2662 - " خلق الله تبارك وتعالى الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك،
فقال لها: تكلمي، فقالت: * (قد أفلح المؤمنون) *، فقالت الملائكة: طوبى لك
، منزل الملوك ".
قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا المغيرة بن سلمة حدثنا وهيب عن
الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: فذكره موقوفا. ثم قال: وحدثنا
بشر بن آدم، حدثنا يونس بن عبيد الله العمري: حدثنا عدي بن الفضل: حدثنا
الجريري ... به مرفوعا. ثم قال البزار: " لا نعلم أحدا رفعه إلا عدي بن الفضل
، وليس هو بالحافظ، وهو شيخ متقدم الموت ". كذا ذكره الحافظ ابن كثير في "
تفسيره " عن البزار بإسناديه الموقوف والمرفوع، وكذلك هو في " زوائد البزار
" (317) إلا أنه وقع فيه " حجاج بن المنهال: حدثنا حماد بن سلمة " مكان: "
المغيرة بن سلمة: حدثنا وهيب ". فلا أدري أهذا خطأ من الناسخ، أم أن للبزار
فيه إسنادين إلى الجريري، أحدهما وهيب عنه، والآخر حماد بن سلمة عنه، نقل
ابن كثير أحدهما، والهيثمي الآخر. وسواء كان هذا أو ذاك، فكل من الإسنادين
صحيح على شرط مسلم موقوفا، لكنه في حكم المرفوع، فقد قال الهيثمي في " مجمع
الزوائد " (10 / 397) : " ورجال الموقوف رجال الصحيح، وأبو سعيد لا يقول
هذا إلا بتوقيف ". وعدي بن الفضل الذي رفعه هو التيمي أبو حاتم البصري، متفق
على تضعيفه. لكن قال المنذري (4 / 252) : " قد تابعه على رفعه وهيب بن خالد
عن الجريري به ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(6/351)
" إن الله عز وجل
أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة، ثم شقق فيها الأنهار، وغرس فيها
الأشجار، فلما نظرت الملائكة إلى حسنها قالت: طوبى لك منازل الملوك ". خرجه
البيهقي وغيره، لكن وقفه هو الأصح المشهور. والله أعلم ". وأقول: هذا
أخرجه البيهقي في " البعث " (ص 54 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق محمد
بن يونس: حدثنا سهيل بن بكار حدثنا وهيب بن خالد به. ومحمد بن يونس - وهو
الكديمي - متهم بوضع الحديث، فلا يفرح بما يرويه من المتابعة. وأخرجه أبو
نعيم في " صفة الجنة " (1 / 173 / 140) من طريق أخرى عن عدي بن الفضل به
مرفوعا. ثم رأيت العلامة ابن القيم قد أورد في " حادي الأرواح " (2 / 40)
إسناد البزار الموقوف كما أورده ابن كثير، وقال عقب تضعيفه لعدي بن الفضل:
" والحديث صحيح موقوف. والله أعلم ". وقد روي الحديث من طرق أخرى مرفوعا،
مطولا ومختصرا، دون قول الملائكة: " طوبى لك، منازل الملوك ". وهو مخرج
في الكتاب الآخر، فانظر الأرقام (1283 و 1284 و 1285) .
2663 - " ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب ".
أخرجه الطبراني في الأوسط (2 / 228) حدثنا علي بن سعيد الرازي: أخبرنا عقبة
بن قبيصة حدثنا أبي حدثنا مالك بن مغول عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي
حازم عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال:(6/352)
" لم يروه عن إسماعيل إلا مالك بن مغول ولا عنه إلا قبيصة تفرد به ابنه ".
قلت: وهو صدوق، قال النسائي: " صالح ". وذكره ابن حبان في " الثقات "،
ومن فوقه ثقات رجال الشيخين. وعلي بن سعيد الرازي حسن الحديث كما كنت بينته
تحت الحديث (236) . وحسنه ابن النحاس الدمياطي في " مصارع العشاق " (1 /
107) وسبقه إلى ذلك المنذري في " الترغيب " (2 / 200) . ويشهد له حديث
العينة، وفيه: ".. وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلا لا
ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ". وهو حديث صحيح، كما سبق بيانه برقم (11) .
قلت: والحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم كما يشهد بذلك واقع المسلمين
في كثير من البلاد، وما حادثة مهاجمة اليهود للمسلمين وهم سجود صبح الجمعة
من رمضان هذه السنة (1414) في مسجد الخليل في فلسطين ببعيد. وصدق الله: * (
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) *. اسأل الله تعالى أن
يلهم المسلمين الرجوع إلى فهم دينهم فهما صحيحا، والعمل به ليعزهم وينصرهم
على عدوهم.
2664 - " من قال في دبر صلاة الغداة: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك
وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير " مئة مرة، وهو ثان
رجليه، كان يومئذ أفضل أهل الأرض عملا إلا من قال مثل ما قال أو زاد على ما
قال ".(6/353)
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 336 / 8075) و " الأوسط " (4 /
450) وابن السني (رقم - 142) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا آدم
بن الحكم حدثنا أبو غالب عن أبي أمامة مرفوعا، وقال الطبراني: " لم يروه
عن أبي غالب إلا آدم، ولا عنه إلا عبد الصمد ". قلت: وهو ثقة من رجال
الشيخين. وأبو غالب حسن الحديث، وقد مضى مرارا. ومثله آدم بن الحكم،
وهو أبو عباد صاحب الكرابيس البصري. قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 267) : " قال
ابن معين: صالح. وقال أبي: ما أرى بحديثه بأسا ". وفي " اللسان ": "
وقال ابن أبي حاتم: تغير حفظه. وذكره ابن حبان في (الثقات) ". قلت: فمثله
حسن الحديث على أقل الأحوال، ولذلك قال المنذري (1 / 168) : " رواه
الطبراني في " الأوسط " بإسناد جيد ". وقال الهيثمي (10 / 108) : " رواه
الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجال " الأوسط " ثقات ". وفي الحديث
شهادة قوية لحديث شهر بن حوشب الذي فيه هذه الجملة: " وهو ثان رجليه "،
وكنت لا أعمل بها لضعف (شهر) حتى وقفت على هذا الشاهد، وفيه التهليل (مائة
) مكان (عشر) والكل جائز لثبوتهما. فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد
من فضله.(6/354)
2665 - " إذا فتحت عليكم [خزائن] فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف
: نقول كما أمرنا الله. قال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون ثم
تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن
المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض ".
أخرجه مسلم (8 / 212 - 213) وابن ماجه (2 / 481 - 482) والزيادة له قالا
- والسياق لمسلم -: حدثنا عمر بن سواد العامري: أخبرنا عبد الله بن وهب:
أخبرني عمرو بن الحارث: أن بكر بن سوادة حدثه أن يزيد بن رباح (هو أبو فراس
مولى عبد الله بن عمرو بن العاص) حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وأخرجه الفسوي في " التاريخ "
(2 / 514) من طريق شيخين آخرين قالا: حدثنا ابن وهب به. وفيه الزيادة.
2666 - " يقول الله عز وجل: وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين، إذا
أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة
".
رواه ابن المبارك في " الزهد " (163 / 2 من الكواكب 575 ورقم 157 - ط) :
حدثنا عوف عن الحسن مرسلا. قلت: وهذا سند صحيح لولا الإرسال، لكن قال
عقبه ابن صاعد: حدثنا(6/355)
محمد بن يحيى بن ميمون - بالبصرة - قال: حدثنا عبد
الوهاب بن عطاء قال: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم نحوه. قلت: ورجاله كلهم ثقات معروفون حديثهم حسن غير
محمد بن يحيى هذا فلم أجد له ترجمة. لكن تابعه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني:
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء به. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (رقم 2494 -
الموارد) . ثم رأيت الهيثمي (10 / 308) قد أورد الحديث من مرسل الحسن،
ومسند أبي هريرة، ثم قال: " رواهما البزار عن شيخه محمد بن يحيى بن ميمون،
ولم أعرفه، وبقية رجال المرسل رجال " الصحيح "، وكذلك رجال المسند، غير
محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث ". وهو عند البزار (4 / 74 / 3232
و3233 - كشف الأستار) . وأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 482 - 483
) ، من طريق أبي داود حدثنا محمد بن يحيى بن ميمون العتكي حدثنا محمد بن عبد
الوهاب به. قلت: وأبو داود هو (السجستاني) صاحب " السنن " فيكون لابن
ميمون هذا ثلاثة رواة عنه حفاظ: أبو داود وابن صاعد والبزار. ومن كان هذا
شأنه، لا يكون مجهولا ومحله الصدق إن شاء الله تعالى، لاسيما وقد تابعه
الجوزجاني - وهو ثقة حافظ - رواه ابن حبان كما تقدم، وإليه فقط عزاه المنذري
في " الترغيب " (4 / 138) وأشار إلى تقويته.(6/356)
2667 - " حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه ".
أخرجه أبو الشيخ في " التوبيخ " (188) والأصبهاني في " الترغيب " (580)
والبيهقي في " الشعب " (2 / 304 - 2) والبغوي في " التفسير " (7 / 346) عن
المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [عن معاذ بن جبل] :
أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقالوا: لا يأكل حتى يطعم،
ولا يرحل حتى يرحل له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتبتموه، فقالوا:
يا رسول الله، إنما حدثنا بما فيه، قال: فذكره. والسياق للأصبهاني،
والزيادة للبيهقي. قلت: وهذا إسناد حسن لولا أن المثنى بن الصباح ضعيف كان
اختلط بأخرة، وكان عابدا كما في " التقريب "، وقد تابعه ابن لهيعة عن عمرو
به نحوه. أخرجه أبو الشيخ (189) . لكن يشهد له ما أخرجه أبو يعلى في " مسنده
" (4 / 1460 - 1461) وأبو الشيخ (182) والبيهقي من طريق محمد بن أبي حميد
عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم،
فقام رجل، فقالوا: يا رسول الله! ما أعجز، أو قال: ما أضعف فلانا، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: " اغتبتم صاحبكم وأكلتم لحمه ". وقال الهيثمي (
8 / 94) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط "، ولفظه ... (فذكره
نحوه وقال:) وفي إسنادهما محمد بن أبي حميد، ويقال له: حماد، وهو ضعيف
جدا ". قلت: ومن طريقه أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ص 577) . ثم ذكر
له الهيثمي شاهدا آخر من حديث معاذ بن جبل قال:(6/357)
" كنت عند النبي صلى الله عليه
وسلم فذكروا رجلا عنده فقالوا: ما أعجزه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "
اغتبتم أخاكم ". قالوا: يا رسول الله! قلنا ما فيه. قال: " إن قلتم ما ليس
فيه فقد بهتموه ". وقال: " رواه الطبراني، وفيه علي بن عاصم، وهو ضعيف "
. قلت: ومن طريقه أخرجه البيهقي عن المثنى بن الصباح بإسناده المتقدم. وروى
مالك (3 / 150) وعنه أبو الشيخ (190) عن المطلب بن عبد الله بن حنطب
المخزومي أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الغيبة؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ". قال: يا
رسول الله! وإن كان حقا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قلت
باطلا فذلك البهتان ". وأصله في " صحيح مسلم " (8 / 21) وغيره من طريق
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أتدرون ما الغيبة؟
... "، وهو مخرج في " نقد الكتاني " (36) و " تخريج الحلال " (420)
وفيما تقدم (1419) .
2668 - " كان آدم نبيا مكلما، كان بينه وبين نوح عشرة قرون، وكانت الرسل ثلاثمائة
وخمسة عشر ".
أخرجه أبو جعفر الرزاز في " مجلس من الأمالي " (ق 178 / 1) : حدثنا(6/358)
عبد
الكريم ابن الهيثم الديرعاقولي: حدثنا أبو توبة - يعني الربيع بن نافع -:
حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو
أمامة: " أن رجلا قال: يا رسول الله! أنبيا كان آدم؟ قال: نعم، مكلم.
قال: كم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون. قال: يا رسول الله! كم كانت
الرسل؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم
ثقات رجال مسلم غير الديرعاقولي، وهو ثقة ثبت كما قال الخطيب في " تاريخه " (
11 / 78) وكذلك قال ابن حبان في " الثقات " (8 / 423) واعتمده السمعاني في
" الأنساب "، والذهبي في " السير " (13 / 335 - 336) . والحديث أخرجه ابن
حبان أيضا في " صحيحه " (2085 - موارد) وابن منده في " التوحيد " (ق 104 /
2) ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 325 / 2) والطبراني في "
الأوسط " (1 / 24 / 2 / 398 - بترقيمي) وكذا في " الكبير " (8 / 139 - 140
) والحاكم (2 / 262) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وكذا قال ابن عروة الحنبلي في " الكواكب الدراري " (6 / 212 / 1) وقد عزاه
لابن حبان فقط، وقال ابن منده عقبه: " هذا إسناد صحيح على رسم مسلم
والجماعة إلا البخاري. وروي من حديث القاسم أبي عبد الرحمن وغيره عن أبي
أمامة وأبي ذر بأسانيد فيها مقال ". قلت: حديث القاسم، يرويه معان بن رفاعة
: حدثني علي بن يزيد عنه عن أبي أمامة مطولا، وفيه: " قال: قلت: يا نبي
الله! فأي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم عليه السلام. قال:(6/359)
قلت: يا نبي
الله! أو نبي كان آدم؟ قال: نعم، نبي مكلم، خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه
من روحه، ثم قال له: يا آدم قبلا. قال: قلت: يا رسول الله! كم وفى عدد
الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاثمائة
وخمسة عشر، جما غفيرا ". أخرجه أحمد (5 / 265) . وعلي بن يزيد وهو
الألهاني ضعيف. ومعان بن رفاعة لين الحديث كما في " التقريب "، لكن يبدو أنه
لم يتفرد به، فقد قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 159) : " رواه أحمد
والطبراني في " الكبير "، ومداره على علي بن يزيد وهو ضعيف ". هذا وزاد
الطبراني في حديث الترجمة كما تقدم: " قال: كم كان بين نوح وإبراهيم؟ قال:
عشرة قرون ". وقال الهيثمي (8 / 210) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال
الصحيح غير أحمد بن خليد، وهو ثقة ". ولهذه الزيادة شاهد من حديث أبي هريرة
مرفوعا بلفظ: " كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون، وبين نوح
وإبراهيم عشرة قرون، صلى الله عليهما ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 437) : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي قال: حدثنا
الوليد بن مسلم قال:(6/360)
حدثنا أبو عمرو عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي
هريرة مرفوعا به. أورده في ترجمة نصر هذا، وقال: " لا يتابع عليه، ولا
يعرف إلا به ". وقال الذهبي في " الميزان ". " محدث رحال، ذكره ابن حبان في
(الثقات) ". وقال الحافظ في " التقريب ": " لين الحديث ". (تنبيه) : (
رحال) بالراء، ووقع في المطبوعتين من " الميزان " (دجال) بالدال. وهو
تصحيف فاحش، والتصحيح من مخطوطة الظاهرية. وأما حديث أبي ذر الذي أشار إليه
ابن منده فله عنه طرق: الأولى: عن عبيد بن الخشخاش عنه قال: أتيت النبي صلى
الله عليه وسلم وهو في المسجد ... الحديث بطوله، وفيه حديث الترجمة، وفيه
أن الرجل السائل هو أبو ذر نفسه. أخرجه الطيالسي في " مسنده " (478) : حدثنا
المسعودي عن أبي عمرو الشامي عن عبيد بن الخشخاش. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (
5 / 178 و 179) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 1 / 10 و 26) من طرق أخرى عن
المسعودي به. وقال الهيثمي (1 / 160) : " رواه أحمد والبزار والطبراني في
" الأوسط "، وفيه المسعودي وهو ثقة، ولكنه اختلط ". قلت: وعبيد بن
الخشخاش ضعفه الدارقطني، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " (3 / 170)
وقال:(6/361)
" روى عنه الكوفيون ". قلت: والراوي عنه هذا أبو عمرو الشامي كما ترى
. الثانية: عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر به مطولا جدا، وفيه حديث
الترجمة وزيادة عدد الأنبياء المتقدم في حديث علي بن يزيد. أخرجه ابن حبان في
" صحيحه " (94 - الموارد) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 166 - 168) من
طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني: حدثنا أبي عن جدي عن أبي إدريس
الخولاني به. قلت: وإبراهيم هذا متروك متهم بالكذب، لكنه لم يتفرد به، فقد
قال أبو نعيم عقبه: " ورواه المختار بن غسان عن إسماعيل بن سلمة عن أبي إدريس
". قلت: والمختار هذا من رجال ابن ماجه، روى عنه جمع، ولم يذكروا توثيقه
عن أحد، وقال الحافظ: " مقبول ". وشيخه إسماعيل بن سلمة لم أجد له ترجمة،
وغالب الظن أنه محرف والصواب (إسماعيل بن مسلم) فقد ذكروه في شيوخه، وهو
العبدي الثقة، وكذلك المختار هو عبدي، فإذا صح الإسناد إليه، فهو حسن لغيره
. والله أعلم. وتابعه الماضي بن محمد عن أبي سليمان عن القاسم بن محمد عن
أبي إدريس الخولاني به. وفيه عدد الأنبياء أيضا. أخرجه ابن جرير في "
التاريخ " (1 / 150) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، لضعف الماضي بن محمد.
وشيخه أبو سليمان اسمه علي بن سليمان، مجهول.(6/362)
ومثله القاسم بن محمد، وليس
هو المدني الثقة. فقد قال الحافظ ابن حجر: " أظن أنه شامي ". الثالثة: قال
أبو نعيم: ورواه معاوية بن صالح عن أبي عبد الملك محمد بن أيوب عن ابن عائذ
عن أبي ذر بطوله. قلت: وابن أيوب هذا ذكره ابن أبي حاتم (3 / 2 / 196 - 197
) بهذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وابن عائذ لم أعرف اسمه
الآن. الرابعة: عن يحيى بن سعيد العبشمي - من بني سعد بن تميم -: حدثنا ابن
جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر به. أخرجه أبو نعيم، والبيهقي (9 /
4) ، لكن رواه من طريقه الحاكم (2 / 597) فسماه يحيى بن سعيد السعدي البصري
، وسكت عنه، وقال الذهبي: " قلت: السعدي ليس بثقة ". قلت: الذي ليس بثقة
إنما هو يحيى بن سعيد المدني، وهذا بصري فهو غيره، وإليه يميل الحافظ في "
اللسان "، فراجعه. قلت: والعبشمي هذا لم أعرفه، ولم يورده السمعاني في
هذه النسبة. وجملة القول: إن عدد الرسل المذكورين في حديث الترجمة صحيح
لذاته، وأن عدد الأنبياء المذكورين في أحد طرقه، وفي حديث أبي ذر من ثلاث
طرق، فهو صحيح لغيره، ولعله لذلك لما ذكره ابن كثير في " تاريخه " (1 / 97
) من رواية ابن حبان في " صحيحه " سكت عنه، ولم يتعقبه بشيء، فدل على ثبوته
عنده. وكذلك فعل الحافظ ابن حجر في " الفتح " (6 / 257)(6/363)
والعيني في "
العمدة " (7 / 307) ، وغيرهم، وقال المحقق الآلوسي في " تفسيره " (5 /
449) : " وزعم ابن الجوزي أنه موضوع، وليس كذلك. نعم، قيل: في سنده ضعف
جبر بالمتابعة ". وسبقه إلى ذلك والرد على ابن الجوزي الحافظ ابن حجر في "
تخريج الكشاف " (4 / 114) ، وهو الذي لا يسع الباحث المحقق غيره كما تراه
مبينا في تخريجنا هذا والحمد لله. وفي عدد الأنبياء أحاديث أخرى، هي في
الجملة متفقة مع الأحاديث المتقدمة على أن عددهم أكثر من عدد الرسل، رويت من
حديث أبي سعيد الخدري، ومن حديث أنس بن مالك من طرق عنه، عند أبي يعلى
والطبراني والحاكم، لعلنا نتفرغ لتتبعها، وتخريجها في المكان المناسب لها في
فرصة أخرى إن شاء الله تعالى. ثم خرجتها في " الضعيفة " برقم (6090) .
واعلم أن الحديث وما ذكرنا من الأحاديث الأخرى، مما يدل على المغايرة بين
الرسول والنبي، وذلك مما دل عليه القرآن أيضا في قوله عز وجل: * (وما
أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * الآية
. وعلى ذلك جرى عامة المفسرين، من ابن جرير الطبري الإمام، إلى خاتمة
المحققين الآلوسي، وهو ما جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية في غير ما موضع من
فتاويه (المجموع 10 / 290 و 18 / 7) أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.
وقال القرطبي في " تفسيره " (12 / 80) :(6/364)
" قال المهدوي (1) : وهذا هو الصحيح
أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا. وكذا ذكر القاضي عياض في كتاب " الشفا "
، قال: والصحيح الذي عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا
واحتج بحديث أبي ذر.. ". قلت: ويؤكد المغايرة في الآية ما رواه أبو بكر
الأنباري في كتاب " الرد " له بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ: (
وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث) . وقال أبو بكر: فهذا حديث
لا يؤخذ به على أن ذلك قرآن، والمحدث هو الذي يوحى إليه في نومه، لأن رؤيا
الأنبياء وحي. قلت: فإن صح ذلك عن ابن عباس فهو مما يؤكد ما ذكرنا من
المغايرة، وإن كان لا يثبت به قرآن، ويؤيده أن المغايرة هذه رويت عن تلميذه
مجاهد رحمه الله، فقد ذكر السيوطي في " الدر " (4 / 366) برواية ابن المنذر
وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: " النبي وحده الذي يكلم وينزل عليه، ولا يرسل
". فهذا نص من هذا الإمام في التفسير، يؤيد ما تتابع عليه العلماء من القول
بالمغايرة، الموافق لظاهر القرآن وصريح السنة. وكان الدافع على تحرير هذا
أنني رأيت مجموعة رسائل لأحد فضلاء العصر الحاضر، فيها رسالة بعنوان: " إتحاف
الأحفياء برسالة الأنبياء " ذهب فيها إلى عدم التفريق بين الرسول والنبي.
وبحثه فيها يدل المحقق المطلع على بحوث العلماء وأقوالهم، على أن المؤلف لها
حفظه الله ارتجلها ارتجالا دون أن يتعب نفسه بالبحث عن أقوال العلماء في
المسألة، وإلا فكيف جاز له أن يقول (ج 1 / 429) : 1 - " وأسبق من رأينا
تكلم بهذا التفريق هو العلامة ابن كثير ... "!
_________
(1) من علماء المغرب، واسمه محمد بن إبراهيم المهدوي. توفي سنة (595) .(6/365)
وقد سبقه إلى ذلك مجاهد،
التابعي الجليل (ت 104) وشيخ المفسرين ابن جرير (ت 310) والبغوي (ت 516
) والقرطبي (ت 671) والزمخشري (ت 538) ، وغيرهم ممن أشرت إليهم آنفا.
2 - كيف يقول (ص 431) : " إن ابن تيمية لم يذكر التفريق المشار إليه في كتابه
(النبوات) "! وليس من اللازم أن يذكر المؤلف كل ما يعلمه في الموضوع في
كتاب واحد، فقد ذكر ذلك ابن تيمية في غير ما موضع من فتاواه، فلو أنه راجع "
مجموع الفتاوى " له لوجد ذلك في (10 / 290 و 18 / 7) . ومن ذلك تعلم بطلان
قوله عقب ذلك: " فهذه الغلطة في التفريق بين الرسول والنبي يظهر أنها إنما
دخلت على الناس من طريق حديث موضوع رواه ابن مردويه عن أبي ذر، وهو حديث طويل
جدا لا يحتمل أبو ذر حفظه مع طوله.. "! أقول: ليس العمدة في التفريق المذكور
على هذا الحديث الطويل الذي زعم أن أبا ذر لا يتحمل حفظه كما شرحت ذلك في هذا
التخريج الفريد في بابه فيما أظن، وتالله إن هذا الزعم لبدعة في علم الجرح
والتعديل ما سبق - والحمد لله - من أحد إلى مثلها! وإلا لزمه رد أحاديث كثيرة
طويلة صحيحة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، كحديث صلح الحديبية، وحديث الدجال
والجساسة، وحديث عائشة: " كنت لك كأبي زرع لأم زرع "، وغيرها. ولعله لا
يلتزم ذلك إن شاء الله تعالى وتقليده لابن الجوزي في حكمه على الحديث بالوضع
مردود، لأن التقليد ليس بعلم، كما لا يخفى على مثله، ثم لماذا آثر تقليده
على تقليد الذين ردوا عليه حكمه عليه بالوضع؟ كالحافظ العسقلاني والمحقق
الآلوسي وغيرهما ممن(6/366)
سبقت الإشارة إلى كلامهم، لاسيما وهو يعلم تشدد ابن
الجوزي في نقده للأحاديث، كما يعلم إن شاء الله أن نقده لو سلم به، خاص في
بعض طرق الحديث التي خرجتها هنا. ومن غرائبه أنه ذكر آية الأمنية: * (وما
أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى..) * وأن الواو تفيد المغايرة
، ثم رد ذلك بقوله: " والجواب أن مثل هذا يقع كثيرا في القرآن وفي السنة
يعطف بالشيء على الشيء، ويراد بالتالي نفس الأول كما في قوله: * (إن
المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات) *، فغاير بينهما بحرف العطف،
ومعلوم أن المسلمين هم المؤمنون، والمؤمنين هم المسلمون ". فأقول: هذا غير
معلوم، بل العكس هو الصواب، كما شرح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه،
وبخاصة منها كتابه " الإيمان "، ولذلك قال في " مختصر الفتاوى المصرية " (ص
586) : " الذي عليه جمهور سلف المسلمين: أن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم
مؤمنا، فالمؤمن أفضل من المسلم، قال تعالى 49: 14: * (قالت الأعراب آمنا قل
لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * ". فالآية كما ترى حجة عليه، ويؤيد ذلك
تمامها: * (القانتين والقانتات ... ) * الآية: فإن من الظاهر بداهة أنه ليس
كل مسلم قانتا! ثم ذكر آية أخرى لا تصلح أيضا دليلا له، وهي قوله تعالى: * (
قل من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال..) *، قال: فعطف
بجبريل وميكال على الملائكة وهما منهم ". أقول: نعم، ولكن هذا ليس من باب
عطف الشيء على الشيء ويراد(6/367)
بالتالي نفس الأول كما هو دعواه، وإنما هذا من
باب عطف الخاص على العام. وهذا مما لا خلاف فيه، ولكنه ليس موضع البحث كما
هو ظاهر للفقيه. نعم إن ما ذهب إليه المومى إليه في الرسالة السابقة من إنكار
ما جاء في بعض كتب الكلام في تعريف النبي أنه من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر
بتبليغه، فهو مما أصاب فيه كبد الحقيقة، ولطالما أنكرناه في مجالسنا
ودروسنا، لأن ذلك يستلزم جواز كتمان العلم مما لا يليق بالعلماء، بله الأنبياء
، قال تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما
بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) *. ولعل المشار
إليه توهم أن هذا المنكر إنما تفرع من القول بالتفريق بين الرسول والنبي،
فبادر إلى إنكار الأصل ليسقط معه الفرع، كما فعل بعض الفرق قديما حين بادروا
إلى إنكار القدر الإلهي إبطالا للجبر، وبعض العلماء في العصر الحاضر إلى
إنكار عقيدة نزول عيسى وخروج المهدي عليهما السلام، إنكارا لتواكل جمهور من
المسلمين عليها. وكل ذلك خطأ، وإن كانوا أرادوا الإصلاح، فإن ذلك لا يكون
ولن يكون بإنكار الحق الذي قامت عليه الأدلة. ولو أن الكاتب المشار إليه
توسع في دراسة هذه المسألة قبل أن يسود رسالته، لوجد فيها أقوالا أخرى
استوعبها العلامة الآلوسي (5 / 449) ، ولكان بإمكانه أن يختار منها ما لا
نكارة فيه كمثل قول الزمخشري (3 / 37) : " والفرق بينهما، أن الرسول من
الأنبياء: من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه. والنبي غير الرسول: من
لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله ". ومثله
قول البيضاوي في " تفسيره " (4 / 57) :(6/368)
" الرسول: من بعثه الله بشريعة مجددة
يدعو الناس إليها، والنبي يعمه، ومن بعثه لتقرير شرع سابق، كأنبياء بني
إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام، ولذلك شبه النبي صلى الله
عليه وسلم علماء أمته بهم ". يشير إلى حديث " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل
" ولكنه حديث لا أصل له، كما نص على ذلك الحافظ العسقلاني والسخاوي وغيرهما
. ثم إنهم قد أوردوا على تعريفه المذكور اعتراضات يتلخص منها أن الصواب حذف
لفظة " مجددة " منه، ومثله لفظة " الكتاب " في تعريف الزمخشري، لأن إسماعيل
عليه السلام، لم يكن له كتاب ولا شريعة مجددة، بل كان على شريعة إبراهيم
عليهما السلام، وقد وصفه الله عز وجل في القرآن بقوله: * (إنه كان صادق
الوعد وكان رسولا نبيا) *. ويبقى تعريف النبي بمن بعث لتقرير شرع سابق،
والرسول من بعثه الله بشريعة يدعو الناس إليها، سواء كانت جديدة أو متقدمة.
والله أعلم.
2669 - " ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 82 / 2) : حدثنا حفص بن عمر بن الصباح
الرقي أخبرنا أبو حذيفة موسى بن مسعود أخبرنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن
مالك بن مرثد عن أبيه قال: " قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله! ماذا ينجي
العبد من النار؟ قال: الإيمان بالله. قلت: يا نبي الله! إن مع الإيمان عمل
؟ قال: يرضح مما رزقه الله، قلت: يا رسول الله! أرأيت إن كان فقيرا لا يجد
ما يرضح به؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى(6/369)
عن المنكر. قلت: يا رسول الله!
أرأيت إن كان عييا لا يستطيع أن يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر؟ قال: يصنع
لأخرق. قلت: أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئا؟ قال: يعين مغلوبا.
قلت: أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مظلوما؟! فقال: ما تريد أن تترك
في صاحبك من خير؟! تمسك الأذى عن الناس. فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل
الجنة؟! قال: فذكره.. ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم موثقون، وقال
الهيثمي (3 / 135) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". قلت:
وفيه تساهل ظاهر، فإن مرثدا والد مالك وهو ابن عبد الله الزماني لم يوثقه
غير ابن حبان والعجلي، ولم يرو عنه غير ابنه، ولذلك قال الحافظ فيه: "
مقبول ". وحفص بن عمر الرقي، قال أبو أحمد الحاكم: " حدث بغير حديث لم
يتابع عليه ". وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: " ربما أخطأ ". وقد
تابعه أبو الوليد الطيالسي: أخبرنا عكرمة بن عمار.. عند البيهقي في " الشعب "
(3 / 204) . لكن للحديث طريق أخرى يتقوى بها، قال الأوزاعي: حدثني أبو كثير
السحيمي عن أبيه قال: سألت أبا ذر، قلت: دلني على عمل إذا عمل العبد به دخل
الجنة؟ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بنحوه.(6/370)
أخرجه
ابن حبان (863) والحاكم (1 / 63) وعنه البيهقي في " الشعب " (3 / 203)
، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم، فقد احتج في كتابه بأبي كثير الزبيدي،
واسمه يزيد بن عبد الرحمن بن أذينة، وهو تابعي معروف، يقال له: أبو كثير
الأعمى ". ووافقه الذهبي. وتقدم من طريق آخر عن أبي ذر مختصرا (575) .
قلت: وقيل في اسمه: يزيد بن عبد الله بن أذينة، وقيل: ابن غفيلة. وظاهر
كلام الحاكم أن أباه من رجال مسلم، ولم أره في " التهذيب " لا في عبد الله بن
أذينة، ولا في عبد الرحمن بن أذينة. نعم، أورد فيه عبد الرحمن بن أذينة بن
سلمة العبدي الكوفي قاضي البصرة، روى عن أبيه وأبي هريرة وعنه أبو إسحاق
السبيعي وو ... ولم يذكر ابنه فيهم، فهو غير المترجم. والله أعلم.
2670 - " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله
جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله ".
أخرجه الترمذي (3630) والدارمي (1 / 12) وأبو نعيم في " الدلائل " (ص
138) والحاكم (2 / 620) عن الوليد بن أبي ثور عن السدي عن عباد بن أبي يزيد
عن علي بن أبي طالب قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث [حسن] غريب ".
قلت: إسناده ضعيف، عباد هذا قال الذهبي: " لا يدرى من هو " والوليد بن أبي
ثور ضعيف، فلعل تحسين الترمذي إياه - وهو مما وقع في بعض النسخ ونقله
المنذري (2 / 146) عنه - إنما هو لأن له طريقا أخرى وشواهد يتقوى(6/371)
بها،
وكذلك صححه الحاكم، ووافقه الذهبي. أما الطريق الأخرى، فهو ما أخرجه
الطبراني في " الأوسط " (3 / 315 - مصورة الجامعة) من طريق زياد بن خيثمة عن
السدي عن أبي عمارة الخيواني عن علي به مختصرا بلفظ: " خرجت مع النبي صلى الله
عليه وسلم فجعل لا يمر على حجر، ولا شجر إلا سلم عليه ". قلت: وهذا إسناد
صحيح، رجاله ثقات معروفون، خلافا لقول الهيثمي: " والتابعي أبو عمارة
الخيواني لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: بل هو معروف، وهو بالخاء
المعجمة نسبة إلى خيوان بن زيد، جده الأعلى، وهو عبد خير بن زيد الهمداني،
ثقة معروف بالرواية عن علي رضي الله عنه، فصح الحديث والحمد لله. ويشهد
للحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن
أبعث، وإني لأعرفه الآن ". أخرجه مسلم وابن حبان وصححه البغوي في " شرح
السنة " (13 / 287 / 3709) وغيرهم، وهو مخرج في " الروض النضير " (185)
وقد قلبه بعض الضعفاء، فقال: " ليالي بعثت ". وقد بينت ذلك بيانا شافيا في
بحث أودعته في " الضعيفة " برقم (6574) .
2671 - " من أخاف أهل المدينة أخافه الله ".
أخرجه ابن حبان (1039) من طريق عبد الرحمن بن عطاء عن محمد بن جابر بن عبد
الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا
إسناد جيد في المتابعات والشواهد، ورجاله ثقات إلا أن ابن(6/372)
عطاء هذا فيه لين
كما قال الحافظ في " التقريب "، وقد صح بإسناد آخر عن جابر بلفظ: " ... فقد
أخاف ما بين جنبي ". أخرجه أحمد (3 / 354 و 393) مطولا ومختصرا. لكني وجدت
للفظ الترجمة شاهدا قويا من حديث السائب بن خلاد مرفوعا به وزاد: " وعليه
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ". أخرجه
النسائي في " الكبرى " (89 / 2) وأحمد (3 / 55 و 56) والطبراني في "
المعجم الكبير " (7 / 169 / 6631) من طريق يحيى بن سعيد عن مسلم بن أبي مريم
عن عطاء بن يسار عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ثم أخرجوه هم،
وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 372) من طريق يزيد بن خصيفة عن عبد الرحمن بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن عطاء بن يسار أخبره به، وزاد: "
ظالما لهم ". وإسناده صحيح أيضا على شرط الشيخين، ويزيد هو ابن عبد الله بن
خصيفة المدني. والحديث أورده المنذري (2 / 147) برواية النسائي والطبراني
عن السائب بن خلاد مرفوعا بلفظ: " اللهم من ظلم أهل المدينة، وأخافهم فأخفه
، وعليه لعنة الله ... " إلخ. قلت: وهذا اللفظ للطبراني (6636) فقط،
فإنه ليس عند النسائي إلا باللفظ(6/373)
المتقدم، وهو حسن بما قبله، ورجاله ثقات
غير عائشة بنت المنذر، والصواب (بنت الزبير) كما في ترجمة الراوي عنها (
معاوية بن عبد الله الزبيري) في كتاب ابن أبي حاتم وغيره، وقد وثقها ابن
حبان (7 / 307) .
2672 - " إن السيوف مفاتيح الجنة ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 145 / 2) : حدثنا زيد بن حباب عن جعفر
بن سليمان الضبعي أخبرنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري
قال: سمعت أبي تجاه العدو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
فقال له رجل رث الهيئة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:
نعم، فسل سيفه، وكسر غمده والتفت إلى أصحابه وقال: أقرأ عليكم السلام،
ثم تقدم إلى العدو فقاتل حتى قتل. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات
رجال الشيخين غير زيد بن الحباب وشيخه الضبعي، فهما من رجال مسلم وحده،
وفيهما كلام لا يضر. وله شاهد من رواية يزيد بن أبي زياد - وهو الهاشمي
مولاهم - عن مجاهد عن يزيد بن شجرة في خطبة له قال في آخرها: " نبئت أن السيوف
مفاتيح الجنة ". رواه الطبراني من طريقين إحداهما جيدة صحيحة كما قال المنذري
(2 / 195) . وقال الهيثمي (5 / 294) : " رجالها رجال الصحيح ". قلت:
أخرجه في " الكبير " (22 / 246 - 247) من طريقين، أحدهما عن عبد الرزاق،
وهذا في " المصنف " (5 / 256 - 257) عن الثوري عن منصور عن مجاهد به.(6/374)
وهذا
إسناد صحيح موقوف. لكن له طريق أخرى مرفوع، يرويه إسماعيل بن عياش عن عبد
العزيز بن حمزة قال: سمعت يزيد بن شجرة بأرض الروم يقول: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره، أخرجه الحاكم (3 / 494) . وعبد العزيز بن حمزة لم
أجد له ترجمة، ويحتمل أنه عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة الحمصي، فقد ذكر
في شيوخ ابن عياش، فإن يكن هو فهو ضعيف. ووجدت للهاشمي متابعا قويا لو ثبت
الإسناد إليه، فقال أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (6 / 66 / 1) : أخبرنا
محمد بن يونس بن موسى القرشي أخبرنا يحيى بن كثير أخبرنا شعبة عن الأعمش عن
مجاهد به. ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير القرشي هذا - وهو الكديمي -
وهو كذاب. لكن يشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " الجنة تحت ظلال السيوف
". رواه البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى، ومسلم عن أبي موسى، وهو مخرج في
" الإرواء " (5 / 6 - 7) .
2673 - " ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم القيامة: عين بكت من خشية الله وعين حرست في
سبيل الله وعين غضت عن محارم الله ".
روي من حديث معاوية بن حيدة وعبد الله بن عباس وأبي ريحانة وأبي هريرة
وأنس بن مالك.(6/375)
1 - أما حديث معاوية بن حيدة فيرويه أبو حبيب الغنوي عن بهز بن
حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه الخلعي في " الفوائد " (ق 106 / 1)
وابن عساكر في " التاريخ " (3 / 297 / 1) كلاهما من طريق أبي يعلى عن أبي حبيب
الغنوي به. قلت: وهذا إسناد حسن، لولا أن أبا حبيب هذا لم أجد من ذكره،
وإلى ذلك أشار الهيثمي بقوله (5 / 288) : " رواه الطبراني، وفيه أبو حبيب
العنقزي، ويقال: (القنوي) ، ولم أعرفه ". ونحوه في " الترغيب " (2 /
154 و 3 / 64) . وذكره المزي في الرواة عن بهز، ووقع فيه (القنوي) ووقع
في المصدرين المذكورين للحديث: (الغنوي) ، وهذا اختلاف شديد في هذه النسبة
لم يتبين لي الصواب من ذلك كما شرحته في التعليق على الحديث في " صحيح الترغيب
والترهيب " (رقم 1217) .
2 - وأما حديث ابن عباس، فجاء من وجهين اثنين:
الأول: عن شعيب بن رزيق أبي شيبة: حدثنا عطاء الخراساني عن عطاء بن أبي رباح
عنه بلفظ: " عينان لا تمسهما النار.. " الحديث دون الجملة الثالثة. أخرجه
الترمذي (1639) والبيهقي (1 / 488 / 796) والمزي في " التهذيب " (12 /
525) وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب ". قلت: هو
صدوق يخطىء كما قال الحافظ، وإنما العلة (عطاء الخراساني) فإنه يخطىء كثيرا
.(6/376)
الثاني: عن أبي الفرج بن المسلمة في " مجلس من الأمالي " (120 / 1 - 2) عن
عبد الله بن قريش قال: وجدت في " كتاب الفرج ": حدثنا عمر بن يزيد: حدثنا
معن بن خالد عن سعيد بن جبير عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه علل:
الأولى: الفرج - وهو ابن فضالة الشامي - ضعيف. الثانية: عمر بن يزيد،
الظاهر أنه النضري الشامي، ذكره أبو زرعة في " ثقات الشاميين "، وقال ابن
حبان (2 / 89) : " كان ممن يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، لا يجوز
الاحتجاج به على الإطلاق، وإن اعتبر بما يوافق الثقات فلا ضير ". الثالثة:
معبد بن خالد، الظاهر أنه من شيوخ بقية، مجهول.
3 - وأما حديث أبي ريحانة:
عبد الرحمن بن شريح قال: سمعت محمد بن شمير الرعيني يقول: سمعت أبا عامر
الجنبي يقول: سمعت أبا ريحانة يقول: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة ... " الحديث، وفيه: ثم قال صلى الله عليه وسلم: " حرمت النار على
عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله، أو
قال: حرمت النار على عين أخرى ثالثة لم يسمها محمد بن بكير ". أخرجه ابن أبي
شيبة في " المصنف " (7 / 158 / 2 - 159 / 1) وعنه ابن أبي عاصم في " الجهاد
" (ق 86 / 2) وأحمد (4 / 134 - 135) والحاكم (2 / 83) وعنه البيهقي (
9 / 149) (1) ، وزادا:
_________
(1) وللنسائي (2 / 56) جملة السهر منه. اهـ.(6/377)
" قال أبو شريح - وهو عبد الرحمن بن شريح -:
وسمعته بعد أن قال: حرمت النار على عين غضت عن محارم الله، أو عين فقئت في
سبيل الله ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي! كذا قال مع
أنه أورد محمد بن شمير في " الميزان "، وقال: " لم يرو عنه غير عبد الرحمن
بن شريح ". ولم يوثقه غير ابن حبان، ولكن ابن حبان قال: " روى عنه
المصريون ". وجزم ابن القطان بأن عبد الرحمن بن شريح تفرد بالرواية عنه،
وأنه لا يعرف كما في " التهذيب " ولهذا قال في " التقريب ": " مقبول ". يعني
عند المتابعة.
4 - وأما حديث أبي هريرة، فله ثلاث طرق: الأولى: عن عمر بن
راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه به، إلا أنه
قال مكان " عين غضت عن محارم الله ": عين فقئت في سبيل الله ". والباقي مثله
. أخرجه الحاكم (2 / 82) وعنه البيهقي (1 / 488 / 795) وقال الحاكم: "
صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: عمر ضعفوه ". الثانية: عن
صالح بن كيسان قال: قال أبو عبد الرحمن: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره نحو
حديث الترجمة دون الجملة الثالثة.(6/378)
أخرجه البخاري في " الكنى " (50 / 436)
وعبد بن حميد في " المنتخب " (3 / 208 / 1445) والحاكم (2 / 82 - 83) وعنه
البيهقي (4 / 16 - 17) . قلت: بيض له الحاكم، وأعله الذهبي معقبا عليه
بقوله: " قلت: فيه انقطاع ". كذا قال، ولعل الصواب أن يقال: فيه جهالة
لأن عبد الرحمن هذا غير معروف إلا في هذه الرواية، ولم يوثقه غير ابن حبان (
5 / 568) وقد صرح بالسماع، فأين الانقطاع؟! ومن المحتمل أنه يعني
بالانقطاع قول (صالح بن كيسان) : " قال: قال أبو عبد الرحمن ". ولكني
أستبعده جدا، لأن صالحا هذا ثقة غير مدلس، فلا فرق بين قوله: " قال " وقوله
: " عن " و " ذكر " ونحوه، كما هو مقرر في علم المصطلح. الثالثة: عن عمر بن
سهل المازني عن عمر بن صهبان عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عنه مرفوعا به نحوه
، إلا أنه قال: " وعين خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله ". أخرجه
البزار (2 / 262 / 1659) وغيره. وعمر بن سهل المازني ضعيف، لكنه قد توبع
، فالعلة من شيخه ابن صهبان، وقد تفرد بذكر هذه الزيادة: " مثل رأس الذباب "
ولذلك أوردت حديثه هذا في " الضعيفة " (1562 و 5144) .
5 - وأما حديث أنس
فيرويه شبيب بن بشر عنه مرفوعا مثل حديث الترمذي. أخرجه أبو يعلى في " مسنده "
(7 / 307 - 308) ومن طريقه الضياء(6/379)
المقدسي في " المختارة " (ق 131 / 1)
والطبراني في " الأوسط " (2 / 54 / 1 / 5908) وأبو نعيم في " الحلية " (7 /
119) وقالا: " تفرد به زافر بن سليمان ". قلت: هو أبو سليمان الإيادي وهو
صدوق كثير الأوهام، لكنه عند أبي يعلى من طريق أخرى عن (شبيب بن بشر) وهو
صدوق يخطىء، فحديثه حسن، وهو بما تقدم من الشواهد صحيح بلا ريب، وبخاصة أن
له طريقين آخرين عن أنس، أحدهما في " تاريخ بغداد " (2 / 360) والآخر عند
العقيلي (4 / 346) والشهاب القضاعي (1 / 212 / 321) وقال العقيلي: "
والرواية في هذا الباب لينة، وفيها ما هو أصلح من هذا الإسناد ". وكأنه يعني
رواية شبيب بن بشر. والله أعلم. وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح على
الراجح. والله أعلم.
2674 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجن في الصلاة. يعني: يعتمد ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 239 / 1 - مصورة الجامعة الإسلامية
رقم 419 - ط) : حدثنا علي بن سعيد الرازي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر بن
أبان قال: أخبرنا يونس بن بكير قال: أخبرنا الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة
عن الأزرق بن قيس قال: رأيت عبد الله بن عمر وهو يعجن في الصلاة، يعتمد
على يديه إذا قام، فقلت: ما هذا يا أبا عبد الرحمن؟ قال: فذكره، وقال: "
لم يرو هذا الحديث عن الأزرق إلا الهيثم، تفرد به يونس بن بكير ".(6/380)
قلت: وهو
صدوق حسن الحديث من رجال مسلم، وفيه كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن إن
شاء الله تعالى. لكن شيخه الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة لم أعرفه، ولم أر
أحدا ذكره، فأخشى أن يكون وقع في الرواية شيء من التحريف، فقد أخرج الحديث
أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " هكذا: حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا يونس
بن بكير عن الهيثم عن عطية بن قيس عن الأزرق بن قيس به. والحربي ثقة إمام
حافظ، فروايته مقدمة على رواية علي بن سعيد الرازي، فإن هذا وإن وثقه مسلمة
بن قاسم فقد قال الدارقطني: " ليس بذاك "، فقوله في الإسناد: " الهيثم بن
علقمة بن قيس بن ثعلبة " يكون من أوهامه إن كان محفوظا عنه، والصواب قول
الحربي: " الهيثم عن عطية بن قيس ". والهيثم هذا هو ابن عمران الدمشقي،
وثقه ابن حبان، وقد روى عنه جمع من الثقات كما كنت حققته في " الكتاب الآخر "
تحت الحديث (967) مفصلا القول هناك في مشروعية الاعتماد على اليدين عند
القيام من السجدة الثانية أو التشهد الأول، وذكرت هناك متابعا قويا لعطية بن
قيس فراجعه. ومن العجيب أن يخفى هذا الحديث على كل من صنف في " التخريج " كما
ذكرت هناك، وأعجب منه أن لا يورده الهيثمي في " مجمع البحرين في زوائد
المعجمين "، بل ولا في " مجمع الزوائد "، مع أنه أورد فيه ما يخالفه، فقال
(2 / 136) : " وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: رمقت عبد الله بن مسعود في
الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس، قال: ينهض على صدور قدميه في الركعة الأولى
والثالثة. رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال الصحيح ".(6/381)
ونحوه ما
صنعه الحافظ في " التلخيص الحبير "، فإنه بعد أن ذكر حديث ابن عباس بمعنى حديث
الترجمة، ونقل أقوال مخرجيه في تضعيف حديث ابن عباس وإبطاله، قال (1 / 260
) : " وفي " الطبراني الأوسط " عن الأزرق بن قيس: رأيت عبد الله بن عمر وهو
يعجن في الصلاة، يعتمد على يديه إذا قام كما يفعل الذي يعجن "! فذكر الموقوف
دون المرفوع منه، فأوهم القارىء خلاف الواقع، ولذلك كنت سميته في الكتاب
السابق الذكر أثرا اعتمادا عليه، فلما وقفت على لفظه في " المعجم الأوسط "
بادرت إلى إخراجه هنا وسقته كما رأيته فيه وتكلمت على إسناده نصحا للأمة،
وتأكيدا لما كنت ذكرته هناك من ثبوت الحديث. والحمد لله الذي بنعمته تتم
الصالحات. ولابد من التنبيه هنا على خطأ وقع لي ثمة، وذلك أنني رجحت أن عبد
الله بن عمر - شيخ الحربي - الصواب فيه عبيد الله (مصغرا) ، فلما وقفت على
رواية الطبراني ومطابقتها لرواية الحربي، بل زاد فسمى جده (أبان) تبين لي
الخطأ، وأن الصواب كما وقع في الروايتين: (عبد الله بن عمر) وهو ابن محمد
بن أبان الأموي مولاهم الكوفي، وهو ثقة أيضا من رجال مسلم. ثم رأيت ليونس بن
بكير متابعا، أخرجه الطبراني في " الأوسط " أيضا (1 / 190 / 2 رقم 3371 - ط)
من طريق عبد الحميد الحماني قال: أخبرنا الهيثم بن عطية البصري عن الأزرق بن
قيس قال: " رأيت ابن عمر في الصلاة يعتمد إذا قام، فقلت: ما هذا؟ قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ". وقال: " لم يروه عن الأزرق إلا
الهيثم، تفرد به الحماني ".(6/382)
قلت: وفيه ضعف، والهيثم بن عطية هذا لم أعرفه
أيضا، ولعله ".. عن عطية " كما تقدم في رواية أبي إسحاق الحربي. والله
أعلم. (تنبيه) : ألف بعض الفضلاء جزءا في كيفية النهوض في الصلاة، نشره سنة
(1406) ، تأول فيه بعض الأحاديث الصحيحة على خلاف تفسير العلماء، وحشر
أحاديث ضعيفة مقويا تأويله بها، وضعف حديثنا هذا الصحيح بأمور وعلل دلت على
أنه كان الأولى به أن لا يدخل نفسه فيما لا يحسنه، فرددت عليه ردا مسهبا مبينا
أخطاءه الحديثية والفقهية في كتابي " تمام المنة " (ص 196 - 207) ، فمن شاء
التوسع رجع إليه.
2675 - " من السنة النزول بـ (الأبطح) عشية النفر ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 198 / 2 - 199 / 1) قال: حدثنا
الحسين بن محمد بن حاتم العجل قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأذرمي قال:
أخبرنا القاسم بن يزيد الجرمي قال: أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن
الأسود عن عمر بن الخطاب قال: فذكره. وقال: " لم يروه عن سفيان إلا
القاسم الجرمي ". قلت: وهو ثقة اتفاقا، ومثله الأذرمي الراوي عنه. وأما
الحسين بن محمد - وهو المعروف بعبيد العجل - فهو ثقة حافظ متقن كما قال الخطيب
(8 / 94) وهو من تراجم الذهبي في " تذكرة الحفاظ ". وأما من فوقهم فثقات
كلهم من رجال الشيخين لا يسأل عن مثلهم.(6/383)
فالإسناد صحيح، ولقد قصر الهيثمي
حين اقتصر على تحسينه في " المجمع " (3 / 282) : " رواه الطبراني في " الأوسط
"، وإسناده حسن "! ولقد بادرت إلى تخريج هذا الحديث فور حصولي على نسخة
مصورة من " المعجم الأوسط " لعزته، وقلة من أورده من المخرجين وغيرهم،
ولكونه شاهدا قويا لما رواه مسلم (4 / 85) عن نافع أن ابن عمر كان يرى التحصيب
سنة. قلت: فكأن ابن عمر تلقى ذلك من أبيه رضي الله عنهما، فتقوى رأيه بهذا
الشاهد الصحيح عن عمر. وليس بخاف على أهل العلم أنه أقوى في الدلالة على
شرعية التحصيب من رأي ابنه، لما عرف عن هذا من توسعه في الاتباع له صلى الله
عليه وسلم حتى في الأمور التي وقعت منه صلى الله عليه وسلم اتفاقا لا قصدا،
والأمثلة على ذلك كثيرة، وقد ذكر بعضها المنذري في أول " ترغيبه " (1) ، بخلاف
أبيه عمر كما يدل على ذلك نهيه عن اتباع الآثار (2) ، فإذا هو جزم أن التحصيب
سنة، اطمأن القلب إلى أنه يعني أنها سنة مقصودة أكثر من قول ابنه بذلك،
لاسيما ويؤيده ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال لنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ونحن بمنى: " نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على
الكفر ". وذلك أن قريشا وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا
يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني
بذلك التحصيب. والسياق لمسلم.
_________
(1) انظر كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 22 - 23 / 43 - 46) وهو تحت
الطبع. ثم طبع المجلد الأول منه سنة (1408) . ثم شرعنا في طبع الثاني منه في
رجب هذه السنة (1415) يسر الله نشره.
(2) انظر كتابي " تحذير الساجد " (ص 136 / 6) . اهـ.(6/384)
قال ابن القيم في " زاد المعاد ": " فقصد
النبي صلى الله عليه وسلم إظهار شعائر الإسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر
الكفر، والعداوة لله ورسوله. وهذه كانت عادته صلوات الله وسلامه عليه:
أن يقيم شعار التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك كما أمر صلى الله عليه وسلم
أن يبنى مسجد الطائف موضع اللات والعزى ". وأما ما رواه مسلم عن عائشة أن
نزول الأبطح ليس بسنة، وعن ابن عباس أنه ليس بشيء. فقد أجاب عنه المحققون
بجوابين: الأول: أن المثبت مقدم على النافي. والآخر: أنه لا منافاة بينهما
، وذلك أن النافي أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء، والمثبت أراد
دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم، لا الإلزام بذلك. قال
الحافظ عقبه (3 / 471) : " ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب
والعشاء، ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس وابن عمر ". قلت: وهما
في " مختصري لصحيح البخاري " (كتاب الحج / 83 - باب و 148 - باب) . (الأبطح
) : يعني أبطح مكة، وهو مسيل واديها، ويجمع على البطاح والأباطح، ومنه
قيل: قريش البطاح، هم الذين ينزلون أباطح مكة وبطحاءها. " نهاية " و (
التحصيب) : النزول بـ (المحصب) وهو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة
ومنى. وهو أيضا (خيف بني كنانة) .(6/385)
2676 - " تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. يعني إتمام المسافر إذا اقتدى
بالمقيم، وإلا فالقصر ".
هذه السنة الصحيحة يرويها قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي عن ابن عباس رضي
الله عنه. ويرويه عن قتادة جمع: الأول: أيوب عنه عن موسى قال: كنا مع ابن
عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا، وإذا رجعنا إلى رحالنا
صلينا ركعتين؟ قال: فذكره. أخرجه أحمد (1 / 216) والسراج في " مسنده " (
ق 120 / 1) والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 278 / 1 - مصورة الجامعة
الإسلامية) وأبو عوانة في " مسنده " (2 / 340) من طريق محمد بن عبد الرحمن
الطفاوي، والطبراني أيضا (2 / 92 / 2) من طريق الحارث بن عمير كلاهما عن
أيوب عنه به، وزاد هو والسراج: " وإن رغمتم "، وقال: " لم يروه عن أيوب
إلا الحارث بن عمير والطفاوي ". الثاني: شعبة عنه به، ولفظه: قال: سألت
ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: ركعتين سنة
أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم (2 / 143 - 144) والنسائي (1 /
212) وابن خزيمة في(6/386)
" صحيحه " (951) والبيهقي (3 / 153) وابن حبان (4
/ 185 / 2744) وأحمد (1 / 290 و 337) وأبو عوانة والطحاوي (1 / 245)
ولفظ البيهقي: " كم أصلي إذا فاتتني الصلاة في المسجد الحرام؟ ... ".
والباقي مثله. الثالث: سعيد بن أبي عروبة عنه نحوه. أخرجه مسلم (3 / 144)
والنسائي، وأحمد (1 / 369) . الرابع: هشام الدستوائي. قال الطيالسي في "
مسنده " (2742) : حدثنا هشام عنه به. ولفظه: قلت لابن عباس: إذا لم أدرك
الصلاة في المسجد الحرام كم أصلي بـ (البطحاء) ؟ قال: ركعتين.. إلخ.
وأخرجه أحمد (1 / 226) : حدثنا يحيى عن هشام به. الخامس: همام: أخبرنا
قتادة به مثل لفظ هشام. أخرجه أحمد (1 / 290) . وقد صرح قتادة بالتحديث
عنده في رواية شعبة. قلت: وفي الحديث دلالة صريحة على أن السنة في المسافر
إذا اقتدى بمقيم أنه يتم ولا يقصر، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، بل
حكى الإمام الشافعي في " الأم " (1 / 159) إجماع عامة العلماء على ذلك،
ونقله الحافظ ابن حجر عنه في " الفتح " (2 / 465) وأقره، وعلى ذلك جرى عمل
السلف، فروى مالك في " الموطأ " (1 / 164) عن نافع: أن ابن عمر أقام بمكة
عشر ليال يقصر الصلاة، إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته.(6/387)
وفي رواية
عنه: أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا، فإذا صلى لنفسه
صلى ركعتين. ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " (954) من طريق أخرى عن ابن عمر.
وأخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 244) من طريق مالك، ومن قبله
الإمام محمد في " موطئه " (ص 127 - 128) وقال: " وبهذا نأخذ إذا كان
الإمام مقيما والرجل مسافر، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ". وقوله: " إذا
كان الإمام مقيما ... " مفهومه - ومفاهيم المشايخ معتبرة عندهم! - أن الإمام
إذا كان مسافر فأتم - كما يفعل بعض الشافعية -، أن المسافر المقتدي خلفه يقصر
ولا يتم، وهذا خلاف ما فعله ابن عمر رضي الله عنهما، وتبعه على ذلك غيره
من الصحابة، منهم عبد الله بن مسعود - الذي يتبنى الحنفية غالب أقواله - فإنه
مع كونه كان ينكر على عثمان رضي الله عنه إتمامه الصلاة في منى، ويعيب ذلك
عليه كما في " الصحيحين "، فإنه مع ذلك صلى أربعا كما في " سنن أبي داود " (1960) و " البيهقي " (3 / 144) من طريق معاوية بن قرة عن أشياخه أن عبد الله
صلى أربعا، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟! قال: الخلاف شر.
وهذا يحتمل أنه صلاها أربعا وحده، ويحتمل أنه صلاها خلف عثمان، ورواية
البيهقي صريحة في ذلك، فدلالتها على المراد دلالة أولوية، كما لا يخفى على
العلماء. ومنهم سلمان الفارسي، فقد روى أبو يعلى الكندي قال: " خرج سلمان
في ثلاثة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، وكان(6/388)
سلمان
أسنهم، فأقيمت الصلاة، فقالوا: تقدم يا أبا عبد الله! فقال: ما أنا بالذي
أتقدم، أنتم العرب، ومنكم النبي صلى الله عليه وسلم، فليتقدم بعضكم، فتقدم
بعض القوم، فصلى أربع ركعات، فلما قضى الصلاة، قال سلمان: ما لنا وللمربعة
، إنما يكفينا نصف المربعة ". أخرجه عبد الرزاق (4283) وابن أبي شيبة (2 /
448) والطحاوي (1 / 242) بإسناد رجاله ثقات، ولولا أن فيه عنعنة أبي
إسحاق السبيعي واختلاطه لصححت إسناده، فسكوت الشيخ عبد الله الغماري عنه في
رسالته " الرأي القويم " (ص 30) ليس بجيد، لاسيما وقد جزم بنسبته إلى سلمان
في رسالته الأخرى " الصبح السافر " (ص 42) !! هذا ولقد شذ في هذه المسألة
ابن حزم كعادته في كثير غيرها، فقد ذهب إلى وجوب قصر المسافر وراء المقيم،
واحتج بالأدلة العامة القاضية بأن صلاة المسافر ركعتان، كما جاء في أحاديث
كثيرة صحيحة. وليس بخاف على أهل العلم أن ذلك لا يفيد فيما نحن فيه، لأن
حديث الترجمة يخصص تلك الأحاديث العامة، بمختلف رواياته، بعضها بدلالة
المفهوم، وبعضها بدلالة المنطوق. ولا يجوز ضرب الدليل الخاص بالعام، أو
تقديم العام على الخاص، سواء كانا في الكتاب أو في السنة، خلافا لبعض
المتمذهبة. وليس ذلك من مذهب ابن حزم رحمه الله، فالذي يغلب على الظن أنه لم
يستحضر هذا الحديث حين تكلم على هذه المسألة، أو على الأقل لم يطلع على
الروايات الدالة على خلافه بدلالة المنطوق، وإلا لم يخالفها إن شاء الله
تعالى، وأما رواية مسلم فمن الممكن أن يكون قد اطلع عليها ولكنه لم يرها حجة
لدلالتها بطريق المفهوم، وليس هو حجة عنده خلافا للجمهور، ومذهبهم هو
الصواب كما هو مبين في علم الأصول، فإن كان قد اطلع عليها(6/389)
فكان عليه أن يذكرها
مع جوابه عنها، ليكون القاريء على بينة من الأمر. وإن من غرائبه أنه استشهد
لما ذهب إليه بما نقله عن عبد الرزاق - وهو في " مصنفه " (2 / 519) - من
طريق داود بن أبي عاصم قال: " سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال:
ركعتان. قلت: كيف ترى ونحن ههنا بمنى؟ قال: ويحك سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وآمنت به؟ قلت: نعم. قال: فإنه كان يصلي ركعتين. فصل ركعتين إن
شئت أو دع ". قلت: وسنده صحيح، وقال عقبه: " وهذا بيان جلي بأمر ابن عمر
المسافر أن يصلي خلف المقيم ركعتين فقط ". قلت: وهذا فهم عجيب، واضطراب في
الفهم غريب، من مثل هذا الإمام اللبيب، فإنك ترى معي أنه ليس في هذه الرواية
ذكر للإمام مطلقا، سواء كان مسافرا أم مقيما. وغاية ما فيه أن ابن أبي عاصم
بعد أن سمع من ابن عمر أن الصلاة في السفر ركعتان، أراد أن يستوضح منه عن
الصلاة وهم - يعني الحجاج - في منى: هل يقصرون أيضا؟ فأجابه بالإيجاب، وأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيها ركعتين. هذا كل ما يمكن فهمه من هذه
الرواية، وهو الذي فهمه من خرجها، فأوردها عبد الرزاق في " باب الصلاة في
السفر " في جملة أحاديث وآثار في القصر، وكذلك أورده ابن أبي شيبة في باب "
من كان يقصر الصلاة " من " مصنفه " (2 / 451) . وداود بن أبي عاصم هذا طائفي
مكي، فمن المحتمل أنه عرضت له شبهة من جهة كونه مكيا، والمسافة بينها وبين
منى قصيرة، فأجابه ابن عمر بما تقدم، وكأنه يعني أن النبي صلى الله عليه
وسلم قصر في منى هو ومن كان معه من المكيين الحجاج. والله أعلم.(6/390)
وإن مما
يؤكد خطأ ابن حزم في ذلك الفهم ما سبق ذكره بالسند الصحيح عن ابن عمر أنه كان
إذا صلى في مكة ومنى لنفسه قصر، وإذا صلى وراء الإمام صلى أربعا. فلو كان
سؤال داود عن صلاة المسافر وراء المقيم، لأفتاه بهذا الذي ارتضاه لنفسه من
الإتمام في هذه الحالة، ضرورة أنه لا يعقل أن تخالف فتواه قوله، ويؤيد هذا
أنه قد صح عنه أنه أفتى بذلك غيره، فروى عبد الرزاق (2 / 542 / 4381) بسند
صحيح عن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: أدركت ركعة من صلاة المقيمين وأنا
مسافر؟ قال: صل بصلاتهم. أورده في " باب المسافر يدخل في صلاة المقيمين ".
وذكر فيه آثارا أخرى عن بعض التابعين بمعناه، إلا أن بعضهم فصل، فقال في
المسافر يدرك ركعة من صلاة المقيمين في الظهر: يزيد إليها ثلاثا، وإن أدركهم
جلوسا صلى ركعتين. ولم يرو عن أحد منهم الاقتصار على ركعتين على كل حال كما
هو قول ابن حزم! وأما ما ذكره من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحمن
بن تميم بن حذلم قال: " كان أبي إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة وهو مسافر صلى
إليها أخرى، وإذا أدرك ركعتين اجتزأهما "، وقال ابن حزم: " تميم بن حذلم
من كبار أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ". قلت: نعم، ولكنه مع شذوذه عن كل
الروايات التي أشرت إليها في الباب وذكرنا بعضها، فإن ابنه عبد الرحمن ليس
مشهورا بالرواية، فقد أورده البخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 265) وابن أبي
حاتم (2 / 2 / 218) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر ابن أبي حاتم
أنه روى عنه أبو إسحاق الهمداني أيضا، وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 68
) برواية المغيرة. وهذا قال فيه الحافظ في " التقريب ":(6/391)
" كان يدلس ".
وذكر أيضا من طريق مطر بن فيل عن الشعبي قال: " إذا كان مسافرا فأدرك من صلاة
المقيم ركعتين اعتد بهما ". ومطر هذا لا يعرف. وعن شعبة قال: سمعت طاووسا
وسألته عن مسافر أدرك من صلاة المقيم ركعتين؟ قال: " تجزيانه ". قلت:
وهذا صحيح إن سلم إسناده إلى شعبة من علة، فإن ابن حزم لم يسقه لننظر فيه.
وجملة القول أنه إن صح هذا وأمثاله عن طاووس وغيره، فالأخذ بالآثار المخالفة
لهم أولى لمطابقتها لحديث الترجمة وأثر ابن عمر وغيره. والله أعلم.
2677 - " أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة: الموفون المطيبون ".
أخرجه أحمد (6 / 268) والبزار (1309) عن ابن إسحاق: حدثني هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة قالت: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من
الأعراب جزورا - أو جزائر - بوسق من تمر الذخرة (وتمر الذخرة: العجوة) ،
فرجع به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته والتمس له التمر فلم يجده،
فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " يا عبد الله! إنا قد
ابتعنا منك جزورا - أو جزائر - بوسق من تمر الذخرة،(6/392)
فالتمسناه فلم نجده " قال
: فقال الأعرابي: واغدراه! قالت: فهم الناس وقالوا: قاتلك الله، أيغدر
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا ". ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "
يا عبد الله! إنا ابتعنا منك جزائر ونحن نظن أن عندنا ما سمينا لك،
فالتمسناه فلم نجده "، فقال الأعرابي: واغدراه! فنهمه الناس وقالوا: قاتلك
الله، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا "، فردد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك مرتين أو ثلاثا، فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خولة
بنت حكيم بن أمية فقل لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: إن كان
عندك وسق من تمر الذخرة فأسلفيناه حتى نؤديه إليك إن شاء الله، فذهب إليه
الرجل، ثم رجع فقال: قالت: نعم، هو عندي يا رسول الله! فابعث من يقبضه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: اذهب به فأوفه الذي له. قال: فذهب
به فأوفاه الذي له. قالت: فمر الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
جالس في أصحابه. فقال: جزاك الله خيرا، فقد أوفيت وأطيبت. قالت: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات
رجال الشيخين غير ابن إسحاق - وهو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة - وهو
حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، فقد فعل كما ترى، فثبت الحديث والحمد لله.
وقال الهيثمي (4 / 140) : " رواه أحمد والبزار، وإسناد أحمد صحيح "!
ونقله عنه الشيخ الأعظمي في تعليقه على " الكشف " وأقره! وذلك مما يدل(6/393)
القارئ
على ضآلة علمه، وقلة معرفته بهذا الفن، وضيق باعه فيه، فإنه لم يبين سبب
التصحيح لسند أحمد دون سند البزار، ألا وهو التحديث وعدمه، وسكت عن
التصحيح، وإنما حقه التحسين كما فعلنا للخلاف المعروف في ابن إسحاق، وجل
تعليقاته من هذا النوع، لا تحقيق فيها ولا علم، وإنما هو مجرد النقل مما لا
يعجز عنه المبتدئون في هذا العلم كأمثاله من متعصبة الحنفية وغيرهم، ومع ذلك
لم يخجل بعضهم من السعي حثيثا لترشيحه لنيل جائزة السنة لهذه السنة (1400) من
الدولة السعودية تعصبا منه له، وصدق من قال: " إن الطيور على أشكالها تقع "
! وإنما حظي بها الأعظمي الآخر، ولعلها وجدت محلها. ولله في خلقه شؤون.
ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم: " دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ". قد جاء في
قصة أخرى مختصرا من حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج في "
أحاديث البيوع ". قوله: (الذخرة) : بمعنى الذخيرة، في " اللسان ": "
والذخيرة: واحدة الذخائر، وهي ما ادخر، وكذلك (الذخر) والجمع: أذخار "
. ولم يعرفها الأعظمي فعلق عليها بقوله: " كذا في الأصل مضبوطا بالقلم، وفي
" النهاية ": الذخيرة نوع من التمر معروف "! قلت: وهي مفسرة في رواية أحمد
بـ (العجوة) كما رأيت. (الموفون المطيبون) أي الذين يؤدون ما عليهم من
الحق بطيب نفس.(6/394)
(نهمه) أي زجره. ثم وجدت له طريقا أخرى، فقال البزار (
1310) : حدثنا معمر بن سهل حدثنا خالد بن مخلد حدثنا يحيى بن عمير عن هشام به
، قال البزار نحوه. ثم قال: " لا نعلم أحدا رواه عن هشام إلا يحيى ". قلت:
قال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 601) وقال
الذهبي: " صدوق ". وهذا هو المعتمد، فقول الحافظ: " مقبول "، غير مقبول.
وقد روى عنه أربعة من الثقات. وسائر الرجال ثقات، فالإسناد جيد، والحديث
به صحيح.
2678 - " ألا عسى أحدكم أن يضرب امرأته ضرب الأمة! ألا خيركم خيركم لأهله ".
أخرجه البزار في " مسنده " (رقم 1484 - كشف الأستار) قال: حدثنا زكريا بن
يحيى الضرير حدثنا شبابة بن سوار حدثنا المغيرة بن مسلم عن هشام بن عروة عن
أبيه عن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال
البزار: " لا نعلم أحدا قال فيه: " عن الزبير " إلا مغيرة، ولم نسمعه إلا
من زكريا عن شبابة عن مغيرة ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 303) : "
رواه البزار عن شيخه زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير ولم أعرفه، وبقية رجاله
رجال (الصحيح) ".(6/395)
وأقره محقق " الكشف " حبيب الرحمن الأعظمي كما هي عادته
التي تدل الباحثين على أنه لا تحقيق عنده في هذا العلم إلا النقل، أما النقد
العلمي الحر فلا شيء عنده منه، كما يدل على ذلك تعليقاته على بعض الكتب،
وبخاصة منها " مصنف عبد الرزاق " رحمه الله، فإن الواقف عليها لا يستفيد منها
تصحيحا ولا تضعيفا، وهو الغاية من علم المصطلح ورجاله، والأمثلة على ذلك
كثيرة جدا جدا، وها هو واحد منها بين يديك، فماذا تستفيد أيها القاريء
الكريم مما نقله عن الهيثمي في هذا الحديث؟ الصحة، أم الضعف؟ لا شيء من ذلك
! ومع ذلك ففيما نقله مؤاخذتان: الأولى: إطلاق القول أن رجاله رجال " الصحيح
" ليس بصحيح، لأن المغيرة بن مسلم إنما أخرج له البخاري في " الأدب المفرد "،
ولم يخرج له في " الصحيح " لا هو ولا مسلم! إلا أنه ثقة، ولم يضعفه أحد.
والأخرى: أن زكريا بن يحيى الضرير شيخ البزار، قد ترجمه الخطيب البغدادي في
" التاريخ " (8 / 457) برواية خمسة من ثقات البغداديين، بعضهم من الحفاظ
المشهورين وهم: تمتام وابن صاعد والمحاملي، وفاته الحافظ البزار. وهو
وإن لم يذكر الخطيب فيه جرحا ولا تعديلا، فمثله مقبول الحديث عند العلماء كما
يعرف ذلك من سبر تخاريجهم وتصحيحهم للأحاديث، لاسيما وهو لم يرو منكرا،
فالشطر الأول من حديث الترجمة له شواهد كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "
يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد! فلعله يضاجعها في آخر يومه ". متفق عليه
. وهو مخرج في " الإرواء " (7 / 97 / 2031) وفي معناه أحاديث أخرى راجعها
إن شئت في " المشكاة " (3241 و 3260 و 3261) .(6/396)
وأما الشطر الآخر منه فله
شواهد كثيرة من حديث عائشة وابن عباس وغيرهما، وقد سبق تخريجها برقم (285
) .
2679 - " من كن له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة. قيل: يا
رسول الله! فإن كانت اثنتين؟ قال: وإن كانت اثنتين. قال: فرأى بعض القوم
أن لو قالوا له: واحدة؟ لقال: واحدة ".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 303) : حدثنا هشيم أنبأنا علي بن زيد عن محمد بن
المنكدر قال: حدثني جابر - يعني ابن عبد الله - قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات، ورجاله ثقات
رجال الشيخين غير علي بن زيد وهو ابن جدعان، وفيه ضعف من قبل حفظه، لكنه لم
يتفرد به كما يأتي. والحديث قال المنذري (3 / 84 - 85) : " رواه أحمد
بإسناد جيد، والبزار، والطبراني في " الأوسط "، وزاد: (ويزوجهن) ".
وكذا قال الهيثمي (8 / 157) إلا أنه زاد قوله: " من طرق ". وقد فاتهما
أبو يعلى، فقد أخرجه في " مسنده " (2 / 591) : حدثنا أبو خيثمة: أخبرنا
يزيد بن هارون: أنبأنا سفيان بن حسين عن محمد بن المنكدر به. كذا وقع في
نسختنا منه لم يذكر ابن جدعان، وغالب الظن أنه سقط من الناسخ، فإن سفيان هذا
لم يذكروا له رواية عن محمد بن المنكدر، وإنما يروي عن(6/397)
ابن جدعان، وهذا عن
محمد كما تراه في " مسند أحمد "، وكما ذكروا في تراجم هؤلاء الثلاثة. ثم إن
في تجويد إسناد أحمد نظرا لما ذكرنا من حال ابن جدعان، إلا إذا كان المراد أنه
جيد لغيره فنعم، فإنه قد توبع عند البزار وغيره، فقال في " مسنده " (رقم
1908) - " كشف الأستار ": حدثنا محمد بن كثير ابن بنت يزيد بن هارون حدثنا
سرور بن المغيرة أبو عامر الواسطي حدثنا سليمان التيمي عن محمد بن المنكدر عن
جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثنا عمرو بن علي: حدثنا
حاتم بن وردان حدثنا علي بن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر به. وقال البزار
: " لا نعلم رواه هكذا إلا سليمان وعلي بن يزيد، ولم نسمعه إلا من محمد عن
سرور ". قلت: وبالإسناد الأول أخرجه بحشل في " تاريخ واسط " (ص 92) :
حدثنا محمد بن كثير بن نافع الثقفي ابن بنت يزيد بن هارون قال: حدثنا سرور بن
المغيرة به. أورده في ترجمة سرور هذا وكناه أبا عامر، لم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، كعادته. وقال ابن سعد في " الطبقات " (7 / 315) : " كان يروي
التفسير عن عباد بن منصور عن الحسن، وكان معروفا ". وذكر أنه ابن المغيرة
بن زاذان ابن أخي منصور بن زاذان، وكذلك ذكر ابن أبي حاتم في " الجرح
والتعديل " (2 / 1 / 325) وقال: " روى عن عباد بن منصور. روى عنه أبو سعيد
أحمد بن داود الحداد، سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ ".(6/398)
وذكره ابن حبان في "
الثقات "، وقال (8 / 301) : " روى عنه أبو سعيد الحداد الغرائب ". وقال
في مكان آخر (6 / 437) : " ... روى عنه الواسطيون ". ونقله عنه الحافظ في "
اللسان ". ومن الغريب، أنه لم يذكر في هذه الترجمة كل ما نقلته آنفا عن ابن
أبي حاتم ومن قبله! وأما محمد بن كثير ابن بنت يزيد بن هارون فلم أقف الآن
على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر، وقد عرفت مما سبق أنه من شيوخ البزار
وبحشل، وقد روى هذا له أحاديث أخرى (ص 160 و 205) ويبدو أنه ليس واسطيا،
فقد ترجم لجماعة كثيرة من شيوخه في آخر الكتاب (ص 218 - 292) ، وليس هو فيهم
، فلعله بصري. والله أعلم. ثم رأيت في المكان الآخر من " الثقات ": " أصله
من البصرة، سكن واسط ". وبالجملة فهذه الطريق تقوي رواية ابن جدعان، لاسيما
وللحديث شواهد كثيرة تقدم ذكر جملة طيبة منها برقم (294 و 297) .
2680 - " ما من امرأة تقدم ثلاثا من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة. فقالت امرأة منهن
: أو اثنان؟ قال: أو اثنان ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 246) : حدثنا سفيان حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه
عن أبي هريرة:(6/399)
جاء نسوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول
الله! ما نقدر عليك في مجلسك من الرجال، فواعدنا منك يوما نأتيك فيه. قال:
" موعدكن بيت فلان ". وأتاهن في ذلك اليوم، ولذلك الموعد. قال: فكان مما
قال لهن، يعني: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، و (سفيان)
هو ابن عيينة، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 39) من طريق أخرى عن سهيل به
مختصرا، ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار: "
لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة ". فقالت امرأة منهن:
أو اثنين يا رسول الله؟ قال: " أو اثنين ". وهو رواية لأحمد (2 / 378) .
والحديث في " الصحيحين " من حديث أبي سعيد نحوه، وهو في كتابي " مختصر صحيح
البخاري " (96 - كتاب / 9 - باب) وقد مضى تحت الحديث (2302) . وفيه فوائد
كثيرة، أذكر بعضها: 1 - أن من مات له ولدان دخل الجنة وحجباه من النار،
وليس ذلك خاصا بالإناث آباء وأولادا، لأحاديث أخرى كثيرة تعم الجنسين، وتجد
جملة طيبة منها في " الترغيب والترهيب " (3 / 89 - 91) ويأتي بعد هذا أحدها
.(6/400)
2 - فيه فضل نساء الصحابة وما كن عليه من الحرص على تعلم أمور الدين. 3 -
وفيه جواز سؤال النساء عن أمر دينهن، وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك، وفيما
لهن الحاجة إليه. 4 - جواز الوعد، وقد ترجم البخاري للحديث بقوله: " هل
يجعل للنساء يوما على حدة في العلم؟ ". قلت: وأما ما شاع هنا في دمشق في
الآونة الأخيرة من ارتياد النساء للمساجد في أوقات معينة ليسمعن درسا من إحداهن
، ممن يتسمون بـ (الداعيات) زعمن، فذلك من الأمور المحدثة التي لم تكن في
عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد السلف الصالح، وإنما المعهود أن
يتولى تعليمهن العلماء الصالحون في مكان خاص كما في هذا الحديث، أو في درس
الرجال حجزة عنهم في المسجد إذا أمكن، وإلا غلبهن الرجال، ولم يتمكن من
العلم والسؤال عنه. فإن وجد في النساء اليوم من أوتيت شيئا من العلم والفقه
السليم المستقى من الكتاب والسنة، فلا بأس من أن تعقد لهن مجلسا خاصا في
بيتها أو بيت إحداهن، ذلك خير لهن، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم قال في
صلاة الجماعة في المسجد: " وبيوتهن خير لهن "، فإذا كان الأمر هكذا في
الصلاة التي تضطر المرأة المسلمة أن تلتزم فيها من الأدب والحشمة ما لا تكثر
منه خارجها فكيف لا يكون العلم في البيوت أولى لهن، لاسيما وبعضهن ترفع صوتها
، وقد يشترك معها غيرها فيكون لهن دوي في المسجد قبيح ذميم. وهذا مما سمعناه
وشاهدناه مع الأسف. ثم رأيت هذه المحدثة قد تعدت إلى بعض البلاد الأخرى كعمان
مثلا. نسأل الله السلامة من كل بدعة محدثة.(6/401)
2681 - " 1 - من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله
عز وجل الجنة برحمته إياهم. 2 - ومن شاب شيبة في سبيل الله عز وجل كانت له
نورا يوم القيامة. 3 - ومن رمى بسهم في سبيل الله عز وجل بلغ به العدو أصاب
أو أخطأ كان له كعدل رقبة. 4 - ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها
عضوا منه من النار. 5 - ومن أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل فإن للجنة ثمانية
أبواب يدخله الله عز وجل من أي باب شاء منها الجنة ".
أخرجه الإمام أحمد (4 / 386) من طريق الفرج: حدثنا لقمان عن أبي أمامة عن
عمرو ابن عبسة السلمي قال: قلت له: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليس فيه انتقاص ولا وهم. قال: سمعته يقول: فذكره. قلت: وهذا
إسناد رجاله ثقات غير الفرج - وهو ابن فضالة الحمصي وقيل: الدمشقي - ضعيف،
وبعضهم مشاه في روايته عن الشاميين، وهذه منها، ولعله لذلك قال المنذري في
" الترغيب " (3 / 91) : " رواه أحمد بإسناد حسن ". قلت: ومهما كان الأمر،
فحديثه هذا صحيح، لا يرتاب فيه باحث محقق، لأنه قد جاء مفرقا من طرق، ولابد
من البيان:(6/402)
1 - أما الفقرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، فقد رواها
عبد الحميد ابن بهرام: حدثنا شهر بن حوشب أخبرني أبو ظبية أن شرحبيل بن السمط
دعا عمرو ابن عبسة السلمي فقال: يا ابن عبسة! هل أنت محدثي حديثا سمعته أنت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه تزيد ولا كذب، ولا تحدثنيه عن آخر
سمعه منه غيرك؟ قال: نعم: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره مطولا
، وفيه هذه الفقرات. أخرجه أحمد، وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (
ق 46 / 2) وإسناده حسن في الشواهد والمتابعات. وتابعه حريز بن عثمان:
حدثنا سليم بن عامر أن عمرو بن عبسة كان عند شرحبيل بن السمط فقال: يا عمرو..
الحديث. بالفقرة الثانية والثالثة والرابعة. أخرجه أحمد، وعبد بن حميد (
ق 45 / 1) . وإسنادهما صحيح. وتابعه صفوان قال: حدثني سليم به. أخرجه
النسائي، وقد تقدم برقم (1244) . وللفقرة الأولى والخامسة شاهد قوي من
حديث أبي ذر مرفوعا. أخرجه أحمد (5 / 151 و 153 و 159 و 164) والطبراني في
" الكبير " (1 / 82 / 1 - 2) من طريق الحسن: حدثني صعصعة بن معاوية عنه،
وزادا: " قلنا: ما هذان الزوجان؟ قال: إن كانت رحالا فرحلان، وإن كانت
خيلا ففرسان، وإن كانت إبلا فبعيران، حتى عد أصناف المال كله ". وإسناده
صحيح، وللنسائي منه (2 / 66) الفقرة الخامسة.(6/403)
ولهذه شاهد آخر من حديث أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه
خزنة الجنة، كل خزنة باب: أي فل! هلم ". أخرجه البخاري وغيره، وله عنده
ألفاظ، وهو في كتابي " مختصر البخاري " (كتاب الصوم / 4 - باب) . وأخرج
البزار (1709 - كشف) الفقرة الرابعة نحوها من حديث أنس بن مالك. (فائدة) :
قال الحافظ (6 / 36) : " وقوله: (زوجين) أي شيئين من أي نوع كان ينفق ".
قلت: ويؤيده زيادة للبخاري بلفظ: " من شيء من الأشياء "، ثم قال: "
والزوج يطلق على الواحد وعلى الاثنين، وهو هنا على الواحد جزما. وقوله: (
كل خزنة باب) كأنه من المقلوب، لأن المراد: خزنة كل باب. قال المهلب: في
هذا الحديث أن الجهاد أفضل الأعمال، لأن المجاهد يعطى أجر المصلي والصائم
والمتصدق، وإن لم يفعل ذلك، لأن باب الريان للصائمين، وقد ذكر في هذا
الحديث أن المجاهد يدعى من تلك الأبواب كلها بإنفاق قليل من المال في سبيل الله
. انتهى. وما جرى فيه على ظاهر الحديث يرده ما قدمته في " الصيام " من زيادة
في الحديث لأحمد حيث قال فيه: " لكل أهل عمل باب يدعون بذلك العمل "، وهذا
يدل على أن المراد بـ (سبيل الله) ما هو أعم من الجهاد وغيره من الأعمال
الصالحة ".(6/404)
قلت: وأما (سبيل الله) في آية مصارف الزكاة * (إنما الصدقات) *
، فهي في الجهاد وفي الحج والعمرة، ولبيان هذا مجال آخر.
2682 - " يا عمرو! إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خلقه. يا عمرو! - وضرب رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع من كفه اليمنى تحت ركبة عمرو فقال: - هذا موضع
الإزار، ثم رفعها، [ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع الأولى ثم قال: يا عمرو
! هذا موضع الإزار] ، ثم رفعها، ثم وضعها تحت الثانية، فقال: يا عمرو! هذا
موضع الإزار ".
أخرجه أحمد (4 / 200) : حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الوليد بن سليمان أن
القاسم بن عبد الرحمن حدثهم عن عمرو بن فلان الأنصاري قال: بينا هو يمشي
قد أسبل إزاره، إذ لحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ بناصية نفسه
، وهو يقول: " اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك ". قال عمرو: فقلت: يا رسول
الله! إني رجل حمش الساقين. فقال: فذكره. وأخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (8 / 277 / 7909) . قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي القاسم
بن عبد الرحمن - وهو صاحب أبي أمامة - كلام لا يضر، ولهذا قال الهيثمي في "
مجمع الزوائد " (5 / 141) : " رواه أحمد، ورجاله ثقات ". قلت: وله شاهد
من حديث أبي أمامة قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا
عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة،(6/405)
إزار ورداء، قد أسبل، فجعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه، ويتواضع لله، ويقول: " اللهم عبدك وابن
عبدك وابن أمتك ". حتى سمعها عمرو بن زرارة.. الحديث نحوه، وزاد: " يا
عمرو بن زرارة إن الله لا يحب المسبل ". قال الهيثمي: " رواه الطبراني
بأسانيد، ورجال أحدها ثقات ". وللزيادة شاهد في " شعب الإيمان " (2 / 222
/ 2) وآخر سيأتي أول المجلد التاسع برقم (4004) وله شاهد ثالث يرويه عمرو
بن الشريد يحدث عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى
هرول في أثره، حتى أخذ بثوبه فقال: " ارفع إزارك ". فكشف الرجل عن ركبتيه.
فقال: يا رسول الله! إني أحنف، وتصطك ركبتاي، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " كل خلق الله عز وجل حسن ". قال: ولم ير ذلك الرجل إلا وإزاره
إلى أنصاف ساقيه حتى مات ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد مضى
برقم (1441) . ويشهد لبعضه حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت
فمن وراء الساق، ولا حق للكعبين في الإزار ". أخرجه النسائي (2 / 299) من
طريق الأعمش، والسياق له، والترمذي(6/406)
(1 / 329) وابن ماجه (3572) من
طريق أبي الأحوص، وابن حبان (1447) وأحمد (5 / 382 و 400 - 401) عن
سفيان عن أبي إسحاق عن مسلم بن نذير عن حذيفة به. وتابعهما زيد بن أبي أنيسة
عند ابن حبان (1448) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، رواه الثوري وشعبة
عن أبي إسحاق ". قلت: كأنه يشير بروايتهما الحديث عنه أنه سالم من الإعلال
باختلاط أبي إسحاق - وهو عمرو بن عبد الله السبيعي - فإنهما رويا عنه قبل
اختلاطه كما صرحوا بذلك، وفي حفظي عن الحافظ أن الأعمش كذلك، فإنه أقدم
منهما، مات سنة (148) ومات شعبة سنة (160) وسفيان بعده بسنة، بل هو من
شيوخهما، وقد أخرج له مسلم عن السبيعي كما في " تهذيب المزي ". بقي أن أبا
إسحاق قد رمي بالتدليس أيضا، وقد عنعنه، والجواب من وجهين: الأول: أن
شعبة لا يروي عنه ما لم يصرح بسماعه فيه. والآخر: أنه قد صرح فعلا بذلك،
فقال أحمد (5 / 396) : حدثنا عفان حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت مسلم
بن نذير به. وكذلك أخرجه الطيالسي في " مسنده " (445) : حدثنا شعبة به إلا
أنه وقع فيه " مسلم بن قريش "، ولعله خطأ مطبعي. (تنبيه) : ما بين
المعقوفتين من حديث الترجمة سقط من " المسند " وهي زيادة يقتضيها السياق،
وبدونها لا يظهر المراد من قوله: " ثم وضعها تحت الثانية " كما لا يخفى، وقد
استدركتها من " مجمع الزوائد " و " جامع المسانيد " لابن كثير (10 / 90) .(6/407)
واعلم أن الأحاديث في موضع الإزار استحبابا وإباحة وتحريما كثيرة، وبعضها في
" الصحيحين "، وقد خرج الكثير الطيب منها الحافظ المنذري في " الترغيب
والترهيب "، وليس هذا منها، ومن الغريب أنه لم يذكره الشيخ أحمد عبد الرحمن
البنا في هذا الباب من كتاب اللباس من " الفتح الرباني " (17 / 234) ولا
أدري إذا كان قد ذكره في مكان آخر منه، والوقت لا يتسع للتحقق من ذلك، ولكن
إن كان أورده فكان عليه أن ينبه على ذلك وأن يرشد إليه، تسهيلا للمراجعة على
الباحث. ثم أخبرني أحد إخواني أنه أخرجه (17 / 294) . وإنما آثرت تخريجه
لأمرين: الأول: أن فيه تحديدا عمليا بديعا لموضع الإزار المشروع وغير
المشروع، لم أره في غيره من الأحاديث. والآخر: أن فيه بيانا واضحا أن
التفاوت الذي يرى في الناس بياضا وسوادا، وطولا وقصرا، وبدانة ونحولة،
وهذا أشعر، وذاك أجرد، وهذا ألحى (عظيم اللحية) وذاك كوسج! أو زلهب (1) ، وغير ذلك من الفوارق الخلقية أن كل ذلك من خلق الله حسن، فلا ينبغي
للمسلم أن يحاول تغيير خلق الله عز وجل، وإلا استحق اللعن كما في حديث "
النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات، والفالجات المغيرات لخلق
الله للحسن ". متفق عليه، ويأتي تخريجه بإذن الله رقم (2792) . وكأن
النبي صلى الله عليه وسلم أراد تسلية عمرو الأنصاري الذي أطال إزاره ليغطي حمش
ساقيه بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أحسن كل شيء خلقه ". وهذا مما
يحمل المسلم
_________
(1) هو الخفيف اللحية. " القاموس المحيط " (122) .(6/408)
على الرضا بقدر الله وقضائه في خلقه مهما بدا لبعض الناس ممن ضعف
إيمانهم وتكاثف جهلهم أنه غير حسن! وهذا في الواقع مما يعطي قوة للرأي
القائل بأن المرأة إذا نبت لها لحية أنه لا يجوز لها أن تحلقها أو تنتفها، لأن
الله قد أحسن كل شيء خلقه. ولا شك أنها حين تنتفها إنما تفعل ذلك للحسن
والتجمل كما تفعل الواصلة لشعرها، فتستحق بذلك لعنة الله، والعياذ بالله
تعالى. وأما بالنسبة للإزار، فالأحاديث صريحة في تحريم جره خيلاء، وأما
بدونها فقد اختلفوا، فمنهم من حرمه أيضا، وهو الذي يدل عليه تدرجه صلى الله
عليه وسلم مع عمرو في بيان مواضع الإزار استحبابا وجوازا، ثم انتهاؤه به إلى
ما فوق الكعبين، وقوله له: " هذا موضع الإزار "، فإنه ظاهر أنه لا جواز بعد
ذلك، وإلا لم يفد التدرج مع القول المذكور شيئا كما لا يخفى. ويؤيده قوله
صلى الله عليه وسلم " ما أسفل من الكعبين في النار ". رواه البخاري عن ابن عمر
. ويزيده قوة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة المتقدم " ... ولا حق
للكعبين في الإزار ". قال أبو الحسن السندي في تعليقه عليه: " والظاهر أن
هذا هو التحديد، وإن لم يكن هناك خيلاء. نعم إذا انضم إلى الخيلاء اشتد
الأمر، وبدونه الأمر أخف ". قلت: نعم، ولكن مع التحريم أيضا لما سبق.
ويقويه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن للنساء أن يرخين ذيولهن ثم أذن لهن
أن يزدن شبرا (1) لكي لا تنكشف أقدامهن بريح أو غيرها، لم يأذن لهن أن يزدن
على ذلك، إذ لا فائدة من وراء ذلك فالرجال أولى بالمنع من الزيادة. استفدت
هذا من الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح ".
_________
(1) تقدم تخريجه (460 و 1864) . اهـ.(6/409)
وجملة القول: إن إطالة الثوب
إلى ما تحت الكعبين لا يجوز للرجال، فإذا اقترن مع ذلك قصد الخيلاء اشتد الإثم
، فمن مصائب الشباب المسلم اليوم إطالته سرواله (البنطلون) إلى ما تحت
الكعبين، لاسيما ما كان منه من جنس (الشرلستون) ! فإنه مع هذه الآفة التي
فيه، فهو عريض جدا عند الكعبين، وضيق جدا عند الفخذين والأليتين، مما يصف
العورة ويجسمها، وتراهم يقفون بين يدي الله يصلون وهم شبه عراة! فإنا لله
وإنا إليه راجعون. ومن العجيب أن بعضهم ممن هو على شيء من الثقافة الإسلامية
يحاول أن يستدل على جواز الإطالة المذكورة بقول أبي بكر لما سمع النبي صلى الله
عليه وسلم يقول: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ": يا رسول
الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: " لست ممن يصنعه خيلاء ". أخرجه البخاري وغيره كأحمد، وزاد في
رواية: " يسترخي أحيانا "، وكذلك رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 221
/ 2) . قلت: فالحديث صريح في أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن يطيل ثوبه، بل
فيه أنه كان يسترخي بغير قصد منه، وأنه كان مع ذلك يتعاهده، فيسترخي على
الرغم من ذلك أحيانا. قال الحافظ (10 / 217) عقب رواية أحمد: " فكأن شده
كان ينحل إذا تحرك بمشي أو غيره بغير اختياره، فإذا كان محافظا عليه لا يسترخي
، لأنه كلما كاد يسترخي شده ". ثم ذكر أن في بعض الروايات أنه كان نحيفا. قلت
: فهل يجوز الاستدلال بهذا والفرق ظاهر كالشمس بين ما كان يقع من أبي بكر بغير
قصد، وبين من يجعل ثوبه مسبلا دائما قصدا! نسأل الله العصمة من الهوى.(6/410)
وإنما تكلمت عن إطالة البنطلون والسروال، لطرو هذه الشبهة على بعض الشباب،
وأما إطالة بعض المشايخ أذيال جببهم خاصة في مصر، وإطالة الأمراء في بعض
البلاد العربية لأعبئتهم فأمر ظاهر نكارته. نسأل الله السلامة والهداية.
كتبت هذا لعل فيمن طرأت عليه الشبهة السابقة كان مخلصا، فحينما تتجلى له
الحقيقة يبادر إلى الانتهاء عن تلك الآفة كما انتهى ذلك الشاب الذي كان عليه
حلة صنعانية يجرها سبلا. فقال له ابن عمر رضي الله عنه: يا فتى هلم! قال:
ما حاجتك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: ويحك أتحب أن ينظر الله إليك يوم القيامة؟
قال: سبحان الله! وما يمنعني أن لا أحب ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " لا ينظر الله ... ". فلم ير ذلك الشاب إلا مشمرا حتى مات.
رواه البيهقي بسند صحيح، ورواه أحمد (2 / 65) من طريق أخرى عن ابن عمر نحوه
دون قوله: " فلم ير.... ".
2683 - " سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب
المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن
فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمهن نساؤكم كما خدمكم نساء
الأمم قبلكم ".
أخرجه أحمد (2 / 223) والمخلص في " بعض الجزء الخامس من الفوائد والغرائب
المنتقاة " (ق 264 / 1) والسياق له، وابن حبان في " صحيحه " (1454 -
موارد) والطبراني في " الصغير " (232 - هند) و " الأوسط "(6/411)
(رقم 9485 -
ترقيمي) مختصرا من طريق أبي عبد الرحمن المقري - عبد الله بن يزيد -: حدثنا
عبد الله بن عياش بن عباس: حدثنا أبي عياش بن عباس قال: سمعت عيسى بن هلال
الصدفي وأبا عبد الرحمن الحبلي يقولان: سمعنا عبد الله بن عمرو بن العاص
يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الطبراني: "
لا يروى عن عبد الله بن عمرو إلا بهذا الإسناد ". وتابعه عبد الله بن وهب:
أخبرني عبد الله بن عياش القتباني به نحوه، ولم يذكر في إسناده أبا عبد
الرحمن الحبلي، وقال: " يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم ".
رواه الحاكم (4 / 436) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ورده الذهبي
بقوله: " قلت: عبد الله وإن كان قد احتج به مسلم، فقد ضعفه أبو داود
والنسائي، وقال أبو حاتم: هو قريب من ابن لهيعة ". قلت: قد روى عنه الليث
بن سعد الإمام، وهو من أقرانه، وذكره ابن حبان في " الثقات "، فهو مع هذا
واحتجاج مسلم به وسط حسن الحديث، وغلا فيه الشيخ أحمد شاكر فقال في تعليقه
على هذا الحديث من " المسند " (7083) : " إسناده صحيح "! وأشار الحافظ
المنذري في " الترغيب " (3 / 101) إلى تقويته بتصديره إياه بصيغة (عن)
ووقع عنده أن الحاكم قال: " صحيح على شرط مسلم "، وينبغي أن يكون هذا هو أصل
" المستدرك " و " تلخيصه " لأنه لو كان كما سبق نقله: " على شرط الشيخين " لم
يقل الذهبي في رده إياه ما سبق، ولقال: " وإن كان قد(6/412)
احتج به الشيخان ... "
، فقوله: " ... مسلم ... " دليل على أن الذي في نسخته من " المستدرك ": "
صحيح على شرط مسلم "، وعلى هذا فما في المطبوعة من " المستدرك " خطأ من
الناسخ أو الطابع. (تنبيه هام) : وقعت هذه اللفظة (الرحال) في " فوائد
المخلص " بالحاء المهملة خلافا لـ " المسند " و " الموارد " وغيرهما، فإنها
بلفظ (الرجال) بالجيم، وعلى ذلك شرحه الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا في "
الفتح الرباني " (17 / 301) ، فقال: " معناه: أنهم رجال في الحس لا في
المعنى، إذ الرجال الكوامل حسا ومعنى لا يتركون نساءهم يلبسن ثيابا لا تستر
أجسامهن ". ولم ينتبه للإشكال الذي تنبه له الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى
إذ قال في تعليقه على الحديث في " المسند " (12 / 38) : " وقوله: " سيكون
في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال " إلخ مشكل المعنى قليلا،
فتشبيه الرجال بالرجال فيه بعد، وتوجيه متكلف، ورواية الحاكم ليس فيها هذا
التشبيه، بل لفظه: " سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى
يأتوا أبواب مساجدهم، نساؤهم كاسيات عاريات " إلخ.. وهو واضح المعنى مستقيمه
، ورواية الطبراني - كما حكاها الهيثمي في " الزوائد " -: " سيكون في أمتي
رجال يركبون نساؤهم على سروج كأشباه الرجال ". ولفظ " يركبون " غيره طابع "
مجمع الزوائد " - جرأة منه وجهلا - فجعلها " يركب "، والظاهر عندي أن صحتها
" يركبون نساءهم ". وعلى كل حال فالمراد من الحديث واضح بين، وقد تحقق في
عصرنا هذا، بل قبله وجود هاته النسوة الكاسيات الملعونات ".(6/413)
قلت: لو أن
الشيخ رحمه الله اطلع على رواية (الرحال) بالحاء المهملة، لساعدته على
الإطاحة بالإشكال، وفهم الجملة فهما صحيحا، دون أي توجيه أو تكلف، وهذه
الرواية هي الراجحة عندي للأسباب الآتية: أولا: ثبوتها في " الفوائد "
ونسختها جيدة. ثانيا: أنها وقعت كذلك بالحاء المهملة في نسخة مخطوطة من كتاب
" الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري محفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق في
مجلد ضخم فيه خرم، وهي وإن كانت نسخة مؤلفة من نسخ أو خطوط متنوعة، فإن
الجزء الذي فيه هذا الحديث من نسخة جيدة مضبوطة متقنة، ومما يدلك على ذلك أنه
كتب تحت الحاء من هذه الكلمة حرف حاء صغير هكذا (الرحال) ، إشارة إلى أنه حرف
مهمل كما هي عادة الكتاب المتقنين قديما فيما قد يشكل من الأحرف، وكذلك فعل
في الصفحة التي قبل صفحة هذا الحديث، فإنه وقع فيها اسم (زحر) فكتب تحتها (
ح) هكذا (زحر) . ثالثا: أن رواية الحاكم المتقدمة بلفظ: " يركبون على
المياثر.. " تؤكد ما رجحنا، لأن (المياثر) جمع (ميثرة) و (الميثرة)
بالكسر قال ابن الأثير: " مفعلة من الوثارة، يقال: وثر وثارة فهو وثير، أي
وطيء لين، تعمل من حرير أو ديباج، يجعلها الراكب تحته على الرحال فوق الجمال
". فإذا عرفت هذا، فرواية الحاكم مفسرة للرواية الأولى، وبالجمع بينهما
يكون المعنى أن السروج التي يركبونها تكون وطيئة لينة، وأنها (أعني السروج)
هي كأشباه الرحال، أي من حيث سعتها. وعليه فجملة " كأشباه الرحال " ليست في
محل صفة لـ (رجال) كما شرحه(6/414)
البنا وغيره، وإنما هي صفة لـ (سروج) .
وذلك يعني أن هذه السروج التي يركبها أولئك الرجال في آخر الزمان ليست سروجا
حقيقية توضع على ظهور الخيل، وإنما هي أشباه الرحال. وأنت إذا تذكرت أن (
الرحال) جمع رحل، وأن تفسيره كما في " المصباح المنير " وغيره: " كل شيء
يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير " إذا علمت هذا يتبين لك بإذن الله أن
النبي صلى الله عليه وسلم يشير بذلك إلى هذه المركوبة التي ابتكرت في هذا العصر
، ألا وهي السيارات، فإنها وثيرة وطيئة لينة كأشباه الرحال، ويؤيد ذلك أنه
صلى الله عليه وسلم سماها (بيوتا) في حديث آخر تقدم برقم (93) ، لكن تبين
فيما بعد أن فيه انقطاعا. وإذا ففي الحديث معجزة علمية غيبية أخرى غير
المتعلقة بالنساء الكاسيات العاريات، ألا وهي المتعلقة برجالهن الذين يركبون
السيارات ينزلون على أبواب المساجد. ولعمر الله إنها لنبوءة صادقة نشاهدها كل
يوم جمعة حينما تتجمع السيارات أمام المساجد حتى ليكاد الطريق على رحبه يضيق
بها، ينزل منها رجال ليحضروا صلاة الجمعة، وجمهورهم لا يصلون الصلوات الخمس
، أو على الأقل لا يصلونها في المساجد، فكأنهم قنعوا من الصلوات بصلاة الجمعة
، ولذلك يتكاثرون يوم الجمعة وينزلون بسياراتهم أمام المساجد فلا تظهر ثمرة
الصلاة عليهم، وفي معاملتهم لأزواجهم وبناتهم، فهم بحق " نساؤهم كاسيات
عاريات "! وثمة ظاهرة أخرى ينطبق عليها الحديث تمام الانطباق، ألا وهي التي
نراها في تشييع الجنائز على السيارات في الآونة الأخيرة من هذا العصر. يركبها
أقوام لا خلاق لهم من الموسرين المترفين التاركين للصلاة، حتى إذا وقفت
السيارة التي تحمل الجنازة وأدخلت المسجد للصلاة عليها، مكث أولئك المترفون
أمام المسجد في(6/415)
سياراتهم، وقد ينزل عنها بعضهم ينتظرون الجنازة ليتابعوا
تشييعها إلى قبرها (1) نفاقا اجتماعيا ومداهنة، وليس تعبدا وتذكرا للآخرة،
والله المستعان. هذا هو الوجه في تأويل هذا الحديث عندي، فإن أصبت فمن الله
، وإن أخطأت فمن نفسي، والله تعالى هو المسؤول أن يغفر لي خطئي وعمدي،
وكل ذلك عندي. (تنبيه آخر) : تناقضت الآراء في مرتبة هذا الحديث كنتيجة
لاختلاف أقوال الحفاظ في راويه (عبد الله بن عياش بن عباس) . أما المرتبة،
فقد صححه الحاكم والشيخ أحمد شاكر، خلافا للذهبي كما رأيت، وتبعه المعلق
على " الإحسان " (13 / 64 - 65) ، وبناء على ذلك ضعفه في طبعته من " الموارد
" (1 / 668 - 669) بخلاف الداراني المعلق على طبعته من " الموارد " (4 / 448
- 449) ، فإنه حسن إسناده. وهذا هو الذي جريت عليه في تخريجاتي في عديد من
كتبي وتعليقاتي منذ عشرات السنين، فانظر مثلا الحديث المتقدم برقم (896)
وفي " تخريج مشكلة الفقر " برقم (102) والتعليق على " تحذير الساجد " (ص 7)
. وأما المعلق على " الإحسان " فكان متناقضا في ذلك أشد التناقض، فبينا نراه
هنا ضعف حديثه هذا إذا به يحسن له ثانيا (12 / 380) ويصحح له ثالثا (3 / 50
) ويقول في رابع (1 / 298) : " وإسناده حسن في الشواهد "، وفي خامس (8 /
246) : " حديث صحيح "، يعني لغيره، ولم يحسن إسناده! ومثل
_________
(1) قلت: وأما قولهم في الإذاعات وغيرها: ".. مثواه الأخير " فكفر لفظي
على الأقل، وأنا أتعجب كل العجب من استعمال المذيعين المسلمين لهذه الكلمة،
فإنهم يعلمون أن القبر ليس هو المثوى الأخير، بل هو برزخ بين الدنيا والآخرة
، فهناك البعث والنشور ثم إلى المثوى الأخير، كما قال تعالى * (فريق في الجنة
وفريق في السعير) *، وقال في الأخير: * (فالنار مثوى لهم) *، وما ألقى
هذه الكلمة بين الناس إلا كافر ملحد، ثم تقلدت من المسلمين في غفلة شديدة
غريبة! * (فهل من مدكر) *؟ . اهـ.(6/416)
هذا التناقض
الثلاثي في إسناد راو واحد من تضعيف إلى تحسين إلى تصحيح، لا يقع عادة إلا من
معلق غير متمكن في هذا العلم، حديث عهد به، أو أن ذلك من أكثر من شخص تداولوا
التعليق على " الإحسان "، مختلفي السوية في هذا العلم والتحقيق فيه، وهذا
هو الذي يغلب على الظن، وكان من آثار ذلك أن تظهر هذه الأحكام المتناقضة في
طبعة " الموارد " في أحاديثه، فانظر مثلا الأحاديث المرقمة بـ (96 و 472
و880 و 2551) ومن الغرائب أن حديث الرقم (472) راويه عن (عياش) كان اختلط
، ولذلك جعلته من حصة كتابي " ضعيف الموارد " وهو وقسيمه " صحيح الموارد "
تحت الطبع، يسر الله نشرهما قريبا إن شاء الله تعالى. وأما الاختلاف في
الراوي، فحسبك ما ذكره الذهبي في تعقيبه، ومنها قول أبي حاتم، وتمامه: "
ليس بالمتين، صدوق يكتب حديثه، وهو قريب من ابن لهيعة ". وذكره ابن حبان
في " الثقات " (7 / 51 و 8 / 334) . ومن ذلك قول الذهبي المتقدم: " احتج به
مسلم " وكذا في " سيره " (7 / 334) ، فخالفه الحافظ فقال في " التقريب ": "
صدوق يغلط، أخرج له مسلم في الشواهد ". وقال في " التهذيب " متعقبا المزي
الذي أطلق العزو لمسلم: " قلت: حديث مسلم في الشواهد لا في الأصول ". قلت:
والحديث الذي يشير إليه حديث عقبة بن عامر في النذر: " لتمش ولتركب ". وهو
مخرج في " الإرواء " (8 / 219) من رواية الشيخين عن يزيد بن أبي حبيب بسنده
عنه. وقد تابع عبد الله بن عياش سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عند
البخاري (1866) ، ولكن هل هذا مما(6/417)
يسوغ القول بأن مسلما روى له في الشواهد،
والمتابعة هذه ليست عنده؟ في ذلك عندي وقفة. ومن ذلك أن الذهبي قال عقب
قوله المتقدم في " السير ": " قلت: حديثه في عداد الحسن ". وهذا الذي
فهمناه أو استنبطناه من تلك الأقوال المختلفة، وقد وافق الذهبي الحاكم على
تصحيح بعض أحاديثه، منها الحديث الذي سبق قريبا عزوه لـ " تخريج المشكلة " (
102) .
2684 - " طوق من نار يوم القيامة. قاله لمن رأى عليه جبة مجيبة بحرير ".
أخرجه البزار (ص 172 - زوائد البزار) والطبراني في " الأوسط " (رقم 8166 -
مصورتي) من طريقين عن إسماعيل بن عياش: حدثنا الأزهر بن راشد: حدثنا سليم بن
عامر عن جبير بن نفير عن معاذ بن جبل قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم
جبة مجيبة بحرير فقال: فذكره. وقال الطبراني: " لا يروى عن معاذ إلا بهذا
الإسناد، تفرد به إسماعيل بن عياش ". قلت: وهو ثقة في روايته عن الشاميين،
وهذه منها، فإن الأزهر بن راشد هذا هو الهوزني أبو الوليد الشامي، قال
الذهبي: " من شيوخ حريز بن عثمان، يروي عن عصمة بن قيس، وله صحبة، ما علمت
به بأسا ". قلت: ويشير الذهبي إلى قول أبي داود: " شيوخ حريز ثقات ".(6/418)
وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 11) وقال ابن حجر في " التقريب ": " صدوق
". قلت: وسائر رجاله ثقات، فالإسناد صحيح. واقتصر المنذري على قوله (3 /
103) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط "، ورواته ثقات ". وتبعه
الهيثمي (5 / 142) كغالب عادته. وقوله: (مجيبة) بضم الميم وفتح الجيم
بعدهما مثناة من تحت مفتوحة مشددة ثم باء موحدة، أي: لها جيب من حرير وهو
المطوق. قاله المنذري. قلت: ولعل الحرير الذي رآه صلى الله عليه وسلم على
الجيب كان أكثر من أربع أصابع، لأن ما دونها مستثنى من التحريم لحديث عمر رضي
الله عنه قال: " نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع
إصبعين أو ثلاث أو أربع [وأشار بكفه] ". أخرجه مسلم (6 / 141) والنسائي
(2 / 298) وابن حبان (5417) وأحمد (1 / 5) ، والزيادة له من طريق سويد
بن غفلة عنه. وأخرجه ابن حبان (5400) مختصرا، وكذا أبو يعلى (1 / 64)
من طريق أبي عثمان النهدي عنه. وأصله في " الصحيحين "، وراجع إن شئت شرحه
في " فتح الباري " (10 / 141 - 142) .
2685 - " كنا نسميها شباعة (يعني: زمزم) وكنا نجدها نعم العون على العيال ".
أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (5 / 117) وعنه الطبراني في " الكبير "(6/419)
(3
/ 90 / 2) عن الثوري عن ابن خثيم أو عن العلاء - شك أبو بكر - عن أبي الطفيل
عن ابن عباس قال: سمعته يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات
رجال مسلم، لولا الشك في شيخ الثوري، هل هو ابن خثيم - واسمه عبد الله بن
عثمان المكي، وهو صدوق من رجال الإمام مسلم - أم هو العلاء؟ فنظرنا فوجدنا
الأزرقي قد أخرجه في " أخبار مكة " (ص 391) من طريق أخرى فقال: حدثني محمد
بن يحيى عن سليم بن مسلم عن سفيان الثوري عن العلاء بن أبي العباس عن أبي
الطفيل به. فهذا يرجح أن الشيخ هو العلاء بن أبي العباس، وهو ثقة ثقة كما
قال ابن معين فيما رواه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 356) ، لكن سليم بن مسلم -
وهو الخشاب - متروك الحديث كما قال النسائي. وقال أحمد: " لا يساوي حديثه
شيئا ". قلت: فمثله مما لا يرجح به، فيبقى الشك على حاله، ولكنه لا يلقي
على الإسناد ضعفا، لأن الشك دار بين ثقتين، غاية ما في الأمر أنه يحول بيننا
وبين إطلاق القول بأن رجاله رجال " الصحيح "، ولذلك قال الهيثمي (3 / 286)
: " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". فإن هذا يصدق سواء كان
الشيخ هو ابن خثيم، أو العلاء، وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 133) : "
رواه الطبراني في " الكبير "، وهو موقوف صحيح الإسناد ". (فائدة) أبو بكر
الذي شك في إسناد الحديث هو عبد الرزاق نفسه صاحب " المصنف ". وغالبه من
رواية أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الدبري عنه، وذلك أني رأيت بعض كتبه من
رواية غير الدبري عنه، فمثلا كتاب " أهل الكتاب " هو(6/420)
من رواية محمد بن علي
النجار عنه، وهو في المجلد السادس (1 - 132) وكذلك كتاب " البيوع
والشهادات " من رواية النجار عنه في المجلد الثامن (1 - 368) ، كما وجدت فيه
كتاب " أهل الكتابين " من رواية محمد بن يوسف الحذاقي عنه، وهو في المجلد
العاشر (311 - 378) ، وقد يكون هناك كتب أخرى ليست من رواية الدبري، ولقد
كان من المفروض أن يوضح ذلك وغيره محققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في مقدمته
التي وعد بنشرها، ولما يفعل، فقد نشر الكتاب بتمامه، ولم نجد لها أثرا في
شيء من مجلداته، ولعله يفعل، ثم توفي رحمه الله فلعله فعل.
2686 - " من قال إذا أصبح: " رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا "، فأنا
الزعيم لآخذن بيده حتى أدخله الجنة ".
أورده المنذري في " الترغيب " (1 / 229) من حديث المنيذر صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكان يكون بـ (أفريقية) قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " رواه الطبراني بإسناد حسن ". وكذا قال
الهيثمي في " المجمع " (10 / 116) . فتعقبه الحافظ ابن حجر فيما علقه عليه،
فقال: " قلت: فيه رشدين، وهو ضعيف ". قلت: وكنت اتبعته على هذا في "
التعليق الرغيب "، وعليه أوردته في " ضعيف الترغيب "، ثم تبين لي أن رشدين
لم يتفرد به، فإنه رواه عن حيي بن(6/421)
عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن
المنيذر به. فقال الحافظ في ترجمة المنيذر من " الإصابة ": " وصله الطبراني
إلى رشدين. وتابعه ابن وهب عن حيي، لكنه لم يسمه، قال: عن رجل من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه ابن منده ". قلت: ولا يخفى أن الصحابة
كلهم عدول، فعدم تسمية ابن وهب إياه لا يضر، فبهذه المتابعة ثبت الحديث
والحمد لله. ثم إن الحديث عند الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 355 / 838
) بسند صحيح عن رشدين به. وكذلك رواه ابن قانع في " معجم الصحابة " من طريق
أخرى عنه، لكنه لم يذكر فيه " إذا أصبح ". وهي ثابتة في رواية الطبراني،
وكذا في رواية ابن وهب كما يدل عليه صنيع الحافظ في " الإصابة "، وزاد أنه قال
: " وأخرجه ابن منده ". ولهذه الزيادة شاهد من حديث رجل من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم مرفوعا بلفظ آخر، وزيادة أخرى، وفي إسناده اضطراب وجهالة،
ولذلك أخرجته في الكتاب الآخر برقم (5020) ، وفيه زيادة أخرى: " ثلاث مرات
". ولأصل الحديث شاهد جيد من رواية أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه، وقد مضى
برقم (334) دون ذكر الصباح والمساء. ثم رأيت الحديث في " المعرفة " لأبي
نعيم (2 / 188 / 2) من طريق الطبراني. ثم علقه على ابن وهب.
2687 - " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن نمرة من صوف تنسج له ".
أخرجه البيهقي في " فصل فيمن اختار التواضع في اللباس " من " الأربعون من شعب
الإيمان وهو باب الملابس والزي وما يكره منها " من كتاب " الشعب "(6/422)
(2 / 227
/ 1) من طرق عن محمد بن يعقوب الأصم: حدثنا بحر (الأصل: (يحيى) وهو خطأ
من الناسخ) ابن نصر الخولاني: حدثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن
حبيب عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: فذكره. قلت: وهذا
إسناد جيد، فإن رجاله كلهم ثقات معروفون بالضبط والحفظ غير ابن لهيعة، فإن
فيه ضعفا من قبل حفظه، لكنهم قووا حديث العبادلة عنه ومنهم عبد الله بن وهب
هذا، وكأن ذلك لأنهم سمعوا منه قبل أن تحترق كتبه، ويسوء حفظه وتحديثه.
ولقد كان الباعث على تحرير هذا أنني رأيت الحافظ المنذري قد أشار إلى تضعيف هذا
الحديث في " الترغيب " (3 / 108) بتصديره إياه بقوله: (روي) ، وعهدي به
أنه يصدر أحاديث ابن لهيعة بقوله (عن) المشعر بالقوة حتى ولو كان من غير
رواية العبادلة، والأمثلة على ذلك كثيرة وإليك بعضها في كتابي " ضعيف
الترغيب والترهيب " مشيرا إليها بأرقامها فيه: (149 و 186 و 218 و 220) بل
رأيته صرح بتحسين بعض أحاديثه منها الحديث (369) . وله شاهد من رواية زمعة
بن صالح عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: " توفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وله جبة صوف (وفي رواية: حلة من أنمار من صوف أسود) في
الحياكة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 219 / 5919 / 2920) من
طريقين عنه. قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، قال الهيثمي (5
/ 131) : " رواه الطبراني، وفيه زمعة بن صالح، وهو ضعيف، وقد وثق،
وبقية رجاله ثقات ".(6/423)
2688 - " المرأة عورة وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى
الله منها في قعر بيتها ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " في ترجمة إبراهيم بن هاشم البغوي (رقم 3036 -
مصورتي) : حدثنا إبراهيم: أنبأنا عاصم بن النضر أنبأنا معتمر بن سليمان عن
أبيه عن قتادة عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير
شيخه البغوي، وقد وثقه الدارقطني، مات سنة (297) كما في " تاريخ بغداد "
للخطيب البغدادي. وللحديث شاهد قوي من حديث ابن مسعود مخرج في " إرواء الغليل
" (1 / 303 / 273) . والحديث قال المنذري في " الترغيب ": " رواه الطبراني
في " الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) ". قلت: إلا الشيخ البغوي كما ذكرنا
. وهو من الأحاديث التي فاتت الحافظ الهيثمي، فلم يورده في " مجمع البحرين "
، ولا في " مجمع الزوائد " كما نبهت عليه في تعليقي على الحديث في " صحيح
الترغيب والترهيب " (1 / 136) وقد تم طبع المجلد الأول، وسيكون في
التداول قريبا إن شاء الله تعالى. ثم نشر، والآن الثاني تحت الطبع كما سبق
التنبيه عليه (ص 384) . (فائدة) : يطيب لبعض المتشددين على المرأة أن
يستدلوا بهذا الحديث على أن وجه المرأة عورة على الأجانب، ولا دليل فيه البتة
، لأن المعنى كما قال ابن الأثير في " النهاية ":(6/424)
" جعلها نفسها عورة، لأنها
إذا ظهرت يستحيا منها كما يستحيا من العورة إذا ظهرت ". ويؤكد هذا المعنى
تمام الحديث: " وإذا خرجت استشرفها الشيطان ". قال الشيخ علي القاري في "
المرقاة " (3 / 411) : " أي زينها في نظر الرجال. وقيل أي نظر إليها
ليغويها، ويغوي بها ". وأصل (الاستشراف) أن تضع يدك على حاجبك وتنظر،
كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء وأصله من الشرف: العلو، كأنه ينظر
إليه من موضع مرتفع فيكون أكثر لإدراكه. " نهاية ". وإن مما لا شك فيه أن
الاستشراف المذكور يشمل المرأة ولو كانت ساترة لوجهها، فهي عورة على كل حال
عند خروجها، فلا علاقة للحديث بكون وجه المرأة عورة بالمعنى الفقهي، فتأمل
منصفا. وجمهور العلماء على أنه ليس بعورة، وبيان ذلك في كتابي " جلباب
المرأة المسلمة "، وقد طبع حديثا بهذا الاسم " جلباب ... " بديل " حجاب ... "
سابقا لنكتة ذكرتها في المقدمة. وقد رددت فيه على المتشددين بما فيه الكفاية
، وأحلت من شاء التفصيل على كتابي المفرد في الرد بإسهاب وتفصيل، تتبعت فيه
شبهاتهم، وأنها قائمة على أدلة واهية رواية ودراية، واجتماعيا، وسميته
اسما يلخص لك مضمونه: " الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم
المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ولم يقنع بقولهم إنه سنة ومستحب ". يسر
الله لي تبيضه ونشره بفضله وكرمه.(6/425)
2689 - " نهي أن يشرب من كسر القدح ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم - 6976 - مصورتي) من طريق موسى بن
إسماعيل أبي سلمة التبوذكي: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن جعفر بن
برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: فذكره على البناء للمجهول، لم
يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: " لم يروه عن جعفر بن برقان،
ولا عن معمر إلا ابن المبارك، تفرد به موسى بن إسماعيل ". قلت: كلا، بل
تابعه عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك به. أخرجه أبو نعيم في "
الحلية " (9 / 38) . وهذا حديث صحيح، إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم،
وقال الهيثمي (5 / 78) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات رجال
الصحيح ". ثم قال: " وعن ابن عباس وابن عمر قالا: يكره أن يشرب من ثلمة
القدح، وأذن القدح. رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". قلت: في
إسناده (11 / 64 / 11055) نعيم بن حماد، ضعيف، وإنما أخرج له البخاري فقط
مقرونا. وتقدم له شاهد من حديث أبي سعيد الخدري برقم (388) مرفوعا بلفظ: "
ثلمة القدح "، وهذا الحديث مفسر له، قال ابن الأثير: " أي موضع الكسر منه،
وإنما نهى عنه لأنه لا يتماسك فم الشارب عليها، وربما انصب الماء على ثوبه
ويديه. وقيل: لأن موضعها لا يناله التنظيف التام إذا(6/426)
غسل الإناء، وقد جاء
في لفظ الحديث أنه مقعد الشيطان، ولعله أراد به عدم النظافة ". قلت: ولعل
هذا المعنى الأخير أولى، لأن المعنى الأول إنما يظهر إذا كانت الثلمة كبيرة،
وحينئذ ففيه تحديد لمعنى (الثلمة) فيه، وهو غير مناسب لإطلاقها بخلاف
المعنى الآخر، فإن الإطلاق المذكور يناسبه، فقد ثبت الآن مجهريا أن الثلمة -
صغيرة كانت أم كبيرة - مجمع الجراثيم والمكروبات الضارة، وأن غسل الإناء
الغسل المعتاد لا يطهرها، بل إنه قد يزيد فيها، فنهى الشارع الحكيم عن الشرب
منها خشية أن يتسرب معه بعضها إلى جوف الشارب فيتأذى بها. فالنهي طبي دقيق.
