة في تعليقي على "المشكاة" (رقم 5637) ؛ لأسباب منها ما هو مذكور في المقدمة، وكان ذلك قبل نحو أربعين سنة، ولله عاقبة الأمور. ولقد قلدني في هذه الغفلة المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (4/470) ، فضعفوا الحديث، مع أنهم يرون أنني صححته في "صحيح الجامع الصغير" (رقم 5127/ الطبعة الأولى الشرعية) ، وقد ألفته بعد التأريخ المذكور ببضع سنين، وقد تنبه لهذا كله الأخ علي رضا في تعليقه على "صفة الجنة" (1/81) ؛ فأنصفني جزاه الله خيراً، ولم يستغل الغفلة كما يفعل كثير من المبتدعة، وبعض الحاسدين الحاقدين الجهلة.
وإن من جهل أولئك الثلاثة وتقليدهم، وعدم استفادتهم مما ينقلونه بواسطة الفهارس: أنهم عزوه بواسطة " الموسوعة " إلى " البخاري في " التاريخ الكبير"(7/1174)
(6/208) "، وسكتوا! مع أنه عنده من غير طريق ابن لهيعة بإسناد جيد، وبمتابعة قوية لعامر بن سعد كما سيأتي بيانه!
2- قال البخاري في الموضع المشار إليه آنفاً من "التاريخ ": وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو أن سليمان بن حميد حدثه أن عامر بن سعد بن أبي وقاص- قال سليمان: لا أعلمه إلا- عن أبيه عن النبي- صلى الله عليه وسلم -.
وقد وصله أبو نعيم في "صفة الجنة" (1/80/57) من طريق حرملة بن يحيى: ثنا ابن وهب به.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون رجاله مسلم؛ غير سليمان بن حميد- وهو المزني-، وثقه ابن حبان (6/385) ، وأخرج له في "صحيحه "، وروى عنه سبعة من الثقات، وقد ترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (22/220-222) وذكر أنه مدني سكن دمشق، وروى له ابن حبان في "صحيحه "، وانظر "تيسير الانتفاع ". وقد خفيت هذه الحقائق على الأخ (علي رضا) ؛ فجزم بأنه مجهول!
والطريق الأخرى: قال البخاري أيضاً: قال محمد بن المثنى: حدثنا وهب ابن جرير: حدثنا أبي: سمعت يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد أيضاً، رجاله ثقات رجال الشيخين! غير عمر- وهو ابن سعد بن أبي وقاص-، قال الذهبي في "الميزان ":
"هو في نفسه غير متهم؛ لكنه باشر قتال الحسين، وفعل الأفاعيل ".
قلت: ومع ذلك وثقه العجلي. وقال الحافظ:
" صد وق ". *******(7/1175)
3397- (مرحباً بطَالبِ العلمِ، [إن] طالبَ العِلم لتحفُّه الملائكةُ وتظلٌّه بأجنحتِها، ثمّ يركبُ بعضُهم بعضاً، حتّى يبلغُوا السَّماء الدُّنيا؛ من حبِّهم لما يَطلُب) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/64/7347) ، وابن عدي في "الكامل " (6/331) ، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (1/32) عن الصَّعق ابن حزن: ثنا علي بن الحكم البُناني عن المنهال بن عمرو عن زِرِّ بن حُبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدث صفوان بن عَسال المرادي قال:
أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متكئ في المسجد على برد له [أحمر] ، فقلت له: يا رسول الله! إني جئت أطلب العلم، فقال: ... فذكره.
قال: قال صفوان: يا رسول الله! لا نزال نسافر بين مكة والمدينة، فأفتنا عن المسح على الخفين؟! فقال له رسول الله عن:
"ثلاثة أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم ".
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال "الصحيح "، وفي بعضهم كلام لا يضر. وقال المنذري في "الترغيب " (1/54/4) :
"رواه أحمد، والطبراني بإسناد جيد- واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه "، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد" ... ".
قلت: أخرجه الحاكم (1/100-101) من طرق عن زر بن حبيش، منها طريق الصعق هذه، ولكنه لم يسق لفظه، وذكر في إسناده عبد الله بن مسعود، ولم يذكره في رواية أخرى له من طريق (عارم) ، وهي رواية ابن عبد البر، وهي أصح(7/1176)
لموافقتها لرواية أحمد (4/239و240) التي أشار إليها المنذري، ومثلها رواية ابن حبان (48/79) من طريق عاصم عن زر عن صفوان به نحوه.
وتابعه عبد الوهاب بن بَخت عن زر به نحوه.
أخرجه الحاكم- وصححه-، ووافقه الذهبي.
وقصة توقيت المسح على الخفين معروفة في "السنن " من طريق عاصم، وهي مخرجة في " الإرواء " (1/140- 141) .
ثم إن الحديث قال الهيثمي في "المجمع " (1/131) :
"رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال (الصحيح) ".
وفي الوصية بطالب العلم والترحيب به حديث آخر يشبه هذا من حديث أبي سعيد الخدري، تقدم تخريجه برقم (280) . *
3398- (من توضَّأَ فأحسنَ وضوءَه، ثمّ قامَ فصلّى ركعتين- أو أربعاً؛ شكَّ سهلٌ-، يُحسنُ فيها الذِّكر والخُشوعَ، ثم استغفرَ الله؛ غُفِرَ له)
أخرجه أحمد في "المسند" (6/ 450) : ثنا أحمد بن عبد الملك: حدثني سهل بن أبي صدقة قال: حدثني كثير بن الفضل الطَّفاوي: حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام قال:
أتيت أبا الدرداء في مرضه الذي قُبض فيه، فقال لي: يا ابن أخي! ما أعمدك إلى هذا البلد، أو ما جاء بك؟ قال: قلت: لا؛ إلا صلة ما كان بينك وبين والدي عبد الله بن سلام، فقال أبو الدرداء: بئس ساعة الكذب هذه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.(7/1177)
قال عبد الله بن أحمد عقبه:
"وثناه سعيد بن أبي الربيع السمان، قال: ثنا صدقة بن أبي سهل الهُنائي ... ".
قال عبد الله: "وأحمد بن عبد الملك وهم في اسم الشيخ فقال: (سهل بن أبي صدقة) ، وإنما هو (صدقة بن أبي سهل الهنائي) ".
قلت: وهذا هو الصواب؛ لأن سعيد بن أبي الربيع السمان- مع كونه ثقة (انظر الحديث المتقدم 3154) -؛ فقد تابعه غير واحد، فقال البخاري في "التاريخ" (2/2/297/2891) تحت ترجمة (صدقة بن أبي سهل البصري) :
"سمع كثيراً أبا الفضل، روى عنه مسلم بن إبراهيم وقتيبة.
قال أبو كامل: نا صدقة: نا كثير عن يوسف بن عبد الله بن سلام: أتيت أبا الدرداء في مرضه الذي مات فيه ".
وأبو كامل هذا؛ يغلب على ظني أنه فضيل بن حسين الجَحدري الثقة، فقد ذكر المزي في ترجمته أنه:
"روى عنه البخاري تعليقاً، ومسلم، و.. و.. ". (1)
وتابعه أيضاً خالد بن خِداش، وهو ثقة أيضاً من شيوخ مسلم، فقال الطبراني في "المعجم الأوسط " (6/14/5022) : حدثنا محمد بن النضر الأزدي قال: حدثنا خالد بن خِداش قال: حدثنا صدقة بن أبي سهل أبو سهل الهُنائي قال: حدثني كثير أبو الفضل عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال:
_________
(1) ثم رأيت ما يؤكد ذلك، فقد ذكر الحافظ في "التعجيل " عن الطبراني- يعني: في "الكبير"- أنه أخرى عن أبي كامل الجحدري ...(7/1178)
أتيت أبا الدرداء وهو بالشام، فقال: ما جاء بك يا بني! إلى هذه البلدة، وما عناك إلى ذلك (1) ؟ قلت: ما جاء بي إلا صلة ما كان بينك وبين أبي، فأخذ بيدي فأجلسني، فساندته، ثم قال: بئس ساعة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -يقول:
"ما من مسلم يذنب ذنباً، فيتوضأ، ثم يصلي ركعتين، أو أربعاً، مفروضة أو غير مفروضة، ثم يستغفر الله؛ إلا غفر الله له " (2) . وقال:
"لا يروى هذا الحديث عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به صدقة ابن أبي سهل ".
قلت: وهو ثقة على ما يأتي بيانه، وسائر رجاله ثقات، فهو إسناد صحيح. وقال المنذري في "الترغيب " (1/106و 146) :
"رواه أحمد بإسناد حسن ".
وقال الهيثمي (2/278- 279) - وتبعه الحافظ العسقلاني في "نتائج الأفكار" (2/229) -:
"رواه أحمد والطبراني في "الكبير".. وإسناده حسن ".
ثم نسي الهيثمي هذا في موضعين آخرين! فقال (10/207) :
_________
(1) الأصل: إليها ... وعلى الهامش: "هناك كلمة بين: "إليها وقلت لم أستطع قراءتها". قلت: وما أثبته هو الذي يمكن أن يقرأ.
(2) ثم رأيته قد أخرجه في "الدعاء" (3/1626- 1627) من هذا الوجه، ومن طريق مسلم بن إبراهيم وعبد الله بن أحمد: ثنا سعيد بن أبي الربيع ثلاثتهم عن صدقة بن أبي سهل الهنائي ...(7/1179)
"رواه أحمد، وفيه من لم أعرفه "!
وهو يشير إلى (صدقة) ! فقد قال (1/301) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وقال: "تفرد به صدقة بن أبي سهل ". قلت: ولم أجد من ذكره "!
قلت: وهذا من غرائبه؛ فإنه مترجم عند البخاري- وتقدمت عبارته- وغيره ممن جاء بعده، ومنهم ابن حبان في "ثقاته "، الذي كان الهيثمي نفسه قد رتبه؛ ثم نسي! وجل من لا ينسى.
ولكنهم جَرَوْا على التفريق بين صدقة بن أبي سهل البصري- راوي هذا الحديث عند البخاري كما تقدم-، وبين الذي قبله عنده، قال:
"صدقة أبو سهل الهنائي، سمع عتبة (1) ، وابن سيرين، وأبا عمرو الجملي-
قال عبد الصمد: هو القطان-. روى عنه موسى، يعد في البصريين ".
وتبعه على التفريق ابن أبي حاتم (2/1/431و434/1907) لكنه في كل من الترجمتين وقع عنده (صدقة أبو سهل الهنائي) ! ونظر فيه محققه اليماني رحمه الله، ومال إلى أن الصواب ما في "التاريخ ": "صدقة بن أبي سهل " يعني: البصري. وكذلك عزاه في "التعجيل " إلى ترجمة البخاري، وتبعه في التفريق ابن حبان أيضاً، فأوردهما في طبقة (أتباع التابعين) (6/468) ، وانتصر لهم الحافظ، وختم كلامه بقوله:
"وصنيع الحسيني يقتضي أنهما واحد؛ وليس كذلك؛ فإنه ذكر في ترجمة
_________
(1) كذا، ولم يدر المعلق من هو؟ وفي "التعجيل " (186) نقلاً عن البخاري: "وسمع عبيداً. يعني: ابن.. " هكذا بياض في الأصل.(7/1180)
(سهل بن أبي صدقة) أنه هُنائي، وأن ابن معين وثقه. وإنما قال ابن معين: صدقة أبو سهل الهنائي؛ ثقة".
قلت: لم أجد فيما ذكر الحافظ- فضلاً عمن تقدمه- ما يدل على التفريق المذكور؛ سوى اختلاف شيوخ المترجمين والرواة عنهما، وهذا لا يكفي في ذلك، ولا سيما وكلاهما بصري؛ كما صرح البخاري، ومن طبقة واحدة؛ كما عند ابن حبان، وبخاصة أن ابن أبي حاتم ذكر في كل منهما أنه (أبو سهل الهُنائي) ، فالظاهر أنهما واحد؛ كما ذهب إليه الحسيني. وإن مما يؤيد ذلك أن أبا أحمد الحاكم في "الكنى"، والذهبي في "المقتنى" ذكرا في كنية (أبي سهل) : صدقة الهنائي الراوي عن ابن سيرين وعنه موسى بن إسماعيل. وقد مر بك في رواية "الأوسط " التصريح بأن الراوي هنا عن كثير أبي الفضل: هو (صدقة بن أبي سهل أبو سهل الهنائي) ، فهذا يدل على أن (صدقة أبا سهل) يروي أيضاً عن كثير أبي الفضل كما روى عن ابن سيرين.
وعليه؛ فيكون قد روى عن صدقة جماعة من الثقات، وهم:
1- مسلم بن إبراهيم الفراهيدي.
2- قتيبة بن سعيد.
3- أبو كامل الجَحدري.
4- موسى بن إسماعيل.
5- أحمد بن عبد الملك.
6- سعيد بن أبي الربيع السمان.(7/1181)
7- خالد بن خِداش.
8- ومحمد بن معاذ العنبري.
9- ومعاوية بن الحارث بن شيطا.
10- وداود بن منصور المِصِّيصِيُّ.
فخذها فائدة محررة لا تجدها في مكان آخر، ومن تمامها أن توثيق ابن معين
إياه ينبئ عن بالغ معرفته بالرجال. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
(تنبيه) : وقع في كل المصادر المتقدمة: (صدقة بن أبي سهل) ومنها رواية عبد الله بن أحمد عن سعيد بن أبي الربيع، فخطأها الحافظ، فقال في "التعجيل "
(ص350) :
"كذا وقع عنده! والصواب: عن (صدقة أبي سهل) ، و (أبو سهل) كنيته، لا كنية أبيه، واسم أبيه (سهل) ، فهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه. وقد أخرج حديثه المذكور في "المسند"، والطبراني في "الدعاء".. "، فذكر أنه فيه: "صدقة بن سهل الهنائي "!
فأقول: هذا مخالف لما في "الدعاء" المطبوع كما تقدم، ولما في "المسند" معاً، وكذلك هو مخالف لترجمته المتقدمة عند البخاري، ولرواية "الأوسط " التي فيها الرد الصريح عليه: "صدقة بن أبي سهل أبو سهل "؛ فهو ممن وافقت كنيته كنية أبيه لا اسم أبيه. فأتعجب من جزم الحافظ بالخطأ المذكور مع مخالفته لهذه المصادر، ودون أن يذكر حجته في ذلك! نعم، قد وقع في "ثقات ابن حبان " المطبوع: (صدقة بن سهل) ، وأنا أجزم بخطئه لمخالفته لما ذكرت، فتحرفت أداة الكنية: (أبو) إلى: (ابن) أو سقطت من الناسخ، فيكون الصواب: (صدقة أبو(7/1182)
سهل) أو (صدقة بن [أبي] سهل) ولعله أقرب، وهكذا صححته في كتابي الجديد "تيسير الانتفاع ". والله أعلم.
ومن الأوهام " قول الدكتور محمد البخاري في تعليقه على "الدعاء"؛ فإنه بعد أن عزا الحديث لأحمد، قال:
"وقال: ثناه سعيد بن الربيع ... "!
وهذا من رواية ابنه عبد الله، فالظاهر أنه سقط ذكره من قلمه.
ثم إن الحديث قد روي عن يوسف بن عبد الله بن سلام من طريق أخرى وبلفظ آخر فوجب بيان حاله.
قال الإمام أحمد (6/442-443) : ثنا محمد بن بكر قال: ثنا ميمون- يعني: أبا محمد المرائي التميمي- قال: ثنا يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال:
صحبت أبا الدرداء أتعلم منه، فلما حضره الموت قال: آذنِ الناس بموتي، فآذنت الناس بموته، فجئت وقد ملئ الدار وما سواه، قال: أخرجوني، فأخرجناه، قال: أجلسوني، قال: فأجلسناه، قال: يا أيها الناس! إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول:
"من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم صلى ركعتين يتمهما؛ أعطاه الله ما سأل معجلاً أو مؤخراً ". قال أبو الدرداء:
يا أيها الناس! إياكم والالتفات في الصلاة؛ فإنه لا صلاة للملتفت، فإن غُلبتم في التطوع؛ فلا تغلبن في الفريضة.(7/1183)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، غير ميمون أبي محمد المرائي؛ فإنه مجهول؛ قال ابن معين عنه:
" لا أعرفه ".
قال ابن عدي في "الكامل " (6/416) - بعد أن روى هذا عن يحيى بن معين-: "وإذا لم يعرفه يحيى؛ يكون مجهولاً ".
وقال الهيثمي في "المجمع " (2/278) :
"رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وفيه ميمون أبو محمد؛ قال الذهبي: لا يعرف ".
ولهذا أشار المنذري في "الترغيب " (1/191) إلى ضعفه، لكنه عزاه للطبراني وحده في "الكبير" وعقبه بقوله:
"وفي رواية له أيضاً قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قام في الصلاة فالتفت؛ رد الله عليه صلاته " ... ".
وقال الهيثمي في هذه الرواية (2/81) :
"وفيه يوسف بن عطية، وهو ضعيف ".
قلت: بل هو ضعيف جداً، قال الحافظ:
" متروك ".
قلت: ومما عرفت من حال (المَرائي) هذا؛ يتبين لك خطأ السيوطي في تحسينه لإسناده في "اللآلىء " (2/47) . *(7/1184)
3399- (مَن بنَى مسجداً لا يريد به رِياءً ولا سُمعةً؛ بنى اللهُ له بيتاً في الجنة) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (8/5/7001) من طريق محمد بن عيسى بن سُمَيع عن المثنى بن الصَّبَّّاح عن عطاء عن عائشة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:
"لم يروه عن المثنى إلا محمد بن عيسى، تفرد به هشام بن عمار، ولم يروه عن عطاء عن عائشة إلا كثير بن عبد الرحمن الكوفي، والمثنى بن الصباح ".
قلت: قال الذهبي في "الكاشف " في المثنى:
"قال أبو حاتم وغيره: لين الحديث ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"ضعيف اختلط بأخرة".
قلت: فمثله يستشهد به إن شاء الله، وقد أشار إلى ذلك ابن معين فقال:
"يكتب حديثه ولا يترك ".
ومثله الراوي عنه محمد بن عيسى بن سميع، فقد قال الذهبي في "المغني ":
"قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن عدي: لا بأس به ".
وأما هشام بن عمار؛ فثقة من شيوخ البخاري، وفيه كلام معروف.
وأما كثير بن عبد الرحمن الكوفي الذي ذكره الطبراني متابعاً لابن الصباح؛ فهو العامري المؤذن، فقد ساق حديثه الطبراني في "الأوسط " أيضاً (7/304/6582)(7/1185)
من طريق قيس بن الربيع عنه عن عطاء عن عائشة به دون قوله:
".. لا يريد به رياء ولا سمعة".
وقال:
"لم يروه عن عطاء إلا كثير بن عبد الرحمن ".
كذا قالت! وهو مخالف لروايته المتقدمة، ولما عقب عليها، من متابعة المثنى لكثيرهذا.
وقيس بن الربيع ضعيف؛ لكنه قد توبع من قبل عبيد الله بن موسى: حدثنا كثير بن عبد الرحمن به وزاد:
قلت: يا رسول الله! وهذه المساجد التي في طريق مكة؟ قال: "وتلك ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1/1/332) - ولم يذكر الزيادة-، والبزار في "مسنده " (1/205/404) ، والعقيلي في "الضعفاء" (4/3/1554) ، والبيهقي في "الشعب " (3/81/2939) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/13/1556) .
وتابعه آخران عند ابن أبي شيبة (1/310) . وقال العقيلي:
"كثير لا يتابع عليه. وهذا يروى بغير هذا الإسناد بإسناد أصلح من هذا".
قلت: يعني دون هذه الزيادة، ودون زيادة (الرياء) أيضاً، وذلك عن جماعة من الصحابة، منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وحديثه في "الصحيحين " وغيرهما، وهو مخرج مع غيره في "الروض النضير" (883و953و954) ؛ ولفظه: "من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة".(7/1186)
فقوله: "لله "؛ أي: مخلصاً له، فهو شاهد قوي لقوله:
"لا يريد به رياء ولا سمعة".
وبمعناه حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ:
"من بنى مسجداً يراه الله؛ بنى الله له بيتاً في الجنة ... " الحديث.
أخرجه الطبراني في "الأوسط " أيضاً (9/216/8471) من طريق عمران بن عبيد الله- مولى عبيد الصِّيد- قال: سمعت الحكم بن أبان يحدث عن عكرمة عن ابن عباس ...
قال الهيثمي (2/8) في عمران هذا:
"ذكره البخاري في "تاريخه "، وقال: "فيه نظر"، وضعفه ابن معين أيضاً، وذكره ابن حبان في (الثقات) ".
وقال في تخريج حديث عائشة الذي قبله:
"رواه البزار، والطبراني في "الأوسط "- باختصار- وفيه كثير بن عبد الله، ضعفه العقيلي، وذكره ابن حبان في (الثقات) ".
وسكت عنه ابن أبي حاتم (3/1/301) .
والخلاصة: أن الحديث حسن أو صحيح بهذه الشواهد. والله أعلم. *
3400- (إنّه ليسَ من مصلٍّ إلا وهو يناجِي ربَّه؛ فلا يجهر بعضُكم على بعضٍ بالقراءَةِ) .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (2/264/3360) ، وابن عبد البر في(7/1187)
"التمهيد" (32/317و318) من طرق عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار من بني بَياضة: أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -وهو مجاور في المسجد يوماً-؛ فوعظ الناس وحذرهم ورغبهم، ثم قال: ... فذكره.
ثم رواه النسائي من طرق أخرى عن محمد بن إبراهيم مختصراً ومطولاً، ومرسلاً ومتصلاً.
وهذا إسناد متصل صحيح؛ كما قال ابن عبد البر؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.
وقد رواه مالك في "الموطأ" (1/101-102) ، وعنه أحمد (4/344) عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي حازم التمار عن البياضي: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ... الحديث.
ورواه عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي حازم به، وعن محمد ابن إبراهيم عن غير أبي حازم، على وجوه ذكرتها قديماً في "الصحيحة" (1597) ، فأعللته باضطراب (عبد ربَّه) ، وبأن البياضي لم يسم؛ فهو مجهول، لكني صححت الحديث هناك بشاهده من حديث أبي سعيد الخدري المخرج في "صحيح أبي داود" برقم (1203) . ومع ذلك استدرك علي بعض الإخوان- جزاه الله خيراً- بحديث مالك المذكور هنا عن البياضي، وأنه يدفع الاضطراب الذي في حديث عبد ربه، ويرجح روايته عن محمد عن أبي سلمة عن البياضي.
وهذا صحيح، ولكنه أخطأ في قوله: إن البياضي هذا هو (سلمة بن صخر البياضي) الذي ظاهر من امرأته! فإنهم ذكروا أنه ليس له من الحديث إلا حديث المظاهرة. وقد قال ابن عبد البر تحت حديث مالك:(7/1188)
"وأما البياضي؛ فيقولون: اسمه (فروة بن عمرو بن وَدقَة) .. فَخِذٌ من الخزرج ".
وجزم بهذا في ترجمة (فروة..) من "الاستيعاب "، وقال:
"ولم يختلف في اسم البياضي هذا".
قلت: وسواء ثبت هذا أم لا؛ فإن المهم أن نتأكد من كون راوي هذا الحديث عنه- صلى الله عليه وسلم - صحابياً، وليس تابعياً مجهولاً، كما كنت ذكرت هناك. فلما ورد علي الاستدراك المشار إليه؛ حفزني إلى أن أتتبع الموضوع من جديد، ولا سيما وقد ساعد على ذلك صدور بعض الأصول الحديثية التي لم تكن مطبوعة من قبل، فوجدت تصريح البياضي بسماعه الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو صحابي؛ سواء علينا أعرفنا اسمه أم لم نعرف؛ لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم عدول، فهم من هذه الحيثية يختلفون عمن بعدهم، كما هو مقرر عند أهل السنة، خلافاً للمبتدعة والرافضة، وهذا هو الوجه لإخراج إمام السنة لحديث البياضي هذا في "مسنده " ولغيره. والله ولي التوفيق. *
3401- (إنّ للمساجدِ أوتاداً، الملائكةُ جلساؤُهم، إن غابُوا يفتقدُونهم، وإن مرضُوا عادُوهم، وإن كانُوا في حاجة أعانُوهم. وقال: جليسُ المسجدِ على ثلاثِ خصالٍ: أخٍ مستفادٍ، أو كلمةِ حكمةٍ، أو رحمةٍ مُنتَظرةٍ)
أخرجه الإمام أحمد (2/418) : ثنا قتيبة قال: حدثني ابن لهيعة عن دراج عن ابن حُجيرة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن؛ فإن دراجاً مستقيم الحديث إلا ما كان عن أبي(7/1189)
الهيثم؛ كما قال أبو داود، وتبعه الحافظ؛ وهو الذي اطمأنت إليه النفس وانشرح له الصدر أخيراً، كما كنت بينته تحت الحديث المتقدم (3350) ، وابن حجيرة هو الأكبر، واسمه عبد الرحمن؛ وهو ثقة من رجال مسلم، وكأنه لما ذكرت أعله المنذري بقوله (1/132) :
"رواه أحمد من رواية ابن لهيعة".
مشيراً إلى ما فيه من الضعف. وصرح بذلك الهيثمي فقال (2/22) :
"رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام ".
فلم يعلاه بـ (دراج) ، وما ذلك إلا لما تقدم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما إعلالهما إياه بـ (ابن لهيعة) ؛ فقد سلكوا فيه الجادة، ولم يتنبهوا أنه من رواية قتيبة- وهو ابن سعيد المصري-، وروايته عنه صحيحة كرواية العبادلة عنه؛ كما تقدم التنبيه على ذلك غير ما مرة.
وله شاهد قوي من حديث عبد الله بن سلام قال: ... فذكره موقوفاً؛ ليس فيه رفعه، ولكنه في حكمه؛ لأنه لا يقال بالرأي، وليس فيه:
"جليس المسجد ... " إلخ.
أخرجه الحاكم (2/398) من طريق الحسن بن مُكرَم البزاز: أنبأ يزيد بن هارون: أنبأ أبو غسان محمد بن مُطَرِّف الليثي: ثنا أبو حازم عن سعيد بن المسيَّب عنه. وقال:
"صحيح على شرط الشيخين موقوف ". ووافقه الذهبي. وأقره المنذري! وأقول: إنما هو صحيح فقط؛ لأن الحسن بن مُكرَمٍ البزاز ليس من رجال(7/1190)
الشيخين، ويزيد بن هارون ليس من شيوخهما، وهذا من شرطه الذي عرفناه بالاستقراء: أن ينتهي إسناده عن شيخه ومن فوقه إلى شيخ من شيوخ الشيخين، ويكون من فوقه من رجالهما أيضاً، وإن كان هذا قد أخل به كثيراً كما هو معروف عند الحذاق بهذا الفن. على أن ما ذكرته من الشرط هو اصطلاح خاص به، اصطلح هو عليه؛ وإلا فهو لا يستقيم إلا حين يكون رجال الإسناد كلهم على شرط الشيخين، وهذا لا يمكن إلا إذا كان المسند من طبقتهما كما هو ظاهر عند العلماء، وكذلك رأيناه- في كثير مما صححه على شرطهما أو أحدهما- لا يصح إسناده إلى شيخهما!!
ثم إن الحديث- دون (جملة الجليس) - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (11/297/20585) عن معمر عن عطاء الخراساني ... رفع الحديث فذكره نحوه.
وعطاء هذا تابعي ضعيف، قال الحافظ:
"صدوق يهم كثيراً، ويرسل، ويدلس ".
(تنبيه) : عرفت أن حديث عبد الله بن سلام موقوف عند الحاكم، وقد عزاه إليه المنذري دون قوله: "موقوف "؛ فأضفته إليه في كتابي "صحيح الترغيب والترهيب " (1/203/324) ؛ فإنه قال:
"رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، ورواه الحاكم من حديث عبد الله بن سلام
دون قوله: "جليس المسجد ... " إلى آخره، وقال: "صحيح على شرطهما"!
ثم جاء المعلقون الثلاثة الذين أفسدوا الكتاب بتعليقاتهم الكثيرة الفجة! فخلطوا فيها تخليطاً عجيباً تدل الباحث على أنهم ما شموا رائحة هذا العلم؛ فضلاً عن أن يكونوا محققين فيه، وقد سبق أن ذكرنا نماذج من تخاليطهم، ومنها(7/1191)
قولهم على ما ذكرنا من تخريج المنذري (1/298) :
"موقوف صحيح، رواه أحمد (2/418) ، والحاكم (2/298) ، وهو صحيح،
ولا بد من إضافة لفظة: "موقوف " بعد قول المصنف: "على شرطهما " لأن الحديث موقوف، وليس مرفوعاً "!!
فخلطوا المرفوع بالموقوف، وجعلوه كله- بجهلهم البالغ- موقوفاً! وقد عرفت أن
في المرفوع ما ليس في الموقوف، وهو قوله: "جليس المسجد ... " كما صرح المنذري، فعَمُوا عن ذلك كله، وأنكروا الحديث المرفوع جملة وتفصيلاً، فكأنهم لم يروه في الكتاب منسوباً إلى النبي صراحة وبرواية أحمد!! والله المستعان. *
3402- (إنّ المسلمَ يصلِّي وخَطاياهُ مرفوعةٌ على رأسِه، كلّما سجَدَ تحاتَّت عنه، فيفرُغُ من صلاتِه؛ وقد تحاتَّت خطاياهُ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/307/6125) ، وفي "الصغير" (ص 237) ، وابن أبي حاتم في "العلل" (1/124/324) ، والأصبهاني في "الترغيب" (2/800/1957) من طرق عن بشر بن آدم: ثنا أشعث بن أشعث السعداني: ثنا عمران القطان: ثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ... فذكره. وقال الطبراني:
"تفرد به بشر".
قلت: وهو مختلف فيه، ولخص أقوالهم الحافظ كعادته في "التقريب":
"صدوق فيه لين ".(7/1192)
وقال الذهبي في "المغني ":
"بصري، من شيوخ النُّبَّل، ثقة، قال النسائي وأبو حاتم: ليس بقوي ".
وقال في "الكاشف ":
"صدوق".
وأعله ابن أبي حاتم بقوله:
"هذا خطأ؛ إنما هو عن سلمان قولَه، وأشعث مجهول لا يعرف "!
كذا قال! وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/128-129) ، وقال:
"يُغرِب ".
وأقره الحافظ في " اللسان "، وزاد:
"وقال البزار: ليس به بأس، حدث عنه أصحابنا؛ بشر بن آدم، وأحمد بن عمر بن عبيدة، وغيرهما".
قلت: ومع هذا كله مما تقدم من كلام أبي حاتم فيه، وتوثيق ابن حبان والبزار إياه؛ لم يعرفه المنذري وغيره، فقال في "الترغيب " (1/139/13) :
"رواه الطبراني في "الكبير"، و"الصغير"، وفيه أشعث بن أشعث السعداني، لم أقف على ترجمته "!
وتبعه الهيثمي (1/ 300) ، وقلدهما المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (1/ 311
- 312) ، فصرحوا بتضعيف الحديث! ولو أن الرجل كان مجهولً كما ظنوا؛ فلا يلزم منه ضعف الحديث؛ لأن له شاهداً من حديث ابن عمر من طرق عنه بعضها صحيح، وقد مضى بيان ذلك وتخريجه برقم (1398) ، ولعله لذلك لم يصرح(7/1193)
المنذري بما صرحوا به، بل إنه أشار إلى تقويته بتصديره إياه بقوله: "وعن"، دون قوله: "وروي"! فهذا مما يدل أنهم لا يحسنون حتى التقليد، فهم يخبطون خبط عشواء في الليلة الظلماء!
ثم إن الهيثمي زاد في التخريج، فعطف على "المعجمين "؛ فقال:
" والبزار"!
فأقول: في هذا العزو تسامح وتساهل لا يخفى على من وقف على رواية البزار، فقد قال في "مسنده " (6/47-477- البحر الزخار) : حدثنا بشر بن أدم ... فساق إسناده كما تقدم إلى سلمان مرفوعاً، لكن بلفظ:
"إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس؛ تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق "؛ ثم تلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (أقم الصلاة طرفي النهار وزُلَفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) (1) .
قلت: وأنا أخشى أن يكون في المطبوعة سقط؛ فإن هذا اللفظ إنما هو من حديث علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي عن سلمان، كما رواه أحمد (5/437-439) وغيره مثل ابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (1/150/83) ؛ أو هو من أوهام البزار نفسه.
وقد روي حديث الترجمة من طريق أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن مسروق عن سلمان مرفوعاً بلفظ:
"إن العبد المؤمن إذا قام في الصلاة؛ وضعت ذنوبه على رأسه؛ فتفرق عنه، كما تفرق عذوق النخلة يميناً وشمالاً".
_________
(1) سقط هذا الحديث من جملة ما سقط من "كشف الأستار".(7/1194)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/289-290) .
لكن أبان هذا متروك؛ وقال الهيثمي (1/301) :
"ضعفه شعبة وأحمد وغيرهما، ووثقه سَلمٌ العلوي وغيره ".
(تنبيه) : أشعث بن أشعث؛ هكذا وقع في كل المصادر المتقدمة؛ سوى "اللسان " فهو فيه: (أشعث بن أبي أشعث) بزيادة: (أبي) بينها! وهو خطأ مطبعي؛ فليصحح. *
3403- (مَن صلى الغَدَاةَ في جماعةٍ، ثمّ قعَدَ يذكرُ اللهَ حتَّى تطلعَ الشّمسُ، ثمّ صلّي، ركعتينِ؛ كانت له كأَجرِ حَجّةٍ وعُمرةٍ، تامّةٍ تامّةٍ تامّةٍ) .
أخرجه الترمذي (586) ، والأصبهاني في "الترغيب" (2/790/1930) من طريق أبي ظلال عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال
الترمذي:
"حديث حسن غريب؛ وسألت محمد بن إسماعيل (يعني: الإمام البخاري) عن أبي ظلال؟ فقال: هو مارب الحديث، واسمه هلال ".
قلت: لكن الجمهور على تضعيفه، ولذلك قال الذهبي في كتابه "المغني ":
"ضعفوه".
وكذا قال في "الكاشف "، وزاد: "سوى ابن حبان ".(7/1195)
وقال الحافظ:
"ضعيف"
لكن قد تابعه القاسم عن أبي أمامة به.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/209/7741) من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن موسى بن عُلَيّ عن يحيى بن الحارث عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات؛ على الخلاف المعروف في القاسم صاحب أبي أمامة.
وعثمان بن عبد الرحمن: هو الحراني، وفيه كلام لا يضر هنا. ولذلك قال المنذري (1/165) ، والهيثمي (10/104) :
"رواه الطبراني، وإسناده جيد".
وله طريق أخرى؛ يرويه الأحوص بن حكيم عن عبد الله بن غابر عن أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:
"من صلى صلاة الصبح في مسجد جماعة، يثبت فيه حتى يصلي صلاة الضحى؛ كان كأجر حاج أو معتمر، تاماً حجته وعمرته ".
أخرجه الطبراني أيضاً (8/174/7649و180-181) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (7/353- ط) .
والأحوص بن حكيم ضعيف؛ لسوء حفظه.
وعبد الله بن غابر- بالغين المعجمة-: هو أبو عامر الشامي الحمصي الألهاني،
وهو ثقة.(7/1196)
ثم أخرجه الطبراني (17/129/317) ، وابن عساكر أيضاً من طريقين آخرين
عن الأحوص به؛ إلا أنه قرن مع أبي أمامة: (عتبة بن عبد السلمي) . وقال المنذري (1/165/8) :
"رواه الطبراني، وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة".
قلت: يشير إلى الأحوص بن حكيم. وقد بين ذلك الهيثمي فقال:
"رواه الطبراني، وفيه الأحوص بن حكيم، وثقه العجلي وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف لا يضر". *
3404- (كان يصلي قبلَ الظُّهرِ- بعد الزّوالِ- أربعاً، ويقولُ: إن أبوابَ السّماءِ تُفتحُ [فيها] ، فأحبُّ أن أقدِّم فيها عمَلاً صالحاً) .
أخرجه الإمام أحمد (3/ 411) : ثنا أبو داود الطيالسي قال: ثنا [محمد بن] مسلم بن أبي الوضاح عن عبد الكريم عن مجاهد عن عبد الله بن السائب قال: ... فذكره.
وأخرجه الترمذي (478) من طريق الطيالسي به. وقال:
"حديث حسن غريب، وقد روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يصلي أربع ركعات بعد الزوال، لا يسلم إلا في آخرهن ".
قلت: وإسناد الحديث جيد، وهو على شرط مسلم.
وعبد الكريم: هو ابن مالك الجزري.
وأبو داود الطيالسي: هو الحافظ سليمان بن داود، صاحب "المسند" المعروف به، وليس الحديث فيه.(7/1197)
والحديث الذي علقه الترمذي؛ وصله الطيالسي في "مسنده " (81/597) بسند ضعيف، وقد رواه ابن ماجه وغيره أتم منه مثل حديث الترجمة، وزاد:
لا يفصل بينهن بتسليم ... وهي زيادة منكرة، وقد خرجته وتكلمت عليه في "صحيح أبي داود" (1161) . ولهذه الزيادة شاهد، لكن إسنادها ضعيف جداً، ولذلك خرجت حديثها في "الضعيفة" (6727) . *
3405- (إنّ صاحبَ المَكسِ في النّارِ) .
أخرجه أحمد (4/109) : ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن أبي الخير قال:
عرض مَسلَمَةُ بن مَخلَدٍ- وكان أميراً على مصر- على رويفع بن ثابت أن يوليه العُشور، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن لهيعة، وهو صحيح الحديث إذا روى عنه قتيبة بن سعيد المصري وأمثاله كالعبادلة المصريين كما تقدم تقريره مراراً. ولقد كنت برهة من الدهر أعامل حديث قتيبة غير معاملتي لحديث العبادلة، حتى وقفت على كلام الحافظ الذهبي الذي بين أن حديثه عن ابن لهيعة صحيح كحديث العبادلة- جزاه الله خيراً-، فاقتضى هذا العلم الجديد إعادة النظر في كل أحاديث قتيبة عنه، وتصحيحها بعد تضعيفها إذا سَلِمَ ممن فوقه كهذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ولذلك قررت نقله من "ضعيف الجامع الصغير" إلى "صحيح الجامع "، وإيداعه في "صحيح الترغيب " بعد أن كان من المقرر إيداعه في "ضعيف الترغيب "، والحمد لله الذي هدانا لهذا؛ وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.(7/1198)
ثم إن (أبا الخير) في الإسناد؛ اسمه (مرثد بن عبد الله اليزني المصري) .
وقد أخرج الحديث الطبراني أيضاً في "المعجم الكبير" (5/18/4493) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني ابن لهيعة به؛ وزاد عقب الحديث:
"يعني: العَشَّار".
وأعله المنذري في "الترغيب " (1/279/3) بابن لهيعة، وتبعه الهيثمي (3/88) ، وقلدهما المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (1/617) ، ولم يفرقوا بين رواية أحمد، ورواية الطبراني؛ ومع ذلك فالمنذري صدره بقوله:
"وعن أبي الخير ... " المشعر بأنه حسن أو قريب من الحسن عنده.
وأما المعلقون عليه؛ فجروا على الجادة في حديث ابن لهيعة، فقالوا:
"ضعيف "!. *
3406- (ما تَعُدُّون الرَّقُوب فيكم؟ قال: قلنا: الذي لا يولدُ له. قالَ: ليسَ ذاكَ بالرّقُوبِ، ولكنّه الرّجلُ الذي لم يقدِّم من ولده شيئاً. قال:
فما تعدُّون الصُّرَعةَ فيكُم؟ قال: قلنا: الذي لا يصرَعُه الرجِال. قال: ليسَ بذلكَ، ولكنّه الذي يملِكُ نفسهُ عند الغَضَبِ) .
أخرجه مسلم (8/30) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم 153) ، والبيهقي
في " السنن " (4/68) ، و" الشعب " (6/306/8273و7/136/9756) ، وأحمد (1/382) ، وأبو يعلى (9/96-97/5162) ، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه " (4/264/2939) من طرق عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سُوَيد(7/1199)
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وروى منه الشطر الثاني ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/344/5430) ، وعنه أبو داود (4779) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/253- 4 25) .
وللشطر الأول منه شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعاً: أخرجه البزار (1/406/860) بإسناد صحيح.
وأخرجه أبو يعلى (6/133/3408) من طريق أخرى عنه مع الشطر الآخر. وسنده ضعيف.
وله- أعني: الشطر الأول- شاهد ثان من حديث أبي هريرة مرفوعاً.
أخرجه أبو يعلى (10/6032و6046) من طريق أبي خالد الأحمر عن هشام عن ابن سيرين عنه.
وإسناده صحيح.
وشاهد ثالث من حديث بريدة مرفوعاً ... وفيه قصة.
أخرجه البزار (1/405/857) بإسناد حسن؛ كما قال الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/345/554) ، وصححه الحاكم، والذهبي، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (207- 208- طبعة المعارف) .
(تنبيه) : زاد البخاري وأبو يعلى في أول حديث ابن مسعود فقرة ثالثة نصها: "أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ "، قالوا: يا رسول الله! ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه! قال: "اعلموا ما تقولون! ". قالوا: ما نعلم إلا ذاك يا رسول الله! قال: "ما منكم رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله! "،(7/1200)
قالوا: كيف يا رسول الله؟! قال: "إنما مال أحدكم ما قدم، ومال وارثه ما أخر".
واللفظ لأبي يعلى، وهو أتم.
ثم استدركت فقلت:
هذا إنما ساقه أبو يعلى عقب حديث الترجمة، وبسند واحد، وإنما زاده في أوله البخاري كما ذكرت. وهذا القدر منه قد أخرجه في "صحيحه " (6442) مختصراً بإسناد الأعمش المتقدم. فقال الحافظ في "الفتح " (11/260) :
"وقد أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش به سنداً ومتناً، وزاد في آخره: "ما تعدون الصرعة فيكم؟ ... " الحديث، وزاد فيه أيضاً: "ما تعدون الرقوب فيكم؟ ... " الحديث ".
قلت: فكان الأولى بالحافظ أن يعزوها أيضاً للبخاري أيضاً في "الأدب المفرد"، بل هو بالعزو أولى كما لا يخفى على أولي العلم والنهى، ولكن جل من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وتقدم تخريج هذه الزيادة في هذا الكتاب (برقم 1486) . *
3407- (دخلَ رجلٌ الجنَّة، فرأَى على بابها مكتوباً: الصّدقةُ بعَشرِ أَمثالها، والقرضُ بثمانية عشر) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/297/7976) ، والبيهقي في "الشعب" (3/284/3564) من طريقين عن سليمان بن عبد الرحمن: ثنا إسماعيل ابن عَيٌاش عن عُتبة بن حميد عن القاسم عن أبي أمامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.(7/1201)
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي القاسم- وهو ابن عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أمامة- كلام معروف، وهو حسن الحديث.
وعتبة بن حميد، قال أحمد:
"ضعيف، ليس بالقوي، ولم يشته الناس حديثه ".
وقال أبو حاتم:
"صالح الحديث ".
وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/272) . فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، لا سيما وتضعيف أحمد جرح غير مفسر، وإن كان يغمز من حديثه، ولكن ما هو السبب؟ وقد صحح له ابن حبان حديثين، أحدهما: توبع عليه في "صحيح البخاري " وغيره، والآخر: سبق تخريجه في المجلد الثاني من هذه السلسلة رقم (789) . وقد أشار المنذري في "الترغيب " (2/34/3) إلى تقوية الحديث بتصديره إياه بقوله:
"وعن أبي أمامة ... ".
وبتحسينه لحال عتبة هذا.
وللحديث شاهد من حديث أنس رضي الله عنه، وفي آخره زيادة، رواه ابن ماجه وغيره، لكن إسناده ضعيف جداً، ولذلك خرجته في "الضعيفة" (3637) . *
3408- (عليكُم بغَدَاءِ السُّحور؛ فإنّه هو الغَدَاءُ المباركُ) .
أخرجه النسائي (1/304) ، وفي " الكبرى " (2/79/2474) ، وأحمد (4/132) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/271/641) ، و"مسند الشاميين "(7/1202)
(2/171-172/1130) من طريق عبد الله بن المبارك عن بقية بن الوليد قال: أخبرني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات كلهم، وقد صرح بقية بالتحديث؛
فأمناً تدليسه.
ثم رواه النسائي من طريق ثور عن خالد بن معدان قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره مرسلاً.
وإسناده صحيح أيضاً، ولا يعل به المسند؛ لأن الذي أسنده بحير بن سعد،
ثقة ثبت؛ كما في "التقريب "، وزيادة الثقة هنا مقبولة اتفاقاً.
وله شاهدان من حديث أبي الدرداء، والعرباض بن سارية نحوه. أخرجهما ابن حبان في "صحيحه " (881و882- موارد) بسندين يقوي أحدهما الآخر، أوردهما المنذري في "الترغيب " (2/93/5و6) مشيراً إلى تقويتهما، ساكتاً عن حديث الأول، ومبيناً علة حديث الآخر، وفاته حديث الترجمة، وكان ذلك من الدواعي على إخراجه وبيان صحته؛ لدعم الأحاديث الأخرى.
وحديث أبي الدرداء؛ له طريق أخرى عند الطبراني في "المعجم الكبير" (17/131/322) من طريق جُبَارة بن المُغَلِّس: ثنا بِشرُ بن عُمَارة عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد عن عتبة بن عبد وأبي الدرداء مرفوعاً بلفظ:
"تسحروا من آخر الليل ". وكان يقول:
"هو الغداء المبارك ".(7/1203)
لكنه إسناد ضعيف أيضاً، من دون راشد ثلاثتهم ضعفاء. وأعله الهيثمي
بـ (جبارة) فقط! (3/151) .
وله شاهد قوي؛ يرويه محمد بن إبراهيم- أخو أبي معمر- قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس قال:
أرسل إلي عمر بن الخطاب يدعوني إلى السحور، وقال:
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماه الغداء المبارك.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/308/505) ، ومن طريقه الخطيب
في " التاريخ " (1/387) . وقال الطبراني:
"لا نعلم رواه عن ابن عيينة إلا محمد بن إبراهيم أخو أبي معمر".
قلت: روى الخطيب بسنده أن ابن معين سئل عنه؟ فقال:
"مثل أبي معمر لا يسأل عنه، هو وأخوه من أهل الحديث ".
وعن موسى بن هارون أنه قال فيه:
"صدوق لا بأس به ".
قلت: وبقية رجاله رجال الصحيح؛ كما قال الهيثمي (3/151) ؛ إلا شيخ الطبراني (أحمد بن القاسم بن مساور الجوهرى) ، وهو ثقة.
وشاهد آخر؛ من حديث عائشة قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"قربي إلينا الغداء المبارك "؛ يعني: السحور، وربما لم يكن إلا تمرتين.
قال الزهري: السحور سنة.(7/1204)
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (8/137-138/4679) : حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد بن رفاعة: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي: حدثنا معاوية عن الزهري عن عروة عن عائشة..
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف أبي هشام الرفاعي عند الجمهور. وقال
البخاري:
"رأيتهم مجمعين على ضعفه ".
ومثله معاوية وهو ابن يحيى الصدفي، وبه فقط أعله المعلق على "مسند أبي يعلى"!
وأما قول الهيثمي:
"رواه أبو يعلى ورجاله ثقات ".
فهو وهم محض لا أدري كيف صدر منه!
ومن قلة العلم والفقه، قوله المعلق المشار إليه:
"نقول: لكن يشهد له حديث أنس المتقدم ... ".
يعني: قول- صلى الله عليه وسلم -:
"تسحروا فإن في السحور بركة" متفق عليه. (الروض 49 و 1089) .
وذلك؛ لأنه شاهد قاصر ليس فيه وصف السحوربـ "الغداء المبارك " فتأمل. *
3409- (إنّ اللهَ وملائكتَه يصلُّون على المتسحِّرين) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (880- موارد) ، والطبراني في "المعجم(7/1205)
الأوسط " (7/222/6430) ، وأبو نعيم في "الحلية " (8/320) ، والأصبهاني في "الترغيب " (2/726/1766) عن إدريس بن يحيى الخولاني قال: حدثني عبد الله بن عياش بن عباس القتباني عن عبد الله بن سليمان الطويل عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الطبراني وأبو نعيم:
"تفرد به إدريس بن يحيى".
قلت: وهو ثقة، قال فيه ابن أبي حاتم:
"صدوق، قال أبو زرعة: رجل صالح من أفاضل المسلمين ".
وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال (8/133) :
"مستقيم الحديث ".
وسائر رجاله ثقات معروفون من رجال "التهذيب"؛ غير عبد الله بن سليمان الطويل، ترجمه البخاري وابن أبي حاتم برواية جمع من الثقات- منهم الليث بن سعد-، وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/41) ، فالإسناد حسن.
وأما ما نقله ابن أبي حاتم في "العلل " (1/243-244/712) ؛ أنه سأل أباه عن هذا الحديث؟ فقال:
"هذا حديث منكر"!
فلا أدري وجهه، لا سيما وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ
"السحور أكلة بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جَرعة ماء؛ فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ".(7/1206)
أخرجه أحمد (13/12و44) من طريقين؛ في الأول منهما انقطاع بين يحيى بن أبي كثير وأبي رفاعة، وجهالة أبي رفاعة، ويقال: رفاعة.
وفي الآخر منهما: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ وهو متروك.
وجملة الجرعة منه لها شواهد كثيرة، منها: حديث عبد الله بن عمرو عند ابن حبان (883) بسند حسن، وقد خرجتها باختصار في "الضعيفة" تحت الحديث (1405) .
فقول المنذري في حديث أبي سعيد (2/94/10) :
"رواه أحمد، وإسناده قوي "! مردود؛ وقد رده الناجي أيضاً كما نقلته عنه في "صحيح الترغيب "، لكن فاته إعلال الطريق الأول. *
3410- (لِيَهنِكَ العلمُ أبا المنذرِ! والذي نفسي بيده؛ إنّ لها لساناً وشَفَتَينِ تُقَدّسان الملِك عند ساقِ العرش. يعني: آيةَ الكرسيّ) .
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (3/370/6001) : أخبرنا الثوري عن سعيد الجُرَيري عن أبي السَّليل عن عبد الله بن رباح عن أبي بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أي آية في كتاب الله أعظم؟ ".
فقال: الله ورسوله أعلم! يكررها مراراً، ثم قال أُبيّ: آية الكرسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره.
ومن طريق عبد الرزاق: أخرجه أحمد (5/141- 142) ، وابن الضُّرَيس في "فضائل القرآن " (90/186) .
وتابعه ابن أبي شيبة: نا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن الجريري به بتمامه.(7/1207)
أخرجه البغوي في "شرح السنة" (4/459/1195) ، و"التفسير" (1/310) .
وهو في "صحيح مسلم " (2/199) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة به؛ دون قوله: "والذي نفسي بيده ... " إلخ. واستدركه الحاكم (3/304) على مسلم؛ فوهم!
وقد أخرجه أبو داود (1460) من طريق أخرى عن عبد الأعلى.
وتابعه إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد بن إياس الجريري به.
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن " (122/13- 34) .
تنبيهان:
1- قوله في الحديث: "لساناً " هو الثابت في كل مصادر التخريج؛ إلا "مصنف عبد الرزاق "، فهو فيه: "للساناً" بزيادة لام التأكيد، فمن تخاليط الشيخ الأعظمي في تعليقاته عليه: قوله:
"كذا في "مسند أحمد" (!) وفي (ص) و (ز) : للسانين "!
والذي في "المسند" إنما هو: "لساناً" بدون اللام كالمصادر الأخرى كما تقدم.
2- عزا المنذري الحديث لابن أبي شيبة دون أن يقيده بكتاب، فتفضل المعلقون الثلاثة؛ فقيدوه (2/351) بـ "المصنف"! وهذا منهم تخرص ورجم بالغيب، ومن الدليل على ذلك أنهم لما خرجوا الحديث من رواية مسلم وأبي داود؛ قرنوها بالأرقام، بخلاف عزوهم لـ "المصنف "؛ فلم يذكروا له رقماً.
ولعلهم لجهلهم لا يعلمون أن لابن أبي شيبة كتباً أخر؛ مثل "المسند" و"التفسير" وغيرهما، فكان بسبب ذلك تقييدهم المذكور!!. *(7/1208)
3411- (لقد سأَلتَ اللهَ باسمِ اللهِ الأعظَم: الذي إذا دُعيَ به أجابَ، وإذا سُئل به أعطَى) .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/272/9410) ، وأحمد (3/120) قالا: ثنا وكيع: حدثني أبو خزيمة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول:
اللهم! لك الحمد، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، المنّان، بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام! فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ومن طريق وكيع: أخرجه ابن ماجه (3858) .
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي خزيمة، قال أبو حاتم:
"لابأس به ".
وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/465) ، وسماه: (صالح بن مرداس) وروى عنه جمع من الثقات الحفاظ، وقال الذهبي، والحافظ:
"صدوق ".
وله طريقان آخران:
أحد هما: يرويه محمد بن إسحاق: حدثني عبد العزيز بن مسلم عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن أنس به، دون قوله:
"وحدك لا شريك لك ".(7/1209)
أخرجه أحمد (3/265) ، والبخاري في " التاريخ " (3/2/27) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/62) .
قلت: وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن، رجاله ثقات معروفون؛ غير عبد العزيز بن مسلم- وهو الأنصاري مولى آل رفاعة-، وثقه ابن حبان (5/123) ، وروى عنه أيضاً معاوية بن صالح. وقال الحافظ:
"مقبول ".
والآخر: يرويه خلف بن خليفة: ثنا حفص بن عمر عن أنس به نحوه، دون قوله المذكور، وزاد بعد جملة (الجلال) :
"يا حي يا قيوم! ".
ورجاله ثقات؛ لكن خلفاً هذا كان اختلط، وقد خرجت حديثه هذا في "صحيح أبي داود" (1342) لطرقه، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
(تنبيه) : وقع في الطريق الأولى- بين عبد العزيز بن مسلم وإبراهيم بن عبيد- زيادة: (عن عاصم) في "المسند" فقط، وهي ثابتة في "جامع المسانيد" لابن كثير (21/22/9) ، وكذا في "أطراف المسند" لابن حجر العسقلاني (1/271) ، والظاهر أنه خطأ قديم مقحم من بعض النساخ؛ لعدم ورودها عند البخاري والطحاوي أولاً، ولأنهم لم يذكروا (عاصماً) هذا في شيوخ عبد العزيز بن مسلم- كما تقدم-، ولا في الرواة عن إبراهيم بن عبيد ثانياً، والله أعلم.
تنبيه آخر: لقد وقع في سياق حديث الترجمة عند المنذري في "الترغيب " (2/234/4) - وقد ساقه بلفظ أحمد- زيادة ونقص، فقال:
"لا إله إلا أنت، يا حنان يا منان! يا بديع ... " فزاد: "يا" النداء في الجمل(7/1210)
الثلاثة، وزاد اسم: "حنان"! وأسقط جملة: "وحدك لا شريك لك ". ولا أصل للاسم المذكور إلا في رواية لأحمد في طريق (خلف) (3/158) ، وأظنها خطأ أيضاً من بعض النساخ أو الرواة؛ ففي الرواية الأخرى عنده (3/245) : "المنان"، وهو الثابت في رواية أبي داود والنسائي والطحاوي وابن حبان والحاكم، ويشهد له حديث الترجمة.
وأظن أن ما في "الترغيب " بعضه من تلفيق المؤلف نفسه بين الروايات- وهو من عادته فيه! - وبعضه من النساخ. ولم يتنبه لهذا الخلط المعلقون الثلاثة عليه (2/481) ، فلم ينبهوا عليه كما هو واجب التحقيق الذي ادعوه في طبعتهم الجديدة لـ "الترغيب "! بل زادوا عليه خلطاً من عندهم! فجعلوا مكان قوله: "سألت الله"- الثابت في "مسند أحمد" وغيره-: قولهم: [دعا الله] ، هكذا بين معكوفتين، وعلقوا عليه فقالوا: "ليست في (ب) "!
قلت: وهذا تعليق هزيل، فمع أن الزيادة مخالفة لرواية "المسند" " فإنها تعني أن الأصل الذي طبعوا عليه فيه سقط، وأنه بلفظ:
"لقد.. باسمه الأعظم ... ".
وهذا غير معقول ولا مفهوم! فكان عليهم أن يبينوا ماذا في نسخة (ب) ، (ذلك مبلغهم من العلم) والتحقيق المزعوم!
وزادوا- ضغثاً على إبَّالة- أنهم عزوا الحديث لأحمد (5/349و360) ! وإنما هو في المجلد الثالث منه كما تقدم.
وبعد كتابة ما تقدم رجعت إلى "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان " في طبعتيه، فرأيت في حديث خلف:(7/1211)
"أنت الحنان المنان "؛ جمع بين الاسمين، لكن ليس في "زوائد ابن حبان " (2382) للهيثمي إلا:
"أنت المنان ".
وهو المحفوظ، وزيادة: " الحنان " شاذة باعتبارين:
أحدهما: عدم ورودها مطلقاً في حديث الترجمة وغيره، كما سبق.
والآخر: مخالفتها لكل الطرق الدائرة على (خلف) ، فليس فيها الجمع المذكور. ومما يؤكده أن راويه في "صحيح ابن حبان" عن (خلف) هو قتيبة بن سعيد، وعنه رواه النسائي دون الزيادة، فكان هذا مما يرجح ما في "زوائد ابن حبان " على ما في "الإحسان ".
من أجل ذلك؛ يبدو جلياً خطأ المعلقين الثلاثة الذي سكتوا في تعليقهم على "الترغيب" عن هذه الزيادة، وليس ذلك غريباً عنهم؛ فإنهم لا يحسنون غيره لجهلهم، ولكن الغريب أن يلحقها بـ "زوائد ابن حبان" (2/1075- طبع المؤسسة) المعلقان عليه، ويجعلاها بين معكوفتين: [الحنان] ، وهي لا تصح لشذوذها ومخالفتها للطرق عن (خلف) ، ومنها طريق قتيبة، ولمباينتها لسائر الطرق على أنس، وبخاصة طريق حديث الترجمة. *
3412- (لا صلاةَ بعدَ العصر حتّى تغربَ الشمسُ، ولا بعْدَ الفجْرِ حتّى تطلعَ الشمسُ إلا بمكةَ، إلا بمكةَ، [إلا بمكةَ] ) .
أخرجه أحمد (5/165) : ثنا يزيد، والدارقطني في "سننه " (1/424/6) ، والبيهقي (2/461) من طريق محمد بن إدريس الشافعي، والبيهقي أيضاً(7/1212)
والطبراني في "المعجم الأوسط " (1/468/851) عن سنيد بن سليمان؛ ثلاثتهم عن عبد الله بن المؤمل عن حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد عن أبي ذر:
أنه أخذ بحلقة باب الكعبة، فقال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال الطبراني:
"لم يروه عن قيس بن سعد إلا حميد بن قيس الأعرج، تفرد به عبد الله بن المؤمل المخزومي "!
كذا قال! وقد توبع كما يأتي؛ فانتظر.
وخالف هؤلاء الثلاثة سعيد بن سالم القدََّاح، فقال: عن عبد الله بن مؤمل عن حميد مولى عفراء عن مجاهد به؛ لم يذكر: قيس بن سعد.
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (4/226/2748) ، وابن عدي في "الكامل " (4/137) . وقال ابن خزيمة:
"أنا أشك في سماع مجاهد من أبي ذر".
قلت: لعل مستند هذا الشك ما أخرجه ابن عدي (7/289) ، ومن طريقه البيهقي قال: حدثنا محمد بن يونس العُصفُرِي: حدثنا محمد بن موسى الحَرَشِيُّ: حدثني اليَسَعُ بن طلحة القرشي- من أهل مكة-: سمعت مجاهداً يقول: بلغنا أن أبا ذر قال ... فذكر الحديث مختصراً جداً بلفظ:
"لا صلاة بعد العصر إلا بمكة ".
لكن اليسع بن طلحة هذا ضعيف جداً، قال البخاري وأبو زرعة:
"منكر الحديث ".(7/1213)
وقال البيهقي عقبه:
"اليسع بن طلحة ضعفوه، والحديث منقطع؛ مجاهد لم يدرك أبا ذر، والله أعلم".
قلت: نفيه الإدراك قد سبق إليه من غير ما واحد من الحفاظ. وقد جاء في "نصب الراية" للزيلعي (1/254) عقب النفي المذكور:
"قال الشيخ (يعني: ابن دقيق العيد) في "الإمام ": وحديث أبي ذر هذا معلول بأربعة أشياء:
أحدها: انقطاع ما بين مجاهد وأبي ذر.. (ثم ذكر كلام البيهقي) .
والثاني: اختلاف في إسناده؛ فرواه سعيد بن سالم عن ابن المؤمل عن حميد مولى عفراء عن مجاهد عن أبي ذر، لم يذكر فيه قيس بن سعد. أخرجه كذلك ابن عدي في "الكامل ". قال البيهقي:
"وكذلك رواه عبد الله بن محمد الشامي عن ابن المؤمل عن حميد الأعرج عن مجاهد".
والثالث: ضعف ابن المؤمل، قال النسائي وابن معين: "ضعيف ". وقال أحمد: "أحاديثه مناكير". وقال ابن عدي: "عامة حديثه الضعف عليه بيِّن ".
الرابع: ضعف حميد مولى عفراء، قال البيهقي: "ليس بالقوي ". وقال أبو عمر بن عبد البر: "هو ضعيف ". انتهى"!
قلت: هذه العلل عندي واهية جداً؛ باستثناء الأولى والثالثة ففيهما نظر يأتي بيانه، وأوهاها رابعها؛ فإن حميداً هذا- وهو ابن قيس الأعرج المكي القاري-(7/1214)
قد وثقه جمهور الأئمة المتقدمين، ومنهم البخاري، ولم يضعفه أحد منهم إلا أحمد في رواية؛ فإنه قال ما قاله البيهقي، وهذا وإن كان لا يعني أنه "ضعيف " كما أطلق ابن عبد البر، لما هو معلوم من الفرق بين هذا وبين ما لو قال: "ليس بقوي"، ولا سيما وقد قال أحمد في رواية أخرى عنه:
"ثقة". وقال ابن معين فيه:
ولذلك أخرج له الشيخان في "الصحيحين "؛ فقد جاوز القنطرة يقيناً.
ونحوه في الضعف الوجه الثاني؛ لأن مثل هذا الاختلاف لا قيمة له؛ بل لا ينبغي أن يذكر؛ لأن سعيد بن سالم- لو كان ثقة- فلا ينبغي أن يلتفت إلى مخالفته للثلاثة الثقات الذين تقدم ذكرهم، وبخاصة منهم الإمام الشافعي، فكيف وهو مضعف من قبل حفظه؟!
ومثله يقال- ومن باب أولى- في متابعة (عبد الله بن محمد الشامي) - وفي "سنن البيهقي ": (الشافعي) -؛ فإنه غير معروف في كتب الرجال، مع احتمال أن يكون الذي في "الميزان ":
"عبد الله بن محمد بن حجر الشامي، نزيل رأس العين، ضعفه الأزدي ".
وزاد عليه الحافظ وفي "اللسان" أنه ذكره ابن حبان في "الثقات"، وأنه قال:
"يغرب وينفرد".
وقد ذكره في الطبقة الرابعة منه (8/349) .
ثم إنه لو سلمنا جدلاً أن لمثل هذه المخالفة قيمة تذكر؛ فيمكن الترجيح من(7/1215)
جهة أخرى- غير الأكثر والأوثق- بأن يقال: إن هؤلاء معهم زيادة، وزيادة الثقة مقبولة. وفي الجواب التالي ما يؤكد ذلك.
وأما الجواب عن الوجه الثالث؛ فهو عند البيهقي نفسه؛ فإنه بعد أن ساق رواية عبد الله بن المؤمل وضعفه؛ قال معقباً عليه:
"إلا أن إبراهيم بن طهمان قد تابعه في ذلك عن حميد، وأقام إسناده ".
ثم ساقه عنه: ثنا حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد قال:
جاءنا أبو ذر، فأخذ بحلقة الباب، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بأذني هاتين ... فذكر حديث الترجمة بالزيادة.
ثم أعله بضعف (حميد) - وسبق الجواب عنه-، وبالانقطاع، وبقوله:
"ومجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر، وقوله: "جاءنا" يعني: جاء بلدنا. والله أعلم"!
لقد صرح مجاهد بقوله: "جاءنا أبو ذر"؛ فهذا تصريح منه بلقياه إياه وسماعه منه في مكة، ومجاهد مكي كما هو معروف، والسند إليه بذلك صحيح، والتأويل الذي ذكره البيهقي؛ إنما يصح المصير إليه؛ إذا ثبت بإسناد صحيح أيضاً ولا يقبل التأويل، كما لو ثبت أنه ولد بعد وفاة أبي ذر، أو كان صغيراً، أو نحو ذلك من الأمور التي يصلح الاعتماد عليها بعد ثبوتها؛ ففي هذه الحالة يمكن القول بالتأويل المذكور. والله أعلم.
ومع ذلك؛ فمن المسلَّم عند العلماء أن مراسيل مجاهد خير من مراسيل غيره من التابعين كعطاء وغيره، فإن لم يثبت سماعه للحديث من أبي ذر؛ فهو مرسل صحيح، يمكن تقويته ببعض الشواهد:(7/1216)
فمنها: ما رواه عبد الله بن باباه عن أبي الدرداء:
أنه طاف بعد العصر عند مغارب الشمس، فصلى ركعتين قبل غروب الشمس، فقيل له: يا أبا الدرداء! أنتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقولون: لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس؟! فقال:
إن هذه البلدة بلدة ليست كغيرها.
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني " (1/396) ، والبيهقي أيضاً (2/463) ، وإسناده صحيح، ولذلك لم يسعه إلا أن يقول بصحة الاستثناء المذكور في حديث الترجمة، فقال:
"وهذا القول من أبي الدرداء يوجب تخصيص المكان بذلك. والله أعلم ".
وهناك آثار أخرى تشهد لصحة الاستثناء، ولذلك رأيت الحافظ ابن عبد البر - مع تضعيفه لسند الحديث وإعلاله إياه بما تقدم- مع الرد عليه-؛ قال في "التمهيد" (13/45) :
"وهذا حديث وإن لم يكن بالقوي- لضعف حميد مولى عفراء، ولأن مجاهداً لم يسمع من أبي ذر-؛ ففي حديث جبير بن مطعم ما يقويه، مع قول جمهور علماء المسلمين به، وذلك أن ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، والحسن، والحسين، وعطاء، وطاوس، ومجاهداً، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير " كانوا يطوفون بعد العصر، وبعضهم بعد الصبح أيضاً، ويصلون بإثر فراغهم من طوافهم ركعتين في ذلك الوقت، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود بن علي ... ".
ثم ذكر من خالفهم، فمن شاء رجع إليه فإن فيما ذكر من الحجة ما يغني عن حكاية أقوال المخالفين، ولا سيما وقد قال في بعضها:(7/1217)
"وهذا لا وجه له في النظر؛ لأن الفرق بين ذلك لا دليل عليه من خبر ثابت، ولا قياس صحيح. والله أعلم ".
وحديث جبير بن مطعم الذي أشار إليه كاف في إقامة الحجة على المخالفين إذا وقفوا عليه، وأنصفوا ولم يقلدوا، ونصه:
"يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى؛ أية ساعة شاء؛ من ليل أو نهار".
وقد صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والذهبي، وهو مخرج في " الإرواء " (2/238- 239) .
واعلم أن الباعث على تخريج حديث الترجمة في هذه السلسلة: أنني كنت علقت عليه في "المشكاة" (1/331) من رواية أحمد بأن: "إسناده ضعيف، لكن يشهد له الحديث المتقدم (1041) "؛ وفاتني أن أعطف على هذا الرقم رقماً آخر وهو (1045) ، فرد علي بعض المعاصرين بأدب ولطف في رسالة له أسماها: "الإعلام في إيضاح ما خفي على الإمام "! بأن الحديث المشار إليه (1041) ليس فيه ما يشهد للاستثناء: "إلا بمكة"، ولقد صدق، وقالت (ص30) :
"وهو استثناء ضعيف سنداً ومتناً، والصحيح القول بالعموم، والله أعلم. وانظر"نصب الراية " (1/254) ، و"البيهقي " (2/461) "!
فعجبت من غضه نظره عن حديث جبير بن مطعم المؤيد للاستثناء الذي عليه جمهور العلماء كما تقدم، ومن أمره بالنظر في المصدرين المذكورين، وفيهما حديث جبير وغيره من الطرق والشواهد.
(تنبيه) : ليس في إسناد حديث الترجمة في "مسند أحمد" ذكر لـ (حميد(7/1218)
مولى غفرة) ، فظننت أنه سقط من الطابع، فرجعت للتأكد إلى "جامع المسانيد" لابن كثير؛ في ترجمة (مجاهد عن أبي ذر) (13/768) ؛ فلم أجده فيه، فكأنه سقط عنه، ثم رجعت إلى "أطراف المسند" لابن حجر العسقلاني (6/185/8071) ، فوجدته كما هو في "المسند"، فترجح عندي أنه سقط قديم، فيمكن أن يكون من بعض النساخ، أو من عبد الله بن المؤمل نفسه، أثبته تارة، وأسقطه تارة، وذلك مما يؤكد ضعفه. والله أعلم.
لكني رأيت الهيثمي قال في "المجمع " (2/228) :
"رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط "، وفيه عبد الله بن المؤمل المخزومي؛ ضعفه أحمد وغيره، ووثقه ابن معين في رواية وابن حبان، وقال: "يخطئ"، وبقية رجال أحمد رجال (الصحيح) "!
قلت: فلم يفرق الهيثمي بين رواية أحمد والطبراني، فإما أن تكون روايتهما واحدة، في الأولى ما في الأخرى من ثبوت ذكر (حميد) في الإسناد، فتكون نسخة الهيثمي من "المسند" على خلاف نسخة الحافظ في "الأطراف"، أو يكون حمل رواية "المسند" على رواية الطبراني، مع ما فيها من السقط، فعل ذلك تسامحاً أو سهواً! وهذا هو الأقرب. والله أعلم. *
مِن كَرَمِهِ - صلى الله عليه وسلم - وحُسنِ قَضَائِه
3413- (نِصفٌ لك قضاءٌ، ونصفٌ لك نائلٌ منِّي) .
أخرجه البيهقي في "السنن " (5/351) ، و"شعب الإيمان " (7/531/11237)
من طريقين عن أبي عبد الله البُوشَنجي محمد بن إبراهيم: ثنا أبو صالح الفراء(7/1219)
محبوب بن موسى: أنا عبد الله بن المبارك عن حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:
أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يسأله، فاستسلف له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -شطر وَسقٍ، فأعطاه إياه، فجاء الرجل يتقاضاه، فأعطاه وسقاً، وقال: ... فذكره.
وقد توبع البوشنجي- وهو ثقة حافظ- بأتم منه، فقال البزار في "مسنده" (2/103-104/1306- كشف الأستار) : حدثنا محمد بن أبي غالب: ثنا أبو صالح الفراء به، ولفظه:
أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يتقاضاه، قد استسلف منه شطر وسق، فأعطاه وسقاً، فقال:
"نصف وسق لك، ونصف وسق لك من عندي ".
ثم جاء صاحب الوسق يتقاضاه، فأعطاه وسقين، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"وسق لك، ووسق من عندي ".
وقال البزار:
"لا نعلمه رواه عن حبيب هكذا إلا حمزة الزيات، ولا عنه إلا ابن المبارك ".
قلت: وكلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير حمزة الزيات؛ فهو من رجال مسلم، وفيه كلام يسير أشار إليه الحافظ بقوله في "التقريب ":
"صدوق زاهد، ربما وهم ".
ولذلك قال المنذري في "الترغيب " (3/20/14) :
"رواه البزار، وإسناده حسن إن شاء الله ".(7/1220)
وأما الهيثمي، فقال في "المجمع " (4/141) :
"رواه البزار، وفيه أبو صالح الفراء، لم أعرفه، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!
وأقره الشيخ الأعظمي في تعليقه علي "كشف الأستار"! وقلده المعلقون الثلاثة على "الترغيب" (2/553) ، فضعفوا الحديث! وفاتهم جميعاً رواية البيهقي المصرحة بأنه (محبوب بن موسى) ، وهو معروف من شيوخ أبي داود، وقد وثقه الذهبي في "الكاشف ". وقال الحافظ في "التقريب ":
" صدوق ".
قلت: ولذلك لما نقل الحافظ في "مختصر زوائد مختصر البزار" قول شيخه الهيثمي المتقدم في (أبي صالح) : "ولم أعرفه "؛ قال (1/529) متعقباً عليه: "قلت: هو محبوب بن موسى؛ ثقة صالح ".
ثم أقول: لقد رمى ابن خزيمة وابن حبان (حبيب بن أبي ثابت) بالتدليس، وقال الحافظ في "التقريب ":
"ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس ".
قلت: ولم يعرج الحافظ الذهبي في كل كتبه التي ترجم له فيها على وصفه بالتدليس، مثل: "تذكرة الحفاظ "، "وسير أعلام النبلاء "، و"تاريخ الإسلام "، و"الكاشف"، وغيرها، ولما أورده في "الميزان"؛ وصفه بقوله:
"من ثقات التابعين، وثقه ابن معين وجماعة، واحتج به كل من أفرد الصحاح بلا تردد".
ثم اعتذر عن إيراده فيه بقوله:
"ولولا أن الدولابي وغيره ذكروه، لما ذكرته ".(7/1221)
فلعل إعراض الذهبي عن وصفه بالتدليس؛ لقلته في جملة ما روى من الأحاديث، فمثله مما يغض النظر عن عنعنته عند العلماء؛ إلا إذا ظهر أن في حديثه شيئاً يستدعي رده من نكارة أو شذوذ أو مخالفة، أو على الأقل يقتضي التوقف عن تصحيح حديثه. ولعل هذا هو السبب في أن ابن حبان وشيخه قد أخرجا له في "صحيحيهما" بعض الأحاديث معنعنة، كالحديث الآتي بعد هذا وغيره، فانظر "صحيح ابن حبان " (375و420) ، و"صحيح ابن خزيمة" (23و1172و1684) ، وهو السبب أيضاً في تحسين المنذري حديثه هذا كما تقدم. والله أعلم. *
3414- (من قالَ حين يأوي إلى فراشِه:
"لا إلهَ إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ لهُ، له الملكُ، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قَديرٌ، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله، سبحانَ اللهِ، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبرُ".
غُفِرت له ذنوبُه- أو قالَ: خطاياهُ، شكّ مِسعَر- وإن كانَت مثلَ زَبَدِ البحرِ) .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (587/2365) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة " (229/716) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/267) من طريق مسعر بن كِدام عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن باباه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وتابعه شعبة وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت به نحوه، إلا أنهما لم يرفعاه.
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (471/811) ، وقال:(7/1222)
"ليس في حديث شعبة: (عند منامه) ".
قلت: سفيان أحفظ من شعبة، لا سيما وزيادة الثقة مقبولة، فكيف وقد رفعه مسعر أيضاً؟! تم رأيت الأعمش قد رواه عن حبيب به موقوفاً؛ عند ابن أبي شيبة (9/73-74و10/250) ، فالحكم للزيادة؛ ولا سيما أنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر، والسند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم؛ لولا أن حبيب بن أبي ثابت كان يدلس؛ كما قال ابن حبان نفسه تبعاً لشيخه ابن خزيمة، لكن سبق مني بيان ما يرجح أن تدليسه قليل، وأن مثله يمشي العلماء حديثه حتى يتبين أن فيه علة قادحة، وأنه لذلك أخرج له ابن حبان أحاديث معنعنة في "صحيحه"، وهذا منها، فانظره في الحديث الذي قبله.
على أن في هذا ما يؤمننا من تدليسه، وهو رواية شعبة عنه عند النسائي كما تقدم؛ فإنه من المعروف عنه حرصه في عدم التحديث عن المعروف بالتدليس إذا لم يصرح بالتحديث، كما في "تقدمة الجرح والتعديل " (161 و169) :
"وقال شعبة: كنت أتفقد فم قتادة، فإذا قال: "سمعت " أو "حدثنا"؛ حَفِظتُ، وإذا قال: "حدث فلان "؛ تَرَكتُه "، وانظر (2/35) منه؛ تزدد يقيناً.
(تنبيه) : تناقض في هذا الحديث المعلق على "الإحسان " (12/338) ، فأعله بعنعنة (حبيب) ، وأما في تحقيقه لكتاب "موارد الظمآن " (2/1066) ، فقال: إنه "حسن"! ولم يبين وجه ذلك بعد ذلك الإعلال ومع الإحالة عليه!! وقلده المعلقون الثلاثة في التحسين وبدون بيان أيضاً؟ كما هي عادتهم!
وأما المعلقان على الطبعة السورية لـ "الموارد"؛, فجريا على الجادة، فضعفا إسناده بعلة العنعنة! *(7/1223)
فضل قضاء الدَّين عن الميت
3415- (ها هنا أَحدٌ من بني فُلانٍ؟ إن صاحبَكم محبُوسٌ ببابِ الجنّةِ بدَينٍ عليه)
أخرجه الطيالسي في "مسنده " (121/891) : حدثنا شعبة قال: أخبرني فراس قال: سمعت الشعبي قال: سمعت سمرة بن جندب يقول:
صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، مسلسل بالسماع. وقد رواه بعضهم عن الشعبي عن سمعان بن مشنَّج عن سمرة مختصراً ومطولاً، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 26- المعارف) ؛ وقلت هناك:
"وهو على الوجه الأول صحيح على شرط الشيخين، كما قال الحاكم ووافقه الذهبي، وعلى الوجه الثاني صحيح فقط ".
وذلك؛ لأن سمعان هذا قد وثقه جماعة، مع أنهم لم يذكروا له راوياً غير الشعبي؛ وما ذاك إلا لإجلالهم وإكبارهم للشعبي، حتى قال ابن معين:
"إذا حدث الشعبي عن رجل فسماه؛ فهو ثقة يحتج بحديثه ".
وقال العجلي في "ثقاته " (244/751) :
"مرسل الشعبي صحيح، لا يرسل إلا صحيحاً صحيحاً ".
ومع ذلك كله؛ فقد أعله البخاري بالانقطاع، فقال في ترجمة (سمعان) من "التاريخ الكبير" (2/2/204) :
"ولا نعلم لسمعان سماعاً من سمرة، ولا للشعبي من سمعان "!(7/1224)
قلت: وهذا الإعلال منسجم مع مذهب البخاري المعروف في اشتراطه معرفة اللقاء كشرط في الاتصال، لكن الجمهور على خلافه، فإنهم يكتفون بإمكان اللقاء لمجرد المعاصرة، وإن كان شرط البخاري أحوط، فهو شرط كمال- عندنا- وليس شرط صحة، وعلى هذا فإعلال البخاري غير وارد في هذا الحديث.
ونحوه قول أبي حاتم في "المراسيل " (ص 102) :
"لا أدري سمع الشعبي من سمرة أم لا؟ لأنه أدخل بينه وبينه رجلاً".
قلت: وهذا الشك لا ينفي الاتصال؛ لأنه ليس علماً، فلا إشكال، وإنما الإشكال في جزمه بالنفي في ترجمة الشعبي؛ كما رواه عنه ابنه في "الجرح والتعديل " (3/323) :
"ولم يسمع من سمرة بن جندب، وحديث شعبة عن فراس عن الشعبي: سمعت سمرة.. غلط، بينهما سمعان بن مشنج ".
قلت: وجود واسطة بينهما في بعض الروايات لا ينفي أنه سمع من سمرة؛ لاحتمال أنه سمعه منه فيما بعد، ما دامت المعاصرة متحققة، وقد ذكر ابن أبي حاتم نفسه في أول ترجمة الشعبي: أنه رأى علي بن أبي طالب. بل قال الحافظ العلائي في "جامع التحصيل في أحكام المراسيل " (ص 248/322) :
"روى عن علي رضي الله عنه، وذلك في "صحيح البخاري " (1) ، وهو لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء كما تقدم ".
قلت: وعلي رضي الله عنه توفي سنة (40) ، وسمرة سنة (58) ، فإمكان اللقاء والسماع منه متحقق، فالجزم بعدم سماعه منه لمجرد وجود الواسطة بينهما
_________
(1) انظر "كتاب الحدود" رقم (6812- الفتح 12/117) .(7/1225)
مردود؛ لما ذكرته من الاحتمال، هذا إذا لم يثبت تصريحه بسماعه منه، فكيف وقد صرح به في رواية الحافظ الطيالسي. وقول أبي حاتم بأنه "غلط"! مردود أيضاً؛ لأنه لا يجوز رد رواية الثقة ما دام الجمع بينها وبين الرواية الأخرى التي أثبتت الواسطة ممكناً بما قدمت.
على أن هذه الرواية قد أشار النسائي إلى شذوذها؛ فقد قال عقب الحديث في " السنن الكبرى " (4/58) :
"وقد رواه غير واحد عن الشعبي عن سمرة، وقد روي أيضاً عن الشعبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. ولا نعلم أحداً قال في هذا الحديث: [عن] (سمعان) ؛ غير سعيد بن مسروق ". وأقره الحافظ المزي.
فإن صح هذا؛ فبها، وإلا؛ ففيما تقدم من الجواب كفاية وبركة. *
من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -
3415/2- (بينَ يدَيِ السّاعةِ يظهرُ الرِّبا، والزِّنى، والخمرُ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (8/340/7691) : حدثنا محمد بن داود بن جابر الأحمسي البغدادي قال: حدثنا محمد بن عباد المكي قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن بشير أبي إسماعيل عن سَيَّار عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال:
"لم يروه عن بشير أبي إسماعيل إلا حاتم بن إسماعيل ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وبشير أبو إسماعيل- وهو ابن سلمان- ثقة من رجال مسلم.(7/1226)
وسيار: هو أبو حمزة الكوفي، وثقه ابن حبان، وصحح له الحاكم (1/408) ، ووافقه الذهبي؛ فهو حسن الحديث.
ومحمد بن عباد المكي ثقة أيضاً من رجال الشيخين.
وأما محمد بن داود بن جابر الأحمسي " فأورده الخطيب في "التاريخ" (5/263- 264) ، وساق له حديثاً من طريق الطبراني أيضاً غير هذا، ولم يزد؛ فهو مجهول. لكنه قد توبع، فأخرجه الشَّجَري في "الأمالي " (2/273) من طريق أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا محمد بن عباد المكي به.
وأحمد بن عبد الجبار، قال الذهبي في "المغني":
"حديثه مستقيم، وضعفه غير واحد".
وتابعه أيضاً غيره، فقال الطبراني في "الأوسط " أيضاً (9/73/8154) : حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا محمد بن عباد المكي به؛ غير أنه لم يذكر: "الزنى".
وموسى بن هارون: هو الحمال، ثقة حافظ.
وبهذا التخريج يتبين أن الحديث رجال إسناده رجال "الصحيح"؛ غير سيار أبي حمزه الكوفي، وقد سبق أنه حسن الحديث. وقد أشار المنذري في "الترغيب" (3/52/23) إلى تقوية الحديث.
وأما قول الهيثمي في "المجمع " (4/118) :
"رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) "!
فهذا التعميم- فيما يبدو لي- يعني أن (سياراً) هذا هو أبو الحكم العنزي الواسطي؛ فإنه من رجال الشيخين، لكن الإمام أحمد وغيره جزم بأن (سياراً)(7/1227)
الذي يروي عنه بشير بن سلمان هو أبو حمزة الكوفي، وليس هو أبا الحكم، وإن جاء ذلك صريحاً في بعض الروايات عن بشير؛ انظر الحديث المخرج تحت الحديث (2767) ، فلهذا اقتصرت على التحسين. لكن الحديث صحيح، ومن دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد جاء مفرقاً في أحاديث تقدم بعضها، فانظر مثلاً حديث ابن عمر المتقدم برقم (107) ، وحديث ابن عباس المخرج في "غاية المرام" (203/344) ، وحديث عبادة بن الصامت في "الصحيحة" برقم (1604) وغيرها.
ومن ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم -:
"إن من أشراط الساعة: أن يُرفَعَ العِلمُ، ويَظهَرَ الجَهلُ، ويَفشُوَ الزِّنى، وتُشرَبَ الخمرُ ... " الحديث.
أخرجه الشيخان في "العلم "، وأصحاب "السنن "- غير أبي داود-، وصححه الترمذي (2205) . *
3416- (ما من مسلِمَينِ يموتُ لهما ثلاثةُ أطفالٍ لم يبلغُوا الحنثَ،
إلا جِيءَ بهم حتّى يُوقفُوا على باب الجنّة، فيقالُ لهم: ادخلوا الجنّة، فيقولون: أندخلُ ولم يدخل أبوانَا؟! فيقالُ لهم- فلا أدري في الثّانيةِ-: ادخلوا الجنة وآباؤكم، قال: فذلك قولُ الله عزّ وجلّ: (فما تنفعُهم شفاعةُ الشّافِعين) ؛ قالَ: نفعَتِ الآباءَ شفاعةُ أولادِهم) .
أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/230/2) : أخبرنا النضر بن شُمَيلٍ: نا أبان بن صَمعة: نا محمد بن سيرين عن حبيبة- أو أم حبيبة- قالت:
كنا في بيت عائشة، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره.(7/1228)
وهكذا أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (8/446) فقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا أبان بن صمعة قال: سمعت محمد بن سيرين- ودخل علينا في السجن على يزيد بن أبي بكر [ة]- فقال: حدثتني حبيبة:
أنها كانت في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء النبي- صلى الله عليه وسلم - ... الحديث إلى قوله: "ادخلوا أنتم وآباؤكم " دون ما بعده، وزاد:
فقالت عائشة للمرأة: أسمعت؟ فقالت: نعم.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/224/570) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/342/2) من طرق أخرى عن أبان بن صمعة مختصراً به.
ثم أخرجه الطبراني من طريقين عن عبد الرزاق قال: سمعت هشام بن حسان يحدث عن محمد بن سيرين عن يزيد بن أبي بكرة قال: حدثتني حبيبة أنها كانت عند عائشة.. الحديث إلى قوله:
"ادخلوا أنتم وآباؤكم الجنة ".
وقال الهيثمي في "المجمع " (3/7) :
"رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال "الصحيح "، خلا يزيد بن أبي بكرة، ولم أجد له ترجمة، وأعاده بإسناد آخر، ورجاله ثقات، وليس فيه (يزيد بن أبي بكرة) ، والله أعلم "!
قلت: يزيد بن أبي بكرة الثقفي؛ ذكره ابن سعد في أولاد أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه؛ في كتابه "الطبقات" (7/191) ، ولم يترجم له. وأورده ابن حبان في "الثقات " (5/534) ، وقال:
"روى عنه أهل البصرة".(7/1229)
فالعجب من الهيثمي كيف خفي عليه هذا، ومن كتبه "ترتيب ثقات ابن حبان"! وأما المنذري؛ فكأنه كان على علم بهذا التوثيق؛ فقد رأيته يقول في "الترغيب" (3/91/10) -وقد ساقه بلفظ عبد الرزاق-:
"رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن جيد".
وأنا أخشى أن يكون ذكر (يزيد بن أبي بكرة) بين ابن سيرين وحبيبة خطأ من عبد الرزاق أو غيره؛ لرواية أبان بن صمعة الخالية منه، وبخاصة رواية ابن سعد عنه؛ فإنها صريحة بأن ابن سيرين حدث به يزيد بن أبي بكرة في السجن، ولذلك قال ابن سعد عقبها:
"هكذا رواه محمد بن سيرين عن (حبيبة) ، ولم ينسبها، فلا ندري: هي بنت سهل أو غيرها؟! ".
قلت: بل هي (حبيبة بنت أبي سفيان) ؛ كما جاء مصرحاً به في رواية الأنصاري عند الطبراني، وأورد الحديث تحت اسمها. وذكر أبو نعيم أنها خادمة عائشة، وجاء في آخر حديثها عنده:
فقالت لي عائشة: أسمعت؟ قلت: نعم، قالت: فاحفظي إذاً.
وهكذا أخرجه الحسن بن سفيان في "مسنده"؛ كما في "الإصابة"، وجزم بأنها (حبيبة بنت أبي سفيان) ، ورد على من ظن خلاف ذلك؛ فراجعه إن شئت.
وأبان بن صمعة- وهو الأنصاري- وثقه جمع، وروى له مسلم حديثاً واحداً - متابعة-:
"اعزل الأذى عن طريق المسلمين "، ومضى تخريجه برقم (2372) ، وغاية ما قيل فيه أنه كان اختلط، ولذلك قال ابن عدي في "الكامل " (1/392) :(7/1230)
"له من الروايات قليل، وإنما عيب عليه اختلاطه لما كبر، ولم ينسب إلى الضعف؛ لأن مقدار ما يرويه مستقيم غير منكر؛ إلا أن يدخل في حديثه شيء بعدما تغير واختلط ".
قلت: ويدل على استقامة حديثه هذا- وأنه قد حفظه- أمران:
أحدهما: متابعة هشام بن حسان المتقدمة عند عبد الرزاق.
والآخر: أن له شواهد، فأذكر بعضها:
1- عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم:
"صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه- أو قال: أبويه- فيأخذ بثوبه- أو قال: بيده-، كما آخذ أنا بصَنِفة ثوبك هذا، فلا يتناهى- أو قال: فلا ينتهي- حتى يدخله الله وأباه الجنة".
أخرجه مسلم (8/40) ، وأحمد (2/510) . وروى منه البخاري في "الأدب المفرد" (47/145) إلى قوله: "صغاركم دعاميص الجنة ".
2- قال ابن سيرين أيضاً:
جاء الزبير بابنه عبد الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -:
"ما من مؤمنين يموت لهما ثلاثة إلا أدخلهم الله الجنة، فيقول لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: وآباؤنا؟! فيقال لهم في الثالثة: وآباؤكم ".
أخرجه عبد الرزاق (11/139/20138) ، وإسناده ثقات؛ فهو صحيح مرسل.(7/1231)
3- عن قرة المزني في قصة وفاة ابن صغير له، وتعزية النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه، وفيه قوله- صلى الله عليه وسلم -:
"يا فلان! أيهما كان أحب إليك: أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك يفتحه لك؟! ".
قال: يا نبي الله! بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي؛ لهو أحب إلي! قال:
"فذاك لك ".
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! جعلني الله فداك! أله خاصة أو لكلنا؟ قال:
"بل لِكُلِّكُم ".
صححه الحاكم والذهبي،، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص205) ، وصححه الحافظ أيضاً في "الفتح " (3/121) . *
3417- (إنّ الذِي يشربُ في إناءِ الفضّةِ [والذهبِ] إنما يُجرجرُ
في بطنهِ نارَ جهنّم؛ إلا أن يتوبَ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (23/388-389/928) : حدثنا أحمد ابن زهير التستري: ثنا عبيد الله بن سعد: ثنا أبي: حدثنا أبي عن صالح بن كيسان: أنا نافع أن زيد بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر أخبره أن أم سلمة أخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ باستثناء شيخ(7/1232)
الطبراني التستري- وهو أحمد بن يحيى بن زهير التستري- نسب إلى جده، وهو ثقة حافظ، وهو مترجم في "تذكرة الحفاظ " وغيره.
وعبيد الله بن سعد؛ وهو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهم كلهم من رجال البخاري، يروي بعضهم عن بعض؛ إلا أن (سعداً) والد (عبيد الله) روى له البخاري مقروناً. وقوله: "حدثني أبي " كان الأصل: "حدثني عمي "؛ فغلب على ظني أن قوله: "عمي "؛خطأ من الناسخ أو الطابع؛ لأن أحداً ممن ترجم لـ (سعد) هذا لم يذكر له أنه روى عن عمه، وإنما ذكروا أنه روى عن أبيه (إبراهيم بن سعد بن إبراهيم) . ومما أكد لي الخطأ المذكور: أن (إبراهيم) هذا هو الذي ذكره الحافظ المزي في الرواة عن (صالح بن كيسان) شيخه في هذا الحديث، ولم يذكر غيره من آل (الزهري) .
هذا ما أدى إليه اجتهادي وبحثي وتحقيقي، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، وأستغفره من ذنبي، خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي.
وكان الباعث على تخريج الحديث: أنني كنت خرجته قديماً في"إرواء الغليل" (1/68-70/33) ، و"غاية المرام" (90/116) من رواية مسلم وغيره بالزيادة التي بين المعكوفتين دون الاستثناء، مع أن السيوطي كان قد أورد الحديث في "الجامع الصغير" برواية مسلم، عازياً الاستثناء للطبراني، ولما ألفت "صحيح الجامع "؛ ذكرت تحته المصدرين المذكورين آنفاً، والآن في صدد إعادة النظر في أحاديث "صحيح الترغيب " لإعادة طبع الجزء الأول منه بتحقيق جديد، ومفيد جداً، مع طبع سائره؛ اقتضاني ذلك مراجعة المصدرين المشار إليهما، فلما لم أجد فيهما تخريجاً بل ولا ذكراً لهذا الاستثناء؛ بادرت إلى تخريجه الآن. وغالب الظن أن عدم تخريجه قديماً؛ إنما كان بسبب أن المجلد الذي فيه أحاديث أم سلمة لم يكن(7/1233)
مطبوعاً يومئذ، ولا هو مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق؛ والله أعلم، فاعتمدت آنئذ على سكوت السيوطي عنها، وإن كنت أعلم أن فيما يسكت عنه نظراً كبيراً، لكن في مثل هذه الحالة لا يسعني ولا غيري من الطلاب المعتدلين إلا الاعتماد على العلماء ما لم يتبين خطؤهم، على هذا جريت في كل تآليفي، ولا سيما أن (الاستثناء) هنا شواهده في الكتاب والسنة لا تعد ولا تحصى. والله ولي التوفيق.
(تنبيه) : ذكرت آنفاً أن مسلماً وغيره أخرج الحديث- دون الاستثناء- عن أم سلمة، ثم وجدت له شاهداً من حديث ابن عباس، أورده الهيثمي في "المجمع " (5/76- 77) ، وقال:
"رواه أبو يعلى، والطبراني في الثلاثة، وفيه محمد بن يحيى بن أبي سمينة، وقد وثقه أبو حاتم وابن حبان وغيرهما، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله ثقات "!
فرابني هذا الحكم منه حين قابلته بإسناد الطبراني في "المعجم الصغير" وتخريجي إياه في "الروض النضير" (420) ؛ فإن إسناده ضعيف جداً، وقد شمله بحكمه السابق، فظننت أن فيه خطأ يقيناً- على الأقل- من حيث التعميم، فرأيت أنه لا بد من متابعة البحث عن إسناد أبي يعلى، والطبراني في "الأوسط " أيضاً، فتكشفت لي أوهام للهيثمي، وأخرى لبعض المعاصرين الذي لهم مشاركة ما في هذا العلم.
فرأيت إسناد "الأوسط " هو عين إسناد "الصغير"، فقال (4/204/3357) : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال: حدثنا محمد بن بحر التميمي، قال: حدثنا سليم بن مسلم الخشاب قال: حدثنا النضر بن عربي عن عكرمة عن ابن عباس.(7/1234)
ثم رجعت إلى "مسند أبي يعلى"، فرأيته لا يختلف إسناده عن الذي قبله إلا في الراوي عن (سليم الخشاب) ، فقال أبو يعلى (5/101/2711) : حدثنا محمد بن يحيى: حدثنا سليم بن مسلم المكي: حدثنا نضر بن عربي به.
قلت: فتبين لي أن شكي في توثيق الهيثمي للرجال- غير محمد بن يحيى- كان في محله؛ فإن مدار الإسناد عند أبي يعلى على سليم الخشاب أيضاً، وهو غير ثقة، قال الذهبي في "الميزان":
"سليم بن مسلم المكي الخشاب الكاتب.. قال ابن معين: جهمي خبيث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئاً ".
ثم ألقي في النفس شك آخر، وهو تفسير الهيثمي لشيخ أبي يعلى: (محمد ابن يحيى) بأنه: (ابن أبي سمينة) ، وخشيت أن يكون (يحيى) محرفاً من (بحر) وهو (التميمي الهجيمي) كما تقدم، وقد حملني على ذلك أمور:
أولاً: قول الطبراني في "المعجمين " عقب الحديث:
"لم يروه عن النضر بن عربي إلا سليم بن مسلم، تفرد به محمد بن بحر الهجيمي ".
ثانياً: قول ابن حبان في "ضعفائه " في ترجمة (محمد بن بحر البصري) (2/300) :
"شيخ كان ينزل في (بَلهُجَيم) بالبصرة، أخبرنا عنه أبو يعلى الموصلي، يروي عن الضعفاء أشياء لم يحدث بها غيره عنهم، حتى يقع في القلب أنه كان يقلبها عليهم، فلست أدري البلية في تلك الأحاديث منه أو منهم؟! ومن أيهم كان؛ فهو ساقط الاحتجاج حتى يتبين عدالته بالاعتبار بروايته عن الثقات ".(7/1235)
قلت: ولذلك جزم الذهبي برواية أبي يعلى عن ابن بحر هذا، وهو وابن حبان من أعرف الناس بتراجم شيوخ ابن حبان، فلو أنهما كانا يعلمان أن ابن يحيى بن أبي سمينة يروي أيضاً عن (سليم بن مسلم الخشاب) لذكراه أيضاً. ويؤيده:
ثالثاً: أن الحافظ المزي لم يذكر (الخشاب) هذا في شيوخ (ابن يحيى) من "تهذيب الكمال"، ومن عادته أنه يستقصي فيه أسماء، ء شيوخ المترجم استقصاء واسعاً جداً لا نعرفه لغيره.
من أجل ذلك؛ ظننت أن (ابن يحيى) محرف من (ابن بحر) ، كان مما يساعد على ذلك قوة التشابه بين الاسمين، وبخاصة مع إهمال إعجامهما؛ ولذلك وقع التحريف المذكور في قول الطبراني أيضاً الذي نقلته في (أولاً) مع وقوعه على الصواب في إسناده هذا في "المعجم الأوسط "، أما في "الصغير"؛ فهو على الصواب في الموضعين. وكذلك هو في "المعجم الكبير" (12/373/12046) في السند فقط؛ لأن من عادته فيه أنه لا يعقب على الأحاديث بكلام، خلافاً لـ "المعجمين" الآخرين.
ولتمام البحث والتحقيق؛ رجعت إلى كتاب الحافظ ابن حجر "المطالب العالية" المسند (1/2/1) ، فرأيته قد ساق إسناد الحديث برواية أبي يعلى كما هو في "مسنده"، وفيه (يحيى) ، وكذلك هو في "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي" لشيخه الهيثمي (2/271-272/1522) ، فظننت أنه تحريف قديم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
والآن، أبدأ بالتنبيه على بعض الأوهام التي مرت بي فأقول:
1- جاء حديث الهجيمي هذا في "مجمع البحرين" للهيثمي (7/105/4125) مرموزاً له بحرف - صلى الله عليه وسلم -، أي: أن الحديث من أفراد "الصغير"؛ وهو تحريف أيضاً،(7/1236)
الصواب (ق) ؛ أي: هو في "الأوسط" كما هو اصطلاحه الذي نص عليه في المقدمة.
2- اقتصر المعلق على "مسند أبي يعلى" على قوله:
"إسناده ضعيف، سليم بن مسلم المكي؛ قال أحمد: لا يساوي حديثه شيئاً "!
قلت: استدلاله بقول أحمد هذا ينافي اقتصاره، فحقه أن يقول: "ضعيف جدّاً "، لاسيما وقد قال فيه النسائي: "متروك الحديث " كما تقدم.
وقلده في هذا الخطأ من الاقتصار: المعلق على "المقصد العلي"!
3- قال المعلق على "أبي يعلى" بعد اقتصاره على التضعيف:
"ويشهد له حديث أم سلمة عند البخاري في "الأشربة" (5634) .. وعند مسلم في "اللباس" (2065) .. "!
وهذا من غفلته أو حداثته أو تساهله؛ فإنه ليس عند البخاري لفظة: "الذهب"، والغريب أن الحافظ ابن حجر سبقه إلى ذلك في تعقيبه على الحديث في "المطالب العالية "! وتنبه لذلك الحافظ المنذري في "الترغيب" (3/117/1) ، ففرق بين رواية الشيخين الخالية من اللفظة، ورواية مسلم التي فيها اللفظة.
(تنبيه) : للهجيمي حديث مخرج برقم (6542- "الضعيفة") . *
3418- (بايعنَا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -على السمعِ والطّاعةِ في العُسر واليُسر، والمنشَطِ والمَكره، وعلى أثَرةٍ علينا، وعَلى أن لا نُنازعَ الأمرَ أَهله، [إلا أن ترَوا كُفراً بَواحاً، عندكم من اللهِ فيه بُرهانٌ] ، وعلى أن نقولَ بالحقِّ أينَما كنَّا، لا نخافُ في اللهِ لومة لائمٍ) .
هو من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وله عنه طريقان:(7/1237)
الأول: يرويه عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: ... فذكره، دون الزيادة التي بين المعكوفتين.
أخرجه البخاري (7199 و7200) - باختصار-، ومسلم (6/16) ، وأبو عوانة (4/454) - والسياق لهما-، وابن حبان (7/39-40/4530) ، والنسائي (2/180-181) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/494-495/102-1032) ، والبيهقي في "السنن" (8/145و10/158) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (15/57/19104) ، والحميدي في "مسنده" (192/389) ، وأحمد (5/314و316و319) .
ولم يذكر بعضهم (الوليد بن عبادة) في الإسناد- ومنهم ابن حبان-، وقال هذا:
"سمع عبادة بن الوليد عبادة بن الصامت ".
والطريق الأخرى: يرويها جُنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت به نحوه مختصراً، وفيه الزيادة.
أخرجه البخاري (7055 و7056) ، ومسلم (6/16-17) ، وأبو عوانة (4/456) ، وابن حبان (7/45/4543) ، وابن أبي عاصم (2/492/1026و493/1028و495/1033و1034) ، وابن أبي شيبة (رقم 19105) ، وأحمد (5/321) ، والبيهقي (8/145) من طرق عنه.
وأخرجه البزار في "البحر الزخار" (7/143-144/2698-2700) من الطريقين.
هذا؛ ولقد كان الباعث على تخريج الحديث وتتبعه في هذه المصادر الكثيرة - التي قلما تراها مجموعة في كتاب-: أنني رأيت الحافظ المنذري قد ساق الحديث(7/1238)
في "الترغيب" (3/167/2) كما ترى أعلاه معزواً للشيخين، فشككت في ذلك، فتبين أن فيه تسامحاً؛ لأنه ليس عندهما بهذا السياق، ولاسيما البخاري؛ فإنه عنده مختصر، والسياق لمسلم دون الزيادة، وهي عندهما في الطريق الأخرى كما تقدم، فقد ركب منهما سياقاً لا وجود له في شيء من تلك المصادر الكثيرة إطلاقاً، وكثيراً ما يفعل مثله، ويتعقبه الحافظ الناجي في "عجالته "، أما هنا فلم يتعرض له؛ لذلك كان هذا التحقيق.
ولقد كان من تمامه: أنني رأيت المعلقين الثلاثة قلدوا المنذري في ذاك التركيب، وزادوا فعزوا للشيخين بالأرقام- كما هي عادتهم، ولا يحسنون إلا هذا، بل إنهم لا يحسنون حتى هذا! - ففد قالوا (3/176) :
"رواه البخاري (7056) ، ومسلم (1709) "!
فإذا رجعت إلى الرقم الأول؛ وجدته يبتدئ بقوله:
"فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة ... " الحديث! فمن بالغ غفلتهم أنهم لم يذكروا مع الرقم المذكور الرقم الذي قبله- كما تقدم مني-؛ فهو يبدأ بإسناد البخاري الذي ينتهي إلى جنادة عن عبادة قال: دعانا النبي- صلى الله عليه وسلم - فبايعناه ...
هكذا طبع الحديث برقم البخاري بشرح "الفتح" برقمين، وهو حديث واحد! ليضل به هؤلاء الجهلة المعتدين على السنة، ولا ينتبهوا بسببه لأول الحديث؛ لأن هدفهم التظاهر بمظهر الباحثين، وليس المحققين، وتسويد السطور بالأرقام!! وقد قدمت أن حديث جنادة هذا مختصر، فليس فيه الجملة الأخيرة: "وعلى أن نقول الحق.. " إلخ. وإنما هي في حديث عبادة بن الوليد بن عبادة، الذي لم يشيروا إليه برقمه عند البخاري ولا عند مسلم، أما البخاري؛ فواضح من اقتصارهم على الرقم المتقدم، والذي لا يشير إلى الحديث بكامله!(7/1239)
وأما مسلم؛ فالرقم الذي سودوه (1709) أعجب من سابقه؛ لأن أوله عند مسلم (6/127) :
"تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا ... " الحديث (1) ، وهذا حديث آخر لعبادة من طريق أخرى عنه، وليس فيه ولا جملة واحدة مما في حديث الترجمة! فما عسى أن يقول الناقد الناصح في أمثال هؤلاء الجهلة الذين يتاجرون بجهلهم؟! ولو أنهم كانوا علماء وتاجروا بعلمهم؛ لنفعوا الناس، وأضروا بأنفسهم، أما هم: "فضلوا وأضلوا"! نعوذ بالله منهم جميعاً.
ثم إن في هذا الحديث فوائد ومسائل فقهية كثيرة، تكلم عليها العلماء في شروحهم، وبخاصة منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري".
والذي يهمني منها هنا: أن فيه رداً صريحاً على الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فإنهم يعلمون دون أي شك أو ريب أنه لم يروا منه (كفراً بواحاً) ، ومع ذلك استحلوا قتاله وسفك دمه هو ومن معه من الصحابة والتابعين، فاضطر رضي الله عنه لقتالهم واستئصال شأفتهم، فلم ينج منهم إلا القليل، ثم غدروا به رضي الله عنه كما هو معروف في التاريخ.
والمقصود أنهم سنوا في الإسلام سنة سيئة، وجعلوا الخروج على حكام المسلمين ديناً على مر الزمان والأيام، رغم تحذير النبي- صلى الله عليه وسلم -منهم في أحاديث كثيرة، منها قوله- صلى الله عليه وسلم -.
" الخوارج كلاب النار" (2) .
_________
(1) وهو مخرج في "إرواء الغليل " (7/366-367) .
(2) وهو مخرج في "المشكاة" (3554) ، و"الروض النضير" (906 و 908) .(7/1240)
ورغم أنهم لم يروا كفراً بواحاً منهم، وإنما ما دون ذلك من ظلم وفجور وفسق. واليوم- والتاريخ يعيد نفسه كما يقولون-، فقد نبتت نابتة من الشباب المسلم، لم يتفقهوا في الدين إلا قليلاً، ورأوا أن الحكام لا يحكمون بما أنزل الله إلا قليلاً، فرأوا الخروج عليهم دون أن يستشيروا أهل العلم والفقه والحكمة منهم، بل ركبوا رؤوسهم، وأثاروا فتناً عمياء، وسفكوا الدماء، في مصر، وسوريا، والجزائر، وقبل ذلك فتنة الحرم المكي، فخالفوا بذلك هذا الحديث الصحيح الذي جرى عليه عمل المسلمين سلفاً وخلفاً إلا الخوارج.
ولما كان يغلب على الظن أن في أولئك الشباب من هو مخلص يبتغي وجه الله، ولكنه شُبِّهَ له الأمر أو غرر به؛ فأنا أريد أن أوجه إليهم نصيحة وتذكرة، يتعرفون بها خطأهم، ولعلهم يهتدون.
فأقول: من المعلوم أن ما أمر به المسلم من الأحكام منوط بالاستطاعة؛ حتى ما كان من أركان الإسلام، قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) [آل عمران: 97] وهذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل.
والذي يحتاج إلى التفصيل؛ إنما هو التذكير بحقيقتين اثنتين:
الأولى: أن قتال أعداء الله- من أي نوع كان- يتطلب تربية النفس على الخضوع لأحكام الله واتباعها؛ كما قال- صلى الله عليه وسلم -:
"المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله " (1) .
والأخرى: أن ذلك يتطلب الإعداد المادي والسلاح الحربي؛ الذي ينكأُ أعداء الله؛ فإن الله أمر به أمير المؤمنين فقال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن
_________
(1) "الصحيحة" (549) .(7/1241)
رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) [الأنفال: 60] . والإخلال بذلك مع الاستطاعة؛ إنما هو من صفات المنافقين، ولذلك قال فيهم رب العالمين: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدَّةً) [التوبة: 46] .
وأنا اعتقد جازماً أن هذا الإعداد المادي لا يستطيع اليوم القيام به جماعة من المؤمنين دون علم من حكامهم- كما هو معلوم-، وعليه؛ فقتال أعداء الله من جماعة ما سابق لأوانه، كما كان الأمر في العهد المكي، ولذلك؛ لم يؤمروا به إلا في العهد المدني؛ وهذا هو مقتضى النص الرباني: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة: 286] .
وعليه؛ فإني أنصح الشباب المتحمس للجهاد، والمخلص حقاً لرب العباد: أن يلتفتوا لإصلاح الداخل، وتأجيل الاهتمام بالخارج الذي لا حيلة فيه، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً، وزمنا طويلاً؛ لتحقيق ما أسميه بـ (التصفية والتربية) ؛ فإن القيام بهذا لا ينهض به إلا جماعة من العلماء الأصفياء، والمربين الأتقياء، فما أقلهم في هذا الزمان، وبخاصة في الجماعات التي تخرج على الحكام!
وقد ينكر بعضهم ضرورة هذه التصفية، كما هو واقع بعض الأحزاب الإسلامية، وقد يزعم بعضهم أنه قد انتهى دورها، فانحرفوا إلى العمل السياسي أو الجهاد، وأعرضوا عن الاهتمام بالتصفية والتربية، وكلهم واهمون في ذلك، فكم من مخالفات شرعية تقع منهم جميعاً بسبب الإخلال بواجب التصفية، وركونهم إلى التقليد والتلفيق، الذي به يستحلون كثيراً مما حرم الله! وهذا هو المثال: الخروج على الحكام؛ ولو لم يصدر منهم الكفر البواح.
وختاماً أقول: نحن لا ننكر أن يكون هناك بعض الحكام يجب الخروج عليهم؛ كذاك الذي كان أنكر شرعية صيام رمضان، والأضاحي في عيد الأضحى، وغير(7/1242)
ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهؤلاء يجب قتالهم بنص الحديث، ولكن بشرط الاستطاعة كما تقدم.
لكن مجاهدة اليهود المحتلين للأرض المقدسة، والسافكين لدماء المسلمين أوجب من قتال مثل ذاك الحاكم من وجوه كثيرة، لا مجال الآن لبيانها، من أهمها أن جند ذاك الحاكم من إخواننا المسلمين، وقد يكون جمهورهم- أو على الأقل الكثير منهم- عنه غير راضين، فلماذا لا يجاهد هؤلاء الشباب المتحمس اليهود، بدل مجاهدتهم لبعض حكام المسلمين؟! أظن أن سيكون جوابهم عدم الاستطاعة بالمعنى المشروح سابقاً، والجواب هو جوابنا، والواقع يؤكد ذلك؛ بدليل أن خروجهم- مع تعذر إمكانه- لم يثمر شيئاً سوى سفك الدماء سُدى! والمثال - مع الأسف الشديد- لا يزال ماثلاً في الجزائر، فهل من مدَّكر؟!. *
3419- (مَن تركَ الصّلاةَ سُكراً مرةً واحدةً؛ فكأنما كانت له الدُّنيا وما عليها فَسُلِبها، ومَن تركَ الصّلاةَ سُكراً أربعَ مرّاتٍ؛ كان حقاً على الله عز وجل أن يُسقِيَه من طِينةِ الخَبَالِ. قيل: وما طينةُ الخَبَالِ يا رسولَ اللهِ؟! قال: عُصارةُ أهلِ جهنّم) .
أخرجه الحاكم (4/146) ، وأحمد (2/178) - والسياق له-، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/389) ، و"شعب الإيمان" (5/8-9/5582) من طرق عن ابن وهب: حدثني عمرو- يعني: ابن الحارث- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد"! وقال الذهبي عقبه:
"سمعه ابن وهب عنه، وهو غريب جداً "!(7/1243)
كذا قال! وهو يعني- والله أعلم- غرابة المتن، ومع ذلك؛ فذلك لا يعني أنه ضعيف؛ كما لا يخفى على أهل العلم؛ لأن الغرابة قد تجامع الصحة، والترمذي يجمع بينهما في كثير من أحاديثه الصحيحة. ويؤيد ما قلت؛ أن الذهبي قد أورد الحديث في كتابه "الكبائر" (ص 71- تحقيق الأخ مشهور) ، وقالت:
"سنده صحيح ".
وكذا قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (10/187) ! والصواب أنه حسن؛ للخلاف المعروف في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو.
تنبيهات:
أولاً: روى الطبراني الحديث في "المعجم الأوسط " (7/193/6367) من طريق موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث به. ثم قال:
"لم يروه عن عمرو بن الحارث إلا موسى بن أعين "!
قلت: هذا حسبما أحاط به علمه، وإلا؛ فهو عند أحمد وغيره من غير طريقه؛ كما سبقت الإشارة إليه في أثناء التخريج.
ثانياً: لم يعزه المنذري في "الترغيب" (3/189/51) إلا للحاكم؛ إلا أنه قال: "وروى أحمد منه: "من ترك الصلاة سكراً مرة واحدة؛ فكأنما كانت له الدنيا وما عليها، فسلبها". ورواته ثقات"!
قلت: وهذا من أوهام المنذري رحمه الله، فالحديث عند أحمد بتمامه كما رأيت، ولم يذكره في مكان آخر من "المسند" مختصراً كما عزاه المنذري رحمه الله.(7/1244)
ومن غرائب الهيثمي: أنه قلده في "مجمع الزوائد" (5/69- 70) ، فقال:
"رواه أحمد، ورجاله ثقات "!
ولم يذكر منه إلا طرفه الأول! وقد تعقبه الشيخ أحمد شاكر، فقال:
"ولا أدري لم ترك باقيه؟! فإني لم أجده فيه في موضع آخر".
وفاته أنه قلد في ذلك المنذري! وقد جاء الحديث بتمامه في "جامع المسانيد" لابن كثير (26/160/3095) ، و"أطراف المسند" لابن حجر (4/28/5160) .
ثالثاً: من جهل المعلقين الثلاثة؛ قولهم في التعليق على الحديث في طبعتهم لـ" الترغيب والترهيب " (3/227) :
"حسن بشواهده، رواه الحاكم (4/146) وصححه، وقال الذهبي: سمعه ابن وهب عنه، وهو غريب جداً، ورواه أحمد (2/178) ، وقال الهيثمي (5/69- 70) : رواه أحمد، ورجاله ثقات "!
قلت: وفي هذا التعليق بلايا وجهالات:
الأولى: قولهم: "حسن بشواهده " كذب مخالف للواقع؛ فليس له شواهد، بل ولا شاهد واحد، ولذلك استغربه الذهبي كما تقدم.
الثانية: قولهم: وقال الذهبي: "سمعه ابن وهب عنه، وهو غريب جداً " من الأدلة الكثيرة على أنهم يهرفون بما لا يعرفون، وينقلون ما لا يفهمون، فكأنهم أشد عجمة من الأعاجم؛ وإلا فمن من العرب الأقحاح- فضلاً عن الأعاجم المستعربين من أمثالي (!) - يستطيع أن يفهم مرجع ضمير (عنه) ؟! بينما هو مفهوم جداً أنهم نقلوا الإسناد كما فعلت فيما تقدم، وأنه يرجع إلى (عمرو بن الحارث) ، وإذا(7/1245)
كان لا يهمهم الإسناد ولا يروق لهم، لأنهم لا يفهمونه؛ فكان بحسبهم أن يستروا جهلهم وعجمتهم بأن يقتصروا على نقل قول الذهبي فقط: "وهو غريب جداً "!
الثالثة: أنه كان بإمكانهم أن لا يقعوا في ذاك الكذب؛ لو كانوا على علم بهذا الفن الشريف، وذلك بتحسينهم لإسناد الحديث كما يقتضيه علم الحديث، أو بتقليدهم لمن صحح الحديث كما تقدم ذكره، ولكنهم- مع الأسف الشديد-، لا يحسنون حتى التقليد! فكيف لهم بالعلم؟!
الرابعة: لقد وقفت اليوم على كتاب لهم جديد؛ فهم يتسابقون مع الناشرين والمؤلفين من أمثالهم في إصدار مؤلفات جديدة مزوقة؛ لعرضها في المعارض التي تقام ما بين آونة وأخرى في بلاد مختلفة. هذا الكتاب كانوا عملوا له دعاية طنانة في أواخر مجلدات طبعتهم لـ "الترغيب والترهيب " الممتلئة بالأوهام والجهل والأكاذيب- وهذا الحديث مثال ظاهر في ذلك-؛ سموه "تهذيب الترغيب والترهيب من الأحاديث من الصحاح "! وهذا الاسم وحده يكفي الباحث المنصف أن يستدل به على جهلهم وعجمتهم؛ لأنه كما يقال في بعض البلاد: (المكتوب مُبَيَّن من عنوانه) ! ذلك لأنهم يعنون خلاف ما عَنْوَنُوا! فقد كتبوا تحته: "طبعة محققة متميزة بصحاح الأحاديث ... "! فإذن قصدهم يخالف لفظهم، فهم يعنون: تهذيبه من الأحاديث الضعيفة، وليس من الصحيحة!!
فلما وقفت اليوم على "تهذيبهم " المزعوم؛ هالني ما رأيت فيه من إعراضهم عن الأحاديث الثابتة التي كانوا قد صححوها في التعليق على "الترغيب"، وجزمت بما كان يغلب على ظني أنهم ما قاموا بطبع الكتاب في أربع مجلدات كبار إلا جشعاً وركضاً وراء المال الحرام، بتظاهرهم بمظهر الباحثين والمصححين والمحققين، وهم كما يقال: (ليسوا في العير ولا في النفير) ، وقد بينت فيما سلف(7/1246)
من هذه السلسلة وغيرها كثيراً من جهلهم وتعديهم على السنة تصحيحاً وتضعيفاً. والله المستعان.
والآن؛ لننظر ماذا في "تهذيبهم" مما يؤكد ما سبق من وصفهم دون التوسع في نقدهم لضيق المجال؟! فأقول:
إن مما يلفت نظر القارئ اللبيب والمطلع على "ترغيبهم" البالغ أربع مجلدات كبار: أن تهذيبهم الذي "يحتوي على الأحاديث الصحيحة والحسنة" كما قالوا في المقدمة (ص 6) ؛ إنما هو في مجلد واحد فقط! ومجموع أحاديثه (1284) فقط، من أصل مجموع أحاديث أصله "الترغيب" (5580) ، أي: أقل من الربع! فهل هذا يمثل واقع عدد الأحاديث الصحيحة في "الترغيب" أو يقارب ذلك؟ الأمر ليس كذلك ألبتة، يوضح لك ذلك أن المجموع المذكور يقارب عدد أحاديث تأليفي للمجلد الأول من "صحيح الترغيب والترهيب"؛ وإنما يزيد عليه بنحو (200) حديث، وهو مجلد من ثلاث مجلدات فيما أقدر؛ لأن البقية تحت الطبع، أي: بنسبة ثلث من ثلاثة!
ويؤكد هذه النسبة مثال آخر؛ وهو أن مجموع الأحاديث التي صححوها أو حسنوها في "الترغيب" بلغ (71) حديثاً من كتاب (الإخلاص) - وهو أول كتاب فيه-؛ وعددها فيه من "تهذيبهم" (21) ! أي: بنسب الثلث أيضاً، فقد أطاحوا بنحو ثلاثة أرباع ما صححوا من الأحاديث في هذا الكتاب الواحد، فكم سيكون مجموع الأحاديث التي أطاحوا بها من الكتب الأخرى؟! لا شك أنها ستكون قريباً من ألفين! بل وأكثر لولا الأحاديث المكررة في الأصل، فهي مما أسقطوه. ويؤيد ذلك أن رقم آخر حديث في كتابي "صحيح الترغيب " وفي التجربة التي تحت يدي: هو (3691) ، قد تزيد قليلاً، أو ينقص بعد تصحيح التجربة الأخيرة.(7/1247)
وهنا سؤال يطرح نفسه- كما يقال اليوم-: ما الذي حمل هؤلاء على طرح أكثر الأحاديث التي صححوها مما سموه بـ "التهذيب"؟!