والله أعلم. وأما اللفظ الذي ذكره ابن الأثير: " مقعد الشيطان "، فلم أقف
عليه إلا بلفظ: " فإن الشيطان يشرب من ذلك "، وهو مخرج في " الضعيفة " (654
) .
2690 - " من جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره، ومن خلف غازيا في أهله بخير، أو
أنفق على أهله فله مثل أجره ".
أخرجه الطبراني في ترجمة محمود بن محمد المروزي من " الأوسط " رقم (8047) :
حدثنا محمود أخبرنا وهب أنبأنا خالد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن موسى بن عقبة عن
محمد بن زيد عن بشر بن سعيد عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره، وقال: " لم يروه عن محمد بن زيد إلا عبد الرحمن بن إسحاق ".
قلت: وهو العامري القرشي مولاهم، وهو مختلف فيه، وقد أخرج له مسلم
والبخاري تعليقا، لكن قال الحاكم:(6/427)
" إنما أخرجا له في الشواهد ". ذكره في "
التهذيب " ولم يتعقبه بشيء. وهو على كل حال حسن الحديث. وقال الحافظ في "
التقريب ": " صدوق ". وذكره الذهبي في " الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب رد
حديثهم ". وسائر الرجال ثقات رجال مسلم غير محمود هذا، وله ترجمة حسنة في "
تاريخ بغداد " (13 / 94) مات سنة (297) . وقال المنذري في " الترغيب " (2
/ 158) وتبعه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 283) : " رواه الطبراني في
" الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) ". وله شاهد من حديث خالد بن زيد
الجهني مرفوعا مثله. أخرجه ابن حبان (1619) وأحمد (4 / 114 - 115 و 116)
بسند صحيح، وابن ماجه (2 / 172 - 173) باختصار قوله: " أو أنفق.. ".
2691 - " كلوا جميعا ولا تتفرقوا، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي
الأربعة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 7597 / 2 - من مصورتي وترقيمي) : حدثنا
محمد بن أبان حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد الواسطي حدثنا يزيد بن(6/428)
هارون
حدثنا بحر السقاء عن عمرو بن دينار عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " لم يروه عن عمرو بن دينار إلا بحر
السقاء، تفرد به يزيد بن هارون ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك
من فوقه غير بحر السقاء، وهو ضعيف كما في " التقريب ". لكن عبد الله بن محمد
بن خلاد الواسطي لم أجد من ترجمه، غير أن أسلم الواسطي المعروف بـ (بحشل) قد
روى عنه عدة أحاديث في كتابه " تاريخ واسط " (ص 72 و 119 و 213) وكناه بأبي
أمية، وروى عنه في مكان آخر (ص 152) بواسطة عبد الله بن أبي داود السجستاني
: قال: حدثني عبد الله بن محمد ابن خلاد أبو أمية.. فذكر أثرا. ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا كما هي عادته، فهو مجهول العدالة. ثم رأيته في " ثقات
ابن حبان " (8 / 386) . ثم إن ما ذكره الطبراني أن بحر السقاء تفرد به عن
عمرو بن دينار منقوض بما أخرجه هو في " المعجم الكبير " (3 / 194 / 2 / 1)
قال: حدثنا الحسن بن علي الفسوي حدثنا سعيد بن سليمان: أخبرنا أبو الربيع
السمان عن عمرو بن دينار به بتقديم وتأخير، ولفظه: " طعام الاثنين يكفي
الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية، فاجتمعوا عليه ولا تتفرقوا عنه ".
نعم أبو الربيع السمان - واسمه أشعث بن سعيد البصري - ضعيف مثل بحر السقاء أو
أشد، لكن الحديث في نفسه ثابت، فإن الجملة الأولى قد رويت في أحاديث تقدم
بعضها برقم (664 و 895) وسائره في " صحيح مسلم " وغيره من حديث جابر. وقد
مضى تخريجه تحت الحديث (1686) .(6/429)
ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث عمر، أخرجه
ابن ماجه (3255) والبزار في " مسنده " (1185 - كشف الأستار) من طريق سعيد
بن زيد عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر مرفوعا به، وزاد: " وطعام
الأربعة يكفي الخمسة والستة، وإن البركة في الجماعة ". وقال البزار: " لا
نعلمه عن عمر إلا من هذا الوجه، تفرد به عمرو بن دينار، وهو لين، وأحاديثه
لا يشاركه فيها أحد ". قلت: عمرو بن دينار هذا غير عمرو بن دينار المتقدم،
ذاك مكي وهو ثقة، وهذا بصري، وهو المعروف بـ (قهرمان آل الزبير) وهو
ضعيف كما في " التقريب "، ولذلك قال البزار: " وهو لين ". فلا أدري بعد
هذا كيف قال المنذري في " ترغيبه " (2 / 142) : " رواه البزار بإسناد جيد "!
فلعله اختلط عليه الأمر، فظن أن عمرو بن دينار هذا هو المكي الثقة، وليس
البصري الضعيف. فقد جرى على هذا السنن في مكان آخر، وأفصح عن الوهم، فقال (
3 / 306) : " رواه البزار، ورجاله رجال (الصحيح) "! والبصري ليس من رجال
" الصحيح "، فهو يعني إذن المكي، فإنه من رجال الشيخين! نعم الحديث قوي
بمجموع طرقه فهو حسن على الأقل. والله أعلم.(6/430)
2692 - " إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما
يتناثر ورق الشجر ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 243 - مصورتي) : حدثنا أحمد بن رشدين
قال: أخبرنا يحيى بن بكير قال: أخبرنا موسى بن ربيعة عن موسى بن سويد الجمحي
عن الوليد بن أبي الوليد عن يعقوب الحرقي عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " لم يرو هذا الحديث عن الوليد بن أبي
الوليد إلا موسى بن ربيعة ". قلت: وهو ثقة كما قال أبو زرعة كما في " الجرح
والتعديل " (4 / 1 / 142 - 143) ، لكن شيخه موسى بن سويد الجمحي لم أجد من
ترجمه، وظاهر كلام الهيثمي الذي كنت نقلته عنه تحت هذا الحديث (526) حين
خرجته نقلا عنه وعن المنذري أنه ثقة، لأنه قال: " رواه الطبراني في " الأوسط
"، ويعقوب بن محمد بن الطحلاء روى عنه غير واحد، ولم يضعفه أحد، وبقية
رجاله ثقات ". قلت: فآخر كلامه هذا يشمل بعمومه موسى بن سويد الجمحي، فلعله
في " ثقات ابن حبان "، أو أنه وقع في اسمه شيء من التحريف ضيع علينا شخصيته.
والله أعلم. هذا، وقد كنت استغربت هناك قول الهيثمي في يعقوب هذا أنه روى
عنه غير واحد لسبب ذكرته ثمة فراجعه إن شئت، فتبين لي الآن حين وقفت على إسناد
الحديث في " الأوسط " أن الاستغراب كان في محله وأن الهيثمي لا يحمل مسؤوليته
. وإنما ناشر كتابه السيد القدسي، فإنه لجهله بهذا الفن، وجرأته(6/431)
على تصحيح
الكلام بغير علم، غير كلام الهيثمي الذي نصه: " يعقوب حد العلاء " كما ذكر
ذلك في الحاشية، فجعله هو: " يعقوب بن محمد بن الطحلاء "، فجاء الاستغراب
المشار إليه والصواب: ما كان في الأصل: " يعقوب حد العلاء "، وهو كلام
ظاهر، أشكل على مصححه المذكور لفظ (حد) ، ولا إشكال فإنه (جد) بالجيم،
إلا أنه كثيرا ما يهملون الحرف ولا ينقطونه فلم يعرفه فذهب يبحث في كتب الرجال
، فوجد فيهم: " يعقوب بن محمد بن الطحلاء " فأنزله محل الذي كان في الأصل "
يعقوب جد العلاء "، هكذا اعتباطا، دون حجة أو بينة! ويعقوب جد العلاء، قد
ترجمه في " التهذيب " بقوله: " يعقوب المدني مولى الحرقة جد العلاء بن عبد
الرحمن بن يعقوب. روى عن عمر وحذيفة. وعنه ابنه عبد الرحمن والوليد بن أبي
الوليد "، ولم يذكر فيه توثيقا، وعموم كلام الهيثمي المتقدم يدل أيضا على
أنه ثقة، فلعله في " ثقات ابن حبان ". فليراجع. ومع أن الجمحي المتقدم غير
معروف عندنا فقد خالفه في إسناده عبد الله بن لهيعة فقال: عن الوليد بن أبي
الوليد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه سمع حذيفة ابن اليمان ... فذكره.
وابن لهيعة صحيح الحديث إذا رواه عنه أحد العبادلة، وهذا كذلك، فإنه من
رواية ابن وهب عنه كما كنت خرجته هناك فلا داعي للإعادة. وإنما أعدت تخريجه
هنا من الطريق الأولى لتحقيق القول في إسناده بعد أن يسر الله تبارك وتعالى
الوقوف عليه، وبذلك تكشفت لنا حقائق كانت خافية عنا كما بينت آنفا. فلله
الحمد والمنة.(6/432)
ثم نبهني أحد إخواني جزاه الله خيرا أن الذي في " مجمع البحرين
" (5 / 264) : (موسى بن ربيعة بن موسى بن سويد الجمحي) أي (ابن موسى)
مكان (عن موسى) ، وكذا في " تهذيب المزي " ومطبوعة " المعجم الأوسط " أيضا
، فما في نسخة المصورة منه خطأ. وكان ينبغي أن أتنبه له من قول الطبراني عقبه
: " لم يروه عن الوليد إلا موسى بن ربيعة ". فإنه ظاهر في أنه لا واسطة بينهما
، ولكن هكذا قدر، وتقدم أنه ثقة. بقي عندي النظر في صحة عموم قول الهيثمي:
" وبقية رجاله ثقات "، لأن (أحمد ابن رشدين) ، وهو أحمد بن محمد بن الحجاج
بن رشدين المصري، قال الذهبي في " المغني ": " قال ابن عدي: يكتب حديثه مع
ضعفه ". قلت: وهذا ذكره ابن عدي في آخر ترجمته من " الكامل " (1 / 198)
وروى في أولها قصة فيها أن أحمد بن صالح قال فيه: " كذاب "! ولم يزد على هذا
. فقول الذهبي في مطلع ترجمته من " الميزان ": " قال ابن عدي: كذبوه "! لا
يخلو من شيء، ولاسيما وقد قال الحافظ في " اللسان ": " وابن رشدين صاحب
حديث كثير، وقال مسلمة في " الصلة ": حدثنا عنه غير واحد، وكان ثقة عالما
بالحديث ". قلت: فلعل ضعفه وما أنكر عليه جاء من كثرة حديثه، وقد أشار
النسائي إلى قلة خطئه بقوله: " لو رجع عن حديث الغار عن بكير لحدثت عنه ".
فالظاهر أنه ما كان يتعمد الكذب، وإنما يقع منه الخطأ كما يقع من غيره، فهو
مغتفر في كثرة ما روى. والله أعلم.(6/433)
وأما قولي عن (يعقوب المدني) : "
فلعله في (ثقات ابن حبان) "، فقد طبع هذا الكتاب، ولم نجده فيه، ولا هو
في " ترتيبه " للهيثمي، ولا هو في " جامع فهارس الثقات " وضع الأخ حسين
إبراهيم زهران، ولا في فهرسي إياه المسمى بـ " تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن
حبان "، يسر الله نشره، وقد سبق قول الهيثمي في (يعقوب) هذا: " ولم
يضعفه أحد "، فلو أنه كان في " الثقات " - وهو من أعرف الناس بما فيه - لوثقه
، لكثرة اعتماده عليه. فمن الأوهام أن المعلق على " تهذيب المزي " عزاه لـ "
ثقات ابن حبان 7 / 642 " وهذا المكان الذي أشار إليه، كل من فيه من طبقة
أتباع التابعين! ثم تكرر الخطأ بعد سطرين، فإنه عزا إليه الراوي عنه (الوليد
بن أبي الوليد المدني) ! وهو فيه (7 / 252) ، وقد أورده في (التابعين)
أيضا (5 / 494) .
2693 - " يا عائشة! إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون، فيصابون
معهم، ثم يبعثون على نياتهم [وأعمالهم] ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (رقم - 1846 - موارد) والبيهقي في " شعب
الإيمان " (2 / 441 / 1) من طريق عمرو بن عثمان الرقي قال: حدثنا زهير بن
معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! إن
الله إذا أنزل سطوته بأهل الأرض وفيهم الصالحون فيهلكون بهلاكهم؟ فقال:
فذكره. والزيادة من " الشعب " و " الإحسان " أيضا (7270) . قلت: وهذا
إسناد جيد لولا أن الرقي هذا قد ضعف من قبل حفظه، وقال ابن عدي: " له أحاديث
صالحة عن زهير وغيره، وقد روى عنه ناس من الثقات، وهو ممن يكتب حديثه ".(6/434)
قلت: وهذا من أحاديثه الصالحة، فإنه لم يتفرد به، وأقر الحافظ ابن حبان
على تصحيحه، فإن له طرقا أخرى عن عائشة وغيرها كما سيأتي (3156) . وأخرجه
مسلم (8 / 168) من طريق يونس بن محمد: حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن
محمد ابن زياد عن عبد الله بن الزبير أن عائشة قالت: عبث (وفي رواية: ضحك)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقلنا: يا رسول الله! صنعت شيئا في
منامك لم تكن تفعله؟ فقال: " العجب، إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت (وفي
رواية: هذا البيت) برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف
بهم ". فقلنا: يا رسول الله! إن الطريق قد يجمع الناس؟ قال: " نعم، فيهم
المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى،
يبعثهم الله على نياتهم ". وأخرجه أحمد (6 / 105) : حدثنا أبو سعيد قال:
حدثنا القاسم بن الفضل الحداني به نحوه والرواية الأخرى له، مع اختلاف في بعض
الألفاظ، ورواية مسلم أصح، لأن يونس بن محمد - وهو أبو محمد المؤدب - ثقة
ثبت. ومخالفه أبو سعيد - واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد مولى بني
هاشم - صدوق ربما أخطأ. وأخرجه البخاري في " البيوع " من طريق أخرى عن عائشة
مختصرا. ويشهد له حديث ابن عمر في البخاري (7108) ومسلم (8 / 165) وابن
حبان (7 / 210 / 7271) مختصرا أيضا. وفيه الزيادة دون: " نياتهم ".(6/435)
2694 - " إن بني إسرائيل لما طال الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم،
استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من
شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فقالوا: (الأصل
: فقال) اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل، فإن تابعوكم عليه، فاتركوهم،
وإن خالفوكم فاقتلوهم. قال: لا، بل ابعثوا إلى فلان - رجل من علمائهم - فإن
تابعكم فلن يختلف عليكم بعده أحد. فأرسلوا إليه فدعوه، فأخذ ورقة فكتب فيها
كتاب الله، ثم أدخلها في قرن، ثم علقها في عنقه، ثم لبس عليها الثياب، ثم
أتاهم، فعرضوا عليه الكتاب فقالوا: تؤمن بهذا؟ فأشار إلى صدره - يعني الكتاب
الذي في القرن - فقال: آمنت بهذا، ومالي لا أؤمن بهذا؟ فخلوا سبيله. قال:
وكان له أصحاب يغشونه فلما حضرته الوفاة أتوه، فلما نزعوا ثيابه وجدوا القرن
في جوفه الكتاب، فقالوا: ألا ترون إلى قوله: آمنت بهذا، ومالي لا أؤمن
بهذا، فإنما عنى بـ (هذا) هذا الكتاب الذي في القرن قال: فاختلف بنو
إسرائيل على بضع وسبعين فرقة، خير مللهم أصحاب أبي القرن ".
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 439 / 1 - 2) : أخبرنا أبو محمد بن
يوسف الأصبهاني حدثنا أبو سعيد ابن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر: حدثنا أبو
معاوية عن الأعمش عن عمارة عن ربيع بن عميلة قال: حدثنا عبد الله، ما
سمعنا(6/436)
حديثا هو أحسن منه إلا كتاب الله عز وجل، ورواية عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، أبو محمد
اسمه عبد الله بن يوسف المعروف بـ (بالأصبهاني) ، وكان من ثقات المحدثين
الرحالة، مات سنة (409) كما في " الشذرات ". وأبو سعيد ابن الأعرابي حافظ
ثقة مشهور، ترجمه الحافظ الذهبي في " التذكرة "، وله مصنفات منها " المعجم "
، منه نسخة خطية في المكتبة الظاهرية، ولعل هذا الحديث فيه، فليراجع فإنه
الآن بعيد عن متناول يدي، لأنهم جمعوه إلى كتب أخرى للتصوير. وسعدان بن نصر
، ثقة مترجم في " الجرح والتعديل " و " تاريخ بغداد ". ومن فوقه كلهم ثقات
من رجال مسلم، وعمارة هو ابن عمير التيمي. فالسند صحيح بلا ريب، ولكن عندي
وقفة في رفعه، لأنه ليس صريحا فيه، ولكنه على كل حال في حكم المرفوع.
والله أعلم. وله شاهد مختصر جدا من رواية أبي موسى الأشعري قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إن بني إسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه، وتركوا
التوراة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 39 / 1 - 2 / 5678) :
حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جندل بن والق قال: حدثنا عبيد
الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبيه.. وقال: " لم يروه
عن عبد الملك بن عمير إلا عبيد الله بن عمرو، تفرد به جندل بن والق ". قلت:
في " التقريب ":(6/437)
" صدوق يغلط ويصحف ". قلت: فالإسناد حسن إن سلم ممن دونه
أو توبع، فقد قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 150) : " رواه الطبراني في "
الأوسط "، وفيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وهو ثقة، وقد ضعفه غير واحد "
. وقال في مكان آخر (1 / 192) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله
ثقات ". ولينظر هل قوله: " الكبير " صواب أم سبق قلم أو خطأ من الناسخ، فإن
المجلد الذي فيه مسند أبي موسى من " المعجم الكبير " لم يطبع بعد. وفي معنى
حديث أبي موسى آثار عن بعض الصحابة. رواها ابن عبد البر في " جامع بيان العلم
" (1 / 64 - 65) .
2695 - " إن ملكا من بني إسرائيل أخذ رجلا، فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل صبيا أو
يزني أو يأكل لحم الخنزير أو يقتلوه إن أبى، فاختار أن يشرب الخمر وإنه لما
شربها لم يمتنع من شيء أرادوه منه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا
حينئذ: ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة، ولا يموت وفي مثانته
منها شيء إلا حرمت عليه الجنة، وإن مات في الأربعين مات ميتة جاهلية ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 357 - مصورتي) والحاكم (4 /(6/438)
147) من
طريق سعيد بن أبي مريم قال: أنبأنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: أخبرنا
داود ابن صالح عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أن أبا بكر الصديق وعمر
بن الخطاب وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا بعد وفاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم [
ينتهون إليه] ، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أسأله عن ذلك،
فأخبرني: إن أعظم الكبائر شرب الخمر. فأتيتهم فأخبرتهم، فأنكروا ذلك،
ووثبوا إليه جميعا، [حتى أتوه في داره] فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره. وقال الطبراني: " لا يروى عن عبد الله بن عمر عن عبد الله
بن عمرو إلا بهذا الإسناد، تفرد به الدراوردي ". وقال الحاكم - والزيادة له
-: " صحيح على شرط مسلم "! كذا قال وفيه ما يأتي، وقال المنذري (3 / 184
) : " رواه الطبراني بإسناد صحيح والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم ". قلت
: كلا، بل هو صحيح فقط، فإن داود بن صالح ليس من رجال مسلم مطلقا، ولذا قال
الهيثمي (5 / 68) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال " الصحيح "
، خلا صالح بن داود التمار، وهو ثقة ". وقد رويت القصة الأولى بين امرأة
وعابد خيرته بين قتل غلام أو الزنا أو شرب الخمر، فشرب الخمر وزنى وقتل
الغلام. روي مرفوعا وموقوفا، وهو المحفوظ كما بينته في تعليقي على "
الأحاديث المختار " (320 و 349 - 350) .(6/439)
ونحو ذلك قصة هاروت وماروت، وهي
مشهورة في كتب التفسير وغيرها، ولا يصح رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
كما بينته في " السلسلة الأخرى " برقم (170) .
2696 - " يا شباب قريش! احفظوا فروجكم لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 6993 - بترقيمي) والحاكم (4 / 358)
والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 119 / 2) من طريق شداد بن سعيد: حدثنا سعيد
ابن إياس أبو مسعود الجريري عن أبي نضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن
الجريري إلا شداد. تفرد به مسلم بن إبراهيم ". قلت: كلا فقد تابعه سعيد بن
سليمان: حدثنا شداد بن سعيد الجريري به. أخرجه البيهقي (2 / 125 / 2) .
فالصواب ما قاله أبو نعيم في " الحلية " (3 / 100 - 101) عقب إسناده إياه من
طريق مسلم: " تفرد به شداد ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". قلت:
بيض له الذهبي، وأما المنذري فنقل عنه في " الترغيب " (3 / 197) أنه قال:
" صحيح على شرطهما "، وأقره! ولعله وهم من المنذري رحمه الله، فإن كونه
على شرطهما أبعد ما يكون عن الصواب مع مخالفته لما في " المستدرك "، فإن شداد
بن سعيد، وهو أبو طلحة الراسبي لم يخرج له البخاري شيئا، وإنما أخرج له
مسلم فقط، وفي الشواهد كما(6/440)
صرح به الحافظ في " التهذيب "، وفيه كلام من قبل
حفظه، وأشار إلى ذلك في " التقريب " بقوله: " صدوق يخطىء ". وقال الذهبي
في " الميزان ": " صالح الحديث ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وأما
قول الحافظ في " مختصر زوائد البزار " (1 / 565) : " إسناده صحيح "! ففيه
تساهل ظاهر. وقد أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2756) ومن طريقه البيهقي (
2 / 125 / 2) : حدثنا أبو طلحة الأعمى عن رجل قد سماه عن ابن عباس به نحوه،
ولفظه: " يا فتيان قريش! لا تزنوا، فإنه من سلم الله له شبابه دخل الجنة ".
وأبو طلحة الأعمى إن لم يكن هو الراسبي المتقدم فلم أعرفه، ولعل (الرجل)
هو معاوية بن قرة، فقد أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 18) بسند صحيح عن
أبي قتيبة عن شداد أبي طلحة عن معاوية بن قرة عن ابن عباس به نحوه. وأبو
قتيبة اسمه سلم بن قتيبة الشعيري ثقة من رجال البخاري، فلعل الراسبي كان له
إسنادان في هذا الحديث عن ابن عباس، فحدث تارة بهذا، وتارة بهذا، وكل حدث
عنه بما سمع منه، وكل ثقة. والله أعلم. وفي معناه قوله صلى الله عليه
وسلم:(6/441)
" من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ". أخرجه
البخاري (6474) والبيهقي (8 / 166) وفي " الشعب " (4 / 235 / 4913) من
حديث سهل بن سعد والبيهقي أيضا (4915) من حديث جابر بسند جيد. ولهذا شواهد
أخرى حسنة، فانظر " الفتح " (11 / 309) . (تنبيه) : أخرج الحديث أبو يعلى
في " مسنده " (3 / 18 - 19) : حدثنا محمد بن مرزوق: حدثنا زاجر بن الصلت عن
الحارث بن عمير عن شداد عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره. قلت: الحارث بن عمير هو أبو عمير البصري ثم المكي، مختلف فيه جدا،
فمن موثق، ومن متهم له بالوضع، حتى قال الذهبي في " المغني ": " أنا أتعجب
كيف خرج له النسائي ". قلت: لأنه وثقه، ولم يتبين له جرحه، وقال الحافظ:
" وثقه الجمهور، وفي أحاديثه مناكير، ضعفه بسببها الأزدي وابن حبان
وغيرهما، فلعله تغير حفظه في الآخر ". قلت: وروايته للحديث بهذا الإسناد
مخالفا في ذلك مسلم بن إبراهيم، مما يدل على ضعفه، ولذلك غم أمره على جمع
ممن تكلم عليه: أولا: قال الهيثمي (4 / 253) : " رواه أبو يعلى، وإسناده
منقطع، وفيه من لم أعرفه ". ثانيا: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، نقل كلام
الهيثمي المذكور(6/442)
في تعليقه على " المطالب العالية " (2 / 36 / 1588) وأقره!
ثالثا: المعلق على " مسند أبي يعلى "، فإنه قال (3 / 19) : " إسناده ضعيف
جدا، الحارث بن عمير وشيخه مجهولان، وليس في الرواة عن أبي طلحة من اسمه
شداد فيما نعلم، فهو عندنا منقطع ". ثم ذكر كلام الهيثمي، وأقره أيضا!
رابعا: المعلق على " المقصد العلي " (2 / 328) ، وهو حواش قماش مقلد، نقل
كلام الهيثمي، وخلاصة كلام المعلق على " أبي يعلى "! أقول: كل ذلك خطأ، فـ
(الحارث بن عمير) هو أبو عمير البصري كما تقدم، فقد ذكر المزي في الرواة عنه
(زاجر بن الصلت) هذا. وشداد الذي لم ينسب في رواية أبي يعلى هو ابن سعيد
المنسوب في حديث الترجمة، وكنيته أبو طلحة الراسبي كما تقدم، وهو مذكور في
شيوخ (الحارث بن عمير) . وقوله في " أبي يعلى ": " عن أبي طلحة "، لعله من
أوهام الحارث بن عمير، والصواب (شداد أبي طلحة) بإسقاط حرف (عن) بين
الاسم والكنية. وعلى الصواب وقع في رواية ابن أبي عاصم (1535) عن زاجر به
. والله أعلم. وزاجر هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 269) ، وقال
أبو زرعة: " لا بأس به ". ووقع لابن حبان فيه وهم فاحش، نبهت عليه في كتابي
" تيسير الانتفاع " يسر الله لي إتمامه بمنه وكرمه.(6/443)
2697 - " يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله بيده الأخرى، تشخب أوداجه
دما، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني. فيقول
الله للقاتل: تعست، ويذهب به إلى النار ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 95 / 2 - 96 / 1) و " الأوسط " (
رقم - 4375) : حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي
أويس قال: حدثني أبي عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن
عباس: أنه سأله سائل فقال: يا أبا العباس! هل للقاتل من توبة؟ فقال ابن
عباس - كالمتعجب من شأنه -: ماذا تقول؟! فأعاد عليه مسألته، فقال له: ماذا
تقول؟! مرتين أو ثلاثا. ثم قال ابن عباس: أنى له التوبة؟! سمعت نبيكم صلى
الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن
الفضل إلا أبو أويس، تفرد به ابنه إسماعيل ". قلت: وهو من شيوخ الشيخين،
لكن في حفظه ضعف. ونحوه أبوه، واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس، إلا
أنه لم يخرج له البخاري، ومن فوقه ثقات على شرطهما، فالحديث حسن إن شاء الله
تعالى. بل هو صحيح، فقد جاء من طرق أخرى: 1 - فقال شبابة: حدثنا ورقاء بن
عمر عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره
ببعض اختصار، وزاد:(6/444)
" قال: فذكروا لابن عباس التوبة، فتلا هذه الآية: * (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا..) *، قال: وما نسخت هذه الآية ولا بدلت، وأنى
له التوبة ". أخرجه الترمذي (2 / 171) والنسائي (2 / 164) . وقال
الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. 2 - سالم
بن أبي الجعد عن ابن عباس به نحوه، دون قوله: " وأنى له التوبة ". أخرجه
النسائي، وأحمد (1 / 240 و 294 و 364) والطبراني في " الكبير " (3 / 168
/ 2) والأصبهاني في " الترغيب " (241 / 2) من طرق عنه. وإسناده صحيح أيضا
. وله شاهد من حديث ابن مسعود وهو الآتي بعده. قلت: وقول ابن عباس: "
وأنى له التوبة " مشهور عنه من طرق، والجمهور على خلافه، وقد صح عن ابن عباس
ما يدل على تراجعه عنه إلى قول الجمهور، وقد شرحت ذلك تحت الحديث الآتي برقم
(2799) ص (711) .
2698 - " يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول: يا رب! هذا قتلني. فيقول الله له: لم
قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي. ويجيء الرجل آخذا بيد
الرجل فيقول: إن هذا قتلني. فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة
لفلان! فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه ".
أخرجه النسائي (2 / 164) والبيهقي في " الشعب " (2 / 114 / 1) عن(6/445)
المعتمر
بن سليمان عن أبيه عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله
بن مسعود مرفوعا به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وشقيق بن سلمة هو
أبو وائل. وقد رواه وكيع عن الأعمش عن أبي وائل: قال عمرو بن شرحبيل: فذكره
مقطوعا! أخرجه البيهقي. والحكم لمن رفع ووصل. وقد قال الفيض بن وثيق
الثقفي: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال: أخبرنا عكرمة بن عبد الله البناني عن
عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود مرفوعا بالشطر الثاني منه.
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 755) وقال: " لم يروه عن عاصم إلا
عكرمة بن عبد الله البناني من أهل البصرة، تفرد به الفيض بن وثيق الثقفي ".
قلت: وهو مقارب الحال إن شاء الله تعالى كما قال الذهبي، لكن شيخه عكرمة بن
عبد الله البناني لم أجد له ترجمة. (تنبيه) : أورد المنذري الحديث في "
الترغيب " (3 / 203) من رواية الطبراني هذه فقط، فأوهم أنه ليس عند أحد من
أصحاب السنن، وقلده في ذلك الهيثمي - على عادته - فأورده في " المجمع " (7 /
297) وأعله بالفيض، ولو تذكر أنه عند النسائي لما أورده لأنه على خلاف شرطه
فيه. وثمة خطأ آخر بالنسبة للمنذري، وهو إيراده رواية الطبراني مع ضعف
إسنادها واختصار متنها، دون رواية النسائي مع صحة إسنادها، وكمال متنها.
والمعصوم من عصمه الله تعالى.(6/446)
2699 - " يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد وبمن جعل
مع الله إلها آخر وبمن قتل نفسا بغير نفس، فينطوي عليهم، فيقذفهم في غمرات
جهنم ".
أخرجه أحمد (3 / 40) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 118 / 2)
وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 314 - 315 و 315) والطبراني في " الأوسط " (رقم
- 4138) من طرق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. قلت:
وعطية ضعيف، لكنه قد توبع، فقال الطبراني في " الأوسط " (رقم - 4138) من طرق
عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. قلت: وعطية ضعيف، لكنه قد
توبع، فقال الطبراني في " الأوسط " (رقم - 314) : حدثنا أحمد بن رشدين قال:
حدثنا عبد الغفار بن داود أبو صالح الحراني قال: حدثنا موسى بن أعين عن الأعمش
عن سعد بن عبيدة عن أبي سعيد الخدري به، دون قوله: " فينطوي عليهم ... ".
وأخرجه البزار (ق 329 / 1 - 2) من طرق عن عطية به، وفي رواية له من طريق
عبد الله بن بشر عن الأعمش عن عطية، بلفظ: " يخرج عنق من النار فيتكلم بلسان
طلق ذلق، لها عينان تبصر بهما، ولها لسان تكلم به، فتقول: إني أمرت بمن
جعل مع الله إلها آخر.. " الحديث، وفيه: " فتنطلق بهم قبل سائر الناس
بخمسمائة عام ". قلت: وهو بهذا اللفظ منكر عندي لتفرد عبد الله بن بشر به،
وهو عبد الله بن بشر بن التيهان الرقي، وهو مختلف فيه، وقد قال الساجي:
عن ابن معين: " عبد الله بن بشر الذي يروي عنه معمر بن سليمان كذاب، لم يبق
حديث منكر رواه أحد من المسلمين (!) إلا وقد رواه عن الأعمش ". ذكره في "
التهذيب ". وقال ابن حبان في " الضعفاء ":(6/447)
" يروي عن الأعمش، روى عنه معمر
بن سليمان، كان ممن يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، وتفرد بأشياء
يشهد المستمع لها إذا كان الحديث صناعته أنها مقلوبة ". قلت: فمن قيل فيه مثل
هذا الطعن الشديد، لا تطمئن النفس للاحتجاج بخبره عند التفرد، فكيف مع
المخالفة؟ وإن وثقه بعضهم ومنهم ابن حبان نفسه (7 / 56) فتناقض. وأما
لفظ الترجمة فهو عندي حسن إن شاء الله تعالى للمتابعة المذكورة عند الطبراني،
فإن إسناده كلهم ثقات رجال البخاري غير أحمد بن رشدين، وهو أحمد ابن محمد بن
الحجاج بن رشدين المصري، وثق وكذب!! (1) وتجد ما قيل فيه في " الميزان "
و" اللسان "، ومن ذلك تعلم تساهل الهيثمي في تخريج لفظ البزار بقوله (10 /
392) : " رواه البزار واللفظ له، وأحمد باختصار، وأبو يعلى بنحوه،
والطبراني في " الأوسط "، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال (الصحيح) "!
قلت: فسكت عن إسناد البزار، وما كان ينبغي له، وأطلق على إسناد الطبراني
أن رجاله رجال " الصحيح " وقد عرفت ما فيه، وكثيرا ما يفعل ذلك هو والمنذري
!! ثم إن الحديث رواه حفص بن غياث عن أشعث بن سوار عن أشعث عن أبي سعيد نحوه.
أخرجه البزار، وقال:
_________
(1) انظر شرح ذلك تحت الحديث المتقدم (2692) . اهـ.(6/448)
" لا نعلم أسند أشعث بهذا الإسناد إلا هذا الحديث ".
قلت: وأشعث بن سوار مختلف فيه، وأخرج له مسلم في المتابعات، فهو، ممن
يستشهد به. لكن شيخه أشعث لم أعرفه. والله أعلم. هذا وقد صح الحديث من
رواية أبي هريرة مرفوعا نحوه، إلا أنه قال: " وبالمصورين " مكان: " وبمن
قتل نفسا.. "، وقد مضى تخريجه برقم (512) .
2700 - " يا أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي
ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى * (إن
أكرمكم عند الله أتقاكم) *، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال:
فيبلغ الشاهد الغائب ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 100) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 /
88 / 1) من طريق شيبة أبي قلابة القيسي عن الجريري عن أبي نضرة عن جابر
رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق
خطبة الوداع، فقال: فذكره. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث أبي نضرة عن
جابر، لم نكتبه إلا من حديث أبي قلابة عن الجريري عنه ". وقال البيهقي: "
في إسناده بعض من يجهل ". قلت: كأنه يشير إلى شيبة أبي قلابة القيسي، فإني
لم أجد له ترجمة، وقد(6/449)
أورده الدولابي في " الكنى " (2 / 84) ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، كما هي عادته على الغالب. ولكنه لم يتفرد به خلافا لما
يشعر به كلام أبي نعيم المتقدم، فقد قال أحمد في " المسند " (5 / 416) :
حدثنا إسماعيل: حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة: حدثني من سمع خطبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، فقال: فذكره. وأخرجه المحاملي في
" الأمالي " (4 / 44 / 2) عن إسماعيل بن إبراهيم به. قلت: وهذا إسناد صحيح
رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير من سمع خطبته صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يسم
، وذلك مما لا يضر، لأنه صحابي، والصحابة كلهم عدول كما هو مقرر في علم "
مصطلح الحديث ". ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء " (ص 69) :
" إسناده صحيح ". وقد توبع إسماعيل، فقال الحارث في " مسنده - زوائده " (ق
9 / 2) : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء: حدثنا سعيد الجريري به. قلت: وهذه
متابعة قوية، فإن عبد الوهاب ثقة من رجال مسلم في " صحيحه ". وخالفها أبو
المنذر الوراق فقال: عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا به دون الآية
وما بعدها. أخرجه أبو الشيخ في " التوبيخ " (259 / 245) والطبراني في "
الأوسط " (1 / 292 / 1 / 4885) وقال: " لم يروه عن الجريري إلا أبو المنذر
الوراق، ولا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد ".(6/450)
قلت: وهو ضعيف جدا،
لأن أبا المنذر الوراق - واسمه يوسف بن عطية الباهلي - متروك كما في " التقريب
"، لكن قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 84) : " رواه الطبراني في " الأوسط "
، والبزار بنحوه.. ورجال البزار رجال (الصحيح) ". كذا قال، وقد وقفت
على إسناد البزار ولفظه بواسطة " زوائد البزار " للعسقلاني (ص 248) أخرجه من
طريق جعفر بن سليمان عن الجريري به، إلا أنه قال: " عن أبي نضرة - قال: ولا
أعلمه إلا - عن أبي سعيد.. ". فذكره مرفوعا مختصرا بلفظ: قال في خطبة خطبها
: " إن أباكم واحد، وإن دينكم واحد، أبوكم آدم، وآدم خلق من تراب ".
وقال البزار: " لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو
صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح كما قال الهيثمي، لولا أنه شك الراوي بعض الشيء
في صحابيه، وذلك مما لا يضر، لأن الصحابة كلهم عدول كما تقدم. والله أعلم
. وللحديث شاهد من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس
يوم فتح مكة، فقال: " يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية
وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين
على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من التراب، قال الله: * (يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى..) * إلى قوله: * (إن أكرمكم عند الله
أتقاكم إن الله عليم خبير) * ".(6/451)
أخرجه الترمذي (3266) والبيهقي (2 / 87 /
2) من طريق عبد الله بن جعفر: حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر به، وقال
: " حديث غريب لا نعرفه من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر إلا من هذا الوجه
. وعبد الله بن جعفر بن جعفر يضعف، ضعفه ابن معين وغيره، وهو والد علي بن
المديني ". قلت: قد تابعه موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار به. أخرجه ابن
أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " (4 / 217) ، وعزاه السيوطي في " الدر
المنثور " (6 / 98) لابن أبي شيبة أيضا وعبد بن حميد وابن المنذر وابن
مردويه والبيهقي في " شعب الإيمان ". قلت: وموسى بن عبيدة ضعيف أيضا، فلعل
أحدهما يتقوى بالآخر. وللحديث شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه مثل
حديث ابن عمر، دون الخطبة والآية، وهو مخرج في " غاية المرام " (312)
بسند حسن.
2701 - " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ".
أخرجه البخاري في أول كتاب " النكاح - 18 " ومسلم (رقم - 2741) والترمذي (
2781) وصححه، وابن ماجه (3998) وأحمد (5 / 200 و 210) من طرق عن
سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أسامة بن زيد بن حارثة [وسعيد ابن
زيد بن عمرو بن نفيل] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: "
حديث حسن صحيح، وقد رواه غير واحد من الثقات عن سليمان التيمي عن أبي عثمان
عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه: " عن سعيد بن
عمرو بن نفيل "، ولا نعلم أحدا قال: " عن أسامة بن زيد وسعيد بن زيد " غير
المعتمر ".(6/452)
قلت: فيه نظر، فإن مسلما بعد أن رواه من طريق المعتمر عن أبيه
سليمان، أتبعه بأسانيد أخرى عن أبي خالد الأحمر، وهشيم وجرير قالوا: عن
سليمان التيمي (قال مسلم) : بهذا الإسناد مثله. قلت: فقوله: " مثله "
يستلزم أن تكون رواية هؤلاء الثلاثة مثل رواية المعتمر، أي عن التيمي عن
النهدي عن أسامة وسعيد معا. والله أعلم. تنبيه: الزيادة التي بين
المعكوفتين عند مسلم والترمذي كما يتضح من الكلام السابق، وخفي بعض هذا على
صاحب " ذخائر المواريث "، فإنه لم يعزه لمسلم في " مسند سعيد بن زيد بن عمرو
بن نفيل "، وإنما عزاه للترمذي وحده! ولعله يتبع في ذلك أصله: " تحفة
الأشراف "، فليراجع فإن يدي لا تطوله الآن، فإني أكتب هذا في (عمان) ،
ولما أنقل مكتبتي إليها، أسأل الله أن ييسر لي ذلك بمنه وكرمه. ثم إني راجعته
بحمد الله، فهو في (4 / 9) منه، رامزا لكونه عند مسلم والترمذي. وعن
أسامة وحده أخرجه ابن حبان أيضا (7 / 582 - 583) .
2702 - " أعندكم ما يغنيكم؟ قال: لا. قال: فكلوها (يعني الناقة) وكانت قد ماتت
".
أخرجه الطيالسي (رقم - 1653) : حدثنا شريك عن سماك عن جابر بن سمرة: أن
رجلا كانت له ناقة بـ (الحرة) فدفعها إلى رجل، وقد كانت مرضت، فلما أرادت
أن تموت قالت له امرأته: لو نحرتها وأكلنا منها. فأبى، وأتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم(6/453)
وذكر له ذلك، فقال: فذكره، قال: فأكلنا من ودكها ولحمها
وشحمها نحوا من عشرين يوما، ثم لقي صاحبها، فقال له: ألا كنت نحرتها؟ قال:
إني استحييت منك. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (5 / 87 و 88) . قلت: وهذا
إسناد جيد في المتابعات، وهو على شرط مسلم إلا أنه إنما أخرج لشريك متابعة،
وقد تابعه جمع: الأول: حماد بن سلمة: حدثنا سماك به، ولفظه: أن رجلا كان
مع والده بـ (الحرة) فقال له رجل: إن ناقة لي ذهبت، فإن أصبتها فأمسكها.
فوجدها الرجل، فلم يجيء صاحبها حتى مرضت. فقالت له امرأته: انحرها حتى
نأكلها. فلم يفعل حتى نفقت، فقالت امرأته: اسلخها حتى نقدد لحمها وشحمها.
قال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث مثله. أخرجه أحمد (5
/ 96 و 104) وأبو داود (3816) وإسناده صحيح على شرط مسلم الثاني: أبو
عوانة عن سماك بن حرب به مختصرا بلفظ: " بغل " مكان " ناقة ". أخرجه أحمد (5
/ 89 و 97) - وقال ابنه عبد الله: الصواب: " ناقة " -، والحاكم (4 / 125
) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
2703 - " كان يتوسد يمينه عند المنام، ثم يقول: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ".
جاء من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، من طريق أبي إسحاق السبيعي،
وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه:(6/454)
الأول: عنه عن عبد الله بن يزيد عن البراء
. أخرجه الترمذي في " الشمائل " (رقم - 252) والنسائي في " عمل اليوم " (
755) وأحمد (4 / 300) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق
عن أبي بردة عن البراء به. أخرجه النسائي (758) وأبو الشيخ في " أخلاق
النبي صلى الله عليه وسلم " (ص - 167) والترمذي في " السنن " (3396) وقال
: " حديث حسن غريب من هذا الوجه. وروى الثوري هذا الحديث عن أبي إسحاق عن
البراء لم يذكر بينهما أحدا. ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر
عن البراء. ورواه شريك (وفي نسخة: " إسرائيل "، وهو الصواب لما تقدم)
عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء، وعن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن
عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ". الثالث: وهو رواية سفيان -
وهو الثوري - عن أبي إسحاق عن البراء. وأخرجه النسائي (753) وأحمد (4 /
298) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 167) من ثلاث
طرق عنه. وقال الحافظ في " الفتح " (11 / 115) : " وسنده صحيح ". الرابع
: رواية شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر عن البراء. أخرجه أحمد (4
/ 281) : حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة ...(6/455)
وخالفه أبو داود الطيالسي
، فقال (1247 - ترتيبه) : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء. كذا قال،
أسقط من الإسناد أبا عبيدة والرجل الآخر، فلا أدري أهكذا وقعت الرواية
للطيالسي، أم ذلك مما سقط من ناسخ " مسنده "؟ وأيهما كان فرواية ابن جعفر
أصح. الخامس: وقد تابعه يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي عبيدة بن عبد الله،
إلا أنه قال: عن أبيه قال: فذكره. فجعله من مسند أبيه عبد الله بن مسعود.
أخرجه أبو الشيخ من طريق أبي يعلى، وهذا في " مسنده " (1682) عن يونس بن
عمرو قال: قال أبي: وحدثني البراء - فأسقط الوسائط بينه وبين البراء - مثل
رواية سفيان وزائدة. وأخرجه من طريق أبي يعلى هكذا ابن حبان أيضا (2350)
وسنده جيد. ثم أخرجه (2351) من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق.. قلت: فهذا
اختلاف شديد على أبي إسحاق، وغالب الظن أنه منه نفسه، لأنه كان اختلط، لكن
سفيان وشعبة رويا عنه قبل الاختلاط، فروايتهما أصح، والراجح من روايتيهما
رواية سفيان، لأنه قد تابعه عليها جمع، منهم يونس بن أبي إسحاق، وقد صرح في
روايته بسماع أبيه عمرو من البراء. فاتصل الإسناد، وصح الحديث. والحمد لله
. وله شاهد من حديث سواء عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا به.
أخرجه أبو داود (5045) والنسائي (761) وإسناده حسن. وكذا ابن السني (
733 و 734 و 337) . وآخر من حديث حذيفة به.(6/456)
أخرجه أحمد (5 / 382) وإسناده
صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (6314) دون ذكر " اليمنى "،
وكذا الترمذي (3395) وقال: " حديث حسن صحيح ". وخفيت هذه الزيادة على
الحافظ فلم يعزها لأحمد!
2704 - " قوله: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) *، * (ومن لم
يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) *، * (ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الفاسقون) *، قال: هي في الكفار كلها ".
أخرجه أحمد (4 / 286) : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن
البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ... قلت: وهذا إسناد
صحيح على شرط الشيخين. والحديث دليل صريح في أن المقصود بهذه الآيات الثلاث
الكفار من اليهود والنصارى وأمثالهم الذين ينكرون الشريعة الإسلامية
وأحكامها، ويلحق بهم كل من شاركهم في ذلك ولو كان يتظاهر بالإسلام، حتى ولو
أنكر حكما واحدا منها. ولكن مما ينبغي التنبه له، أنه ليس كذلك من لا يحكم
بشيء منها مع عدم إنكاره ذلك، فلا يجوز الحكم على مثله بالكفر وخروجه عن
الملة لأنه مؤمن، غاية ما في الأمر أن يكون كفره كفرا عمليا. وهذه نقطة هامة
في هذه المسألة يغفل عنها كثير من الشباب المتحمس لتحكيم الإسلام، ولذلك فهم
في كثير من الأحيان(6/457)
يقومون بالخروج على الحكام الذين لا يحكمون بالإسلام، فتقع
فتن كثيرة، وسفك دماء بريئة لمجرد الحماس الذي لم تعد له عدته، والواجب
عندي تصفية الإسلام مما ليس منه كالعقائد الباطلة، والأحكام العاطلة،
والآراء الكاسدة المخالفة للسنة، وتربية الجيل على هذا الإسلام المصفى.
والله المستعان. وقد مضى الكلام على هذه المسألة الهامة بشيء من التفصيل
المفيد إن شاء الله تعالى تحت الحديث المتقدم (2552) .
2705 - " كان يصلي قبل الظهر أربعا يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود،
فأما ما لم يكن يدع صحيحا ولا مريضا ولا غائبا ولا شاهدا، فركعتين قبل
الفجر ".
أخرجه أحمد (6 / 43) والطبراني في " الأوسط " (7610) والخطيب في "
التاريخ " (6 / 284 - 285) مختصرا من طريق قابوس عن أبيه قال: أرسل أبي
امرأة إلى عائشة يسألها: أي الصلاة كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يواظب عليها؟ قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير قابوس
- وهو ابن أبي ظبيان - وفيه لين كما في " التقريب ". لكنه قد توبع، فقال
الطيالسي في " مسنده " (رقم - 524 - ترتيبه) : حدثنا قيس بن الربيع عن أبي
ظبيان عن أم جعفر قالت: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقالت: فذكره. قلت: وقيس هذا لين مثل قابوس، فأحدهما يقوي الآخر. وأم
جعفر هذه، الظاهر أنها المرأة المذكورة في الرواية الأولى ولم أعرفها، وقد
جاء في كنى النساء من " التهذيب " (أم جعفر) ، ثم أحال إلى ترجمة أم عون.
وقال هناك:(6/458)
" أم عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمية، ويقال: أم جعفر
زوجة محمد ابن الحنفية، وأم ابنه عون. روت عن جدتها أسماء بنت عميس، وعنها
ابنها عون، وأم عيسى الجزار، ويقال الخزاعية ". والحديث عندي صحيح، فإنه
ثابت مفرقا من طرق عن عائشة، فصلاة الأربع في " صحيح مسلم " عنها، وقد خرجته
في التعليق على " مختصر الشمائل " (رقم - 280) وأما ركعتا الفجر، فقد صح
عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدعهما، عند البخاري وغيره، وهو مخرج
في " صحيح أبي داود " (1179) . وزاد البخاري في رواية: " أبدا ". وأما
إطالة القيام في الأربع، فقد وجدت له شاهدا من حديث علي بلفظ: " كان يصلي قبل
الظهر أربعا، يصليها عند الزوال، ويمد فيها ". أخرجه الترمذي في " الشمائل
" (289) عن مسعر بن كدام عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عنه. وهذا إسناد حسن
إن كان مسعر سمعه من أبي إسحاق - وهو السبيعي - فإنه كان اختلط. وقد أخرجه
الترمذي وغيره من طريق شعبة وغيره عن أبي إسحاق به، دون قوله: " ويمد فيها
". انظر " الشمائل " (رقم - 281 و 289) .
2706 - " بعثني إلى [قومي] (باهلة) ، [فانتهيت إليهم وأنا طاو] ، فأتيت وهم
على الطعام، (وفي رواية: يأكلون دما) ، فرجعوا بي وأكرموني، [قالوا:
مرحبا بالصدي بن عجلان، قالوا: بلغنا أنك صبوت إلى هذا الرجل. قلت: لا
ولكن آمنت بالله وبرسوله،(6/459)
وبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم أعرض
عليكم الإسلام وشرائعه] وقالوا: تعال كل. فقلت: [ويحكم إنما] جئت
لأنهاكم عن هذا، وأنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيتكم لتؤمنوا به،
[فجعلت أدعوهم إلى الإسلام] ، فكذبوني وزبروني، [فقلت لهم: ويحكم ائتوني
بشيء من ماء فإني شديد العطش. قال: وعلي عمامتي، قالوا: لا ولكن ندعك
تموت عطشا!] ، فانطلقت وأنا جائع ظمآن قد نزل بي جهد شديد. [قال: فاغتممت
، وضربت رأسي في العمامة] فنمت [في الرمضاء في حر شديد] فأتيت في منامي
بشربة من لبن [لم ير الناس ألذ منه، فأمكنني منها] ، فشربت ورويت وعظم
بطني. فقال القوم: أتاكم رجل من خياركم وأشرافكم فرددتموه، فاذهبوا إليه
فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي. فأتوني بطعام! قلت: لا حاجة لي في
طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فانظروا إلى الحال التي أنا
عليها، [فأريتهم بطني] ، فنظروا، فآمنوا بي وبما جئت به من عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم، [فأسلموا عن آخرهم] ".
هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه يرويه عنه أبو غالب، وله عنه ثلاث طرق
: الأولى: عن الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى باهلة.. الحديث. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "
(8099) : حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن
شقيق حدثنا أبي حدثنا حسين بن واقد.(6/460)
قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في
أبي غالب. الثانية: عن صدقة بن هرمز القسملي عن أبي غالب نحوه، وفيه
الزيادة الأولى والثانية، والرواية الثانية وغيرها. أخرجه الطبراني (8073
) وأبو يعلى أيضا كما في " الإصابة "، وسكت عليه، والحاكم (3 / 641 - 642
) وسكت عليه أيضا، وتعقبه الذهبي بقوله: " وصدقة ضعفه ابن معين ". قلت:
ووثقه ابن حبان، فمثله يستشهد به. الثالثة: عن بشير بن سريج عن أبي غالب به
نحوه. وفيه الزيادة الثالثة والرابعة والخامسة وغيرها. أخرجه الطبراني (
8074) . وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 387) : " وفيه بشير بن سريج وهو
ضعيف "، وقال في الطريق الأولى والثانية: " رواه الطبراني بإسنادين،
وإسناد الأول حسن ".
2707 - " من كان ذبح - أحسبه قال - قبل الصلاة فليعد ذبحته ".
أخرجه البزار في " مسنده " (1205 - كشف الأستار) : حدثنا محمد بن مرداس
الأنصاري: حدثنا بكر بن سليمان حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في يوم أضحى:.. فذكره، وقال: " لا
نعلمه عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ولا رواه عن محمد بن عمرو إلا بكر،
وبكر مشهور بالسيرة، سمع من ابن إسحاق المبتدأ والمبعث ".(6/461)
قلت: قد روى عنه
جمع من الثقات، فهو كما قال الذهبي: لا بأس به، وأقره العسقلاني، وذكر أن
ابن حبان ذكره في " الثقات "، وهو فيه (8 / 148) . ومثله محمد بن مرداس
الأنصاري، فقد روى عنه جماعة من الأئمة، منهم البخاري في " جزء القراءة "،
وذكره أيضا ابن حبان في " الثقات " (9 / 107) ومن فوقهما معروفون، فالإسناد
حسن، بل هو صحيح لأن له شواهد كثيرة، سأذكر بعضها إن شاء الله تعالى.
والحديث قال الهيثمي (4 / 24) : " رواه البزار، وفيه بكر بن سليمان البصري،
وثقه الذهبي، وروى عنه جماعة، وبقية رجاله موثقون ". ومن شواهده ما روى
حماد بن سلمة: أنبأنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أن رجلا ذبح قبل أن يصلي
النبي صلى الله عليه وسلم عتودا جذعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
لا تجزي عن أحد بعدك "، ونهى أن يذبحوا حتى يصلوا. أخرجه أحمد (3 / 364)
والطحاوي (4 / 172 - مصر) وأبو يعلى (2 / 492) وعنه ابن حبان (1051) .
وهو على شرط مسلم، لكن أبو الزبير مدلس، إلا أنه قد صرح بالتحديث في غير هذه
الرواية، فقال الإمام أحمد (3 / 324) : حدثنا محمد بن بكر أنبأنا ابن جريج:
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجلان فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله
عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد
بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم. وتابعه عبد
الرزاق: أنبأنا ابن جريج به مسلسلا بالتحديث والسماع.(6/462)
أخرجه عنه أحمد أيضا (
3 / 294) . وأخرجه الطحاوي (4 / 171) من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج به
. ورواه مسلم (6 / 77) من طريق ابن بكر فقال: حدثني محمد بن حاتم: حدثنا
محمد ابن بكر به مسلسلا أيضا بالتحديث. وقد جاء الحديث في " الصحيحين "
وغيرهما من حديث البراء بن عازب وأنس بن مالك وجندب بن سفيان، وهي مخرجة في
" إرواء الغليل " (4 / 366 - 368) ، فليراجعها من شاء. (فائدة وتنبيه هام
) : قوله: (عتودا جذعا) : العتود هو الصغير من أولاد المعز إذا قوي ورعى
وأتى عليه حول، والجمع: (أعتدة) . و (الجذع) من المعز ما دخل في السنة
الثانية، ومن الضأن ما تمت له سنته، وقيل أقل منها كما في " النهاية ".
ففي حديث جابر الشاهد فائدتان: الأولى: ما في حديث الترجمة أنه لا يجوز أن
يضحي قبل صلاة العيد، وأن من فعل ذلك فعليه أضحية أخرى. والأخرى: أن الجذع
من المعز لا يجوز في الأضحية، وهذا بخلاف الجذع من الضأن، فإنه يجزي لأحاديث
صحيحة وردت في ذلك صريحة، خرجت بعضها في " الإرواء "، و " صحيح أبي داود " (
2494) وغيرهما. ولا يعكر على ذلك حديث جابر الآخر بلفظ: " لا تذبحوا إلا
مسنة، إلا أن(6/463)
يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن "، لأنه من رواية أبي الزبير
معنعنا عنه في كل الطرق، ليس في شيء منها تصريحه بالتحديث، ولا هو من رواية
الليث بن سعد عنه كما كنت بينته في " الضعيفة " (65) ، ثم في " الإرواء " (
1145) ، وأكدت ذلك أخيرا في " ضعيف أبي داود " (485) . والذي أريد أن أنبه
عليه هنا بهذه المناسبة أن بعض الطلبة الطيبين من الباكستانيين في مكة، كان
كتب إلي بتاريخ (3 / 12 / 1399) خلاصة نقاش جرى بينه وبين أحد الأثريين في
الباكستان، دار حول تضعيفي لحديث جابر هذا في المسنة في " الأحاديث الضعيفة "
تحت الحديث (65) ، فاحتج عليه الطالب بالعنعنة، وما كنت نقلته عن العلماء
وموقفهم من المدلسين. فرد عليه الأثري بأنه قد صرح بالتحديث في روايته عند أبي
عوانة في " مسنده " (5 / 228) فإنه قال بعد أن أسند الحديث من طرق عن زهير عن
أبي الزبير عن جابر: " رواه محمد بن بكر عن ابن جريج: حدثني أبو الزبير أنه
سمع جابرا يقول.. فذكر الحديث ". أقول: وقد أجبت عن هذه الشبهة بأن هذا
الإسناد الذي فيه تصريح أبي الزبير بالتحديث معلق منقطع لا تقوم به حجة. ذكرت
هذا في " ضعيف أبي داود " (485) . ثم بدا لي شيء آخر هام جدا، فوجب التنبيه
عليه، ألا وهو: أن هذا الإسناد المعلق - الذي اغتر به ذلك الأثري - ليس لهذا
الحديث الذي ضعفته بالعنعنة، وإنما هو لحديث آخر عن جابر، وهو المتقدم آنفا
شاهدا لحديث الترجمة من رواية محمد بن بكر.. بسنده المتصل عن أبي الزبير أنه
سمع جابرا.. وإليك البيان: لقد ساق مسلم في " كتاب الأضاحي " (6 / 77)
حديثين على التعاقب من(6/464)
رواية أبي الزبير عن جابر: الأول: حديثه في المسنة،
والآخر: حديثه في النحر المتقدم ومن المعلوم عند النابغين العارفين بهذا الفن
أن " مسند أبي عوانة " إنما هو مستخرج على " صحيح مسلم "، يخرج فيه أحاديثه
بأسانيد له إلى شيخ مسلم أو من فوقه إذا تيسر له وهو الغالب، وهذا ما فعله
أبو عوانة في الحديث الأول، فإنه أخرجه بأسانيد له عن زهير عن أبي الزبير عن
جابر. وأما الحديث الآخر فليس له ذكر في مسنده، والمفروض أن يكون مخرجا فيه
بإسناده عن أبي الزبير، أو عن ابن جريج عنه، فالظاهر أنه سقط من الناسخ أو
الطابع، وبقي إسناده المعلق. وهو قوله: " رواه محمد بن بكر.. " إلخ،
فرجع ضمير " رواه " إلى الحديث الأول: حديث المسنة، فوقع الإشكال! وهو في
الحقيقة ينبغي أن يعود إلى الحديث الآخر: حديث النحر، هذا هو الذي يقتضيه ما
تقدم من البيان والتحقيق مما يحصل به غلبة الظن في سقوط الحديث من مطبوعة "
مسند أبي عوانة "، واليقين إنما يتحقق بالرجوع إلى المجلد الثامن المخطوط
المحفوظ في ظاهرية دمشق (حديث - 274) ، فإن فيه كتاب الأضاحي، ولعلنا نحصل
على صورة منه، فإن يدي لا تطوله الآن، فإني أكتب هذا وأنا في داري التي
بنيتها منذ نحو سنتين في (عمان - الأردن) .
2708 - " إن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده وإذا فسدت فسد سائر جسده، ألا
وهي القلب ".
أخرجه أبو داود الطيالسي في " المسند " (788) : حدثنا شعبة عن مجالد عن
الشعبي عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره. قلت: وهذا حديث صحيح، رجاله ثقات مشهورون من رجال الشيخين(6/465)
غير مجالد
- وهو ابن سعيد -، وفيه ضعف من قبل حفظه، وهو صدوق في ذات نفسه، وقد
توبع كما يأتي، فدل ذلك على أنه قد حفظه، فهو من صحيح حديثه. وقد رواه
الطبراني في " الصغير " (890 - الروض) من طريق أخرى عن شعبة. وقد توبع شعبة
فيه، فقال أحمد (4 / 274) والحميدي (2 / 409) : حدثنا سفيان قال: حدثنا
مجالد قال: سمعت الشعبي يقول: سمعت النعمان بن بشير يقول:.. فذكره بلفظ: "
[إن] في الإنسان مضغة.. " الحديث نحوه، والسياق للحميدي، والزيادة لأحمد
. وأما متابعة مجالد، فقال أحمد (4 / 270) : حدثنا يحيى بن سعيد عن زكريا
قال: حدثنا عامر قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول:.. فذكره في آخر حديث
: " إن الحلال بين، والحرام بين.. " الحديث. وفيه: " ألا وإن في الإنسان
مضخة إذا صلحت.. " الحديث. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه
بتمامه بلفظ " الجسد " مكان " الإنسان "، وما قبله مخرج في " غاية المرام "
برقم (20) . وكان الحامل على تخريج حديث الترجمة هنا أمرين: الأول: أنني
رأيت الحديث في " النهاية " بلفظ الترجمة، أورده في مادة (مضغ) مفسرا إياه
بقوله: " يعني القلب لأنه قطعة لحم من الجسد ".(6/466)
فخشيت أن يكون غير محفوظ،
لأن الثابت المعروف في الصحيحين وغيرهما إنما هو بلفظ " الجسد " كما تقدم،
فتتبعت روايات الحديث في دواوين السنة حتى وجدت الحديث في " المسند " بلفظ
الإنسان "، وهو شاهد قوي لحديث الترجمة، وبمعناه لفظ " الشيخين ": الجسد "
، خلافا لأحد الأطباء المعاصرين كما يأتي بيانه. والآخر: أنني اجتمعت مع أحد
الأطباء هنا في (عمان) ، فأخذ يحدثني ببعض اكتشافاته الطبية - وزملاؤه من
الأطباء في ريب منها كما أفاد هو - منها أن بجانب السرة من كل شخص مضغة صغيرة
هي سبب الصحة والمرض، وأنه يعالج هو بها الأمراض، وأنها هي المقصودة - زعم
- بقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: " إذا صلحت.. "، فلما عارضته
بقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: " ألا وهي القلب ". قال: " هذه
الزيادة غير صحيحة ". قلت: كيف وهي في الحديث عند البخاري؟! قال: هل
البخاري معصوم؟ قلت: لا، ولكن تخطئته لابد لها من دليل، ببيان ما يدل على
ما ذكرت من ضعفها. قال: هي مدرجة! قلت: من قال ذلك من علماء الحديث، فإن
لكل علم أهله المتخصصين به. قال: سمعت ذلك من أحد كبار علماء الحديث في مصر.
وقد سماه يومئذ، ولم أحفظ اسمه جيدا. فقلت: إن كان قال ذلك فهو دليل على
أنه ليس كما وصفته في العلم بالحديث، فإنه مجرد دعوى لم يسبق إليها، ولا
دليل عليها. ثم قلت له: يبدو من كلامك أنك تفهم بالحديث أنه يعني الصلاح
والفساد الماديين؟ قال: نعم. قلت له: هذا خطأ آخر، ألا تعلم أن الحديث تمام
حديث أوله: " إن الحلال بين والحرام بين.. " الحديث، وفيه: " فمن اتقى
الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " الحديث، فهذا صريح في(6/467)
أنه في الصلاح
والفساد المعنويين. فلم يجب عن ذلك بشيء سوى أنه قال: لو أراد ذلك لقال: "
ألا وإن في الإنسان.. " مكان " الجسد "! قلت: هذا غير لازم، فإنهما بمعنى
واحد، وبذلك فسره العلماء، فيجب الرجوع إليهم، وليس إلى الأطباء! ولم
أكن مطلعا يومئذ على هذا اللفظ الذي أنكره، فبادرت إلى تخريجه بعيد وقوفي عليه
، لعل في ذلك ما يساعده وأمثاله على الرجوع إلى الصواب. والله الهادي. وقد
جرنا الحديث إلى التحدث عن القلب وأنه مقر العقل والفهم، فأنكر ذلك، وادعى
أن العقل في الدماغ، وأن القلب ليس له عمل سوى دفع الدم إلى أطراف البدن.
قلت: كيف تقول هذا وقد قال الله تعالى في الكفار: * (لهم قلوب لا يفقهون بها
) *، وقال: * (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان
يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) *؟!
فحاول تأويل ذلك على طريقة بعض الفرق الضالة في تعطيل دلالات النصوص، وقلت له
: هذه يا دكتور قرمطة لا تجوز، ربنا يقول: * (القلوب التي في الصدور) * لا في
الرؤوس! وأقول الآن: من فوائد الحديث قول الحافظ ابن حجر في " فتح الباري "
(1 / 128 - 129) : " وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه،
والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه، والمراد المتعلق به من الفهم الذي ركبه
الله فيه. ويستدل به على أن العقل في القلب. ومنه قوله تعالى: * (فتكون
لهم قلوب يعقلون بها) *، وقوله تعالى: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) *
. قال المفسرون: أي عقل، وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره ". ثم إن تلك
الزيادة التي أنكرها الطبيب المشار إليه يشهد لها آيات كثيرة في(6/468)
القرآن الكريم
، جاء فيها وصف القلب بالإيمان والاطمئنان والسلامة، وبالإثم، والمرض
والختم والزيغ والقسوة، وغير ذلك من الصفات التي تبطل دعوى أنه ليس للقلب
وظيقة غير تلك الوظيفة المادية من ضخ الدم. فأسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا
من المرض والزيغ، واتباع جهل الجاهلين من الكفار وغيرهم.
2709 - " إني أمرت أن أغير اسم هذين، فسماهما حسنا وحسينا. قاله لما ولدا وسماهما
علي: حمزة وجعفر ".
أخرجه أحمد في " المسند " (1 / 159) وفي " فضائل الصحابة " (2 / 712 / 1219
) وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 147) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم
2780 ج1) والحاكم (4 / 277) من طرق عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن
محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن علي قال: لما ولد الحسن سماه حمزة، فلما
ولد الحسين سماه بعمه (جعفر) قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
: فذكره، وقال عقب قوله: (هذين) : فقلت: الله ورسوله أعلم ". وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: قال أبو حاتم:
العلاء منكر الحديث ". قلت: هو الراوي للحديث عن عبيد الله بن عمرو عند
الحاكم، لكنه قد توبع عند الآخرين كما أشرت إلى ذلك بقولي: " من طرق "،
فالسند حسن، رجاله ثقات، وفي ابن عقيل كلام لا يضر، ولذلك قال الهيثمي (8
/ 52) :(6/469)
".. وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وأخرجه البزار (2
/ 415 / 1996) من طريق أخرى عن ابن عقيل به نحوه، وقال: " لا نعلمه بلفظه
ولا معناه إلا عن ابن الحنفية عن علي ". قلت: وقد خالف الطرق كلها العلاء
الرقي عند الحاكم فقال: ".. ابن عقيل عن أبيه " بدل قوله: ".. عن محمد بن
علي "، وهو ابن الحنفية، وذلك مما يدل على ضعف الرقي، لكن متن الحديث ثابت
برواية الجمع كما ذكرنا، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (4
/ 351) وذلك من تساهله الذي عرف به، ثم قال: " ولكنه يعارضه ما مضى (769
و953) في تسميتهما، ولعل ما مضى أرجح ". يشير إلى حديث هانىء بن هانىء عن
علي.. نحوه، وفيه: أنه سمى كلا منهما عند ولادتهما: (حربا) . وهذا
الإسناد ضعيف عندي كما بينته في " الضعيفة " (3706) . فالراجح حديثنا هذا.
وله شاهد من حديث سورة بنت مشرح تكلمت عليه في المصدر المذكور.
2710 - " أنت كنت أحق بالسجود من الشجرة ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1 / 298) والطبراني في " المعجم الأوسط " (
رقم 4904) من طريق الجراح بن مخلد: أخبرنا اليمان بن نصر صاحب الدقيق(6/470)
قال:
أخبرنا عبد الله بن سعد المدني قال: أخبرنا محمد بن المنكدر قال: حدثني محمد
بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري قال: رأيت فيما يرى النائم كأني
تحت شجرة، وكأن الشجرة تقرأ * (ص) *: فلما أتت على السجدة سجدت، فقالت في
سجودها: " اللهم اكتب لي بها أجرا، وحط عني بها وزرا، وأحدث لي بها شكرا،
وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته ". فلما أصبحت غدوت على النبي صلى
الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال: سجدت أنت يا أبا سعيد؟ فقلت: لا، قال
: (فذكره) ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة * (ص) * حتى أتى على
السجدة، فقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها. وقال الطبراني عقبه -
والسياق له -: " لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به اليمان بن نصر
". قلت: أعله به الهيثمي فقال (2 / 285) : " قال الذهبي: مجهول ". قلت:
هو تابع في ذلك لابن أبي حاتم (4 / 2 / 311) عن أبيه. لكن قال الحافظ في "
اللسان ": " وذكره ابن حبان في " الثقات " فقال: الكعبي، من أهل البصرة،
يروي عن شيخ عن محمد بن المنكدر. روى عنه يعقوب بن سفيان. وذكر ابن أبي حاتم
في الرواة عنه محمد بن مرزوق والجراح بن مليح ". قلت: ليس في ابن أبي حاتم
ذكر الجراح هذا. فالله أعلم. وقد روى عنه عمرو بن علي هذا الحديث مختصرا جدا
في " تاريخ البخاري " (1 / 1 / 147) .(6/471)
وأقول: فمثله حسن الحديث إن شاء الله
تعالى لرواية ثلاثة من الثقات عنه، فإعلاله بمن فوقه أولى، كشيخه عبد الله بن
سعد المدني، فإني لم أجد له ترجمة، وقد وقع اسمه في ترجمة اليمان من " الجرح
والتعديل ": " عبد الله بن أبي سعيد المدني "، وقال المعلق عليه: " ك "
سعد " خطأ ". ولعل ما خطأه هو الصواب لمطابقته لما في الكتابين: " مسند أبي
يعلى "، و " المعجم الأوسط ". وشيخ شيخه " محمد بن عبد الرحمن بن عوف "
أورده البخاري في " التاريخ "، وابن أبي حاتم في كتابه برواية ابن المنكدر
وابنه عبد الواحد عنه، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في "
الثقات " من روايتهما عنه. قلت: فعلة هذا الإسناد عندي عبد الله. لكن للحديث
طريق أخرى وشاهد يتقوى بهما إن شاء الله تعالى. أما الطريق فقال عبد الرزاق
في " المصنف " (3 / 337 / 5869) : عن ابن عيينة عن عاصم بن سليمان عن بكر بن
عبد الله المزني: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله!
رأيت كأن رجلا يكتب القرآن وشجرة حذاءه، فلما مر بموضع السجدة التي في * (ص
) * سجدت، وقالت: " اللهم أحدث لي بها شكرا، وأعظم لي بها أجرا، واحطط
بها وزرا ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فنحن أحق من الشجرة ".(6/472)
وهذا
إسناد صحيح مرسل، وقد جاء موصولا مختصرا من طرق عن حميد الطويل قال: حدثني
بكر أنه أخبره: أن أبا سعيد الخدري رأى رؤيا أنه يكتب * (ص) *، فلما بلغ إلى
سجدتها قال: رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجدا، قال: فقصها
على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يسجد بها بعد. أخرجه أحمد (3 / 78
و84) من طريق يزيد بن زريع وابن أبي عدي، والحاكم (2 / 432) من طريق حماد
بن سلمة، ثلاثتهم عن حميد به. سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: " على شرط
مسلم ". قلت: هو كذلك بل هو على شرط الشيخين لولا أن ظاهره الإرسال لقوله:
أن أبا سعيد.. ويؤيد ذلك رواية هشيم: أنبأنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله
قال: أخبرني مخبر عن أبي سعيد قال: فذكره، إلا أنه قال: فعدت على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأمر بالسجود فيها. أخرجه البيهقي (2 / 320) .
لكن يمكن أن يقال: إن هذه الرواية شاذة لمخالفتها لرواية الثقات الثلاثة، لكن
هذه نفسها ليست متصلة كما ذكرنا. والله أعلم. وأما الشاهد فالدعاء فيه بلفظ
: " اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع عني بها وزرا،
واقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود ". أخرجه الترمذي (579 و 3420) وابن
ماجه (1 / 325) وابن حبان (691) من طريق ابن خزيمة، والحاكم (1 / 219)
والبيهقي (2 / 320)(6/473)
والطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 149 / 11262)
كلهم من طريق محمد بن يزيد بن خنيس قال: حدثني حسن بن محمد بن عبيد الله بن
أبي يزيد قال: قال لي ابن جريج: يا حسن! حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد عن
ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
! إني رأيت في هذه الليلة فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة، فرأيت كأني
قرأت سجدة، فرأيت الشجرة كأنها تسجد بسجودي، فسمعتها وهي تقول: " اللهم
اكتب ... " إلخ. قال ابن عباس: " فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ
السجدة، فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما قال الرجل عن كلام الشجرة ". والسياق
لابن حبان، وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح، رواته مكيون، لم يذكر واحد منهم
بجرح ". ووافقه الذهبي. قلت: وهذا من عجائبه، فإنه قال في ترجمة الحسن
هذا من " الميزان ": " قال العقيلي: لا يتابع عليه. وقال غيره: فيه جهالة
، ما روى عنه سوى ابن خنيس ". وقال في " الكاشف ": " غير حجة ". وأما
الترمذي فقد قال في الموضعين: " حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ".
لكن زاد في الموضع الأول في نسخة: " حسن ".(6/474)
ولعلها زيادة غير ثابتة، فإن
الحافظ لم ينقل في ترجمة الحسن من " التهذيب " عن الترمذي إلا أنه استغربه،
وكذلك فعل التبريزي في " المشكاة " (1036) وهو اللائق بحال إسناده كما عرفت،
ويؤكده قول الحافظ في " التلخيص " (4 / 114) : " وضعفه العقيلي بالحسن بن
محمد.. فقال: فيه جهالة ". وقد توبع ابن جريج على بعضه، فروى عبد الرزاق (
5868) وابن أبي شيبة (2 / 8) عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد
أنه سمع ابن عباس سئل: في (ص) سجدة؟ قال: نعم * (أولئك الذين هداهم الله
فبهداهم اقتده) *. وسنده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (3421
و4807) والمصنفان أيضا، والبيهقي (2 / 219) من طريق مجاهد قال: سئل ابن
عباس.. إلخ. وبالجملة، فحديث الترجمة حسن على أقل الدرجات بالطريق الأخرى
والشاهد، لاسيما وقد صحح شاهده الحاكم وغيره كما تقدم، بل وذكر الحافظ في "
التهذيب " عن الخليلي أنه قال فيه: " حديث غريب صحيح ". ولعله لذلك قال
النووي في " المجموع " (4 / 64) : " رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن ".
والله سبحانه وتعالى أعلم.
2711 - " ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان
، غير مريم وابنها ".
أخرجه البخاري (3431 و 4548) ومسلم (7 / 96) وأحمد (2 / 233(6/475)
و 274)
وابن جرير في " التفسير " (3 / 160 - 161) من طريق سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ثم يقول أبو هريرة
: * (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) *. والسياق للبخاري.
وتابعه الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه
بإصبعيه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب ". أخرجه
البخاري (3286) وأحمد (2 / 523) وابن جرير (3 / 161) . وتابعه أبو
يونس سليمان مولى أبي هريرة مرفوعا مختصرا نحوه. أخرجه مسلم، وابن جرير.
وتابعه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مختصرا بلفظ: " صياح المولود حين
يقع نزغة من الشيطان ". رواه مسلم، وابن جرير من طريق قيس عن الأعمش عن أبي
صالح به، نحو رواية سعيد وتابعه عجلان مولى المشعل عن أبي هريرة به نحو رواية
الأعرج، لكنه ذكر مريم ابنة عمران وابنها عيسى عليها السلام، دون قوله: "
ذهب يطعن.. ". أخرجه أحمد (2 / 288 و 292 و 319) وابن جرير. وإسناده جيد
. وتابعه عبد الرحمن أبو العلاء عن أبي هريرة بلفظ: " كل إنسان تلده أمه
يلكزه الشيطان بحضنيه إلا ما كان من مريم وابنها، ألم(6/476)
ترو إلى الصبي حين يسقط
كيف يصرخ؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فذاك حين يلكزه الشيطان بحضنيه "
. أخرجه أحمد (2 / 368) . وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح. وتابعه يزيد
بن عبد الله بن قسيط عنه مثل رواية سعيد. أخرجه ابن جرير. ورجاله ثقات.
وتابعه أبو سلمة عن أبي هريرة مثل رواية أبي يونس. أخرجه ابن جرير.
2712 - " لم آتكم إلا بخير، أتيتكم لتعبدوا الله وحده لا شريك له وتدعوا عبادة اللات
والعزى، وتصلوا في الليل والنهار خمس صلوات، وتصوموا في السنة شهرا،
وتحجوا هذا البيت، وتأخذوا من مال أغنيائكم، فتردوها على فقرائكم. لقد علم
الله خيرا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله، خمس لا يعلمهن إلا الله: * (
إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا
تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) * ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1084) وأحمد (5 / 368 - 369) من
طريقين عن منصور عن ربعي بن حراش قال: حدثني رجل من بني عامر جاء إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية
:(6/477)
" اخرجي فقولي له: قل: السلام عليكم، أأدخل، فإنه لم يحسن الاستئذان ".
قال: فسمعتها قبل أن تخرج إلي الجارية، فقلت: السلام عليكم، أأدخل؟ فقال:
" وعليك، ادخل ". قال: فدخلت فقلت: بأي شيء جئت؟ فقال: فذكر الحديث إلى
قوله: ".. فقرائكم " قال: فقلت له: هل من العلم شيء لا تعلمه؟ قال: " لقد
علم الله.. " الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين غير الرجل
العامري، وهو صحابي فلا يضر الجهل باسمه، فإن الصحابة عدول كما هو مذهب أهل
الحق. وروى منه أبو داود طرفه الأول دون حديث الترجمة، ولذلك خرجته هنا،
وقد مضت روايته في المجلد الثاني برقم (819) بلفظ: " اخرج إلى هذا فعلمه
الاستئذان، فقل له: قل السلام عليكم، أأدخل؟ ". وفيه دليل صريح على أن من
أدب الاستئذان في الدخول البدء بالسلام قبل الاستئذان، وفي ذلك أحاديث أخرى
بعضها أصرح من هذا، تقدمت هناك (816 - 818) . ويؤيده ما رواه البخاري في "
أدبه " (1066) بسند صحيح عن عطاء عن أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال:
" لا يؤذن له حتى يبدأ بالسلام ". وفي رواية له (1067 و 1083) بإسناد أصح
عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: إذا قال: أأدخل؟ ولم يسلم، فقل: لا
حتى تأتي بالمفتاح. قلت: السلام؟ قال: نعم.(6/478)
وما أخرجه أحمد (1 / 448)
بسند صحيح عن رجل عن عمرو بن وابصة الأسدي عن أبيه قال: " إني بالكوفة في داري
إذ سمعت على باب الدار: السلام عليكم، آلج؟ قلت: عليكم السلام، فلج. فلما
دخل فإذا هو عبد الله بن مسعود.. ". ففي هذا تنبيه على أن تعليم النبي صلى
الله عليه وسلم للعامري أدب الاستئذان ليس مقصودا بذاته قوله: " أألج؟ "،
وإنما هو عدم ابتدائه إياه بالسلام خلافا لما سمعته من بعض الخطباء الفضلاء.
ويزيده تأييدا وقوة ما رواه عبد الرزاق (10 / 382 / 19427) بسند صحيح عن ابن
سيرين قال: استأذن أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدخل؟ ولم
يسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أهل البيت: مروه فليسلم.
فسمعه الأعرابي، فسلم، فأذن له.
2713 - " إنكم مدعوون [يوم القيامة] مفدمة أفواهكم بالفدام، ثم إن أول ما يبين (
وقال مرة: يترجم، وفي رواية: يعرب) عن أحدكم لفخذه وكفه ".
أخرجه النسائي في " الكبرى " (6 / 439) والحاكم (4 / 600) وأحمد (5 / 4
و5) والسياق له، وكذا عبد الرزاق في " المصنف " (20 / 130 / 20115)
والحسن المروزي في " زوائد الزهد " (350 / 987) والطبراني في " المعجم الكبير
" (19 / 407 - 409) والبغوي في " التفسير " (7 / 25) من طرق عن بهز ابن
حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي. وقال ابن عبد البر في ترجمة حكيم بن معاوية:(6/479)
" الحديث صحيح،
والإسناد ثابت ". ولفظ " يترجم " لأحمد في رواية، والرواية الأخرى له أيضا
(4 / 446 - 447 و 5 / 3) والحاكم (4 / 565) والطبراني في " الكبير " (19
/ 424 و 426 - 428) وفي " الأوائل " (ص 47 / 20 و 21) من طرق أخرى عن حكيم
بن معاوية به. والزيادة لأحمد في رواية. وكذا الطبراني. وأحد لفظيه في "
الأوائل ": " أول ما يتكلم من الإنسان يوم القيامة ويشهد عليه بعمله فخذه
وكفه ". لكن شيخ الطبراني فيه إدريس بن جعفر العطار، قال الدارقطني: " متروك
". وللحديث شاهد من حديث عقبة بن عامر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول
: " إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه - فخذه من الرجل الشمال
" أخرجه أحمد (4 / 151) : حدثنا الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم
ابن زرعة عن شريح بن عبيد الحضرمي عمن حدثه عن عقبة. قلت: وهذا إسناد رجاله
كلهم ثقات، فهو صحيح لولا شيخ الحضرمي، فإنه لم يسم، وقد أسقطه هشام بن
عمار: حدثنا إسماعيل بن عياش به عن شريح عن عقبة. أخرجه الطبراني (17 / 333
/ 921) والثعلبي في " تفسيره " (3 / 170 / 1) وابن عساكر (8 / 32 / 1)
وكذا ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " (3 / 577) . لكن هشام بن عمار
وإن كان احتج به البخاري، ففيه ضعف من جهة أنه(6/480)
كان يتلقن، لاسيما وقد خالف
الحكم بن نافع، وهو ثقة ثبت محتج به في " الصحيحين "، فقول الهيثمي (10 /
351) : " رواه أحمد والطبراني، وإسنادهما جيد ". فهو غير جيد. نعم، قد
توبع هشام بن عمار، فقال ابن جرير في " التفسير " (23 / 17) : حدثني محمد بن
عوف الطائي قال: حدثنا ابن المبارك عن ابن عياش به. دون الرجل الذي لم يسم.
قلت: فهذا إسناد صحيح إن كان شريح سمعه من عقبة، فقد اختلفوا في سماعه من أحد
من الصحابة كما تراه في " التهذيب " وغيره. والله أعلم. (تنبيه) لقد قصر
السيوطي في تخريج الحديثين تقصيرا فاحشا في " الجامع الكبير " وبخاصة حديث
معاوية بن حيدة، فإنه عزاه (1 / 339) لابن عساكر فقط! وقد عرفت أنه رواه
جمع كل واحد أولى بالعزو إليه من ابن عساكر، فما بالك وهم جمع، وفيهم
الحاكم في " صحيحه "؟ وأما حديث عقبة، فعزاه (1 / 231) لأحمد والطبراني
فقط! على أنه لا يصح سنده لما عرفت من الاختلاف فيه، وقد أشار الحافظ ابن
كثير إلى ترجيح رواية الحكم ابن نافع، فإنه قال بعد أن ساق رواية هشام بن عمار
ومحمد بن عوف: " وقد جود إسناده الإمام أحمد رحمه الله فقال: حدثنا الحكم
بن نافع.. " إلخ. وبالجملة فلا تصح زيادة " الشمال " في حديث عقبة للاضطراب
الذي في إسناده، وعدم ورودها في حديث الترجمة، وكذلك لم ترد في حديث آخر من(6/481)
رواية مسلم (8 / 216) من حديث أبي هريرة، وورد خلافها من حديث أبي موسى
الأشعري موقوفا بلفظ: " فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى ". رواه ابن
جرير بسند صحيح عنه. والله أعلم. والفدام: ما يشد على الإبريق والكوز من
خرقة لتصفية الشراب الذي فيه، أي أنهم يمنعون الكلام بأفواههم حتى تتكلم
جوارحهم، فشبه ذلك بالفدام. " نهاية ابن الأثير " (3 / 421) .
2714 - " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من
يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب، فمن ضن بالمال أن ينفقه وخاف
العدو أن يجاهده وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول: سبحان الله، [
والحمد لله] ولا إله إلا الله، والله أكبر ".
أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " (114 / 1) : حدثنا عياش بن محمد بن عيسى أبو
الفضل الجوهري - ببغداد - حدثنا أحمد بن جناب: حدثنا عيسى بن يونس عن سفيان
الثوري عن زبيد عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله على شرط مسلم كلهم، إلا الجوهري هذا،
وقد وثقه الخطيب في " التاريخ " (12 / 279) وتابعه جمع عند الحاكم (1 / 33
) وصححه. ووافقه الذهبي. وقد توبع عيسى بن يونس - وهو ثقة مأمون - في
رفعه، من قبل سفيان بن(6/482)
عقبة - أخو قبيصة -، فرواه عن حمزة الزيات وسفيان
الثوري عن زبيد به، والزيادة له، وزاد في آخره: " فإنهن مقدمات مجنبات
ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات ". أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (1 /
348 - 349) من طريق الحاكم عن مهران بن هارون بن علي الداوودي: حدثنا سفيان
بن عقبة.. وهو على شرط مسلم أيضا غير مهران هذا، فلم أجد من ترجمه.
وبالرجوع إلى " المستدرك " تبين أنه سقط من " الشعب " راويان بين ابن عقبة
ومهران! وحمزة الزيات هو ابن حبيب القارىء، وهو صدوق ربما وهم، من رجال
مسلم، فهو متابع قوي للثوري لو صح السند إليه، فالعمدة على رواية عيسى بن
يونس. نعم قد خالفه محمد بن كثير عند البخاري في " الأدب المفرد " (275)
وعبد الرحمن بن مهدي عند المروزي في " زيادات الزهد " (1134) ، فروياه عن
سفيان عن زبيد به موقوفا. وتابعه زهير قال: حدثنا زبيد به. أخرجه أبو داود
في " الزهد " (164 / 157) . وتابعه أيضا محمد بن طلحة عن زبيد به موقوفا.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8990) وسنده صحيح. وقال الهيثمي (
10 / 90) : " ورجاله رجال الصحيح ".(6/483)
قلت: شيخ الطبراني علي بن عبد العزيز
ليس منهم، ولكنه ثقة حافظ، وهو البغوي. فيظهر من هذا التخريج أن الأصح في
إسناد الحديث أنه موقوف، لكن لا يخفى أنه في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من
قبل الرأي، لاسيما وطرفه الأول قد روي من طريق آخر عن مرة الهمداني به مرفوعا
، وهو مخرج في " غاية المرام " (19) ورواه أيضا الدولابي في " الكنى " (1
/ 141) والبغوي في " شرح السنة " (8 / 10) . وطرفه الآخر له شاهد يرويه
القاسم عن أبي أمامة مرفوعا نحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (7795
و7800 و 7877) وابن شاهين في " الترغيب " (284 / 2) من طرق ثلاث عنه،
وهو القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، وهو حسن الحديث.
وله شاهد ثان: يرويه أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " فليكثر من
ذكر الله ". أخرجه ابن شاهين أيضا. وأبو يحيى هو القتات، لين الحديث،
فيصلح للاستشهاد به. وشاهد ثالث: يرويه يوسف بن العنبس اليماني: حدثنا
عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به، وزاد
في آخره: " فإنهن الباقيات الصالحات ". أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ق
76 / 2 - مصورة الجامعة الإسلامية) . قلت: ويوسف اليماني لم أجد له ترجمة.(6/484)
2715 - " أفضل العمل أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا ".
أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (214 / 1) من طريق أحمد بن المبارك
الإسماعيلي: حدثنا أبو موسى الهروي وأحمد بن جميل المروزي قالا: حدثنا عمار
بن محمد الثوري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ قال: أن تدخل.. إلخ. قلت: وهذا
إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات معروفون من رجال التهذيب غير من دون
عمار، فقد ترجمهم الخطيب في " التاريخ "، ووثقهم غير الإسماعيلي، فإنه لم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، روى عنه ثقتان، ومات بالرقة سنة (263) . فهو
مستور يقبل حديثه، لاسيما في الشواهد، وقد مضى أحدها من حديث ابن عمر برقم (
906) . وأبو موسى الهروي اسمه إسحاق بن إبراهيم، وترجمته في " التاريخ " (
6 / 337) وأرخ وفاته سنة (233) . وأرخ وفاة قرينه المروزي سنة (230) .
2716 - " كان يصلي قائما [تطوعا، والباب في القبلة] [مغلق عليه] ، فاستفتحت
الباب، فمشى على يمينه أو شماله، ففتح الباب ثم رجع إلى مكانه ".
أخرجه النسائي (1 / 178) وابن حبان (530) والبيهقي (2 / 265)(6/485)
وأحمد (
6 / 183 و 234) وأبو يعلى (3 / 1088) وابن راهويه في " مسنده " (4 / 64 /
2 و 128 / 1) والسياق له، والزيادة الأولى للنسائي وابن حبان، والأخرى
للبيهقي من طريق برد بن سنان أبي العلاء عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير برد هذا، وهو
ثقة على ضعف يسير. وقد وجدت له طريقا أخرى من رواية داود بن منصور: أخبرنا
الليث عن عبد الرحمن عن يونس الأيلي عن الأوزاعي عن أم كلثوم بنت أسماء عن
عائشة به. أخرجه أبو الشيخ في " الأقران " (1 / 2 - المصورة المصرية) .
وداود بن منصور صدوق يهم، وعبد الرحمن لم أعرفه لأن بعده في الأصل بياضا،
وأم كلثوم بنت أسماء لم يذكروها.
2717 - " إنها تلهيني عن صلاتي، أو قال: تشغلني. يعني الخميصة ".
أخرجه ابن راهويه في " المسند " (4 / 64 / 2) : أخبرنا أبو معاوية أخبرنا
هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة،
فأعطاها أبا جهم، فقيل: يا رسول الله إن هذه الخميصة خير من الأنبجامية.
فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأخرجاه، البخاري (
4 / 93 / 1 - 2) ومسلم (2 / 78) من طرق أخرى عن هشام نحوه، والشيخان أيضا
من طرق عن عروة به. وكذلك رواه أبو داود وغيره. وعلقه البخاري عن هشام(6/486)
بن
عروة به نحوه مختصرا. وعزاه الحافظ (1 / 483) لأبي داود أيضا، وهو إنما
وصله عن طريق ابن شهاب عن عروة. وسأتولى تخريجه في " كتاب اللباس " من " صحيح
أبي داود " إن شاء الله تعالى.
2718 - " ما نفعنا مال [أحد] ، ما نفعنا مال أبي بكر ".
أخرجه ابن راهويه في " مسنده " (4 / 80 / 1) : أخبرنا سفيان الثوري عن الزهري
عن عروة - إن شاء الله - عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقول الزهري: " إن شاء
الله " لا يضر، لأن الراوي قد يشك أحيانا، وقد رواه غير واحد بدون شك،
فأخرجه الحميدي (1 / 121 / 250) وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 1090) وابن
أبي عاصم في " السنة " (1230) عن سفيان به. وسفيان هو ابن عيينة. وروى
ابن حبان (2167) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: " أنفق أبو
بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ألفا ". وسنده
صحيح. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به، وزاد: " قال: فبكى أبو
بكر، وقال: وهل نفعني الله إلا بك؟ وهل نفعني الله إلا بك؟ وهل نفعني
الله إلا بك؟ ". أخرجه أحمد (2 / 366) : حدثنا معاوية قال: حدثنا أبو
إسحاق - يعني الفزاري - عن الأعمش عن أبي صالح عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح
على شرط الشيخين، ومعاوية هو ابن عمرو الأزدي. وأبو إسحاق اسمه إبراهيم بن
محمد بن الحارث.(6/487)
وقد تابعه أبو معاوية: حدثنا الأعمش به، إلا أنه قال: "
وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ ". أخرجه ابن أبي شيبة (12 / 759)
وأحمد (2 / 252) عنه، وكذا ابن ماجه (1 / 49) وابن أبي عاصم (1229)
وابن حبان (2166) من طرق عنه. وهو صحيح أيضا كالذي قبله. وله طريق أخرى
يرويه محبوب بن محرز القواريري عن داود بن يزيد الأموي عن أبيه عن أبي هريرة به
. أخرجه الترمذي (3262) وقال: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت:
محبوب لين الحديث، وداود ضعيف، وأبوه عند ابن حجر مقبول، فقول الترمذي
مقبول، لو لم يقل: " غريب.. "! لأنه ينافي أنه أراد: حسن لغيره!
2719 - " كان كاشفا عن فخذه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على ذلك الحال، ثم
استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه من ثيابه
، فلما قاموا قلت: يا رسول الله! استأذن عليك أبو بكر وأنت على ذلك الحال..
(وفيه) فقال: يا عائشة ألا أستحي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه ".
أخرجه ابن راهويه في " مسنده " (108 / 1) : أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري
أخبرنا عبد الله بن سيار مولى بني طلحة بن عبيد الله القرشيين قال: سمعت عائشة
ابنة طلحة تذكر عن عائشة أم المؤمنين قالت: فذكره.(6/488)
قلت: وهذا إسناد جيد
، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن سيار هذا أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 76)
من رواية مروان هذا، والقاسم بن مالك عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا،
وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 17) . ورواية القاسم بن مالك أوردها
البخاري في ترجمة عبد الله بن سيار بسنده المذكور بحديث آخر قد خرجته في "
الضعيفة " (5272) لتفرد ابن سيار به، وعدم وجود الشاهد الذي يقويه ويأخذ
بعضده. وأما هذا، فقد جاء من طريق أخرى وشاهدين كنت خرجتها كلها فيما تقدم
تحت الحديث (1687) ، وكنت خرجت هذا الطريق هناك من رواية أحمد، لكن وقع
فيها ابن سيار هذا (عبيد الله) مصغرا، فلم أعرفه، ولا عرفه الحسيني ولا
العسقلاني، فكشفت لنا رواية ابن راهويه هذه أنه تحرف اسمه عند أحمد، وأن
الصواب فيه " عبد الله " مكبرا، وأنه معروف برواية اثنين من الثقات عنه،
ولذلك أعدته بهذه الرواية العزيزة حفظها لنا الإمام ابن راهويه في " مسنده "
جزاه الله وسائر الأئمة خيرا.
2720 - " السنة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة ".
أخرجه ابن راهويه في " مسنده " (4 / 109 / 2) : أخبرنا عبد الله بن إدريس:
أنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: قالت امرأة عند عائشة: لو ولدت
امرأة فلان نحرنا عنه جزورا، قالت عائشة: لا، ولكن السنة.. الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان عطاء - وهو ابن أبي رباح المكي - سمع ذلك من
عائشة، فقد قال أحمد:(6/489)
" رواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلا أن يقول: سمعت
". والحديث صحيح، فإن له طرقا أخرى وشواهد مخرجة في " الإرواء " (1116)
وإنما أوردته هنا لقصة المرأة مع عائشة، وقولها " لا "، فإنه صريح في أنه لا
تجزي العقيقة بغير الغنم، ولهذا طريق آخر أخرجه البيهقي (9 / 301) وغيره
من طريق ابن أبي مليكة قال: نفس لعبد الرحمن بن أبي بكر غلام، فقيل لعائشة
رضي الله عنها: يا أم المؤمنين عقي عنه جزورا. فقالت: معاذ الله، ولكن ما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " شاتان مكافئتان ". وإسناده حسن كما بينته
في " الإرواء " (4 / 390) . وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (4 / 328 /
7956) وعنه ابن حزم (1 / 317) من طريق أخرى عن حفصة بنت عبد الرحمن عن
عائشة. وفيه أن حفصة ولدت للمنذر بن الزبير غلاما، فقيل لها: هلا عققت
جزورا على ابنك؟ فقالت: معاذ الله! كانت عمتي عائشة تقول: على الغلام شاتان
، وعلى الجارية شاة واحدة. وإسناده صحيح، وقد أخرجه الترمذي وغيره مرفوعا
دون ذكر الجزور وقولها معاذ الله. وهو مخرج هناك. ثم رأيت ابن راهويه قال
في مكان آخر من " مسنده " (4 / 149 / 1) : أخبرنا يعلى بن عبيد أخبرنا عبد
الملك عن عطاء عن أبي كرز عن أم كرز قالت: قالت امرأة من أهل عبد الرحمن بن
أبي بكر: إن ولدت امرأة عبد الرحمن.. الحديث مثل رواية ابن إدريس. ثم ساقها
أيضا عقب حديث يعلى هذا. فتبين به أنها منقطعة، بل معضلة، بين عطاء وعائشة
أبو كرز عن أم كرز.(6/490)
وأم كرز ذكروها في الصحابيات بخلاف أبي كرز، فكأنه غير
محفوظ. والله أعلم.
2721 - " كان ناس يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، فيقولون السام عليك
! فيقول: وعليكم. ففطنت بهم عائشة فسبتهم، (وفي رواية: قالت عائشة: بل
عليكم السام والذام) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا عائشة! [لا
تكوني فاحشة] فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش. قالت: فقلت: يا رسول الله
إنهم يقولون كذا وكذا. فقال: أليس قد رددت عليهم؟ فأنزل الله عز وجل: * (
وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله) * إلى آخر الآية ".
أخرجه ابن راهويه في " مسنده " (4 / 168 / 1) : أخبرنا يعلى بن عبيد أخبرنا
الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد
صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم (7 / 5) من طريق ابن راهويه، وأحمد
(6 / 229) : حدثنا أبو معاوية وابن نمير قالا: حدثنا الأعمش به. وفيه
الزيادة، وهي عند مسلم أيضا من طريق أخرى عن أبي معاوية وحده، وفيه الرواية
الأخرى وهي عند ابن راهويه أيضا عن أبي معاوية، ومن طريقه رواه ابن ماجه (2
/ 397) مختصرا. وأخرجه النسائي في " السنن الكبرى " (6 / 482 / 11571) من
طريق الفضل بن موسى قال: أخبرنا الأعمش به. وفيه الزيادة. (تنبيه) : عز
الحديث السيوطي في " الدر المنثور " (6 / 184) لعبد الرزاق(6/491)
وسعيد بن منصور
وعبد بن حميد والشيخين وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في
" الشعب " عن عائشة رضي الله عنها. وفي هذا نظر من وجهين: الأول: عزوه إياه
لعبد الرزاق والبخاري. وهما إنما أخرجاه مختصرا من طريق أخرى عن عائشة نحوه
، فليس فيه نزول الآية. فانظر " المصنف (10 / 392 / 19460) وكذا " تفسيره "
(3 / 279) ، " وصحيح البخاري " (2024) . والآخر: أنه لم يعزه لابن ماجه
ولا النسائي، بل ولا أحمد، وقد رواه بتمامه كما تقدم. وكذلك قصر الحافظ
ابن كثير (4 / 323) تقصيرا أفحش، فلم يعزه إلا لابن أبي حاتم فقط! وتبعه
على ذلك المقلد الصابوني في " مختصره " (3 / 462) . ثم رأيت الحديث عند ابن
راهويه (4 / 189 / 1) من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة بلفظ: إن اليهود دخلوا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك. فقال: وعليكم.
فقالت عائشة: عليكم السام وغضب الله ولعنته أخوة القردة والخنازير! فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة عليك بالحلم، وإياك والجهل ".
فقالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قالوا: السام عليك! فقال: " أوليس قد رددت
عليهم، إنه يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا ". قلت: وهذه رواية
عزيزة، وإسنادها هكذا: أخبرنا سليمان بن حرب أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب [
عن] ابن أبي مليكة.(6/492)
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وسقط من الأصل (عن
) والسياق يقتضيه، فإن ابن أبي مليكة اسمه عبد الله بن عبيد الله المدني،
معروف بالرواية عن عائشة، وعنه أيوب وهو السختياني، وعنه حماد بن زيد،
وليس في الرواة من اسمه أيوب بن أبي مليكة. وقد جاءت كلمة عائشة هذه التي في
هذه الطريق في الرد على اليهود في مسند أحمد (3 / 134 - 135) من طريق محمد بن
الأشعث عنها. وجاء قوله صلى الله عليه وسلم الذي في آخرها من حديث جابر بهذه
القصة مختصرا، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " بلى قد سمعت فرددت عليهم،
وإنا نجاب عليهم، ولا يجابون علينا ". أخرجه مسلم (7 / 5) وأحمد (3 / 383
) . (فائدة) : روى ابن راهويه عقب الحديث بإسناده الصحيح عن حسان بن عطية قال
: لا بأس أن تؤمن على دعاء الراهب إذا دعا لك، فقال: إنه يستجاب لهم فينا،
ولا يستجاب لهم في أنفسهم.
2722 - " إن وجدت رجلا صالحا فتزوجي ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 625 - 626) وابن راهويه في " مسنده " (4 / 266 / 1 - 2
) من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق وعمرو بن عتبة أنهما كتبا إلى
سبيعة بنت الحارث يسألانها عن أمرها؟ فكتبت إليهما: أنها وضعت بعد وفاة
زوجها بخمسة وعشرين [ليلة] فتهيأت تطلب الخير، فمر بها أبو السنابل بن بعكك
، فقال: قد أسرعت، اعتدي آخر الأجلين، أربعة(6/493)
أشهر وعشرا، فأتيت النبي صلى
الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! استغفر لي. قال: وفيم ذاك؟ فأخبرته
[الخبر] ، فقال: والزيادتان لابن راهويه. قلت: وإسناده صحيح على شرط
مسلم، وقد أخرجه هو والبخاري وغيرهما من طرق أخرى عن سبيعة وغيرها من
الصحابة مختصرا ومطولا، وخرجت أحدها في " الإرواء " (2113) وإنما آثرت
هذه الرواية بالتخريج لأنها تفردت عن سائر الطرق بهذه الفائدة التي فوق هذا
التخريج، حيث أمرها صلى الله عليه وسلم بأن تتزوج بالرجل الصالح إن وجدته.
وقد وهم الحافظ رحمه الله فعزاها في " الفتح " (9 / 476) لرواية الأسود عن أبي
السنابل نفسه عند ابن ماجه. وهذه رواية أخرى لابن ماجه ليس فيها هذه الفائدة
، وهي عند ابن راهويه أيضا. وسبب الوهم - فيما يبدو لي والله أعلم - أن هذه
عند ابن ماجه قبيل حديث الترجمة، فكأنه انتقل بصره عند النقل عنه إليها.
والله أعلم. وفي الحديث فوائد فقهية أخرى ساق الحافظ الكثير الطيب منها كقوله
: " وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها، لأن في رواية الزهري
عند البخاري: فقال: مالي أراك تجملت للخطاب، وفي رواية ابن إسحاق: فتهيأت
للنكاح واختضبت. وفي رواية معمر عن الزهري: وقد اكتحلت، وفي رواية
الأسود: فتطيبت وتصنعت ". قلت: فما رأي المتحمسين للقول بأن المرأة كلها
عورة دون استثناء في هذا الحديث الصحيح، وما ذكره الحافظ من الفائدة؟! لعلهم
يقولون - كما هي عادتهم في مثل هذا النص الصريح -: كان ذلك قبل نزول آية
الحجاب! فنجيبهم: رويدكم! فقد كان ذلك بحجة الوداع كما في " الصحيحين " * (
فهل من مدكر) * انظر كتابي " جلباب المرأة المسلمة " (ص 69 - الطبعة الجديدة)
.(6/494)
2723 - " نهى أن يبال بأبواب المساجد ".
أخرجه ابن شبة في " تاريخ المدينة " (1 / 36) من طريق ابن جابر أنه سمع
مكحولا رضي الله عنه يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات
رجال مسلم إلا أنه مرسل، لأن مكحولا تابعي شامي. لكن له شاهد من مرسل أبي
مجلز: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا
يدع أحدا يبول في قبلة المسجد. أخرجه ابن شبة أيضا، وإسناده صحيح أيضا.
وهذان المرسلان قد أخرجهما أيضا أبو داود في " المراسيل " (3) و (14) وإليه
فقط عزاهما السيوطي في " الجامع الصغير "، لكن الثاني منهما عنده بلفظ: " نهى
أن يبال في قبلة المسجد ". وقد تعقبه المناوي بقوله: " لفظ أبي داود عن أبي
مجلز أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن ينهى أن يبال في قبلة المسجد ".
قلت: وهكذا لفظه في " المراسيل " لأبي داود المطبوع بهذا العنوان (ص 4)
وهو في الحقيقة " مختصر المراسيل " لأنه محذوف الأسانيد، بل والمتون أيضا،
ومنها حديث مكحول هذا، فإنه ليس فيه. هذا وبعد الوقوف على إسنادي الحديث،
وتبين كونهما صحيحين مرسلا،(6/495)
انقدح في النفس أن أحدهما يقوي الآخر، ذلك لأن
الأول من رواية مكحول وهو شامي ثقة توفي سنة بضع عشرة ومائة، والآخر من
رواية أبي مجلز - واسمه لاحق بن حميد - بصري ثقة أيضا مات سنة ست، وقيل تسع
ومائة، فيكون شيوخ هذا غير شيوخ ذاك، فيغلب على الظن والحالة هذه أن كلا
منهما رواه عن شيخ غير شيخ الآخر، فيقوي أحدهما الآخر، كما أشار إلى ذلك
الإمام الشافعي رحمه الله في " الرسالة "، ونقله عنه غير واحد منهم الحافظ
ابن رجب الحنبلي في " شرح علل الترمذي " (1 / 299) ، فليراجعه من شاء.
ولذلك وجب نقل الحديثين من " ضعيف الجامع الصغير " (6015 و 6018) إلى " صحيح
الجامع "، لاسيما ويشهد له الأحاديث الواردة بالأمر بتطهير المساجد وتنظيفها
وتجميرها، ومنها الحديث الآتي بعده. ثم رأيت الحديثين في " مراسيل أبي داود
" المسندة (رقم 3 و 14) باللفظين المذكورين عن ابن شبة.
2724 - " كان يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا وأن نصلح صنعتها ونطهرها ".
أخرجه أحمد (5 / 371) من طريق ابن (الأصل: أبي!) (1) إسحاق: حدثني عمر
بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن جده عروة عمن حدثه من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال
الشيخين غير ابن إسحاق، وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث كما هنا، وجهالة
الصحابي لا تضر، على
_________
(1) وهو على الصواب في " أطراف المسند " (11106) . اهـ.(6/496)
أنه يحتمل احتمالا قويا أنه عائشة رضي الله عنها خالة
عروة بن الزبير، فقد رواه جمع عن هشام بن عروة عن أبيه عنها بلفظ: " أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب ".
وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما حققته في " صحيح أبي داود " (479) وله هناك
شاهد من حديث سمرة بن جندب، ورواه البيهقي، وقال (2 / 440) : " والمراد
بـ (الدور) قبائلهم وعشائرهم ".
2725 - " من طاف بالبيت [سبعا] وصلى ركعتين كان كعدل رقبة ".
أخرجه ابن ماجه (2989 - تحقيق الأعظمي) من طريق العلاء بن المسيب عن عطاء عن
عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير شيخ ابن ماجه علي
ابن محمد - وهو الطنافسي - وهو ثقة عابد كما قال الحافظ. ولذا قال البوصيري
في " زوائد ابن ماجه " (182 / 2) : " هذا إسناد رجاله ثقات ". وعطاء هو ابن
أبي رباح، وقد توبع، فرواه عطاء بن السائب عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه
سمع أباه يقول: سمعت ابن عمر يقول: فذكره مرفوعا وفيه الزيادة. أخرجه
الترمذي (959) وابن خزيمة في " صحيحه " (2753) وابن حبان(6/497)
(1003) وأحمد
(2 / 3 و 95) وأبو يعلى (3 / 1365 و 1364) والطبراني في " الكبير " (
13440) والبغوي في " شرح السنة " (7 / 129 / 1916) من طرق يزيد بعضهم على
بعض كلهم عن ابن السائب به. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن، وروى حماد بن
زيد عن عطاء بن السائب عن ابن عبيد بن عمير عن ابن عمر نحوه، ولم يذكر فيه (
عن أبيه) ". قلت: وصله النسائي (2 / 36) والطبراني (13447) من طريقين
عن حماد به دون ذكر الأب. ولعل هذا هو الصواب، فإن حماد بن زيد روى عن عطاء
قبل الاختلاط، وتابعه على ذلك في متن آخر سفيان بن عيينة عند الإمام أحمد (2
/ 11) وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط أيضا، ولعله لذلك قال البخاري: " لم
يسمع من أبيه شيئا، ولا يذكره ". ولا ينافي ذلك أن عبد الرزاق رواه في "
المصنف " (5 / 29 / 8877) عن معمر والثوري عن عطاء بن السائب.. فقال: (عن
أبيه) لاحتمال أن يكون سياق الإسناد لمعمر، وهو ممن سمع منه بعد الاختلاط
بخلاف الثوري، فيكون عبد الرزاق أو راوي كتابه حمل روايته على رواية على معمر
! والله أعلم. وإن من غفلة المعلق عليه أنه أعل المتن المشار إليه عند أحمد
باختلاط ابن السائب! وهو عنده من رواية ابن عيينة كما سبق، وإن كان خفي
عليه أنه سمع منه قبل الاختلاط، فكيف خفي عليه أيضا أن الثوري روى عنه قبل
الاختلاط، وروايته بين عينيه في الكتاب. ثم رأيت رواية الثوري هذه عند ابن
حبان (1000) من طريق محمود بن غيلان: حدثنا عبد الرزاق: أنبأنا سفيان به
مثل رواية معمر. فالظاهر أن عبد الله بن عبيد كان يذكر أباه أحيانا في الإسناد
. والله أعلم.(6/498)
هذا وقد حسن حديث الترجمة الإمام البغوي، وتعقبه المعلق
عليه باختلاط ابن السائب، وفاته طريق ابن ماجه الصحيح! كما فاته شاهد له من
حديث محمد بن المنكدر عن أبيه كما سأذكره، ولا غرابة في ذلك، لأنه في بعض
المصادر التي ليست من مراجعه على أقل تقدير، وإنما الغرابة أن يفوته طريق ابن
ماجه! ثم إنه عزا رواية الثوري المتقدمة لأحمد رحمه الله، وهو وهم أو غفلة
عن كون الإمام لم يدرك الثوري، فظن أنه حين قال: " حدثنا سفيان " ولم ينسبه
، أنه الثوري كما تقدم. (تنبيه) : لم يورد الحافظ المزي في " تحفة الأشراف "
في ترجمة " عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي المكي عن ابن عمر " (5 / 474)
رواية النسائي المتقدمة عنه ولا هو أشار إليها في ترجمة أبيه عبيد بن عمير (6
/ 7) وفات الحافظ ابن حجر أن يستدرك ذلك عليه في " النكت الظراف على الأطراف
"، فجل من أحاط بكل شيء علما. ثم وجدت للحديث شاهدا كنت أودعته في الكتاب
الآخر، والآن بدا لي نقله إلى هنا لشواهده بعد أن استخرت الله تبارك وتعالى
، وهو بلفظ: " من طاف بالبيت أسبوعا لا يلغو فيه، كان له كعدل رقبة ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 35) والفسوي في " المعرفة " (2 /
115 - 116) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 200 / 1) والطبراني في "
المعجم الكبير " (20 / 360 / 845) عن حريث بن السائب - مؤذن لبني سلمة - عن
محمد ابن المنكدر القرشي التيمي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره،(6/499)
واللفظ للبخاري، وقال المخلص: " وذكر الله " بدل: " لا يلغو ". وقال
المنذري (2 / 121) وتبعه الهيثمي (3 / 245) : " ورجاله ثقات "! كذا قالا
، وله عندي علتان: الأولى: الإرسال، فإن المنكدر هذا - وهو ابن عبد الله
بن الهدير التميمي - وإن أورده الطبراني وغيره في الصحابة، فإنه لم يثبت ذلك
، فقال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 406) : " روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا
تثبت له صحبة، وعن عمر بن الخطاب ". وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب " (
4 / 1486) : " حديثه مرسل عندهم، ولا يثبت له صحبة، ولكنه ولد في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم ". وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (3 / 265
) . قلت: فالعجب من الحافظ ابن حجر كيف سكت عن هذه الحقيقة، فلم يتعرض
لبيانها في ترجمة المنكدر من " الإصابة " بعد ما ذكر أن الطبراني وغيره ذكره
في الصحابة. والثانية: جهالة المنكدر هذا، فإن ابن أبي حاتم لم يذكر له
راويا عنه غير ابن أخيه عبد الله بن ربيعة بن عبد الله بن الهدير. وابن حبان
قال: " روى عنه ابنه محمد بن المنكدر "، ولم يزد. فهو تابعي مجهول الحال،
فالحديث مرسل، لكن لا بأس به في الشواهد، فإن بقية الرجال ثقات على ضعف في
حريث بن السائب، فقد وثقه ابن معين وابن حبان، وقال أحمد وأبو حاتم
وغيرهما:(6/500)
" ما به بأس ". بل قال الفلاس: " شيخ ثبت لا بأس به ". فهو حسن
الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف، وقد روى حديثا منكرا خرجناه وبينا
من خالفه في الكتاب الآخر (1063) . وشاهد آخر يرويه أبو حفص الجمحي: حدثنا
علي بن عبد العزيز حدثنا القعنبي حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الحارث الجمحي
عن محمد بن حبان عن أبي سعيد الخدري قال: " من طاف بهذا البيت سبعا لا يتكلم
فيه إلا بتكبير أو تهليل كان عدل رقبة ". أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (
5 / 85) . ورجاله ثقات غير أبي حفص - وفي نسخة: أبي جعفر - الجمحي، فلم
أعرفه. ومحمد بن حبان، هو ابن يحيى بن حبان نسب لجده. ويشهد لجملة: " لا
يلغو فيه " حديث ابن عباس مرفوعا وموقوفا: " الطواف حول البيت مثل الصلاة،
إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير ". وقد صح مرفوعا،
وصححه جمع، وهو مخرج في " إرواء الغليل " (121) .(6/501)
2726 - " عق عن نفسه بعدما بعث نبيا ".
روي من طريقين عن أنس رضي الله عنه: الأولى: عن عبد الله بن المحرر عن
قتادة عنه. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (4 / 329 / 7960) ومن طريقه ابن
حبان في " الضعفاء " (2 / 33) والبزار في " مسنده " (2 / 74 / 1237 - كشف
الأستار) وابن عدي في " الكامل " (ق 209 / 1) وقال: " عبد الله بن محرر
رواياته غير محفوظة ". وقال البزار: " تفرد به عبد الله بن المحرر، وهو
ضعيف جدا، إنما يكتب عنه ما لا يوجد عند غيره ". وأورده الذهبي في ترجمته من
" الميزان " على أنه من بلاياه! وعزاه الحافظ في " التلخيص " (4 / 147)
للبيهقي، وقال: " وقال: منكر، وفيه عبد الله بن محرر، وهو ضعيف جدا،
وقال عبد الرزاق: إنما تكلموا فيه لأجل هذا الحديث. قال البيهقي: " وروي
من وجه آخر عن قتادة، ومن وجه آخر عن أنس، وليس بشيء ". قلت: أما الوجه
الآخر عن قتادة فلم أره مرفوعا، وإنما ورد أنه كان يفتي به، كما حكاه ابن
عبد البر، بل جزم البزار وغيره بتفرد عبد الله بن محرر عن قتادة، وأما
الوجه الآخر عن أنس فأخرجه أبو الشيخ في " الأضاحي "، وابن أعين في " مصنفه "
، والخلال من طريق عبد الله بن المثنى.. ". قلت: وهي الطريق الآتية، وقد
أخرجها جمع آخر أشهر ممن ذكر كما يأتي. والتفرد الذي حكاه عن قتادة سيأتي رده
من كلام الحافظ نفسه.(6/502)
والطريق الأخرى: عن الهيثم بن جميل: حدثنا عبد الله
بن المثنى بن أنس عن ثمامة بن أنس عن أنس به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار
" (1 / 461) والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 55 / 2 رقم 976 - بترقيمي
) وابن حزم في " المحلى " (8 / 321) والضياء المقدسي في " المختارة " (ق
71 / 1) . قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ممن احتج بهم البخاري في " صحيحه " غير
الهيثم ابن جميل، وهو ثقة حافظ من شيوخ الإمام أحمد، وقد حدث عنه بهذا
الحديث كما رواه الخلال عن أبي داود قال: سمعت أحمد يحدث به. كما في " أحكام
المولود " لابن القيم (ص 88 - دمشق) ، ومن العجيب أنه أتبع هذه الطريق
بالطريق الأولى، وقال: " قال أحمد: منكر، وضعف عبد الله بن محرر ". ولم
يتعرض لهذه الطريق الأخرى بتضعيف! وكذلك فعل الطحاوي وابن حزم، فيمكن
اعتبار سكوتهم عنه إشارة منهم لقبولهم إياه، وهو حري بذلك فإن رجاله ثقات
اتفاقا غير عبد الله بن المثنى وهو ابن عبد الله بن أنس بن مالك، فإنه وإن
احتج به البخاري فقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرا، كما ترى في " التهذيب "
وغيره، وذكره الذهبي في " المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " (129 / 190) ،
فهو وسط. وأفاد الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " (ص 416) أن البخاري لم
يحتج به إلا في روايته عن عمه ثمامة، وأنه إنما روى له عن غيره متابعة. قلت
: فلعل ذلك لصلة عبد الله بعمه، ومعرفته بحديثه، فهو به أعرف من حديث غيره،
فكأن البخاري بصنيعه هذا الذي أشار إليه الحافظ يوفق بين قول من وثقه وقول من
ضعفه، فهو في روايته عن عمه حجة، وفي روايته عن غيره(6/503)
ضعيف. ولعل هذا هو
وجه إيراد الضياء المقدسي للحديث في " المختارة "، وسكوت من سكت عليه من
الأئمة، كما أشرت إليه آنفا. وأما الحافظ ابن حجر فقد تناقض كلامه في هذا
الحديث تناقضا عجيبا، فهو تارة يقويه وتارة يضعفه في المكان الواحد! فقد نقل
في " الفتح " (9 / 594 - 595) عن الإمام الرافعي أن الاختيار في العقيقة أن
لا تؤخر عن البلوغ، وإلا سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه، لكن إن أراد أن يعق
عن نفسه فعل، فقال الحافظ عقبه: " وكأنه أشار بذلك إلى أن الحديث الذي ورد:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة " لا يثبت، وهو كذلك "
. ثم أخرجه من رواية البزار الضعيفة، ثم قال: " وأخرجه أبو الشيخ من وجهين
آخرين: أحدهما: من رواية إسماعيل بن مسلم عن قتادة عن أنس. وإسماعيل ضعيف
أيضا، فلعله سرقه من عبد الله بن محرر. ثانيهما: من رواية أبي بكر المستملي
عن الهيثم بن جميل.. والهيثم ثقة، وعبد الله من رجال البخاري. فالحديث قوي
الإسناد، وقد أخرجه ابن أعين.. والطبراني في " الأوسط ".. فلولا ما في عبد
الله بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحا ". ثم ذكر أقوال العلماء فيه
ممن وثقه وضعفه، ثم قال: " فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم
يكن حجة ". قلت: وهذا الإطلاق فيه نظر، يتبين لك من شرحنا السابق لتفريق
البخاري بين رواية عبد الله بن المثنى عن عمه، فاحتج بها، وبين روايته عن
غيره، فاعتبر(6/504)
بها، وهو مما استفدناه من كلام الحافظ نفسه في " المقدمة "،
فلعله لم يستحضره حين كتب هذا الإطلاق. على أن ابن المثنى لم يتفرد بالحديث،
بدليل متابعة قتادة عند إسماعيل بن مسلم - وهو المكي البصري - وهو وإن كان
ضعيفا فإنه لم يتهم، بل صرح بعضهم أنه كان يخطىء. وقال أبو حاتم فيه - وهو
معدود في المتشددين -: " ليس بمتروك، يكتب حديثه ". أي للاعتبار والاستشهاد
به، ولذلك قال ابن سعد: " كان له رأي وفتوى، وبصر وحفظ للحديث، فكنت
أكتب عنه لنباهته ". قلت: فمثله يمكن الاستشهاد بحديثه فيقوى الحديث به.