لا شك أن الجواب واضح لكل ذي بصيرة، وهو تصغير حجم الكتاب وإيهام الناس أنه جمع أحاديث "الترغيب" الصحيحة في مجلد واحد، فيقبلون على شرائه! والله أعلم بما في قلوبهم!
على أننا لو فرضنا فيهم الإخلاص في عملهم هذا وفي "الترغيب"؛ فذلك مما لا يسوغ لهم عملهم؛ لأنهم ليسوا من أهل العلم، وقد قدمنا عشرات الأمثلة، وبعضها مضحك مُبكٍ في آن واحد! وحديث الترجمة من تلك الأمثلة، فلم يحسّنوا إسناده، وهو حسن عند العلماء، بل وعند المبتدئين في هذا العلم، ثم حسنوه لشواهده- ولا شاهد له ولا واحد كما تقدم-، ثم هو من تلك الألوف من تلك الأحاديث التي طرحوها! هداهم الله. *
3420- (مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدةَّ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ) .
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/296-297/6706) من طريقين عن حفص بن عبد الرحمن عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال:
نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة فقال:
"ما أعظم حرمتك! ".
وفي الطريق الأخرى:(7/1248)
لما نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة قال:
"مرحباً بك ... " إلخ.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير حفص بن عبد الرحمن- وهو النيسابوري القاضي-؛ قال الذهبي في " الكاشف"، والعسقلاني في " التقريب ":
" صدوق ".
وللحديث طريق أخرى؛ يرويه مجالد عن الشعبي عن ابن عباس:
أنه نظر إلى الكعبة فقال:
ما أعظم حرمتك ... الحديث.
هكذا قال مجالد- وهو ابن سعيد-، وليس بالقوي، ولكنه في حكم المرفوع، ولا سيما وقد رفعه من هو أوثق منه من الطريق الأولى.
وهذه أخرجها ابن أبي شيبة في "المصنف " (9/362/7804) ، ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مجالد، وقد عرفت حاله، وأزيد هنا بأنه أخرجه مسلم متابعة؛ كما في " الميزان " وغيره.
وله شاهد موقوف خير منه من رواية الترمذي (2032) عن ابن عمر في حديث له بإسناد حسن، حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان، وهو مخرج في "غاية المرام " (240/240) ، و"التعليق الرغيب " (3/177/10) .
ثم وجدت له طريقاً ثالثاً، من رواية الحسن بن أبي جعفر: ثنا ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس قال:(7/1249)
نظر رسول الله إلى الكعبة، فقال:
"لا إله إلا الله، ما أطيبك، وأطيب ريحك، وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة منك ... " الحديث نحوه.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/37/10966) .
وإسناده ضعيف، لكنه ليس شديد الضعف، فيستشهد به.
وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو- أو ابن عمر- مرفوعاً.
أخرجه ابن ماجه (3933) من طريق نصر بن محمد بن سليمان الحمصي: ثنا أبي: ثنا عبد الله بن أبي قيس النصري: ثنا عبد الله بن عمرو قال:
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول: ... فذكره.
ورجاله ثقات؛ غير نصر هذا، ضعفه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان، وبه أعله العراقي في "تخريج الإحياء" (4/ 141) ، وقال الحافظ في "التقريب":
"ضعيف"
قلت: لكنه يتقوى بحديث الترجمة على الأقل.
هذا؛ وقد كنت ضعفت حديث ابن ماجه هذا في بعض تخريجاتي وتعليقاتي قبل أن يطبع "شعب الإيمان"، فلما وقفت على إسناده فيه، وتبينت حسنه؛ بادرت إلى تخريجه هنا تبرئة للذمة، ونصحاً للأمة داعياً: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ، وبناء عليه؛ ينقل الحديث من "ضعيف الجامع الصغير" و"ضعيف سنن ابن ماجه " إلى "صحيحيهما ". *(7/1250)
3421- (الذِي يطعُنُ نفسه؛ إنّما يطعنها في النّارِ، والذي يتقحَّم فيها يتقحَّمُ في النّارِ، والذي يخنقُ نفسه يخنقها في النّار) .
أخرجه أحمد (2/435) : ثنا يحيى عن ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وتابعه الليث عن ابن عجلان به، ولفظه:
"من خنق نفسه في الدنيا فقتلها؛ خنق نفسه في النار ... " والباقي نحوه.
أخرجه ابن حبان (5955- الإحسان) .
وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ إلا أن ابن عجلان أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم متابعة.
لكن تابعه مالك وغيره عند الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/73) بتمامه.
وقد تابعه شعيب عن أبي الزناد به مثل لفظ يحيى دون جملة التقحم، وبتقديم الجملة الثالثة على الأولى.
أخرجه البخاري (1365) ، وإليه عزاه المنذري في "الترغيب" (3/205/2) لكن بزيادة جملة التقحيم، وجعلها في آخره! فتعقبه الناجي في "العجالة" (ق188/1) بأنها مقحمة فيه بلا شك ولا خفاء عند أهل العلم.
قلت: وخفي عليه ثبوتها في "المسند"، و"صحيح ابن حبان"، ومن الظاهر عندي أنها من ملحقات المصنف نفسه، لكنه أوهم أنها من رواية البخاري، فكان عليه أن ينبه على أنها زيادة لغيره؛ كما ينص على مثل ذلك كثيراً، وأن يعزوها لأحمد، أو غيره.(7/1251)
ويشهد له عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ثابت بن الضحاك بلفظ:
"ومن قتل نفسه بشيء؛ عذب به يوم القيامة ".
رواه الشيخان وغيرهما في رواية، فالبخاري (6047و6105و6652) ، ومسلم (1/73) ، وأبو عوانة (1/ 45) ، والترمذي (2636) ؛ وقال:
"عذبه الله بما قتل به نفسه ... ". وقال:
"حديث حسن صحيح ".
وللشيخين وغيرهما فيه ألفاظ أخرى، خرجت بعضها في "الإرواء" (8/201/2575) .
(تنبيهان) :
أحدهما: يبدو أن الوهم الذي وقع فيه المنذري في عزو الحديث للبخاري؛ قد وقع فيه غيره أيضاً، كالهيثمي مثلاً؛ فإنه لم يورده في "مجمع الزوائد"، ولا في "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان "، وما ذاك إلا لظنه أنه في "البخاري" كما قال المنذري! وعليه لا يكون على شرط "الزوائد"! فخفيت عليه الزيادة، كما خفيت على الشيخ الناجي الذي انتبه لخطأ المنذري، ولكنه لم يتنبه لثبوت الزيادة في "المسند"، وإلا؛ لعزاها إليه ولم يسكت. ولهذا؛ كان هذا الحديث من جملة ما استدركته من الأحاديث في كتابي "صحيح موارد الظمآن"؛ يسر الله تعالى طبعه ونشره.
ونحو ذلك ما فعله المعلق على "الإحسان" (13/328- المؤسسة) ؛ فإنه عزاه للبخاري دون أن يبين أن الزيادة ليست عنده، وأعاد الخطأ في تعليقه على "مشكل الآثار" (1/183/195- المؤسسة) ، فلم يبين أيضاً الفرق بين روايته(7/1252)
ورواية البخاري! وهناك خطأ آخر لا فائدة تذكر في بيانه.
والآخر: أن الشاهد المتقدم من حديث ثابت بن الضحاك؛ قد أخرجه البغوي في "شرح السنة" (10/154/2524) جملة مستقلة عما قبلها وما بعدها، وقال: "حديث صحيح أخرجه مسلم "!
ففاته أنه في "البخاري " أيضاً، كما فات المعلق عليه " فعزاه للشافعي ومسلم فقط!
هذا؛ وقد تحرفت جملة التقحُّم على بعض الضعفاء فرواها بلفظ:
"من تقحم في الدنيا؛ فهو يتقحم في النار".
ولذلك كنت خرجتها في "الضعيفة" برقم (4576) . *
3422- (لا تحقِرنَّ شَيئاً من المعروفِ أن تأتيَه؛ ولو أن تَهَبَ صِلَةَ الحبلِ، ولو أن تُفرغَ من دلوكِ في إناءِ المستقِي، ولو أن تلقَى أخاك المسلمَ ووجهُك بسطٌ إليه، ولو أن تؤنِس الوَحشان بنفسكَ، ولو أن تهَبَ الشِّسعَ) .
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/486-478/9694) من طريق سهم بن المعتمرعن الهُجَيمي:
أنه قدم المدينة، فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أزقة المدينة، فوافقه؛ فإذا هو مؤتزر بإزار قطن (1) قد انتثرت حاشيته، وقال: عليك السلام يا رسول الله! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
_________
(1) الأصل: (قطر) !، التصويب من المتابعة الآتية.(7/1253)
"عليك السلام تحية الموتى"
فقال: يا رسول الله! أوصني؟ فقال: ... فذكره. وقال النسائي:
"سهم بن المعتمر ليس بمعروف ".
قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/430) على قاعدته في توثيق المجهولين؛ فإن سهماً هذا لم يرو عنه غير عبد الملك بن الحسن الجاري- راوي هذا الحديث عنه-. ولذلك أشار الذهبي في "الكاشف" إلى تمريض هذا التوثيق بقوله: " وُثِّقَ ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"مقبول ".
يعني: عند المتابعة. وقد وجدت له متابعاً قوياً، فقال أحمد (3/482) : ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا سعيد الجريري عن أبي السَّليل عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه قال:
لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق المدينة، وعليه إزار من قطن منتشر الحاشية، فقلت: عليك السلام يا رسول الله! فقال:
"إن عليك السلام تحية الموتى"؛ قلت: كررها ثلاثاً، ثم قال:
"سلام عليكم، سلام عليكم "- مرتين أو ثلاثاً. قال: سألت عن الإزار؛ فقلت: أين أتزر؟ فأقنع ظهره بعظم ساقه وقال:
"ههنا ائتزر؛ فإن أبيت فههنا أسفل من ذلك؛ فإن أبيت فههنا فوق الكعبين، فإن أبيت؛ فإن الله لا يحب كل مختال فخور".(7/1254)
قال: وسألته عن المعروف؟ فقال: ... فذكر الحديث، وزاد:
"ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم.. ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه.. وإن سبك رجل بشيء يعلمه فيك وأنت تعلم فيه نحوه؛ فلا تسبه؛ فيكون أجره لك، ووزره عليه، وما سر أذنك أن تسمعه فاعمل به، وما ساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وقد أخرجه النسائي بروايات وطرق أخرى يزيد بعضهم على بعض في المتن، وقد كنت خرجت بعضها قديماً فيما تقدم من هذه السلسلة (1109 و 1352) من طريق أبي تميمة الهجيمي وغيره عن أبي جُري الهجيمي- وهو صاحب القصة- يزيد بعضهم على بعض، لكن ليس فيها جملة الحبل والوحشان والشسع.
قوله: (صِلَة الحبل) ؛ أي: ما يوصل بالحبل.
وقوله: (الوحشان) ؛ أي المُغتَمَ، من الوحشة ضد الأُنس. *
3423- (ثلاثٌ من كنَّ فيه؛ وجدَ حلاوةَ الإِيمانِ وطعمَه:
أن يكونَ اللهُ عزّ وجلّ ورسولهُ أحبَّ إليه مّما سواهما.
وأن يحبَّ في الله ويبغضَ في الله.
وأن توقَدَ نارٌ عظيمةٌ فيقعَ فيها؛ أحبُّ إليه من أن يشركَ بالله شيئاً) .
أخرجه النسائي في "سننه " (2/263- 264) من طريق جرير عن منصور عن طلق بن حبيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.(7/1255)
وأخرجه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (61/16) من طريق أبي المُحَيَّاة عن منصور به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وسكت عنه الحافظ في "الفتح" (1/62) ، وقد عزاه للنسائي، لكن قوله:
"ويبغض في الله " غريب، فقد جاء الحديث من طرق عن أنس نحوه بلفظ:
"وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله "؛ لم يذكر البغض.
أخرجه البخاري (16 و 21) ، ومسلم (1/48) من طريقين، وزاد مسلم ثالثاً، والنسائي وغيره رابعاً؛ كلهم عن أنس لم يذكروا البغض.
لكني وجدت له طريقين آخرين جاء فيهما هذه الزيادة، فاطمأننت لها، وخرج بذلك عن كونه بها شاذاً:
الأول: عن سعيد بن أبي مريم: ثنا موسى بن يعقوب الزَّمعِي أن أبا الحويرث عبد الرحمن بن معاوية أخبره أن نُعَيم بن المُجمِر أخبره أن أنس بن مالك أخبره به.
أخرجه الطبراني في "معاجيمه " الثلاثة: "الكبير" (1/224/724) ، و"الأوسط " (5/469/4902) ، و"الصغير" (ص 150- هند) ؛ وقال:
"لم يروه عن أبي الحويرث إلا موسى، تفرد به ابن أبي مريم ".
قلت: هو ثقة، لكن الزمعي وأبو الحويرث فيهما ضعف من قبل الحفظ؛ كما بينت في "الروض النضير" (رقم 52) ، فيستشهد بهما.
والآخر: يرويه سعيد بن منصور: نا أبو معشر عن محمد بن قيس عن أنس ابن مالك به.(7/1256)
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (7/70/9512) .
وأبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن؛ حاله كحال المذكورين.
فهذه ثلاثة طرق جاءت فيها الزيادة؛ فهي محفوظة إن شاء الله تعالى، ولعله لذلك سكت عنه الحافظ، وتقدمه إلى ذلك الحافظ المنذري، ولكنه وقع في وهم نبه عليه الشيخ إبراهيم الناجي في "عجالة الإملاء" (ق202/2) ، وهو أنه ذكره أولاً بلفظ الشيخين دون عزو، ثم ساقه بلفظ النسائي، وقال عقبه (4/45/1) :
" رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي "!
فأوهم أن اللفظ الثاني هو عندهم جميعاً، وليس كذلك كما علمت، ولذلك قال الناجي:
"وكان ينبغي للمصنف بعد سياق اللفظ الأول أن يعزوه إلى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، ثم يقول: وفي رواية له؛ لا بالعكس ".
وقد غفل عن هذا التنبيه المعلقون الثلاثة على "الترغيب "، كما هي عادتهم، فلم يعلقوا على هذا الوهم بشيء؛ هداهم الله، وعرّفهم بنفوسهم!
وكذلك صنع المعلق على كتاب "الإخوان" المسمى بـ (مصطفى عبد القادر عطا) ؛ فإنه عزاه لأكثر من عشرة مصادر- منها الشيخان طبعاً-؛ فأوهم وهم المنذري نفسه! وزاد وهماً آخر: أنه عزاه لابن حبان في "صحيحه": "موارد الظمآن" (285) ؛ كذا قال! وليس هو فيه، لا بهذا الرقم ولا بغيره، بل هو ليس على شرطه؛ لأنه في "الصحيحين"؛ اللهم! إلا حديث الترجمة، ولكنه ليس فيه، ولا في أصله "صحيح ابن حبان"، وإنما روى فيه حديث الشيخين (1/473-474/237و238- الإحسان/ المؤسسة) . وقد خلط المعلق عليه أيضاً، لكن خلطاً آخر معاكساً لما(7/1257)
تقدم؛ فإنه لما خرجه من رواية الشيخين وغيرهما؛ خرج أيضاً طريق طلق بن حبيب، ونعيم المجمر، ولم يبين الفرق بين روايتهما ورواية الشيخين التي رواها ابن حبان! وهذا إن دل على شيء؛ فإنما يدل على الحداثة، أو قلة الفقه أو النباهة!. *
3424- (يوشكُ أن يؤَمَّرَ عليهمُ الرُّوَيجل، فيجتمعُ إليه قومٌ محلّقةُ أقفيتُهم، بيضٌ قمُصُهم، فإذا أمَرهم بشيء حضَرُوا) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/40/2) : حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة: ثنا أبي: ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال:
كان عبد الله بن وزاج قديماً له صحبة، فحدثنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. فشاء ربك أن عبد الله بن وزاج ولي على بعض المدن، فاجتمع إليه قوم من الدهاقين محلقة أقفيتهم، بيض قمصهم، فكان إذا أمرهم بشيء حضروا، فيقول: صدق الله ورسوله!
قلت: وهذا إسناد شامي جيد. وقال الهيثمي (6/212) :
"رواه الطبراني، ورجاله ثقات".
قلت: وكلهم مترجمون في "التهذيب ". ورواه أبو موسى المديني من طريق الطبراني أيضاً، كما في "الإصابة "؛ وقال:
" وقوله: "حضروا "؛ أي: أسرعوا المشي ".
وقوله: (وزاج) هكذا وقع في " المعرفة " و"أسد الغابة " بالزاي والجيم! وقيده في "الإصابة" براء ثقيلة ثم حاء مهملة.(7/1258)
قلت: ولم يذكره الذهبي في "المشتبه "، ولا غيره فيما علمت، وأنا أخشى أن يكون لقباً لوالد (عبد الله بن حوالة) ؛ فقد جاء الحديث من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن جبير أتم منه. فقال يعقوب بن سفيان في "المعرفة" (2/288- 289) ، وعنه البيهقي في "دلائل النبوة" (6/327- 328) : حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة يرد الحديث إلى جبير بن نفير قال: قال عبد الله بن حوالة:
كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشكونا إليه العُري والفقر وقلة الشيء، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
"أبشروا؛ فوالله! لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قلته، والله! لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله عز وجل أرض فارس، وأرض الروم، وأرض حِمير، وحتى تكونوا أجناداً ثلاثة: جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن، وحتى يعطى الرجل المئة فيسخطها".
قال ابن حوالة: قلت: يا رسول الله! ومن يستطيع الشام؛ وبه الروم ذوات القرون؟! قال:
"والله! ليفتحنَّها الله عز وجل عليكم، حتى تظل العصابة البيض منهم قُمُصُهم، الملحمة أقفاؤهم قياماً على الرويجل الأُسَيوِد المحلوق، ما أمرهم من شيء فعلوه، وإن بها اليوم رجالاً لأنتم أحقر في أعينهم من القردان في أعجاز الإبل ".
قال ابن حوالة: فقلت: يا رسول الله! اختر لي إن أدركني ذلك؟ قال:
"إني أختار لك الشام؛ فإنه صفوة الله عز وجل من بلاده، وإليه يحشر صفوته من عباده.
يا أهل اليمن! عليكم بالشام؛ فإنه صفوة الله عز وجل من أرض الشام، ألا(7/1259)
فمن أبى؛ فليسق من غدُر اليمن؛ فإن الله عز وجل قد تكفل بالشام وأهله ".
قال أبو علقمة: فسمعت عبد الرحمن بن جبير يقول:
يعرف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي، وكان على الأعاجم في ذلك الزمان، فكان إذا راحوا إلى المسجد نظروا إليه وإليهم قياماً حوله، فعجبوا لنعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وفيهم!
وأخرجه الطحاوي في "مشكل الاًثار" (2/35- 36) ، والطبراني في "مسند الشاميين " (3/395/ 2540) ، وأبو نعيم في "الحلية " (2/3- 4) - مختصراً-، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/73- 75) - وزاد هو والطحاوي-:
وكان أُويْدِماً قصيراً، فكانوا يمرون وتلك الأعاجم قيام، لا يأمرهم بالشيء إلا فعلوه، فيتعجبون من هذا الحديث!
قلت: وإسناد هـ صحيح رجاله كلهم ثقات؛ ونصر بن علقمة، وإن كان أبو حاتم قال:
"لم يدرك جبير بن نفير"!
فقد قال في آخر الحديث: إن الواسطة بينه وبين جبير: هو ابنه عبد الرحمن ابن جبير، وبذلك اتصل الإسناد، وصح إن شاء الله تعالى.
وأما الهيثمي؛ فقال (6/212) :
"رواه الطبراني بإسنادين، رجال أحدهما رجال "الصحيح "؛ غير نصر بن علقمة، وهو ثقة"!
وأما قول الحافظ في "التقريب " فيه:
"مقبول "!(7/1260)
فمن أوهامه؛ لأنه قد وثقه ابن حبان (7/537) ، وأخرج له حديثاً في " صحيحه " (510/ 2090- الموارد) ، لكن في الطريق إليه ضعف، ولذلك خرجته في "الضعيفة " (5766) ، وكذلك وثقه دُحيم، وروى عنه جمع من الثقات؛ كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في "التهذيب ". ولذلك قال الذهبي في "الكاشف":
" ثقة "
(ذوات القرون) ؛ أي: الحصون، جمع (القرن) .
(الملحمة أقفاؤهم) : هي بمعنى الرواية الأخرى:
"المحلقة أقفاؤهم "؛ فظهر لحمها.
(المحلوق) ؛ أي: شعر الرأس كله.
(القردان) جمع (قُرادة) : دويبة متطفلة ذات أرجل كثيرة، تعيش على الدواب والطيور، ومنها أجناس. " المعجم الوسيط ". *
بشرى لأهل الشام المؤمنين
3425- (لا تزالُ من أمَّتي عِصابةٌ قوَّامةٌ على أمْرِ الله عزّ وجلّ، لا يضرُّها من خالفَها؛ تقاتلُ أعداءها، كلما ذهبَ حربٌ نشِبَ حربُ قومٍ آًخرين، يزيغُ اللهُ قلوب قوم ليرزقَهم منه، حتى تأتيهم الساعةُ، كأنّها قطعُ الليلِ المظلمِ، فيفزعونَ لذلك؛ حتّى يلبسُوا له أبدانَ الدُّروع، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: همْ أهلُ الشّامِ، ونكَتَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بإصبعِه؛ يومئُ بها إلى الشّامِ حتّى أوجَعها) .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/2/248) ، ويعقوب بن سفيان في(7/1261)
" المعرفة " (2/296- 297) بإسناد واحد قالا- والسياق ليعقوب-، ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (1/528) : حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة الحضرمي- من أهل حمص- أن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي قالا: إن أبا هريرة وابن السمط كانا يقولان:
لا يزال المسلمون في الأرض حتى تقوم الساعة، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذ كره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، ومنهم نصر بن علقمة، كما بينت في الحديث الذي قبله.
وقد جاء في أهل الشام وأنهم الطائفة المنصورة أحاديث أخرى في أسانيدها ضعف؛ كنت أشرت إليها في "الضعيفة" تحت الحديث (6104) ، ثم وقفت على هذا، فبادرت لإخراجه هنا لصحة إسناده.
واعلم أن (الشام) هو الإقليم الشمالي من (شبه جزيرة العرب) ، ويشمل سوريا ومنها أنطاكية، والأردن، وفلسطين إلى عسقلان؛ كما في "معجم البلدان ". *
3426- (إنّ الله لا يحبّ هذا وضَرْبَهُ (1) ؛ يلوُون ألسنتَهم للنّاس ليّ البقرة لسانَها بالمرعى! كذلك يلوي الله ألسنتهم ووجوهَهم في النّارِ) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/70/170) من طريق أبي مسهر وهشام بن عمار قالا: ثنا صدقة بن خالد قال: حدثني زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن واثلة بن الأسقع قال:
_________
(1) أي: صنفه ونوعه. وفي "الشعب ": "حزبه "! وفي الأصل: "وصوته "!(7/1262)
كنت في أصحاب الصُّفة، فلقد رأيتنا وما منا إنسان عليه ثوب تامٌ، وأخذ العرق في جلودنا طرفاً (1) من الغبار والوسخ؛ إذ خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
"ليبشر فقراء المهاجرين ".
إذ أقبل رجل عليه شارة حسنة، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتكلم بكلام إلا كلفته نفسه [أن] يأتي بكلام يعلو كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -! فلما انصرف قال: ... فذكره.
وروى منه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 21- 22) الطرف الأول إلى جملة البشارة، والبيهقي في "شعب الإيمان " (4/ 251/4973) ما بعدها.
قلت: والإسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري. وقال المنذري في " الترغيب " (4/93/41) :
"رواه الطبراني بأسانيد؛ ورجال أحدها رجال (الصحيح) "!
ونحوه قول الهيثمي (10/ 261) :
"رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدهما رجال (الصحيح) "!
وقولهما: " بأسانيد" موهم، وإنما هما طريقان عن صدقة بن خالد؛ كما تقدم. *
3427- (صلاحُ أول هذه الأمّة بالزهد واليقين، ويهلك آخرُها بالبخل والأمل) .
أخرجه أحمد في "الزهد" (ص 10) ، والطبراني في "المعجم الأ وسط " (8/316/7646) ، وابن عدي في "الكامل" (6/127) ، والبيهقي في"الشعب "
_________
(1) كذا الأ صل بالفاء! "وفي " المجمع ": (طرقاً) بالقاف! وفي " الحلية ": (طوقاً) بالواو والقاف، ولعله الأقرب.(7/1263)
(7/427/10845) ، والخطيب في "التاريخ " (7/186) من طرق عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وسقط من "الزهد" قوله: "عن أبيه ".
قلت: وهذا إسناد حسن لغيره على الأقل؛ لأن محمد بن مسلم- وهو الطائفي- فيه كلام من قبل حفظه، وروى له مسلم متابعة على التحقيق، وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق يخطئ من حفظه ".
قلت: وقد أمنا خطأه بمتابعة ابن لهيعة الآًتية. وقد روى الخطيب عن علي ابن محمد بن بشار الجنابي- وهوأجمع من جمع-: أنه ما سمع في الزهد أحسن من هذا الحديث.
ورواه ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب به؛ ولفظه: "نجا أول هذه الأمة ... " الحديث.
أخرجه ابن أبي الدنيا في "قصر الأمل " (36/20) و"اليقين " (17/3) ، ومن طريقه: الأصبهاني في "الترغيب " (1/98/164 و2/2515) ، وكذا الديلمي في "مسند الفردوس" (3/104) - من طريق مروان بن محمد-، والبيهقي (10844) - من طريق المعافى- عن ابن لهيعة به.
وابن لهيعة ثقة، لكن قد عرض له سوء الحفظ؛ فحديثه حسن على الأقل بما قبله. وقد أشار إلى ذلك الحافظ بسكوته عنه في "الفتح" (11/237) . وسبقه(7/1264)
إلى ذلك الحافظ المنذري بتصديره إياه بقوله (4/131/14) :
"وعن عبد الله بن عمرو ... ". وقوله في تخريجه:
"رواه الطبراني، وفي إسناده احتمال للتحسين. ورواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني كلاهما من طريق ابن لهيعة عن ... ".
وكذا عزاه لابن أبي الدنيا: الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (4/454) ، وسكت عنه.
ومن حداثة المشتغلين بالتعليق على الأحاديث وتخريجها: قول المعلق على هذه الطريق في "قصر الأمل ":
"الحديث مرسل كما يلاحظ، قال الحافظ العراقي ... "!! *
3428- (هل تدرُون ما هذا؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ! قال: هذا الإنسانُ، وهذا أجلُه، وهذا أملُه، يتعاطَى الأملَ، يختلجُه [الأجلُ] دون ذلك) .
أخرجه الإمام أحمد (3/18) : ثنا عبد الملك بن عمرو: ثنا علي بن علي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غرز بين يديه عوداً (1) ، ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز الثالث فأبعده، ثم قال: ... فذكره.
قلت: وتابعه حَرَمِيُّ بن عُمارة عن علي بن علي الرفاعي به.
_________
(1) في الأصل: "غرزاً"! وما أثبته من مصادر التخريج؛ لعله الصواب!(7/1265)
أخرجه ابن أبي الدنيا في "قصر الأمل " (31- 32/11) .
وأبو نعيم عنه؛ رواه الرامهرمزي في "الأمثال" (170/74) .
وأبو غسان مالك بن إسماعيل؛ عند البيهقي في "الزهد" (190/457) .
وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير علي بن علي الرفاعي، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن، كما كنت حققته في "إرواء الغليل" (2/51- 52) . ولذلك قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (4/453) :
"أخرجه أحمد، وابن أبي الدنيا في "قصر الأمل "، والرامهرمزي في "الأمثال".. وإسناده حسن، ورواه ابن المبارك في"الزهد"، وابن أبي الدنيا أيضاً من رواية أبي المتوكل مرسلاً".
وقال تلميذه الهيثمي في "المجمع " (10/255) :
"رواه أحمد، ورجاله رجال"الصحيح "؛ غير علي بن علي الرفاعي؛ وهو ثقة ".
والمرسل الذي أشار إليه الحافظ العراقي: أخرجه ابن أبي الدنيا (31/10) ، وابن المبارك في "الزهد" (86/254) ، وكذا وكيع في "الزهد" أيضاً (2/436/189) - قال هذان-: أخبرنا علي بن علي عن أبي المتوكل قال:
أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أعواد، فغرز عوداً بين يديه، والآخر إلى جنبه، فأما الثالث فأبعده فقال ... فذكره نحوه، وقال:
".. وذلك الأمل، يتعاطاه ابن اًدم، ويختلجه الأجل دون ذلك ".
واللفظ لابن المبارك. وقال الآخران:
".. دون أمله ".(7/1266)
قلت: وهذا المرسل صحيح أيضاً، ولا يعل به الموصول؛ لأنه من رواية جماعة من الثقات، ومعهم زيادة؛ فهي مقبولة اتفاقاً.
وللحديث شواهد منها:
عن أنس قال:
جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنامله، فنكتهن في الأرض، فقال:
"هذا ابن اًدم "، وقال بيده خلف ذلك، وقال: "هذا أجله "، وأومأ بين يديه، قال: "وثم أمله " (ثلاث مرات) .
أخرجه أحمد (3/123و135) - والسياق له-، والترمذي رقم (2334) ، وابن ماجه (4232) ، وابن حبان (2554) من طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك ... وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ".
وأقول: حماد بن سلمة- مع جلالة قدره- تكلم بعضهم في روايته عن غير ثابت، فالإسناد حسن، وحديثه صحيح. وقد عزاه المنذري في "الترغيب " (4/132/22) للنسائي أيضاً، وتبعه الحافظ المنذري في "تحفة الأشراف "؛ وقيده بقوله (1/286) :
"في الرقائق (في الكبرى) ".
وكتاب "الرقائق " ليس في كتابه "السنن الصغرى" المعروف بـ "المجتبى"، ولذلك؛ قيده المحقق الفاضل عبد الصمد شرف الدين بـ (في الكبرى) ، ولا يوجد في النسخة المطبوعة من "السنن الكبرى" هذا الكتاب: (الرقائق) ، وقد مر بي غير(7/1267)
ما حديث عزاه المزي إليه، فلم أجده فيه- وهذا منه-، وبعد المزيد من التفتيش عنه في مظانه، والاستعانة عليه بفهارسه الموضوعة له.
وبهذه المناسبة أقول:
إن من تخاليط المعلقين الثلاثة على "الترغيب ": أنهم قالوا في تخريج حديث أنس هذا (4/ 141- 142) :
"والنسائي في "الكبرى"؛ كما في "تحفة الأشراف " (7/25) "!
والرقم المذكور إنما يشير إلى حديث عبد الله بن مسعود المذكور في "الترغيب " قبل هذا بحديث! وهناك عزوه أيضاً لـ"التحفة" بنفس الرقم المذكور، إلا أن رقم (5) تحرف من الطابع إلى (1) فصار (20) ؛ فما أشد غفلتهم!
ثم إن لحديث أنس هذا طريقاً آخر؛ يرويه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه نحوه؛ دون جملة الأنامل والأرض.
أخرجه البخاري (6418) ، والبيهقي في " السنن " (3/368) ، وفي " الزهد " (189/453) .
ومن شواهده: حديث عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
أنه خط خطاً مربعاً، وخط [خطاً] وسط الخط المربع، وخطوطاً [صغاراً] إلى جانب الخط الذي وسط الخط المربع، وخطاً خارجاً من الخط المربع، فقال: "أتدرون ما هذا؟ ".
قالوا: الله ورسوله أعلم! قال:
"هذا الإنسان؛ الخط الأوسط، وهذه الخطوط إلى جنبه: الأعراضُ تنهشه
_________
(1)(7/1268)
من كل مكان، فإن أخطأه هذا؛ أصابه هذا، والخط المربع: الأجل [المحيط به] ، والخط الخارج: الأمل ".
أخرجه البخاري (6417) ، وابن ماجه (4231) - والسياق له-، وأحمد (1/ 385) .
(فائدة) : قد ذكر الحافظ صوراً خمساً لصفة الخط، وأقْرَبُها عندي إلى الصواب الصفة الآتية:
الأجل المحيط
ــــــــــــ
الأجل | | الأجل
|ــــــــــــــــ|
__________
الأمل
| |||||||||||| |
الأجل | الأعراض | الأجل
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ورواه الترمذي (2870) ، وابن أبي الدنيا (32/12) من حديث بشير بن المهاجر عن عب دالله بن بريدة عن أبيه مختصراً بلفظ:
أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصاتين فرمى بهما، وقال:
"هذا الأجل، وهذاك الأمل ".
وقال الترمذي:
"حديث حسن غريب من هذا الوجه "!
قلت: وبشير هذا لين الحديث؛ كما قال الحافظ. وأشار المنذري إلى تقويته، والظاهر أن ذلك لشواهده.(7/1269)
(تنبيه) : ومن الحداثة قول المعلق على "قصر الأمل ":
"لم أره بهذا اللفظ، لكن عند البخاري من رواية أنس ... "! *
3429- (إنّ في النّار حيّاتٍ أمْثالَ أعْناقٍ البُخت؛ يلْسعْن اللسعَة؛ فيجدُ حُمُوَّتها أربعينَ خريفاً.
وإنَّ فيها لَعقارب كالبغالِ الموكِفةِ؛ يلْسَعْنَ اللسعةَ، فيجدُ حُمُوَّتها أربعينَ خَريفاً) .
أخرجه البيهقي في "البعث والنشور" (298/616) من طريق الحاكم بسنده الصحيح عن أصبغ بن الفرج: ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أخبره أن درّاج أبا السمح حدثه أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جَزْءِ الزبيدي- صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -- يقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ على الخلاف المعروف في دراج أبي السمح، والراجح أنه مستقيم الحديث عن غير أبي الهيثم، وهذا منه، فقد رواه عن عبد الله بن الحارث بن جزء سماعاً.
وقد أخرجه الحاكم (4/593) - من طريق بَحْر بن نَصْر-، وابن حبان (2613ـ الموارد) - من طريق حرملة- قالا: ثنا ابن وهب به؛ دون الشطر الثاني منه. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
وتابعه ابن لهيعة عن دراج به بشطريه.
أخرجه أحمد (4/ 191) .(7/1270)
قلت: وهذه متابعة قوية من ابن لهيعة؛ فإنما يخشى من سوء حفظه إذا تفرد. وقال المنذري في "الترغيب " (4/233/1) وقد ذكره بشطريه:
"رواه أحمد، والطبراني من طريق ابن لهيعة عن دراج عنه.
ورواه ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم من طريق عمرو بن الحارث عن دراج عنه، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ... ".
(تنبيه) : لقد خرج حديث ابن حبان: المعلق على "الإحسان " (16/512- طبع المؤسسة) ، والمعلق على"الموارد" (8/325- طبعة الثقافة) ، وعزواه لأحمد والبيهقي، دون أن ينبها على زيادة الشطر الثاني التي عندهما! *
وصيته - صلى الله عليه وسلم - بالأنصار في آخر خطبة له
3430- (أمّا بعدُ؛ أيّها الناسُ! إنّ النّاس يكثرون وتقلُّ الأنصارُ؛ حتى يكونُوا كالملح في الطعامِ، فمن وَليَ منكُم أمراً [من أمّةِ محمّدِ - صلى الله عليه وسلم -، فاستطاعَ أن] يضرّ فيه أحداً أو ينفعَه؛ فليقبلْ من محسنِهم، ويتجاوزْ عن مُسيئهم) .
أخرجه البخاري في "صحيحه " (927 و3628 و 3800) ، - والسياق والزيادة له-، والحاكم (2/78- 79) - وصححه؛ ووافقه الذهبي-، والبزار في " مسنده " (3 /301/2798) - والزيادة الآتية له- عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
[أُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: هذه الأنصار؛ رجالها ونساؤها في المسجد يبكون! قال:
"وما يبكيها؟! ".(7/1271)
قال: يخافون أن تموت، قال: فـ] خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه ملحفة متعطفاً بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء، حتى جلس على المنبر، [وكان آخر مجلس جلسه] ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ... فذكره.
قلت: واسناد البزار صحيح على شرط البخاري، وخفي ذلك على الهيثمي.
وإسناده هكذا: حدثنا ابن كرامة: ثنا ابن موسى: ثنا ابن الغسيل- واسمه عبد الرحمن- عن عكرمة عن ابن عباس ...
فقال الهيثمي (10/37) :
"رواه البزار عن ابن كرامة عن ابن موسى، ولم أعرف الآن أسماءهما، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!
فعقب عليه الحافظ في "مختصر الزوائد" بقوله (2/371) :
"قلت: ابن كرامة: هو محمد بن عثمان بن كرامة. وابن موسى: هو عبيد الله، وكلاهما من شيوخ البخاري في "صحيحه "، والإسناد على شرط البخاري؛ فإنه أخرجه عن ثلاثة من مشايخه عن ابن الغسيل ".
قلت: وأخرجه ابن سعد في "الطبقات " (2/252) : أخبرنا عبيد الله بن موسى به.
ثم قال البزار:
"قد روي نحوه من وجوه بألفاظ ".
قلت: فأذكر ما تيسر لي منها:(7/1272)
1ـ منها: ما أخرجه البزار نفسه من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الربير عن عروة عن عائشة قالت:
فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس، ثم أوصى بالناس خيراً، تم قال: "أما بعد ... " الحديث نحوه مختصراً. وقال الهيثمي:
" رواه البزار، ورجاله رجال (الصحيح) "!
كذا قال! وفيه تساهل معروف منه؛ فإن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، يضاف إلى ذلك أنه مدلس، وقد عنعنه. وأغرق منه بالتساهل قول الحافظ في "المختصر" (2/372) :
"قلت: هو إسناد صحيح عندي "!
إلا أن يكون عنى أنه صحيح لغيره! وهذا بعيد. والله أعلم.
2- ومنها: عن أنس بن مالك قال:
مر أبو بكر بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال! ما يبكيكم؟! قالوا: ذكرنا مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منا، فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بذلك؟! فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فصعد المنبر، ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كَرِشي وعَيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ".
أخرجه البخاري (3799) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (5/91/8346) .
3- ومنها: عن أبي قتادة الأنصاري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر للأنصار:(7/1273)
"ألا إن الناس دثاري، والأنصار شعاري.. " الحديث وفيه:
"فمن ولي من أمرهم شيئاً (1) ؛ فليحسن إلى محسنهم، وليتجاوز عن مسيئهم، ومن أفزعهم؛ فقد أفزع هذا الذي بين هاتين "؛ وأشار إلى نفسه - صلى الله عليه وسلم -. ولفظ "الأوسط ": وأشار إلى صدره، يعني: قلبه.
أخرجه أحمد (5/307) ، والطبراني في "الأوسط " (9/414- 415/ 8892) ؛ وقال:
"لم يروه عن أبي قتادة إلا يحيى بن النضر، تفرد به أبو صخر".
قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، وكذا من دونه.
وابن النضر ثقة أيضاً، فالسند صحيح، وقد صححه الحاكم (4/79) ، ووافقه الذهبي.
4- ومنها: عن زيد بن سعد عن أبيه:
أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لما نعيت إليه نفسه؛ خرج متلفعاً في أخلاق ثياب عليه، حتى جلس على المنبر، فسمع الناس به، وأهل السوق، فحضروا المسجد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أيها الناس! احفظوني في هذا الحي من الأنصار؛ فإنهم كَرِشي التي آكل فيها، وعيبتي، اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/40/5425) من طريق ابن أبي
_________
(1) هذا لفظ " الأوسط ". والذي في" المسند": " فمن ولي من الأنصار"وفي "المجمع" من طريقه: ".. من أمر الأنصار"؛ وهذا قريب من اللفظ الأول.(7/1274)
فُدَيك عن ابن أبي حبيبة عن زيد بن سعد ...
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ زيد بن سعد؛ ليس له ذكر في كتب الرجال.
وابن أبي حبيبة- واسمه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة-؛ ضعيف؛ كما في "التقريب ". وأما قول الهيثمي (10/36) :
"رواه الطبراني، وزيد بن سعد بن زيد الأشهلي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات "!
فالظاهر أنه تبنى قول أحمد في (ابن أبي حبيبة) أنه ثقة! لكن الاعتماد على قول من ضعفه- وهو الجمهور- أولى، ولا سيما وهو المطابق لقاعدة: (الجرح مقدم على التعديل) ، وبخاصة أن بعضهم قد ضعفه جداً، ومنهم الدارقطني الذي قال فيه:
" متروك ".
وهو الذي تبناه الذهبي في "الكاشف ".
(تنبيه) : ترجم الحافظ في "الإصابة" لصحابي هذا الحديث (سعد بن زيد الأشهلي) ترجمة مختصرة جداً، وساق له طرف حديث آخر له من طريق آخر عنه، وذكر عن البغوي أنه قال:
"لا أعلم له غيره ".
وأقره: فيستدرك عليه هذا الحديث.
5- ومنها: كعب بن مالك قال:
إن آخر خُطبة خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(7/1275)
"يا معشر المهاجرين! إنكم قد أصبحتم تزيدون ... " الحديث نحوه مختصراً.
أخرجه الحاكم (4/78) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/79) من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
قلت: وسفيان بن حسين في روايته عن الزهري ضعف. وقد خالفه معمر، فقال: عن الزهري قال: أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه- وكان أبوه أحد الثلاثة الذين تيب عليهم- عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام خطيباً ... الحديث.
أخرجه عبد الرزاق (11/63/19917) ، وعنه الطبراني (19 /79/159) ، لكن لم يذكر الرجل الصحابي.
ورواه شعيب عن الزهري بإسناده عن الصحابي الذي لم يسم، لكنه لم يقل: عن أبيه.
أخرجه أحمد (3/500) ، وفي "فضائل الصحابة " (2/790- 791/1412) . *
3431- (خيرُ النّاسِ قرني الذي أنا منهم، ثمّ الذين يلونَهم، [ثمّ الذين يلونَهم] ، ثم ينشَأ أقوامٌ يفشُو فيهم السِّمَنُ، يشهدُون ولا يُستشهَدون، ولهم لَغَطٌ في أسواقِهم) .
أخرجه البزار في "البحر الزخار" (1/370 /248) من طريق أبي داود الطيالسي، وهذا في "مسنده " (ص 6/32) : ثنا حماد بن يزيد- بصري، روى عنه(7/1276)
جماعة-: ثنا معاوية بن قرة عن كَهْمَس الهلالي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره.
وسقط من "البحر"، وكذا من "كشف الأستار" (3/289/2764) الزيادة، واستدركتها من "المسند"؛ وهي عنده بلفظ:
"ثم الثاني، ثم الثالث ".
وقال البزار:
"لا نعلم أسند كهمس عن عمر إلا هذا، وكهمس قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً واحداً".
قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير حماد بن يزيد البصري، وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جماعة؛ كما تقدم في إسناد البزار، وهو - كما يبدو- من قوله، وقد مضى تسمية بعض من روى عنه في تخريج الحديث الواحد الذي أشار إليه البزار- برقم (2623) ، ونقلنا هناك عن البزار أنه قال:
"لا بأس به "،
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 19) :
"رواه البزار- واللفظ له-، وله عند الطبراني في "الأوسط ": "خير قرن؛ القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع لا يعبأ الله بهم شيئاً".
قلت: عند ابن ماجه طرف منه، ورجال البزار ثقات، وفي رجال الطبراني إسحاق بن إبراهيم صاحب الباب (!) ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: هو في "الأوسط " (4/255/3449) من طريق الفيض بن وثيق الثقفي(7/1277)
قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم صاحب الباز (!) قال: حدثنا الأعمش عن زيد ابن وهب عن عمر بن الخطاب مرفوعاً. وقال:
"لا يروى عن الأعمش إلا من هذا الوجه ".
قلت: وهو ضعيف لجهالة إسحاق هذا، وابن الوثيق قد ضعف؛ كما تراه في "الميزان "، و"لسانه ".
ثم إن قوله: "خير قرن،.. " منكر؛ لأن المحفوظ في الأحاديث الصحيحة: "خير الناس ... " في "الصحيحين " وغيرهما، وقد مضى تخريج بعضها برقم (699 و 700) .
(تنبيه) : تحرف اسم والد (حماد بن يزيد) في "مسند الطيالسي " إلى: (زيد) ! ولم يتنبه له مرتبه الشيخ أحمد البنا الساعاتي في "منحة المعبود" في موضعين منه (2/71 و199) !! رحمه الله تعالى.
وسقط من إسناد "الكشف " اسم (أبي داود) الراوي عن (حماد بن يزيد) ، ولم يتنبه له محققه الشيخ الأعظمي رحمه الله تعالى. *
3432- (طوبَى له، ثم طوبَى له، ثم طوبى له. يعنِي: من آمنَ به - صلى الله عليه وسلم - ولم يَره) .
أخرجه أحمد (4/152- مسند عقبة بن عامر) : ثنا محمد بن عبيد: ثنا محمد- يعني: ابن إسحاق-: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مَرْثَدِ بن عبد الله اليَزَني عن أبي عبد الرحمن الجُهني قال:
بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ طلع راكبان، فلما رآهما قال:
"كنديان مَذْحِجيان ".(7/1278)
حتى أتياه؛ فإذا رجال من (مذحج) ، قال: فدنا إليه أحدهما ليبايعه، قال:
فلما أخذ بيده قال:
يا رسول الله! أرأيت من رآك فآمن بك وصدقك واتبعك؛ ماذا له؟ قال:
"طوبى له ".
قال: فمسح يده، فانصرف.
ثم أقبل الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه، قال: يا رسول الله! أرأيت من اًمن بك وصدقك واتبعك، ولم يرك؟ قال: ... فذكر الحديث؛ قال: فمسح على يده فانصرف.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين؛ إلا أنهما لم يحتجا بابن إسحاق، فالبخاري روى له تعليقاً، ومسلم متابعة، وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، وقد فعل. وقال الهيثمي (10/67) :
"رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح "؛ غير محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع ".
قلت: فكان من تمام الفائدة أن يصرح بحسن إسناده، وقد فعل ذلك في الرواية الآتية فما أحسن؛ لما يأتي.
والحديث أخرجه البزار (3/290-291/ 2769) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (22/389/742) من طريقين آخرين عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به؛ إلا أنه قال في الرجل مثل ما قال في الرجل الأول سؤالاً وجواباً. وقال الهيثمي (10/18) :(7/1279)
"رواه البزار والطبراني، وإسناده حسن "!
وكذا حسنه الحافظ في "مختصر الزوائد" (2/366) ! فغضَّا البصر عن عنعنة ابن إسحاق، وكان عليهما هنا أن يلفتا النظر إلى تصريحه بالتحديث في رواية أحمد المتقدمة، ولكن هكذا قُدِّرَ.
ولا اختلاف بينهما وبين رواية الآخرين؛ لإمكان الجمع بينهما، وذلك بضم ما في إحداهما إلى الأخرى، فيقال: إن الرجل الآخر سأل ما سأل الأول، وزاد عليه أنه سأل أيضاً عمن آمن به - صلى الله عليه وسلم - و ... ولم يره، ويكون حاصل الجواب: طوبى لمن راًني، وطوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن لم يرني،! هذا ما يقتضيه علم (مختلف الحديث) . والله أعلم.
وقد روى ابن لهيعة شيئاً من ذلك مع مخالفته لابن إسحاق في سنده؛ فقال ابن لهيعة: عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بَيْهَس الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري عن أبيه- لا أعلم ذلك إلا- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أنه قيل له: يا رسول الله! أرأيت من آمن بك ولم يرك، وصدقك ولم يرك (!) ماذا لهم؟ قال:
"طوبى لهم (مرتين) ، أولئك منا، أولئك منا".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/182/576) .
وأخرجه في "الأوسط " (9/283/8619) من طريق أخرى عن ابن لهيعة قال: حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج به؛ فأسقط منه يزيد بن أبي حبيب! ولعله من تخاليط ابن لهيعة.(7/1280)
وللزيادة التي في "المسند" شاهد حسن بلفظ:
".. وطوبى لمن اًمن بي ولم يرني سبع مرات ".
وسبق تخريجه تحت الحديث (2888) . *
3433- (مَنْ أَخافَ هذا الحيُّ من الأنصارِ؛ فقدْ أخافَ ما بين هذين؛ يعني: جَنْبَيْه) .
أخرجه الطيالسي في "مسنده " (242/ 1760) ، ومن طريقه: البزار في "مسنده " (3/304 /2805) - والسياق له-: حدثنا طالب بن حبيب عن عبد الرحمن ابن جابر بن عبد الله عن أبيه:
أنه خرج يوم الحَرَة، فكبت قدمه [بحجر] ، فقال: تعس من أخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! [قلت: ومن أخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره " والزيادات من الطيالسي.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير طالب بن حبيب، وهو صدوق يهم؛ كما في "التقريب ". وقال البزار عقبه:
"لا نعلم يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد"!
قلت: قد جاء بإسناد آخر يرويه محمد بن كليب- وهو ثقة؛ كما قال أبو زرعة- عن محمود ومحمد ابني جابر سمعا جابراً قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"من أخاف الأنصار ... " الحديث.
أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/ 1/53/110 و4/1/ 404/1767) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (6/143/5293) بلفظ: قالا:(7/1281)
خرجنا يوم دخل جيش ابن دلجة المدينة بعد الحرة بعام، فدخل المدينة حتى ظهر المنبر، ففزع الناس، فخرجنا بجابر في الحرة؛ وقد ذهب بصره، فنكبه الحجر، فقال: أخافه الله من أخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فقالها مرتين أو ثلاثاً قبل أن نسأله، فقلنا: يا أبتاه: ومن أخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! فقال: أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال:
"لا يروى هذا الحديث عن محمد ومحمود ابني جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به موسى بن شيبة".
قلت: وهو لين الحديث؛ كما في "التقريب "، ولكنه شاهد جيد لحديث طالب بن حبيب.
ومحمد ومحمود؛ ذكرهما ابن حبان في "الثقات "؛ كما تقدم تحت الحديث (2304) ، فأحدهما يقوي الآخر.
وقد أخرجه البخاري (1/ 1/53/ 110) ، والطبراني في "الأوسط " أيضاً (2/54- 55/1093) ، وكذا أحمد في "فضائل الصحابة" (2/794/1421) من طريق يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنس أبي زكريا الأنصاري قال: حدثني محمد بن جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري عن أبيه جابر مرفوعاً مثل حديث الترجمة. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/38) :
" رواه الطبراني في " الأوسط "، والبزار، ورجال البزار رجال" الصحيح"؛ غير طالب بن حبيب، وهو ثقة، وأحمد بنحوه إلا أنه قال: "من أخاف أهل المدينة ... "، ورجال أحمد رجال (الصحيح) ".
قلت: لفظ أحمد إسناده منقطع كما كنت بينت في المكان المشار إليه آنفاً(7/1282)
من "الصحيحة"، وهو رواية عن محمد بن جابر بن عبد الله عن أبيه؛ كما تراه مخرجاً هناك.
(تنبيه) : إنما آثرت أن أسوق حديث الترجمة- مع مناسبته- من رواية البزار دون رواية الطيالسي- مع أنها الأصل-؛ لأنه سقط منها التصريح برفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك وقع في ترتيبه "منحة المعبود" (2/138/2511) . *
3434- (ما ضرّ امرأةً نزلتْ بين بَيتينِ من الأَنصار، أو نزلتْ بين أبويْها) .
أخرجه ابن حبان (2296) ، والحاكم (4/83) ، وأحمد (6/257) ، وعنه أبو نعيم في "الحلية" (9/224) ، والبزار في مسنده (3/304- 305/2806) من طريق روح بن عبادة: حدثنا هشام بن حسان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال البزار:
"لا نعلم أحداً رواه هكذا إلا هشام بن حسان، ولا عنه إلا روح ".
قلت: هو ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، وكذلك من فوقه، فهو صحيح على شرط الشيخين؛ كما قال الحاكم. وبيض له الذهبي!
وقال الهيثمي (10/ 40) :
"رواه أحمد والبزار، ورجالهما رجال (الصحيح) "!
قلت: البزار رواه عن شيخه يحيى بن حبيب: ثنا روح بن عبادة ... ويحيى ليس من رجال "الصحيح "، فالصواب أن يقال: "ورجال أحمد رجال (الصحيح) ".(7/1283)
والحديث أعله أبو حاتم بالمخالفة والوقف، فذكر ابنه في "العلل" (2/353- 354) أنه سأل أباه عنه؟ وعما رواه يحيى بن معين عن السكن بن إسماعيل الأصم عن هشام بن حسان عن هشام بن عروة عن يحيى بن سعيد عن عائشة قالت:
ما ضر امرأة كانت بين حيين من الأنصار أن لا تكون بين أبويها؟
فأجاب أبو حاتم بقوله:
"هذا الحديث أفسد حديث روح بن عبادة، وبيّن علته، وهذا الصحيح، ولا يحتمل أن يكون عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "!
قلت: وهذا- في نقدي- إعلال غريب، يخالف المعروف والمقرر في علم الحديث من ترجيح الأحفظ والأوثق على من دونه، والسكن هذا- وإن كان ثقة-؛ فليس هو مثل روح بن عبادة. ونظرة سريعة في ترجمتيهما تظهر الفرق بينهما، فالأول احتج به الأئمة كما تقدم، والآخر لم يخرجوا له ألبتة، اللهم! إلا أبو داود، فأخرج له في "فضائل الأنصار"، فأين الثريا من الثرى؟! *
3435- (شهدتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يدعُو لهذا الحيِّ من (النَّخَع) ، أو قال: يُثني عليهم؛ حتّى تمنيتُ أنّي رجلٌ منهم) .
أخرجه الإمام أحمد (1/403) : حدثنا طلق بن غنام بن طلق: ثنا زكريا بن عبد الله بن يزيد عن أبيه قال: حدثني شيخ من بني أسد- إما قال: شقيق، وإما قال: زر- عن عبد الله قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات مترجمون في "التهذيب "؛ غير زكريا ابن عبد الله بن يزيد- وهو الصهباني النخعي-؛ ترجمه ابن أبي حاتم (1/2/598)(7/1284)
برواية جمع من الثقات، ويضم إليهم طلق هذا، وما يأتي متابعاً له، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وأورده ابن حبان في كتابه "الثقات " (8/252) من رواية أحد الثقات قتيبة بن سعيد.
وتردد عبد الله بن يزيد في شيخه؛ هل هو (شقيق) أو (زر) ؟! مما لا يؤثر في صحة الحديث؛ لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة؛ كما قال الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله- في تعليقه على "المسند" (5/317) .
على أن الراجح عندي أنه (زر بن حبيش) ؛ لأنه قد جاء ذلك من طريقين آخرين عن ابنه زكريا بن عبد الله:
أحدهما: عن يحيى بن أبي زكريا: ثنا زكريا بن عبد الله بن يزيد الصهباني به. أخرجه البزار (4/235/1848- البحر الزخار) نحوه. وقال:
"لا يروى بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بهذا الإسناد".
والآخر: عن يحيى الحمّاني: ثنا زكريا بن عبد الله الصهباني به.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/163/10212) .
قلت: والحماني، ويحيى بن أبي زكريا- وأظنه الغساني (1) - فيهما ضعف، لكن أحدهما يقوي الآخر، فيصلح الترجيح بمجموعهما. والله أعلم.
والحديث قال الهيثمي (10/51) :
"رواه أحمد، والبزار، والطبراني، ورجال أحمد ثقات ".
قلت: وقد فاتت رواية أحمد هذه جماعة من المؤلفين في الرجال، ابتداءً من
_________
(1) ولكني أخشى أن يكون الصواب: (يحيى أبا زكريا) وهذه كنية الحماني.(7/1285)
الأزدي، وانتهاءً بالعسقلاني؛ فقد أورد الذهبي في "ميزانه " (زكريا بن عبد الله بن يزيد الصهباني) ، وقال:
"حدث عنه يحيى الحماني، قال الأزدي: منكر الحديث ".
وأقره العسقلاني في "اللسان "؛ وزاد عليه، فقال:
"أورد له [يعني: الأزدي] عن زر بن حبيش ... ".
قلت: فساق الحديث! وهذا من الغرابة بمكان أن يخفى عليهم رواية أحمد من طريق طلق بن علي من جهة، وترجمة ابن أبي حاتم لزكريا هذا برواية جمع عنه- كما تقدم- من جهة أخرى، فلا يلتفت إلى قول الأزدي فيه: "منكر الحديث "؛لأنه وهم ناشئ من عدم اطلاعه على رواية الثقات والمشار إليهم عن (زكريا) ، وظنه أنه لم يرو عنه إلا (يحيى الحماني) ؛ ولا سيما وهو معروف بأن في جرحه عنتاً وشدة!! والله أعلم. *
3436- (غِلَظُ القلوبِ والجفاءُ في المشْرقِ، والإيمانُ في أهْل الحِجاز) .
هو من حديث جابر- رضي الله عنه-، وله عنه طرق:
الأولى: عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.... فذكره.
أخرجه مسلم (1/53) ، وأبو عوانة (1/60) ، وابن حبان (9/ 204/7252) ، وأحمد في "المسند" (3/335) و"فضائل الصحابة" (2/863/ 1611) من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير به.
وتابعه موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر به؛ إلا أنه قال:(7/1286)
"والإيمان يمان، والسكينة في أهل الحجاز".
أخرجه البزار (3/ 315- كشف الأستار) من طريق إسماعيل بن أبي أويس: ثنا ابن أبي الزناد عنه. وقال:
"قد روي عن جابر من غير وجه ".
قلت: وهو من هذا الوجه ضعيف؛ قال الهيثمي (10/53) :
"رواه البزار، وفيه ابن أبي الزناد، وفيه خلاف، وبقية رجاله (رجال الصحيح) "!
قلت: نعم؛ لكن إسماعيل بن أبي أويس ليس أحسن حالاً من ابن أبي الزناد- واسمه عبد الرحمن-، قال الحافظ:
"صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهاً".
وقال في إسماعيل بن أبي أويس:
"صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه ".
وقال في "مقدمة البخاري " ما خلاصته:
"لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في (الصحيح) ".
قلت: فأخشى أن يكون وهم في متن هذا الحديث؛ فزاد فيه: "والإيمان يمان"، وهذا قد ثبت في أحاديث؛ فانظر الحديث المتقدم (1770) ، فكأنه دخل عليه حديث في حديث؛ كما أنه غلط فجعل "السكينة في أهل الحجاز"، مكان: "الإيمان ".
وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر به؛ إلا أنه قال:
"والإيمان والسكينة في أهل الحجاز".(7/1287)
وهذا من تخاليط ابن لهيعة.
أخرجه أحمد (3/345) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (10/28/ 9067) . وهو مما فات الهيثمي فلم يورده في "مجمع الزوائد"!
الطريق الثانية: عن سليمان عن جابر بلفظ:
"الإيمان في أهل الحجاز، وغلظ القلوب والجفاء في الفدّادين؛ في أهل المشرق". أخرجه أحمد (3/332) وإسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير سليمان هذا، وهو ابن قيس اليشكري، وهو ثقة.
الثالثة: عن أبي سفيان عن جابر مثله؛ إلا أنه قال:
"وغلظ القلوب قبل المشرق، في ربيعة ومضر".
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/183/12480) .
وإسناده صحيح على شرط مسلم. *
3437- (يطلُعُ عليكم أهلُ اليمن كأنّهم السّحاب، هم خيارُ من في الأرض. فقال رجلٌ من الأنصار: ولا نحنُ يا رسولَ الله؟! فسكت، قال: ولا نحن يا رسول الله؟! فسكت، قال: ولا نحن يا رسول الله؟! فقال في الثالثة كلمةً ضعيفةً: إلا أنتُم) .
أخرجه أحمد في "المسند" (4/84) وفي "الفضائل " (2/863- 864/1613) قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال:
بينا نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق مكة؛ إذ قال: ... فذكره.(7/1288)
وبهذا الإسناد أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/183- 184/12482) بنحوه مختصراً.
وأخرجه أبو يعلى (13/398/7401) ، والبزار (3/317/2838) - معلقاً- والطبراني (2/134/1549) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/353) من طرق عن يزيد بن هارون به.
وقد توبع يزيد؛ فقال الطيالسي في "مسنده " (2/127/945) : حدثنا شعبة عن ابن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن به.