وأما قول الحافظ المتقدم فيه: " لعله سرقه من ابن المحرر ". فهو مردود بأن
أحدا لم يتهمه بسرقة الحديث مع كثرة ما قيل فيه. والله أعلم. ومما سبق يظهر
لك أن الوجه الآخر عن قتادة مما أشار إليه البيهقي في كلامه المتقدم نقلا عن
الحافظ في " التلخيص " وقال هذا فيه: " لم أره مرفوعا "، قد رآه بعد وذكره
في " الفتح "، وهو رواية إسماعيل هذه. وبالله التوفيق. وإذا تبين لك ما
تقدم من التحقيق ظهر لك أن قول النووي في " المجموع شرح المهذب " (8 / 431 -
432) : " هذا حديث باطل ". أنه خرج منه دون النظر في الطريق الثاني وحال
راويه ابن المثنى في الرواية، ولا وقف على المتابعة المذكورة، والله أعلم،
وقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد ":(6/505)
" رواه البزار والطبراني في " الأوسط
"، ورجال الطبراني رجال " الصحيح "، خلا الهيثم بن جميل، وهو ثقة، وشيخ
الطبراني أحمد بن مسعود الخياط المقدسي ليس هو في الميزان ". قلت: يشير إلى
تمشيته، وقد تابعه جمع من الثقات منهم الإمام أحمد كما تقدم. والحديث قواه
عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام "، وقد ذهب بعض السلف إلى العمل به، فروى
ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 235 - 236) عن محمد بن سيرين قال: " لو
أعلم أنه لم يعق عني لعققت عن نفسي ". وإسناده صحيح إن كان أشعث الراوي له عن
ابن سيرين هو ابن عبد الله الحداني أو ابن عبد الملك الحمراني، وكلاهما بصري
ثقة. وأما إن كان ابن سوار الكوفي فهو ضعيف، وثلاثتهم رووا عن ابن سيرين،
وعنهم حفص - وهو ابن غياث - وهو الراوي لهذا الأثر عن أشعث! وذكر ابن حزم
في " المحلى " (8 / 322) من طريق الربيع بن صبيح عن الحسن البصري: " إذا لم
يعق عنك، فعق عن نفسك وإن كنت رجلا ". وهذا إسناد حسن.
2727 - " من قال: أستغفر الله ... الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثا
غفرت له ذنوبه وإن كان فارا من الزحف ".
جاء من حديث عبد الله بن مسعود وزيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي(6/506)
بكر الصديق وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك والبراء بن عازب
. 1 - أما حديث ابن مسعود فيرويه محمد بن سابق عن إسرائيل عن أبي سنان عن أبي
الأحوص عنه مرفوعا به وزاد " العظيم " مكان النقط، ويأتي بيان ما فيه.
أخرجه الحاكم (1 / 511) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". وأقره المنذري
في " الترغيب " (2 / 269) ، ثم الذهبي في " التلخيص "، لكنه قال: " قلت:
أبو سنان هو ضرار بن مرة لم يخرج له البخاري ". يعني أنه من أفراد مسلم، وهو
كما قال، وهو ثقة كسائر رجاله، وهم مترجمون في " التهذيب " غير شيخ الحاكم
: بكر بن محمد الصيرفي، وهو المروزي الدخمسيني، وهو لقبه، وكان فاضلا
عالما، وله ترجمة جيدة في " أنساب السمعاني "، ووصفه الحافظ الذهبي في "
تذكرة الحفاظ " بأنه محدث مرو، وذكر وفاته سنة (345) . وشيخه في هذا
الحديث ترجمه الخطيب في " تاريخ بغداد " (4 / 250 - 251) برواية جمع من
الحفاظ الثقات عنه، وقال: " وكان ثقة أمينا، توفي سنة تسع وسبعين
ومائتين ". ثم رأيت الحاكم قد أخرجه في مكان آخر (2 / 117 - 118) من طريق
محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا إسرائيل به دون لفظ " العظيم "، وقال: " صحيح
على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقره النووي في " الرياض " (664 / 1882)
.(6/507)
2 - وأما حديث زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرويه بلال بن يسار
ابن زيد عن أبيه عن جده مرفوعا به دون قوله: " ثلاثا ". أخرجه أبو داود
والترمذي وابن أبي خيثمة في " التاريخ " (250 - مصورة الجامعة الإسلامية)
وابن سعد (7 / 66) واستغربه الترمذي، وجود إسناده المنذري، وفيه جهالة
كما بينته في " صحيح أبي داود " (1358) ولكنه صحيح بما قبله، وما بعده.
3 - وأما حديث أبي بكر فيرويه عروة بن زهير البجلي عن ثابت البناني عن أنس ابن
مالك عنه به. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 260 / 1) وقال: " عروة هذا
لا أعرف له غير هذا الحديث. وقال البخاري: لا يتابع عليه ". ونقل العقيلي
(3 / 364) عن البخاري أنه قال: " منكر الحديث ". وأما ابن حبان فذكره في "
الثقات " (7 / 288) ! 4 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه بشر بن رافع عن محمد
بن عبد الله عن أبيه عنه مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 /
303) . قلت: وهذا إسناد ضعيف لضعف بشر بن رافع. ومحمد بن عبد الله لم
أعرفه، ومن المحتمل أنه محمد بن عبيد الله مصغرا وهو محمد بن عبيد الله بن
أبي رافع الهاشمي مولاهم، فإن لأبيه رواية عن أبي هريرة، فإن يكن هو فهو ضعيف أيضا.(6/508)
5 - وأما حديث أبي سعيد الخدري فيرويه عثمان بن هارون القرشي: حدثنا
عصام بن قدامة عن عطية العوفي عنه مرفوعا به، إلا أنه قال: " غفر له ذنوبه
ولو كانت عدد رمل عالج، وغثاء البحر، وعدد نجوم السماء ". أخرجه الطبراني
في " الدعاء " (1784) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (14 / 353 / 1 - 2) .
قلت: وعطية العوفي ضعيف. وعثمان بن هارون القرشي لم أجد له ترجمة. وتابعه
أشعث بن شعبة عند الطبراني، وهو لين. 6 - وأما حديث أنس فيرويه دينار بن
عبد الله عنه به مرفوعا. أخرجه ابن عساكر (14 / 358 / 2) . قلت: وهذا
إسناد ضعيف بمرة، دينار بن عبد الله، تالف متهم كما قال الذهبي، وقال ابن
حبان (1 / 295) : " شيخ، كان يروي عن أنس أشياء موضوعة، لا يحل ذكره في
الكتب ولا كتابة ما رواه إلا على سبيل القدح فيه ". قلت: فلا يجوز الاستشهاد
به ولا كرامة. 7 - وأما حديث البراء فيرويه عمرو بن الحصين بإسناد له واه
عنه به، إلا أنه زاد: " في دبر كل صلاة ". وهي زيادة باطلة تفرد بها ابن
الحصين هذا، وهو وشيخه متروكان، ولذلك خرجت حديثهما في " الضعيفة " (4546
) ، فلا داعي لإعادة تخريجه. وبالجملة فالحديث من طريق ابن مسعود صحيح،
وطرقه الأخرى غالبها(6/509)
واهية، وما بقي منها إن لم يزده قوة، فلا يضره. وقد
عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " بلفظ الترمذي المتقدم لابن عساكر عن أنس، ش
عن ابن مسعود وجابر موقوفا عليهما. ولم أقف على إسناد جابر. وأما (ابن
مسعود) ، فأخرجه في " المصنف " (10 / 300 / 9499) من طريق إسماعيل عن أبي
سنان بإسناده المتقدم عنه، لكن أوقفه، ولا يضر المرفوع لأنه في حكمه. وقد
وجدت له شاهدا مختصرا جدا، من رواية داود بن الزبرقان عن الوراق عن نافع عن
ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه: " قولوا:
سبحان الله وبحمده مائة مرة، من قالها مرة كتبت له عشرا ومن قالها عشرا كتبت
له مائة ومن قالها مائة كتبت له ألفا، ومن زاد زاده، ومن استغفر الله غفر
له ". رواه الترمذي (3466) وقال: " حديث حسن غريب ". كذا قال، وأقره
الشوكاني في " تحفة الذاكرين " (ص 237 و 254) ! وفيه نظر من وجهين: الأول:
مطر الوراق، قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". والآخر: داود بن الزبرقان،
قال الحافظ: " متروك، وكذبه الأزدي ". لكن قد أفاد الحافظ المزي في "
التحفة " (6 / 232) أن النسائي أخرجه في " اليوم والليلة " من طريق روح بن
القاسم والمثنى بن يزيد عن مطر به نحوه.(6/510)
وروح ابن القاسم ثقة من رجال
الشيخين، لكن لا أدري إذا كان في روايته موضع الشاهد منه، وهو قوله في آخره
: " ومن استغفر الله غفر له ". فإن الكتاب المذكور: " اليوم والليلة "
للنسائي لم يتيسر لي بعد أن أحصل على نسخة منه، وقد طبع حديثا، فإن وجد فيها
فهو شاهد لا بأس به على اختصاره، وإلا فلا يصلح للاستشهاد به، لشدة ضعف ابن
الزبرقان به. والله أعلم. (تنبيه) : لفظة (العظيم) المشار إليها بنقط في
حديث الترجمة لم ترد عند السيوطي في " الجامع الكبير "، وقد عزاه للحاكم،
فينبغي التثبت منها، لاسيما ولم أرها في شيء من الروايات الأخرى على ضعفها.
ثم وقفت على كتاب " عمل اليوم والليلة " للنسائي بتحقيق الدكتور فاروق حمادة،
فرأيت حديث مطر فيه (212 / 160) بلفظ: " اذكروا عباد الله، فإن العبد إذا
قال: سبحان الله وبحمده، كتب الله له بها عشرا ومن عشر إلى مائة، ومن
مائة إلى ألف، فمن زاد زاد الله له ". وليس فيه جملة الاستغفار كما ترى.
قلت: ومطر - وهو الوراق - مختلف فيه، وقال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ".
هذا. وأما لفظة " العظيم "، فقد بدا لي أنها مقحمة من بعض النساخ للأمور
التالية: أولا: أنها لم تذكر في " الجامع الكبير " كما تقدم. ثانيا: لم
تذكر أيضا في " الرياض "، وقد عزاه للحاكم كما تقدم.(6/511)
ثالثا: أنها لم تذكر
أيضا في الموضع الثاني من " المستدرك ". والله سبحانه وتعالى أعلم.
2728 - " إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين جيراني؟ قال: فتقول
الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمار المساجد؟ ".
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (16 / 1) : حدثنا محمد بن جعفر
الوركاني: حدثنا معتمر بن سليمان عن فياض بن غزوان عن محمد بن عطية عن أنس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد،
رجاله ثقات من رجال " التهذيب " غير فياض بن غزوان، ترجمه ابن أبي حاتم (3 /
2 / 87) برواية جمع من الثقات عنه، وروى عن الإمام أحمد أنه قال فيه: " شيخ
ثقة ". وكذا هو في كتاب " العلل ومعرفة الرجال " للإمام أحمد (1 / 351 /
2309) . ووثقه ابن حبان أيضا، فأورده في أتباع التابعين من كتابه " الثقات "
. ومحمد بن عطية أورده في " ثقات التابعين "، وقال: " يروي عن أبيه - وله
صحبة - عداده في أهل اليمن، روى عنه عروة ". وكذا ذكر البخاري وابن أبي
حاتم أنه روى عنه عروة، فلم يذكروا له راويا غيره، وكأنه لذلك قال الذهبي في
" الميزان ": " تفرد بالرواية عنه ولده الأمير عروة ".(6/512)
ويرده هذا الحديث،
فإنه من رواية فياض عنه كما ترى، والسند إليه صحيح على شرط مسلم، وهذه
فائدة هامة لا تجدها في كتب الرجال المعروفة حتى ولا في " التهذيب "، ومع
ذلك قال في " التقريب ": " صدوق "! فعض عليها بالنواجذ، وقد توبع محمد بن
عطية في روايته عن أنس لكن بلفظ: " إن عمار بيوت الله هم أهل الله عز وجل ".
لكن في إسناده ضعف، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر برقم (1682) .
2729 - " كان لا يخيل على من رآه ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 264 / 10510) : حدثنا محمد بن
عبدوس ابن كامل: حدثنا الوليد بن شجاع حدثنا المطلب بن زياد عن عبد الله بن
عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن مسعود قال: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير ابن عبدوس،
وهو ثقة، وله ترجمة جيدة عند الخطيب في " التاريخ " (2 / 381) وفي المطلب
بن زياد خلاف لا يضر إن شاء الله تعالى، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله فيه
في " التقريب ": " صدوق ربما وهم ". ونحوه قول الهيثمي في " المجمع " (7 /
182) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات ". قلت: وقد صح من قوله صلى الله
عليه وسلم من طريق أخرى عن ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: " من رآني في المنام
، فأنا الذي رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي ".(6/513)
أخرجه الإمام أحمد (1 / 450) : حدثنا يحيى بن زكريا عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن
النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم،
فهو صحيح لولا أن زكريا - وهو ابن أبي زائدة - سمع من أبي إسحاق - وهو عمرو
بن عبد الله السبيعي - في حالة اختلاطه. لكن قد تابعه سفيان عن أبي إسحاق به،
إلا أنه قال: ".. لا يتمثل بي ". أخرجه أحمد (1 / 375 و 400 و 440)
والترمذي (2277) وابن ماجه (3946) والدارمي (2 / 123 - 124) وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وسفيان هو والثوري، وقد سمع من أبي
إسحاق قبل الاختلاط، فالحديث صحيح على شرط مسلم. ورواه الطبراني في " الأوسط
" (1 / 67 / 2 رقم 1244) من طريق الحجاج بن أرطأة عن أبي إسحاق به. وله
شاهد من حديث عبد الله بن عباس مرفوعا بلفظ: " من رآني في المنام فإياي رأى،
فإن الشيطان لا يتخيل بي. وفي لفظ: لا يتخيلني ". أخرجه أحمد (1 / 279)
من طريق جابر عن عمار عن سعيد بن جبير عنه. ورجاله ثقات رجال مسلم غير جابر
وهو الجعفي، وهو ضعيف. لكن جاء من طريق أخرى من رواية عوف بن أبي جميلة عن
نذير الفارسي - وكان يكتب المصاحف - قال:(6/514)
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في
المنام زمن ابن عباس، فقلت له: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في
النوم، فقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إن
الشيطان لا يستطيع لا يستطيع أن يتشبه بي، فمن رآني في النوم فقد رآني " هل
تستطيع أن تنعت هذا الرجل الذي رأيته في النوم؟ قال: نعم، أنعت لك رجلا بين
الرجلين، جسمه ولحمه أسمر إلى البياض، أكحل العينين، حسن الضحك، جميل
دوائر الوجه، قد ملأت لحيته ما بين هذه إلى هذه، قد ملأت نحره - قال عوف:
ولا أدري ما كان مع هذا النعت - فقال ابن عباس: لو رأيته في اليقظة ما استطعت
أن تنعته فوق هذا. أخرجه أحمد (1 / 361) والترمذي في " الشمائل " (347 - "
مختصر الشمائل " بقلمي) ، وإسناده جيد في المتابعات. وشاهد آخر من حديث أبي
هريرة مرفوعا بلفظ: ".. فإن الشيطان لا يتمثل بي. وقال ابن فضيل مرة:
يتخيل بي ". أخرجه أحمد (2 / 332) عنه عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه. وفي
رواية أخرى له (2 / 342) من طريق عبد الواحد بن زياد: حدثنا عاصم بن كليب به
باللفظ الأول لابن فضيل، وزاد: " قال عاصم: قال أبي: فحدثنيه ابن عباس،
فأخبرته أني قد رأيته. قال: رأيته؟ قال: أي والله لقد رأيته. قال: فذكرت
الحسن بن علي، قال: إني والله قد ذكرته ونعته في مشيته. قال: فقال ابن
عباس: إنه كان يشبهه ".(6/515)
وأخرجه الترمذي في " الشمائل " (رقم - 346) من هذا
الوجه، وكذا الحاكم (4 / 393) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي،
وكذا العسقلاني، فإنه قال في " فتح الباري " (12 / 384) بعد أن عزاه للحاكم
: " وسنده جيد ". ولفظه عنده: " قال: قلت لابن عباس: رأيت النبي صلى الله
عليه وسلم في المنام. قال: صفه لي. قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهته به، قال
: قد رأيته ". قلت: ولم أره في " مستدرك الحاكم " بهذا اللفظ. والله أعلم
. وله شاهد ثالث من حديث أنس مرفوعا بلفظ: " من رآني في المنام فقد رآني،
فإن الشيطان لا يتخيل بي ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (349) والطبراني
في " الأوسط " (1 / 218 / 2 / 3906) وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد
أخرجه البخاري (6994) بلفظ: ".. لا يتمثل بي "، والمعنى واحد، قال
المناوي في " شرح الشمائل ": " (لا يتخيل بي) أي لا يمكنه أن يظهر لأحد
بصورتي، فمعنى (التخيل) يقرب من معنى التصور ". واعلم أن الحديث قد جاء في
الصحيحين وغيرهما بألفاظ أخرى مثل: " لا يتزايا بي " و " لا يتراءى بي " و "
يتكونني "، وكلها متساوية المعاني،(6/516)
كما بينه الحافظ في " الفتح " (12 / 386
) وهو بالجملة حديث متواتر وقد خرجته في " الروض النضير " عن عشرة من الصحابة
تحت الحديث (995) ، وفي الباب عن جمع آخر منهم خرج أحاديثهم الهيثمي في "
المجمع " (7 / 181 - 182) وعن البراء بن عازب، وفي حديثه فائدة مثل ما
تقدم عن ابن عباس، ولذلك فمن المفيد أن أسوقه، لاسيما وهو في مصدر عزيز من
كتب السنة، وهو " مسند الروياني "، أخرجه (21 / 2) من طريق يحيى بن أبي
بكير: أخبرنا علي - ويكنى أبا إسحاق - عن عامر بن سعد البجلي قال: لما قتل
الحسين بن علي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: إن رأيت
البراء بن عازب فأقرئه السلام، وأخبره أن قتلة الحسين بن علي في النار، وإن
كاد الله أن يسحق أهل الأرض منه بعذاب أليم. قال: فأتيت البراء فأخبرته،
فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتصور بي ". وهكذا أخرجه
الدولابي في " الكنى " (1 / 101) في ترجمة علي أبي إسحاق هذا، ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، ولا وجدت له ترجمة في شيء من كتب التراجم المعروفة، فالله
أعلم به. (فائدة) : في هذه الأحاديث أنه من الممكن أن يرى الرائي النبي صلى
الله عليه وسلم بعد وفاته، ولو لم يكن معاصرا له، لكن بشرط أن يراه على
صورته التي كان عليها صلى الله عليه وسلم في برهة من حياته، وإلى هذا ذهب
جماعة من العلماء كما في " فتح الباري " (12 / 384) ، وهو قول ابن عباس في
رواية يزيد الفارسي وكليب والد عاصم، وكذا البراء كما تقدم، وعلقه البخاري
عن محمد بن سيرين إمام المعبرين، وقد وصله القاضي بسنده الصحيح عن أيوب قال:(6/517)
" كان ابن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي
الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره ". وبه قال العلامة ابن
رشد، فقال كما في " الاعتصام " للإمام الشاطبي (1 / 355) : " وليس معنى
قوله صلى الله عليه وسلم: " من رآني فقد رآني حقا " أن كل من رأى في منامه أنه
رآه، فقد رآه حقيقة، بدليل أن الرائي قد يراه مرات على صور مختلفة، ويراه
الرائي على صفة، وغيره على صفة أخرى، ولا يجوز أن تختلف صور النبي صلى الله
عليه وسلم، ولا صفاته، وإنما معنى الحديث: من رآني على صورتي التي خلقت
عليها فقد رآني، إذ لا يتمثل الشيطان بي، إذ لم يقل صلى الله عليه وسلم: من
رأى أنه رآني فقد رآني، وإنما قال: " من رآني فقد رآني "، وأنى لهذا
الرائي الذي رأى أنه رآه على صورته الحقيقية أنه رآه عليها، وإن ظن أنه رآه
ما لم يعلم أن تلك الصورة صورته بعينها، وهذا ما لا طريق لأحد إلى معرفته ".
قال الحافظ: " ومنهم من ضيق الفرض في ذلك، فقال: لابد أن يراه على صورته
التي قبض عليها، حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة.
والصواب التعميم في جميع حاله بشرط أن تكون صورته الحقيقة في وقت ما، سواء كان
في شبابه أو رجولته أو كهولته، أو آخر عمره.. ". وقال الشيخ علي القارىء في
" شرح الشمائل " (2 / 293) : " وقيل إنه مختص بأهل زمانه صلى الله عليه وسلم
، أي من رآني في المنام يوفقه الله تعالى لرؤيتي في اليقظة. ولا يخفى بعد هذا
المعنى، مع عدم ملاءمته لعموم (من) في(6/518)
المبنى، على أنه يحتاج إلى قيود،
منها: أنه لم يره قبل ذلك، ومنها أن الصحابي غير داخل في العموم.. ". قلت
: ولا أعلم لهذا التخصيص مستندا إلا أن يكون حديث أبي هريرة عند البخاري (
6993) مرفوعا بلفظ: " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل
الشيطان بي ". فقد ذكر العيني في " شرح البخاري " (24 / 140) أن المراد أهل
عصره صلى الله عليه وسلم، أي من رآه في المنام وفقه الله للهجرة إليه والتشرف
بلقائه صلى الله عليه وسلم.. ". ولكنني في شك من ثبوت قوله: " فسيراني في
اليقظة "، وذلك أن الرواة اختلفوا في ضبط هذه الجملة: " فسيراني في اليقظة "
، فرواه هكذا البخاري كما ذكرنا، وزاد مسلم (7 / 54) : " أو فكأنما رآني في
اليقظة ". هكذا على الشك، قال الحافظ (12 / 383) : " ووقع عند الإسماعيلي
في الطريق المذكورة: " فقد رآني في اليقظة "، بدل قوله: " فسيراني ".
ومثله في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه، وصححه الترمذي وأبو عوانة. ووقع عند
ابن ماجه من حديث أبي جحيفة: " فكأنما رآني في اليقظة ". فهذه ثلاثة ألفاظ:
" فسيراني في اليقظة ". " فكأنما رآني في اليقظة ". (انظر ما تقدم برقم 1004
) . " فقد رآني في اليقظة ". وجل أحاديث الباب كالثالثة إلا قوله في (اليقظة) ".(6/519)
وكلها في تأكيد صدق الرؤيا، فاللفظ الثاني أقرب إلى الصحة من حيث
المعنى، فهو فيه كحديث ابن عباس وأنس المتقدم: " فقد رآني "، وآكد منه
حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: " فقد رآني الحق ". أخرجه البخاري (6997)
وأحمد (3 / 55) وهو لابن حبان (6019 و 6020) عن أبي هريرة.
2730 - " لو أنك أتيت أهل عمان ما سبوك ولا ضربوك ".
أخرجه مسلم (7 / 190) وابن حبان (2314 - موارد) وأحمد (4 / 420 و 423
و424) واللفظ له، والروياني في " مسنده " (30 / 19 / 1) من طرق عن مهدي بن
ميمون: حدثنا أبو الوازع [جابر بن عمرو الراسبي] قال: سمعت أبا برزة
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا إلى حي من أحياء العرب في شيء -
لا يدري مهدي ما هو؟ - قال: فسبوه وضربوه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقال: فذكره. و (عمان) بضم العين وتخفيف الميم: مدينة
بالبحرين كما قال النووي. وقد روي الحديث بلفظ آخر نحوه في حي العرب في (
عمان) ، لكن بإسناد آخر فيه انقطاع، وبلفظ ثالث مغاير لهذين فيه فضل الحجة
منها، وهو ضعيف أيضا، ولذلك خرجتهما في " الضعيفة " (5173 و 5174) .(6/520)
2731 - " يا عائشة! إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا ".
أخرجه الدارمي (2 / 303) وابن ماجه (2 / 560 - التازية) وابن حبان في "
صحيحه " (2797) وأحمد (6 / 70 و 151) والحارث في " مسنده " (ق 128 / 2 -
زوائده) من طرق عن سعيد بن مسلم بن بانك قال: سمعت عامر بن عبد الله بن
الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. قلت: قال البوصيري في " زوائد ابن ماجه " (ق 262 /
1) : " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى في
مسنده، والنسائي في (الرقاق) .. ". قلت: ورجاله رجال مسلم غير ابن بانك
بفتح النون، وهو ثقة كما في " التقريب "، ولما ذكر في " الفتح " (11 / 329
) تصحيح ابن حبان إياه، سكت عليه وأقره. وللحديث شاهدان أتم منه من حديث
سهل بن سعد وعبد الله بن مسعود، حسن إسناد الأول منهما الحافظ، وقد سبق
تخريجه برقم (389) ، والآخر مخرج في " الروض النضير " برقم (351) . (
تنبيه) : في مطبوعة الدارمي زيادة: " مالك " في السند، وهي خطأ.
2732 - " إن الله عز وجل (وفي لفظ: لعل الله) اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما
شئتم فقد غفرت لكم ".
أخرجه أبو داود (2 / 265 - التازية) وابن حبان (2220 - موارد) والحاكم(6/521)
(4 / 77 - 78) وابن أبي شيبة (12397) وأحمد (2 / 295 - 296) من طريق حماد
بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: فذكره
مرفوعا. وفي لفظ لأبي داود: " لعل الله.. "، وهو لفظ ابن حبان، وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذا اللفظ على اليقين: " إن الله اطلع
عليهم فغفر لهم "، وإنما أخرجاه على الظن: (وما يدريك لعل الله تعالى اطلع
على أهل بدر ". ووافقه الذهبي. قلت: اللفظ الذي أخرجاه هو من حديث علي رضي
الله عنه، وقد رواه غيرهما عنه، وصححه الترمذي، وهو مخرج في " صحيح أبي
داود " (2381) ، وقد جاء عن غيره من الصحابة، منهم ابن عباس عند أحمد (1 /
331) وابن عمر عنده (2 / 109) وجابر أيضا (3 / 350) وصححه على شرط مسلم
، ووافقه الذهبي، وكلهم ذكروه في قصة حاطب بن أبي بلتعة، خلافا لحديث أبي
هريرة، فإنه ذكر فيه قصة أخرى فقال: " إن رجلا من الأنصار عمي، فبعث إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تعال فاخطط في داري مسجدا أتخذه مصلى، فجاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع إليه قومه، وبقي رجل منهم، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " أين فلان؟ "، فغمزه بعض القوم فقال: إنه وإنه
! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أليس قد شهد بدرا؟ قالوا: بلى يا
رسول الله! ولكنه كذا وكذا، فقال: لعل الله.. ". هكذا رواه ابن حبان
بسنده الصحيح عن حماد بن سلمة. وكذلك رواه(6/522)
الدارمي (2 / 313) دون ما قبل
قوله: " أين فلان.. "، فإن كان محفوظا فهي قصة أخرى، لكني في شك من ثبوتها
في هذا الحديث لأمرين: الأول: أنها لم ترد في حديث أهل بدر عند من ذكرنا من
الصحابة، إلا من حديث أبي هريرة عند من ذكرنا، وفيه عاصم بن أبي النجود،
وهو متكلم في حفظه، وقد قال الذهبي والعسقلاني: " صدوق يهم ". فمثله حسن
الحديث إذا لم يخالف، وأما مع المخالفة - كما هنا - فلا. والآخر: أن قصة
الأعمى واسمه عتبان قد جاءت في " الصحيحين " وغيرهما عن عتبان نفسه، وفيها
غمز الصحابة للرجل، دون حديث البدريين، وقال بديله: " أليس يشهد أن لا إله
إلا الله وأني رسول الله؟ .. " الحديث. انظر " صحيح مسلم " (1 / 45 - 46)
. وقد خالف عاصم مخالفة أخرى، وذلك قوله: " إن الله اطلع.. "، بينما قال
غيره من الثقات الذين رووا الحديث عن الجمع المشار إليهم من الصحابة: " لعل
الله اطلع.. " على الظن كما تقدم عن الحاكم. لكن الخطب في هذه المخالفة سهل
لأمرين أيضا: الأول: أن عاصما لم يثبت عليها، بل إنه وافق الثقات في لفظهم
في بعض الطرق عنه كما تقدم، فلا شك أن هذا أصح. والآخر: أنه رواه بالمعنى،
وهذا منه، فقد ذكر الحافظ في " الفتح " (7 / 305 - السلفية) عن العلماء:
أن الترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع.(6/523)
2733 - " والذي نفس أبي القاسم بيده لينزلن عيسى ابن مريم إماما مقسطا وحكما عدلا،
فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليصلحن ذات البين وليذهبن الشحناء وليعرضن
عليه المال فلا يقبله، ثم لئن قام على قبري فقال: يا محمد لأجبته ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1552) : حدثنا أحمد بن عيسى أخبرنا ابن وهب
عن أبي صخر أن سعيد المقبري أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال
الشيخين غير أبي صخر - وهو حميد ابن زياد الخراط - فمن رجال مسلم وحده، وقد
تكلم فيه بعضهم، وصحح له ابن حبان والحاكم والبوصيري، ومشاه المنذري،
فانظر الحديث (83) من كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 39) .
والحديث قال الهيثمي (8 / 211) : " رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح ".
وقد أخرجه البخاري (3448) ، ومسلم (1 / 93 - 94) وغيرهما من طريق سعيد ابن
المسيب عن أبي هريرة دون قوله: " وليصلحن ذات البين، وليذهبن الشحناء ".
والفقرة الثانية منهما عند مسلم وغيره من حديث عطاء بن ميناء عن أبي هريرة
والجملة الأخيرة لها طريق أخرى عنه بلفظ: ".. وليأتين قبري حتى يسلم علي،
ولأردن عليه ". أخرجه الحاكم. وصححه الذهبي وغيرهما من المتأخرين، وفيه
علتان بينتهما(6/524)
في " الضعيفة " تحت الحديث (5540) ، لكن لعله يصلح شاهدا
للطريق الأولى. (تنبيه) : قوله: " لأجبته " كذا في " مسند أبي يعلى "،
والنسخة سيئة، لكن كذلك وقع أيضا في نقل الهيثمي عنه، وقد ادعى الشيخ أبو غدة
في تعليقه على " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " (ص 245) أنه تحريف،
وأن الصواب: " لأجيبنه "، وهو محتمل (1) . والله أعلم.
2734 - " إن الله يجعل مكان كل شوكة (يعني من شجرة الطلح في الجنة) مثل خصية التيس
الملبود - يعني المخصي - فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لونه لون الآخر ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (17 / 130 / 318) وفي " مسند الشاميين " (ص
91) عن يحيى بن حمزة عن ثور بن يزيد عن حبيب بن عبيد عن عتبة بن عبد السلمي
قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا رسول
الله! أسمعك تذكر شجرة في الجنة لا أعلم في الدنيا أكثر شوكا منها، يعني
الطلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله.. قلت: وهذا إسناد
صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير حبيب بن عبيد، فهو من رجال مسلم. وقال
الهيثمي (10 / 414) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ".
_________
(1) ثم رأيته كذلك في " المطبوعة " (11 / 462 / 6584) وكذا في " المطالب
العالية " (4 / 23) . اهـ.(6/525)
وللحديث
شاهد من رواية سليم بن عامر عن أبي أمامة مرفوعا نحوه. أخرجه الحاكم (2 / 476
) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، ورواه ابن أبي الدنيا نحوه،
وحسن المنذري سنده في " الترغيب والترهيب " (4 / 260) . (تنبيه) : سقط من "
المعجم الكبير " طرف من الحديث، ففسد المعنى، وقريب منه في " المجمع "،
فليستدرك من هنا رواية " المسند ".
2735 - " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم
بعدي يرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي،
عضوا عليها بالنواجذ [وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة
ضلالة] ".
أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (ص 136) من طريقين، وفي " المعجم
الكبير " (18 / 248 / 623) من أحدهما عن أرطاة بن المنذر عن المهاصر بن حبيب
عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة
الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل من
أصحابه: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد
صحيح رجاله كلهم ثقات كما بينته في " ظلال الجنة " (رقم 28 و 29) وهو في
تخريج " كتاب السنة " لابن أبي عاصم، والزيادة له، وقد أخرجها هو وأصحاب
السنن وغيرهم من طرق كثيرة عن العرباض رضي الله عنه، فانظرها في " الظلال " (
26 - 34 و 1037 - 1045) ، و " مسند الشاميين " (ص 237 و 276 و 403) وإنما
آثرت هذه بالتخريج هنا لعزتها، وشهرة تلك، وبعضها في " الشاميين " (ص 154) .(6/526)
والحديث من الأحاديث الهامة التي تحض المسلمين على التمسك بالسنة وسنة
الخلفاء الراشدين الأربعة ومن سار سيرتهم، والنهي عن كل بدعة، وأنها ضلالة
، وإن رآها الناس حسنة، كما صح عن ابن عمر رضي الله عنه. والأحاديث في
النهي عن ذلك كثيرة معروفة، ومع ذلك فقد انصرف عنها جماهير المسلمين اليوم،
لا فرق في ذلك بين العامة والخاصة، اللهم إلا القليل منهم، بل إن الكثيرين
منهم ليعدون البحث في ذلك من توافه الأمور، وأن الخوض في تمييز السنة عن
البدعة، يثير الفتنة، ويفرق الكلمة، وينصحون بترك ذلك كله، وترك
المناصحة في كل ما هو مختلف فيه ناسين أو متناسين أن من المختلف فيه بين أهل
السنة وأهل البدعة كلمة التوحيد، فهم لا يفهمون منها وجوب توحيد الله في
العبادة، وأنه لا يجوز التوجه إلى غيره تعالى بشيء منها، كالاستغاثة
والاستعانة بالموتى من الأولياء والصالحين * (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) *
. (تنبيه) : هذا الحديث الصحيح مما ضعفه المدعو (حسان عبد المنان) مع اتفاق
الحفاظ قديما وحديثا على تصحيحه، ضعفه من جميع طرقه، مع أن بعضها حسن،
وبعضها صحيح كما بينته في غير ما موضع، وسائر طرقه تزيده قوة على قوة. ومع
أنه أتعب نفسه كثيرا في تتبع طرقه، وتكلف تكلفا شديدا، في تضعيف مفرداته،
ولكنه في نهاية مطافه هدم جل ما بناه بيده، وصحح الحديث لشواهده، مستثنيا
أقل فقراته، منها: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي "،
وذلك في آخر كتيبه الذي سماه " حوار مع الشيخ الألباني "، ومع أنه لم يكن
فيه صادقا ومنصفا، فقد كان يدلس على القراء ويكتم الحقائق، ويطعن في
الحفاظ المشهورين، ويرميهم بالتساهل والتقليد، إلى غير ذلك من المخازي التي
لا مجال الآن لبيانها، ولاسيما وقد قمت بشيء من ذلك بردي الجديد عليه،
متتبعا تضعيفه للأحاديث الصحيحة التي احتج بها الإمام ابن القيم رحمه الله في
كتابه(6/527)
" إغاثة اللهفان " الذي قام المذكور بطبعه وتخريج أحاديثه، فأفسده أيما
إفساد بأكثر مما كان فعله من قبل بكتاب الإمام النووي: " الرياض "! والمقصود
الآن بيان جهله وطغيانه في تضعيفه لهذه الطريق الصحيحة، فأقول: لقد أعله في
" حواره " بالانقطاع بين مهاصر بن حبيب والعرباض بن سارية، مع أنه نقل (ص 57
- 58) عن أبي حاتم وابن حبان أن (مهاصرا) روى عن جماعة من الصحابة، ذكر
منهم أبو حاتم (أبو ثعلبة الخشني) . وابن حبان (أسد بن كرز) ، وأما هو
فلا يسلم لهذين الحافظين، ويجزم (ص 59) بأنه لم يسمع منهم، بناء على أنه
تبنى قول بعض المتقدمين بشرطية ثبوت اللقاء، وليس المعاصرة فقط، ومع أن هذا
الشرط غير مسلم به عند الإمام مسلم وجماهير المحدثين والفقهاء كما هو معلوم
في كتب المصطلح، فهو عند التحقيق شرط كمال، وليس شرط صحة كما حققته في مقدمة
الرد المشار إليه آنفا، ومع ذلك، فإن هذا الجاني على السنة لم يكتف بالتبني
المذكور - إذن لهان الأمر بعض الشيء - بل زاد عليه أن يشترط ثبوت السماع من
الراويين، ولو كان اللقاء ثابتا في الأصل، فهو يضعف لذلك أحاديث كثيرة صحيحة
. وقد بينت تمسكه بهذا الشرط الذي لا يقول به الأئمة حتى البخاري بأمثلة
ذكرتها في تلك المقدمة. والمقصود أن الرجل منحرف عن (الجماعة) تأصيلا
وتفريعا، فلا قيمة لمخالفاته البتة، ولا غرابة في تباين أحكامه عن أحكام
علمائنا، وهاك المثال تأصيلا وتفريعا، فقد أعل أحاديث (المهاصر) عن
الأصحاب الثلاثة الذين تقدم ذكرهم، ومنهم (أسد بن كرز) بالانقطاع المنافي
للصحة، وهذا هو الحافظ ابن حجر قد حسن إسناد حديث المهاصر عن (أسد بن كرز)
في ترجمة هذا من " الإصابة "،(6/528)
وقد خرجته في " الصحيحة " (3138) ، وقد بينت
هناك أنه قد تحرف اسم (مهاصر) إلى (مهاجر) في عدة من المصادر، فليعلم.
2736 - " إذا سقى الرجل امرأته الماء أجر ".
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 163) والطبراني في " الكبير "
(18 / 358) و " الأوسط " (1 / 49 / 842) موصولا عن سعيد بن سليمان عن عباد
بن العوام عن سفيان بن حسين عن خالد بن يزيد عن عرباض بن سارية قال: رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، فقمت إليها فسقيتها وأخبرتها بما سمعت.
وأخرجه أحمد (4 / 128) : حدثنا أبو جعفر - وهو محمد بن جعفر المدائني -:
أخبرني عباد بن العوام عن سفيان بن الحسين عن خالد بن سعد عن العرباض بن سارية
به. وأخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 115) من طريق سعيد بن سليمان قال:
حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن خالد بن شريك عن عرباض بن سارية به. وقال
مشيرا إلى انقطاعه وتفرد خالد هذا به: " لا يتبين سماعه منه، لا يتابع عليه
، وليس يحفظ له غيره ". قلت: فهذا اضطراب شديد في اسم هذا الرجل. وقد
ترجمه الحافظ في " التهذيب " تبعا لأصله باسم خالد بن زيد. قال: " وقيل ابن
يزيد - وهو وهم - أبو عبد الرحمن الشامي. أرسل عن العرباض بن سارية وشرحبيل
بن السمط.. ".(6/529)
وترجمه في " اللسان " باسم خالد بن شريك عن العرباض بن سارية
وعنه سفيان بن حسين بحديث: إذا سقى.. وقال: " قال الأزدي: لا يتابع عليه
". وبالجملة فهذه الترجمة من المشكلات ليس من السهل الاهتداء فيها إلى الصواب
، ولكن الحديث ضعيف لانقطاعه بين خالد هذا والعرباض، مع التردد في شخصية
خالد. والله أعلم. ثم وجدت للحديث طريقا أخرى موصولة يمكن تقويته بها. فقال
الطبراني في " مسند الشاميين " (ص 328) : حدثنا عمرو بن إسحاق: حدثنا محمد
بن إسماعيل ابن عياش: حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن العرباض
بن سارية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره مع قول العرباض:
فقمت.. إلخ. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، ورجاله موثقون
غير محمد بن إسماعيل بن عياش، قال أبو داود: " لم يكن بذاك ". وقال أبو
حاتم: " لم يسمع من أبيه شيئا ". وقال الحافظ في " التقريب ": " عابوا عليه
أنه حدث عن أبيه بغير سماع ". وقال الذهبي في " الكاشف ": " بينهما رجل ".
قلت: قد صرح في هذا الإسناد بالسماع من أبيه، لكن الراوي عنه عمرو بن(6/530)
إسحاق -
وهو ابن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الحمصي - لم أعرفه، وقد أخرج له في "
المعجم الصغير " حديثا (542 - الروض) ، وأربعة أحاديث أخرى في " الأوسط " (
2 / 304 / 2 - 305 / 1 / 5039 - 5042) ، وأكثر عنه في " مسند الشاميين " قبل
هذا الحديث وبعده إلى (ص 331) (1) ، وفي كلها صرح محمد بن إسماعيل بالتحديث
عن أبيه، وكذلك (ص 334 ثم ص 335) ، وتابعه في رواية التحديث عنه هاشم بن
مرثد الطبراني عنده (ص 331 و 334) . فلعله من ثقات شيوخ الطبراني، ولعله
لذلك لم يورده الذهبي في " الميزان ". والله أعلم. وإن مما يقوي الحديث ما
أخرجه الشيخان وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في
في امرأتك ". الإرواء (899) .
2737 - " من رأى مبتلى فقال: " الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير
ممن خلق تفضيلا "، لم يصبه ذلك البلاء ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 25 / 1 / 5457) : حدثنا محمد بن
أحمد بن أبي خيثمة قال: أخبرنا زكريا بن يحيى الضرير قال: أخبرنا شبابة بن
سوار، قال المغيرة ابن مسلم: عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال:
_________
(1) قلت: ومع هذا كله فهو مما فات صديقنا الشيخ الفاضل حمادا الأنصاري، فلم
يذكره في كتابه الفريد: " بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني "،
ولا هو عند ابن عساكر. اهـ.(6/531)
" لم يروه عن أيوب إلا مغيرة بن
مسلم، ولا عن المغيرة إلا شبابة، تفرد به زكريا بن يحيى ". قلت: وهو
مستور لم يعرفه الهيثمي، فقال عقب الحديث (10 / 138) : " رواه الطبراني في "
الأوسط "، وفيه زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير، ولم أعرفه، وبقية رجاله
ثقات ". وكذا قال في أحاديث أخرى منها الحديث الآتي بعده، وقد فاته أنه
معروف عند الخطيب البغدادي، فقد ترجمه في " تاريخ بغداد " (8 / 457 - 458)
برواية جمع من الثقات الحفاظ عنه، منهم يحيى بن صاعد والقاضي المحاملي،
ويضم إليهم الحافظ محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، فقد روى له الطبراني في " الأوسط
" أحاديث أخرى عن زكريا هذا، وهذه أرقامها فيه (5489 و 5490 و 5530 و 5536)
، فمثله قد جرى عمل العلماء على الاعتداد بحديثهم ولو في حدود الاستشهاد على
أقل تقدير، إذا كان من دونه ومن فوقه من الثقات، كما هو الشأن في هذا الحديث
، فإن من فوقه كلهم ثقات من رجال " التهذيب "، والراوي عنه ابن أبي خيثمة من
الحفاظ الثقات المشهورين، فهو صدوق. وقد كنت خرجت هذا الحديث من رواية أبي
هريرة فيما تقدم (602) بسند فيه ضعف، فقويته بطريق أخرى عن ابن عمر من رواية
الوليد ابن عتبة عن محمد بن سوقة عن نافع به. فلما وقفت على هذه المتابعة من
المغيرة بن مسلم عن أيوب عن نافع بادرت إلى إخراجها هنا تأكيدا لصحة الحديث.
والله ولي التوفيق والهداية. ثم رأيت ابن القطان قد أورد الحديث في كتابه "
النظر في أحكام النظر " (ق 72 / 1) فقال: قال البزار: أخبرنا زكريا بن يحيى
به. وقال ابن القطان: " المغيرة بن مسلم مشهور ليس به بأس، فهو إسناد حسن "
.(6/532)
(تنبيه) : هذا الحديث لم يعزه الهيثمي للبزار، وله حديث آخر من حديث علي
في حمده صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره، وإذا رأى ما يسره، لم يذكره
الهيثمي أيضا، وقد سبق ذكره تحت الحديث (265 / التحقيق الثاني) ، فتأكدت من
صحة ما جاء في " الرسالة المستطرفة " للكتاني (ص 51) أن للبزار مسندين:
الكبير المعلل وهو المسمى " بالبحر الزخار "، والصغير، فألقي في النفس أن
الذي ينقل الهيثمي منه هو الصغير، لكن يعكر على هذا أنه ذكر في فاتحة كتابه أن
مرجعه إنما هو " مسنده المسمى بالبحر الزخار "، فلست أدري هل نسخ هذا " البحر
الزخار " مختلفة، فيوجد في بعضها ما لا يوجد في النسخ الأخرى، فإن الحديث
الآخر المشار إليه آنفا مع عدم ذكر الهيثمي له، لم يرد في نسخة " البحر الزخار
" المطبوعة حديثا، فالأمر يحتاج إلى مزيد من التحقيق. وحديث أبي هريرة -
المشار إليه آنفا - قد أخرجه البزار أيضا (4 / 29 / 3118 - كشف الأستار) إلا
أنه زاد في آخره: " فإنه إذا قال ذلك كان شكر تلك النعمة ". مكان قوله هناك:
" لم يصبه ذلك البلاء ". كما في حديث ابن عمر هنا، وهو الصواب، لأنه شاهد
قوي له، وفي إسناد البزار شيخه (عبد الله بن شبيب) ، وهو واه، مع مخالفته
للثقات فيه، وإن كان طريقهم جميعا ينتهي إلى العمري كما تقدم ثمة، وقال
البزار عقبه: " لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وعبد الله بن عمر قد
احتمل أهل العلم حديثه ". ثم رأيته في " معجم الطبراني الصغير " (140 - هندية
) و " الأوسط " أيضا(6/533)
(7 / 363 / 4599 - مجمع البحرين) من طريق غير (ابن شبيب
) ، فانحصرت العلة في العمري، ومع ذلك قال الهيثمي (10 / 138) : " إسناده
حسن "!
2738 - " ألا أعلمك كلمات علمني الروح الأمين؟ قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا
يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر فتن
الليل والنهار ومن كل طارق إلا طارق يطرق بخير، يا رحمن! ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 31 / 5547) بإسناد الذي قبله عن المغيرة
بن مسلم عن هشام بن حسان عن جبير عن خالد بن الوليد قال: كنت أفزع بالليل
، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أفزع بالليل فآخذ سيفي فلا ألقى
شيئا إلا ضربته بسيفي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال:
" لم يرو هذا الحديث عن هشام بن حسان إلا المغيرة بن مسلم، تفرد به شبابة ".
قلت: وهو ثقة حافظ محتج به في " الصحيحين "، وكذا من فوقه، فإنهم ثقات من
رجال " التهذيب " إن كان شيخ هشام بن حسان (جبيرا) فإن اسمه غير واضح في
النسخة المصورة، ويمكن أن يقرأ (حميد) ، ولكل من الاحتمالين ما يرجحه، فـ
(جبير) - وهو ابن نفير - له رواية عن خالد بن الوليد عند أبي داود، و (
حميد) - وهو ابن هلال - روى عنه هشام بن حسان عند مسلم وأبي داود كما في(6/534)
"
تهذيب المزي "، وسواء كان هذا أو ذاك فهو ثقة، لكن يحتمل أن (حطم) ، وهو
" شيخ " كما في " ثقات ابن حبان " (4 / 193) ولعله أراده الهيثمي بقوله (10
/ 126) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير
المدائني، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: قد عرفه الخطيب حين ترجمه
برواية جمع من الحفاظ عنه كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله، فالسند حسن على
الاحتمال المذكور، لاسيما وله طريق أخرى من رواية المسيب بن واضح: حدثنا
معتمر بن سليمان: حدثنا حميد الطويل عن بكر ابن عبد الله المزني عن أبي
العالية عن خالد بن الوليد: أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
إني أجد فزعا بالليل، فقال: ألا أعلمك.. الحديث بتمامه، وزاد: " ومن شر
ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها، ومن شر فتن الليل.. " إلخ. أخرجه الطبراني
في " الكبير " (4 / 135 / 3838) : وفي " الدعاء " (2 / 1307 / 1083) عن
شيخين له ثقتين قالا: حدثنا المسيب بن واضح.. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات
غير المسيب هذا، فهو ضعيف، لكن ضعفه من قبل حفظه، فيمكن الاستشهاد به،
وبخاصة أنه قد توبع، فرواه البيهقي في " الدلائل " (7 / 96) من طريق حفصة بنت
سيرين عن أبي العالية به. ورجاله ثقات غير شيخه وشيخ شيخه " أبو حامد أحمد
بن أبي العباس الزوزني: حدثنا أبو بكر محمد بن خنب (!) " فإني لم أعرفهما.
ولبعضه شاهد يرويه أيوب بن موسى عن محمد بن يحيى بن حبان: أن خالد بن الوليد
رضي الله عنه كان يورق، أو أصابه أرق، فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم،(6/535)
فأمره أن يتعوذ عند منامه بكلمات الله التامات من غضبه، ومن شر عباده، ومن
همزات الشياطين وأن يحضرون. أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم
746) . ورواه أحمد (4 / 57) والبيهقي في " الأسماء " (ص 185) وكذا ابن
أبي شيبة في " المصنف " (10 / 362 - 363) ، وابن عبد البر في " التمهيد " (
24 / 109) من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان به، إلا أنه قال:
عن الوليد ابن الوليد أنه قال: يا رسول الله! إني أجد وحشة. قال: إذا أخذت
مضجعك فقل: فذكره. وزاد في آخره: " فإنه لا يضر، وبالحري أن لا يقربك ".
فهذا خلاف رواية أيوب بن موسى لأنه قال: " الوليد بن الوليد "، وهو أصح،
وهو أخو خالد بن الوليد. ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين، لكنه منقطع، قال
المنذري في " الترغيب " (2 / 263) : " ومحمد لم يسمع من الوليد ". وكذا
قال الحافظ في " الإصابة "، ولفظه: " وهو منقطع، لأن محمد بن يحيى لم
يدركه ". وهذا معنى قول البيهقي عقبه: " هذا مرسل ". (تنبيه) : ثم قال
الحافظ عقب قوله المتقدم: " وقد أخرجه أبو داود من رواية ابن إسحاق عن عمرو
بن شعيب عن أبيه عن(6/536)
جده قال: كان الوليد بن الوليد يفزع في منامه، فذكر ذلك
للنبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث ". كذا قال! والحديث عند أبي داود
في " كتاب الطب " (3893) من الوجه المذكور بلفظ: " أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات.. " فذكرها، ليس للوليد بن الوليد فيه
ذكر، وكذلك أخرجه الترمذي (3519) وحسنه، والنسائي في " عمل اليوم
والليلة " (رقم 765) ، والحاكم (1 / 548) والبيهقي (ص 185 - 186) ، و "
الآداب " (993) له وابن السني (744) وأحمد (2 / 181) وابن أبي شيبة (
10 / 364) كلهم عن ابن إسحاق به معنعنا. نعم علقه البخاري في " أفعال العباد
" (ص 88 - هندية) على شيخه أحمد بن خالد - وهو الكندي أبو سعيد -: حدثنا
محمد بن إسحاق به، ولفظه: " كان الوليد بن الوليد رجلا يفزع في منامه.. "
إلخ. وهو رواية للنسائي وابن عبد البر. فلعل عزوه لأبي داود سبق قلم،
والله أعلم. ثم وجدت لحديث الترجمة شاهدا مرسلا من رواية مصعب بن شيبة عن يحيى
بن جعدة قال: " كان خالد بن الوليد يفزع من الليل حتى يخرج ومعه سيفه.. "
الحديث نحوه، وزاد في آخره: " فقالهن خالد، فذهب ذلك عنه ".(6/537)
أخرجه ابن أبي
شيبة (8 / 60 و 10 / 363) . قلت: ومصعب هذا لين الحديث كما في " التقريب "
. ورواه مالك في " الموطأ " (3 / 125 - 126) عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن
خالد بن الوليد قال: فذكره مختصرا. وقال ابن عبد البر في " التمهيد " عقبه:
" وهذا حديث مشهور مسندا وغير مسند ". ثم رواه من بعض الطرق المتقدمة، ثم
قال: " وفي هذا الحديث دليل على أن كلام الله عز وجل غير مخلوق، لأنه لا
يستعاذ بمخلوق ". ثم ذكر أن معنى قوله في بعض الطرق المتقدمة: " وأن يحضرون
": " وأن يصيبوني بسوء، كما في قوله تعالى: * (وقل رب أعوذ بك من همزات
الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون) * ". ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث أبي رافع
أن خالد بن الوليد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه وحشة يجدها،
فقال له: فذكره بنحوه. أخرجه عبد الرزاق (11 / 35 / 19831) ومن طريقه
البيهقي في " شعب الإيمان " (4 / 175 / 4710) . ورجاله ثقات غير (إسحاق بن
إبراهيم) وهو الدبري، وفيه كلام معروف. وقد جاءت هذه الاستعاذة في قصة
تحدر الشياطين على النبي صلى الله عليه وسلم، ومحاولة أحدهم حرقة بشعلة من
نار، فأمره جبريل بها فطفئت نارهم وهزمهم الله تعالى،(6/538)
أخرجه أحمد وغيره،
وقد خرجته في هذا المجلد برقم (2995) ، ومختصرا في المجلد الثاني (840) .
2739 - " قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول
الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير [فنحن فيه] ، [
وجاء بك] ، فهل بعد هذا الخير من شر [كما كان قبله؟] . [قال: " يا حذيفة
تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، (ثلاث مرات) ". قال: قلت: يا رسول الله!
أبعد هذا الشر من خير؟] . قال: " نعم. [قلت: فما العصمة منه؟ قال: "
السيف "] . قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ (وفي طريق: قلت: وهل بعد
السيف بقية؟) قال: " نعم، وفيه (وفي طريق: تكون إمارة (وفي لفظ:
جماعة) على أقذاء، وهدنة على) دخن ".(6/539)
قلت: وما دخنه؟ قال: " قوم (
وفي طريق أخرى: يكون بعدي أئمة [يستنون بغير سنتي و] ، يهدون بغير هديي،
تعرف منهم وتنكر، [وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين، في جثمان إنس]
". (وفي أخرى: الهدنة على دخن ما هي؟ قال: " لا ترجع قلوب أقوام على الذي
كانت عليه ") . قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: " نعم، [فتنة عمياء
صماء، عليها] دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها ". قلت: يا
رسول الله! صفهم لنا. قال: " هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا ". قلت: [
يا رسول الله!] فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " تلتزم جماعة المسلمين
وإمامهم، [تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع] ".
قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو
أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ". (وفي طريق) : " فإن
تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم ".(6/540)
(وفي أخرى)
: " فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة، فالزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ
مالك، فإن لم تر خليفة فاهرب [في الأرض] حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل
شجرة ". [قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: " ثم يخرج الدجال ". قال: قلت: فبم
يجيء؟ قال: " بنهر - أو قال: ماء ونار - فمن دخل نهره حط أجره ووجب وزره،
ومن دخل ناره وجب أجره وحط وزره ". [قلت: يا رسول الله: فما بعد الدجال؟
قال: " عيسى ابن مريم "] . قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: " لو أنتجت فرسا لم
تركب فلوها حتى تقوم الساعة "] ".
قلت: هذا حديث عظيم الشأن من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ونصحه لأمته،
ما أحوج المسلمين إليه للخلاص من الفرقة والحزبية التي فرقت جمعهم، وشتت
شملهم، وأذهبت شوكتهم، فكان ذلك من أسباب تمكن العدو منهم، مصداق قوله
تبارك وتعالى: * (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) *. وقد جاء مطولا
ومختصرا من طرق، جمعت هنا فوائدها، وضممت إليه زوائدها في أماكنها المناسبة
للسياق، وهو للإمام البخاري في " كتاب الفتن ".(6/541)
الأولى: عن الوليد بن مسلم
: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع
أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: فذكره. أخرجه
البخاري (3606 و 7084) ومسلم (6 / 20) وأبو عوانة (5 / 574 - 576)
والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 109 / 1) والداني في " الفتن " (ق 4 / 1
) وابن ماجه ببعضه (2 / 475) . ولمسلم منه الزيادة السادسة والتاسعة.
ولأبي عوانة منه الزيادة الثانية والسادسة. الثانية: عن معاوية بن سلام:
حدثنا زيد بن سلام عن أبي سلام قال: قال حذيفة:.. فذكره مختصرا. أخرجه مسلم
، وفيه الزيادة الأولى وما في الطريق الأخرى، والزيادة السابعة والعاشرة.
وقد أعل بالانقطاع، وقد وصله الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 162 / 2 /
3039) من طريق عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن
أبيه عن جده عن حذيفة بالزيادة التي في الطريق الأخرى والسابعة والعاشرة.
وذكره السيوطي في " الجامع الكبير " (4 / 361) أتم منه من رواية ابن عساكر.
الثالثة: عن سبيع - ويقال: خالد - بن خالد اليشكري عن حذيفة به. أخرجه أبو
عوانة (5 / 476) وأبو داود (4244 - 4247) والنسائي في " الكبرى " (5 /
17 / 8032) والطيالسي في " مسنده " (442 و 443)(6/542)
وعبد الرزاق في " المصنف "
(11 / 341 / 20711) وابن أبي شيبة (15 / 8 / 18960 و 18961 و 18980)
وأحمد (5 / 386 - 387 و 403 و 404 و 406) والحاكم (4 / 432 - 433) من طرق
عنه لكن بعضهم سماه خالد بن خالد اليشكري، وهو ثقة، وثقه ابن حبان والعجلي
، وروى عنه جمع من الثقات، فقول الحافظ فيه: " مقبول " غير مقبول، ولذلك
لما قال الحاكم عقب الحديث: " صحيح الإسناد "، وافقه الذهبي. وأما قول
الشيخ الكشميري في " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " بعد أن عزاه (ص 210)
لابن أبي شيبة وابن عساكر: " وبعض ألفاظه يتحد مع ما عند البخاري، فهو قوي
إن شاء الله تعالى ". فمما لا وزن له عند العارفين بطرق التصحيح والتضعيف،
لأن اتحاد بعض ألفاظه بما عند البخاري لا يستلزم تقوية الحديث برمته، بل قد
يكون العكس في كثير من الأحيان، وهو المعروف عندهم بالحديث الشاذ أو المنكر،
ويأتي الإشارة إلى لفظة منها قريبا، وقد خرجت في " الضعيفة " نماذج كثيرة من
ذلك، يمكن لمن يريد التحقيق أن يتطلبها في المجلدات المطبوعة منها، وفي
المجلد الثاني عشر منها نماذج أخرى كثيرة برقم (5513 و 5514 و 5527 و 5542
و5543 و 5544 و 5547 و 5552 و 5553 و 5554) . ومثله قول الشيخ عبد الله
الغماري في " عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام " (ص 102) ونقله
الشيخ أبو غدة في تعليقه على " التصريح ": " وهو حديث صحيح "! أقول: لا
قيمة لهذا أيضا لأنه مجرد دعوى يستطيعها كل أحد مهما كان جاهلا بهذا العلم
الشريف، وقد رأيت الغماري هذا واسع الخطو في تصحيح ما لا(6/543)
يصح من الحديث في
كتابه الذي سماه: " الكنز الثمين "، وقد تعقبته في كثير من أحاديثه، وبينت
ضعفها ووضع بعضها في المجلد المشار إليه من " الضعيفة " برقم (5532 و 5533
و5534 و 5535 و 5536 و 5537 و 5538 و 5539) ، وفي غيره أمثلة أخرى. والله
المستعان. وقد بينت لك آنفا أن إسناد الحديث صحيح لمجيئه من طرق صحيحة عن
سبيع، ولأن هذا ثقة، ولأن أبا عوانة صححه أيضا بإخراجه إياه في " صحيحه "،
وهو " المستخرج على صحيح مسلم "، وتصحيح الحاكم أيضا والذهبي، وإنما رددت
قول الحافظ فيه: " مقبول " لأنه يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث
عنده، كما نص عليه في مقدمة " التقريب ". وكأنه لم يستقر على ذلك، فقد
رأيته في " فتح الباري " (13 / 35 - 36) ذكر جملا من هذه الطريق لم ترد في
غيرها، فدل ذلك على أن سبيعا هذا ليس لين الحديث عنده، لأن القاعدة عنده أن
لا يسكت على ضعيف. والله أعلم. قلت: وفي هذه الطريق الزيادات الأخرى
والروايات المشار إليها بقولي: " وفي طريق.. " مما لم يذكر في الطرق المتقدمة
، موزعة على مخرجيها، وفيها أيضا الزيادة الثلاثة. وفي بعض الطرق رواية
مستنكرة بلفظ: " خليفة الله في الأرض " تقدم الكلام عليها تحت حديث صخر بن بدر
عن سبيع برقم (1791) . الرابعة: عن حميد بن هلال عن عبد الرحمن بن قرط عن
حذيفة مختصرا. أخرجه النسائي في " الكبرى " (5 / 18 / 8033) وابن ماجه (2
/ 476) والحاكم (4 / 432) عن أبي عامر صالح بن رستم عن حميد بن هلال عن عبد
الرحمن بن قرط عن حذيفة. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي!(6/544)
وهو من أوهامهما، فإن عبد الرحمن بن قرط مجهول كما في " التقريب "، وأشار
إلى ذلك الذهبي نفسه بقوله في " الميزان ": " تفرد عنه حميد بن هلال ".
وصالح بن رستم صدوق كثير الخطأ، وأخرج له مسلم متابعة، وقد خالفه في إسناده
من الثقات سليمان بن المغيرة فقال: عن حميد بن هلال عن نصر بن عاصم الليثي قال
: أتينا اليشكري.. الحديث. فجعل نصر بن عاصم مكان عبد الرحمن بن قرط، وهو
الصواب. أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما، وهو الطريق التي قبلها. الخامسة:
عن يزيد بن عبد الرحمن أبي خالد الدالاني عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهب
عن حذيفة مختصرا، وفيه: " هدنة على دخن، وجماعة على أقذاء فيها ".
والزيادة الثامنة، وقوله: " ولأن تموت يا حذيفة عاضا على جذع خير من أن
تستجيب إلى أحد منهم ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 202 / 2 / 3674)
وقال: " لم يروه عن عبد الملك بن ميسرة إلا أبو خالد الدالاني ". قلت: وهو
صدوق يخطىء كثيرا، وكان يدلس كما في " التقريب "، فمن الممكن أن يكون أخطأ
في إسناده، وأما المتن فلا، لموافقته بعض ما في الطريق الثالثة. غريب
الحديث: 1 - " السيف " أي تحصل العصمة باستعمال السيف. قال قتادة: المراد
بهذه الطائفة هم الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في زمن خلافة
الصديق رضي الله عنه. ذكره(6/545)
في " المرقاة " (5 / 143) وقتادة أحد رواة حديث
سبيع عند عبد الرزاق وغيره. 2 - " بقية " أي من الشر أو الخير، يعني هل يبقى
الإسلام بعد محاربتنا إياهم؟ 3 - " أقذاء " قال ابن الأثير: جمع قذى و (
القذى) جمع قذاة، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن أو
وسخ أو غير ذلك. أراد اجتماعهم يكون على فساد في قلوبهم، فشبه بقذى العين
والماء والشراب. 4 - " دخن " أي على ضغائن. قاله قتادة، وقد جاءت مفسرة في
غير طريقه بلفظ: " لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه " كما ذكرته في
المتن. 5 - " جذل " بكسر الجيم وسكون المعجمة بعدها لام، عود ينصب لتحتك به
الإبل. كذا في " الفتح " (13 / 36) . 6 - " فلوها " قال ابن الأثير: الفلو
: المهر الصغير. فائدة هامة: قال الحافظ ابن حجر عن الطبري: " وفي الحديث
أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا، فلا يتبع أحدا في الفرقة
ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وعلى ذلك يتنزل ما جاء
في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها ". (تنبيه) : وقع
للحافظ وغيره بعض الأوهام فوجب التنبيه عليها. أولا: قال: زاد مسلم في
رواية أبي الأسود عن حذيفة: " فنحن فيه ". والصواب (الأسود) فإنه يعني
رواية أبي سلام عنه، وهي الطريق الثانية. وأبو سلام اسمه ممطور، ولقبه
الأسود. وعلى الصواب وقع في " عمدة القاري " (24 / 194) ومن الغريب أنه
تكرر هذا الخطأ في " الفتح " في صفحة أخرى أربع مرات، مما يدل أنه ليس خطأ
مطبعيا.(6/546)
ثانيا: قال: وفي رواية أبي (!) الأسود: يكون بعدي أئمة يهتدون
بهداي ولا يستنون بسنتي ". كذا، وهو خطأ ظاهر لا أدري كيف تابعه عليه
العيني! والصواب " لا يهتدون.. " كما يدل عليه السياق، وكما في " صحيح
مسلم ".
2740 - " لولا أن تكون سنة، يقال: خرجت فلانة! لأذنت لك ولكن اجلسي في بيتك ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 270 / 4604) وابن منده في "
المعرفة " (2 / 362 / 2) عنه، وابن حجر في " تخريج المختصر " (ق 137 / 1)
من طريق عبد الله بن زيدان البجلي قال: أخبرنا محمد بن طريف البجلي قال:
أخبرنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي عن الحسن بن صالح عن الأسود بن قيس قال:
حدثني سعيد بن عمرو القرشي عن أم كبشة - امرأة من بني عذرة - أنها قالت:
يا رسول الله! إيذن لي أن أخرج مع جيش كذا وكذا. قال: لا. قالت: يا نبي
الله! إني لا أريد القتال، إنما أريد أن أداوي الجرحى وأقوم على المرضى.
قال: فذكره، وليس عند الطبراني: " في بيتك "، وقال: " لا يروى عن أم
كبشة إلا بهذا الإسناد، تفرد به الحسن بن صالح ". قلت: وهو ثقة من رجال
مسلم، ومثله محمد بن طريف البجلي، ولم يتفرد به كما أشار إليه الطبراني،
فقد تابعه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 526 / 15500) : حدثنا
حميد بن عبد الرحمن الرواسي به. وأخرجه عنه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 308
) وابن أبي عاصم في" الآحاد والمثاني " (3473) والطبراني في " الكبير " (
25 / 176 / 431) وغيرهم. قلت: وهذا إسناد صحيح، وقال الحافظ عقبه:(6/547)
"
هذا حديث حسن غريب، أخرجه الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حميد بن
عبد الرحمن، لكن صورة سياقه مرسل، وله شاهد من حديث أم ورقة أنها قالت: لما
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، قلت: يا رسول الله! ائذن لي أن
أغزو معك. قال: قري في بيتك.. الحديث. أخرجه أبو داود.. ". قلت: وهذا
إسناده حسن كما حققته في " صحيح أبي داود " (605) ، لكن قوله: " لكن صورة
سياقه مرسل " غير ظاهر عندي، لأن قول القرشي: " عن أم كبشة " في حكم قوله لو
قال: " حدثتني أم كبشة " ما دام أنه غير معروف بالتدليس أو الإرسال، فلعله
يعني بذلك خصوص رواية الحسن بن سفيان عن ابن أبي شيبة، ولكنه لم يسق لفظها
لننظر فيها. والله أعلم. هذا ولفظ الحديث عند ابن سعد: " اجلسي، لا يتحدث
الناس أن محمدا يغزو بامرأة ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 323 -
324) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجالهما رجال (الصحيح
) ". فائدة: ثم قال الحافظ عقب الحديث في " الإصابة ": " ويمكن الجمع بين
هذا وبين ما تقدم في ترجمة أم سنان الأسلمي، أن هذا ناسخ لذاك لأن ذلك كان
بخيبر، وقد وقع قبله بأحد كما في (الصحيح) من حديث البراء بن عازب، وهذا
كان بعد الفتح ". قلت: ويشير بما تقدم إلى ما أخرجه الخطيب في " المؤتلف "
عن الواقدي عن عبد الله بن أبي يحيى عن ثبيتة عن أمها قالت:(6/548)
" لما أراد النبي
صلى الله عليه وسلم الخروج إلى خيبر قلت: يا رسول الله! أخرج معك أخرز السقاء
، وأداوي الجرحى.. الحديث، وفيه: فإن لك صواحب قد أذنت لهن من قومك ومن
غيرهم، فكوني مع أم سلمة ". قلت: والواقدي متروك، فلا يقام لحديثه وزن،
ولاسيما عند المعارضة كما هنا. نعم ما عزاه لـ (الصحيح) يعارضه وهو من حديث
أنس بن مالك - لبس البراء بن عازب - قال: " لما كان يوم أحد انهزم الناس عن
النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم
وأنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهن تنقزان - وقال غيره: تنقلان - القرب على
متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في
أفواه القوم ". أخرجه البخاري (2880 و 2902 و 3811 و 4064) ، وانظر " جلباب
المرأة المسلمة " (ص 40) - طبعة المكتبة الإسلامية. وله شاهد من حديث عمر
رضي الله عنه: " أن أم سليط - من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله
عليه وسلم - كانت تزفر (أي تحمل) لنا القرب يوم أحد ". أخرجه البخاري (2881
) . ولكن لا ضرورة - عندي - لادعاء نسخ هذه الأحاديث ونحوها، وإنما تحمل
على الضرورة أو الحاجة لقلة الرجال، وانشغالهم بمباشرة القتال، وأما
تدريبهن على أساليب القتال وإنزالهن إلى المعركة يقاتلن مع الرجال كما تفعل
بعض الدول(6/549)
الإسلامية اليوم، فهو بدعة عصرية، وقرمطة شيوعية، ومخالفة صريحة
لما كان عليه سلفنا الصالح، وتكليف للنساء بما لم يخلقن له، وتعريض لهن لما
لا يليق بهن إذا ما وقعن في الأسر بيد العدو. والله المستعان.
2741 - " إن الله عز وجل لما خلق الخلق قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، [فقال: مه]
، قالت: هذا مقام العائذ [بك] من القطيعة، قال: [نعم] ، أما ترضين أن
أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ [قالت: بلى يا رب!] قال: فذاك [لك] . قال
أبو هريرة: [ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:] اقرءوا إن شئتم * (فهل
عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله
فأصمهم وأعمى أبصارهم. أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) * ".
أخرجه أحمد (2 / 330) : حدثنا أبو بكر الحنفي حدثني معاوية بن أبي مزرد قال:
حدثني عمي سعيد أبو الحباب قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد
أخرجاه كما يأتي. وأبو بكر الحنفي اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد البصري.
وقد خالف الإمام أحمد أبو مسعود أحمد بن الفرات فقال: أخبرنا أبو بكر الحنفي
بلفظ: " لما خلق الله آدم فضل من طينه فخلق منه الرحم.. " الحديث نحوه.(6/550)
أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في " الحجة في بيان المحجة " (ق 58 / 1) من طريق
عبد الله بن إبراهيم المقريء: أخبرنا أبو مسعود.. إلخ. قلت: وهو بهذا
اللفظ شاذ أو منكر، والخطأ فيه من أبي مسعود أحمد بن الفرات، فإنه مع كونه
ثقة حافظا من شيوخ أبي داود، فقد ذكر الحافظ في " التهذيب " أن أبا عبد الله
بن منده قال في " تاريخه ": " أخطأ أبو مسعود في أحاديث ولم يرجع عنها ".
قلت: وهو مغتفر في جانب حفظه، لكن إذا خالف الإمام أحمد لم تطمئن النفس
للاحتجاج بمخالفته، لاسيما ومع الإمام جمع من الرواة الثقات لم يذكروا في
الحديث هذا اللفظ المنكر كما يأتي. ومن المحتمل احتمالا قويا أن يكون الخطأ
فيه من الراوي عنه عبد الله بن إبراهيم المقريء، فإنه ليس مشهورا بالثقة
والضبط، فقد أورده أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 83) وسمى جده الصباح
المقريء، وساق له ثلاثة أحاديث برواية ثلاثة عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، ولا وفاة، فتعصيب الخطأ به أولى. والله أعلم. وقد توبع أبو بكر
الحنفي من قبل جماعة من الثقات كلهم لم يذكروا ذاك اللفظ المنكر. الأول: عبد
الله بن المبارك، وله الزيادة الأخيرة والثالثة. أخرجه البخاري (8 / 580 /
4832 و 10 / 417 / 5987) والنسائي في " الكبرى ". الثاني: حاتم بن إسماعيل
، وعنده الزيادة الأخيرة. رواه البخاري (4831) ومسلم (8 / 7) .(6/551)
الثالث:
سليمان بن بلال، والزيادة الأولى له والثانية والرابعة والخامسة أخرجه
البخاري (13 / 465 / 7502) وفي " الأدب المفرد " (23 / 50) . وتابع أبا
الحباب محمد بن كعب أنه سمع أبا هريرة به مختصرا. أخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (27 / 65) وابن حبان (2035 و 2036) وأحمد (2 / 295 و 383 و 406
و455) وفي إسناده جهالة، وقواه المنذري في " الترغيب " (3 / 226) ،
فلعله لشواهده.
2742 - " لم تحل الغنائم لمن كان قبلنا، ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا ".
أخرجه أحمد في " المسند " (2 / 317) والسلمي في " صحيفة همام " (رقم 87)
ومن طريقه أبو القاسم الأصبهاني في " الحجة " (ق 43 / 2) والبيهقي (6 / 290
) من طريق عبد الرزاق: حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به
أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر أحاديث كثيرة هذا أحدها
وهو في " مصنف عبد الرزاق " (5 / 241 / 9492) بإسناده هذا مطولا، وهذا طرفه
الأخير منه. وهو رواية لأحمد (2 / 318) والسلمي (123) عنه. وكذلك
أخرجه مسلم (5 / 145 - 146) من طريق محمد بن رافع، وابن حبان (4788) عن
إسحاق بن إبراهيم قالا: حدثنا عبد الرزاق به. وتابعه ابن المبارك عن معمر به
مطولا. أخرجه البخاري (6 / 220 / 3124) ومسلم أيضا، ولم يسق لفظه. (
تنبيه) : عزاه الشيخ الأعظمي في تعليقه على " المصنف " للبخاري فقط، وهذا
تقصير فاحش، لأنه يوهم أولا أن مسلما لم يخرجه.(6/552)
وثانيا: أن مسلما أخرجه من
طريق عبد الرزاق وغيره فكان عزوه إليه أولى. وثالثا: ليس عند البخاري: "
فطيبها لنا "! وللحديث طريق آخر، يرويه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن نبيا من
الأنبياء غزا بأصحابه.. " الحديث بطوله، وفي آخره: " إن الله أطعمنا
الغنائم رحمة رحمنا بها، وتخفيفا خففه عنا، لما علم من ضعفنا ". أخرجه
بتمامه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 149 / 4787) وكذا النسائي في " الكبرى "
(5 / 8878 و 6 / 352 / 11208) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقد مضى لفظه بتمامه، وتخريجه بأتم مما هنا في المجلد الأول (رقم 202) .
2743 - " يبايع لرجل بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه
فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا،
وهم الذين يستخرجون كنزه ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 52 - 53) والحاكم (4 / 452 - 453)
والأزرقي " تاريخ مكة " (1 / 278) والبغوي في " الجعديات " (2 / 1005 /
2911) وعنه الذهبي في " سير الأعلام " (2 / 146) والطيالسي (2373)
وأحمد (2 / 291 و 312 و 328 و 351) من طرق عن ابن أبي ذئب(6/553)
عن سعيد بن سمعان
قال: سمعت أبا هريرة يحدث أبا قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن سمعان،
وهو ثقة كما في " التقريب ". والحديث عزاه في " الجامع الكبير " لابن أبي
شيبة وابن عساكر فقط، واقتصر الحافظ في " الفتح " (3 / 461) على عزوه
لأحمد، وسكت عليه، فهو عنده حسن أو صحيح، وقال الحاكم: " صحيح على شرط
الشيخين "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: ما خرجا لابن سمعان شيئا، ولا روى
عنه [غير] ابن أبي ذئب، وقد تكلم فيه ". قلت: لم يتكلم فيه غير الأزدي،
ولذلك رده الحافظ في " التقريب ": " ثقة، لم يصب الأزدي في تضعيفه ". قلت:
والأزدي عنده تشدد في التضعيف، نبه على ذلك الذهبي نفسه في بعض التراجم،
وابن سمعان وثقه النسائي والدارقطني وابن حبان. وأما قوله: " ولا روى عنه
ابن أبي ذئب " أظن سقط من قلمه أو الناسخ لفظ " غير "، فقد أثبت هو نفسه
روايته عنه في " الكاشف "! وقرن معه آخر!! وقد جاء من طريقين آخرين عن أبي
هريرة مختصرا مرفوعا بلفظ: " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ". الطريق
الأولى: عن الزهري عن سعيد بن المسيب عنه. أخرجه البخاري (1596) ومسلم (8
/ 183) وأحمد (2 / 310) والداني في " الفتن " (ق 69 / 2) وابن أبي شيبة
(15 / 47) والأزرقي (1 / 276) .(6/554)
الثانية: عن عبد العزيز عن ثور بن يزيد
عن أبي الغيث عنه. أخرجه مسلم أيضا، وأحمد (2 / 417) والبزار كما في "
تاريخ ابن كثير: النهاية " (1 / 187) ، وفاته عزوه لأحمد. وله شاهد من
حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " كأني أنظر إليه أسود أفحج ينقضها حجرا حجرا.
يعني الكعبة ". أخرجه البخاري (1595) وأحمد (1 / 228) والسياق له، وهو
أتم، والطبراني في " الكبير " (11238) . وشاهد آخر من حديث ابن عمرو
مرفوعا مثل حديث أبي هريرة عند الشيخين وزاد: " ويسلبها حليتها ويجردها من
كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله ". أخرجه
أحمد (2 / 220) عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه. وقال ابن
كثير: " وهذا إسناد جيد قوي "، وسكت عنه الحافظ. قلت: فيه عنعنة ابن
إسحاق كما ترى، فلعل تقويته إياه بالنظر لشواهده المتقدمة. والله أعلم.
2744 - " كيف أنتم إذا مرج الدين [وسفك الدم وظهرت الزينة وشرف البنيان] وظهرت
الرغبة واختلفت الإخوان وحرق البيت العتيق؟! ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 47) - وعنه الطبراني في(6/555)
" الكبير "
(24 / 26 / 67) - وأحمد في " المسند " (6 / 333) قالا: حدثنا محمد بن عبد
الله بن الزبير أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سعد بن أوس عن بلال العبسي عن
ميمونة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: فذكره. وتابعه
عبيد الله بن موسى عن سعد بن أوس به. وفيه الزيادة. أخرجه الطبراني (14) .
قلت: وهذا إسناد صحيح، سعد وبلال - وهو ابن يحيى - ثقتان. وقال الهيثمي
(7 / 320) بعد عزوه للطبراني وأحمد: " ورجال أحمد ثقات ". قلت: لا داعي
لذكر أحمد دون الطبراني، وقد عرفت أنه عنده من طريق ابن أبي شيبة من الوجه
الأول. وكذلك رجاله من الوجه الآخر الذي فيه الزيادة، وهي من معجزاته صلى
الله عليه وسلم العلمية، وبخاصة منها قوله: " وظهرت الزينة "، فقد انتشرت
في الأبنية والألبسة والمحلات التجارية انتشارا غريبا، حتى في قمصان الشباب
ونعالهم، بل ونعال النساء! فصلى الله على الموصوف بقوله تعالى: * (وما
ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى) *. و (الرغبة) : قال ابن الأثير: " أي
قلة العفة وكثرة السؤال ".
2745 - " لقد حكم فيهم [اليوم] بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات. يعني سعد
بن معاذ في حكمه على بني قريظة ".
أخرجه النسائي في " مناقب الكبرى " (5 / 62 - 63 / 8223) وابن سعد في "
الطبقات " (3 / 426) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 124 -(6/556)
هندية)
والحاكم (2 / 124) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (25 / 1 - 2)
ومن طريقه العسقلاني في " تخريج المختصر " (ق 237 / 1) والبزار (2 / 301 -
البحر الزخار) من طرق عن محمد بن صالح التمار عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف: سمعت عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: لما حكم سعد بن معاذ في
بني قريظة أن يقتل من جرت عليه الموس، وأن تقسم أموالهم وذراريهم، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال العسقلاني: " هذا حديث حسن،
ومحمد بن صالح التمار مدني صدوق، وقد خالفه عياض بن عبد الرحمن فقال: عن سعد
بن إبراهيم عن أبيه عن جده. وخالفهما شعبة - وهو أحفظ منهما - فقال: عن سعد
بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري. ومن طريق شعبة خرج في "
الصحيحين " ولفظه في آخره: " لقد حكمت فيهم بحكم الملك "، ولم يذكر ما بعده
". قلت: لكن للزيادة التي أشار إليها - وفيها إثبات الفوقية لله تعالى -
شاهدان مرسلان ذكرتهما في " مختصر العلو " (87 / 15) وكأنه لذلك صححه الذهبي
في " تلخيص المستدرك "، وفي " العلو " أيضا، والمرسل الأول: رواه ابن
إسحاق في " سيرة ابن هشام " (3 / 259) : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد
الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص الليثي قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لسعد: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ".
وهذا إسناد جيد فهو شاهد قوي للموصول، وقال الحافظ: " رجاله ثقات، و (الأرقعة) جمع (رقيع) بالقاف والعين، وهو من أسماء السماء ".(6/557)
2746 - " كان يكتحل وترا ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ق 280 / 2 - كشف الأستار) : حدثنا محمد بن أبي
الوليد الفحام حدثنا الوضاح بن يحيى حدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن أنس قال:
فذكره مرفوعا. وقال: " لا أعلم رواه إلا أبو الأحوص عن عاصم ". قلت: وهما
ثقتان من رجال الشيخين، وأبو الأحوص اسمه سلام بن سليم الحنفي الكوفي،
وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وعلة الحديث من الوضاح بن يحيى، وبه أعله
الهيثمي، فقال في " مجمع الزوائد " (5 / 96) : " رواه البزار، وفيه وضاح
بن يحيى، وهو ضعيف ". ومحمد بن أبي الوليد نسب إلى جده، فإنه محمد بن
الوليد بن أبي الوليد الفحام البغدادي، وهو من شيوخ النسائي، وقال فيه: "
لا بأس به ". قلت: وأنا أخشى أن يكون وهم في إسناده، فقد خالفه فيه من هو
أوثق منه، فقال ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (2 / 99 / 1251) حدثني
محمد ابن إسحاق قال: حدثنا وضاح بن حسان الأنباري، قال: حدثنا سلام أبو
الأحوص عن عاصم بن سليمان عن حفصة بنت سيرين عن أنس بن مالك به وزاد: " وكان
ابن سيرين يكتحل مرتين في كل عين، ويقسم بينهما واحدة ". ومحمد بن إسحاق
هذا هو الصنعاني، وهو ثقة ثبت من شيوخ مسلم والأربعة، وقد خالف الفحام في
موضعين من إسناده:(6/558)
الأول: أنه زاد فيه " عن حفصة بنت سيرين " بين عاصم وأنس
. والآخر: قال: وضاح بن حسان الأنباري، مكان: وضاح بن يحيى. وقد تابعه
محمد بن سعد العوفي عليهما، فقال: حدثنا وضاح بن حسان الأنباري به أخرجه
الخطيب في ترجمة الأنباري هذا من " تاريخ بغداد " (13 / 496) برواية جمع آخر
من الثقات، وذكر عن العوفي أنه قال في الوضاح: " كان عابدا ". وعن يعقوب
بن سفيان - وهو الفسوي - أنه كان مفضلا، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم (4 / 2
/ 41) جرحا ولا تعديلا. وقال الحافظ في " اللسان ": " وأشار ابن عدي في
ترجمة جارية بن هرم إلى أنه كان يسرق الحديث ". والزيادة الموقوفة على ابن
سيرين، قد صحت عنه، فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 599 / 5686) :
أبو معاوية عن عاصم عن ابن سيرين به نحوه. وبهذا الإسناد عن عاصم عن حفصة عن
أنس أنه كان يكتحل ثلاثا في كل عين. وقد روي هذا من حديث ابن عباس بإسناد
ضعيف جدا، وهو مخرج في " الإرواء " (76) ، وزدت لضعفه بيانا في " الصحيحة
" (2 / 215 - 227) رددت فيه على تصحيح الشيخ أحمد شاكر إياه وتوثيقه لراويه
عباد بن منصور بما لا تجده في كتاب آخر. والزيادة الموقوفة على ابن سيرين قد
رواها بعض الضعفاء مرفوعة، ألا وهو عمر ابن حبيب قال: حدثنا ابن عون عن محمد
بن سيرين قال: سألت أنسا عن كحل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال:(6/559)
" كان صلى
الله عليه وسلم يكتحل في اليمنى ثنتين، وفي اليسرى ثنتين، وواحدة بينهما "
. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 244 / 2) وقال: " لا أعلم يرويه عن ابن
عون غير عمر بن حبيب، وهو حسن الحديث، يكتب حديثه مع ضعفه ". وقال الحافظ
في " التقريب ": " ضعيف ". هذا، ولحديث الترجمة شاهد من حديث عقبة من فعله
صلى الله عليه وسلم. وآخر من قوله، وقد مضيا في المجلد الثالث (رقم 1260)
. وله بعض شواهد أخرى، فيها بيان أن الإتيان ثلاثا في اليمنى، واثنتين في
اليسرى، تقدم تخريجها في المجلد الثاني برقم (633) ، وذكرت تحته كشاهد حديث
الترجمة هذا من رواية البزار، فلما وجدت الاختلاف بين إسناده وإسناد ابن جرير
والخطيب رأيت أنه لابد من تخريجه من جديد، وتحرير القول فيه على النحو الذي
سبق بيانه. والله الموفق. وحديث عقبة المشار إليه، قد ذكرت هناك أن إسناده
ضعيف من أجل ابن لهيعة وسوء حفظه، وقد وجدته الآن من رواية ابن وهب عنه
بإسناده المتقدم مرفوعا من قوله صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن جرير الطبري في
" تهذيب الآثار " (2 / 99 / 1249) . فصح بذلك الحديث والحمد لله، لأن ابن
لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه العبادلة، وابن وهب منهم ومثلهم قتيبة بن
سعيد كما سيأتي نقله عن الحافظ الذهبي تحت الحديث (2843) .(6/560)
ثم أخرجه ابن جرير
(2 / 100 / 1253) من طريق ابن وهب أيضا قال: أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله
بن هبيرة والحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن عقبة مرفوعا من فعله صلى
الله عليه وسلم. وهذا إسناد صحيح أيضا، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير ابن
لهيعة، وقد عرفت أنه صحيح الحديث برواية ابن وهب عنه. وتقدم هناك من غير
هذه الرواية عن ابن لهيعة، ولم يقرن الحارث بن يزيد مع ابن هبيرة. وبالجملة
فهذا شاهد قوي لحديث الترجمة: فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله
، وأن يدخلني الجنة برحمته إنه رحيم غفور.
2747 - " إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم، فإن الدم إذا تبيغ بصاحبه يقتله ".
أخرجه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (2 / 106 / 1277) : حدثني موسى بن
سهل الرملي قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا سليمان بن حبان قال:
حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
. قلت: وأشار ابن جرير فيما بعد إلى صحته (ص 116) وهو غير بعيد عن الصواب
، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عبد العزيز - وهو الرملي - فإنه من
رجال البخاري، وموسى الراوي عنه ثقة بلا خلاف، ولولا أن ابن عبد العزيز فيه
كلام من قبل حفظه، لجزمت بصحته، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب
": " صدوق يهم، وكانت له معرفة ". وأشار في ترجمته في مقدمة " فتح الباري
" (ص 441 - المنيرية) إلى أن(6/561)
البخاري أخرج له حديثين متابعة، فأرجو أن يكون
الحديث حسنا، لاسيما وقد روي من طريق أخرى عن أنس بلفظ: " إذا اشتد الحر
فاستعينوا بالحجامة، لا يتبيغ دم أحدكم فيقتله ". وصححه الحاكم، ووافقه
الذهبي، لكن فيه كذاب وغيره، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر برقم (2331) .
ووجدت له شاهدا من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " استعينوا في شدة الحر
بالحجامة، فإن الدم ربما تبيغ بالرجل فقتله ". لكن فيه كذاب آخر، ولذلك
خرجته هناك أيضا برقم (2363) . والأحاديث في الحض على الحجامة كثيرة، قد
تقدم تخريج بعضها في هذا الكتاب، فانظر مثلا رقم (622 و 1847) ، وإنما خرجت
هذا لشطره الثاني، وقد وجدت له طريقا ثالثا عن أنس مرفوعا بلفظ: " من أراد
الحجامة فليتحر سبعة عشر.. ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله ". لكن إسناده ضعيف
جدا كما بينته هناك (1864) بيد أن له شاهدا لا بأس به في الشواهد خرجته هناك
(1863) . فالحديث به صحيح إن شاء الله تعالى. (تنبيه) : هذا الحديث مما
فات السيوطي في " الجامع الكبير " وغيره. (تبيغ) : في " القاموس المحيط ":
" (البيغ) ثوران الدم، وتبيغ الدم: هاج وغلب ". وفي " الهادي إلى لغة
العرب ": " باغ الدم: ثار وهاج كما يكون الحال عند من به ارتفاع في ضغط الدم
".(6/562)
2748 - " صنفان من أمتي لا يردان علي الحوض: القدرية والمرجئة ".
أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 156) والطبري في " التهذيب " (2 / 180 /
1472) وابن أبي عاصم في " السنة " (949) واللالكائي في " شرح السنن " (4
/ 142 / 1157) عن بقية قال: حدثنا سليمان بن جعفر الأزدي عن محمد بن عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن جده مرفوعا به. وقال العقيلي: " سليمان بن
جعفر مجهول بنقل الحديث، ولا يتابع على حديثه ". ثم ساق له هذا الحديث،
وقال: " ولا يتابع إلا ممن هو مثله أو دونه ". قلت: ولعله يشير إلى حديث
أنس مرفوعا به، إلا أنه زاد: " ولا يدخلان الجنة ". أورده الهيثمي (7 /
207) وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال " الصحيح " غير
هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة ". ومما ينبغي أن يعلم أن هذا القول من
الهيثمي - وهو كثير التكرار له - لا ينفي التضعيف الذي أشار إليه العقيلي،
ذلك لأن ثقة رجال الإسناد، لا يستلزم صحته كما لا يخفى على الممارس لهذا العلم
الشريف، فقد يكون فيه تدليس أو انقطاع - أو يكون أحد رواته مضعفا ولو كان من
رجال " الصحيح "، لاسيما إذا كان مقرونا عنده، أو معلقا، إلى غير ذلك من
العلل في صحة الإسناد، فتأمل. ثم وقفت على إسناد الطبراني في " الأوسط " فقال
(1 / 253 / 1) : حدثنا علي بن عبد الله الفرغاني قال: أخبرنا هارون بن موسى
الفروي قال: أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:(6/563)
" صنفان من أمتي لا يردان الحوض ولا يدخلان الجنة:
القدرية والمرجئة ". وفي لفظ له: " القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة، فإن
مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم ". وقال الطبراني: " لم يرو
هذين الحديثين عن حميد الطويل إلا أنس بن عياض، تفرد بهما هارون بن موسى
الفروي ". قلت: وهو ثقة كما قال الهيثمي، وقال الحافظ في " التقريب ": "
لا بأس به ". ومن فوقه من رجال الشيخين. بقي أن نعرف حال الفرغاني شيخ
الطبراني، أورده " الخطيب " في " تاريخ بغداد " (12 / 4 - 5) وقال: " علي
بن عبد الله بن عبد البر أبو الحسن الوراق يعرف بـ (الفرغاني) . حدث عن أبي
حاتم الرازي وعبد الله بن أحمد بن حنبل، روى عنه القاضي الجراحي ومحمد ابن
المظفر وأبو يعلى الطوسي الوراق وابن شاهين ويوسف القواس: حدثنا البرقاني
قال: قرأت على أبي يعلى الوراق - وهو عثمان بن الحسن الطوسي - حدثكم علي بن
عبد الله بن عبد البر، وراق ثقة. مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ". قلت
: فالظاهر أنه هذا، ويؤيده أن المزي ذكره في الرواة عن شيخه هنا: هارون
الفروي. وذكر الطبراني في " الصغير " (941 - الروض) أنه سمع منه بمصر فلعله(6/564)
كان رحل إليها ولقبه بـ (طغك) ، وكذلك وقع في الحديث الأول من أحاديثه التي
ساقها عنه في " الأوسط " رقم (4353) . وعلى ذلك فالإسناد جيد وليس فيه ما
يمكن أن يعل به من علة من تلك العلل التي سبقت الإشارة إليها، اللهم إلا ما
قيل في حميد - وهو ابن أبي حميد الطويل - من التدليس عن أنس، لكن ذكر غير
واحد من الأئمة أنه سمعه من ثابت عن أنس، فلا يضر تدليسه، كما أشار إلى ذلك
الحافظ العلائي وغيره. ولعل هذا هو السر في كثرة أحاديثه في " الصحيحين " عن
أنس معنعنة، وقد رأيت المنذري حسن إسناد حديث آخر رواه الطبراني بهذا الإسناد
، تقدم تخريجه برقم (1620) . وبعد تحرير القول في إسناد حديث أنس هذا،
وتبين أنه قوي، وجب إيداعه في هذه السلسلة " الصحيحة "، ونقله من " ضعيف
الجامع " - وهو فيه معزو إلى " الضعيفة " برقم (3785) - والذي فيه حديث آخر
فيه لعن المرجئة، فاقتضى التنبيه، والله تعالى هو المسؤول أن يسدد خطانا،
ويهدينا إلى ما يرضيه من القول والفعل.
2749 - " إذا ذهبتم إلى الغائط فاتقوا المجالس على الظل والطريق، خذوا النبل (1)
واستنشبوا على سوقكم واستجمروا وترا ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 16 / 2 رقم 5331) : حدثنا محمد بن
عبدوس بن كامل قال: حدثنا مخلد بن خالج قال: أخبرنا إبراهيم بن خالد الصنعاني
قال: أخبرنا رباح بن زيد عن معمر عن سماك بن الفضل عن أبي رشدين عن سراقة بن
مالك بن جعشم:
_________
(1) بضم النون وفتح الباء: هي الحجارة الصغار التي يستنجى بها. اهـ.(6/565)
أنه كان إذا جاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث
قومه وعلمهم، فقال له رجل يوما - وهو كأنه يلعب -: ما بقي لسراقة إلا أن
يعلمكم كيف التغوط؟! فقال سراقة: إذا ذهبتم.. الحديث. قلت: وهذا إسناد
حسن كما قال الهيثمي (1 / 204 - 205) ، وبيان ذلك: أولا: أبو رشدين هذا
اسمه زياد الجندي كما في " تاريخ البخاري " (2 / 1 / 353) ، و " جرح ابن أبي
حاتم " (1 / 2 / 550) برواية سماك هذا والنعمان الجندي. ولم يذكرا فيه
جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (4 / 454) وقال:
" روى عنه النعمان [وغيره] ". ثانيا: وسائر رجاله ثقات من رجال " التهذيب
" غير محمد بن عبدوس بن كامل، وهو أبو أحمد السراج، وله ترجمة جيدة في "
تاريخ بغداد " (2 / 381 - 382) برواية جماعة من الحفاظ عنه. قال ابن المنادي
: " كان من المعدودين في الحفظ وحسن المعرفة بالحديث، أكثر الناس عنه لثقته
وضبطه، وكان كالأخ لعبد الله بن أحمد بن حنبل. توفي سنة ثلاث وتسعين
ومائتين ". وأورده الذهبي في " تذكرة الحفاظ ". وشيخه مخلد بن خالد هو
الشعيري، من شيوخ مسلم في " صحيحه ". ثالثا: وظاهر سياق المتن وإن كان
موقوفا فهو في حكم المرفوع، لسببين اثنين: الأول: أن سراقة ذكره بعد أن جاء
من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم متحديا لقول ذاك الرجل: " ما بقي لسراقة
إلا أن يعلمكم كيف التغوط؟! ".(6/566)
والآخر: أنه قد جاء مرفوعا في أحاديث متفرقة
، فهي شواهد قوية له، بل روي بتمامه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فقد قال ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 36 - 37) : " سألت أبي عن حديث رواه
أحمد بن ثابت (فرخويه) عن عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن أبي رشدين
الجندي عن سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أتى أحدكم الغائط
، فلا يستقبل القبلة، واتقوا مجالس اللعن والظل والماء وقارعة الطريق،
واستمرخوا الريح، واستشبوا على سوقكم، وأعدوا النبل "؟ قال أبي: إن ما
يروونه موقوف، وأسنده عبد الرزاق بآخرة ". قلت: كأنه يشير إلى حديث الترجمة
، وقد عرفت أنه في حكم المرفوع، ثم إنه أعله بعبد الرزاق، وأنه رفعه في آخر
عمره، يعني وقد كان تغير حفظه، مع أن الراوي عنه (فرخويه) متهم، فقد قال
ابن أبي حاتم (1 / 1 / 44) : " سمعت أبا العباس بن أبي عبد الله الطهراني
يقول: كانوا لا يشكون أن (فرخويه) كذاب ". قلت: فلعل أبا حاتم لم يعله به
لأنه قد توبع من غيره، فرواه عن عبد الرزاق مرفوعا كما رواه فرخويه، ولذلك
عصب العلة بعبد الرزاق، وعليه فهذه متابعة قوية من عبد الرزاق لرباح بن زيد
الثقة. والله أعلم. وإليك الآن بعض الشواهد المشار إليها آنفا: 1 - عن
سلمان قال: قال لنا المشركون: إني أرى صاحبكم يعلمكم حتى يعلمكم الخراءة!
فقال: أجل، إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، أو يستقبل القبلة.. الحديث.
رواه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما "، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 81 -
82) و " صحيح أبي داود " (5) وهو شاهد قوي لسبب رواية سراقة لحديث الترجمة(6/567)
2 - عن أبي هريرة مرفوعا: " اتقوا اللعانين. قالوا: وما اللعانان يا رسول
الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس، وفي ظلهم ". أخرجه المذكوران آنفا.
وهو مخرج في المصدرين المذكورين. 3 - قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا استجمر
أحدكم فليستجمر وترا.. " الحديث. أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو عوانة في "
صحاحهم "، وغيرهم من طرق عن أبي هريرة، وقد خرجت بعضها في " صحيح أبي داود
" برقم (128) . وله شاهد من حديث جابر مرفوعا به. أخرجه مسلم (1 / 147)
وأحمد (3 / 294) من طريق أبي الزبير أنه سمع جابرا به. ثم رواه أحمد (3 /
400) من طريق أبي سفيان عن جابر بلفظ: ".. فليستجمر ثلاثا ". وإسناده صحيح
على شرط مسلم. وزاد ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 155) : " يعني يستنجي
". ومضى تخريجه (1295) ، ويأتي برقم (2749) . 4 - ما رواه بعضهم عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اتقوا الملاعن، وأعدوا النبل ". أخرجه
أبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 12 / 2) : حدثناه محمد بن الحسن عن عيسى ابن
أبي عيسى الحناط عن الشعبي عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.(6/568)
قلت:
وهذا إسناد ضعيف جدا، آفته عيسى هذا الخياط، ويقال فيه (الحناط) و (
الخباط) بائع الخبط، كان قد عالج الصنائع الثلاثة، قال الذهبي في " الكاشف "
: " ضعفوه ". وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك ". ومحمد بن الحسن - هو
الشيباني صاحب أبي حنيفة -، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: " ضعفه
النسائي من قبل حفظه ". لكن الآفة من شيخه المتروك، وقد رواه عنه ابن قتيبة
أيضا في " إصلاح غلط أبي عبيد " (ق 52 / 2 - مخطوطة الظاهرية) . وعلقه
الخطابي في " غريب الحديث " (1 / 221) ومن قبله ابن جرير الطبري في " تهذيب
الآثار " (مسند علي ص 116) ، وأشار إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله: " روي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ". وقال محققه الأستاذ الأديب محمود
شاكر: " لم أجد إسناده، ولم يسنده أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث 1
: 79 ". قلت: الظاهر أنه سقط إسناده من المطبوعة التي أشار الأستاذ إليها،
وها أنا ذا قد قدمته إلى القراء الكرام، نقلا عن مخطوطة " غريب أبي عبيد "
ومخطوطة(6/569)
" إصلاح خطئه " لابن قتيبة، ويؤسفني أنني لم أجد في مسودتي التي منها
نقلت الحديث بإسناده من " غريبه " مصدرها من المكتبات العامة. وفي المطبوعة
ما يشير إلى الإسناد، فقد عرفت أن أبا عبيد رواه من طريق شيخه محمد بن الحسن
الشيباني، فقد قال بعد أن نقل عن الأصمعي ضبطه للفظة (النبل) بضم النون
وفتح الباء: " قال محمد بن الحسن: يقول: النبل حجارة الاستنجاء ". ثم إن
الحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " بلفظ: " أبعدوا الآثار إذا ذهبتم
إلى الغائط وأعدوا النبل واتقوا الملاعن، لا يتغوط أحدكم تحت الشجرة ينزل
تحتها أحد - ولا عند ما يشرب منه، فيدعون عليكم ". وعزاه لعبد الرزاق مرسلا
. ولم أره في " المصنف " لعبد الرزاق، ولعله في القسم الأول الذي لم يطبع
لأنه لم يعثر عليه محققه الشيخ الأعظمي. والله أعلم. وبالجملة فالحديث بهذه
الشواهد صحيح بلا ريب. والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من كرمه
وفضله. ثم رأيت الحافظ قد عزا لعبد الرزاق جملة من حديثه عن ابن جريج عن الشعبي
مرسلا. فانظر " التلخيص " (1 / 107) .
2750 - " مم تضحكون؟ قالوا: من دقة ساقيه. فقال: [والذي نفسي بيده لـ] هي أثقل
في الميزان من أحد ".
أخرجه أحمد (1 / 420 - 421) وكذا الطيالسي (رقم 355) وابن سعد(6/570)
(3 / 155
) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله قال:
كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأراك، قال: فضحك القوم من دقة
ساقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره، والسياق لابن سعد، والزيادة
للآخرين. قلت: وهذا إسناد حسن، وهو صحيح بطرقه الكثيرة عند الطبراني (
8453 و 8454 و 8517) ، وابن سعد، وبشواهده الآتية: الأول: عن معاوية بن
قرة عن أبيه قال: كان ابن مسعود على شجرة يجتني لهم منها، فهبت ريح، فكشف
لهم عن ساقيه، فضحكوا.. الحديث. أخرجه ابن جرير الطبري في " التهذيب " (
مسند علي / 163 / 262 - شاكر) والطبراني في " الكبير " (19 / 28 / 59)
والحاكم (3 / 317) من طريق سهل بن حماد أبي عتاب الدلال: حدثنا شعبة قال:
حدثنا معاوية بن قرة به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: بل هو على شرط مسلم، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الدلال فهو
من أفراد مسلم، وقد خولف كما يأتي، وقرة والد معاوية صحابي معروف، فلا يضر
عدم إخراج مسلم له. وأخرجه الطيالسي في " مسنده " (1078) قال: حدثنا شعبة
عن معاوية بن قرة أن ابن مسعود.. الحديث فأرسله. وقال يونس بن حبيب - راوي
المسند -: " هكذا رواه أبو داود، وقال غير أبي داود عن شعبة عن معاوية بن
قرة عن أبيه ".(6/571)
قلت: وهذا أصح إن شاء الله تعالى. الثاني: عن أم موسى قالت
: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فصعد
على شجرة أمره أن يأتيه بشيء، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود..
الحديث. أخرجه أحمد (1 / 114) وابن سعد وابن جرير (162 / 19 و 20) وأبو
يعلى (1 / 409 و 446) ومن طريقه الضياء (2 / 421) وابن أبي عاصم في "
الوحدان " (ق 21 / 2) والطبراني في " الكبير " (9 / 97 / 8516) وقال ابن
جرير: " إسناده صحيح ". قلت: ولعله يعني صحيح بما قبله من الشاهدين، وإلا
فقد أعله هو بعلتين اثنتين، إحداهما قادحة، فقال: " والثانية: أن أم موسى
لا تعرف في نقلة العلم، ولا يعلم راو روى عنها غير مغيرة، ولا يثبت بمجهول
من الرجال في الدين حجة، فكيف مجهولة من النساء؟! ". قلت: وهذه فائدة خلت
منها كتب الرجال، وهي تصريح هذا الإمام بجهالة أم موسى هذه، فقد جاء في "
التهذيب ": " روى عنها مغيرة بن مقسم الضبي، قال الدارقطني: حديثها مستقيم،
يخرج حديثها اعتبارا. وقال العجلي: كوفية تابعية ثقة ". قلت: وهذا
التوثيق غير معتمد لأنها في حكم المجهولة التي لا تعرف، فهو جار على طريقة ابن
حبان في توثيقه للمجهولين، كما هو معلوم، والعجلي هو عمدة الهيثمي في توثيقه
إياه في قوله في " المجمع " (9 / 288 - 289) :(6/572)
" رواه أحمد وأبو يعلى
والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح غير أم موسى، وهي ثقة ". ولذلك لم يزد
الحافظ على قوله فيها: " مقبولة ". قلت: يعني عند المتابعة، وهو ما أفاده
كلام الدارقطني المتقدم، وقد توبعت كما تقدم، فهو حسن لغيره، خلافا للمعلق
على " أبي يعلى " وعلى " الضياء "! والله أعلم.
2751 - " نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس، فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد،
الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر
ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك،
فيتبعونه ".
أخرجه أحمد (3 / 345) والدارمي في " الرد على الجهمية " (ص 58) من طريق
ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابرا رضي الله عنه عن الورود؟
فأخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا
إسناد صحيح، رجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه قد ضعف من قبل حفظه، ولكن هذا
الحديث مما حفظه، لأنه قد تابعه عليه ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه
سمع جابر بن عبد الله به، إلا أنه لم يصرح برفعه، لكن له حكم الرفع كما هو
ظاهر، لاسيما وقد صرح برفعه في بعض الطرق عنه، وفي غيرها كما يأتي. وقد
رواه عنه ثلاثة من الثقات: الأول: أبو عاصم - وهو الضحاك بن مخلد النبيل،
ثقة ثبت - قال: حدثنا ابن جريج به موقوفا، لكنه قال في آخره: " قال: فيتجلى
لهم - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - يضحك ".(6/573)
أخرجه أبو
عوانة في " صحيحه " (1 / 139) . وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. الثاني:
حجاج بن محمد عن ابن جريج به موقوفا. أخرجه أبو عوانة، وعبد الله بن أحمد في
" السنة " (ص 48) بإسنادهما الصحيح عنه. الثالث: روح بن عبادة، ورواه عنه
جمع: أولهم: الإمام أحمد، فقال: حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج به.
أخرجه في " المسند " (3 / 383) وفي " السنة " (ص 47) ومن طريقه ابن منده
في " الإيمان " (3 / 802 - 803) وابن أبي عاصم في " السنة " (47 - 48)
واللالكائي في " الشرح " (3 / 482 / 835) . وثانيهم: إسحاق بن منصور - وهو
ابن بهرام - من تلامذة الإمام أحمد، وهو ثقة من رجال الشيخين، فقال مسلم في
" صحيحه " (1 / 122) : حدثني عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن منصور كلاهما عن
روح به. وثالثهم: عبيد الله بن سعيد - وهو اليشكري - ثقة مأمون. أخرجه
مسلم في رواية مسلم المذكورة آنفا. وثلاثتهم اتفقوا على قوله: " فيتجلى لهم
يضحك "، لكن اختلف فيه على إسحاق بن منصور، فرواه مسلم عنه هكذا وتابعه محمد
بن نعيم ومحمد بن شاذان قالا: حدثنا إسحاق بن منصور به. أخرجه ابن منده (3
/ 804) من طريق محمد بن يعقوب الشيباني عنهما. والشيباني هذا هو ابن الأخرم
، وهو ثقة حافظ مترجم في " تذكرة الحفاظ " وغيره.(6/574)
وخالفه علي بن محمد عن
محمد بن نعيم: حدثنا إسحاق بن منصور به، إلا أنه زاد: " وسمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: حتى تبدو لهواته وأضراسه ". أخرجه ابن منده عقب
رواية ابن الخرم، وقال: " ولم يذكر من تقدم هذا ". قلت: يشير إلى أن هذه
الزيادة منكرة أو شاذة على الأقل لتفرد علي بن محمد بها، وهو علي بن محمد بن
نصر، فإنه فيه بعض اللين كما في " تاريخ بغداد " (12 / 76) و " الميزان "
لاسيما وقد زادها على الحافظ ابن الأخرم، وقد أشار صاحبنا الدكتور علي بن
محمد بن ناصر الفقيهي في تعليقه على " الإيمان " إلى تفرد علي بن محمد بن نصر
هذا بهذه الزيادة، وإلى ما فيه من اللين، ولكنه قد فاته أنه قد توبع، فقال
أبو عوانة (1 / 139) : وحدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل وأحمد أخي قالا:
حدثنا إسحاق بن منصور به، إلا أنه قال: " أو أضراسه ". قلت: أحمد أخو أبي
عوانة لم أعرفه، لكن عبد الله بن أحمد بن حنبل ثقة مشهور، وبذلك تبرأ ذمة
ابن نصر من مسؤولية هذه الزيادة، ويتبين أنها محفوظة عن إسحاق بن منصور،
برواية عبد الله بن أحمد وقرينه عنه، لكن ذلك مما لا يجعل النفس تطمئن لكونها
محفوظة في الحديث، وذلك لما يأتي: أولا: أن مسلما رواه عن إسحاق بدون
الزيادة كما تقدم. ثانيا: أنه قد خالفه الإمام أحمد وعبيد الله بن سعيد
فروياه عن روح بن عبادة دون الزيادة كما سبق، واثنان أحفظ من واحد، لاسيما
وأحدهما أحمد، وهو جبل في الحفظ، وبخاصة أن إسحاق قد وافقهما في رواية مسلم
عنه. ثالثا: أننا لو سلمنا أن إسحاق قد حفظها عن روح بن عبادة، ولم تكن
وهما(6/575)
منه عليه، فإن مما لا شك فيه، أن رواية من رواه عن روح بدونها أرجح،
لموافقتها لرواية الثقتين الأولين أبي عاصم وحجاج بن محمد الخالية من الزيادة
. رابعا: أنني وجدت للحديث طريقا أخرى عن جابر فيها بيان أن هذه الزيادة
موقوفة منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم من فعله، فقد أخرج الآجري في "
الشريعة " (ص 282) من طريق وهب بن منبه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم في قصة الورود قال: " فيتجلى لهم ربهم عز وجل يضحك ". قال
جابر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو لهواته. قلت:
وإسناده حسن، وفيه بيان خطأ رواية من روى عن إسحاق رفع بدو اللهوات، وأن
الصواب فيه الوقف يقينا. والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا وللحديث شاهد من
حديث أبي هريرة نحوه مضى تخريجه برقم (756) ولجملة تجليه تعالى ضاحكا شواهد
، منها عن أبي موسى الأشعري تقدم أيضا برقم (755) . وقد أخرجها الدارقطني في
" النزول " (48 / 33) من طريق يحيى بن إسحاق أبي زكريا السيلحيني: حدثنا ابن
لهيعة عن أبي الزبير بسنده المتقدم. ويحيى هذا قال الحافظ: (2 / 420) : "
هو من قدماء أصحاب ابن لهيعة ".
2752 - " إن هذا الحي من مضر، لا تدع لله في الأرض عبدا صالحا إلا فتنته وأهلكته حتى
يدركها الله بجنود من عباده، فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعة ".
أخرجه أحمد (5 / 390) والبزار (4 / 127 / 3360) والحاكم (4 / 469 - 470
) وابن عساكر (8 / 809) من طريق قتادة عن أبي الطفيل قال:(6/576)
انطلقت أنا
وعمرو بن صليع حتى أتينا حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: فذكره. وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه
الذهبي. وله طريقان آخران، بل ثلاثة طرق: الأول: عن عبد الرحمن بن ثروان (1) عن عمرو بن حنظلة قال: قال حذيفة: " والله لا تدع مضر عبدا لله مؤمنا إلا
فتنوه أو قتلوه، أو يضربهم الله والملائكة والمؤمنون، حتى لا يمنعوا ذنب
تلعة ". فقال له رجل: أتقول هذا يا عبد الله! وأنت رجل من مضر؟ قال: لا
أقول إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد (5 / 395) وابن
أبي شيبة في " المصنف " (15 / 111 / 19249) ومن طريقه الطبراني في " الأوسط
" (2 / 110 / 2 / 6727) من طريق عبد الله بن نمير: حدثنا الأعمش عن عبد
الرحمن بن ثروان به. وقال الطبراني: " لم يروه عن الأعمش إلا عبد الله بن
نمير ". قلت: هو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه إلا عمرو بن حنظلة،
قال الحافظ في " التعجيل ": " وثقه ابن حبان، وذكره ابن أبي حاتم، ولم
يذكر فيه جرحا ". قلت: ولم أره في التابعين من " ثقات ابن حبان " - طبعة
الهند بتحقيق الأفغاني، فقلت: لعله أورده في أتباع التابعين، لأنه لم يصرح
بسماعه من حذيفة، فرجعت إلى النسخة المصورة عندي فلم أجده فيهم أيضا (2) .
_________
(1) بسكون الراء كما قيده الحافظ ابن حجر.
(2) ثم وجدته في طبعة المعارف الهندية (5 / 173) برواية أبي قيس الأودي،
وهو عبد الرحمن بن ثروان كما يأتي في الكلام على الطريق الثاني. اهـ.(6/577)
ثم
إن قول الطبراني المذكور آنفا غير مسلم، لأن الحاكم قد أخرجه في " المستدرك "
(4 / 470) من طريق أبي عوانة عن الأعمش به. فقد تابع ابن نمير أبو عوانة،
وقال الحاكم: " حديث صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وهو وهم ظاهر
، لأن عمرو بن حنظلة ليس من رجالهما على ما فيه من الجهالة التي أشار إليها
الحافظ في " التعجيل ". الطريق الثاني: عن عبد الجبار بن العباس الشبامي (
الأصل: الشامي) عن أبي قيس - قال عبد الجبار: أراه - عن هزيل قال: قام
حذيفة خطيبا في دار عامر بن حنظلة، فيها التميمي والمضري، فقال: ليأتين على
مضر يوم لا يدعون لله عبدا يعبده إلا قتلوه، أو ليضربن ضربا لا يمنعون ذنب
تلعة، أو أسفل تلعة. فقيل: يا أبا عبد الله تقول هذا لقومك، أو لقوم أنت -
يعني - منهم؟ قال: لا أقول - يعني - إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول. أخرجه أحمد (5 / 404) قلت: وهذا إسناد جيد، إن كان الشبامي -
نسبة إلى " شبام " جبل باليمن - قد حفظه، فإنه ثقة، وكذا من فوقه وتحته،
وأبو قيس هو عبد الرحمن بن ثروان المتقدم في الطريق الأولى من رواية الأعمش عنه
. ولا شك أن الأعمش أحفظ من الشبامي، ولاسيما وقد شك هذا في إسناده بقوله:
" أراه عن هزيل "، فأخشى أن يكون لم يحفظه. والله أعلم. الثالث: عن منصور
بن المعتمر عن ربعي عن حذيفة قال:(6/578)
ادنوا يا معشر مضر! فوالله لا تزالون بكل
مؤمن تفتنونه وتقتلونه حتى يضربكم الله وملائكته والمؤمنون حتى لا تمنعوا
بطن تلعة. قالوا: فلم تدنينا ونحن كذلك؟ قال: إن منكم سيد ولد آدم، وإن
منكم سوابق كسوابق الخيل. أخرجه ابن أبي شيبة (15 / 111 / 19248) والبزار (
3362) . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وربعي هو ابن حراش. ثم وجدت
لربعي شيخا آخر فقال: حدثنا سيف بن وهب قال: قال لي أبو الطفيل: كم أتى عليك
؟ ... الحديث، وفيه أن عمرو بن ضليع كانت له صحبة، وأنه دخل على حذيفة فقال
له: كيف أصبحت؟ ... وفيه أن حذيفة حدثه بهذا الحديث نحوه. أخرجه البخاري في
" الأدب المفرد " (رقم 1135) ، وحسن الحافظ إسناده في " الإصابة "، ولعله
يعني أنه حسن لغيره، لهذه الطرق، وإلا فسيف لين الحديث عنده في " التقريب "
، ومن هذا الوجه أخرجه ابن عساكر أيضا. وللحديث شاهد بنحوه، ولفظه: "
لتضربن مضر عباد الله حتى لا يعبد لله اسم، وليضربنهم المؤمنون حتى لا يمنعوا
ذنب تلعة ". أخرجه أحمد (3 / 86 - 87) : حدثنا خلف بن الوليد حدثنا عباد بن
عباد عن مجالد ابن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. قلت: وهذا
إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير مجالد بن سعيد، وليس بالقوي كما في " التقريب "
.(6/579)
وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 313) : " رواه أحمد، وفيه مجالد
بن سعيد، وثقه النسائي، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات ". قلت: إنما
وثقه النسائي مرة، وقال مرة أخرى: ليس بالقوي، كما في " التهذيب "، وقد
أورده في كتابه " الضعفاء والمتروكون "، وقال (رقم 552) : " كوفي ضعيف ".
وخلف بن الوليد ثقة من رجال " التعجيل "، وقد تابعه إبراهيم بن زياد، سبلان
قال: حدثنا عباد بن عباد به دون قوله: " وليضربنهم المؤمنون.. ". أخرجه
اللالكائي في " أصول السنة " (1 / 210 / 342) . وعزاه السيوطي في " الجامع
الكبير " لأحمد وحده، ووقع فيه: ".. حتى لا يعبد الله "، فكأنه تحرف على
الناسخ قوله: " حتى لا يعبد لله اسم ". واستدل به اللالكائي على أن الاسم
والمسمى واحد، ونعم الدليل لو صح بهذا اللفظ. والله أعلم.
2753 - " قل: " اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السماوات والأرض، رب كل شيء
ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ". قله
إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك ".
حديث صحيح، يرويه يعلى بن عطاء قال: سمعت عمرو بن عاصم الثقفي يقول: سمعت
أبا هريرة يقول: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله! مرني
بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت. قال: فذكره.(6/580)
قلت: وهذا إسناد صحيح،
الثقفي هذا وثقه أحمد وابن حبان. ويعلى بن عطاء ثقة من رجال مسلم، وقد
رواه عنه شعبة وهشيم. أما الأول، فرواه عنه جمع من الثقات: 1 - أبو داود
الطيالسي، قال في " مسنده " (2582) : حدثنا شعبة به. ومن طريق الطيالسي
أخرجه الترمذي (3389) وقال: " حديث حسن صحيح ". 2 - محمد بن جعفر، غندر،
قال ابن أبي شيبة (10 / 237 / 9323) وأحمد (2 / 297) قالا: حدثنا محمد
جعفر حدثنا شعبة به. وأخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد " (ص 74 و 94 -
هندية) والنسائي في " الكبرى " (4 / 408 / 7714) قالا: حدثنا محمد بن بشار
: حدثنا غندر به، إلا أنه وقع في الموضع الثاني من " الأفعال " زيادة يأتي
الكلام عليها إن شاء الله. 3 - سعيد بن الربيع: حدثنا شعبة به. أخرجه
البخاري في " الأفعال "، وفي " الأدب المفرد " (رقم 1202) . 4 - سعيد بن
عامر عن شعبة به. أخرجه الدارمي (2 / 292) : أخبرنا سعيد بن عامر به. 5 -
النضر بن شميل: حدثنا شعبة به. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2349 - موارد)
. 6 و 7 - بهز وعفان قالا: حدثنا شعبة به. أخرجه أحمد (1 / 9 و 10) .(6/581)
وأخرجه النسائي في " اليوم والليلة " (795) والطبراني في " الدعاء " (2 /
923 / 288) من طرق أخرى عن شعبة به. وأما الآخر: هشيم، فرواه عنه جمع آخر
من الثقات عن يعلى به. أخرجه البخاري في " الأفعال " و " الأدب "، وأبو داود
(5067) والنسائي (4 / 401 / 7691 و 403 / 7699) والحاكم (1 / 513)
وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 26) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم
43) من طرق عنه، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وصرح
عنده هشيم بالسماع. (تنبيه) : حديث أبي هريرة هذا أورده ابن تيمية في "
الكلم الطيب " (رقم 42) برواية الترمذي فقط إلى قوله: " وشركه ". وقال
ابن تيمية عقبه: " وفي رواية: " وأن أقترف على نفسي سوءا، أو أجره إلى
مسلم، قله إذا أصبحت.. ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح ". فعلقت عليه بأن
هذه الرواية ليست عند الترمذي من حديث أبي هريرة، وإنما من حديث ابن عمرو.
ثم رأيت ابن القيم قد زاد على شيخه وهما على وهم في " الوابل الصيب " فحذف قوله
: " وفي رواية "! فصارت الزيادة صراحة في حديث الترمذي عن أبي هريرة! وهو
خطأ ظاهر. ولم يتعرض الشيخ إسماعيل الأنصاري في تعليقه على " الوابل " (ص
202) كعادته لبيان هذا الوهم، وإنما قال: إنه قد جاء قوله: " أن أقترف..