ومن طريق الطيالسي: أخرجه البزار (2837) ، وكذا البخاري في "التاريخ " (1/2/272/2434) .
وتابعه الحارث بن يزيد الحضرمي عن الحارث [خال] ابن أبي ذئب:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع رأسه إلى السماء، فقال:
"أتاكم أهل اليمن كقطع الليل المظلم- وفي رواية: كقطع السحاب- ... "؛ والباقي نحوه.
أخرجه الطبراني (1550) ، وأحمد (4/82) - والرواية الأخرى له-، كلاهما من طريق ابن لهيعة عنه؛ إلا أن أحمد قال:
عن الحارث بن يزيد عن الحارث بن أبي ذباب- إن شاء الله- عن محمد بن جبير ...
قلت: هكذا وقع في "المسند": (.. ابن أبي ذباب) ، وكذا هو في "أطراف المسند" (2/186- 187 /2073) لابن حجر (1) . وفي "الطبراني ": (.. ابن أبي
_________
(1) ولم يذكر هذه الطريق الحافظ ابن كثير في "جامع المسانيد" (2/629) .(7/1289)
ذئب) ، والزيادة بين المعكوفتين ظناً مني؛ أنه الصواب بناءً على الروايتين المتقدمتين، ومنعني من الجزم بذلك رواية أحمد هذه، وأني لم أجد من ذكر (ابن أبي ذباب) في الرواة عن (محمد بن جبير بن مطعم) أو في شيوخ (الحارث بن يزيد الحضرمي) ؛ وهو الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب الدوسي، وهو صدوق يهم، ومن رجال مسلم؛ كما في "التقريب "، فالله أعلم! فالأمر بحاجة إلى مزيد من التحقيق، فمن وجد فليُدْلِ به، وجزاه الله خيراً.
والحديث أورده الهيثمي (10/54- 55) ، وقال:
"رواه أحمد، وأبو يعلى..، والبزار بنحوه، والطبراني، وأحد إسنادي أحمد، وإسناد أبي يعلى والبزار رجاله رجال (الصحيح) ".
(تنبيه) : ذكرت اًنفاً أن البخاري أخرج الحديث في "التاريخ "، وقد سبقني إلى العزو إلى (البخاري) الأخ الفاضل (وصي الله) في تعليقه على "الفضائل "، ولكنه أطلق العزو إليه، ولم يقيده بـ "التاريخ "، فأوهم أنه في "الصحيح "! فاقتضى التنبيه. *
3438- (إنّ قوماً يأتونَ من بعْدِي، يودُّ أحدُهم أنْ يفتدِيَ برؤيتي أهلَه ومالَه) .
أخرجه البزار في "مسنده " (3/319/ 2841) : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبيدة العُصفري: ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عمرو بن أبي عمرو عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ على خلاف في عبد الرحمن بن أبي الزناد،(7/1290)
وكلهم من رجال "التهذيب "؛ غير أحمد بن عمرو بن عبيدة العصفري؛ فإني لم أجد له ترجمة ولا ذكراً في شيء من كتب التراجم، ولا ذكروه في الرواة عن عبيد الله الحنفي، ولا فيمن نسبته (العصفري) . ومع ذلك قال الهيثمي في "المجمع " (10/66) :
"رواه البزار، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات "!
فلا أدري هل عنى بهذا التوثيق (العصفري) هذا أم لا؟!
ويبدو لي أن الحافظ ابن حجر يرى الأول؛ فإنه قال في "مختصر الزوائد" (2/389-390/2072) :
"قلت: إسناده صحيح "!
نعم، الحديث صحيح؛ فقد جاء بإسناد آخر عن سهيل بن أبي صالح؛ فقال مسلم في "صحيحه" (8/145) ، وأحمد في "مسنده " (2/417) : حدثنا قتيبة ابن سعيد: حدثنا يعقوب (يعني: ابن عبد الرحمن) عن سهيل به، ولفظه:
"من أشد أمتي حبّاً لي: ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله
وماله ".
وله شاهد عند أحمد من حديث أبي ذر مرفوعاً، سبق تخريجه في المجلد الثالث برقم (1918) .
وأما ما أخرجه البزار (2842) من طريق عبد الله بن داود الحراني- وهو أخو عبد الغفار-: ثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي عُشانة قال: سمعت أبا اليقظان عمار ابن ياسر يقول:(7/1291)
والله! لأنتم أشد حبّاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن رآه- أو من عامة من رآه-.
وقال البزار:
"لا نعلم له إسناداً عن عمار إلا هذا"!
قلت: وهو إسناد ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة، وجهالة عبد الله بن داود الحراني؛ فإني لم أجد له ترجمة، ومتنه- على وقفه- منكر. والله أعلم.
وقال الهيثمي:
"رواه البزار، والطبراني، وفيه عبد الله بن داود الحراني- أخو عبد الغفار-، ولم أعرفه، وبقية إسناد البزار حديثهم حسن "! *
3439- (الحمّام حرامٌ على نساء أمتي) .
أخرجه الحاكم (4/289) فقال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني: ثنا جدي: ثنا سعيد بن أبي مريم: ثنا نافع بن يزيد: حدثني يحيى بن أبي أسيد عن عبيد بن أبي سويّة أنه سمع سُبيعة الأسلمية تقول:
دخل على عائشة نسوة من أهل الشام، فقالت عائشة: ممن أنتن؟ فقلن: من أهل حمص. فقالت: صواحب الحمامات؟ فقلن: نعم. قالت عائشة رضي الله عنها:! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكر الحديث.
فقالت امرأة منهن: فلي بنات أمشطهن بهذا الشراب؟ قالت: بأي الشراب؟ فقالت: الخمر! فقالت عائشة- رضي الله عنها-: أَفكنتِ- طيبة النفس أن تمتشطي بدم خنزير؟ قالت: لا، قالت: فإنه مثله. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ العراقي في "تخريج(7/1292)
الإحياء" (1/ 140) ، ثم الزبيدي في "شرح الإحياء" (1/407) ، ومن قبلهم الحافظ المنذري في "الترغيب " (1/89/ 4) .
فأقول: هذا إسناد جيد متصل إن شاء الله تعالى، ولتحقيق ذلك لا بد من الكلام على رواته فرداً فرداً:
1-عُبيد بن أبي سوية؛ نسب إلى جده، فهو: عبيد بن سوية بن أبي سوية الأنصاري أبو سوية المصري) . ذكره الحافظ في كتابه "التهذيب " برواية أربعة من الثقات عنه، وحكى خلافاً في اسمه وكنيته، وقال:
" والصواب: أبو سوية ".
وهكذا وقع في حديث آخر، رواه أبو داود، وابن حبان، وكذا ابن خزيمة، وقد تقدم تخريجه برقم (642) . ثم قال:
"وروى النسائي في "الكنى" من طريق يحيى بن أبي أسيد عن عبيد بن أبي سوية أنه سمع سبيعة الأسلمية أنها قالت: دخلت على عائشة ... فذكر الحديث في الحمام. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم في "المستدرك ". وقال الدولابي (1/ 201) : "أبو سوية سمع سبيعة الأسلمية". وقال ابن حبان في "الثقات" (6/193) : "حميد (1) بن سويد أبو سويد". قال: "ومن قال: أبو سوية فقد وهم ". وقال ابن يونس: "كان رجلاً صالحاً، وكان يفسر القرآن " ... ".
وقال الأمير ابن ماكولا في "الإكمال " (4/394) :
"كان فاضلاً، روى عنه حيوة بن شريح، وعمرو بن الحارث وغيرهما".
_________
(1) وقع في " التهذيب ": "عبيد"! وهو خطأ، والتصويب من"الثقات"
و"الإحسان " أيضاً (6/ 311- المؤسسة) ، أقول هذا مع أن الواقع هو الصواب.(7/1293)
قلت: إذا عرفت هذا؛ فهو معروف، فلا يضره قول ابن خزيمة في إسناد الحديث المشار إليه آنفاً:
"لا أعرفه بعدالة ولا جرح "!
ولذلك قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق، من الثالثة ".
وكذلك لا يضره ما جاء في "التهذيب " أن روايته عن سبيعة الأسلمية مرسلة، بعد أن صرح في الحديث بسماعه منها؛ وجزم بذلك الحافظ الدّولابي؛ كما تقدم نقلاً عن "تهذيب الحافظ "، وهو لازم قوله المذكور آنفاً: "من الثالثة"؛ فتنبه.
2- يحيى بن أبي أسيد؛ قال ابن أبي حاتم (4/2/129) :
"مصري، روى عن أبي فراس. روى عنه عمرو بن الحارث، وحيوة بن شريح، وابن لهيعة ".
وكذا في "تاريخ البخاري " (4/2/261/2925) ، إلا أنه لم يذكر ابن لهيعة. وأورده ابن حبان في "الثقات " (9/251) برواية الليث بن سعد وعمرو بن الحارث؛ فقد روى عنه أربعة من الثقات، ويضم إليهم خامس وهو (نافع بن يزيد) راوي هذا الحديث عنه. وله عنه حديث آخر عند الحاكم (1/544) ، لكن شيخه فيه ضعيف، ولذلك كنت خرجته في "الضعيفة" (3200) .
3 و 4- نافع بن يزيد، وسعيد بن أبي مريم؛ ثقتان من رجال مسلم، مشهوران، فلا داعي لإطالة الكلام بترجمتيهما.(7/1294)
5- الفضل بن محمد الشعراني- جد إسماعيل-؛ فهو من شيوخ ابن خزيمة وغيره من الحفاظ، قال ابن أبي حاتم (1) في كتابه (3/2/69) :
"كتبت عنه بالري، وتكلموا فيه ".
قلت: وهذا جرح مبهم غير مفسر، فلا يضر؛ لأنه يحتمل أنهم تكلموا فيه لمذهب له، وهذا هو الظاهر؛ فقد قال الذهبي عقبه في "سير أعلام النبلاء" (13/318) :
"وقال أبو عبد الرحمن بن الأخرم: صدوق غالٍ في التشيع. وقال الحاكم: لم أر خلافاً بين الأئمة الذين سمعوا منه في ثقته وصدقه، رضوان الله عليه، وكان أديباً فقيهاً، عالماً عابداً ... وقال مسعود السّجزي: سألت الحاكم عن الفضل بن محمد؟ فقال. ثقة مأمون، لم يطعن في حديثه بحجة".
قلت: على أنه قد توبع كما سأبينه.
6- إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني؛ ترجمه السمعاني في مادة (الشعراني) ؛ (3/433) وقال:
"قال الحاكم أبو عبد الله: كان كثير السماع من جده وأبيه، وكان أحد المجتهدين في العبادة، وكنت أستخير الله في إخراجه في "الصحيح "، فوقعت الخيرة على ذلك، والكلام فيه يطول ".
وذكر مُختصر هذا الذهبي في "تاريخ الإسلام " (25/373- 374) ، وزاد:
"روى عنه الحاكم وقال: لم أرتب في شيء من أمره إلا روايته عن عمير بن
_________
(1) وقع في "الميزان " و"اللسان ": "قال أبو حاتم "! وهو خطأ.(7/1295)
مرداس، فالله أعلم! وسألته: أين كتبت عن عمير؟ قال: لما رحلت إلى مصر (!) ابن أيوب؛ فلعله كما قال ".
قلت: وهذا لا يوجد ريبة فيمن لا شك فيمن لقيه من شيوخه، مثل جده هذا، ولا يستلزم تضعيفه مطلقاً، فالأصل فيه تسليك حديثه ولذلك لم يورده الذهبي في "المغني في الضعفاء والمتروكين "، مع أنه ذكره مختصراً جداً في " الميزان ". والله أعلم.
ومع ذلك كله؛ فقد توبع، بل ربما توبع جده الفضل، كما سبقت الإشارة إليه؛ فقد تقدم أنه أخرجه النسائي في "الكنى"، وقد توفي سنة (303) ، والحفيد توفي سنة (282) ، فهما متعاصران، فأستبعد أن يكون رواه عنه، وإنما هو أو شيخه متابع له، فلعل النسائي رواه عن أحد شيوخه المصريين مثل (عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري) ، فقد روى هذا عن (سعيد بن الحكم بن أبي مريم) الثقة، وهو (سعيد بن أبي مريم) شيخ (الفضل بن محمد الشعراني) هنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وجملة القول؛ أننا بهذا التحقيق نخلص إلى أن إسناد الحديث قوي، وأن من صححه من الحفاظ المتقدمين ما أبعد النُّجعة، لا سيما وله شواهد تؤيد معناه؛ منها حديث عائشة من طريق أبي المليح قال:
دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها، فقالت: ممن أنتن؟ ... الحديث نحوه، لكن لفظ المرفوع:
"ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها؛ إلا هتكت ما بينها وبين ربها".
وهو مخرج في "آداب الزفاف" (ص 141) ، وانظر"صحيح الترغيب والترهيب " رقم (163) من الطبعة الجديدة لمكتبة المعارف.(7/1296)
تنبيه وفائدة:
لقد توقفت برهة مديدة من الزمن عن تصحيح هذا الحديث؛ من أجل يحيى ابن أبي أسيد هذا، من يوم بدأت بتقسيم كتاب "الترغيب " إلى قسميه: "صحيح " و"ضعيف "، وذلك قبل نحو أربعين عاماً تقريباً، ومن ذلك خلت الطبعات الثلاث منه، ولذلك أسباب كثيرة سأذكر ما يتيسر لي منها في مقدمة الطبعة الرابعة من "صحيح الترغيب " إن شاء الله سبحانه وتعالى.
ولكني سأذكر منها سبباً واحداً يتعلق بحديثنا هذا؛ فأقول:
لم تكن المراجع والمصادر التي تساعد على التحقيق في معرفة الرجال، وتمييز "الصحيح " و"الضعيف " يومئذ متوفرة، رغم أنني كنت أعيش في دار الكتب الظاهرية، وملازماً لها أكثر من موظفيها بعناية الله وفضله، وهي الدار العامرة بمختلف الكتب المطبوعة والمخطوطة، رغم ذلك كانت تنقصني كثير من المصادر، ولا يزال الأمر كذلك؛ ولو بنسبة أقل، وها هو المثال بين يدي: ترجمة (يحيى بن أبي أسيد) وحديثه هذا، فقد مررت بمراحل عدة حتى تيسرت أسباب الحكم عليه بالصحة، فلا بأس من سردها أمام القراء؛ للتاريخ والعبرة والفائدة؛ فأقول:
أولاً: لما جاء دور التعليق إبان ذلك الوقت المديد في "التعليق الرغيب "؛ كتبت عليه ما نصه- بعد سوق إسناده من "الحاكم "-:
"ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في "الكنى"؛ كما في "التهذيب "، وقال الحاكم: "صحيح ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات؛ غير ابن أبي أسيد هذا، فلم أر من ذكره، وقد أورده في "التهذيب " فيمن روى عن (عبيد بن أبي سوية) ".(7/1297)
ثانياً: ثم بعد زمن؛ عقبت عليه بقولي:
"ثم رأيته في "الجرح والتعديل " (4/2/129) من رواية ثلاثة ثقات عنه، فلعله في "ثقات ابن حبان "، ويشهد له بعض أحاديث الباب ".
ثالثاً: ثم بعد هجرتي إلى (عَمان) سنة (1400 هـ) واستقراري فيها؛ امتلكت نسخة مطبوعة في الهند من "ثقات ابن حبان "، وذلك من نحو عشر سنين، ثم رتبته على الحروف قبل أن أمتلك فهارسه المطبوعة بعنوان "الجامع ... "، ومع الزمن أخذ فهرسي يكتسي ثوباً جديداً من التعليق والتحقيق، لا يوجد مثله عند محقق "الثقات "، فضلاً عن مؤلف "الجامع "، وذلك مثل تأكيد ثقة بعض الرواة، أو تجريحهم، أو تجهيلهم، وغير ذلك من الفوائد؛ كالإشارة إلى بعض أحاديثهم.
ولما كنت في هذه الأيام في صدد تصحيح تجارب الطبعة الجديدة لكتابي "ضعيف الترغيب "، والقيام على إعادة النظر في أصله "التعليق الرغيب "؛ وجدت فيه حديث الترجمة، بناء على التعليق القديم الذي سبقت الإشارة إليه في (أولاً) ، فرجعت إلى كتابي "ترتيب الثقات " (1) ، فوجدتني قد علقت عليه بنحو ما تقدم اًنفاً من رواية الثقات الخمسة عن راويه (يحيى بن أبي أسيد) ، وتصحيح الحاكم والذهبي للحديث، وختمت التعليق بقولي:
".. فهو صدوق ".
فغلب على ظني أن الحديث قوي؛ لزوال جهالة (يحيى) ، ولكن من تمام التحقيق والاحتياط في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن لا ننسب إليه ما لم نتأكد من صحته؛ أوردت على نفسي سؤالاً، ألا وهو: لعل فيمن دونه من الرواة من يضعف
_________
(1) وقد سميته "تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن حبان ".(7/1298)
الحديث بسببه، وبخاصة من ليس لهم ترجمة في "التهذيب "؛ لأنهم ليسوا من رجال الستة وغيرهم ممن يترجم لهم، كشيخ الحاكم وشيخ شيخه؟ فكان الجواب: أن السؤال وارد علميِّاً، وكان الجواب عملياً، وهو:
رابعاً: تتبعت ترجمة الشيخين المشار إليهما، فوجدت أن حديثهما لا ينزل عن مرتبة الحسن، ولا سيما وقد توبعا من قبل الإمام النسائي على ما قدمت بيانه، فثبت الحديث، والحمد لله، فحذفته من "ضعيف الترغيب "؛ ونقلته إلى تجربة "صحيح الترغيب " الذي هو تحت الطبع؛ والله تعالى ولي التوفيق (1) .
تلك هي قصة هذا الحديث والمراحل التي مررت بها حتى تمكنت من الحكم عليه بالصحة- ومثله كثير وكثير جداً-؛ فلا يستغربن أحد من القراء إذا ما عثر على حكمين مختلفين في حديث واحد صدرا من شخص واحد، كالألباني؛ فإن لذلك أسباباً كثيرة، منها ما جرى لي في هذا الحديث مما هو فوق طاقة البشر، ولا يدخل في باب التكليف، ويأتي بعد ذلك أنني بشر، أخطئ وأصيب، كما قال الإمام مالك رحمه الله:
"ما منا من أحد إلا رَدَّ أو رُدَّ عليه؛ إلا صاحب هذا القبر"، وأشار إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
{إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} !! *
3440- (إن خيارَ عِباد اللهِ: الذين يراعُونَ الشّمسَ والقمرَ والنُّجومَ والأظلّة؛ لذكر الله عزّ وجل) .
أخرجه ابن شاهين في "الأفراد" (ق 5/1) ، والبزار في "مسنده" (1/186/366) ، والطبراني في "الدعاء" (3/1637/1876) ، والحاكم (1/51) ، ومن طريقه:
_________
(1) ثم طبع بحمد الله. (الناشر) .(7/1299)
البيهقي في "السنن" (1/379) من طريق سفيان بن عيينة عن مسعر عن إبراهيم السَّكْسَكِي عن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال البزار:
"لا نعلم رواه عن مسعر إلا سفيان، والصحيح أنه موقوف على أبي الدرداء".
وقال ابن شاهين:
"تفرد به سفيان عن مسعر، ما حدث به عنه غيره، وهو حديث غريب صحيح حسن "!
وقال الحاكم:
"هذا إسناد صحيح، وقد احتج مسلم والبخاري بإبراهيم السكسكي، واذا صح مثل هذه الاستقامة؛ لم يضره توهين من أفسد إسناده ".
ثم ساقه من طريق عبد الله عن مسعر عن إبراهيم السكسكي قال حدثني أصحابنا عن أبي الدرداء أنه قال ... فذكر موقوفاً نحوه. وقال:
"هذا لا يفسد الأول، ولا يعلله؛ فإن ابن عيينة حافظ ثقة، وكذلك عبد الله ابن المبارك ".
قلت: وسكت عن الحديث الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/208) !
ولي هنا ملاحظات لا بد لي من ذكرها:
أولاً: قول البزار: "والصحيح موقوف "!
فأقول: لا وجه لهذا التصحيح؛ فقد رأيت أن مدار المرفوع والموقوف على (إبراهيم السكسكي) ؛ فإن كان حجة؛ فالأمر كما قال الحاكم: الموقوف لا يفسد المرفوع؛ لأن الإسناد إليه بكل منهما صحيح. فتأمل!(7/1300)
ثانياً: تصحيح الحاكم والذهبي وابن شاهين لإسناده؛ فيه نظر قوي! ذلك؛ لأن (السكسكي) وإن أخرج له البخاري؛ ففيه كلام من قبل حفظه، يمنع من الحكم على إسناده بالصحة. أما الحسن فيمكن، قال الذهبي نفسه في "الميزان ":
"كوفي صدوق، لينه شعبة والنسائي، ولم يترك، قال النسائي: ليس بذاك القوي. وخرج له البخاري. وقال أحمد: ضعيف. وقال ابن عدي: لم أجد له حديثًًاً منكر المتن ".
وقال في "الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد" (ص 55) :
"لينه شعبة، وضعفه أحمد، حديثه حسن ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق، ضعيف الحفظ "؛ وانظر "إرواء الغليل " (2/12) ؛ فإن له فيه حديثًاً صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود.
ثالثاً: قول الحاكم: "وقد احتج به مسلم "! خطأ لعله من بعض النساخ؛ فإن المنقول عن الحاكم خلافه؛ فقد ذكر الحافظ في ترجمة (السكسكي) هذا من كتابه "مقدمة الفتح " (ص 388) :
"قال الحاكم: قلت للدارقطني: لم ترك مسلم حديثه؟ قال: تكلم فيه يحيى
ابن سعيد. قلت: بحجة؟ قال: هو ضعيف ".
رابعاً: ومع هذا كله؛ فإن في سكوت الحافظ عن الحديث ما يشير إلى تقويته، وذلك في مرتبة الحسن، كما في عبارة ابن شاهين المتقدمة، وهذا عند الحافظ: لذاته، أو لغيره، وهو الأقرب عندي؛ فقد ذكر له البيهقي شاهداً من(7/1301)
رواية واصل بن أيوب الأسواري عن أبي هريرة موقوفاً عليه.
والأسواري هذا لم أجد من ذكره؛ ولا السمعاني في هذه النسبة.
وكذلك أشار إلى تقويته الحافظ المنذري أيضاً في "الترغيب " (1/109/14) بتصديره إياه بقوله: "وعن.. "، وسكوته أو إقراره لتصحيح الحاكم وابن شاهين، وذكر له شاهداً من حديث أنس رضي الله عنه، وقد خرجته في الكتاب الآخر برقم (5038) ، مع بيان ضعفه، وإعلال الهيثمي إياه. وأما هذا فقد قال فيه (1/327) :
"رواه الطبراني في " الكبير"، والبزار، ورجاله موثقون، لكنه معلول "!
قلت: يشير إلى الخلاف في رفعه ووقفه، وفي توثيق إبراهيم السكسكي، وقد حررت القول في ذلك كله، وتبيين- إن شاء الله تعالى- صوابه من خطئه.
ثم لا بد لي بهذه المناسبة من كلمة حول هذا الحديث وما فيه من الفقه، فأقول:
ليس يخفى على أهل العلم أن الأذان شعيرة من شعائر الإسلام، وأنه قد جاء في فضله أحاديث كثيرة معروفة في "الصحاح " و "السنن " وغيرها، وإنما قصدت هنا تخريج هذا من بينها لسببين اثنين:
أحدهما: تحقيق الكلام في إسناده، والنظر في الذين صححوه؛ هل أصابوا أم أخطؤوا؟! ثم الحكم عليه بما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية من صحة، أو حسن، أو ضعف، وقد فعلت، راجياً من الله تعالى أن أكون قد وفقت للصواب الذي يرضيه عز وجل.
والآخر: التذكير بما أصاب هذه الشعيرة الإسلامية من الاستهانة بها، وإهمالها، وعدم الاهتمام بها، وتعطيلها في بعض المساجد التي يجب رفع الأذان فيها من(7/1302)
مؤذنيها، اكتفاءً بأذان إذاعة الدولة التي يذاع بواسطة الكهرباء من مكبرات الصوت المركبة على المآذن في بعض البلاد الإسلامية، وبناءً على التوقيت الفلكي، الذي لا يوافق التوقيت الشرعي في بعض الأوقات، وفي كثير من البلاد، فقد علمنا أن الفجر يذاع قبل الفجر الصادق بنحو ربع ساعة أو أكثر، يختلف ذلك باختلاف البلاد، والظهر قبل ربع ساعة، والمغرب بعد نحو عشر دقائق، والعشاء بعد نصف ساعة! وهذا كما ترى يجعل بعض الصلوات تصلى قبل الوقت الشرعي مما لا يخفى فساده، والسبب واضح، وهو الجهل بالشرع؛ والاعتماد على علم الفلك حساباته التي تخالف الشرع؛ الأمر الذي صيّر المؤذنين الذين قد يؤذنون في مساجدهم، ولا يكتفون بالأذان المعلن من إذاعة الحكومة يجهلون كلّ الجهل المواقيت الشرعية المبنية على الرؤية البصرية، التي يسهل على كل مكلف أن يعرفها، لا فرق في ذلك بين أمي وغيره، بعد أن يكون قد عرفها من الشرع، فالفجر عند سطوع النور الأبيض وانتشاره في الأفق، والظهر عند زوال الشمس عن وسط السماء، والعصر عند صيرورة ظل الشيء مثله، بالإضافة إلى ظل الزوال، والمغرب عند غروب الشمس وسقوطها وراء الأفق، والعشاء عند غروب الشفق الأحمر.
وإن مما لا شك فيه: أن هذه المواقيت تختلف باختلاف الأقاليم والبلاد ومواقعها في الأرض؛ من حيث خطوط الطول والعرض من جهة، ومن حيث انخفاضها وارتفاعها من جهة أخرى، الأمر الذي يوجب على المؤذنين مراعاتها والانتباه لها، فمدينة كبيرة كالقاهرة مثلاً؛ يطلع الفجر في شرقها قبل مغربها، وهكذا يقال في سائر الأوقات، بل قد تكون البلدة ليست في اتساعها كالقاهرة، كدمشق مثلاً، فمن كان في جبل قاسيون مثلاً تختلف مواقيته عمن كان في وسطها، أو في مسجدها مسجد بني أمية، أو في الغوطة منها مثلاً، ومع ذلك(7/1303)
فأهلها جميعاً من كان في الأعلى أو الأدنى من مناطقها يصلون ويصومون ويفطرون على أذان مسجدها! وما لنا نذهب بعيداً؛ فقد شاهدت أنا وغيري في بعض قرى عمان؛ (الناعور) - لما ذهبنا إلى صلاة المغرب في مسجدها- الشمس لما تغرب بعد، والأذان يعلن من مكبر الصوت الذي على المنارة مذاعاً من إذاعة الدولة من بعض مناطق عمان! وتتكرر هذه المشاهد المخالفة في كثير من البلاد كما رأينا وسمعنا مثله من غيرنا؛ وقد بينت هذا في مكان آخر من التعليقات والتوجيهات. والمقصود: أن الثناء المذكور على المؤذنين في هذا الحديث؛ صاروا اليوم غير مستحقين له؛ بسبب أنهم لا يراعون الشمس و.. ولمعرفة أوقات الصلاة التي ائتمنوا عليها، ودعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بالمغفرة لو قاموا بها في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم! أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين " (1) .
فلعل من كان يملك أذانه من المؤذنين، ومن كان من الحكام الغيورين على أحكام الدين يهتمون بالمؤذنين وتوجيههم أحكام دينهم وأذانهم، ويمكنونهم من أداء الأمانة التي أنيطت بهم، وهم يعلمون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ".
{إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد} ! *
3441- (ما منكنّ امرأةٌ يموتُ لها ثلاثةٌ؛ إلا أدخلَها الله عزّ وجلّ الجنة، فقالت أجلُّهن امرأة: يا رسولَ الله! وصاحبةُ الاثنينِ في الجنّة؟! قال: وصاحبة الاثنين في الجنة) .
أخرجه أحمد (1/ 421) : حدثنا عبد الصمد: حدثنا حماد: حدثنا عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود:
_________
(1) "صحيح أبي داود" (530) ، و"الإرواء " (217) .(7/1304)
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب النساء فقال لهن: ... فذكره.
وتابعه زائدة عن عاصم به نحوه.
رواه البزار في " البحر الزخار" (5/139/1729) ، وأبو يعلى (5085) .
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم؛ إلا أن عاصماً - وهو ابن بهدلة - إنما أخرج له مقروناً.
وحماد: هو ابن سلمة، وقد توبع. فقال الطبراني في "المعجم الأوسط " (7/44/6073) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي سُويد قال: حدثنا عثمان بن الهيثم قال: حدثنا أبي عن عاصم به. وقال:
"لم يروه عن عاصم إلا الهيثم بن جهم، تفرد به عثمان بن الهيثم ".
قلت: وهذا إسناد حسن أيضاً؛ غير ابن أبي سويد هذا، فقد ضعفه ابن عدي؛ كما بينته تحت حديث آخر له بهذا الإسناد في "الضعيفة" (6817) .
لكنه قد توبع فقال الطبراني في "المعجم الكبير" (10/232/10414) : حدثنا إبراهيم بن صالح الشيرازي: ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن به؛ إلا أنه قال:
"ليس من أجلهن "! فلعل "ليس " مقحمة.
قلت: وابراهيم بن صالح الشيرازي لم يترجموه؛ إلا الذهبي في "تاريخ الإسلام " ترجمة مختصرة جداً، ليس فيها سوى أنه حدث بمكة عن حجاج بن نصير الفساطيطي، وعنه الطبراني. ولم يزد عليه شيئاً الشيخ الأنصاري في "بلغته " (ص 16) ! مع أن تحديثه المذكور عن حجاج إنما استفاده الذهبي من "المعجم الصغير" للطبراني، وفيه فائدة أخرى وهي تاريخ سنة التحديث والوفاة،(7/1305)
فقال (362- الروض) : ثنا إبراهيم بن صالح الشيرازي- بمكة سنة ثلاث وثمانين ومئتين، وفيها مات-: ثنا حجاج بن نصير ... إلخ.
ويبدو لي أنه ليس من مشايخه المشهورين " فإنه قليل التحديث عنه، لم يرو عنه في "المعجم الأوسط " (3/447/2959) إلا حديثاً واحداً، وفي "الدعاء" حديثين (رقم 160 و 1141) .
لكن يظهر أن الحديث معروف عن (عثمان بن الهيثم) ؛ فقد علقه عليه بعض الحفاظ، فقال ابن أبي حاتم في "العلل " (1/353/1041) :
"سألت أبي عن حديث رواه عثمان المؤذن عن أبيه ... فذكره) ؟ قال أبي: رواه حماد عن عاصم عن أبي وائل.. أن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت لأبي: أيهما الصحيح؟ قال: قد توبع الهيثم بن جهم في هذه الرواية موصولاً".
وكذلك علقه الإمام الدارقطني، فقال في "العلل " (5/58) - بعد أن ذكره من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عن حماد عن عاصم عن زر عن عبد الله موقوفاً-: "ورواه زائدة وهيثم بن جهم البصري- والد عثمان بن الهيثم المؤذن؛ ثقة لا بأس به (1) - عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعاً. ولعل عاصماً حفظ عنهما. والله أعلم ".
والحديث صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (6/40) ، وقال:
_________
(1) قلت: وهذه فائدة عزيزة، تستفاد وتنقل إلى ترجمة (الهيثم) في "الجرح والتعديل "، ولم يتنبه لها المعلق الفاضل على "العلل "، بل لعله ظن أنه يعني الوالد، وهو بعيد؛ فإن الدارقطني قد ضعفه؛ فراجع "التهذيب ".(7/1306)
"وهذا لم يرو في الكتب الستة، ولم يذكر في "مجمع الزوائد"، فيستدرك عليه"
قلت: وكذلك على كتابه الآخر: "كشف الأستار"، فإنه لم يذكره فيه، وقد عرفت أنه في "مسند البزار".
ثم قال الشيخ:
" (أجلهن امرأة) ؛ أي: أكبرهن وأعظمهن. وفي ك: "أجلدهن امرأة". وفي نسخة بهامشها: (أجملهن) ".
قلت: ويرجح الأولى موافقتها لروايتي الطبراني " فتأمل!
والحديث صحيح؛ فإن له شواهد كثيرة في "الصحيحين "، وغيرهما، تجد بعضها في "أحكام الجنائز" (ص 34- المعارف) ، و"صحيح الترغيب " كتاب النكاح رقم (1999) . *
3442- (ما مِن امرأةٍ تنزعُ ثيابَها في غيرِ بيتها؛ إلا هتكتْ ما بينها وبينَ اللهِ من سترٍ) .
أخرجه أحمد في "المسند" (6/362) ، والدّولابي في "الأسماء والكنى" (2/134) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/255/652) من طرق عن عبد الله ابن وهب: أخبرني حيوة بن شريح قال: حدثني أبو صخر أن يُحنّس أبا موسى حدثه أن أم الدرداء حدثته:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقيها يوماً، فقال:
"من أين جئت يا أم الدرداء؟! ".(7/1307)
قالت: من الحمّام، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجاله مسلم، وفي بعضهم كلام لا يضر؛ وهو مخرج تخريجاً مختصراً في "آداب الزفاف " (ص 140) ، و"غاية المرام" (ص 136-137) ، و"التعليق الرغيب " (1/90/8) . وقال المنذري فيه:
" رواه أحمد، والطبراني في " الكبير" بأسانيد، رجالها رجاله (الصحيح) "!
كذا قال! وفيه سقط بينه قول الهيثمي في "المجمع " (1/277) :
".. ورجال أحدها رجال (الصحيح) ".
على أن قولهما: "بأسانيد" خطأ، والصواب: "بإسنادين"؛ لأنه ليس له عندهما إلا إسناد آخر؛ يرويه عبد الله بن لهيعة عن زَبّان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه أنه سمع أم الدرداء تقول:
خرجت يوماً من الحمام، فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:
"من أين يا أم الدرداء؟ ! ".
قالت: من الحمام، فقال:
"والذي نفسي بيده! ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها؛ إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن ".
أخرجه أحمد (6/361- 362) ، والطبراني (24/252 -253/645) .
وتابعه رِشْدين بن سعد عن زبان بن فائد به.
أخرجه الطبراني (646) .(7/1308)
قلت: وهذا إسناد يمكن الاستشهاد به؛ فإن زبان بن فائد ليس شديد الضعف؛ فقد قال الذهبي في "الكاشف ":
"فاضل، خيّر، ضعيف ".
وقال في "المغني ":
"ضُععِّف، وقال أبو حاتم: صالح الحديث ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته ".
فقوله في آخر ترجمة أم الدرداء- واسمها خيرة- من "الإصابة " بعدما عزاه للطبراني فقط:
"وسنده ضعيف جداً"!
فهو مردود بقوله في "التقريب "، وبالطريق الأولى، فهي شاهد قوي له. ويبدو أن الحافظ لم يستحضرها، وإلا؛ كان اكتفى بها دون الأخرى التي ضعفها جداَ، هذا هو اللائق بحفظه وعلمه، ولكن جل من أحاط بكل شيء علماً!
وأعجب من ذلك: الخبط والخلط الذي وقع فيه تلميذه الشيخ إبراهيم الناجي على خلاف عادته وتحقيقه-؛ فإنه قال متعقباً لقول المنذري المتقدم (ق 37/ 1) :
"فإن كان ذكر (الأسانيد) يعود إلى الطبراني دون أحمد، وإلا؛ فهو غير مُسلم، وقد عزاه الشيخ نور الدين الهيثمي في كتابه "مجمع الزوائد" إليهما؛ لكن لم يذكر (الأسانيد) ، وقال: "رجالهما ثقات "، وعزاه شيخنا الحافظ ابن حجر في مصنفه في أسماء الصحابة في ترجمة (أم الدرداء الكبرى) إلى أبي يعلى والطبراني، وذكر(7/1309)
أنهما أخرجاه من طريق زبان، وسنده ضعيف جداً انتهى. فإن كان الطبراني أخرجه من غير هذه الطريق- وما أظن ذلك- ولا سيما راواية (كذا) ابن لهيعة له عن زبان عن سهل، وإلا؛ فما قاله المصنف والهيثمي مردود؛ إذ (زبان) وشيخه (سهل) من الرواة المختلف فيهم الذين أفردهما المصنف في آًخر هذا الكتاب، فقال.. ".
قلت: ثم أطال النفس في نقل أقوال الحفاظ في (زبان) في توثيقه وتضعيفه في غير طائل في نحو نصف صفحة، لأنه على التسليم بضعفه، فقد قدمت الجواب عنه، فلا نعيده، ولكن لا بد من بيان ما يتعجل صدوره منه:
أولاً: أنه لم يعد إلى "مسند أحمد"، و"معجم الطبراني " ليتبين له أنه لا فرق بين روايته ورواية أحمد!
ثانياً: ما نسبه للهيثمي في "المجمع " لم أره، وهو خلاف ما نقلته اًنفاً عنه، وأخشى أن يكون قد انتقل بصره عند الكتابة إلى حديث آًخر، كما حكى هو مثله مراراً عن المنذري.
ثالثاً: قوله: "وما أظن ذلك " مما يؤكد ما ذكرته في (أولاَ) ، وإلا؛ لعرف أنه رواه الطبراني وكذا أحمد من غير طريق (زبّان) .
رابعاً: ما نسبه لابن حجر أنه عزاه لأبي يعلى؛ ليس في النسخة المطبوعة من "الإصابة"، فإن كان ذلك في بعض النسخ منه؛ فهو وهم من مؤلفه، وإلا؛ فمن أوهام الناجي؛ فإن المؤلف لم يذكره في "المطالب العالية" المجردة، ولا في؛ "المسندة".
خامساً: من آثار عدم رجوعه إلى "المسند" و"الطبراني ": أنه أقر شيخه على قوله: "وسنده ضعيف جداً"، وذلك يستلزم تضعيفه للحديث، ولذلك بنى عليه قوله فيما بعد (37-1/2) :(7/1310)
"ومقتضى الحديث المذكور: أنه كان في زمنه عليه الصلاة والسلام بالمدينة حمام، والوارد خلافه، وأنه أخبر بفتح بلاد الشام من ذوات الحمام بعده ودخولهم (هنا كلمتان لم أستطع قراءتهما أصابتهما الماء) جماعات من الصحابة حينئذٍ، وهكذا قالت عائشة وأم سلمة لأولئك النسوة دخلن عليها بعد موته ممن يدخلها (!) ، وهذا كله ظاهر غير خافٍ "!
كذا قال! ومع ما في العبارة من خفاء بعض الألفاظ؛ فالمقصود منه ظاهر؛ وهو في ذلك تابع لبعض المتقدمين أقدمهم- فيما علمت- الخطيب؛ فإنه قال في كتابه "الموضح " (1/362) بعد أن ضعف حديث (زبان) :
"مع أن الحديث تبعد صحته؛ لأن المدينة لم يكن بها حمام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحمامات إنما كانت في ذلك الوقت ببلاد الشام، وبلاد فارس "!
ثم احتج لما قال بما رواه من طريق الإفريقي عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً:
"إنها ستفتح لكم أرض الأعاجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها: الحمامات ... " الحديث.
قلت: وهذا من الغرابة بمكان؛ أن يحتج بمثل هذا الحديث، والإفريقي ضعيف، وكذا شيخه، كما كنت نقلته عن الحافظ في "غاية المرام " (192) ، ثم زدته بياناً في "الضعيفة" (6819) .
وأغرب منه: تجاهل الشيخ الناجي هذا الضعف، وقد أشار إليه المنذري (1/88/2) ، ولم يتعقبه الناجي بشيء! تجاهله بجزمه نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله المتقدم:(7/1311)
"وأنه أخبر بفتح ... " إلخ.
وكذلك تجاهل الخطيب حديث الترجمة المصرح بصحبة أم الدرداء، مع كونه في "سنن أبي داود" مما لا يخفى على من هو دونه حفظاً، وأوهم أنه ليس له طريق إلا طريق (زبان) ، وجزم بأن أم الدرداء هذه لا صحبة لها، مع أنه ذكر لها حديثاً آخر صرحت فيه بسماعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وقال فيه (1/363) :
"هذا حديث متصل الإسناد صالح الرجال "!
وتعقبه الشيخ المعلمي في تعليقه عليه بأن فيه شهر بن حوشب، وأنه سماها في رواية أحمد (أسماء بنت يزيد) : أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ، فراجعه.
ثم حكى الخلاف في صحبتها عن الحفاظ، فمن مثبت، ومن ناف، ولا أشك في أن الإثبات أصح لحديث الترجمة، ولأن الحفاظ أكثرهم عليه وعلى رأسهم علي بن المديني، كما في "الإصابة"، وذكرها في الصحابة ابن حبان في "الثقات " (3/116 و358) ؛ وبذلك جزم الذهبي في "التجريد" (2/266/3202) .
وأما ابن الجوزي؛ فقد تعنّت وبالغ؛ فأورد الحديث في "العلل " (1/ 341) من رواية أحمد، فقال:
"وأما أبو صخر؛ فاسمه (حميد بن زياد) ، ضعفه يحيى. وهذا الحديث باطل، لم يكن عندهم حمام في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "!
قلت: هذا تعنت ظاهر؛ فإن الرجل مختلف فيه، ولا يجوز الاعتماد على قول المضعف إلا بعد الموازنة بينه وبين قول من وثقه، وإلا؛ لم يسلم لنا من الحديث إلا القليل، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ":
"مختلف فيه، قال أحمد: ليس به بأس ".(7/1312)
ولذلك؛ أورده في "الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد" (93/97) .
ونحوه قول الحافظ في "التقريب ":
"صدوق يهم ".
ثم هو ممن احتج بهم مسلم في "صحيحه "، فروى له غير ما حديث، منها حديث أبي هريرة في اتباع الجنازة والصلاة عليها، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 89) ، وصحح له ابن حبان والحاكم وغيرهما.
قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، فكيف وتشهد له الطريق
الأخرى كما تقدم؟! فكيف وله طريق ثالث؛ يرويه محمد بن حمير عن أسامة بن سهل عن أبيه أنه سمع أم الدرداء تقول:
خرجت من الحمام، فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث.
أخرجه الخطيب في "الموضح " (1/395) ، وأعله بقوله (ص 362) :
"أسامة بن سهل مجهول ".
قلت: وهو مما يستفاد ويستدرك على كتب التراجم المعروفة؛ فإنها قد خلت منه، حتى "الجرح والتعديل "، و"ثقات ابن حبان "، و"لسان الميزان " وغيرها!
ولا ينافيه حديث عائشة الذي تشبث به الشيخ الناجي وغيره، على أن ابن الجوزي قد تعنّت فيه أيضاً (1) ، ولفظه:
دخل نسوة من أهل الشام على عائشة- رضي الله عنها-، فقالت: ممن أنتن؟
_________
(1) وذلك لأنه لم يورده إلا من طريق واهية، غير طريق "السنن " المعروفة الصحيحة، وهي مخرجة في " آداب الزفاف " (141) .(7/1313)
قلن: من أهل الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام؛ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"ما من امرأة تخلع ثيابها ... "الحديث.
قلت: هذا لا ينافي حديث الترجمة المثبت لوجود الحمام في المدينة زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ غاية ما فيه أن حمص كانت مشهورة بدخول النساء الحمامات، بخلاف المدينة، فقالت السيدة عائشة ما قالت. وقد صح أن جماعة من الصحابة دخلوا الحمام، مثل عبد الله بن عمر، وأبي الدرداء، وبلوه وعرفوا فائدته، فقال أبو هريرة وابن عمر:
نِعْمَ البيتُ الحمامُ؛ يذهب الدرن، ويذكِّر بالنار (1) .
فإن كان هذا بعد فتح دمشق وحمص؛ فذلك لا ينفي أن يكونوا بدؤوا بإنشائها في المدينة، ولو في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم -، فالقضية تاريخية ليست فقهية، فلا يكفي فيها الاستنباط وعدم العلم، بل لا بد من النص النافي الذي لا يقبل التأويل، فكيف والنص المثبت ثابت؟! فتأمل!
هذا ما تحرر عندي في هذه القضية؛ فإن أصبت فمن الله، وان أخطأت فمن نفسي؛ والله تعالى أسأل أن يسدد خطاي لما يحب ويرضى.
(تنبيه) : لقد سقط حديث الترجمة من طبعة الثلاثة المعلقين لكتاب "الترغيب "، دون أن يشيروا أدنى إشارة إلى ذلك، وهو مما يدل على أنهم أبعد ما يكونون عن التحقيق الذي زعموه في المقدمة قائلين:
_________
(1) وهي مخرجة تحت الحديث (6255- الضعيفة) .(7/1314)
"مستفيدين من النسخ الخطية المشرقية، ومعتمدين أسلوب الجمع الضوئي الحديث، واضعين نصب أعيننا تحقيق النصوص وسلامتها أولاً.. "!
وما أحسن ما قيل: اقرأ تفرح، جرب تحزن! والله المستعان. *
3443- (كان يقولُ حينَ يريدُ أنْ ينامَ:
اللهمَ! فاطرَ السماواتِ والأرضِ! عالمَ الغيبِ والشهادةِ! ربَّ كلّ شيءٍ! وإله كلِّ شيءٍ! أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، وحدَك لا شريكَ لك، وأنَّ محمّداً عبدُك ورسولُك، والملائكة يشهدون، اللهم! إنِّي أعوذُ بك من الشيطانِ وشِرْكِه، وأعوذُ بك أن أقرِفَ على نفْسي إثْماً، أو أردَّه إلى مسلم) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13/40/94) وفي "الدعاء" (2/913/263) من طريق ابن وهب: حدثني حُييُّ عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال: ... فذكره.
وتابعه ابن لهيعة: ثنا حُييُّ بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن الحبلي حدثه قال:
أخرج لنا عبد الله بن عمرو قرطاساً، وقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا يقول ... فذكر الدعاء مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ؛ وزاد:
قال أبو عبد الرحمن: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمه عبد الله بن عمرو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام.
أخرجه أحمد (2/171) : حدثنا حسن عن ابن لهيعة به.(7/1315)
وقال المنذري (1/211/13) - وتبعه الهيثمي (10/122) ، وقلدهما المقلدون الثلاثة (1/ 471) ، فقالوا -:
"رواه أحمد بإسناد حسن "!
قلت: ابن لهيعة سيىء الحفظ معروف بذلك، فهو حسن بالمتابع الذي قبله، وبما يأتي.
وقد توبع حيي بن عبد الله؛ فقال عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو، فذكره نحو حديث ابن لهيعة.
أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (1/301/338) ، والطبراني أيضاً (13/26/52) ، والبيهقي في " الدعوات الكبير" (2/112/353) ؛ وعندهما جملة التعليم لأبي بكر.
واسناده ضعيف؛ ابن أنعم- وهو الإفريقي- ضعيف.
وله طريق أخرى: عن أبي راشد الحبراني قال:
أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له: حدثنا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟؛ فألقى بين يدي صحيفة، فقال: هذا ما كتب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فنظرت فيها؛ فإذا فيها:
أن أبا بكر الصديق قالت: يا رسول الله! علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت؟ فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -:
"يا أبا بكر! قل ... " فذكر الدعاء إلى قوله: "وأن أقترف على نفسي سوءاً، أو أجرّّه إلى مسلم ".(7/1316)
أخرجه أحمد (2/196) ، والبيهقي في "الدعوات " (1/ رقم 30) .
قلت: وإسناده حسن.
وله شاهد صحيح من حديث أبي هريرة، وزاد في آخره:
"قله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك ".
وقد مضى تخريجه مبسطاً (2753 و 2763) .
وبالجملة؛ فالحديث عن ابن عمرو صحيح بهذه الطرق والشاهد. *
3444- (من قال إذا أوَى إلى فراشه:
الحمد لله الذي كفاني وآواني.
الحمد لله الذي أطعمني وسقاني.
الحمد لله الذي مَنَّ عليَّ وأفضلَ، اللهم! إنِّي أسألك بعزَّتك أنْ تُنَجِّيَني من النّار؛ فقدْ حَمِدَ الله بجميع محامدِ الخلقِ كلِّهم) .
أخرجه الحاكم (1/545 -546) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة " (229/714) والبيهقي في "الشعب " (4/93/4382) من طرق عن موسى بن إسماعيل: ثنا خلف بن المنذر: ثنا بكر بن عبد الله المزني عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين " غير خلف بن المنذر، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (6/271) ، وقال:(7/1317)
"روى عنه موسى بن إسماعيل وأهل بلده ".
وقال البخاري في "التاريخ ":
".. موسى بن إسماعيل، ومسلم ".
والظاهر أنه يعني: مسلماً الفراهيدي؛ فإنه من أهل بلده: البصرة.
ولم يعرفه المنذري؛ فقال في "الترغيب " (1/211/15) :
"رواه البيهقي، ولا يحضرني إسناده الآن "! *
3445- (من بنَى للهِ مسجداَ بنَى اللهُ له بَيتاً في الجنّة أوسعَ منْه) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/267 -268/7889) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ علي بن يزيد- وهو الألهاني-، ضعيف.
وعثمان بن أبي العاتكة؛ صدوق، ضعفوه في روايته عن الألهاني هذا، كما قال الحافظ في "التقريب ".
لكن له شاهدان من حديث عبد الله بن عمرو، وأسماء بنت يزيد بن السكن.
أما حديث ابن عمرو، فيرويه الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به.
أخرجه أحمد (2/ 221) .
ورجاله ثقات " فهو حسن الإسناد؛ لولا أن الحجاج- وهو ابن أرطاة- مدلس؛(7/1318)
وقد عنعنه، ومع ذلك صحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (12/16) ! وقد تابعه جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب به؛ إلا أنه خالفه في لفظه فقال:
".. ولو قدر مفحص قطاة؛ بنى الله له بيتاً في الجنة"؛ فلم يذكر: ".. أوسع منه ".
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (9/95) .
2- وأما حديث أسماء بنت يزيد؛ فيرويه محمود بن عمرو الأنصاري عنها مرفوعاً به.
أخرجه أحمد (6/461) ، والعقيلي في "الضعفاء" (2/126) ، والطبراني في "الكبير" (24/165/468) و"الأوسط " (9/209/8454) ؛ لكن لم يقع فيهما: "أوسع منه ".
قلت: وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمود بن عمرو الأنصاري، وقد وثقه ابن حبان (5/434) ، وروى عنه اثنان، مع ملاحظة أنه من التابعين، وقال الذهبي:
"فيه جهالة".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"مقبول ".
ولذلك " قال الهيثمي (2/8) بعدما عزاه للطبراني وأحمد:
" ورجاله موثقون ".(7/1319)
وبالجملة؛ فالحديث بهذين الشاهدين يرتقي إن شاء الله تعالى إلى مرتبة
الحسن، ولا سيما وفي معناه حديث واثلة بن الأسقع مرفوعاً بلفظ:
"بنى الله عز وجل له بيتاً أفضل منه".
أخرجه أحمد، والبخاري في "التاريخ " وغيرهما؛ لكن في إسناده ضعف وجهالة، ولذلك؛ خرجته في " الضعيفة " (6716) .
ولعله لما ذكرته من الشواهد؛ سكت الحافظ في "الفتح " (1/546) عن حديث الترجمة، وعن حديث واثلة. والله أعلم. *
3446- (من خرجَ حتى أتَى هذا المسجدَ- مسجدَ قُباء- فصلّى فيه؛ كان له عِدْل عمْرةٍ) .
أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/1/96) ، والنسائي (1/113 - 114) ، وابن ماجه (1412) ، والحاكم (3/12) ، ومن طريقه: البيهقي في "شعب الإيمان" (3/499/4191) ، وأحمد (3/487) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/90-91/5558 و5559 و5561و5562) من طرق عن محمد بن سليمان الكرماني قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حُنيف قال: قال أبي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد"؛ ووافقه الذهبي، وأقره المنذري في "الترغيب " (2/138-139) .
قلت: وهو كما قالوا؛ فإن الكرماني هذا قد وثقه ابن حبان (7/372) ، وروى عنه جماعة من الثقات، عددهم في "التهذيب " ستة، وصحح له الحاكم والذهبي كما رأيت. فقوله في "الكاشف ":(7/1320)
"وثق "! ليس عندي كما ينبغي، ومثله قول الحافظ: "مقبول "، وحقه أن يقولا: "صدوق " كما قالوا فيمن هو أدنى منه شهرة، وأقل عنه رواية.
وقد خالفه في متنه بعض الضعفاء، فقال موسى بن عُبيدة: أخبرني يوسف ابن طهمان عن أبي أمامة بن سهل به، ولفظه:
"من توضأ فأحسن وضوءه، ثم دخل مسجد قباء، فركع فيه أربع ركعات؛ كان ذلك عدل رقبة".
أخرجه الطبراني (5560) ، والعقيلي (4/ 450) مختصراً بلفظ:
"من توضأ في منزله، ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه أربع ركعات؛ كان ذلك كعدل عمرة".
أورده في ترجمة (يوسف بن طهمان) من طريق البخاري؛ وقال:
"لا يتابع عليه ".
ثم ساقه من طريق البخاري. وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان "، و"المغني ":
"واهٍ ".
وسبقه إلى ذلك المنذري؛ كما يأتي.
ثم قال العقيلي:
"وقد روي من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا، خلاف هذا اللفظ ".
قلت: يشير إلى حديث الترجمة. والله أعلم.
وموسى بن عُبيدة: هو الربذي؛ ضعيف.(7/1321)
وقد تابعه إسماعيل بن المعلى الأنصاري عن يوسف بن طهمان به مختصراً مثل حديث الترجمة، وزاد:
"ومن خرج على طهر لا يريد إلا مسجدي هذا- يريد مسجد المدينة- ليصلي فيه؛ كان بمنزلة حجة".
وهي زيادة منكرة، علقها البيهقي على يوسف بن طهمان عقب حديث الترجمة، مشيراً إلى أن الآفة يوسف هذا. وقال المنذري:
"انفرد بهذه الزيادة يوسف بن طمهان، وهو واهٍ. والله أعلم ".
قلت: وراويها عنه إسماعيل بن المعلى الأنصاري؛ مجهول؛ كما قال أبو حاتم، والذهبي، ولم يرو عنه غير يعقوب بن محمد الزهري، وفيه ضعف، ومع ذلك ذكره ابن حبان في "الثقات " (36/43) ؛ كشاهد من مئات الشواهد على تساهله في التوثيق، فيمكن أن تكون آفة الزيادة منه؛ لتفرده بها دون موسى بن عبيدة عن ابن طهمان الواهي. والله أعلم.
(تنبيه) : ساق البخاري عقب حديث إسماعيل هذا، فقال:
"قال ابن رافع: نا زيد بن حباب: نا محمد بن سليمان الكرماني المدني سمع أبا هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. وذكر زيد قال: أخبرني عبيد بن محصن الأزدي: سمع أبا أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعن زيد عن موسى ابن عبيدة عن يوسف بن طهمان عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ".
أقول: فلا أدري هل أراد الإمام البخاري بقوله. "مثله ": مثل حديث إسماعيل الذي قبله بشطريه؟! أم أراد الشطر الأول منه الخاص بمسجد قباء؟! هذا هو الظاهر لي- والله أعلم-، لأن حديث الكرماني، وحديث موسى بن عبيدة(7/1322)
ليس فيها الشطر الثاني عند البخاري؛ كما تقدم.
ثم لا أدري هل أراد بهذه الروايات الثلاث التي ساقها عن زيد بن حباب الإشارة إلى سعة حفظه الذي شهد له به جمع، أم أشار إلى وهمه الذي وصفه به أحمد وغيره؟! هذا مما لم يتبين لي! وفوق كل ذي علم عليم.
ثم إن لحديث الترجمة شاهداً مختصراً من حديث أسيد بن ظهير الأنصاري بلفظ:
"صلاة في مسجد قباء كعمرة".
صححه الترمذي، والحاكم؛ لكن فيه من لا يعرف إلا بروايته لهذا الحديث عن أسيد؛ كما. بينت في "التعليق الرغيب "، لكنه يصلح شاهداً إن شاء الله تعالى. *
3447- (لا تجادلُوا بالقُرْآن، ولا تكذِّبُوا كتابَ اللهِ بعضَه ببعْضٍ؛ فو الله! إنّ المؤمنَ لَيجادلُ بالقرآن فيُغلَبُ وإنّ المنافقَ لَيجادلُ بالقرآن فيَغلِبُ)
أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين " (2/74/942) : حدثنا محمد بن الحسين (!) بن قتيبة قال: ثنا محمد بن خلف: ثنا أبو اليمان: ثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النوّاس بن سمعان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير ابن قتيبة هذا، وهو (محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني) ، تحرف اسم (الحسن) إلى (الحسين) في المطبوعة، والتصحيح من النسخة المصورة (1/187) وغيرها، فقد روى له الطبراني في "المعجم الأوسط " عدة أحاديث عن محمد بن خلف هذا- وهو أبو(7/1323)
نصر العسقلاني-؛ فانظر إن شئت (ج7/ الأرقام 6664 و 6665 و 6680 - 6682) .
وإذا صح هذا؛ فالرجل وثقه الدارقطني والذهبي، وعليه؛ فالسند صحيح والحمد لله.
وقد خالف أبا اليمان في إسناده إسماعيل بن عياش، فقال: عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن جده رفعه ... فذكره بتمامه، غير أنه قال في المنافق:
"فيطلب " (1) !
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/ 160- الغرائب الملتقطة) من طريق أبي محمد الخلال: حدثنا الحسين بن أحمد بن العباس الموصلي: حدثنا خالد بن مرداس: حدثنا إسماعيل بن عياش ...
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير الحسن بن أحمد الموصلي هذا، فلم أعرفه، ولعل المخالفة منه.
والجملة الأولى منه: "لا تجادلوا بالقرآن "، مضى له شاهد برقم (2419) بزيادة:
"فإن جدالاً فيه كفر".
وتحته شاهد للجملة، وآًخر للزيادة بلفظ:
"المراء في القرآن كفر".
وهو مخرج في "الروض النضير" (1124 و 1125) ، وصححه ابن عبد البر في "الجامع" (2/928 - ابن الجوزي) ، وزعم أنه لا يصح غيره! انظر تخريج الأخ أبي
_________
(1) وهكذا ذكره السيوطي في"الجامع الكبير" (2/ 881) من رواية الديلمي!(7/1324)
الأشبال الزهيري في تعليقه عليه، فقد ذكر له عدة شواهد صحح أحدها من حديث أبي جهم، وهو مخرج في "الروض " من رواية أحمد وغيره.
(فائدة) : قال ابن عبد البر عقب الحديث:
"والمعنى: أن يتمارى اثنان في آية؛ يجحدها أحدهما ويدفعها، أو يصير فيها إلى الشك، فذلك هو المراء الذي هو الكفر.
وأما التنازع في أحكام القرآن ومعانيه؛ فقد تنازع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كثير من ذلك، وهذا يبين لك أن المراء الذي هو الكفر: هو الجحود والشك كما قال عز وجل: {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} [الحج: 55] ، والمراء والملاحاة غير جائز شيء منهما؛ وهما مذمومان بكل لسان، ونهى السلف رضي الله عنهم عن الجدال في الله جل ثناؤه في صفاته وأسمائه.
وأما الفقه؛ فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر؛ لأنه علم يحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك، وليس الاعتقادات كذلك؛ لأن الله عز وجل لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أجمعت عليه الأمة، وليس كمثله شيء فيدرك بقياس أو بإنعام نظر، وقد نهينا عن التفكر في الله، وأمرنا بالتفكر في خلقه الدال عليه (1) ". *
3448- (من علِم الرمي ثم تركه؛ فليسَ منّا، أو قد عصَى) .
أخرجه مسلم (6/52) ، وأبو عوانة (5/102-103) ، والبيهقي في "السنن " (10/13) ، والرُُّّوياني في "مسنده " (1/163/195) ، والطبراني في " المعجم
_________
(1) قلت: وهو حديث قوي بمجموع طرقه، وقد خرجت بعضها في "الصحيحة" (رقم 1788) ، ثم وجدت له مرسلاً صحيح الإسناد، فألحقته به.(7/1325)
الكبير" (17/318/882) من طرق عن الليث عن الحارث بن يعقوب عن عبد الرحمن بن شماسة:
أن فقيماً اللخمي قال لعقبة بن عامر: تختلف بين هذين الغرضين؛ وأنت كبير يشق عليك؟! قال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أعان. قال الحارث: فقلت لابن شماسة: وما ذاك؟ قال: إنه قال: ... فذكر الحديث، والسياق لمسلم.
وتابعه ابن لهيعة عن الحارث بن يعقوب به.
أخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص 292) .
وليس في رواية أبي عوانة والطبراني:
" ... أو قد عصى".
ولم يذكرها الحافظ في "التلخيص الحبير" (4/166) في الحديث؛ وقد عزاه لمسلم؛ فلعله أشار بذلك إلى ترجيح اللفظ الأول:
"فليس منا" بدون الشك. والله أعلم. *
3449- (إذا أردتَ أن تغزوَ؛ اشْترِ فَرِساً أدْهَمَ، أغَرُّ، محجلاً، مُطلَقَ اليمنى؛ فإنّك تغنمُ وتسلَمُ) .
أخرجه الحاكم (2/92) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/293/809) من طريق عبيد بن الصًّبًّاح: أنبأ موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم:(7/1326)
"صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي، وأقره المنذري في "الترغيب " (2/162/20) !
قلت: هذه غفلة عجيبة من هؤلاء الحفاظ؛ فإن عبيد بن الصباح هذا: هو الخزًّاز؛ كما في " الجرح"، وقال:
"سألت أبي عنه؟ فقال: ضعيف الحديث ".
ثم هو ليس من رجال مسلم، ولا من رجال أحد من بقية الستة! وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/429) . وقال الهيثمي في "المجمع " (5/262) :
"رواه الطبراني، وفيه عبيد بن الصباح، وهو ضعيف ".
قلت: لكنه قد توبع، فقال الوليد: حدثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن رباح عن أبي قتادة الأنصاري:
أن رجلاً قال: يا رسول الله! إني أريد أن أشتري فرساً، فأيها أشتري؟ قال ... فذكره، إلا أنه قال:
" أرثم " مكان: "أدهم ".
وزاد بعد " اليمنى":
".. أو من الكميت على هذه الشِّية؛ تغنم وتسلم ".
أخرجه الدارمي (2/212) .
وابن لهيعة صدوق يستشهد به، ولا سيما وقد رواه عنه أحد العبادلة مختصراً، فقال الطيالسي في "مسنده " (84/604) : حدثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن عقبة الحضرمي عن علي بن رباح به مرفوعاً بلفظ:(7/1327)
"خير الخيل: الأقرح، الأرثم، الأدهم، المحجل، طلق اليمين، فإن لم يكن أدهم؛ فكميتٌ على هذه الشِّية)) .
قلت: وهذا إسناد صحيح من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة، وقد نسب فيه إلى جده (عقبة) . وقد أخرجه الترمذي (1696) من طريق الطيالسي، ووقع فيه: (ابن لهيعة) .
ثم أخرجه الترمذي، والحاكم، وابن حبان (1633) من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن رباح به. وقال الترمذي:
"حسن صحيح ".
وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري (2/162/19) . وهو شاهد قوي لرواية الدارمي المتقدمة عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب. *
3450- (والذي نفْسِي بيده! لو طُوِّقْتِيه؛ ما بلغتِ العُشُر من عمله حتّى يرجع. يعني: زوجَها الغازي)
أخرجه الإمام أحمد (3/439) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/196/441) من طريق رِشدين عن زبان عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن النبي- صلى الله عليه وسلم -:
أن امرأة أتته، فقالت: يا رسول الله! انطلق زوجي غازياً وكنت أقتدي بصلاته إذا صلى، وبفعله كله، فأخبرني بعمل يبلغني عمله حتى يرجع؟ فقال لها:
"أتستطيعين أن تقومي ولا تقعدي، وتصومي ولا تفطري، وتذكري الله تبارك وتعالى ولا تفتري حتى يرجع؟ ".(7/1328)
قالت: ما أطيق هذا يا رسول الله! فقال: ... فذكره. والسياق لأحمد.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لحال رشدين المعروف بالضعف؛ ومثله زبان وهو ابن فائد. وقال المنذري في "الترغيب " (2/178/32) :
"رواه أحمد من رواية رشدين بن سعد- وهو ثقة عنده-، ولا بأس بحديثه في المتابعات والرقائق "!
كذا قال! وذهل عن إعلاله بـ (زبان) . وتبعه على ذلك الهيثمي؛ فقال (5/274) :
"رواه أحمد، والطبراني، وفيه رشدين بن سعد، وثقه أحمد، وضعفه جماعة"!
قلت: والتضعيف هو المعتمد؛ لقاعدة: (الجرح مقدم على التعديل) ؛ ولا سيما وهو قول الجمهور! على أن عزوهما لأحمد أنه وثقه هكذا مطلقاً؛ يوهم أنه لم يضعفه أيضاً، وليس كذلك، فالروايات عنه مختلفة، وهي:
الأولى: ما ذكرا من التوثيق، وهي رواية ابن شاهين في كتابه "الثقات " (129/352) عن شيخه البغوي عن أحمد قال:
"أرجو أن يكون ثقة، أو صالح الحديث ".
لكن رواه ابن عدي في "الكامل " (3/149) عن شيخه أيضاً البغوي، فلم يذكر: "ثقة، أو"!
الثانية: رواية الميموني قال: سمعت أبا عبد الله- يعني: أحمد بن حنبل يقول:(7/1329)
رشدين بن سعد ليس يبالي عمن روى، لكنه رجل صالح، فوثقه هيثم بن خارجة- وكان في المجلس-؛ فتبسم أبو عبد الله، ثم قال: ليس به بأس في أحاديث الرقائق.
أخرجه العقيلي (2/67) .
الثالثة: رواية حرب بن إسماعيل قال:
سألت أحمد بن حنبل عن رشدين بن سعد؟ فضعفه وقدّم ابن لهيعة عليه.
رواه ابن أبي حاتم (1/2/513) .
الرابعة: رواية عبد الله بن أحمد قال: سمعت أبي يقول:
"رشدين بن سعد؛ كذا وكذا".
رواه العقيلي (2/66) وابن عدي أيضاً.
فأقول: من سَرْدِ هذه الروايات؛ يتبين لنا أنها كلها متفقة على التضعيف إلا الرواية الأولى؛ ففيها أنها ليس فيها جزم الإمام بتوثيقه وإنما الرجاء فقط، وهذا لا يفيد الجزم كما هو ظاهر.
هذا أولاً.
وثانياً: لو فرضنا أنه يفيد الجزم؛ فالجمع بين هذه الرواية والروايات الأخرى: أن التوثيق كان قبل أن يتبين له ضعفه، وإذا كان الجرح مقدماً على التعديل في الأقوال المختلفة عن الأئمة؛ لأن الجارح معه زيادة علم، ومن علم حجة على من لم يعلم؛ فهذا هو السبيل أيضاً في التوفيق بين الأقوال المختلفة عن الإمام الواحد، ومن هذا يتبين خطأ المنذري والهيثمي في إطلاقهما عزو التوثيق لأحمد؛ الموهم(7/1330)
أنه لم يضعفه أيضاً. وعليه؛ فلا يعتمد على هذا التوثيق؛ لمخالفته لأقوال الإمام الأخرى، وأقوال الأئمة الاًخرين.
ثم إن زبان- وهو ابن فائد- لم يوثقه أحد، ولا خلاف في ضعفه، فسكوتهما عنه خطأ آخر.
وثمة خطأ هو أهم مما تقدم، وهو غفلتهما عن متابعة قوية لـ (زبان) عند الطبراني (رقم 440) من طريقين عن ابن وهب: حدثني سعيد بن أبي أيوب عن خير بن نعيم عن سهل بن معاذ به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم إلى سهل بن معاذ. وسهل قد قال فيه الحافظ في "التقريب ":
"لا بأس به إلا في روايات زبان عنه ".
وقال المنذري في آخر "الترغيب " (4/284) :
"ضُعف، وحسن له الترمذي، وصحح له أيضاً، واحتج به ابن خزيمة والحاكم وغيرهما، وذكره ابن حبان في (الثقات) ".
قلت: فهو حسن الحديث على الأقل إذا كان الراوي عنه ثقة، وقد أخرج له ابن حبان أيضاً حديثاً في النهي عن اتخاذ الدواب كراسي رقم (5590) ، وهو مخرج فيما تقدم برقم (21) .
وللحديث شاهد يزداد به قوة من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال:
"لا تستطيعونه ".(7/1331)
قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً؟ كلّ ذلك يقول:
"لا تستطيعونه ".
وقال في الثالثة:
"مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يَفْتُرُ من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله ".
رواه مسلم وغيره، وسبق تخريجه برقم (2896) . *
3451- (أبشرُوا، أبشرُوا، إنه من صلى الصَّلوات الخمسَ، واجْتنبَ الكبائر، دخلَ من أيِّ أبوابِ الجنّة شاءَ:
عقوقَ الوالدين، والشركَ بالله، وقتلَ النَّفس، وقَذْفَ المحصَنات، وأكلَ مالَ اليتيمِ، والفرارَ من الزَّحفِ. وأكلَ الربا) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13/8-9/3) من طرق عن عبد العزيز ابن محمد عن مسلم بن الوليد بن رباح عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبد الله بن عمرو قال:
صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فقال:
"لا أقسم، لا أقسم، لا أقسم ".
ثم نزل فقال: ... فذكره وزاد؛ بعد جملة الجنة:
قال المطلب: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عمرو: أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرهن؟ قال: نعم؛ عقوق الوالدين ... إلخ.(7/1332)
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير مسلم بن الوليد بن رباح، أورده ابن أبي حاتم فقال:
".. مولى آل أبي ذباب، روى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب. وكان البخاري أخرج هذا الاسم في باب (الوليد بن مسلم بن أبي رباح) ، فقال أبو زرعة: إنما هو (مسلم بن الوليد) . وكذا قاله أبي ".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وهو في "تاريخ البخاري " (4/2/153/2534) كما ذكر على القلب! والصواب ما في "الجرح " كما جزم المحقق اليماني رحمه الله في تعليقه على "التاريخ "، وكذلك ذكره الحافظ المزي في الرواة عن (المطلب بن عبد الله بن حنطب) من كتابه "تهذيب الكمال ".
وذكره كذلك ابن حبان في "الثقات " مختصراً؛ فقال (7/446) :
"مسلم بن الوليد، يروي عن أبيه عن أبي هريرة، روى عنه ابن الهاد، والدراوردي ".
وفيه فائدة هامة لم تذكر في (الكتابين) ، وهي رواية هذين الثقتين عنه: الدراوردي- وهو عبد العزيز بن محمد- الراوي لهذا الحديث عنه، وابن الهاد، وحديثه عنه أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (4158- الإحسان) ، وكنت أخرجته في "الإرواء" (7/64) قبل أن أقف على هذه الترجمة في "الثقات "؛ فلتُسْتفد، ولتنقل إلى هناك.
ولم يقف عليها المنذري ثم الهيثمي، وتحرف عليهما اسم الجد (رباح) إلى: (العباس) ، فقال المنذري (2/ 184/ 4) :(7/1333)
"رواه الطبراني، وفي إسناده مسلم بن الوليد بن العباس، لا يحضرني فيه جرح ولا عدالة "!
وكذا في "مجمع الزوائد" (1/104) ؛ إلا أنه قال:
"ولم أر من ذكره "!
فأقول: ما كان ينبغي أن تخفى هذه الترجمة على الهيثمي؛ لأنها في كتابه الذي ألفه في "ترتيب ثقات ابن حبان " (3/66/2) ، ولكن جل من لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء!
ولا يعترض على اتصال إسناد الحديث بقول الحافظ في "التقريب " في (المطلب بن عبد الله) :
"صدوق؛ كثير التدليس والإرسال "!
وذلك؛ لأنه أسند ولم يرسل، وسمع ولم يدلس، لأنه قال- كما تقدم-:
سمعت رجلا ً يسأل عبد الله بن عمرو ...
فثبت أنه متصل، والحمد لله.
ثم إن الحديث له شواهد كثيرة؛ فلا نطيل الكلام بذكرها. *
3452- (قال رجلٌ: الحمدُ لله كثيراً، فأعظَمَها الملَكُ أن يكتُبَها، وراجعَ فيها ربّه عزّ وجلّ، فقيلَ له: اكْتبها كما قالَ عبدِي: كثيراً) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (3/44/2082) قال: حدثنا أحمد ابن زهير، قال: حدثنا يوسف بن عبد الملك الواسطي الدقيقي- أخو محمد بن(7/1334)
عبد الملك- قال: حدثنا زكريا بن عدي قال: حدثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير يوسف بن عبد الملك الواسطي الدقيقي، لم يترجم في كتب الجرح والتعديل. وقد أشار إلى ذلك المنذري بقوله في " الترغيب " (2/ 254/3) :
"رواه الطبراني بإسناد فيه نظر".
وبينه الهيثمي فقال (10/96) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه يوسف بن عبد الملك الواسطي؛ ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: وقد روى عنه (بحشل) في "تاريخ واسط " (ص 109 و 236) ، فيصلح للاستشهاد (1) . وقد دعم حديثه المنذري بقوله:
"وروى أبو الشيخ ابن حيان من طريق عطية عن أبي سعيد مرفوعاً أيضاً:
"إذا قال العبد: الحمد لله كثيراً؛ قال الله تعالى: اكتبوا لعبدي رحمتي كثيراً" ... "!
ولقد أبعد النجعة! فقد رواه من الوجه المذكور: ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/295/ 9484) ، والطبراني في "الدعاء" (3/1562/1685) .
وعطية: هو العوفي؛ ضعيف؛ كما هو معروف.
_________
(1) ولم يترجم له السمعاني في مادة (الدقيقي) ، بينما ترجم لأخيه (محمد بن عبد الملك) ترجمة حسنة، ووثقه.(7/1335)
ويشهد له أيضاً حديث أنس قال:
كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً؛ إذ جاء رجل فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - والقوم، فقال الرجل: السلام عليكم ورحمة الله، فرد النبي- عليه الصلاة والسلام- عليه: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته "، فلما جلس الرجل قال: الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً كما يحب ربنا أن يحمد وينبغي له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"كيف قلت؟ ".
فرد عليه كما قال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -.
"والذي نفسي بيده! لقد ابتدرها عشرة أملاك؛ كلهم حريص على أن يكتبها، فما دروا كيف يكتبونها؟! حتى يرفعوها إلى ذي العزة، فقال: اكتبوها كما قال عبدي ".
أخرجه أحمد (3/158) : ثنا خلف عن حفص بن عمرعن أنس ...
ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (289/ 341) ، وكذا ابن السني (143/438) .
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكن خلف- وهو ابن خليفة- كان اختلط في الآخر.
وبالجملة؛ فالحديث حسن على الأقل بمجموع ما ذكرنا. والله أعلم. *
3453- (التاجرُ الأمينُ الصدوقُ المسلمُ: مع [النبيّين، والصّديقين، و] الشُّهداء يومَ القيامة) .
أخرجه ابن ماجه (2139) ، وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال " (73/215) ،(7/1336)
والمخلَّص في "الفوائد المنتقاة" (8/4/1) ، وابن حبان في "الضعفاء " (2/ 230- 231) ، والحاكم (2/6) ، والدارقطني في " السنن " (3/7/17) ، وكذا البيهقي (5/266) ، و"الشعب " أيضاً (2/86/1230 و4/ 221/4850) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (8/192/7390) من طريق كثير بن هشام: ثنا كلثوم بن جوشن القشيري عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!: ... فذكره.
والزيادة للدارقطني، وابن حبان؛ وقال:
"كلثوم بن جوشن يروي عن الثقات المقلوبات، وعن الثقات الموضوعات "!
كذا قال! وهو من غُلْوائه ومبالغاته، فقد ذكره أيضاً في "ثقاته " (7/356) ، وهو أقرب، فقد قال ابن أبي حاتم (3/ 164) :
"سألت أبي عن كلثوم بن جوشن؟ فقال: ضعيف الحديث ":
وروى عن ابن معين أنه قال:
"ليس به بأس ".
ووثقه البخاري؛ كما في "تهذيب الحافظ " وغيره، فهو وسط حسن الحديث إن شاء الله تعالى. والحاكم لما قال عقب الحديث:
"كلثوم هذا بصري قليل الحديث ".
لم يتعقبه الذهبي في "تلخيصه "؛ إلا بقوله:
"قلت: ضعفه أبو حاتم ".
ولكنه في "الميزان " قواه، فقال في ترجمته:(7/1337)
"وثقه البخاري، وقال ابن معين: لا بأس به. وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال ابن حبان ... (فذكر قوله المتقدم) ، والحديث لم يذكر له ابن حبان سواه؛ هو حديث جيد الإسناد صحيح المعنى، ولا يلزم من المعية أن يكون في درجتهم، ومنه قوله تعالى: {ومن يطع الله والرسول ... } الآية ".
وهذا هو الذي اطمأنت إليه النفس أخيراً، وانشرح له الصدر بعد أن كنت ضعفته في بعض التخريجات، فاللهم غفراً!!
وله شاهد من حديث الحسن عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به.
رواه جمع منهم الترمذي- وحسنه-، وأقره البغوي في "شرح السنة " (8/4/2025) ، والمنذري في "الترغيب " (3/28/1) ، والحافظ ابن كثير في "التفسير" (1/523) . وأعله الحاكم بالانقطاع بين الحسن- وهو البصري- وأبي سعيد الخدري، فهو شاهد حسن إن شاء الله تعالى.
وأما الثلاثة المقلدة؛ فقد قلبوا الحكم لجهلهم، فحسنوا حديث أبي سعيد تقليداً للترمذي، وضعفوا حديث الترجمة تقليداً لصاحب "الزوائد"!! *
3454- (كفّوا صِبْيانَكم عند فَحْمةِ العِشاءِ، وإيّاكُم والسّمر بعد هَدْأةِ الرّجلِ؛ فإنّكم لا تدرُون ما يَبُثُّ اللهُ من خَلقِه؟! فأغْلِقوا الأبوابَ، وأطفِئُوا المصْباحَ، وأكفئوا الإناء، وأوكوا السّقاء) .
أخرجه الحميدي في "مسنده " (535/1273) : ثنا سفيان قال: ثنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.(7/1338)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه كما سيأتي دون تصريح أبي الزبير بالتحديث، وهذه فائدة عزيزة حفظها لنا الحميدي رحمه الله، ولذلك خرجته.
وأخرجه مسلم (6/107) من طريق عبد الرحمن: حدثنا سفيان به؛ إلا أنه لم يسق لفظه؛ وقال: "بنحو حديث زهير".
يعني الذي قبله، وقد ساقه، وعنه البغوي في "شرح السنة" (11/393) وصححه- من طريقين عنه عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً:
"لا ترسلوا فَواشِيَكم وصبيانكم إذا غابت الشمس؛ حتى تذهب فحمة العشاء؛ فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء".
وهكذا أخرجه أبو عوانة في "مسنده " (5/333) ، وأبو داود في "سننه " (2604) ، والبيهقي (5/256) ، وأحمد (3/312 و386 و395) .
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/68/132 و4/148/2590) ، وعنه ابن حبان (2/285/1272) ، وأحمد (3/301) من طريق فِطْرِ بن خليفة عن أبي الزبير به نحوه.
وتابعه عطاء بن أبي رباح عن جابر ببعضه.
رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (1/79- 80) .
وفي رواية لهما بلفظ:
"إذا كان جُنْحُ الليل؛ فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ ... " الحديث. وتقدم تخريجه برقم (40) .(7/1339)
(فائدة) : (الفواشي) : كل شيء ينتشر من المال، كالغنم، والإبل السائمة، وهي جمع (فاشية) ، يقال: أفشى الرجل: إذا كثر فواشيه. و (فحمة العشاء) : شدة سواد الليل، وذلك يكون في أول الليل، حتى إذا سكن فوره؛ قلت الظلمة، شبه سواده بسواد الفحم.
يقول: لا تسيروا في أول الليل حين تفور الظلمة، ولكن أمهلوا حتى تعتدل الظلمة. قال ابن الأعرابي: يقال للظلمة بين الصلاتين: (الفحمة) ، وللظلمة التي بين العتمة والغداة: (العسعسة) .
كذا في "شرح السنة" (11/394) .
(تنبيه) : لقد تفردت رواية أبي الزبير المعنعنة بذكر: ".. فواشيكم " في الحديث دون رواية سفيان عنه المصرحة بالتحديث، ودون من تابعه من الثقات كعطاء بن أبي رباح كما تقدم من رواية الشيخين، وهي من رواية ابن جريج عنه.
وقد تابعه عمرو بن دينار، فقد قال ابن جريج عقبها:
"وأخبرني عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله نحو ما أخبرني عطاء".
أخرجاه أيضاً؛ البخاري (3304) ، ومسلم (6/109) ، وكذلك أخرجه أبو عوانة (5/333) .
وعليه؛ فإني أخشى أن تكون غير محفوظة؛ إلا إن وجد لها طريق آخر، أو شاهد؛ وإلا فهي منكرة أو شاذة، وهذا ما أرجحه بعد البحث الشديد. والله تعالى أعلم. *(7/1340)
3455- (رخّص - صلى الله عليه وسلم - للمسافر ثلاثة أيّام ولياليهن، وللمُقيمِ يوماً وليلةً- إذا تطهَّر فلبسَ خُفّيْهِ- أنْ يمسحَ عليهما) .
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/96/192) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (1/50) ، والدارقطني في "سننه " (1/194/1) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (11/155) - والسياق لهم-، والشافعي في "الأم " (1/29) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (1/179) ، وابن الجارود في "المنتقى" (39/87) ، وابن حبان (72/ 184- الموارد) ، وابن ماجه (556) ، والبيهقي في "سننه " (1/281) كلهم من طرق عن عبد الوهاب بن عبد المجيد: نا المهاجر بن مخلد أبو مخلد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه رخص ... الحديث.
ورواه بعضهم عنه؛ إلا أنه جعل مكان: (المهاجر) : (خالداً الحذاء) .
أخرجه البيهقي (1/276) ، وقال:
"ورواية الجماعة أولى أن تكون محفوظة ".
ثم روى عن الترمذي أنه سأل البخاري: أي حديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين؟ قال:
"حديث صفوان بن عسّال، وحديث ابن أبي بكرة حسن ".
قلت: حديث صفوان صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وهو مخرج في "الإرواء" (1/140/104) ، وإسناده حسن، فالحديث به صحيح؛ لأن المهاجر بن مخلد مختلف فيه، وقد صححه الشافعي، كما رواه البيهقي في " المعرفة " (1/ 342) فقال:(7/1341)
"قال الشافعي في رواية حرملة: وإنما أخذنا في التوقيت؛ لحديث المهاجر، وكان إسناداً صحيحاً، وشد مسح المسافر حديث صفوان بن عسال ".
قال الحافظ في "التلخيص " (1/157) :
"وصححه الخطابي أيضاً".
ويزيده قوة حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"إذا أدخل أحدكم رجليه في خفيه وهما طاهرتان؛ فليمسح عليهما ... " الحديث مثله.
رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه، وهو مخرج في "الصحيحة" (1201) ، وذكرت تحته طريقاً أخرى لحديث صفوان بإسناد صحيح عنه.
وبهذه المناسبة أقول:
أما ما رواه ابن أبي شيبة (1/186) من طريق إسماعيل بن سُميع قال: حدثني أبو رزين قال: قال أبو هريرة:
ما أبالي على ظهر خفي مسحت، أوعلى ظهر حمار!!
فهو منكر جدّاً، وإن كان رجال إسناده ثقات من رجال مسلم؛ فإن قول ابن سميع عن أبي رزين: "قال: قال أبو هريرة" صورته صورة تعليق، فيخشى أن يكون مرسلاً منقطعاً.
وابن سميع قد تكلموا فيه لمذهبه؛ فإنه كان من الصفرية الخوارج. وروى العقيلي (1/79) بسند جيد عن أبي نعيم الفضل بن دكين: أنه كان جار المسجد أربعين سنة، لم ير في جمعة ولا جماعة!(7/1342)
ومن المعلوم أن الخوارج لا يرون المسح على الخفين، فروايته هذه تؤيد مذهبه، ولعله لذلك أنكرها بعض الحفاظ منهم ابن عبد البر في "التمهيد"، فإنه لما عد جماعة من الصحابة ممن مسح على الخفين ابتداءً بعمر وعلي، وانتهاء بأبي هريرة قال (11/138) :
"ولم يرو عن غيرهم منهم خلاف؛ إلا شيء لا يثبت عن عائشة، وابن عباس، وأبي هريرة ".
وعقب عليه الحافظ في "التلخيص " بقوله (1/158) :
"قلت: قال أحمد: لا يصح حديث أبي هريرة في إنكار المسح، وهو باطل ".
وهنا ملاحظتان، لا بد لي من ذكرهما:
الأولى: ذكر ابن عبد البر اًبا هريرة في جملة من مسح على الخفين؛ فإني إلى الآن لم أجد عنه ذلك بسند تقوم به الحجة، اللهم! إلا ما ذكرته من روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال مثل حديث الترجمة، وإلا؛ ما أخرجه ابن أبي شيبة (1/184) من طريق أبان بن عبد الله عمن حدث عن أبي هريرة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين.
ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (2/358) ، والبيهقي (1/107) بأتم منه بلفظ: حدثني مولى لأبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وضّئني! "، فأتيته بوضوء، فاستنجى، ثم أدخل يده في التراب فمسحها، ثم غسلها، ثم توضأ ومسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله! رجلاك لم تغسلهما؟! قال:(7/1343)
"إني أدخلتهما وهما طاهرتان ".
وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة مولى أبي هريرة، والاختلاف في توثيق الراوي عنه أبان بن عبد الله- وهو البجلي الكوفي-، قال الحافظ:
"صدوق في حفظه لين ".
فهو حسن الحديث.
وبالأول أعله الهيثمي، فقال (1/254) :
"رواه أحمد، وفيه رجل لم يسم ".
وله طريق آخر مختصراً، رواه عبد الحكم بن ميسرة عن قيس بن الربيع عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال:
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، ومسح على عمامته، ومسح على خفيه.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (3/32/2054) ، وقال:
"لم يروه عن هشام إلا قيس، تفرد به عبد الحكم بن ميسرة".
قلت: وبه أعله الهيثمي، فقال:
".. وهو ضعيف ".
قلت: وقيس بن الربيع فيه ضعف.
الملاحظة الثانية: قرن ابن عبد البر مع أبي هريرة عائشة؛ فيه نظر؛ فقد صح عنها أنها قالت:
لأن أحزهما، أو أحز أصابعي بالسكين؛ أحب إلي من أن أمسح عليهما.(7/1344)
أخرجه ابن أبي شيبة (1/186) : حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص قال: سمعت عروة بن الزبير عن عائشة قالت: ... فذكره.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط الشيخين.
وأخرج قبله: حدثنا ابن إدريس عن فطر قال: قلت لعطاء: إن عكرمة يقول: قال ابن عباس: سبق الكتاب الخفين؟ فقال عطاء: كذب عكرمة! أنا رأيت ابن عباس يمسح عليهما.
وأخرجه البيهقي (1/273) من طريق آخر عن فطر بن خليفة به؛ إلا أنه قال: كذب عكرمة! كان ابن عباس يقول: امسح على الخفين؛ وإن خرجت من الخلاء. قال البيهقي:
"ويحتمل أن يكون ابن عباس قال ما روى عنه عكرمة، ثم لما جاءه الثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح بعد نزول المائدة؛ قال ما قال عطاء".
قلت: وفيه إشارة منه إلى ثبوت ما رواه عكرمة عن ابن عباس، وإلا؛ لما تأوله، وذلك هو الصواب عندي؛ لأن إسناد ابن أبي شيبة إلى عطاء وعكرمة جيد على شرط البخاري. وقول عطاء: كذب عكرمة ... بمعنى: أخطأ، على حد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كذب أبو السنابل ".
ويشهد له؛ ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً من طريق سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس:
ما أبالي مسحت على الخفين أو مسحت على بختي هذا.(7/1345)
وإسناده صحيح أيضاً على شرط مسلم.
ولهذا التحقيق؛ لا أرى إطلاق القول بعدم الثبوت عن عائشة وابن عباس، وإنما يقال: إن إنكارهم كان وقوفاً منهم مع علمهم بغسل القدمين، ثم لما بلغهم الثبت عن غيرهم؛ رجعوا إلى القول به والعمل؛ فقد كانوا يأخذ بعضهم عن بعض، ويثق بعضهم ببعض، ولهذا كان من العلم (مراسيل الصحابة) ، وكثير من أحاديث أبي هريرة وابن عباس هي من هذا القبيل.
وما لي أذهب بعيداً؛ فهذا أنس بن مالك- رضي الله عنه-، يقول عنه عاصم الأحول:
رأيت أنس بن مالك بال، ثم توضأ، ومسح على عمامته وخفيه.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/183) ، والبيهقي (1/289) ، وسندهما صحيح، وهو على شرط الشيخين عند الأول.
ومع ذلك؛ فإن أنساً لما سئل عن المسح على الخفين؟ قال: امسح عليهما، ولما قيل له: أسمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال:
لا، ولكن سمعته ممن لم يتهم من أصحابنا؛ يقولون: المسح على الخفين وإن صنع كذا وكذا؛ لا يكني.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/182) : حدثنا ابن عُلية عن يحيى بن أبي إسحاق: أنه سمع أنس بن مالك سئل ... إلخ.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
هذا.. ومما ينبغي التنبيه عليه؛ قول ابن عبد البر في " التمهيد" (11/139) :(7/1346)
"وروى أبو زرعة عن عمرو بن جرير عن أبي هريرة: أنه كان يمسح على خفيه ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أدخل رجليه في خفيه ... " إلخ!
ففي هذا خطأ فاحش " لعله من بعض النساخ! فإن صواب العبارة:
".. أبو زرعة بن عمرو بن جرير قال: رأيت جريراً مسح على خفيه، قال: وقال أبو زرعة قال: قال أبو هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا دخل ... " إلخ.
هكذا أخرجه ابن أبي شيبة (1/179 و 183) ، وهو الذي سبقت الإشارة إلى أني خرجته في "الصحيحة " في أول هذا التخريج، فالمسح المذكور هو لجرير، وليس لأبي هريرة، والصواب: وأبو زرعة بن عمرو.. وليس أبو زرعة عن عمرو.. وهو معروف بالرواية عن جده جرير بن عبد الله البجلي، وليس له رواية عن أبيه عمرو ابن جرير. *
دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحكام الذين يضرّون بالأمة ولا يحكمون بالسنة
3456- (اللهمّ! مَن وَلِيَ من أمْر أمّتي- شيئاً فَشَقَّ عليهم؛ فاشقُقْ عليه، ومن وَليَ من أمْر أمّتي شيئاً فرفَقَ بهم؛ فارفُقْ بهِ) .
هو من حديث عائشة- رضي الله عنها-، وله عنها طرق:
الأولى: عن حرملة بن عمران التجيبي عن عبد الرحمن بن شِماسة قال:
أتيت عائشة أسألها عن شيء؟ فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئاً؛ إن كان ليموت للرجل منا البعير؛ فيعطيه البعير، والعبدُ؛ فيعطيه العبدَ، ويحتاج إلى النفقة؛ فيعطيه النفقة. فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في(7/1347)
محمد بن أبي بكر- أخي- أن أخبرك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بيتي هذا: ... فذكرته.
أخرجه مسلم (6/7) ، وأبو عوانة (4/412) - والسياق لهما-، والنسائي في "الكبرى" (5/275/8873) - الشطر الثاني منه-، وابن حبان (1/382/554- الإحسان) ، والبيهقي في "السنن " (9/43 و10/136) ، وأحمد (6/93 و257 و258) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (10/205/ 9445) ، والبغوي في "شرح السنة" (10/64- 65/2471) من طريق مسلم، ثم قال:
"هذا حديث صحيح ". وزاد أبو عوانة في رواية:
قال حرملة: سمعت عياش بن عباس يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره بلفظ:
"من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم؛ فرفق الله به! ومن ولي منهم شيئاً فشق عليهم؛ فعليه بهلة الله ". قالوا: يا رسول الله! وما بهلة الله؟ قال: "لعنة الله ".
قلت: وهذا منكر؛ فإنه مع كونه معضلاً- لأن عياشاً هذا من أتباع التابعين- فإن شيخ أبي عوانة فيه (عيسى بن أحمد العسقلاني) عن ابن وهب عن حرملة.. فإن عيسى هذا قال الحافظ:
"ثقة يغرب ".
قلت: وهذا من غرائبه وأفراده؛ فقد رواه جمع عن ابن وهب به دون هذه الزيادة واللفظ.
وكذلك رواه متابعون لابن وهب عن حرملة في المصادر المتقدمة.(7/1348)
نعم؛ قد روي هذا اللفظ: " بهلة الله " من رواية ابن مسعود وغيره مرفوعاً، وعن أبي بكر الصديق موقوفاً، وهو الراجح؛ كما حققته في "الضعيفة " (6867) .
وبهذه المناسبة يحسن بي أن أذكر بأن الحافظ المنذري قد أورد الحديث- دون القصة- من رواية مسلم والنسائي، ثم قال (3/140/34) :
"ورواه أبو عوانة في "صحيحه " وقال فيه ... ".
قلت: فذكر الشطر الثاني الذي فيه: "بهلة الله "، وسكت عنه! فما أحسن؛ لأنه أوهم أنه صحيح، ومن مسند عائشة، وكل ذلك خطأ؛ لأنه ضعيف منكر معضل كما تقدم، فتنبه وكن على بصيرة، ولا تكن إمعة كالثلاثة المعلقين الذين يتكلمون بغير علم، ويصححون بغير فهم! والله المستعان.
وبهذا ينتهي الكلام على الطريق الأولى.
والطريق الثانية: عن جعفر بن بُرقان عن عبد الله البهيّ عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً مختصراً بلفظ:
"اللهم! من رفق بأمتي فارفق به، ومن شق عليهم فشق عليه ".
وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، أخرجه أحمد في "المسند" (6/62 و260) .
الطريق الثالثة: عن محمد بن آدم المصيصي قال: حدثنا عبد الله بن مبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن برقان عن عبد الله بن دينار عنها به.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (7/465/6911) ، والأصبهاني في "الترغيب" (2/881/2155) . وقال الطبراني:
"لم يروه عن سفيان إلا ابن المبارك ".(7/1349)
قلت: وهما ثقتان إمامان مشهوران لا يسأل عن مثلهما، وسائر رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن آدم المصيصي، وهو ثقة.
وفي جعفر بن برقان كلام لا يضر، فالإسناد جيد.
الرابعة: ابن لهيعة عن عمرو بن الحارث عن أبي علي الهمداني عن عائشة رضي الله عنها.
أخرجه الطبراني في "الأوسط " أيضاً (1/235/362) ، وقال:
"لم يروه عن عمرو بن الحارث إلا ابن لهيعة ".
قلت: وهو ضعيف يستشهد به في المتابعات والشواهد. *
3457- (إني لأنقلبُ إلى أهْلي، فأجدُ التمرةَ ساقطةً على فراشِي، فأرفعُها لآكلَها، ثمّ أخشَى أن تكون صدقةً! فأُلقيها) .
هو من حديث أبي هريرة، وله عنه طريقان:
الأول: همام بن مُنَبِّه:
رواه البخاري عنه- معلقاً- (عقب حديث 2055) ، ووصله (2432) ، وكذا مسلم (1070) ، وعبد الرزاق في "المصنف " (1) (6944) - بلفظ قريب-، وعنه أحمد (2/317- ضمن سرده صحيفة همام) ، والبيهقي في "السنن " (5/335) ، و"الشعب " (5743) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/10) ، وأبو نُعيم في "الحلية" (8/187) ، والبغوي في "شرح السنة" (1606) من طرق عن معمر عنه به.
_________
(1) واكتفى محققه الشيخ الأعظمي- غفر الله له- بقوله: "صحيح الإسناد"!(7/1350)
وقال البيهقي- عقب روايته-:
"أخرجه البخاري، فقال: وقال همام "!
قلت: وكأنه فاتته روايته الموصولة!!
ثم رأيت ابن التركماني يستدرك هذا عليه في "الجوهر النقي " (5/335) ؛ فالحمد لله.
الثاني: أبو يونس- مولى أبي هريرة-:
رواه مسلم (3/117) ، وابن حبان في "صحيحه " (3292- الإحسان) ، والبيهقي في "سننه " (7/29) من طرق عن ابن وهب عن عمرو عنه به. *
3458- (ألا أخبرُكم بخيرِ الشُّهداءِ؟! الذي يأتي بشهادتِه قبل أن يُسأَلَها) .
رواه مسلم (5/132- 133) ، وأبو عوانة في "صحيحه " (4/19) ، والبخاري في " التاريخ الكبير" (11/187) ، وأبو داود (3596) ، والترمذي (2296) ، والنسائي في"الكبرى" (6029) ، ومالك (2/198) ، وابن حبان (5079) ، وأحمد (4/115 و 116و117) (5/198 و193) ، وعبد الرزاق (15557) (1) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/152) ، والبيهقي (10/159) ، والبغوي (10/138) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/347) ، والطبراني في "الكبير" (5182 و 5183 و5184) من طرق عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن أبي عمْرة (وفي بعض المصادر: أبي عَمْرة) الأنصاري عن زيد بن خالد الجُهني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
_________
(1) ورواه عبد الرزاق (15558) عن إبراهيم بن ميسرة- بلاغاً-!(7/1351)
ورواه البخاري في "تاريخه "، وابن ماجه (2364) ، والبيهقي (10/159) ، وابن عدي في "الكامل " (1/411) من طريق أبي بن العباس عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن عثمان: أخبرني خارجة بن زيد قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي عمرة عن زيد ... به. فزاد اُبي: خارجة بن زيد!!
وهي زيادة شاذة أو منكرة؛ فاُبيٌّ لا تُحْتَمل هذه الزيادة منه؛ إذ " فيه ضعف "؛ كما قال الحافظ في "التقريب ".
فائدتان:
الأولى: في رواية الحديث؛ فقد قال الترمذي عقب روايته له:
"واختلفوا على مالك في رواية هذا الحديث: فروى بعضهم عن أبي عمرة، وروى بعضهم عن ابن أبي عَمْرَةَ؛ وهو عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري؛ وهذا أصح عندنا ... ".
وهو المذكور عن معظم الرواة عن مالك؛ كما تراه في "التمهيد" (17/298) لحافظ المغرب الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى.
الفائدة الثانية: في دراية الحديث؛ فقد قال الإمام البغوي في "شرح السنة" (10/138) مُشيراً إلى الجمع بين حديث الترجمة، وحديث: "خير الناس قرني.. - وفيه- ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ... "- وهو مخرج في هذه السلسلة (699 و700) بألفاظ وطرق-؛ بقوله:
"واختلفوا في وجه الجمع بين الحديثين؛ قيل.. ".
فذكر أقوالاً؛ أوجهها عندي: أن الحديث الثاني محمول على شهادة الزور؛ فلا إشكال. والله الموفق.(7/1352)
تم بحمد الله القسم الثاني
ويليه إن شاء الله القسم الثالث *
3459ـ (أَلا أخبرُكم بخيْرِ دُورِ الأنصارِ ـ أو بخيْرِ الأنصار ِـ؟! قالوا: بلَى يا رسولَ الله! قال: بَنُو النّجارِ، ثمّ الذين يلونَهم؛ بَنُو عبدِ الأشهلِ، ثمّ الذين يلونَهم؛ بنُو الحارثِ بن الخزرجِ، ثمّ الذين يلونَهم؛ بنُو ساعدةَ، ثمّ قال بيدَيهِ، فقبضَ أصابِعه ثمّ بسطهُنَّ ـ كالرامي بيدهِ ـ، قال: وفي دُورِ الأنصارِ كلِّها خيرٌ) .
جاء من حديث أنس، وأبي أُسيد الساعدي، وأبي حُميد الساعدي، وأبي هريرة:
أولا: حديث أنس، وله عنه طريقان:
1 ـ يحيى بن سعيد:
رواه مسلم (7/175) ، والترمذي (3910) ، والنسائي في «الكبرى» (8336 و 8337) والحميدي (1197) ، وأحمد (3/202) ، وأبو يعلى (3650) و (3855) ، وأبو نعيم في «الحلية» (6/354) من طرق عنه به.
2 ـ حُميد الطويل:
رواه النسائي في «الكبرى» (8338) وأحمد (3/105) ، وابن حبان (7284 و 7285) والبغوي في «شرح السنة» (3979) .
ثانياً: حديث أبي أُسيد، ويرويه عنه جماعة:
1 ـ أنس بن مالك:
رواه البخاري (3789 و3807) ، ومسلم (7/174) ، والطيالسي (1355)
وأحمد (3/496) , والترمذي (3911) ، والنسائي في «الكبرى» (8339) ،
والطبراني (19/579) ، والبيهقي (6/371) من طرق عن شعبة عن قتادة عنه به.(7/1353)
2 ـ أبو سلمة بن عبد الرحمن:
رواه البخاري في «صحيحه» (3790) و (6053) ، وفي «التاريخ الكبير» (7/299) ، ومسلم (7/175) ، وأحمد (3/494) ، والنسائي في «الكبرى» (8340 و 8341 (1) و 8345) وابن قانع في «معجم الصحابة» (984) من طرق عنه به.
3 ـ غَزِيّة أبو عمارة:
رواه الحاكم (3/516) ، والطبراني في «الكبير» (19/588) من طريق يحي ابن بُكير عن ابن لهيعة عن عمارة بن غَزِيّة عن أبيه عنه به.
وغزيّة: هو ابن الحارث؛ صحابي ـ كما قال ابن أبي حاتم وغيره ـ وهو مترجم في «الإصابة» (3/185) .
وابن لهيعة ساء حفظه بعد احتراق كتبه، وليس ابن بكير ممن روى عنه قبل سوء حفظه.
نعم؛ الطرق الأخرى للحديث مغنية عنه جدا.
4 ـ إبراهيم بن محمد بن طلحة:
رواه مسلم (7/175) من طريق عبد الرحمن بن حُميد، عنه، به.
ثالثاً: حديث أبي حميد:
رواه البخاري (1481 و 3791) ، ومسلم (7/261) ، وأحمد (5/424 ـ 425) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2808) من طريق عمرو بن يحيى عن العباس بن سهل الساعدي عنه به.
_________
(1) وقد سقط ذكره من المطبوعة!! وانظر «تحفة الأشراف» (8/345)(7/1354)
رابعاً: حديث أبي هريرة:
رواه مسلم (7/175) ، والنسائي في «الكبرى» (8343) ، وابن حبان (7286) ،
وعبد الرزاق (19910) ، وأحمد (2/267) من طريق الزهري عن أبي سلمة وعبيد الله ابن عبد الله عنه به.
ولقد أورد البخاري في «التاريخ الكبير» (7/299) حديث أبي أُسيد المتقدم، وحديث أبي هريرة ـ هذا ـ، وكلاهما من طريق أبي سلمة ثم قال:
«والأول أصح» ، يعني: حديث أبي أُسيد، والله أعلم.
(فائدة) : ذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (7/288 ـ 289) في ترجمة (موسى بن عمرو بن عبد الله بن أبي حرام النَّجَّاري الأنصاري أحد بني دينار عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) ، قال:
«خير دور بني الأنصار بنو النجار ... » ، روى عنه ابن أبي أُويس.
ولم أجده مسنداً عنه فيما بحثت!
وقال ـ رحمه الله ـ في موضع آخر من «تاريخه» (6/352) :
«إبراهيم بن حمزة: حدثنا عبد العزيز بن عمرو بن عبد الله الأنصاري: قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
«خير دور الأنصار: بني (كذا) عبد الأشهل ... » ، فقال أبو أُسيد رضي الله عنه: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير دور الأنصار: بني (كذا) النجار ... » ، وهذا أصح» .
وإبراهيم بن حمزة ـ المذكورـ من شيوخ البخاري؛ كما في «تهذيب الكمال» (2/77) ،
وهو صدوق.(7/1355)
ولم أجد حديث ابن عباس هذا مسنداً ـ فيما بحثت ـ أيضاً!
والله الموفق. *
3460 ـ (لو ستَرْتَه بثوبِكَ؛ كان خيراً لكَ. قاله لهزّال) .
روي من حديث نُعيم بن هَزَّال، ومحمد بن المنكدر، وسعيد بن المسيَّب، كلاهما مرسلاً.
1 ـ أما حديث نعيم بن هزّال؛ فقد اختلف عليه كما يأتي:
أولاً: عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه:
أن ماعزاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه، وقال لهزال: ... فذكره.
أخرجه أبو داود (4377) ، والنسائي في «السنن الكبرى» (4/305ـ306/7274) ، والحاكم (4/363) والبيهقي في «السنن» (8/219 و 228) ، وابن أبي شيبة في «المصنف» (10/78 ـ 79) ، وأحمد (5/216 ـ 217 و 217) ، وابن عبد البر في «التمهيد» (23/126) ؛ بعضهم مختصراً ـ واللفظ لأبي داود ـ وبعضهم مطولاً ـ وهو رواية لأبي داود (4419) ـ وأتمها رواية أحمد، ولفظه:
كان ماعز بن مالك [يتيماً] في حِجْر أبي، فأصاب جارية في الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنعت؛ لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج، فأتاه، فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، ثم أتاه الثانية، فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، ثم أتاه الثالثة، فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، ثم أتاه الرابعة، فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(7/1356)
«إنك قد قلتها أربع مرات، فيمن؟» .
قال: بفلانة. قال:
«هل ضاجعتها؟» .
قال: نعم. قال:
«هل باشرتها؟ «.
قال: نعم. قال:
«هل جامعتها؟» .
قال: نعم.
قال: فأمر به فرُجم.
قال: فأخرج به إلى الحَرَّة، فلما رجم؛ فوجد حر الحجارة؛ جزع فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس، ـ وقد أعجز أصحابه ـ؛ فنزع له بوظيف بعير، فرماه به؛ فقتله.
قال: ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر له ذلك؟! فقال:
«هلا تركتموه؟! لعله يتوب فيتوب الله عليه.»
قال هشام: فحدثني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي حين رآه:
«والله يا هزال! لو كنت سترته بثوبك؛ كان خيراً مما صنعت» (1)
_________
(1) ورواه ابن سعد في «الطبقات» (4/324) بأتم منه، لكنه من روايته عن شيخه محمد بن عمر ـ وهو الواقدي ـ، وهو متروك.(7/1357)
وقال الحاكم ـ وليس عنده هذه الجملة الأخيرة؛ ولا النسائي ـ:
«صحيح الإسناد» ؛ ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ في «الفتح» (12/127) !
وبدونها أيضا ساقه الحافظ في «التلخيص» (4/58) ، وقال:
«رواه أبو داود وإسناده حسن» .
قلت: وهذا هو الأقرب؛ فإن فيه هشام بن سعد، وهو:
«صدوق، له أوهام» ؛ كما قال الحافظ في «التقريب» .
لكن نعيم بن هزال في صحبته اختلاف، قال ابن عبد البر في «الاستيعاب» :
«روى عنه المدنيون قصة رجم (ماعز الأسلمي) ، وقد قيل: إنه لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه هزال، وهو أولى بالصواب» .
وقوله: «المدنيون» يخالف ما في «تهذيب الكمال» وفروعه، و «تجريد الذهبي» ،
و «إصابة العسقلاني» ؛ فإنهم لم يذكروا عنه راوياً غير ابنه (يزيد) ، وصرح بذلك الحافظ في «التقريب» مع جزمه بصحبته؛ فقال:
«صحابي، نزل المدينة، ماله راوٍ إلا ابنه يزيد» .
قلت: ولعل سبب المخالفة هو اختلاف الروايات عن نعيم بن هزال، كما يأتي.
ثانياً: قال الليث بن سعد: عن يحيى ـ وهو ابن سعيد الأنصاري ـ عن يزيد ابن نعيم عن جده هزال:
أنه كان أمر ماعزاً أن يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث مختصراً، وفيه حديث الترجمة.
أخرجه النسائي (7278) وابن عبد البر (23/126) .(7/1358)
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم إلا هزال؛ لكنهم لم يذكروا لحفيده يزيد بن نعيم سماعاً منه، فالظاهر أنه منقطع، وفي «التهذيب» :
«يقال: مرسل» .
ونحوه رواية يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن يزيد بن نعيم بن هزال ـ وكان هزال استرجم ماعزاً ـ قال:
كانت لأهلي جارية ترعى غنماً لهم يقال لها: فاطمة ... الحديث نحوه حديث الترجمة.
أخرجه النسائي (7280) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1/87/93
و12/463/4944) .
وأخرجه أحمد أيضاً؛ لكنه قال: عن نعيم بن هزال ... لم يذكر يزيد بن نعيم.
ونحوه رواية يحيى بن سعيد ـ وهو الأنصاري ـ عن محمد بن المنكدر عن ابن هزال عن أبيه هزال به.
أخرجه النسائي (7275) ـ وفي سنده خطأ مطبعي ـ، والحاكم أيضاً، والبيهقي (8/330 ـ 331) ، وأحمد (5/217) ، وابن عبد البر، وقال:
«هذا الحديث محفوظ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن ابنٍ لهزال عن هزال. وعن يحيى بن سعيد عن يزيد بن نعيم بن هزال من وجوه» .
قلت: يشير إلى رواية الليث عن يحيى المتقدمة في (ثانياً) ، وظاهر أن ابن هزال هو: نعيم، وأن محمد بن المنكدر رواه عنه مباشرة، فيكون له ـ أعني: نعيماً ـ راو آخر غير ابنه يزيد بن نعيم.(7/1359)
2 ـ ويعكّر عليه: أن النسائي أخرجه (7276) من طريق ابن المبارك، والبيهقي من طريق سليمان بن بلال، كلاهما عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من أسلم ... الحديث مرسلاً. وقال البيهقي:
«هذا أصح مما قبله» .
قلت: وزادوا إلا أحمد:
قال: يحيى فحدثت بهذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي فقال: هزال جدي، وهذا الحديث حق.
3 ـ رواه مالك في «الموطأ» (3/39) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيَّب
أنه قال:
بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من أسلم ـ يقال له: هزال ـ:
يا هزال! لو سترته بردائك كان خيراً لك.
قال يحيى بن سعيد ... فذكره كما في رواية الثلاثة عنه.
وقال ابن عبد البر عقبه:
«لا خلاف في إسناده في «الموطأ» على الإرسال؛ كما ترى، وهو مسند من طرق صحاح» !
كذا قال! وليس في شيء من الطرق المتقدمة ما هو مسند صحيح على ما سبق بيانه في تنسيق وتحقيق؛ ربما لا تراه في مكان آخر، اللهم! إلا الطريق الأولى؛ فهي حسنة على الخلاف المتقدم في صحبة نعيم بن هَزّال، وتفرد ابنه(7/1360)
يزيد بالرواية عنه، وقد صححها الحاكم والذهبي وحسنها الحافظ؛ كما رأيت، وأشار إلى ذلك عبد الحق الإشبيلى بإيراده الحديث من رواية النسائي، وسكوته عنها في كتابه «الأحكام الصغرى» (2/760) الذي اشترط فيه الصحة؛ كما هو معلوم من مقدمته.
وإن مما لا يرتاب فيه باحث محقق: أن توافر هذه الطرق على هذا المتن واجتماعها عليه؛ مما يلقي في الصدر الاطمئنان لصحته، ولا سيما وقد اقترن بها جزم رواية يزيد بن نعيم بن هزال بأنه حق.
ثم رأيت الشيخ ملا علي القاري نقل في «المرقاة» (4/82) عن صاحب «التنقيح» ـ
وهو ابن عبد الهادي ـ أنه قال:
«وإسناده صالح» .
ثم رأيت الحديث عند الطبراني في «المعجم الكبير» (22/201 ـ 202) من طريق محمد بن المنكدر وعكرمة بن عمار عن يزيد بن نعيم بن هزال عن جده هزال به مختصراً ومطولاً.
قلت: وبقي شيء يتعلق بفقه الحديث، وما المراد بقوله لهزال:
«لو سترته ... » ، فإن ظاهره غير مراد على إطلاقه؟! ولذلك فسره الباجي في «المنتقى» (7/135) بقوله:
«يريد مما أظهرته من إظهار أمره، وإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر به، فكان ستره بأن يأمره بالتوبة، وكتمان خطيئته، وإنما ذكر فيه الرداء على وجه المبالغة، بمعنى: أنه لو لم تجد السبيل إلى ستره إلا بأن تستره بردائك ممن يشهد عليه؛ لكان(7/1361)
أفضل مما أتاه، وتسبب إلى إقامة الحد عليه. والله أعلم وأحكم» .
ونقله الحافظ في «الفتح» (12/125) عنه، وأقره.
والخلاصة؛ أن الحديث محمول على من كان مثل ماعز في الندم على ما فعل وليس من عادته الزنى، فينبغي الستر عنه، وعدم التشهير به؛ بخلاف من لا؛ ووصل أمره إلى إشاعته والتهتُّك، فهذا هو الذي لا يجوز الستر عليه، وينبغي رفع أمره إلى الحاكم ليقيم حكم الشارع الحكيم فيه. وانظر لهذا «المرقاة» (4/76) . *
3461 ـ (ثلاثةٌ لا يدخلونَ الجنَّةَ: الشّيخُ الزّانِي، والإِمامُ الكذّابُ، والعائلُ المزهوّ) .
أخرجه البزار في «مسنده: البحر الزخار» (6/493/2529) : حدثنا العباس ابن أبي طالب قال: أخبرنا مِنْجَاب بن الحارث قال: أخبرنا حفص بن غياث عن عاصم عن أبي عثمان عن سلمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، غير العباس بن أبي طالب، وهو ثقة، وهو: ابن جعفر بن عبد الله البغدادي أبو محمد بن أبي طالب؛ وهو من شيوخ ابن ماجه، مترجم في «التهذيب» .
وقال المنذري في الترغيب (3/192/16) :
«رواه البزار بإسناد جيد» .
وقال الهيثمي (6/255) :(7/1362)
«رواه البزار، ورجاله رجال «الصحيح» ؛ غير العباس بن أبي طالب، وهو ثقة» .
قلت: وهو من الأحاديث التي لم يوردها الهيثمي في كتابه «كشف الأستار» ، وهو على شرطه، ولذلك فإني مما استدركته عليه في كتابي «صحيح كشف الأستار» ؛ يسر الله لي إتمامه مع قسيمه «ضعيف كشف الأستار» بمنه وكرمه وفضله!
وعزاه الدكتور محفوظ الرحمن في تعليقه على «البحر الزخار» لمعاجم الطبراني الثلاثة، وفاته التنبيه أنه آخر، وهو:
«ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: أشيمط زانٍ، وعائل متكبر، ورجل جعل الله له بضاعة، فلا يبيع إلا بيمينه، ولا يشتري إلا بيمينه» .
أخرجه في «الكبير» (6/301/6111) ، و «الأوسط» (6/288/5573) ،
و «الصغير» (169 ـ هندية) من طريق سعيد بن عمرو الأشعثي قال: حدثنا حفص ابن غياث به. وقال:
«لم يروه عن عاصم إلا حفص، تفرد به سعيد بن عمرو» .
قلت: وهو ثقة أيضاً من شيوخ مسلم.
ومن طريقه: أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/220/4852) .
وفي معناه أحاديث أخرى يزيد بعضهم على بعض، ساق بعضها أبو جعفر الطحاوي في «مشكل الآثار» (4/378 ـ 381) ؛ مبيناً أنه لا اختلاف بينهما؛
فراجعه إن شئت مزيداً من الفائدة. *(7/1363)
3462 ـ (لعنَ اللهُ مَنْ ذبَحَ لغيرِ اللهِ، لعَنَ اللهُ مَن غيَّرَ تُخُومَ الأرْضِ، لعَنَ اللهُ من كَمَه الأَعْمى عن السّبيلِ، لعَنَ اللهُ من سبَّ (وفي رواية: عقَّ) والديهِ، لعَنَ اللهُ مَنْ تولَّى غيْرَ موالِيه، [لعَنَ اللهُ مَنْ وَقَعَ على بهيمةٍ] ، لَعَنَ اللهُ من عمِلَ عَمَلَ قومِ لُوطٍ، [لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قوْمِ لوطٍ، لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ] ) .
أخرجه الحاكم (4/356) ـ والسياق له ـ، والبيهقي في «السنن» (8/231) ،
و «الشعب» (4/254/5373) ، وأحمد (1/217 و 309 و 317) ، ـ والرواية الأخرى له ـ، وعبد بن حميد (1/513/587) ، وأبو يعلى (4/414 ـ 415/2539) ، ومن طريقه ابن حبان (43/53) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (11/218/17546) من طرق عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
والزيادة الأولى للبيهقي وعبد بن حميد والطبراني ورواية لأحمد والحاكم، وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد» ، ووافقه الذهبي.
والزيادة الأخرى لهم جميعاً ـ إلا الحاكم ـ، وهي والتي قبلها أخرجهما النسائي في «السنن الكبرى» (4/322/7337 و 7338) دون ما قبلهما، وكذا الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (203/443) .
قلت: والحديث أعله المعلق على «مسند عبد بن حميد» بـ (عمرو بن أبي عمرو) هذا فقال:
«وثقه قوم، وضعفه آخرون» !(7/1364)
وفيه جَنَفٌ وظلم للسُّنَّة ورواتها، فليس كل من تكلم فيه بعضهم يعل به حديثه، فكم من راوٍ من رواة الشيخين، قد تكلم فيه بعض الأئمة، ومنهم هذا، بل وشيخه عكرمة أيضاً؟! وإنما ينبغي في هذه الحالة الرجوع إلى علم الجرح والتعديل وأصوله ممن كان عالماً به، مع الاستعانة بالحفاظ الذين سبقونا في هذا المجال، خلافاً لبعض الأغرار ممن يظنون أنهم على شئ من هذا العلم، وهم لم يشموا رائحته بعد. فهذا هو الحافظ الذهبي عندما ترجم لـ (عمرو) هذا؛ صدرها بقوله:
«صدوق، حديثه مخرج في «الصحيحين» ؛ في الأصول» .
ثم ساق أقوال الأئمة فيه، ثم عقب عليها بقوله:
«حديثه صالح حسن منحط عن الدرجة العليا من الصحيح» .
ولذلك؛ أورده في رسالته القيمة «الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد» (155/264) .
ونحوه قول الحافظ في «التقريب» .
«ثقة، ربما وهم» .
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً بتمامه؛ إلا أنه ذكر مكان جملة: «الأعمى» قوله: «ملعون من جمع بين امرأة وابنتها» ؛ وفي إسناده ضعيفان، ولذلك خرجته في «الضعيفة» (5368) ؛ لأني لم أجد لهذه الجملة منه شاهداً، وكذلك طرفه الأول منه.
وللجملة الأولى منه، والثانية، وكذلك الرابعة لكن بلفظ:
«لعن الله من لعن والديه» .(7/1365)
لهذه الثلاثة شاهد صحيح من حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً في حديث أخرجه مسلم (6/85) وغيره، وهو مخرج في «نقد نصوص الكتاني» (ص 42) .
وإن من تخاليط المعلقين الثلاثة على «الترغيب» وجهلهم بفن التخريج، فضلا عن علم الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف: قولهم في تخريج حديث الترجمة (3/249) :
«رواه ابن حبان في «صحيحه» ، والبيهقي في «الشعب» ، والنسائي (7/232) من حديث علي» !!
قلت: ففيه جهالات:
أولاً: خلطوا حديث علي مع حديث ابن عباس، فلا يدري القراء مَن مِن الثلاثة أخرج حديث علي، ومن الذي أخرج حديث ابن عباس؟!
ثانياً: اقتصارهم على النسائي في العزو لحديث علي يوهم أنه لم يروه من هو أولى بالعزو منه، وليس كذلك؛ فقد رواه مسلم أيضاً؛ كما قدمت آنفاً.
ثالثاً: يوهم أيضاً أن حديث علي فيه الفقرات السبع التي في حديث ابن عباس، والواقع أنه ليس فيه إلا ثلاث على ما سبق بيانه.
رابعاً: أغمضوا عيونهم عن تخريج رواية النسائي عن ابن عباس، وقد ذكرها المنذري في تخريجه للحديث بقوله (3/198/5) :
«رواه ابن حبان في «صحيحه» ، والبيهقي، وعند النسائي آخره مكرراً» .