" في حديث أبي هريرة عند البخاري في " خلق أفعال العباد "، ثم ساق إسناده من
طريق محمد بن بشار عن غندر. وقد علمت أن هذه الزيادة لم تقع عند البخاري(6/582)
في
الموضع الأول. وهي بلا شك ليست في حديث غندر، لأن أحمد رواه عنه كذلك، فهي
زيادة شاذة عن شعبة لمخالفتها لرواية جمع الثقات عنه، ومتابعة هشيم له كما
تقدم. فلعلها مدرجة من بعض النساخ. نعم هي ثابتة في حديث ابن عمرو وأبي مالك
كما ذكرت هناك في التعليق على " الكلم الطيب " (ص 33) ويأتي تخريجها (2763
) . ووجدت لها طريقا أخرى من رواية ليث عن مجاهد قال: قال أبو بكر الصديق:
.. فذكر نحوه بالزيادة. أخرجه أحمد (1 / 14) . قلت: وهو مرسل، وليث -
وهو ابن أبي سليم - ضعيف. (تنبيه آخر) لقد تحرفت جملة: " ورب كل شيء
ومليكه " إلى جملة شاذة بمرة " كل شيء بكفيك "، هكذا وقعت في " الأدب المفرد "
في كل الطبعات التي وقفت عليها، ومنها الهندية، وهي أصحها. وكذلك وقعت في
متن شرح الشيخ فضل الله الجيلاني! وهي خطأ بلا شك من بعض نساخ " الأدب "،
لمخالفتها لكل مصادر الحديث المتقدمة، ومنها " أفعال العباد " للبخاري مؤلف "
الأدب " مما لا يبقى أدنى ريب في خطئها. والحديث مما ضعفه (حسان الهدام)
بدون حجة أو برهان، ولم يرض بتصحيح من تقدم ذكره وغيرهم مما لم نذكره هنا،
وإنما اقتصر على تحسينه إياه على استحياء! مشككا فيه بقوله فيه: " حديث حسن
إن شاء الله تعالى "، وقد أكثر من مثل هذا التشكيك في كثير من الأحاديث
الصحيحة في تخريجه لكتاب ابن القيم " إغاثة اللهفان "، وكتم صحة حديث ابن
عمرو، وقد بينت ذلك كله في ردي عليه رقم (29) .(6/583)
2754 - " كان إذا أراد أن ينام وضع يده تحت خده الأيمن، ويقول: اللهم قني عذابك يوم
تبعث عبادك ".
ورد من حديث البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وحفصة بنت عمر. 1 - أما
حديث البراء فيرويه أبو إسحاق السبيعي، وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه:
الأول: عنه عن البراء به. رواه سفيان الثوري عنه به. أخرجه البخاري في "
الأدب المفرد " (1215) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (449 / 753 -
تحقيق الدكتور فاروق) وأحمد (4 / 290 و 298 و 303) وكذلك رواه زكريا -
وهو ابن أبي زائدة - عنه به. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (9 / 76 / 6588
و10 / 251 / 9360) . وكذلك رواه يونس بن عمرو - وهو ابن أبي إسحاق - قال:
قال أبي: حدثني البراء ابن عازب به. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 472)
وعنه ابن حبان في " صحيحه " (2350 - الموارد) من طريق يونس بن بكير عنه وفي
(اليونسين) كلام من جهة حفظهما، فيخشى أن يكون أحدهما أخطأ في ذكر التحديث
بين أبي إسحاق والبراء، ولاسيما وقد رواه أبو يعلى بالسند نفسه عن أبي
إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه، يعني ابن مسعود، وقد توبع كما يأتي. وكذلك
رواه شعبة عن أبي إسحاق به.(6/584)
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (709) والنسائي (
751) لكنه قد خولف كما يأتي. وكذلك رواه أبو الأحوص عن أبي إسحاق به. أخرجه
ابن حبان (2351) . وكذلك رواه جمع آخر عنه عند النسائي فلا نطيل الكلام
بذكرهم، فإن فيمن ذكرنا كفاية. الوجه الثاني: رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن
عبد الله بن يزيد الأنصاري عن البراء بن عازب به. أخرجه أحمد (4 / 300 و 301
) والنسائي (450 / 755) . وعبد الله بن يزيد الأنصاري - وهو الخطمي -
صحابي صغير. الوجه الثالث: يرويه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر
عن البراء به. أخرجه أحمد (4 / 281) وأبو يعلى (2 / 477) والنسائي (754
) . الوجه الرابع: رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله
مرفوعا به. أخرجه النسائي (756) وابن ماجه (3923 - الأعظمي) وابن أبي
شيبة (9 / 76 / 6589 و 10 / 251 / 9361) . وتابعه يونس بن عمرو عن أبيه أبي
إسحاق عند أبي يعلى في رواية كما تقدم في الوجه الأول.(6/585)
الوجه الخامس: رواه
إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن البراء به.
أخرجه النسائي (758) والترمذي (3396) وقال: " هذا حديث حسن غريب من هذا
الوجه ". قلت: وإبراهيم هذا صدوق من رجال الشيخين، ولكنه يهم كما في "
التقريب ". ثم أشار الترمذي إلى هذه الوجوه الخمسة من الاختلاف، ولم يذكر
الراجح منها. والذي يتبين لي أن أصحها الوجه الثالث، لأن الثوري وشعبة أحفظ
من أصحاب الوجوه الأخرى من جهة، ولأنهما سمعا من أبي إسحاق قبل اختلاطه من
جهة أخرى. ثم إن رواية شعبة أرجح من رواية الثوري لأمرين: أحدهما: أن فيها
زيادة الواسطة بين أبي إسحاق والبراء، وزيادة الثقة مقبولة، والآخر: أن
أبا إسحاق كان مدلسا، وقد ذكروا أن شعبة كان لا يروي عنه ما دلسه (1) وعليه
فالإسناد من هذا الوجه صحيح، لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود ثقة ومعه
الرجل الآخر الذي قرن به، فهو وإن لم يسم، فإنه ينفعه ولا يضره. والله
أعلم. 2 - وأما حديث حذيفة، فرواه عنه عن ربعي بن حراش عنه مرفوعا. أخرجه
الترمذي (3395) والحميدي (444) وأحمد (5 / 382) عن سفيان بن عيينة عن
عبد الملك بن عمير عنه. وقال الترمذي:
_________
(1) قال: ثلاثة كفيتكم تدليسهم: فذكر أبا إسحاق.(6/586)
" حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على
شرط الشيخين، وهو عند البخاري (6312) وفي " الأدب المفرد " (1205) وابن
حبان (5507) وأحمد (5 / 385 و 397 و 399 و 407) والنسائي (747) من طريق
الثوري عن عبد الملك به، لكن بلفظ: " باسمك أموت وأحيا "، وزاد: " وإذا
قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ". ثم رواه هو (
6314) و (6324) وأحمد (5 / 387) والبغوي في " شرح السنة " (1) ،
والترمذي (3413) وصححه، والنسائي (857 - 860) من طرق أخرى عن عبد الملك
وغيره به. 3 - وأما حديث حفصة، فيرويه عاصم بن بهدلة [عن معبد بن خالد] عن
سواء الخزاعي عنها به، وزاد: " ثلاث مرار ". أخرجه أبو داود (5045) وابن
أبي شيبة (10 / 250 / 9358) وأحمد (6 / 287 و 288) وأبو يعلى (4 / 1675
و1681) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (231 - 232) وكذا النسائي
فيه (452 / 761) من طرق عن عاصم به. وما بين القوسين لأبي داود ورواية
للنسائي وابن السني. وليس عند ابن أبي شيبة زيادة " ثلاث مرار "، وهو
رواية لأبي يعلى. قلت: وفي النفس من ثبوت هذه الزيادة شيء، وذلك لأمور:
أولا: لأن مدارها على سواء الخزاعي، ولم يوثقه غير ابن حبان، وأشار الذهبي
إلى تليين توثيقه، فقال في " الكاشف ": " وثق ". وكذا الحافظ بقوله في "
التقريب ": " مقبول ".
_________
(1) وعزاه المعلق عليه لمسلم أيضا، وهو من أوهامه، وإنما هو عنده من حديث
البراء بن عازب. اهـ.(6/587)
قلت: وعليه فهو مجهول، ولا يعكر عليه أنه روى عنه
ثقات ثلاثة: المسيب بن رافع ومعبد بن خالد وعاصم بن بهدلة كما في " التهذيب
"، لأني أقول: إن عاصما هو الراوي عن الأولين، وهو معروف بشيء من الضعف،
فأخشى أنه لم يحفظ إسناده، واضطرب فيه، فمرة قال: " عن سواء "، مباشرة،
وأحيانا رواه بواسطة أحدهما، وهذا أصح، لأنه من رواية الثقات عن عاصم،
والأولى من رواية حماد بن سلمة عنه، وفي روايته عن غير ثابت البناني كلام
معروف. وثانيا: لعدم اتفاق الرواة لحديثه عليها كما سبق. وثالثا: عدم
ورودها في حديث البراء وحذيفة. والله أعلم. وأما الحافظ فقد تناقض، فإنه
قال في " الفتح " (11 / 115) وقد ذكر الحديث من رواية أبي إسحاق عن البراء:
" وسنده صحيح. وأخرجه النسائي أيضا بسند صحيح عن حفصة وزاد: (ويقول ذلك
ثلاثا) "! قلت: ووجه التناقض أنه يعلم أن أبا إسحاق هذا مدلس مشهور بذلك
كما قال هو نفسه في " طبقات المدلسين "، أورده في الطبقة الثالثة، وهي طبقة
من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع،
ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم، كأبي الزبير المكي. وإذا كان
الأمر كذلك فكيف يصحح إسناده وهو قد عنعنه، أضف إلى ذلك أن غيره من الثقات -
وفيهم شعبة - قد أدخل بين أبي إسحاق والبراء واسطة، فلو أنه صحح إسناده من
رواية شعبة عنه، لكان أصاب، لما سبق بيانه. وكذلك تصحيحه لسند حديث حفصة،
وبالزيادة، وهو يعلم أن فيه سواء الخزاعي، وقد قال فيه في " التقريب ":(6/588)
"
مقبول "، كما تقدم. يعني عند المتابعة، كما نص عليه في المقدمة، وإن لم
يتابع فلين الحديث. وهو لم يتابع كما عرفت، فتصحيح الحديث والحالة هذه خطأ
أيضا. والله أعلم، أضف إلى ذلك أن الزيادة (ثلاث مرار) لم ترد في الحديثين
الصحيحين: حديث البراء وحديث حذيفة، وبذلك يتبين أن قول الشيخ عبد القادر
أرناؤوط في تعليقه على " الوابل الصيب " (ص 127) : " وهو حديث صحيح ". فهو
غير صحيح، وهو كثيرا ما يقول هذا في بعض الأحاديث توهما أو تقليدا. والله
أعلم. (تنبيه) : هذا الدعاء " اللهم قني.. " قد جاء في " صحيح مسلم "
وغيره من طريق ثابت بن عبيد عن عبيد بن البراء عن البراء بلفظ: " كنا إذا صلينا
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه.
قال: فسمعته يقول: رب قني عذابك يوم تبعث (أو تجمع) عبادك ". وعبيد هذا
ليس بالمشهور، حتى أن البخاري لما ذكره في " التاريخ الكبير " (3 / 1 / 443)
لم يزد فيه على قوله: " عن أبيه "! ونحوه في " الجرح والتعديل " (2 / 2 /
402) إلا أنه قال: " روى عنه محارب بن دثار ". ولم يزد في " التهذيب " عليه
سوى ثابت بن عبيد هذا، ولم ينقل توثيقه عن(6/589)
أحد سوى العجلي. وفاته أن ابن
حبان وثقه أيضا، فذكره في " الثقات " (5 / 135) لكنه غمز من حفظه، فقال
ولم يزد: " عن أبيه، لم يضبطه ". قلت: وكأنه يشير إلى هذا الحديث، فإن
قوله: " فسمعته يقول.. " ظاهره أنه سمعه يقول ذلك بعد الصلاة إذا أقبل عليهم
بوجهه، وهو مخالف لكل الطرق المتقدمة عن البراء - وبعضها صحيح - أنه صلى
الله عليه وسلم كان يقوله عند النوم، فتكون رواية عبيد هذه شاذة في أحسن
الأحوال. ولعله لذلك لم يذكر أبو داود وابن ماجه (1006) هذا الدعاء مع
الحديث. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (628) . والله أعلم. (تنبيه آخر
) : عزاه ابن تيمية في " الكلم الطيب " (36 / 29) للشيخين، وتبعه ابن القيم
في " الوابل " ولم يروه مسلم كما تقدم، وكما في " التحفة " (3 / 23 - 24) .
2755 - " إذا أصاب أحدكم غم أو كرب فليقل: الله، الله ربي لا أشرك به شيئا ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2369 - موارد) والطبراني في " المعجم الأوسط "
(2 / 22 / 2 / 5423) من طريق إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن البرند: حدثنا
عتاب بن حرب أبو بشر حدثنا أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن عائشة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع أهل بيته فيقول: فذكره. وقال الطبراني
:
" لم يروه عن أبي عامر الخزار إلا عتاب، تفرد به إبراهيم بن محمد بن عرعرة ".(6/590)
قلت: وهو ثقة حافظ من شيوخ مسلم. لكن شيخه عتاب بن حرب أبو بشر ضعفوه،
وتناقض فيه ابن حبان، انظر " اللسان ". ومن فوقه من رجال مسلم، على ضعف في
أبي عامر الخزار، واسمه صالح بن رستم. والحديث عزاه الهيثمي في " المجمع "
(10 / 137) لأوسط الطبراني، ولم يتكلم عليه بشيء، ولعله سقط من الناسخ أو
الطابع، وتبعه على ذلك الشوكاني في " تحفة الذاكرين " (ص 195) . وللحديث
شاهدان من حديث ابن عباس وأسماء بنت عميس. 1 - وأما حديث ابن عباس فيرويه
عبيد الله بن محمد التيمي: حدثنا صالح بن عبد الله أبو يحيى عن عمرو بن مالك
النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ
بعضادتي الباب ونحن في البيت، فقال: يا بني عبد المطلب هل فيكم أحد من غيركم
؟ قالوا: ابن أخت لنا. فقال: " ابن أخت القوم منهم ". ثم قال: " يا بني
عبد المطلب إذا نزل بكم كرب أو جهد أو لأواء فقولوا: الله، الله ربنا لا شريك
له ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (12 / 170 / 12788) و " الأوسط " (2 /
235 / 1 / 8639) و " الدعاء " (117 / 2) وقال: " لم يروه عن أبي الجوزاء
إلا عمرو بن مالك، ولا عن عمرو إلا صالح بن عبد الله، تفرد به ابن أبي عائشة
". قلت: وهو ثقة، وكذلك من فوقه غير صالح بن عبد الله، كذا وقع في
المصدرين المذكورين، وفي " الميزان ":(6/591)
" صالح بن عبيد الله الأزدي عن أبي
الجوزاء. قال أبو الفتح الأزدي: في القلب منه شيء ". كذا فيه: " عبيد "
مصغرا، وكذا في " اللسان "، وزاد: " وقال العقيلي: بصري، يكنى أبا يحيى
، عن عمرو بن مالك إسناده غير محفوظ، والمتن معروف بغير هذا الإسناد، وقال
البخاري: فيه نظر ". قلت: ولم أره في " الجرح والتعديل "، ولا في "
التاريخ الكبير " و " التاريخ الصغير " للبخاري. هذا ولعل العقيلي يشير بقوله
: " والمتن معروف بغير هذا الإسناد " إلى حديث أسماء الآتي، وهو: 2 - وأما
حديث أسماء بنت عميس، فله عنها طريقان: الأول: يرويه مجمع بن يحيى: حدثني
أبو العيوف صعب أو صعيب العنزي قال: سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: فذكره نحوه، ولفظه: " من أصابه
هم أو غم أو سقم أو شدة فقال: " الله ربي لا شريك له " كشف ذلك عنه ". أخرجه
البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 2 / 328 / 3006) والطبراني في " المعجم
الكبير " (24 / 154 / 396) و " الدعاء " أيضا. قلت: ورجاله ثقات غير أن
أبا العيوف لم يوثقه غير ابن حبان، لكن قد ذكر له في " الثقات " (3 / 119)
راويا آخر غير مجمع بن يحيى وهو أبو الغريف الهمداني، وهو تابعي ثقة أيضا
واسمه عبد الله بن خليفة، وله عنده ترجمة (3 /(6/592)
147) ، فهو - أعني أبا العيوف
- ممن يستشهد به، إن لم يكن حسن الحديث لذاته. والله أعلم. والطريق الآخر
: يرويه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن هلال مولى عمر بن عبد العزيز، عن
عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن جعفر عن أمه أسماء بنت عميس قالت: علمني
رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن عند الكرب: " الله، الله ربي، لا
أشرك به شيئا ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 2 / 329) وأبو
داود (1525) وابن ماجه (3928) وكذا النسائي في " عمل اليوم والليلة " (
رقم 649) وابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 196 / 9205) وأحمد (6 / 369
) والطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 135 / 363) و " الدعاء " أيضا،
وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 360) من طرق عنه، وقال أبو نعيم: " غريب من
حديث عمر، تفرد به ابنه عن هلال مولاه عنه ". قلت: وابنه عبد العزيز بن عمر
ثقة من رجال الشيخين، وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه ذكرها الحافظ المزي
وأفاد أن المحفوظ ما ذكرنا. وعلى ذلك نستطيع أن نقول: إنه إسناد حسن أو
صحيح، فإن سائر رجاله ثقات أيضا رجال الشيخين غير هلال هذا، " يكنى بـ " أبي
طعمة " وهو بها أشهر، وثقه ابن عمار الموصلي، وروى عنه جمع، وأما الحافظ
فقال: مقبول، ولم يثبت أن مكحولا رماه بالكذب ". هذا ما كنت قلته في تخريج
الحديث في " صحيح أبي داود " (1364) اعتمادا مني على ما في " كنى التهذيب "
و" التقريب "، ثم ذهلت عن هذه(6/593)
الترجمة حين علقت على الحديث في حاشية " الكلم
الطيب " (ص 73) ، وكان ذلك وأنا بعيد عن بلدي وكتبي، فزعمت ثمة أن هلالا
لم يترجم له في " التهذيب " وغيره! فكانت هفوة مني، ليبتلي بها الله تعالى
من شاء من عباده، فاستغلها بعض الحاقدين الحاسدين الذين يتتبعون عثرات
المؤمنين، فطبلوا وزمروا حولها ما شاء لهم التطبيل والتزمير، وبخاصة منهم
الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، والشيخ إسماعيل الأنصاري، فقد كتب هذا تعليقا
حولها على " الوابل الصيب " نحو صفحتين (236 - 237) بالحرف الصغير، لا
يستفيد منها القارىء شيئا يتعلق بالحديث تصحيحا أو تضعيفا، اللهم إلا النقل من
بعض كتب التراجم مما يحسنه المبتدىء في هذا العلم! مع بعض الأوهام التي لا
مجال الآن لبيانها لأن القصد أن تلك الهفوة دفعتني مجددا لدراسة هلال هذا،
وهل هو أبو طعمة أم غيره؟ فرجعت إلى المصادر القديمة التي هي عمدة المتأخرين في
التراجم كالبخاري وابن أبي حاتم وغيرهما، فوجدت هذا قد أورد (أبو طعمة) في
" الكنى " من " الجرح والتعديل " وقال (4 / 2 / 398) : ".. قارىء أهل مصر
، سمع ابن عمر، روى عنه ابنا يزيد بن جابر وعبد الله بن عيسى وابن لهيعة ".
فهذا النص منه يشعر أنه يفرق بين أبي طعمة، وبين هلال، وذلك من وجوه: أولا
: أنه ترجم لهلال ترجمة مختصرة في " الأسماء " في نفس الجزء (ص 77) فقال: "
روى عن عمر بن عبد العزيز، روى عنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ".(6/594)
وهو
في ذلك تابع للبخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 209) . فلم يكنياه بأبي طعمة،
ولا أشار إلى ذلك أدنى إشارة. وتابعهما في ذلك ابن حبان فذكره في " ثقات
أتباع التابعين " (7 / 575) . ثانيا: أنهما لما ترجما له في " الكنى " بما
تقدم لم يشيرا أيضا إلى أنه هلال المتقدمة ترجمته في (الأسماء) . ثالثا: أن
الناظر المتأمل في ترجمتيهما يجد أنهما ليسا في طبقة واحدة، فمن سمع ابن عمر
يكون " تابعيا "، ومن روى عن عمر بن عبد العزيز - وهو تابعي - يكون عادة من
أتباع التابعين، وإن كان هذا لا يمنع أن يكون مثله في الطبقة فيكون من رواية
الأقران بعضهم من بعض، أو على الأقل من رواية الأكابر عن الأصاغر سنا، كل هذا
محتمل عندي، ولكن الأمر يحتاج إلى دليل، لذلك تابعت التحقيق والبحث في ذلك
، ولاسيما وقد رأيت المتأخرين من العلماء قد جعلوهما واحدا، فوجدت ما يأتي:
أولا: قال الإمام أحمد في " العلل ومعرفة الرجال " (1 / 295) : " أبو طعمة
، هذا شامي، روى عنه عبد العزيز بن عمر، وروى عنه ابن جابر وابن لهيعة ".
فذكر عبد العزيز بن عمر في جملة من روى عن أبي طعمة، فأفاد أنه هلال نفسه
ويؤيده قولي: ثانيا: أنني رأيت الإمام أحمد قال في " المسند " (2 / 25) :
حدثنا وكيع: حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبي طعمة مولاهم، وعن
عبد الرحمن ابن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول: قال رسول(6/595)
الله صلى
الله عليه وسلم: " لعنت الخمرة على عشرة وجوه.. " الحديث. وقد رواه ابن
لهيعة وغيره عن أبي طعمة به. وهو مخرج في " الإرواء " (5 / 365 / 1529)
وقال ابن لهيعة في رواية: " لا أعرف أيش اسمه ". أخرجه أحمد (2 / 71) . قلت
: فقول ابن لهيعة هذا يدل على أن أبا طعمة غير مشهور باسمه، ولذلك كنت قلت في
" صحيح أبي داود: " وهو بكنيته أشهر ". فتبين لي مما تقدم أن هلالا هو أبو
طعمة كما جزم بذلك الذهبي وغيره. وإذا كان الأمر كذلك، فهو ثقة كما قال
الذهبي في كنى " الكاشف "، خلافا لقول الحافظ: " مقبول " لرواية جمع من
الثقات عنه وتوثيق ابن عمار الموصلي إياه، وبناء عليه يختلف حكمنا على
الحديث عما قلناه سابقا في التعليق على " الكلم الطيب " أنه حسن، ويصير صحيحا
لذاته، ويزداد قوة بالطريق الأولى عن أسماء، وبشاهديه عن عائشة وابن عباس
، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله تعالى. (
تنبيه) : لفظ الحديث عند ابن حبان في " الموارد ": " الله الله ربي، لا أشرك
به شيئا، الله الله ربي، لا أشرك به شيئا ". هكذا مرتين، فلا أدري إذا كانت
الرواية عنده هكذا، أو أنه خطأ مطبعي، ويرجح الأول أن الجزري ذكره كذلك
برواية ابن حبان في " عدة الحصن الحصين " (ص 194) خلافا لشرحه " التحفة "
للشوكاني " وخلافا لـ " الإحسان " (2 / 112 / 861) .(6/596)
(تنبيه ثان) : ذكر
المنذري في " الترغيب " (3 / 43) عقب عزوه حديث أسماء لأبي داود والنسائي
وابن ماجه قال: " ورواه الطبراني في " الدعاء " وعنده: " فليقل: الله ربي
لا أشرك به شيئا ثلاث مرات "، وزاد: وكان ذلك آخر كلام عمر بن عبد العزيز
عند الموت ". فنقل الشوكاني هذا العزو في شرحه المذكور، لكنه قدم وأخر فقال
: " وزاد الطبراني في " الدعاء ": ثلاث مرات. وأخرجه أيضا ابن ماجه ".
فأوهم أن الحديث عند ابن ماجه بالزيادة، وليس كذلك، ثم إنني لم أقف على
إسنادها، لأن كتاب " الدعاء " للطبراني لم أقف عليه، وما أظنه يصح، والله
أعلم. ثم حظيت بنسخة جيدة مصورة من كتاب " الدعاء "، وهبها لي مع مصورات أخرى
قيمة أحد إخواننا الطيبين من طلاب الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة جزاه
الله خيرا، فإذا إسناد تلك الزيادة لا تصح كما ظننت، قال الطبراني (ق 117 /
1 - 2) : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي أخبرنا إبراهيم بن بشار الرمادي حدثنا
سفيان بن عيينة عن مسعر عن عبد العزيز بن عمر عن أبيه عمر بن عبد العزيز بن
مروان عن أسماء بالرواية والزيادة التي ذكرها المنذري! وذلك من تساهله الذي
كنت شرحته في مقدمة كتابي " صحيح الترغيب "، فإن الغلابي هذا كان يضع الحديث.
وقد خولف في إسناده ومتنه، فرواه الطبراني أيضا والنسائي في " عمل اليوم
والليلة " (650) بسند صحيح عن جرير عن مسعر قال: عن عبد العزيز بن عمر عن
أبيه قال: فذكره هكذا مرسلا وبلفظ: " سبع مرات ".(6/597)
وهذه أصح من الأولى،
ولكنها لا تصح أيضا لإرسالها، وقد عزاها ابن تيمية في " الكلم الطيب " (رقم
121) لأبي داود، وهو وهم تبعه عليه ابن القيم في " الوابل الصيب "، ولم
يتنبه لذلك محققه الشيخ عبد القادر (ص 148 - 149) على الرغم من أنني كنت نبهت
عليها في تعليقي على " الكلم الطيب "، فذكرت يومئذ أنني لم أرها، وأنه لعلها
محرفة أو سهو من رواية (ثلاث) ، فقد خرجها الطبراني في " الدعاء " له.
والآن وقد من الله علي بالحصول على الكتاب، فقد ظهر أن كلا من الروايتين
ضعيفتان، ورواية الثلاث أشد ضعفا من الأخرى. والله ولي التوفيق.
2756 - " لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه
الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما
أمرت به ".
حديث صحيح، يرويه حبيب بن أبي ثابت عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن
أبيه عن أبي بن كعب مرفوعا. وقد اختلف عليه في رفعه، وفي ذكر (ذر) في
إسناده. أما الرفع، فرواه الأعمش عنه به. أخرجه الترمذي (2253) والنسائي
في " عمل اليوم " (521 / 934) قالا - والسياق للترمذي -: حدثنا إسحاق بن
إبراهيم بن حبيب بن الشهيد البصري حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الأعمش عن حبيب بن
أبي ثابت به. وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات
رجال الشيخين غير إسحاق هذا، وهو(6/598)
ثقة، وابن أبي ثابت وإن كان مدلسا، فقد
صرح بالتحديث في رواية شعبة الآتية عنه، وذر هو ابن عبد الله المرهبي.
وبهذا الإسناد رواه ابن السني (293) من وجه آخر عن إسحاق به إلا أنه لم يذكر (
ذرا) في إسناده، فلا أدري إذا كان ذلك من الناسخ أو الطابع، أو هكذا الرواية
عنده، فإنه رواها عن شيخه محمد بن علي بن بحر عن إسحاق، وقد ترجم الخطيب
لابن بحر هذا وقال: توفي سنة تسع وتسعين ومائتين، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، فإن كان هو الذي أسقطه، فهو دليل على أنه لم يحفظه، فتكون روايته
على كل حال شاذة، بل منكرة.
ويؤكد ذلك أن إسحاق قد توبع على ذكره لذر في الإسناد من غير واحد.
1 - عياش بن الوليد الرقام - وهو ثقة من شيوخ البخاري - عن ابن فضيل به.
أخرجه النسائي (251 / 934) . 2 - محمد بن يزيد الكوفي: حدثنا ابن فضيل به،
وزاد: " فإنها من روح الله تبارك وتعالى ". أخرجه عبد الله بن أحمد في "
المسند " (5 / 123) قال: حدثنا أبي حدثنا محمد ابن يزيد الكوفي.. قلت:
هكذا وقع فيه: " حدثنا أبي، وأظنه مقحما من بعض النساخ أو الطابع، وأن
الحديث من رواية عبد الله عن محمد بن يزيد، فهو من زياداته على " مسند أبيه "
. ثم رأيت ابن كثير عزاه إليه في " جامع المسانيد " (1 / 115 / 86) والحافظ
في " أطراف المسند " (1 / 215 / 53) وكذلك صنع السيوطي في " الجامع الكبير "
.(6/599)
ومحمد بن يزيد هذا هو أبو هشام الرفاعي، وهو ضعيف عند البخاري وغيره.
وأما الإسناد، فقد خالفهم علي بن المديني فقال: حدثنا محمد بن فضيل: حدثنا
الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن عبد الرحمن به مرفوعا. فلم يذكر في
إسناده (ذرا) . أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 398) . وابن
المديني ثقة ثبت من شيوخ البخاري، فالظاهر أن ابن أبي ثابت هو الذي أسقط (ذرا
) ودلسه، بدليل رواية شعبة الآتية، وقد رواه غير ابن فضيل مدلسا، فقال ابن
أبي شيبة في " المصنف " (10 / 217) : حدثنا أسباط عن الأعمش عن حبيب ابن أبي
ثابت عن سعيد به إلا أنه أوقفه على أبي ولم يرفعه. وكذلك رواه البخاري في "
الأدب المفرد " (رقم 719) عن ابن أبي شيبة. وقد خولف في وقفه، فقال عبد
الله بن أحمد في " زوائده " (5 / 123) : حدثني أبو موسى محمد بن المثنى:
حدثنا أسباط بن محمد القرشي به إلا أنه رفعه فقال: عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره. وبهذا الإسناد رواه النسائي أيضا (520 / 933) . وأسباط
ثقة من رجال الشيخين، فالسند صحيح مرفوعا وموقوفا لولا تدليس ابن أبي ثابت
وإسقاطه لذر. لكن قد أثبته جرير فقال: عن الأعمش عن حبيب عن ذر عن سعيد به،
إلا أنه لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووقفه على أبي. أخرجه
النسائي (521 / 936) ومن طريقه الطحاوي. وجملة القول أنه قد اختلف الرواة
في حديث الأعمش هذا عن حبيب، فمنهم من رفعه، ومنهم من أوقفه، ومنهم من ذكر
فيه (ذرا) ، ومنهم من لم يذكره. ولكن من تأمل في تخريجنا هذا تبين له أن
أكثرهم رفعه وذكر (ذرا) ،(6/600)
فيكون هذا أرجح، ولاسيما ومعهم زيادة، وزيادة
الثقة مقبولة كما هو مشروح في " علم المصطلح ". ومما يرجح زيادة (ذر) في
الإسناد أن شعبة قد تابع الأعمش عليها، فرواه النسائي رقم (938 و 939) من
طريق ابن أبي عدي، والنضر بن شميل، وأحمد في " مسائل ابنه صالح " (ص 58)
عن يحيى بن سعيد، ثلاثتهم عن شعبة عن حبيب عن ذر عن سعيد عن أبيه عن أبي،
ولم يرفعاه. ومن طريق النسائي أخرجه الطحاوي، وقال: " قال النسائي: وهو
الصواب ". يعني الوقف. قلت: لكن قد رواه الثقة عن شعبة به مرفوعا، فقال عبد
بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 27 / 1) : حدثنا مسلم بن إبراهيم -
وتابعه سهل بن حماد عند النسائي (937) قالا -: حدثنا شعبة به عن أبي بن كعب:
أن الريح هاجت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبها رجل، فقال: " لا
تسبها فإنها مأمورة، ولكن قل.. " فذكر الدعاء. قلت: وهذا إسناد صحيح على
شرط الشيخين، ومسلم بن إبراهيم - وهو الأزدي الفراهيدي - ثقة مأمون كما قال
الحافظ في " التقريب ". ولا يضره وقف النضر وابن أبي عدي إياه لأنه لا يقال
من قبل الرأي، فهو في حكم المرفوع، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فقد رفعه
الأعمش في رواية الأكثرين عنه كما تقدم. أضف إلى ذلك أن له شاهدا من حديث أبي
هريرة مرفوعا، من طريقين عنه صحح أحدهما ابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم،
وهو مخرج في " الروض النضير " برقم (1107) ورواه أحمد أيضا في " المسائل "
(ص 59) . وفي الحديث دلالة واضحة على أن الريح قد تأتي بالرحمة، وقد تأتي(6/601)
بالعذاب، وأنه لا فرق بينهما إلا بالرحمة والعذاب، وأنها ريح واحدة لا
رياح، فما جاء في حديث الطبراني عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " اللهم اجعلها
رياحا ولا تجعلها ريحا ". فهو باطل، وقال الطحاوي: " لا أصل له ". وقد
صح عن ابن عباس خلافه، كما بينته تحت حديث الطبراني المخرج في الكتاب الآخر:
" الضعيفة " (5600) .
2757 - " كان إذا هاجت ريح شديدة قال: اللهم إني أسألك من خير ما أرسلت به، وأعوذ
بك من شر ما أرسلت به ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (717) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 /
400) وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 763) من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي عن
المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد
صحيح على شرط الشيخين. وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: " كان
إذا رأى سحابا مقبلا من أفق من الآفاق ترك ما هو فيه وإن كان في صلاته حتى
يستقبله فيقول: " اللهم إنا نعوذ بك من شر ما أرسل به "، فإن أمطر قال: "
اللهم سيبا نافعا " (مرتين وثلاثا) ، فإن كشفه الله ولم يمطر حمد الله على
ذلك ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 218) وعنه ابن ماجه(6/602)
(3889) والبخاري في " الأدب المفرد " (177 / 686) وأبو داود (5099) باختصار،
وأحمد (6 / 222 - 223) من طريق المقدام بن شريح عن أبيه عنها. قلت:
وإسناده صحيح، وأخرجه ابن حبان (1002 - الإحسان) من طريق شريك عن المقدام به
مختصرا، إلا أنه قال: " غبارا "، مكان " سحابا "، فهو منكر لضعف شريك،
ومخالفته لرواية الجماعة، والعلة ليست منه، وإنما من الراوي عنه: يحيى بن
طلحة اليربوعي، فإنه لين الحديث كما في " التقريب "، وقد خالفه حجاج - وهو
ابن محمد المصيصي الثقة - فرواه عنه أحمد في الموضع الثاني المشار إليه بلفظ
الجماعة، وخفي هذا التحقيق على المعلق على " الإحسان - 3 / 287 - المؤسسة "،
فقال: " حديث صحيح "! ولو انتبه لقال: إلا لفظ " غبار "، فإنه منكر.
وتابعه عطاء بن أبي رباح عنها قالت: كان إذا عصفت الريح قال: " اللهم إني
أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها
وشر ما أرسلت به ". قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل،
وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه. قالت عائشة: فسألته؟
فقال: " لعله - يا عائشة - كما قال قوم عاد: * (فلما رأوه عارضا مستقبل
أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به) * ". أخرجه مسلم (3 /
26) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 400) والنسائي (940 و 941) الدعاء
منه، والبخاري مختصرا (1032 و 3206 و 4828 و 4829) وفي الموضع الأول منها
هو مختصر جدا بلفظ: " كان إذا رأى المطر قال: صيبا نافعا ".(6/603)
2758 - " إذا قبضت نفس العبد تلقاه أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في
الدنيا، فيقبلون عليه ليسألوه، فيقول بعضهم لبعض: أنظروا أخاكم حتى يستريح،
فإنه كان في كرب، فيقبلون عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل
تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا
لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية.
قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا وقالوا: هذه
نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سوءا قالوا: اللهم راجع بعبدك ".
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (149 / 443) : أخبرنا ثور بن يزيد عن أبي رهم
السمعي عن أبي أيوب الأنصاري قال: فذكروه موقوفا عليه. قال ابن صاعد -
راوي الزهد - عقبه: " رواه سلام الطويل عن ثور فرفعه ". قلت: إسناد الموقوف
صحيح، أبو رهم السمعي اسمه أحزاب بن أسيد، قال الحافظ في " التقريب ": "
مختلف في صحبته، والصحيح أنه مخضرم ثقة ". وثور بن يزيد ثقة ثبت من رجال
البخاري، وكونه موقوفا لا يضر، فإنه يتحدث عن أمور غيبية لا يمكن أن تقال
بالرأي، فهو في حكم المرفوع يقينا (1) ، ولا
_________
(1) ولعله من أجل ذلك أورده السيوطي في " الجامع الكبير " بهذه الرواية وتقدم
الحديث برقم (2628) . اهـ.(6/604)
سيما وقد روي مرفوعا من طريق عبد
الرحمن بن سلامة: أن أبا رهم حدثهم أن أبا أيوب حدثهم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره بنحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 154
/ 3889) ومن طريقه عبد الغني المقدسي في " السنن " (ق 93 / 2) من طريق محمد
بن إسماعيل بن عياش: أخبرنا أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: كان
عبد الرحمن بن سلامة يحدث به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن سلامة هذا لم أر
له ترجمة، ومحمد بن إسماعيل بن عياش ضعيف، وقد توبعا. فقد رواه مسلمة بن
علي عن زيد بن واقد وهشام بن الغاز عن مكحول عن عبد الرحمن بن سلامة به.
أخرجه الطبراني في " الكبير " (4 / 153 - 154 / 3887 و 3888) وفي " مسند
الشاميين " (ص 307 و 676) و " المعجم الأوسط " (1 / 72 / 1 - مجمع البحرين)
ومن طريقه المقدسي في " السنن " (ق 198 / 1) وقال الطبراني: " لم يروه عن
مكحول إلا زيد وهشام، تفرد به مسلمة ". قلت: وهو الخشني متروك كما في "
التقريب "، وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 327) بعدما عزاه للمعجمين: "
.. وهو ضعيف ". قلت: والطريق التي قبله خير من هذه، ولم يتعرض لذكرها
الهيثمي! وكنت خرجتهما في " الضعيفة " (864) ولم أكن قد وقفت على الطريق
الأولى الموقوفة الصحيحة، ولذا وجب نقلهما منها إلى هنا، وكذا الحديث الذي
هناك (863) من حديث أنس رضي الله عنه ينقل إلى هنا، لأن معناه في عرض
الأعمال على الأموات في آخر حديث الترجمة. والله أعلم.(6/605)
ثم وجدت للحديث شاهدا
آخر مرسلا بلفظ: " إذا مات العبد المؤمن تلقى روحه أرواح المؤمنين فيقولون له
: ما فعل فلان؟ فإذا قال: مات، قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم
، وبئست المربية ". أخرجه الحاكم (2 / 533) من طريق المبارك بن فضالة عن
الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " هذا حديث
مرسل صحيح الإسناد ". كذا قال، وابن فضالة كان يدلس ويسوي كما في " التقريب
"، فهو على إرساله ليس صحيح الإسناد، وقد أعضله وأوقفه الأشعث بن عبد الله
الأعمى - وهو من الرواة عن الحسن البصري - فقال: إذا مات المؤمن.. الحديث
نحوه. أخرجه ابن جرير (30 / 182) : حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا ابن ثور عن
معمر عنه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، ولكنه مقطوع موقوف على الأشعث هذا
. (تنبيه) : من تشبع الشيخ الصابوني في كتابه " مختصر تفسير ابن كثير " الذي
كنت بينت شيئا منه في مقدمة المجلد الرابع من " الصحيحة " أنه ذكر هذا الحديث
في " مختصره " (3 / 670) فقال: " روى ابن جرير.. " تبعا لأصله. ثم كرر ذلك
في الحاشية فقال: " أخرجه ابن جرير "! فهل هذا التكرار في المتن والحاشية من
الاختصار أم التطويل وبما لا فائدة منه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين قال: " من تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور ". أخرجه أبو داود
والترمذي، وكذا البخاري في " الأدب المفرد " من حديث جابر، وأحمد من حديث
عائشة، وأحدهما يقوي الآخر، وقد تكلمت على إسنادهما في " التعليق الرغيب "
(2 / 55 - 56) .(6/606)
ثم وجدت لبعضه شاهدا آخر من طريق عبد الله بن جبير بن نفير أن
أبا الدرداء كان يقول: " إن أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون، ويساؤون ".
أخرجه نعيم بن حماد في " زوائد الزهد " (42 / 165) : أنبأنا صفوان بن عمرو
قال: حدثني عبد الله بن جبير بن نفير أن أبا الدرداء كان يقول: فذكره. قلت:
وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن قول صفوان: حدثني عبد الله بن جبير بن نفير مشكل
، لأنني لم أجد في الرواة " عبد الله بن جبير بن نفير " لكني وجدت في شيوخ
صفوان: " جبير بن نفير "، ووجدت في ترجمة هذا أنه يكنى بأبي عبد الرحمن،
وقيل: أبو عبد الله، فغلب على ظني أن في الإسناد خطأ، وأن الصواب: " أبو
عبد الله: جبير بن نفير ". على أنه يحتمل أن يكون الصواب عبد الرحمن بن جبير
بن نفير، لأنهم ذكروا لصفوان رواية عن عبد الرحمن هذا أيضا، فقد روى صفوان عن
الوالد والولد، فعلى الأول الإسناد متصل، لأن جبيرا تابعي مخضرم، وأما
ابنه عبد الرحمن فتابعي صغير، فلم يذكروا له رواية إلا عن أبيه وفراس بن مالك
، وجمع من التابعين. والله أعلم.
2759 - " كان إذا أراد دخول قرية لم يدخلها حتى يقول: اللهم رب السماوات السبع وما
أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت، ورب الرياح وما أذرت، ورب الشياطين
وما أضلت، إني أسألك خيرها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 14 / 2 / 7667) : حدثنا محمد بن
عبد الله ابن رستة أخبرنا إبراهيم بن المستمر العروقي حدثنا يعقوب بن محمد(6/607)
الزهري حدثني إسحاق بن جعفر حدثني محمد بن عبد الله الكناني عن عامر بن عبد
الله بن الزبير عن أبي لبابة بن عبد المنذر: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان.. إلخ. وقال: " لا يروى عن أبي لبابة إلا بهذا الإسناد، تفرد به
إبراهيم بن المستمر العروقي ". قلت: وهو صدوق، وكذا من فوقه مثله أو أوثق
منه، غير يعقوب بن محمد الزهري، فهو كثير الوهم كما في " التقريب "،
والكناني لم يوثقه غير ابن حبان، أورده في " ثقات أتباع التابعين " ولم يذكر
له راويا غير إسحاق بن جعفر هذا، وكذلك لم يذكر له غيره البخاري في " التاريخ
الكبير " (1 / 2 / 127) وابن أبي حاتم (3 / 2 / 309) وقال عن أبيه: " لا
أعرفه ". ومع هذا كله قال الهيثمي (10 / 134) بعدما عزاه للطبراني في "
الأوسط ": " وإسناده حسن "! نعم، إن كان يريد أنه حسن لغيره فهو مقبول،
لأن له شاهدا من حديث صهيب رضي الله عنه، صححه ابن خزيمة (2565) وابن حبان
والحاكم والذهبي، وفيه نظر بينته في التعليق على " الكلم الطيب " (رقم
التعليق 131) ولذلك كنت حسنته في تعليقي على " صحيح ابن خزيمة " (4 / 150)
. ثم وجدت له شاهدا من حديث قتادة قال: " كان ابن مسعود إذا أراد أن يدخل قرية
قال:.. " فذكره موقوفا.(6/608)
أخرجه عبد الرزاق (11 / 456 / 20995) ومن طريقه
الطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 195 / 8867) بسند رجاله ثقات لكنه منقطع
. ثم وجدت لحديث صهيب طريقا أخرى، فقال الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 215
) : حدثنا أحمد بن شعيب قال: أخبرنا محمد بن نصر قال: حدثنا أيوب بن سليمان
بن بلال عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه كان يسمع عمر بن الخطاب وهو يؤم
الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار أبي جهم. قال: وقال كعب
الأحبار: والذي فلق البحر لموسى إن صهيبا حدثني: إن محمدا رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين رآها: " اللهم رب السماوات
السبع وما أظللن.. " إلخ الدعاء، وزاد: " وحلف كعب بالذي فلق البحر لموسى
أنها كانت دعوات داود حين يرى العدو ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات
رجال البخاري غير محمد بن نصر وهو الفراء النيسابوري وهو ثقة. وأحمد بن
شعيب هو الإمام النسائي صاحب " السنن " الصغرى المعروفة بـ " المجتبى "، وهي
المطبوعة، و " السنن الكبرى "، ولما تطبع بعد، وإنما طبع منها كتاب
الطهارة بهمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين جزاه الله خيرا (1) . وقد رواه
النسائي في " كتاب السير " منها بهذا الإسناد، كما في تحفة الأشراف " للحافظ
المزي (4 / 201) وكذلك رواه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (رقم 343)
. وأبو سهيل اسمه نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، وهو وأبوه من رجال
الشيخين.
_________
(1) ثم طبع بكامله، والحمد لله. اهـ.(6/609)
وأبو بكر بن أبي أوس اسمه عبد الحميد بن عبد الله الأصبحي، وهو
أيضا من رجال الشيخين. هذا، ولما كنت حققت كتاب " الكلم الطيب " لشيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأنا في المدينة المنورة، وجدته عزا حديث صهيب
هذا للنسائي وغيره، ولما لم يكن عنده في " السنن الصغرى " المطبوعة، استعنت
لمعرفة حال إسناده بـ " تخريج الأذكار " لابن علان، ومن المعلوم أن جل
تخريجاته إنما هي نقل منه عن " نتائج الأفكار في تخريج الأذكار " للحافظ ابن
حجر العسقلاني، فرأيته نقل عنه بحثا طويلا في تخريج الحديث عزاه للنسائي
وغيره، فعلقت خلاصته على " الكلم الطيب "، وهي أن مدار الحديث عندهم على أبي
مروان وهو غير معروف، وأشرت إلى استغرابي لقول الحافظ فيه: " حديث حسن "
لأنه لا يلتقي مع جهالة أبي مروان. ومن طريقه رواه ابن قانع في ترجمة صهيب من
" المعجم ". أما الآن، فقد تبين أنه كان مقصرا في تحسينه فقط إياه وادعائه
أن مداره على أبي مروان، فقد تابعه - كما رأيت - مالك بن أبي عامر الأصبحي
الثقة، وبالإسناد الصحيح عنه، كما فاته أن يذكر حديث الترجمة كشاهد له.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله
الذي بنعمته تتم الصالحات. ثم وجدت له شاهدا من أمره صلى الله عليه وسلم،
يرويه أيوب بن محمد بن زياد: حدثنا سعيد حدثنا محمد بن عجلان عن نافع عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: " إذا خرجتم من بلادكم إلى
بلاد تريدونها فقولوا إذا أشرفتم على المدينة أو القرية: اللهم رب السماوات
السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت ". الحديث.(6/610)
أخرجه أبو نعيم
في " أخبار أصبهان " (2 / 277) . قلت: وهذا إسناد حسن إن كان سعيد هذا هو
ابن أبي أيوب المصري، وهو ثقة ثبت من رجال الشيخين، وأما إن كان ابن مسلمة
الجزري فهو ضعيف كما في " التقريب "، وكلاهما ذكرهما المزي في " تهذيبه " في
الرواة عن ابن عجلان، وكونه الجزري أقرب. والله أعلم. ثم تأكد ذلك عندي
بأمرين: الأول: أن المزي ذكره في شيوخ أيوب بن محمد بن زياد دون سعيد بن أبي
أيوب المصري. والآخر: أن الحافظ ابن حجر لما ذكره في " تخريج الأذكار "
شاهدا لحديث آخر بسنده إلى ابن عمر - كما في ابن علان (5 / 158 - 159) - قال
: " وفي سنده ضعف ". فلو كان سعيد هذا هو المصري لم يضعف إسناده. والله
أعلم. ثم تأكدت مما استقربته بعد أن طبع كتاب " الدعاء " للطبراني، فرأيته قد
أخرجه فيه (2 / 1288 / 885) من طريق أخرى فقال: " حدثنا سعيد بن مسلمة.. ".
2760 - " النشرة من عمل الشيطان ".
أخرجه أحمد في " المسند " (3 / 294) وعنه أبو داود في " السنن " (3868)
ومن طريقه البيهقي (9 / 351) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا عقيل بن معقل قال:
سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر بن عبد الله قال:(6/611)
سئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن النشرة؟ فقال: " هو من عمل الشيطان ". قلت: وهذا إسناد صحيح
رجاله ثقات رجال الشيخين غير عقيل بن معقل وهو ابن منبه اليماني، وهو ثقة
اتفاقا، فقول الحافظ فيه: " صدوق "، وبناء عليه اقتصر في " الفتح " (10 /
233) على تحسين إسناده في هذا الحديث، فهو تقصير لا وجه له عندي، ومن
المحتمل أن يكون تأثر الحافظ بأمرين: الأول: أن الحديث في " مصنف عبد الرزاق
" (11 / 13 / 19762) موقوف هكذا: أخبرنا عقيل بن معقل عن همام (كذا) بن
منبه قال: سئل جابر بن عبد الله عن النشر؟ فقال: من عمل الشيطان. قلت: كذا
وقع فيه موقوفا، وقال (همام بن منبه) مكان (وهب بن منبه) وهما أخوان روى
عنهما عقيل، وأنا أظن أن هذا خطأ كالوقف، وأظن أنه من الراوي عن عبد الرزاق
، وهو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري الراوي لقسم كبير من (كتاب
الجامع) من " المصنف " (انظر (10 / 379) من " المصنف ") وهو متكلم فيه،
فلا يؤثر مثله أبدا في رواية أحمد عن عبد الرزاق مرفوعا. والآخر: أن البيهقي
غمز من صحته فقال عقبه: " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو أصح
". يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 29 / 3567) والبزار
(3 / 393 - 394) من طريق شعبة عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن النشر؟ فذكر
لي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هي من عمل الشيطان ".(6/612)
قلت: وهذا
مرسل صحيح الإسناد، وقد رواه أبو داود في " المراسيل "، وإليه عزاه الحافظ
، ولعله رواه من طريق ابن أبي شيبة، فإن " المراسيل " المطبوعة محذوفة
الأسانيد، وقد جاء فيها قول أبي داود عقب الحديث (ص 48) : " أسند ولا يصح
". ولست أدري والله وجه هذا النفي، وقد قدمناه برواية شيخه الإمام أحمد
بإسناده الصحيح، وهو عنه (1) ؟ ثم روى ابن أبي شيبة، والخطابي في " معالم
السنن " (5 / 353) من طريق أخرى عن الحسن قال: " النشرة من السحر ".
وإسناده حسن. و " النشرة ": الرقية. قال الخطابي: " النشرة: ضرب من الرقية
والعلاج، يعالج به من كان يظن به مس الجن ". قلت: يعني الرقى غير المشروعة
، وهي ما ليس من القرآن والسنة الصحيحة وهي التي جاء إطلاق لفظ الشرك عليها
في غير ما حديث، وقد تقدم بعضها، فانظر مثلا: (331 و 1066) ، وقد يكون
الشرك مضمرا في بعض الكلمات المجهولة المعنى، أو مرموزا له بأحرف مقطعة، كما
يرى في بعض الحجب الصادرة من بعض الدجاجلة، وعلى الرقى المشروعة يحمل ما علقه
البخاري عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب (أي سحر) أو يؤخذ عن
امرأته، أيحل
_________
(1) ثم طبعت " المراسيل " بأسانيدها، فإذا هو فيه (319 / 453) من طريق أخرى
عن شعبة به، وليس فيه ما استشكلته من قوله: " أسند ولا يصح "، فالظاهر أنه
كان حاشية من بعضهم، طبع خطأ في الصلب، كما هو خطأ في العلم. اهـ.(6/613)
عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما
ما ينفع فلم ينه عنه. ووصله الحافظ في " الفتح " (10 / 233) من رواية
الأثرم وغيره من طرق عن قتادة عنه. ورواية قتادة أخرجها ابن أبي شيبة (8 /
28) بسند صحيح عنه مختصرا. هذا ولا خلاف عندي بين الأثرين، فأثر الحسن يحمل
على الاستعانة بالجن والشياطين والوسائل المرضية لهم كالذبح لهم ونحوه،
وهو المراد بالحديث، وأثر سعيد على الاستعانة بالرقى والتعاويذ المشروعة
بالكتاب والسنة. وإلى هذا مال البيهقي في " السنن "، وهو المراد بما ذكره
الحافظ عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يطلق السحر عن المسحور؟ فقال: " لا بأس به
". وأما قول الحافظ: " ويختلف الحكم بالقصد، فمن قصد بها خيرا، وإلا فهو
شر ". قلت: هذا لا يكفي في التفريق، لأنه قد يجتمع قصد الخير مع كون الوسيلة
إليه شر، كما قيل في المرأة الفاجرة: ... ... ... ... ... ليتها لم تزن ولم
تتصدق. ومن هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ (
الطب الروحاني) سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينة من الجن
كما كانوا عليه في الجاهلية، أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح،
ونحوه عندي التنويم المغناطيسي، فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تشرع لأن
مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في
القرآن الكريم: * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) * أي خوفا وإثما. وادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون
بالصالحين(6/614)
منهم، دعوى كاذبة لأنهم مما لا يمكن - عادة - مخالطتهم ومعاشرتهم،
التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم، ونحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد
المصاحبة من الإنس، يتبين لك أنهم لا يصلحون، قال تعالى: * (يا أيها الذين
آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) * هذا في الإنس الظاهر، فما
بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم: * (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا
ترونهم) *.
2761 - " كان رجل [من اليهود] يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، [وكان يأمنه]
، فعقد له عقدا، فوضعه في بئر رجل من الأنصار، [فاشتكى لذلك أياما، (وفي
حديث عائشة: ستة أشهر) ] ، فأتاه ملكان يعودانه، فقعد أحدهما عند رأسه،
والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي [كان] يدخل
عليه عقد له عقدا، فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل [إليه] رجلا،
وأخذ [منه] العقد لوجد الماء قد اصفر. [فأتاه جبريل فنزل عليه بـ (
المعوذتين) ، وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال:]
فبعث رجلا (وفي طريق أخرى: فبعث عليا رضي الله عنه) [فوجد الماء قد اصفر]
فأخذ العقد [فجاء بها] ، [فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية] ، فحلها، [فجعل
يقرأ ويحل] ، [فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة] فبرأ، (وفي الطريق
الأخرى: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال) ، وكان الرجل
بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم(6/615)
يذكر له شيئا منه، ولم يعاتبه
[قط حتى مات] ".
قلت: هذا من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، وله عنه طريقان مدارهما على
الأعمش رحمه الله تعالى. الأول: عنه عن ثمامة بن عقبة عن زيد رضي الله عنه.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 201 / 5011) والسياق له،
والحاكم (4 / 360 - 361) والزيادة الرابعة والخامسة والسادسة له، كلاهما
من طريق جرير عن الأعمش به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ورده
الذهبي بقوله: " قلت: لم يخرجا لثمامة شيئا، وهو صدوق ". قلت: بل هو ثقة
كما قال الذهبي نفسه في " الكاشف "، تبعا لابن معين والنسائي، وكذا قال
الحافظ في " التقريب "، فالسند صحيح. وقد تابعه شيبان عن الأعمش به. أخرجه
الطبراني (5012) وقال: " خالفهما أبو معاوية في إسناده ". قلت: يشير إلى
الطريق الآتي. وقد تابعهما سفيان الثوري عن الأعمش به. أخرجه ابن سعد في "
الطبقات " (2 / 199) والزيادة الثانية له. الطريق الثاني: يرويه أبو
معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن(6/616)
أرقم به أخرجه النسائي في " السنن
" (2 / 172) وابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 29 - 30 / 3569) وأحمد (4
/ 367) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 40 / 1 - 2) والطبراني
أيضا (5 / 202 / 5013 و 5016) . قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ
العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 336) وهو على شرط مسلم، فإن رجاله رجال
الشيخين غير يزيد بن حبان فهو من رجال مسلم. وأبو معاوية هو محمد بن خازم
الضرير، قال الحافظ في " التقريب ": " ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش ". قلت
: وهذا مما يمنعنا من الحكم على إسناده بالشذوذ لمخالفته للثقات الثلاثة
المتقدمين، فالظاهر أن للأعمش فيه شيخين عن زيد بن أرقم. والله أعلم. ثم إن
سائر الزيادات لابن أبي شيبة وأحمد، إلا زيادة قراءة آية فهي لعبد بن حميد،
وكذا زيادة نزول جبريل بـ (المعوذتين) ، وسندها صحيح أيضا. ولها شاهد من
حديث عمرة عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه
يقال له: لبيد بن أعصم، وكانت تعجبه خدمته، فلم تزل به يهود حتى سحر النبي
صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعه، فبينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان، فجلس أحدهما عند
رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما وجعه؟ قال
: مطبوب. فقال: من طبه؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: بم طبه؟ قال: بمشط
ومشاطة وجف طلعة ذكر بـ (ذي أروى) ، وهي تحت راعوفة البئر.(6/617)
فاستيقظ رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عائشة فقال: يا عائشة! أشعرت أن الله قد
أفتاني بوجعي، فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدا أصحابه معه
إلى البئر، وإذا ماؤها كأنه نقيع الحناء، وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد
التوى سيفه كأنه رؤوس الشياطين، قال: فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت
الراعوفة، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مشاطة رأسه،
وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا فيها إبر مغروزة
، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فأتاه جبريل بـ (المعوذتين) فقال: يا محمد
* (قل أعوذ برب الفلق) * وحل عقدة، * (من شر ما خلق) * وحل عقدة حتى فرغ
منها، وحل العقد كلها، وجعل لا ينزع إبرة إلا وجد لها ألما ثم يجد بعد ذلك
راحة. فقيل: يا رسول الله! لو قتلت اليهودي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: قد عافاني الله عز وجل، وما وراءه من عذاب الله أشد، قال: فأخرجه.
رواه البيهقي في " دلائل النبوة " (2 / 2 / 226 / 1 - 2 و 7 / 92 - 94 ط) من
طريق سلمة ابن حبان: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عبيد الله عن أبي بكر
بن محمد عن عمرة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، محمد بن عبيد الله هو
العرزمي، وهو متروك. وسلمة بن حبان - وهو بفتح الحاء (1) - روى عنه جمع من
الثقات، وذكره ابن حبان في " ثقاته " (8 / 287) فالعلة من العرزمي. وإن
مما يوهن حديثه هذا أنه قد جاء مختصرا من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
مرفوعا نحوه دون ذكر التمثال وما بعده.
_________
(1) كما في " التبصير "، وذكر أنه من شيوخ أبي يعلى وعبد الله بن أحمد
ويوسف القاضي. اهـ.(6/618)
أخرجه البخاري (3268 و 5763 و 5765
و5766 و 6391) ومسلم (7 / 14) وابن أبي شيبة (8 / 30 / 3570) ومن طريقه
ابن ماجه (3590 - الأعظمي) وأحمد (6 / 50 و 57 و 63 و 96) والحميدي (259
) وابن سعد (2 / 196) وأبو يعلى (3 / 194) والبيهقي (2 / 2 / 157 / 2)
من طرق عن هشام به. وزيادة ستة أشهر المذكورة في حديث الترجمة، هي عند أحمد
في رواية، وسندها صحيح، وصححها الحافظ في " الفتح " (10 / 226) .
وبالجملة، فحديث العرزمي وما فيه من الزيادات منكر جدا، إلا ما وافق حديث
هشام عن عروة، وحديث الترجمة، ومن ذلك نزول (المعوذتين) ، فقد ذكره
الرافعي في كتابه، فقال الحافظ في " تلخيصه " (4 / 40) : " وهذا ذكره
الثعلبي في " تفسيره " من حديث ابن عباس تعليقا، ومن حديث عائشة أيضا تعليقا
، طريق عائشة صحيح، أخرجه سفيان بن عيينة في " تفسيره " رواية أبي عبيد الله
عنه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - فذكر الحديث - وفيه: ونزلت * (قل
أعوذ برب الفلق) * ". وهذه فائدة هامة من الحافظ رحمه الله تعالى، لم ترد في
كتابه " فتح الباري "، وهي شاهد قوي لحديث الترجمة. والله أعلم. ومن
المفيد أن نذكر أن بعض المبتدعة قديما وحديثا قد أنكروا هذا الحديث الصحيح،
بشبهات هي أوهى من بيت العنكبوت، وقد رد عليهم العلماء في شروحهم، فليرجع
إليها من شاء. وقد أخطأ المعلق على " الدلائل " خطأ فاحشا في عزوه رواية
البيهقي إلى الشيخين وغيرهما، دون أن ينبه إلى ما فيه من المنكرات المخالفة
لروايتيهما!(6/619)
2762 - " من قال في يوم مائتي مرة [مائة إذا أصبح، ومائة إذا أمسى] : " لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "، لم يسبقه
أحد كان قبله ولا يدركه أحد كان بعده إلا من عمل أفضل من عمله ".
أخرجه النسائي في " اليوم والليلة " (576 و 577) وكذا ابن السني (73)
وابن الأعرابي في " المعجم " (ق 216 / 1) والحاكم (1 / 500) وقال: " مائة
"! ، وأحمد (2 / 185 و 214) والخطيب في " التاريخ " (3 / 25) من طرق عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره
. قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده،
ولذا قال في " الفتح " (11 / 202) : " إسناده صحيح إلى عمرو ". وقال الهيثمي
في " المجمع " (10 / 86) : " رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: " كل يوم "
ورجال أحمد ثقات، وفي رجال الطبراني من لم أعرفه ". قلت: وليس المراد من
الحديث أن يقول المائتي مرة في وقت واحد كما تبادر لبعض المعاصرين ممن ألف في "
سنية السبحة "! وإنما تقسيمهما على الصباح والمساء، فقد جاء ذلك صريحا في
رواية شعبة عن عمرو بن شعيب به، ولفظه: " من قال.. مائة مرة إذا أصبح،
ومائة مرة إذا أمسى.. ".(6/620)
أخرجه النسائي (575) وابن دوست العلاف في "
الأمالي " (ق 124 / 2) . والحكم هو ابن عتيبة الكندي مولاهم، ثقة محتج به
في " الصحيحين "، ومثله شعبة، وهو ابن الحجاج الإمام. وأما اللفظ الذي
أورده السيوطي في " الجامع الكبير " من رواية إسماعيل بن عبد الغفار الفارسي في
" الأربعين " عن عمرو بن شعيب به بلفظ: " من قال: " لا إله إلا الله.. " ألف
مرة جاء يوم القيامة فوق كل عمل، إلا عمل نبي، أو رجل زاد في التهليل ". قلت
: فهو منكر، بل باطل لمخالفته لهذه الطرق الصحيحة عن عمرو بن شعيب، ولعله
لذلك لم يورده المناوي في كتابه " الجامع الأزهر "! (تنبيه) : إسماعيل بن
عبد الغفار، كذا وقع في " الجامع " (2 / 808) وفيه (2 / 811) في حديث آخر
: إسماعيل بن عبد الغافر وهو الصواب، فقد جاء هكذا في " شذرات الذهب "،
أورده في وفيات سنة (504) عن إحدى وثمانين سنة، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا. واعلم أن هذا العدد (المائة) هو أكثر ما وقفت عليه فيما صح من
الذكر. وأما عدد (الألف) فلم أره إلا في هذه الرواية المنكرة، وفي حديث
آخر في " التسبيح " بسند ضعيف خرجته في الكتاب الآخر برقم (5296) .(6/621)
2763 - " أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا أصبحنا وإذا أمسينا وإذا اضطجعنا على
فرشنا: " اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت رب كل شيء،
والملائكة يشهدون أنك لا إله إلا أنت، فإنا نعوذ بك من شر أنفسنا ومن شر
الشيطان الرجيم وشركه، وأن نقترف على أنفسنا سوءا أو نجره إلى مسلم ".
أخرجه أبو داود (5083) والطبراني في " الكبير " (3 / 295 / 3450) وفي "
مسند الشاميين " (ص 332) من طريق محمد بن عوف: حدثنا محمد بن إسماعيل بن
عياش حدثني أبي - زاد أبو داود: قال ابن عوف: ورأيته في أصل إسماعيل -:
حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمرنا.. إلخ. قلت: وهذا إسناد جيد عندي بزيادة أبي داود
لولا أنه منقطع بين شريح وأبي مالك كما أفاده أبو حاتم، لكنه يتقوى بشاهدين
له: أحدهما: من حديث أبي هريرة إلى قوله: " وشركه ". أخرجه أبو داود (5067) والترمذي (3389) وكذا البخاري في " الأدب المفرد " (1202) و "
أفعال العباد " (ص 74) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (رقم 11)
والدارمي (2 / 292) وابن حبان (2349) والحاكم (1 / 513) وابن السني (
43) وابن أبي شيبة (10 / 237 / 9323) والطيالسي (2582) وأحمد (2 / 297) كلهم عن شعبة عن يعلى بن عطاء قال: سمعت عمرو بن عاصم الثقفي يحدث عن أبي
هريرة قال:(6/622)
قال أبو بكر: يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت
، قال: قل:.. فذكر الدعاء، وقال في آخره: " قال: قله إذا أصبحت، وإذا
أمسيت، وإذا أخذت مضجعك ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالوا. والآخر
: من حديث ابن عمرو مثل حديث أبي هريرة، إلا أنه زاد في آخره: " وأن أقترف
على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1204
) والترمذي (3526) والطبراني في " الدعوات " (2 / 924 / 289) وقال
الترمذي: " حديث حسن غريب ". وقواه الحافظ في " نتائج الأفكار " (2 / 345 -
346) . قلت: وإسناده صحيح. وقد وقعت هذه الزيادة في " أفعال العباد " في
رواية عند البخاري من حديث أبي هريرة، وهي خطأ كما سبق بيانه قريبا تحت حديثه
المتقدم برقم (2753) ، فراجعه إن شئت.(6/623)
تنبيه على أوهام: أولا: حديث أبي
هريرة هذا جعله الشوكاني في " تحفة الذاكرين " (ص 63) من مسند أبي بكر،
وإنما هو من مسند أبي هريرة. ثانيا: أنه جعل الزيادة من حديث أبي بكر، وإنما
هي من حديث ابن عمرو. ثالثا: قال الشيخ فضل الله الجيلاني في " شرح الأدب
المفرد " (2 / 613) تحت حديث ابن عمرو: " أخرجه الثلاثة، وصححه الحاكم
وابن حبان ". قلت: وهذا وهم محض، فلم يروه أحد من هؤلاء غير الترمذي.
2764 - " إن الله يقول: أنا خير شريك، فمن أشرك بي أحدا فهو لشريكي! يا أيها الناس
! أخلصوا الأعمال لله، فإن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما خلص له، ولا
تقولوا: هذا لله وللرحم وليس لله منه شيء! ولا تقولوا: هذا لله ولوجوهكم
، فإنه لوجوهكم، وليس لله منه شيء ".
أخرجه عبد الباقي بن قانع في ترجمة الضحاك بن قيس الفهري من " معجم الصحابة "،
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق: أخبرنا سعيد بن سليمان عن عبيدة بن حميد
عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن سلمة عن الضحاك بن قيس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال "
الصحيح " غير أحمد بن(6/624)
محمد بن إسحاق وهو أبو جعفر البجلي الحلواني، ترجمه
الخطيب (5 / 212) وروى توثيقه عن جمع من الحفاظ، توفي سنة (296) . وسعيد
بن سليمان هو أبو عثمان الواسطي الحافظ الثقة. وقد تابعه إبراهيم بن محشر:
حدثنا عبيدة بن حميد به، إلا أنه قال: " تميم ابن طرفة " مكان " تميم بن سلمة
"، لكن إبراهيم هذا فيه ضعف، قال ابن عدي في " الكامل " (1 / 272 - الفكر)
. " له منكرات من جهة الأسانيد غير محفوظة ". أخرجه البزار (4 / 217 - 218 /
3567) والبيهقي في " الشعب " (2 / 320 / 2) وقال الهيثمي في " مجمع
الزوائد " (10 / 221) : " رواه البزار عن شيخه إبراهيم بن مجشر - بالجيم -
وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف. وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: ما
رأيت أحدا ذكر توثيقه عن غير ابن حبان، ومع ذلك فقد قال فيه: " يخطىء ".
فمثله لا يحتج به إذا تفرد، فكيف إذا خالف؟ فالعمدة على سعيد بن سليمان
الواسطي في صحة الحديث، وهي فائدة عزيزة استفدتها من " معجم ابن قانع "،
وكنت لما ألفت " صحيح الترغيب والترهيب " لم أورده فيه، على الرغم من قول
المنذري فيه (1 / 24) : " رواه البزار بإسناد لا بأس به، لكن الضحاك بن قيس
مختلف في صحبته ". لأنني عرفت بواسطة " المجمع " أن في سند البزار ذاك الشيخ
الضعيف، ولم أكن وقفت على متابعة سعيد هذه القوية، والحمد لله على توفيقه،
وأسأله المزيد من فضله.(6/625)
وأما قوله: إن الضحاك بن قيس مختلف في صحبته،
فلعله سبق قلم من المنذري، فإني لم أر أحدا ذكر الخلاف في صحبته، بل قال
الحافظ في " الإصابة " بعد أن نقل قول البخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 332)
" له صحبة ": " واستبعد بعضهم صحة سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا
بعد فيه، فإن أقل ما قيل في سنه عند موت النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ابن
ثمان سنين ". ثم وجدت لسعيد بن سليمان الواسطي متابعا ثقة، وهو (سريج بن
يونس) : أخبرنا عبيدة بن حميد به. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 /
410) . ولهذا نقل إلى " الصحيح " في آخر طبعته الثانية (ص 530) .
2765 - " ألق [عنك] ثيابك واغتسل، واستنق ما استطعت، وما كنت صانعا في حجتك،
فاصنعه في عمرتك ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 98 / 2003) وابن أبي حاتم في "
تفسيره "، وابن عبد البر في " التمهيد " (2 / 251) من طرق ثلاث عن محمد بن
سابق قال: أخبرنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عطاء بن أبي رباح عن
صفوان ابن أمية قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمخ
بالخلوق، عليه مقطعات قد أحرم بعمرة، فقال: كيف تأمرني يا رسول الله في
عمرتي؟ فأنزل الله عز وجل: * (وأتموا الحج والعمرة لله) *. فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " أين السائل عن العمرة؟! ". فقال: [ها] أنا [ذا]
. فقال: فذكره. وقال ابن عبد البر:(6/626)
" هكذا جاء في هذا الحديث: " صفوان بن
أمية " نسبة إلى جده، وهو صفوان بن يعلى بن أمية، رجل تميمي ". قلت:
وهكذا على الجادة وقع عند الطبراني، وزاد: " عن أبيه "، وأظنها زيادة من
بعض النساخ لمخالفتها لرواية الآخرين، ولقول الطبراني عقب الحديث: " ورواه
مجاهد عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ". قلت: وهذه الزيادة: " عن أبيه "
ثابتة في " الصحيحين " وغيرهما من طرق عن عطاء عن صفوان عن أبيه. وبذلك اتصل
الإسناد وصح الحديث، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1596 - 1599) ، لكن
ليس فيها نزول الآية * (وأتموا الحج والعمرة لله) * صراحة وكأن حديث الترجمة
مبين لما أجمل في تلك الطرق ولهذا قال الحافظ في " الفتح " (3 / 614) : " لم
أقف في شيء من الروايات على بيان المنزل حينئذ من القرآن وقد استدل به جماعة
من العلماء على أن من الوحي ما لا يتلى، لكن وقع عند الطبراني في " الأوسط "
من طريق أخرى أن المنزل حينئذ قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) *
ووجه الدلالة على المطلوب عموم الأمر بالإتمام، فإنه يتناول الهيئات والصفات "
. وكأنه سكت عن الإرسال الذي في الإسناد لاتصاله في الطرق الأخرى، ولما فيه
من البيان الذي أشرت إليه، والله أعلم. (فائدة) : قال في " الفتح " (3 /
394) : " قال ابن المنير في " الحاشية ": قوله: " واصنع " معناه: اترك،
لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم، فيؤخذ منه فائدة، وهي أن الترك فعل ".(6/627)
(تنبيه) : عزاه السيوطي في " الدر المنثور " (1 / 208) لابن أبي حاتم وأبي
نعيم في " الدلائل " وابن عبد البر في " التمهيد " عن يعلى بن أمية. فاعلم
أنه عند ابن عبد البر عن صفوان بن يعلى مرسلا لم يذكر عن أبيه. وكذا هو عند
ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " واستغربه. وأما " الدلائل " لأبي
نعيم، فهو عنده (ص 179) مسندا عن أبيه لكن من طريق أخرى كما هو عند الشيخين
ليس فيه نزول الآية، فاقتضى التنبيه.
2766 - " تصدقوا على أهل الأديان ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 177) : حدثنا جرير بن عبد الحميد عن
أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
لا تصدقوا إلا على أهل دينكم "، فأنزل الله تعالى * (ليس عليك هداهم) * إلى
قوله: * (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) *: قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد مرسل كما في " نصب الراية " (4 / 398)
ورجاله ثقات رجال الستة غير أشعث، وهو ابن إسحاق بن سعد بن مالك الأشعري
القمي، وجعفر، وهو ابن أبي المغيرة الخزاعي القمي، وهو صدوق له أوهام كما
في " الخلاصة "، ونحوه في " التقريب "، والذي قبله ثقة، والراوي عنه جرير
بن عبد الحميد، مع كونه من رجال الستة كما ذكرنا فقد قال الحافظ في " التقريب
": " ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه ". وقد تابعه عبد
الله بن سعد الدشتكي لكنه قال: حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:(6/628)
أنه كان يأمر بأن لا
يتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية: * (ليس عليك هداهم) * إلى
آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك (1) من كل دين. فأسنده بذكر ابن
عباس. أخرجه ابن أبي حاتم في " التفسير " (1 / 211 / 2) قال: حدثنا أحمد بن
القاسم بن عطية: حدثني أحمد بن عبد الرحمن - يعني: الدشتكي -: حدثني أبي عن
أبيه به. قلت: ونقله ابن كثير في " تفسيره "، وسكت عنه، وإسناده حسن،
رجاله كلهم من رجال " التهذيب " غير أحمد بن القاسم بن عطية، قال ابن أبي حاتم
(1 / 67) : " هو المعروف بأبي بكر بن القاسم الحافظ. روى عن أبي الربيع
الزهراني، وكتبنا عنه، وهو صدوق ثقة ". وتابع جعفر بن أبي المغيرة جعفر
بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان ناس لهم أنسباء وقرابة من
بني قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ويريدونهم على الإسلام،
فنزلت * (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، وما تنفقوا من خير
فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم
وأنتم لا تظلمون) * [البقرة: 272] ". أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في
كتابه " الأموال " (ص 616 / 1991) وابن جرير في " التفسير " (3 / 63) من
طريق سفيان عن الأعمش
_________
(1) هكذا الرواية بكاف الخطاب في " ابن أبي حاتم "، و " ابن كثير "،
والسيوطي. اهـ.(6/629)
عنه. وكذلك رواه الحاكم (2 / 285) وعنه البيهقي (4
/ 191) لكن سقط من روايته (الأعمش) ، وزاد في آخره: " قال: فرخص لهم ".
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وقال الذهبي: " (خ م) ". يعني أنه على
شرط الشيخين، وهو كما قال بالنظر إلى رواية أبي عبيد وابن جرير، وإلا ففي
إسناد الحاكم محمد بن غالب، فإن فيه كلاما مع كونه ليس من رجال الشيخين،
ولعل السقط المشار إليه منه. ويشهد للحديث ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث
أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم،
فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! قدمت علي أمي
وهي راغبة، أفأصل أمي؟ (وفي لفظ: أفأعطيتها) . قال: " نعم، صلي أمك ".
وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1468) واللفظ الآخر للبيهقي (4 / 191)
وترجم له ولحديث الترجمة بقوله: " باب صدقة النافلة على المشرك وعلى من لا
يحمد فعله ". هذا في صدقة النافلة، وأما الفريضة فلا تجوز لغير المسلم لحديث
معاذ المعروف: " تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ". متفق عليه، وهو مخرج
في المصدر السابق برقم (1412) ، وبأوسع منه في " إرواء الغليل " (782) .(6/630)
2767 - " إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل وتظهر الفتن وتفشو التجارة
[ويظهر العلم] ".
أخرجه النسائي في " سننه " (2 / 212) والحاكم في " مستدركه " (2 / 7)
واللفظ له، والطيالسي (1171) وعنه ابن منده في " المعرفة " (2 / 59 / 2)
والخطابي في " غريب الحديث " (81 / 2) من طريق وهب بن جرير: حدثنا أبي قال
: سمعت يونس بن عبيد يحدث عن الحسن عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره. والزيادة للنسائي، ولها عنده تتمة وهي: "
ويبيع الرجل البيع فيقول: لا حتى أستأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحي
العظيم الكاتب فلا يوجد ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، إلا أن
عمرو بن تغلب ليس به راو غير الحسن ". كذا قال! وكأنه لم يقف على قول ابن
أبي حاتم في كتابه (3 / 1 / 222 / 1235) وتبعه ابن عبد البر في " الاستيعاب
": " ... روى عنه الحسن البصري والحكم بن الأعرج ". قلت: وقد روى البخاري
في " صحيحه " (2927 و 3592) وابن ماجه (4098) وأحمد (4 / 69 - 70)
حديثا في أشراط الساعة في مقاتلة الترك، من طريق الحسن عن عمرو بن تغلب، لكن
صرح فيه بالتحديث، وهذا شرط مهم بالنسبة لصحة الحديث بصورة عامة، وعلى شرط
البخاري بصورة خاصة، لما هو(6/631)
معلوم عند المتمكنين في هذا العلم أن الحسن البصري
مدلس، ففي ثبوت هذا الحديث توقف عن عمرو بن تغلب لعدم تصريحه بالسماع منه،
لكن الحديث صحيح لما يأتي مما يقويه. وبالجملة، فعلة هذا الإسناد هي العنعنة
، وليس الإرسال كما توهم الدكتور فؤاد في تعليقه على " الحكم والأمثال "
للماوردي (ص 100) ، فقال بعد أن صرح بضعف الحديث وذكر قول الحاكم: " ليس
لعمرو بن تغلب راو غير الحسن "، وزاد عليه: " وهو البصري تابعي، وقد رفعه
إلى الرسول مباشرة، فالحديث مرسل "! قلت: وهذه الزيادة موصولة عنده بكلام
الحاكم، بحيث أنه لا يمكن لأحد لم يكن قد اطلع على كلام الحاكم المتقدم أولا،
أن يميزه عن ما بعده الذي هو من كلام الدكتور ثانيا! إلا إذا تنبه لما فيه من
الجهل بهذا العلم الذي يترفع عما دونه من كان دون الحاكم في العلم بمراحل!!
والله المستعان. والحديث وقع في " الأمثال ": (الهرج) مكان (الجهل) ، و (
الظلم) مكان (العلم) ، وأظنه تصحيفا. ولم ينبه على شيء من ذلك الدكتور
فؤاد، بل عزا الحديث إلى الحاكم كما تقدم - على ما بين روايته ورواية "
الأمثال " من الاختلاف!! - ولم أجد للفظ (الظلم) شاهدا بخلاف (العلم) ،
فقد رأيت الحديث في " الفتن " لأبي عمرو الداني (ق 15 / 2) من طريق علي بن
معبد قال: حدثنا عبد الله بن عصمة عن أبي حمزة عن الحسن قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث دون فقرتي الجهل والفتن، وزاد: " قال ابن
معبد: يعني الكتاب ". قلت: وعبد الله بن عصمة لم أعرفه. وأبو حمزة الظاهر
أنه الذي في " كنى الدولابي " (1 / 156) :(6/632)
" وأبو حمزة إسحاق بن الربيع،
يروي عن الحسن، بصري ". وفي " المقتنى " للذهبي (26 / 1) : " أبو حمزة
العطار: إسحاق بن الربيع ". وهو من رجال " التهذيب "، وفي " التقريب ": "
إسحاق بن الربيع البصري الأبلي - بضم الهمزة الموحدة وتشديد اللام - أبو حمزة
العطار، صدوق تكلم فيه للقدر، من السابعة ". وبالجملة، ففي هذه الرواية مع
الإرسال ضعف لا يعلل به الرواية المسندة التي قبلها، وإنما علتها العنعنة كما
ذكرنا، وإنما ذكرت هذه المرسلة لنرجح لفظة (العلم) على لفظة (الظلم) .
وقد وجدت لها شاهدا من حديث سيار عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه
وسلم: " إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها
على التجارة وقطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق وظهور القلم ".
رواه البخاري في " الأدب المفرد " (1049) وأحمد (1 / 407) بإسناد صحيح،
رجاله ثقات رجال مسلم غير سيار، وهو سيار أبو الحكم كما وقع في رواية البخاري
، وكذا الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 385) وأحمد في رواية (1 / 419)
وكذا في رواية الحاكم لهذا الحديث ببعض اختصار في " المستدرك " (4 / 445) وفي
حديث آخر عند أحمد (1 / 389) وهو ثقة من رجال الشيخين، لكن قيل: إنه سيار
أبو حمزة، ورجحه الحافظ في " التهذيب "، ورده الشيخ أحمد شاكر في تعليقه
على " المسند " (5 / 257 - 258) وادعى أن أبا حمزة هذا لم توجد له ترجمة،
مع أنه من رجال " التهذيب "، ذكره عقب(6/633)
ترجمة سيار أبي الحكم، وذكر الحافظ
المزي أنه ذكره ابن حبان في " الثقات "، فقال الحافظ ابن حجر: " ولم أجد
لأبي حمزة ذكرا في " ثقات ابن حبان "، فينظر ". قلت: هو عنده في " أتباع
التابعين " قبيل ترجمة سيار أبي الحكم (6 / 421 - هندية) . وكذلك ترجمه
البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 2 / 160) وابن أبي حاتم (2 / 1 / 255)
. والأول ثقة من رجال الشيخين، وهذا لم يوثقه غير ابن حبان، وروى عنه جمع
، ولكن لم نجد حجة لمن ادعى أنه هو راوي هذا الحديث مع تصريح الراوي عنه -
وهو بشير بن سلمان - أنه سيار أبو الحكم، إلا مجرد ادعاء أنه أخطأ في ذلك وأن
الصواب أنه سيار أبو حمزة. ولو سلمنا بذلك فالإسناد لا ينزل عن مرتبة الحسن
لما سبق من توثيق ابن حبان إياه مع رواية جمع عنه. والحديث أورده الهيثمي في
" مجمع الزوائد " (7 / 329) برواية أحمد بتمامه، والبزار ببعضه ثم قال: "
ورجالهما رجال الصحيح ". (فائدة) : وقع في " المجمع " (العلم) مكان (
القلم) ، والظاهر أنه تحريف، والصواب ما في " المسند ": (القلم)
لمطابقته لما في " جامع المسانيد " (27 / 166 - 167) عنه، ولرواية " الأدب
المفرد " من الطبعة السلفية، والطبعة التازية والطبعة الهندية، خلافا
للطبعة الجيلانية، ولا ينافي ذلك زيادة النسائي ورواية الداني، لأنها بمعنى
(القلم) أو قريبة منه، ولاسيما وقد فسرها علي بن معبد بقوله: " يعني
الكتاب " أي الكتابة.(6/634)
قال العلامة أحمد شاكر: " يريد الكتابة ". قلت: ففي
الحديث إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس
القراءة والكتابة، والقضاء على الأمية حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك،
فتعلن أن نسبة الأمية قد قلت عندها حتى كادت أن تمحى! فالحديث علم من أعلام
نبوته صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي. ولا يخالف ذلك - كما قد يتوهم
البعض - ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن من أشراط الساعة أن
يرفع العلم ويظهر الجهل لأن المقصود به العلم الشرعي الذي به يعرف الناس ربهم
ويعبدونه حق عبادته، وليس بالكتابة ومحو الأمية كما يدل على ذلك المشاهدة
اليوم، فإن كثيرا من الشعوب الإسلامية فضلا عن غيرها، لم تستفد من تعلمها
القراءة والكتابة على المناهج العصرية إلا الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية
، إلا ما قل وندر، وذلك مما لا حكم له. وإن مما يدل على ما ذكرنا قوله صلى
الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن
يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا
، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ". رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمرو
وصدقته عائشة، وهو مخرج في " الروض النضير " (رقم 579) . ثم بدا لي أن
الحديث صحيح من جهة أخرى، وهي أنه وقع عند الطيالسي تماما لحديث البخاري الذي
صرح فيه الحسن بالسماع. والله تعالى أعلم. (تنبيه) : في حديث ابن مسعود من
رواية " الأدب المفرد " زيادة هامة، يستفاد منها حكمان شرعيان هامان جدا،
وقد بينتهما في كثير من مؤلفاتي من(6/635)
آخرها في التعليق على كتابي الجديد " صحيح
الأدب المفرد " (رقم 801 / 1049) وهو وشيك الانتهاء إن شاء الله تعالى. ثم
طبع وصدر هو وقسيمه " ضعيف الأدب المفرد "، والحمد لله على توفيقه.
2768 - " ستخرج نار قبل يوم القيامة من بحر حضرموت تحشر الناس، قالوا: يا رسول لله
! فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 78) : حدثنا أبو عامر العقدي عن علي
بن المبارك عن يحيى قال: حدثني أبو قلابة قال: حدثني سالم بن عبد الله قال:
حدثني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه أحمد (2 / 99) : حدثنا
يحيى بن إسحاق حدثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير به، ببعض اختصار.
وهذا إسناد صحيح أيضا على شرط مسلم.
2769 - " كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أحدهما يأتي النبي صلى
الله عليه وسلم (وفي رواية: يحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومجلسه)
والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، [فقال: يا
رسول الله! [إن هذا] أخي لا يعينني بشيء] ، فقال صلى الله عليه وسلم: "
لعلك ترزق له " ".
أخرجه الترمذي (2346) والحاكم (1 / 93 - 94) والروياني في " مسنده " (ق
241 / 1) وابن عدي في " الكامل " (2 / 682) وابن عبد البر(6/636)
في " جامع بيان
العلم " (1 / 59) والرواية الأخرى له وكذا الزيادة، والضياء المقدسي في "
المختارة " (1 / 512 - 513) كلهم من طريق أبي داود الطيالسي: حدثنا حماد ابن
سلمة عن ثابت عن أنس قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب "
. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وأبو داود الطيالسي هو سليمان بن داود صاحب المسند المعروف به، وليس الحديث
فيه، وقد قرن به بشر بن السري في رواية الضياء، وأخرجه عنه وحده السهمي في
" تاريخ جرجان " (497) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 302) وله الزيادة
وما فيها من الزيادة. وبشر هذا ثقة من رجال الشيخين، فهي متابعة قوية لأبي
داود الطيالسي.
2770 - " إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن حسنة، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها
في الآخرة، وأما الكافر فيعطى بحسناته [ما عمل بها لله] في الدنيا، فإذا
لقي الله عز وجل يوم القيامة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا ".
أخرجه أحمد (3 / 125) والسياق له، ومسلم (8 / 135) والزيادة له، وكذا
عبد ابن حميد في " المنتخب " (ق 155 / 1) من طريق همام بن يحيى عن قتادة عن
أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.(6/637)
وفي رواية لمسلم من طريق
معتمر قال: سمعت أبي: حدثنا قتادة عن أنس بلفظ: " إن الكافر إذا عمل حسنة
أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة،
ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته ". ولقد تقدم حديث الترجمة في المجلد الأول
برقم (53) مختصرا عما هنا تخريجا، وهناك قاعدة ينبغي الرجوع إليها.
2771 - " * (علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) * ولكن أخبركم بمشاريطها، وما
يكون بين يديها: إن بين يديها فتنة وهرجا. قالوا: يا رسول الله! الفتنة قد
عرفناها فالهرج ما هو؟ قال: بلسان الحبشة: القتل، ويلقى بين الناس التناكر
فلا يكاد أحد أن يعرف أحدا ".
أخرجه أحمد (5 / 389) عن حذيفة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الساعة؟ فقال: فذكره. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي
في " مجمع الزوائد " (7 / 309) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ". ثم
ذكر له شاهدا (7 / 324) من رواية الطبراني، أي في " الكبير "، وقال: "
وفيه راو لم يسم ".(6/638)
2772 - " لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ويتقارب
الزمان ويكثر الهرج. قيل: وما الهرج؟ قال: القتل ".
أخرجه أحمد (2 / 519) عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال
الشيخين غير سعيد بن سمعان هذا، وهو ثقة كما قال الهيثمي في " المجمع " (7 /
327) والحافظ في " التقريب ".
2773 - " لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا عاما، ولا تنبت الأرض شيئا ".
أخرجه أحمد (3 / 140) وأبو يعلى (3 / 1072) والبخاري في " التاريخ " (4
/ 1 / 362) تعليقا من طريق حسين بن واقد: حدثني معاذ بن حرملة الأزدي قال:
سمعت أنسا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت:
وإسناده حسن في المتابعات والشواهد، رجاله ثقات رجال مسلم غير معاذ هذا، وقد
ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 423) ولم يذكر هو وغيره راويا عنه غير
حسين بن واقد. لكنه قد توبع، فرواه حماد عن ثابت عن أنس قال: كنا نتحدث أنه
لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء ولا تنبت الأرض..(6/639)
الحديث ذكره حماد هكذا،
وقد ذكر حماد أيضا عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشك، وقد
قال أيضا عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أحسب. أخرجه أحمد (
3 / 286) وأبو يعلى (3 / 893) . وإسناده صحيح على شرط مسلم، ولا يضره
شكه في رفعه، لأنه في حكم المرفوع كما هو ظاهر، ولاسيما وقد رفعه في الطريق
الأولى. والله تعالى أعلم.
2774 - " أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى
صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه نارا، فلما ارتفع عنه
وأفاق قال: على ما جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة واحدة بغير طهور، ومررت
على مظلوم فلم تنصره ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 231) : حدثنا فهد بن سليمان قال:
حدثنا عمرو بن عون الواسطي قال: حدثنا جعفر بن سليمان عن عاصم عن شقيق عن
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد
جيد رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير فهد هذا، وهو ثقة ثبت كما قال
ابن يونس في " الغرباء " كما في " رجال معاني الآثار " (85 / 1) ، وعاصم هو
ابن أبي النجود وهو ابن بهدلة، قال الحافظ: " صدوق له أوهام، حجة في
القراءة، وحديثه في الصحيحين ". والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (3
/ 148) برواية أبي الشيخ ابن حيان في " كتاب التوبيخ "، وأشار إلى تضعيفه!
ففاته هذا المصدر العزيز بالسند الجيد. وليس الحديث في الجزء المطبوع من "
كتاب التوبيخ ".(6/640)
وللحديث شاهد من حديث ابن عمر نحوه مختصرا ليس فيه دعاء
المضروب، وإسناده ضعيف كما هو مبين في الكتاب الآخر (2188) . من فقه الحديث
: قال الطحاوي عقبه: " فيه ما قد دل أن تارك الصلاة لم يكن بذلك كافرا، لأنه
لو كان كافرا لكان دعاؤه باطلا لقول الله تعالى: * (وما دعاء الكافرين إلا في
ضلال) * ". ونقله عنه ابن عبد البر في " التمهيد " (4 / 239) وأقره، بل
وأيده بتأويل الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة على أن معناها: " من ترك
الصلاة جاحدا لها معاندا مستكبرا غير مقر بفرضها. وألزم من قال بكفره بها
وقبلها على ظاهرها فيهم أن يكفر القاتل والشاتم للمسلم، وأن يكفر الزاني و..
و.. إلى غير ذلك مما جاء في الأحاديث لا يخرج بها العلماء المؤمن من الإسلام،
وإن كان بفعل ذلك فاسقا عندهم، فغير نكير أن تكون الآثار في تارك الصلاة كذلك
". قلت: وهذا هو الحق، وانظر الحديث الآتي (3054) فإنه نص قاطع.
2775 - " كان يعوذ بهذه الكلمات: " [اللهم رب الناس] أذهب الباس، واشف وأنت
الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ". فلما ثقل في مرضه الذي مات
فيه أخذت بيده فجعلت أمسحه [بها] وأقولها، فنزع يده من يدي، وقال:(6/641)
"
اللهم اغفر لي وألحقني بالرفيق الأعلى ". قالت: فكان هذا آخر ما سمعت من
كلامه صلى الله عليه وسلم ".
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه " (8 / 1 / 45 - 46) قال: حدثنا أبو
معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة قالت: ... قلت: وهذا إسناد
صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه كما يأتي. وأخرجه مسلم (7 / 15) وابن
ماجه (1619) من طريق ابن أبي شيبة. وتابعه عند مسلم أبو كريب. وتابعهما
الإمام أحمد (6 / 45) : حدثنا أبو معاوية به، والزيادة الثانية له، ومسلم
هو ابن صبيح أبو الضحى. وتابعه سفيان عن الأعمش دون قوله: فلما ثقل بلفظ: "
كان يعوذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول " فذكره، وفيه الزيادة الأولى
أخرجه البخاري (5743 و 5750) ومسلم، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (
1010) وأحمد (6 / 44 و 127) وقال في رواية: ".. ثم قال: أذهب البأس..
الحديث ". وشعبة عن الأعمش به. أخرجه مسلم والطيالسي (1404) وأحمد (6 /
45 و 126) . وتابعه جرير عنه مثل رواية سفيان الثانية عند أحمد. أخرجه مسلم
. وتابعه هشيم أيضا عنه.(6/642)
أخرجه مسلم، وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 1100)
وعنه ابن السني في " عمل اليوم " (545) به نحوه. وتابع الأعمش منصور عن
أبي الضحى بلفظ: " كان إذا أتى المريض يدعو له قال:.. " فذكره. أخرجه مسلم
والنسائي (1011) وابن ماجه (3520) . وتابع أبا الضحى إبراهيم عن مسروق
بلفظ: " كان إذا أتى مريضا أو أتي به إليه قال:.. " فذكره. أخرجه البخاري (
5675) ومسلم والنسائي (1012 - 1014) وأحمد (6 / 109 و 278) وأبو يعلى
(1178) . وله طريق أخرى من رواية هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن عائشة:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي.. " فذكر الدعاء. أخرجه البخاري
(5744) ومسلم أيضا، والنسائي (1019 و 1020) وأحمد (6 / 50) وعبد بن
حميد في " مسنده " (ق 193 / 1) . قلت: وفي الحديث مشروعية ترقية المريض
بهذا الدعاء الشريف، وذلك من العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: " من استطاع
منكم أن ينفع أخاه فليفعل ". رواه مسلم، وقد مضى تخريجه برقم (473) وقد
ترجم له البخاري بقوله: " باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم "، وقال الحافظ
في " الفتح " (10 / 207) : " ويؤخذ من هذا الحديث أن الإضافة في الترجمة
للفاعل، وقد ورد ما يدل على أنها للمفعول، وذلك فيما أخرجه مسلم [7 / 13]
عن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد!
اشتكيت؟ قال: نعم. قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من كل نفس أو عين
حاسد، الله يشفيك ".(6/643)
(تنبيه) : قوله في الحديث: " يعوذ " أي: غيره،
وإليه أشار البخاري في ترجمته، وشرحه الحافظ. وهكذا وقع في كل المصادر التي
سبق ذكرها ومنها " مصنف ابن أبي شيبة " الذي من طريقه تلقاه ابن ماجه كما تقدم
، لكن وقع فيه بلفظ: " يتعوذ "، أي هو صلى الله عليه وسلم، فاختلف المعنى،
والصواب المحفوظ الأول، ويبدو أنه خطأ قديم، فإنه كذلك وقع في كل نسخ ابن
ماجه التي وقفت عليها، مثل طبعة إحياء السنة - الهندية، والطبعة التازية،
وعبد الباقي، والأعظمي، ولعل ذلك من بعض رواة كتاب ابن ماجه، أو من بعض
النساخ. والله أعلم. ووقعت هذه اللفظة في " رياض الصالحين " في النسخ
المطبوعة التي وقفت عليها، منها طبعة المكتب الإسلامي التي حققت وبينت مراتب
أحاديثها (رقم 906) بلفظ " يعود " من عيادة المريض، وكذلك وقع في متن وشرح
ابن علان (3 / 381) المسمى بـ " دليل الفالحين "، فتنبه ولا تكن من
الغافلين.
2776 - " ما من مسلم تدرك له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه
الجنة ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 14) وابن ماجه (2 / 391) والحاكم (
4 / 178) وأحمد (رقم 2104 و 3424) وابن حبان (2043) والضياء في "
المختارة " (61 / 266 / 2 - 267 / 1) من طريق شرحبيل بن سعد عن ابن عباس
مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت:
شرحبيل واه ". وهو كما قال الذهبي رحمه الله، فإن شرحبيل هذا تكلم فيه من
وجهين: الاتهام، والاختلاط. ففي " الميزان ":(6/644)
" عن ابن أبي ذئب قال: كان
شرحبيل بن سعد متهما، وقال ابن معين: ضعيف، وعن مالك: ليس بثقة، وعن
سفيان قال: لم يكن أحد أعلم بالبدريين منه، أصابته حاجة وكانوا يخافون إذا
جاء إلى الرجل يطلب منه الشيء فلم يعطه أن يقول: " لم يشهد أبوك بدرا "!
وقال أبو زرعة: فيه لين، وقال ابن سعد: بقي حتى اختلط واحتاج، ليس يحتج به
، وقال النسائي والدارقطني: ضعيف. زاد الثاني: يعتبر به، وذكره ابن حبان
في " ثقاته "، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه أنكار، وهو إلى الضعف أقرب ".
وأورده ابن البرقي في " باب من كان الأغلب عليه الضعف " كما في " تهذيب
التهذيب ". فاعجب بعد هذا لقول الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على المسند بعد
أن ساق قول سفيان المتقدم: " فهذا هو السبب عندي في تضعيف من ضعفه فالإنصاف أن
تعتبر رواياته فيما يتعلق بمثل هذا الذي اتهم به، وأما أن ترد رواياته كلها
فلا، إذا كان صدوقا "! وبناء على ذلك صرح بأن إسناد حديثه هذا صحيح! ولا
يخفى على اللبيب أن ما ذهب إليه من السبب إنما هي دعوى لا دليل عليها، ثم لو
صحت، لكان هناك السبب الآخر لا يزال قائما ومانعا من الاحتجاج بحديثه ألا
وهو الاختلاط، وكأنه لذلك وقعت في أحاديثه النكارة كما أشار إلى ذلك ابن عدي،
وتصحيح حديثه ورواياته لازمه رد أقوال أولئك الأئمة الجارحين بسبب بين،
وذاك لا يجوز كما تقرر في مصطلح الحديث. إذا علمت هذا فلا تغتر بقول المنذري في
" الترغيب " (3 / 83) : " رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه
من رواية شرحبيل عنه ". ولهذا قال الحافظ الناجي في " عجالة الإملاء " (ق
169 / 2) في رده عليه: " اغتر بابن حبان والحاكم في تصحيح سنده، وفيه
شرحبيل بن سعد المدني(6/645)
أبي سعد المدني، وهو صدوق اختلط بأخرة، وفيه كلام
معروف، وقد ذكره المصنف في الرواة المختلف فيهم آخر هذا الكتاب وجرحه،
وذكر أن ابن حبان ذكره في " الثقات "، وأخرج له في صحيحه " غير ما حديث،
ولعل هذا هو الذي غره ". فالحق أن الرجل ضعيف لا يحتج به، ولعله ممن يستشهد
به. وأنا أرى أن حديثه هذا ليس بالمنكر، بل هو جيد لأن له شواهد كثيرة تقدم
ذكر بعضها في المجلد الأول (294 - 297) ، أقربها حديث مسلم " من عال جاريتين
حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه "، ومضى برقم (297)
ولفظه عند البخاري في " الأدب المفرد " (894) : ".. أنا وهو في الجنة كهاتين
".
2777 - " إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثا من الموالي [من دمشق] هم أكرم العرب فرسا
وأجوده سلاحا، يؤيد الله بهم الدين ".
أخرجه ابن ماجه (4090) والحاكم (4 / 548) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (
1 / 258 - 260) من طريق عثمان بن أبي عاتكة: حدثنا سليمان بن حبيب المحاربي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري ". قلت: ووافقه الذهبي، لكن
وقع في " تلخيصه " (م) يعني على شرط مسلم! والأول أقرب إلى الصواب، لأن
مسلما لم يخرج لعثمان هذا، والبخاري إنما أخرج له في " الأدب المفرد ". ثم
إن إسناده غير قابل للصحة، وأما الحسن فمحتمل لأنه - أعني عثمان -(6/646)
مختلف فيه
كما قال البوصيري في " الزوائد " (274 / 2 - مصورة المكتب) وحسن إسناده!
وقال الذهبي في " الضعفاء ": " صويلح، ضعفه النسائي وغيره ". وفي " الكاشف
": " ضعفه النسائي، ووثقه غيره ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعفوه
في روايته عن علي بن يزيد الألهاني ". قلت: فهو حسن الحديث في غير روايته عن
الألهاني. والله أعلم.
2778 - " هلاك أمتي في الكتاب واللبن. قالوا: يا رسول الله ما الكتاب واللبن؟ قال
: يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عز وجل، ويحبون اللبن
فيدعون الجماعات والجمع، ويبدون ".
أخرجه الإمام أحمد (4 / 155) : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا ابن لهيعة عن أبي
قبيل قال: لم أسمع من عقبة بن عامر إلا هذا الحديث، قال ابن لهيعة: وحدثنيه
يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرجه ابن عبد الحكم في " فتوح مصر "
(293) : حدثناه المقرىء وأبو الأسود النضر بن عبد الجبار عن ابن لهيعة عن
أبي قبيل وحده. قلت: وهذا الحديث من أحاديث ابن لهيعة الصحيحة، لأنه من
رواية أبي عبد الرحمن عنه، واسمه عبد الله بن يزيد المقرىء المكي، وهو ثقة
من رجال(6/647)
الشيخين ومن كبار شيوخ البخاري، وقد ذكروا أنه من العبادلة الذين
رووا عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه وأنه صحيح الحديث فيما رووه عنه. وقد روى
هذا بإسنادين: الأول: عن أبي قبيل عن عقبة. والآخر: عن يزيد بن أبي حبيب
عن أبي الخير عن عقبة. وهذا إسناد صحيح، لأن من فوق ابن لهيعة ثقتان من رجال
الشيخين أيضا، وأبو الخير اسمه مرثد بن عبد الله اليزني. وأما إسناده الأول
فحسن لأن أبا قبيل واسمه حيي بن هاني المعافري وثقه جماعة منهم أحمد، وضعفه
بعضهم، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ". فهو حسن الحديث على
الأقل، والله أعلم. والحديث أخرجه الفسوي في " التاريخ " (2 / 507) وأبو
يعلى في " مسنده " (2 / 284 رقم 1746 ط) والهروي في " ذم الكلام " (2 / 28
/ 1) وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2 / 193) كلهم عن عبد الله بن
يزيد به، إلا أن الهروي زاد في الإسناد بين ابن لهيعة وأبي قبيل: عقبة
الحضرمي، وهي زيادة شاذة لتصريح الجماعة في روايتهم بسماع ابن لهيعة لهذا
الحديث من أبي قبيل، ولو صحت لم تضر لأن عقبة هذا - وهو ابن مسلم التجيبي -
ثقة بلا خلاف. ثم أخرجه أحمد (4 / 146) والطبراني في " المعجم الكبير " (
17 / 296 / 816) من طريقين آخرين عن ابن لهيعة به دون ذكر عقبة الحضرمي.(6/648)
وتابعه أبو السمح عند أحمد (4 / 156) ومن طريق ابن عبد البر، والطبراني (
818) ، ولفظه مخالف لحديث الترجمة، ولذلك خرجته في " الضعيفة " (1779) .
والليث - وهو ابن سعد - عند الطبراني (815) وابن عبد البر. ومالك بن
الخير الزيادي عند الطبراني (817) . فهذه المتابعات من هؤلاء لابن لهيعة تؤكد
أنه قد حفظ هذا الحديث، فالحمد لله. (فائدة) : ترجم ابن عبد البر لهذا
الحديث بقوله: " باب فيمن تأول القرآن أو تدبره وهو جاهل بالسنة ". ثم قال
تحته: " أهل البدع أجمع أضربوا عن السنن، وتأولوا الكتاب على غير ما بينت
السنة، فضلوا وأضلوا. نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التوفيق والعصمة ".
قلت: ومن ضلالهم تغافلهم عن قوله تعالى في كتابه موجها إلى نبيه صلى الله
عليه وسلم: * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) *. ثم إن
الحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " لـ (حم، هب، وأبو نصر السجزي في
" الإبانة " عن عقبة بن عامر) . ولم يورده في " الجامع الصغير ". (تنبيه)
: وقع من بعضهم حول هذا الحديث أوهام لابد من بيانها: لقد ضعفه الهيثمي في "
مجمع الزوائد " بقوله (8 / 104 - 105) : " رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة وهو
لين، وبقية رجاله ثقات ".(6/649)
قلت: فخفي عليه أمران: الأول: أن ابن لهيعة
صحيح الحديث في رواية العبادلة عنه، وهذا من رواية أحدهم، وهو أبو عبد
الرحمن المقرىء كما تقدم. والآخر: أن ابن لهيعة لم يتفرد به بل تابعه الليث
بن سعد وغيره كما سبق بيانه. وقلده في هذا كله المعلق على " مسند أبي يعلى "
السيد حسين سليم أسد، فقال (3 / 285) : " إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة،
وأبو عبد الرحمن هو عبد الله بن يزيد المقرىء "!! وقوله: (يبدون) أي يخرجون
إلى البادية لطلب مواضع اللبن في المراعي، كما في " النهاية ".
2779 - " احبس عليك مالك. قاله لمن أراد أن يتصدق بحلي أمه ولم توصه ".
أخرجه الطبراني (17 / 281 / 773) من طريقين عن وهب بن جرير: حدثني أبي قال:
سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله
اليزني عن عقبة بن عامر قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن
أمي توفيت وتركت حليا ولم توص، فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ فقال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ويحيى بن أيوب هو الغافقي، قال
الحافظ:(6/650)
" صدوق ربما أخطأ ". وقد تابعه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب به
نحوه، ولفظه: ".. أفأتصدق به عنها؟ قال: أمك أمرتك بذلك؟ قال: لا. قال
: فأمسك عليك حلي أمك ". أخرجه أحمد (4 / 157) . ثم أخرجه من طريق رشدين:
حدثني عمرو بن الحارث والحسن بن ثوبان عن يزيد بن أبي حبيب به مختصرا. قلت:
وهذا الحديث من صحيح حديث ابن لهيعة أيضا للمتابعات المذكورة. من فقه الحديث
: واعلم أن ظاهر الحديث يدل أنه ليس للولد أن يتصدق عن أمه إذا لم توص. وقد
جاءت أحاديث صريحة بخلافه، منها حديث ابن عباس: أن سعد بن عبادة قال: يا
رسول الله! إن أمي توفيت - وأنا غائب عنها - فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟
قال: نعم. وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 172) و " صحيح أبي داود " (
2566) وفي معناه أحاديث أخرى مذكورة هناك. أقول: فلعل الجمع بينه وبينها
أن يحمل على أن الرجل السائل كان فقيرا محتاجا، ولذلك أمره بأن يمسك ماله.
ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يجبه على سؤاله: فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟
بقوله مثلا: " لا "، وإنما قال له: " احبس عليك مالك "، أي لحاجته إليه.
هذا ما بدا لي. والله أعلم.(6/651)
2780 - " كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقلنا: زالت الشمس، أو
لم تزل صلى الظهر ثم ارتحل ".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 113) : حدثنا أبو معاوية حدثنا مسحاج الضبي قال:
سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح ثلاثي من ثلاثيات
أحمد رحمه الله تعالى، وأخرجه أبو داود عن طريق مسدد: حدثنا أبو معاوية به.
وقد أوردته في " صحيح أبي داود " برقم (1087) منذ سنين، ثم وقفت على كلام
لابن حبان يصرح فيه بإنكار الحديث، فرأيت أنه لابد من تحقيق الكلام عليه،
فأقول: قال ابن حبان في ترجمة مسحاج بن موسى الضبي من كتابه " الضعفاء " (3 /
32) : " روى حديثا واحدا منكرا في تقديم صلاة الظهر قبل الوقت للمسافر - لا
يجوز الاحتجاج به "! ثم قال: " سمعت أحمد بن محمد بن الحسين: سمعت الحسن بن
عيسى: قلت لابن المبارك: حدثنا أبو نعيم بحديث حسن. قال: ما هو؟ قلت:
حدثنا أبو نعيم عن مسحاج.. (فذكر الحديث) ، فقال ابن المبارك: وما حسن هذا
الحديث؟! أنا أقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الزوال وقبل
الوقت؟! ". قلت: وهذا إن صح عن ابن المبارك، فهو عجيب من مثل هذا الإمام،
فإن الحديث ليس فيه الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي قبل
الزوال.. وإنما فيه أن الصحابة أو بعضهم كانوا إذا صلى النبي صلى الله عليه
وسلم الظهر، يشكون هل زالت الشمس أم لا، وما ذلك إلا إشارة من أنس إلى أنه
إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها في أول وقتها بعد تحقق(6/652)
دخوله كما أفاده
الشيخ السفاريني في " شرح ثلاثيات مسند أحمد " (2 / 196) ونحوه ما في " عون
المعبود " (1 / 467) : " أي: لم يتيقن أنس وغيره بزوال الشمس ولا بعدمه،
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان أعرف الناس للأوقات، فلا يصلي الظهر إلا
بعد الزوال، وفيه الدليل إلى مبادرة صلاة الظهر بعد الزوال معا من غير تأخير
". وقد بوب أبو داود للحديث بقوله: " باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت "
، وعلق عليه صاحب " العون " فقال: " هل جاء وقت الصلاة أم لا؟ فلا اعتبار
لشكه، وإنما الاعتماد في معرفة الأوقات على الإمام، فإن تيقن الإمام بمجيء
الوقت، فلا يعتبر بشك بعض الأتباع ". وقوله: " على الإمام "، وأقول: أو
على من أنابه الإمام من المؤذنين المؤتمنين الذين دعا لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالمغفرة، وهو الذين يؤذنون لكل صلاة في وقتها، وقد أصبح هؤلاء
في هذا الزمن أندر من الكبريت الأحمر، فقل منهم من يؤذن على التوقيت الشرعي،
بل جمهورهم يؤذنون على التوقيت الفلكي المسطر على التقاويم و (الروزنامات) ،
وهو غير صحيح لمخالفته للواقع، وفي هذا اليوم مثلا (السبت 20 محرم سنة 1406
) طلعت الشمس من على قمة الجبل في الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة، وفي
تقويم وزارة الأوقاف أنها تطلع في الساعة الخامسة والدقيقة الثالثة والثلاثين
! هذا وأنا على (جبل هملان) ، فما بالك بالنسبة للذين هم في (وسط عمان) ؟
لا شك أنه يتأخر طلوعها عنهم أكثر من طلوعها على (هملان) . ومع الأسف فإنهم
يؤذنون للفجر هنا قبل الوقت بفرق يتراوح ما بين عشرين دقيقة إلى ثلاثين،
وبناء عليه ففي بعض المساجد يصلون الفجر ثم يخرجون من المسجد ولما يطلع الفجر
بعد، ولقد عمت هذه المصيبة كثيرا(6/653)
من البلاد الإسلامية كالكويت والمغرب
والطائف وغيرها، ويؤذنون هنا للمغرب بعد غروب الشمس بفرق 5 - 10 دقائق.
ولما اعتمرت في رمضان السنة الماضية صعدت في المدينة إلى الطابق الأعلى من
البناية التي كنت زرت فيها أحد إخواننا لمراقبة غروب الشمس وأنا صائم، فما
أذن إلا بعد غروبها بـ (13 دقيقة) ! وأما في جدة فقد صعدت بناية هناك يسكن
في شقة منها صهر لي، فما كادت الشمس أن تغرب إلا وسمعت الأذان. فحمدت الله
على ذلك. هذا، وإذا عرفت معنى الحديث وأنه ليس فيه ما زعمه ابن حبان من
تقديم صلاة الظهر قبل الوقت للمسافر، سقط قوله: أن الحديث منكر، وأن راويه
مسحاج لا يحتج به، ولاسيما وقد وثقه من هو أعلى كعبا منه في هذا الفن، فقد
ذكر ابن أبي حاتم في كتابه (4 / 1 / 430) أن يحيى بن معين قال فيه: ثقة.
وقال أبو زرعة: لا بأس به، وفي " الميزان " و " التهذيب " عن أبي داود أنه
قال أيضا: ثقة. وإن مما يقرب لك معنى الحديث، وأنه لا نكارة فيه، علاوة
على ما سبق من البيان ما رواه البخاري (1683) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق
عن عبد الرحمن ابن يزيد عن ابن مسعود أنه قدم (جمعا) .. فصلى الفجر حين طلع
الفجر، قائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر.. الحديث.
وأبو إسحاق وإن كان اختلط، فهو شاهد جيد لما نحن فيه. وبعد، فإنما قلت في
إسناد ابن حبان: " إن صح.. "، لأنني لم أعرف شيخه أحمد ابن محمد بن الحسين،
وقد روى له في " صحيحه "، ورأيت له في " موارد الظمآن في زوائد ابن حبان "
ثلاثة أحاديث (823 و 2327 و 2360) ، ووصفه في الثاني منهما بـ " نافلة
الحسين بن عيسى "، أي ولد ولده. فالله سبحانه وتعالى أعلم. ثم رأيت الذهبي
قد ترجمه في " السير " (14 / 405 - 406) ووصفه بأنه " الماسرجسي، الإمام
المحدث العالم الثقة.. سبط الحسن بن عيسى.. ".(6/654)
(تنبيه) : وقع الحديث في "
الضعفاء " بلفظ: " صلاة الظهر "، مكان " صلى الظهر "، فقال محققه محمود
إبراهيم زايد: " هكذا في المخطوطة، ولم أعثر عليه فيما لدي من المراجع،
ويشبه أن يكون الأصل: فصلى صلاة الظهر "! قلت: هكذا فليكن التحقيق! أليس
عندك " سنن أبي داود " على الأقل لتصحح عليه؟! والصواب: " صلى الظهر "،
وأنا أظن أن لفظة " صلى " تحرف على الناسخ إلى " صلاة "!
2781 - " كان يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين، وأنا معهما. أي عمر ".
أخرجه الترمذي (رقم 169) وابن حبان (276) والبيهقي (1 / 452) وأحمد (
1 / 25) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر بن الخطاب
قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن، وقد روى هذا الحديث الحسن بن
عبيد الله عن إبراهيم عن علقمة عن رجل من جعفي يقال له: " قيس " أو " ابن قيس
" عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في قصة طويلة ".
قلت: وصله البيهقي من طريق عبد الواحد بن زياد: حدثنا الحسن بن عبيد الله به
، قال: " فذكر القصة بمعناه، إلا أنه لم يذكر قصة السمر ". وكذلك وصله أحمد
(1 / 38) من هذا الوجه. لكنه رواه من طريق أبي معاوية أيضا قال - عطفا على
الرواية الأولى -:(6/655)
وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه - أي عمر رضي
الله عنه - قال:.. فذكر القصة، وفيها حديث الترجمة. قلت: وهذا إسناد
صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب ". وروى الحاكم (3 / 318) طرفا
من القصة من طريق سفيان عن الأعمش مثل رواية أبي معاوية الأولى، وقال: "
صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! ولم يتنبها للانقطاع الذي بينته
رواية الحسن بن عبيد الله. وللحديث شاهد من رواية كميل بن زياد عن علي رضي
الله عنه بمعناه. أخرجه الحاكم (3 / 317) وصححه. ووافقه الذهبي.
2782 - " يخرج من (عدن أبين) اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله، هم خير من بيني
وبينهم ".
أخرجه أحمد في " مسنده " (1 / 333) : حدثنا عبد الرزاق عن المنذر بن النعمان
الأفطس قال: سمعت وهبا يحدث عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. قال لي معمر: " اذهب فاسأله عن هذا الحديث ". ومن طريق
أحمد أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17 / 474 / 1) والطبراني في "
المعجم الكبير " (11 / 56 / 11029) من طريق عبد الرزاق، وكذا ابن أبي حاتم
في ترجمة منذر بن النعمان (4 / 1 / 242 - 243) وروى عن ابن معين أنه قال: "
ثقة "، لكن وقع الحديث عنده موقوفا ليس فيه " قال(6/656)
رسول الله صلى الله عليه
وسلم "، فلا أدري أسقط ذلك من بعض النساخ، أو الرواية هكذا وقعت له، وعلى
كل فالحديث مرفوع يقينا للمصادر التي رفعته، ولأنه في حكم المرفوع، فإنه من
الأمور الغيبية التي لا مدخل للرأي فيها. والسند صحيح لأن رجاله ثقات رجال
الشيخين غير المنذر هذا، وقد وثقه ابن معين كما رأيت، وذكره ابن حبان في
أتباع التابعين من " ثقاته " (7 / 481) ، وقد وثقه الإمام أحمد أيضا، وهذا
من النفائس التي وقفت عليها - بفضله تعالى - في بعض المخطوطات المحفوظة في
المكتبة الظاهرية بدمشق الشام حرسها الله تعالى، فقد ذكر الحديث ابن قدامة في
" المنتخب " (10 / 194 / 2) من طريق حنبل: حدثنا أبو عبد الله حدثنا عبد
الرزاق.. إلخ. قال أبو عبد الله: " المنذر بن النعمان ثقة صنعاني، ليس في
حديثه مسند غير هذا ". وهذه فائدة عزيزة، فشد يديك عليها. هذا، ولم يتفرد
عبد الرزاق به، فقد تابعه معتمر بن سليمان عن المنذر به. أخرجه أبو يعلى في "
المسند " (2 / 636) والحسن بن علي الجوهري في " فوائد منتقاة " (ق 28 / 2)
، وزاد أبو يعلى: " قال المعتمر: أظنه قال: في الأعماق ". وتابعه أيضا
محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني: حدثنا منذر بن الأفطس. أخرجه ابن عدي في "
الكامل " (6 / 2184) قال: حدثنا محمد بن الحسن بن محمد بن زياد حدثنا علي بن
بحر البري حدثنا محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني به. ومن طريق ابن عدي أورده
ابن الجوزي في " الأحاديث الواهية "، وتعلق بما لا يصلح له، فقال (1 / 306
- 307) :(6/657)
" هذا حديث لا يصح، فإن محمد بن الحسن بن أتش مجروح، قال: ابن
حماد: هو متروك الحديث. ومحمد بن الحسن بن محمد بن زياد قال فيه طلحة بن
محمد بن جعفر: كان يكذب ". فأقول: هذا التجريح لا قيمة له البتة، وذلك من
وجهين: الأول: أنهما لم يتفردا بالحديث كما قدمنا، ومن العجيب الغريب أن
يخفى ذلك على ابن الجوزي أو على الأقل بعضه.. وهو في " مسند أحمد " بسند صحيح
كما تقدم. والآخر: أن ابن أتش لا يبلغ أمره أن يترك، فإنه قد وثقه جمع منهم
أبو حاتم، ومخالفة ابن حماد - وهو الدولابي مؤلف الكنى - متكلم فيه، كما في
" الميزان " و " اللسان "، فتجريحه لا ينهض لمعارضته توثيق أبي حاتم،
ولاسيما وهذا معدود من المتشددين! وكذلك يقال عن قول الأزدي فيه مثل قول
الدولابي فإنه مطعون فيه. نعم قد وافقهما النسائي كما في " التهذيب "، لكن رد
ذلك الحافظ أحمد بن صالح فقال: " هو ثقة، وكلام النسائي فيه غير مقبول ".
قال الحافظ عقبه: " لأن أحمد وعلي بن المديني لا يرويان إلا عن مقبول، مع
قول أحمد بن صالح فيه ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق فيه لين "
. ومثله محمد بن الحسن بن زياد، فقد قال فيه الذهبي والعسقلاني: " هو صدوق
، أخطأ في حقه من كذبه، ولكن ما هو بعمدة ".(6/658)
قلت: وبالجملة لو أن الحديث
لم يأت إلا من طريقهما لكان ضعيفا، أما وقد جاء من طريق بعض الثقات فحديثهما
يصلح في الشواهد والمتابعات. والله ولي التوفيق.
2783 - " استتروا في صلاتكم (وفي رواية: ليستتر أحدكم في صلاته) ولو بسهم ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " رقم (810) وأبو يعلى (2 / 239 / 941)
والحاكم (1 / 552) والبيهقي (2 / 270) وابن أبي شيبة في " المصنف " (1 /
278) وأحمد (3 / 404) والطبراني في " المعجم الكبير " (7 / 133 - 134)
والبغوي في " شرح السنة " (2 / 403) وحسنه عن جمع من الثقات: إبراهيم بن سعد
وحرملة بن عبد العزيز وزيد بن الحباب وسبرة أخي حرملة ويعقوب بن إبراهيم،
خمستهم عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه
الذهبي. قلت: وفيه نظر من ناحيتين: الأولى: أن عبد الملك هذا قال أبو
الحسن بن القطان: " لم تثبت عدالته، وإن كان مسلم أخرج له، فغير محتج به "
. قال الحافظ في " التهذيب " عقبه: " ومسلم إنما أخرج له حديثا واحدا في
المتعة متابعة ". قلت: فليس هو على شرط مسلم إلا إن توبع. قال الحافظ أيضا:(6/659)
" قلت: وثقه العجلي، قال أبو خيثمة: سئل ابن معين عن أحاديث عبد الملك عن
أبيه عن جده؟ فقال: ضعاف ". قلت: وهذا الإطلاق غير مسلم له على إطلاقه على
الأقل، فإن الإمام أحمد والطبراني ساقا له مع هذا الحديث حديثين آخرين أحدهما
في أمر الصبي بالصلاة وهو ابن سبع، والآخر في النهي عن الصلاة في أعطان
الإبل، وزاد الطبراني ثالثا في النهي عن متعة النساء، وهذا في صحيح مسلم من
طريق آخر عن الربيع بن سبرة، وهو الذي أشار إليه الحافظ آنفا، وحديث
الأعطان له شواهد مخرج بعضها في " صحيح أبي داود " (177) ، وحديث الصبي كذلك
وهو مخرج في " الإرواء " (247) و " صحيح أبي داود " (508) وقد صححه جمع
كالترمذي والحاكم وابن خزيمة والنووي والذهبي، فكيف يصح أن يقال: "
أحاديثه ضعاف "؟! فلم يبق النظر إلا في حديث الترجمة، - وهي الناحية الأخرى
- وقد يبدو - بادي الرأي - أنه ضعيف من أجل ما قيل في عبد الملك هذا، وهو
الذي كنت ذهبت إليه قديما، فأوردته في الكتاب الآخر برقم (2760) ، ثم تنبهت
لحقيقتين هامتين: الأولى: توثيق العجلي إياه، وهو وإن كان متساهلا في
التوثيق في نقدي، فهو في ذلك كابن حبان عندي، إلا أنه قد اقترن معه تصحيح ابن
خزيمة والحاكم والذهبي لهذا الحديث، وأقره على تصحيحه الإمام النووي في "
المجموع " (3 / 248 - 249) وتصحيحهم جميعا ومعهم الترمذي لحديث الصبي كما
تقدم، وذلك يعني أن عبد الملك ثقة عندهم كما هو ظاهر. والأخرى: تصريح
الإمام الذهبي بذلك، فقال في " الميزان ": " صدوق إن شاء الله، ضعفه يحيى بن
معين فقط ".(6/660)
وقال في " الكاشف ": " ثقة ". فلم يعتد بتضعيف ابن معين، ولا
بتجهيل ابن القطان. ووجهه عندي اعتداده برواية هؤلاء الثقات عنه، مع عدم
وجود أي منكر في مروياته، فالنفس تطمئن - والحالة هذه - لقبول ما تفرد به إلا
إذا خالف الثقات، وهو في هذا الحديث لم يخالف، بل وافق ما هو مشهور من صلاته
صلى الله عليه وسلم إلى الحربة، وهو مخرج في كتابي " إرواء الغليل " (504)
. ثم إن للحديث شاهدا، ولكنه مما لا يفرح به لشدة ضعفه، لأنه يرويه محمد بن
القاسم الأسدي: حدثنا ثور بن يزيد عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول عن يزيد
ابن جابر عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " يجزىء من السترة مثل مؤخرة الرحل ولو
بدق شعرة ". أخرجه ابن خزيمة (808) والحاكم وقال: " صحيح على شرط الشيخين
"! ووافقه الذهبي! وقال ابن خزيمة: " أخاف أن يكون محمد بن القاسم وهم في
رفع هذا الخبر ". قلت: يشير إلى ما رواه عبد الرزاق في " المصنف " (2290)
عن الثوري عن يزيد ابن يزيد بن جابر عن أبيه عن أبي هريرة قال: فذكره. ثم
رواه عن معمر عن إسماعيل بن أمية رفع الحديث إلى أبي هريرة قال: فذكره موقوفا
أيضا. قلت: وهذا متصل، وما قبله معضل، لكن يزيد بن جابر، كأنه مجهول،
فإن البخاري وابن أبي حاتم لم يذكرا عنه راويا سوى مكحول، ومع ذلك ذكره ابن(6/661)
حبان في " الثقات " (5 / 535) ! ولذا قال ابن القطان: " لا يعرف ". وأما
قول الحافظ العراقي كما نقله العسقلاني في " اللسان ": " هو معروف الحال "!