خامساً: لم يستدركوا الزيادة الأولى التي عند البيهقي، مع أنهم عزوا الحديث إليه بالجزء والرقم! فما أنشطهم في اجترار ما يقوله المنذري من التخريج، وإعادته(7/1366)
إياه في التعليق، وفي تسويد السطور بزيادة الأجزاء والصفحات والأرقام، نقلاً من الفهارس بدون فائدة تذكر! والله المستعان. *
3463 ـ (مَنْ كشَفَ سِتْراً، فأَدخَلَ بصَرَه في البيْتِ قبْلَ أن يؤْذَنَ له، فرأَى عورةَ أهلِه؛ فقدْ أتَى حدّاً لا يحلُّ له أنْ يأْتيَه؛ لو أنه حينَ أدخَلَ بصَرَهُ استقبلَه رجلٌ ففقأَ عينَه ما غَيَّرت عليه، وإنْ مرَّ الرّجلُ على بابٍ لا ستْرَ له غيرَ مغْلَقٍ فنظَر فلا خطيئةَ عليه؛ إنما الخطيئةُ على أهْلِ البيْتِ) .
أخرجه الترمذي (2707) : حدثنا قتيبة: حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله ابن أبي جعفر عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وأخرجه أحمد (5/181) من طريقين آخرين عن ابن لهيعة به.
وقال الترمذي:
«حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة» .
قلت: هو صدوق ثقة؛ لكنه كان قد أصيب بسوء الحفظ، فمن حدث عنه قبل ذلك، أو من كتابه؛ فحديثه صحيح، ومنهم العبادلة، وألحق بهم بعضهم غيرهم، مثل قتيبة بن سعيد؛ كما تقدم نقله عن الحافظ الذهبي غير مرة، وهذا من روايته عنه كما ترى، فالحديث غريب صحيح، وقد كنت ضعفته في بعض التخريجات القديمة مثل «غاية المرام» (423) ، وقبل اطلاعي على فائدة الذهبي المذكورة، ولذلك صرت بعدها أحاول الانتباه لها في كل الأحاديث التي يذكر(7/1367)
فيها (ابن لهيعة) ؛ راجياً من الله التوفيق والسداد.
وللشطر الأول منه شاهد من حديث أبي هريرة نحوه بألفاظ متقاربة، أخرجه ابن أبي عاصم في «الديات» (48) من طرق عنه، وأحدها مخرج في «الإرواء» (5/254/1428) من رواية الشيخين وغيرهما.
والحديث قال المنذري في «الترغيب» (3/272/2) :
«رواه أحمد، ورواته رواة «الصحيح» إلا ابن لهيعة، ورواه الترمذي وقال:
«حديث غريب حسن، لا نعرف إلا من حديث ابن لهيعة» ... » . *
من صفات المتحابين في الله ومنزلتهم عند الله
3464 ـ (إنّ للهِ عباداً ليسُوا بأنْبياءَ ولا شهداءَ، يغبِطُهم الشهداءُ والأنبياءُ يومَ القيامةِ؛ لقربِهم مِنَ الله تعالى ومجلِسهم منه.
فجثَا أعرابيٌّ على ركْبتيه فقالَ: يا رسولَ الله! صفْهم لنا، وجَلِّهم لنا؟! قال:
قومٌ من أفْناءِ النّاسِ؛ مِن نُزَّاعِ القَبائلِ، تصادقُوا في اللهِ، وتحابُّوا فيه، يضعُ اللهُ عزّ وجلّ لهم يومَ القيامةِ منابرَ من نورٍ، يخافُ الناسُ ولا يخافونَ، هم أولياءُ اللهِ عزّ وجلّ "الذين لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحْزنُون") .
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/170 ـ 171) : حدثنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الزاهد الأصبهاني: ثنا أحمد بن يونس الضبي بـ (أصبهان) : ثنا أبو(7/1368)
بدر شجاع بن الوليد قال: سمعت زياد بن خيثمة يحدث عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:
«صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، رجاله ثقات مترجمون في «التهذيب» ؛ إلا من دون أبي بدر.
أما أحمد بن يونس الضبي؛ فقال ابن أبي حاتم (1/1/81) :
«سمعنا منه، وكان محله عندنا الصدق» .
وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/51) ، وقال:
«روى عنه الأصبهانيون» .
وله ترجمة في «أخبار أصبهان» (1/81) ، و «تاريخ بغداد» (5/223 ـ 224) ، و «أعلام النبلاء» (12/595 ـ 596) .
وأما أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني؛ فهو الصَّفَّار، أكثر عنه الحاكم، ووصفه الحافظ الذهبي في «الأعلام» (15/437) بـ:
«الإمام المحدث القدوة ... » .
وللحديث شواهد:
منها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره ببعض اختصار، وقال في آخره:
«لا يخافون إن خاف الناس، ولا يحزنون إن حزن الناس» ، ثم تلا هذه الآية:
"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".(7/1369)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (6/362/11236) ، وأبو يعلى في «مسنده» (10/495/6110) ، ومن طريقه ابن حبان (2508) ، والطبري في «التفسير» (11/92 ـ الأميرية) ، وابن أبي الدنيا في «الإخوان» (45/5) ، والبيهقي في «الشعب» (6/485/8997) من طرق عن محمد بن فُضَيْل عن أبيه عن عُمَارة بن القعقاع عن أبي زرعة عنه به.
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وأعله البيهقي بما لا يقدح.
ومنها: عن أبي مالك الأشعري؛ يرويه عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب: ثنا عبد الرحمن بن غَنْمٍ عنه.
أخرجه أحمد (5/343) ، والبيهقي في «الشعب» (6/486/9001) و «الأسماء والصفات» (ص 467) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (3/329/3433) ، والبغوي في «التفسير» (4/139 ـ140) و «شرح السنة» (13/50/3464) كلهم من طريق عبد الرزاق، وهذا في «المصنف» (11/201 ـ202 /20324) عن معمر، وعبد الله بن المبارك في «الزهد» (248/714) ، وابن أبي الدنيا أيضاً (6) عن علي بن الجعد؛ ثلاثتهم (معمر وابن المبارك وابن الجعد) عن شهر به.
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد؛ لسوء حفظ شهر بن حوشب.
وتسامح المنذري فقال في «الترغيب» (4/48/22) :
«رواه أحمد، وأبو يعلى بإسناد حسن، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد» !
وعزوه للحاكم سهو أو تسامح آخر؛ فإنه لم يروه عن أبي مالك؛ وإنما عن ابن عمر؛ كما تقدم. *(7/1370)
3465 ـ (من شَفَعَ لأَخِيه بشفَاعةٍ، فأهْدى له هديّةً عليها؛ فقَبِلها؛ فقدْ أتَى باباً عظِيماً منْ أبوابِ الرِّبا) .
أخرجه أبو داود (3541) من طريق عمر بن مالك عن عبيد الله بن أبي جعفر عن خالد بن أبي عمران عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير القاسم ـ وهو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة ـ، وهو حسن الحديث كما استقر عليه رأي الحفاظ مع الخلاف المعروف فيه قديماً. ولذلك ساقه شيخ الإسلام ابن تيمية مساق المسلمات في بعض كتاباته، انظر مثلاً «مجموع الفتاوى» (31/286) .
وتابع عمرَ بنَ مالكٍ ابنُ لهيعة: ثنا عبيد الله بن أبي جعفر به.
أخرجه أحمد (5/261) .
وتابع ابنَ أبي جعفر عبيدُ الله بنُ زَحْر عن عليّ بن يزيد عن قاسم به.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/251/7853 و 283/7928) ، وعنه الشَّجَري في «الأمالي» (2/236) .
هذا؛ وقد ترجم أبو داود للحديث بقوله:
«باب في الهدية لقضاء الحاجة» .
وعليه أقول: إن هذه الحاجة هي التي يجب على الشفيع أن يقوم بها لأخيه، كمثل أن يشفع له عند القاضي أن يرفع عنه مظلمة، أو أن يوصل إليه حقه، ونحو ذلك مما بسط القول فيه ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في المكان المشار إليه آنفاً؛ فليرجع إليه من شاء.
وقد يتبادر لبعض الأذهان أن الحديث مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من صنع إليكم(7/1371)
معروفاً؛ فكافئوه، فإن لم تستطيعوا أن تكافئوه؛ فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه» . رواه أبو داود وغيره، وتقدم تخريجه برقم (254) .
فأقول: لا مخالفة، وذلك بأن يحمل هذا على ما ليس فيه شفاعة، أو على ما ليس بواجب من الحاجة. والله أعلم.
(تنبيه) : لقد اشتط ابن الجوزي وغلا في قوله في تضعيفه لهذا الحديث وقوله في «العلل» (2/268) :
«عبيد الله ضعيف عظيم، والقاسم أشد ضعفاً منه» !
قلت: عبيد الله وثقه الجمهور، وقول أحمد فيه: «ليس بالقوي» ؛ لا يعني أنه ضعيف، وإنما أنه ليس صحيح الحديث، بل حسن؛ بدليل قوله في رواية عنه: «لا بأس به» ، ولذلك؛ ذكره الذهبي في «المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد» (142/225) ، وحسبك أن الشيخين احتجا به.
وأما القاسم؛ فهو وسط كما تقدم. *
3466 ـ (كانُوا إذا فَزِعوا فَزِعُوا إلى الصلاةِ. يعني: الأنبياءَ) .
أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في «المعجم» (ق 33/2 ـ 34/1) : حدثنا محمد ابن السَّرِيِّ: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقي: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رِجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن السري ـ وهو ابن سهل القَنْطَري أبو بكر ـ، ترجمه الخطيب في «التاريخ» (5/318) ،(7/1372)
وروى عن الدارقطني أنه سئل عنه؟ فقال:
«ثقة» .
والحديث قطعة من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في «المسند» قال (6/16) : ثنا عبد الرحمن بن مهدي به. وقال (4/333) : ثنا عفان ـ من كتابه ـ قال: ثنا سليمان ـ يعني: ابن المغيرة ـ بتمامه، وهو مخرج في «الصحيحة» برقم (2459) . *
3467 ـ (لما افتَتَحَ - صلى الله عليه وسلم - مكةَ؛ رَنَّ إبليسُ رنّةً اجتمعتْ إليه جنودُه، فقالَ: ايْأَسُوا أن نرى أمّةَ محمّدٍ على الشّركِ بعْدَ يومِكم هذا! ولكنِ افتنُوهم في دينِهِم، وأَفْشُوا فيهم النَّوحَ) .
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/11/12318) : حدثنا عبدان بن أحمد: ثنا عمرو بن العباس الرازي: ثنا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا يعقوب القُمِّي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ... فذكره.
ومن طريق الطبراني: أخرجه الضياء في «المختارة» (59/12/1) ، وذلك يقتضي أنه عنده حسن على الأقل، وهو كذلك عندي؛ لولا أن عمرو بن العباس الرازي شبه مجهول؛ فإني لم أجد له ترجمة؛ إلا أن ابن حبان ذكره في «ثقاته» (8/486) من رواية عبدان هذا ـ وهو الجواليقي الحافظ ـ، وقاعدة ابن حبان في توثيق المجهولين معروفة، ومع ذلك فقد قال فيه:
«ربما خالف» .
فإن تبين أن للرازي هذا متابعاً؛ فينقل إلى «الصحيحة» . والله سبحانه وتعالى أعلم.(7/1373)
ثم وجدت له متابعاً قويّاً، وكان ينبغي أن أتنبه له من قبل، ولكن هكذا قُدِّرَ، فقد ذكره الضياء عقب رواية الطبراني، لكن بخطه الدقيق وعلى الحاشية، رواه بإسناده عن أبي يعلى الموصلي: ثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة: ثنا عبد الرحمن ابن مهدي به.
وإبراهيم بن عرعرة هذا ثقة؛ كما في «التقريب» ، فثبت الحديث بهذه المتابعة والحمد لله.
وقد عزاه الحافظ في «المطالب العالية» (4/248/4363) لأبي يعلى، وكذا البوصيري في «إتحاف السادة المهرة» (2/99/1) وسكتا عنه! وقنع بذلك المعلق الشيخ الأعظمي على «المطالب» ، فسكت على سكوتهما! ثم رأيته في «المطالب العالية المسندة» (2/86/1) ، قال: قال أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ... إلخ.
(فائدة) : ذكر الحافظ في «التهذيب» أن ابن حبان نقل في «الثقات» عن أحمد بن حنبل توثيق جعفر بن أبي المغيرة هذا، وهو في «ثقات ابن حبان» (6/134) ، ولكن ليس فيه هذا التوثيق.
نعم، هو في «العلل ومعرفة الرجال» لعبد الله بن أحمد؛ قال (2/159/1057) : «سمعت أبي يقول: جعفر بن أبي المغيرة القمي ـ وهو جعفر المصور ـ ثقة، وهو جعفر بن دينار» . وهذه فائدة عزيزة خلت منها الأمهات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وقد مضى الكلام عليه وعلى الراوي عنه يعقوب بن عبد الله القمي تحت الحديث (580) . *(7/1374)
أثر الإخلاص لله في الأَعمال الصالحة والتوسل بها
3468 ـ (إنّ ثلاثةً كانُوا في كهْفٍ، فوقعَ الجبلُ على بابِ الكهْفِ فأَوصدَ عليهم، قالَ قائلٌ منهم: تذَاكرُوا؛ أيّكُم عملَ حَسَنَةً؛ لعلّ اللهَ عزّ وجلّ برحمتِه يرحمُنا!
فقالَ رجلٌ منهم: قدْ عملتُ حسَنَةً مرّةً؛ كانَ لي أُجَراءُ يعملونَ، فجاءَ عمّالٌ لِي، فاستأْجرتُ كلّ رجلٍ منهُم بأجْرٍ معلومٍ، فجاءني رجلٌ ذاتَ يومٍ وسطَ النّهارِ، فاستأْجَرتُه بشَطْرِ أصحابِه، فعمِلَ في بقيّةِ نهارِه كما عملَ كلّ رجلٍ منهم في نهارِه كلّه، فرأيتُ عليّ في الذِّمامِ أنْ لا أنقصَه مما استأجرتُ به أصحابَه؛ لِما جَهِدَ في عملِه، فقالَ رجلٌ منهم: أتعطِي هذا مثْلَ ما أعطيتَني ولم يعملْ إلا نصْفَ نهارٍ؟! فقلتُ: يا عبدَ الله! لم أبخسْكَ شيئاً من شرْطِك، وإنّما هو مالي أحكمُ فيه ما شئتُ! قال: فغضبَ وذهبَ، وتركَ أجرَه. قال: فوضعتُ حقّه في جانبٍ من البيْتِ ما شاءَ اللهُ، ثمّ مرّتْ بي بعدَ ذلكَ بقرٌ، فاشتريتُ به فصِيلَة (1) من البقَرِ؛ فبلغتْ ما شاءَ اللهُ. فمرّ بي بعدَ حينٍ شيْخاً ضَعِيفاً لا أعرفُه، فقال: إنّ لي عندَك حقّاً؛ فذكَّرنِيه حتى عرفْته، فقلتُ: إيّاك أبْغي، هذا حقُّك، فعرضتُها عليهِ جميعها! فقالَ: يا عبدَ الله! لا تسخرْ بي! إنْ لم تصْدُقْ عليَّ فأَعطِني حقِّي، قلتُ: واللهِ! لا أسخَرُ بكَ؛ إنّها لحقّكَ، ما لي منها شيءٌ، فدفعتها إليهِ جميعاً، اللهمّ! إنْ كنتُ فَعلتُ ذلكَ لوجهِك؛ فافْرُج عنّا! قال: فانصدعَ الجبلُ حتّى رأوا منه وأَبْصَرُوا
_________
(1) هو ما فصل من اللبن من أولاد البقر: «نهاية» .(7/1375)
قال الآخرُ: قد عملتُ حسنةً مرّةً؛ كانَ لي فضْل، فأصابتِ الناسَ شدّةٌ، فجاءتْني امرأةٌ تطلبُ منِّي معرُوفاً، قال: فقلتُ: واللهِ ما هو دونَ نفسِكِ! فأبتْ عليّ فذهبتْ، ثم رجعتْ فذكَّرتْني باللهِ، فأَبيتُ عليها وقلت: لا واللهِ؛ ما هو دون نفسِك! فأبتْ عليّ وذهبتْ، فذكرتْ لزوجِها، فقال لها: أَعطيهِ نفسَكِ، وأَغْني عيالَك! فرجعتْ إليّ، فناشدتْني باللهِ، فأبيتُ عليها، وقلتُ واللهِ ما هو دون نفسِك! فلمّا رأتْ ذلكَ أسلمتْ إليّ نفْسها، فلمّا تكشَّفْتُها وهممت بها؛ ارتعدتْ من تَحتي، فقلتُ: ما شأْنُك؟! قالتْ: أخافُ اللهَ ربَّ العالمينَ! فقلتُ لها: خفتِيه في الشّدةِ، ولم أَخفْهُ في الرّخاءِ! فتركتُها وأعطيتُها ما يحقُّ عليّ بما تكشّفتها، اللهمّ! إنْ كنتُ فعلتُ ذلك لوجهكَ؛ فافْرُج عنّا! قال: فانصدعَ حتّى عرفُوا وتبيّن لهم.
قال الآخرُ: عملتُ حسنةً مرة؛ كانَ لي أبَوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكانَ لي غَنَمٌ، فكنتُ أُطعِم أبويَّ وأسقِيهما، ثمّ رجعتُ إلى غنمي، قال: فأَصابني يومُ غيْثٍ حَبَسنِي، فلمْ أبْرحْ حتّى أمسيْتُ، فأتيتُ أهْلي، وأخذتُ مِحلبي، فحلبتُ غنمِي قائمةً، فمضيتُ إلى أبويّ؛ فوجدتُهما قد ناما، فشقّ عليّ أن أُوقظَهما، وشقّ أنْ أتركَ غنمِي، فما برحتُ جالساً؛ ومِحلبي على يدي حتى أيقظَهما الصبْحُ فسقيتُهما، اللهمّ! إنْ كنتُ فعلتُ ذلكَ لوجهِك؛ فافْرُج عنّا! ـ قال النعمان: لكأنِّي أسمعُ هذِه من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال الجبل: طاق؛ ففرج الله عنهم فخرجوا) .
أخرجه الإمام أحمد (4/274 ـ 275) : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن مَعْقِل(7/1376)
ابن مُنَبِّه: حدثني عبد الصمد ـ يعنى: ابن معقل ـ قال: سمعت وهباً يقول: حدثني النعمان بن بشير:
أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يذكر الرقيم فقال: ... فذكره.
وعن إسماعيل هذا: أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (25/284/410) ، وفي «الدعاء» أيضاً (2/866/190) .
وهو إسناد جيد متصل مسلسل بالتحديث.
ثم أخرجه في «الدعاء» و «المعجم الأوسط» (3 /160ـ 162/ 2328 و 2329)
من طرق أخرى عن وهب بن منبه؛ فهو صحيح؛ لأن وهباً هذا ثقة من رجال الشيخين.
وأخرجه البزار أيضاً (4/52_ 54/3178_ 3180) من طرق أخر عن النعمان
بن بشير نحوه.
والحديث قال الهيثمي (8/142) :
» رواه أحمد، والطبراني في «الأوسط» و «الكبير» ، والبزار بنحوه من طرق، ورجال أحمد ثقات» .
ثم أخرجه من حديث أنس، وأبي هريرة، وعلي رضي الله عنهم بألفاظ متقاربة. وحديث علي أخرجه البزار أيضاً (2/1867) وإسناده جيد.
وهو في «الصحيحين» وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر بنحوه. وإنما آثرت هنا تخريجه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه؛ لأنه حوى تفاصيل بعض الأمور التي لم ترد فيه، مع استقامة إسناده، والله سبحانه ولي التوفيق. *(7/1377)
3469 ـ (يُبعَثُ الناسُ حفاةً عُراةً غُرْلاً، يُلْجِمُهم العَرَقُ، ويبلغُ شحمةَ الأُذنِ، قالتْ سَودةُ: قلت: يا رسولَ اللهِ! وا سوْءتاهُ! ينظرُ بعضُنا إلى بعْضٍ؟! قال:
شُغِلَ الناسُ عن ذلكَ. وتلا " يومَ يفرُّ المرءُ من أخِيه *وأمِّه وأبيهِ *وصاحبتهِ وبنيهِ *لكلّ امْرئٍ منهم يوْمئذٍ شأْنٌ يغْنيهِ ") .
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (24/34/91) ، والحاكم (2/514 ـ 515) ، والبغوي في «تفسيره» (8/340) من طريق إسماعيل بن أبي أُويس:
حدثني أبي عن محمد بن أبي عياش عن عطاء بن يسار عن سودة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره. والسياق للحاكم، قال:
«صحيح على شرط مسلم» ! ووافقه الذهبي!
قلت: محمد بن أبي عياش ليس من رجال مسلم، ولا غيره من الستة، وذكره البخاري في التاريخ (1/ 1/236 ـ 237/41) ، وابن أبي حاتم (4/1/84/352) ، وقالا:
«محمد بن أبي موسى ـ ويقال: ابن أبي عياش ـ. . روى عنه عبد الحميد بن سليمان، وأبو أويس» .
وكذا في «ثقات ابن حبان» (7/426) ؛ إلا أنه سقط منه: «ويقال» فصار أبو عياش جدَّه! ويبدو أنه سقط قديم؛ لأنه كذلك وقع في «ترتيب الثقات» ، والصواب ما في كتابي البخاري وابن أبي حاتم. والذي قال: (محمد ابن أبي موسى) هو (عبد الحميد بن سليمان) المذكور عندهما، فهو متابع لأبي أويس،(7/1378)
ومخالف له في اسم والد (محمد) ، كما شاركه في رواية الحديث عن عطاء بن يسار به، لكنه خالفه أيضاً في متنه، فزاد في آخره جملة، وفي إسناده فجعله من مسند (أم سلمة) رضي الله عنها؛ وقد خرجته في «الضعيفة» (5318) .
والحديث قال المنذري في «الترغيب» (4/193/4) :
«رواه الطبراني، ورجاله ثقات» .
ونحوه قول الهيثمي (10/333) :
«رواه الطبراني، ورجاله رجال «الصحيح» ؛ غير محمد بن عباس (!) وهو ثقة» .
كذا وقع فيه: «. . بن عباس» ، وهو خطأ، ولعله من الناسخ، والصواب: «.. بن أبي عياش» كما تقدم في إسناد الحديث، وفي ترجمته.
وكذلك تحرف اسمه في حديث أم سلمة المشار إليه آنفاً إلى: (محمد بن موسى بن أبي عياش) ! وقد نبهت عليه هناك.
ثم إن توثيق الهيثمي تبعاً للمنذري لـ (محمد) هذا؛ إنما هو من تساهلهما، تابعين في ذلك لابن حبان في توثيقه! فلا غرابة حينئذٍ أن يتقلد ذلك الجهلة الثلاثة في تعليقهم على «الترغيب» (4/ 288) ، وأن يستلزموا من ذلك ـ كعادتهم ـ ويقولوا:
«حسن، قال الهيثمي ... » !
والصواب أن يقال: حسن لغيره؛ لأن له شاهداً من حديث عائشة رضي الله عنها؛ يرويه سعيد بن أبى هلال أنه سمع عثمان بن عبد الرحمن القرظي قال:
قرأت عائشة رضي الله عنها قول الله عز وجل: " ولقد جئتمونا فرادى كما(7/1379)
خلقناكم أول مرة"، فقالت: يا رسول الله! وا سوءتاه! إن الرجال والنساء يحشرون
جميعاً، ينظر بعضهم إلى سوءة بعض؟! فقال رسول الله:
«"لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه"، لا ينظر الرجال إلى النساء، ولا النساء إلى الرجال، شغل بعضهم عن بعض» .
أخرجه ابن أبي حاتم في «التفسير» (2/98/2 ـ 99/ 1) ، والحاكم (4/565)
ـ والسياق له ـ من طريق سعيد بن أبي هلال به. وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد» . ورده الذهبي بقوله:
«قلت: فيه انقطاع» !
قلت: لم يظهر لي موضعه! والمتبادر أنه يعني: بين عثمان بن عبد الرحمن القرظي وعائشة رضي الله عنها، ولكني لم أعرف ابن عبد الرحمن هذا، ولم يسمه ابن أبي حاتم، وإنما ذكره بنسبته (القرظي) فقط، وحينئذٍ فيحتمل أن يكون هو (محمد بن كعب القرظي) ، فقد ذكروا في ترجمته ـ وهو ثقة ـ أنه روى عن عائشة رضي الله عنها، فإن ثبت أنه هو فلا انقطاع. والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحديث عزاه الحافظ في «الفتح» (11/387) للترمذي، والحاكم! ولم أره في «سنن الترمذي» ، ولعله سبق قلم من المؤلف أو الناسخ.
وحديثها عند البخاري (6527) ، ومسلم (8/159) ، والنسائي في «الكبرى»
(6/507 / 11648) ، وابن ماجه (4276) ، وأحمد (6/89 ـ 90) ، وابن أبي الدنيا
في «الأهوال» (236/232) من طريق أخرى عن عائشة دون جملة الشغل.
ثم رأيت الحافظ ابن كثير قد ساقه بتمامه في «النهاية» (2/285) من رواية(7/1380)
البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي أويس بإسناده المتقدم، وقال:
«إسناده جيد، وليس هو في «المسند» ، ولا في الكتب» !
كذا قال! ثم إنني لا أدري وجه تجويده لإسناده، وقد عرفت ما فيه؛ إلا أن يكون قد وجد له موثقاً غير ابن حبان، وهذا مما أستبعده! والله أعلم.
ثم ساق (1/286 ـ 287) من رواية أبي يعلى من طريق كوثر عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً مثل حديث الترجمة دون تلاوة الآية؛ وفيه زيادة، فيها أمور منكرة. وقال:
«هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد في «الصحيح» ، كما سيأتي ... » .
قلت: وعلته كوثر هذا ـ وهو ابن حكيم ـ؛ قال الحافظ الذهبي في «المغني» :
«تركوا حديثه؛ وله عجائب» .
ووقع في «النهاية» : «كرز» ! وهو خطأ من الطابع أو الناسخ، فصححته من «جامع المسانيد» (29/431/2869) ، و «المطالب العالية المسندة» (2/105/1) . وليس له ذكر في «مجمع الزوائد» ، ولا في «مسند أبي يعلى المطبوع فالظاهر أنه في «المسند الكبير» له، ولم يطبع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد خالف محمدَ بن أبي عياش في إسناده ومتنه: سعيدُ بن المَرْزُبان أبو سعد: فقال: عن عطاء عن الحسن بن علي رضي الله عنه مرفوعاً نحو حديث الترجمة مختصراً دون ذكر الآية والشغل؛ وزاد:
قال: «إن الأبصار يومئذٍ شاخصة» .(7/1381)
وهذه الزيادة في حديث ابن عمر المذكور آنفاً، وزاد أبو سعد أيضاً:
فرفع بصره إلى السماء. فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يستر عورتي. قال:
«اللهم! استر عورتها» .
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (1/133 ـ مخطوطة الظاهرية) و (3/93/2755ـ ط) ـ وسقط منه بعض السند ـ من طريق محمد بن الحسنالمزني عن عطاء بن أبي رباح عن الحسن بن علي. . . وهو بإسناده في «جامعالمسانيد» (3/487/2157) .
وسعيد بن المرزبان؛ قال الحافظ في «التقريب» :
«ضعيف مدلس» .
قلت: وتركه بعضهم، ومع هذا الضعف والمخالفة؛ قال الجهلة الثلاثة فيتعليقهم على «الترغيب» (4/288) :
«حسن بشواهده» ! *
من أهوال العذاب في جهنم
3470 ـ (إنّ (الحميمَ) ليُصبُّ على رؤوسهم، فينفذُ (الحميمُ) حتّىيخلُصَ إلى جوْفِه؛ فيسْلُت ما في جَوْفِه؛ حتّى يَمْرُق من قدمَيْه، وهو (الصَّهر) ، ثم يعاد كما كان) .
أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (89/312 / زوائد نعيم) . ومن طريق ابنالمبارك: رواه الترمذي (2582) ، والحاكم (2/387) ، وعنه البيهقي في «البعث»(7/1382)
(282/579) ، وأحمد (2/374) ، وابن أبي الدنيا في «صفة النار» (ق 5/2) ،
وأبو نعيم في «الحلية» (8/182) ، والبغوي في «شرح السنة» (15/244/4406) ،
و «التفسير» (5/374) ، وكذا ابن جرير في «تفسيره» (17/100) كلهم عن ابن
المبارك: أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن ابن حُجًيْرة عن أبي هريرة عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح غريب، وابن حجيرة: هو عبد الرحمن بن حجيرة المصري، وسعيد بن يزيد: يكنى أبا شجاع، وهو مصري» .
وأقره المنذري في «الترغيب» (4/234/2) . وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد» . ووافقه الذهبي!
والذي أراه ـ والله أعلم ـ أنه حسن؛ للخلاف المعروف في أبي السمح ـ واسمه
دراج ـ، وقد كنت ضعفت حديثه هذا قديماً كأحاديثه الأخرى، ثم ترجح عندي
قول أبي داود في التفريق بين ما يرويه عن أبي الهيثم؛ فضعيف، وما يرويه عن
ابن حجيرة؛ فمستقيم، كما سبق أن بينت ذلك، وهذا من روايته عنه. والله أعلم. *
3471 ـ (إنّ في الجنّةِ لَسُوقاً يأْتونَها كلَّ جُمُعةٍ؛ (فيه كُثْبانُ
المسْكِ (، فَتَهُبُّ ريحُ الشّمالِ، فتحثُو في وُجوهِهم وثيابِهم (الْمسك (،
فيزدادونَ حُسْناً وجَمَالاً، فيرجعونَ إلى أهْليهم، وقد ازدادُوا حُسْناً
وجَمَالاً، فيقولُ لهم أهلُوهم: واللهِ! لقدِ ازددتُم بعدَنا حُسْناً وجمالاً،
فيقولونَ: وأنتُم واللهِ! لقدِ ازددتُم بعدَنا حُسْناً وجمالاً) .
أخرجه مسلم (8/145) ، وابن حبان (9/256 ـ 257/7382) ، وابن أبي(7/1383)
شيبة (13/150/ 962 15) ، وأحمد (3/284 ـ 285) ، وأبو نعيم في «صفة الجنة»
(253/417) ، و «الحلية» (6/253) ، والبيهقي في «البعث» (209/415) ، والبغوي
في «شرح السنة» (15/226 ـ 227/4389) و «التفسير» أيضاً (1/76) كلهم من
طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال البغوي:
«هذا حديث صحيح» .
والسياق لمسلم، والزيادتان لابن حبان وأحمد وغيرهما.
وله طريق أخرى؛ فقال الدارمي في «سننه» (2/338 ـ 339) : أخبرنا يزيد
ابن هارون: أنا حميد عن أنس به نحوه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو ثلاثي؛ إن كان حميد ـ وهو الطويل ـ سمعه
من أنس؛ فإن عامة حديثه عن أنس سمعه من ثابت؛ كما قاله غير واحد.
وقد أوقفه بعضهم، فقال الحسين المروزي في «زوائد الزهد» (524 ـ 525/
7491) : أخبرنا محمد بن أبي عدي: حدثنا حميد عن أنس قال:. . . فذكره
ولم يرفعه.
ورواه ابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» (81/252) من طريق ابن المبارك: أنا
حميد الطويل به موقوفاً.
وتابعه عنده (251) من طريق ابن المبارك أيضاً، وهذا في «الزهد» (70/241
ـ نعيم) ، وابن أبي شيبة أيضاً (13/102/15822) كلهم من طريق سليمان التيمي
عن أنس به موقوفاً. *(7/1384)
3472 ـ (كان إذا دعَا دعَا ثلاثاً، وإذا سألَ سألَ ثلاثاً) .
أخرجه مسلم (5/179 ـ 180) عن زكريا عن أبي إسحاق عن عمرو بن
ميمون الأَوْدي عن ابن مسعود قال:
بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد
نُحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان
فيأخذه، فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم، فأخذه، فلما
سجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل
على بعض؛ وأنا قائم أنظر؛ لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
والنبي - صلى الله عليه وسلم - ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت ـ وهي
جويرية ـ فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته؛
رفع صوته ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا. . . ثم قال:
«اللهم! عليك بقريش» (ثلاث مرات) .
فلما سمعوا صوته: ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال:
«اللهم! عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة،
والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» ، وذكر السابع ولم
أحفظه. فوالذي بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق؛ لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر،
ثم سُحبوا إلى القليب: قليب بدر.
قال أبو إسحاق: (الوليد بن عقبة) غلط في هذا الحديث.
ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (2/278) . وروى منه أبو
نعيم في «الحلية» (4/153 و 347) حديث الترجمة، وقال:(7/1385)
«رواه سفيان الثوري، وزهير، وإسرائيل عن أبي إسحاق نحوه» .
قلت: أخرجها عنهم البخاري، وعن شعبة أيضاً (240و520 و2934و3185
و3854 و2960) نحوه مطولاً ومختصراً، وكذا مسلم عنهم غير إسرائيل.
وأخرجه النسائي (1/58) في «الكبرى» (8668و8669) ، وابن حبان
(6536) ، وأحمد (1/393و417) ، والبزار (2398و2399) ، والطبراني في
«المعجم الأوسط» (762 ـ دار الحرمين) ، والبيهقي أيضاً وفي «السنن الكبرى»
(9/7 ـ 8) بعضهم من بعض الطرق المذكورة، وبعضهم من طرق أخرى.
وفي حديث سفيان عند مسلم وغيره:
وكان يستحب ثلاثً يقول: «اللهم! عليك بقريش، اللهم ... » . *
3473 ـ (كانَ إذا تَكلَّمَ بكلمَةٍ أعادَها ثلاثاً؛ حتّى تُفْهَمَ عنه، وإذا
أتَى على قوْمٍ فَسَلَّمَ عليهم؛ سلّم عليهم ثلاثاً) .
أخرجه البخاري (94 و 95 و 6244) ، والترمذي (2723 و3640) ، و «الشمائل»
(120/192 ـ مختصر الشمائل) ، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -» (83) ،
وأحمد (3/213و221) من طريق عبد الله بن المثنى قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله
عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان ...
واللفظ للبخاري، وعنه البغوي في «شرح السنة» (1/304/141) ، وقال:
«هذا حديث صحيح، قال: تسليمه ثلاثاً عند الاستئذان إذا لم يؤذن بمرة أو
مرتين يسلم ثلاثاً، ثم ينصرف كما جاء في الحديث: الاستئذان ثلاث» .
قلت: هذا متفق عليه كما يأتي بعده. وقال الترمذي في حديث الترجمة:(7/1386)
«حديث حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث عبد الله بن المثنى» .
قلت: وهو مختلف فيه، وقد ذكر الحافظ أقوال العلماء فيه ما بين موثق،
ومضعف، ومتوسط، ثم رجح توثيقه، فانظره إن شئت (1/189) .
فأقول: في اعتقادي أن الرجل فيه نوع من الضعف، وحديثه هذا يدل على
ذلك؛ فإنه اضطرب فيه اضطراباً عجيباً، ولكنه مع ذلك ليس من النوع الذي يعل
به الحديث؛ لأنه لا تضاد بين رواياته، فهو أشبه ما يكون باختلاف التنوع، وهذا
الذي خرجته نوع.
ونوع ثانٍ: مختصر عنه، ولفظه:
كان إذا سلم سلّم ثلاثاً، وإذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاثاً.
رواه البخاري، والترمذي وغيرهما في رواية.
وثالث: أخصر منه، ولفظه:
كان يعيد الكلمة لتعقل عنه.
وهي رواية «الشمائل» ورواية له في «السنن» .
وكنت ذكرت في التعليق على «مختصر الشمائل» أن الحاكم استدركه على
الشيخين؛ وأن الذهبي تعقبه بقوله:
«أخرجه البخاري سوى قوله: (لتعقل عنه) » .
فتعقبته هناك بأنه لا وجه لهذا التعقب؛ لأن البخاري رواه ـ كما في حديث
الترجمة ـ بلفظ: (حتى تفهم عنه) ؛ والمعنى واحد.(7/1387)
ورابع: بلفظ:
كان إذا تكلم تكلّم ثلاثاً، وكان يستأذن ثلاثاً.
وهو رواية لأحمد. وهذا في الحقيقة يفسر قوله: (فسلم عليهم) ؛ أي
«للاستئذان» وبه فسَّره الحافظ فقال (1/189) :
«قال الإسماعيلي: شبه أن يكون ذلك كان إذا سلم سلام الاستئذان على
ما رواه أبو موسى وغيره، وأما أن يمر المار مُسَلِّماً؛ فالمعروف عدم التكرار. قلت
(الحافظ) : وقد فهم المصنف هذا بعينه، فأورد هذا الحديث مقروناً بحديث أبي
موسى في قصته مع عمر كما سيأتي في «الاستئذان» . لكن يحتمل أن يكون
ذلك كان يقع أيضاً منه إذا خشي أن لا يسمع سلامه. وما ادعاه الكرماني من أن
الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار؛ مما ينازع فيه. والله أعلم» .
وحديث أبي موسى المشار إليه هو الآتي.
بقي شيء، وهو أن الشطر الثاني من الحديث له شاهد من حديث أبي أمامة
مرفوعاً بلفظ:
إذا تكلم تكلّم ثلاثاً؛ لكي يفهم عنه.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/342/8095) : حدثنا أبو حبيب
زيد ابن المهتدي المروزي: ثنا علي بن خَشْرَم: ثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن
واقد عن أبى غالب عنه.
وهذا إسناد حسن؛ كما قال الهيثمي في «المجمع» (1/129) ، ورجاله كلهم
معروفون من رجال «التهذيب» ؛ غير زياد بن المهتدي المروزي، ترجمه الخطيب في(7/1388)
«التاريخ» (8/448) برواية ثلاثة من الحفاظ؛ منهم الطبراني ولم يذكر فيه جرحاً
ولا تعديلاً؛ ووقع فيه: «المَرْوَ الرُّوذيّ» وهو الصواب. ويقال: (المرُّوذي) أيضاً؛ كما
في «الأنساب» و «اللباب» . فما في «المعجم الكبير» : «المروزي» بالزاي بعد الراء
خطأ! إنما هو بالذال، وانظر «الروض النضير» رقم (30) . *
3474 ـ (إذا استأْذنَ أحدُكم ثلاثاً فلمْ يُؤذَن لَه؛ فَلْيَرْجِعْ) .
أخرجه البخاري (6245) ، ومسلم (6/177 ـ 179) ، وأبو داود (5180 ـ
5184) ، والترمذي (2690) ، والدارمي (2/274) ، وابن ماجه (3706) ، وابن
حبان (5776) ، وأحمد (3/6 و19) عن أبي سعيد وغيره؛ قال أبو سعيد:
كنت في مجلس من مجالس الأنصار؛ إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال:
استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت:
استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له؛ فليرجع» .
فقال: والله! لتقيمن عليه بينة، أمنكم أحد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أبيّ
ابن كعب: والله! لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم، فقمت معه
فأخبرت عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك.
والسياق للبخاري، ومسلم. وفي لفظ له ـ وهو لفظ الترمذي ـ:
«الاستئذان ثلاث، فإن أُذن لك، وإلا؛ فارجع» .
وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح» .(7/1389)
وله شاهد من حديث جندب بن عبد الله البجلي مرفوعاً باللفظ الأول.
أخرجه الطبراني في «لمعجم الكبير» (2/181/1687) و «الأوسط» أيضاً
(7/313/7597 ـ الحرمين) من طريق العباس بن محمد: ثنا شَبَابة بن سَوَّار: ثناالمغيرة بن مسلم عن يونس بن عبيد عن الوليد بن مسلم عنه.
قلت: وهذا إسناد جيد. وسكت عنه الحافظ (11/29) مشيراً إلى تقويته.
وأما قول الهيثمي (8/46) :
«رواه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» ، ورجاله رجال «الصحيح» ؛ غير
العباس بن محمد الدوري، وهو ثقة» !
ففيه تسامح؛ لأن المغيرة بن مسلم لم يرو له إلا البخاري، وفي «الأدبالمفرد» ، لا في «الصحيح» !
هذا.. وفي رواية لأبي داود (5183) من طريق أبي بردة بن أبي موسى عنأبيه بهذه القصة، قال:
فقال عمر لأبي موسى: إني لم أتهمك، ولكن الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -شديد.
وسنده جيد. *
3475 ـ (صلاةُ الرّجلِ في جماعةٍ تزيدُ على صَلاتِهِ وحدَه خمْساً
وعشرينَ دَرجَةً، وإنْ صلاها بأرضِ فلاةٍ، فأتمّ وُضوءها وركوعَها
وسجودَها؛ بلغتْ صلاتُه خمسينَ درجةٍ) .
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/479 ـ 480) : حدثنا أبو معاوية عن(7/1390)
هلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ومن طريق ابن أبي شيبة: أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (2/291/1011) ،
وعن هذا: ابن حبان (431 ـ موارد) .
وأخرجه أبو داود (560) ، ومن طريقه: البغوي في «شرح السنة» (3/341/
788) ـ وصححه (ص 339) ـ، والحاكم (1/208) ، ومن طريقه: البيهقي في
«شعب الإيمان» (3/48/ 2831) من طرق أخرى عن أبي معاوية به، إلا أن الحاكم
وقع في إسناده: (هلال بن أبي ميمونة) بزيادة: (أبي) بين الأب والابن!
ولذلك قال:
«حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد اتفقا على الحجة بروايات هلال
ابن أبي هلال، ويقال: ابن أبي ميمونة، ويقال: ابن علي، ويقال: ابن أسامة:
وكله واحد» .
قلت: وقد وافقه الذهبي! وهو وهم على وهم؛ وقع للحاكم في إسناده،
خالف كل الطرق المشار إليها عن أبي معاوية ـ وهو محمد بن خازم ـ، وهذا إنما
يروي عن هلال بن ميمون ـ وهو الجهني ـ، وثقه ابن معين وغيره، ولم يذكروا
لأبي معاوية رواية عن هلال بن أبي ميمونة، فهو من أوهام الحاكم رحمه الله التي
أشار إليها العلماء في ترجمته؛ مما وقع له في «مستدركه» .
وإن مما يؤكد ذلك: أن رواية البيهقي المشار إليها آنفاً عنه سالمة من هذا الخطأ.
ولم ينتبه له المعلق عليه، فقال:
«أخرجه الحاكم (1/208) بنفس الإسناد وصححه، ووافقه الذهبي» !(7/1391)
وكذلك لم ينتبه له المنذري في «الترغيب» (1/152/1) ! وتبعه المعلق على
«مسند أبي يعلى» ، وسقط منه لفظ: «فلاة» !
هذا.. والشطر الأول منه أخرجه ابن ماجه (788) من طريق آخر عن أبي
معاوية به.
وأخرجه البخاري (646) ، والبيهقي أيضاً (2830) و «السنن» (3/60) ،
وأحمد (3/55) من طرق عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي
سعيد به.
(تنبيه) : قال أبو داود عقب الحديث:
«قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: «صلاة الرجل في الفلاة يضاعف
على صلاته في الجماعة» وساق الحديث» .
قلت: هذا معلق لم يسنده أبو داود عن عبد الواحد، ولا ندري هل أسنده أو
أعضله؟! ولذلك لم ينشرح صدري لذكره في كتابي «صحيح الترغيب» في طبعته
الجديدة، وهي وشيكة الصدور مع بقية الكتاب، ومع قسيمه «ضعيف الترغيب»
إن شاء الله تعالى.
وقد اختلف العلماء في قوله في حديث الترجمة: «وإن صلاها بأرض
فلاة ... » هل يعني في جماعة؛ كما هو ظاهر الحديث؟! أو المنفرد؛ كما هو صريح
رواية عبد الواحد؟! وإلى هذا مال الشوكاني في «نيل الأوطار» ؛ خلافا للحافظ
في «الفتح» (2/134 ـ 135) . والغريب أنه سكت عن الرواية المذكورة، وقد
عرفت ما فيها!! *(7/1392)
3476 ـ (كان يعلّمُنا يقولُ:
«لا تبادرُوا الإمامَ [بالرّكوعِ والسُّجود] : إذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قال:
" ولا الضالين " فقولُوا: (آمينَ) ؛ [فإنّه إذا وافقَ كلامُه كلامَ الملائكة
غُفِرَ له] [ما تقدّم من ذنْبه] ، وإذا ركعَ فارْكعُوا، وإذا قالَ: (سمعَ اللهُ
لمن حمِدَه) فقولُوا: (اللهمّ ربَّنا! ولكَ الحمْدُ) ، [ولا ترفعُوا قبلَه] ،
[وإذا سجد فاسجدُوا] » ) .
أخرجه مسلم (2/20) ، وأبو عوانة (2/121) ، والبيهقي في «سننه» (2/92) ،
وأحمد (2/440) من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ... فذكره.
أخرجه مسلم وحده من طريق عيسى بن يونس: حدثنا الأعمش. . . والسياق
له، والثلاثة الآخرون من طريق محمد بن عبيد: ثنا الأعمش به، والزيادة الأولى
لأحمد، والثانية لأبي عوانة، والخامسة للبيهقي.
وتابع الأعمشَ: سُمَيٌّ مولى أبي بكر عن أبي صالح به مختصراً، وفيه الزيادة
الثالثة ولفظه:
«إذا قال الإمام: "غير المغضوب عليهم ولا الضالين": فقولوا: آمين: فإنه
من وافق قوله قول الملائكة؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» .
أخرجه البخاري (782 و4475) ، والنسائي (1/147) وغيرهما.
وتابعه أيضاً سهيل بن أبي صالح عن أبيه به أتم منه.
أخرجه مسلم أيضاً، وأبو عوانة (2/144) ، وعندهما الزيادة الثالثة، وعند
مسلم الزيادة الرابعة.(7/1393)
وقد تابع أبا صالح: خمسةٌ آخرون من الثقات بنحو حديث سُمَيٍّ عنه، وفيه
عندهم الزيادة الثالثة، وأحاديثهم مخرجة عندي في أصل «صفة صلاة النبي
- صلى الله عليه وسلم -» تخريجاً مفصلاً مع بيان الاختلاف في بعض الألفاظ، ومخرج تخريجاً
مجملاً في «الإرواء» (2/62/344) .
إذا عرفت هذا؛ فإن مما ينبغي التنبيه عليه: أن الزيادة الثانية: «غفر له ... »
قد وقعت عند أحمد والبيهقي بلفظ:
«غفر لمن في المسجد» !
وقد عزاها الحافظ المنذري في «الترغيب» (1/177/1) للنسائي! ولم أجده
عنده لا في «السنن الصغرى» ، ولا في «الكبرى» له، وقد أخرجه فيهما باللفظ
الأول من أكثر الطرق المشار إليها آنفاً، علاوة على طريق سمي عن أبي صالح؛
فلعل ذكر (النسائي) فيه خطأ من بعض النساخ، أو سبق ذهن أو قلم من المؤلف،
وقد بلوت ذلك منه في تحقيقي الجديد إياه، وهو تحت الطبع، فلعل الصواب:
(البيهقي) أو: (أحمد) مكان: (النسائي) . والله أعلم!
ثم هو بهذا اللفظ منكر جدّاً عندي؛ لمخالفته للفظ الأول: فإنه متواتر عن أبي
هريرة رضي الله عنه، ومن الظاهر أن محمد بن عبيد ـ وهو الطنافسي ـ هو العلة،
فإنه كان يضطرب فيه، فتارة يرويه بلفظ الجماعة: «غفر له» ، ولذلك؛ أودعه أبو
عوانة في «صحيحه» ومن طريقه، وتارة يرويه باللفظ المخالف. فيبدو لي أن ابن
عبيد هذا ـ مع اتفاق الحفاظ على توثيقه ـ كانت له بعض الأوهام، ولذلك قال
الإمام أحمد ـ فيما رواه ابنه صالح عنه ـ قال:
«كان يظهر السنة، وكان يخطئ ولا يرجع عن خطئه» ؛ كما في «تهذيب
التهذيب» .(7/1394)
وقد وقفت له على حديث صحيح المتن، رواه بإسناده المتقدم عن أبي هريرة،
خالف فيه الجماعة، أخرجه البيهقي في «الشعب» (3/41) من طريق العباس بنمحمد الدوري عنه به. وقال الدوري:
«وهذا حديث غريب» .
قال البيهقي:
«وهذا؛ لأن الجماعة إنما رووه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر،
ومحمد بن عبيد رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. والله أعلم» .
قلت: فهذا خالف فيه الجماعة في الإسناد «فهو شاذ سنداً، وذاك خالف فيهالجماعة لفظاً، فهو شاذ متناً.
وإن مما يؤكد نكارته: منافاته لسياق الحديث؛ فإنه ينهى عن مبادرة الإمامومسابقته في التأمين أيضاً، ويذكر لمن انتهى ووافق الملائكة في ذلك من الفضلما ذكر من المغفرة، وليس ذلك لمن خالف وسابق بداهة، ومن المشاهد أن أكثرالمصلين في المسجد يسابقونه في التأمين حتى قبل فراغه من"ولا الضآلين"
فكيف يغفر للمخالف؛ بسبب الموافق؟!
وفي النهي عن المبادرة بالركوع والسجود أحاديث أخرى من رواية أنس، ومعاوية، وأبي هريرة أيضاً من طريق الأعرج عنه، وهي مخرجة في «الإرواء» (2/289 ـ 290) . *
3477 ـ (يقولُ اللهُ عزّ وجلّ: استقرضْتُ عبدِي فلم يُقرضْنِي، وشتمَني عبدِي وهو لا يدْري (وفي روايةٍ: ولا ينبغِي له شتْمِي) ، يقولُ: وادهْراه! وادهراه! [ثلاثاً] ، وأنا الدهرُ) .
أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص 57) ، والحاكم في «المستدرك»(7/1395)
(1/418 و2/453) ، وابن جرير الطبري في «التفسير» (25/92) ، وأحمد (2/ 300
و506) ، وأبو يعلى (11/353/6466) كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وقال الحاكم:(7/1396)
«صحيح على شرط مسلم» ! ووافقه الذهبي! وأقره المنذري (3/290) !
كذا قالوا! وابن إسحاق لم يخرج له مسلم إلا متابعة، ثم إنه مدلس؛ وقد
عنعنه عندهم جميعاً.
لكن تابعه إبراهيم بن طهمان، أخرجه في «مشيخته» (158/105) عن
العلاء بن عبد الرحمن به، والرواية الأخرى والزيادة له.
وإبراهيم بن طهمان ثقة من رجال الشيخين، فبه صح الحديث. قال الذهبي
في «الكاشف» :
«من أئمة الإسلام، وفيه إرجاء، وثقه أحمد وأبو حاتم»
وتابعه ابن أبي حازم عن العلاء به مختصراً.
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (1/265/598) .
وقد جاء الحديث في «الصحيحين» وغيرهما من طرق أخرى عن أبي هريرة
نحوه بألفاظ مختلفة، وقد خرجت بعضها فيما تقدم برقم (ا53 و532) .
قلت: وهذا الحديث جاء على أسلوب الحديث القدسي الآخر:
«إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: يا
رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم(7/1398)
تعده؟! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟! ... » الحديث بطوله.
أخرجه مسلم (8/13) ، والبخاري في «الأدب المفرد» (رقم 517) وغيرهمامن حديث أبي هريرة أيضاً.
ثم رأيت الحديث قد أخرجه الحاكم من الوجه الأول في مكان آخر (2/491) بزيادة:
ثم تلا أبو هريرة قول الله عز وجل: " إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه
لكم". وصححه هو والذهبي! كما تقدم. *
3478 ـ (ثلاثةٌ يحبُّهم اللهُ عزّ وجلّ، ويضحكُ إليهم، ويستبشرُ بهم:
الذي إذا انكَشَفتْ فئةٌ؛ قاتلَ وراءَها بنفسِه لله عزّ وجلّ، فإمّا أنْ
يُقتلَ، وإمّا أن يَنصُرَه اللهُ ويكفِيَه، فيقولُ اللهُ: انظرُوا إلى عبدِي كيف صَبَرَ لي نفسَه؟!
والذي له امرأة حسناء، وفراش لين حسن، فيقوم من الليل،
فـ[يقول:] يذر شهوتَه، فيذكُرني ويناجيني، ولو شاءَ رقَدَ!
والذِي يكونُ في سَفَرٍ، وكانَ معَه ركْبٌ؛ فسهِرُوا ونصِبُوا ثمّ
هَجَعُوا، فقامَ من السّحرِ في سرّاءَ أو ضرّاءَ) .
أخرجه الحاكم (1/25) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص 471 ـ
472) ـ والسياق له ـ من طريق فُضَيل بن سليمان: نا موسى بن عقبة: حدثني
عبيد الله بن سلمان عن أبيه عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وقال الحاكم:
«حديث صحيح، وقد احتجا بجميع رواته» !
كذا قال! وبيض له الذهبي.
وعبيد الله بن سلمان ـ وهو الأغر ـ لم يخرج له مسلم إطلاقاً.
وفضيل بن سليمان ـ وهو النُّميري ـ إنما خرج له البخاري متابعة؛ كما حققه
الحافظ في «مقدمة الفتح» (435) ، وفيه كلام كثير، لخصه الحافظ في «التقريب»
فقال:
«صدوق، له خطأ كثير» .
فمثله حديثه مرشح للتحسين، وأما الصحة فلا! وقد قال المنذري في
«الترغيب» (1/219/32) :
«رواه الطبراني في «الكبير» بإسناد حسن» !
وقال الهيثمي (2/255) :
«قلت: روى أبو داود منه: «الذي كان في سرية» ـ فقط ـ رواه الطبراني،
ورجاله رجال (الصحيح) » !
قلت: وما عزاه لأبي داود يوهم أنه عنده من حديث أبي الدرداء، وإنما هو من
حديث ابن مسعود رضي الله عنه! وقد رواه غيره بأتم منه، وهو من رواية حماد بن
سلمة عن عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه، من بين حِبِّه وأهله إلى
صلاته؛ فيقول الله جل وعلا: انظروا إلى عبدي، ثار من فراشه ووطائه من بين(7/1397)
حبه وأهله إلى صلاته؛ رغبةً فيما عندي، وشفقة مما عندي.
ورجل غزا في سبيل الله، وانهزم أصحابه، وعلم ما عليه في الانهزام، وما له
في الرجوع؛ فرجع حتى يهريق دمه، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي؛ رجع
رجاءً فيما عندي، وشفقة مما عندي، حتى يهريق دمه» .
أخرجه ابن حبان (643و644ـ موارد) ، والبيهقي في «الأسماء» أيضاً
و «السنن» (9/164) ، وابن أبي شيبة في «المصنف» (5/313 ـ 314) ، ومن طريقه:
ابن أبي عاصم في «السنة» (1/249/569) ، وأحمد (1/416) ، وأبو يعلى
(9/5272 و5361 و5362) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (10/221/10383) ،
وأبو نعيم في «الحلية» (4/167) ، والبغوي في «شرح السنة» (4/42/930) .
وروى منه أبو داود (2536) جملة الغازي؛ كما تقدمت الإشارة إليه، وكذا
الحاكم (2/112) ، وهو رواية لـ «سنن البيهقي» (9/46) . وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد» . ووافقه الذهبي، وغيره ممن عاصَرْنَا!!
وغفلوا أو غضوا النظر عما ذكره الحافظ أن حماد بن سلمة روى عن عطاء بن
السائب بعد الاختلاط أيضاً، ففي هذه الحالة لا يجوز تصحيح حديثه عنه بحجة
أنه روى عنه قبل الاختلاط، كما هو ظاهر لكل ذي بصيرة! ولعل الهيثمي لاحظ
هذا، فلم يصححه، ولكنه توسط فقال (2/255) :
«رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في «الكبير» ، وإسناده حسن» !
وقد خالفه حماد بن زيد؛ فرواه عن عطاء بن السائب به موقوفاً نحوه، وزاد
في آخر كل من الرجلين:
«فيقول [الله تعالى] : فإني قد أعطيته ما رجا، وأمَّنته مما خاف» .(7/1399)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (9/104/8532) : حدثنا علي بن عبد العزيز: ثنا عارم أبو النعمان: ثنا حماد بن زيد ...
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات كلهم. وحماد بن زيد سمع من عطاء
ابن السائب قبل الاختلاط. ومع ذلك قال الهيثمي (2/256) أيضاً:
«رواه الطبراني في «الكبير» ، وإسناده حسن» !
فلم يصححه، فلعل ذلك لأن عارماً أبا الفضل ـ واسمه محمد بن الفضل ـ
كان اختلط، أو تغير. قال الحافظ في «التقريب» :
«ثقة ثبت، تغير في آخر عمره» .
وقال الذهبي في «الكاشف» .
«.. الحافظ، وعنه (خ) .. تغير قبل موته؛ فما حدَّث» .
وقال في «الميزان» :
«حافظ صدوق مكثر» .
ثم ذكر بعض الأقوال التي صرحت باختلاطه، ولكنه ذكر عن الدارقطني
أنه قال:
«تغير بأخرة، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة» .
وبه رد على ابن حبان الذي زعم أنه وقع في حديثه المناكير الكثيرة! قال
الذهبي:
«قلت: ولم يَقْدِرِ ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً، فأين ما زعم؟!» .(7/1400)
وكأنه لم يرتض رميه بالاختلاط، فأشار إلى توهين القول به في رسالته
«المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد» فقال (169/306) :
«ثقة شهير، يقال: اختلط بآخره» .
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وعلى كل حال؛ فحمّاد بن زيد قد وافق حماد بن سلمة في روايته إياه سنداً
ومتناً، وخالفه في رفعه، فإن كان وهم فيه؛ فإنما هو إيقافه إياه، فالخطب حينئذٍ
سهل؛ لأنه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر، وعليه يكون
متابعاً قويّاً لحماد بن سلمة. والله ولي التوفيق.
وقد رواه ابن أبي الدنيا في «التهجد» (36 ـ 37) من طريق خالد بن عبد الله
عن عطاء بن السائب به موقوفاً.
وللحديث شاهد من حديث أبي ذر مرفوعاً نحوه، وفي إسناده جهالة، وهو
مخرج في «المشكاة» (1922/ التحقيق الثاني) . *
3479 ـ (مَثَلُ الذي يتعلَّمُ العِلْمَ ثمَّ لا يحدِّثُ به؛ كمَثَلِ الذي
يكنِزُ الكنْزَ فلا ينفقُ منه) .
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/213/689) قال: حدثنا أحمد
قال: نا يونس بن عبد الأعلى قال: نا عبد الله بن وهب قال: حدثني ابن لهيعة
عن دَرَّاج أبي السمح عن أبي الهيثم وعبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن عزيز من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة، وهو صحيح(7/1401)
الحديث عنه، ومن رواية دراج عن ابن حجيرة، وهو حسن الحديث عنه؛ كما
تقدم تقريره برقم (3350) ، وبقية رجاله ثقات من رجال مسلم؛ غير أحمد ـ وهو
ابن علي الأبار ـ، وهو ثقة حافظ متقن.
وقد توبع، فأخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1/122) من طريق
سُحْنون: حدثنا ابن وهب به؛ إلا أنه لم يذكر في إسناده: (أبا الهيثم) .
وغفل المنذري عن أن الحديث من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة، فأعله في
«الترغيب» (1/74/6) ، فقال:
«رواه الطبراني في «الأوسط» ، وفي إسناده ابن لهيعة» !
يشير إلى ضعفه. وصرح بذلك الهيثمي فقال (1/164) :
« ... وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف» !
وقد أخرجه أبو خيثمة في «العلم» (147/162) ، وأبو القاسم بن عبد الحكم
في «فتوح مصر» (ص 281) ، وابن عدي في «الكامل» (3/115) ، وابن عبد البر
أيضاً من طرق أخرى عن ابن لهيعة به.
وله طريق أخرى يرويه إبراهيم عن أبي عياض عن أبي هريرة به.
أخرجه الدارمي في «سننه» (1/134) ,وأحمد في «مسنده» (2/499) ،
والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (165/12) .
قلت: وإسناده حسن في المتابعات، رجاله كلهم ثقات عند الدارمي رجال
مسلم؛ غير إبراهيم هذا ـ وهو ابن مسلم الهجري ـ؛ قال الحافظ في «التقريب» :
«لين الحديث رفع موقوفات» .(7/1402)
ومن طريقه: أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (1/180/263) ، لكنه
قال: عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله!