فهو غير واضح، ما دام أنه لا يعرف إلا بهذه الرواية المرفوعة والموقوفة وقد
أخرج الأولى منها ابن عدي أيضا في " الكامل " (6 / 2253 - 2254) والطبراني
في " مسند الشاميين " (ص 123 - مصورة الجامعة الإسلامية) ، ووقع في مطبوعة "
الكامل ": " ولو بدق شعره "! وهذا من التحريفات الكثيرة التي وقعت في هذه
المطبوعة بتحقيق لجنة من المختصين بإشراف الناشر! وصلى الله على محمد القائل
: " يسمونها بغير اسمها "! (تنبيه) : سبق أن ذكرت أن الحاكم قال: " صحيح
على شرط مسلم "، وقد سقطت هذه العبارة من مطبوعة " المستدرك "، فاستدركتها
من " المجموع " للنووي، وقد بقي في " تلخيص المستدرك " ما يدل على أنها ثابتة
في أصله: " المستدرك " وهو قوله: " على شرط "! فسقط منه لفظة " مسلم "،
ومنه أخذت موافقة الذهبي على التصحيح. والله سبحانه وتعالى أعلم.(6/662)
2784 - " كلوه - يعني الثوم -، فإني لست كأحدكم، إني أخاف أن أوذي صاحبي. [يعني
الملك] ".
أخرجه أحمد (6 / 433 و 462) والحميدي (339) وابن أبي شيبة (8 / 301 /
4530) ومن طريقه ابن ماجه (3364) قالوا ثلاثتهم: حدثنا سفيان ابن عيينة:
حدثنا عبيد الله بن أبي يزيد أخبره أبوه قال: نزلت على أم أيوب الذين نزل
عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت عليها فحدثتني بهذا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أنهم تكلفوا طعاما فيه بعض البقول، فقربوه، فكرهه،
وقال لأصحابه: فذكره. والزيادة لأحمد. وأخرجه الترمذي (6 / 107 / 1811)
والدارمي (2 / 102) وابن خزيمة في " صحيحه " (1671) ومن طريقه ابن حبان (
3 / 264 / 2090) من طرق أخرى عن سفيان به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح
غريب، وأم أيوب هي امرأة أبي أيوب الأنصاري ". قلت: ورجاله ثقات رجال
الشيخين غير أبي يزيد والد عبيد الله وهو المكي، لم يوثقه غير ابن حبان،
لكنه لم يتفرد به، فقد صح عن أبي أيوب نحوه. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في
" الإرواء " (رقم 2511) . ويشهد له حديث جابر مرفوعا بلفظ: " من أكل من هذه
الشجرة النتنة (وفي رواية: البصل والثوم والكراث) فلا يقربن مسجدنا، فإن
الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس، وفي رواية: بنو آدم ". أخرجه مسلم
وغيره، وهو مخرج أيضا في المصدر السابق (547) .(6/663)
ثم روى مسلم نحوه من حديث
أبي سعيد، وزاد فيه ابن خزيمة (1667) : " وإنه يأتيني [من أناجي] من
الملائكة، فأكره أن يشموا ريحها ". وإسناده صحيح على شرط مسلم، وما بين
المعقوفتين في الأصل نقط.. وعلق عليها محققه بقوله: " كلمة غير واضحة في
المصورة لعلها مناجي ". وأقول: ولعل الأقرب ما أثبته. والله أعلم. (
تنبيه) الحديث عزاه الحافظ في " الفتح " (13 / 332) لمسلم وهو سبق ذهن أو
قلم، فقد أحال بذلك إلى مكان تقدم، وهو هناك عزاه (2 / 342) لابن خزيمة
وابن حبان فأصاب، ولكنه قصر لعدم عزوه للسنن!
2785 - " من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الكبر والدين والغلول ".
هو من حديث قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقد رواه عنه جمع من الثقات
هكذا، فلنذكر أسانيدهم: 1 و 2 - قال أحمد (5 / 276 و 282) : حدثنا عفان
حدثنا همام وأبان قالا: حدثنا قتادة به. ثم رواه (5 / 277) : حدثنا يزيد
عن همام به. 3 - سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به. أخرجه أحمد (5 / 281) :
حدثنا محمد بن بكر وعبد الوهاب قالا: حدثنا سعيد به. وأخرجه البيهقي (5 /
355) من طريق أخرى عن عبد الوهاب بن عطاء:(6/664)
أنبأنا سعيد به. وأخرجه الترمذي
(1573) والدارمي (2 / 262) والنسائي في " الكبرى " (5 / 232 / 8764)
وابن ماجه (2412) من طرق أخرى عن سعيد به. 4 - شعبة عن قتادة به. أخرجه ابن
حبان (1676) ، - (5 / 281 - 282) وابن المظفر في " غرائب شعبة " (ق 12 /
1) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 18 / 1) من طرق عنه. 5 - أبو عوانة
عن قتادة به. أخرجه الحاكم (2 / 26) من طريق أبي الوليد الطيالسي وعفان بن
مسلم عنه. والبيهقي (9 / 101 - 102) من طريق أخرى عن أبي الوليد وحده،
وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وخالفهما في
الإسناد قتيبة بن سعيد فقال: حدثنا أبو عوانة.. فذكره، دون أن يذكر فيه
معدان بن أبي طلحة. أخرجه الترمذي (1572) وقال: " ورواية سعيد أصح، يعني
في الإسناد، لأنه زاد فيه رجلا وأسنده، ولم يسمع سالم من ثوبان ". قلت:
ومما لا شك فيه أن رواية سعيد أصح من رواية أبي عوانة هذه لما ذكرنا لها من
المتابعات، ولموافقة رواية الطيالسي وعفان عن أبي عوانة لها، وعليه فرواية
قتيبة عنه شاذة.(6/665)
واعلم أن كل هذه الروايات والطرق في كل المصادر التي
عزوناها إليها وقعت الخصلة الأولى من الثلاث فيه بلفظ: " الكبر ". إلا في
رواية الترمذي وحده عن سعيد، فهي عنده بلفظ " الكنز "، وقال الترمذي عقبها:
" قال أحمد: (الكبر) تصحيف، صحفه غندر محمد بن جعفر، حديث سعيد: " من
فارق الروح منه الجسد.. "، وإنما هو الكنز ". فأقول: رواية محمد بن جعفر،
إنما هي عن شعبة، وهي الطريق (4) عن قتادة، فأخشى أن يكون ما في " الترمذي
" (حديث سعيد) محرفا من (حديث شعبة) . وحديث محمد بن جعفر عن شعبة هو في "
المسند " في المكان المشار إليه هناك، وهو فيه مقرون برواية أحمد عن بهز عن
شعبة، وقال في آخرها: " قال بهز: (والكبر) ". وهذا القول إنما يقوله
المحدثون حينما يكون هناك خلاف بين بعض الرواة في لفظ ما، وهذا من دقتهم في
الرواية جزاهم الله خير الجزاء، وإذا كان ما ذكره الترمذي عن الإمام أحمد أن
ابن جعفر تصحف عليه هذا اللفظ فقال: (الكبر) وإنما هو (الكنز) محفوظا،
فأنا أتصور أن قول أحمد في آخر الحديث: " قال بهز: (والكبر) "، أتصور أن
هذا اللفظ فيه خطأ، وأن الصواب فيه (والكنز) ، لأن ابن جعفر هو الذي قال:
(والكبر) ، وإن لم نقل هذا تناقض ما في " المسند " مع نقل الترمذي عن أحمد
. والله أعلم. وبالجملة فسواء كان هذا أو ذاك، فادعاء أن لفظة (الكبر)
محرفة عن (الكنز) من محمد بن جعفر يدفعها الطرق الأخرى عن شعبة من جهة،
وموافقتها للطرق الأخرى من جهة أخرى، فإنها كلها متفقة على اللفظ الأول (الكبر
) ، إلا إن قال قائل: إنها جميعها محرفة! وهذا مما لا يتصور أن يصدر من عاقل
.(6/666)
ولعله لما ذكرنا من التحقيق تتابع العلماء على إيراد الحديث بهذا اللفظ
المحفوظ (الكبر) ، فذكره البغوي في " شرح السنة " تعليقا (11 / 118)
والمنذري في " الترغيب " (2 / 188 و 3 / 32 و 4 / 15) وقال: " وقد ضبطه بعض
الحفاظ (الكنز) بالنون والزاي، وليس بمشهور ". وكذلك هو في " المشكاة "
(2921) و " الزيادة على الجامع الصغير " (صحيح الجامع 6287) و " الجامع
الكبير " وغيرهم.
2786 - " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ".
أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " (112 / 2) عن شيخه العباس بن أحمد الوشا:
حدثنا محمد بن الفرج، والبيهقي في " السنن " (4 / 316) من طريق محمد بن آدم
المروزي، كلاهما عن سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي شداد عن أبي وائل قال: قال
حذيفة لعبد الله [يعني ابن مسعود رضي الله عنه] : [قوم] عكوف بين دارك
ودار أبي موسى لا تغير (وفي رواية: لا تنهاهم) ؟! وقد علمت أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره؟! فقال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا، أو
أخطأت وأصابوا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقول ابن مسعود
ليس نصا في تخطئته لحذيفة في روايته للفظ الحديث، بل لعله خطأه في استدلاله به
على العكوف الذي أنكره حذيفة، لاحتمال أن يكون معنى الحديث عند ابن مسعود: لا
اعتكاف كاملا، كقوله صلى الله عليه وسلم: " لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا
دين لمن لا عهد له " والله أعلم. ثم رأيت الطحاوي قد أخرج الحديث في " المشكل
" (4 / 20) من الوجه(6/667)
المذكور، وادعى نسخه! وكذلك رواه عبد الرزاق في "
المصنف " (4 / 348 / 8016) وعنه الطبراني (9 / 350 / 9511) عن ابن عيينة
به إلا أنه لم يصرح برفعه. ورواه سعيد ابن منصور: أخبرنا سفيان بن عيينة به
، إلا أنه شك في رفعه واختصره فقال:.. عن شقيق بن سلمة قال: قال حذيفة لعبد
الله بن مسعود: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا اعتكاف
إلا في المساجد الثلاثة، أو قال: مسجد جماعة ". ذكره عنه ابن حزم في "
المحلى " (5 / 195) ، ثم رد الحديث بهذا الشك. وهو معذور لأنه لم يقف على
رواية الجماعة عن ابن عيينة مرفوعا دون أي شك، وهم: 1 - محمد بن الفرج، عند
الإسماعيلي. 2 - محمود بن آدم المروزي، عند البيهقي. 3 - هشام بن عمار، عند
الطحاوي. وكلهم ثقات، وهذه تراجمهم نقلا من " التقريب ": 1 - وهو القرشي
مولاهم البغدادي، صدوق من شيوخ مسلم. 2 - صدوق من شيوخ البخاري فيما ذكر ابن
عدي. 3 - صدوق مقرىء كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح، من شيوخ البخاري
أيضا. قلت: فموافقته للثقتين اللذين قبله دليل على أنه قد حفظه، فلا يضرهم
من تردد في رفعه أو أوقفه، لأن الرفع زيادة من ثقات يجب قبولها. ثم رأيت
الفاكهي قد أخرجه في " أخبار مكة " (2 / 149 / 1334) : حدثنا(6/668)
سعيد بن عبد
الرحمن ومحمد بن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان به. إلا أنهما لم يشكا، وهذه
فائدة هامة. وهما ثقتان أيضا. وبالجملة، فاتفاق هؤلاء الثقات الخمسة على
رفع الحديث دون أي تردد فيه لبرهان قاطع على أن الحديث من قوله صلى الله عليه
وسلم، وأن تردد سعيد بن منصور في رفعه لا يؤثر في صحته، ولاسيما أن سياق
القصة يؤكد ذلك عند إمعان النظر فيها، ذلك لأن حذيفة رضي الله عنه ما كان
لينكر بمجرد رأيه على ابن مسعود رضي الله عنه سكوته عن أولئك المعتكفين في
المساجد بين الدور، وهو يعلم فضله وفقهه رضي الله عنهما، فلولا أن الحديث
عنده مرفوع لما تجرأ على الإنكار عليه بما لا تقوم الحجة به عليه، حتى رواية
عبد الرزاق الموقوفة تؤيد ما ذكرته، فإنها بلفظ: " قوم عكوف بين دارك ودار
أبي موسى لا تنهاهم! فقال به عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأت، وحفظوا
ونسيت! فقال: حذيفة: لا اعتكاف إلا في هذه المساجد الثلاثة.. " فذكرها.
ومثلها رواية إبراهيم قال: " جاء حذيفة إلى عبد الله فقال: ألا أعجبك من قومك
عكوف بين دارك ودار الأشعري، يعني المسجد! قال عبد الله: ولعلهم أصابوا
وأخطأت، فقال حذيفة: أما علمت أنه: لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد. (فذكرها
) ، وما أبالي أعتكف فيه أو في سوقكم هذه [وكان الذين اعتكفوا - وعاب عليهم
حذيفة - في مسجد الكوفة الأكبر] ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 /
91) والسياق له، وكذا عبد الرزاق (4 / 347 - 348) والزيادة له، وعنه
الطبراني (9510) ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أن إبراهيم - وهو النخعي -
لم يدرك حذيفة.(6/669)
فاحتجاج حذيفة على ابن مسعود بهذه الجملة " لا اعتكاف " يشعر
بأنها في موضع الحجة عنده، وإلا لم يقل له: " أما علمت.. " إلخ. والله
أعلم. واعلم أن العلماء اختلفوا في شرطية المسجد للاعتكاف وصفته كما تراه
مبسوطا في " المصنفين " المذكورين و " المحلى " وغيرهما، وليس في ذلك ما يصح
الاحتجاج به سوى قوله تعالى: * (وأنتم عاكفون في المساجد) *، وهذا الحديث
الصحيح، والآية عامة، والحديث خاص، ومقتضى الأصول أن يحمل العام على
الخاص، وعليه فالحديث مخصص للآية ومبين لها، وعليه يدل كلام حذيفة وحديثه
، والآثار في ذلك مختلفة أيضا، فالأولى الأخذ بما وافق الحديث منها كقول سعيد
بن المسيب: لا اعتكاف إلا في مسجد نبي. أخرجه ابن أبي شيبة وابن حزم بسند
صحيح عنه. ثم رأيت الذهبي قد روى الحديث في " سير أعلام النبلاء " (15 / 80)
من طريق محمود بن آدم المروزي: حدثنا سفيان به مرفوعا، وقال: " صحيح غريب
عال ". وعلق عليه الشيخ شعيب بعد ما عزاه للبيهقي وسعيد بن منصور بقوله: "
وقد انفرد حذيفة بتخصيص الاعتكاف في المساجد الثلاثة "! وهذا يبطله قول ابن
المسيب المذكور، فتنبه. على أن قوله هذا يوهم أن الحديث موقوف على حذيفة،
وليس كذلك كما سبق تحقيقه، فلا تغتر بمن لا غيرة له على حديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يخالف، والله عز وجل يقول: * (فليحذر الذين يخالفون عن
أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *.(6/670)
هذا، وقد كنت أوردت هذا الحديث
في رسالتي " قيام رمضان " (36) وخرجته باختصار، مصرحا بصحة إسناده عن حذيفة
رضي الله عنه، وأحلت في تفصيل ذلك إلى هذا الموضع من هذه السلسلة. ثم جاءني
بعد سنين تحرير بتاريخ (13 / 7 / 1413 هـ) - وهذا المجلد تحت الطبع - من أحد
إخواننا المحبين في الله وفي الغيب المشتغلين بهذا العلم الشريف كما بدا لي من
خطابه، وفيه نقد منه لثلاثة أحاديث كنت صححتها في بعض مؤلفاتي منها هذا
الحديث، فاهتبلتها فرصة لبيان أنه لم يصب كبد الحقيقة في إعلاله إياه من جميع
طرقه، معترفا بأنه كان أديبا في كتابته، لطيفا في نقده، زد على ذلك أنه صرح
في آخر رسالته أنه فعل ذلك للاستفادة مني ومن بعض إخواني فجزاه الله خيرا على
تواضعه، وإحسانه الظن بإخوانه. لقد تتبع الأخ - جزاه الله خيرا - طرق الحديث
من مصادر كثيرة طالتها يده، وبين عللها، وسبق أن أشرت إلى بعضها، ولذلك
فلن أطيل الكلام إلا في بعض النقاط الأساسية، لم يوفق هو للصواب في معالجتها،
فكانت النتيجة - مع الأسف - تضعيف الحديث الصحيح، فأقول: النقطة الأولى: ضعف
طريق البيهقي بمحمود بن آدم المروزي بقوله: " لم يوثقه غير ابن حبان، وما
ذكر أن البخاري أخرج له، فقد رده الحافظ في " هدي الساري " (ص 239) ".
والرد على هذا من وجهين: الأول: أن رد تفرد ابن حبان بتوثيق راو ما، لا يعني
أنه رد مقبول، خلافا لما يظنه أخونا هذا وغيره من الناشئين، وإنما ذلك إذا
وثق مجهولا عند غيره، أو أنه لم يرو عنه إلا واحد أو اثنان، ففي هذه الحالة
يتوقف عن قبول توثيقه، وإلا فهو في(6/671)
كثير من الأحيان يوثق شيوخا له يعرفهم
مباشرة، أو شيخا من شيوخهم، فهو في هذه الحالة أو التي قبلها إنما يوثق على
معرفة منه به، أو بواسطة شيوخه كما هو ظاهر، ومحمود المروزي من هذا القبيل،
فإن ابن حبان لما أورده في " الثقات " (9 / 202 - 203) قال: " حدثنا عنه
المراوزة ". فقد روى عنه جمع، فإذا رجع الباحث إلى " التهذيب " وجد فيه أسماء
عشرة من الذين رووا عن محمود هذا، أكثرهم من كبار الحفاظ الثقات طبعا،
كالإمام البخاري كما تقدم وأحمد بن حمدون الأعمشي، ومحمد بن حمدويه، ومحمد
بن عبد الرحمن الدغولي، ولما ترجمه أبو يعلى الخليلي القزويني في كتابه "
الإرشاد في معرفة علماء الحديث " قال (3 / 900) : سمع منه أبو داود السجستاني
وابنه عبد الله، وآخر من روى عنه محمد بن حمدويه المروزي.. ". قلت: فهو
إذن من علماء الحديث، ومن شيوخ كبار الحفاظ، أفيقال في مثله: " لم يوثقه
غير ابن حبان "؟! زاد على ذلك أن ابن أبي حاتم قال (4 / 1 / 291) : " كان
ثقة صدوقا ". وإن مما يؤكد ما تقدم، وأنه ثقة يحتج به أمران اثنان: أحدهما
: أن الحافظ الخليلي نفسه احتج لإثبات أن حديث " قبض العلم " المروي في "
الصحيحين "، والمخرج عندي في " الروض " (579) من طرق عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، احتج الحافظ على أن له(6/672)
أصلا محفوظا صحيحا من
رواية هشام أيضا عن أبيه عن عائشة، ساقه من طريق المروزي هذا عن ابن عيينة عن
هشام به. ثم قال الحافظ عقبه: " كلاهما محفوظان ". ذكره للحاكم أبي عبد الله
بطلب منه، قال الخليلي: " فاستجاد الحاكم واستحسن ". وفي ذلك دليل قوي على
أن المروزي عندهما ثقة يحتج به، ولولا ذلك لنسباه إلى الوهم لأنه خالف الطرق
بروايته هو عن ابن عيينة بسنده عن عروة عن عائشة رضي الله عنها. وإن مما يؤكد
ذلك أنه قد جاء من طرق أخرى عن عروة عنها عند مسلم (8 / 60 - 61) والطحاوي
في " المشكل " (1 / 127) والبزار (1 / 123 / 233) والخطيب في " التاريخ "
(5 / 313) . هذا هو الأمر الأول الدال على أن المروزي هذا ثقة حجة. وأما
الأمر الآخر: فهو أنني كنت ذكرت في خاتمة هذا التخريج أن الذهبي رحمه الله صحح
إسناد الحديث من طريق المروزي هذا، وأخونا الذي أنا في صدد الرد عليه على علم
بذلك، لأنه عزا الحديث إلى الذهبي في " السير " في نفس المجلد والصفحة التي
سبقت الإشارة إليها. فليت شعري ما الذي يحمل هؤلاء الشباب الناشئين والباحثين
على عدم الاعتداد بأحكام الحفاظ المخالفة لهم، طبعا لا أريد من هذا أن يقلدوهم
، وإنما أن يقدروا جهودهم وعلمهم وتمكنهم فيه، بحيث أنهم على الأقل لا
يتسرعون في إصدار الأحكام المخالفة لهم. وهذه ذكرى و * (الذكرى تنفع المؤمنين) *. وهنا سؤال يطرح نفسه - كما يقولون اليوم -: لماذا كتم الأخ الفاضل تصحيح(6/673)
الذهبي المذكور؟! وهو يعلم من هو الذهبي حفظا ومعرفة بالرجال، والجرح
والتعديل؟ الوجه الآخر: قوله المتقدم: " وما ذكر أن البخاري أخرج له فقد رده
الحافظ.. " إلخ، ففيه نظر لأن الحافظ لم يتعرض في " هدي الساري " لذكر قول
ابن عدي إطلاقا، فلا يجوز القول بأنه رده. وإنما قال الأخ ما قال لظنه
التعارض بينهما ولا تعارض، لأن المثبت غير المنفي، فالذي أثبته ابن عدي يصدق
على شيوخ البخاري خارج " الصحيح "، وما نفاه الحافظ إنما هو فيما يتعلق بـ "
الصحيح "، فلا تعارض ولا رد. هذا آخر ما يتعلق بالنقطة الأولى، وخلاصتها
أن توثيق ابن حبان راوي حديث الترجمة توثيق صحيح لا وجه لرده، وأن حديثه صحيح
كما قال الحافظ النقاد: الإمام الذهبي. النقطة الثانية: أن الأخ لم يكن
دقيقا في نقده للحديث وبعض رواته، فقد عرفت من النقطة الأولى أنه لم يذكر
تصحيح الذهبي للحديث، وأقول الآن: وكذلك لم يذكر قول الحافظ في راويه (
المروزي) " صدوق "! وعلى خلاف ذلك تبنى قول الحافظ هذا في متابعه محمد بن
الفرج وهو القرشي الهاشمي مولاهم، وهو أقل ما قيل فيه، وإلا فقد وثقه
الحضرمي وابن أبي حاتم، والسراج وابن حبان، واحتج به مسلم، ولذلك قال
الذهبي في " الكاشف ": " ثقة ". ومن الواضح جدا أن تجاهله لأقوال هؤلاء
الأئمة، وتصحيح الذهبي لحديث المروزي، وعدم معرفته بكونه حجة عند الحافظ
الخليلي وغيره، إنما هو توطئة منه(6/674)
لتوهين طريق المروزي بالجهالة، وطريق
محمد بن الفرج بأنها حسنة فقط، ولم يقف عند هذا فقط، بل شكك في حسنه أيضا
فقال: " لكن بقي النظر في السند من الإسماعيلي إليه، فإن كان منهم من تكلم
فيه، وإلا فهو صدوق، وسنده حسن في الظاهر "! فهذا منه صريح بأنه لم يقف
على إسناد الإسماعيلي وإلا لنظر فيه، ولما تصور خلاف الواقع فيه، فظن أن
بينه وبين محمد بن فرج جمع من الرواة، والحقيقة أنه ليس بينهما إلا شيخه
العباس بن أحمد الوشاء، وهو من الشيوخ الصالحين الدارسين للقرآن، روى عنه
ثلاثة من الثقات الحفاظ الإسماعيلي هذا، والخطبي، وأبو علي الصواف، كما في
" تاريخ بغداد " (12 / 151) (1) . فالسند إذن صحيح، لأن رجاله كلهم ثقات كما
هو مصرح في كتب القوم إلا الوشاء، وقد عرفت صلاحه ورواية الحفاظ عنه، ثم هو
متابع فلا يتعلق به إلا من يجهل هذه الصناعة. النقطة الثالثة: وهي أغربها
وأبعدها عن العلم، وذلك لأنه رجح رواية سعيد ابن منصور مع شكه وتردده بين "
المساجد الثلاثة " و " مسجد جماعة "، بحجة أن سعيدا أقوى من الثلاثة الذين
جزموا بـ " المساجد الثلاثة " ولم يشكوا، يعني المروزي وابن الفرج وهشام بن
عمار (2) . ولم ينتبه أخونا المشار إليه أن الشك ليس علما، وأنه يجب أن يؤخذ
من كلام الشاك ما وافق الثقات، لا أن يرد جزم الثقات بشك الأوثق، فيقال:
وافق سعيد الثقات في طرف من طرفي الشك: " المساجد الثلاثة " فيؤخذ بموافقته،
ويعرض عن شكه وهو قوله: " أو مسجد جماعة "،
_________
(1) ولم يقف عليه الدكتور زياد محمد منصور المعلق على " المعجم " (2 / 721) .
(2) وخفي عليه الثقتان الآخران (سعيد بن عبد الرحمن) وهو المخزومي، و (
محمد بن أبي عمر) وهو الحافظ العدني. اهـ.(6/675)
لأنه ليس علما، ولأنه خالف
الثقات الذين جزموا ولم يشكوا. وهذا أمر واضح جدا، لا يشك فيه من أوتي علما
وفقها. أرأيت أيها الأخ لو أن جماعة اتفقوا على إثبات حق على أحد من الناس
لآخر، ثم اتفقوا على أن هذا الحق عدده مثلا خمسة، إلا أن أحدهم شك فقال:
خمسة أو ستة. أفيقول عاقل بأن الحق غير ثابت بحجة أن الشاك أوثق من الذين لم
يشكوا؟! لذلك فإني - ختاما - أقول لهذا الأخ المحب ولأمثاله من الأحبة: أرجو
مخلصا أن لا تشغلوا أنفسكم بالكتابة في علم لم تنضجوا فيه بعد، ولا تشغلونا
بالرد عليكم حين تكتبون ردا علي، ولو بطريق السؤال والاستفادة، فإن ما أنا
فيه من الاشتغال بالمشروع العظيم " تقريب السنة بين يدي الأمة " الذي يشغلني
عنه في كثير من الأحيان ردود تنشر في رسائل وكتب ومجلات من بعض أعداء السنة
من المتمذهبة والأشاعرة والمتصوفة وغيرهم، ففي هذا الانشغال ما يغنيني عن
الرد على المحبين الناشئين، فضلا عن غيرهم. والله المستعان، وعليه التكلان.
2787 - " من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، أوشك الله
له بالغنى، إما بموت عاجل أو غنى عاجل ".
أخرجه الترمذي (2327) والحاكم (1 / 408) وعنه البيهقي (4 / 196)
والطبري في " تهذيب الآثار " (1 / 13 / 12 و 13) والدولابي في " الكنى " (1
/ 96) وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 1286) والبغوي في " شرح السنة " (14 /
301 / 4109) من طرق عن بشير بن سلمان عن سيار (زاد البغوي: أبي الحكم) عن
طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح غريب ". وقال الحاكم:(6/676)
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال
البغوي: " حديث حسن غريب ". قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين إن كان
سيار هو أبا الحكم كما عند البغوي، وقد قيل: إنه سيار أبو حمزة، وهو ثقة
عند ابن حبان، وقد روى عنه جمع من الثقات فهو صحيح على كل حال، وقد اختلفوا
في تقييد اسمه على وجوه ثلاثة: الأول: (سيار) دون كنية كما في التخريج
المذكور. الثاني: (سيار أبي الحكم) ، أخرجه الطبري أيضا (1 / 11 / 11)
وأبو يعلى (3 / 1308) عن محمد بن بشر العبدي، وأحمد (1 / 389 و 442) عن
وكيع، و (1 / 407) عن أبي أحمد الزبيري، والطبراني في " المعجم الكبير " (
10 / 15 / 9785) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 314) عن أبي نعيم، كلهم
عن بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق به. الثالث: (سيار أبي حمزة) ،
أخرجه أبو داود (1645) من طريق ابن المبارك عن بشير بن سلمان عن سيار أبي
حمزة به. وتابعه سفيان الثوري عن بشير به. أخرجه أحمد (1 / 442) ومن
طريقه الدولابي (1 / 98) : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان به. وقال أحمد
عقبه: " وهو الصواب: (سيار أبو حمزة) ، [وليس هو سيار أبو الحكم] ،
وسيار أبو الحكم لم يحدث عن طارق بن شهاب بشيء ". ومثله في كتابه: " العلل "
(1 / 97) والزيادة منه.(6/677)
وتعقبه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "
المسند " (6 / 117) فقال: " نرى أن عبد الرزاق أخطأ في قوله: " عن سيار أبي
حمزة، وأن صوابه عن سيار أبي الحكم خلافا لما رجحه الإمام أحمد هنا ".
وردنا لهذا التعقب من وجهين: أولا: أن عبد الرزاق لم يتفرد به، فقد قال
الحافظ في " التهذيب ": " رواه عبد الرزاق وغيره ". وكأنه يشير إلى المعافى
بن عمران، فقد أخرجه الدولابي (1 / 159) من طريق يحيى ابن مخلد: حدثنا
معافى عن سفيان به، ولفظه: " بأجل عاجل، أو رزق حاضر ". ويحيى بن مخلد
وثقه النسائي كما رواه الخطيب في " التاريخ " (14 / 207 - 208) لكن قد ساق
الحافظ رواية المعافى هذه دون عزو بلفظ: " سيار أبي الحكم "، فلا أدري أهي
المحرفة، أم رواية الدولابي المتقدمة؟ ولعل الأرجح الأول، لأن الحافظ عقب
بها رواية عبد الرزاق. والله أعلم. ثانيا: أن الإمام أحمد ليس وحده في
ترجيح أنه سيار أبو حمزة، بل وافقه على ذلك جماعة من أقرانه وغيرهم، ففي "
التهذيب " عن أبي داود أنه قال عقب الحديث: " هو سيار أبو حمزة، ولكن بشير
كان يقول: (سيار أبو الحكم) وهو خطأ ". وقال الدارقطني:(6/678)
" قول البخاري:
" (سيار أبو الحكم) سمع طارق بن شهاب " وهم، منه وممن تابعه، والذي يروي
عن طارق هو سيار أبو حمزة، قال ذلك أحمد ويحيى وغيرهما ". إلا أنه قد تبع
البخاري في أنه يروي عن طارق - مسلم في " الكنى " والنسائي والدولابي وغير
واحد كما في " التهذيب " أيضا، وعقب عليه بقوله: " وهو وهم كما قال
الدارقطني ". قلت: وهذا اختلاف شديد من هؤلاء الأئمة الفحول، لعل سببه
اختلاف الرواة على الوجهين الأخيرين من الوجوه الثلاثة المتقدمة، فإن الأول
منها لا يخالفهما، فإنه يحمل على أحدهما من باب حمل المطلق على المقيد،
فالقولان يدوران عليهما، ومن الصعب لأمثالنا أن يرجح أحدهما، لعدم وجود دليل
ظاهر يساعد على ذلك، ومع هذا فإن النفس تميل إلى ترجيح قول الإمام البخاري
ومن معه، لأن رواة الوجه المؤيد له أكثر من رواة الوجه الآخر، كما هو ظاهر من
تخريجهما. أقول هذا إذا كان الاختلاف من الرواة عن بشير بن سلمان، أما إذا
كان الاختلاف منه نفسه كما يشير إلى ذلك أبو داود بقوله المتقدم: ".. ولكن
بشير كان يقول: سيار أبو الحكم، وهو خطأ ". قلت: فإذا كان الخطأ من بشير
نفسه فالأمر أشكل، لأن لقائل أن يقول: ما الدليل على أنه منه، وليس هناك
راو آخر سواه رواه عن سيار، فقال فيه: (سيار أبو حمزة) ؟ وبالجملة،
فالأمر بعد يحتاج إلى مزيد من البحث والتحقيق لتحديد هوية الراوي، أهو أبو
حمزة هذا أم أبو الحكم؟(6/679)
ولكننا نستطيع أن نقول جازمين أن ذلك لا يضر في صحة
الإسناد لأنه تردد بين ثقتين كما تقدم، فلا ضير فيه سواء كان هذا أو ذاك.
والله أعلم. وأما قول المعلق على " شرح السنة ": " وإسناده صحيح قوي على
مذهب البخاري ومن تبعه كالترمذي وابن حبان والحاكم، وضعيف على مذهب أحمد
والدارقطني وغيرهما ". فأقول: هذا كلام عار عن التحقيق لوجوه: الأول: أنه
لم يبد فيه رأيه الخاص في إسناد الحديث ومتنه، تصحيحا أو تضعيفا. الثاني:
أنه لا يصح الجزم بصحة إسناده على مذهب البخاري، لأنه يستلزم أن يكون رواته
جميعا ثقاتا عند البخاري ومنهم بشير بن سلمان، فإنه وإن كان قد وثقه جماعة،
فإنهم لم يذكروا البخاري معهم، ولا يلزم من سكوته عنه في " التاريخ " (1 / 2
/ 99) وإخراجه له في " الأدب المفرد " أنه ثقة عنده كما لا يخفى على أهل
العلم، خلافا لبعض ذوي الأهواء من الإباضية وغيرهم. الثالث: وعلى العكس من
ذلك يقال فيما نسبه من الضعف على مذهب أحمد و.. فإن ذلك إنما يستقيم لو أنهما
كانا يريان ضعف أو جهالة سيار أبي حمزة، وهيهات، فإنه لم ينقل شيء من ذلك
عنهما. فتأمل. وهذا وثمة اختلاف آخر بين الرواة يدور حول قوله في آخر
الحديث: " إما بموت عاجل، أو غنى عاجل ". وذلك على وجوه: الأول: ما في
حديث الترجمة:(6/680)
" موت عاجل "، وهو رواية الحاكم ومن بعده، وكذا أبي داود،
وأحمد في رواية. الثاني: بلفظ: " موت آجل "، وهو لأحمد في رواية أخرى.
الثالث: بلفظ: " أجل آجل "، وهو للطبراني وأبي نعيم. الرابع: بلفظ: "
برزق عاجل أو آجل " وهو للترمذي. وهذا اللفظ الأخير مع تفرد الترمذي به،
فهو مخالف لما قبله من الألفاظ، مع احتمال أن يكون حرف (أو) فيه شكا من
الراوي، فلا يحتج به للشك أو المخالفة. وأما اللفظ الثاني والثالث فهما
وإن كانا في المعنى واحدا، إلا أن النفس لم تطمئن لهما لمخالفتهما اللفظ الأول
، لأنه هو المحفوظ في رواية الأكثرين من الرواة والمخرجين، فهو الراجح إن شاء
الله تعالى، وبه التوفيق. وإذا كان الأمر كذلك فما معنى قوله: " إما بموت
عاجل، أو غنى عاجل "؟ فأقول: لم أقف على كلام شاف في ذلك لأحد من العلماء،
وأجمع ما قيل فيه ما ذكره الشيخ محمود السبكي في " المنهل العذب " (9 / 283)
قال: " إما بموت قريب له غني، فيرثه، أو بموت الشخص نفسه، فيستغني عن المال
، أو بغنى ويسار يسوقه الله إليه من أي باب شاء، فهو أعم مما قبله، ومصداقه
قوله تعالى: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * ".(6/681)
2788 - " * (وما كان لنبي أن يغل) * قال: ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه ".
أخرجه البزار في " مسنده " (2197 - كشف الأستار) : حدثنا محمد بن عبد الرحيم
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا هارون القارىء عن الزبير بن الخريت عن عكرمة عن
ابن عباس.. فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري
غير عبد الوهاب بن عطاء، فهو من رجال مسلم. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد
" (6 / 328) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وتابعه خصيف بن
عبد الرحمن الحراني عن عكرمة به، ولفظه: " نزلت هذه الآية يوم بدر: * (وما
كان لنبي أن يغل) *، في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم أخذها! فأنزل الله عز وجل: * (وما كان لنبي أن يغل
) * " أخرجه الطبري في " التفسير " (4 / 102) والبزار (2198) والطبراني في
" المعجم الكبير " (11 / 364 / 12028 و 12029) من طرق عن خصيف به. وأخرجه
أبو داود (3971) والترمذي (3012) والطبري من طريق عبد الواحد ابن زياد:
حدثنا خصيف قال: حدثنا مقسم قال: حدثني ابن عباس به. وقال الترمذي: " حديث
حسن غريب ".(6/682)
كذا قال! وخصيف فيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ في " التقريب
": " صدوق، سيىء الحفظ، خلط بآخره ". قلت: وروايته لهذا الحديث مما يؤكد
ذلك، فإنه اضطرب في روايته، فمرة قال: " عن مقسم "، وأخرى: " عن عكرمة "
كما تقدم. وقال زهير: حدثنا خصيف عن سعيد بن جبير وعكرمة في قوله تعالى:
* (وما كان لنبي أن يغل) * قالا: (يغل) قال: قال عكرمة أو غيره عن ابن
عباس: فذكر نحوه. أخرجه الطبري. وتابعه حميد الأعرج عن سعيد بن جبير قال:
فذكره مختصرا. أخرجه الطبري أيضا من طريق قزعة بن سويد الباهلي عنه. وحميد
وقزعة كلاهما ضعيف. وللحديث طريق أخرى عن ابن عباس يتقوى الحديث بها، أخرجه
الطبراني في " الكبير " (11174) و " الأوسط " (5446 - بترقيمي) و " الصغير
" (رقم 441 - الروض النضير) ومن طريقه الخطيب في " تاريخ بغداد " (1 / 372
) قال: نبأنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي البغدادي قال: نبأنا أبو عمر حفص
بن عمر الدوري المقرىء عن أبي محمد اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن
ابن عباس: أنه كان ينكر على من يقرأ: * (وما كان لنبي أن يغل) *، ويقول:
كيف لا يكون له أن يغل وقد كان له أن يقتل؟! قال الله تعالى: * (ويقتلون
الأنبياء بغير حق) *، ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء
من الغنيمة، فأنزل الله: * (وما كان لنبي أن يغل) *.(6/683)
وقال الطبراني: " لم
يروه عن أبي عمرو إلا اليزيدي، تفرد به أبو عمر الدوري ". قلت: وهو ثقة من
شيوخ أبي زرعة وغيره. وقال الحافظ في " التقريب ": " لا بأس به ". وشيخه
أبو محمد اليزيدي اسمه يحيى بن المبارك له ترجمة في " تاريخ بغداد " (14 / 147
) ووثقه، وبقية رجاله ثقات معروفون تكلمت عليهم في " الروض النضير " (441)
غير النرسي هذا، فإني لم أجد له ترجمة تدل على حاله، وقد أورده الخطيب في "
التاريخ " لهذا الحديث ولم يزد، الأمر الذي يشعر أنه من شيوخ الطبراني
المجهولين، وهو قليل الحديث، فإن الطبراني لم يورد له في " المعجم الأوسط "
إلا ثلاثة أحاديث، هذا أحدها، لكن يبدو من كلام الطبراني المتقدم أنه لم
يتفرد به، وهو قوله: " تفرد به أبو عمر الدوري ". وعلى هذا فالإسناد جيد،
ويزداد قوة بما قبله من الطرق، وبخاصة الطريق الأولى، فإنها صحيحة لذاتها
كما تقدم. وإن كان متنها مختصرا، فهو في الطرق الأخرى أتم وأبين. (تنبيه
) : قوله في الآية: * (يغل) * بفتح أوله وضم ثانيه، وقيده الشيخ الأعظمي في
" الكشف " بضم أوله وفتح ثانيه، وبه قرأ بعضهم، لكن الصواب الأول كما بينه
الإمام ابن جرير الطبري في " تفسيره "، فليراجعه من شاء.(6/684)
2789 - " اللهم إني أحبه، فأحبه. يعني الحسن بن علي ".
أخرجه البخاري (3749) ومسلم (7 / 130) وأحمد (4 / 283 - 284) وكذا
الطيالسي (732) والطبراني في " المعجم الكبير " (2582) عن شعبة قال:
أخبرني عدي قال: سمعت البراء رضي الله عنه قال: " رأيت النبي صلى الله
عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه يقول: ... " فذكره. وتابعه فضيل بن
مرزوق عن عدي بن ثابت به. أخرجه الطبراني أيضا (258) من طريق أبي نعيم عنه.
وخالفه أبو أسامة فقال: عن فضيل بن مرزوق به، إلا أنه قال: " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أبصر حسنا وحسينا فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما ".
فذكر حسينا فيه، وهو شاذ لمخالفته لرواية أبي نعيم عنه، ولرواية شعبة عن عدي. وتابعه أشعث بن سوار عن عدي.. به. أخرجه الطبراني (2584) . لكن يبدو
أن هذا اللفظ الشاذ في حديث البراء محفوظ من حديث غيره من الأصحاب: 1 - عن
عطاء أن رجلا أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضم إليه حسنا وحسينا
يقول: " اللهم إني أحبهما، فأحبهما ".(6/685)
أخرجه أحمد (5 / 369) . قلت:
وإسناده صحيح، وقال الهيثمي (9 / 179) : " ورجاله رجال الصحيح ". 2 - عن
أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه البزار (2626) . قلت: وإسناده حسن
كما قال الهيثمي. وأخرجه الحاكم (3 / 177) من طريق أخرى عن أبي حازم به،
لكنه لم يذكر حسنا فيه، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حامل
الحسين بن علي وهو يقول: " اللهم إني أحبه فأحبه ". وقال: " صحيح الإسناد
، ولم يخرجاه، وقد روي بإسناد في الحسن مثله، وكلاهما محفوظان ". فانظر
الحديث الآتي (2807) . وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب، فليرجع من شاء إلى
" كشف الأستار " و " مجمع الزوائد ". (تنبيه) : من أوهام المعلق على " سنن
الترمذي " أنه قال في حديث الترجمة (9 / 340) : " تفرد به الترمذي "! وقد
أخرجه الشيخان كما رأيت. وعكس ذلك، فقال في حديث الترمذي الشاذ من رواية
فضيل بن مرزوق المتقدمة:(6/686)
" رواه البخاري في فضل الحسن، ومسلم في الفضائل "!
والصواب العكس تماما. والهادي هو الله.
2790 - " عرض علي ما هو مفتوح لأمتي بعدي، فسرني، فأنزل الله تعالى: * (وللآخرة
خير لك من الأولى) * إلى قوله * (فترضى) *. أعطاه الله في الجنة ألف قصر من
لؤلؤ، ترابها المسك، في كل قصر ما ينبغي له ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 34 / 1) : حدثنا أحمد بن القاسم
قال: حدثنا عمي عيسى بن المساور قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال:
حدثنا معاوية بن أبي العباس عن إسماعيل بن عبيد الله المخزومي عن علي بن عبد
الله ابن عباس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت
: وهذا إسناد رجاله ثقات غير معاوية بن أبي العباس، قال الهيثمي في " مجمع
الزوائد " (3 / 139) : " ولم أعرفه ". وتبعه المناوي في " الجامع الأزهر "
(2 / 14 / 2) . قلت: ويحتمل عندي أنه معاوية بن أبي عياش الزرقي الأنصاري
المدني المترجم في " التاريخ " (4 / 1 / 332) و " الجرح " (4 / 1 / 380)
وابن حبان في أتباع التابعين من " الثقات " (7 / 467) برواية ثقتين عنه، فإنه
من هذه الطبقة، فتصحف على بعض الرواة (عياش) إلى (العباس) ، ويحتمل أن
ذلك من تدليس مروان الفزاري، فإنه مع كونه ثقة حافظا، فقد كان يدلس أسماء
الشيوخ كما في " التقريب " وغيره، فإن كان هو ابن أبي عياش، فالإسناد حسن
عندي،(6/687)
بل هو صحيح، فقد وجدت له متابعا ثقة حجة، ألا وهو الإمام الأوزاعي،
وجدت له عنه طرقا ثلاثا: الأولى: عن سفيان عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد
الله به. إلا أنه قال: " رأيت ما هو مفتوح على أمتي.. " إلخ. أخرجه البيهقي
في " دلائل النبوة " (7 / 61) . قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.
الثانية: عمرو بن هاشم قال: سمعت الأوزاعي به نحوه، وزاد في آخره: " من
الأزواج والخدم ". أخرجه ابن جرير الطبري في " التفسير " (30 / 149)
والطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 337 / 10650) والسكن بن جميع في "
حديثه "، وكذا ابن أبي حاتم من طريق ابن جرير كما في " تفسير ابن كثير " (4
/ 523) وقال: " وهذا إسناد صحيح ". وقال الهيثمي: " وإسناده حسن ".
قلت: وهذا أقرب لأن عمرو بن هاشم - وهو البيروتي - فيه كلام، ولذا قال
الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". نعم هو صحيح بما قبله وما بعده.(6/688)
الثالثة: رواد بن الجراح عن الأوزاعي به. أخرجه ابن جرير، والحاكم (2 /
526) ، وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: تفرد به عصام
بن رواد عن أبيه وقد ضعف ". قلت: لم يتفرد به عصام، فقد تابعه محمد بن خلف
العسقلاني، وهو صدوق كما قال العسقلاني. نعم رواد ضعيف لاختلاطه، لكن
المتابعات المتقدمة تدل على أنه قد حفظه، فالحديث صحيح بلا ريب.
2791 - " كانت لحفنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نلبسها ونصلي فيها ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 335 / 563) : حدثنا أحمد بن القاسم قال:
حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال: حدثنا الحسن بن حبيب بن ندبة قال:
حدثنا راشد أبو محمد الحماني قال: رأيت أنس بن مالك عليه فرو أحمر فقال:
فذكره، وقال الطبراني: " لم يروه عن راشد إلا الحسن بن حبيب ". قلت: وهو
ثقة كما قال الذهبي في " الكاشف ". وراشد هو ابن نجيح، قال الذهبي: " قال
أبو حاتم: صالح الحديث ". وقال الحافظ:(6/689)
" صدوق ربما أخطأ ". قلت: وبقية
رجاله ثقات، فالإسناد جيد. وأما قول الهيثمي في " الأوسط " عن أحمد بن
القاسم، فإن كان هو الريان فهو ضعيف، وإن كان غيره فلم أعرفه، وبقية رجاله
ثقات ". قلت: فهذه غفلة منه، تابعه عليها مقلده الدكتور محمود الطحان فلم
يعلق عليه بشيء كعادته، فكل تعليقاته وتخريجاته نقول عنه لا تحقيق فيها،
وإنما هو التقليد المحض. أقول هذا لأن أحمد بن القاسم هذا ليس هو الريان،
وإنما هو أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، فإنه ساقه في جملة أحاديث ذكرها تحت
ترجمته من الحديث (505) إلى (611) صرح في الأول والأخير منها بقوله: "
حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري.. "، وصرح في حديث آخر (513) بأنه
ابن مساور. وهو ثقة له ترجمة في " تاريخ بغداد " (3 / 349) . وفي الحديث
جواز الصلاة في اللحاف الذي يتغطى به النائم. ويشهد له الأحاديث التي فيها أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعليه مرط، وعلى بعض أزواجه منه وهي
حائض، وبعضها مخرج في " صحيح أبي داود " (393 - 394) ، ولا يخالفها حديث
عائشة فيه (392) : " كان لا يصلي في ملاحفنا " لأنه محمول على الورع أو
الاحتياط، خشية أن يكون فيها أذى لحديث معاوية رضي الله عنه أنه سأل أخته أم
حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: " نعم، إذا لم ير فيه أذى ". أخرجه
أصحاب السنن إلا الترمذي، وإسناده صحيح، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (390) .(6/690)
2792 - " لعن الله الواشمات والمستوشمات [والواصلات] والنامصات والمتنمصات
والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله ".
أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
وهو مخرج في " آداب الزفاف " (ص 203 - الطبعة الجديدة) من مصادر مطبوعة
ومخطوطة، فلا داعي لإعادة تخريجه هنا، وإنما أوردته لزيادة (الواصلات) ،
فقد خفيت على بعض المعاصرين، فرتب على ذلك حكما يخالف حكم الوشم وغيره من
المقرونات معه كما يأتي بيانه. والحديث عندهم جميعا من رواية علقمة عن ابن
مسعود، والزيادة المذكورة لأبي داود (4169) بسنده الصحيح عن جرير عن منصور
عن إبراهيم عنه. وله متابع قوي، أخرجه البخاري (4887) من طريق سفيان (هو
الثوري) قال: ذكرت لعبد الرحمن بن عابس حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن
عبد الله رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة "،
فقال: " سمعته من امرأة يقال لها أم يعقوب عن عبد الله مثل حديث منصور ". قلت
: حديث منصور هو حديث الترجمة، فهذه طريق أخرى صحيحة إلى علقمة - غير طريق أبي
داود - تقويها، وترفع عنها احتمال قول بعض ذوي الأهواء بشذوذها. ويزيدها
قوة رواية عبد الرحمن بن عابس عن أم يعقوب، قال الحافظ في " فتح الباري " (10
/ 373) : " (تنبيه) : أم يعقوب هذه لا يعرف اسمها، وهي من بني أسد بن
خزيمة، ولم أقف لها على ترجمة، ومراجعتها ابن مسعود تدل على أن لها إدراكا
. والله سبحانه وتعالى أعلم ". قلت: وقصة المراجعة كما في " الصحيحين "
عقب الحديث:(6/691)
" قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت
تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات.. (
الحديث) ؟ فقال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما
وجدته! فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: * (وما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) *. فقالت المرأة: فإني أرى شيئا من هذا
على امرأتك الآن، قال: اذهبي فانظري. قال: فدخلت على امراة عبد الله فلم تر
شيئا، فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا، فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها "
. ثم وجدت للزيادة طريقا ثالثا من طريق مسروق: أن امرأة أتت عبد الله بن مسعود
، فقالت: إني امراة زعراء أيصلح أن أصل في شعري؟ فقال: لا. قالت: أشيء
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تجده في كتاب الله؟ قال: لا، بل
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجده في كتاب الله، وساق الحديث.
أخرجه النسائي (2 / 281) هكذا، وأحمد (1 / 415) والطبراني في " المعجم
الكبير " (9 / 337 / 9468) بتمامه نحو حديث علقمة، ومن الظاهر أن هذه
المرأة هي أم يعقوب المذكورة في رواية علقمة، وكذلك هي هي في رواية قبيصة بن
جابر (وهو ثقة مخضرم) قال: " كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها
، فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود في بيته في ثلاث نفر، فرأى جبينها
يبرق! فقال: أتحلقينه؟ فغضبت، وقالت: التي تحلق جبينها امرأتك. قال:
فادخلي عليها، فإن كانت تفعله فهي مني بريئة، فانطلقت، ثم جاءت فقالت: لا
والله ما رأيتها تفعله، فقال عبد الله بن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره.(6/692)
رواه الهيثم بن كليب في " مسنده " بسند حسن كما في " آداب
الزفاف " (ص 203 و 204 - الطبعة الجديدة) . (فائدة) : قال الحافظ في "
الفتح " (10 / 372 - 373) : " قوله: " والمتفلجات للحسن " يفهم منه أن
المذمومة من فعلت ذلك لأجل الحسن، فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلا جاز. قوله
: " المغيرات خلق الله " هي صفة لازمة لمن يصنع الوشم والنمص والفلج، وكذا
الوصل على إحدى الروايات ". وقال العيني في " عمدة القارىء " (22 / 63) : "
قوله: " المغيرات خلق الله تعالى " كالتعليل لوجوب اللعن ". فإذا عرفت ما سبق
يتبين لك سقوط قول الشيخ الغماري في رسالته " تنوير البصيرة ببيان علامات
الكبيرة " (ص 30) : " قلت: تغيير خلق الله يكون فيما يبقى أثره كالوشم
والفلج، أو يزول ببطء كالتنميص، أما حلق اللحية فلا يكون تغييرا لخلق الله لأن
الشعر يبدو ثاني يوم من حلقه.. ". أقول: فهذا كلام باطل من وجوه: الأول:
أنه مجرد دعوى لا دليل عليها من كتاب أو سنة أو أثر، وقديما قالوا:
والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء. الثاني: أنه خلاف ما يدل
عليه زيادة " الواصلات "، فإن الوصل، ليس كالوشم وغيره مما لا يزول، أو
يزول ببطء ولاسيما إذا كان من النوع الذي يعرف اليوم بـ (الباروكة) فإنه
يمكن إزالتها بسرعة كالقلنسوة.(6/693)
الثالث: أن ابن مسعود رضي الله عنه أنكر حلق
الجبين واحتج بالحديث كما تقدم في رواية الهيثم، فدل على أنه لا فرق بين
الحلق والنتف من حيث أن كلا منهما تغيير لخلق الله. وفيه دليل أيضا على أن
النتف ليس خاصا بالحاجب كما زعم بعضهم. فتأمل. الرابع: أنه مخالف لما فهمه
العلماء المتقدمون، وقد مر بك قول الحافظ الصريح في إلحاق الوصل بالوشم
وغيره. وأصرح من ذلك وأفيد، ما نقله (10 / 377) عن الإمام الطبري قال: "
لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص
التماس الحسن، لا للزوج ولا لغيره، لمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما
بينهما توهم البلج، أو عكسه، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها، أو طويلة
فتقطع منها، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيرا
أو حقيرا فتطوله، أو تغزره بشعر غيرها، فكل ذلك داخل في النهي، وهو من
تغيير خلق الله تعالى. قال: ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن
يكون لها سن زائدة، أو طويلة تعيقها في الأكل.. " إلخ. قلت: فتأمل قول
الإمام: " أو عكسه "، و " أو لحية.. "، وقوله: " فكل ذلك داخل في النهي،
وهو من تغيير خلق الله ". فإنك ستتأكد من بطلان قول الغماري المذكور، والله
تعالى هو الهادي. هذا وفي رؤية ابن مسعود جبين العجوز يبرق دليل على أن " وجه
المرأة ليس بعورة "، والآثار في ذلك كثيرة قولا وفعلا، وقد سقت بعضها في "
جلباب المرأة المسلمة ". وأما ما زعمه البعض بأنه لا دليل في هذه الرواية على
ذلك، لأن العجوز من(6/694)
القواعد! فهو مما لا دليل عليه، فلا يلزم من كونها عجوزا
أن تكون قاعدة كما لا يخفى، وإنما ذكرنا ذلك استشهادا، وفيما ذكر هناك من
الأدلة كفاية.
2793 - " يا صفية إن أباك ألب علي العرب، وفعل وفعل، يعتذر لها ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 67 / 177) : حدثنا أبو زرعة عبد
الرحمن بن عمرو الدمشقي حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن
نافع عن ابن عمر قال: كان بعيني صفية خضرة، فقال لها النبي صلى الله عليه
وسلم " ما هذه الخضرة بعينيك؟ ". فقالت: قلت لزوجي، إني رأيت فيما يرى
النائم قمرا وقع في حجري، فلطمني وقال: أتريدين ملك يثرب؟! قالت: وما كان
أبغض إلي من رسول الله، قتل أبي وزوجي، فما زال يعتذر إلي، فقال: فذكره،
[قالت:] حتى ذهب ذاك من نفسي. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال
مسلم غير أبي زرعة الدمشقي، وهو ثقة حافظ. وقال الهيثمي في " المجمع " (9
/ 251) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". وأخرجه أبو يعلى في "
مسنده " (4 / 1695 - 1697) من طريقين آخرين عن صفية مختصرا دون قصتها مع
زوجها والرؤيا. وذكره ابن إسحاق في " السيرة " (3 / 388) بلاغا بتمامه،
وذكره ابن حجر في " الإصابة " من رواية يونس بن بكير عنه: حدثني والدي إسحاق بن
يسار قال: فذكر القصة، لكن فيه:(6/695)
" فذكرت ذلك لأمها، فلطمت وجهها وقالت:
.. " الحديث. قلت: وما في " السيرة " هو المحفوظ لمطابقته لحديث الترجمة،
وهو من الفوائد التي فاتت الحافظ في " الإصابة "، ومن قبله الحافظ ابن كثير في
" السيرة " (3 / 373 - 374) .
2794 - " افترض الله على عباده صلوات خمسا، [قالها ثلاثا] ، فحلف الرجل [بالله]
لا يزيد عليه شيئا ولا ينقص منه شيئا، قال صلى الله عليه وسلم: إن صدق
ليدخلن الجنة ".
أخرجه النسائي (1 / 228 - 229 - القلم) وابن حبان (251) والزيادة الثانية
له، وأحمد (3 / 267) وله الزيادة الأولى، كلهم من طريق نوح بن قيس عن
خالد ابن قيس عن قتادة عن أنس قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله! كم افترض الله عز وجل على عباده من الصلوات؟ قال:
فذكره.. قال: يا رسول الله هل قبلهن أو بعدهن شيء؟ قال: فذكره بالزيادة
الأولى، فحلف الرجل.. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وللحديث شاهد
من حديث طلحة بن عبيد الله أتم منه. رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "
صحيح أبي داود " (414) . (تنبيه) : في رواية لمسلم والنسائي أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " أفلح وأبيه إن صدق.. ". فزاد: وأبيه "، وهي شاذة
كما حققته في " الضعيفة " (4992) .(6/696)
2795 - " صلى بنا بالمدينة ثمانيا وسبعا (1) : الظهر والعصر، والمغرب والعشاء ".
أخرجه الشيخان، وأبو عوانة في " صحاحهم " وغيرهم من طرق عديدة عن حماد ابن
زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: فذكره مرفوعا.
وهو مخرج في " إرواء الغليل " (3 / 36) و " صحيح أبي داود " (1099) ، فليرجع
إليهما من شاء. والغرض هنا التنبيه على أمرين هامين من الأوهام: الأول: أن
أبا النعمان خالف الطرق كلها فزاد في آخر الحديث: " فقال أيوب: لعله في ليلة
مطيرة؟ قال: عسى ". وهذه الزيادة شاذة عندي لتفرد أبي النعمان بها، واسمه
محمد بن الفضل السدوسي شيخ البخاري فيه، وكان تغير، لكن ذكر الحافظ في "
مقدمة الفتح " أن البخاري سمع منه قبل اختلاطه بمدة، ولولا ذاك لقلت: إنها
زيادة منكرة. وقد أعلها الحافظ بعلة أخرى، فقال في " الفتح " (2 / 23 - 24
) : " واحتمال المطر قال به أيضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن أبي الزبير
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه. وقال بعد قوله: " بالمدينة، من غير خوف
ولا سفر "، قال مالك: لعله كان في مطر. لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من
طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ: " من غير خوف ولا مطر "،
فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر ". قلت: ويؤكد ذلك
رواية أبي الزبير عن سعيد، قال:
_________
(1) أي ثماني ركعات الظهر والعصر، و (سبعا) أي المغرب والعشاء. اهـ.(6/697)
فسألت سعيدا: لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن
عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته ". رواه مسلم،
والبيهقي. ويزيده قوة رواية عمرو بن هرم عن سعيد بلفظ: " أن ابن عباس جمع بين
الظهر والعصر من شغل، وزعم ابن عباس.. " فذكر الحديث نحوه. رواه النسائي
بسند صحيح. فقوله: " من شغل " دليل واضح على أن جمعه صلى الله عليه وسلم لم
يكن للمطر، وإلا لم يحتج به ابن عباس كما هو ظاهر. والله أعلم. ويمكن
إعلال زيادة أبي النعمان بمخالفته أيضا لرواية سفيان بن عيينة، وهي الآتية:
والأمر الآخر: زاد سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن
عباس..: " قلت: يا أبا الشعثاء (كنية جابر) ! أظنه أخر الظهر وعجل العصر
، وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال: وأنا أظن ذاك ". أخرجه ابن أبي شيبة في
" المصنف " (2 / 456) وعنه مسلم: حدثنا ابن عيينة به. وتابعه علي بن عبد
الله قال: حدثنا سفيان به. أخرجه البخاري (1174) . وخالفهما قتيبة قال:
حدثنا سفيان به، إلا أنه قال: ".. أخر الظهر.. " إلخ، أدرجه في الحديث
وجعله من كلام ابن عباس، وإنما هو من كلام أبي الشعثاء ظنا منه.(6/698)
أخرجه
النسائي (1 / 98) . (تنبيه) : من التخريج السابق يتبين خطأ ما جاء في كتاب
" منهاج المسلم " للشيخ أبي بكر الجزائري (ص 248 - دار الفكر الثانية) : "
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة. البخاري
"، فهذا وهم جديد، فإنه أدرج في الحديث قول أيوب: لعله في ليلة مطيرة؟
وجواب جابر ابن يزيد: عسى!! والحقيقة أنني لا أعلم حديثا صريحا في الجمع في
المطر إلا ما يستفاد من حديث مسلم المتقدم: " من غير خوف ولا مطر "، فإنه
يفيد بأنه كان من المعهود في زمنه صلى الله عليه وسلم الجمع للمطر، ولذلك جرى
عمل السلف بذلك، كما ورد في آثار كثيرة في " مصنف عبد الرزاق " و " ابن أبي
شيبة "، منها عن نافع قال: " كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطأوا
بالمغرب، وعجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق، فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى
بذلك بأسا. قال عبيد الله: ورأيت القاسم وسالما يصليان معهم في مثل تلك
الليلة ". رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
2796 - " لو قلت: " بسم الله " لطارت بك الملائكة والناس ينظرون إليك. قاله لطلحة
حين قطعت أصابعه فقال: حس ".
أورده السيوطي في " الجامع الكبير " من رواية النسائي والطبراني والبيهقي في
" الدلائل "، وابن عساكر عن جابر. وأبو نعيم، و [ابن] عساكر والضياء عن
طلحة، والطبراني وابن عساكر عن أنس، وابن عساكر عن ابن شهاب مرسلا. وها
أنا أسوق ما وقفت عليه من هذه الروايات:(6/699)
أولا: حديث جابر، يرويه - أبو
الزبير عنه قال: " لما كان يوم أحد وولى الناس كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ناحية في اثني عشر رجلا من الأنصار، وفيهم طلحة بن عبيد الله،
فأدركهم المشركون، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " من للقوم؟
". فقال طلحة: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كما أنت ". فقال
رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله! فقال: " أنت ". فقاتل حتى قتل. ثم
التفت فإذا المشركون، فقال: " من للقوم؟ ". فقال طلحة: أنا. قال: " كما
أنت ". فقال رجل من الأنصار: أنا. فقال: " أنت. فقاتل حتى قتل. ثم لم يزل
يقول ذلك ويخرج إليهم رجل من الأنصار، فيقاتل قتال من قبله حتى يقتل، حتى
بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيد الله، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " من للقوم؟ ".(6/700)
فقال طلحة: أنا. فقاتل طلحة قتال الأحد
عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه فقال: " حس "، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (فذكر الحديث) ، ثم رد الله المشركين ". أخرجه النسائي (رقم 3149)
والبيهقي في " دلائل النبوة " (3 / 236 - 237) وأبو نعيم في " المعرفة " (
24 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (8 / 548 و 549) عن عمارة بن غزية عنه.
قلت: وهذا إسناد على شرط مسلم، إلا أن فيه عنعنة أبي الزبير، وقد سكت عنه
الحافظ ابن كثير في " البداية " (4 / 26) ، لكن يقويه ما بعده. ثانيا - عن
طلحة، يرويه سليمان بن أيوب: حدثنا أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه
مختصرا بلفظ: لما كان يوم أحد أصابني السهم، فقلت: حس.. إلخ دون قوله: "
ثم رد الله المشركين ". قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 149) : " رواه
الطبراني، وفيه سليمان بن أيوب الطلحي، وقد وثق، وضعفه جماعة، وفيه
جماعة لم أعرفهم ". كذا قال: وليس فيه من لا يعرف سوى جد سليمان بن أيوب،
واسمه سليمان بن عيسى ابن موسى بن طلحة، كما وقع في إسناد الحديث الأول فيما
أسند طلحة من " المعجم الكبير " (1 / 75 / 214) ، فإني لم أعرفه أيضا. وأما
ابنه أيوب بن سليمان، فأورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 248) برواية ابنه سليمان
عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأظنه الذي أورده ابن حبان في " تبع
أتباع التابعين " من " ثقاته " (8 / 127) :(6/701)
" أيوب بن سليمان القرشي، إمام
مسجد سلمية، قرية بحمص، يروي عن حماد بن سلمة، روى عنه الحسن بن إسحاق
التستري ". قلت: وطلحة بن عبيد الله جد هذا قرشي تيمي، فهو الذي في هذا
الحديث ومن طبقته، ولم يعرفه الهيثمي. والله أعلم. وبقية الروايات التي
ذكرها السيوطي لم يتيسر لي الوقوف عليها حتى الآن، لكن عزوه رواية أنس
للطبراني في " الكبير " أخشى أن يكون خطأ منه أو من الناسخ، فإني لم أره فيه
ولا في " المجمع "، وعلى العكس من ذلك لم يعز حديث طلحة إليه، أعني الطبراني
، وهو فيه كما رأيت، وعزاه لأبي نعيم، يعني في كتاب " الحلية " وليس فيه،
فلعل الأصل عكس هذا كله، أي: ".. والطبراني وابن عساكر والضياء عن طلحة.
وأبو نعيم وابن عساكر عن أنس ". والله أعلم. وبالجملة، فحديث الترجمة
حسن في أقل أحواله، وقد يرتقي إلى مرتبة الصحيح لو وقفنا على حديث أنس. انظر
الاستدراك رقم (1) ، والحديث (2171) . (تنبيه) : ثم بدا لي أن عدم عزوه
حديث طلحة للطبراني من السيوطي نفسه، وذلك لأنني رأيت المناوي قد أورده في "
الجامع الأزهر "، فإن من المفروض فيه أن لا يكرر ما في " الجامع الكبير " إلا
لفائدة، فيظهر أنه لما رأى الحديث في " جامع السيوطي " غير معزو للطبراني،
أورده هو معزوا إليه فقط. والله أعلم. ثم إن المناوي ذكر عقب الحديث كلام
الهيثمي الذي نقلته آنفا وتعقبته، ذكره هو مسلما به دون أن يعزوه إليه!(6/702)
2797 - " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالما أو متعلما ".
أخرجه الترمذي (2323) وابن ماجه (4112) والأصبهاني في " الترغيب " (ق
223 / 2) من طريق ابن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة السلولي قال:
حدثنا أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره،
وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وهو كما قال أو قريب منه، وقد أقره
المنذري في " الترغيب " (1 / 56) ، فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير عطاء بن
قرة، وثقه ابن حبان في " أتباع التابعين " (7 / 252) لكن قد ذكر في "
التهذيب " أنه روى عنه جمع من الثقات، منهم الأوزاعي والثوري، فكأنه لذلك
قال في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى،
ويؤيده قول الذهبي في " المغني ": " صدوق ". أخرجه الترمذي من طريق علي بن
ثابت - وهو الجزري - والآخران من طريق أبي خليد عتبة بن حماد، كلاهما عن ابن
ثوبان - وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان - به. وخالفهما أبو المطرف المغيرة
بن المطرف قال: حدثنا ابن ثوبان عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي وائل عن ابن
مسعود مرفوعا به. أخرجه البزار (4 / 108 / 3310) والطبراني في " الأوسط " (رقم 4248 - نسختي) وقال:(6/703)
" لم يروه عن ابن ثوبان عن عبدة إلا أبو المطرف..
وروى غيره عن ابن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة ".
قلت: وهذا أصح لاتفاق الصدوقين عليه، ولأن أبا المطرف هذا غير معروف في كتب
الرجال، ثم رأيت الدارقطني قد سبقني إلى هذا، فقال في " العلل " (5 / 89) :
" وهو الصحيح ". وقال الهيثمي (1 / 122) : " لم أر من ذكره ". قلت:
أورده بحشل في " تاريخ واسط " (181) وذكر له أثرا من رواية وهب بن بقية.
وقال الذهبي في " المقتنى ": " واه ". ولفظ البزار: " إلا أمرا بمعروف أو
نهيا عن المنكر ". وللحديث شاهد من حديث جابر مرفوعا به، إلا أنه قال: "..
إلا ما كان منها لله عز وجل ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 157 و 7 /
91) والأصبهاني (ق 143 / 2) والبيهقي في " الشعب " (7 / 341 / 10512) من
طريقين عن عبد الله بن الجراح: حدثنا عبد الملك بن عمرو العقدي حدثنا سفيان بن
سعيد عن محمد [بن المنكدر] عنه، وقال أبو نعيم: " غريب من حديث محمد
والثوري تفرد به عبد الله بن الجراح ". قلت:: قال الذهبي في " الكاشف ": "
ثقة ".(6/704)
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". وهذا أقرب إلى مجموع
أقوال المتقدمين فيه، فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، وذكره ابن أبي حاتم
في " العلل " (2 / 124) من طريقه، وقال عن أبيه: " هذا خطأ، إنما هو محمد
بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم ". يعني أنه مرسل. ولم يبين السبب،
وعلى التسليم به هو شاهد حسن مسندا ومرسلا. وشاهد آخر، يرويه محمد بن وضاح
: أخبرنا عبد الملك بن حبيب المصيصي أخبرنا ابن المبارك عن ثور بن يزيد عن خالد
بن معدان عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: ".. إلا ما كان فيها من ذكر الله،
أو آوى إلى ذكر الله، والعالم والمتعلم شريكان في الأجر، وسائر الناس همج
لا خير فيه ". أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " (1 / 27)
وأعله بالوقف فقال: " هكذا رواه عبد الملك بن حبيب المصيصي عن ابن المبارك
مسندا، ورواه عبد الله ابن عثمان عن ابن المبارك عن ثور عن خالد بن معدان من
قول أبي الدرداء ". ثم ساقه بإسناده إلى عبد الله بن عثمان به موقوفا.
وتابعه عبد الرزاق عند البيهقي في " الشعب " (7 / 342) . قلت: وعبد الله بن
عثمان هو الحافظ الثقة الملقب بـ (عبدان) ، وقد تابعه الحسين المروزي فرواه
في " الزهد " (191 / 543) : أخبرنا ابن المبارك به. وهذا أصح مما قبله،
لأن المصيصي مع مخالفته لعبدان والحسين المروزي فهو(6/705)
مجهول الحال لم يوثقه أحد
، على أنه مع وقفه فهو منقطع بين خالد وأبي الدرداء. وقد جاءت هذه الزيادة "
والعالم والمتعلم شريكان في الأجر.. " مرفوعة من طرق أخرى عن أبي الدرداء
وغيره.. ولكنها واهية كما بينته في " إرواء الغليل " (414) . (تنبيه) :
عزا السيوطي الحديث في " الجامعين " لابن ماجه فقط عن أبي هريرة، و " أوسط "
الطبراني عن ابن مسعود. ولم يتكلم المناوي على إسناد أبي هريرة، وإنما على
إسناد ابن مسعود، ولم يزد فيه على أن نقل عن الهيثمي قوله المتقدم في راويه
أبي المطرف: " لم أر من ذكره ". هذا في " الفيض "، وأما في " التيسير " فقد
زاد في توضيح الإيهام، فقال: " رمز المؤلف لصحته، وليس كما قال، إذ فيه
مجهول "! قلت: وفيه ما يلي وإن أقرته لجنة " الجامع الكبير " (55 - 10703
) ! أولا: أوهم أن المجهول في إسناد حديث أبي هريرة أيضا، وليس كذلك كما سبق
. ثانيا: أن رموز السيوطي في " الجامع الصغير " لا قيمة لها، كما نبهنا عليه
مرارا، وشرحته في مقدمة " ضعيف الجامع " و " صحيح الجامع "، وقد نبه
المناوي نفسه على شيء منه في مقدمة " الفيض ". ثالثا: أوهم أن الحديث ضعيف،
وليس كذلك بالنظر إلى طريق أبي هريرة، فهو حسن كما تقدم، ويزداد قوة بحديث
جابر! والله أعلم.(6/706)
قلت: ومن جناية (الهدام) على السنة تضعيفه لهذا
الحديث، في تعليقه على " إغاثة اللهفان "، وتصدير تخريجه إياه بقوله (1 /
56) : " ضعيف: ولعله قول لبعض السلف "!! فيقال له: اجعل (لعل) عند ذاك
الكوكب، فإن جل طرقه مرفوعة، وأولها حسن لذاته، ونحوه حديث جابر، ولكن
الرجل مبتلى بالشذوذ العلمي!
2798 - " اجتنبوا الخمر، فإنها مفتاح كل شر ".
أخرجه الحاكم (4 / 145) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 150 / 2) من
طريق نعيم بن حماد: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: نعيم بن
حماد، أورده الذهبي نفسه في " الضعفاء والمتروكين "، وقال: " وثقه أحمد
وجماعة، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة. وقال الأزدي: قالوا: كان يضع
الحديث، وقال (د) : عنده نحو عشرين حديثا ليس لها أصل، وقال الدارقطني:
كثير الوهم ". وأما قول المناوي أنه من رجال الصحيح، فخطأ، لأن البخاري
إنما روى عنه مقرونا، ومسلما روى له في " المقدمة ". وأعله أيضا بأن فيه
محمد بن إسحاق، وهذا وهم أيضا، لأن ابن إسحاق لا وجود له في هذا الإسناد كما
ترى.(6/707)
وللحديث شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعا بلفظ: " لا تشرك بالله شيئا
.. ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر ". وهو حديث صحيح خرجته في " الإرواء "
(2086) . ووجدت للشطر الأول منه الشواهد التالية: الأول: عن عثمان رضي
الله عنه مرفوعا بلفظ: " اجتنبوا أم الخبائث.. " الحديث. أخرجه ابن حبان في
" صحيحه " (5324 - ترتيبه) بإسناد فيه متكلم فيه، وقد خالفه الثقة، فأوقفه
كما بينته في التعليق على " الأحاديث المختارة " (رقم 320) . الثاني: عن عبد
الله بن عمرو مرفوعا: " اجتنبوا كل ما أسكر ". أخرجه أبو داود (3701) وعنه
البيهقي (8 / 310) والدارقطني (4 / 258) وغيرهم، وقد سبق تخريجه مع
شواهد أخرى في المجلد الثاني (886) ، فلا داعي للتكرار.
2799 - " لما نزلت هذه الآية التي في * (الفرقان) *: * (والذين لا يدعون مع الله
إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * عجبنا للينها، فلبثنا
ستة أشهر، ثم نزلت التي في * (النساء) *: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه) * حتى فرغ ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 150 / 4869) من طريق سعيد(6/708)
بن أبي
هلال عن جهم بن أبي الجهم أن أبا الزناد أخبرهم أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره
عن زيد بن ثابت قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات
والشواهد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير جهم بن أبي الجهم، ويقال له: ابن
الجهم، مولى الحارث بن حاطب القرشي الجمحي، ذكره ابن أبي حاتم (1 / 1 / 521
) برواية اثنين عنه، وابن حبان في " الثقات " (4 / 113) برواية أحدهما،
ويستدرك سعيد بن أبي هلال، فهو ثالث. وتابعه موسى بن عقبة عن أبي الزناد به.
أخرجه النسائي (رقم 4007) وابن جرير الطبري في " التفسير " (4 / 139)
والطبراني أيضا (4870) من طريق محمد بن عمرو عنه به. قلت: وهذا إسناد حسن.
وفي رواية للنسائي: عن محمد بن عمرو عن أبي الزناد.. به. لم يذكر بينهما
موسى بن عقبة، وقال النسائي: " أدخل أبو الزناد بينه وبين خارجة مجالد بن
عوف " ثم ساقه من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن مجالد بن عوف قال
: سمعت خارجة بن زيد به نحوه. ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود (4272) . قلت:
وهذا إسناد حسن أيضا لولا أن مجالدا هذا لم يوثقه غير ابن حبان (7 / 296)
وسماه " عوف بن مجالد " على القلب، لكن قال الحافظ في " التقريب ":(6/709)
" صدوق ".
(انظر تعليقي على هذه الترجمة من كتابي الجديد " تيسير انتفاع الخلان بكتاب
ثقات ابن حبان ") . والظاهر أن مجالدا هذا هو الرجل الذي جاء ذكره في رواية
ابن عيينة عن أبي الزناد قال: سمعت رجلا يحدث خارجة بن زيد بن ثابت قال: سمعت
أباك في هذا المكان بمنى يقول: فذكره نحوه. ومن الظاهر أيضا أن أبا الزناد
بعد أن سمع الحديث من الرجل سمعه من خارجة مباشرة كما تدل عليه رواية الطبراني
الأولى. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس. أخرجه ابن جرير (5 / 138 - 139)
من طريقين عنه يقوي أحدهما الآخر، فيرتقي الحديث بهما إلى مرتبة الصحيح.
ويشهد له حديث القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: هل لمن
قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: لا، وقرأت عليه الآية التي في (الفرقان)
.. وقال: " هذه آية مكية نسختها آية مدنية: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا
فجزاؤه جهنم) * " أخرجه البخاري (4764) والنسائي (4001) والسياق له. (
تنبيهان) : الأول: كل هذه الروايات المتقدمة صريحة في تأخر نزول آية (النساء
) عن آية (الفرقان) ، إلا رواية مجالد بن عوف عند النسائي فإنها بلفظ:(6/710)
"
نزلت * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا..) * أشفقنا منها، فنزلت الآية التي في (
الفرقان) : * (والذين لا يدعون..) * " الآية. فهي رواية منكرة، لا أدري
الخطأ ممن، فإنها عند النسائي كما عند أبي داود من طريق واحد: عن مسلم بن
إبراهيم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن إسحاق به، ولولا ذلك لكان
من الواضح القول بأن الخطأ من مجالد بن عوف لما عرفت من جهالته. والله أعلم.
الثاني: في رواية البخاري المتقدمة عن ابن عباس أنه قال: لا توبة للقاتل عمدا
، وهذا مشهور عنه، له طرق كثيرة كما قال ابن كثير وابن حجر، والجمهور على
خلافه، وهو الصواب الذي لا ريب فيه، وآية (الفرقان) صريحة في ذلك، ولا
تخالفها آية (النساء) لأن هذه في عقوبة القاتل وليست في توبته، وهذا ظاهر
جدا، وكأنه لذلك رجع إليه كما وقفت عليه في بعض الروايات عنه، رأيت أنه لابد
من ذكرها لعزتها، وإغفال الحافظين لها: الأولى: ما رواه عطاء بن يسار عنه:
أنه أتاه رجل، فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن
تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا. قال
: " تب إلى الله عز وجل، وتقرب إليه ما استطعت ". فذهبت فسألت ابن عباس: لم
سألته عن حياة أمه؟ فقال: " إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر
الوالدة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 4) بسند صحيح على شرط "
الصحيحين ".(6/711)
الثانية: ما رواه سعيد عن ابن عباس في قوله: * (ومن يقتل مؤمنا
متعمدا) *، قال: ليس لقاتل توبة، إلا أن يستغفر الله. أخرجه ابن جرير (5 /
138) بسند جيد، ولعله يعني أنه لا يغفر له، على قوله الأول، ثم استدرك على
نفسه فقال: " إلا أن يستغفر الله ". والله أعلم.
2800 - " ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه
ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم ".
أخرجه أبو داود (2 / 124) وعبد الرزاق في " المصنف " (20059) وابن حبان (
110) والدولابي في " الكنى " (1 / 58) والبيهقي (2 / 10) وفي " الشعب "
(2 / 99 / 1) وأحمد (4 / 136) وابن منده في " المعرفة " (2 / 266 / 2)
من طريق الزهري: أخبرني ابن أبي نملة عن أبيه قال: كنت عند النبي صلى
الله عليه وسلم إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال: يا محمد أتكلم هذه الجنازة؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أعلم، فقال اليهودي: أنا أشهد أنها
تكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وإسناده ثقات رجال الشيخين
غير ابن أبي نملة، قال البيهقي: هو نملة ابن أبي نملة الأنصاري. قلت: في "
التقريب ": " إنه مقبول ". فهو في عداد المجهولين، فالإسناد على هذا ضعيف.
ولفظ أحمد: " إذا حدثكم ".(6/712)
ثم ظهر لي أنني كنت مخطئا في اعتمادي على قول
الحافظ: " مقبول "، الذي يعني أنه غير مقبول عند التفرد، وذلك أنه هو نفسه
قد ذكر في ترجمة (نملة بن أبي نملة) من " التهذيب " أنه: " روى عنه - غير
الزهري - عاصم ويعقوب ابنا عمر بن قتادة، وضمرة بن سعيد ومروان بن أبي سعيد
، وذكره ابن حبان في (الثقات) وأخرج حديثه في (صحيحه) ". قلت: فهؤلاء
جمع - أكثرهم ثقات - مع كونه تابعيا يروي عن أبيه، وعهدي بالحافظ ومن قبله
الذهبي أنهم يقولون في مثله: " صدوق ". وأنهم يحسنون أو يجودون حديثه لغلبة
الظن في صدقه، وسلامة حديثه من الخطأ. والله سبحانه وتعالى أعلم. وإن
مما يقوي الحديث أن له شاهدا يرويه الحارث بن عبيدة: حدثنا الزهري عن سالم عن
أبيه عن عامر بن ربيعة قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بجنازة
، فقال رجل من اليهود: " يا محمد! تكلم هذه الجنازة؟ "، فسكت رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقال: اليهودي: " أنا أشهد أنها تكلم "، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:.. " فذكره نحوه مختصرا إلى قوله: " ورسله "، ودون
قوله: " فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ". أخرجه الحاكم (3 / 358) وقال: " هذا
حديث يعرف بالحارث بن عبيدة الرهاوي ". قلت: وهو ضعيف كما قال الذهبي نفسه
في " الضعفاء " تبعا للدارقطني، لكن يمكن أن يستشهد به لأنه ليس شديد الضعف،
فقد قال أبو حاتم:(6/713)
" ليس بالقوي ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (6 / 176
) ولكنه سرعان ما تناقض فذكره في " الضعفاء " أيضا (1 / 224) وقال: " لا
يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد ". قلت: وهذا يعني أنه ليس شديد الضعف،
فيجوز الاستشهاد به والله تعالى أعلم. هذا، وقد زاد ابن حبان في آخر الحديث
: " وقد زاد ابن حبان في آخر الحديث: " وقال: قاتل الله اليهود لقد أوتوا
علما ". قلت: وتكلم الجنازة مما ينبغي أن يصدق به لثبوت ذلك في بعض الأحاديث
الصحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا وضعت الجنازة، واحتملها الرجال
على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت
: يا ويلها أين يذهبون بها؟! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه لصعق
". أخرجه البخاري وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 72) . فقوله
صلى الله عليه وسلم جوابا عن سؤال اليهودي: " الله أعلم "، الظاهر أنه كان
قبل أن يوحى إليه بهذا الحديث الصحيح الصريح في تكلم الجنازة وبصوت. والله
أعلم. ثم إن الحديث في " صحيح البخاري " من حديث أبي هريرة مرفوعا دون قوله:
" فإن كان حقا.. " إلخ، وقد مضى برقم (422) . وقد التبس هذا بحديث
الترجمة على شيخ الإسلام ابن تيمية، فانظر التعليق على " فضائل الشام " (ص 55
- عمان) .(6/714)
2801 - " لا يقولن أحدكم: زرعت، ولكن ليقل: حرثت ".
أخرجه ابن جرير الطبري في " التفسير " (27 / 114) والبزار (1289) وابن
حبان (5693 - الإحسان) والطبراني في " الأوسط " (1 / 149 / 1 - الظاهرية)
وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 267) والسهمي في " تاريخ جرجان " (369)
والبيهقي في " السنن " (6 / 138) وفي " شعب الإيمان " أيضا (4 / 2801) كلهم
من طريق مسلم بن أبي مسلم الجرمي: حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان عن
محمد ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ...
(فذكره) ، قال محمد: قال أبو هريرة: " ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: * (
أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) * ". قلت: وهذا إسناد
جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير مسلم بن أبي مسلم الجرمي، أورده ابن حبان في "
الثقات " (9 / 158) وقال: " حدثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى، ربما
أخطأ، مات سنة (240) ". قلت: ووثقه الخطيب أيضا في " تاريخ بغداد " (13
/ 100) وذكر أنه بغدادي نزل (طرسوس) وبها كانت وفاته. قلت: وحسن له
الحافظ في " الفتح " (4 / 351) حديثا في النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه
الصاعان، وهو مخرج في " أحاديث بيوع الموسوعة " ولم يعرفه الهيثمي، فقال في
كل من الحديثين (4 / 98 - 99 و 120) : " لم أجد من ترجمه "!! وقلده في ذلك
الشيخ الأعظمي في تعليقه على " كشف الأستار " (2 / 86 و 96) كما قلده في
الثاني منهما المناوي في " فيض القدير "!(6/715)
وأما البيهقي فقد ضعف الحديث بقوله
بعد أن روى من طريق ليث عن مجاهد قال: فذكره نحوه: " هذا من قول مجاهد، وقد
روي فيه حديث مرفوع غير قوي ". ثم ساقه. ونقله الحافظ في ترجمة مسلم هذا في
" اللسان "، وقال عقبه: " قلت: ليس في إسناده من ينظر فيه غير مسلم هذا ".
قلت: قد عرفت أنه وثقه الخطيب أيضا، وهذا مما فات الحافظ وغيره، فلا داعي
للتردد في تقويته، والله الموفق. وقد يخطر في البال أن الحديث مخالف
لأحاديث صحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع
زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ". أخرجه الشيخان
وغيرهما كما في " الصحيحة " (رقم 7) . قال الحافظ في " الفتح " (5 / 4) :
" فيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي، وقد ورد في المنع منه حديث غير قوي أخرجه
ابن أبي حاتم.. " فذكره. وأقول: قد عرفت أن الحديث قوي فلابد حينئذ من
التوفيق بينه وبين حديث الصحيحين بوجه من وجوه التوفيق المعروفة، كأن يحمل
حديث الترجمة على أن النهي فيه للكراهة كما قالوا في التوفيق بين أحاديث النهي
عن تسمية العنب كرما وبين أحاديث أخرى جاء فيها كقوله صلى الله عليه وسلم: "
الخمر من هاتين الشجرتين: الكرمة والنخلة ". رواه مسلم (6 / 89) وكحديث
النهي عن بيع الكرم بالزبيب (" انظر " فتح الباري " 4 / 385 - 386) .(6/716)
أو يقدم
حديث الترجمة أنه حاظر، والحاظر مقدم على المبيح. والله سبحانه وتعالى
أعلم.
2802 - " إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوما مكانه، وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي،
وإن شئت فلا تقضي ".
أخرجه بهذا اللفظ أحمد (6 / 343 - 344) والدارمي (2 / 16) والطحاوي في "
شرح المعاني " (1 / 353 - هندية) والطيالسي أيضا (رقم 1616) والطبراني
في " المعجم الكبير " (24 / 407 / 990) من طريق حماد بن سلمة: حدثنا سماك بن
حرب عن هارون ابن بنت أم هانىء أو ابن ابن أم هانىء عن أم هانىء: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا فناولها لتشرب، فقالت: إني صائمة ولكن
كرهت أن أرد سؤرك. فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، هارون هذا مجهول
كما قال الحافظ في " التقريب "، وقال الذهبي في " الميزان ": " لا يعرف ولا
هو في (ثقات ابن حبان) ". وقد اضطربوا في إسناده على سماك على وجوه ذكرتها
وخرجتها في صحيح أبي داود " (2120) وقد انتهيت فيه إلى تحسين الحديث أو
تصحيحه لطرقه، وقد حسن العراقي أحد أسانيده. إنما خرجت هذا اللفظ هنا للنظر
فيما ذكره الشوكاني حوله من الفقه، فقد ذكر في " السيل الجرار " (2 / 151)
عن صاحب " حدائق الأزهار " أنه قال فيمن يقضي ما عليه من الصيام فأفطر: أنه
يأثم، فرد عليه الشوكاني بهذا الحديث، فقال:(6/717)
" وفيه دليل على جواز إفطار
القاضي ويقضي يوما مكانه وإن كان فيه المقال المتقدم ولكن الدليل على من قال
: إنه لا يجوز إفطار القاضي ". وأقول: أولا: ليس في الحديث ما ادعاه من
الجواز والأمر بالقضاء لا يستلزم جواز الإفطار فيه، كما لا يخفى إن شاء الله
تعالى، ألا ترى أنه لا يجوز الإفطار في رمضان بالجماع اتفاقا ومع ذلك أمر صلى
الله عليه وسلم الذي أفطر به أن يقضي يوما مكانه مع الكفارة وهو ثابت بمجموع
طرقه كما بينته في " صحيح أبي داود " (2073) ولذلك قواه الحافظ وتبعه
الشوكاني نفسه في " النيل " (4 / 184 - 185) وفي " السيل " (2 / 120 - 121
) ، فأمره صلى الله عليه وسلم بالقضاء لأم هانىء لو كانت أفطرت منه لا يعني
جواز ما فعلت، فكيف وإفطارها كان من تطوع؟ ثانيا: أنها قالت في رواية
للترمذي وغيره: " إني أذنبت فاستغفر لي "، فقال: " وما ذاك؟ "، قالت:
كنت صائمة فأفطرت. فقال: " أمن قضاء كنت تقضينه؟ "، قالت: لا. فإذا
اعترفت بخطئها في ظنها لم يبق مجال لينكر عليها إفطارها - ولو كان من القضاء -
ولم يبق إلا أن يبين لها وجوب إعادته، وهذا هو ما دل عليه الحديث. وزاد
أبو داود في رواية عقب ما تقدم: " قال: فلا يضرك إن كان تطوعا ". ومفهومه
أنه يضرها لو كان قضاء. وهذا واضح إن شاء الله. ثالثا: الدليل هو اعتبار
الأصل، فكما لا يجوز إبطال الصيام في رمضان بدون عذر، فكذلك لا يجوز إفطار
قضائه ومن فرق فعليه الدليل.(6/718)
رابعا: لقد سلم الشوكاني في " النيل " (4 /
220) بصواب قول ابن المنير: " ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر
إلا الأدلة العامة كقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) *، إلا أن الخاص
يقدم على العام كحديث سلمان.. ". إذا كان الأمر كذلك فتكون الآية بعمومها
دليلا واضحا لنا عليه، لعدم وجود الدليل المخصص لها فيما نحن فيه. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
2803 - " أما بعد أيها الناس، فإن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، الناس رجلان:
بر تقي كريم على ربه، وفاجر شقي هين على ربه، ثم تلا: * (يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) * حتى قرأ الآية، ثم
قال: أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (3817) : أخبرنا مكحول بـ (بيروت) قال: حدثنا
محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا موسى بن
عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: طاف رسول الله صلى الله عليه
وسلم على راحلته القصواء يوم الفتح واستلم الركن بمحجنه وما وجد لها مناخا في
المسجد حتى أخرجت إلى بطن الوادي فأنيخت، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير مكحول وشيخه محمد
بن عبد الله بن يزيد وهما ثقتان معروفان.(6/719)
وللحديث طريق أخرى عن ابن دينار،
فقال عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 105 / 2) : أنبأنا أبو عاصم عن
موسى بن عبيدة الربذي عن عبد الله بن دينار به، ورواه البغوي في " تفسيره " (
7 / 349) . وموسى بن عبيدة ضعيف، فالعمدة على موسى بن عقبة. وقد تابعهما
عبد الله بن جعفر: حدثنا عبد الله بن دينار به مختصرا وليس فيه جملة
الاستغفار. وقد مضى لفظ ابن جعفر تحت الحديث (2700) . (عبية) يعني الكبر
، وتضم عينها وتكسر كما في " النهاية ".
2804 - " كل ابن آدم أصاب من الزنا لا محالة، فالعين زناها النظر، واليد زناها
اللمس، والنفس تهوى وتحدث، ويصدق ذلك أو يكذبه الفرج ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 349 - 350) : حدثنا حسن: حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد
الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة في حفظه ضعف لكنه قد توبع فدل
على أنه قد حفظه، فهو من صحيح حديثه، فقال ابن حبان في " صحيحه " (4405 -
الإحسان) : أخبرنا محمد بن أحمد بن ثوبان الطرسوسي: حدثنا الربيع بن سليمان
المرادي: حدثنا شعيب بن الليث بن سعد عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن
عبد الرحمن الأعرج به. قلت: فهذه متابعة قوية لابن لهيعة من جعفر بن ربيعة،
فإنه ثقة من رجال الشيخين ومن دونه ثقات أيضا مترجمون في " التهذيب " غير
الطرسوسي هذا،(6/720)
فإني لم أقف له على ترجمة ولعله في " تاريخ دمشق " لابن عساكر
، فليراجع (1) ، وعلى كل حال، فهو من شيوخ ابن حبان وهم في الغالب من الثقات
الذين عرفهم شخصيا وليس على قاعدته المعروفة في توثيقه للمجهولين حتى عنده هو
نفسه، فإن لم يكن من أولئك الثقات، فلا أقل من أن يصلح في الشواهد
والمتابعات، والله أعلم. وقد جاء الحديث عن أبي هريرة بألفاظ مختلفة من طرق
عدة بعضها في " الصحيحين " وقد خرجتها في " الإرواء " (1787) و " صحيح أبي
داود " (1868) . وفي الحديث دليل واضح على تحريم مصافحة النساء الأجنبيات
وأنها كالنظر إليهن وأن ذلك نوع من الزنا، ففيه رد على بعض الأحزاب الإسلامية
الذين وزعوا على الناس نشرة يبيحون لهم فيها مصافحة النساء غير عابئين بهذا
الحديث فضلا عن غيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب. وقد سبق بعضها برقم (
226) ، ولا بقاعدة " سد الذرائع " التي دل عليها الكتاب والسنة، ومنها هذا
الحديث الصحيح. والله المستعان.
2805 - " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها، فإنما رزقها على الله عز
وجل ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (23 / 253 / 517) : حدثنا أبو يحيى
الرازي حدثنا محمود بن غيلان حدثنا مؤمل عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي سلمة عن
أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. قال
الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 333) :
_________
(1) ثم راجعته، فلم يذكره. اهـ.(6/721)
" رواه الطبراني عن شيخه أبي يحيى
الرازي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". وأقره المناوي في " الجامع الأزهر "
! كذا قال، وفيه أمور: أولا: أبو يحيى الرازي هو عبد الرحمن بن محمد بن سلم
الرازي كما في " المقتنى في الكنى " للذهبي، وقد روى له الطبراني حديثا واحدا
في " المعجم الصغير " (1197) باسمه وكنيته، لكنه نسبه إلى جده لم يذكر أباه
وكذلك ذكره دون الكنية في " المعجم الأوسط "، وساق له ستة وعشرين حديثا (
4864 - 4890 - بترقيمي) أحدها (4874) من روايته عن محمود بن غيلان شيخه في
حديث الترجمة، وقد ترجمه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (339 / 459)
منسوبا إلى أبيه وجده وبكنيته، وكذلك أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 /
112) والذهبي في " تذكرة الحفاظ " وقال: " وكان من الثقات، توفي سنة إحدى
وتسعين ومائتين ". ثانيا: مؤمل هو ابن إسماعيل البصري نزيل مكة، مختلف فيه
وقد وصفه غير واحد من المتقدمين بأنه كثير الخطأ مع الصدق، وإليه جنح الذهبي
في " الكاشف "، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، سيىء الحفظ ". فحشر
مثله في زمرة الثقات لا يخفى ما فيه من التساهل. ثالثا: أبو إسحاق - وهو
السبيعي - كان يدلس، وقد عنعنه. لكن الحديث صحيح فإن له شاهدا قويا من حديث
أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال: " فإن الله عز وجل رازقها ".(6/722)
أخرجه مسلم (4 / 136) وهو في " الصحيحين " بنحوه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1891
) وأخرجه ابن حبان أيضا في " صحيحه " (4057 - الإحسان) بلفظ " الصحيحين ".
ثم ساقه (4058) من وجه آخر بلفظ: " فإن المسلمة أخت المسلمة ". وإسناده
صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير شيخه ابن سلم، وهو (عبد الله بن محمد بن
سلم المقدسي) وثقه ابن حبان والذهبي في " السير " (14 / 306) . وهنا لابد
من التنبيه على أشياء وقفت عليها: 1 - وقع في " المجمع ": " إنائها " مكان "
صحفتها " ولعله خطأ مطبعي، وعلى الصواب وقع في " الجامع الكبير ". 2 -
ووقع في " الجامع الأزهر ": " صحيفتها " وفي " المعجم الكبير " " صفحتها "،
وكل ذلك خطأ، فإن " الصحيفة " ما يكتب فيه من ورق ونحوه. و " الصفحة " جانب
الشيء، وصفحة الورقة أحد جانبيها. وأما " الصحفة " فهي إناء كالقصعة
المبسوطة ونحوها، قال ابن الأثير: " وهذا مثل يريد الاستكثار عليها بحظها
فتكون كمن استفرغ صحفة غيره وقلب ما في إنائه إلى إناء نفسه ". 3 - وقع في "
المعجم ": ".. أبو يحيى الداري [الرازي] "! كأنه يشير إلى اختلاف النسخ أو
القراءة، والصواب " الرازي " وحذف " الداري " كما يتبين من ترجمته المتقدمة.
2806 - " صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وإفطاره ".
أخرجه أحمد (4 / 19 و 5 / 34 و 35) عن عفان ووكيع ووهب بن جرير(6/723)
والبزار (1059 - الكشف) عن محمد بن جعفر ويحيى بن سعيد القطان، والطبراني في "
المعجم الكبير " (19 / 26 / 53) والدارمي أيضا (2 / 19) عن أبي الوليد
الطيالسي، ستتهم عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال المنذري (2 / 82) ورجاله
رجال الصحيح كما قال الهيثمي (3 / 196) ، وصححه ابن حبان وقد أخرجه (3645
- الإحسان) من طريق وكيع به. ثم قال (3644) : أخبرنا أبو يعلى: حدثنا عبيد
الله بن عمر القواريري حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه قال: " وقيامه " مكان:
" وإفطاره ". وقال ابن حبان: " قال وكيع عن شعبة في هذا الخبر: " وإفطاره
"، وقال يحيى القطان عن شعبة: " وقيامه "، وهما جميعا حافظان متقنان ".
كذا قال: وهو يشير بذلك إلى أن اللفظين محفوظان صحيحان! وأرى أن لفظ "
وقيامه " شاذ غير محفوظ، لمخالفته للفظ الذي اتفق عليه الستة وفيهم القطان: "
وإفطاره "، فاتفاقهم حجة ومن شذ عنهم فليس بحجة، وليس هو القطان كما يشعر
به كلام ابن حبان، بل هو راو ممن دونه كائنا من كان، فالاختلاف ليس بين
القطان ووكيع وإنما بين أحد المشار إليهم في رواية ابن حبان، ومن رواه عند
البزار عن القطان وفق رواية الجماعة. حتى لو فرضنا أن رواية البزار هذه خطأ
على القطان، وأن المحفوظ عنه رواية ابن حبان، فهي شاذة أيضا لمخالفته لرواية
الثقات الخمسة. وما الحديث الشاذ إلا مخالفة الثقة للثقات، بل هذه الرواية
من أحسن الأمثلة عندي للحديث الشاذ. والله سبحانه وتعالى أعلم.(6/724)
ويشهد
للحديث ما رواه الطبراني عن عبد الله بن عمرو مرفوعا في حديث: ".. وصام
إبراهيم عليه السلام ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر ". وفيه
ابن لهيعة وهو حسن الحديث في الشواهد، وقد أعله المنذري والهيثمي بأبي فراس
وهو من رجال مسلم، ولكنهما لم يعرفاه كما كنت بينته قديما في السلسلة الأخرى
(459) . ويؤيد الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " من صام الأبد، فلا صام
ولا أفطر ". أخرجه ابن حبان وغيره بسند صحيح كما في " التعليق الرغيب " (2 /
88) . وذلك لأن الشارع الحكيم إذا جعل صيام ثلاثة أيام من كل شهر كما لو صام
الدهر، فمن صامهن فقد صام وأفطر. والله أعلم.
2807 - " اللهم إني أحبه، فأحببه وأحب من يحبه. يعني الحسن بن علي رضي الله عنهما ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1183) وأحمد (1 / 532) وابنه عبد
الله في " فضائل الصحابة " (2 / 788 / 1407) والحاكم (3 / 178) من طرق عن
هشام بن سعد عن نعيم بن المجمر عن أبي هريرة قال: ما رأيت حسنا قط إلا
فاضت عيناي دموعا وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فوجدني في المسجد
فأخذ بيدي، فانطلقت معه فما كلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع، فطاف به ونظر،
ثم انصرف وأنا معه حتى جئنا المسجد فجلس فاحتبى ثم قال:(6/725)
" أين لكاع؟ ادع لي
لكاع ". فجاء حسن يشتد فوقع في حجره، ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل النبي
صلى الله عليه وسلم يفتح فاه، فيدخل فاه في فيه، ثم قال: فذكره. وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط للكلام
اليسير الذي في هشام بن سعد. (تنبيه) : وقع عند الحاكم (الحسين بن علي)
مكان (حسن) ولعله وهم من الراوي عنده (أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض) ، فقد
قال الذهبي: " فيه لين، قال ابن الجوزي: ضعيف ". فتعقبه الحافظ بقوله: "
وثقه الدارقطني، فلا يلتفت إلى تضعيف ابن الجوزي بلا سبب. وذكره ابن حبان في
" الثقات " وأخرج حديثه في " صحيحه "، وكذلك الحاكم.. ". قلت: لم أره في
نسخة " الثقات " المطبوعة ولا في فهرس " صحيحه " وليس خطأ مطبعيا، فإنه ذكره
في ترجمة (الحسين) رضي الله عنه. ومما يؤكد الخطأ أن الحديث أخرجه البخاري
(5884) مختصرا، وكذا مسلم (7 / 130) وابن حبان (6924) وأحمد (2 /
331) من طريق أخرى عن أبي هريرة به، وفيه (الحسن) . ومن أوهام الأخ (وصي
الله) في تعليقه على " الفضائل " أنه ضعف إسناده بـ (هشام بن سعد) . ثم
استدرك فقال: " ولكن الحديث صحيح، فقد أخرجه البخاري.. ومسلم.. "! ولا
يخفى أن هذا إنما يشهد لبعضه، فلا يتقوى الحديث كله به، لو كان(6/726)
إسناده ضعيفا
كما قال، وإنما هو حسن كما قلنا، ويشهد هذا لبعضه، وكأنه اغتر بعزو فؤاد
عبد الباقي إياه للشيخين، في تخريجه لـ " الأدب المفرد " (ص 304) ! وهذا
عكس شارحه (الجيلاني) ، فإنه لم يعزه إلا للحاكم!
2808 - " إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حبك حبك - ثلاث مرات - وإنه
سيقول: أنا ربكم، فمن قال: لست ربنا، لكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه
أنبنا، نعوذ بالله من شرك، لم يكن له عليه سلطان ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 372) : حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن
أيوب عن أبي قلابة قال: رأيت رجلا بالمدينة وقد طاف الناس به، وهو يقول: "
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فإذا
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فسمعته وهو يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح غاية رجاله ثقات رجال الشيخين وجهالة الصحابي لا تضر
كما هو مقرر في علم المصطلح. قوله: " من بعده ": أي: من ورائه. " حبك ":
أي: شعر رأسه متكسر من الجعودة مثل الماء الساكن أو الرمل إذا هبت عليهما
الريح فيتجعدان ويصيران طرائق. كما في " النهاية ". والحديث دليل صريح على
أن الدجال الأكبر هو شخص له رأس وشعر، وليس معنى وكناية عن الفساد كما يحلو
لبعض ضعفاء الإيمان أن يتناولوا أحاديثه الكثيرة الثابتة عن النبي صلى الله
عليه وسلم بالتواتر كما صرح به أئمة الحديث، فلا تغتر بعد(6/727)
ذلك أيها القارىء
بمن لا علم عنده بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كان شأنه ومقامه في
غير هذا العلم الشريف. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (2736
و7222) من رواية أحمد والخطيب عن رجل من الصحابة، وبيض له فلم يبين مرتبته
من الثبوت كما هي عادته على الغالب، وكذلك فعلت اللجنة القائمة على نشره
والتعليق عليه! وكان عليها على الأقل أن تعلق عليه بقول الهيثمي في " مجمع
الزوائد " (7 / 343) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح "! وإن كان هذا
لا يدل القارىء على أن السند صحيح كما نبهنا عليه مرارا. وبأن الهيثمي ذكر له
شاهدا من رواية أحمد أيضا والطبراني عن هشام بن عامر مرفوعا نحوه، وقال في
رجال أحمد: " رجال الصحيح ". وهو عنده (4 / 20) من طريق عبد الرزاق،
وهذا في " المصنف " (11 / 395 / 20828) قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي
قلابة عن هشام بن عامر به نحوه. وهذا إسناد صحيح أيضا، استنفدنا منه تسمية
الصحابي الذي لم يسم في الإسناد الأول، وإذا كانت التسمية هذه محفوظة فيه،
فهي تعطينا فائدة أخرى وهي أن أبا قلابة سمع من هشام بن عامر، خلافا لقيل من
قال: إنه لم يسمع منه، والله أعلم. (تنبيه) : من أخطاء بعض المتهافتين
على وضع الفهارس الحديثية ممن لا معرفة عندهم بهذا العلم الشريف جعله صحابي
حديث الترجمة:(6/728)
" أبو قلاب "!! فهذا خطأ علمي مع خطأ مطبعي!! انظر " فهرس
مجمع الزوائد " (1 / 272) . ثم رأيت الحديث في " تاريخ بغداد " (11 / 161)
من طريق عبيد الله بن عمرو عن أيوب به. قلت: وهذا سند صحيح أيضا.
2809 - " كان يقرأ: * (إنه عمل غير صالح) * ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 286 - 287 و 1 / 2 / 252) : قال لنا
مالك بن إسماعيل عن إبراهيم بن الزبرقان عن أبي روق عن محمد بن جحادة عن أبيه
عن عائشة مرفوعا. وأخرجه الحاكم (2 / 241) من طريق أخرى عن إبراهيم بن
الزبرقان به. وسكت عنه، وقال الذهبي: " قلت: إسناده مظلم ". قلت: علته
جحادة والد محمد، فإنه في عداد المجهولين، أورده البخاري في ترجمته ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك بيض له ابن أبي حاتم، فلم يذكر فيه شيئا، ولا
راويا عنه غير ابنه محمد. وأما ابن حبان فذكره في " ثقاته " (4 / 119) !
وأبو روق اسمه عطية بن الحارث صدوق، ووقع في " المستدرك " (أبو زوقة) فقال
مصححه: " هكذا في الأصول ولعله تصحيف، فإنه لم يوجد: أبو زوقة عن محمد بن
جحادة "(6/729)
وإبراهيم بن الزبرقان وثقه ابن معين وجمع، وقال أبو حاتم: " محله
الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به ". قلت: وقد خولف في إسناده، فقال الطبراني
في " المعجم الأوسط " (1 / 259 / 2 / 4460) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل
قال: أخبرنا إبراهيم بن دينار قال: حدثنا حماد بن خالد الخياط عن بشر بن خالد
عن عطية بن الحارث عن حميد الأزرق عن مسروق عن عائشة به. وقال: " لا يروى عن
مسروق إلا بهذا الإسناد، تفرد به إبراهيم بن دينار ". قلت: وهو ثقة من رجال
مسلم ومثله شيخه الخياط. وأما بشر بن خالد، فلا يعرف إلا برواية الخياط هذه
. ومع ذلك ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 199) ووقع فيه: " بشر بن خالد
بن عطية بن الحارث " تبعا لـ " تاريخ البخاري "! خلافا لما في " الجرح "، فهو
موافق لهذه الرواية، فهو أرجح. وحميد الأزرق لم أعرفه، وقال الهيثمي في "
مجمع الزوائد " (7 / 155) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه حميد بن
الأزرق ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات "! كذا وقع فيه: " ابن الأزرق "، وهو
خلاف ما في " الأوسط " كما تقدم، وخلاف كتابه الآخر " مجمع البحرين " فالظاهر
أن أداة النسبة " ابن " مقحمة من الناسخ أو الطابع. والله سبحانه وتعالى
أعلم. وللحديث شاهد من رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد مرفوعا. أخرجه
أبو داود (3982 - 3983) والترمذي (3112 - 3113) وغيره، وبسط القول في
تخريجه محله في " صحيح أبي داود " بإذن الله تبارك وتعالى.(6/730)
وشاهد آخر من
طريق سليمان بن قتة عن ابن عباس أنه قرأ: * (عمل غير صالح) *. أخرجه ابن جرير
الطبري في " تفسيره " (12 / 33) : حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن عيينة عن
موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير ابن
وكيع واسمه سفيان وهو ضعيف كما قال الذهبي في " الكاشف "، وقال الحافظ في "
التقريب " مبينا سبب ضعفه: " كان صدوقا إلا أنه ابتلى بوراقه، فأدخل عليه ما
ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه ". ولعله يصلح للشهادة أيضا ما رواه
قتادة وغيره عن عكرمة قال: " في بعض الحروف أنه عمل عملا غير صالح ".
وإسناده إلى عكرمة صحيح. وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح عندي،
ولاسيما وقد قرأ بهذه القراءة التي جاءت فيه جماعة من السلف كما ذكر ابن جرير
، وإن كان رجح هو قراءة جماهير القراء: * (إنه عمل غير صالح) *، فراجعه إن
شئت. (تنبيه) : حديث الترجمة عزاه السيوطي في " الدر المنثور " (3 / 336)
للبخاري في " تاريخه " وابن مردويه والخطيب من طرق عن عائشة. كذا قال: " من
طرق "، فإذا صح ذلك فالحديث يزداد قوة بها. والله أعلم. ثم وجدت ترجمة حميد
الأزرق - بدلالة أحد الإخوة جزاه الله خيرا - في " ثقات ابن حبان " (4 / 148 -
149) أورده في (التابعين) وسمى أباه " زاذويه الأزرق "، وقال:(6/731)
" يروي عن
أنس بن مالك. روى عنه ابن عون. وليس بحميد الطويل ". وكذا في " تاريخ
البخاري " و " الجرح والتعديل ". وقال ابن ماكولا وتبعه الحافظ في "
التقريب ": " مجهول ". قلت: وفاتهم رواية عطية بن الحارث عنه هذا الحديث،
إن كانت محفوظة فإن عطية وإن كان صدوقا فالراوي عنه بشر بن خالد فيه جهالة كما
تقدم. والله أعلم.
2810 - " ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده، وقرب غيره، فقال أبو رزين: أويضحك الرب
عز وجل؟ قال: نعم. فقال: لن نعدم من رب يضحك خيرا ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1092) : حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن
وكيع بن عدس عن أبي رزين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.
ومن هذا الوجه أخرجه أحمد في " المسند " (4 / 12) وفي " السنة " (452 - دار
ابن القيم) وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 554 - بتحقيقي) وابن ماجه في
" سننه " (رقم 281) وعبد الله بن أحمد في " زوائد السنة " (453)
والدارقطني في " الصفات " (46 / 30 - تحقيق الدكتور الفقيهي) والآجري في "
الشريعة " (ص 279 و 279 - 280) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 473)
من طريق الطيالسي - كلهم عن حماد بن سلمة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله
ثقات رجال مسلم غير وكيع بن عدس، ويقال: " حدس " بالحاء بدل العين، قال
الذهبي في " الميزان ":(6/732)
" لا يعرف، تفرد عنه يعلى بن عطاء ". وقال الحافظ
في " التقريب ": " مقبول ". قلت: يعني عند المتابعة كما نص عليه في المقدمة
، وقد توبع كما يأتي. وقال الذهبي عنه في " الكاشف ": " وثق "! قلت: يشير
إلى أن ابن حبان وثقه، وأن توثيقه هنا غير معتمد لأنه يوثق من لا يعرف،
وهذا اصطلاح منه لطيف عرفته منه في هذا الكتاب، فلا ينبغي أن يفهم على أنه ثقة
عنده كما يتوهم بعض الناشئين في هذا العلم. وابن حبان أورده في التابعين من "
ثقاته " (5 / 496) من رواية يعلى عنه فقط، وحكى الخلاف المتقدم في " عدس "
، وقال: " أرجو أن يكون الصواب بالحاء ". وقد أخرج له حديثا آخر عن أبي
رزين في الرؤية، وهو مخرج في " الظلال " (459) ، ولم يخرج له هذا الحديث،
وهو عجيب منه خالف فيه الجماعة مع أنه على شرطه، وأخشى ما أخشاه أن يكون
الصارف له عنه هو أنه صريح في إثبات صفة الضحك لله تعالى بحيث لا يمكن تأويله
كما فعل بحديث " ضحك الله من رجلين قتل أحدهما صاحبه وكلاهما في الجنة "، فقد
رأيته تأوله تأويلا متكلفا قبيحا (1) ، خالف فيه طريقة السلف في الإثبات مع
التنزيه، فانظر كلامه إن شئت
_________
(1) وقد حكى الإمام الدارمي نحوه في رده على المريسي ثم أبطله، فراجعه فإنه
مهم (ص 177 - 178) . اهـ.(6/733)
في " صحيحه " (4647 - الإحسان) ، والحديث مخرج
في " الصحيحة " (1074 و 2525) ، ولقد كان الأحرى به أن يخرج هذا الحديث -
وهو على شرطه - من أن يخرج حديث الرؤية المشار إليه آنفا، لأن هذا قد توبع عليه
وكيع بن عدس كما سبقت الإشارة إليه، والآن جاء وقت تخريج المتابع فأقول:
رواه عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي - من بني عمرو بن عوف - عن
دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه
لقيط بن عامر - قال دلهم: وحدثنيه أبي: الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج
وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث بطوله في صفحتين كبيرتين،
وفيه مرفوعا: " وعلم [الله] يوم الغيث يشرف عليكم، آزلين مشفقين، فيظل
يضحك قد علم أن غيركم إلى قرب ". قال لقيط: لن نعدم من رب يضحك خيرا. أخرجه
عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (4 / 13) و " السنة " (1120) هكذا،
وابن خزيمة في " التوحيد " (122 - 125) والطبراني في " المعجم الكبير " (
19 / 211 - 214) وليس لابن خزيمة إسناد دلهم الثاني عن عاصم بن لقيط، وهو
للطبراني دون الأول، ولذلك قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 340) :
" رواه عبد الله والطبراني بنحوه، وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل،
ورجالها ثقات، والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط أن لقيطا
... ". قلت: وقوله: ".. ثقات ".(6/734)
فهو من تساهله الذي عرف به، فإن كلا من
عبد الرحمن السمعي ودلهم بن الأسود وأبيه ثلاثتهم لا يعرفون إلا بهذا الإسناد
، وقد صرح الذهبي في " الميزان " في ترجمة دلهم بأنه لا يعرف. وأشار فيه إلى
أن الآخرين كذلك، لأنه ليس لهما إلا راو واحد. نعم نقل الحافظ في ترجمة
الأسود عن الذهبي أنه قال فيه: " محله الصدق ". ولا أدري وجهه، وقد قال
الحافظ فيه وفي كل من الآخرين: " مقبول ". وثلاثتهم تفرد بتوثيقهم ابن حبان
(4 / 32 و 6 / 291 و 7 / 71) وهو عمدة الهيثمي في قوله السابق! من أجل ذلك
كنت ضعفت هذا الإسناد في حديث الرؤية المشار إليه في الطريق الأولى، ولكنني
حسنت متنه لمجموع الطريقين كما تراه مخرجا في " ظلال الجنة " (459) ، كما كنت
ضعفت الإسناد نفسه في هذا الحديث في " الظلال " أيضا (554) لكنني لم أكن قد
وقفت على هذا الطريق الثاني، فتركت الحديث على الضعف الذي يقتضيه إسناده لأنه
لا سبيل لنا لمعرفة الصحيح والضعيف من الحديث إلا بالإسناد، ولذلك قال من
قال من السلف: " الإسناد من الدين، لولا الإسناد قال من شاء ما شاء ". فلما
يسر الله تعالى لي الوقوف على هذا الطريق بادرت إلى تقوية الحديث كسابقه
فأخرجته هنا. والحمد لله على توفيقه. ووجدت له طريقا ثالثا، بل شاهدا
ولكنه مما لا يفرح به يرويه سلم بن سالم البلخي: حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن
أسلم عن عطاء بن يسار عن عائشة أم المؤمنين مرفوعا بلفظ: " إن الله ليضحك من
إياس العباد وقنوطهم وقرب الرحمة منهم ".(6/735)
قالت عائشة: قلت: يا رسول الله
بأبي أنت وأمي أويضحك ربنا تعالى؟ قال: " والذي نفس محمد بيده إنه ليضحك ".
فقلت: لن يعدمنا منه خيرا إن ضحك. أخرجه ابن خزيمة أيضا (ص 153) وابن عدي
(3 / 924) والخطيب في " التاريخ " (13 / 44) من طريق موسى بن خاقان أبي
عمران النحوي قال: حدثنا سلم بن سالم البلخي.. قلت: وهذا إسناد واه، خارجة
بن مصعب متروك كما في " التقريب ". وسلم بن سالم البلخي ضعيف. له ترجمة في "
اللسان ". والخلاصة أن الحديث بمجموع الطريقين حسن عندي، ولعله الذي يعنيه
ابن تيمية بقوله: " حديث حسن " في " العقيدة الواسطية " بخلاف ابن القيم فقد
صحح الحديث بطوله في " زاد المعاد " في (الوفود) وقال: " هذا حديث كبير
جليل، تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة.. "!
قلت: ثم ذكر من رواه من الأئمة، ولم يعرج على الكلام على أحد من رواته
المجهولين، وبمثل ذاك الكلام الخطابي لا تصحح الأحاديث! غريب الحديث: 1 - (غيره) ، في " شرح القاموس ": " الغير من تغير الحال، وهو اسم بمعنى القطع
والعتب، ويجوز أن يكون جمعا واحدته غيرة ".(6/736)
قال أبو الحسن السندي في " حاشية
ابن ماجه ": " والضمير لله، والمعنى أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير
مأيوسا من الخير بأدنى شر وقع عليه مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير
ومن مرض إلى عافية ومن بلاء ومحنة إلى سرور وفرحة. لكن الضحك على هذا لا
يمكن تفسيره بالرضا ". 2 - (قلت: لن نعدم) من عدم كعلم إذا فقده. قال
السندي: " يريد أن الرب الذي من صفاته الضحك لا نفقد خيره بل كلما احتجنا إلى
خير وجدناه، فإنا إذا أظهرنا الفاقة لديه يضحك فيعطي ". 3 - (أزلين) : "
الأزل بسكون الزاي: الشدة، و (الأزل) على وزن (كتف) هو الذي قد أصابه
الأزل واشتد به حتى كاد يقنط ". " زاد المعاد ". (تنبيهات) : الأول: قوله
في طريق دلهم: (غيركم) هكذا وقع في " المسند " و " السنة " و " مجمع الزوائد
" وقد سبق معناه، ويبدو أنه أشكل أمره على بعضهم فتصرفوا فيه، فوقع في "
زاد المعاد " و " التوحيد " (غوثكم) وفي " معجم الطبراني " المطبوع: (
عودتكم) ! وقال المعلق عليه: " وفي الأصل (عوتكم) ، وفي " المجمع " (
غيركم) ، واخترت (عودتكم) لأن السياق يدل عليه "! كذا قال، وقد عرفت
الصواب. الثاني: قال ابن كثير في تفسير سورة البقرة: " وفي حديث أبي رزين:
" عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه، فينظر إليهم قنطين، فيظل يضحك يعلم أن
فرجهم قريب " الحديث.(6/737)
ولم أره بهذا اللفظ، فالظاهر أنه رواه بالمعنى.
والله أعلم. تنبيه ثالث: قد عزا الحديث من الطريق الثاني لأحمد في " مسنده "
غير ما واحد من المتقدمين والمتأخرين، وهو خطأ، والصواب أنه من زيادات
ابنه عبد الله في " المسند " كما تقدم ذكره في التخريج، وكما في " جامع
المسانيد " (10 / 649 / 8160) . عظة وعبرة: لقد لفت نظري تناقض موقف
الشيخين الحلبيين الصابوني والرفاعي حول حديث ابن كثير الذي ذكره بلفظ: " عجب
.. " فالأول لم يورده في " مختصره "، بخلاف الآخر فإنه أورده في " مختصره (1
/ 173) وقد ذكر في مقدمته أنه لا يورد فيه إلا الأحاديث الصحيحة! وكذلك ذكر
الأول، وقد أخلا بشرطهما هذا في عشرات الأحاديث كما بينت ذلك في " الضعيفة "
، فليراجع من شاء الوقوف عليها فهرس المواضيع والفوائد من المجلد الثالث
والرابع منها. وهذا مثال جديد نذكره هنا يؤكد أن الشيخ نسيب - رحمه الله -
حينما يصحح أو يضعف، فإنما هو " خباط عشوات " كما يروى عن علي، وإلا فكيف
يصحح حديثا لا أصل له في شيء من كتب السنة باللفظ المذكور؟! وبهذه المناسبة
أقول: إن قول صاحبنا الشيخ مقبل بن هادي في تخريجه لحديث ابن كثير هذا (1 /
445 - الكويت) : " رواه أحمد (!) ج 4 ص 13 بمعناه، وهو حديث ضعيف لأنه من
طريق عبد الرحمن بن عياش السمعي عن دلهم بن الأسود وهما مجهولان ". أقول:
فقوله: " بمعناه " ليس بصحيح، لأن " العجب " غير " الضحك "، فهما صفتان لله
عز وجل عند أهل السنة - وهو منهم والحمد لله - خلافا للأشاعرة، فإنهم لا
يعتقدونهما، بل يتأولونهما بمعنى الرضا! فلعله لم يتنبه للازم هذا القول،
ولهذا قيل: لازم المذهب ليس بمذهب!(6/738)
وأما قوله: وهو حديث ضعيف، فهو مسلم
بالنظر لطريق السمعي المذكورة، وقد فاته الطريق الأخرى التي ابتدأنا التخريج
بها، وحسنا الحديث بمجموعهما. فلعله لو وقف عليها يرجع عن جزمه بضعف الحديث
. والله أعلم. وأما الشيخ الصابوني، فغالب الظن أنه لم يورد الحديث لأنه لم
يرق له لفظه، فإنه من الأشاعرة أو الماتريديين المؤولين، وليس لأنه عرف أنه
لا أصل له بلفظ أصله!
2811 - " ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس الحرس في أرض خوف لعله أن لا
يرجع إلى أهله ".
أخرجه الروياني في " مسنده " (ق 247 / 2) : أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى
بن سعيد القطان أخبرنا ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن عائذ عن مجاهد عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم - وربما لم يرفعه - قال: فذكره. قلت:
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري غير عبد الرحمن بن عائذ، وهو ثقة
كما في " التقريب ". والحديث أخرجه الحاكم (2 / 80 - 81) وعنه البيهقي (9
/ 149) من طريق مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه لم يقل: " وربما لم
يرفعه ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري "! ووافقه الذهبي! وذلك
من أوهامهما لما تقدم من الاستثناء، وقد أقره المنذري أيضا (2 / 154) ! ثم
قال الحاكم:(6/739)
" وقد أوقفه وكيع بن الجراح عن ثور، وفي يحيى بن سعيد قدوة ".
قلت: وهو كما قال، لكن يحيى قد ذكر أن الراوي - ولعله ابن عمر أو من دونه -
كان ربما لم يرفعه، وذلك مما لا يضر لأن الراوي قد لا ينشط أحيانا فيوقفه،
ولأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر. (تنبيه) : " حارس الحرس " كذا وقع
في " المسند " وفي المصدرين الآخرين: " حارس حرس " ولعله الصواب، فإنه كذلك
في " مصنف ابن أبي شيبة " (5 / 296) : حدثنا وكيع أخبرنا ثور به موقوفا.
وكذا هو في " الترغيب ". والله أعلم.
2812 - " لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 302 / 1) : حدثنا هيثم بن خالد حدثنا عبد
الكبير بن المعافى: حدثنا هشيم عن عبيدة عن إبراهيم عن عبد الله بن عبيد الله
الهاشمي عن عبد الله بن عكيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وقال: " لم يروه عن عبيدة إلا هشيم، تفرد به عبد الكبير به المعافى
". قلت: قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 63) : " سمع منه أبي وروى عنه وقال:
وكان ثقة رضا، كان يعد من الأبدال ". قلت: وإنما العلة ممن فوقه، فهشيم -
وهو ابن بشير الواسطي - مع كونه ثقة ثبتا، فهو كثير التدليس كما في " التقريب
". وشيخه عبيدة - وهو ابن معتب الضبي -، قال الذهبي في " الضعفاء ": " قال
أحمد: تركوا حديثه ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 218) : "
وفيه عبيدة بن معتب وقد أجمعوا على ضعفه ".(6/740)
وعبد الله بن عبيد الله الهاشمي
هو من طبقة عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي وهو ثقة من
رجال الشيخين، لكنهم لم يذكروا له رواية عن عبد الله بن عكيم ولا ذكروا
إبراهيم - وهو النخعي - في الرواة عنه. وهيثم بن خالد وهو المصيصي أورده
الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال الدارقطني: ضعيف ". وأقره الحافظ في "
التهذيب " وجزم بضعفه في " التقريب ". لكن قد رواه شبيب بن سعيد عن شعبة عن
الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: جاءنا كتاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ونحن في أرض جهينة: " إني كنت رخصت لكم في إهاب
الميتة وعصبها، فلا تنتفعوا بعصب ولا إهاب ". أخرجه ابن عدي في ترجمة شبيب
هذا من " الكامل " (4 / 1347) والطبراني أيضا كما في " التلخيص الحبير " (1
/ 47) وقال: " إسناده ثقات، وتابعه فضالة بن المفضل عند الطبراني في (
الأوسط) ". قلت: فضالة لفظ حديثه يختلف عن هذا فإنه بلفظ: " إني كنت رخصت
لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب ". فذكر الجلد في
الموضعين مكان الإهاب والمحفوظ (الإهاب) وهو الجلد قبل الدبغ، هكذا رواه
جماعة عن شعبة به، وهو مخرج في " الإرواء " (رقم 38) . وفضالة بن مفضل قال
ابن أبي حاتم (3 / 2 / 79) عن أبيه:(6/741)
" لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم، سألت
عنه سعيد بن عيسى بن تليد؟ فثبطني عنه، وقال: الحديث الذي يحدث به موضوع أو
نحو هذا ". واعلم أن حديث ابن عكيم هذا قد اختلف العلماء فيه رواية ودراية:
وأما رواية، فقد أعله بعضهم بالإرسال والاضطراب، وهو مردود لأنه إن سلم به
بالنظر لبعض الطرق، فهو غير مسلم بالنسبة للطرق الأخرى كما كنت بينته في
المصدر المذكور آنفا ولذلك قواه بعض المتقدمين ومنهم الإمام أحمد رحمه الله
تعالى، فقال ابنه صالح في " مسائله " (ص 160) : " قال أبي: الله قد حرم
الميتة، فالجلد هو من الميتة، وأذهب إلى حديث ابن عكيم، أرجو أن يكون صحيحا
: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". قال أحمد: " وليس عندي في دباغ
الميتة حديث صحيح، وحديث ابن عكيم هو أصحها "! كذا قال رحمه الله، مع أنه
قد ورد في الدباغ خمسة عشر حديثا ساقها الشوكاني في " نيل الأوطار " (1 / 54)
بعضها في " الصحيحين " وهي مخرجة في " غاية المرام " (25 - 29) . وأما
الدراية فقد اختلف العلماء في كون الدباغ مطهرا أم لا؟ والجمهور على الأول،
واختلفوا في الجواب عن حديث الترجمة، وأصح ما قيل إن الإهاب هو الجلد الذي
لم يدبغ، فهو المنهي عنه، فإذا دبغ فقد طهر. ومن شاء التفصيل فليراجع " نيل
الأوطار " وغيره.(6/742)
2813 - " أوتي موسى عليه السلام الألواح، وأوتيت المثاني ".
أخرجه الإسماعيلي في " معجم شيوخه " (ق 82 / 1) : حدثنا أبو عبد الله الحسين
بن أحمد بن منصور - سجادة - ببغداد: حدثنا أبو معمر حدثنا جرير عن الأعمش عن
مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير سجادة هذا
، ترجمه الخطيب في " التاريخ " (8 / 4) برواية جمع من الحفاظ عنه وقال: "
وكان لا بأس به ". وأبو معمر اسمه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي، وقد تابعه
عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير به أتم منه. أخرجه أبو داود عنه، والنسائي
وغيره من طريق أخرى عن جرير به مختصرا، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1312
) . وقد زعم بعض المعاصرين ممن كتب في فضل بعض السور أن حديث أبي داود هذا
موقوف، وهو من أوهامه الظاهرة. والمعصوم من عصمه الله. (تنبيه) : حديث
الترجمة كنت أوردته في " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " لأنني لم أكن قد وقفت
على إسناده ولذلك كنت بيضت له فيه، فلما وقفت على إسناده وتبين لي صحته
بادرت إلى تخريجه هنا وقررت نقله إلى " صحيح الجامع "، والله سبحانه وتعالى
هو الموفق، لا إله إلا هو.(6/743)
2814 - " أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صلى
إلى كل صلاة مثلها غير المغرب، فإنها وتر النهار، وصلاة الصبح لطول قراءتها
، وكان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى ".
أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " (1 / 241) من طريق مرجى بن رجاء قال:
حدثنا داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد
حسن رجاله ثقات غير مرجى بن رجاء فإنه مختلف فيه وأورده الذهبي في " المتكلم
فيهم بما لا يوجب الرد "، وقال (173 / 319) : " علق له البخاري، جائز
الحديث ". وقد لخص كلام الأئمة فيه الحافظ، فقال في " التقريب ": " صدوق
ربما وهم ". قلت: قد قام الدليل على أنه قد حفظ ولم يهم، بمتابع له معتبر
وشاهد. أما المتابع فهو محبوب بن الحسن: حدثنا داود به. أخرجه السراج في "
مسنده " (ق 120 / 2) من طريقين عنه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في "
تمام المنة " (304) ، واحتج به الحافظ كما يأتي، ومحبوب هذا اسمه محمد
ومحبوب لقبه، قال ابن معين: " ليس به بأس ". وذكره ابن حبان في " الثقات ".
وقال النسائي: " ضعيف ". وقال أبو حاتم: " ليس بالقوي ". قلت: فمثله
يستشهد به على الأقل، وإلى ذلك أشار الحافظ بقوله:(6/744)
" صدوق فيه لين ".
وتابعهما أبو معاوية الضرير - وهو ثقة - في " مسند ابن راهويه " (3 / 933 -
934) لكنه لم يذكر فيه (مسروقا) . وبعضه في " صحيح البخاري " (3935) و "
أبي عوانة " (2 / 28) وابن راهويه (2 / 107 / 31) من طريق معمر عن الزهري
عن عروة عن عائشة مختصرا بلفظ: " فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله
عليه وسلم ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأولى ". وهو متفق عليه دون
ذكر الهجرة، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1082) . وأما الشاهد، ففي "
المطالب العالية المسندة " للحافظ ابن حجر (ق 25 / 2) : " إسحاق (1) : قلت
لأبي أسامة: أحدثكم سعد بن سعيد الأنصاري قال: سمعت السائب ابن يزيد يقول:
كانت الصلاة فرضت سجدتين سجدتين: الظهر والعصر، فكانوا يصلون بعد الظهر
ركعتين وبعد العصر ركعتين، فكتب عليهم الظهر أربعا والعصر أربعا، فتركوا
ذاك حين كتب عليهم، وأقرت صلاة السفر [ركعتين] ، وكانت الحضر أربعا؟ فأقر
به، وقال: نعم ". وقال الحافظ: " هذا حديث حسن ".
_________
(1) هو ابن راهويه الإمام الحافظ صاحب " المسند " المعروف به. وانظر الصفحة
الآتية (747) . اهـ.(6/745)
قلت: وإنما لم يصححه
مع أن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لأن سعدا الأنصاري مختلف فيه، قال أحمد: "
ضعيف ". وكذا قال ابن معين في رواية. وقال في أخرى: " صالح ". وقال
النسائي: " ليس بالقوي ". وقال ابن سعد: " كان ثقة قليل الحديث ". وقال
الترمذي: " تكلموا فيه من قبل حفظه ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 /
298) وقال: " كان يخطىء ". قلت: ولهذا أورده الذهبي في رسالته المتقدمة "
المتكلم فيهم " (111 / 141) فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى، فهو شاهد
جيد. وقد أخرجه السراج في " مسنده " (ق 120 / 1) والطبراني في " المعجم
الكبير " (7 / 184 - 185) من طرق أخرى عن سعيد به مختصرا. وقال الهيثمي (2
/ 155) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال (الصحيح) ". وله
شاهد آخر، ولكنه مما لا يفرح به لشدة ضعف راويه وهو عمرو بن(6/746)
عبد الغفار،
رواه عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال: " فرضت الصلاة ركعتين [
ركعتين] ، فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى قدم المدينة،
وصلاها في المدينة ما شاء الله، وزيد في صلاة الحضر ركعتين وتركت صلاة السفر
على حالها ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 31 / 2 / 5541 - بترقيمي)
وقال: " لم يروه عن عاصم إلا عمرو، ولا يروى عن سلمان إلا بهذا الإسناد ".
قلت: قال الهيثمي (2 / 156) : " وفيه عمرو بن عبد الغفار، وهو متروك ".
(تنبيه) : زيادة (ركعتين) في حديث سلمان هذا استدركتها من " مجمع الزوائد "
، كما استدركتها في حديث السائب المتقدم من " المطالب العالية " المطبوعة (1 /
180) ، وقد سقط منها عزو الحديث لإسحاق! والظاهر أن محقق الكتاب الشيخ
الأعظمي لم يرجع إلى النسخة المسندة من " المطالب العالية "، وإلا لتدارك هذا
السقط، ولما وقع في خطأ تفسيره لقوله المتقدم في الحديث: " فأقر به "، فإنه
قال: " أي فأقر به سعد بن سعيد "! وهذا خطأ محض، والصواب أن يقال: " أي
فأقر به أبو أسامة " كما هو ظاهر من سياق إسناده المتقدم (ص 745) . وهو أبو
أسامة حماد بن أسامة من ثقات شيوخ الأئمة الشافعي وأحمد، وإسحاق بن راهويه.
(فائدة) : دلت الأحاديث المتقدمة على أن صلاة السفر أصل بنفسها، وأنها(6/747)
ليست
مقصورة من الرباعية كما يقول بعضهم، فهي في ذلك كصلاة العيدين ونحوها، كما
قال عمر رضي الله عنه: " صلاة السفر وصلاة الفطر وصلاة الأضحى وصلاة الجمعة
، ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم ". رواه ابن خزيمة
وابن حبان في " صحيحيهما "، وهو مخرج في " إرواء الغليل " (638) . وذلك هو
الذي رجحه الحافظ في " فتح الباري " بعد أن حكى الاختلاف في حكم القصر في السفر
، ودليل كل، فقال (1 / 464) : " والذي يظهر لي - وبه تجتمع الأدلة
السابقة - أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت
بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح، (ثم ذكر حديث محبوب، وفاته متابعة المرجى
، وقال:) ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية
السابقة وهي قوله تعالى: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) *، ويؤيد
ذلك ما ذكره ابن الأثير في " شرح المسند ": أن قصر الصلاة كان في السنة
الرابعة من الهجرة.. ". وخالف ما تقدم من التحقيق حديثيا وفقهيا بعض ذوي
الأهواء من المعاصرين، وهو الشيخ عبد الله الغماري المعروف بحبه للمخالفة
وحب الظهور، وقديما قيل: حب الظهور يقصم الظهور! والأمثلة على ذلك كثيرة
كنت ذكرت بعضها في مقدمة المجلد الثالث من السلسلة الأخرى: " الضعيفة "، وفي
تضاعيف أحاديثها. وأمامنا الآن هذا المثال الجديد: لقد زعم في رسالته "
الصبح السافر " (ص 12) في عنوان له: " فرضت الصلاة أربعا لا اثنتين "،
واستدل لذلك - مموها على القراء - بأمور ثلاثة:(6/748)
الأول: الآية السابقة * (فليس
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة..) *، وذكر أنها نزلت في صلاة الخوف في
العهد المدني. الثاني: أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وضع
عن المسافر الصيام وشطر الصلاة ". رواه أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج عندي
في " صحيح أبي داود " (2083) وغيره. الثالث: أنه ساق خمسة أحاديث صريحة في
أن قصر الصلاة كان في مكة حين نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه
وسلم، وصلى به الصلوات الخمس. والجواب على الترتيب السابق:
1 - أما الآية فقد اعترف هو (ص 20) أنها نزلت بعد الهجرة في السنة الرابعة أو
الخامسة، وزاد ذلك بيانا فقال (ص 21) : " بل الذي وقع أنه كان بين زيادة
صلاة الحضر وقصر صلاة السفر فترة زادت على ثلاث سنوات كما مر "! قلت: فهو قد
هدم بهذا القول الصريح ذلك العنوان، وما ساقه تحته من الأدلة، وهذا أولها،
فإن معنى ذلك أن صلاة الحضر فرضت اثنتين اثنتين، ثم زيدت في المدينة، وهذا
يوافق تماما حديث عائشة وبخاصة حديث الترجمة، وما استظهره الحافظ كما تقدم،
ويخالف زعمه أنها فرضت أربعا أربعا في مكة! 2 - الأحاديث التي ذكرها وأشرت
إليها، ونقلت إلى القراء واحدا منها، لأن الجواب عنه جواب عنها، وهو في
الحقيقة نفس الجواب عن الآية السابقة، لأن الوضع المذكور في الحديث يصح حمله
في كل من الاحتمالين أي سواء كانت(6/749)
الزيادة مكية كما يزعم الغماري، أو مدنية
كما يدل عليه ما تقدم من الأحاديث، فقوله (ص 12) : " فهذه ثلاثة أحاديث تصرح
بأن صلاة المسافر مقصورة من أربع ركعات، لأن معنى وضع شطر الصلاة حط نصفها بعد
أن كان إتمامها واجبا عليه ". قلت: فهذا الكلام لا ينافي ما ذكرته، ولا
دليل فيه يؤيد به انحرافه! 3 - أما الأحاديث الخمسة الصريحة، فهي في الحقيقة
أربعة لأن الثالث والخامس منها مدارهما على الحسن البصري مرسلا، وهي كلها
ضعيفة منكرة، وقد دلس فيها على القراء ما شاء له التدليس، وأوهمهم صحة بعض
أسانيدها وصراحة متونها وهو في ذلك غير صادق، وإليك البيان بإيجاز وتفصيل
: أما الإيجاز: فهو أن الأحاديث الخمسة منكرة كلها، لضعف أسانيدها ومخالفتها
للأحاديث الصحيحة التي لم تذكر تربيع الركعات في الظهر والعصر والعشاء،
وبعضها يصرح أن الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر.
وأما التفصيل، فأقول مستعينا بالله عز وجل: 1 - أما الحديث الأول: فذكره (ص
13) من طريق أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبي مسعود الأنصاري قال: " جاء جبريل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قم فصل، وذلك لدلوك الشمس حين مالت،
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر أربعا.. ". ثم ذكر مثله في
صلاة العصر والعشاء. وقال: " رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " على شرط
الشيخين ".(6/750)
قلت: هذا من تدليسه فإنه يعلم أن أبا بكر بن عمرو لم يسمعه من أبي
مسعود لأنه نقله من كتاب " نصب الراية " للزيلعي (1 / 223) وقد نقل عن
البيهقي أنه منقطع، وهذا قد أخرجه في " سننه " (1 / 361) وكذا الباغندي في
" مسند عمر ابن عبد العزيز " (رقم 62) من طريق أخرى عن أبي بكر به. وقال
البيهقي: " أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري
وإنما هو بلاغ بلغه ". هذا أولا. وثانيا: هو يعلم أن الحديث في " الصحيحين "
وغيرهما من طريق أخرى عن أبي مسعود مختصرا ليس فيه بيان الصلوات بله الركعات،
وأخرجه أبو داود ببيان الصلوات دون الركعات، وهذا كله يعني أن ذكر الركعات
منكر لأنها زيادة بسند ضعيف على الرواية الصحيحة، وقد أشار إلى هذه الحقيقة
الحافظ ابن حجر بقوله عقب حديث أبي بكر: " قلت: وأصله في " الصحيحين " من
غير بيان " الأوقات ". وكذا في " نصب الراية ". وهو مخرج في " صحيح أبي
داود " (418) و " الإرواء " (1 / 269) . وثالثا: هو يعلم أيضا أن الحديث
قد جاء عن جماعة من الصحابة بلغوا سبعة نفر ليس في حديثهم عدد الركعات، منهم
عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وأبو هريرة، وهي مخرجة في " الإرواء "
(249) ، و " صحيح أبي داود " (417 و 419 و 420) وهي كلها مخرجة في " نصب
الراية "، فماذا يقول الإنسان عن رجل يتجاهل كل هذه الروايات، وبعضها صحيح
وحسن لذاته،(6/751)
وبعضها حسن لغيره، ويتشبث برواية ضعيفة منكرة هي رواية أبي بكر
هذه عند إسحاق. على أن هذا قد روى عنه رواية أخرى موافقة لرواية الجماعة، هي
أصح من روايته الأولى المنقطعة، فقد روى معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد
بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عمرو بن حزم قال: " جاء جبريل فصلى بالنبي صلى
الله عليه وسلم.. " الحديث ليس فيه ذكر الركعات. رواه إسحاق بن راهويه في "
مسنده " كما في " نصب الراية " (1 / 225) و " المطالب العالية " (ق 9 / 2)
من طريق عبد الرزاق، وهذا في " المصنف " (1 / 534) لكن وقع سقط في إسناده.
وقال الحافظ عقبه في " المطالب " أيضا: " هذا إسناد حسن، إلا أن محمد بن
عمرو بن حزم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم لصغره، فإن كان الضمير في "
جده " يعود إلى " أبي بكر " توقف على سماع أبي بكر من عمرو ". قلت: هو عن جده
مصرح به - كما ترى - فهو منقطع لأن (محمد بن عمرو) لم يدركه، ولكنه صحيح
لشواهده المتقدمة، فإنه ليس فيه شيء من النكارة بخلاف رواية أبي بكر الأولى.
تدليس آخر للغماري هداه الله، قال عقب حديثه المتقدم عن أبي مسعود وفيه عدد
الركعات المنكر: " ورواه البيهقي في " المعرفة " من طريق أيوب بن عتبة:
حدثنا أبو بكر بن عمرو ابن حزم عن عروة بن الزبير عن ابن أبي مسعود الأنصاري عن
أبيه ". قلت: وجه تدليسه على القراء من ناحيتين: الأولى: سكت عن إسناده
فأوهم أن لا شيء فيه وأن البيهقي لم يتكلم(6/752)
عليه، وهو خلاف الواقع، فإن
الزيلعي لما عزاه للبيهقي لم يدلس كما صنع الغماري! ومنه نقله، بل أتبعه
بقوله (1 / 223) : " قال البيهقي: فأيوب بن عتبة ليس بالقوي ". والأخرى -
وهي أخطر -: أنه ليس في هذه الطريق تربيع الركعات، وقد أشار لذلك البيهقي
في " المعرفة " بقوله (1 / 173) عقب الحديث: " ولم أر ذكر العدد إلا في
حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد (يعني: حديثه عن أبي بكر المتقدم والذي
أعله بالانقطاع) وقد اختلفوا فيه، وحديث معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة
يدل على أنها فرضت بمكة ركعتين ركعتين، فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا،
وهو أصح ". قلت: وهذا مما لا شك فيه لحديث الترجمة وغيره مما تقدم، ولكن
الغماري لا يقيم وزنا لما صح من الحديث، بل ويضعفه بالرأي لمجرد مخالفته
لهواه كحديث معمر هذا، فإنه قد ضعفه مع كونه في " صحيح البخاري " كما سيأتي
بيانه، والله المستعان. ويؤيد ما أشار إليه البيهقي، أن الحديث أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " (17 / 260 / 718) فقد ساقه فيه بتمامه من طريق
أيوب بن عتبة، وليس فيه التربيع. وثمة تدليس ثالث للغماري في قوله عقب
فقرته السابقة: " ورواه الباغندي في " مسند عمر بن عبد العزيز "، وصرح في
روايته باسم بشير ابن أبي مسعود. وبشير قال عنه الحافظ: تابعي جليل..
فالحديث بمجموع الطريقين صحيح ".(6/753)
قلت: ليتأمل القارىء هذا التدليس الخبيث،
كيف أنه تكلم عن بشير وأنه ثقة - وهذا حق - وانصرف عن الكلام عن علة الحديث
وهي أيوب بن عتبة الذي في رواية البيهقي موهما القراء أن لا علة فيه! كما أنه
ليس عند الباغندي (رقم 64) التربيع أيضا! وقوله: فالحديث صحيح بمجموع
الطريقين إن كان يعني بهما رواية البيهقي والباغندي فهو واضح البطلان لأنه من
باب تقوية رواية الضعيف بروايته الأخرى، وهذا لا يصدر إلا من مأفون! وإن
كان يعني طريق أيوب هذه وطريق ابن راهويه، فهو قريب من الأول لأن مدارهما على
أبي بكر، غاية ما في الأمر أن الطريق الأولى منقطعة كما تقدم، والأخرى متصلة
، لكن الذي وصلها - وهو أيوب - ضعيف، والأولى رجالها ثقات، وقد قال
الغماري نفسه كما سبق أن إسنادها على شرط الشيخين فكيف يصح تقوية المنقطع
بالمتصل وروايته مرجوحة! هذا لو كان في متن كل منهما التربيع، وليس كذلك
كما سبق، ولم يكن ذكر التربيع في رواية أبي بكر منكرا، وهيهات هيهات، فقد
أثبتنا نكارته بما لا قبل لأحد برده مهما كان مكابرا كالغماري. وبهذا ينتهي
الكلام على حديثه الأول. 2 - وأما حديثه الثاني وهو عن أنس، فقد كفانا مؤنة
رده اعتراف الغماري بأن في إسناده مجهولين، لكن هذا ليس بعلة قادحة عندي
لأنهما قد توبعا وإنما هي المخالفة، بل النكارة في المتن، والمخالفة في
السند والمتن! أما الأولى: فهي قولهما في حديثهما: أن جبريل أمر النبي صلى
الله عليه وسلم أن يؤذن للناس بالصلاة. ومعلوم أن الأذان إنما شرع في المدينة
!(6/754)
والأخرى: أن البيهقي أخرج الحديث بسند صحيح عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي
عن قتادة: حدثنا أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثهم فذكر حديث المعراج بطوله
وفيه فرض الصلوات الخمس. قال قتادة: وحدثنا الحسن يعني البصري أن النبي صلى
الله عليه وسلم.. قلت: فذكر الحديث نحو رواية المجهولين، لكن دون الأمر
بالأذان، وفيه تربيع الصلوات الثلاث، وقال البيهقي عقبه: " ففي هذا الحديث
، وما روي في معناه دليل على أن ذلك كان بمكة بعد المعراج، وأن الصلوات
الخمس فرضت حينئذ بأعدادهن، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها خلاف ذلك ". ثم
ساق البيهقي حديث معمر المتقدم برواية البخاري، وحديث داود بن أبي هند من
طريق ثالث عنه، استغنيت عن ذكره هناك بالطريقين السابقين. قلت: ووجه
المخالفة أن شيبان النحوي بين في روايته عن قتادة عن أنس أنه ليس فيها ذكر
التربيع الذي رواه قتادة عن الحسن مرسلا. ومعنى ذلك أن الحسن زادها على أنس،
فكانت منكرة بهذا الاعتبار، فكيف إذا ضم إلى ذلك مخالفته أيضا للأحاديث
الصحيحة التي سبقت الإشارة إليها؟ 3 - وأما حديثه الثالث، وقد ساقه من طريق
سعيد عن قتادة عن الحسن. فقد عرفت الجواب عنه آنفا، ولذلك فمن التدليس
الخبيث قوله: " مرسل صحيح الإسناد، وهو مع حديث أنس حجة، كما تقرر في علم
الحديث والأصول "! قلت: يشير إلى قولهم - واللفظ للنووي في " تقريبه " (1
/ 198 - بشرح " التدريب ") :(6/755)
" فإن صح مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر مسندا أو
مرسلا أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحا ". وراجع " فتح المغيث " (1
/ 138) . وجوابنا عن قوله المذكور من وجهين: الأول: أن هذا في غير المرسل
الذي ثبتت نكارته ومخالفته للأحاديث الصحيحة، ومثله أقول في المسند الشاهد
له أنه لا يصلح للشهادة لأنه منكر أيضا كما سبق تحقيقه، فكيف يقوي منكر منكرا
؟! والآخر: أن مراسيل الحسن عند العلماء شبه الريح كما قال الحافظ العراقي
فيما نقله السيوطي في " شرحه " (1 / 204) ، وذلك لأنه كان ممن يصدق كل من
يحدثه، ولذلك قال ابن سيرين: حدثوا عمن شئتم من المراسيل إلا عن الحسن وأبي
العالية، فإنهما لا يباليان عمن أخذا الحديث. وقال أحمد: ليس في المرسلات
شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح، فإنهما يأخذان عن كل أحد.
نقلتهما من " جامع التحصيل " للعلائي (ص 44 و 86 و 87 و 97) . وإن مما يؤكد
ما ذكر العلماء أن الحسن نفسه قد يروي حديثا عن صحابي دون أن يسمي من حدثه عنه
، ثم هو يفتي بخلافه! الأمر الذي يشعرنا بأنه هو نفسه كان لا يثق بما يرسله،
فانظر " الضعيفة " الحديث (342) . 4 - وأما حديثه الرابع، فقد ذكره من
رواية عبد الرزاق في " المصنف " عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره:
... فذكر الحديث. وقال عقبه: " إسناده صحيح "!(6/756)
قلت: وهذا كذب صريح،
وتدليس على القراء خبيث، فإن نافع بن جبير تابعي معروف ثقة، فلو أنه قال:
إسناده مرسل صحيح، لكان كذابا أيضا، فإن في الطريق إليه علتين تحولان دون
التصحيح: الأولى: وهي ظاهرة لكل ذي معرفة بهذا العلم، وما أظن ذلك مما
يخفى على الغماري، ولكنه الهوى! وهي قول ابن جريج: قال: قال نافع. فإن
ابن جريج كان من المدلسين المعروفين بذلك والمكثرين منه كما في " التحصيل " (
ص 123) للعلائي، فمثله لا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث، وبخاصة أنه كما
قال الدارقطني: " تدليسه قبيح، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم
بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة "! والعلة الأخرى: أن عبد الرزاق أخرجه في "
كتاب الصلاة " من " مصنفه " (1 / 532 / 2030) ، وهذا الكتاب يرويه عنه إسحاق
بن إبراهيم الدبري (انظر ص 349 منه) وفي سماعه منه كلام معروف، قال النسائي
في " الضعفاء " (ص 297 / 379) في ترجمة عبد الرزاق: " فيه نظر لمن كتب عنه
بأخرة ". زاد في " التهذيب " عنه: " كتب عنه أحاديث مناكير ". وقال الذهبي
في " الميزان " في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الدبري: " سمع من عبد الرزاق
تصانيفه، وهو ابن سبع سنين أو نحوها، لكن روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة،
فوقع التردد فيها هل هي منه فانفرد بها، أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق
".(6/757)
وفي " اللسان ": " ذكر أحمد أن عبد الرزاق عمي فكان يلقن فيتلقن، فسماع
من سمع منه بعدما عمي لا شيء. قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما روى الدبري عن
عبد الرزاق أحاديث استنكرتها جدا، فأحلت أمرها على الدبري، لأن سماعه منه
متأخر جدا ". قلت: وبالجملة فالحديث ضعيف لإرساله، وانقطاعه بين مرسله
والراوي عنه، وضعف السند إليه، ظلمات بعضها فوق بعض، ومع هذا كله يقول فيه
هذا الهالك في عجبه وغروره: إسناده صحيح!! أضف إلى ذلك العلة العامة الشاملة
لأحاديثه الخمسة، وهي مخالفة الأحاديث الصحيحة! 5 - وأما حديثه الخامس،
فهو عن الحسن البصري أيضا كما تقدمت الإشارة إليه وتقدم الجواب عنه في حديثه
الثالث بما فيه كفاية وأنه منكر مثل كل أحاديثه! هذا، ومن ضلال هذا المأفون
أنه بعد أن ساق هذه الأحاديث الضعيفة وبنى عليها أن الصلوات الثلاث فرضت أربعا
أربعا، انبرى ليضعف ما صح من الأحاديث المخالفة لها، وهي ثلاثة: الأول:
حديث عائشة المتقدم: فرضت الصلاة ركعتين ... الحديث. وهو مما أخرجه الشيخان
وغيرهما من أصحاب الصحاح، حتى قال ابن رشد في " البداية " (3 / 395 - بتخريج
الهداية) : " إنه حديث ثابت باتفاق ". وأقره مخرجه الشيخ أحمد الغماري أخو
عبد الله هذا، وخرجه ولم يعلق عليه(6/758)
بشيء، وأما هذا المأفون، فزعم (ص 16
و18) : أنه شاذ، والشاذ من قبيل الضعيف. بعد أن ادعى أنه موقوف عليها.
وهذه الدعوى وإن كان مسبوقا إليها من بعض فقهاء الشافعية، فقد ردها الحافظ -
وهو شافعي أيضا - بقوله في " الفتح " (1 / 464) ردا على المخالفين: " فهو مما
لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع ". قلت: وإني - والله - لأتعجب كل العجب
من أولئك الفقهاء وكيف يجيزون على السيدة عائشة أن تقول من نفسها: " فرض الله
الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر.. " الحديث، وهو متفق عليه
- كما تقدم - ولو أنها قالت من نفسها: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
... " كما قال ذلك ابن عمر في صدقة الفطر، لو أن ذلك قاله قائل دون توقيف من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتبر القائل من الكاذبين على رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فكيف يكون حاله لو قال: " فرض الله.. "؟! تالله إنها لإحدى
الكبر أن يقال في عائشة الصديقة رضي الله عنها أنها قالت ذلك من نفسها دون
توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولا يقال: لعلهم لم يقفوا على هذا
اللفظ الصريح في الرفع، وإنما على اللفظ الآخر: " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين
.. ". لأننا نقول: هب أن الأمر كذلك بالنسبة لغير الغماري، فإنه في معنى
الأول، ألا ترى أن العلماء ذكروا في " مصطلح الحديث ": " وقول الصحابي: "
أمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " مرفوع مسند عند أصحاب الحديث ". كذا في "
اختصار علوم الحديث " (ص 50) وغيره. وليس بخاف على أحد أنه لا فرق بين قول
الصحابي: " أمر " وقوله " فرض "، وبخاصة إذا صرح بالفاعل كما في هذه
الرواية الصحيحة عن عائشة(6/759)
رضي الله عنها، فالحكم على الحديث والحالة هذه
بالوقف مخالف لقواعد علم الحديث، هذه القواعد التي يتبجح الغماري بالإحالة
إليها كثيرا دون ما فائدة كما فعل في الحديث الثالث المتقدم. وإنما قلت آنفا
: " لغير العماري "، لأن أولئك الفقهاء قد يمكن أن يلتمس لهم العذر من باب
إحسان الظن بهم، وأما هذا الغماري فقد أغلق هذا الباب بينه وبين مخالفيه،
لكثرة طعنه فيهم بغير حق، كما كنت شرحت ذلك في مقدمة المجلد الثالث المشار
إليه فيما سبق، ولمكابرته في رد النصوص إما بردها وتضعيفها، أو بتأويلها
وإخراجها عن معانيها الظاهرة. وهذا هو المثال بين يديك حديث عائشة يرده بعلة
الوقف، وقد عرفت بطلانها مما بينت آنفا. وهناك شيء ثان وثالث يدل على
مكابرته وجحوده. أما الأمر الثاني، فهو مخالفته لأئمة الحديث الذين أوردوا
الحديث في " مسانيدهم " كالطيالسي (1535) وحديثه صريح في الرفع كما يأتي في
الذي بعده، وأحمد (6 / 234 و 241 و 265 و 272) وأبي يعلى (5 / 48 و 8 /
107) وغيرهم، ومعلوم أن " المسانيد " وضعها مؤلفوها للأحاديث المرفوعة،
ولا يذكرون فيها شيئا من الموقوفات إلا نادرا. أما الأمر الثالث، فهو تقصده
الإعراض عن ذكر الأحاديث المرفوعة صراحة كحديث الترجمة وما في معناه مما تقدم
تخريجه، لمخالفتها ما ذهب إليه من أن أصل الصلاة التربيع، وهذا مما يؤكد أنه
من أهل الأهواء، لأنهم يذكرون ما لهم، ولا يذكرون ما عليهم بخلاف أهل السنة
فإنهم يذكرون ما لهم وما عليهم ولا يصح أن يقال: أنه لعله لم يطلع على تلك
الأحاديث، ذلك لأن بعضها في " فتح الباري "، وهو من مراجعه يقينا، وقد رآه
فيه معزوا لصحيح ابن خزيمة وابن حبان،(6/760)
فلماذا أعرض عنه؟! ولقد زاد في
المكابرة فقال في الوجه العاشر (ص 18) : " ولم يأت في شيء من الطرق التي
استندوا إليها صحيحها وضعيفها أن الصلاة كانت اثنتين ثم فرضت بعد الهجرة أربعا
". قلت: يأبى الله بحكمته إلا أن يكشف مكابرة هذا المدبر وضلاله - بقلمه -
فإنه ينفي ذلك في كل الطرق حتى الضعيفة منها، فكيف يقول هذا وهو في صدد تضعيف
حديث عائشة، ومن ألفاظه في رواية معمر المتقدمة بلفظ: " فرضت الصلاة ركعتين
ثم هاجر النبي ففرضت أربعا.. ". وهذا اللفظ قد ذكره هذا المدبر نفسه في
رسالته (ص 20) ، فهذا نص صريح ينافي ما نفاه، فهل كان ذلك عن غفلة منه أو
تغافل؟ أحلاهما مر، فهذا الحديث صريح في الرفع، فهو يبطل ادعاءه بأنه موقوف
، وحسبك أنه في صحيح البخاري مع وروده من طرق أخرى كما تقدم. وأما زعمه بأنه
شاذ ضعيف، فهو أبطل من سابقه، لأنه لم يقله مسلم من قبله، وقد ذكرت آنفا عن
ابن رشد أنه ثابت باتفاق. بل إنني أقول: إنه صحيح يقينا لأنه من أحاديث
الصحيحين التي تلقتها الأمة بالقبول، لا فرق بين من حمله على الوجوب، ومن
حمله على الاستحباب، وما كان كذلك من أحاديثهما فهو يفيد العلم كما هو مقرر
في " المصطلح "، وراجع لذلك " شرح اختصار علوم الحديث " لابن كثير. ولهذا
فإني أخشى أن يشمله وعيد قوله تعالى * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) * (
115: النساء) . ولو علم القارىء الأسباب التي حملته على مخالفته للمسلمين
لازداد تعجبا معي من جرأته في المخالفة، ويمكن تلخيصها بما يأتي:(6/761)
أولا:
مخالفته بزعمه للقرآن وحديث وضع شطر الصلاة، وقد سبق بيان بطلان هذه
المخالفة، وأنه موافق لهما، فلا داعي للإعادة. ثانيا: أنه مخالف بزعمه
أيضا لأحاديثه الخمسة، وقد عرفت أنها ضعيفة الأسانيد منكرة مخالفة للأحاديث
الصحيحة، ومنها حديث الترجمة. ولذلك لم يصححها أحد! ثالثا: أنه يجوز أن
يكون شرعت الركعتان حين فرض عليه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء خمسون صلاة،
ثم خففت إلى خمس وكملها أربعا أربعا! وهذا تجويز عقلي - ومن عقله هو! -
يغني حكايته عن رده لمعارضته للنصوص الصحيحة. رابعا: لما تواتر من بيان
ركعاتها من جبريل صبيحة ليلة الإسراء! وهذا كذب وزور لم يقله أيضا مسلم قبله
، وهو تكرار للمخالفة الثانية. والمتواتر إنما هو صلاة جبريل عليه السلام
بالنبي صلى الله عليه وسلم دون بيان الركعات. بل لو قيل بأن المتواتر أنها
فرضت ركعتين ركعتين لما كان بعيدا عن الصواب، لتلقي الأمة لحديثها بالقبول كما
تقدم آنفا. وبالجملة فالرجل مغرم بالمخالفة للعلماء بسوء فهمه الذي يصور له
الصحيح ضعيفا والضعيف صحيحا، ومما ضعفه أيضا من الحديث الصحيح حديث عمر
المتقدم (ص 748) : " صلاة السفر.. ركعتان تمام غير قصر.. على لسان نبيكم "
(ص 23) وحديث ابن عباس: " إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم على المسافر
ركعتين.. " حكم عليه أيضا بالشذوذ! (ص 22 - 23) . وإن من خبثه ومكره
بقرائه، أن هذه الأحاديث الصحيحة والتي هو يضعفها، لا يخرجها حتى لا يتنبه
القراء أنها صحيحة فيشكون على الأقل بتضعيفه إياها! فحديث ابن عباس رواه مسلم
وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان في(6/762)
" صحاحهم "، وحديث عائشة أخرجه
الشيخان كما تقدم، وكذا المذكورون مع مسلم آنفا، وحديث ابن عباس مخرج عندي
في " صحيح أبي داود " (1134) و " الروض النضير " (393) وحديث عمر سبق
تخريجه. ومن الأحاديث الضعيفة التي صححها هذا الغماري المأفون حديث عائشة: "
كان يسافر فيتم الصلاة ويقصر " (ص 26 - 28) ولا أريد إطالة الكلام في الرد
عليه فإنني قد بينت ضعفه وكشفت عن علته في " إرواء الغليل " (3 / 6 - 9)
وإنما أريد أن ألفت نظر القراء إلى أمرين هامين: الأول: أن الغماري لم يبين
صحة الحديث على طريقة المحدثين، وبخاصة وهو بصدد الرد على المضعفين له كابن
تيمية وابن القيم وابن حجر وإنما اقتصر على تقليد الدارقطني في قوله: "
إسناده صحيح " وقد بينت هناك أن فيه مجهول الحال، وأما الغماري فقال (ص 30
) : " رجال إسناده ثقات "! دون أي بيان أو تحقيق! والآخر: أن من المضعفين
لهذا الحديث الذي صححه هذا الغماري الصغير أخاه الكبير أحمد الغماري رحمه الله
، فإنه قال معلقا على قول ابن رشد: " لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم
الصلاة قط ". فقال الشيخ أحمد: " قلت: هذا معلوم من سيرته لمن تتبع الأحاديث
والأخبار في أسفاره صلى الله عليه وسلم، وقد نص الحفاظ على ذلك، قال ابن
القيم في " الهدي النبوي " ... " ثم ساق كلام ابن القيم، وارتضاه. وأما
الغماري الصغير، فإنه حكاه ورده بتصحيح الدارقطني لإسناده وتقليده إياه كما
تقدم، فتأمل كم هو مغرور بنفسه، هالك في مخالفاته! نسأل الله العافية
والسلامة.(6/763)
وخلاصة ما تقدم أن حديث الترجمة صحيح بمتابعه وشاهده، وبعضه في "
صحيح البخاري "، وبشاهده الذي حسنه الحافظ. وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن
عائشة، وهو الآتي بعده. والحمد لله تعالى وحده. ثم رأيت المسمى حسن السقاف
الهالك في تقليد شيخه عبد الله الغماري، قد نقل عن كتابه " الصبح " بعض أقواله
في أحكام السفر، نقلها في كتاب له أسماه " صحيح صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
من التكبير إلى التسليم كأنك تنظر إليها "، وهو كتاب مزور مسروق من كتابي
المعروف كما يشعرك به عنوانه، ويؤكد ذلك لكل باحث بصير مضمونه، فإنه جرى فيه
على نهج شيخه في التدليس على القراء وتضعيف الأحاديث الصحيحة وتصحيح الأحاديث
الضعيفة مؤكدا بذلك أنه - على الأقل - من أهل الأهواء بما لا مجال لبيان ذلك
الآن، فحسبي من ذلك هنا الإشارة إلى أنه في كتابه المذكور عقد فصلا في آخره في
قصر الصلاة في السفر، جرى فيه على الإعراض عن دلالة حديث عائشة وغيره في وجوب
قصر الصلاة في السفر، مصرحا بأنه رخصة فقط! وأتى برواية باطلة عن عائشة، أن
قصره صلى الله عليه وسلم إنما كان في حرب، وأنه كان يخاف!! ومن المتواتر عن
النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أنهم داوموا على القصر في السفر
في حجة الوداع وغيرها، فهل خفي هذا على هذا المقلد، أم هي المكابرة والجحد
للحقائق؟! ثم لم يكتف بذلك بل زاد في الطين بلة أنه زعم (ص 276) أن سنده حسن
، وهو في ذلك غير صادق، وقد بينت ذلك في " الضعيفة " رقم (4141) . والله
المستعان. وإليك الآن بالطريق الآخر الموعود لحديث عائشة الصحيح رضي الله
تبارك وتعالى عنها: " كان يصلي بمكة ركعتين - يعني - الفرائض، فلما قدم
المدينة، وفرضت عليه الصلاة أربعا، وثلاثا، صلى وترك الركعتين كان
يصليهما بمكة تماما للمسافر ".(6/764)
2815 - " كان يصلي بمكة ركعتين - يعني - الفرائض، فلما قدم المدينة، وفرضت عليه
الصلاة أربعا، وثلاثا، صلى وترك الركعتين كان يصليهما بمكة تماما للمسافر ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1535) : حدثنا حبيب بن يزيد الأنماطي قال:
حدثنا عمرو بن هرم عن جابر بن زيد قال: قالت عائشة:.. فذكره. قلت:
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير الأنماطي هذا فقد اختلفوا فيه، فقال
الذهبي في " الكاشف ": " فيه لين ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت:
فمثله يحسن حديثه وبخاصة إذا توبع، وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن عائشة
بنحوه، وهو المذكور قبله. وله طريق ثالث عنها قالت: " كان أول ما افترض
على رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتان ركعتان.. " الحديث مثله،
وفيه: " ثم أتم الله الظهر والعصر.. " الحديث. أخرجه أحمد (6 / 272) بسند
جيد. وهو من جملة الأدلة على بطلان قول من أعل حديث عائشة في " الصحيحين "
بالوقف ومنهم الشيخ عبد الله الغماري كما تقدم الرد عليه في الحديث الذي قبله
مفصلا بما تقر أعين القراء المحبين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(6/765)
2816 - " كان لا يسبح في السفر قبلها ولا بعدها. يعني الفريضة ".
أخرجه السراج في " مسنده " (ق 120 / 2) من طريق وكيع: أخبرنا ابن أبي ذئب عن
عثمان ابن عبد الله بن سراقة عن ابن عمر قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا
إسناد صحيح على شرط البخاري. ثم رواه من طريق ابن أبي فديك: حدثنا ابن أبي
ذئب عن عثمان.. قال: كنا مع ابن عمر في سفر، فرأى حفص بن عاصم يسبح، فقلت:
إن خالك - يعني - عمر يكره هذا، فأتيت ابن عمر فسألته، فقال: رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يسبح.. إلخ. قلت: وإسناده جيد، رجاله رجال الصحيح،
وقد أخرجه هو والشيخان وغيرهم من طريق أخرى عن حفص بن عاصم عن ابن عمر نحوه
أتم منه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1108) . هذا وفي الأحاديث الأخرى
الصحيحة ما يدل أن هذا ليس على إطلاقه وشموله، فإنه قد ثبت أنه صلى الله عليه
وسلم كان لا يدع سنة الفجر حضرا ولا سفرا، وكذلك الوتر. انظر " فتح الباري
" (2 / 578 - 579) .
2817 - " كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة، ثم لا
ينظر الله إليكم؟! ".
أخرجه الحاكم في " المستدرك " (4 / 572) عن ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن
ميسرة، عن أبي هانىء الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو
ابن العاص رضي الله عنهما قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية: * (يوم يقوم الناس لرب العالمين) *، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره،
وقال:(6/766)
" هذا حديث صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات
معروفون غير عبد الرحمن بن ميسرة، وهو الحضرمي المصري، ولم يوثقه غير
الحاكم، وهو متساهل في التوثيق كابن حبان والعجلي، وقد وثقه أيضا (835)
، فلا تطمئن النفس لما تفردوا به من التوثيق، لاسيما والحافظ قال في عبد
الرحمن هذا: " مقبول ". يعني عند المتابعة. وإلا فلين الحديث كما نبه عليه
في المقدمة. وقد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 285)
ولم يزد فيه على قوله: " روى عن عقيل بن خالد. روى عنه عبد الله بن وهب ".
قلت: فأحسن أحواله أنه مجهول الحال. ثم بدا لي أنه ينبغي أن يسلك به مسلك
الثقات، لأنه قد روى عنه جمع آخر من الثقات غير ابن وهب، منهم سعيد بن عفير
ويحيى بن بكير، وغيرهم كما في " التهذيب "، ولعله من أجل ذلك أشار إلى
توثيقه الهيثمي، فقال في " المجمع " (7 / 135) : " رواه الطبراني، ورجاله
ثقات ". وهو غير (عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي أبي سلمة الحمصي) الذي وثقه
الذهبي في " الكاشف ". فاقتضى التنبيه. والحديث عزاه في " الدر المنثور " (
6 / 324) لأبي الشيخ أيضا وابن مردويه والبيهقي في " البعث "، ولم أره في
الجزء المصور عندي، والذي قام على تكبيره الشيخ حماد الأنصاري، ولا في
المطبوع منه، فالظاهر أنه في الجزء الأخير منه والله أعلم.(6/767)
ثم إن السيوطي
ساق له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه من رواية ابن مردويه، وفي سنده
ضعف، وفي متنه نكارة بلفظ: " * (يوم يقوم الناس لرب العالمين) * مقدار
ثلاثمائة سنة ". ولذلك خرجته في " الضعيفة " (4149) . ولهذا الجزء منه
شاهد صحيح عن أبي هريرة في حديث: " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي
عليه في نار جهنم. " الحديث، وفيه: " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم
يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.. " الحديث. رواه مسلم وغيره،
وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1462) . وشاهد آخر من حديث أبي سعيد الخدري
نحوه بسند ضعيف كما في " تخريج المشكاة " (5563) . وحديث أبي هريرة (1) روي
بلفظ: " ينصب للكافر يوم القيامة مقدار خمسين ألف سنة، وإن الكافر ليرى جهنم
ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة ". أخرجه ابن حبان (2581 - موارد)
وأحمد (3 / 75) والحاكم (4 / 597) وأبو يعلى (1385) وفيه أبو السمح،
وهو ذو مناكير. ثم أخرجه ابن حبان (2578) بسند صحيح عنه بسياق آخر مختصرا بلفظ:
_________
(1) قلت: كذا وقع في " الموارد " من حديث أبي هريرة، والصواب أنه من حديث
أبي سعيد الخدري كما حققته في " الضعيفة " (6490) . اهـ.(6/768)
" * (يقوم الناس لرب العالمين) * مقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة يهون
ذلك على المؤمن، كتدلي الشمس للغروب إلى أن تغرب ". لكن قوله: " نصف يوم "،
غريب مخالف لما تقدم. والله أعلم.
2818 - " كان إذا أتي بالشيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة،
اذهبوا إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (232) والبزار في " مسنده " (1904 -
الكشف) والدولابي في " الذرية الطاهرة " (ق 9 / 1) والحاكم (4 / 175) من
طريق مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: فذكره. وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! كذا قالا! وابن فضالة هذا
أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: " ضعفه أحمد والنسائي، وقال أبو زرعة
: يدلس. وقال أبو داود وأبو حاتم: إذا قال: " حدثنا " فهو ثقة ". وقال
الحافظ في " التقريب ": " صدوق، يدلس ويسوي " (1) . قلت: ولم يصرح
بالتحديث كما ترى، فالسند ضعيف، ومع ذلك سكت عنه الحافظ في " الفتح " (10 /
435) وقد عزاه لـ " الأدب المفرد "! فلعل ذلك لأن له شاهدا من حديث عائشة
رضي الله عنها قالت:
_________
(1) قلت: وقوله: " ويسوي " فيه نظر بينته في مكان آخر. اهـ.(6/769)
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول
: أرسلوا إلى أصدقاء خديجة ". أخرجه البخاري (3816 و 3818 و 6004) ومسلم (
7 / 134) واللفظ له، والترمذي (2018 و 3885) وأحمد (6 / 58 و 202 و 279
) والطبراني في " الكبير " (23 / 11 / 15) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه
عنها. واستدركه الحاكم على مسلم فوهم، وصححه الترمذي. (تنبيه) : حديث
عائشة عزاه الحافظ في ترجمة خديجة من " الإصابة " لـ (الصحيح) بهذا اللفظ،
وزاد: " قال: فذكرت له يوما، فقال: إني لأحب حبيبها ". ولم أجد هذه
الزيادة في (الصحيح) ولا في المصادر الأخرى، اللهم إلا رواية لمسلم من طريق
حفص بن غياث عن هشام بن عروة بهذا الحديث، وزاد: قالت: فأغضبته يوما، فقلت
: خديجة؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني قد رزقت حبها ".
2819 - " يا أيها الناس إني لم أعلم بهذا حتى سمعتموه، ألا وإنه يجير على المسلمين
أدناهم ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 296 / 2 / 4958) قال: حدثنا عبد الله بن
يحيى ابن بكير قال: حدثني أبي قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: أخبرنا موسى بن
جبير عن عراك بن مالك عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة
: أن زينت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم مهاجرا استأذنت أبا العاص بن الربيع زوجها أن تذهب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأذن لها، فقدمت عليه، ثم(6/770)
إن أبا العاص لحق بالمدينة، فأرسل إليها
: أن خذي لي أمانا من أبيك، فخرجت فأطلت برأسها من باب حجرتها ورسول الله صلى
الله عليه وسلم في الصبح يصلي بالناس، فقالت: يا أيها الناس أنا زينب بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني قد أجرت أبا العاص. فلما فرغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: فذكره. وقال: " لا يروى عن أم سلمة إلا
بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة ". وأخرجه في " المعجم الكبير " (23 / 425
/ 1047) من طريق أخرى عن ابن لهيعة به. قلت: قال الهيثمي بعد أن عزاه بهذا
السياق لـ " الأوسط " و " الكبير " باختصار (5 / 330) : " وفيه ابن لهيعة،
وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات ". قلت: المتقرر فيه عند أكثر العلماء أنه حسن
الحديث في الشواهد والمتابعات، إلا في رواية أحد العبادلة عنه، فهو صحيح
الحديث، وقد رواه عنه عبد الله بن وهب، فقال الدولابي في " الذرية الطاهرة "
(ق 12 / 1) : حدثني يونس بن عبد الأعلى: أنبأ عبد الله بن وهب أخبرني ابن
لهيعة به. وأخرجه الحاكم (4 / 45) من طريق آخر عن ابن وهب به. قلت: فصح
الحديث والحمد لله، وموسى بن جبير الأنصاري روى عنه جمع من الثقات منهم
الليث بن سعد وبكر بن مضر وعمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب، ولذلك قال
الذهبي في " الكاشف ": " ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 451)
وقال:(6/771)
" يخطىء ويخالف ". وقال الحافظ: " مستور ". قلت: والصواب قول
الذهبي المتقدم: " ثقة " لرواية الجماعة عنه، وقد يكون له أخطاء كما يشير
إليه قول ابن حبان المتقدم. وللحديث شاهد عن يزيد بن رومان مرسلا. أخرجه ابن
هشام في " السيرة " (2 / 202 - 203) . وآخر من حديث أنس بن مالك نحوه مختصرا
. أخرجه الدولابي (ق 12 / 2) : حدثنا النضر بن سلمة بسند صحيح له عنه. لكن
النضر هذا - وهو شاذان المروزي - متهم بالوضع، وهو مترجم في " اللسان ".
لكن رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " أخصر منه، قال الهيثمي: "
وفيه عباد بن كثير الثقفي، وهو متروك ". وللشطر الثاني من حديث الترجمة شاهد
من حديث ابن عمرو عند أبي داود وغيره بسند حسن، وهو مخرج في " الإرواء " (
2208) وشواهد أخرى في " مجمع الزوائد " و " المستدرك " (4 / 45) .
2820 - " توضأ يا أبا جبير! لا تبدأ بفيك، فإن الكافر يبدأ بفيه ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (148) والدولابي في " الأسماء والكنى " (1 /
23) وأبو أحمد الحاكم في " الكنى " (ق 61 / 2) والبيهقي(6/772)
في " السنن الكبرى
" (1 / 46) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17 / 315 / 1) من طرق عن معاوية
بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه: أن أبا جبير قدم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم بابنته التي كان تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم
، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء، فقال: " توضأ يا أبا جبير "،
فبدأ أبو جبير بفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تبدأ بفيك.. "
(الحديث) ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء فغسل كفيه حتى
أنقاهما، ثم تمضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وغسل يده اليمنى إلى
المرفق (1) [ثلاثا] واليسرى ثلاثا ومسح برأسه وغسل رجليه، والسياق
للدولابي. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وفيه شبهة
الإرسال، لأن جبير بن نفير ليست له صحبة، وإن كان أدرك الجاهلية لكن الظاهر
أنه تلقاه عن أبيه نفير، وله صحبة معروفة، وقد أخرج النسائي في " الكنى "
من طريق صفوان ابن عمرو: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن جده.
وكذلك قال غيره عن عبد الرحمن به. فانظر " الإصابة "، والحديث الآتي (2823)
. (تنبيه) : وقع في (السنن) ".. عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه
جبير أنه قدم.. ". فجعله من مسند جبير، وأنه الذي قدم على النبي صلى الله
عليه وسلم، وهو خطأ مطبعي بلا ريب لمخالفته للمصادر الأخرى، والطريق واحدة.
_________
(1) الأصل " المرفقين ". اهـ.(6/773)
2821 - " من اقتراب (وفي رواية: أشراط) الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار
ويفتح القول ويخزن العمل ويقرأ بالقوم المثناة، ليس فيهم أحد ينكرها. قيل:
وما المثناة؟ قال: ما استكتب (1) سوى كتاب الله عز وجل ".
وهو من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، يرويه عنه عمرو
ابن قيس الكندي، رواه عنه جمع رفعه بعضهم وأوقفه بعضهم، وهو في حكم المرفوع
لأنه لا يقال بمجرد الرأي، وهم: أولا: يحيى بن حمزة: حدثني عمرو بن قيس
الكندي قال: كنت مع أبي الفوارس وأنا غلام شاب، فرأيت الناس مجتمعين على رجل
، قلت: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعته يحدث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. أخرجه الحاكم (4 / 554) وأورده
الهيثمي في " المجمع " (7 / 326) مرفوعا عن عبد الله بن عمرو، وقال: "
رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ". قلت: لعله عند الطبراني من طريق أخرى
غير طريق الكندي هذا، وإلا فالهيثمي واهم في حشره إياه في جملة (رجال الصحيح
) ! ثانيا: الأوزاعي عن عمرو بن قيس السكوني قال: خرجت مع أبي في الوفد إلى
معاوية، فسمعت رجلا يحدث الناس يقول: " إن من أشراط الساعة.. " الحديث.
_________
(1) الأصل: " اكتتب "، والتصويب من " النهاية " لابن الأثير وغيره. اهـ.(6/774)
قال
: فحدثت بهذا الحديث قوما وفيهم إسماعيل بن عبيد الله، فقال: أنا معك في ذلك
المجلس، تدري من الرجل؟ قلت: لا، قال: عبد الله بن عمرو. أخرجه الحاكم
أيضا، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (13 / 593 - المدينة) وقال الحاكم: "
صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. ثالثا: معاوية بن صالح قال: أخبرني عمرو
بن قيس الكندي قال: سمعت عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: فذكره موقوفا بلفظ
: ".. كل كتاب سوى كتاب الله ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 165
/ 19395) : زيد بن الحباب قال: أخبرنا معاوية بن صالح ... رابعا: إسماعيل بن
عياش عن عمرو بن قيس به إلى قوله: " ويخزن العمل ". أخرجه أبو عمرو الداني
في " الفتن " (ق 53 / 1 - 2) والبيهقي في " الشعب " (4 / 306 / 5199)
بتمامه. خامسا: بشر: حدثني عمرو بن قيس به. أخرجه ابن عساكر. (فائدة) :
هذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد تحقق كل ما فيه من الأنباء
، وبخاصة منها ما يتعلق بـ (المثناة) وهي كل ما كتب سوى كتاب الله كما فسره
الراوي، وما يتعلق به من الأحاديث النبوية والآثار السلفية، فكأن المقصود
بـ (المثناة) الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين. التي صرفتهم مع تطاول
الزمن(6/775)
عن كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما هو مشاهد اليوم مع
الأسف من جماهير المتمذهبين، وفيهم كثير من الدكاترة والمتخرجين من كليات
الشريعة، فإنهم جميعا يتدينون بالتمذهب، ويوجبونه على الناس حتى العلماء
منهم، فهذا كبيرهم أبو الحسن الكرخي الحنفي يقول كلمته المشهورة: " كل آية
تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ
" (1) . فقد جعلوا المذهب أصلا، والقرآن الكريم تبعا، فذلك هو (المثناة)
دون ما شك أو ريب. وأما ما جاء في " النهاية " عقب الحديث وفيه تفسير (
المثناة) : " وقيل: إن المثناة هي أخبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام
وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله، فهو (المثناة) ،
فكأن ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب، وقد كان عنده كتب وقعت إليه يوم
اليرموك منهم. فقال هذا لمعرفته بما فيها ". قلت: وهذا التفسير بعيد كل
البعد عن ظاهر الحديث، وأن (المثناة) من علامات اقتراب الساعة، فلا علاقة
لها بما فعل اليهود قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فلا جرم أن ابن الأثير أشار
إلى تضعيف هذا التفسير بتصديره إياه بصيغة " قيل " وأشد ضعفا منه ما ذكره عقبه
: " قال الجوهري: (المثناة) هي التي تسمى بالفارسية (دوبيتي) . وهو
الغناء "!
_________
(1) " تاريخ التشريع الإسلامي " للشيخ محمد الخضري. اهـ.(6/776)
2822 - " من كان عليه دين ينوي أداءه كان معه من الله عون وسبب الله له رزقا ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 181 / 1 / 7758) : حدثنا محمد بن إسحاق بن
إبراهيم حدثنا أبي: حدثنا سعد بن الصلت عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " لم يروه عن
هشام إلا سعد بن الصلت، ولا رواه عن سعد إلا شاذان ". قلت: يعني به إسحاق
بن إبراهيم، فإنه يعرف بـ " شاذان الفارسي قاضي فارس " كما في " الجرح
والتعديل " في ترجمة سعد بن الصلت، ومثله في ترجمة إسحاق نفسه، وقال (1 / 1
/ 211) : " كتب إلى أبي وإلي، وهو صدوق ". وترجم لشيخه سعد بن الصلت
بروايته عن جمع آخر من الثقات غير هشام بن عروة، وعنه محمد بن عبد الله
الأنصاري ويحيى الحماني وابن ابنته إسحاق بن إبراهيم المعروف بشاذان الفارسي
قاضي فارس. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأورده ابن حبان في " الثقات "
(6 / 378) برواية شاذان عنه، وقال: " ربما أغرب ". وقال الهيثمي في "
المجمع " (4 / 132 - 133) بعد أن عزاه لأحمد: " وإسناد الطبراني متصل، إلا
أن فيه سعيد بن الصلت عن هشام بن عروة، ولم أجد إلا واحدا يروي عن الصحابة،
فليس به. والله أعلم ". قلت: إنما هو سعد، وكأنه وقع في نسخة الهيثمي من
الطبراني " سعيد "،(6/777)
وهو كذلك في بعض المواضع من هذا الحديث وغيره من نسختنا
، والصواب قد عرف من ترجمته. وإسناد أحمد الذي أشار إليه الهيثمي، إنما
يرويه القاسم بن الفضل عن محمد بن علي أبي جعفر عن عائشة أنها كانت تدان، فقيل
لها: ما لك وللدين؟ فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من
عبد كانت له نية في أداء دينه إلا كان له من الله عز وجل عون "، فأنا ألتمس
ذلك العون. أخرجه أحمد (6 / 72 و 99 و 131 و 234 - 235 و 250) وكذا
الطيالسي (1524) والحاكم (2 / 22) ومن طريقهما البيهقي (5 / 354) .
ورجاله ثقات رجال مسلم، إلا أنه منقطع بين أبي جعفر وعائشة، لكن قد روي
موصولا وسبق تخريجه برقم (1000) . ووصله الحاكم من طريق محمد بن عبد الرحمن
بن مجبر: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها. لكن ابن مجبر ضعيف.
وشذت ورقاء عن الجماعة فروت أن عائشة قالت: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
يقول: " من كان عليه دين همه قضاؤه - أو هم بقضائه - لم يزل معه من الله حارس
". أخرجه أحمد (6 / 255) والطبراني في " الأوسط " (1 / 219 / 2 / 3913) .(6/778)
وورقاء هذه - هي بنت هداب كما في " الأوسط " - لم أعرفها. (تنبيه) : ذكر
المنذري في " الترغيب " (3 / 43) هذه الرواية عقب رواية عائشة المنقطعة،
وقال عقبهما: " رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح إلا أن فيه انقطاعا ".
وليس الأمر كذلك كما يتبين لك من هذا التخريج، وخلاصته أن حديث الترجمة حسن
، وحديث عائشة بطرقه صحيح، إلا رواية ورقاء فضعيفة.
2823 - " والله لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها فيه نبي
من الأنبياء في فترة وجاهلية، ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء
بفرقان فرق به بين الحق والباطل وفرق بين الوالد وولده حتى إن كان الرجل
ليرى والده وولده أو أخاه كافرا، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان، يعلم أنه
إن هلك دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار، وإنها للتي
قال الله عز وجل: * (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين
) * ".
أخرجه أحمد (6 / 2 - 3) : حدثنا يعمر بن بشر حدثنا عبد الله - يعني ابن
المبارك -: أنبأنا صفوان بن عمرو: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن
أبيه قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما، فمر به رجل فقال: طوبى
لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله إنا لوددنا
أن رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت، فاستغضب، فجعلت أعجب ما قال إلا خيرا،
ثم أقبل إليه فقال:(6/779)
ما يحمل الرجل أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه، لا يدري لو
شهده كيف كان يكون فيه؟! والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام
أكبهم الله على مناخرهم في جهنم، لم يجيبوه ولم يصدقوه، أولا تحمدون الله إذ
أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم، مصدقين لما جاء به نبيكم، قد كفيتم البلاء بغيركم
؟ والله لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم.. إلخ. قلت: وهذا إسناد
صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير يعمر بن بشر، وهو المروزي، قال الخطيب في "
تاريخ بغداد " (14 / 357) : " من كبار أصحاب عبد الله بن المبارك، قال أحمد
: ما أرى كان به بأس. وقال علي بن المديني: ثقة. وقال أبو رجاء محمد بن
حمدويه: " من ثقات أهل مرو ومتقيهم ". وقال الدارقطني: ثقة ثقة ". وذكره
ابن حبان في " الثقات " (9 / 291) . قلت: كأن الهيثمي فاته ما ذكرناه من
النقول الموثقة ليعمر هذا، فقال في حديث آخر له (5 / 122) : " رواه أحمد عن
شيخه يعمر بن بشر، ويقال: مشايخ أحمد كلهم ثقات "! وقد تابعه بشر بن محمد
عند البخاري في " الأدب المفرد " (87) ، وحبان بن موسى عند ابن حبان (1684
- موارد) قالا: أنبأنا عبد الله به. وقال الحافظ ابن كثير في " تفسير سورة
الفرقان " بعد أن عزاه لأحمد بسنده: " وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه ". (
تنبيه) : التفريق المذكور في هذا الحديث له أصل في " صحيح البخاري " (رقم
7281) من حديث جابر بن عبد الله قال:(6/780)
" جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة
والقلب يقظان.. " الحديث، وفيه: " فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد
أطاع الله، ومن عصى محمدا فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس ". قلت: ففي
الحديث دليل صريح أن التفريق ليس مذموما لذاته، فتنفير بعض الناس من الدعوة
إلى الكتاب والسنة، والتحذير مما يخالفهما من محدثات الأمور، أو الزعم بأنه
ما جاء وقتها بعد! بدعوى أنها تنفر الناس وتفرقهم - جهل عظيم بدعوة الحق وما
يقترن بها من الخلاف والتعادي حولها كما هو مشاهد في كل زمان ومكان، سنة
الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا، * (ولو شاء ربك لجعل
الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) *.
2824 - " شاهت الوجوه [شاهت الوجوه] ".
أخرجه أحمد (1 / 303) حدثنا إسحاق بن عيسى: حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله
ابن عثمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " إن الملأ من قريش اجتمعوا
في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف، لو
قد رأينا محمدا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت
ابنته فاطمة رضي الله عنها تبكي حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك، لقد قاموا إليك
فقتلوك فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك. فقال يا بنية: أريني وضوءا،
فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا، وخفضوا(6/781)
أبصارهم
وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصرا، ولم
يقم إليه منهم رجل! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم،
فأخذ قبضة من التراب فقال: " شاهت الوجوه "، ثم حصبهم بها، فما أصاب رجلا
منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرا ". قلت: وهذا إسناد جيد رجاله
ثقات رجال الصحيح إلا أن يحيى بن سليم، وهو الطائفي، فيه كلام من جهة حفظه،
لكنه قد توبع من جمع فأمنا بذلك سوء حفظه، وصح الحديث والحمد لله. أولا:
قال سعيد بن منصور في " سننه " (3 / 2 / 354) : إسماعيل بن عياش عن عبد الله
بن عثمان بن خثيم. ثانيا: تابعه معمر عن ابن خثيم به. أخرجه أحمد (1 / 368
) : حدثنا عبد الرزاق: حدثنا معمر ... قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم.
ثالثا: أبو بكر بن عياش عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به. أخرجه الحاكم (3 /
157) مختصرا، والبيهقي في " الدلائل " (2 / 277 - 278) وقال الحاكم: "
صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. والحديث قال الهيثمي (8 / 228) : " رواه
أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح ".(6/782)
قلت: بل كلاهما من رجال الصحيح
. رابعا: مسلم بن خالد الزنجي: حدثني ابن خثيم به. أخرجه ابن حبان في "
صحيحه " (8 / 148 / 6468 - الإحسان) . ولحديث الترجمة شاهد من حديث سلمة بن
الأكوع في قصة غزوة حنين، وفيه: " فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم، فقال: "
شاهت الوجوه "، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة،
فولوا مدبرين.. ". أخرجه مسلم (5 / 169) وابن حبان (6486) بسند حسن.
وشاهد آخر من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في القصة ذاتها. أخرجه أحمد (5 / 286
) والبزار (2 / 350 / 1833) وكذا الطيالسي (195 / 1371) والدارمي (2 /
219 - 220) والدولابي (1 / 42) من طريق حماد بن سلمة: أخبرني يعلى بن عطاء
عن أبي همام عبد الله بن يسار عنه. وأبو همام هذا مجهول كما في " التقريب "،
وشذ ابن حبان فذكره في " الثقات " (5 / 51) . ومن طريق الطيالسي البيهقي في
" الدلائل " (5 / 141) والطبراني في " الكبير " (22 / 288 - 289) . وهو
حديث حسن لغيره كما حققته في " صحيح زوائد البزار "، ورواه أبو داود أيضا (
5233) ولكنه لم يسقه بتمامه، فليس فيه موضع الشاهد منه، وقال: " وهو
حديث نبيل، جاء به حماد بن سلمة ".(6/783)
2825 - " مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1709) وابن أبي عاصم في " الوحدان " (ق 269 /
1) من طريق محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني: حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي
خالد عن قيس بن أبي حازم عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (فذكره) . فقام رجل فقال: هب لي يا رسول الله ابنة بقيلة، فقال: "
هي لك "، فأعطوها إياه، فجاء أبوها فقال: أتبعنيها؟ فقال: نعم: قال:
بكم؟ قال: احتكم ما شئت. قال: بألف درهم. قال: قد أخذتها. فقيل: لو قلت
ثلاثين ألفا. قال: وهل عدد أكثر من ألف؟ قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات
على شرط مسلم. وأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (17 / 81 / 183)
والبيهقي في " السنن " (9 / 136) و " الدلائل " (6 / 326) من طرق أخرى عن
العدني به، إلا أن الطبراني قال: " أخوها " مكان " أبوها ". وقال الهيثمي (
6 / 212) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". وقال عقب رواية ابن
حبان من " موارد الظمآن ": " قلت: هكذا وقع في هذه الرواية: أن الذي اشتراها
أبوها، والمشهور أن الذي اشتراها: عبد المسيح أخوها. والله أعلم ".(6/784)
2826 - " كان إذا غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل حتى تحضر الصلوات وتهب الأرواح
ويطيب القتال ".
أخرجه ابن جرير الطبري في " التاريخ " (2 / 233 - 235) وابن حبان (1712 -
الموارد) والسياق له من طريق: مبارك بن فضالة: حدثنا زياد بن جبير بن حية
قال: (أخبرني أبي أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه قال للهرمزان: أما إذ
فتني (1) بنفسك فانصح لي. وذلك أنه قال له: " تكلم لا بأس "، فأمنه، فقال
الهرمزان: نعم، إن فارس اليوم رأس وجناحان. قال: فأين الرأس؟ قال:
نهاوند مع بندار (2) ، قال: فإنه معه أساورة كسرى وأهل أصفهان. قال: فأين
الجناحان؟ فذكر الهرمزان مكانا نسيته، فقال الهرمزان: اقطع الجناحين توهن
الرأس. فقال له عمر رضوان الله عليه: كذبت يا عدو الله، بل أعمد إلى الرأس
فيقطعه الله، فإذا قطعه الله عني انقطع عني الجناحان. فأراد عمر أن يسير إليه
بنفسه، فقالوا: نذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك إلى العجم، فإن
أصبت بها لم يكن للمسلمين نظام، ولكن ابعث الجنود. قال: فبعث أهل المدينة
وبعث فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، وبعث المهاجرين والأنصار، وكتب إلى
أبي موسى الأشعري أن سر بأهل البصرة، وكتب إلى حذيفة بن اليمان أن سر بأهل
الكوفة حتى تجتمعوا بنهاوند جميعا، فإذا اجتمعتم فأميركم النعمان بن مقرن
المزني. فلما اجتمعوا
_________
(1) الأصل (أمتني) ، والتصحيح من " الإحسان " (4736) .
(2) الأصل (بيداد) ، والتصحيح من " الإحسان " و " تاريخ الطبري "، ومنهما
صححت بعض الأخطاء الأخرى.(6/785)
بنهاوند أرسل إليهم بندار [العلج] أن أرسلوا إلينا يا
معشر العرب رجلا منكم نكلمه، فاختار الناس المغيرة بن شعبة، قال أبي: فكأني
أنظر إليه: رجل طويل أشعر أعور، فأتاه، فلما رجع إلينا سألناه؟ فقال لنا:
وجدت العلج قد استشار أصحابه في أي شيء تأذنون لهذا العربي؟ أبشارتنا وبهجتنا
وملكنا؟ أو نتقشف له فنزهده عما في أيدينا؟ فقالوا: بل نأذن له بأفضل ما
يكون من الشارة والعدة. فلما رأيتهم رأيت تلك الحراب والدرق يلمع منها البصر
، ورأيتهم قياما على رأسه، فإذا هو على سرير من ذهب، وعلى رأسه التاج،
فمضيت كما أنا، ونكست رأسي لأقعد معه على السرير، فقال: فدفعت ونهرت،
فقلت: إن الرسل لا يفعل بهم هذا. فقالوا لي: إنما أنت كلب، أتقعد مع الملك
؟! فقلت: لأنا أشرف في قومي من هذا فيكم، قال: فانتهرني وقال: اجلس.
فجلست. فترجم لي قوله، فقال: يا معشر العرب، إنكم كنتم أطول الناس جوعا،
وأعظم الناس شقاء، وأقذر الناس قذرا، وأبعد الناس دارا، وأبعده من كل
خير، وما كان منعني أن آمر هذه الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب إلا تنجسا
لجيفكم لأنكم أرجاس، فإن تذهبوا يخلى عنكم، وإن تأبوا نبوئكم مصارعكم. قال
المغيرة: فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت: والله ما أخطأت من صفتنا ونعتنا
شيئا، إن كنا لأبعد الناس دارا، وأشد الناس جوعا، وأعظم الناس شقاء،
وأبعد الناس من كل خير، حتى بعث الله إلينا رسولا فوعدنا بالنصر في الدنيا،
والجنة في الآخرة، فلم نزل نتعرف من ربنا - مذ جاءنا رسوله صلى الله عليه وسلم
- الفلاح والنصر، حتى أتيناكم، وإنا والله نرى لكم ملكا وعيشا لا نرجع إلى
ذلك الشقاء أبدا حتى نغلبكم على ما في أيديكم أو نقتل في أرضكم. فقال: أما
الأعور فقد صدقكم الذي في نفسه. فقمت من عنده وقد والله أرعبت العلج جهدي،
فأرسل إلينا العلج: إما أن تعبروا إلينا بنهاوند وإما أن نعبر إليكم. فقال
النعمان: اعبروا(6/786)
فعبرنا. فقال أبي: فلم أر كاليوم قط، إن العلوج يجيئون
كأنهم جبال الحديد، وقد تواثقوا أن لا يفروا من العرب، وقد قرن بعضهم إلى
بعض حتى كان سبعة في قران، وألقوا حسك الحديد خلفهم وقالوا: من فر منا عقره
حسك الحديد. فقال: المغيرة بن شعبة حين رأى كثرتهم: لم أر كاليوم قتيلا (1)
، إن عدونا يتركون أن يتناموا، فلا يعجلوا. أما والله لو أن الأمر إلي لقد
أعجلتهم به. قال: وكان النعمان رجلا بكاء، فقال: قد كان الله جل وعز
يشهدك أمثالها فلا يحزنك ولا يعيبك موقفك. وإني والله ما يمنعني أن أناجزهم
إلا لشيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم.. (فذكر الحديث) . ثم قال النعمان: اللهم إني أسألك أن تقر عيني بفتح
يكون فيه عز الإسلام وأهله، وذل الكفر وأهله. ثم اختم لي على أثر ذلك
بالشهادة. ثم قال: أمنوا رحمكم الله. فأمنا وبكى فبكينا. فقال النعمان:
إني هاز لوائي فتيسروا للسلاح، ثم هازها الثانية، فكونوا متيسرين لقتال عدوكم
بإزائكم، فإذا هززتها الثالثة فليحمل كل قوم على من يليهم من عدوهم على بركة
الله، قال: فلما حضرت الصلاة وهبت الأرواح كبر وكبرنا. وقال: ريح الفتح
والله إن شاء الله، وإني لأرجو أن يستجيب الله لي، وأن يفتح علينا. فهز
اللواء فتيسروا، ثم هزها الثانية، ثم هزها الثالثة، فحملنا جميعا كل قوم على
من يليهم. وقال النعمان: إن أنا أصبت فعلى الناس حذيفة بن اليمان، فإن أصيب
حذيفة ففلان، فإن أصيب فلان [ففلان] حتى عد سبعة آخرهم المغيرة بن شعبة.
قال أبي: فوالله ما علمت من المسلمين أحدا يحب أن يرجع إلى أهله حتى يقتل أو
يظفر. فثبتوا لنا، فلم نسمع إلا وقع الحديد على الحديد، حتى أصيب في
_________
(1) وكذا في " الإحسان "، وفي " التاريخ " (فشلا) . اهـ.(6/787)
المسلمين عصابة عظيمة. فلما رأوا صبرنا ورأونا لا نريد أن نرجع انهزموا،
فجعل يقع الرجل فيقع عليه سبعة في قران فيقتلون جميعا، وجعل يعقرهم حسك
الحديد خلفهم. فقال النعمان: قدموا اللواء، فجعلنا نقدم اللواء فنقتلهم
ونهزمهم، فلما رأى النعمان قد استجاب الله له ورأى الفتح، جاءته نشابة فأصابت
خاصرته، فقتلته. فجاء أخوه معقل بن مقرن فسجى عليه ثوبا، وأخذ اللواء،
فتقدم ثم قال: تقدموا رحمكم الله، فجعلنا نتقدم فنهزمهم ونقتلهم، فلما
فرغنا واجتمع الناس قالوا: أين الأمير؟ فقال معقل: هذا أميركم قد أقر الله
عينه بالفتح، وختم له بالشهادة. فبايع الناس حذيفة بن اليمان. قال: وكان
عمر بن الخطاب رضوان الله عليه بالمدينة يدعو الله، وينتظر مثل صيحة الحبلى،
فكتب حذيفة إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين، فلما قدم عليه قال: أبشر يا
أمير المؤمنين بفتح أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل فيه الشرك وأهله.
وقال: النعمان بعثك؟ قال: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين، فبكى عمر
واسترجع، فقال: ومن ويحك؟ قال: فلان وفلان - حتى عد ناسا - ثم قال:
وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم. فقال عمر رضوان الله عليه - وهو يبكي -:
لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر، لكن الله يعرفهم) . قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله
ثقات، قد صرح مبارك بن فضالة بالتحديث، وقد تابعه سعيد بن عبيد الله الثقفي
: حدثنا بكر بن عبد الله المزني وزياد بن جبير عن جبير بن حية به إلى قوله: "
وتحضر الصلوات ". أخرجه البخاري (3159 و 3160) ، وفيه زيادة: " والجناح
قيصر "، وأشار الحافظ (6 / 264) إلى شذوذها، لمخالفتها لطريق مبارك بن
فضالة هذه، وطريق معقل بن يسار الآتية، وفيها: " أصبهان الرأس، وفارس
وأذربيجان الجناحان ".(6/788)
وهذا أولى كما قال الحافظ فراجعه. قلت: ولعل الوهم
في هذه الزيادة الشاذة من سعيد بن عبيد الله الثقفي، فقد تكلم فيه بعضهم من
قبل حفظه، وقال الحافظ نفسه في " التقريب ": " صدوق ربما وهم ". وللحديث
طريق أخرى من رواية حماد بن سلمة قال: أخبرني أبو عمران الجوني عن علقمة بن
عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان في فارس
وأصبهان وأذربيجان الحديث بطوله مع اختصار بعض الجمل. أخرجه ابن أبي شيبة (13
/ 8 - 13) . قلت: وإسناده جيد، رجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله
المزني، وهو ثقة ". وقال الحافظ في " مقدمة الفتح " (ص 405) : " سنده قوي
". وعزاه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6 / 215 - 217) للطبراني، وقال:
" ورجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المزني، وهو ثقة ". وروى منه
أحمد وغيره حديث الترجمة، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2385) .
2827 - " استعد للفاقة. قاله لرجل قال له: إني أحبك ".
أخرجه البزار في " مسنده " (4 / 229 / 3595) والشجري في " الأمالي " (2 /
202) من طريق إبراهيم بن المنذر: حدثنا بكر بن سليم عن أبي طوالة عن أنس
قال:(6/789)
أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أحبك، قال: فذكره. قلت
: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون غير بكر بن سليم، ذكره ابن حبان في "
الثقات " (8 / 149) ، وقد روى عنه خمسة من الثقات، فهو صدوق كما قال في "
الكاشف "، ووثقه الهيثمي بقوله عقب الحديث (10 / 274) : " رواه البزار،
ورجاله رجال الصحيح غير بكر بن سليم، وهو ثقة ". قلت: وأبو طوالة اسمه عبد
الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري. وله شاهد من حديث أبي ذر رضي
الله عنه: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أحبكم أهل البيت،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله؟ قال: الله. قال: " فأعد للفقر
تجفافا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبنا من السيل من أعلى الأكمة إلى أسفلها ".
أخرجه الحاكم (4 / 331) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
وأقول إنما هو صحيح فقط، فإنه من طريق محمد بن غالب: حدثنا عفان.. إلخ،
فإن غالبا ليس من رجال الشيخين، وإنما عفان، لكن هذا ليس من شيوخهما،
وإنما يرويان عنه بالواسطة. وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن مغفل كنت خرجته
في " الضعيفة " (1681) قبل الوقوف على هذين الحديثين، ويعود الفضل في ذلك
إلى أحد طلاب(6/790)
العلم السعوديين جزاه الله خيرا في كتيب له كان أرسله إلي. ثم
بلغني أنه توفى فجأة رحمه الله تعالى. وللشطر الثاني من حديث أبي ذر شاهد من
حديث أبي سعيد الخدري، وهو الآتي: " اصبر أبا سعيد! فإن الفقر إلى من يحبني
منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي ومن أعلى الجبل إلى أسفله ".
2828 - " اصبر أبا سعيد! فإن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي
ومن أعلى الجبل إلى أسفله ".
أخرجه أحمد (3 / 42) من طريق عمرو عن سعيد بن أبي سعيد الخدري عن أبيه.
أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ... فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد بن أبي سعيد
الخدري، فلم يوثقه غير ابن حبان (4 / 278) وذكر أنه روى عنه عمران بن أبي
أنس وأهل المدينة. لكن حقق الحافظ أن عمران هذا إنما روى عن عبد الرحمن بن
أبي سعيد الخدري، وأن من قال عن عمران عن سعيد بن أبي سعيد الخدري فهو غير
محفوظ، كما بينته في ترجمة سعيد هذا من " تيسير الانتفاع "، وعليه فليس له
راو غير عمرو هذا، وهو ابن الحارث المصري، وعلى ذلك فسعيد هذا في عداد
المجهولين، حتى أن البخاري وابن أبي حاتم لم يذكرا له في ترجمته راويا مطلقا
! فهو علة هذا الإسناد. وقد اختلط هذا الراوي على الهيثمي بغيره، فظنه سعيد
بن أبي سعيد المقبري الثقة! فأورد الحديث في " المجمع " (10 / 374) هكذا: "
عن سعيد بن أبي سعيد الخدري شكا.." الحديث، وقال:(6/791)
" رواه أحمد، ورجاله
رجال الصحيح، إلا أنه شبه المرسل ". قلت: وهذا خطأ بناء على نقله خطأ طرف
الحديث، وهو قوله: " أن أبا سعيد " ولذلك قال: " إنه شبه المرسل "،
وبناء عليه توهم أن سعيد بن أبي سعيد هو المقبري فقال: رجاله رجال الصحيح!
وأساس الخطأ أنه سقط من قلمه قوله: " عن أبيه ". وأبو سعيد الخدري ليس أبا
المقبري الثقة، وقلده في ذلك بعض الناشئين ممن لا تحقيق عندهم. لكن للحديث
شاهد من حديث عبد الله بن مغفل أوله: " إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا ".
كنت خرجته في " الضعيفة " برقم (1681) ، فيمكن تقوية هذا به، وبحديث أبي ذر
المخرج تحت الحديث الذي قبله. والله أعلم.
2829 - " يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي
كنت أسهر ليلك وأظمئ هواجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم
من وراء كل تاجر، فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج
الوقار ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهم الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب!
أنى لنا هذا؟ فيقال: بتعليم ولدكما القرآن. وإن صاحب القرآن يقال له يوم
القيامة: اقرأ وارق في الدرجات ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند
آخر آية معك ".(6/792)
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 53 / 1 - 2 / 5894 - بترقيمي) : حدثنا
محمد بن عبد الله الحضرمي قال: أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال:
أخبرنا شريك بن عبد الله بن عيسى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي
هريرة مرفوعا به. وقال: " لم يروه عن عبد الله بن عيسى إلا شريك، ولا
رواه عن شريك إلا يزيد بن هارون، ويحيى الحماني ". قلت: وبالحماني أعله
الهيثمي، فقال في " المجمع " (7 / 160) : " رواه الطبراني في " الأوسط "،
وفيه يحيى بن عبد العزيز الحماني، وهو ضعيف ". قلت: وفيه نظر من وجهين:
الأول: قوله: ابن عبد العزيز، وإنما هو ابن عبد الحميد كما في كتب الرجال،
ولعله سبق قلم من المؤلف، أو خطأ من الناسخ. والآخر: أن الطبراني قد صرح
بأن الحماني قد تابعه يزيد بن هارون، وهو ثقة من رجال الشيخين، فإعلال
الحديث بالحماني خطأ واضح، والصواب تضعيفه بشريك، وهو ابن عبد الله القاضي
، وهو ضعيف لسوء حفظه. لكن الحديث حسن أو صحيح، لأن له شاهدا من حديث بريدة
بن الحصيب مرفوعا بتمامه. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 492 - 493
) وأبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب "، وغيره ممن كنت ذكرتهم في تخريجي
إياه قديما في " تخريج الطحاوية " (ص 126 - الطبعة الرابعة) وبينت أن فيه
بشير بن المهاجر، وهو صدوق لين الحديث كما في " التقريب "، وقلت:(6/793)
" فمثله
يحتمل حديثه التحسين، أما التصحيح - كما فعل الحاكم - فهو بعيد ". وقلدني في
ذلك الشيخ شعيب في تعليقه على " شرح العقيدة الطحاوية " (1 / 94) ! وأما في
تعليقه على " شرح السنة " (4 / 454) ، فأقر المؤلف البغوي على قوله: " حديث
حسن غريب "! وكذلك حسن إسناده الحافظ ابن كثير في " تفسير سورة البقرة " (1
/ 33) ، وتكلم على راويه (بشير) بكلام حسن، ثم قال: " لكن لبعضه شواهد..
". قلت: وكلها تدور حول فضيلة سورة البقرة وآل عمران التي جاءت في أول حديث
بريدة، وأما سائر الحديث الذي هو في حديث الترجمة، فلم يذكر له أي شاهد
وكذلك فعل مخرج أحاديثه صاحبنا الفاضل الشيخ مقبل بن هادي فلم يزد عليه شيئا مع
أن الشطر الأخير من الحديث معروف من حديث ابن عمرو عند الترمذي وحسنه، وابن
خزيمة وابن حبان والحاكم، وقد سبق تخريجه برقم (2240) . والحديث بتمامه
له شاهد آخر من رواية يحيى بن أبي كثير بلاغا. أخرجه عبد الرزاق (3 / 374 /
6014) عن معمر عنه. فهو بلاغ صحيح.
2830 - " أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا، يعني: ما لابد منه ".
هو من حديث أنس، وله عنه طرق:(6/794)
الأولى: عن أبي طلحة الأسدي عنه قال: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، فرأى قبة مشرفة، فقال: " ما هذه؟! "،
قال له أصحابه: هذه لفلان، رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه،
حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عليه في الناس، أعرض
عنه، صنع ذلك مرارا، حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى
أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خرج
فرأى قبتك. قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلم يرها، قال: " ما فعلت القبة؟ "،
قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه، فأخبرناه فهدمها، فقال: فذكره. أخرجه
أبو داود (2 / 347 - 348 - تازية) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 416)
وأبو يعلى في " مسنده " (7 / 308 / 1592) والبيهقي في " شعب الإيمان " (7
/ 390 / 10704) من طريق إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي عن أبي طلحة.. قلت:
وهذا إسناد جيد كما قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 236 -
المعرفة - لبنان) وكنت خالفته في ذلك في " الضعيفة " (رقم 176) اعتمادا مني
على أن الحافظ قال في ترجمة أبي طلحة الأسدي من " التقريب ": " مقبول ". يعني
عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، يضاف إلى ذلك أنه لم يحك في " التهذيب "
توثيقه عن أحد. ثم إن أحد إخواننا المشتغلين بهذا العلم جزاه الله خيرا لفت
نظري - و " الضعيفة " تحت الطبع مجددا - إلى أن ابن حبان وثقه (3 / 166 / ب)
من " ترتيب الهيثمي "، فرجعت إلى " ثقات ابن حبان "، فوجدته قد أورده في "
ثقات التابعين " منه (5 / 574) برواية أبي العميس عنه.(6/795)
وقد روى عنه ثقتان
آخران كما ذكرت في كتابي الجديد " تيسير انتفاع الخلان بكتاب ثقات ابن حبان "
يسر الله إتمامه، أحدهما إبراهيم القرشي هذا، وكأنه لذلك قال الذهبي في
ترجمته من " الكاشف ": " صدوق ". من أجل ذلك رجعت إلى قول العراقي المذكور،
واعتمدته، وبخاصة أنه روي من طرق أخرى كما يأتي بيانه. وأخرجه أحمد (3 /
220) وكذا البخاري في " الكنى " (45 / 385) والبيهقي أيضا (10705) من
طريق شريك عن عبد الملك بن عمير عن أبي طلحة عن أنس به مختصرا بلفظ: ".. هد
على صاحبه يوم القيامة، إلا ما كان في مسجد - أو في بناء مسجد، شك أسود (
يعني ابن عامر) - أو، أو ". ثم مر فلم يلقها، فقال: ما فعلت القبة؟ قلت:
بلغ صاحبها ما قلت، فهدمها، فقال: " رحمه الله ". قلت: وشريك هو ابن عبد
الله القاضي، وهو سيىء الحفظ. وقد خالف في سياق لفظ النبي صلى الله عليه
وسلم كما ترى، وزاد: " رحمه الله ". لكن هذه الزيادة رويت في بعض الطرق
الآتية. ثم رأيت الحافظ في " الفتح " (11 / 93) ساق حديث الترجمة برواية أبي
داود، وقال عقبه:(6/796)
" ورواته موثقون إلا الراوي عن أنس، وهو أبو طلحة
الأسدي، فليس بمعروف ". فهذا يتلقي مع قوله المتقدم فيه: " مقبول "، وقد
عرفت السبب، وهو - والله أعلم - أنه لم يقف على توثيق ابن حبان وقول الذهبي
المتقدم فيه: " صدوق ". الطريق الثانية: عن ابن أبي خالد عمن حدثه عن الربيع
بن أنس مرفوعا بلفظ: " كل بناء وبال على أهله يوم القيامة إلا مسجدا يذكر فيه
، أو بيت، وقال بيديه ". وفيه القصة باختصار مع زيادة " رحمه الله ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " قصر الأمل " (3 / 25 / 2) : حدثنا عبد الرحمن بن
صالح العتكي قال: حدثنا المحاربي عن ابن أبي خالد.. قلت: وهذا إسناد رجاله
ثقات غير الذي لم يسم، وابن أبي خالد هو إسماعيل، والمحاربي اسمه عبد
الرحمن بن محمد، وقد رمي بالتدليس. وأخرجه البيهقي (10707) من طريق قيس
بن الربيع عن أبي حمزة عن أنس. وأبو حمزة لم أعرفه، ويحتمل أنه جار شعبة
فقد ذكره المزي في الرواة عن أنس، وهو ثقة. الثالثة: عن عطاء بن جبلة:
حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن أنس قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بعض طرق المدينة فإذا قبة ... الحديث نحو لفظ الطريق الأولى، وفيه
زيادة: " يرحمه الله " (مرتين) . أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 /
139) . وعطاء هذا قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 331) عن أبيه: " ليس بالقوي،
يكتب حديثه ". ونقله الذهبي في " الميزان "، وزاد عليه في " اللسان ": "
وقال البرذعي عن أبي زرعة: منكر الحديث ". وهذا في " سؤالاته " (ص 350)
المطبوع. وأزيد أنا فأقول: قال الخطيب في ترجمته من " التاريخ " (12 / 295
) : " وبلغني عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أنه قال ليحيى بن معين: ما
تقول في عطاء بن جبلة الفزاري؟ قال: ليس بشيء ". الرابعة: عن إسحاق بن أبي
طلحة عن أنس به مختصرا، وفيه زيادة: " يرحمه الله " (مرتين) .(6/797)
أخرجه ابن
ماجه (4161) : حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا
عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة: حدثني إسحاق بن أبي طلحة.. كذا قال: " عيسى
بن عبد الأعلى بن أبي فروة ". وقد ذكر الذهبي وغيره أنه لا يعرف، وقد جاء
هكذا مسمى في حديث آخر في صلاة العيد في المسجد يوم المطر، وهو من رواية
الوليد أيضا عنه، وهو مخرج في " ضعيف أبي داود " (212) ، فلا أدري ممن
الخطأ؟ أهو من الوليد نفسه، أم من العباس بن عثمان الراوي عنه. فقد قال ابن
حبان في " ثقاته " (8 / 511) : " ربما خالف "، وقد خالفه محمد بن جعفر
الرملي فقال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الله ابن
أبي فروة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة به مختصرا.(6/798)
أخرجه الطبراني في "
الأوسط " (1 / 174 / 2 / 3233) ومن طريقه الضياء المقدسي في " المختارة " (
1 / 484) : حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا مهدي بن جعفر الرملي ... ، وقال
الطبراني: " لم يروه عن إسحاق بن عبد الله إلا عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي
فروة، تفرد به الوليد ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، ولكن يخشى منه
تدليس التسوية، وقد صرح بالتحديث في كل السند في رواية العباس الدمشقي
المتقدمة، فلا أدري إذا كان ذلك محفوظا. وتسمية الرملي لشيخ الوليد (عبد
الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة) أرجح عندي من تسمية العباس إياه بـ (عيسى بن
عبد الأعلى بن أبي فروة) ، لأنه هو المعروف بروايته عن إسحاق بن عبد الله،
وعنه الوليد بن مسلم، ولعله لذلك أخرجه الضياء في " المختارة "، لكن بكر بن
سهل أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: " متوسط، ضعفه النسائي ". وهذا
ملخص من قوله في " الميزان ": " حمل الناس عنه، وهو مقارب الحال، قال
النسائي: ضعيف ". قلت: فإن كان هو عيسى، فهو مجهول. وإن كان عبد الأعلى،
فهو ثقة، وعلى الأول، فهو إن لم يزد الحديث قوة فلا يضره، وعلى الآخر،
يكون الإسناد صحيحا إن سلم من تدليس الوليد بن مسلم. والله أعلم.
2831 - " إن الرجل يؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب ".
أخرجه هناد بن السري في " الزهد " (2 / 374 / 722) : حدثنا أبو معاوية عن
إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس عن خباب قال:(6/799)
اكتوى سبع كيات، فأتيناه نعوده
، فقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تتمنوا الموت
" لتمنيته، وإذا هو يصلح حائطا له فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان (5 / 99 - 100) دون التمني.
قلت: وهذا إسناد صحيح عزيز، وهو على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري في "
صحيحه " (5672) و " الأدب المفرد " (455) وأحمد (5 / 110) والحميدي (
154) وعنه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 70 / 3633) وكذا أبو نعيم
في " الحلية " (1 / 146) والطبراني أيضا (3635) من طرق عن إسماعيل به
موقوفا على خباب. قلت: وهو أصح، ولكني أرى أنه في حكم المرفوع، وبخاصة
أنه قد جاء مرفوعا صراحة في بعض الطرق والمتابعات والشواهد، فأذكر ما تيسر
لي منها: أولا: عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن أبي خالد به عن خباب قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل نفقة ينفقها العبد يؤجر فيها
إلا البنيان ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 73 / 3641) بسند
صحيح عن ابن عياش، وسائره ثقات إلا ابن عياش، فقد ضعفوه في روايته عن غير
الشاميين وهذه منها، فإن ابن أبي خالد كوفي، فمثله تقبل روايته في المتابعات
والشواهد. ثانيا: عن عمر بن إسماعيل بن مجالد: حدثنا أبي عن بيان بن بشر
وابن أبي مجلد به، ولفظه: " إن المسلم يؤجر في نفقته كلها إلا ما يجعله في
التراب ". أخرجه الطبراني أيضا (3645) .(6/800)
ورجاله كلهم ثقات غير عمر بن
إسماعيل، فهو متروك لا يستشهد به ولا كرامة، وبه أعله الحافظ في " الفتح "
(10 / 129) فقال: " وعمر كذبه يحيى بن معين ". ومن الغريب أن الحافظ ذكر
هذه الطريق تقوية لكون الموقوف المتقدم في رواية البخاري قد روي مرفوعا، ففاته
الطريق الأولى وهي خير من هذه بكثير، كما فاته إسناد هناد الصحيح، وغيره
مما يأتي، مصداقا للمثل السائر: " كم ترك الأول للآخر؟! ". ثالثا: عن شريك
عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: دخلنا على خباب، وفي داره حائط يبنى،
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بلفظ عمر بن إسماعيل،
ففيه إشارة إلى أن الكذوب قد يصدق، بله المتهم بالكذب، كما أشار إلى ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الشيطان مع أبي هريرة رضي الله عنه: " صدقك
وهو كذوب ". وهذه الطريق شاهد قوي لحديث الترجمة، ذلك لأن رجاله ثقات غير
شريك، وهو ابن عبد الله القاضي، فإنه ضعيف لسوء حفظه، فيصلح للاحتجاج في
المتابعات والشواهد، بل إن بعضهم صحح حديثه، كالترمذي والحاكم وغيرهما،
بل الأول منهما قد قوى هذا الحديث بالذات، فقد أخرجه هو (2485) وابن ماجه (
4163) والطبراني (3675) ، فقال الترمذي عقبه: " حديث حسن صحيح ". وأقره
الحافظ (11 / 92) . رابعا: عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن
أبي أمامة عن خباب قال: سمعت رسول الله يقول:(6/801)
" ما أنفق المؤمن من نفقة إلا
أجر فيها، إلا النفقة في هذا التراب ". أخرجه الطبراني (4 / 64 / 3620) .
قلت: وإسناده ضعيف، عبيد الله بن زحر صدوق يخطىء، وشيخه علي بن يزيد -
وهو الألهاني - ضعيف. وفي الباب عن أنس مرفوعا بلفظ: " النفقة كلها في سبيل
الله، إلا البناء فلا خير فيه ". أخرجه الترمذي (2484) واستغربه، وذكره
الحافظ (11 / 92) شاهدا لحديث خباب المتقدم من رواية الترمذي، ولكني لاحظت
أن الشطر الأول منه يختلف عن الطرق المتقدمة، ولا يلتقي معها إلا في الشطر
الثاني منه، هذا مع ضعف إسناده الذي أشار إليه الترمذي، وقد خرجته وبينت
علته في " الضعيفة " (1061) . واعلم أن المراد من هذا الحديث والذي قبله -
والله أعلم - إنما هو صرف المسلم عن الاهتمام بالبناء وتشييده فوق حاجته،
وإن مما لا شك فيه أن الحاجة تختلف باختلاف عائلة الباني قلة وكثرة، ومن يكون
مضيافا، ومن ليس كذلك، فهو من هذه الحيثية يلتقي تماما مع الحديث الصحيح: "
فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان ". رواه
مسلم (6 / 146) وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود ". ولذلك قال الحافظ
بعد أن ساق حديث الترجمة وغيره: " وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه
، مما لابد منه للتوطن وما يقي البرد والحر ".(6/802)
ثم حكى عن بعضهم ما يوهم أن
في البناء كله الإثم! فعقب عليه الحافظ بقوله: " وليس كذلك، بل فيه التفصيل
، وليس كل ما زاد منه على الحاجة يستلزم الإثم.. فإن في بعض البناء ما يحصل
به الأجر، مثل الذي يحصل به النفع لغير الباني، فإنه يحصل للباني به الثواب،
والله سبحانه وتعالى أعلم ".
2832 - " إن بني إسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه وتركوا التوراة ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 39 / 1 / 5876) : حدثنا محمد بن
عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جندل بن والق قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن
عبد الملك ابن عمير عن أبي بردة عن أبيه مرفوعا. وقال: " تفرد به جندل
بن والق ". قلت: وهو مختلف فيه، فوثقه ابن حبان (8 / 167) وأبو زرعة
بروايته عنه، وقال أبو حاتم: " صدوق "، وضعفه آخرون، فراجع " التهذيب "
إن شئت، فهو إذن وسط حسن الحديث. والله أعلم. والحديث عزاه الهيثمي (1 /
192) للطبراني في " الكبير "، وتبعه السيوطي - رمزا - كما هي عادته في "
الجامع الصغير " و " الجامع الكبير " (رقم 6405) ، فلا أدري إذا كان هذا
العزو صحيحا، أو هو سبق قلم، أو خطأ من الناسخ، فإن الجزء الذي فيه مسند أبي
موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس والد أبي بردة، لم يطبع بعد لنرجع إليه
ونتحقق من وجوده فيه أو لا.(6/803)
ويشهد للحديث قوله تعالى في اليهود وغيرهم: * (
ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون، فويل للذين
يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل
لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) * (البقرة: 78 و 79) . وقد صح
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " يا معشر المسلمين! كيف تسألون أهل
الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلى الله عليه وسلم أحدث
الأخبار بالله محضا لم يشب. وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب
الله وغيروا، فكتبوا بأيديهم [فـ] قالوا: * (هذا من عند الله ليشتروا به
ثمنا قليلا) *؟! أولا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟! فلا والله ما
رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم! ". أخرجه البخاري (2685 و 7363
و7522 و 7523) وعبد الرزاق في " المصنف " (11 / 110 / 20060) ومن طريقه
الحاكم (2 / 262 - 263) وعنه البيهقي في " الشعب " (4 / 308 / 5204) وعن
غيره فيه، وفي السنن (10 / 162) وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين،
ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي، واستدراكه على البخاري وهم، فقد أخرجه كما
ترى.
2833 - " إن بني إسرائيل استخلفوا خليفة عليهم بعد موسى صلى الله عليه وسلم، فقام
يصلي ليلة فوق بيت المقدس في القمر فذكر أمورا كان صنعها فخرج، فتدلى بسبب،
فأصبح السبب معلقا في المسجد وقد ذهب. قال: فانطلق حتى أتى قوما على شط
البحر فوجدهم يضربون لبنا أو يصنعون لبنا، فسألهم: كيف تأخذون على هذا(6/804)
اللبن
؟ قال: فأخبروه، فلبن معهم، فكان يأكل من عمل يده، فإذا كان حين الصلاة قام
يصلي، فرفع ذلك العمال إلى دهقانهم، أن فينا رجلا يفعل كذا وكذا، فأرسل
إليه فأبى أن يأتيه، ثلاث مرات، ثم إنه جاء يسير على دابته فلما رآه فر
فاتبعه فسبقه، فقال: أنظرني أكلمك، قال: فقام حتى كلمه، فأخبره خبره فلما
أخبره أنه كان ملكا وأنه فر من رهبة ربه، قال: إني لأظنني لاحق بك، قال:
فاتبعه، فعبدا الله حتى ماتا برميلة مصر، قال عبد الله: لو أني كنت ثم
لاهتديت إلى قبرهما بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وصف لنا ".
أخرجه البزار في " مسنده " (4 / 267 / 3689) من طريق عمرو بن أبي قيس عن سماك
- يعني ابن حرب - عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود عن
النبي صلى الله عليه وسلم ... وقال: " لا نعلم رواه عن سماك عن القاسم إلا
عمرو، ورواه المسعودي عن سماك عن عبد الرحمن عن أبيه، ولم يذكر القاسم ".
قلت: رواية المسعودي أخرجها أحمد (1 / 451) وأبو يعلى (9 / 261 / 5383)
من طريق يزيد بن هارون: أنبأنا المسعودي عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد
الله عن ابن مسعود قال: فذكره. وتابعهما قيس بن الربيع عن سماك بن حرب به،
لم يذكر القاسم أيضا في إسناده. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10 /
216 / 10370) و " الأوسط " أيضا (2 / 112 / 1 / 6743) وقال: " لم يروه عن
سماك إلا قيس بن الربيع "!(6/805)
كذا قال! وقد تابعه المسعودي، وكذا عمرو بن أبي
قيس - كما تقدم - وإن كان خالفهما بذكر القاسم بن عبد الرحمن في السند،
وروايتهما أرجح، وإن كان في حفظهما شيء فأحدهما يقوي الآخر، وعمرو بن أبي
قيس - وهو الرازي - صدوق له أوهام كما في " التقريب "، فإن كان حفظه، فيمكن
القول بأن سماكا سمعه عن القاسم عن أبيه، ثم سمعه من أبيه مباشرة. ولعل صنيع
الهيثمي يشير إلى ذلك بقوله (10 / 219) : " رواه البزار والطبراني في "
الأوسط " و " الكبير "، وإسناده حسن ". قلت: فجمع بين رواية البزار
والطبراني مع اختلاف روايتهما عن سماك، كأنه يشير أنه لا اختلاف بينهما يضر.
وأورد قبل ذلك رواية أحمد وأبي يعلى، وقال عقبها: " وفي إسنادهما المسعودي
، وقد اختلط ". وقصر السيوطي في " الجامع الكبير " (6404) فعزاه لـ "
الطبراني " فقط في " المعجم الكبير "!!
2834 - " إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم. يعني المجوس ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (5452 - الإحسان) والبيهقي في " سننه " (1 /
151) وأبو حامد الحضرمي في " حديثه " (ق 2 / 2) وأبو عروبة الحراني في "
حديث الجزريين " (ق 146 / 1) من طرق عن معقل بن عبيد الله عن ميمون بن مهران
عن ابن عمر قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال: فذكره،
وزاد:(6/806)
" فكان ابن عمر يجز سباله كما تجز الشاة أو البعير ". قلت: وهذا
إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي معقل بن عبيد الله كلام يسير لا يضر، وقد أخرج
له مسلم، ولذلك سكت عنه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 141 -
بيروت) والحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (10 / 347 - 348) وعزاه
للطبراني والبيهقي. وللحديث شواهد خرجت بعضها في " جلباب المرأة المسلمة " (
ص 185 - 187 / طبعة المكتبة الإسلامية) و " آداب الزفاف " (ص 209 و 210 /
طبعة المكتبة الإسلامية) . (السبال) جمع (السبلة) بالتحريك: (الشارب)
كما في " النهاية ". هذا، ولقد كان الباعث على تخريج الحديث أنني لم أجده في
" موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " للهيثمي، فظننت أنه تعمد ذلك لورود أصله
في " الصحيحين " كما تراه في " جلباب المرأة "، أو أنه سها عنه، كما سها عن
كثير غيره، وكما سها عنه الحافظ في اقتصاره على عزوه إياه للطبري والبيهقي!
واعلم أن في هذا الحديث توجيها نبويا كريما طالما غفل عنه كثير من خاصة
المسلمين فضلا عن عامتهم، ألا وهو مخالفة الكفار المجوس وغيرهم كما في
الحديث المتفق عليه: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ". والأحاديث
بهذا المعنى كثيرة جدا معروفة. فالذي أريد بيانه إنما هو التنبيه على أن
المخالفة المأمور بها هي أعم من التشبه المنهي عنه، ذلك أن التشبه أن يفعل
المسلم فعل الكافر، ولو لم يقصد التشبه، وبإمكانه أن لا يفعله. فهو مأمور
بأن يتركه. وحكمه يختلف باختلاف ظاهرة التشبه قوة وضعفا. وأما المخالفة
فهي على العكس من ذلك تماما فإنها تعني أن يفعل المسلم فعلا لا يفعله الكافر،
إذا لم يكن في فعله(6/807)
مخالفة للشرع، كمثل الصلاة في النعال، فقد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم بها مخالفة لليهود، وقد تكون المخالفة لهم فيما هو من خلق
الله في كل البشر لا فرق في ذلك بين مسلم وكافر، ورجل وامرأة، كالشيب مثلا
، ومع ذلك أمر بصبغه مخالفة لهم كما تقدم، وهذا أبلغ ما يكون من الأمر
بالمخالفة، فعلى المسلم الحريص على دينه أن يراعي ذلك في كل شؤون حياته، فإنه
بذلك ينجو من أن يقع في مخالفة الأمر بالمخالفة، فضلا عن نجاته من التشبه
بالكفار، الذي هو الداء العضال في عصرنا هذا. والله المستعان.
2835 - " استو يا سواد! ".
أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " (2 / 266 - سيرة ابن هشام) ومن طريقه أبو
نعيم في " معرفة الصحابة " (ق 303 / 1) وابن الأثير في " أسد الغابة " (2 /
332) قال ابن إسحاق: وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به
القوم، فمر بسواد بن غزية - حليف بني عدي بن النجار - وهو مستنتل من الصف،
فطعن في بطنه بالقدح، وقال: " استو يا سواد "، فقال: يا رسول الله!
أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني. قال: فكشف رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: " استقد "، قال: فاعتنقه فقبل بطنه، فقال
: " ما حملك على هذا يا سواد؟ " قال: يا رسول الله! حضر ما ترى، فأردت أن
يكون آخر العهد بك: أن يمس جلدي جلدك! فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم
بخير وقال له: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى لأن الأشياخ
من قوم حبان من الأنصار، فإن كانوا من الصحابة فلا إشكال، وإن كانوا من
التابعين فهم من(6/808)
كبارهم، لأن حبان تابعي من الخامسة عند الحافظ، وهم جمع لا
يضر جهالتهم كما هو معروف عند أهل العلم. وروايتهم لهذه القصة تدل على أنها
كانت مشهورة عندهم، متداولة بينهم. وقد ذكر لها الحافظ في " الإصابة " شاهدا
من مرسل جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخطى بعرجون
، فأصاب به سواد بن غزية الأنصاري.. فذكر القصة. قلت: وأخرجها ابن سعد في
ترجمة سواد بن غزية (3 / 516 - 517) بسند صحيح عن الحسن مرسلا بلفظ: " رأى
سواد بن عمرو.. " قال ابن سعد: هكذا قال إسماعيل. يعني ابن علية. ومال
الحافظ إلى تعدد القصة. والله أعلم.
2836 - " ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة. قالوا: وكيف تعرفهم يا
رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال: أرأيت لو دخلت صيرة فيها خيل دهم بهم وفيها
فرس أغر محجل، أما كنت تعرفه منها؟ قال: بلى. قال: فإن أمتي يومئذ غر من
السجود، محجلون من الوضوء ".
أخرجه أحمد (4 / 189) والضياء المقدسي في " المختارة " (55 / 114 / 1 - 2)
من طرق عن صفوان بن عمرو: حدثنا يزيد بن خمير الرحبي عن عبد الله بن بسر
المازني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا
إسناد صحيح، وهو على شرط مسلم كما قال الضياء، وأخرج الترمذي (607)
الجملة الأخيرة منه، وقال: " حسن صحيح غريب من هذا الوجه ".(6/809)
والحديث عزاه
السيوطي في " الجامع الكبير " للطبراني في " الكبير " والبيهقي في " الشعب ".
وللجملة المشار إليها شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. رواه البخاري وغيره.
وفي آخره زيادة: " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل "، ولكنها مدرجة في
الحديث لا تصح، كما تراه مفصلا في " الضعيفة " (1030) . غريب الحديث: (
الصيرة) : حظيرة تتخذ للدواب من الحجارة وأغصان الشجر، جمعها (صير) . (
دهم) : جمع أدهم، وهو الأسود. (بهم) : جمع بهيم، وهو في الأصل: الذي
لا يخالط لونه لون سواه كما في " النهاية "، أي أن لون هذه الخيل أسود خالص لا
يخالطه لون آخر. (محجل) : هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد،
ويجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين لأنهما موضع الأحجال، وهي الخلاخيل
والقيود، ولا يكون التحجيل باليد أو اليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان. (
تنبيه) : وقعت لفظة (صيرة) في " المسند " (صبرة) ، وهو خطأ مطبعي كنت
نقلته هكذا مع الحديث في كتابي " صفة الصلاة / فضل السجود "، وقيدته في
الحاشية بالضم، وفسرت بـ (الكومة) ، وهذا - والله - منتهى الغفلة، لأن
هذا المعنى لا صلة له بسياق الحديث كما هو ظاهر، ولا غرابة في ذلك، لأنه
يؤكد أنني ألباني حقا! وقد استمر هذا الخطأ في كل طبعات الكتاب حتى(6/810)
العاشرة
منها، فالمرجو تصحيح هذا الخطأ ممن كان عنده نسخة من الكتاب، كما أرجو أن
يتاح لي إعادة طبع الكتاب هنا في عمان مصححا ومزيدا بإذنه تعالى. ويعود
الفضل في تنبيهي لهذا الخطأ إلى فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في خطاب
تفضل بإرساله إلي بتاريخ 20 / 2 / 1409 هـ. جزاه الله تبارك وتعالى خيرا. ثم
طبع الكتاب طبعة جديدة في عمان - 1411 هـ، منقحة مزيدة، وقد صحح فيها اللفظ
المذكور، والحمد لله، مع الإشادة بصاحب الفضل فيه.
2837 - " صنعت هذا لكي لا تحرج أمتي. يعني الجمع بين الصلاتين ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 269 / 10525) : حدثنا إدريس بن
عبد الكريم الحداد حدثنا أحمد بن حاتم الطويل حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن
الأعمش عن عبد الرحمن بن ثروان عن زاذان قال: قال عبد الله بن مسعود:
قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأولى والعصر، وبين المغرب
والعشاء، فقيل له، فقال: فذكره. ورواه في " الأوسط " (1 / 46 / 1) من
طريق أخرى عن ابن القدوس به. ثم أشار إلى رواية (أحمد الطويل) المذكورة.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات غير عبد الله بن عبد القدوس ذكره ابن
حبان في " الثقات " (7 / 48) ، وحكى الحافظ عنه أنه قال: " ربما أغرب ".
وليس هذا في النسخة المطبوعة منه، فلعلها في بعض النسخ، فإنه قد(6/811)
تكون في نفسي
أثناء عملي لفهرسته التي أنا في صدد إتمامها أن نسخه مختلفة، فيراجع لهذا "
ترتيب الثقات " للهيثمي، فإن فيه زيادات أحيانا على المطبوعة، وأحيانا فيه
نقص عنها. ثم حكى الحافظ عن البخاري أنه قال فيه: " هو في الأصل صدوق، إلا
أنه يروي عن أقوام ضعاف ". لكنه ذكر عن أبي داود تضعيفه، وكذا عن ابن معين
وغيره، فلا تطمئن النفس للاحتجاج بحديثه، إلا إذا وافق الثقات، وهذا الحديث
من هذا القبيل، فإن له شاهدا من حديث ابن عباس في صحيح مسلم وغيره (1) ، وهو
مخرج في " الإرواء " (3 / 34 / 579 / 2) ، فالحديث صحيح بلا ريب، ولكن هل
رواه ابن مسعود؟ فهو موضع نظر لما عرفت من حال ابن عبد القدوس. وقال الهيثمي
(2 / 161) بعد أن عزاه لـ (المعجمين) : " وفيه عبد الله بن عبد القدوس،
ضعفه ابن معين والنسائي، ووثقه ابن حبان، وقال البخاري: " صدوق إلا أنه
يروي عن أقوام ضعفاء ". قلت: وقد روى هذا عن الأعمش وهو ثقة ". وقد مال
الشوكاني إلى تقوية الحديث، ومن قبله الحافظ في " الفتح " (2 / 24) ، فإنه
جزم به، وأجاب الشوكاني (3 / 183) عن التضعيف المتقدم بقوله: " لم يتكلم
فيه إلا بسبب روايته عن الضعفاء ". ثم ذكر كلام البخاري في ذلك، وزاد:
_________
(1) ولفظه " جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب
والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال:
كي لا يحرج أمته ". وهو مخرج في " الإرواء "، والتعليق على " صحيح ابن
خزيمة " (2 / 86) . اهـ.(6/812)
"
وقال أبو حاتم: لا بأس به ". وهذه الزيادة وهم منه، فإنما قال أبو حاتم ذلك
في الراوي الذي عقب المترجم (2 / 2 / 105) وأما هذا فلم يحك ابنه فيه إلا
تضعيفه. وأما قوله: " لم يتكلم فيه إلا.. ". فهو تعليل مردود بالنسبة
للمضعفين لأنه ليس في كلام أحدهم ما يشعر بذلك، بل فيه بخلافه، فراجعه إن شئت
في " التهذيب "، ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق رمي بالرفض،
وكان أيضا يخطىء ". قلت: فالتعليل بروايته عن الضعفاء، هو بالنسبة للبخاري،
وأما الآخرون، فالتعليل عندهم سوء الحفظ. والله أعلم. وقد خولف ابن عبد
القدوس، فأخرجه الطبراني أيضا (10 / 47 / 9880) من طريق أبي مالك النخعي -
واسمه عبد الملك بن الحسين - عن حجاج عن عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل
عن عبد الله قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب
والعشاء، يؤخر هذه في آخر وقتها، ويعجل هذه في أول وقتها ". وأبو مالك هذا
ضعفه الهيثمي (2 / 159) وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك ". وحجاج،
الظاهر أنه ابن أرطاة، وهو مدلس. ثم أخرجه الطبراني (9881) من طريق ابن
أبي ليلى عن أبي قيس عن هزيل به مختصرا بلفظ:(6/813)
" كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر ". قال الهيثمي: " رواه أبو يعلى والبزار
والطبراني في " الكبير "، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ". وأقول: هذا وهم
مرتين لأن أبا يعلى أخرجه أيضا (9 / 284 / 5413) من طريق ابن أبي شيبة،
وهذا في " المصنف " (2 / 458) من طريق ابن أبي ليلى، وكذا البزار (1 / 330
/ 685) وقال: " لا يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد ". قلت: هذا هو
الوهم الأول: أنه غاير بين إسناد أبي يعلى وغيره، وإسنادهم واحد. والآخر
: أنه قال: " رجاله رجال الصحيح "! وابن أبي ليلى - وهو محمد بن عبد الرحمن
بن أبي ليلى - ليس من رجال الصحيح، ثم هو إلى ذلك سيىء الحفظ جدا كما في "
التقريب ". وبالجملة، فحديث الترجمة صحيح، من حديث ابن عباس بلا شك رواية
ولكنه صحيح دراية، دون رواية أبي مالك النخعي التي فيها بيان أن الجمع كان جمعا
صوريا. فإنه شديد الضعف كما تقدم. واعلم أن الشوكاني رحمه الله ذهب إلى أن
المقصود بالحديث إنما هو الجمع الصوري، وأطال البحث في ذلك جدا، وتكلف في
تأويل الحديث وصرف معناه(6/814)
عن الجمع الحقيقي الثابت صراحة في بعض أحاديث الجمع
في السفر. واحتج لذلك بأمور يطول الكلام عليها جدا، والذي أريد أن ألفت
النظر إليه إنما هو أنه لم يتنبه إلى أن قوله: " كي لا يحرج أمته " نص في
الجمع الحقيقي، لأن رفع الحرج إنما يعني في الاصطلاح الشرعي رفع الإثم
والحرام (راجع النهاية) كما في أحاديث أخرى، الأصل فيها المؤاخذة لولا الحرج
، كمثل ترك صلاة الجمعة والجماعة من أجل المطر والبرد، كما في حديث ابن عباس
لما أمر المؤذن يوم الجمعة أن يقول: " الصلاة في الرحال "، فأنكر ذلك بعضهم،
فقال: " كأنكم أنكرتم هذا، إن هذا فعله من هو خير مني. يعني النبي صلى الله
عليه وسلم، إنها عزمة، إني كرهت أن أحرجكم ". رواه البخاري (616 و 668
و901) وابن أبي شيبة (2 / 153) نحوه، ثم روى (2 / 234) الموقوف منه.