وله شاهد؛ يرويه عمر بن يحيى بن نافع قال: حدثنا عيسى بن شعيب قال:
حدثنا رَوْحُ بن القاسم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً به.
أخرجه ابن عبد البر.
وعمر بن يحيى بن نافع: هو الأبلي؛ كما في ترجمة شيخه عيسى بن
شعيب من «تهذيب المزي» ، ولم أقف له على ترجمة. *
3480 ـ (من انتفَى من ولَدِه لِيفضَحه في الدُّنيا؛ فضَحَه اللهُ يومَ
القيامةِ على رؤوس الأَشهادِ، قِصاصٌ بِقِصَاصٍ) .
أخرجه أحمد (2/26) ، ومن طريقه: الطبراني في «المعجم الكبير»
(12/400/13478) و «المعجم الأوسط» (4/312/4297 ـ حرمين) ، وعنه أبو
نعيم في «الحلية» (9/223 ـ 224) : ثنا وكيع عن أبيه عن عبد الله بن أبي المجالد
عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح» ؛ وفي أبي وكيع
ـ واسمه: الجراح بن مَلِيح الرُّؤَاسي ـ ضعف لا ينزل حديثه إن شاء الله عن مرتبة
الحسن.
وعبد الله بن أبي المجالد؛ قال في «التقريب» :
«يقال: اسمه محمد، ثقة» .
قلت: وتابعه ليث بن أبي سليم عن مجاهد به نحوه.(7/1403)
أخرجه الطبراني (12/407 ـ 408/13503) .
وله طريق أخرى؛ يرويه سعيد بن بشير عن مطر الورَّاق عن نافع عن ابن عمر به.
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/332 ـ 333) .
قلت: وهو إسناد جيد في الشواهد والمتابعات.
وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً.
أخرجه أبو داود وغيره؛ صححه ابن حبان، والدارقطني، والحاكم، والذهبي،
وفي إسناده جهالة، كما كنت بينته في «الإرواء» (8/34 ـ 35) . *
3481 ـ (كانَ إذا خرجَ من الخَلاء؛ توضَّأ) .
أخرجه أحمد (6/189) من طريق جابر عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه
عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ...
قلت: ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين؛ غير جابر هذا ـ وهو ابن يزيد
الجعفي ـ، وهو ضعيف. وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/241) :
«رواه أحمد، وفيه جابر الجعفي، وثقه شعبة وسفيان، وضعفه أكثر الناس» .
قلت: له شاهد مرسل صحيح، رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (1/193) :
حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال:
بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل الخلاء إلا توضأ، أو مسح ماءً.
قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد، رجاله ثقات رجال الشيخين.
وقد رواه بعض الضعفاء موصولاً؛ فقال يحيى بن طلحة اليَربوعي قال:(7/1404)
حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت:
ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صائماً العشر قط، ولا خرج من الخلاء إلا مسَّ ماءً.
أخرجه ابن حبان (69/165 ـ الموارد) .
قلت: ويحيى هذا لم يوثقه غير ابن حان، ولكنه قال (9/264) :
«وكان يغرب عن أبى نعيم» .
قلت: وأخرج له في صحيحه ثلاثة أحاديث فقط؛ هذا أحدها، والحديث
الثاني هو فيه متابع. والثالث قرنه بآخر ثقة، وهو في صحيح مسلم، مختصراً،
والثاني في الموارد أيضاً، وفيه لفظة منكرة؛ كما سبق بيانه تحت الحديث (2757) .
ولهذا؛ ضعفه آخرون، وقال الحافظ:
«ليِّن الحديث» .
وإن من ضعفه: خلطه بين حديث الترجمة، وحديث (صوم العشر) ؛ فإنهذا قد أخرجه مسلم وغيره من طرق عن الأعمش عن إبراهيم به. وخالفه هنادابن السري فقال: ثنا أبو الأحوص عن منصور به دون الشطر الثاني.
أخرجه ابن ماجه، وهو مخرج في «صحيح أبي داود» (2108) . *
3482 ـ (إنّه سينْهاهُ ما يقولُ) .
أخرجه أحمد (2/447) : ثنا وكيع: ثنا الأعمش قال: أنا (كذا) أبو صالح
عن أبي هريرة قال:
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن فلاناً يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق؟!
قال: ... فذكره.(7/1405)
قلت: وهذا إسناد متصل ظاهر الصحة، رجاله ثقات رجال الشيخين.
لكن له علة، وهي أن قوله: «أنا» تحرف على الناسخ والطابع، والصواب: «أرى أبا صالح ذكره عن أبي هريرة» . هكذا رواه إبراهيم بن عبد الله العَبْسي في «حديث وكيع بن الجراح» (ق 134/1 ـ مخطوطة الظاهرية) ، ومن طريقه: البيهقي
في «شعب الإيمان» (3/174/ 3261) . ويؤيده: أن الحافظ ابن كثير ذكره في «تفسيره» (3/415) من رواية أحمدبسنده المذكور عن الأعمش قال: أرى أبا صالح عن أبي هريرة ... إلخ.
ولعله سقط من الناسخ كلمة: «ذكره» .
وزيادةً في التحقيق: رجعت إلى «أطراف المسند» للحافظ العسقلاني؛ فرأيته
ساق الحديث (7/193/447) عقب حديث آخر بإسناد آخر عن أبي صالح ـ يعني
عن أبي هريرة ـ. ثم ساق إسناد هذا إلى الأعمش قائلاً: «عنه به» ، فلم يسقهبتمامه لنتبين كيف وقع الإسناد في نسخته من «المسند» ؟!
ونحوه قول الهيثمي في «المجمع» (2/258) :
«رواه أحمد، والبزار، ورجاله رجال (الصحيح) » !
إلا أنه في مكان آخر أفاد مثل ما تقدم عن ابن كثير، فقال (7/89) :
«رواه أحمد، ورجاله رجال «الصحيح» ؛ إلا أن الأعمش قال: أرى أبا صالحعن أبي هريرة» .
وبالجملة؛ فهذا وما قبله يبين أن ما في «المسند» أن الأعمش قال: «أنا»
تحريف من بعض النساخ، والله أعلم.(7/1406)
وقد تابع وكيعاً: جماعةٌ من الثقات، ولكنهم قالوا: عن الأعمش عن أبي
صالح عن أبي هريرة ... فذكروه على الجادة.
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (2/430) ، وابن حبان في «صحيحه»
(4/116/ 2551) عن عيسى بن يونس، والبزار في «مسنده» (1/346/720) عن
محاضر بن المُوَرِّعِ، كلاهما عن الأعمش به.
وخالفهم جرير بن عبد الحميد فقال: عن الأعمش عن أبي صالح ـ قال: أراه ـ
عن جابر ...
وتابعه زياد بن عبيد الله عن الأعمش به؛ لكنه لم يقل: قال: أراه ...
أخرجهما البزار (رقم 721 و722) .
وزياد بن عبد الله: هو البكائي العامري من رجال مسلم، وجرير بن عبد الحميد
من رجال الشيخين، وفيهما كلام يسير من جهة الحفظ.
قلت: فالظاهر من مجموع ما تقدم: أن الأعمش كان يتردد في إسناده بين
أبي هريرة وجابر، وذلك مما لا يضر إن شاء الله تعالى؛ لأن كلاً منهما صحابي
جليل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(تنبيه على أوهام) :
أولاً: غفل المعلق الداراني على «موارد الظمآن» (2/ 378) عن أن هذا
الاختلاف مداره على الأعمش، فقال في تخريجه لحديث أبي هريرة:
«ويشهد له حديث جابر عند البزار ... » !
فجعل المشهود شاهداً، وهذا مما يدل على الحداثة في هذا العلم!(7/1407)
ثانياً: جاء في «مختصر تفسير ابن كثير» للشيخ نسيب الرفاعي رحمه الله
تعالى ما نصه (3/421) :
«روى الحافظ أبو بكر البزار عن جابر أو عن رجل قال للنبي ... » !
وهذا خلط عجيب لا يخفى فساده، ولا حاجة إلى بيانه.
ثالثاً: قول ابن بلده الشيخ الصابوني في «مختصره» (3/38) :
«وروى الحافظ أبو بكر البزار قال: قال رجل ... » !
فهو ـ لجهله بهذا العلم الشريف ـ لما رأى الاختلاف المذكور في الأصل ـ أعني:
«تفسير ابن كثير» ـ؛ لم يستطع أن يختصره بمثل قوله: «.. عن أبي هريرة أو جابر» !
ولو أنه كان عن واحد منهما؛ لاختصره منه وطبعه في التعليق موهماً القراء أنه
من تخريجه، متشبعاً بما لم يعط؛ (شنشنة نعرفها من أخزم) ! والله المستعان. *
3483 ـ (تركَ كَيَّتَيْن، أو ثلاثَ كيّاتٍ! قاله لمن ماتَ وتركَ دينارينِ
أو ثلاثة) .
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (3/372) : حدثنا عبد الله بن نمير: حدثنا
فُضَيْل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال:
أُتيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجنازة رجل من الأنصار فصلى عليه، ثم قال:
«ما ترك؟» . قالوا: ترك دينارين أو ثلاثة، قال: ... فذكره.
وأخرجه أحمد (2/429) : ثنا يحيى بن سعيد عن فضيل بن غزوان به؛
ليس فيه: من الأنصار.(7/1408)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وتابعه هارون بن سعد، قال: سمعت أبا حازم الأشجعي ...
أخرجه أحمد أيضاً (2/493) .
وأبو حازم الأشجعي هذا: هو سَلَمَةُ بن دينار الأعرج، وقد ذكره المزي في
الرواة عن أبي هريرة (34/375) رامزاً أن ذلك عند الشيخين والأربعة.
وهارون بن سعد ـ وهو العجلي ـ من رجال مسلم، صدوق رمي بالرفض.
ورواه يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني عن ابن فضيل عن أبيه عن أبي حازم
به؛ وزاد:
فلقيت عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر، فذكرت ذلك له، فقال: ذاك رجل
كان يسأل الناس تكثراً.
أخرجه البيهقي في «الشعب» (3/271/3515) .
وعبد الله ابن القاسم هذا تابعي مجهول الحال، لم يوثقه غير ابن حبان، فهذه
الزيادة مقطوعة لا تصح.
ويحيى بن عبد الحميد الحماني؛ قال الذهبي في «المغني» :
«حافظ، منكر الحديث، وقد وثقه ابن معين وغيره، وقال أحمد: كان
يكذب جهاراً. وقال النسائي: ضعيف» .
وقال الحافظ في «التقريب» :
«حافظ؛ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث» .(7/1409)
وللحديث شاهد من حديث سلمة بن الأكوع، عند البخاري وغيره، وهو
مخرج في «أحكام الجائز» (ص 110 ـ المعارف) .
وآخر من حديث عبد الله بن مسعود، رواه ابن حبان وغيره بسند حسن، وهو
مخرج في «الترغيب» (2/43) .
ثم إن حديث الحماني هذا، قد وقع فيه للمنذري وهم عجيب؛ فإنه جعله
(2/3/10) من حديث مسعود بن عمرو رضي الله عنه! وإنما هو من حديث أبي
هريرة؛ كما رأيت.
وأظن أنه التبس عليه بحديث آخر في الباب لمسعود بن عمرو، بلفظ:
«لا يزال العبد يسأل وهو غني، حتى يَخلَقَ وجهه، فما يكون له عند الله
وجه» .
أخرجه البزار في «مسنده» (1/434/919 ـ الكشف) ، والطبراني في «المعجم
الكبير» (20/333/760) من طريق ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن سعيد بن
يزيد عنه مرفوعاً به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ كما قال الحافظ في «مختصر الزوائد» (1/383/
628) ، وأشار المنذري في «الترغيب» (2/3/4) ، ثم الهيثمي في «المجمع» (3/96)
إلى إعلاله بـ (محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى) . وقال الآخر:
«وفيه كلام» .
قلت: ولخصه الحافظ في «التقريب» بقوله:
«صدوق سيّئ الحفظ جدّاً» .(7/1410)
قلت: وشيخه عبد الكريم ـ وهو ابن أبي المخارق البصري ـ ضعيف أيضاً.
وسعيد بن يزيد؛ الظاهر أنه أبو سلمة الأزدي البصري؛ وثقه ابن معين، وقال
أبو حاتم:
«صالح» .
فقه الحديث:
أقول: لعل الرجل الذي جاء فيه هذا الوعيد الشديد: إنما كان لأمر غير مجرد
تركه دينارين أو ثلاثة؛ لأن مثل هذا الأمر لا يستحق صاحبه النار باتفاق العلماء،
ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
«إنك أنْ تدع ورثتك أغنياء: خير من أن تدعهم يتكففون الناس» .
متفق عليه، وهو في «الإرواء» (3/416 ـ 417) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - للنجدي جواباً على سؤاله: هل علي غيرهن؟ قال:
«لا، إلا أن تطوع» .
رواه الشيخان، وهو مخرج في «صحيح أبي داود» (415) ، ونحوهما في السنة
كثير؟! ومن أبواب الإمام البخاري في «صحيحه» :
«باب ما أدِّي زكاته فليس بكنز؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس فيما دون خمسة
أوسق صدقة» ... » . وانظر «فتح الباري» (3/271 ـ 273) .
وعلى هذا؛ فلعل الرجل كان قد أخل بالقيام ببعض الواجبات المتعلقة بحقوق
المال، مثل الإنفاق على العيال، أو إطعام الجائع، وكسوة العاري، أو التظاهر بالفقر؛
كما في مرسل علقمة المزني قال:(7/1411)
كان أهل الصفة يبيتون في المسجد، فتوفي رجل منهم، ففتح إزاره، فوجد
فيه ديناران، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
«كيتان» .
أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (1/421/1649) . أو سؤال الناس تكثراً
كما تقدم في أثر مولى أبي بكر، ونحو ذلك! والله سبحانه وتعالى أعلم. *
3484 ـ (إنّ الصّدقة لَتطفئُ عن أهْلِها حرَّ القُبورِ، وإنّما يستظلُ
المؤمنُ يومَ القيامةِ في ظلِّ صَدَقَتِه) .
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (17/ 286/788) : حدثنا يحيى بن
عثمان بن صالح: ثنا سعيد بن أبي مريم: ثنا رِشدين بن سعد: حدثني عمرو بن
الحارث وابن لهيعة والحسن بن ثوبان عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن
عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ومن هذا الوجه وعن هذا الشيخ: أخرجه البيهقي في «الشعب» (3/212/
3347) ، إلا أنه قال: عنه: نا أبو صالح كاتب الليث: حدثني ابن لهيعة ورشدين
ابن سعد عن (!) الحسن بن ثوبان عن عمرو بن الحارث و (!) يزيد بن أبي حبيب
عن أبي الخير.....به.
قلت: وأنا أظن أن قوله: «عن الحسن بن ثوبان» خطأ من الطابع أو الناسخ،
صوابه: «والحسن بن الثوبان» ، وعلى العكس من ذلك قوله بعد: «ويزيد بن أبي
حبيب» ، صوابه: «عن يزيد بن أبي حبيب» ؛ كما في «الطبراني» ؛ (لأن عمرو
ابن الحارث) ليس من طبقة (يزيد بن أبي حبيب) ؛ وإنما من الرواة عنه؛ بخلاف
(الحسن بن ثوبان) ؛ فإنه من طبقة (ابن لهيعة) و (رِشدين) !(7/1412)
وأما قوله: «أبو صالح كاتب الليث» مكان: «سعيد بن أبي مريم» ؛ فإنه إن لم
يكن خطأً أيضاً؛ فهو انتقال من شيخ إلى شيخ أخر؛ لأن كلاً منهما من شيوخ
يحيى بن عثمان بن صالح المصري، وهذا صدوق؛ كما قال الذهبي والعسقلاني،
لكن الأول منهما ـ وهو سعيد بن أبي مريم ـ ثقة ثبت من رجال الشيخين، بخلاف
أبي صالح؛ فهو من شيوخ البخاري، وفيه كلام معروف.
وجملة القول؛ أن إسناد الطبراني جيد بالمتابعات المذكورة: (عمرو بن
الحارث) ، و (ابن لهيعة) ، و (الحسن بن ثوبان) عن يزيد بن أبي حبيب.
وبهذا التحقيق يتبين تقصير المنذري في قوله في «الترغيب» (2/25) :
«رواه الطبراني في «الكبير» ، والبيهقي، وفيه ابن لهيعة» !
ونحوه قول الهيثمي في «المجمع» (3/110) :
«رواه الطبراني في «الكبير» ، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام» !
ففاتهما متابعة الحسن بن ثوبان وعمرو بن الحارث المقوية له، مما ورطني قديماً
ـ وقبل طبع «المعجم الكبير» ـ أن أخرج الحديث في «الضعيفة» برقم (3021)
متابعة مني لهما، ولا يسعني إلا ذلك؛ ما دام المصدر الذي عزواه إليه لا تطوله
يدي؛ كما كنت بينت ذلك في مقدمة كتابي «صحيح الترغيب» ، أما وقد وقفت
عليه الآن، وعلمت أن ابن لهيعة قد توبع ـ خلافاً لما أوهما ـ؛ فقد قررت إيداعه
في «صحيح الترغيب» ، لا سيما والشطر الثاني منه قد رواه بعض الثقات ـ غير
من تقدم ـ عن يزيد بن أبي حبيب، وهو مخرج في «تخريج أحاديث مشكلة
الفقر» (رقم 118) . *(7/1413)
3485 ـ (أتانِي جبريلُ في خَضِرٍ معلّقٍ به الدُّرُّ) .
أخرجه أحمد (1/407) : ثنا زيد بن الحُبَاب: حدثني حسين: حدثني
حُصين: حدثني شَقِيق قال: سمعت ابن مسعود يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ...
فذكره.
وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (2/774 ـ 475/349) ، والدارقطني في
«الغرائب والأفراد» (ق 224/1 ـ الأطراف) من طرق أخرى عن زيد بن الحباب به.
وقال الدارقطني:
«تفرد به الحسين بن واقد، وعنه زيد بن الحباب وغيره، وبه عن الحسين عن
عاصم» .
قلت: وهذا إسناد جيد؛ كما قال الحافظ ابن كثير في «التفسير» (4/251) ،
ورجاله ثقات رجال مسلم، وفي بعضهم كلام لا ينزل به حديثه عن مرتبة
الحسن. وأما الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فقال (5/330) :
«إسناده صحيح» !
وأعله أخونا الفاضل رضى المباركفوري في تعليقه على «العظمة» بقوله:
«فيه حصين بن عبد الرحمن، وهو ثقة تغير حفظه بالأخرة، ولم يذكر حسين
بن واقد فيمن سمع منه قبل التغير» !
فأقول: المتغير لا يساق مساق المختلط، ولا يعامل معاملته فيما أعلمه من
صنيع أهل العلم في تخريجاتهم وتصحيحاتهم، ويقوون حديثه؛ لأن التغير أقل سوءاً
من الاختلاط، فحديثه على أقل الدرجات حسن، لا سيما إذا توبع؛ كما يأتي.(7/1414)
ورواه أحمد قبيل هذا، وبالإسناد نفسه؛ إلا أنه جعل مكان (حصين) : عاصم
ابن بهدلة ... بلفظ:
«رأيت جبريل على السدرة المنتهى، وله ستُّ مئة جناح» . قال: سألت
عاصماً عن الأجنحة؟ فأبى أن يخبرني، قال: فأخبرني بعض أصحابه: أن الجناح
ما بين المشرق والمغرب. وكذا أخرجه ابن جرير (27/29) .
وقد تابعه على هذا الإسناد: حماد بن سلمة عن عاصم ابن بهدلة؛ إلا أنه
قال: عن زر عن ابن مسعود.
أخرجه أحمد (1/412 و460) ، والنسائي في «السنن الكبرى» (6/473/
11542) ، وابن جرير أيضاً , وابن خزيمة في «التوحيد» (ص 133) ، والبيهقي في
«دلائل النبوة» (2/372) كلهم عن حماد به، ولفظه:
«رأيت جبريل عند سدرة المنتهى؛ عليه ستُّ مئة جناح، ينتثر من ريشه
التهاويل: الدر والياقوت» .
وهذا إسناد جيد قوي؛ كما قال ابن كثير.
ورواه شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بلفظ:
«يسقط من جناحه ـ من التهاويل والدر والياقوت ـ ما الله به عليم» .
أخرجه أحمد (1/395) . وشريك ضعيف.
وله طريق أخرى؛ عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن
عبد الله في قوله: "ما كذب الفؤاد ما رأى" قال:
رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جبريلَ في حُلة من رَفْرف، قد ملأ ما بين السماء والأرض.(7/1415)
أخرجه أحمد (1/394 و 418) ، والنسائي (11531 ـ الكبرى) ، وابن خزيمة
أيضاً، وكذا ابن جرير، والطبراني في «المعجم الكبير» (9/245/9050) ، وأبو
الشيخ (2/766/341) ، وابن منده في «الإيمان» (2/731/751) .
وهذا إسناد على شرط الشيخين؛ لولا اختلاط أبي إسحاق وعنعنته،
وإسرائيل سمع منه بعد الاختلاط. لكن في رواية لابن منده (752) قد تابعه
سفيان عن أبي إسحاق به.
وسفيان ـ وهو الثوري ـ سمع منه قبل الاختلاط.
وله طريق أخرى عن ابن مسعود؛ يرويه شعبة، وسفيان أيضاً، وغيرهما:
عند ابن خزيمة، والطبراني (9051و9053) ، وابن منده (747 ـ750) ، وأحمد
أيضاً (1/449) ، ولفظ ابن خزيمة:
رأى رفرفاً أخضر سد أفق السماء. وسنده صحيح.
وله شاهد من حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«رأيت جبريل عليه السلام منهبطاً، قد ملأ ما بين السماء والأرض، وعليه
ثياب سندس، معلقاً به اللؤلؤ والياقوت» .
أخرجه أحمد (6/120) : ثنا عفان: ثنا حماد قال: أخبرنا عطاء بن السائب
عن الشعبي عن مسروق عنها.
ومن هذا الوجه أخرجه أبو الشيخ أيضاً (رقم 343) .
وهو إسناد صحيح؛ إن كان حماد ـ وهو ابن سلمة ـ سمعه من عطاء قبل
الاختلاط، وإلا؛ فهو شاهد قوي لما تقدم.(7/1416)
وخالف عون بن عمارة؛ فقال: ثنا الخليل بن أحمد عن عاصم عن الشعبي
عن عائشة به.
أخرجه أبو الشيخ في «طبقات الأصبهانيين» (1/216/125) .
قلت: وعون هذا ضعيف، لكن الراوي عنه ـ وهو علي بن بشر الأموي ـ أشد
ضعفاً منه، قال أبو الشيخ:
«كان يضعَّف، حدث عن يزيد بن هارون عن يحيى عن أنس مرفوعاً: رأيت
في الجنة ذئباً» ! قال الذهبي في «الميزان» :
«وهذا من بلاياه» .
وبالجملة؛ فالحديث من الطريق الأولى عن ابن مسعود حسن، وهو صحيح
بالطرق الأخرى والشاهد عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
ولقد كنت أوردته في «ضعيف الجامع» ؛ اغتراراً مني بالمناوي الذي نقل في
«فيض القدير» عن الدارقطني أنه ضعفه في «الأفراد» ! والآن وقد وقفت على إسناده
بواسطة «أطرافه» لابن طاهر المقدسي، وليس فيه ما يشعر بتضعيفه، ولو سلمنا به
فرضاً؛ فهو مدفوع بما ذكرت من ثقة رجاله، وطرقه وشاهده، ولذلك فقد نقلته من
«ضعيف الجامع» إلى «صحيحه» . والله تعالى ولي التوفيق؛ وأسأله المزيد من فضله! *
3486 ـ (لمّا نزلتْ هذه الآيةُ: "ليسَ على الذينَ آمنُوا وعمِلُوا
الصالحاتِ جُناحٌ فيما طَعِمُوا إذا ما اتَّقَوا وآمنُوا وعمِلُوا الصالحاتِ ثم
اتّقَوا وآمنُوا ثم اتّقَوا وأحسَنُوا والله يحب المحسنين"؛ قال لي [يعني:
ابن مسعود] : «قيل لي: أنت منهم» ) .
أخرجه مسلم (7/147) ، والترمذي (3053) ، والنسائي في «السنن الكبرى»(7/1417)
(6/337/11153) ، وابن جرير الطبري في «التفسير» (7/25) ، وكذا ابن أبي
حاتم (4/1201/6776) من طريق علي بن مُسْهِر عن الأعمش عن إبراهيم عن
علقمة عن عبد الله قال: ... فذكره. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح» .
وتابعه قيس بن الربيع عن الأعمش به. أخرجه ابن أبي حاتم (6778) .
وخالفهما سليمان بن أرقم عن الأعمش به؛ فزاد في متنه فقال:
لما نزلت تحريم الخمر؛ قالت اليهود: أليس إخوانكم الذين ماتوا كانوا يشربونها؟!
فأنزل الله عز وجل: "ليس على الذين.. " ... » وذكر الحديث.
أخرجه الطبراني (10/95/15011) ، والحاكم (4/143 ـ 144) ، وقال:
«صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، إنما اتفقا على حديث شعبة عن أبي إسحاق
عن البراء مختصراً» !
كذا قال! ووافقه الذهبي على التصحيح، وفي ذلك نظر من وجوه:
الأول: أن سليمان بن أرقم سيِّئ الحفظ كما في «التقريب» ؛ فلا وجه
لتصحيح حديثه!
الثاني: أنه خالف عليَّ بنَ مسهر الثقة ومتابعه، فتكون زيادته عليه منكرة،
لكن قد جاء ما يشهد لها، فلننظر هل ذلك مما يقويها؟! فلننتظر.
الثالث: أنه خفي عليه أن مسلماً قد أخرجه؛ فنفيه إياه وهم من أوهامه؛ إلا
أن يعني بالزيادة، وهو ما أستبعده!
وقد جاءت أحاديث أخرى في نزول هذه الآية عن جمع آخر من الصحابة،(7/1418)
لا بأس من تخريجها للفائدة، ولأنه وقع في بعضها علة خفيت على بعضهم
فصححه، وهم أنس بن مالك، وأبو هريرة، وعبد الله بن عباس، والبراء بن عازب،
وجابر بن عبد الله.
1 ـ أما حديث أنس؛ فله عنه طريقان:
الأولى: عن حماد بن زيد: أخبرنا ثابت عنه قال:
كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا
الفضيخ: البسر والتمر، فإذا منادٍ ينادي:
«ألا إن الخمر قد حرمت» .
قال: فَجَرَتْ في سكك المدينة، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فهرقتها.
فقالوا ـ أو قال بعضهم ـ: قُتل فلان، قتل فلان وهي في بطونهم! قال ـ فلا
أدري هو من حديث أنس ـ: فأنزل الله عز وجل: "ليس على الذين آمنوا
وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات".
أخرجه البخاري (4620) ، ومسلم (6/87) ـ والسياق له ـ، والبيهقي
(8/286) ، وأحمد (3/227) ، وأبو يعلى (6/ 3362 و 3462) .
والأخرى: عن عَبَّاد بن راشد عن قتادة عن أنس قال:
بينا أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل،
وسهيل ابن بيضاء، وأبي دجانة ـ حتى مالت رؤوسهم ـ ... الحديث نحوه، وفيه:
وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا ثم خرجنا إلى المسجد، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقرأ: " أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل(7/1419)
الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" إلى قوله: "فهل أنتم منتهون"؛ فقال رجل:
يا رسول الله! فما منزلة من مات منا وهو يشربها؟! فأنزل الله تعالى: "ليس على
الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ... " الآية.
فقال رجل لقتادة: سمعته من أنس بن مالك؟ قال: نعم، وقال رجل لأنس
ابن مالك: أنت سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قال: نعم، أو حدثني من لم يكذب،
والله! ما كنا نكذب، ولا ندري ما الكذب.
أخرجه ابن جرير (7/24 ـ 25) ، والبزار (3/351/2922) .
وإسناده حسن، وسكت عنه ابن كثير في «التفسير» (2/93- 94) ، وكذا
الحافظ في «الفتح» (8/279) ، وعزاه لابن مردويه فقط كشاهد للزيادة التي شك
فيها حماد في الطريق الأولى.
وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (2/ 321) لأبي الشيخ أيضاً.
2 - وأما حديث أبي هريرة؛ فيرويه أبو معشر عن أبي وهب عنه قال:
حرمت الخمر ثلاث مرات:
قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما؟ فأنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما
إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ... " إلى آخر الآية، فقال
الناس: ما حُرِّمَ علينا، إنما قال: "فيهما إثم كبيرة"!
وكانوا يشربون الخمر، حتى إذا كان يوم من الأيام؛ صلى رجل من المهاجرين
ـ أمَّ أصحابه في المغرب ـ خلط في قراءته، فأنزل الله فيها آية أغلظ منها: "يا أيها
الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون".(7/1420)
وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مُغْبِق (1) ؛ ثم أنزلت آية
أغلظ من ذلك: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"، فقالوا: انتهينا ربنا! فقال
الناس: يا رسول الله! ناس قتلوا في سبيل الله، أو ماتوا على فرشهم؛ كانوا يشربون
الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجساً ومن عمل الشيطان؟ فأنزل الله: "ليس
على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا ... "
إلى آخر الآية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
«لو حرمت عليهم؛ لتركوها كما تركتم» .
أخرجه أحمد (2/ 351- 352) .
قلت: وهو إسناد ضعيف؛ أبو وهب هذا لا يعرف.
وأبو معشر- واسمه نجيح-؛ ضعيف. وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد»
(5/51) :
«رواه أحمد، وأبو وهب مولى أبي هريرة لم يجرحه أحد ولم يوثقه، وأبو نجيح
ضعيف لسوء حفظه، وقد وثقه غير واحد» !
وسكت عنه الحافظ في «الفتح» (10/31) .
3- وأما حديث ابن عباس؛ فيرويه ربيعة بن كلثوم بن جبر عن أبيه عن
سعيد بن جبير عنه قال:
_________
(1) الأصل: (مغيق) وكذا في «المجمع» ! والتصحيح من «تفسير ابن كثير» .
وهو اسم فاعل من (الغبوق) ، وهو ما يشرب بالعشي.(7/1421)
نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتى إذا نهلوا؛ عبث
بعضهم ببعض، فلما صحوا؛ جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته،
فيقول: قد فعل بي هذا أخي- وكانوا إخوةً ليس بينهم ضغائن-! والله! لو كان
بي رؤوفاً رحيماً ما فعل بي هذا! فوقعت في قلوبهم الضغائن، فأنزل الله عز
وجل: " إنما الخمر والميسر" إلى قوله: "فهل أنتم منتهون".
فقال ناس: هي رجس، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر، وفلان قتل يوم
أحد؟! فأنزل الله عز وجل: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات".
أخرجه النسائي في «الكبرى» (11151) ، والحاكم (2/ 141- 142) ، والبيهقي
(8/ 285- 288) ، والطبراني في «الكبير» (12/ 56 ـ 57/12459) .
وصححه الحاكم، وقال الذهبي في «تلخيصه» :
«قلت: على شرط مسلم» .
وقال الهيثمي (7/18) :
«رواه الطبراني، ورجاله رجال (الصحيح) » .
قلت: وهو كما قالا؛ لكن في ربيعة بن كلثوم بن جبر وأبيه كلام يسير لا
ينزل به حديثهما عن مرتبة الحسن. وصححه الحافظ في «الفتح» (10/31) .
وقد تابعه سماك عن عكرمة عن ابن عباس بالشطر الأخير منه في نزول آية:
"ليس على الذين آمنوا ... ".
أخرجه الترمذي (3052) ، والحاكم (4/143) ، وا بن جرير (7/ 24) ، وأحمد
(1/295) . وقال الترمذي:(7/1422)
«حسن صحيح» ! وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد» ! ووافقه الذهبي، وكذا الحافظ، فقال في «الفتح»
(10/31) بعدما عزاه لأحمد:
«وسنده صحيح» !
وكل ذلك وهم؛ فإن الحافظ نفسه قال في «التقريب» :
«سماك بن حرب صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير
بأخرة، فكان ربما تلقن» .
4- وأما حديث البراء بن عازب؛ فيرويه إسرائيل وشعبة عن أبي إسحاق
عنه بالشطر الأخير المشار إليه آنفاً.
أخرجه الترمذي (3050، 3051) ، وابن حبان (5356 و 5357) ، والطيالسي
في «مسنده» (715) ، ومن طريقه: ابن أبي حاتم (رقم 6775) ، وأبو يعلى (1719-
1720) ، والرُّوياني (1/229/324) . وزاد أبو يعلى في رواية صحيحة إلى شعبة قال:
قلت: أسمعته من البراء؟ قال: لا.
وهذا معناه أنه دلس الواسطة بينه وبين البراء، فهو معلول بجهالة الواسطة.
وقد تجاهل هذا الأخ الداراني في تعليقه على «أبي يعلى» فقال:
«إسناده صحيح» !
وأكد تجاهله المذكور في تعليقه على «الموارد» ؛ فقال (4/340) :
«إسناده صحيح، شعبة قديم السماع من أبي إسحاق السبيعي..» ، ثم أخذ
في تخريجه باختصار على خلاف عادته؛ لأنه عزاه لأبي يعلى، وقال:(7/1423)
«وهناك استوفينا تخريجه» !
فلم يستفد من الإحالة عليه إلا تأكيداً لغفلته، وتغريراً بقرائه، والله المستعان!
نعم؛ الحديث صحيح بالشواهد التي قدمتها بين يديه.
5- وأما حديث جابر؛ فيرويه سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن
عبد الله يقول:
اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قُتلوا شهداء يوم أحد،
فقالت اليهود: فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم! فأنزل الله: "ليس
على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا".
رواه أبو بكر البزار في «مسنده» ، ثم قال:
«وهذا إسناد صحيح» ؛ كما في «تفسير ابن كثير» (2/95) ؛ وقال:
«وهو كما قال، ولكن في متنه غرابة» .
قلت: لعل وجهه أن البخاري أخرجه في «صحيحه» من طرق عن سفيان -وهو
ابن عيينة - دون جملة اليهود، وزاد في رواية له (4618) :
وذلك قبل تحريمها.
وإنما نقلته من «التفسير» ؛ لأني لم أره في «كشف الأستار عن زوائد البزار»
للهيثمي، ولا في «مختصره» للحافظ العسقلاني، وكنت أود الرجوع إلى أصله
«البحر الزخار» المعروف بـ «مسند البزار» ، وقد صدر منه حتى الآن ثمانية أجزاء،
ليس فيها مسند جابر رضي الله عنه، وقد عزاه إليه الحافظ أيضاً في «الفتح»
(8/279) ! والله سبحانه وتعالى أعلم. *(7/1424)
3487 ـ لما انتهيْنا إلى بيْتِ المقْدِس؛ قال جبريلُ بإصبعهِ فخرجَ
به الحَجَر، وشدّ به البُراق) .
أخرجه الترمذي (3132) ، وا بن حبان (34- موارد) ، والحاكم (2/ 360) من طريق أبي تُمَيْلة عن الزبير بن جنادة عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأبو تميلة، والزبير؛ مروزيان ثقتان» .
ووافقه الذهبي.
وأما الترمذي؛ فقال:
«حسن غريب» . ولم ترد كلمة: «حسن» في بعض النسخ منه، ولا ذكرها
المزي في «التحفة» .
(تنبيه) : كنت ضعفت الحديث في بعض التعليقات القديمة، ولما قسمت
السنن الأربعة إلى قسمين «الصحيح» و «الضعيف» ، ومنها «سنن الترمذي» ؛
اقتضاني إعادة النظر في بعض أحاديثه ومنها هذا، فثبتت لي صحته، وأن قول
الذهبي في (الزبير بن جنادة) من «المغني» :
«فيه جهالة» ! وإشارته إلى تمريض توثيق ابن حبان بقوله في ترجمته من
«الكاشف» :
«وثق» ! ومثله قول الحافظ في «التقريب» :
«مقبول» ! أن ذلك كله مرجوح عندي لتوثيق ابن معين للزبير هذا، وبخاصة
لما رأيت الذهبي نفسه قد خطأ من قال: «فيه جهالة» ؛ يعني: ابن الجوزي، فكأنه
كان اتبعه في قوله هذا، فلما تبين له خطؤه رجع عنه؛ فكأنه أصابه ما أصابني!(7/1425)
ولذلك بادرت يومئذ إلى تدارك الخطأ في تحقيقي الثاني على «مشكاة المصابيح»
أداةً للأمانة العلمية، ثم أكدت ذلك في مقدمتي لكتابي الحديث «صحيح موارد
الظمآن» ، وهو تحت الطبع؛ يسر الله إتمامه ونشره بمنه وكرمه. *
3488 ـ (كان يصلِّي الهَجِيرَ (1) ، ثمّ يصلِّي بعدَها ركعتَينِ، ثم يصلِّي
العصْرَ، ثم يصلِّي بعدَها ركعتَينِ) .
أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسند عائشة» (3/894/031 1) ، ومن طريقه:
السَّرَّاج في «مسنده» (ق 131/2) قال إسحاق: أخبرنا عبيد الله (زاد السراج: ابن
موسى، والنضر بن شميل، قالا:) نا إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه قال:
سألت عائشة عن صلاة رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف كان يصلي؟ فقالت: ...
فذكره. قلت: فقد كان عمر يضرب عليهما، وينهى عنهما؟! فقالت:
كان عمر رضي الله عنه يصليهما، وقد علم أن رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصليهما،
ولكن قومك أهل اليمن قوم طَغَام، يصلون الظهر، ثم يصلون ما بين الظهر والعصر، ويصلون العصر، ثم يصلون ما بين العصر والمغرب (2) ، فضربهم عمر، وقد أحسن.
قلت: وهذا إسناد صحيح عزيز، رجاله كلهم ثقات رجاله الشيخين؛ غير المقدام بن شريح عن أبيه، وهما ثقتان من رجال مسلم.
وقد أخرجه أحمد (6/145) ، والطحاوي، وابن حبان من وجه آخر عن
المقدام به مختصراً قال:
سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر؟ فقالت:
_________
(1) أراد صلاة الظهر؛ بحذف المضاف.
(2) الأصل: (الظهر والعصر) ! وهو خطأ ظاهر، لعله طبعي، والتصحيح من «السراج» .(7/1426)
صلِّ! إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومك أهل اليمن عن الصلاة إذا طلعت
الشمس. انظر «صحيح الموارد» (625) .
ثم روى أحمد (6/254) طرفاً آخر منه. ومن وجه آخر عن إسرائيل به، وهو صلاته ركعتي الهجير.
وفي قول عائشة الموقوف فائدة عزيزة لم يذكرها الحافظ في «فتح الباري» ، وهي
أن عمر رضي الله عنه لم ينه عن الركعتين بعد العصر إنكاراً لشرعيتهما، وإنما من باب سد الذريعة، وخشية أن يصلوها في وقت التحريم، وهو عند غروب الشمس. وقد جاء ما يشهد له من رواية تميم الداري، وزيد بن خالد الجهني، وقد سكت عنهما الحافظ في «الفتح» (2/65) ، وحسن إسناد زيد: الهيثميُّ؛ كما يأتي.
أما حديث تميم؛ فيرويه هشام بن عروة عن أبيه قال:
خرج عمر على الناس يضربهم على السجدتين بعد العصر، حتى مربـ (تميم
الداري) ، فقال:
لا أدعهما، صليتها مع من هو خير منك؛ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!
فقال عمر: إن الناس لو كانوا كهيئتك لم أبالِ.
أخرجه أحمد (4/101) بإسناد رجاله ثقات رجال الشيخين. لكن قال
الهيثمي (2/222) :
«وعروة لم يسمع من عمر» .
لكن رواه عبد الله بن صالح: حدثني الليث عن أبي الأسود عن عروة بن
الزبير أنه قال: أخبرني تميم الداري - أو أخبرت-:(7/1427)
أن تميماً الداري ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطاب عن الصلاة بعد
العصر، فأتاه عمر، فضربه بالدَّرَّة، فأشار إليه تميم: أن اجلس، وهو في صلاته،
فجلس عمر حتى فرغ تميم، فقال لعمر: لم ضربتني؟! قال: لأنك ركعت هاتين
الركعتين؛ وقد نهيت عنهما، قال: ... (فذكره، وزاد) فقال عمر:
إني ليس بي إياكم أيها الرهط! ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون بعد
العصر إلى المغرب؛ حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصلوا فيها، كما
يصلون بين الظهر والعصر، ثم يقولون: قد رأينا فلاناً وفلاناً يصلون بعد العصر!
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/48/ 281 1) ، و «الأوسط» (8/296/8684 - الحرمين) ، وقال:
«لا يروى عن تميم إلا بهذا الإسناد، تفرد به الليث» .
قلت: هو ومن فوقه ثقات رجال الشيخين، فهو إسناد صحيح إن سلم من
الانقطاع، ومن ضعف في ابن صالح - وهو كاتب الليث-.
وبه أعله الهيثمي، فقال بعدما عزاه لـ «المعجمين» :
«وفيه عبد الله بن صالح، قال فيه عبد الملك بن شعيب: «ثقة مأمون» ،
وضعفه أحمد وغيره» .
وأما حديث زيد بن خالد الجهني؛ فيرويه أبو سعد الأعمى عن رجل يقال
له: السائب مولى الفارسيين عنه:
أنه رآه عمر بن الخطاب - وهو خليفة- ركع بعد العصر ركعتين، فمشى إليه
فضربه بالدرة، وهو يصلي كما هو، فلما انصرف قال زيد: اضرب يا أمير المؤمنين!(7/1428)
فو الله! لا أدعهما أبداً بعد إذ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما، قال: فجلس إليه
عمر، وقال:
يا زيد! لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سُلَّماً إلى الصلاة حتى الليل؛ لم
أضرب فيهما.
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (2/ 431- 432) - والسياق له-، وعنه وعن
غيره: أحمد (4/115) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (5/260/5166 و 67 51) .
وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد والطبراني:
«وإسناده حسن» .
قلت: أبو سعد الأعمى لم يوثقه أحد ولا ابن حبان، ولذلك قال الحافظ في
«التقريب» :
«مجهول» .
فلعل الهيثمي يعني أنه حسن لغيره بالنظر إلى ما تقدم. والله أعلم.
هذا.. وقد روي عن عائشة ما يخالف استحسانها المتقدم، وهو ما رواه المغيرة
عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أنها قالت:
أتضرب عليهما؟! ما دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط إلا صلاهما.
أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (3/52/ 1570- الإحسان) من طريق خالد
ابن عبد الله عن المغيرة به.
قلت: ورجاله كلهم ثقات.
وقد خالفه جرير فقال: عن مغيرة به دون جملة الضرب.(7/1429)
أخرجه النسائي (1/67) .
ورجاله ثقات أيضاً.
وخالفهما في إسناده إسرائيل فقال: عن المغيرة عن أم موسى قالت:
سألت عائشة عن الركعتين بعد العصر؟ فقالت:
ما أتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم؛ إلا صلى بعد العصر ركعتين.
أخرجه أحمد (6/109) .
قلت: فهذا هو المحفوظ في حديث عائشة من طرق عنها، دون جملة الضرب،
فإن كانت محفوظة في طريق خالد عن المغيرة؛ فالعلة منه؛ وهو المغيرة بن مقسم
الضبي؛ فإنه كان يدلس وبخاصة عن إبراهيم؛ كما في «التقريب» .
وإبراهيم- وهو ابن يزيد النخعي- لا يحتمل مثل هذا الشذوذ والمخالفة.
وتخريج ابن حبان لـ (المغيرة) هذا الحديث بخاصة، وأحاديث أخرى له
بعامة: مما ينافي شرطه الخامس الذي وضعه في مقدمة «صحيحه» لأحاديثه، وهو
أن يتعرى الخبر عن التدليس! لأن (المغيرة) هذا مدلس عنده أيضاً! بل هو قد
أخل بسائر شروطه، كما حققته في مقدمتي لـ «صحيح الموارد» ، و «ضعيف الموارد» ؛ فلتراجع فإنها هامة جدّاً. *
3489 ـ (لَتَنهكُنَّ الأصابعَ بالطَّهور؛ أو لَتَنْهَكَنَّها النّارُ) .
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/122 /2674) : حدثنا إبراهيم
قال: نا شيبان بن فَرُّوخ قال: نا أبو عوانة عن أبي مسكين عن هُزَيل بن شُرَحْبيل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:(7/1430)
«لم يروه عن أبي عوانة إلا شيبان» .
قلت: وهما ثقتان، أبو عوانة: هو الوضاح اليشكري؛ ثقة ثبت من رجال
الشيخين.
وشيبان بن فروخ؛ من رجال مسلم، وفيه كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة
الحسن، ولذلك قال الحافظ:
«صدوق يهم» .
وسائر الرواة ثقات: أما هزيل بن شرحبيل؛ فثقة من رجال البخاري. وأما أبو
مسكين؛ فهو حُرّ بن مسكين؛ فقال ابن معين:
«ثقة»
وقال أبو حاتم:
«لا بأس به» .
وذكره ابن حبان في «الثقات» (6/239) .
وخفي حاله على الحافظ، فلم يذكر في ترجمته من «التهذيب» إلا ما ذكره
ابن حبان، ففاته أنه روى عنه جماعة من الثقات، وتوثيق ابن معين وأبي حاتم
إياه! ولذلك قال في «التقريب» :
«مقبول» !
فتنبه.
وأما إبراهيم شيخ الطبراني؛ فهو: إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي، وثقه
الدارقطني؛ كما في «تاريخ بغداد» .(7/1431)
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/236) :
«رواه الطبراني في «الأوسط» ، ووقفه في «الكبير» على ابن مسعود؛ وإسناده
حسن» !
فأقول: إسناد «الكبير» صحيح؛ فإنه أخرجه (9/ 282/ 1 921 و 2 921) من طريق الثوري وزائدة عن أبي مسكين به موقوفاً؛ ولكنه في معنى المرفوع فلا يعل
به المرفوع، كما هو ظاهر.
ثم رأيت ما تقدم عن الهيثمي قد ذكره المنذري في «الترغيب» (1/103/4) ،
بل ظننت أنه تابع له، إلا أنه زاد عليه؛ فقال:
«وفي رواية له في «الكبير» موقوفة: قال:
خللوا الأصابع الخمس؛ لا يحشوها الله ناراً» .
قلت: أخرجه الطبراني (9213) من طريق طلحة بن مُصَرِّف قال: حُدِّثتُ
عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ... فذكره.
ورجاله ثقات؛ غير الرجل الذي لم يسم. ثم قال المنذري:
«قوله: «لتنتهكنها» ؛ أي: لتبالغن في غسلها، أو لتبالغن النار في إحراقها.
و (النهك) : المبالغة في كل شيء» .
وتفسير (النهك) بما ذكر معروف، لكنه لا يتناسب مع اللفظ الذي وقع عنده
في الحديث، ولذلك تعقبه الحافظ الناجي بقوله في «عجالته» (ص 42) :
«قوله: «لتنتهكن الأصابع بالطهور، أو لتنتهكنها النار» ، وتفسيره لذلك -
بزيادة تاء وكسر الهاء - من (الانتهاك) ليس مراداً هنا قطعاً.(7/1432)
ثم قوله: «والنهك: المبالغة في كل شيء» تناقض عجيب وتصحيف! وقد
رأيته في الحديث المذكور كذلك في «مجمع الزوائد» للهيثمي! ولعله قلده أو وقع
كذلك في نسختهما بالأصل، وليس كذلك بلا إشكال. وإنما هو: «لتنهكن» ،
أو: «لَتَنهَكَنَّها» بلا تاء أخرى وبفتح الهاء، مأخوذة من (النَّهك) الذي ذكره بعد.
وهكذا ذكره أهل اللغة والغريب بلا نزاع بينهم. وقد أعاد المصنف في «الجهاد
والترغيب في الشهادة» تفسير (النهك) ، ووقع له وهم في ضبط قوله: «انهكوا» ،
أشبعنا الكلام عليه هناك؛ والله المستعان» .
قلت: ومن الغرائب تتابع كثير من المصادر على هذا التصحيف؛ غير «الترغيب» و «المجمع» ؛ فإنه كذلك وقع في مصدر الحديث «المعجم الأوسط» في الموضع المشار إليه
آنفاً، وأعني طبعة الحرمين، وكذلك هو في طبعة المعارف (2695) ، وفي النسخة
المصورة التي عندي منه (1/1150/2832) بترقيمي لكن بالمثناة من تحت:
«لينتهكن» أو: «لينتهكنها» ، وهكذا هو في الرواية الموقوفة في «المعجم الكبير» .
لكنه على الصواب وقع في «مجمع البحرين» (1/340 - تحقيق عبد القدوس
نذير) ، وكذلك في نسخة مخطوطة من «الترغيب» أشار إليها في الهامش المعلقون
الثلاثة، ورمزوا إليها بحرف (ب) ، ولكنهم- لجهلهم- لم يتبنوها، فأثبتوا اللفظ
المحرف؛ تقليداً لما في «مجمع الزوائد» !
(تنبيه) : كنت منذ نحو أربعين سنة- وقبل تحصيلي على كتاب ابن أبي حاتم
«الجرح والتعديل» - ذهبت إلى تضعيف حديث الترجمة، مستنداً على ما جاء في
كتاب «تهذيب الحافظ» و «التقريب» مما تقدمت الإشارة إليه، ولذلك؛ لم أودعه
في الطبعات السابقة من كتابي «صحيح الترغيب والترهيب» . والآن ونحن في
صدد إعادة النظر في بعض كراريس قسيمه «ضعيف الترغيب» ، والتحقيق في(7/1433)
ضبط الكلمة التي وقع فيها التصحيف من الحديث؛ وجدت في «التعليق
الرغيب» ما حفزني إلى إعادة النظر في سنده، فانكشف لي تقصير الحافظ في
ترجمة (أبي مسكين) الراوي له، وأنه ليس مجهولاً؛ كما كنت استلزمت ذلك
عنه، بل هو ثقة؛ كما قدمت.
وكان قد انضم إلى التقصير المذكور ما كنت نقلته في «التعليق الرغيب» عن
ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: «حديث منكر» ؛ فربطت يومئذ بين هذا، وبين
مستندي المذكور، فظننت أن النكارة سببها الجهالة، الأمر الذي دعمت به التضعيف.
والآن؛ فقد تبين لي شيء جديد يدعم صحة الحديث، ويخالف النكارة
المدعاة، ذلك أن ابن أبي حاتم قد ساق إسناد الحديث من طريق آخر غير طريق
شيبان المتقدم، فذكر في «العلل» (1/ 70/176) أنه سأل أباه عن حديث رواه يزيد
ابن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري عن أبي مسكين ... به مرفوعاً؟ فقال:
«سمعت أبي يقول: رفعه منكر» .
فتبين لي بهذا التخريج، ومقابلة هذا الطريق بما تقدم: أن علة النكارة عنده
ليست الجهالة؛ كما ظننت يومئذٍ، وإنما المخالفة. وكأن أبا حاتم يشير إلى ما قدمته
من طريقي الثوري وزائدة عن أبي مسكين ... موقوفاً، وأتبعتهما بقولي: «إنه لا
مخالفة بين المرفوع والموقوف» .
والآن - وبعد وقوفي علي هذا الطريق الآخر - قد ازددت ثقة بصحة المرفوع،
وأنه لا وجه لإعلاله بالنكارة؛ لهذه المتابعة القوية من الثوري لأبي عوانة؛ فإن
الذي رفعه عن الثوري - زيد بن أبي الزرقاء- ثقة بلا خلاف، بل إن له خصوصية
قلما تذكر في غيره من الرواة عن سفيان؛ وقد كان عنده «جامع سفيان» ، فهو من
أعرف الناس به، وأحفظ الناس لحديثه، يضاف إلى ذلك قول أحمد بن أبي رافع:(7/1434)
«كان زيد يُلقي ما في الحديث من غلط وشك، ويحدث بما لا شك فيه» ؛
كما في ترجمته من «التهذيبين» .
(فائدة) : (الطُّهور) بالضم: التطهر، وبالفتح: الماء الذي يتطهر به كـ (الوُضوء)
و (الوَضوء) ، و (السُّحور) و (السَّحور) : «نهاية» . *
3490 - (لا آمرُ أحَداً أنْ يسجُدَ لأحَدٍ، ولو أمرْتُ أحداً أنْ يسجُدَ
لأحدٍ؛ لأمرتُ المرأةَ أن تسْجدَ لزوجِها) .
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/356/12003) : حدثنا العباس
ابن الفضل الأسفاطي: ثنا أبو عون الزِّيَادي: ثنا أبو عَزَّة الدَّبَّاغ عن أبي يزيد
المديني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن رجلاً من الأنصار كان له فحلان؛ فاغتلما فأدخلهما حائطاً، فسدَّ عليهما
الباب، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأراد أن يدعو له، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد ومعه نفر من
الأنصار، فقال: يا نبيَّ الله! إني جئت في حاجة، وإن فحلين لي اغتلما،
فأدخلتهما حائطاً، وسددت الباب عليهما، فأحب أن تدعو لي أن يسخِّرهما الله
لي! فقال لأصحابه:
«قوموا معنا» .
فذهب حتى أتى الباب، فقال:
«افتح» .
ففتح الباب؛ فإذا أحد الفحلين قريب من الباب، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد
له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:(7/1435)
«ائتني بشيء أشد به رأسه، وأمكنك منه» .
فجاء بخِطام، فشد به رأسه وأمكنه منه.
ثم مشيا إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر، فلما رآه؛ وقع له ساجداً، فقال
للرجل:
«ائتني بشيء أشد به رأسه» .
فشد رأسه، وأمكنه منه، وقال:
«اذهب؛ فإنهما لا يعصيانك» .
فلما رأى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك «قالوا: يا رسول الله! هذان فحلان لا
يعقلان سجدا لك؛ أفلا نسجد لك؟ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون، وإليك البيان:
1 - عكرمة - وهو مولى ابن عباس-؛ ثقة ثبت من رجال الشيخين، أشهر من
أن يذكر.
2 - أبو يزيد المديني؛ ثقة روى له البخاري؛ كما في «الكاشف» . وأما قول
الحافظ فيه:
«مقبول» !
فهو مرفوض! كيف لا وقد وثقه ابن معين وأحمد، وروى له البخاري؟!
3- أبو عَزَّة الدباغ، اسمه الحكم بن طهمان، وهو ثقة، وثقه جماعة منهم
ابن حبان. انظر «تيسير الانتفاع» .(7/1436)
4- أبو عون الزيادي؛ اسمه محمد بن عون، وثقه أبو حاتم، وكذا أبو زرعة
بروايته عنه.
5 - العباس بن الفضل الأسفاطي؛ لم يذكر السمعاني هذه النسبة، واستدركها
عليه ابن الأثير في «لبابه» ، وقال:
«هذه النسبة إلى بيع (الأسفاط) (1) وعملها» .
ثم ذكر هذا الشيخ العباس، ثم قال:
«سمع أبا الوليد الطيالسي، وعلي بن المديني، وغيرهما. روى عنه أبو القاسم
الطبراني» .
قلت: وسمع منه أحمد بن عبيد في إسناد آخر للبيهقي في «السنن الكبرى»
(8/65) ؛ فأرى أنه من شيوخ الطبراني المستورين؛ فقد روى له في «المعجم الأوسط»
اثنين وعشرين حديثاً، وثلاثة أخرى في «مسند الشاميين» ، وكلها معروفة المتون،
وإن كان بعض أسانيدها لا تخلو من ضعف أو علة، فلا تُعصب به، ثم الله أعلم
بعدد ما روى له من الأحاديث في «المعجم الكبير» غير هذا، والغالب على الظن
أنها أكثر بكثير، ولهذا؛ فقد اطمأننت لثبوت حديثه هذا؛ لا سيما وله شواهد:
منها عن أبي هريرة عند ابن حبان نحوه بسند حسن، وهو مخرج في «الإرواء»
(7/54) ، وعن أنس عند أحمد، جود إسناده المنذري في «الترغيب» (3/75) .
ثم رأيت للأسفاطي متابعاً لا بأس به في الشواهد على الأقل، يقوي ما
ذكرت فيه آنفاً؛ فقد ساق حديثه الحافظ ابن كثير في «البداية» (6/136) برواية
الطبراني، وعقب عليهما بقوله:
_________
(1) جمع (السفَط) محركة: كالجوالق أو كالقفة: «قاموس» .(7/1437)
«هذا إسناد غريب، ومتن غريب» !
كذا قال! أما الإسناد؛ فالظاهر أنه لم يعرف بعض رجاله؛ مثل (الزيادي)
و (الدباغ) ؛ فإنهما ليسا من رجال «التهذيب» .
وأما المتن؛ فما وجه الغرابة فيه مع وجود الشاهدين اللذين أشرت إليهما آنفا؟!
ثم قال الحافظ ابن كثير:
«ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتابه «دلائل النبوة» عن أحمد
ابن حمدان الحيري (الأصل: السحري) عن عمر بن محمد بن بجير البجيري
(الأصل: البحتري!) عن بشر بن آدم عن محمد بن عون أبي عون الزيادي به.
وقد رواه أيضاً من طريق مكي بن إبراهيم عن فائد أبي الورقاء عن عبد الله بن أبي
أوفى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو ما تقدم عن ابن عباس» .
قلت: أبو الورقاء هذا متروك؛ فلا يستشهد به، وحديثه عند أبي نعيم في
«دلائل النبوة» (ص 329) .
والشاهد من قول الحافظ: رواية بشر بن آدم - وهو البصري-؛ قال الحافظ
العسقلاني:
«صدوق فيه لين» .
فهو شاهد قوي لحديث شيخ الطبراني العباس بن الفضل الأسفاطي، ودليل
على أنه قد حفظه، فلا وجه لاستغراب إسناده ومتنه، وبخاصة وقد شهد له ما
تقدمت الإشارة إليه. والله أعلم.
ثم وجدت له شاهداً ثالثاً قوياً، يرويه عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني
سلمة - ثقة- عن جابر بن عبد الله:(7/1438)
أن ناضحاً لبعض بني سلمة اغتلم فصال عليهم ... الحديث نحوه وفيه:
فقالوا: سجد لك يا رسول الله حين رآك! فقال:
«لا تقولوا ذلك لي، لا تقولوا ما لم أبلغ، فلعمري ما سجد لي؛ ولكن الله عز
وجل سخَّره لي» .
أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (6/28) .
قلت: ورجال إسناده كلهم ثقات، فهو إسناد جيد؛ على الخلاف المعروف في
توثيق من لم يسم، وهو الرجل من بني سلمة. ولكنه - على كل حال- تابعي،
ومن قبيلة جابر بن عبد الله الأنصاري السَّلمي، فالنفس تطمئن لرواية مثله، لا
سيما في الشواهد والمتابعات. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم دلّني بعض الأخوة - جزاه الله خيراً - على ما يزيدني اطمئناناً لما ذهبت
إليه من الوثوق بحديث (العباس الأسفاطي) ، وهو أن الدارقطني قال في «سؤالات
الحاكم له» (ص 129) :
«صد وق» .
فالحمد الله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله! *
3491 - (يا أبا ذرّ! ما أحبُّ أنّ لي أُحُداً ذهَباً وفضّة أُنفقُه في سبيلِ اللهِ؛ أموتُ يومَ أموتُ فأدعُ منه قِيراطاً، قلتُ: يا رسولَ اللهِ! قِنطاراً؟ قالَ: يا أبا ذرّ! أَذهبُ إلى الأقلِّ وتذهبُ إلى الأكثَر؟! أريد الآخرة وتريد الدنيا؟! قيراطاً؛ فأعادها عليَّ ثلاث مرات) .
قلت: هو من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في بعض الروايات، وله
بهذا التمام طريقان:(7/1439)
الأولى: عن سعيد بن كثير المدني قال: حدثني كلثوم بن جبر وموسى- ولم
ينسبه- أنهما سمعا عبيد الله بن عباس قال:
قال لي أبو ذر: يا ابن أخي! كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذاً بيده، فقال: ...
فذكره.
أخرجه البزار في «مسنده» (9/342/3899) ، (4/252/ 3657- كشف
الأستار) ، (2/492/2277 - مختصر الزوائد) من طريق سعيد بن كثير المدني،
قال: ... فذكره. وقال البزار:
«قد روي عن أبي ذر من غير وجه، ولا نعلم روى عبيد الله بن عباس عن
أبي ذر إلا هذا الحديث» .