وحديث نعيم بن النحام قال: " نودي بالصبح في يوم بارد وهو في مرط امرأته،
فقال: ليت المنادي نادى: " ومن قعد فلا حرج "، فنادى منادي النبي صلى الله
عليه وسلم في آخر أذانه: " ومن قعد فلا حرج ". رواه عبد الرزاق في " المصنف
" (1 / 501 / 1926) وأحمد (4 / 320) والبيهقي (1 / 398 و 323) وأحد
إسناديه صحيح، وصحح الحافظ (2 / 98 - 99) إسناد عبد الرزاق! وقد مضى
تخريجه وما يستفاد منه في هذا المجلد برقم (2605) . ومن المعلوم وجوب
الحضور لصلاة الجمعة والجماعة، فإذا ثبت في الشرع أنه(6/815)
لا حرج على على من لم
يحضر في المطر. كان ذلك حكما جديدا لولاه بقي الحكم السابق على ما كان عليه من
العموم والشمول. فكذلك نقول: لما كان من المعلوم أيضا وجوب أداء كل صلاة في
وقتها المحدد شرعا بفعله صلى الله عليه وسلم، وإمامة جبريل عليه السلام إياه
، وقوله: " الوقت بين هذين "، ثم ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين
الصلاتين، لرفع الحرج عن أمته صلى الله عليه وسلم، كان ذلك دليلا واضحا على
أن جمعه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت، كان جمعا حقيقيا، فحمله على الجمع
الصوري والحالة هذه تعطيل للحديث كما هو ظاهر للمنصف المتأمل، إذ إنه لا حرج
في الجمع الصوري أصلا، ولذلك فلم يبالغ الإمام النووي رحمه الله حين قال في
حمل الحديث على الجمع الصوري: " إنه باطل، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل
". وإن مما يؤكد ذلك أمران: الأول: إن في حديث ابن عباس أن الجمع كان في
غير خوف ولا مطر، ففيه إشارة قوية إلى أن جمعه صلى الله عليه وسلم في المطر
كان معروفا لدى الحاضرين، فهل كان الجمع في المطر صوريا أيضا؟! اللهم لا.
يخبرنا بذلك نافع مولى ابن عمر قال: كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطأوا
بالمغرب، وعجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق، فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى
بذلك بأسا، قال عبيد الله (هو الراوي عن نافع) : ورأيت القاسم وسالما
يصليان معهم في مثل تلك الليلة. أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (2 / 234)
بسند صحيح غاية. قلت: فقوله: " قبل أن يغيب الشفق " صريح في أن جمعهم كان
جمعا حقيقيا، لأن مغيب الشفق آخر وقت المغرب كما في حديث ابن عمرو عند مسلم (
2 / 104 - 105) وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (425) .(6/816)
والأمر
الآخر: أن التعليل المتقدم برفع الحرج قد ثبت أيضا في الجمع في السفر من حديث
معاذ: جمع رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر
، وبين المغرب والعشاء. قال أبو الطفيل: فقلت: ما حمله على ذلك؟ قال:
فقال: أراد أن لا يحرج أمته. أخرجه مسلم، وابن خزيمة (2 / 81 / 966)
وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (3 / 31) وفي رواية لأبي داود وغيره
: أن الجمع كان تقديما تارة، وتأخيرا تارة. وهو مخرج في المصدر المذكور
برقم (578) وثبت نحوه من حديث أنس وغيره، وهو مخرج هناك (579) . قلت
: وإذا عرفت ما تقدم تأكدت إن شاء الله أن الصحيح في الجمع المعلل برفع الحرج
إنما هو الجمع الحقيقي، لأن الجمع الصوري في أصله لا حرج فيه مطلقا لا في
السفر ولا في الحضر ولذلك كان من أدلة الجمهور على الحنفية الذين لا يجيزون
الجمع الحقيقي في السفر أيضا أنه ثبت فيه جمع التقديم أيضا، وهو يبطل تأويلهم
الجمع بالجمع الصوري كما ثبت في بعض الأحاديث المشار إليها آنفا جمع التأخير
بلفظ صريح يبطل أيضا تأويلهم، كحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا
عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب
حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق. متفق عليه. وبهذه المناسبة
أقول: يبدو لي من تعليل الجمع في حديث ابن عباس برفع الحرج - أنه إنما يجوز
الجمع حيث كان الحرج، وإلا فلا، وهذا يختلف باختلاف الأفراد وظروفهم،
ولعل القائلين بجوازه مطلقا من السلف أشاروا إلى ما ذكرته حين اشترطوا أن لا
يتخذ ذلك عادة كما تفعل الشيعة. ولا أتصور ذلك إلا لمن كان(6/817)
حريصا على أداء
الصلوات في أوقاتها الخمسة، وفي المساجد مع الجماعة. والله سبحانه وتعالى
أعلم.
2838 - " أصبت وأحسنت اللهم وفقه. قاله لعبد الله بن الأرقم ".
أخرجه الحاكم في " المستدرك " (3 / 335) قال: حدثنا محمد بن صالح بن هانىء
حدثنا الفضل بن محمد البيهقي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا عبد العزيز بن أبي
سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم كتاب رجل، فقال لعبد
الله بن الأرقم: " أجب عني "، فكتب جوابه، ثم قرأه عليه، فقال: (فذكر
الحديث) . فلما ولي عمر كان يشاوره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي. قلت: فيه نظر، فإن الفضل بن محمد البيهقي، وهو الشعراني،
أورده المؤلف الذهبي في " المغني " وقال: " قال [ابن] (1) أبي حاتم:
تكلموا فيه ". وقد ترجم له الذهبي في " سيره " (13 / 317 / - 319) ترجمة
جيدة نقل فيها قول ابن أبي حاتم المذكور، ثم أتبعه بقول ابن الأخرم فيه: "
صدوق غال في التشيع ". وقول الحاكم: " لم أر خلافا بين الأئمة الذين سمعوا
منه في ثقته وصدقه رضوان الله عليه، وكان أديبا فقيها عالما عابدا.. ".
_________
(1) سقطت من " المغني " وغيره، واستدركتها من " الجرح ".(6/818)
وختم ترجمته بقوله: " وأما الحسين القباني فرماه بالكذب، فبالغ ". ثم إن
محمد بن صالح بن هانىء لم أجد له ترجمة (1) . لكني وجدت للحديث طريقا أخرى لا
بأس بإسنادها، فقال البزار في مسنده " البحر الزخار - 267 "، و (1 / 104 /
185 - كشف الأستار) : حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني حدثنا إبراهيم بن المنذر
حدثنا محمد بن صدقة الفدكي حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: "
كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال لعبد الله بن أرقم: " أجب
هؤلاء "، فأخذه عبد الله بن أرقم فكتبه، ثم جاء بالكتاب فعرضه على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: " أحسنت "، فما زال ذلك في نفسي حتى وليت، فجعلته
على بيت المال ". وقال البزار: " لا نعلم رواه هكذا إلا مالك ". قلت: لكن
أعله الدارقطني في كتابه " العلل " (2 / 143 - 144) بقوله: " هو حديث تفرد
به محمد بن صدقة الفدكي - وليس بالمشهور، ولكن ليس به بأس - عن مالك عن زيد
بن أسلم عن أبيه عن عمر، وغيره يرويه عن مالك مرسلا، وهو الصحيح ". قلت:
والفدكي هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 67) وقال: " يعتبر حديثه
إذا بين السماع، فإنه كان يدلس ". قلت: قد صرح بالتحديث هنا والسند إليه
صحيح، فالإسناد جيد إن كان
_________
(1) ثم وجدت في بعض كتاباتي على " المستدرك " أنه مترجم في " الطبقات الكبرى "
للسبكي (2 / 164) ، وأن ابن كثير وثقه في " تاريخه " (11 / 225) . اهـ.(6/819)
الفدكي قد حفظ وصله عن عمر، فإن الدارقطني وإن
أعله بالإرسال بقوله المتقدم، فإنا لم ندر من هو المخالف، فإذا كان أوثق من
الفدكي كما يظهر من إعلال الدارقطني فهو مرسل، فيصلح شاهدا بل هو - أعني
المرسل - حجة عند بعض العلماء فلا أقل من أن يصلح شاهدا لحديث الترجمة، وأما
قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 153) : " رواه البزار، وفيه محمد بن
صدقة الفدكي، قال في " الميزان ": حديثه منكر ". قلت: يعني حديثا آخر ذكره
في " الميزان "، وأما هذا فليس منكرا لما عرفت أنه رواه الحاكم من غير طريق
الفدكي بسنده المتقدم عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن ابن عمر،
لكن أورده في " مجمع الزوائد " (9 / 370) برواية الطبراني (يعني في " الكبير
" 13 / 192) عن عبد الله بن أبي عون معضلا، وقال: " وإسناده حسن ".
وذكره الحافظ في ترجمة ابن الأرقم من " الإصابة " من رواية البغوي من طريق
الفدكي به موصولا نحوه، وسكت عنه. وبالجملة فالحديث جيد بمجموع طريقيه.
والله أعلم.
2839 - " اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته
، وصل صلاة رجل لا يظن أن يصلي صلاة غيرها، وإياك وكل أمر يعتذر منه ".
أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 26 / 2) من طريق أبي الشيخ ابن حيان
: حدثنا ابن أبي عاصم: حدثنا أبي: حدثنا شبيب بن بشر عن أنس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.(6/820)
قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ
عقبه في " الغرائب الملتقطة "، وأقره الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " (
ص 138) ، وللجملة الأخيرة منه شواهد كثيرة مذكورة في " المقاصد "، وسبق
تخريج بعضها مع الجملة التي قبلها بنحوها برقم (401) . (تنبيه) : لقد اعتاد
بعض الأئمة أن يأمروا المصلين عند اصطفافهم للصلاة ببعض ما جاء في هذا الحديث
كقوله: " صلوا صلاة مودع "، فأرى أنه لا بأس في ذلك أحيانا، وأما اتخاذه
عادة فمحدثة وبدعة.
2840 - " كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فعلى تمرات فإن لم يكن حسا
حسوات من ماء ".
أخرجه الإمام أحمد، وغيره من أصحاب السنن بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي
الله عنه. وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي والضياء في " المختارة "
. وقد خرجته مفصلا في " الإرواء " (4 / 45 - 51) و " صحيح أبي داود " (2040
) . والغرض من ذكري للحديث مع الإيجاز في التخريج إنما هو التذكير بهذه السنة
التي أهملها أكثر الصائمين، وبخاصة في الدعوات العامة التي يهيأ فيها ما لذ
وطاب من الطعام والشراب، أما الرطب أو التمر على الأقل فليس له ذكر. وأنكر
من ذلك، إهمالهم الإفطار على حسوات من ماء! فطوبى لمن كان من * (الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) * (الزمر: 18) .(6/821)
2841 - " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا
يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه ".
أخرجه أحمد (3 / 198) وابن أبي الدنيا في " الصمت " (رقم 9) والخرائطي في
" المكارم " (رقم 442) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 75 / 1) من طريق
علي بن مسعدة الباهلي: قال: حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير الباهلي
هذا، وهو مختلف فيه، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". قلت
: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، إذ لا يخلو أحد من أوهام، فما لم يثبت
أنه وهم فهو حجة. وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 94) : " رواه ابن
أبي الدنيا في " الصمت "، والخرائطي في " مكارم الأخلاق " بسند فيه ضعف ".
وقال السيوطي في " الجامع الكبير ": " رواه أحمد وعبد الرزاق، وحسن ".
وله طريقان آخران ضعيفان عن أنس مرفوعا بلفظ: " لا يستكمل أحدكم حقيقة الإيمان
حتى يخزن من لسانه ". أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 73 / 2 - خط) .
وله عنده (1 / 41 / 8 - ط) شاهد برجال ثقات عن الحسن البصري عن بعض أصحابه
رفعه دون جملة الجار. ومضى تخريجها برقم (549) .(6/822)
(تنبيه) : هذا الحديث
وقع في " أمثال الماوردي " (103) تماما لحديث أوله: " لا إيمان لمن لا أمانة
له، ولا دين لمن لا عهد له، والذي نفسي بيده، لا يستقيم دين رجل حتى ... "
إلخ. أورده من طريق حصين بن مذعور عن يونس عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا إسناد مظلم، من دون ابن
مسعود لم أعرفهما، ولم يتكلم عليه الدكتور فؤاد بشيء كعادته، وقال في
تعليقه عليه: " صحيح، أخرجه أحمد (3 / 135..) والبيهقي في " سننه " (6 /
288) وابن حبان عن أنس. صحيح الجامع 6: (الأصل: 3 / 123 الحديث 7056) "
. قلت: وهذا يوهم أنهم أخرجوه بهذا التمام، وأنه كذلك هو في " صحيح الجامع
" وليس كذلك، وإنما هو عندهم جميعا بالطرف الأول منه، دون حديث الترجمة!!
2842 - " إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما
يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم
فأعينوهم ".
أخرجه البخاري في " صحيحه " (3 / 123) وفي " الأدب المفرد " (29) من حديث
أبي ذر. وقد ورد بلفظ: " هو إخوانكم.. ". وهو مخرج في " الإرواء " (
2176) . والمراد بـ (الإخوان) هنا المماليك، قال ابن الأثير في " النهاية
": " الخول: حشم الرجل وأتباعه، وأحدهم (خائل) ، وقد يكون واحدا،
ويقع على العبد والأمة، وهو مأخوذ من التخويل: التمليك، وقيل: من الرعاية
".(6/823)
2843 - " إن ربك ليعجب للشاب لا صبوة له ".
رواه الروياني في " مسنده " (9 / 50 / 2) عن عبد الله بن وهب، أخبرنا ابن
لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة مرفوعا. ثم رواه (51 / 1) بهذا السند
إلا أنه جعل أبا عشانة مكان مشرح. وهكذا رواه أبو سعيد ابن الأعرابي في "
معجمه " (86 / 2) عن سعيد بن شرحبيل عن ابن لهيعة. قلت: وهذا إسناد جيد،
لأن رواية ابن وهب عن ابن لهيعة صحيحة كما هو معلوم. ثم إن كلا من مشرح بن
هاعان أو أبي عشانة - واسمه حي بن يومن - صالح الحديث، فلا يضره أنه مرة جاء
عن هذا، ومرة عن هذا، لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة، والثاني أوثق من الأول
، ولعل كونه الثاني أرجح لرواية سعيد بن شرحبيل عن ابن لهيعة عنه، فإن ابن
شرحبيل هذا صدوق من رجال البخاري. ويؤيده رواية قتيبة بن سعيد: حدثنا ابن
لهيعة عن أبي عشانة به. أخرجه أحمد (4 / 151) بلفظ: " إن الله ليعجب.. ".
وكذلك رواه الطبراني في " الكبير " (17 / 309 / 853) من طريقين عن ابن لهيعة
، أحدهما عن قتيبة. وكذلك رواه كامل: حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو عشانة به.
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1749) . وقال ابن أبي عاصم في " السنة " (1 /
250 / 571 - الظلال) : حدثنا هشام بن عمار قال: كتب إلينا ابن لهيعة به.(6/824)
وكذلك رواه رشدين بن سعد قال: حدثني عمرو بن الحارث عن أبي عشانة به. أخرجه
ابن المبارك في " الزهد " (349) . والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (10 /
270) : " رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وإسناده حسن ". ورده أخونا
حمدي السلفي في تعليقه على " المعجم " بقوله: " قلت: كلا، ليس أحد من الرواة
عن ابن لهيعة من العبادلة، فهو ضعيف ". ولذلك ضعفه أيضا المعلق على " أبي
يعلى ". قلت: والتضعيف هو الجادة في حديث ابن لهيعة، لكن فاتهما رواية
الروياني إياه من طريق ابن وهب، وهو أحد العبادلة الذين أشار إليهم الأخ
السلفي، فصح الحديث والحمد لله. ويمكن أن يلحق بالعبادلة قتيبة بن سعيد،
فقد رواه عن ابن لهيعة كما رأيت، وذلك لما ذكره الذهبي في ترجمة قتيبة من "
سير أعلام النبلاء " (8 / 15) من رواية جعفر الفريابي: سمعت بعض أصحابنا
يذكر أنه سمع قتيبة يقول: قال لي أحمد ابن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح.
فقلت: لأننا كنا نكتب من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة ". قلت: ولا
يناقض هذا ما رواه الأثرم عن أحمد - كما في " التهذيب " - أنه ذكر قتيبة فأثنى
عليه، وقال: هو آخر من سمع من ابن لهيعة ". قلت: وذلك لأنه كان يعتمد على
كتاب ابن وهب، وليس على ما يسمعه من ابن لهيعة. والله أعلم.(6/825)
ويؤيد هذه
الرواية ما ذكره الذهبي أيضا من طريق الآجري عن أبي داود قال: " سمعت قتيبة
يقول: كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن أخيه، أو كتب ابن وهب إلا
ما كان من حديث الأعرج ". (صبوة) أي ميل إلى الهوى، وهي المرة منه. "
نهاية ".
2844 - " إن رجلا كان يبيع الخمر في سفينة وكان يشوب الخمر بالماء ومعه قرد، فأخذ
الكيس فصعد الدقل فجعل يلقي دينارا في البحر ودينارا في السفينة حتى جعله
نصفين ".
رواه الحربي في " الغريب " (5 / 155 / 2) : حدثنا موسى حدثنا حماد عن إسحاق
بن أبي طلحة عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح،
ورواه أحمد (2 / 306 و 335 و 407) والحارث في " مسنده " (50 / 2 - زوائده)
والبيهقي في " شعب الإيمان " (4 / 332 / 5307) من طرق عن حماد بن سلمة به.
وللحديث طريقان آخران عن أبي هريرة: أحدهما يرويه عامر بن سيار: حدثنا
سليمان بن أرقم عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا: " لا تشوبوا اللبن للبيع.. ".
ثم ذكر حديث (المحفلة) ، ثم ذكر حديث الترجمة. أخرجه ابن عدي في " الكامل "
(3 / 253) ومن طريقه البيهقي (5308) وقال:(6/826)
" سليمان بن أرقم ضعيف ".
والآخر يرويه أحمد بن ملاعب بن حيان: حدثنا صالح بن إسحاق حدثنا يحيى بن كثير
الكاهلي - قال صالح: وكان ثقة، وكان لا بأس به - حدثنا هشام عن ابن سيرين
عنه به. إلا أنه قال: " ثعلب " مكان " قرد ". أخرجه البيهقي أيضا (5309) .
قلت: وهذا إسناد حسن، أو حسن في الشواهد والمتابعات، فإن رجاله ثقات غير
يحيى بن كثير الكاهلي، فهو مختلف فيه، فقال أبو حاتم: " شيخ ". وقال
النسائي: " ضعيف ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 527) وكذا ابن
شاهين (354 / 1525) وذكر قول صالح بن إسحاق المذكور في إسناد هذا الحديث.
وتعقبه الحافظ في " التهذيب " بقوله: " كذا قال! وإنما روى صالح المذكور عن
يحيى بن كثير صاحب البصري، فإن كان ما قاله محفوظا، فيشبه أن يكون روى عنهما
جميعا. لكن لم يذكر ابن أبي حاتم وابن حبان وغيرهم للكاهلي راويا إلا مروان
". فأقول: لا أدري ما هو مستند الحافظ فيما ادعاه من حصر رواية صالح المذكور
عن يحيى صاحب البصري - وهو ضعيف اتفاقا، بل تركه بعضهم - إلا أن يكون المستند
أن أصله " تهذيب المزي " ذكر روايته عنه. وجوابي عليه من وجهين. الأول: أن
ذلك لا ينفي أن يكون روى عن الكاهلي أيضا كما أشار هو في آخر كلامه. والآخر:
أن القاعدة العلمية تقول: المثبت مقدم على النافي، فإذا أثبت شيئا حافظ كابن
شاهين، فلا يصح التعقيب عليه بمثل النفي الذي في كلام الحافظ، وما أثبته ابن
شاهين هو في رواية البيهقي هذه، وهي صحيحة الإسناد، رجاله كلهم ثقات من شيخه
فمن فوقه إلى يحيى، فإنه قال: أخبرنا أبو عبد الله(6/827)
الحسين بن الحسن بن محمد
الغضائري حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز حدثنا أحمد بن ملاعب بن حيان،
فهؤلاء الثلاثة كلهم ثقات: 1 - الغضائري، قال الخطيب (8 / 34) : " كتبنا
عنه، وكان ثقة فاضلا ". وترجمه الحافظ الذهبي في " السير " (17 / 327)
ووصفه بـ " الإمام الصالح الثقة ". 2 - أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز، له
ترجمة جيدة في " تاريخ الخطيب " (3 / 132) برواية جمع من الحفاظ عنه، وقال
: " كان ثقة ثبتا، كتب الناس عنه بانتخاب عمر البصري ". ووصفه الذهبي في
ترجمة (الأردبيلي) بـ " مسند بغداد ". 3 - وأما أحمد بن ملاعب بن حيان،
فهو من الحفاظ المعروفين، ترجمه الخطيب (5 / 168 - 170) ترجمة ضافية، روى
فيها توثيقه عن جمع من الحفاظ منهم عبد الله ابن أحمد والدارقطني، ووصفه
الذهبي في " تذكرة الحفاظ " وغيره بـ " الحافظ الثقة ". وجملة القول: أن
هذا الإسناد يستشهد به على الأقل، فإنه مؤيد لما قبله، فيؤخذ منه ما وافقه،
ويترك ما خالفه وتفرد به كقوله: " الثعلب " مكان " القرد " والله أعلم.
والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (3 / 23) وقال: " رواه الطبراني في "
معجمه الكبير "، ورواه البيهقي أيضا، ولا أعلم في رواته مجروحا، وروي عن
الحسن مرسلا ".(6/828)
ثم ذكر الروايتين بالإسنادين الآخرين، ولم يتكلم عليهما! (
الدقل) : خشبة يمد عليها شراع السفينة، وتسميها البحرية: " الصاري ". (
المحفلة) : الشاة، أو البقرة، أو الناقة، لا يحلبها صاحبها أياما حتى يجتمع
لبنها في ضرعها، فإذا احتلبها المشتري حسبها غزيرة فيزيد في ثمنها!
2845 - " إن رجلا من بني إسرائيل سأل رجلا أن يسلفه ألف دينار، فقال له: ائتني
بشهداء أشهدهم عليك، فقال: كفى بالله شهيدا. قال: فائتني بكفيل. قال: كفى
بالله كفيلا. قال: صدقت. قال: فدفع إليه ألف دينار إلى أجل مسمى فخرج في
البحر وقضى حاجته وجاء الأجل الذي أجل له، فطلب مركبا فلم يجده فأخذ خشبة
فنقرها فأدخل فيها ألف دينار، وكتب صحيفة إلى صاحبها ثم زجج موضعها، ثم أتى
بها البحر فقال: اللهم إنك قد علمت أني استسلفت من فلان ألف دينار فسألني
شهودا وسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلا فرضي بك وقد جهدت أن أجد مركبا
أبعث إليه بحقه فلم أجد وإني استودعتكها، فرمى بها في البحر! فخرج الرجل
الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا يقدم بماله فإذا هو بالخشبة التي فيها المال،
فأخذها حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة فأخذها، فلما قدم الرجل قال له:
إني لم أجد مركبا يخرج، فقال: إن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة،
فانصرف بالألف راشدا ".
أخرجه أحمد (2 / 348) ومن طريقه الأصفهاني في " الترغيب " (ص(6/829)
610 - مصورة
الجامعة الإسلامية) عن يونس بن محمد عن الليث: حدثنا جعفر بن ربيعة عن عبد
الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين،
وقد علقه البخاري في أماكن من " صحيحه " (1498 و 2063 و 2291 و 2404 و 2430
و2734 و 6261) بصيغة الجزم: " وقال الليث.. "، وقد وصله في رواية أبي ذر
وأبي الوقت فقال: حدثنا عبد الله بن صالح: حدثني الليث.. كما في " الفتح " (
4 / 470) وعلق طرفا منه في المكان الأخير المشار إليه، فقال: وقال عمر بن
أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة. ووصله في " الأدب المفرد " (1128) وابن
حبان (6453 - الإحسان) وهذا ضعيف، عمر بن أبي سلمة هو الزهري القاضي، قال
الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". وقال الذهبي في " المغني ": " ضعفه
ابن معين، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي ". قلت: فمثله لا يحتج به،
وإنما في المتابعات والشواهد، وقد خالف هنا الرواية الأولى الصحيحة في مواضع
منها قوله: " ستمائة دينار " مكان الألف. وزاد في آخره، فقال: " قال أبو
هريرة: فلقد رأيتنا يكثر مراؤنا ولغطنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيننا أيهما آمن ". وغفل عن هذا كله المعلق على " الإحسان / المؤسسة " (14 /
409) ، فزعم أن إسناده حسن! وهو إلى ذلك لم يتنبه إلى النكارات التي وقعت
فيه! ولعله لذلك لم يورده الهيثمي في " الموارد "، وقد استدركته عليه في "
ضعيف الموارد ".(6/830)
وعلى عكس هذا فقد ضعف بعضهم رواية البخاري الموصولة بعبد
الله بن صالح، ويعرف الجواب من تخريج أحمد من طريق غيره. وانظر تعليقي على
" مختصر البخاري " (2 / 20) .
2846 - " إن " عليك السلام " تحية الميت، إن " عليك السلام " تحية الميت (ثلاثا)
إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله ".
أخرجه الترمذي (2 / 120) من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من
قومه قال: طلبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقدر عليه، فجلست، فإذا نفر هو
فيهم ولا أعرفه، وهو يصلح بينهم، فلما فرغ قام معه بعضهم فقالوا: يا رسول
الله! فلما رأيت ذلك قلت: عليك السلام يا رسول الله، عليك السلام يا رسول
الله، عليك السلام يا رسول الله، قال: فذكر الحديث، ثم رد علي النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " وعليك ورحمة الله، وعليك ورحمة الله، وعليك
ورحمة الله ". وقال: " حديث حسن صحيح ". ورواه الحاكم (4 / 186) من طريق
أبي السليل عن أبي تميمة عن جابر بن سليم الهجيمي قال: لقيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة وعليه إزار من قطن منتشر الحاشية، فقلت:
عليك السلام يا محمد، أو يا رسول الله! فقال: " عليك السلام تحية الميت،
عليك السلام تحية الميت، عليك السلام تحية الميت، سلام عليكم، سلام عليكم،
سلام عليكم "، أي هكذا فقل، قال: فسألته عن الإزار فأقنع ظهره وأخذ بمعظم
ساقه فقال: ههنا، فإن أبيت فههنا فوق(6/831)
الكعبين، فإن أبيت فإن الله لا يحب كل
مختال فخور ". وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وللحديث شاهد مرسل من رواية قتادة: أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: عليك السلام يا رسول الله! فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال
: " تيك تحية الموتى ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 617) بإسناد
صحيح عنه.
2847 - " إن عليك من الحق أن تعدل بين ولدك كما عليهم من الحق أن يبروك ".
أخرجه الطيالسي (ص 107 رقم 789) : حدثنا شعبة عن مجالد عن الشعبي عن
النعمان بن بشير: أن أباه نحله نحلا، فأراد أن يشهد النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: " كل ولدك نحلت كما نحلته؟ "، فقال: لا، قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. ورجاله ثقات رجال الشيخين غير مجالد، وهو ابن سعيد
وليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره، وروى له مسلم مقرونا، إلا أنه قد
توبع على هذا الحديث في المعنى، فرواه مسلم (5 / 66) والبخاري في " الأدب
المفرد " (16) وابن ماجه (2 / 67) وأحمد (4 / 269 و 270) عن داود بن
أبي هند عن الشعبي به بلفظ: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله! أشهد أني قد نحلت النعمان كذا وكذا من مالي، فقال
: " أكل بنيك قد نحلت ما نحلت النعمان؟ ".(6/832)
قال: لا، قال: " فأشهد على هذا
غيري! ". ثم قال: " أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ ". قال: بلى،
قال: " فلا إذن ". وقد ورد في هذه القصة ألفاظ أخرى منها: " اتقوا الله،
واعدلوا في أولادكم ". أخرجه البخاري (3 / 134) ومسلم، وغيرهما بزيادة: "
فرجع أبي فرد تلك الصدقة ". وقد خرجت بعض ألفاظه في " غاية المرام " (272 -
273) و " الإرواء " (1547) .
2848 - " إن خير عباد الله من هذه الأمة الموفون المطيبون ".
رواه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (4 / 241 / 2) عن أحمد بن محمد بن
الحجاج بن رشدين المصري: حدثني خالد بن عبد السلام أخبرنا ابن وهب قال: حدثني
قرة بن عبد الرحمن وعبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن
عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي مرفوعا. وفيه قصة. قلت: وهذا
إسناد لا بأس به لولا أن ابن رشدين فيه كلام، وشيخه خالد بن عبد السلام لم
أجده (1) ، وقد تابعه غير واحد لكنهم لم يذكروا ابن لهيعة في إسناده.
_________
(1) هذا قبل وقوفي على كتاب ابن أبي حاتم منذ نحو أربعين سنة، فقد ذكره فيه (
3 / 342) وقال: " روى عنه الربيع بن سليمان الجيزي وأبي وقال: صالح
الحديث ". اهـ.(6/833)
أخرجه
البزار (1308) والطبراني في " المعجم الصغير " وقد تكلمت عليه في " الروض
النضير " (رقم 937) . وله شاهد من حديث عائشة أخرجه أحمد (6 / 268)
والعقيلي في " الضعفاء " (432) عن مرجى بن رجاء عن هشام بن عروة عن أبيه عنها
، وقال: " مرجى بن يحيى قال ابن معين: " ضعيف "، وهذا يروى بغير هذا
الإسناد من طريق صالح ". قلت: يشير إلى رواية أحمد في " المسند " (6 / 268 -
269) قال: حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني هشام بن
عروة به عنها قالت: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب
جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذخرة وتمر الذخرة العجوة فرجع به رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى بيته، والتمس له التمر، فلم يجده، فخرج إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال له: " يا عبد الله! إنا قد ابتعنا منك جزورا - أو
جزائر - بوسق من تمر الذخرة، فالتمسناه، فلم نجده "، قال فقال الأعرابي:
واغدراه! قالت: فنهمه الناس، وقالوا: قاتلك الله أيغدر رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه، فإن لصاحب الحق
مقالا ". فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا، فلما رآه لا
يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: " اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية، فقل لها:
إن رسول الله يقول لك: إن كان عندك وسق من تمر الذخرة فأسلفيناه حتى نؤديه
إليك إن شاء الله..(6/834)
الحديث، وفي آخره حديث الترجمة، وقد مضى برقم (2677)
برواية أحمد هذه فقط، مع الإشارة إلى أن بعضه في " الصحيحين "، وهنا فوائد
لم تذكر هناك. وهذا إسناد حسن كما بينت هناك، وقواه المنذري (3 / 40) .
وله شاهد من حديث أبي سعيد بنحوه. أخرجه ابن ماجه (2426) بسند جيد، وصححه
البوصيري، وآخر من حديث عبد الله ابن أبي سفيان عند الطبراني، ووقع في "
الترغيب ": " عبد الله ابن مسعود "، وهو خطأ من الطابع أو الناسخ. (فنهمه
الناس) : أي زجروه، يقال: نهم الإبل إذا زجرها وصاح بها لتمضي.
2849 - " إن خيار عباد الله من هذه الأمة الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى، وإن شرار
عباد الله من هذه الأمة المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء
العنت ".
رواه الخرائطي في " مساوىء الأخلاق " (ج 2 / 6 / 1) : حدثنا أحمد بن موسى
المعدل البزار حدثنا داود بن مهران حدثنا مروان بن معاوية عن محمد بن أبي موسى
: أخبرني هبيرة بن عبد الرحمن: أخبرني عبد الرحمن بن غنم: حدثنا أبو مالك
الأشعري مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، هبيرة بن عبد الرحمن لم يوثقه غير
ابن حبان (5 / 511) . ومحمد بن أبي موسى لم أعرفه. وانظر " الجرح " (4 /
1 / 84) . وله شاهد من حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد مرفوعا نحوه.
رواه، البخاري في " الأدب المفرد " (323) وأبو الشيخ في " التوبيخ "(6/835)
(217) والخرائطي أيضا، وأحمد (6 / 459) والأصبهاني في " الترغيب " (1 / 107
/ 189) . وفي رواية أخرى لأحمد (4 / 227) عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم
مرفوعا. رواه البيهقي في " الشعب " (300 / 2) من حديث ابن عمر مرفوعا.
وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف. شاهد ثان، أخرجه الهيثم بن كليب في مسنده (159 /
2) عن يزيد بن ربيعة عن يزيد ابن أبي مالك عن الأزهر عن عبادة بن الصامت به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف. يزيد بن ربيعة متروك، ومن طريقه رواه الطبراني كما
في " المجمع "، فهو مما لا يفرح ولا يستشهد بروايته. لكن للشطر الأول شاهد
من حديث ابن عباس وغيره، تقدم تخريجه برقم (1646) . وللشطر الآخر شاهد من
حديث أبي هريرة مرفوعا. أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " و " الأوسط "،
وهو مخرج في " الروض النضير " (1084) . ثم وجدت للشطر الأول شاهدا آخر، أخرجه
ابن المبارك في " الزهد " (ق 201 / 2) : أبنا المبارك بن فضالة قال: سمعت
الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله عبادا إذا رؤوا ذكر
الله ". وهذا إسناد مرسل حسن.(6/836)
وانظر " الصحيحة " (1646 و 1733) .
2850 - " إن للإسلام شرة وإن لكل شرة فترة، فإن [كان] صاحبهما سدد وقارب فارجوه،
وإن أشير إليه بالأصابع فلا ترجوه ".
رواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 89) وتمام (163 / 1) عن بكار بن
قتيبة: حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي
صالح عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات على
الخلاف المعروف في ابن عجلان. وبكار بن قتيبة من شيوخ ابن خزيمة، وثقه ابن
حبان (8 / 152) وله ترجمة جيدة في " تاريخ ابن عساكر " (3 / 411 - 415)
وكان قاضيا حنفي المذهب. وصفوان بن عيسى، ثقة من رجال مسلم. وتابعه حاتم بن
إسماعيل عن محمد بن عجلان به. أخرجه الترمذي (2455) وابن حبان (652) .
وقال الترمذي: " حسن صحيح غريب ". وللحديث شاهد من رواية ابن إسحاق: حدثني
أبو الزبير المكي عن أبي العباس مولى بني الديل عن عبد الله بن عمرو قال: ذكر
لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجال ينصبون في العبادة من أصحابه نصبا شديدا،
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تلك ضراوة الإسلام وشرته، ولكل
ضراوة شرة، ولكل شرة فترة، فمن(6/837)
كانت فترته إلى الكتاب والسنة فلأم (1) ما
هو، ومن كانت فترته إلى معاصي الله، فذلك الهالك ". أخرجه أحمد (2 / 165)
. قلت: وهذا إسناد حسن، صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. وللحديث طريق أخرى من
رواية مجاهد عن مجاهد نحوه. أخرجه أحمد وصححه ابن حبان، وهو مخرج في " ظلال
الجنة " (51) . وأخرجه البزار (1 / 347 / 724) من طريق جرير عن مسلم عن
مجاهد عن ابن عباس قال: كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار
وتقوم الليل فقيل له: إنها تصوم النهار وتقوم الليل، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " إن لكل عمل شرة.. " الحديث، وقال البزار: " تفرد به مسلم ".
قلت: وهو في نقدي: مسلم بن كيسان الملائي الأعور: وهو ضعيف. وقد خالف
فجعل ابن عباس مكان ابن عمرو، لكنه في الشواهد لا بأس به.
2851 - " إن من الشعر حكمة ".
أخرجه البخاري في " صحيحه " (7 / 107) وفي " الأدب المفرد " (124 و 125)
وأبو داود (2 / 315) والدارمي (2 / 296 - 297) وابن ماجه (2 /
_________
(1) أي قصد الطريق المستقيم. انظر " النهاية ". اهـ.(6/838)
410)
والطيالسي (ص 76 رقم 556) وأحمد (3 / 456 و 5 / 125) عن عبد الله بن الأسود
ابن عبد يغوث عن أبي بن كعب مرفوعا. وله طريق أخرى عند الطيالسي رقم (
557) : حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي مرفوعا
. وهذا إسناد صحيح على شرط الستة. وله شاهد عن ابن مسعود بهذا اللفظ. رواه
الترمذي (2 / 138) وقال: " غريب ". قلت: وسنده حسن. ثم قال: " وروي
من غير هذا الوجه عن ابن مسعود مرفوعا ". وله شاهد ثان أقوى منه، يرويه
سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا به. أخرجه البزار (3 / 3 /
2301 - كشف الأستار) : حدثنا نهشل بن كثير الباهلي حدثنا سفيان بن عيينة به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير (نهشل) هذا، وقد
وثقه ابن حبان كما يأتي، وأخرجه في " الثقات " فقال: حدثنا محمد بن المسيب:
حدثنا نهشل بن كثير به، ذكره في ترجمة (نهشل) هذا، وقال: (9 / 221) : "
شيخ. حدثنا عنه ابن خزيمة، لم أر في حديثه شيئا ينكر إلا حديثا واحدا ... "
ثم ساق هذا الحديث. وأتبعه بقوله:(6/839)
" وقد وافقه عليه الهيثم بن جميل عن ابن
عيينة ". قلت: والهيثم ثقة من رجال البخاري، فليس الحديث بمنكر إذن،
ولاسيما وقد أتبعه في " الكشف " (1202) بطريق آخر من رواية زمعة عن الزهري به
. ثم (1203) من طريق هشام بن عروة عن أبيه به. وإسناده صحيح. وله شاهد
ثالث وهو: " إن من الشعر حكما.. وإن من البيان سحرا ". أخرجه البخاري في "
الأدب المفرد " (125 - 126) وأبو داود (2 / 315) والترمذي (2 / 138)
وابن ماجه (2 / 410) والطيالسي (ص 348 رقم 2670) وأحمد (1 / 269 و 303
و309 و 313 و 327 و 332) من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.
وليس عند ابن ماجه الجملة الثانية وكذلك الترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ".
وسببه أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام بين، فذكره. (
تنبيه) حديث أبي وقع في " صحيح الجامع وزيادته " معزوا لمسلم أيضا. وكذا
وقع في نسخة الظاهرية المخطوطة من " الزيادة " على " الجامع الصغير "، وهو
خطأ، وعلى الصواب وقع في " الجامع الكبير " (7136) ، ولم يعزه المزي في "
تحفته " لمسلم، ولا جاء ذكره في " فهرسته " الذي وضعه عبد الباقي في آخر
المجلد الخامس من " مسلم ".
2852 - " إن للموت فزعا ".
رواه ابن خزيمة في " حديث علي بن حجر " (ج 3 رقم 35) والحاكم (1 /(6/840)
356) عن
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه شهد جنازة صلى عليها مروان بن الحكم، فذهب
أبو هريرة مع مروان حتى جلسا في المقبرة، فجاء أبو سعيد الخدري فقال
لمروان: أرني يدك، فأعطاه يده، فقال: قم، فقام، ثم قال مروان لأبي سعيد:
لم أقمتني؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى جنازة قام حتى يمر
بها، وقال: (فذكره) ، فقال مروان: أصدق يا أبا هريرة؟ قال: نعم، قال:
فقال: ما منعك أن تحدثني؟ وقال: كنت إماما فجلست فجلست. قلت: وسنده صحيح
على شرط مسلم. وكذا قال الحاكم. ووافقه الذهبي. وإنما آثرت تخريج الحديث
هنا مع أنه تقدم تخريجه مختصرا برقم (2017) من رواية ابن ماجه وأحمد، لما
في هذه الرواية من تصديق أبي هريرة لأبي سعيد، وتقدم هناك تخريجه من حديث
جابر برواية مسلم وغيره، وأزيد هنا فأقول: رواه عبد بن حميد أيضا في "
المنتخب من مسنده " (ق 151 / 2) وابن حبان (3939 - الإحسان) وابن عدي (ق
188 / 2) . وقد روي الحديث بزيادة في متنه بلفظ: " إن للموت فزعا، فإذا أتى
أحدكم وفاة أخيه فليقل: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) *، * (وإنا إلى ربنا
لمنقلبون) *، اللهم اكتبه في المحسنين، واجعل كتابه في عليين، واخلف عقبه
في الآخرين، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده ". رواه الطبراني (3 /
163 / 1) من طريقين عن قيس بن الربيع عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، قيس بن الربيع، قال في " التقريب
":(6/841)
" صدوق، تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به ". لكن
حديثه هذا لا بأس به كشاهد لحديث الترجمة، وسائره غالبه له شاهد في مسلم (3
/ 37 - 38 و 39) وغيره. وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 12 و 23) .
وجملة: " اللهم لا تحرمنا أجره.. " إلخ ثبتت في حديث أبي هريرة فيما كان يقول
صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة عند أبي داود، وابن حبان (756 - موارد
) وهو مخرج في " الأحكام " (ص 124) .
2853 - " إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام ".
أخرجه النسائي (1 / 189) وابن حبان (1392) والحاكم (2 / 421) وكذا
الدارمي (2 / 317) وأحمد (1 / 441 و 452) وابن المبارك في " الزهد " (ق
/ 204 / 2) والقاضي إسماعيل في " فضل الصلاة على النبي " (رقم 21) وعنه
ابن النجار في " تاريخ المدينة " صفحة (398) وابن أبي شيبة في " المصنف " (
2 / 135 / 2) وابن الديباجي في " الفوائد المنتقاة " (2 / 80 / 2)
والطبراني في " الكبير " (3 / 81 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (5 /
205) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (9 / 189 / 2) من طرق عن سفيان الثوري
وقرن به بعضهم الأعمش، كلاهما عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن
مسعود مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وصححه
أيضا ابن القيم في " جلاء الأفهام " (صفحة 27) . وهو كما قالوا.(6/842)
وله شاهد
يرويه أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي: فلان سلم عليك ويصلي عليك
، فلان يصلي عليك وسلم عليك ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (3 / 238) في
ترجمة أبي يحيى هذا، وهو القتات، وختم ترجمته بقوله: " في حديثه بعض ما
فيه، إلا أنه يكتب حديثه ". يشير إلى أنه صالح للاستشهاد به. ونحوه قول
الحافظ في " التقريب ": " لين الحديث ".
2854 - " إن مثل الذي يعمل السيآت ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد
خنقته، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل حسنة أخرى فانفكت حلقة أخرى حتى يخرج
إلى الأرض ".
أخرجه الإمام أحمد (4 / 145) من طريق عبد الله بن المبارك قال: أنبأنا ابن
لهيعة قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: حدثنا أبو الخير أنه سمع عقب بن
عامر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... قلت: وهذا إسناد رجاله
ثقات إلا أن ابن لهيعة سيىء الحفظ، لكنه من رواية ابن المبارك عنه، وهي
صحيحة كما تقدم مرارا.(6/843)
ومن هذا الوجه أخرجه البغوي في " شرح السنة " (14 /
339 / 4149) وقد توبع فيما يظهر، فقد قال الهيثمي (10 / 201 - 202) : "
رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح ". وسبقه
إلى ذلك المنذري فقال (4 / 79) : " رواه أحمد والطبراني بإسنادين، رواة
أحدهما رواة الصحيح ". ثم رأيته في " معجم الطبراني الكبير " (17 / 284 / 783
) من طريق سعيد ابن عفير: حدثنا ابن لهيعة به. ثم رواه (رقم 784) من طريق
يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به. قلت: فهذه متابعة قوية من يحيى بن أيوب
، وهو الغافقي، وهو ثقة من رجال الشيخين.
2855 - " إنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسك. يعني صوم الدهر وقيام الليل ".
ذكره أبو عبيد في " الغريب " (4 - 5) معلقا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال لعبد الله بن عمرو بن العاص وذكر قيام الليل وصيام النهار، فقال: فذكره
قلت: وهو قطعة من حديث صحيح، يرويه أبو العباس المكي سمع عبد الله بن عمرو
رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الله
بن عمرو! إنك لتصوم الدهر، وتقوم الليل، وإنك إذا فعلت ذلك(6/844)
هجمت له العين
، ونهكت (وفي رواية: ونفهت له النفس) ، لا صام من صام الأبد، صوم ثلاثة
أيام من الشهر صوم الشهر كله ". قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك. قال: " فصم
صوم داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى ". أخرجه البخاري (
1979) ومسلم (3 / 164 - 165) والنسائي (1 / 326) وأحمد (2 / 188 - 189
) . (هجمت) أي: غارت أو ضعفت لكثرة السهر. (نهكت) أي: هزلت وضعفت. (
نفهت) أي: تعبت وكلت " فتح ".
2856 - " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين
".
أخرجه البخاري (6 / 416 و 13 / 99) والدارمي (2 / 242) وابن أبي عاصم في
" السنة " (1112) وأحمد (4 / 94) والطبراني (19 / 337 و 779 - 81 / 3)
من طريق الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية - وهم
عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب
فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم
يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
، وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث.(6/845)
قوله: (ما أقاموا الدين) أي: مدة
إقامتهم أمور الدين، ومفهومه أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم، وفي
ذلك أحاديث أخرى تقدم أحدها (1552) وانظر الآتي بعده. وإليها أشار الحافظ
في شرحه لهذا الحديث بقوله (13 / 117) : " ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه
عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من الله أولا، وهو الموجب للخذلان
وفساد التدبير، وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية، ثم التهديد بتسليط من
يؤذيهم عليهم، ووجد ذلك في غلبة مواليهم حيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه
، يقتنع بلذاته ويباشر الأمور غيره، ثم اشتد الخطب فغلب عليهم الديلم،
فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة، واقتسم المتغلبون الممالك
في جميع الأقاليم، ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة، حتى انتزع الأمر منهم في
جميع الأقطار، ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار ". قلت: ما
أشبه الليلة بالبارحة، بل الأمر أسوأ، فإنه لا خليفة اليوم لهم، لا اسما
ولا رسما، وقد تغلبت اليهود والشيوعيون والمنافقون على كثير من البلاد
الإسلامية. فالله تعالى هو المسؤول أن يوفق المسلمين أن يأتمروا بأمره في كل
ما شرع لهم، وأن يلهم الحكام منهم أن يتحدوا في دولة واحدة تحكم بشريعته،
حتى يعزهم الله في الدنيا، ويسعدهم في الآخرة، وإلا فالأمر كما قال تعالى:
* (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) *، وتفسيرها في الحديث
الصحيح: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع
وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى
دينكم " (1) ، فإلى دينكم أيها المسلمون حكاما ومحكومين.
_________
(1) وقد سبق تخريجه في هذا الكتاب برقم (11) . اهـ.(6/846)
2857 - " إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وفارقتم
المشركين وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي صلى الله عليه وسلم، والصفي
- وربما قال: وصفيه - فأنتم آمنون بأمان الله وأمان رسوله ".
أخرجه البيهقي (6 / 303 و 9 / 13) وأحمد (5 / 78) والخطابي في " غريب
الحديث " (4 / 236) من طريق مرة بن خالد: حدثنا يزيد بن عبد الله بن الخير
قال: بينا نحن بالمربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس، معه قطعة أديم أو قطعة
جراب، فقلنا: كأن هذا ليس من أهل البلد، فقال: أجل، هذا كتاب كتبه لي رسول
الله عليه وسلم، فقال القوم: هات، فأخذته فقرأته فإذا فيه: بسم الله الرحمن
الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني زهير بن أقيش - قال أبو العلاء
: وهم حي من عكل -: إنكم إن شهدتم ... الحديث. واللفظ للبيهقي. وهذا
إسناد صحيح على شرط الشيخين وجهالة الصحابي لا تضر كما تقرر. ورواه أحمد (5
/ 77) من طريق عبد الرزاق (4 / 300 / 7877) عن الجريري عن أبي العلاء ابن
الشخير به نحوه. (الصفي) : ما كان صلى الله عليه وسلم يصطفيه ويختاره من
عرض المغنم من فرس أو غلام أو سيف، أو ما أحب من شيء، وذلك من رأس المغنم
قبل أن يخمس، كان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بهذه الثلاث (يعني المذكورة في
الحديث: الخمس والسهم والصفي) عقبة وعوضا عن الصدقة التي حرمت عليه. قاله
الخطابي.(6/847)
قلت: في هذا الحديث بعض الأحكام التي تتعلق بدعوة الكفار إلى
الإسلام، من ذلك: أن لهم الأمان إذا قاموا بما فرض الله عليهم، ومنها: أن
يفارقوا المشركين ويهاجروا إلى بلاد المسلمين. وفي هذا أحاديث كثيرة، يلتقي
كلها على حض من أسلم على المفارقة، كقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا بريء من
كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تتراءى نارهما "، وفي بعضها أن النبي
صلى الله عليه وسلم اشترط على بعضهم في البيعة أن يفارق المشرك. وفي بعضها
قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا،
أو يفارق المشركين إلى المسلمين ". إلى غير ذلك من الأحاديث، وقد خرجت بعضها
في " الإرواء " (5 / 29 - 33) وفيما تقدم برقم (636) . وإن مما يؤسف له
أشد الأسف أن الذين يسلمون في العصر الحاضر - مع كثرتهم والحمد لله - لا
يتجاوبون مع هذا الحكم من المفارقة، وهجرتهم إلى بلاد الإسلام، إلا القليل
منهم، وأنا أعزو ذلك إلى أمرين اثنين: الأول: تكالبهم على الدنيا، وتيسر
وسائل العيش والرفاهية في بلادهم بحكم كونهم يعيشون حياة مادية ممتعة، لا روح
فيها، كما هو معلوم، فيصعب عليهم عادة أن ينتقلوا إلى بلد إسلامي قد لا تتوفر
لهم فيه وسائل الحياة الكريمة في وجهة نظرهم. والآخر - وهو الأهم -: جهلهم
بهذا الحكم، وهم في ذلك معذورون، لأنهم لم يسمعوا به من أحد من الدعاة الذين
تذاع كلماتهم مترجمة ببعض اللغات الأجنبية، أو من الذين يذهبون إليهم باسم
الدعوة لأن أكثرهم ليسوا فقهاء وبخاصة منهم جماعة التبليغ، بل إنهم ليزدادون
لصوقا ببلادهم، حينما يرون(6/848)
كثيرا من المسلمين قد عكسوا الحكم بتركهم لبلادهم
إلى بلاد الكفار! فمن أين لأولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام أن يعرفوا مثل
هذا الحكم والمسلمون أنفسهم مخالفون له؟! ألا فليعلم هؤلاء وهؤلاء أن الهجرة
ماضيه كالجهاد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو
يقاتل "، وفي حديث آخر: " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع
التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " وهو مخرج في " الإرواء " (1208) . ومما
ينبغي أن يعلم أن الهجرة أنواع ولأسباب عدة، ولبيانها مجال آخر، والمهم
هنا الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام مهما كان الحكام فيها منحرفين عن
الإسلام، أو مقصرين في تطبيق أحكامه، فهي على كل حال خير بما لا يوصف من بلاد
الكفر أخلاقا وتدينا وسلوكا، وليس الأمر - بداهة - كما زعم أحد الجهلة
الحمقى الهوج من الخطباء: " والله لو خيرت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود
وبين أن أعيش في أي عاصمة عربية لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود "
! وزاد على ذلك فقال ما نصه: " ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى (
تل أبيب) "!! كذا قال فض فوه، فإن بطلانه لا يخفى على مسلم مهما كان غبيا!
ولتقريب ما ذكرت من الخيرية إلى أذهان القراء المحبين للحق الحريصين على
معرفته واتباعه، الذين لا يهولهم جعجعة الصائحين، وصراخ الممثلين،
واضطراب الموتورين من الحاسدين والحاقدين من الخطباء والكاتبين: أقول لأولئك
المحبين: تذكروا على الأقل حديثين اثنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(6/849)
أحدهما: " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها ". أخرجه
البخاري ومسلم وغيرهما. والآخر: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق
حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون "، وهو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من
الصحابة، وتقدم تخريجه عن جمع منهم برقم (270 و 1108 و 1955 و 1956) ، و "
صحيح أبي داود " (1245) ، وفي بعضها أنهم " أهل المغرب " أي الشام، وجاء
ذلك مفسرا عند البخاري وغيره عن معاذ، وعند الترمذي وغيره مرفوعا بلفظ: "
إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولا تزال طائفة من أمتي.. " الحديث. وفي
هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أن العبرة في البلاد إنما هي بالسكان وليس
بالحيطان. وقد أفصح عن هذه الحقيقة سلمان الفارسي رضي الله عنه حين كتب أبو
الدرداء إليه: أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض المقدسة
لا تقدس أحدا، وإنما يقدس الإنسان عمله. (موطأ مالك 2 / 235) . ولذلك فمن
الجهل المميت والحماقة المتناهية - إن لم أقل وقلة الدين - أن يختار خطيب
أخرق الإقامة تحت الاحتلال اليهودي، ويوجب على الجزائريين المضطهدين أن
يهاجروا إلى (تل أبيب) ، دون بلده المسلم (عمان) مثلا، بل ودون مكة
والمدينة، متجاهلا ما نشره اليهود في فلسطين بعامة، و (تل أبيب) و (حيفا)
و (يافا) بخاصة من الفسق والفجور والخلاعة حتى سرى ذلك بين كثير من
المسلمين والمسلمات بحكم المجاورة والعدوى، مما لا يخفى على من ساكنهم ثم
نجاه الله منهم، أو يتردد على أهله هناك لزيارتهم في بعض الأحيان. وليس بخاف
على أحد أوتي شيئا من العلم ما في ذاك الاختيار من المخالفة(6/850)
لصريح قوله تعالى
* (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا
مستضعفين في الأرض، قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟! فأولئك
مأواهم جهنم وساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا
يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله
عفوا غفورا، ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما (أي تحولا) كثيرا
وسعة، ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع
أجره على الله وكان الله غفورا رحيما) * (النساء 97 - 100) . قال الحافظ ابن
كثير في " تفسيره " (1 / 542) : " نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام
بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين،
فهو ظالم لنفسه، مرتكب حراما بالإجماع، وبنص هذه الآية ". وإن مما لا يشك
فيه العالم الفقيه أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر،
وقد صرح بذلك الإمام القرطبي، فقال في " تفسيره " (5 / 346) : " وفي هذه
الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي، وقال سعيد ابن جبير:
إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها، وتلا: * (ألم تكن أرض الله واسعة
فتهاجروا فيها؟) * ". وهذا الأثر رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " (2 / 174
/ 1) بسند صحيح عن سعيد. وأشار إليه الحافظ في " الفتح " فقال (8 / 263) :
" واستنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها
بالمعصية ".(6/851)
وقد يظن بعض الجهلة من الخطباء والدكاترة والأساتذة، أن قوله
صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح " (1) ناسخ للهجرة مطلقا، وهو جهل
فاضح بالكتاب والسنة وأقوال الأئمة، وقد سمعت ذلك من بعض مدعي العلم من
الأساتذة في مناقشة جرت بيني وبينه بمناسبة الفتنة التي أثارها علي ذلك الخطيب
المشار إليه آنفا، فلما ذكرته بالحديث الصريح في عدم انقطاع التوبة المتقدم
بلفظ: " لا تنقطع الهجرة.. " إلخ.. لم يحر جوابا! وبهذه المناسبة أنقل إلى
القراء الكرام ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديثين المذكورين، وأنه لا
تعارض بينهما، فقال في " مجموع الفتاوى " (18 / 281) : " وكلاهما حق،
فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه، وهي الهجرة إلى المدينة من مكة
وغيرها من أرض العرب، فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة وغيرها دار كفر
وحرب، وكان الإيمان بالمدينة، فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام
واجبة لمن قدر عليها، فلما فتحت مكة وصارت دار الإسلام ودخلت العرب في
الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام، فقال: " لا هجرة بعد الفتح "،
وكون الأرض دار كفر ودار إيمان، أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها: بل هي صفة
عارضة بحسب سكانها، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في
ذلك الوقت، وكل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت، وكل أرض
سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت، فإن سكنها غير ما ذكرنا وتبدلت
بغيرهم فهي دارهم وكذلك المسجد إذا تبدل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم أو
كنيسة يشرك فيها بالله كان بحسب سكانه، وكذلك دار الخمر والفسوق ونحوها إذا
جعلت
_________
(1) متفق عليه، وهو مخرج في" الإرواء " (1057)(6/852)
مسجدا يعبد الله فيه جل وعز كان بحسب ذلك، وكذلك الرجل الصالح يصير
فاسقا والكافر يصير مؤمنا أو المؤمن يصير كافرا أو نحو ذلك، كل بحسب انتقال
الأحوال من حال إلى حال وقد قال تعالى: * (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة
مطمئنة) * الآية نزلت في مكة لما كانت دار كفر وهي ما زالت في نفسها خير أرض
الله، وأحب أرض الله إليه، وإنما أراد سكانها. فقد روى الترمذي مرفوعا أنه
قال لمكة وهو واقف بالحزورة: " والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى
الله، ولولا قومي أخرجوني منك لما خرجت " (1) ، وفي رواية: " خير أرض الله
وأحب أرض الله إلي "، فبين أنها أحب أرض الله إلى الله ورسوله، وكان مقامه
بالمدينة ومقام من معه من المؤمنين أفضل من مقامهم بمكة لأجل أنها دار هجرتهم
، ولهذا كان الرباط بالثغور أفضل من مجاورة مكة والمدينة، كما ثبت في الصحيح
: " رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطا
مات مجاهدا، وجرى عليه عمله، وأجرى رزقه من الجنة، وأمن الفتان " (2) .
وفي السنن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: " رباط يوم في سبيل
الله خير من ألف يوما فيما سواه من المنازل " (3) . وقال أبو هريرة (4) : لأن
أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود.
ولهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرض يكون فيها أطوع لله ورسوله، وهذا
يختلف باختلاف الأحوال، ولا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل، وإنما
يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى والطاعة والخشوع والخضوع والحضور،
_________
(1) إسناده صحيح، وهو مخرج في " المشكاة " (2725) .
(2) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1200) .
(3) قلت: وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي، وهو مخرج في تعليقي على
" المختارة " (رقم 307) .
(4) بل هو مرفوع، كذلك رواه ابن حبان وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في "
الصحيحة " (1068) .(6/853)
وقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان: هلم إلى الأرض المقدسة! فكتب إليه سلمان:
إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس العبد عمله. وكان النبي صلى الله عليه
وسلم قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء. وكان سلمان أفقه من أبي الدرداء في
أشياء من جملتها هذا. وقد قال الله تعالى لموسى عليه السلام: * (سأريكم دار
الفاسقين) * وهي الدار التي كان بها أولئك العمالقة، ثم صارت بعد هذا دار
المؤمنين، وهي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة، وأرض مصر التي
أورثها الله بني إسرائيل، فأحوال البلاد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلما
وتارة كافرا، وتارة مؤمنا وتارة منافقا، وتارة برا تقيا وتارة فاسقا،
وتارة فاجرا شقيا. وهكذا المساكن بحسب سكانها، فهجرة الإنسان من مكان الكفر
والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة كتوبته وانتقاله من الكفر والمعصية إلى
الإيمان والطاعة، وهذا أمر باق إلى يوم القيامة، والله تعالى قال: * (
والذين آمنوا [من بعد] وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم) * [الأنفال: 75
] . قالت طائفة من السلف: هذا يدخل فيه من آمن وهاجر وجاهد إلى يوم القيامة
، وهكذا قوله تعالى: * (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا
وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) * [النحل: 110] (1) يدخل في معناها كل من
فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه في معصية ثم هجر السيئات وجاهد نفسه وغيرها من
العدو، وجاهد المنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك،
وصبر على ما أصابه من قول أو فعل. والله سبحانه وتعالى أعلم ".
_________
(1) وقع في هذه الآية خطأ مطبعي في الأصل، كما سقط منه ما بين المعقوفتين في
الآية الأولى. اهـ.(6/854)
فأقول: هذه
الحقائق والدرر الفرائد من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يجهلها جهلا
تاما أولئك الخطباء والكتاب والدكاترة المنكرون لشرع الله * (وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا) *، فأمروا الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم وحرموا عليهم
الهجرة منها، وهم يعلمون أن في ذلك فساد دينهم ودنياهم، وهلاك رجالهم
وفضيحة نسائهم، وانحراف فتيانهم وفتياتهم، كما تواترت الأخبار بذلك عنهم
بسبب تجبر اليهود عليهم، وكبسهم لدورهم والنساء في فروشهن، إلى غير ذلك من
المآسي والمخازي التي يعرفونها، ثم يتجاهلونها تجاهل النعامة الحمقاء للصياد
! فيا أسفي عليهم إنهم يجهلون، ويجهلون أنهم يجهلون، كيف لا وهم في القرآن
يقرؤون: * (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما
فعلوه إلا قليل منهم) *! وليت شعري ماذا يقولون في الفلسطينيين الذين كانوا
خرجوا من بلادهم تارة باسم لاجئين، وتارة باسم نازحين، أيقولون فيهم: إنهم
كانوا من الآثمين، بزعم أنهم فرغوا أرضهم لليهود؟! بلى. وماذا يقولون في
ملايين الأفغانيين الذين هاجروا من بلدهم إلى (بشاور) مع أن أرضهم لم تكن
محتلة من الروس احتلال اليهود لفلسطين؟! وأخيرا.. ماذا يقولون في البوسنيين
الذين لجأوا في هذه الأيام إلى بعض البلاد الإسلامية ومنها الأردن، هل يحرمون
عليهم أيضا خروجهم، ويقول فيهم أيضا رأس الفتنة: " يأتون إلينا؟ شو بساووا
هون؟! ". إنه يجهل أيضا قوله تعالى: * (والذين تبوءوا الدار والإيمان من
قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) *، أم هم كما قال تعالى في بعضهم: * (يحلونه عاما
ويحرمونه عاما) *؟!
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأنباء من لم تزود(6/855)
2858 - " إن هذا الأمر في قريش ما داموا إذا استرحموا رحموا وإذا حكموا عدلوا وإذا
قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين لا يقبل منهم صرف ولا عدل ".
أخرجه الإمام أحمد (4 / 396) والبزار (2 / 229 / 1582) من طريق عوف عن
زياد بن مخراق عن أبي كنانة عن أبي موسى قال: قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم على باب بيت فيه نفر من قريش، فقام وأخذ بعضاة الباب ثم قال: " هل في
البيت إلا قرشي؟ "، قال: فقيل: يا رسول الله غير فلان ابن أختنا، فقال: "
ابن أخت القوم منهم "، ثم قال: فذكره. وأبو كنانة هذا مجهول، ويقال هو
معاوية بن قرة، ولم يثبت كما قال الحافظ في " التقريب ". والحديث أورده
الهيثمي في " المجمع " (5 / 193) وقال: " رواه أحمد والبزار والطبراني،
ورجال أحمد ثقات ". كذا قال، وقد علمت ما فيه من الجهالة، وإسناد البزار
كإسناد أحمد. ولأبي داود منه: " ابن أخت القوم منهم " وقد سبق (776) .
وللحديث شواهد يصح بها ويقوى، منها عن أبي سعيد الخدري مثله. أخرجه الطبراني
في " الصغير " (ص 43) ، وكذا في " الأوسط " (1 / 142 / 2 / 2736) ، قال في
" المجمع " (5 / 194) : " ورجاله ثقات ".(6/856)
قلت: هو من رواية معاذ بن عوذ
الله القرشي: حدثنا عوف عن أبي الصديق الناجي عنه. وقال الطبراني: " تفرد
به معاذ بن عوذ الله ". قلت: ولم أجد له ترجمة فيما عندي من الكتب، ولعله
في " ثقات ابن حبان ". ثم رأيته فيه (9 / 178) وقال: " مستقيم الحديث ".
وبقية رجاله ثقات رجال الستة غير شيخ الطبراني إبراهيم بن عبد الله بن مسلم
الكجي، وهو ثقة إمام. وله شاهد من حديث ابن مسعود وغيره. وقد مضى الكلام
عليه برقم (1552) .
2859 - " إنما النذر ما ابتغي به وجه الله ".
أخرجه البيهقي (10 / 67) من طريق عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا
سند حسن إن شاء الله تعالى، فإن عبد الرحمن بن الحارث هذا صدوق له أوهام كما
في " التقريب ". وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده محتج به كما تقرر عند المحققين
، وقد أوضحت ذلك في " صحيح سنن أبي داود " / الأم (رقم 124) . والحديث رواه
البيهقي أيضا (10 / 75) وأحمد (2 / 183) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن
الحارث به، وفيه سبب ورود الحديث. وتابعه أبو الزناد عن عمرو بن شعيب به
عند الطبراني في " الأوسط " (1 / 77 / 1 / 1412 - بترقيمي) بنحوه، وفيه عبد
الله بن نافع المدني، وهو ضعيف كما في " المجمع " (4 / 187) .(6/857)
2860 - " إنما النذر يمين كفارتها كفارة يمين ".
أخرجه أحمد (4 / 149 و 156) من طريق ابن لهيعة قال: حدثنا كعب بن علقمة قال
: سمعت عبد الرحمن بن شماسة يقول: أتينا أبا الخير فقال: سمعت عقبة بن عامر
يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: ورجاله ثقات
غير ابن لهيعة، وهو سيىء الحفظ، ولكني وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه
الله) جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستدلا به على أن كل نذر يمين
، فقال في " الفتاوى " (3 / 358) : " والدليل على هذا قول النبي صلى الله
عليه وسلم: النذر حلف ". فإن كان شيخ الإسلام وقف للحديث على طريق أخرى غير
هذه فهو قوي، وإلا فلا، والاحتمال الأول أقرب لأن اللفظ الذي رواه هو غير
هذا، والله أعلم. نعم جاء الحديث في صحيح مسلم وغيره عن عقبة مختصرا بلفظ:
" كفارة النذر كفارة يمين "، فهو شاهد قوي للحديث، وهو مخرج في " إرواء
الغليل " (2586) . ثم رأيت الحديث في " معجم الطبراني الكبير " (17 / 313 /
866) و " مسند الروياني " (ق 54 / 1) من طريق ابن لهيعة أيضا بلفظ قريب من
لفظ ابن تيمية: " النذر يمين، وكفارته كفارة يمين ". لكنه قال: (ابن
شماسة عن عقبة) ، لم يذكر بينهما (أبا الخير) ، ولعله من ابن لهيعة، فإنه
متكلم فيه من قبل حفظه، والأرجح عنه إثباته، كما تقدم في رواية أحمد، فقد
وجدت له متابعا قويا، فقال الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 74 - 75) :
حدثنا يونس قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن(6/858)
كعب بن علقمة
عن عبد الرحمن بن شماسة المهري عن أبي الخير عن عقبة باللفظ المختصر الذي عند
مسلم: " كفارة النذر كفارة يمين ".
2861 - " يا عقبة بن عامر ألا أعلمك سورا ما أنزلت في التوارة ولا في الزبور ولا في
الإنجيل ولا في الفرقان مثلهن، لا يأتين عليك ليلة إلا قرأتهن فيها، * (قل
هو الله أحد) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * ".
أخرجه أحمد (4 / 158) من طريق ابن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي عن
فروة ابن مجاهد اللخمي عن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال لي: " يا عقبة بن عامر! صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن
ظلمك ". قال: ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: " يا عقبة بن
عامر! املك لسانك، وابك على خطيئتك، وليسعك بيتك ". قال: ثم لقيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: فذكر الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح لأن
ابن عياش ثقة في الشاميين، وروايته هذه عن الشاميين فإن أسيد بن عبد الرحمن
رملي، وهو ثقة وكذا شيخه فروة بن مجاهد كما تقدم بيانه تحت الحديث (891) .(6/859)
2862 - " تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت وإنه مكتوب بين عينيه [ك ف ر] ،
يقرؤه من كره عمله ".
أخرجه مسلم (8 / 193) والترمذي (2236) وابن منده في " المعرفة " (2 /
287 / 2) من طريق الزهري قال: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض
أصحاب النبي أن النبي قال يومئذ وهو يحذرهم فتنته (يعني الدجال) : فذكره.
وقال الترمذي والسياق له: " حسن صحيح ". وعزاه المعلق على " سنن الترمذي "
لأبي داود عن أنس برقم (4318) . وهو خطأ منه لأنه حديث آخر ليس فيه من حديث
الترجمة إلا جملة الكتابة بين عينيه. (تنبيه) : جاء الحديث في " الفتح
الكبير بضم الزيادة إلى الجامع الصغير " بلفظ الترمذي إلى قوله: حتى يموت،
معزوا لـ (م، ن) والنون إشارة إلى " سنن النسائي "، وهو خطأ، والصواب (
ت) أي الترمذي، وعلى الصواب جاء في " الزيادة على الجامع الصغير " نسخة
الظاهرية.
2863 - " إنما النساء شقائق الرجال ".
قال في " الكشف " (1 / 214) تبعا لأصله: " رواه أحمد وأبو داود والترمذي
عن عائشة، ورواه البزار عن أنس، قال ابن القطان: هو من طريق عائشة
ضعيف، ومن طريق أنس صحيح ". قلت: أما حديث عائشة فهو من طريق حماد بن خالد
الخياط: حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عنها. قالت:(6/860)
سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما؟ قال: " يغتسل
"، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يرى بللا؟ قال: " لا غسل عليه "،
فقالت أم سليم: هل على المرأة ترى ذلك شيء؟ قال: " نعم، إنما النساء.. "
الحديث. أخرجه أبو داود (1 / 37) والترمذي (1 / 189 - 190) وأحمد (6 /
256) وقال الترمذي: " وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في
الحديث ". قلت: فإنما يخشى من سوء حفظه، فإذا توبع في روايته فذلك يدل على
أنه قد حفظ، والأمر كذلك هنا، فقد روى هذه القصة غيره من حديث أنس،
وإسناده صحيح كما سبق عن ابن القطان، وقد أخرجه الدارمي (1 / 195) : أخبرنا
محمد بن كثير عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: دخلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سليم، وعنده أم سلمة، فقالت: المرأة
ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقالت أم سلمة: تربت يداك يا أم سليم فضحت
النساء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم منتصرا لأم سليم: " بل أنت تربت يداك
، إن خيركن التي تسأل عما يعنيها، إذا رأت الماء فلتغتسل "، قالت أم سلمة:
وللنساء ماء يا رسول الله؟ قال: " نعم، فأين يشبههن الولد؟ إنما هن شقائق
الرجال ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الستة غير محمد بن كثير، وهو أبو
يوسف(6/861)
الصنعاني المصيصي، وهو صدوق كثير الغلط كما في " التقريب "، ولعل
البزار رواه من غير طريقه، وإلا فكيف يصححه ابن القطان إذا كان من طريقه؟ (1) . على أنه لم يتفرد به وإن كان خولف في سنده، فقال الإمام أحمد (6 / 377
) : حدثنا [أبو] المغيرة (ما بين المربعين ساقط من المسند) قال: حدثنا
الأوزاعي قال: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن جدته أم سليم
قالت: كانت مجاورة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تدخل عليها،
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أم سليم: يا رسول الله! أرأيت إذا رأت
المرأة أن زوجها يجامعها في المنام، أتغتسل؟ فقالت أم سلمة: تربت يداك يا أم
سليم، فضحت النساء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت أم سليم: إن
الله لا يستحي من الحق، وإنا أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما أشكل
علينا خير من أن نكون منه على عمياء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة
: " بل أنت تربت يداك، نعم يا أم سليم عليها الغسل إذا وجدت الماء "، فقالت
أم سلمة: يا رسول الله! وهل للمرأة ماء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" فأني يشبهها ولدها؟ هن شقائق الرجال ". وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال
الستة، لكن أعله الهيثمي بالانقطاع، فقال (1 / 268) : " وإسحاق لم يسمع من
أم سليم ". لكن دلت الرواية الأولى على أن إسحاق أخذها عن أنس، وهو عن أمه
أم سليم، وكذلك رواه مسلم (1 / 171) وغيره عن عكرمة بن عمار قال: قال
إسحاق بن طلحة: حدثني أنس بن مالك قال: جاءت أم سليم ... الحديث دون
_________
(1) ولم يذكره الهيثمي في " كشف الأستار "، ولا في " المجمع "، وإنما فيه
(1 / 268) بلفظ آخر وأعله بالانقطاع كما سيأتي. اهـ.(6/862)
قوله:
إنما النساء.. إلخ. فزالت بذلك شبهة الانقطاع، وثبتت بذلك صحة الحديث. (
تنبيه) : عزا المناوي حديث عائشة إلى الدارقطني أيضا في الطهارة ولم أجده في
" سننه "، فلينظر.
2864 - " إنه سيلي أموركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة ويؤخرون الصلاة عن
مواقيتها. قال ابن مسعود: كيف بي إذا أدركتهم؟ قال: ليس - يا ابن أم عبد -
طاعة لمن عصى الله. قالها ثلاثا ".
رواه ابن ماجه (2865) والبيهقي (3 / 127) وفي " الدلائل " (6 / 396 -
397) وأحمد، وابنه في " الزوائد " (رقم 3790) والسياق له، وعنه ابن
عساكر (14 / 165 / 2) والطبراني في " معجمه " (10 / 213 / 10361) عن
القاسم ابن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح
، رجاله رجال الصحيح، وقد مضى تحت الحديث (590) .
2865 - " إني ممسك بحجزكم عن النار وتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب ويوشك أن
أرسل حجزكم، وأنا فرط لكم على الحوض، فتردون علي معا وأشتاتا، يقول جميعا
، فأعرفكم بأسمائكم وبسيماكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله، فيذهب
بكم(6/863)
ذات الشمال، وأناشد فيكم رب العالمين، فأقول: يا رب أمتي، فيقال: إنك
لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم كانوا يمشون القهقرى بعدك. فلا أعرفن أحدكم
يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي: يا محمد، يا محمد! فأقول: لا
أملك لك من الله شيئا قد بلغت، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا
له رغاء ينادي: يا محمد، يا محمد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت
، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي: يا محمد، يا
محمد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم
القيامة يحمل قشعا من أدم ينادي: يا محمد، يا محمد! فأقول: لا أملك لك من
الله شيئا قد بلغت ".
أخرجه البزار (1 / 426 / 900) والرامهرمزي في " الأمثال " (21 - 22) من
طريقين عن مالك بن إسماعيل: حدثنا يعقوب بن عبد الله القمي عن حفص بن حميد عن
عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضوان الله عليهم قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، قال البزار عقبه: " لا
نعلمه عن عمر إلا بهذا الإسناد، وحفص لا نعلم روى عنه إلا القمي ". قلت: قد
روى عنه أيضا أشعث بن إسحاق، كما في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 171)
وروى عن ابن معين أنه قال فيه: " صالح ".(6/864)
ووثقه النسائي أيضا، وابن حبان (
6 / 196) وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 277 - 278) : " رواه أبو يعلى
والبزار، وإسنادهما جيد ". وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 85) : " رواه
أبو يعلى في " الكبير "، والبزار، ورجال الجميع ثقات ". قلت: وأشار
بقوله: " الكبير " إلى أن لأبي يعلى مسندين: كبيرا، وصغيرا، و " الصغير "
هو المعروف اليوم، وهو الذي يطبع الآن في دمشق، وصدر منه أكثر من عشرة
أجزاء (1) ، ومسند عمر في الأول منها، وليس الحديث فيه. وكأن الشيخ
الأعظمي في تعليقه على " البزار " لا علم عنده بـ " المسند الكبير " كما يشير
إلى ذلك قوله عقب قول الهيثمي المتقدم: ".. في الكبير "، قال الأعظمي: " (
كذا) "!
2866 - " إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار
إلا قد نهيتكم عنه، إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسا لا تموت حتى تستكمل
رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه
بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته ".
رواه أبو بكر الحداد في " المنتخب من فوائد ابن علويه القطان " (168 / 1)
_________
(1) ثم طبع فيما بعد كاملا، بتحقيق الأخ (حسين سليم الديراني) ، ولي عليه
انتقادات كثيرة سبق ذكر بعضها. اهـ.(6/865)
وابن مردويه في " ثلاثة مجالس " (188 / 1 - 2) من طرق عن يعلى بن عبيد:
أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن [عبد الملك بن عمير] وزبيد الأيامي عن عبد
الله بن مسعود مرفوعا، والزيادة لابن مردويه. قلت: وهذا إسناد رجاله
ثقات رجال الشيخين، لكنه منقطع من الوجهين، أما زبيد فإنه لم يدرك ابن مسعود
يقينا، فإنه مات سنة (122) ومات ابن مسعود سنة (32) ، وأما عبد الملك
فإنه ولد في السنة التي مات ابن مسعود فيها، أو بعدها بسنة. ورواه الحاكم (
2 / 4) من طريق سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن أبي أمية الثقفي عن يونس بن بكير
عن ابن مسعود مرفوعا به. وهذا إسناد مظلم، سعيد بن أبي أمية، أورده ابن أبي
حاتم (2 / 1 / 5) فقال: " سعيد بن أبي أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص، روى
عن أبي أمامة الباهلي، روى عنه عنبسة بن أبان القرشي ". ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا. وعلق عليه محققه بقوله: " لم أجد سعيد بن أبي أمية هذا، وستأتي
ترجمة سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وكنيته عمرو بن سعيد أبو أمية، وله
ابن اسمه أمية. فالله أعلم ". وشيخه يونس بن بكير، أظن أنه مقحم هنا من بعض
النساخ، فإنه متأخر عن طبقة التابعين، مات سنة (199) . وللحديث شاهد،
فقال الشافعي (1 / 13 - " ترتيب المسند والسنن ") :(6/866)
أخبرنا عبد العزيز بن
محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره دون قوله: " ولا يحملنكم.. ". سكت عنه مرتبه البنا
كعادته، وهو مرسل جيد الإسناد، والمطلب بن حنطب، نسب إلى جده الأعلى،
فإنه المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب.. المخزومي، وقيل بإسقاط (
المطلب) في نسبه، وقيل: هما اثنان كما في " التهذيب "، وهو تابعي ثقة،
يرسل كثيرا. وللقول المذكور آنفا شاهد من حديث جابر بنحوه. أخرجه ابن حبان
وغيره، وهو مخرج في " الظلال " (420) و " التعليق الرغيب " (3 / 7) .
وبالجملة فالحديث حسن على أقل الأحوال.
2867 - " إنه ليهون علي الموت أن أريتك زوجتي في الجنة. يعني عائشة ".
رواه الحسين المروزي في " زوائد الزهد " (207 / 2) : حدثنا أبو معاوية حدثنا
أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره. ومن هذا الوجه رواه الخلعي في " الفوائد " (2 /
59 / 1) ، ثم من طريق سعيد بن عنبسة قال: حدثنا أبو معاوية عن مسعر عن حماد
به. قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد بن عنبسة، وأظنه
أبا عثمان الخراز الرازي، فقد ذكر ابن أبي حاتم (2 / 1 / 52) أنه روى عن جمع
سماهم من هذه الطبقة، منهم أبو معاوية الضرير، وقال: " سمع منه أبي، ولم
يحدث عنه، وقال: فيه نظر، وقال مرة: كان لا يصدق "(6/867)
ومن هذه الطبقة ما
أورده ابن حبان في الطبقة الرابعة من " الثقات " (8 / 268) : " سعيد بن عنبسة
، يروي عن ابن إدريس والكوفيين، روى عنه محمد بن إبراهيم البوشنجي، ربما
خالف ". قلت: فيحتمل أن يكون هو الرازي، ويحتمل أن يكون غيره، وهو ظاهر
صنيع الحافظ في " اللسان "، فإذا كان غيره فالسند حسن. والله أعلم. ويقويه
أن له طريقا أخرى، فقال أحمد (6 / 138) : حدثنا وكيع عن إسماعيل عن مصعب بن
إسحاق بن طلحة عن عائشة به مختصرا بلفظ: " إنه ليهون علي أني رأيت بياض كف
عائشة في الجنة ". وهذا إسناد جيد لولا جهالة في مصعب هذا، فقد ذكره ابن أبي
حاتم، وابن حبان في " الثقات " في (التابعين) (5 / 412) و (أتباع
التابعين) (7 / 478) من رواية إسماعيل هذا فقط عنه، وهو إسماعيل بن أبي
خالد، وكذلك أورده الحافظ في " التعجيل "، وزاد في الحديث بعد أن عزاه لـ "
المسند ": " يعني الموت "، تفسيرا منه لقوله: " ليهون علي ". ويحتمل أن
يكون ذلك في نسخته من " المسند " وهو بعيد، لأنه ليس في " جامع المسانيد " (
37 / 104 / 3004) . والله أعلم. والحديث أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (
2 / 375) من طريق المعلى بن عبد الرحمن بإسناده عن عائشة بلفظ الترجمة، وقال
: " موضوع بهذا الإسناد، والمعلى متروك الحديث ". وقوله: " بهذا الإسناد "
كأنه يشير إلى الأسانيد المتقدمة، وأنا أرى أن الحديث حسن بمجموع إسنادي أبي
حنيفة وأحمد، والله أعلم.(6/868)
2868 - " إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك ".
رواه الضياء في " المختارة (41 / 1) من طريق أبي داود صاحب " السنن "، وهذا
في " اللباس " منه (4106) عن أبي جميع سالم بن دينار عن ثابت عن أنس: أن
النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد كان قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة
رضي الله عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم
يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى، قال: فذكره. قلت:
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وفي سالم بن دينار كلام لين لا يضر،
وقد وثقه ابن معين وابن حبان (6 / 411) وغيرهما. وفي الحديث دليل واضح على
جواز كشف البنت عن رأسها ورجليها أمام أبيها، بل وغلامها أيضا، ففيه رد
صريح على الأستاذ أبي الأعلى المودودي - رحمه الله - حيث صرح في كتابه " الحجاب
" (ص 289 - 290 - مؤسسة الرسالة) أنه لا يحل للمرأة كشف عورتها - إلا الوجه
والكفين - حتى لأبيها أو عمها أو أخيها أو ابنها! قال: " وحتى للمرأة مثلها "
! وأكد ذلك في مكان آخر (ص 272 - 273) ! وقد كنت رددت عليه في هذه المسألة
في تعقيب نشر في آخر كتابه من الطبعة الأولى بطلب - بل وإلحاح - من القائمين
عليها، لأنني استبعدت موافقة المؤلف على ذلك دون أن يطلع على التعقيب، فقال
وسيطهم: لا عليك، نحن متفقون مع الأستاذ المودودي على موافقته على ما قد يبدو
لنا من تعليق. ولكن ما كاد الكتاب يصل إلى المؤلف حتى سارع بالكتابة إليهم
بأن لا ينشروا الكتاب حتى يأتيهم برده على " التعقيب "، فطبعوا رده في رسالة
صغيرة. وفيها أخطاء(6/869)
جديدة فقهية وحديثية، بينت بعضها في كتابي " جلباب
المرأة المسلمة " (ص 42 - 50 - الطبعة الجديدة) ، وهو كثير التناقض في كتابه
المذكور في وجه المرأة تناقضا يدل على أنه كان غير مطمئن لرأي خاص فيه، وهذا
واضح جدا لمن تتبع كلامه فيه، ولا مجال الآن لبيانه.
2869 - " أهل الجنة أمشاطهم الذهب ومجامرهم الألوة ".
رواه الحميدي في " مسنده " (180 / 1) : حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين،
وهو قطعة من حديث لأبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري (3246) من طريق
أخرى عن أبي الزناد به. وتابعه همام بن منبه عن أبي هريرة به. أخرجه البخاري
(3245) ومسلم (8 / 147) والترمذي (2540) وابن حبان (7393) وأحمد (
2 / 312) وقال الترمذي: " حديث صحيح ". وأنكر هذه الرواية المتعالم المعلق
على الطبعة الثانية من " رياض الصالحين " (643 / 1891 - المكتب الإسلامي)
وفيها زيادة: " لكل واحد منهم زوجتان.. "، فزعم أنها لمسلم دون البخاري!
وتابعه أبو زرعة به. أخرجه البخاري (3327) ومسلم أيضا، وابن حبان (7394)
. وكذا تابعه أبو صالح عنه. رواه مسلم، وأحمد (2 / 231 - 232 و 253) .(6/870)
وعبد الرحمن بن أبي عمرة عنه. رواه البخاري (3254) . وكل هؤلاء رووه عنه
بتمامه. ورواه ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: فذكره مختصرا بلفظ: " أهل الجنة رشحهم المسك، ووقودهم
الألوة ". قال ابن لهيعة: (الألوة) : العود الهندي الجيد. أخرجه أحمد (2
/ 357) . قلت: وابن لهيعة ضعيف، لكن حديثه هذا صحيح، لأن جملة: " رشحهم
المسك " ثابتة في بعض الطرق المتقدمة.
2870 - " أوتيت الكتاب وما يعدله (يعني: ومثله) ، يوشك شبعان على أريكته يقول:
بيننا وبينكم هذا الكتاب، فما كان فيه من حلال أحللناه وما كان [فيه] من
حرام حرمناه، ألا وإنه ليس كذلك. ألا لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار
الأهلي، ولا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها، وأيما رجل أضاف قوما
فلم يقروه فإن له أن يعقبهم بمثل قراه ".
رواه عباس الترقفي في " حديثه " (46 / 1) : حدثنا محمد بن المبارك قال:
حدثني يحيى بن حمزة قال: حدثني محمد بن الوليد الزبيدي عن مروان بن رؤبة أنه
حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معدي كرب الكندي
مرفوعا.(6/871)
وتابعه هشام بن عمار عند الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 283 /
669) وأبو مسهر عند الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 321) كلاهما عن يحيى
بن حمزة به، ولم يذكر الطحاوي: " ولا اللقطة.. " إلخ. وتابع يحيى بن
حمزة محمد بن حرب عن الزبيدي بشطره الثاني: " ألا لا يحل ذو ناب.. ". أخرجه
أبو داود (3804) . قلت: وهذا إسناد حسن بما بعده، رجاله ثقات، إلا أن
مروان بن رؤبة لم يوثقه غير ابن حبان (5 / 425) ، فقال: " كنيته أبو الحصين
، يروي عن واثلة بن الأسقع، عداده في أهل الشام، روى عنه أهلها ". ذكره في (
الطبقة الثانية) يعني التابعين، وأنا في شك كبير في كونه تابعيا، والراجح
أنه من أتباعهم كما حققته في " تيسير الانتفاع " يسر الله لي إتمامه بمنه
وكرمه. وقد تابعه حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف به. أخرجه أبو داود
(4604) وأحمد (4 / 130) والطبراني (20 / 283 / 270) . قلت: وحريز ثقة
ثبت من رجال البخاري، فالسند صحيح. وللنصف الأول منه طريق آخر من رواية
الحسن بن جابر قال: سمعت المقدام بن معدي كرب يقول: حرم رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم خيبر أشياء ثم قال:(6/872)
" يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على
أريكته.. " الحديث نحوه. أخرجه أحمد (4 / 132) . وإسناده حسن في المتابعات
. وللشطر الثاني شاهد من حديث خالد بن الوليد دون جملة الضيافة. أخرجه أبو
داود (3806) وغيره، وفيه لفظ " البغال "، وهو منكر، ولذلك خرجته في "
الضعيفة " (1149) .
2871 - " إن الله يوصيكم بالنساء خيرا، إن الله يوصيكم بالنساء خيرا فإنهن أمهاتكم
وبناتكم وخالاتكم، إن الرجل من أهل الكتاب يتزوج المرأة وما يعلق يداها الخيط
فما يرغب واحد منهما عن صاحبه [حتى يموتا هرما] ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 374 / 648) من طريقين عن محمد بن
حرب عن سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن المقدام بن معدي كرب: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: فذكر
الحديث. وهكذا رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (18 / 45 / 1 - 2) من طريق
داود بن رشيد: أخبرنا محمد بن حرب به، والزيادة له. وزاد أيضا عقبها: قال
أبو سلمة (يعني: سليمان بن سليم) : وحدثت بهذا الحديث العلاء بن سفيان
الغساني، فقال: لقد بلغني: أن من الفواحش التي حرم الله مما بطن، مما لم
يتبين ذكرها في القرآن: أن(6/873)
يتزوج الرجل المرأة، فإذا تقادم صحبتها، وطال
عهدها، ونفضت ما في بطنها، طلقها من غير ريبة. قلت: وهذا إسناد صحيح متصل
عندي كما كنت حققته في " إرواء الغليل " (7 / 42) ، فليراجعه من شاء.
وللجملة الأولى منه طريق أخرى تقدمت برقم (1666) . قوله: (وما يعلق يداها
الخيط) كناية عن صغر سنها وفقرها. في " النهاية ": " قال الحربي: يقول من
صغرها وقلة رفقها، فيصبر عليها حتى يموتا هرما. والمراد حث أصحابه على
الوصية بالنساء، والصبر عليهن. أي أن أهل الكتاب يفعلون ذلك بنسائهم ". قلت
: كان ذلك منهم حين كانوا على خلق وتدين ولو بدين مبدل، أما اليوم فهم
يحرمون ما أحل الله من الطلاق، ويبيحون الزنى بل واللواط علنا!!
2872 - " أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا
يملك ابن آدم " (1) .
رواه أبو داود (3313) والطبراني (1 / 134 / 1) عن يحيى بن أبي كثير قال:
حدثني أبو قلابة قال: حدثني ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم أن ينحر بـ " بوانة "، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: إني نذرت أن أنحر بـ " بوانة "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ "، قال: لا، قال: " فهل كان فيها
عيد من أعيادهم؟ "، قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
_________
(1) من أجل الجملة الأخيرة انظر الحديث المتقدم برقم (2184) والآتي برقم (
3309) ، و " الضعيفة " الحديث رقم (6549) . اهـ.(6/874)
قلت: وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " (ص 186) : " أصل هذا الحديث في
" الصحيحين "، وإسناده كلهم ثقات مشاهير، وهو متصل بلا عنعنة ". وفي "
الصحيحين " الجملة الأخيرة منه، بزيادات أخرى هامة، وهو مخرج في " الإرواء "
(2575) . ولقصة (بوانة) شاهد من حديث ميمونة بنت كردم بن سفيان عن أبيها
نحوه. أخرجه أبو داود (3315) وابن ماجه (2131) وأحمد (3 / 419) ولم
يذكر ابن ماجه أباها. وإسناده حسن في الشواهد، والحديث صحيح بلا ريب.
وفيه من الفقه تحريم الوفاء بنذر المعصية، وأن من ذلك الوفاء بنذر الطاعة في
مكان كان يشرك فيه بالله، أو كان عيدا للكفار، فضلا عن مكان يتعاطى الناس
الشرك فيه، أو المعاصي، وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية القول فيه تفصيلا
رائعا لا تجده عند غيره، فراجعه في " الاقتضاء "، فإنه هام جدا.
2873 - " ألا تدعو له طبيبا ".
رواه ابن الحمامي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " (35 / 1) عن حسان بن
إبراهيم الكرماني عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رسول الله عاد
مريضا فقال: " ألا تدعو له طبيبا؟ ". قالوا: يا رسول الله وأنت تأمرنا
بهذا؟ قال: فقال:(6/875)
" إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه دواء ". قلت:
وهذا إسناد جيد، رجاله رجال الشيخين، على ضعف يسير في الكرماني أشار إليه
الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". ولذلك أورده الذهبي في "
معرفة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " (ص 88) . وللحديث طريق أخرى،
فقال أحمد (5 / 371) : حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن
يساف عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا
به جرح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادعوا له طبيب بني فلان ".
قال: فدعوه، فجاء، فقال: يا رسول الله! ويغني الدواء شيئا؟ فقال: "
سبحان الله! وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء؟ ". قلت:
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل الأنصاري، فلم يسم، لكن
الظاهر أنه صحابي، ولذلك أورد أحمد الحديث تحت عنوان " أحاديث رجال من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم "، والصحابة كلهم عدول عندنا، ولا أستبعد أن يكون
هو جابر بن عبد الله الذي في الإسناد الأول، فإنه من الأنصار. والله أعلم.
والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 84) : " رواه أحمد، ورجاله رجال
الصحيح ".(6/876)
ورواه أبو نعيم في " الطب " (ق 10 / 2) من طريق أخرى عن سفيان به
، لكنه أرسله. وروى له في الباب شاهدا من طريقين عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه
عن أبي هريرة به نحوه. وإسناده صحيح.
2874 - " ألا تسألوني مما ضحكت؟ قلنا: يا رسول الله مما ضحكت؟ قال: رأيت ناسا من
أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل، ما أكرهها (1) إليهم! قلنا: من هم؟ قال
: قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام ".
رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 298) قال: حدثنا أبو بكر محمد بن
أحمد ابن الفضل: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا يزيد بن سنان بمصر
وعباد بن الوليد قالا: حدثنا حبان بن هلال حدثنا مبارك بن فضالة: حدثني كثير
أبو محمد: حدثني أبو الطفيل قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
استغرق (2) ضحكا ثم قال: (الحديث) . قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله
تعالى، إما لذاته، وإما لغيره لما يأتي له من المتابعة والشواهد، فإن
رجاله ثقات مترجمون في " التهذيب " على جهالة في كثير أبي محمد، فقد وثقه ابن
حبان (5 / 332) . وأما عبد الرحمن بن أبي حاتم فثقة حافظ، وهو مؤلف الكتاب
العظيم: " الجرح والتعديل ".
_________
(1) الأصل (يكرهها) ، ولعل الصواب ما أثبته. اهـ.
(2) الأصل: " استغرب ". اهـ.(6/877)
وأما أبو بكر محمد بن أحمد بن الفضل، شيخ أبي
نعيم، وقال فيه: " توفي سنة سبع وثمانين " يعني بعد الثلاثمائة. ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا. ولكنه لم يتفرد به كما يأتي. والحديث أخرجه البزار
في " مسنده " (2 / 289 / 1730) : حدثنا بشر بن سهل حدثنا حبان بن هلال به.
وقال في " المجمع " (5 / 333) : " رواه البزار والطبراني، وفيه بشر بن سهل
كتب عنه أبو حاتم، ثم ضرب على حديثه، وبقية رجاله وثقوا ". وله شاهد من
حديث أبي غالب عن أبي أمامة: استضحك النبي صلى الله عليه وسلم [يوما فقيل له
: يا رسول الله! ما أضحكك؟] قال: " عجبت لأقوام يساقون إلى الجنة في
السلاسل وهم كارهون ". أخرجه أحمد (5 / 249 و 256) والزيادة له، وليس
عنده: " وهم كارهون ". والسياق للطبراني، وقال الهيثمي: " رواه أحمد
والطبراني وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح ". كذا قال، وأبو غالب ليس من
رجال الصحيح، وهو صاحب أبي أمامة، وهو صدوق يخطىء، وقد سقط من إسناد أحمد
الآخر، كما لم يسم الراوي عنه، فإسناده الأول حسن. شاهد آخر: يرويه الفضيل
بن سليمان: حدثنا محمد بن أبي يحيى عن العباس بن سهل ابن سعد الساعدي عن أبيه
قال:(6/878)
كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالخندق، فأخذ الكرزين فحفر به، فصادف
حجرا، فضحك، قيل: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: " ضحكت من ناس يؤتى بهم من
قبل المشرق في النكول يساقون إلى الجنة ". أخرجه أحمد (5 / 338) والسياق له
، والطبراني في " الكبير " (6 / 157 / 5733) وزاد: " وهم كارهون ".
وقال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني، إلا أنه قال: " يؤتى بهم إلى الجنة في
كبول الحديد "، وفي رواية: " يساقون إلى الجنة وهم كارهون "، ورجاله رجال
(الصحيح) غير محمد بن [أبي] يحيى الأسلمي، وهو ثقة ". قلت: وفيه شيئان
: الأول: أن الفضيل بن سليمان وإن كان من رجال الشيخين، صدوقا، فله خطأ
كثير كما في " التقريب ". والآخر: أن رواية " الكبول " عند الطبراني ليس
فيها الأسلمي الثقة، فإنها عنده (6 / 232 / 5955) من طريق أخرى عن الفضيل بن
سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد به نحوه. فأسقط الفضيل من الإسناد محمد بن
أبي يحيى عن العباس بن سهل، وأحل محلهما " أبي حازم "، ولعل ذلك مما يدل
على خطئه وقلة ضبطه، وقوله: " يؤتى بهم من قبل المشرق "، زيادة منكرة لم
تأت في الأحاديث الأخرى، ولذلك خرجتها في " الضعيفة " (4034) .(6/879)
شاهد ثالث:
يرويه عبد الحميد بن صالح: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة قال: استضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " عجبت لأقوام
يقادون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8
/ 307) . قلت: وإسناده جيد. وتابعه كامل أبو العلاء قال: سمعت أبا صالح
به مختصرا بلفظ: " عجب ربنا عز وجل من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل ".
أخرجه أحمد (2 / 448) . وتابعه محمد بن زياد عن أبي هريرة به. أخرجه
البخاري وغيره، وهو مخرج في " ظلال الجنة " (573) و " صحيح أبي داود " (
2401) . وأخرجه البخاري (4557) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه
: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * قال: " خير الناس للناس، تأتون بهم في
السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام ". قلت: وهذا موقوف في حكم
المرفوع، كما يشهد بذلك الطرق السابقة. (تنبيه) : علق الأخ حمدي السلفي على
حديث الفضيل بن سليمان الذي فيه بلفظ الطبراني:(6/880)
" يأتونكم من قبل المشرق ".
فقال: " ورواه أحمد بدون ذكر " كارهون "، وقد أورده شيخنا محمد ناصر الدين
الألباني في " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " (3588) لهذه الزيادة، وقال:
هو صحيح بغير هذا اللفظ ". قلت: وإنما أوردته في " الضعيف " لزيادة جملة "
المشرق "، وليس لزيادة " وهم كارهون "، بل هذه زيادة صحيحة كما يتبين من
الطرق المتقدمة، وقد نبهت على ذلك في " الضعيفة " (4034) ، وهو المصدر
الذي أحلت عليه في بيان الضعف المذكور في تعليقي على " ضعيف الجامع "، لكن
عبارتي فيه كانت موهمة لما قال السلفي، ولذلك عدلتها تعديلا يبين الذي ذكرته
آنفا. على أن الحديث بلفظ: " وهم كارهون " مذكور في " صحيح الجامع " برقم (
3878) بمرتبة (حسن) ، وبعد هذا التخريج عدلته إلى (صحيح) كما هو ظاهر من
مجموع طرقه.
2875 - " إذا أنت بايعت فقل: لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال
فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها ".
أخرجه ابن ماجه (2355) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الأعلى عن
محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان قال: هو جدي منقذ بن عمرو، وكان رجلا
قد أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه، وكان لا يدع على ذلك التجارة، وكان لا
يزال يغبن، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات على الخلاف المعروف في ابن إسحاق،(6/881)
والراجح
أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، وقد ثبت تصريحه به كما يأتي في غير ما
رواية عنه. ومحمد بن يحيى بن حبان تابعي ثقة من رجال الشيخين، وظاهره أنه
أرسله، لكنه قد ثبت موصولا، بذكر ابن عمر فيه، فقد أخرجه ابن أبي شيبة في "
المصنف " (14 / 228 / 18177) : حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق عن
محمد بن يحيى بن حبان قال: إنما جعل ابن الزبير عهدة الرفيق ثلاثة، لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن عمرو: " لا خلابة، إذا بعت بيعا فأنت
بالخيار ثلاثا ". وأخرجه الدارقطني في " سننه " (3 / 55 / 220) من طريق
محمد بن عمرو بن العباس الباهلي أخبرنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق أخبرنا
نافع أن عبد الله بن عمر حدثه: " أن رجلا من الأنصار كان بلسانه لوثة، وكان
لا يزال يغبن في البيع، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال
: " إذا بعت فقل: لا خلابة (مرتين) ". قال محمد: وحدثني محمد بن يحيى بن
حبان قال: هو جدي.. ". قلت: فذكره مثل رواية ابن ماجه، وزاد: " وقد كان
عمر عمرا طويلا، عاش ثلاثين ومائة سنة، وكان في زمن عثمان رضي الله عنه حين
فشا الناس وكثروا، يتبايع البيع في السوق، ويرجع به إلى أهله وقد غبن غبنا
قبيحا، فيلومونه، ويقولون: لم تبتاع؟! فيقول: أنا بالخيار إن رضيت أخذت،
وإن سخطت ترددت، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثا،
فيرد السلعة على صاحبها من الغد، وبعد الغد، فيقول (1) : والله لا أقبلها،
قد أخذت سلعتي وأعطيتني دراهم، قال: يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد جعلني بالخيار ثلاثا،
_________
(1) أي: صاحب السلعة. اهـ.(6/882)
فكان يمر الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيقول للتاجر: ويحك إنه قد صدق، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان
جعله بالخيار ثلاثا. قال: وأخبرنا محمد بن إسحاق أخبرنا محمد بن يحيى بن
حبان قال: ما علمت ابن الزبير ... ". قلت: فذكر الحديث كما تقدم نقلي إياه
عن " المصنف ". وأخرجه البيهقي في " سننه " (5 / 273) من طريق يونس: حدثنا
محمد بن إسحاق: حدثني نافع عن ابن عمر قال: سمعت رجلا من الأنصار كانت بلسانه
لوثة.. الحديث مثل رواية الدارقطني دون ما في آخرها من الرواية عن ابن الزبير
، لكن فيه ما في حديث الترجمة من التخيير ثلاث ليال، وفيه: " فيرجع إلى بيعه
فيقول: خذ سلعتك ورد دراهمي، فيقول: لا أفعل، قد رضيت فذهبت به، حتى يمر
به الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ". ورواه سفيان: حدثني
ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر به مختصرا دون الزيادة، وفيه قول ابن عمر: "
فكنت أسمعه يقول: لا خذابة لا خذابة! وكان يشتري الشيء فيجيء به أهله
فيقولون: هذا غال، فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرني في بيعي "
أخرجه الدارقطني، والحاكم (2 / 22) والبيهقي، وابن الجارود (567) .
وقال أحمد (2 / 129) : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني نافع به دون
قوله: " وكان يشتري الشيء.. ". وبالجملة، فالحديث حسن لتصريح ابن إسحاق
بالتحديث في كثير من هذه(6/883)
الروايات الثابتة عنه. وإعلال البوصيري إياه بعنعنة
ابن إسحاق، إنما كان منه وقوفا عند رواية ابن ماجه، مع كونها مرسلة، وقد
أورده السيوطي في " الزيادة " من رواية ابن ماجه والبيهقي مرسلا. وقد انجبر
الإرسال بمجيئه موصولا من طريق نافع عن ابن عمر كما تقدم. والله أعلم.
وللحديث شاهدان مختصران: أحدهما من حديث ابن عمر، عند الشيخين وغيرهما.
والآخر: من حديث أنس. رواه أصحاب السنن وغيرهم، وصححه ابن حبان (5027
و5028 - الإحسان) وابن الجارود (568) وهما مخرجان في " أحاديث البيوع "،
وليس فيهما التخيير ثلاثة، فالعمدة فيه على مرسل ابن حبان، ومسند ابن عمر،
فهو بهما صحيح، ولعل هذا هو ملحظ الحافظ في سكوته عليه، بل واحتجاجه به في
" الفتح " (4 / 337) وفي تثبيت صديق حسن خان للحديث في " الروضة الندية " (
2 / 121) وهو الحق الذي لا ريب فيه، ومن ضعفه أو أعله، فلم يتتبع طرقه
وألفاظه. وفي الحديث إثبات الخيار ثلاثة أيام لمن يخدع، وفي المسألة خلاف
بين العلماء وتفصيل يراجع في " الفتح " وغيره من المطولات.
2876 - " في كل ركعتين تشهد وتسليم على المرسلين وعلى من تبعهم من عباد الله
الصالحين ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (23 / 367 / 869) من طريق أبي همام
الخاركي: حدثني عدي بن أبي عدي عن علي بن زيد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا حديث حسن، رجاله ثقات
على ضعف في علي بن زيد، وهو(6/884)
ابن جدعان، وقال الهيثمي في " المجمع " (2 /
139) : " واختلف في الاحتجاج به، وقد وثق ". قلت: فمثله يستشهد بحديثه،
ولذلك حسنت حديثه هذا لأن له شاهدا من حديث علي رضي الله عنه، سبق تخريجه
برقم (237) . وأم الحسن - وهو البصري - اسمها (خيرة) ، وهي ثقة كما في "
ثقات ابن حبان " (4 / 216) وقول الحافظ فيها: " مقبولة " تقصير منه غير
مقبول، فقد روى عنها جمع من الثقات، مع كونها تابعية. وعدي بن أبي عدي هو
الكندي. قال ابن حبان في " ثقات التابعين " (5 / 270) : " واسم أبي عدي:
فروة، يروي عن أبيه، ويقال: إن له صحبة. روى عنه عيسى ابن عاصم. مات سنة
ست وعشرين ومائة ". وهو مترجم في " التهذيب ". وأبو همام الخاركي (الأصل
: الخارجي، وهو تصحيف) اسمه الصلت بن محمد، وهو ثقة من رجال البخاري،
وقد صرح بسماعه من عدي، فلا أدري إذا كان ذلك محفوظا أم لا، فإن صنيعهم في
ترجمته يشعر بأنه متأخر عن هذه الطبقة، فأورده ابن حبان (8 / 324) فيمن روى
عن (أتباع التابعين) وليس في (أتباعهم) ! والله أعلم.
2877 - " كن مع صاحب البلاء تواضعا لربك وإيمانا ".
أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (2 / 379) : حدثنا علي بن زيد قال:
حدثنا موسى بن داود قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن أبي(6/885)
مسلم
الخولاني عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت
: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن زيد، وهو ابن عبد الله
أبو الحسن الفرائضي، قال الخطيب في " تاريخ بغداد " (11 / 427) : " من أهل (
طرسوس) ، قدم (سر من رأى) وحدث بها عن موسى بن داود الضبي و.. و.. قال
ابن يونس المصري: تكلموا فيه ". وكذا في " اللسان "، إلا أنه وقع فيه: "
قدم مصر.. "، وزاد: " وقال مسلمة بن قاسم: ثقة. توفي سنة ثلاث وستين
ومائتين ". (تنبيه) : كذا وقع الحديث في " الشرح " (كن) ، ووقع في "
الجامع الصغير " و " الكبير " أيضا (16760) : (كل) ، فلا أدري أيهما الصواب
، والثاني في المعنى أخص من الأول، وقد روي ذلك في حديث آخر من مسند جابر
بلفظ: " كل باسم الله، ثقة بالله، وتوكلا على الله ". وإسناده ضعيف كما
كنت بينته في " الضعيفة " (1144) ، فإن صح حديث الترجمة باللفظ الثاني، فهو
شاهد قوي لحديث جابر، فينقل حينئذ إلى " سلسلة الأحاديث الصحيحة " من جهة،
وإلى " صحيح الجامع " من جهة أخرى، فإنه حتى الآن في " ضعيف الجامع " (4200)
، كما كنت أوردت فيه (4203) حديث أبي ذر باللفظ الثاني لعدم وقوفي يومئذ على
إسناده حسب الشرط الذي كنت ذكرته في المقدمة، فإن صح نقل أيضا إلى " الصحيح "
في الطبعة القادمة منه إن شاء الله تعالى. (تنبيه آخر) : لم يتكلم المناوي
على إسناد هذا الحديث بشيء، والظاهر أنه لم يقف عليه، ويؤيده أنه فسر عزو
السيوطي إياه لـ (الطحاوي) بقوله: " في(6/886)
مسنده "، وقلدته اللجنة القائمة
على نشر " الجامع الكبير " كما هي عادتهم، وكل ذلك خطأ، لأن الطحاوي رحمه
الله ليس له كتاب يعرف بهذا الاسم " المسند ". والله أعلم.
2878 - " سموه بأحب الأسماء إلي حمزة بن عبد المطلب ".
أخرجه الحاكم (3 / 196) من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب: حدثنا سفيان بن
عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: ولد لرجل منا غلام،
فقالوا: ما نسميه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح
الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: يعقوب ضعيف ". كذا قال، والرجل
مختلف فيه كما تراه في " تهذيب التهذيب "، ولخص ذلك في " التقريب "، فقال:
" صدوق ربما وهم ". وحكى الذهبي نفسه في " الكاشف " شيئا من ذلك الاختلاف،
وقال: " وقال البخاري: لم نر إلا خيرا (وفي " التهذيب ": لم يزل خيرا) ،
هو في الأصل صدوق ". ولذلك أورده الذهبي في كتابه: " معرفة الرواة المتكلم
فيهم بما لا يوجب الرد " (ص 191) ورمز له فيه بـ (م) ، وأظنه خطأ مطبعيا
لمخالفته لجميع المصادر التي ترجمت له، ومنها " الكاشف "، فإنه لم يرمز له
فيها إلا بـ (عخ، ق) . ثم إنه قد توبع، فأخرجه الحاكم أيضا من طريق يوسف بن
سلمان المازني: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، سمع رجلا بالمدينة
يقول:(6/887)
جاء جدي بأبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا ولدي فما
أسميه؟ قال: " سمه بأحب الناس إلي حمزة بن عبد المطلب ". وأعله الحاكم
بقوله: " قد قصر هذا الراوي المجهول برواية الحديث عن ابن عيينة، والقول فيه
قول يعقوب بن حميد، وقد كان أبو أحمد الحافظ يناظرني: أن البخاري قد روى عنه
في " الجامع الصحيح "، وكنت آبى عليه ". قلت: قد ذكر الحافظ في " التهذيب "
منشأ الخلاف الذي أشار إليه الحاكم، ومال إلى موافقة أبي أحمد الحافظ (وهو
الحاكم صاحب كتاب الكنى) وسبقه إلى ذلك الذهبي في " الكاشف ". وسواء صح هذا
أو ذاك فالرجل وسط، يحتج بحديثه. لكن يبقى النظر في يوسف بن سلمان الذي خالفه
في إسناده ومتنه. أما السند فهو أنه قال مكان (جابر) : ".. رجلا.. جاء
جدي بأبي "، وأما المتن فقوله: (الناس) مكان (الأسماء) . ولعل هذا هو
الأرجح، لأنه جاء في " الصحيحين ": " أحب الناس إلي عائشة، ومن الرجال
أبوها "، وما خالفه من الأحاديث فيه ضعف كما بينته في " الضعيفة " (1844
و1843) . ويوسف هذا قد روى عنه جماعة من الحفاظ كالترمذي والنسائي وابن
خزيمة وغيرهم، ووثقه ابن حبان ومسلمة، وقال النسائي: لا بأس به، فلا
وجه لتجهيل الحاكم إياه، ولاسيما وهو يوثق من دونه شهرة بكثير! هذا،
وقوله: " بأحب الأسماء إلي " كان قبل أن يوحى إليه بحديث " أحب الأسماء إلى
الله عبد الله، وعبد الرحمن ". وتقدم (904 و 1040) و " الإرواء " (1176) .(6/888)
2879 - " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله! هذا خير، فمن كان
من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد
ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب
الريان. قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله! ما على أحد يدعى من تلك الأبواب
من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون
منهم ".
أخرجه البخاري (1897 و 2841 و 3216 و 3666) ومسلم (3 / 91) والترمذي (
3675) وصححه، والنسائي (1 / 312 و 332 - 333 و 2 / 58) وابن حبان (1 /
263 / 308) ومالك في " الموطأ " (2 / 24 - 25) من طريق حميد بن عبد الرحمن
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه مسلم
من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأحمد (2 / 366) من طريق أبي صالح،
كلاهما عن أبي هريرة به مختصرا بلفظ: " من أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه
خزنة الجنة كل خزنة باب: أي فل! هلم ". فقال أبو بكر: " يا رسول الله! ذلك
الذي لا توى عليه ". زاد أبو سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني
لأرجو أن تكون منهم ". وله شاهد مختصر من حديث أبي ذر مرفوعا بالشطر الأول
منه دون قوله: " يا عبد الله ... " إلخ.(6/889)
أخرجه الدارمي (2 / 204) وأحمد (
5 / 151 و 153 و 159 و 164) وزاد في رواية: قلنا: ما هذان الزوجان؟ قال:
إن كانت رجالا، فرجلان، وإن كانت خيلا ففرسان، وإن كانت إبلا فبعيران،
حتى عد أصناف المال. وإسناده صحيح. وقال الدارمي عقبه: " هو درهمين، أو
أمتين، أو عبدين، أو دابتين ". قوله: (لا توى عليه) : أي لا ضياع ولا
خسارة، وهو من التوى: الهلاك.
2880 - " من قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر غرس الله بكل
واحدة منهن شجرة في الجنة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 235 / 1 / 8640) وفي " الدعاء " (3 /
1558 / 1676) من طريق علي بن عثمان اللاحقي قال: حدثنا عمران بن عبيد الله
مولى عبيد الصيد قال: سمعت الحكم بن أبان يحدث عن عكرمة عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " تفرد به علي بن عثمان "
. قلت: وهو ثقة كما في " اللسان "، والعلة من شيخه عمران، ضعفه ابن معين
والبخاري كما يأتي، ووثقه ابن حبان (8 / 497) ولذا قال الهيثمي (10 / 91)
: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله وثقوا ". يشير بقوله: " وثقوا "
إلى ضعف توثيق أحد رجاله، وهو عمران هذا، وكذلك فعل المنذري، فإنه قال في
" الترغيب " (2 / 245) :(6/890)
" رواه الطبراني، وإسناده حسن لا بأس به في
المتابعات ". وهو كما قال أو أعلى، فإن له شواهد حسن أحدها المنذري، وصححه
الحاكم، ووافقه الذهبي، كما في تعليقي على " الترغيب " (2 / 244) وهو عن
أبي هريرة والحديث رواه إسحاق بن أبي إسرائيل أيضا عن عمران، علقه البخاري في
" التاريخ " (3 / 2 / 427) في ترجمة عمران بن عبيد الله هذا، وقال: " فيه
نظر ". ثم إن للحديث شاهدا آخر من حديث جابر مختصرا، وقد سبق تخريجه برقم (
64) . ولحديث أبي هريرة طريق آخر، رواه البزار (3078 - كشف الأستار) من
طريق حميد مولى علقمة: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مثله. وقال: "
لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وحميد لا نعلم روى عنه إلا زيد
بن الحباب "! قلت: ولذلك قال الحافظ فيه: " مجهول ". قلت: ومع ذلك فقد
حسن له الترمذي حديث: " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا.. ". وقد مضى تخريجه
(2562) . (تنبيه) : وقع في " دعاء الطبراني ": (عمران بن عبيد مولى عبيد
الصيد) فلم يعرفه المعلق عليه، فقال: " لم أقف على ترجمته، وبقية رجاله
حسن "!(6/891)
2881 - " من تداوى بحرام لم يجعل الله له فيه شفاء ".
أخرجه أبو نعيم في " الطب " (ق 14 / 2) عن إبراهيم بن أيوب عن النعمان عن عبد
الحكم قال: سمعت ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:.. فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، إبراهيم بن أيوب هو الفرساني
الأصبهاني، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: " لا أعرفه ". وذكره أبو العرب في "
الضعفاء " كما في " الميزان ". والنعمان هو ابن عبد السلام الأصبهاني، وهو
ثقة فقيه. لكن شيخه عبد الحكم لم أعرفه. لكن ذكر له أبو نعيم شاهدا من رواية
يونس بن محمد: حدثنا الهياج أو الصباح بن عبد الله حدثنا غالب القطان عن ابن
سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أصابه شيء من
الأدواء فلا يفزعن إلى شيء مما حرم الله، فإن الله لم يجعل في شيء مما حرم
شفاء ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير الهياج - هكذا ظهر لي من
النسخة المصورة ولم أعرفه، أما إن كان: الصباح بن عبد الله، فالظاهر أنه
العبدي المترجم في " التهذيب " برواية موسى بن إسماعيل التبوذكي عنه. قال ابن
معين: ثقة. وقال أبو حاتم: مجهول. وذكره ابن حبان في " الثقات " - لكن من
دونه أحمد بن إسحاق شيخ أبي نعيم لم أعرفه، واثنان فوقه لم أعرفهما لغموض
صورة أسمائهما.(6/892)
وله شاهد ثان من حديث أم سلمة مرفوعا، ثالث موقوف على ابن
مسعود سبق تخريجهما تحت الحديث (1633) ، والموقوف صحيح الإسناد، والذي
قبله يحتمل التحسين، فإنه ليس في رجاله إلا ثقة، إلا أن حسان بن مخارق لم
يوثقه غير ابن حبان (4 / 163 و 6 / 223) وقد روى عنه ثقتان مع تابعيته، على
ما ترجح عندي في " تيسير الانتفاع ". ولما تقدم فقد ترجح لدي أن الحديث
بمجموع هذه الطرق حسن على أقل تقدير، ولاسيما وقد ثبت النهي عن التداوي
بالحرام والدواء الخبيث كما بينته في المكان المشار إليه آنفا. والله أعلم.
(تنبيه) حديث ابن سيرين عن أبي هريرة المتقدم من رواية أبي نعيم، قد عزاه
إليه السيوطي في " الجامع الكبير " عن ابن سيرين مرسلا لم يذكر أبا هريرة، فلا
أدري إذا كان وصله عنه سقط من نسخة " الطب " التي نقل عنها السيوطي، أم هو
زيادة من بعض النساخ في نسختنا. والله أعلم.
2882 - " من ضم يتيما له أو لغيره حتى يغنيه الله عنه وجبت له الجنة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 26 / 1 / 5477) : حدثنا محمد بن أحمد بن
أبي خيثمة قال: حدثنا القاسم بن سعيد عن المسيب بن شريك قال: حدثنا الهيثم
أبو (الأصل: ابن) سعيد قال: حدثنا عبد الله بن تميم بن طرفة عن أبيه عن
عدي بن حاتم مرفوعا. وقال: " لم يسند عبد الله بن تميم بن طرفة حديثا غير
هذا، ولا يروى عن عدي إلا بهذا الإسناد، تفرد به القاسم بن سعيد عن المسيب
بن شريك ".(6/893)
قلت: وهذا متروك، وبه أعله الهيثمي (8 / 162) . والراوي عنه
القاسم بن سعيد لم أجد له ترجمة، ومثله عبد الله بن تميم، وقد ذكره المزي
في الرواة عن أبيه مصغرا: " عبيد الله "، وأشار إلى عدم صحة السند بذلك إليه
بقوله: " إن كان محفوظا ". وأما الهيثم أبو سعيد فقد ذكره البخاري وابن أبي
حاتم في كتابيهما بروايته عن غالب القطان، ولم يذكرا عنه راويا، وأفادا أنه
بصري. فالإسناد مع ذاك المتروك مجهول. وقد روى طرفه الأول سفيان عن أبي
الحويرث عن رجل من جهينة مرفوعا به، وتمامه: " فاتقى الله فيه وأصلح كان
كالمجاهد في سبيل الله القائم ليله لا يرقد، والصائم نهاره لا يفطر ". أخرجه
ابن منده في " المعرفة " (2 / 278 / 2) . قلت: وأبو الحويرث هذا اسمه عبد
الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري، وهو ضعيف لسوء حفظه. وأخرج ابن
المبارك في " الزهد " (185 / 2 - الكواكب 575) : حدثنا سفيان عن علي ابن زيد
عن زرارة بن أبي أوفى عن مالك بن عمرو، أو عمرو بن مالك مرفوعا بلفظ: " من ضم
يتيما بين أبوين مسلمين حتى يستغني، فقد وجبت له الجنة البتة ".(6/894)
وأخرجه أحمد
(4 / 344) من طريق أخرى عن سفيان، وعن هشيم عن علي بن زيد به، وكذلك
أخرجه أحمد في مكان آخر (5 / 29) والطبراني في " المعجم الكبير " (19 / 667
- 670) من طرق أخرى عن علي بن زيد به. وعلي بن زيد هو ابن جدعان، وهو ضعيف
، ويقول الهيثمي فيه هنا في هذا الحديث (8 / 161) : " وهو حسن الحديث ".
وقال في رواية الطبراني: " وهو حسن الإسناد ". وأقول: إن وجد له شاهد معتبر
بهذه الزيادة " البتة " فهو حسن، وإلا فلا. نعم هو حسن أو أعلى بالشاهد الذي
رواه محمد بن عمرو عن صفوان بن سليم عن أم سعد بنت عمرو الجمحية قالت: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كفل يتيما له أو لغيره من الناس كنت
أنا وهو في الجنة كهاتين ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (25 / 98 /
255 - 256) ورجاله ثقات كما قال الهيثمي (8 / 163) ، فهو حسن لولا أن في
إسناده اختلافا بينه الحافظ في ترجمة مرة بن عمرو من " الإصابة "، ولكن ذلك
لا يمنع من الاستشهاد به، وقد أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (133)
مختصرا، وكذلك رواه في " صحيحه "، وقد مضى تخريجه برقم (800) . لكن
للحديث شاهد قوي رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: " كافل اليتيم له أو لغيره
أنا وهو كهاتين في الجنة ". وأشار مالك بالسبابة والوسطى.(6/895)
وقد سبق تخريجه
أيضا برقم (962) . وجملة القول أن الحديث صحيح بمجموع شواهده، وبخاصة هذا
الأخير منها. والله تعالى أعلم. ويشهد له أيضا حديث ليث عن محمد بن المنكدر
عن أم درة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أنا
وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة، والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد
في سبيل الله ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 291 / 2 / 4878)
عن سهل بن عثمان قال: حدثنا حفص بن غياث عنه. وقال: " لم يروه عن محمد بن
المنكدر إلا ليث، ولا عن ليث إلا حفص، تفرد به سهل بن عثمان "! كذا قال!