قلت: وهذا إسناد مشكل؛ فإني لم أجد لسعيد بن كثير المدني ترجمةً في
شيء من كتب الرجال التي عندي، حتى ولا في «ثقات ابن حبان» ، ولعل
نسبة: (المدني) محرفة من: (الملائي) ؛ فإنه من هذه الطبقة، وهو ثقة. ولعله
لذلك قال المنذري في «الترغيب» (2/43/23) :
«رواه البزار بإسناد حسن» .
وكذا قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/239) .
وأشكل منه أن عبيد الله بن عباس لم يذكروا له رواية عن أبي ذر، وإنما ذكروا
أخاه عبد الله بن عباس، فلعله لذلك جعله المنذري عبد الله بن عباس! لكن
الحديث هنا - كما ترى- إنما هو من رواية كلثوم بن جبر وموسى - معاً-؛ ولم يذكروا
أحداً منهما في الرواة عن عبد الله بن عباس، بل ذكر الحافظ المزي في ترجمة
موسى بن جبر أنه:(7/1440)
«روى عن عبيد الله بن عباس، وقيل: عن عباس بن عبيد الله بن عباس،
وهو الصحيح» .
وتبناه الحافظ ابن حجر في «تهذيبه» ؛ فذكره في شيوخه، وإذا كان الأمر
كذلك؛ فهو يعني: أنه سقط من الناسخ أو بعض الرواة، فهو: عباس بن عبيد الله
ابن عباس.
وله حديث آخر من روايته عن الفضل بن عباس؛ وأعلوه بالانقطاع، وهو
مخرج في «ضعيف أبي داود» برقم (114) . وأما إعلال ابن القطان إياه بقوله: «لا
يعرف حاله» ، ونحوه قول الحافظ فيه: «مقبول» ؛ فهو مردود، ومستدرك برواية
أربعة من الثقات عنه، وذكر ابن حبان إياه في «الثقات» (5/258) .
ونحوه موسى - وهو ابن جبر الأنصاري-؛ فقد قال فيه ابن القطان أيضاً: «لا
يعرف حاله» ، وقال الحافظ:
«مستور» ! مع أنه قد روى عنه جمع كبير من الثقات، لكن قال ابن حبان
في «ثقاته» :
«ثقة يخطئ» ! وهذا لا يضره، فهو وسط؛ لا سيما وقرينه كلثوم بن جبر أخرج
له مسلم ووثقه جمع، فالإسناد حسن؛ كما تقدم عن المنذري والهيثمي، إن كان
سعيد بن كثير المدني هو الملائي.
ومهما يكن من أمر؛ فهو قوي بالطريق الآتية، وهي:
الثانية: ما يرويه محمد بن فضيل قال: حدثنا سالم بن أبي حفصة وأبو منصور
الجهني عن زيد بن وهب عن أبي ذر ... فذكره نحوه ولفظه: قال: قال رسول الله:(7/1441)
«أي جبل هذا؟» ، قلت: أحد. قال:
«والذي نفسي بيده! ما يسرني أنه لي ذهباً قطعاً أنفقه في سبيل الله؛ أدخر
منه قيراطاً» ، قال: قلت: قنطاراً؟ قال:
«قيراطاً» . قال: قلت: قنطاراً؟ قال:
«قيراطاً» . قال: قلت: قنطارا؟ قال مراراً، فقال: «إنما أقول الذي هو أقل، ولا
أقول الذي هو أكثر» .
أخرجه أحمد (5/149) ، وابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» (مسند ابن
عباس) (ص 247/ 407) ، والطبراني في «المعجم الأوسط» (3/284/3159) .
قلت: وهذا إسناد صحيح؛ لأن أبا منصور الجهني ـ واسمه ميمون ـ؛ ثقة؛
كما قال ابن معين، ولا يضره ضعف سالم بن أبي حفصة؛ فإنه مقرون.
والحديث مخرج في «الصحيحين» وغيرهما أتم منه، دون قول أبي ذر: قلت:
يا رسول الله! قنطاراً ... إلخ.
وهو مخرَّج في الباب السادس من كتاب (24- كتاب التوبة والزهد) من
«صحيح الترغيب» . *
3492 ـ (أمّا إبراهيمُ؛ فانْظُروا إلى صاحِبكم، وأمّا مُوسى؛ فرجُلٌ
آدمُ جعْدٌ على جَمَل أحمر مخطومٍ بخُلْبةٍ، كأنِّي أنظرُ إليه إذا انحدرَ
في الوادي يُلبّي)
أخرجه البخاري (3355 و 5913) ، ومسلم (1/106) ، والبيهقي (5/176) ، وأحمد (1/277) عن مجاهد قال:(7/1442)
كنا عند ابن عباس رضي الله عنهما، فذكروا الدجال، فقال:
إنه مكتوب بين عينيه: كافر. قال: فقال ابن عباس:
لم أسمعه قال ذاك، ولكنه قال: ... فذكره.
(تنبيه) : أورد الحديث السيوطي برواية أحمد والشيخين عن ابن عباس بشيء
من التقديم والتأخير لا يوافق سياق أحدهم. *
3493 - (أمّا أولُ أشْراطِ السّاعةِ؛ فنارٌ تخرجُ من المشْرقِ، فتحشرُ
النّاسَ إلى المغربِ، وأمّا أوّلُ ما يأْكلُ منه أهْلُ الجنّة؛ زيادةُ كبِدِ
الحوتِ، وأمّا شَبَهُ الولَد أباهُ وأمَّه؛ فإذا سبقَ ماءُ الرجُل ماءَ المرأةِ؛ نزعَ
إليه الولدُ، وإذا سبقَ ماءُ المرأةِ ماءَ الرجُل؛ نزعَ إليها) .
أخرجه أحمد (3/108) قال: ثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس:
أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدمه المدينة، فقال:
يا رسول الله! إني سائلك عن ثلاث خصال، لا يعلمهن إلا نبي؟ قال:
«سَلْ» .
قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل منه أهل الجنة؟ ومن أين يشبه
الولد أباه وأمه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«أخبرني بهن جبريل عليه السلام آنفاً» .
قال: ذلك عدو اليهود من الملائكة! قال: ... فذكر الحديث. قال: أشهد أن
لا إله إلا الله، وأنك رسول الله؛ وقال: يا رسول الله! إن اليهود قوم بُهُتٌ، وإنهم
إن يعلموا بإسلامي يبهتوني عندك، فأرسل إليهم، فاسألهم عني: أي رجل ابن(7/1443)
سلام فيكم؟ قال: فأرسل إليهم، فقال:
«أي رَجُلٍ عبد الله بن سلام فيكم؟» .
قالوا: خيرنا وا بن خيرنا، وعالمنا وا بن عالمنا، وأفقهنا. قال:
«أرأيتم إن أسلم تسلمون؟» .
قالوا: أعاذه الله من ذلك! قال:
فخرج ابن سلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
قالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا.
فقال ابن سلام: هذا الذي كنت أتخوف منه!
قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين.
وقد أخرجه البخاري (3329 و 3938 و4480) ، والنسائي في «السنن الكبرى»
(5/338/9074) ، وابن حبان (9/146/7117) ، وأحمد أيضاً (3/189 و271)
من طرق أخرى عن حميد به.
وتابعه ثابت عن أنس.
أخرجه ابن حبان (7380) . *
3494 ـ (أمّا بعدُ: فو الله! إنِّي لأعْطي الرجُلَ و [أدعُ الرجلَ] ،
والذي أدعُ أَحَبُّ إليَّ من الذي أعطي، ولكنْ أُعْطي أقواماً لِما أرى
في قلوبهم من الجَزَع والهلَعِ، وأَكِلُ أقواماً إلى ما جَعَل اللهُ في قلوبهم
من الغنَى والخير، منهم: عمرو بنُ تغْلب) .
أخرجه البخاري (923 و3145 و 7535) ، والطيالسي رقم (1170) ، وأحمد(7/1444)
(5/69) كلهم من طريق الحسن يقول: حدثنا عمرو بن تغلب:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتيَ بمال- أو سَبْي - فقسمه، فأعطى رجالاً وترك رجالاً،
فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: ... فذكر الحديث.
قال عمرو: فو الله! ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ النَّعَمْ!
والزيادة بين المعكوفتين رواية للبخاري. *
3495 - (أمّا قطْعُ السّبيل؛ فإنّه لا يأْتي عليك إلا قليلٌ حتّى تخرجَ
العيرُ إلى مكةَ بغير خَفيرٍ.
وأمّا العَيلةُ؛ فإن السّاعةَ لا تقومُ حتّى يطوفَ أحدُكم بصدَقته؛ لا
يجدُ من يقبلُها منه، ثم لَيَقِفَنَّ أحدُكم بين يديِ اللهِ ليس بينَه وبينَه
حجابٌ ولا تُرجُمان يترجمُ له، ثم ليقولنّ له:
أَلم أُوتكَ مالاً؟! فليقولنَّ: بلى. ثمّ ليقولنّ:
ألمْ أرْسل إليكَ رسُولاً؟! فليقولَنّ: بلى. فينظرُ عن يمينه؛ فلا يرى
إلا النّار، ثم ينظرُ عن شِمالِه؛ فلا يرى إلا النّار.
فلْيَتقيَنَّ أحدُكم النّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ، فإنْ لم يجدْ؛ فبكلمةٍ طيّبةٍ) .
أخرجه البخاري (1413) ، وا بن حبان (7330) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (17/94/224) كلهم من طريق مُحِل بن خليفة الطائي قال: سمعت عدي بن
حاتم رضي الله عنه يقول:
كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءه رجلان: أحدهما يشكو العيلة، والآخر
يشكو قطع السبيل! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. *(7/1445)
3496- (إن تَطعنوا في إمارتِه - يريدُ أسامةَ بنَ زيدٍ-؛ فقدْ طعنتُم في
إمارةِ أبيه من قبْلِه، وايْمُ اللهِ! إنّ كان لَخليقاً لها، وايم اللهِ! إنْ كان لأحبَّ
الناسِ إليَّ، وايمُ اللهِ! إنّ هذا لَخليقاً لها- يريد أسامةَ بن زيدٍ- وايْمُ اللهِ!
إنْ كان لأحبَّهم إليَّ من بعدِه؛ فأُوصِيكم به؛ فإنه من صَالحيكم) .
أخرجه مسلم (7/ 131) ، وابن سعد (4/66) ، وأحمد (2/89 و 106) من
طريق سالم عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر: ... فذكره.
وتابعه عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر به، دون قوله في آخره:
«فأوصيكم به ... » .
أخرجه البخاري (3730 و4250 و 4469 و 6627 و7187) ، ومسلم (7/131) ، وابن حبان (7004 و 7019) ، والترمذي (3816) - وصححه-، وابن سعد (4/65) ، والبيهقي (3/128 و 8/154 و 10/44) ، وأحمد (2/10 و 110) كلهم من طريق عبد الله بن دينار به. *
3497- (إنْ يَعشْ هذا الغلامُ؛ فعسَى أنْ لا يدركَه الهَرَمُ حتّى
تَقومَ السّاعةُ) .
ثبت من حديث أنس، وعائشة.
أما حديث أنس؛ فله طرق:
الأولى: عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك:
أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار
ـ يقال له: محمد ـ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.(7/1446)
أخرجه مسلم (8/209) ، وأحمد (3/228 و 269) .
الثانية: عن قتادة عن أنس:
أن رجلاً من أهل البادية أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! متى الساعة
قائمة؟ قال:
«ويلك! وما أعددت لها؟!» . قال: ما أعددت لها؛ إلا أني أحب الله
ورسوله. قال:
«إنك مع من أحببت» .
فقلنا: ونحن كذلك؟ قال:
«نعم» . ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً، فمر غلام للمغيرة- وكان من أقراني- فقال:
«إن أُخِّر هذا؛ فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» .
أخرجه البخاري (6167) ، ومسلم، وأحمد (3/192) .
الثالثة: عن الحسن عن أنس:
أن أعرابيّاً سأل رسول الله عن قيام الساعة؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:
«ما أعددت، لها؟!» .
قال: لا؛ إلا أني أحب الله ورسوله. قال:
«المرء مع من أحب» ، ثم قال:
«أين السائل عن الساعة؟» . قال: وثَمَّ غلام، فقال:
«إن يعش هذا؛ فلن يبلغ الهرم حتى تقوم الساعة» .
أخرجه أحمد (3/213 و 283) ، وزاد في الرواية الثانية:(7/1447)
قال الحسن:
وأخبرني أنس: أن الغلام كان يومئذٍ من أقراني.
قلت: وإسناده حسن، وانظر الحديث المتقدم (3253) .
وأما حديث عائشة؛ فيرويه هشام بن عروة عن أبيه عنها قالت:
كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ سألوه: متى الساعة؟ فنظر إلى
أحدث إنسان منهم، فقال:
«إن يعش هذا، فلم يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم» .
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (15/168/19405) ، ومن طريقه: مسلم. *
3498- (انتدبَ اللهُ عزّ وجلّ لمن خرجَ في سبيله ـ لا يخرجُ إلا
جِهاداً في سبيلي، وإيماناً بِي ,وتصدِيقاً برسولِي ـ؛ فهو عليَّ ضامنٌ أنْ
أدْخلَه الجنّةَ، أو أَرجِعَهُ إلى مَسْكنهِ الذي خرجَ منهُ؛ نائلاً ما نالَ من أَجْرٍ
أو غنيمةٍ. والذي نفْس محمّدٍ بيده! ما من كَلْمٍ يُكْلَمُ في سبيل الله؛
إلا جاءَ يومَ القيامةِ كهيئتهِ يومَ كُلِمَ؛ لوْنه لونُ دمٍ، وريحُه ريحُ مسكٍ.
والذي نفسُ محمّدٍ بيدِه! لولا أنْ أشقَّ على المسلِمينَ؛ ما قعدتُ
خلافَ سَرِيَّة تغزُو في سبيلِ اللهِ أبداً؛ ولكنِّي لا أجدُ سَعَة فيتبعُوني،
ولا تطيبُ أنفُسُهم فيتخلفونَ بعْدي.
والذي نفسُ محمّد بيدِه! لوددتُ أنْ أغزوَ في سبيلِ اللهِ فأُقْتَل، ثمَّ أغزُوَ فأُقتل، ثم أغزُوَ فأُقتل) .
أخرجه البخاري (36) ، ومسلم (6/33) ، وأبو عوانة (5/24) ، والبيهقي(7/1448)
(9/157) ، وأحمد (2/ 231 و 384) من طريق عمارة بن القعقاع: ثنا أبو زرعة
- واسمه هَرِمُ بن عمرو بن جرير- أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكروه، يزيد بعضهم على بعض، والسياق للإمام أحمد.
وللحديث طرق كثيرة عن أبي هريرة، مطولاَ ومختصراً، يطول الكلام جدّاً
بتخريجها، وبيان الفرق بينها، تقدم بعضها تحت رقم (2896) . *
3499- (أُنْزل عليَّ آيات لم يُرَ مثلُهنَّ [قطّ] : "قُل أعوذُ بربّ الفلقِ"
إلى آخر السورة، و "قلْ أعوذُ بربّ الناس" إلى آخر السورة) .
قلت: هو من حديث عقبة بن عامر، وله عنه طرق:
الأولى: عن قيس عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
أخرجه مسلم (2/200) ، والد ارمي (2/ 462) ، والترمذي (2902 و 3367)
- وصححه-، والنسائي (1/ 151 و 2/313) - والسياق له-، وأحمد (4/144 و150 و151و 152) .
الثانية: عن أبي عمران عن عقبة بن عامر أنه قال:
اتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه، فقلت: أقرئني
سورة هود، أو سورة يوسف، فقال:
«لن تقرأ شيئاً أبلغ عند الله من "قل أعوذ برب الفلق"، [فإن استطعت أن
لا تفوتك؛ فافعل] » .
أخرجه النسائي أيضاً، وابن حبان (2/ 84/792) ، والحاكم (2/540) ، وأحمد (4/149 و 159) - والسياق له-.(7/1449)
وقال الحاكم - والزيادة له -:
«صحيح الإسناد» . ووافقه الذهبي.
الثالثة: عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال:
بينا أنا أقود برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نقب من تلك النقاب؛ إذ قال لي:
«يا عقبة! ألا تركب؟!» . قال: فأجللت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أركب مركبه، ثم
قال:
«يا عقيب! ألا تركب؟!» . قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل
الرسول - صلى الله عليه وسلم - وركبت هُنيَّة، ثم ركب، ثم قال:
«يا عقيب! ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟!» . قال:
قلت: بلى يا رسول الله! قال:
فأقرأني "قل أعوذ برب الفلق" و "قل أعوذ برب الناس"، ثم أقيمت
الصلاة، فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ بهما، ثم مر بي، قال:
«كيف رأيت يا عقيب؟! اقرأ بهما كلما نِمْتَ، وكلما قُمْتَ)) .
أخرجه أبو داود (1462) ، وأحمد (4/144) - والسياق له-.
الرابعة: عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن
عقبة نحوه.
رواه أبو داود (1463) . وا بن إسحاق مدلس.
الخامسة: عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر أنه قال:
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أهديت له بغلة شهباء فركبها، فأخذ عقبة يقودها له؛ فقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعقبة:(7/1450)
«اقرأ» . فقال: وما أقرأ يا رسول الله؟! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
«اقرأ: "قل أعوذ برب الفلق"» ؛ فأعادها عليه حتى قرأها، فعرف أني لم
أفرح بها جدّاً! فقال:
«لعلك تهاونت بها! فما قمت تصلي بشيء مثلها» .
رواه أحمد (4/ 149) . *
3500 - (إنّ آثارَكم تُكْتَبُ) .
أخرجه الترمذي (3226) ، والطبري في «التفسير» (10/100) ، وابن أبي حاتم
في «التفسير» (0 1/3190) ، والحاكم (2/428) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (3/67/2890) كلهم من طريق أبي سفيان طَرِيف بن شهاب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال:
كانت بنو سَلِمَة في ناحية المدينة، فأرادوا النُّقلة إلى قرب المسجد، فنزلت
هذه الآية: "إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم"، فقال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره، قال:
فلم ينتقلوا.
وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد» ! ووافقه الذهبي.
وأما الترمذي؛ فقال:
«حديث حسن غريب» .(7/1451)
قلت: وقد بين وجه الغرابة: الحافظ ابن كثير فقال في «التفسير» :
«وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية، والسورة بكمالها مكية، والله أعلم» .
قلت: وإسناده ضعيف؛ لضعف طريف. لكن يقويه أن له شاهداً من حديث
ابن عباس؛ يرويه سماك عن عكرمة عنه قال:
كانت الأنصار بعيدةً منازلُهم من المسجد، فأرادوا أن يقتربوا، فنزلت:
"ونكتب ما قدموا وآثارهم".
قال: فثبتوا.
أخرجه ابن ماجه (785) ، وابن جرير أيضاً.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكن تكلم بعضهم في سماك،
لا سيما في روايته عن عكرمة. ومع ذلك قال المنذري في «الترغيب» (1/27/ 10) :
«رواه ابن ماجه بإسناد جيد» ! وقواه الحافظ في «الفتح» !
فالحديث بمجموع الطريقين صحيح، لا سيما وله شواهد أخرى مختصرة،
دون ذكر الآية.
منها: عن أنس رضي الله عنه قال:
أراد بنو سَلِمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أن تعرى
المدينة وقال:
«يا بني سَلِمة! ألا تحتسبون آثاركم؟!» . فأقاموا.
أخرجه البخاري (655 و 6 65 و 1887) ، وابن ماجه (784) ، والبيهقي في
«شعب الإيمان» (3/66/2887) ، وأحمد (3/106 و 182 و 263) .(7/1452)
ومنها: عن جابر من طرق عنه نحو حديث أنس.
أخرجه مسلم (2/131) ، وأبو عوانة (1/387) ، وابن حبان (2040) ، وأحمد
(3/332 و 371 و390) . *
3501 - (إنّ إبراهيمَ حرَّم مكةَ، ودعا لها، وحرَّمْتُ المدينةَ، كما
حرّمَ إبراهيمُ مكةَ، ودعوتُ لها في مُدِّها وصاعِها، مثلَ ما دعا إبراهيمُ
عليه السلام لمكةَ) .
أخرجه البخاري (2129) ، ومسلم (4/112) ، والبيهقي (5/197) ، وأحمد (4/40) كلهم من طريق عَبَّاد بن تميم الأنصاري عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
ورواه مسلم أيضاً، والبيهقي (5/197 و198) ، وأحمد (4/141) من حديث
رافع بن خَدِيج مختصراً بلفظ:
«إن إبراهيم حرّم مكة، وإني أُحرّم ما بين لابَتَيْهَا» - يريد المدينة-.
وأخرجه مسلم (4/118) من حديث أبي سعيد الخدري مثله. *
3502 - (إنَّ أتقاكم وأعلمَكم باللهِ أنا) .
أخرجه البخاري (20) ، وأحمد (6/56 و61) من حديث هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة قالت:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرهم؛ أمرهم من الأعمال ما يطيقون. قالوا: إنا لسنا
كهيئتك يا رسول الله! إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!(7/1453)
فيغضب حتى يُعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: ... فذكره.
والسياق للبخاري.
ولفظ أحمد في الموضع الثاني:
«والله! إني لأعلمكم بالله عز وجل، وأتقاكم له قلباً» . *
3503- (إنّ أدنَى أهلِ الجنَّةِ منزلةً: رجلٌ صرفَ اللهُ وجهَه عن
النارِ قِبَل الجنةِ، ومثّل له شجرةً ذاتَ ظلٍّ، فقالَ: أيْ ربِّ! قدِّمني
إلى هذه الشجرةِ؛ فأكونَ في ظلِّها! فقال الله:
هل عسيتَ إن فعلتُ أن تسألني غيرها؟
قال: لا وعزَّتكَ! فقدَّمه اللهُ إليها، ومثّل له شجرةً ذاتَ ظلٍّ وثَمرٍ،
فقال: أيْ ربِّ! قدّمني إلى هذِه الشجرةِ؛ أكونُ في ظلّها، وآكلُ من
ثَمَرها! فقال اللهُ له:
هل عسيْتَ إن أعطيتُك ذلكَ أن تسأَلني غيرَه؟
فيقولُ: لا وعزَّتك! فيقدِّمه اللهُ إليها، فتُمثّل له شجرةٌ أخرى
ذات ظلٍّ وثمرٍ وماءٍ، فيقولُ: أيْ ربّ! قدّمني إلى هذه الشّجرةِ؛ أكونُ
في ظلّها، وآكلُ من ثمرها، وأشربُ من مائها! فيقولُ له:
هل عسيتَ إن فعلتُ أن تسأَلني غيرَه؟
فيقولُ: لا وعزَّتك! لا أسأَلكَ غيرَه. فيقدِّمه اللهُ إليها، فيبرز له
بابُ الجنّةِ، فيقولُ: أيْ ربِّ! قدّمني إلى بابِ الجنّة؟ فأكونَ تحتَ(7/1454)
نجافِ الجنّة، وأَنظرَ إلى أهلها! فيقدّمه اللهُ إليها، فيرَى أهلَ الجنّةِ وما
فيها، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدْخِلني الجنّةَ. قال: فيدخلُه اللهُ الجنّةَ، قال:
فإذا دخلَ الجنّةَ قال: هذا لي؟! قال: فيقولُ الله عزّ وجلّ له: تمنَّ!
فيتمنَّى، ويذكِّره اللهُ: سلْ من كذا وكذا؛ حتّى إذا انقطعت به
الأمانيُّ؛ قال اللهُ عزّ وجلّ: هو لكَ، وعشَرةُ أمثالهِ.
قال: ثمّ يدخلُ الجنّةَ، يدخلُ عليه زوجتَاه من الحورِ العين،
فيقولانِ له: الحمْدُ لله الذي أَحياك لنا، وأحيانا لكَ! فيقولُ: ما
أُعطِيَ أحدٌ مثْلَ ما أُعطيتُ!
قال: وأَدنى أهلِ النّار عذَاباً؟ يُنْعَلُ من نارٍ بنعلينِ؛ يغْلي دماغُه
من حرارةِ نعْلَيه) .
أخرجه مسلم (1/ 0 2 1 و5 3 1) ، وأبو عوانة (1/163) ، وأحمد (3/27) ،
- والسياق لأحمد - كلهم عن النعمان بن أبي العياش عن أبي سعيد الخدري أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.
وله طريق أخرى مختصرة عند ابن حبان رقم (7335) .
وله شاهد من حديث ابن مسعود تقدم برقم (3129) . *
3504- (إنّ الأشْعريّين إذا أرملُوا في الغزْو، أو قلَّ طعامُ عِيالهم
بالمدينةِ؛ جمعُوا ما كانَ عندَهم في ثوْبٍ واحدٍ، ثم اقتسمُوه بينهم في
إناءٍ واحدٍ بالسَّوِيَّةِ، فهم منّي وأنا منهم) .
أخرجه البخاري (2486) ، ومسلم (7/ 171) ، والبيهقي (10/ 132) ، والبغوي(7/1455)
في "شرح السنة" (10/215) كلهم من طريق أبي بردة عن أبي موسى قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. *
3505- (إنّ الشهر يكون تسعةً وعشرينَ يوماً) .
حديث متواتر جاء عن جماعة من الصحابة:
أخرجه البخاري (1910 و 5202) ، ومسلم (3/126) ، وابن ماجه (2061) ، وأحمد (6/315) كلهم عن أم سلمة رضي الله عنها:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى من نسائه شهراً، فلما مضى تسعة وعشرون يوماً؛ غدا- أو راح-، فقيل له: إنك حلفت أن لا تدخل شهراً؟! فقال: ... فذكره.
2- أخرجه البخاري (378 و1911 و5201 و 6684) ، والترمذي (690) ، وابن حبان (4263) ، والبيهقي (7/381) ، وابن أبي شيبة (3/85) كلهم عن أنس بن مالك بمثله.
3- أخرجه مسلم (3/125 و 4/194) ، والبيهقي في "السنن " (7/38) وفي "الدلائل " (1/336) ، وأحمد (6/105 و163 و 243) . وفيه عند مسلم قصة الإيلاء مطولاً، وفيه عن عائشة قالت:
لما مضى تسع وعشرون ليلة؛ دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ بي. فقلت:
يا رسول الله! إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً، وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدّهن؟! فقال: ... فذكره.
ورواه أحمد (2/56) من طريق أخرى عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الشهر تسع وعشرون "؛ فذكروا ذلك لعائشة؟! فقالت:(7/1456)
يرحم الله أبا عبد الرحمن! وهل هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهراً، فنزل لتسع وعشرين؟! فقيل له؟! فقال:
"إن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين ".
قلت: وإسناده حسن. لكن توهيل عائشة لابن عمر غير وجيه؛ فإنه قد صح عن ابن عمر مثل ما قالت عائشة.
رواه الشيخان، وغيرهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2008) .
4- أخرجه مسلم (3/125) ، وابن حبان (3443) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول:
اعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهراً، فخرج إلينا صباح تسع وعشرين، فقال بعض القوم:
يا رسول الله! إنما أصبحنا لتسع وعشرين؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"إن الشهر يكون تسعاً وعشرين "، ثم طبق النبي - صلى الله عليه وسلم - بيديه ثلاثاً مرتين بأصابع يديه كلها، والثالثة بتسع منها. *
3506- (إن الشيطانَ إذا سمعَ النِّداء بالصّلاة؛ ذهبَ حتّى يكون مكانَ الرّوحاء) .
أخرجه مسلم (2/5) ، وأبو عوانة (1/333) ، وابن خزيمة في "صحيحه " (1/ 205/393) ، وابن حبان (1662) ، والبيهقي (1/ 432) ، والبغوي في "شرح السنة" (2/276) ، وابن أبي شيبة (1/228- 229) ، وأحمد (3/316) كلهم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.(7/1457)
قال سليمان- هو الأعمش-: فسألته عن الروحاء؟ فقال: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلاًً.
ثم رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة نحوه أتم منه؛ دون ذكر الروحاء، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (529) .
والحديث له طريق أخرى رواه ابن لهيعة: ثنا أبو الزبير عن جابر مرفوعاً نحوه.
أخرجه أحمد (3/336) . *
3507- (أليسَ الذي أمشاهُ على الرِّجلين في الدُّنيا قادراً على أن يُمشِيَهُ على وجْههِ يومَ القيامة؟!) .
أخرجه البخاري (4760 و6523) ، ومسلم (8/135) ، وابن حبان (7279) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/420/11367) ، والطبري في "التفسير" (19/9) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/343) ، والبغوي في"شرح السنة" (15/126) ، وأحمد (3/229) كلهم من طريق قتادة: حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه:
أن رجلاً قال: يا نبي الله! يُحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟! قال: ... فذكره.
قال قتادة: بلى وعزة ربنا!
ولفظ النسائي من بينهم جميعاً:
"إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم ".
وبنحو هذا اللفظ أورده السيوطي في "الزيادة" من رواية الشيخين وأحمد والنسائي!(7/1458)
وإنما قلت: بنحو ... ؛ لأنه ساقه بلفظ:
"أقدامهم " وزاد: "في الدنيا" و: "يوم القيامة "؛ لفّقهما من رواية الجماعة!
وله طريق أخرى عن أنس لا يفرح بها: يرويها إسماعيل بن أبي خالد عن أبي داود السبيعي عنه.
أخرجه الحاكم (2/402) ، وصححه هو والذهبي؛ توهماً منهما أن (أبا داود السبيعي) هو غير (أبي داود الأعمى) ! وهو هو، واسمه (نُفيع) ؛ ذكروه في الرواة عن أنس، وفي شيوخ إسماعيل بن أبي خالد. *
3508- (1- تعبدُ (وفي رواية: اعبد) الله ولا تشركُ به شيئاً.
2- وتقيمُ الصلاة المكتوبة.
3- وتؤدّي الزكاة المفروضة.
4- وتصومُ رمضان.
5- وتحجّ وتعتمرُ.
6- وانظر ما تحبّ من النّاس أن يأتوه إليك؛ فافعله بهم، وما كرهت أن يأتوه إليك؛ فذرهم منه) .
أخرجه الدّولابي في "الكنى" (1/56) من طريق ابن عون قال: ثنا محمد أبن جُحادة عن رجل عن زميل له من بني العنبر عن أبيه- وكان يكنى: أبا المنتفق- قال:
أتيت مكة، فسألت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: هو بعرفة، فأتيته؛ فذهبت أدنو منه فمنعوني، فقال:(7/1459)
"اتركوه ". فدنوت منه، حتى إذا اختلفت عنق راحلته وعنق راحلتي، فقلت: يا رسول الله! نبئني بما يباعدني من عذاب الله، ويدخلني الجنة؟ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير (الزميل) ؛ فهو مجهول.
وأما قوله: (عن رجل) فأظنه مقحماً؛ فإن أصل النسخة غير جيدة! يؤيده: أن الحافظ ابن حجر ساقه في ترجمة (أبي المنتفق) من "الإصابة" من رواية الطبراني من طريق عبد الله بن عون به دون قوله: (عن رجل) .
ويشبه هذا التحريف ما وقع في "مجمع الزوائد" (1/43- 44) :
"وعن حجير عن أبيه- وكان يكنى (أبا المنتفق) - قال:
أتيت مكة ... " فساق الحديث. وقال:
"رواه الطبراني في "الكبير"، وفي إسناده حجير- وهو ابن الصحابي-، ولم أر من ذكره "!
كذا قال! ثم ذكر حديثاً يشبهه، فقال:
"وعن سويد بن حجير، قال: حدثني خالي قال:
لقيت النبي - صلى الله عليه وسلم -! بين عرفة والمزدلفة، فأخذت بخطام ناقته، فقلت:
يا رسول الله! ما يقربني من الجنة؟ وما يباعدني من النار؟ فقال:
"أما لئن كنت أوجزت المسألة؛ قد أعظمت وأطلت:
أقم الصلاة المكتوبة.
وأدّ الزكاة المفروضة.
وحُجّ البيت.
وما أحببت أن يفعله الناس بك؛ فافعله بهم، وما كرهت أن يفعله الناس بك؛ فدع الناس منه. خلّ زمام الناقة ". وقال:
"رواه الطبراني في "الكبير"؛ وفي إسناده قزعة بن سويد؛ وثقه ابن معين وغيره، وضعفه البخاري وغيره ".
وللحديث طريق أخرى عن أبي المنتفق- ويقال: ابن المنتفق-؛ لا بأس بها، من رواية المغيرة بن عبد الله اليشكري عن أبيه قال:
انطلقت إلى الكوفة لأجلب بغالاً، فقال: فأتيت السوق ولم تقم. قال؛ قلت لصاحب لي:
لو دخلنا المسجد- وموضعه يومئذ في أصحاب التمر-؛ فإذا فيه رجل من قيس- يقال له: ابن المنتفق-، وهو يقول: وصف لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحُلِّيَ لي. فطلبته بمنى، فقيل لي: هو بعرفات. فانتهيت إليه فزاحمت عليه، فقيل لي: إليك عن طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فقال:
"دعوا الرجل، أربٌ ما له ". قال:
فزاحمت عليه، حتى خلصت إليه. قال: فأخذت بخطام راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ أو قال: زمامها؛ هكذا حدث محمد- حتى اختلفت أعناق راحلتينا. قال: فما يزعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- أو قال: ما غير عليّ؛ هكذا حدث محمد-، قال: قلت: اثنتان أسألك عنهما:(7/1460)
ما يُنَجِّيني من النار؟ وما يدخلني الجنة؟
قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء، ثم نكس رأسه، ثم أقبل علي بوجهه، قال:
"لئن كنت أوجزت في المسألة؛ لقد أعظمت وأطولت، فاعقل عني إذاً:
اعبد الله لا تشرك به شيئاً.
وأقم الصلاة المكتوبة.(7/1462)
وأد الزكاة المفروضة.
وصم رمضان.
وما تحب أن يفعله بك الناس؛ فافعله بهم، وما تكره أن يأتي إليك الناس؛ فذر الناس منه ". ثم قال:
"خل سبيل الراحلة".
أخرجه أحمد (6/383) من طريق محمد بن جحادة قال: حدثني المغيرة بن عبد الله اليشكري ... إلخ.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير عبد الله اليشكري- وهو ابن أبي عقيل-؛ قال الحافظ في "التعجيل ":
"ليس بالمشهور".
وقال الهيثمي (1/43) :
"رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وفي إسناده عبد الله بن أبي عقيل اليشكري، ولم أر أحداً روى عنه غير ابنه المغيرة بن عبد الله ".(7/1461)
ثم ساقه عن المغيرة بن سعد عن أبيه، أو عن عمه، قال:
أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة ... فذكر الحديث نحوه. وقال:
"رواه عبد الله من زياداته والطبراني في "الكبير" بأسانيد، ورجال بعضها ثقات؛ على ضعف في (يحيى بن عيسى) كثير".
وجملة القول؛ أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح؛ لخلو غالبها من الضعف الشديد، بل أرى أن إسناد اليشكري حسن على الأقل لغيره. والله أعلم.
ويشد من عضده: أن له شواهد متفرقة في أحاديث عدة، معروفة مشهورة في "الصحاح " وغيرها؛ غير الفقرة الأخيرة، فراجع لها إن شئت الحديث المتقدم برقم (72) . *
3509- (استوصُوا بالأنصار خيراً- أو قال: معرُوفاً-؛ اقبلُوا من مُحْسِنهم، وتجاوزُوا عن مُسيئهم) .
أخرجه أحمد (3/ 241) قال: ثنا مؤمَّل: ثنا حماد- يعني: ابن سلمة-: ثنا علي بن زيد قال:
بلغ مصعب بن الزبير عن عريف الأنصار شيء؛ فهمّ به، فدخل عليه أنس ابن مالك، فقال له:
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. فألقى مصعب نفسه عن سريره؛ وألزق خده بالبساط، وقال:
أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على الرأس والعين؛ فتركه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل مؤمل- وهو ابن إسماعيل-، وعلي بن زيد- وهو ابن جدعان-.(7/1463)
لكن الحديث له شواهد كثيرة تدل على أنه له أصلاً، تقدم بعضها برقم (916 و917 و3430) . *
3510- (اغتسلُوا يوم الجمعة، واغسلُوا رؤوسَكُم، وإن لم تكونوا جنُباً) .
أخرجه ابن خزيمة (3/129/1759) ، وابن حبان (4/196/2771) ، وأحمد (1/265) كلهم عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري عن طاوس اليماني قال:
قلت لابن عباس: زعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره، وزاد:
"ومسّوا من الطيب "؟ قال ابن عباس:
أما الطيب؛ فلا أدري، وأما الغسل؛ فنعم.
وقد تابعه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري به.
أخرجه البخاري (884) ، والبيهقي (1/297) .
وتابع الزهري: إبراهيم بن ميسرة عن طاوس به.
أخرجه البخاري (885) ، ومسلم (3/ 4) .
ولفظ حديث شعيب عند أحمد (1/130) ؛ قال:
سئل الزهري: هل في الجمعة غسل واجب؟ فقال: حدثني سالم بن عبد الله ابن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"من جاء منكم الجمعة فليغتسل ".(7/1464)
وقال طاوس: قلت لابن عباس: ذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث بتمامه.
(تنبيه) : لقد قصر الحافظ السيوطي في تخريج هذا الحديث؛ فإنه اقتصر في "الزيادة على الجامع " على عزوه لأحمد وابن حبان فقط!
وأما جملة (مس الطيب) التي لم يعرفها ابن عباس؛ فقد صحت عن غير ما واحد من الصحابة؛ منهم: أبو سعيد الخدري.
رواه الشيخان، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (372) .
ومنهم: عبد الله بن عمرو؛ عند ابن خزيمة وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (375) . *
3511- (إنّ الكافر ليزيدُه الله عز وجل ببكاءِ أهلهِ عذاباً) .
أخرجه البخاري (1287 و1288) ، ومسلم (3/42- 43) ، وابن حبان (5/54/ 3126) ، وأحمد (1/41- 42) كلهم من طريق عبد الله بن أبي مُليكة قال:
كنت عند عبد الله بن عمر، ونحن ننتظر جنازة أم أبان ابنة عثمان بن عفان، وعنده عمرو بن عثمان، فجاء ابن عباس يقوده قائد، قال: فأراه أخبره بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي، وكنت بينهما؛ فإذا صَوْتٌ من الدار، فقال ابن عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه "، فأرسلها عبد الله مرسلة.
قال ابن عباس:
كنا مع أمير المؤمنين عمر، حتى إذا كنا بالبيداء؛ إذا هو برجل نازل في ظل(7/1465)
شجرة، فقال لي: انطلق فاعلم من ذاك؟ فانطلقت؛ فإذا هو صهيب، فرجعت إليه فقلت: إنك أمرتني أن أَعْلَمَ لك من ذاك؟ وإنه صهيب. فقال: مروه فليلحق بنا. فقلت: إن معه أهله! قال: وإن كان معه أهله- وربما قال أيوب مرة: فليلحق بنا-! فلما بلغنا المدينة؛ لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب، فجاء صهيب، فقال: واأخاه! واصاحباه! فقال عمر: ألم تعلم- أو لم تسمع- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه "؟!
فأما عبد الله فأرسلها مرسلة، وأما عمر فقال: "ببعض بكاء ... ".
فأتيت عائشة- رضي الله عنها-، فذكرت لها قول عمر؟ فقالت: لا والله! ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن الميت يعذب ببكاء أحد! ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكرت الحديث. [قالت] :
وإن الله لهو أضحك وأبكى، {ولا تزر وازرة وزر أخرى} !
قال أيوب: وقال ابن أبي مليكة: حدثني القاسم قال:
لما بلغ عائشة رضي الله عنها قول عمر وابن عمر؛ قالت:
إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين، ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ.
وأخرجه النسائي (1/263) ببعض اختصار.
(تنبيه) : من الواضح من السياق المتقدم: أن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تخطِّئ عمر، وابنه- رضي الله عنهما- فيما. سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"إن الميت ليعذب ببكاء- أو ببعض بكاء- أهله عليه ". وعللت ذلك بأن السمع يخطئ، فتذهب إلى أن الصواب في الحديث: أن الكافر هو الذي يعذب ببكاء أهله.(7/1466)
ونحن نقول: إن التعليل المذكور يرد عليها أيضاً، بل هي به أولى؛ لأنها فرد وهما اثنان، كيف ومعهما ثالث وهو: المغيرة بن شعبة؟! انظر حديثه في "أحكام الجنائز" (41/7) ، ومعهم رابع وهو: عمران بن حصين؛ "أحكام الجنائز" (40/6) ، فتخطئة هؤلاء من أجل فرد أبعد ما يكون عن الصواب.
لكني أقول: إنه لا ضرورة لتخطئة أم المؤمنين عائشة، بل إنها قد حدثت بما سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولعل ذلك كان لمناسبة وفاة أحد الكفار من اليهود أو غيرهم؛ علماً بأنه لا منافاة بين حديثها وحديث الجماعة؛ فإن لفظ: "الميت " عندهم يشمل الكافر كما هو ظاهر. والله أعلم.
وأما احتجاجها بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ؛ فغير وارد على كل ميت، وإنما المراد به الميت الذي لم يَنْهَ أهله عن البكاء عليه، وهو يعلم عادتهم، ونحو ذلك من التأويل الذي لا بد منه لدفع التعارض المُدّعى. والله أعلم. *
3512- (إنَّ اللهَ ليُملي للظّالمِ، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه. قال: ثم قرأ:
{وكذلك أخذُ ربِّك إذا أخذ القُرى وهي ظالمةٌ إن أخذه أليم شديد} ) .
أخرجه البخاري (4686) ، ومسلم (8/19) ، وابن حبان (7/307/5153) ، والترمذي (8/271) ، والنسائي في"السنن الكبرى" (6/365/11245) ، وابن ماجه (4018) ، والبيهقي (6/94) ، والبغوي في "شرح السنة " (14/358) كلهم من طريق أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ... فذكره. *(7/1467)
3513- (إنّ الله عز وجل يبسط يده بالليل؛ ليتوب مُسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها) .
أخرجه مسلم (8/99- 100) ، والبيهقي في"سننه " (8/136 و10/188) وفي "الأسماء والصفات " (321) ، وأحمد (4/395 و404) من طريق أبي عبيدة يحدث عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. *
3514- (إنّ الله يحب العبد التقيَّ الغنيَّ الخفيَّ) .
أخرجه مسلم (8/214-215) ، وأحمد (1/168) ، وأبو نعيم في"الحلية" (1/24- 25 و368) ، والبغوي في"شرح السنة" (15/ 21- 22) من طريق عامر ابن سعد قال:
كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد؛ قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب! فنزل، فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك، وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟! فضرب سعد في صدره فقال:
اسكت! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.
ورواه كثير بن زيد الأسلمي عن المطلب عن عمر بن سعد عن أبيه أنه قال:
جاءه ابنه عامر، فقال: أي بُني! أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأساً؟! والله! حتى أعطى سيفاً؛ إن ضربت مسلماً نبا عنه، وإن ضربت به كافراً قتله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكر الحديث.
رواه أحمد (1/177) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (1/94) ؛ لكنه قال:(7/1468)
قال لي: ... ولم يذكر جملة: وجاءه ابنه عامر ...
وهذا هو الصواب الذي تشهد له الطريق الأولى. على أن كثير بن زيد الأسلمي كان يخطئ؛ كما في "التقريب ". *
3515- (إن الله يغار، وإنّ المؤمن يغارُ، وغيرةُ الله: أن يأتي المؤمن ما حرم عليه) .
أخرجه البخاري (5223) ، ومسلم (8/101) ، وابن حبان (293) ، والترمذي (1168) - وصححه-، والبيهقي في "سننه " (10/225) وفي "الأسماء والصفات " (482) ، وأحمد (2/343 و519-520 و536 و539) كلهم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. *
3516- (إن الله- عز وجل- يقول: إن الصوم لي، وأنا أجزي به.
إن للصّائم فرحتين: إذا أفطر فرح، وإذا لقي الله فجزاهُ فرح.
والذي نفس محمد بيده! لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) .
أخرجه مسلم (3/158) ، والنسائي (2/309 و310) ، وأحمد (3/5) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وأخرجه البخاري (1904 و7492) من طريق أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة يقول: ... فذكره؛ بتقديم وتأخير.
وله طرق أخرى بألفاظ مختلفة؛ جمع الكثير الطيب منها؛ الحافظ المنذريّ(7/1469)
في أول (9- كتاب الصوم) من "الترغيب والترهيب ". *
3517- (إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها؛ استمتعت بها وبها عِوَجٌ، وإن: ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها) .
هو من حديث أبي هريرة، وله عنه طرق:
الأ ولى: عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
أخرجه مسلم (4/178) ، وابن حبان (4167) ، والحميدي (1202) ، وأحمد (2/449 و530) عنه.
الثانية: عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه؛ بزيادة ونقص.
أخرجه الشيخان، وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء" برقم (1997) .
الثالثة: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً فذكره مختصراً.
أخرجه مسلم أيضاً، والترمذي (1188) . وقال:
"حديث حسن صحيح غريب ".
الرابعة: عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، دون قوله: "وإن ذهبت ... ".
أخرجه ابن حبان (4168) ، وسنده حسن.
وللحديث شواهد مخرجة في "الإرواء "، وتجد ألفاظها في "الترغيب والترهيب " (3/ 72/ 6- 7) . *(7/1470)
3518- (إنّ أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال: جريءٌ؛ فقد قيل. ثم أمربه؛ فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجلٌ تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالمٌ، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئٌ، فقد قيل. ثم أمر به؛ فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه، وأعطاهُ من أصناف المال كله، فأُتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحبُّ أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكئك فعلت ليقال: هو جوادٌ، فقد قيل. ثم اُمر به؛ فسحب على وجهه ثم ألقي في النار) .
أخرجه مسلم (6/47) ، والنسائي (2/58) ، والحاكم (1/107و2/ 110) ، والبيهقي (9/168) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/192) ، والخطيب في "تقييد العلم " (197) ، وأحمد (2/322) كلهم من طريق سليمان بن يسار قال:
تفرق الناس عن أبي هريرة، فقال له ناتل أهل الشام: أيها الشيخ! حدثنا حديثآ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال. نعم، سمعت رسول الله يقول: ... فذكره.(7/1471)
وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة به نحوه، وفيه قصة، وهو مخرج في " التعليق الرغيب " (1/29-30) . *
3519- (إنّ أول زمرة يدخلون الجنة: على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم: على أشدّ كوكب دري في السّماء إضاءةً؛ لا يبولون، ولا يتغوّطون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب، ورشحُهم المسكُ، ومجامرهم الألوّة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقُهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم؛ ستون ذراعاً في السماء) .
أخرجه البخاري (3327) ، ومسلم (8/146) ، وا بن ماجه (4333) ، وابن حبان (7394) ، والبغوي في "شرح السنة" (4373) من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
وتابعه همام بن مُنبه عن أبي هريرة مرفوعاً بزيادة ونقص: أخرجه البخاري (3245) ، ومسلم (8/147) ، وابن حبان (7393) ، وابن المبارك في "الزهد" (130/433) ، وعبد الرزاق في " مصنفه " (20866) ، وأحمد (2/316) .
وتابعه الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً نحوه.
أخرجه البخاري (3246) .
وتابعه أيضاً عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة مرفوعاً بزيادة ونقص. أخرجه البخاري (3254) .
وتابعه أبو صالح عن أبي هريرة نحوه.
أخرجه مسلم، وأحمد (2/231- 232 و 253) .(7/1472)
وتابعهم محمد بن سيرين عن أبي هريرة نحوه بنقص وزيادة، ومنها قوله:
"وما في الجنة أعزب ".
أخرجه مسلم، وعبد الرزاق (20879) .
وتابعهم أبو سلمة عن أبي هريرة بالشطر الأول منه، وزاد قصة عكاشة.
أخرجه الدارمي (2/333- 334) بسند حسن. *
3520- (إنّ أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون. قالوا: فما بال الطعام؟! قال: جُشاءٌ، ورشح كرشح المسك، يُلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النفس) .
هو من حديث جابر، وله عنه طرق:
الأولى: عن أبي سفيان عن جابرقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.
أخرجه مسلم (8/147) ، وابن حبان (7392) ، وأحمد (3/316) . ولأبي داود (4741) منه الطرف الأول إلى قوله: "ويشربون ".
الثانية: عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
أخرجه مسلم (8/147) ، وأحمد (3/349 و384) ، وكذا الدارمي (2/335) .
الثالثة: عن ماعز التميمي عن جابر بن عبد الله قال:
سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيأكل أهل الجنة؟ قال:(7/1473)
" نعم، ويشربون، ولا ... "إلخ.
أخرجه أحمد (3/ 354) .
وإسناده جيد في المتابعات، ماعز هذا لم يوثقه غير ابن حبان. *
3521- (إنّ أهل الجنّة ييسرون لعمل أهل الجنة، وإنّ أهل النار ييسرون لعمل أهل النار) .
أخرجه مسلم (1/29- 30) - ولم يسق لفظه-، وكذا ابن أبي عاصم في " السنة " (1/57/ 124) ، وأبو داود (4696) - والسياق له-، ومن طريقه: ابن عبد البر في "التمهيد" (6/6- 7) ، وأحمد (1/27) كلهم من طريق عثمان بن غياث قال: حدثني عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن قالا:
لقينا عبد الله بن عمر، فذكرنا له القدر وما يقولون فيه ... فذكر نحوه، زاد: قال:
وسأله رجل من مزينة- أو جهينة-، فقال: يا رسول الله! فيما نعمل؟ أفي شيء قد خلا أو مضى، أوفي شيء يستأنف الآن؟ قال:
""في شيء قد خلا ومضى". فقال الرجل أو بعض القوم: ففيم العمل؟! قال: ... فذ كره.
قلت: ويشير أبو داود بقوله: "فذكر نحوه " إلى ما رواه هو، ومسلم، وابن حبان، وغيرهما من طريق أخرى عن ابن بريدة، القصة بتمامها، لكن ليس فيها حديث الترجمة؛ وهي مخرجة في " الإرواء " (1/33- 34) ، وفي " الصحيحة " (2903) .
وقال ابن عبد البر عقبه:
"وروي هذا المعنى عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق، وممن روى هذا المعنى(7/1474)
في القدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وأبو سريحة الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وذو اللحية الكلابي، وعمران بن حصين، وعاثشة، وأنس بن مالك، وسُراقة بن جُعشُم، وأبو موسى الأشعري، وعبادة بن الصامت؛ وأكثر أحاديث هؤلاء لها طرق شتى". *
3522- (إن بين يدي السّاعة لأياماً ينزلُ فيها الجهلُ، ويرفعُ فيها العلمُ، ويكثرُ فيها الهرجُ. [قال أبوموسى:] الهرج: القتل [بلسان الحبشة] ) .
أخرجه البخاري (7062 و7063 و7064 و7065و7066) ، ومسلم (8/58 و 59) ، والترمذي (2200) ، وابن ماجه (4050 و4051) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/112) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (18971) ، وأحمد (1/402 و4/392 و405) ، كلهم عن شقيق قال: كنت مع عبد الله وأبي موسى فقالا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. والزيادتان للبخاري في رواية. *
3523- (إنّ ثلاثةً في بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ، وجلدٌ حسنٌ، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي لوناً حسناً، وجلداً حسناً، قال: فأي المال أحب إليك، قال: الإبل- أو قال: البقر؛ شك إسحاق؛ إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدُهما: الإبلُ، وقال الآخرُ: البقرُ-، قال: فأعطي ناقةٌ عُشراءَ، فقال: بارك الله لك فيها! قال:(7/1475)
فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: شعرٌ حسنٌ، ويذهبُ عئي هذا الذي قذرني الناسُ، قال: فمسحه، فذهب عنه، واُعطي شعراً حسناً، قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: البقرُ، فأعطي بقرةً حاملاً، فقال: بارك الله لك فيها! قال:
فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري، فأبصر به الناس، قال: فمسحه، فردّ الله إليه بصره، قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاةً والداً، فأنتج هذان، وولد هذا، قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال:
ثم إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين، قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك- بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال- بعيراً أتبلغ عليه في سفري، فقال: الحقوقُ كثيرةٌ، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص، يقذرك الناس؟! فقيراً فأعطاك الله؟! فقال: إنّما ورثت هذا المال كابراً عن كابر! فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت! قال:
وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت! قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين، وابن(7/1476)
سبيل، انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك- بالذي ردّ عليك بصرك- شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنتُ أعمى، فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله! لا أجهدك اليوم شيئاً أخذته لله! فقال:
أمسك مالك؛ فإنما ابتليتم، فقد رضي [الله] عنك، وسخط على صاحبيك) .
أخرجه مسلم (8/213- 214) ، وابن حبان (314) ، والبيهقي (7/219) كلهم من طريق شيبان بن فَرّوخ: حدثنا همام: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة أن أبا هريرة حدثه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذ كره.
وتابعه عمرو بن عاصم عن همام به.
أخرجه البخاري معلقاً عليه؛ إلا أنه لم يسق منه إلا طرفه الأول.
ووصله برقم (3464) فقال: حدثنا محمد بن إسحاق: حدثنا عمرو بن عاصم به؛ إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما ساقه تحويلاً، فقال عقبه: وحدثني محمد: حدثنا عبد الله بن رجاء: أخبرنا همام ... فساقه بتمامه؛ إلا أنه وقع في متنه:
"بدا لله عز وجل أن يبتليهم " مكان قوله في الرواية الأولى: "فأراد الله أن يبتليهم ".
ولا شك عندي أن هذه أولى من الأخرى لسببين:
الأول: اتفاق ثقتين عليها- وهما شيبان، وعمرو بن عاصم-.(7/1477)
والآخر: أن نسبة: "البداء" لله عز وجل محال، ومما يدل على تحريف التوراة أنه جاء فيها: أنه بدا لله خلق السماوات والأرض! ولذلك؛ تكلف الحافظ ابن حجر بتأويل هذه الجملة المستنكرة بقوله:
"أي: سبق في علم الله، فأراد إظهاره، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافياً؛ لأن ذلك محال في حق الله تعالى، وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ:
"أراد الله أن يبتليهم "، فلعل التغيير فيه من الرواة".
قلت: نقول للحافظ: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب! وقد عرفت اتفاق الثقتين على اللفظ الأول: "أراد الله "؛ فمخالفة عبد الله بن رجاء أقل ما يقال فيها: إنها مرجوحة، لا سيما والحافظ نفسه قد قال في ترجمته من "التقريب ":
"صدوق يهم قليلاً".
وإن من عجائب الحافظ- النابعة من أشعريته-: أنه تأول الرواية الأولى عقب ما سبق نقله عنه:
"مع أن في الرواية أيضاً نظراً؛ لأنه لم يزل مريداً"!!
قلت: فليت شعري ماذا يقول الحافظ في الآيات التي فيها نسبة الإرادة إلى الله في القرآن الكريم كمثل قوله: {وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له} ْ، وقوله: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما} ونحو ذلك من الآيات الكثيرة؟! هل يقول فيها كما قال في الحديث:
"فيها نظر"؟!
فقبح الله علم الكلام الذي أودى بكبار العلماء إلى مثل هذا الكلام! *(7/1478)
3524- (إنّ جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرةً، وإنّه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، [فاتقي الله، واصبري؛ فإني نعم السلف أنا لك] ) .
أخرجه البخاري (3624 و6285 و6286) ، ومسلم (7/143) ، والنسائي في " الكبرى" (8368) ، وابن ماجه (1621) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/48 و49) ، وابن سعد (2/247- 248 و8/27) ، وأحمد (6/282) ، وأبو نعيم في "الحلية " (2/ 40) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/155) أخرجوه من حديث عائشة عن فاطمة رضي الله عنهما، والسياق للبخاري في الموضع الآخر، والزيادة له من الموضع الأول، وكذلك رواها الطحاوي وأبو نعيم. *
3525- (إنّ حقاً على الله: أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) .
أخرجه البخاري (6501) ، وابن حبان (701) ، والنسائي (2/122) ، وأبو داود (4802) ، والبيهقي في "الشعب " (7/341/10510) ، وأحمد (3/103) من حديث أنس قال:
كانت ناقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسمى العضباء، وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبقت العضباء! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.
ثم رواه البيهقي (10511) من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال: قال يحيى: أخبرني ابن شهاب قإل: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ... فذكر القصة، وقال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(7/1479)
"إن الناس لا يرفعون شيئاً إلا وضعه الله ".
قلت: وهذا مرسل ضعيف. *
3526- (إنّ حوضي لأبعدُ من أيلة إلى عدن، والذي نفسي بيده لآنيتهُ أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل. والذي نفسي بيده! إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه.
قيل: يا رسول الله! أتعرفنا؟ قال:
نعم، تردون علي غراً محجلين؛ من أثر الوضوء، ليست لأحد غيركم) .
أخرجه مسلم (1/ 150) ، وابن ماجه (4302) من طريق ربعيّ عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، والسياق لابن ماجه، وليس عند مسلم جملة: " النجوم " إلى قوله: " العسل ".
لكنها عنده (7/69) من حديث أبي ذر، وكذلك هو عند ابن أبي عاصم، وغيره، وهو مخرج في "ظلال الجنة " برقم (721) . والحديث رواه مسلم أيضاً وغيره من حديث أبي هريرة بزيادة ونقص، وسيأتي تخريجه برقم (3952) . *
3527- (إن داود النبي عليه السلام كان لا يأكل إلا من عمل يده) .
أخرجه البخاري (2073 و3417) ، وابن حبان (6194) كلاهما من طريق عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن همام به.(7/1480)
وللحديث شاهد من حديث المقدام بن معدي كرب عند البخاري أيضاً، وهو مخرج في "غاية المرام " (121/163) . *
3528 (1) - (.........................................) . *
3529- (إنّ الله حبس عن مكة القتل- أو الفيل، شك أبو عبد الله-، وسلط عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، ألا وإنها لم تحلّ لأحد قبلي، ولم تحل لأحد بعدي، ألا وإنها حلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرامٌ؛ لا يختلى شوكها، ولا يعضدُ شجرها، ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد، فمن قُُتلَ؛ فهو بخير النظرين: إما أن يعقل، وإما أن يُقاد أهل القتيل) .
أخرجه البخاري (112 و2434و6880) ، ومسلم (4/110) ، والدارمي (2/265) ، وأحمد (2/238) ، وعنه أبو داود (2017) ، والدارقطني (3/96/58) ، والبيهقي في "السنن " (8/52) و"الدلائل " (5/84) كلهم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة:
أن خُزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فركب راحلته فخطب فقال: ... فذكره. وزاد الشيخان وغيرهما: فجاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لي يا رسول الله! فقال:
"اكتبوا لأبي فلان ". فقال رجل من قريش: إلا الإذْخِرَ يا رسول الله! فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
_________
(1) كان هنا الحديث: "إن الله استقبل بي الشام ... !، وكان الشيخ- رحمه الله- قد تراجع عنه في المجلد الأول من "الصحيحة" الطبعة الجديدة ونقله إلى "الضعيفة" (5848) ، فحذفنا هذا.(7/1481)
"إلا الإذخر".
زاد مسلم: قال الوليد: فقلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي يا رسول الله!؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-. *
3530- الا تسألني امرأةً منهن إلا أخبرتها، إنّ الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً؛ ولكن بعثني معلماً ميسراً) .
أخرجه مسلم (4/187- 188) ، والبيهقي (7/38) ، وأحمد (3/328) من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال:
دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله.. الحديث، وفيه:
والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس حوله نساؤه؛ يسألنه النفقة، ونزول قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك} حتى بلغ: {للمحسنات منكن أجراً عظيماً} ، فقال:
"يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمراً؛ أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك".
قالت: وما هو يا رسول الله؟! فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله! أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأةً من نسائك بالذي قلته. قال: ... فذكر الحديث.
وأبو الزبير مدلس؛ ولم أقف الآن على تصريح له بالتحديث في هذه القصة.
لكن لها شاهد في الجملة في حديث ابن عباس الطويل بنحو هذه القصة وفي آخرها:
قال معمر. فأخبرني أيوب أن عائشة قالت: لا تخبر نساءك أني اخترتك. فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -:(7/1482)