ويرده قول أبي يعلى في " مسنده " (8 / 280 / 4866) : حدثنا عبد الرحمن ابن
صالح الأزدي حدثنا حفص بن غياث به، إلا أنه لم يذكر: " له أو لغيره ". فقد
تابع سهلا عبد الرحمن بن صالح. ولا يقال: لعله - أعني الطبراني - أراد
بالنفي المذكور الحديث بهذه الزيادة، لأن ذلك ليس من عادتهم، كما يعلم ذلك من
يقف على كلامهم. ثم إن أبا يعلى زاد في آخر الحديث: ".. والصائم القائم لا
يفتر ". ويشهد لهذه الزيادة حديث أبي هريرة المذكور آنفا عند مسلم في رواية
له بلفظ:(6/896)
" الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال
: وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر ". ورواه البخاري أيضا (5353
و6006 و 6007) ولم يقل: " وأحسبه " في رواية. ورواه ابن حبان في " صحيحه "
(2431) بالرواية الأولى، وذكره الهيثمي في " زوائد ابن حبان " (2047) ،
فوهم.
2883 - " ألا عدلت بينهما. يعني ابنه وبنته في تقبيلهما ".
أخرجه البزار في " مسنده " (2 / 378 / 1893) عن عبد الله بن موسى، وابن
الأعرابي في " معجمه " (ق 182 / 1) وأبو القاسم الهمداني في " الفوائد " (1
/ 3 / 2) كلاهما من طريق عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري عن
أنس قال: كان رجل جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه ابن له فأخذه
فقبله ثم أجلسه في حجره، وجاءت ابنة له، فأخذها إلى جنبه، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: فذكره. وقال البزار: " لا نعلم رواه عن معمر إلا عبد الله
، وكان صنعانيا تحول إلى مكة ". قلت: وقع في " كشف الأستار " (عبد الله بن
موسى) ، وأنا أظن أن (موسى) محرف (معاذ) ، وهذا هو الصواب، كما وقع في
المصدرين الآخرين، وهو ثقة، ومن فوقه ثقات كذلك، فالسند صحيح. وقال
الهيثمي في " المجمع " (8 / 156) : " رواه البزار فقال: حدثنا بعض أصحابنا -
ولم يسمه - وبقية رجاله ثقات ". قلت: هو متابع في المصدرين الآخرين من
راويين اثنين:(6/897)
أحدهما: محمد بن عباد المكي، وهو صدوق يهم من رجال الشيخين،
بل من شيوخهما والآخر: سويد بن سكين، ولم أعرفه.
2884 - " أي ذلك عليك أيسر فافعل. يعني إفطار رمضان أو صيامه في السفر ".
أخرجه تمام في " الفوائد " (ق 161 / 1) : أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن
فضالة ابن غيلان بن الحسين السوسي الحمصي الصفار: حدثنا أبو عبد الله بحر بن
نصر حدثنا ابن وهب حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمران ابن أبي أنس
حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن حمزة بن عمرو: أنه سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن الصيام في السفر؟ فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح
رجاله ثقات من رجال " التهذيب " غير السوسي هذا، ترجمه ابن عساكر في " تاريخ
دمشق " (2 / 213) برواية جمع عنه، وروى عن أبي سعيد بن يونس أنه قال فيه:
" توفي سنة (339) وكان ثقة، وكانت كتبه جيادا ". وابن لهيعة في حفظه ضعف
إلا في رواية العبادلة عنه، فإنها صحيحة، وهذه منها كما ترى. وللحديث طرق
أخرى عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه بألفاظ أخرى. أحدها في " صحيح مسلم " وهي
مخرجة في " الإرواء " (926) . وإنما آثرت تخريج هذا اللفظ هنا لعزة مصدره
أولا، ولتضمنه سبب ترخيصه صلى الله عليه وسلم وتخييره للمسافر بالصوم أو
الإفطار ثانيا، وهو التيسير، والناس يختلفون في(6/898)
ذلك كل الاختلاف كما هو
مشاهد ومعلوم من تباين قدراتهم وطبائعهم، فبعضهم الأيسر له أن يصوم مع الناس
، ولا يقضي حين يكونون مفطرين، وبعضهم لا يهمه ذلك فيفطر ترخصا ثم يقضي،
فصلى الله على النبي الأمي الذي أنزل عليه: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد
بكم العسر) *.
2885 - " إن شر الرعاء الحطمة ".
أخرجه مسلم (6 / 9 - 10) وأبو عوانة (4 / 424) وابن حبان (7 / 22 / 4494
) والبيهقي في " السنن الكبرى " (8 / 161) وأحمد (5 / 64) والروياني في
" مسنده " (ق 153 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (18 / 17 / 26)
والدولابي في " الكنى " (1 / 93) من طرق عن جرير بن حازم: حدثنا الحسن أن
عائذ بن عمرو - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد
الله بن زياد فقال: أي بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (
فذكره) فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم! فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم،
وفي غيرهم! وتابعه شعبة عن يونس عن الحسن: أن عائذ بن عمرو قال لزياد: كان
يقال لنا: " شر الرعاء الحطمة ".. إلخ. قلت: لكن الحسن - وهو البصري -
كثير الإرسال والتدليس، وقوله: " أن عائذ ابن عمرو.. " صورته صورة المرسل
، وما وجدت له سماعا منه ولو في غير هذا الحديث، ولو ثبت له ذلك، فذلك مما
لا يستلزم ثبوت اتصال هذا لكون الحسن مدلسا، ومثله لا يقبل حديثه إلا إذا صرح
بالتحديث، وهذا ما لم نجده كما تقدم.(6/899)
بل رأيت علي بن المديني - شيخ البخاري
- ينفي في رسالته " علل الحديث ومعرفة الرجال " (ص 69) سماعه منه، فقال:
" ما أراه سمع منه شيئا ". ونقله عنه العلائي في " مراسيله " (ص 197)
وأقره. لكني وجدت للحديث شاهدا من رواية إسحاق بن سعيد: حدثنا عبد الكريم عن
الحسن عن أنس مرفوعا بلفظ: " إن شر الولاة الحطمة ". أخرجه البزار (2 / 238
/ 1604) وقال: " لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا عبد الكريم، وهو بصري،
وروي عن غير أنس، رواه أبو برزة وعائذ بن عمرو ". قلت: وعبد الكريم هذا
يحتمل أنه ابن أبي أمية، وبه جزم الهيثمي (5 / 239 - 240) وقال: " وهو
ضعيف ". ويحتمل أنه غيره، فإن ابن أبي حاتم في " الجرح " بعد أن ذكر في
ترجمة ابن أبي أمية الحسن البصري قال (3 / 1 / 61) : " عبد الكريم، روى عن
الحسن، سمع منه محمد بن سلام. قال أبي: مجهول "، وكذا في " الميزان " و "
اللسان ". فالله أعلم أيهما هو؟ فإنه لم يذكر في ترجمتهما راوي الحديث عنه
هنا: إسحاق ابن سعيد، وهو القرشي الأموي الكوفي، يحتمل أنهما واحد.(6/900)
وأي
ذلك كان، فالحسن هو البصري المذكور في حديث عائذ، وقد عرفت آنفا أنه يرسل
ويدلس، لكنهم قد صرحوا بصحة سماعه من أنس بن مالك، لو أنه صرح هنا بالتحديث،
وصح السند إليه. لكن يبدو أن الحديث كان معروفا عند السلف، فقد جزم البزار -
كما رأيت آنفا - أنه رواه أبو برزة أيضا. ويؤيده أن الإمام الأوزاعي جزم
بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سلامه على أبي جعفر العباسي
بالخلافة، ووعظه إياه، في قصة طويلة رواها محمد بن مصعب القرقساني عنه.
أخرجها أبو نعيم في " الحلية " (6 / 136 - 140) . وبالجملة، فالحديث بهذه
الشواهد اطمأنت النفس لثبوته، مع تصحيح الأئمة الثلاثة إياه: مسلم، وأبو
عوانة، وابن حبان. واعلم أن الحديث أورده النووي في " رياض الصالحين " في
موضعين منه، ذكره في الأول منهما (رقم 197) بتمامه معزوا لمسلم، وفي الآخر
(661) دون قول ابن زياد: " اجلس.. " إلخ، وقال: " متفق عليه ". وهو
وهم لا ندري من الناسخ هو أو من المؤلف. وقد نبه عليه صاحب المكتب الإسلامي
في طبعته الجديدة لـ " الرياض " لسنة (1412) التي زينها بتصديرها بصفحتين
مصورتين من مخطوطتين للكتاب زعم أنه رجع إليهما، يعني للتحقيق، ولا أثر لذلك
في طبعته هذه، وإلا فهذا هو المكان المناسب ليثبت للقراء زعمه المذكور بأن
يبين ما في المخطوطتين حول هذا الوهم. وتلك شنشنة نعرفها من أخزم فهو كثيرا
ما يزين مطبوعاته ببعض الصفحات المصورة من مخطوطات يدعي أنها في مكتبته 0 وقد
تكون مصورات - يوهم القراء بأنه رجع إليها في التحقيق، وليس الأمر كذلك،
وأوضح مثال على ذلك طبعه أخيرا السنن الأربعة التي كنت ميزت صحيحها من ضعيفها
فقدمت إليه فطبعها طبعات تجارية ظاهرة، وقسم كل كتاب(6/901)
منها إلى قسمين: "
الصحيح " و " الضعيف "، فخلط في ذلك خلطا عجيبا لأن ذلك ليس من علمه، ولا
أقول من اختصاصه، فجعل في " الصحيح " ما ينبغي أن يكون في " الضعيف "، وعلى
العكس، ولبيان هذا مجال آخر، والشاهد هنا أنه زين هذه الكتب بصور صفحات من
مخطوطات السنن، كأنه كلف أن يقوم بطباعتها من جديد محققة على المخطوطات،
وإنما كلف بطبع التصحيح والتضعيف الذي قمت به على السنن! ولكنه التشبع بما لم
يعط! ثم إن المحقق الجديد المدعو بـ (حسان عبد المنان) لكتاب " رياض
الصالحين " قد حذف الحديث من المكان الأول منه - وهو الأتم فائدة - واقتصر
على إيراده إياه في الموضع الآخر منه، وحذف منه قوله: " متفق عليه ". دون
أي بيان منه هل كان الحذف عن رأي منه، أم عن تحقيق وقع له برجوعه إلى بعض
المخطوطات، وهذا مما لم يعن به، ولم يدعه - والحمد لله - كما فعل غيره.
ثم إن الظاهر أنه لم ينتبه للإرسال الذي فيه أو الانقطاع، وإلا لسارع إلى
التشبث به لتضعيف الحديث كما فعل بغيره مما رواه البخاري ومسلم، فضلا عما
رواه غيرهما من أصحاب السنن، وقدمت نماذج كثيرة منها في الاستدراكات التي
ألحقتها بالمجلد الثاني من " الصحيحة " الطبعة الجديدة. والله المستعان. (
الرعاء) : جمع (راع) . (الحطمة) : هو العنيف برعاية الإبل في السوق
والإيراد والإصدار، ويلقي بعضها على بعض، ويعسفها، ضربه مثلا لوالي السوء
. كما في " النهاية ".
2886 - " اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2427) وابن السني (351) والضياء(6/902)
في "
المختارة " (1683 و 1684) وأبو نعيم في " أخبار أصفهان " (2 / 305)
والأصبهاني في " الترغيب " (131 / 1) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط
مسلم.
2887 - " اجلسي لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة ".
أخرجه ابن سعد (8 / 225 - 226) : أخبرنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا
حميد بن عبد الرحمن الرواس عن حسن بن صالح عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو عن
أم كبشة امرأة من قضاعة: أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تغزو
معه؟ فقال: لا، فقالت: يا رسول الله إني أداوي الجريح، وأقوم على المريض
، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. الحديث. قلت: وهذا إسناد
صحيح على شرط مسلم إلى أم كبشة، لكن أم كبشة هذه ذكرها ابن أبي عاصم " في
الوحدان " (6 / 242) والطبراني من طريق ابن أبي شيبة كما تقدم برقم (2740)
، متعقبا الحافظ في إعلاله إياه بالإرسال، وذكرت له شاهدا يزداد به قوة.
ولقد قدر إعادة تخريجه باللفظ المذكور أعلاه للفائدة الآتية: قلت: وفي قبول
خبر " الوحدان " من الصحابة - وهم الذين لم يرو عنهم غير واحد من التابعين -
خلاف عند المحدثين، قال الحافظ في " الإصابة " (1 / 15) : " ثم من لم يعرف
حاله إلا من جهة نفسه فمقتضى كلام الآمدي الذي سبق ومن تبعه أنه لا تثبت صحبته
، ونقل أبو الحسن بن القطان فيه الخلاف، ورجح عدم الثبوت، وأما ابن عبد
البر فجزم بالقبول بناء على أن الظاهر سلامته(6/903)
من الجرح، وقوى ذلك بتصرف أئمة
الحديث في تخريجهم أحاديث هذا الضرب في مسانيدهم، ولا ريب في انحطاط رتبة من
هذا سبيله عن من مضى، ومن صور هذا الضرب أن يقول التابعي: " أخبرني فلان
مثلا أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "، سواء أسماه أم لا ". وقد رجح
الحافظ ثبوت الصحبة بذلك فقد قال قبيل ذلك: " الفصل الثاني: في الطريق إلى
معرفة كون الشخص صحابيا ": " وذلك بأشياء أولها أن يثبت بطريق التواتر أنه
صحابي، ثم بالاستفاضة والشهرة، ثم بأن يروي عن أحد من الصحابة أن فلانا له
صحبة مثلا، وكذا عن آحاد التابعين بناء على قبول التزكية من واحد وهو الراجح
". والله أعلم. قلت: وعلى هذا جرى إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله في "
مسنده "، فإن فيه عشرات الأحاديث عن جماعة من الصحابة لم يسموا، يقول التابعي
فيهم: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعض من شهد النبي صلى الله
عليه وسلم، وتارة: " خادم النبي صلى الله عليه وسلم "، وأحيانا كثيرة: "
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "، ونحوه كثير وكثير جدا، يتبين ذلك
بوضوح لمن يراجع كتابي " فهرس رواة المسند " المطبوع في أول " المسند "، بحيث
لو جمع ذلك في كتاب لكان في مجلد كبير. وفي كتب " التخريج " من ذلك الشيء
الكثير، ومنها هذه " السلسلة ".
2888 - " وددت أني لقيت إخواني، فقال أصحابه: أوليس نحن إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي
ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني ".
أخرجه أحمد (3 / 155) : حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا جسر (الأصل: حسن) عن
ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.(6/904)
وهذا إسناد
رجاله ثقات رجال الشيخين غير جسر، وهو ابن فرقد، وهو ضعيف لسوء حفظه،
واختلفت أقوال الأئمة في تضعيفه، ولعل أعدل ما قيل فيه قول أبي حاتم: " ليس
بالقوي، كان رجلا صالحا ". ومثله قول البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 246
) : " ليس بذاك ". وقد أشار إلى هذا الذي ذكرته الذهبي في " الميزان "، فقد
ساق له حديثا في اسم الله الأعظم، فعقب عليه بقوله: " هذا شبه موضوع، وما
يحتمله جسر ". وأقره الحافظ. قلت: فمثله يستشهد به، ويتقوى بغيره، خلافا
لمن نفى ذلك من بعض المعاصرين الذين لم يتقنوا هذه الصناعة، فإنه قد توبع،
فقال أبو عبيدة الحداد: حدثنا محتسب بن عبد الرحمن عن ثابت البناني به،
ولفظه: " متى ألقى إخواني؟ ". قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال:
فذكره. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (6 / 118) وعنه ابن عدي (6 / 2457)
والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 39 / 5624) وقال: " لم يروه عن ثابت
إلا المحتسب ".(6/905)
كذا قال، ورواية أحمد عن جسر ترده، وهذه متابعة لا بأس بها
، فإن المحتسب هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 528) برواية أبي شهاب
الحناط عنه. وزاد في " الجرح ": " وعبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد "
. يعني راوي هذا الحديث عنه. فحديثه يحتمل التحسين، ولم يضعفه أحد سوى ابن
عدي، ولم يزد في ذلك على قوله: " يروي عن ثابت أحاديث ليس محفوظة ". وهذا
معناه أنه يتقى من حديثه ما تفرد به، أو خالف الثقات فيه، وليس الأمر كذلك
هنا، فإنه لم يتفرد به كما عرفت. ثم إن له شاهدا من حديث أبي هريرة نحوه في
حديث السلام على المقبرة بلفظ: " وددت أنا قد رأينا إخواننا ". قالوا:
أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: " أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا
بعد " الحديث. أخرجه مسلم (1 / 150) وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (3
/ 235 / 776) و " أحكام الجنائز " (ص 190) و " التعليق الرغيب " (1 / 93)
. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 66) وقال: " رواه أحمد وأبو
يعلى، وفي رجال أبي يعلى (محتسب أبو عائذ) ، وثقه ابن حبان، وضعفه ابن
عدي، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير الفضل بن الصباح، وهو ثقة، وفي
إسناد أحمد جسر، وهو ضعيف، ورواه الطبراني في(6/906)
" الأوسط "، ورجاله رجال
الصحيح غير (محتسب) ، وبسند أبي يعلى إلى أنس قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يراني سبع مرات
". رواه أحمد، وإسناد أبي يعلى - كما تقدم - حسن، وإسناد أحمد فيه جسر
وهو ضعيف ". قلت: تقدم تخريجه بهذا اللفظ، مع شواهد له، بعضها صحيحة برقم (
1241) ، فراجع إن شئت.
2889 - " كان إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك
ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ
ولا منجأ منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت، وقال
صلى الله عليه وسلم: " من قالهن ثم مات تحت ليلته مات على الفطرة ".
أخرجه البخاري في " صحيحه " (11 / 115 / 6315) وفي " الأدب المفرد " (1213
) ومن طريقه البغوي في " شرح السنة " (5 / 102 / 1316) : حدثنا مسدد حدثنا
عبد الواحد بن زياد حدثنا العلاء بن المسيب قال: حدثني أبي عن البراء بن
عازب قال: فذكره. وقال البغوي: " متفق على صحته ". كذا قال، وفيه نظر
لأنه يعني عادة أنه أخرجه الشيخان! ولم يخرجه مسلم(6/907)
من هذه الطريق، وإنما من
طريقين آخرين عن البراء من أمره صلى الله عليه وسلم، وليس من فعله، وقد خفي
هذا على بعض الكاتبين من المعاصرين كما يأتي. وأخرجه الطبراني في " الدعاء "
(2 / 905 / 246) من طريق مسدد به. ثم أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (
1211) من طريق عبد الله بن سعيد بن حازم أبي بكر النخعي قال: أخبرنا العلاء
بن المسيب به. قلت: وعبد الله بن سعيد هذا، لا بأس به في المتابعات، فقد
روى عنه ثلاثة من الثقات، ولهذا قال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ".
وللحديث طريق أخرى، يرويه خلف بن خليفة عن حصين عن سعد بن عبيدة عن البراء به
أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (461 / 785) . قلت: ورجاله ثقات
رجال الشيخين غير خلف بن خليفة، فمن رجال مسلم، لكن كان اختلط. وقد خولف في
متنه، فرواه منصور عن سعد بن عبيدة به مرفوعا بلفظ: " إذا أتيت مضجعك فتوضأ
وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل.. " فذكره، وزاد في آخره: "
واجعلهن آخر ما تتكلم به ". قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم،
فلما بلغت: " اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت ". قلت: ورسولك! قال: " لا،
ونبيك الذي أرسلت ".(6/908)
أخرجه البخاري (1 / 357 / 247) ومسلم (8 / 77)
وأبو داود (5046 - 5047) والترمذي (3569) وصححه، والنسائي (781 و 782)
وابن حبان (5511) والطبراني في " الدعاء " (2 / 905 / 245) وكذا أحمد (
4 / 293) والبيهقي في " شعب الإيمان " (4 / 173 / 4704) من طرق عن منصور به
. وأخرجه مسلم، والنسائي (783 - 785) ، وابن أبي شيبة (9 / 73 / 6577
و10 / 246 / 9345) وأحمد (4 / 246) من طرق عن سعد بن عبيدة به نحوه. طريق
ثالثة: قال الحميدي في " مسنده " (316 / 723) : حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو
إسحاق الهمداني قال: سمعت البراء بن عازب يقول: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول عند مضجعه، أو أمر أن يقال عند المضجع، أو أمرني أن أقول عند مضجعي
- شك فيه سفيان لا يدري أيتهن - قال: اللهم.. الحديث. قلت: وهذا إسناد
صحيح متصل بالسماع من سفيان - وهو ابن عيينة - لأبي إسحاق - وهو السبيعي -
قبل اختلاطه، مصرحا بسماعه من البراء، فأمنا بذلك تدليسه واختلاطه، لكن فيه
شك سفيان في متن الحديث هل هو من فعله صلى الله عليه وسلم كان يقوله عند مضجعه
، أو أمر غيره به، وبكل من الأمرين جاءت به الروايات عن أبي إسحاق من رواية
سفيان وغيره عنه، وعن غيره، وإليك البيان: أولا: عن سفيان بن عيينة عنه
. أخرجه الترمذي (3391) والروياني في " مسنده " (ق 84 / 2 - 85 / 1)
والطبراني في " الدعاء " (2 / 903 / 241) من طرق عنه بلفظ الأمر، الأول بلفظ
:(6/909)
" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى
فراشك.. " وقال: " حسن صحيح غريب ". والآخر بلفظ: " سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يأمر رجلا إذا أخذ مضجعه من الليل أن يقول.. " فذكره. ورواه
النسائي (778) من طريق قتيبة بن سعيد عنه بلفظ الفعل: " كان إذا أوى.. ".
ثانيا: سفيان الثوري عنه بلفظ: " إذا أويت.. ". أخرجه النسائي (457 / 770
) وأحمد (4 / 301) من طريق علي بن حفص: أخبرنا الثوري به. ثالثا: شعبة
عنه أنه سمع البراء بن عازب يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به.
أخرجه البخاري (11 / 113 / 6313) ومسلم والنسائي (775) والطيالسي (97 /
708) وأحمد (4 / 300) والروياني (ق 84 / 2) والطبراني (2 / 902 / 241
) من طرق عنه به. وخالف أبو الوليد الطيالسي فقال عن شعبة ... بلفظ الفعل: "
كان إذا أخذ مضجعه قال:.. " فذكره. أخرجه البيهقي في " الشعب " (4 / 173 /
4706) وقال: " أخرجاه في " الصحيح " من حديث شعبة ".(6/910)
كذا قال! وقد عرفت
أنهما إنما أخرجاه من أمره صلى الله عليه وسلم، وليس من فعله، فكأنه يرى أن
أمره صلى الله عليه وسلم به يستلزم فعله إياه، لقاعدة * (أتأمرون الناس بالبر
وتنسون أنفسكم) * إلا لدليل، وهنا مع أنه لا دليل، فاختلاف الروايات عن
البراء ما بين أمر وفعل يدل على ثبوت الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم، وقد
جمع بينهما العلاء بن المسيب في حديث الترجمة، فإنه بعد أن ساقه من فعله صلى
الله عليه وسلم ختمه بقوله صلى الله عليه وسلم: " من قالهن ثم مات.. " الحديث
، وهذا مذكور في أكثر روايات الأمر. وكذلك وقع الجمع في رواية خلف بن خليفة
المتقدمة على ما فيه من ضعف، لكن يقويه رواية العلاء وما نحن في صدد ذكره من
الطرق، وإلى هذا مال الحافظ في " الفتح " (11 / 110) . ثم استدركت فقلت:
لعل رواية أبي الوليد عند البيهقي غير محفوظة، أو أن أحد الرواة اختصره فروى
الفعل دون الأمر، فقد قال الدارمي في " سننه " (2 / 290) : أخبرنا أبو
الوليد: حدثنا شعبة ... أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا أخذ
مضجعه أن يقول: فذكره. وقد استوعب الطبراني في " الدعاء " طرقه عن أبي إسحاق
استيعابا واسعا لم أره لغيره، ومنها طريق أبي الوليد هذه، ولكنه لم يذكر
معها إلا لفظا واحدا وهو لفظ الأمر، وكذلك هو في " المعجم الصغير " بإحدى
تلك الطرق (رقم 145 - الروض) وأخرى في " المعجم الأوسط " (1 / 159 / 2975)
لكن قد أخرجه ابن حبان (5502 و 5517) بإسناد واحد عن شيخه أبي خليفة الفضل بن
الحباب قال: حدثنا أبو الوليد بالمتنين قوله وفعله، مفرقا في موضعين، فهذا
يؤيد ما ذهبنا إليه من الجمع. والله الموفق. رابعا: أبو الأحوص: حدثنا أبو
إسحاق الهمداني به بلفظ الأمر:(6/911)
" يا فلان إذا أويت.. " الحديث. أخرجه
البخاري (13 / 462 / 7488) ومسلم، وابن أبي شيبة (9 / 75 / 6583 و 10 /
246 / 9344) والطبراني (2 / 903 / 241) . خامسا: معمر عن أبي إسحاق به من
أمره صلى الله عليه وسلم. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (11 / 34 / 19829)
والطبراني (2 / 902 و 903) من طريقين عنه. سادسا وسابعا: عبد الله بن
المختار وحبيب بن الشهيد عن أبي إسحاق به بلفظ: " كان إذا أوى إلى فراشه قال
: " فذكره. أخرجه النسائي (774) : أخبرنا الحسن بن أحمد بن حبيب قال: حدثنا
إبراهيم - وهو ابن الحجاج - قال: حدثنا حماد عن عبد الله بن المختار وحبيب
بن الشهيد به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون غير الحسن بن
أحمد هذا شيخ النسائي، وقد قال فيه: " لا بأس به ". قلت: لكن قد خالفه في
متنه إبراهيم بن هاشم البغوي، فقال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي به.. أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا أخذ مضجعه.. الحديث. أخرجه الطبراني
في " الدعاء " (2 / 902 / 241) وفي " الأوسط " (1 / 159 / 2975) وقال فيه
: " لم يروه عن عبد الله بن المختار وحبيب إلا حماد ".(6/912)
قلت: والبغوي هذا
قال الدارقطني: " ثقة "، فالجمع بين روايتهما أن كلتيهما صحيح ثابت، روى
أحدهما هذا، والآخر هذا كما يشعر بذلك حديث الترجمة وغيره كما تقدم، ويؤيد
ذلك ما يأتي. ولحماد - وهو ابن سلمة - إسناد آخر، إن صح عنه، يرويه محمد
بن السكن الأيلي قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة قال:
حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: " كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: " فذكره. أخرجه الطبراني في
" الأوسط " (1 / 68 / 2 / 1258 و 2 / 72 / 6188) من طريق شيخين له قالا:
حدثنا محمد بن السكن الأيلي به. وقال: " تفرد به مؤمل بن إسماعيل ". قلت:
وهو صدوق سيىء الحفظ، كما في " التقريب ". ومحمد بن السكن الأيلي لا أدري
إذا كان هو الذي في " الميزان ": " محمد بن السكن عن عبد الله بن بكير. لا
يعرف، وخبره منكر، قال البخاري: في إسناد حديثه نظر.. ". لكن الذي في "
تاريخ البخاري " (1 / 1 / 111) : " محمد بن سكين.. ". وكذا في " الجرح "،
و" الثقات " (9 / 67) . وروي الحديث عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي
رضي الله عنه قال: فذكره من فعله صلى الله عليه وسلم. أخرجه الطبراني (2 /
901 / 239) من طريق علي بن عابس عنه.(6/913)
وعلي بن عابس ضعيف. وقد خالفه
إسرائيل فرواه عن أبي إسحاق به عن علي موقوفا عليه. وهو أصح. أخرجه النسائي
(454 / 708) . ورجاله ثقات. وبالجملة، فالحديث صحيح من فعله صلى الله
عليه وسلم وأمره، وهو على الاستحباب كما ذكر الحافظ في " الفتح ". هذا،
وقد امتحن بحديث الترجمة بعض المتعلقين بهذا العلم الشريف، والمتاجرين به، من
الناشرين المدعين للعلم، والكاتبين، ولا أقول المؤلفين فيه، يجمعهم في ذلك
أنهم جميعا أنكروا رواية البخاري من فعله صلى الله عليه وسلم، بعضهم صراحة،
وبعضهم ضمنا. الأول: محمد فؤاد عبد الباقي، فإنه قال تحت حديث العلاء بن
المسيب في " الأدب المفرد " (ص 312 / 1211) : " البخاري في: 4 - كتاب الوضوء
، 75 - باب فضل من بات على وضوء. مسلم في: 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة
.. ح 56 و 57 و 58 ". وهذا خطأ من ناحيتين: الأولى: أن البخاري إنما روى
الحديث في المكان الذي أشار إليه من " الوضوء " من طريق منصور التي هي من أمره
صلى الله عليه وسلم، وليس من فعله كما تقدم بيانه، فكان حقه - لو كان يعلم -
أن يعزوه لكتاب " الدعوات "، فإن الحديث فيه كما تقدم مشارا إليه برقمه.
والأخرى: أن مسلما لم يرو الحديث مطلقا من فعله صلى الله عليه وسلم لا من طريق
العلاء بن المسيب، ولا من غيره، كما تبين لك من هذا التخريج. والثاني:
الشيخ الجيلاني في شرحه على " الأدب المفرد " (2 / 619) ، فقد(6/914)
بالغ في الوهم
أنه قرن مع مسلم أبا داود والترمذي! وأضاف إلى البخاري كتاب التوحيد أيضا.
يشير بذلك إلى رواية أبي الأحوص التي هي من أمره صلى الله عليه وسلم كما تقدم
في (رابعا) ، وإنما يقع هذا الشيخ الفاضل في مثل هذا الخطأ في التخريج لعدم
ممارسته هذا العلم، وانتباهه للفرق بين القول والفعل، مع أن هذا ضروري جدا
من الناحية الفقهية كما لا يخفى على العلماء، وقد وقع له وللمذكور الأول مثل
هذا الخطأ في تخريجهما لأحاديث " الأدب المفرد " الشيء الكثير، كما ستراه
منبها عليه في كتابي الجديد " صحيح الأدب المفرد " الذي أرجو أن أنتهي منه
قريبا بإذن الله تبارك وتعالى. ثم انتهيت منه، وطبع وصدر هو وقسيمه "
ضعيف الأدب المفرد "، والحمد لله على توفيقه. الثالث: جماعة من العلماء
بإشراف زهير شاويش! كذا قال في الوجه الأول من طبعته الأولى بالترتيب الجديد!
لكتاب " رياض الصالحين " الذي كنت حققته من قبل، وطبعه سنة (1979 - 1399)
الطبعة الأولى، ثم أعادها ثانية سنة (1404) ، والثالثة سنة (1406) . ثم
قام بطبعه هذه السنة (1412) بالترتيب الجديد، وقدم لها بمقدمة ملؤها الكذب
والزور وقلب الحقائق بما لا مجال لبيان ذلك الآن، فحسب القراء دليلا على ذلك
زعمه أنه " تحقيق جماعة من العلماء "، فانظروا الآن في المثال الآتي: لقد
علقت " جماعة العلماء " على هذا الحديث، وقد قال النووي في تخريجه إياه (رقم
817 - الطبعة الأولى بتحقيقي) و (رقم 818 - تحقيق جماعة من العلماء) ، قال
النووي: " رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأدب من صحيحه ". علقت عليه
الجماعة بقولها (ص 337) :(6/915)
" تقدم هذا الحديث برقم (81) وسيأتي برقم (1470
) ورواه الإمام البخاري في الوضوء والدعوات والتوحيد. بزيادة عما هنا،
ولم أجده في كتاب الأدب. وانظر " فتح الباري " (1 / 357 و 11 / 109، 113،
115، 13 / 462) . ولعل المؤلف وهم إذ إن الحديث في كتاب الأدب المفرد
للبخاري ". فتأمل أيها القارىء الكريم في هذا التخريج، هل هو أولا من عمل "
جماعة من العلماء " أم الجهلة، أم هو عمل فرد واحد لا يدري ما ينطق به لسانه،
وما يجري به قلمه، ألا وهو الذي أعلن أن التحقيق المذكور هو بإشرافه، بدليل
قوله: " ولم أجده.. "؟! هذا أولا. وثانيا: هل كان عزوه تحقيق الطبعة
الجديدة لـ " جماعة من العلماء " من باب تغيير شكل من أجل الأكل الذي تمثل جليا
في حشره نفسه وغيره معي في تحقيق كتاب " التنكيل " كما شرحت ذلك في مقدمة
طبعته الجديدة؟ أم هو الإعجاب والغرور بالتحقيق المزعوم هنا فعزاه لنفسه هنا
دونهم؟ (أحلاهما مر) . وسواء كان هذا أو ذاك، فهذا التخريج وحده أكبر دليل
على أن كاتبه ليس طالب علم، فضلا عن أنه ليس عالما، فكيف " جماعة من العلماء
"؟! وذلك للوجوه الآتية: أولا: أن الحديث في " صحيح البخاري " كما علمت،
فإنكار وجوده فيه مع توفر الفهارس الميسرة للاطلاع عليه يؤكد ما ذكرت. ثانيا:
أن الأرقام التي عزاها لـ " فتح الباري " هي ليست من كده وبحثه وتنقيبه،
وإنما هي من سرقاته الكثيرة التي فشت في كتاباته وتعليقاته، فهو استفادها من
الطبعة السلفية التي استقصى أطراف أحاديثها محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله،
فقد أشار في الموضع الأول لحديث البراء (1 / 357) إلى أرقام أطرافه، فجاء
هذا المتشبع بما لم يعط! فحول أرقامها إلى أرقام الصفحات(6/916)
والمجلدات!! تبجحا
وتدليسا على القراء، وإيهاما أن ذلك من تتبعه للحديث الذي لم يجده. ثالثا:
يا لله! ما أجمل ما قيل: ومهما تكن عند امرىء من خليقة وإن خالها تخفى على
الناس تعلم. كما روي في الحديث الضعيف: " ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله
رداءها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر "، فما أجمله من حديث لو صح (1) . لقد
كشف الله عن سرقة هذا المدعي وعن جهله وعجبه وغروره، بأن ألهمه أن يحول
أرقام أطراف الأحاديث إلى أرقام صفحاتها تدليسا وتمويها - كما سبق - وفيها
صفحة (115) من المجلد (11) ، والحديث الذي نفى وجوده فيها! وبالرقم الذي
رقمه محمد فؤاد (6315) ! فحوله هو إلى رقم الصفحة كما رأيت، ليعمي عنه،
وقد جمعت أنا بين ذكر المجلد والصفحة ورقم الحديث في أول هذا التخريج. وله
من مثل هذا النوع من الخلط والعدوان على العلم الشيء الكثير في تعليقاته التي
يعتدي بها علي وعلى كتبي، وقد سبق له مثال تحت الحديث (2840) فراجعه.
والرابع والأخير إن شاء الله من الممتحنين في هذا الحديث، ألا وهو المدعو
حسان عبد المنان، فقد قام هذا الرجل في هذه السنة بطبع " رياض الصالحين " طبعة
جديدة مسخها مسخا وتصرف فيه تصرفا سيئا بحيث صار نسبة الكتاب إلى الإمام
النووي كذبا وزورا مكشوفا لأسباب كثيرة قد ذكرت شيئا منها في موضع آخر (2) ،
منها أنه حذف منه نحو أربعمائة حديث كما حذف كلام النووي عليه شرحا، أو تحسينا
وتصحيحا. وهذا الحديث من تلك الأحاديث التي حذفها
_________
(1) انظر تخريجه في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم (237) .
(2) انظر الهامش الآتي (ص 920) . وراجع ما جاء تحت الحديث (2914) . اهـ.(6/917)
تحت بابه رقم (127 - باب
آداب النوم..) ، وقد ذكر النووي فيه حديث الترجمة هذا، وحديثه من رواية
منصور المتقدم، فاحتفظ بطرفه الأول من هذا مشيرا إلى أنه يأتي بتمامه، وحذف
الأول دون أن يشير إلى ذلك، والسبب واضح لأنه فيما بدا لي من صنيعه في هذا
الكتاب أنه لا معرفة عنده بما في الأصول من الأحاديث، وإنما هو يستفيد من
الكتب الجامعة للأحاديث، ومن بعض الكتب التي تعني بتخريج الأحاديث والكلام
عليها، فإذا وجد فائدة أو نقدا تبناه وذكره دون أن ينسبه إلى صاحبه، فيظهر
لي أنه ما حذفه إلا وقد شك على الأقل في وجوده في " صحيح البخاري "، ولم
يساعده الوقت للبحث عنه مستعينا بالفهارس، وليس بالعلم الذي في صدره - إن كان
فيه -، وإلا لم يكن لحذفه معنى معقول لو كان واجدا له، لأن فيه فائدة لا
توجد في رواية منصور وهي مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على النوم على شقه
الأيمن، والدعاء فيه، والنووي رحمه الله ما أوردها إلا لذلك.
2890 - " من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من
يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم ".
أخرجه مسلم (2 / 125) وأبو عوانة (2 / 11 - 12) والبيهقي في " السنن " (
1 / 464) والطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 179 / 1683 و 1684) وكذا
الروياني في " مسنده " (164 / 2) من طريق خالد الحذاء عن أنس بن سيرين قال:
سمعت جندبا القسري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وتابعه الحسن عن جندب به مختصرا دون قوله: " فإنه من يطلبه.. " إلخ. أخرجه
مسلم وأبو عوانة والترمذي (222) وابن حبان (3 / 120 /(6/918)
1740) وأحمد (4
/ 312 / 313) والروياني أيضا (165 / 2) وأبو يعلى (3 / 95 / 1526)
والطبراني أيضا (2 / 169 / 1654 - 1661) وفي " الأوسط " (1 / 135 / 2 / 2611
) والبيهقي أيضا من طرق عنه، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: هو
كذلك لو أن الحسن - وهو البصري - صرح بالتحديث، فإنه معروف بالتدليس، بل قال
أبو حاتم: " لم يصح له السماع منه ". لكن أشار الحافظ المزي في " تهذيبه "
إلى رد ذلك بتصريحه بسماعه منه في إسناد صحيح ذكره، وهو يشير بذلك إلى حديث
رواه الشيخان، وسيأتي تخريجه برقم (3013) ، فالعلة إذن عنعنته في حديث
الترجمة عند كل من ذكرنا ممن خرجه. ولعله من أجل ذلك أخرجه مسلم عقب حديث أنس
بن سيرين، كأنه ذكره استشهادا به. والله أعلم. وقد زاد بعضهم في متنه من
روايته عن الحسن: " فانظر يا ابن آدم! لا يطلبنك.. ". وهي عند أبي عوانة
وابن حبان والبيهقي وأحمد والطبراني دون مسلم، ولعله - رحمه الله - تعمد أن
لا يذكرها إشارة منه إلى ما ذكرته آنفا من العلة، مع عدم ورودها في الطريق
الأولى الصحيحة، فهي شاذة إن لم نقل منكرة، فقد جاء الحديث عن جمع من الصحابة
دون هذه الزيادة، منهم: أبو هريرة عند الترمذي (2165) والدارمي (1 / 332
) . وسمرة بن جندب عند ابن ماجه (3946) وأحمد (5 / 10) .(6/919)
وأبو بكر
الصديق عند ابن ماجه (3945) . وعبد الله بن عمر، في " المسند " (2 / 111)
والبزار (2 / 120 / 3342) عن نافع، والطبراني في " الأوسط " (1 / 197 / 2
/ 3608) عن سالم كلاهما عنه. وأنس بن مالك، عند البزار أيضا (3343) وأبي
يعلى (7 / 141 / 4107 و 151 / 4120) والطبراني أيضا (1 / 158 / 2 / 2962)
وابن عدي (2 / 276) . (تنبيه على أمور) : أولا: أورد النووي الحديث في "
رياض الصالحين " (1055) من رواية مسلم دون قوله: " فإنه من يطلبه.. " إلخ،
وبالزيادة المنكرة التي في رواية الحسن البصري عند غير مسلم! وفي ظني أنه
نقلها من سنن " البيهقي " لأنه عزاها لمسلم أيضا! ثانيا: لم يتنبه لهذا الذي
ذكرته حسان عبد المنان في طبعته الجديدة لـ " الرياض "، التي لم يعد من الجائز
نسبتها إلى مؤلفه الإمام النووي لمسخه إياه مسخا غير معالمه بالحذف والتقديم
والتأخير بما يطول ذكره، وقد بينت شيئا من ذلك في غير ما موضع (1) ، والمقصود
هنا أن الرجل ادعى من العلم في تحقيقه لهذا الكتاب ما يدل واقعه على أنه ليس
كما يدعي، إنما هو ناقل لا تحقيق عنده وهذا هو المثال أمامك، فإنه على رغم
أنه رجع إلى الحديث في " مسلم "، ووضع بجانبه رقمه فيه (632) ، فإنه لم
ينبه على الاختلاف الذي بينه وبين نصه في " مسلم "، كأنه لا يعنيه من تعقيبه
أحاديث " رياضه " بأرقامها في " البخاري "
_________
(1) انظر مثلا (ص 945 - 947) من " الصحيحة " المجلد الأول / الطبعة الجديدة.
و (ص 717 - 724) من المجلد الثاني / الطبعة الجديدة، وتقدم شيء منه قريبا (
917) . اهـ.(6/920)
و " مسلم " إلا إيهام القراء أنه
راجع ألفاظها، وقابلها بأحاديث " الرياض "، وهو لم يصنع من ذلك شيئا (
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد) ! ثالثا: وأما صاحب (المكتب الإسلامي) ،
فإنه أيضا أعاد طبع " الرياض " في هذه السنة (1412) ، وهي نفسها التي صدرت
فيها طبعة المذكور قبله، ولا أدري أيهما غار من الآخر فطبع طبعته منافسا له!
والشاهد أن الصاحب المشار إليه علق على الحديث بقوله: " سكت الشيخ ناصر عن
هذا الحديث، وليس في روايات مسلم 1 / 454: " فانظر يا ابن آدم "، وفي
روايات مسلم زيادة مفادها: فيدركه فيكبه في نار جهنم ". قلت: وفيه ملاحظات
عديدة: الأولى: السكوت الذي نسبه إلي - وقد كرره مرارا! فيه غمز خبيث ما
أظنه إلا منه، وليس من " جماعة العلماء " الذين ادعى في مقدمة طبعته الجديدة
أنها من تحقيقهم، فهل يقع العلماء في مثل هذا الغمز الذي لا فائدة منه إلا
التشفي، وبغير حق! لأنه يريد أن يشعر القراء بإخلالي في تحقيقي السابق
للكتاب: " الرياض " الذي لم يكن هو قد أراد له كل جوانب التحقيق، وإنما على
ما تيسر، فضلا عن أنه لم يكن فيه التزام مقابلة أحاديثه بأصولها، ولا الصاحب
المذكور يرضى بذلك، ولو فعل لأفلس، لأن تأليف الكتاب من جديد أيسر من ذلك
التحقيق. وعلى الباغي تدور الدوائر، ويؤكد ذلك ما يلي: الثانية: لقد
انتبه لتلك الزيادة أنها ليست في مسلم، ولكنه لم يعزها لمصدر، ولا بين
ضعفها، مع أنه زعم في مقدمة طبعته الجديدة أنها من " تحقيق جماعة من العلماء "
!(6/921)
الثالثة: قوله: " مفادها.. " تعبير غير علمي لأنه يساوي قوله: " معناها "
، فالصواب أن يقال: نصها. كما هو ظاهر لا يخفى إلا على جاهل غبي. الرابعة:
هذا النص هو في رواية لمسلم مختصرة جدا، فكان عليه أو على " جماعة العلماء " -
إن كان صادقا - أن يذكروا رواية مسلم الأخرى التي اعتمدتها في حديث الترجمة،
لأنها أتم كما ترى. الخامسة: كان عليه أو عليهم! أن ينبهوا أن هناك في متن
حديث " الرياض " مخالفة أخرى لما في " مسلم "، ففيه: " فلا يطالبنكم "، وفي
" الرياض ": " لا يطالبنك "! لقد ذكرني هذا الغماز اللماز بالمثل العامي: من
كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة! رابعا: عزا المنذري الحديث في "
الترغيب " (1 / 141) لأبي داود أيضا، وهو وهم. فاقتضى التنبيه.
2891 - " أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا
رجعت عليه (وفي رواية: " على الآخر ") ".
أخرجه مسلم (1 / 57) وأبو عوانة (1 / 23) وابن حبان (1 / 234 / 250)
وأحمد (2 / 44) من طرق عن عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه البخاري (6104) وأبو عوانة
، وابن حبان (249) والترمذي (7 / 293 / 2639) ، وأحمد (2 / 18 و 47
و60 و 112 و 113) من طرق أخرى عن ابن دينار به دون قوله: " إن كان.. " إلخ،
وكذا هو في " موطأ مالك " (3 / 148) ومن طريقه(6/922)
أخرجه البخاري وغيره.
وكذلك رواه في " الأدب المفرد " (439) من طرق عن مالك. وقال الترمذي: "
حديث حسن صحيح ". وخالف الطرق المشار إليها عن مالك أحد الضعفاء، فقال
البخاري في " الأدب المفرد " (440) : حدثنا سعيد بن داود، قال: حدثنا مالك
أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره بمعنى حديث الترجمة. وسعيد هذا هو الزنبري، قال الحافظ في " التقريب "
: " صدوق له مناكير عن مالك، ويقال: اختلط عليه بعض حديثه، وكذبه عبد الله
ابن نافع في دعواه أنه سمع من لفظ مالك ". قلت: وهذا من مناكيره، فإنه خالف
الجماعة في شيخ مالك، فجعله نافعا، وإنما هو عبد الله بن دينار. لكن له أصل
من حديث نافع عن ابن عمر مختصرا دون الزيادة. أخرجه مسلم (1 / 56) وأبو
عوانة (1 / 21 - 22) . وله شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ: " لا يرمي رجل
رجلا بالفسق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ".
أخرجه البخاري في " صحيحه " (6045) و " الأدب المفرد " (432) ومسلم بنحوه
، وأبو عوانة (1 / 23) وأحمد (5 / 181) والبزار (4 / 431 / 2034)
وقال:(6/923)
" لا نعلمه بهذا اللفظ عن أحد من الصحابة إلا بهذا الإسناد ". (تنبيه)
: وهم في حديث " الأدب المفرد " من طريق سعيد بن داود الزنبري رجلان: أحدهما:
الشيخ الجيلاني شارح " الأدب "، فقال في تخريجه (1 / 529) : " أخرجه المصنف
في " صحيح الأدب " وأحمد ". وهذا خطأ، لأن البخاري إنما رواه في " صحيحه "
مختصرا كما تقدم. وكان الأولى به أن يعزوه لمسلم لأنه عنده أتم بنحوه.
والآخر: محمد فؤاد عبد الباقي، فإنه لم يخرجه، وإنما قال: " هو معنى الحديث
السابق ". يعني حديث صحيح البخاري المختصر الذي آخره: " فقد باء به أحدهما "
. وكان حقه أن يعزوه لمسلم لما تقدم آنفا.
2892 - " أرأيت هذا الليل الذي قد كان ألبس عليك كل شيء أين جعل؟ فقال: الله أعلم.
قال: فإن الله يفعل ما يشاء ".
أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسند أبي هريرة " (1 / 399 / 437) : أخبرنا
المخزومي: أخبرنا عبد الواحد بن زياد أخبرنا عبد الله بن عبد الله الأصم
أخبرنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: يا محمد! أرأيت * (جنة عرضها السماوات والأرض) * فأين النار
؟ قال: فذكره. وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1 / 158 / 103) من طريق ابن
راهويه وفيه بعض الأحرف قد حرفت فتصحح من هنا.(6/924)
وتوبع إسحاق، فقال البزار في
" مسنده " (3 / 43 / 2196) : حدثنا محمد بن معمر حدثنا مغيرة بن سلمة أبو
هشام حدثنا عبد الواحد بن زياد به. إلا أنه قال: " قال: حيث شاء الله، قال
: فكذلك النار حيث شاء الله ". وتوبع البزار، فقال الحاكم (1 / 36) :
أخبرني محمد بن عبد الله الجوهري - واللفظ له -: حدثنا محمد بن إسحاق: أنبأ
محمد بن معمر بن ربعي القيسي: حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي به،
إلا أنه قال: " قال: كذلك الله يفعل ما يشاء ". وقد توبع المخزومي، فأخرجه
الحاكم أيضا من طريق أبي النعمان محمد بن الفضل: حدثنا عبد الواحد بن زياد به
. وقال: " حديث صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو
على شرط مسلم فقط، لأن عبد الله بن عبد الله الأصم لم يرو عنه البخاري، وهو
ثقة كما قال ابن معين وغيره، وهو أخو عبيد الله بن عبد الله الأصم،
وكلاهما ذكرهما ابن حبان في " الثقات " (7 / 36 و 142) ، أكبرهما عبد الله،
وكلاهما يروي عن عمهما يزيد بن الأصم، وعن كل منهما عبد الواحد بن زياد كما في
" الجرح والتعديل " وغيره، فكأنه لذلك اختلف الرواة أو المخرجون في راوي هذا
الحديث هل هو عبد الله المكبر، أم عبيد الله المصغر؟ فوقع في " مسند إسحاق "
و" مستدرك الحاكم " مكبرا، ووقع في " الإحسان " وفي " مسند البزار " مصغرا
، وكذا وقع في " صحيح مسلم " (2 / 59) وقد ساق له حديثا آخر فيما يقطع
الصلاة، ساقه عن شيخه إسحاق بن راهويه بإسناده المذكور أعلاه، لكنه قال: "
عبيد الله.. "، ومن الغريب أن الحافظ ذكر القطع هذا في ترجمة عبد الله
المكبر، وهو تابع في ذلك لأصله " تهذيب المزي " فإنه ساقه في(6/925)
ترجمته (15 /
164 - 165) بإسناده المذكور أعلاه! وعزاه لمسلم! وقد رأيته في " مسند
السراج " (ق 43 / 1) بإسناده هذا لكن وقع فيه: " عبيد الله " مصغرا! وهي
نسخة جيدة، وكذلك هو في " مسنده " المطبوع (1 / 328 / 314) ولكني أعتقد
أنه خطأ من الناسخ لأن صورته في الأصل المخطوط هكذا: " عبد " هكذا بسن واحد
للباء الموحدة بين العين والدال، وبجانب نقطة الباء ظهرت وسخة في المصورة
نقطة أخرى عن يسار الأولى، ودونها وأكبر منها قليلا توهمها المحقق نقطتين!
ولو كان صوابا لجعل لها ناسخ الأصل سنا أيضا هكذا " عبيد "، ويؤيد الوهم أن
في " مسند ابن راهويه " قبل هذا وبعده حديثين آخرين بسندين آخرين عن عبد الله
هذا عن عمه يزيد بن الأصم به. لكن أحدهما - وهو في أمر الأعمى أن يحضر صلاة
الجماعة إذا سمع النداء - لكن الحديث في " صحيح مسلم " (2 / 124) من طريق
إسحاق وغيره، وفيه: " عبيد الله " مصغرا! وكذلك وقع في " أبي عوانة " (2
/ 7) من طريق أخرى عن شيخ إسحاق مروان بن معاوية الفزاري عنه وبالجملة، فهذا
اختلاف شديد في الراوي لهذه الأحاديث ومنها حديث الترجمة عن يزيد بن الأصم،
حتى إنه ليلقى في البال لعله شخص واحد، اختلف الرواة في اسمه، فمنهم من يكبره
، ومنهم من يصغره، وسواء كان هذا أو ذاك، فالمهم أنه ثقة من رجال مسلم،
وقد صححه من سبق ذكرهم، ولاسيما وله شواهد كثيرة وهي وإن كانت جلها موقوفة
، أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (4 / 60) من حديث عمر بن الخطاب، وابن عباس
، بسندين صحيحين عنهما - فإنها تدل على أن هذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم
كان معروفا لديهم، على أنه قد روي(6/926)
مرفوعا في حديث التنوخي رسول هرقل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله أين
الليل إذا جاء النهار؟ ". أخرجه أحمد (4 / 441 - 442) وابن جرير بسند ضعيف
، وقد تكلم عليه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " تفسير ابن جرير "
(7 / 209 - 210) وأطال النفس وأجاد، جزاه الله خيرا. وإن من فقه الحديث
ما ترجم له ابن حبان بقوله: " ذكر الخبر الدال على إجابة العالم السائل
بالأجوبة على سبيل التشبيه والمقايسة دون الفصل في القصة ".
2893 - " اركع ركعتين ولا تعودن لمثل هذا. يعني: التأخير في المجيء إلى الجمعة ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (4 / 92 / 2495) والدارقطني في " سننه " (2 /
16 / 11) من طريق ابن إسحاق: حدثني أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد
الله قال: دخل سليك الغطفاني المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، قال:
فركعهما ثم جلس. قلت: وهذا إسناد حسن لأن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث، فأمنا
بذلك شر تدليسه، وسائر رجاله ثقات، ولعله لذلك أشار الحافظ لتقوية الحديث
بقوله في " الفتح " (2 / 408) : " أخرجه ابن حبان "، وسكت عليه.(6/927)
وقال ابن
حبان عقبه. " قوله: " لا تعودن لمثل هذا "، أراد الإبطاء في المجيء إلى
الجمعة لا الركعتين اللتين أمر بهما، والدليل على صحة هذا خبر ابن عجلان الذي
تقدم ذكرنا له أنه أمره في الجمعة الثانية أن يركع ركعتين مثلهما ". قلت:
حديث ابن عجلان الذي أشار إليه ابن حبان، أخرجه ابن حبان قبيل هذا، وإسناده
حسن أيضا، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1470) .
2894 - " لا وصال في الصيام ".
أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (1765) : حدثنا اليمان أبو حذيفة عن
أبي عيسى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت:
وهذا إسناد ضعيف، اليمان هذا ضعيف اتفاقا. وأبو عيسى لم أعرفه. ورواه حرام
بن عثمان عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر عن أبيهما به. أخرجه عبد الرزاق في "
المصنف " (4 / 269 / 7758) والبيهقي في " السنن " (7 / 319) من طريقين عنه
. لكن حرام هذا متروك، حتى قال الشافعي فيه: " الرواية عن حرام حرام "!
وأخرجه الطيالسي أيضا (1764) : حدثنا خارجة بن مصعب عن حرام بن عثمان عن أبي
عتيق عن جابر به. وأبو عتيق هو عبد الرحمن بن جابر المتقدم في رواية عبد
الرزاق.(6/928)
وخارجة بن مصعب متروك أيضا. لكن للحديث شاهد خير مما تقدم، فقال
أحمد في " المسند " (3 / 62) : حدثنا عبد الله بن الوليد حدثنا سفيان عن سلمة
بن كهيل عن قزعة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن الوليد
هذا، وهو العدني، وهو مختلف فيه، وقد قال أحمد فيه: " حديثه صحيح ".
وقال الذهبي في " المغني ": " صدوق ". وكذا قال الحافظ، وزاد: " ربما أخطأ
". قلت: وقد توبع، فقد أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (5 / 236 / 3570) من
طريق أخرى عن أحمد قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل وعبد الله بن الوليد عن سفيان
به. ومؤمل هذا قريب حاله من حال العدني، قال الحافظ: " صدوق سيىء الحفظ ".
فهو متابع قوي، والحديث صحيح، فقد جاء من طريق أخرى عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ
: " لا تواصلوا.. " الحديث.(6/929)
رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي
داود " (2044) . والحديث لم يعزه السيوطي في " الجامع الصغير " إلا للطيالسي
، وأما في " الجامع الكبير " فزاد عليه: " عم، سمويه، حب ". ولعل " عم "
محرف من " حم "، فإن عبد الله بن الوليد هو من شيوخ أحمد. ثم إنني أتعجب من
الهيثمي كيف فات عليه هذا الحديث فلم يورده في " مجمع الزوائد " مع أنه على
شرطه، وكذلك لم يورده في " موارد الظمآن "! ولعل ملحظه في ذلك أنه بمعنى
رواية البخاري المتقدمة، فهو على ذلك ليس على شرطه. والله سبحانه وتعالى
أعلم. ثم إن للحديث طريقا ثالثة عن جابر، وشاهدا آخر من حديث علي رضي الله
عنهما، أخرجهما ابن الجوزي في " الواهيات " (2 / 152 - 153) وبين عللهما،
وفيما تقدم غنية عنهما، فمن شاء رجع إليه. وله شاهد ثالث فيه زيادة منكرة،
فلابد من ذكره وبيان علته يرويه جعفر بن سعد ابن سمرة: حدثني خبيب بن سليمان
عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة قال: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
نواصل في شهر الصوم وكرهه، وليس بعزمة ". أخرجه البزار (1 / 482 / 1024)
والطبراني في " الكبير " (7 / 300 / 7011 و 7012) وقال الهيثمي (3 / 158)
: " وإسناده ضعيف ".(6/930)
قلت: وهذا إسناد مظلم، مسلسل بالعلل: 1 - جعفر بن
سعد بن سمرة، قال الحافظ في " التقريب ": " ليس بالقوي ". 2 - خبيب بن
سليمان، مجهول. 3 - أبوه سليمان بن سمرة، مقبول. قلت: وعلى هذا فالزيادة
منكرة.
2895 - " من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. يعني الحسن والحسين رضي الله
عنهما ".
أخرجه أحمد في " المسند " (2 / 440) وفي " الفضائل " (2 / 777 / 1376)
ومن طريقه الحاكم (3 / 166) والبزار (3 / 227 / 2627) عن جعفر بن إياس عن
عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة
، ويلثم هذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله! إنك تحبهما
. فقال: فذكره. وقال البزار: " لا نعلم روى عبد الرحمن بن مسعود عن أبي
هريرة إلا هذا ". قلت: بلى له عنه حديث آخر تقدم برقم (360) ، لكن وقع هناك
" عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود " نقلا عن " موارد الظمآن "، وبعد طبع
أصله " صحيح ابن حبان "، وطبع كتاب شيخه فيه " مسند أبي يعلى " تبين أن زيادة
" عبد الله " بين " عبد الرحمن " و " مسعود " خطأ من الناسخ أو الطابع(6/931)
فليصحح.
وقال الحاكم عقب حديث الترجمة: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهذا
منهما ذهاب إلى أن عبد الرحمن بن مسعود هذا ثقة، وقد وثقه ابن حبان (5 / 106
) ولم يذكر له راويا غير جعفر هذا، وكذلك فعل ابن أبي حاتم، لكن لما ترجمه
الحافظ في " التعجيل " قال: " وعنه جعفر بن إياس وغيره ". وخفي هذا على
المعلق على " الإحسان " (10 / 447 - طبع المؤسسة) ، فقال: " ولم يرو عنه
غير جعفر بن إياس "! ولم يقله قبله غيره! مع أنه قال عقبه: " مترجم عند ابن
أبي حاتم (5 / 285) ، و " التعجيل " (ص 258) "، وفيه تدليس لا يخفى على
اللبيب، أما بالنسبة لـ " التعجيل " فظاهر لأنه نفى ما أثبته، وأما بالنسبة
لـ " الجرح " فلأنه لم ينف نفيه، وإنما ذكر أنه روى عنه جعفر! وشتان ما
بينهما!! على أنه لم يتفرد بهذا الحديث، فقد أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (3 / 40 - 42) وابن عساكر في " التاريخ " (4 / 501 - 503) من طرق
عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر حديث
الترجمة. وبعض هذه الطرق عند أحمد (2 / 288) وعبد الرزاق (3 / 471 / 6369
) وفيه عنده قصة ذكرتها في " أحكام الجنائز " (ص 100 - 101) ، وصححه الحاكم
. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.(6/932)
2896 - " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة
ولا صيام حتى يرجع ".
أخرجه مالك في " الموطأ " (2 / 2) وعنه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 68 /
4602 - الإحسان) وأحمد (2 / 465) عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ومن طريق مالك أيضا أخرجه
البغوي في " شرح السنة " (10 / 349 - 350) وقال: " متفق على صحته، أخرجاه
من رواية أبي الزناد وغيره، ومن طرق عن أبي هريرة ". ومن طرقه: عن سهيل
بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما
يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: " لا تستطيعونه ". قال: فأعادوا
عليه مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول: " لا تستطيعونه ". وقال في الثالثة:
فذكره. أخرجه مسلم (6 / 35) وأبو بكر بن أبي شيبة (5 / 287) ومن طريقه
ابن حبان (4608) والترمذي (1619) وصححه، وأحمد أيضا (2 / 424) وكذا
البغوي (رقم 2612) وقال: " حديث متفق على صحته، أخرجاه من أوجه عن أبي
هريرة ".(6/933)
ثم رواه أحمد (2 / 459) من طريق شعبة عن سهيل به دون السؤال
والجواب. ورواه النسائي (2 / 57) من طريق أخرى عن أبي صالح مختصرا، وكذلك
رواه ابن أبي شيبة (5 / 333) . ومنها: عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه
مرفوعا مثل حديث مالك، وزاد: ".. بما رجع من غنيمة [أو أجر] ، أو يتوفاه
الله فيدخله الجنة ". أخرجه ابن حبان (4603) وأحمد (2 / 438) وإسناده
حسن. ومنها: عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال:.. فذكره
نحوه، وفيه الزيادة بتمامها. أخرجه البخاري (2787) والنسائي (2 / 56) .
(تنبيهان) : الأول: حديث مالك رواه ابن حبان عن شيخه عمر بن سعيد بن سنان
بسنده عن مالك به. وحديث محمد بن عمرو رواه عن شيخه محمد بن أحمد بن عون
بسنده عنه. فاختلط الأمر على الهيثمي في " موارد الظمآن " (رقم 1584) أو على
الناسخ - فجعل متن حديث هذا الشيخ الثاني لشيخه الأول، ولم يسق متن هذا الشيخ
لأنه في متن الآخر كما هو ظاهر لك من هذا التخريج. ومن الغريب أن هذا الخطأ
وقع فيه المنذري أيضا في " الترغيب " (2 / 179) ، فعزا متن هذا لذاك الشيخ
الأول!! والآخر: أن السيوطي أورد الحديث في جامعيه: " الصغير " و " الكبير
"(6/934)
بلفظ كامل ملفق من لفظ مالك في شطره الأول، ومن لفظ البخاري في شطره الآخر
! وعزاه للشيخين والترمذي والنسائي! وليس هذا فقط، بل وقال في الشطر
الأول: " ولا صدقة "! وهذا مما لا أصل له عند المذكورين من المخرجين، ولا
عند غيرهم ممن سبق ذكره في تخريجنا هذا، وإنما هو عندهما بلفظ: ".. صلاة
ولا صيام ". اللهم إلا ابن أبي شيبة فهو باللفظ الذي عند السيوطي! وهو شاذ،
لما سبق، ولأحاديث أخرى في الباب، مثل حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: " كمثل
الصائم، القائم الذي لا يفتر حتى يرجع ". أخرجه ابن ماجه (2754) وابن أبي
شيبة (5 / 319) من طريق عطية عنه. وحديث النعمان بن بشير مرفوعا مختصرا
بلفظ: " كمثل الصائم نهاره، والقائم ليله حتى يرجع متى رجع ". أخرجه عبد
الرزاق (5 / 256 / 9537) موقوفا، وأحمد (4 / 271) مرفوعا، وكذا البزار
(2 / 256 / 1645) بسند جيد. ثم روى البزار (1648) : حدثنا محمد بن يحيى
أبو الصباح: حدثنا عاصم بن علي بسنده عن الأعرج عن أبي هند مرفوعا به مثل حديث
الترجمة، إلا أنه قال: " ولا صدقة "، مكان " حتى يرجع ". وقال:(6/935)
" هكذا
رواه لنا هذا الرجل، وإنما يعرف من حديث الأعرج عن أبي هريرة ". قلت:
والرجل المشار إليه هو شيخه أبو الصباح، ولم أعرفه.
2897 - " وأنا أشهد، وأشهد: أن لا يشهد بها أحد إلا برئ من الشرك. يعني
الشهادتين ".
أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (155 / 39) والطبراني في " الأوسط
" (2 / 266 / 2 / 9059) من طريق أصبغ بن الفرج قال: أخبرني ابن وهب عن عمرو
بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أن يحيى بن عبد الرحمن حدثه عن عون بن عبد الله
عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: بينما نحن نسير مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم سمع رجلا في الوادي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن
محمدا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، واللفظ
للنسائي، وزاد الطبراني في أوله: ".. إذ سمع القوم وهم يقولون: أي
الأعمال أفضل يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيمان بالله
ورسوله، وجهاد في سبيل الله، وحج مبرور، ثم سمع.. " الحديث. وقال
الطبراني: " لا يروى عن عبد الله بن سلام إلا بهذا الإسناد، تفرد به عمرو بن
الحارث ". قلت: وهو ثقة، وكذلك من فوقه، غير يحيى بن عبد الرحمن، وهو
الثقفي، ذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 166) بهذه الرواية، وكذا ابن حبان في
" الثقات " (5 / 524 و 527) ولهذا قال الذهبي في " الميزان " مشيرا إلى
جهالته:(6/936)
" تفرد عنه سعيد بن أبي هلال ". والحديث أخرجه سعيد بن منصور في "
سننه " (3 / 2 / 141 / 2338) قال: أخبرنا عبد الله ابن وهب به إسنادا ومتنا
مع زيادة الطبراني. وكذا أخرجه أحمد وابنه عبد الله (5 / 451) : حدثنا
هارون بن معروف حدثنا ابن وهب به. وكذلك أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة
" (58 / 8 / 1) من طرق قالوا: أخبرنا ابن وهب به. وخالفهم جميعا في إسناده
حرملة بن يحيى فقال: حدثنا ابن وهب به، إلا أنه قال: " يحيى بن عبد الله بن
سالم " مكان " يحيى بن عبد الرحمن ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 58 /
4576) : أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم: حدثنا حرملة بن يحيى به. وابن
سالم هذا ثقة. وأنا أظن أن هذا وهم من حرملة، فإنه وإن كان ثقة ومن شيوخ
مسلم، فقد تكلم فيه بعضهم كما ترى في " التهذيب "، ولذا قال الذهبي في "
الكاشف ": " صدوق يغرب ". وأما ابن سلم - وهو الحمصي - فهو ثقة إمام محدث،
ووثقه ابن حبان، كما ذكر الذهبي في " سير النبلاء " (14 / 306) . وقد جهل
هذا التحقيق أو تجاهله المعلق على " الإحسان " (10 / 456 / 4596) - وأظنه
غير الشيخ شعيب من الذين يعملون تحت يده - فقال: " إسناده قوي على شرط مسلم
غير يوسف بن عبد الله بن سلام، فقد روى عنه أصحاب السنن، وهو صحابي صغير ".
ثم خرجه من رواية سعيد وأحمد، ولم يعرج على المخالفة التي وقعت من حرملة
لروايتهما، كما أنه لم يعزه للنسائي وعبد الله بن أحمد والطبراني!(6/937)
وبالجملة، فهذا الإسناد ضعيف لجهالة يحيى بن عبد الرحمن الثقفي، إلا أن حديثه
بشطريه ثابت صحيح بشواهده. أما حديث الترجمة، فيشهد له حديث عائشة رضي الله
عنها: " كان إذا سمع المؤذن قال: وأنا، وأنا ". أخرجه أبو داود وغيره،
وهو مخرج في " صحيح أبي داود " رقم (538) ، ورواه ابن حبان، وهو مما سقط
من كتاب الهيثمي " الموارد "! ويشهد لجملة البراءة من الشرك حديث رجل من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ:
* (قل يا أيها الكافرون) *، قال: " أما هذا فقد برىء من الشرك ". وسمع آخر
يقرأ: * (قل هو الله أحد) *، فقال: " أما هذا فقد غفر له ". أخرجه أحمد (4
/ 65 و 5 / 376 و 378) من طريقين عن مهاجر الصائغ عنه. فهو إسناد صحيح.
ولهذا شاهد من حديث نوفل أبي فروة بلفظ: " اقرأ * (قل يا أيها الكافرون) *، ثم
نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك ". صححه ابن حبان (786 و 787 و 5500
و5520 و [..] ص 429 ج 7) ، والحاكم والذهبي، وهو في " التعليق الرغيب " (
1 / 209) . وأما الزيادة التي فيها السؤال عن أفضل الأعمال، فلها شواهد في(6/938)
"
الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة وأبي ذر، وهذا أخرجه ابن حبان (4577
) . فراجع " الترغيب " (2 / 172 - 173) إن شئت.
2898 - " من أطرق فرسه مسلما كان له كأجر سبعين فرسا حمل عليه في سبيل الله فإن لم
تعقب كان له كأجر فرس يحمل عليها في سبيل الله ".
أخرجه ابن حبان (1637 - الموارد) وأحمد (4 / 231) وأبو إسحاق الحربي في "
غريب الحديث " (5 / 9 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 341 / 853
) من طرق عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن
أبي كبشة الأنماري أنه أتى رجلا فقال: أطرقني من فرسك فإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد شامي صحيح، رجاله كلهم
ثقات من رجال " التهذيب "، وأبو كبشة الأنماري صحابي معروف نزل الشام، اختلف
في اسمه، وجزم الترمذي بأن اسمه عمر بن سعد. وأبو عامر الهوزني اسمه عبد
الله بن لحي. والزبيدي اسمه محمد بن الوليد. وللحديث شاهد موقوف يرويه
طيسلة بن علي عن ابن عمر قال: ما تعاطى الناس بينهم شيئا قط أفضل من الطرق،
يطرق الرجل فرسه فيجري له أجره، ويطرق الرجل فحله فيجري له أجره، ويطرق
الرجل كبشه فيجري له أجره. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (12 / 264 /
13061) من طريق زياد بن مخراق عنه.(6/939)
قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات،
ولولا أن في (عارم) ، واسمه محمد بن الفضل السدوسي - شيخ شيخ الطبراني علي بن
عبد العزيز البغوي - كلاما في حفظه لجزمت بصحته، قال الحافظ فيه: " ثقة ثبت،
تغير في آخر عمره ". وأما قوله في (طيسلة) : " مقبول ". فإنه غير مقبول
منه، بل هو ثقة كما قال ابن معين فيما رواه ابن أبي حاتم عنه (2 / 1 / 501)
وهو مما ذكره ابن شاهين في " ثقاته " عن يحيى، يعني ابن معين، وحكاه المزي
في " تهذيبه " (13 / 467) عنه. ومع ذلك كله لم يذكره الحافظ في " تهذيب
التهذيب "، كأنه صرفه عنه اشتغاله بالرد على المزي في تفريقه بين طيسلة بن علي
الهذلي هذا، وعنه جمع من الثقات ليس فيهم زياد بن مخراق، وبين طيسلة بن
مياس السلمي، ويقال: الهذلي. روى عنه زياد المذكور، وكذا يحيى ابن أبي
كثير، وهو من الرواة عن الأول. فاستدل الحافظ بهذا وبغيره على أن الصواب
أنهما واحد، ونقله عن غير واحد من الحفاظ، وأيد ذلك بأثر أخرجه البخاري في
" الأدب المفرد " (رقم 8) من طريق زياد بن مخراق المتقدم قال: حدثني طيسلة
بن مياس عن ابن عمر. وتابعه أيوب بن عتبة قال: حدثني طيسلة بن علي قال:
أتيت ابن عمر.. فذكره. لكنه صرح برفع الكبائر التسع إلى النبي صلى الله عليه
وسلم. أخرجه البغوي في " مسند ابن الجعد " (2 / 1150 / 3426) والخرائطي في
" مساوىء الأخلاق " (118 / 247) والخطيب في " الكفاية " (ص 105) والبيهقي
في " السنن " (3 / 409) من طرقه عنه.(6/940)
فأقول: أيوب بن عتبة وإن كان ضعيفا،
فإن المقصود إنما هو الاستشهاد بروايته عن طيسلة بن علي أن هذا هو طيسلة بن
مياس الذي روى عنه زياد بن مخراق هذا الحديث نفسه، إلا أنه أوقفه، وهو أصح،
فدل ذلك على أن طيسلة بن علي هو نفسه طيسلة بن مياس، ولاسيما وقد ذكر
البرديجي في " الأفراد ": " طيسلة بن مياس، ومياس لقب، واسمه علي ".
ولذلك قال الحافظ في " التقريب " عقب ترجمة (طيسلة بن علي) في ترجمة ابن مياس
هذا: " هو الذي قبله، فرقهما المزي فوهم، وقد بينت ذلك في الأصل ". فأقول
: نعم، ولكن هذا التحقيق والتوحيد يباينه قولك فيه: " مقبول "، ما دام أنه
روى عنه جمع من الثقات: يحيى بن أبي كثير، وعكرمة بن عمار، وأبو معشر
البراء، وزياد بن مخراق. زد على ذلك توثيق ابن معين الذي فاته، وابن حبان
(4 / 398 و 399) ، وقد ذكره هو، وأشار شيخه الهيثمي إلى اعتماده، فقال
عقب الشاهد المتقدم (5 / 266) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات ".
2899 - " كان يخمر وجهه وهو محرم ".
أخرجه الدارقطني في " العلل " (3 / 13) قال: حدثنا أبو بكر الشافعي قال:
حدثنا موسى بن الحسن قال: حدثنا القعنبي: حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن
أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان: فذكره. وقال: " هكذا كان في كتاب أبي
بكر مرفوعا، والصواب موقوف "! كذا قال! ثم ساق عقبه بسنده الصحيح عن عبد
الله بن عامر بن ربيعة أنه(6/941)
رأى عثمان بن عفان بـ (العرج) مخمرا وجهه بقطيفة
أرجوان في يوم صائف وهو محرم. وأقول: لا تعارض بين المرفوع، وهذا الموقوف
، ولاسيما وإسنادهما مختلف، والأول صحيح أيضا رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين
غير شيخ أبي بكر الشافعي موسى بن الحسن، ولم يعرفه المعلق على كتاب " العلل "
، وهو محدث ثقة يعرف بـ (الجلاجلي) لحسن صوته، وثقه محمد بن أبي الفوارس،
وتبعه الخطيب، وروى عن الدارقطني أنه قال: " لا بأس به ". وهو مترجم في "
تاريخ بغداد " (13 / 49) و " تاريخ دمشق " (17 / 264 - 265) و " سير
النبلاء " (13 / 378) . فالإسناد على شرط الضياء في " الأحاديث المختارة "،
ولم يخرجه! وهو أقوى بكثير من بعض أحاديثه، فالظاهر أنه لم يقع له مرويا
بسنده إلى الشافعي أو الدارقطني. وإذا عرفت صحة إسناده، فلا تعارض بينه
وبين الموقوف على عثمان كما هو ظاهر، إذ لا شيء يمنع من القول بجواز أن عثمان
فعل ما يمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم فعله. هذا خير من نسبة الخطأ إلى
الثقة لمجرد فعل عثمان بما رواه عن النبي عليه الصلاة والسلام. ألا ترى معي
أنه لا فرق بين تصويب الدارقطني رحمه الله للموقوف على المرفوع، وبين من لو
عكس عليه الأمر، فصوب المرفوع على الموقوف. فالحق أن كلا منهما صحيح، فلا
يعارض أحدهما بالآخر. وقد جاءت آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين والأئمة
المجتهدين بجواز تغطية المحرم لوجهه للحاجة، وبها استدل ابن حزم في " المحلى
" (7 / 91 - 93) مؤيدا بها الأصل، وخرج بعضها للبيهقي (5 / 54) . ولا
يخالف ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيمن مات محرما: " اغسلوه بماء وسدر،
وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا وجهه ورأسه ".(6/942)
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في
" الإرواء " (4 / 198 - 199) . فإن هذا حكم خاص فيمن مات محرما، وحديث
الترجمة في الأحياء، فاختلفا. انظر لتمام البحث " المحلى ".
2900 - " يا أبا بكر! ما أنا بمستعذرك منها بعد هذا أبدا ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (319 / 1314 - موارد) و (6 / 191 / 4173 -
الإحسان) من طريق ابن أبي السري: حدثنا عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري
عن يحيى ابن سعيد بن العاص عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعذر
أبا بكر من عائشة، ولم يظن النبي صلى الله عليه وسلم أن ينال منها بالذي نال
منها، فرفع أبو بكر يده فلطمها، وصك في صدرها، فوجد من ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم وقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير
ابن أبي السري، وهو حافظ صدوق إلا أن له أوهاما كثيرة، واسمه محمد بن
المتوكل، وقد قال الذهبي في " الكاشف ": " حافظ وثق، ولينه أبو حاتم ".
قلت: فمثله يستشهد به على الأقل، ويتقوى حديثه بالمتابعة، وهذا هو الواقع
، فالحديث في " الجامع " من " مصنف عبد الرزاق " (11 / 431 / 20923) وهو من
رواية إسحاق الدبري عن عبد الرزاق، فهي متابعة قوية، وبها صح الحديث والحمد
لله. ثم روى عبد الرزاق عن معمر: وأخبرني رجل من عبد القيس أن النبي صلى
الله عليه وسلم دعا أبا بكر فاستعذره من عائشة، فبينا هما عنده قالت: إنك
لتقول: إنك لنبي! فقام إليها أبو بكر، فضرب خدها، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم:(6/943)
" مه يا أبا بكر! ما لهذا دعوناك ". وهذا إسناد معضل، والرجل
القيسي مجهول لا يعرف ". وفي " طبقات ابن سعد " (8 / 80 - 81) بإسناد واه
عن الزهري عن ابن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:..
فذكر حديث الترجمة بنحوه. والحديث صححه المعلق على طبعة المؤسسة لـ " الإحسان
" (9 / 491 / 4185) مع أنه ضعفه بابن أبي السري، لكنه قال: " وقد توبع ".
لكنه لم يذكر المتابع! قوله: (بمستعذرك) يعني: كن عذيري منها إن أدبتها،
أي قم بعذري في ذلك. نهاية.
2901 - " ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك. يعني أبا بكر الصديق وابنته عائشة ".
أخرجه أحمد (4 / 271 - 272) قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن
العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبي
صلى الله عليه وسلم، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ فأذن له، فدخل، فقال: يا ابنة أم رومان - وتناولها - أترفعين صوتك
على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: فحال النبي بينه وبينها. قال:
فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها - يترضاها -: فذكر
الحديث. قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها، فأذن له، فدخل
، فقال له أبو بكر: يا رسول الله! أشركاني في سلمكما، كما أشركتماني في
حربكما.(6/944)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير العيزار، فإنه من
رجال مسلم وحده، ولولا أن أبا إسحاق كان اختلط، وهو إلى ذلك مدلس، وقد
عنعنه لجزمت بصحته، لكنه قد توبع كما يأتي، فهو بذلك صحيح، واسمه عمرو بن
عبد الله السبيعي. وأخرجه أبو داود (4999) من طريق حجاج بن محمد: حدثنا
يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق به نحوه، وزاد في آخره: " فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: قد فعلنا، قد فعلنا ". قلت: ورجاله ثقات أيضا، لكن حجاج
بن محمد - وهو الأعور المصيصي - كان اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته
، كما قال الحافظ في " التقريب ". فأقول: فأخشى أن يكون هذا مما حدث به في
بغداد، فإنه من رواية يحيى بن معين عنه، ويحيى بغدادي، لكن يحتمل أن يكون
سمعه منه قبل اختلاطه، فقد قيل: إنه كتب عنه نحوا من خمسين ألف حديث! وإنما
قلت: " أخشى "، لأن ثقتين اتفاقا قد خالفاه في إسناده: أحدهما: عمرو بن
محمد العنقزي، فقال: أنبأنا يونس بن أبي إسحاق عن عيزار بن حريث به. لم يذكر
أبا إسحاق فيه. أخرجه النسائي في " السنن الكبرى " (5 / 365 / 9155) :
أخبرني عبدة بن عبد الرحيم المروزي قال: أخبرنا عمرو.. والمروزي هذا وثقه
النسائي وغيره، فالسند صحيح. والآخر: أبو نعيم الفضل بن دكين، قال أحمد (4 / 275) : حدثنا أبو نعيم: حدثنا يونس به مختصرا، وفيه:(6/945)
" فسمع صوت عائشة
عاليا وهي تقول: والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك من أبي ومني (مرتين أو
ثلاثا) ". فقد ثبت برواية هذين الثقتين رواية يونس عن العيزار مباشرة دون
واسطة أبيه السبيعي، وبذلك صح السند كما قلنا، والحمد لله تعالى. فإن كان
الحجاج المصيصي قد حفظ عن يونس روايته عن أبيه عن العيزار، فيكون يونس رواه
على الوجهين، تارة بواسطة أبيه، وتارة عن العيزار مباشرة. وإن مما يؤيد
ذلك أنه قد شارك أباه في كثير من شيوخه، ومنهم العيزار كما جاء في ترجمة هذا
من " التهذيب "، وقد قال ابن سعد في ترجمة يونس (6 / 363) : " كانت له سن (1) عالية، وقد روى عن عامة رجال أبيه ". ثم هو لم يرم بالتدليس، غاية ما
قيل فيه ما أجمله الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق، يهم قليلا ".
2902 - " صلاة هاهنا - يريد المدينة - خير من ألف صلاة هاهنا - يريد إيلياء - ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 247) والحاكم (3 / 504) والطبراني
في " المعجم الكبير " (1 / 285 / 907) ومن طريقه أبو نعيم في " المعرفة " (
2 / 381 / 1006) من طريق عطاف بن خالد عن عبد الله بن عثمان بن الأرقم [عن
جده الأرقم] أنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أين
تريد؟ فقلت: إلى بيت المقدس،
_________
(1) كذا وقع فيه، وفي " التهذيب " (11 / 434) : " سنن "! ولعل الصواب
الأول. اهـ.(6/946)
فقال: إلى تجارة؟ فقلت: لا، ولكن أردت أن
أصلي فيه. فقال: فذكره، والسياق للطحاوي، والزيادة من الآخرين، ولفظهما
: " صلاة ههنا، خير من ألف صلاة ثم ". وأورده الهيثمي في " المجمع " (4 / 5
) بلفظ: " فالصلاة ههنا - وأومأ إلى مكة - خير من ألف صلاة - وأومأ بيده إلى
الشام - ". وقال الهيثمي: " رواه أحمد، والطبراني في " الكبير " فقال:..
". قلت: فساق لفظ الطبراني المتقدم، وليس فيه الإيماء الذي عزاه لرواية
أحمد، وقد بحثت عنها كثيرا في " مسنده "، وقد استعنت على ذلك بكل الفهارس
الموضوعة لـ " المسند " والمعروفة اليوم فلم أهتد إليه، ولقد افترضت أنه
أورده - لمناسبة ما في غير مسند صحابيه (الأرقم) ، فراجعت كل أحاديث فضل
الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم في مسانيد الصحابة الذين رووها مثل أبي
هريرة، وابن عمر، وغيرهما، فلم أعثر عليه، فمن المحتمل أن يكون في بعض
نسخ " المسند "، فقد بلغني عن بعض إخواننا المشتغلين بهذا العلم الشريف أنه
عثر على قطعة منه غير مطبوعة، فلعل الحديث فيها، فإن وجد فغالب الظن أنه من
طريق عطاف هذا. ثم صدق ظني هذا، فقد أفادني هاتفيا الأخ علي الحلبي - جزاه
الله خيرا - أن الحديث أورده الحافظ ابن حجر في " أطراف المسند " (1 / 48 / 84
- تحقيق الأخ سمير) : حدثنا عصام بن خالد عن العطاف بن خالد عن يحيى بن عمران
عن(6/947)
عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن جده الأرقم به. وعن علي بن عياش عن عطاف
عن يحيى بن عمران عن عبد الله بن عثمان به (1) . قلت: وفي هذا دلالة على
أمرين: الأول: أن الحديث فعلا مما سقط من " المسند " المطبوع. والآخر: أنه
سقط من إسناد الأولين يحيى بن عمران بين العطاف وعبد الله بن عمران. ومن
الظاهر أن ذلك من العطاف نفسه - وليس من الرواة عنه لأنهم ثقات -، وقد
تكلموا فيه من قبل حفظه، كما أشار إلى ذلك الحافظ بقوله: " صدوق يهم ". وقد
تابعه على إثباته غير واحد، فقد أخرجه أبو نعيم (رقم 1007) من طريق أبي مصعب
عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم عن عمه عبد الله بن عثمان، وعن أهل بيته
، عن جده عثمان بن الأرقم عن الأرقم. وقال أبو نعيم: " ورواه محمد بن أبي
بكر المقدمي عن يحيى بن عمران مثله سواء ". ومن وجوه الاختلاف على العطاف ما
رواه ابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " (2 / 19 / 688) من طريق عبد الله
بن صالح: أخبرنا عطاف بن خالد المخزومي أخبرنا عبد الله ابن عثمان بن الأرقم
عن أبيه عثمان بن الأرقم قال: " جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. " الحديث
، فجعله من مسند عثمان بن الأرقم، قال الحافظ في " الإصابة " بعد أن أورده في
القسم الرابع، يعني الذين لم تثبت صحبتهم: " هكذا أورده، وهو خطأ من أبي
صالح أو غيره، والصواب ما رواه أبو اليمان
_________
(1) ثم رأيت الهيثمي قد ساقه في " زوائد المسند " (ق 51 / 2) وانظر
الاستدراك (2) .(6/948)
عن عطاف عن عبد الله بن عثمان بن
الأرقم عن أبيه، عن جده. أخرجه ابن منده وغيره، وهو الصواب ". قلت: كذا
وقع فيه: " عن أبيه "، وأظنه سبق قلم من الحافظ، أو مقحما من بعض النساخ،
فإنه لم يذكر في كل المصادر المتقدمة، وإنما هو " عن عبد الله بن عثمان بن
الأرقم عن جده ". وهكذا هو في " التعجيل " قال: " روى عن جده، وله صحبة.
وعنه يحيى بن عمران، فيه نظر ". ويتلخص من هذا التخريج أن سند الحديث يدور
: أولا: على عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن جده الأرقم. وثانيا: أن العطاف
بن خالد رواه عنه تارة مباشرة بدون واسطة، ولكن معنعنا لم يذكر السماع،
وتارة رواه بواسطة يحيى بن عمران عنه. وقد توبع على هذه. وعليه فنستطيع أن
نقول: إن الحديث إنما هو من رواية يحيى بن عمران عن عبد الله ابن عثمان عن جده
الأرقم. وحينئذ يتحرر معنا أن في هذا الإسناد علتين: الأولى: عبد الله بن
عثمان هذا، لا يعرف إلا في هذه الرواية، وقد أورده البخاري وابن أبي حاتم
في كتابيهما من رواية عطاف، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، لكن البخاري
ذكره على القلب: " عثمان بن عبد الله بن الأرقم "! وهكذا وقع في رواية
الطبراني والحاكم المتقدمة، وكذلك أعاده ابن أبي حاتم! وهذا مما يؤكد أن
الرجل غير معروف، فمن المستغرب عدم ذكره في " الميزان "، ولا في " اللسان "
. وأغرب منه ذكر ابن حبان(6/949)
إياه في " الثقات " (7 / 198) كما ذكره البخاري،
أي مقلوبا! ولم يذكره في العبادلة كما فعل ابن أبي حاتم، وهو هو!! والعلة
الأخرى: يحيى بن عمران، وهو ابن عثمان بن الأرقم كما تقدم في إحدى روايتي
أبي نعيم، وهكذا أورده الشيخان في كتابيهما، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: "
شيخ مدني مجهول ". وأما ابن حبان فذكره أيضا في " الثقات " (9 / 253) . إذا
عرفت هذا يتبين لنا به أوهام بعض الحفاظ: الأول: قول الحاكم: " صحيح الإسناد
"! ووافقه الذهبي! الثاني: قول الهيثمي بعدما عزاه لأحمد والطبراني: "
ورجال الطبراني ثقات "! ذلك لأنه لا فرق بين رواية الطبراني والحاكم من جهة،
ورواية أحمد من جهة أخرى، إذ إن رواية الجميع تدور على عطاف بن خالد، وفيه
الضعف الذي سبق ذكره، وشيخه عندهم جميعا واحد، وهو عبد الله بن عثمان، في
رواية أحمد، وعثمان ابن عبد الله على القلب عند الآخرين، وهو هو كما سبق
تحقيقه، وأنه غير معروف. ثم إن عطافا قد اضطرب في إسناده، فأدخل بينه وبين
عبد الله بن عثمان يحيى بن عمران، وهو مجهول، فلا وجه إذن لتصحيح إسناده،
ولا للتفريق بين إسناد أحمد والطبراني. الثالث: خلط الحافظ ابن حجر في "
التعجيل " في ترجمة عبد الله بن عثمان هذا وترجمة أبيه عثمان، وعزوه لعطاف
من الحديث ما لم يروه، فقال فيها (ص 228) :(6/950)
" وله في " المسند " حديث آخر
من طريق عطاف بن خالد عن عثمان المذكور (!) عن أبيه عن جده (!) في الذي
يتخطى الرقاب يوم الجمعة ". فأقول: ليس لعطاف علاقة بهذا الحديث، وإنما هو
عند أحمد (3 / 417) وغيره من حديث هشام بن زياد - وهو متروك - عن عثمان بن
الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي عن أبيه - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وهو مخرج في " الضعيفة "
برقم (2811) . فأنت ترى أن عثمان المذكور ليس هو المترجم، وإنما ابنه،
وأن قوله: " عن جده " مقحم لا علاقة له بالحديث، فهو من هذه الحيثية كعطاف!!
وكعبد الله بن عثمان! فلعل مثل هذا الخلط (!) من النساخ، فإنه بعيد جدا
عما نعرف من علم الحافظ ودقته. وقد ذكره في " الإصابة " من رواية أحمد عن
عثمان بن الأرقم عن أبيه لم يجاوزه، وأعله بتفرد هشام بن زياد وقال: "
ضعفوه ". هذا وبعد أن انتهينا من تحقيق الكلام على إسناد حديث الترجمة،
وبيان ضعفه لجهالة بعض رواته، وبيان بعض أوهام العلماء التي وقعت حوله، بما
قد لا تراه في مكان آخر، بقي علي أن أحرر القول في متنه بعد أن عرفت مما سبق
أن الروايات اختلفت في تعيين المسجد المراد بتفضيل الصلاة فيه بألف، أهو مسجد
(المدينة) كما في رواية الطحاوي، أم هو مسجد مكة كما في رواية أحمد، وكلتا
الروايتين مدارهما على العطاف. فوجدت للرواية الأولى ما يقويها من رواية يحيى
بن عمران عند أبي نعيم المخرجة آنفا، فإنها بلفظ: " صلاة في مسجدي هذا خير من
ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام ". وزاد:(6/951)
" قال: فجلس الأرقم ولم
يخرج ". قلت: فهذا مما يرجح أن المقصود إنما هو مسجد المدينة لا مكة. فإن
قيل: ما فائدة هذا التحقيق، سواء ما كان منه متعلقا بالإسناد أو المتن ما دام
أن السند ضعيف عندك؟ وجوابا عليه أقول: لا تلازم بين الأمرين، فقد يكون
المتن صحيحا مع ضعف إسناده لوجود طريق آخر له، أو شاهد، وهو ما يعرف بالحديث
الحسن أو الصحيح لغيره، وهذا هو واقع هذا الحديث. فقد وجدت له شاهدا قويا من
حديث أبي سعيد الخدري قال: ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال له: "
أين تريد؟ ". قال: أريد بيت المقدس. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
فذكر الحديث بلفظ يحيى بن عمران. أخرجه أحمد، وابنه عبد الله في " زوائد
المسند " (3 / 77) قال: حدثني أبي: حدثنا عثمان بن محمد - وسمعته أنا من
عثمان بن محمد بن أبي شيبة -: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن سهم عن قزعة
عن أبي سعيد الخدري به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين
غير سهم، وهو منجاب، وهو ثقة من رجال مسلم، ووقع في " المسند " (إبراهيم
بن سهل) ! وهو خطأ مطبعي. وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي. ومغيرة هو ابن
مقسم الضبي. وجرير هو ابن عبد الحميد.(6/952)
ثم استدركت فقلت: لكن المغيرة مدلس،
ولذلك أورده الذهبي في " المغني " وقال: " إمام ثقة، لكن لين أحمد بن حنبل
روايته عن إبراهيم فقط ". قلت: فحديثه والحالة هذه حسن يصلح للشهادة فقط.
والحديث أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (3 / 73 / 1622) : أخبرنا عمران بن موسى
بن مجاشع: حدثنا عثمان بن أبي شيبة به، إلا أنه قال: " مائة " مكان " ألف "
. وهو شاذ لمخالفته لرواية أحمد وابنه عبد الله المتقدمة من جهة، ولأحاديث
أخرى عن جمع آخر من الصحابة من جهة أخرى، وهي مخرجة في " الإرواء " (4 / 143
- 146) . ثم أخرجه ابن حبان (1621) ، وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 393 /
1165) وكذا البزار (1 / 215 / 429 - كشف الأستار) من طرق أخرى عن جرير به،
بلفظ " مائة ". إلا أن الهيثمي لم يسق لفظه في " الكشف " وإنما أحال به على
لفظ طريق أخرى قبل هذه بلفظ " ألف " قائلا: " قلت: فذكره نحوه ". فكأنه يعني
أنه بلفظ: " ألف "، وهذا ما صرح به في " مجمع الزوائد "، فإنه قال (4 / 6
) بعد أن ساقه بلفظ أبي يعلى: " رواه أبو يعلى والبزار بنحوه، إلا أنه قال:
" أفضل من ألف صلاة "، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ". فأقول: لا داعي
لتخصيص أبي يعلى بما ذكره، فإن البزار شيخه فيه يوسف(6/953)
بن موسى عن جرير، ويوسف
هذا هو أبو يعقوب الكوفي، وهو من شيوخ البخاري، فالصواب أن يقال: "
ورجالهما رجال الصحيح ". ثم إنه قد فاته عزوه لأحمد، وهو من شرطه! وكذلك
فاته أن يذكره في كتابه الآخر: " غاية المقصد في زوائد المسند " (ق 51 / 2)
. وكذلك فات المعلق على مسند أبي يعلى أن يعزوه إلى أحمد، ولم يتنبه هو ولا
المعلق على " الإحسان " (4 / 504 / 1623 - 1624) لعلة التدليس التي تمنع من
التصحيح، ولا لشذوذ متنه المخالف لرواية أحمد وابنه والبزار، ولسائر
الأحاديث، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. بقي الكلام على فضل الصلاة
في مسجد (إيلياء) : المسجد الأقصى، أعاده الله إلى المسلمين مع سائر بلاد
فلسطين، فإنه لم يرد له ذكر إلا في الطريق الأولى، وأصح ما جاء في فضل
الصلاة فيه حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت
المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا أفضل من
أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى.. " الحديث. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار
" (1 / 248) والحاكم (4 / 509) والبيهقي في " الشعب " (3 / 486 / 4145)
والطبراني في " الأوسط " (2 / 220 / 1 / 8395 - بترقيمي) وقال: " لم يروه
عن قتادة إلا الحجاج وسعيد بن بشير، تفرد به عن الحجاج إبراهيم(6/954)
بن طهمان،
وتفرد به عن سعيد محمد بن سليمان بن أبي داود ". قلت: قد تابعه آخران، أحدهما
: الوليد بن مسلم عند الطحاوي، والآخر: محمد ابن بكار بن بلال عند البيهقي.
والحجاج هو ابن الحجاج الباهلي، وهو ثقة من رجال الشيخين، ومثله إبراهيم
ابن طهمان، ولذلك قال الحاكم عقبه: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا. وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 7) : " رواه الطبراني في "
الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح ". ولم يقف المنذري على رواية الطبراني هذه،
وكذا رواية الحاكم، فقال في " الترغيب " (2 / 138) : " رواه البيهقي بإسناد
لا بأس به، وفي متنه غرابة "! كذا قال! وكذلك لم يقف على رواية الحاكم هذه
الصحيحة المعلق على " مشكل الآثار " (2 / 68 - طبع المؤسسة) ، فصدر تخريجه
بتضعيف إسناده بسعيد بن بشير، ونقل قول الهيثمي المذكور، دون أن يدري أن
إسناده - كإسناد الحاكم - صحيح.
2903 - " ضعوا ما كان معكم من الأنفال ".
أخرجه الحاكم (3 / 504) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 285 - 286 /
909) و " الأوسط " (2 / 71 / 1 / 6173) وأبو نعيم في " المعرفة " (1 / 79
/ 1) من طريق أبي مصعب: حدثنا يحيى بن عمران بن عثمان عن جده(6/955)
عثمان بن
الأرقم بن أبي الأرقم عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم بدر: فذكره، فرفع أبو أسيد الساعدي سيف ابن عائذ المرزبان،
فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم، فقال: هبه لي يا رسول الله! فأعطاه إياه.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال الطبراني: " لا يروى
عن الأرقم بن أبي الأرقم إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو مصعب ". قلت: واسمه
أحمد بن أبي بكر الزهري المدني، وهو ثقة من رجال الشيخين. ومن فوقه على شرط
ابن حبان، فيحيى بن عمران بن عثمان ذكره في " ثقاته "، لكن صرح أبو حاتم
بجهالته كما تقدم في الحديث الذي قبله. وجده عثمان بن الأرقم، ذكره البخاري
في " التاريخ " (3 / 2 / 214) برواية حفيده يحيى عنه، ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا. وكذلك فعل ابن أبي حاتم (3 / 1 / 144) ولكنه ذكره من رواية
عطاف بن خالد وعمار بن سعد عنه. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (5 /
157) وقال: " روى عنه أهل الحجاز وابن ابنه يحيى بن عمران بن عثمان ". قلت
: فهو صدوق إن شاء الله تعالى. وقال الهيثمي بعد أن عزاه لمعجمي الطبراني (6
/ 52) : " ورجاله ثقات ". فأقول: فمثل هذا الإسناد يتقوى بالشواهد، وقد
وجدت لحديث الترجمة شاهدا في قصة تشبه هذه وقعت لسعد بن أبي وقاص، وفيه قوله
صلى الله عليه وسلم:(6/956)
" ضعه من حيث أخذته ". رواه مسلم، وأبو عوانة، وابن
حبان، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2446) .
2904 - " تفل صلى الله عليه وسلم في رجل عمرو بن معاذ حين قطعت رجله، فبرأت ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (8 / 151 / 6475 - الإحسان) وأبو نعيم في "
المعرفة " (2 / 94 / 1) من طريق الحسين بن حريث قال: حدثنا علي بن الحسين بن
واقد قال: حدثني أبي قال: حدثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول:
فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح أو حسن على الأقل وهو على شرط مسلم، وفي
بعضهم كلام لا يضر. وهو من الأحاديث الكثيرة التي صرح عبد الله بن بريدة
بسماعه من أبيه، فلا جرم أن احتج الشيخان بروايته عن أبيه فأخرجا له في "
الصحيحين "، ففيه رد صريح على من زعم من المعاصرين أنه لم يسمع هو وأخوه
سليمان من أبيهما، وقد ذكرت تفصيل القول في الرد عليه وإبطال زعمه في الحديث
الآتي برقم (2914) بما لا تراه في مكان آخر. فالحمد لله الذي بنعمته تتم
الصالحات. والحديث عزاه الحافظ في " الإصابة " للضياء المقدسي أيضا في "
الأحاديث المختارة ".(6/957)
2905 - " نهى عن مجلسين وملبسين، فأما المجلسان: فجلوس بين الظل والشمس، والمجلس
الآخر: أن تحتبي في ثوب يفضي إلى عورتك، والملبسان: أحدهما: أن تصلي في
ثوب ولا توشح به. والآخر: أن تصلي في سراويل ليس عليك رداء ".
أخرجه الحاكم في " المستدرك " (4 / 272) وابن عدي في " الكامل " (4 / 329 -
330) من طريق أبي ثميلة: حدثني أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي
حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: فذكره مرفوعا. أورده
ابن عدي في ترجمة أبي المنيب هذا، وذكر الخلاف فيه، وساق له أحاديث ثم قال
: " وله غير ما ذكرت، وهو عندي لا بأس به ". قلت: وهذا هو الذي يتخلص من
خلافهم فيه، أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، صحيح الحديث إذا وافق الثقات،
وهو الذي يشير إليه قول الذهبي في " الكاشف ": " وثقه ابن معين وغيره، وقال
البخاري: عنده مناكير ". وزاد في " المغني ": " وأنكر أبو حاتم على
البخاري إدخاله في الضعفاء ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وأما الحاكم
فسكت عنه، ولا أدري لم؟(6/958)
وأما الذهبي فقال عقبه: " قلت: أبو المنيب عبيد
الله قواه أبو حاتم، واحتج به النسائي ". والحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في
أحاديث: 1 - الجلوس بين الظل والشمس. فيه أحاديث عن أبي هريرة وغيره خرجت
بعضها فيما تقدم (837 و 838) و (3110) . 2 - الاحتباء في ثوب.. فيه أحاديث
عن أبي سعيد وأبي هريرة، في " الصحيحين "، وعائشة عند ابن ماجه وغيره.
3 - الصلاة في ثوب لا يتوشح فيه. 4 - الصلاة في السراويل دون رداء. فيهما
حديث بريدة: " نهى أن يصلي في لحاف لا يتوشح به، وأن يصلي في سراويل ليس
عليه رداء ". وهذا القدر رواه أبو داود وغيره في حديث بريدة أيضا، وهو
مخرج في " صحيح أبي داود " (646) . وروى الخطيب (5 / 138) من طريق الحسين
بن واقد - الأصل: وردان! - عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى عن الصلاة في السراويل. وهو مخرج في " الضعيفة " (4721) . وروى
الخطيب عن أبي بكر النيسابوري أنه قال: " فقه هذا الحديث أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن الصلاة في السروال وحده ".(6/959)
قلت: فهو بمعنى قوله صلى الله
عليه وسلم: " إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب واحد
فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود ". أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح،
وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (645) .
2906 - " لا يأتي على الناس مائة سنة، وعلى الأرض عين تطرف ممن هو حي اليوم ".
أخرجه أحمد (1 / 93) وابنه عبد الله (1 / 140) ومن طريقه الضياء في "
الأحاديث المختارة " (2 / 378 / 760) وأبو يعلى (1 / 438 / 584)
والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 59 / 1 / 5988) من طرق عن منصور عن
المنهال بن عمرو عن نعيم ابن دجاجة أنه قال: دخل أبو مسعود عقبة بن عمرو
الأنصاري على علي بن أبي طالب، فقال له علي: أنت الذي تقول: لا يأتي على
الناس مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف؟! إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:.. (فذكر الحديث) ، والله إن رجاء هذه الأمة بعد مائة عام. وتابعه مطرف
بن طريف عن المنهال بن عمرو به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 161)
وأبو يعلى أيضا (1 / 360 / 467) ومن طريقه الضياء أيضا (761) والطبراني
في " المعجم الكبير " (17 / 248 / 693) .(6/960)
قلت: وهذا إسناد صحيح، المنهال
بن عمرو ثقة من رجال البخاري، وفيه كلام لا يضر. ونعيم بن دجاجة، ذكره ابن
أبي حاتم (4 / 1 / 461) برواية ثقتين آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا. وذكره ابن حبان في كتابه في " ثقات التابعين " (5 / 478) والظاهر
أنه كان حيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ألزم الحافظ من صنف في
الصحابة أن يذكروه فيهم. راجع كتابه " التهذيب ". وللحديث شواهد كثيرة في "
الصحيحين " وغيرهما، وخرجت طائفة منها في " الروض النضير " تحت حديث أبي
سعيد الخدري بمعناه (1100) ، وهو في " صحيح مسلم " و " صحيح ابن حبان ".
والحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 198) وقال: " رواه أحمد
وأبو يعلى والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجاله ثقات ". ومعنى
الحديث أنه لا يعيش أحد ممن كان يؤمئذ حيا على وجه الأرض بعد مائة سنة. وليس
فيه نفي حياة أحد يولد بعد ذلك. انظر " فتح الباري " (1 / 211 - 212) .
2907 - " لو كان لابن آدم واديان من مال (وفي رواية: من ذهب) لابتغى [واديا]
ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ".
أقول: هذا حديث صحيح متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عنه جماعة من
أصحابه بألفاظ متقاربة، وقد خرجته عن جماعة منهم في " تخريج أحاديث(6/961)
مشكلة
الفقر " (18 / 14) منهم أنس عند الشيخين، وقد أخرجاه عن ابن عباس
أيضا، ومنهم ابن الزبير عند البخاري، وأبو موسى عند مسلم وغيره،
ويأتي لفظه، وغيرهم، وعددهم نحو عشرة، وفي الباب عن غيرهم تجد تخريجها
في " مجمع الزوائد " (7 / 140 - 141 و 10 / 243 - 245) ويأتي تخريج بعضها مع
سوق ألفاظها المناسبة لما أنا متوجه إليه الآن، وهو تحرير القول في الروايات
المختلفة في حديث الترجمة: هل هو حديث نبوي، أو حديث قدسي، أو قرآن منسوخ
التلاوة؟ فأول ما يواجه الباحث ويلفت نظره للتحري ثلاثة أخبار عن الصحابة:
الأول: قول ابن عباس في رواية عنه عقب حديثه المشار؟ إليه آنفا: " فلا أدري
من القرآن هو أم لا؟ ". الثاني: قول أنس نحوه في رواية لمسلم وأحمد.
الثالث: قول أبي بن كعب من رواية أنس عنه قال: " كنا نرى هذا من القرآن حتى
نزلت * (ألهاكم التكاثر) * ". أخرجه البخاري (6440) والطحاوي في " مشكل
الآثار " (2 / 420) . ولا يخفى على البصير أن القولين الأولين لا يدلان على
شيء مما سبقت الإشارة إليه، لأنه اعتراف صريح بعدم العلم، ولكنه مع ذلك فيه
إشعار قوي بأنه كان من المعلوم لدى الصحابة أن هناك شيئا من القرآن رفع ونسخ،
ولذلك لم يكتب في المصحف المحفوظ، فتأمل هذا، فإنه يساعدك على فهم الحقيقة
الآتي بيانها. وأما قول أبي: " كنا نرى.. "، فهو يختلف عن القولين الأولين
، من جهة أنه كان الحديث المذكور أعلاه من القرآن، إما ظنا غالبا راجحا،
وإما اعتقادا جازما،(6/962)
ذلك ما يدل عليه قوله: " نرى "، قال الحافظ (11 / 257)
: " بضم النون - أوله - أي نظن، ويجوز فتحها، من (الرأي) أي نعتقد ". قلت
: والثاني هو الراجح عندي، بل الصواب الذي لا يجوز سواه لما سيأتي عنه وعن
غيره من الصحابة الجزم به. ولا ينافيه قوله: " حتى نزلت * (ألهاكم التكاثر
) * "، لأنه يعني: فنسخت هذه تلك. إذا عرفت هذا فإليك الآن الأحاديث المؤكدة
لما دل عليه حديث أبي هذا: أن قوله: " لو كان لابن آدم واديان.. " إلخ كان
قرآنا يتلى، ثم رفع ونسخ. الحديث الأول: عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال له: " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. فقرأ عليه: * (
لمن يكن الذين كفروا) *، وقرأ فيها: " إن ذات الدين الحنيفية المسلمة، لا
اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية، من يعمل خيرا فلن يكفره ". وقرأ
عليه: " لو أن لابن آدم واديا من مال لابتغى إليه ثانيا، ولو كان له ثانيا
لابتغى إليه ثالثا.. " إلخ [قال: ثم ختمها بما بقي منها] ".
2908 - " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. فقرأ عليه: * (لم يكن الذين كفروا) *
، وقرأ فيها: " إن ذات الدين الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية
ولا المجوسية، من يعمل خيرا فلن يكفره ". وقرأ عليه: " لو أن لابن آدم
واديا من مال لابتغى إليه ثانيا، ولو كان له ثانيا لابتغى إليه ثالثا.. "
إلخ [قال: ثم ختمها بما بقي منها] ".
أخرجه الترمذي (9 / 400 / 3894) والحاكم (2 / 224) والطيالسي (رقم (539
) وأحمد (5 / 131 - 132) وعبد الله بن أحمد (5 / 132) وأبو نعيم في "
الحلية " (4 / 187) كلهم من طريق شعبة عن عاصم قال: سمعت زر بن حبيش يحدث عن
أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره. والزيادة
لعبد الله، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وأقره ابن كثير في " التفسير
". وقال الحاكم:(6/963)
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ في عدة
مواضع من " الفتح " (7 / 127 و 8 / 725) وقال (11 / 257) : " وسنده جيد "
. وأقول: الأصل في هذا الإسناد التحسين فقط للخلاف المعروف في عاصم - وهو
ابن أبي النجود - في الحديث، ولكن لما كان صدوقا في نفسه، وثقة وإماما في
القراءة، وقرأ على شيخه في هذا الحديث - زر بن حبيش - وكان الحديث في
القراءة، فهو إذن يتعلق باختصاصه، فالنفس تطمئن لحفظه إياه جيدا أكثر من حفظه
للأحاديث الأخرى التي لا تتعلق بالقراءة، وهذا ظاهر جدا، ولذا أخرجه الضياء
في " المختارة " (3 / 368 - 369) . ولحديث الترجمة منه طريق أخرى عند
الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 170 / 542) بسند ضعيف عن الشعبي عن ابن
عباس عن أبي مرفوعا بلفظ: " لو كان للإنسان واديان من المال.. ". لكن له
إسناد صحيح عن ابن عباس، رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " أحاديث
المشكلة " (18 / 14) ويأتي برواية أخرى بالرقم التالي. وجملة القراءة عليه
رضي الله عنه لها طريق آخر، يرويه عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبزى عن أبيه عن
أبي مرفوعا بلفظ: " إن الله تعالى أمرني أن أعرض القرآن عليك ". قال:
وسماني لك ربي تبارك وتعالى؟ قال: * (بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا) *،
هكذا قرأها أبي، وفي رواية زاد: " فقلت له: يا أبا المنذر! ففرحت بذلك؟
قال: وما يمنعني؟ والله تبارك وتعالى يقول: * (قل بفضل الله وبرحمته
فبذلك فلتفرحوا هو خير مما يجمعون) *.(6/964)
قال مؤمل: قلت لسفيان: هذه القراءة في
الحديث؟ قال: نعم ". وأخرجه أبو داود (3981) وابن جرير في " التفسير " (
15 / 108 / 17687 و 17688) والحاكم (2 / 240 - 241) وقال: " صحيح الإسناد
". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا إلا أنه وقع عنده فعل (فليفرحوا) و (
يجمعون) بالمثناة التحتية فيهما. وكذا وقع الفعل الثاني في " المسند "،
وأظن ذلك كله خطأ من الناسخ أو الطابع، والصواب فيهما بالتاء المثناة، فهي
قراءة أبي، والأولى قراءة عامة القراء، كما قال ابن جرير. وللجملة
المذكورة شاهد من حديث أنس رضي الله عنه أخرجه الشيخان، وابن حبان (9 / 139
/ 7100) وأحمد (3 / 130 و 185 و 218 و 233 و 273 و 284) وغيرهم.
الحديث الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: " جاء رجل إلى عمر يسأله،
فجعل ينظر إلى رأسه مرة، وإلى رجليه أخرى، هل يرى من البؤس شيئا؟ ثم قال له
عمر: كم مالك؟ قال: أربعون من الإبل! قال ابن عباس: صدق الله ورسوله: "
لو كان لابن آدم واديان من ذهب.. " الحديث. فقال عمر: ما هذا؟ فقلت: هكذا
أقرأنيها أبي. قال: فمر بنا إليه. قال: فجاء إلى أبي، فقال: ما يقول هذا
؟ قال أبي: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
2909 - " جاء رجل إلى عمر يسأله، فجعل ينظر إلى رأسه مرة، وإلى رجليه أخرى هل يرى
من البؤس شيئا؟ ثم قال له عمر: كم مالك؟ قال: أربعون من الإبل! قال ابن
عباس: صدق الله ورسوله: " لو كان لابن آدم واديان من ذهب.. " الحديث. فقال
عمر: ما هذا؟ فقلت: هكذا أقرأنيها أبي. قال: فمر بنا إليه. قال: فجاء
إلى أبي، فقال: ما يقول هذا؟ قال أبي: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ".
أخرجه أحمد (5 / 117) وابن حبان في " صحيحه " (5 / 97 / 3226)(6/965)
من طريق أبي
معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. هذا هو الحديث الثاني الدال على قوله:
" لو كان لابن آدم.. " كان قرآنا يتلى، ثم رفع.
الحديث الثالث: عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: " لقد كنا نقرأ على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى
إليهما آخر، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ".
2910 - " لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان لابن آدم واديان
من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب، ويتوب
الله على من تاب ".
أخرجه أحمد (4 / 368) والسياق له، والبزار (4 / 246 / 3639) والطبراني
في " المعجم الكبير " (5 / 207 / 5032) من طرق عن يوسف بن صهيب قال: حدثني
حبيب بن يسار عن زيد بن أرقم به. قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات.
وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 243) : " رواه أحمد والطبراني، والبزار
بنحوه، ورجالهم ثقات ".
الحديث الرابع: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يقرأ في الصلاة: لو أن لابن آدم واديا من ذهب لابتغى إليه ثانيا،
ولو أعطي ثانيا لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم.. " الحديث.
2911 - " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة: لو أن لابن آدم واديا من ذهب
لابتغى إليه ثانيا، ولو أعطي ثانيا لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن
آدم.. " الحديث ".(6/966)
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 419) والبزار (4 / 244 / 3634) من
طريقين عن عبد العزيز بن مسلم: حدثنا صبيح أبو العلاء عن عبد الله بن بريدة
عن أبيه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله عند البزار كلهم رجال
البخاري غير صبيح أبي العلاء، وقد وثقه ابن حبان، ذكره في " ثقات التابعين "
(4 / 385) بروايته عن أنس، وعنه حماد بن سلمة وعبد العزيز بن المختار هذا
، وفي " ثقات أتباع التابعين " (6 / 478) بروايته عن شريح، وعنه مروان بن
معاوية الفزاري. قلت: فهؤلاء ثقات ثلاثة رووا عنه: عبد العزيز هذا، ومروان
بن معاوية، وحماد بن سلمة، وروايته في " تاريخ البخاري ". وذكر له ابن
أبي حاتم راويا رابعا، وهو محمد بن جابر، وهو اليمامي، وهو صدوق سيىء
الحفظ. وعند البخاري خامس: عدي بن الفضل، ولكنه متروك. وقد فات هذا
التحقيق المعلق على " مشكل الآثار " (5 / 276 - 277) ، فأعله بجهالة (صبيح)
هذا، غافلا عن رواية هؤلاء الثقات الأربعة عنه، وعن توثيق ابن حبان إياه.
وأعله أيضا بالانقطاع بين ابن بريدة وأبيه! ويأتي الجواب عنه. والحديث قال
الهيثمي (10 / 244) : " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير صبيح أبي
العلاء، وهو ثقة ". قلت: وعبد الله بن بريدة ثقة احتج به الشيخان عن أبيه
وغيره، وقد سمع منه أحاديث كثيرة خلافا لأحد الجهلة، المتعدين على هذا
العلم فزعم أنه لم يسمع من أبيه، وسيأتي الرد عليه بتفصيل لا تجده في مكان
آخر، فراجع الحديث الآتي برقم (2914) ، ولا أدري - والله - إذا كان هذا
الزاعم قلد المعلق المشار إليه آنفا في هذا الإعلال المرفوض، أم هو كما قيل:
(وافق شن طبقه) ، أم هو تلميذه فيه؟!(6/967)
وفي الحديث شاهد قوي يؤيد أن الحديث
كان آية تتلى، وزاد عليها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في الصلاة
ويؤيده:
الحديث الخامس عن أبي موسى الأشعري قال: " نزلت سورة فرفعت، وحفظت منها: "
لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما ثالثا،.. " الحديث ".
2912 - " نزلت سورة فرفعت وحفظت منها: " لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما
ثالثا،.. " الحديث ".
أخرجه الطحاوي (2 / 418 - 419) : حدثنا أبو أمية حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي
حدثنا حماد بن سلمة حدثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي عن
أبيه عن أبي موسى الأشعري قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله
ثقات رجال مسلم غير أبي أمية، واسمه محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي
الطرسوسي، وهو صدوق حافظ له أوهام، لكنه قد توبع. فقال الطحاوي: حدثنا
إبراهيم بن مرزوق حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن
أبي حرب بن أبي الأسود به. وكذا رواه حجاج بن منهال، فقال أبو عبيدة في "
فضائل القرآن " (ص 192) : حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة به. وعلي بن زيد -
وهو ابن جدعان - ضعيف، لكنه قد توبع من حماد بن سلمة كما تقدم من رواية أبي
أمية، وقد توبع من علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود
عن أبيه قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة
رجل، قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه، ولا
يطولن عليكم الأمد فتقسوا(6/968)
قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ
سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتها غير أني قد حفظت منها: "
لو كان لابن آدم واديان من مال.. " الحديث. أخرجه مسلم (3 / 100) والطحاوي
(2 / 419) والبيهقي في " دلائل النبوة " (7 / 156) من طريقين عن علي بن
مسهر. وأعله المعلق على " الطحاوي " (5 / 276) ببعض العلل التي لا أعرفها
منه، وإنما تمثل أسلوب ذاك الهدام للسنة المشار إليه آنفا في آخر الكلام على
حديث بريدة المتقدم (2911) ، وذكرت قبله إعلال المعلق لحديث بريدة بعلة
الهدام! وكدت أن أقول إنه إعلال الهدام نفسه، ولكني دندنت حوله. وأما
الآن فإني أجزم بأن العلل المشار إليها إنما هي من (الهدام) ، فإنها مما لا
يخفى بطلانها على المعلق إن شاء الله. فإن منها قوله: " وأبو حرب بن أبي
الأسود ليس له في صحيح مسلم غير هذا الحديث، ولم يوثقه غير ابن حبان "!!
ووجه بطلان هذا الإعلال ظاهر، فهب أن مسلما لم يخرج له مطلقا فهل يكون ذلك علة
في الراوي إذا كان ثقة؟! وقوله: " ولم يوثقه غير ابن حبان " كذب بلوناه منه
مرارا وتكرارا، فقد صرح بتوثيقه إمام النقاد الحافظ الذهبي، ثم الحافظ
العسقلاني، ودل عليه صنيع مسلم بإخراجه لحديثه، وقول ابن سعد من قبله: "
كان معروفا ". وقد روى عنه جماعة من الثقات، هذا إلى كونه تابعيا. ولذلك
فقد غلب على ظني أن هذا التعليق هو بقلم الهدام، وأن المعلق المشار إليه لا
علم عنده به، وإنما نسبت إليه تعليقات الكتاب لمشاركته في بعضها ولأسباب
أخرى يعرفها أهل العلم، ولسان الحال يقول: (له الاسم ولغيره الرسم) !!
ويستفاد من حديث أبي موسى هذا فائدة جديدة غير ما في الأحاديث(6/969)
المتقدمة، وهي
أن هذا النص كان من جملة ما يتلى في زمنه صلى الله عليه وسلم، ثم رفع ونسخ،
وبه أيد الحافظ الاحتمال الذي سبق أن رجحته في تفسير قول أبي المتقدم تحت
الحديث (2907) : " نرى "، فقال: (11 / 258) : " فهو مما نسخت تلاوته جزما
، وإن كان حكمه مستمرا ". قال: " ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في "
فضائل القرآن " من حديث أبي موسى قال: قرأت سورة نحو * (براءة) *، وحفظت
منها: " لو أن لابن آدم.. " (الحديث) ، ومن حديث جابر: " كنا نقرأ: لو
أن لابن آدم ملء واد مالا، لأحب إليه مثله " الحديث ". قلت: ولم أر حديث
جابر هذا في نسخة " الفضائل " المطبوعة في لبنان عن نسخة مخطوطة سيئة بتحقيق
وهبي الغاوجي، وهو خال من أي تحقيق علمي يذكر! فإذا ثبت حديث جابر هذا فليضم
إلى الأحاديث الخمسة المتقدمة. وجملة القول: أن هذه الأحاديث عن هؤلاء
الصحابة الخمسة تلقي اليقين في النفس أن النص المذكور فيها كان قرآنا يتلى،
حتى في الصلاة، ثم رفع. وقد جهل هذه الحقيقة ذاك المعلق في " مسند أبي يعلى
" (4 / 448) على قول ابن عباس الذي تردد فيه بين أن يكون قرآنا أو لا؟ فقال
: " أقول: وقول ابن عباس وحديث أبي دفعا عشاق الناسخ والمنسوخ إلى أن
يقولوا: إن هذا الحديث كان قرآنا، ثم نسخ بسورة التكاثر، يقولون هذا مع
علمهم أن القرآن لا يثبت إلا بطريق التواتر.. " إلخ كلامه. ومن الواضح أنه
لا يفرق بين القرآن المثبت بين الدفتين الذي يشترط فيه التواتر الذي ذكر،
وبين منسوخ التلاوة كهذا الذي نحن في صدد الكلام حوله،(6/970)
بل حكمه حكم الأحاديث
النبوية والأحاديث القدسية، فإنه لا يشترط فيها التواتر، وإن كان فيها ما
هو متواتر، كهذا، فإنه رواه خمسة من الأصحاب أو أكثر كما سبق. ثم قال المومى
إليه: " و " نرى "، في الحديث - بضم النون - معناها نظن، والظن عكس اليقين
، وقد يكون إياه بقرينة، وليست موجودة هنا ". فأقول: هذا مبني على الشرط
الذي ذكره في منسوخ التلاوة، وهو باطل كما عرفت، وما بني على باطل فهو باطل
. ومما سلف تعلم أن تأييده ما ذهب إليه بما نقله عن الحافظ من توجيهه لظنهم
المذكور - لا يفيده شيئا، لأن الحافظ ذكره في جملة ما ذكره من الاحتمالات في
توجيه بعض الأحاديث، ولم يعتمد عليه، بل اعتمد على الآخر الذي سبق نقله عنه
، وحط عليه بقوله: " فهو مما نسخت تلاوته جزما، وإن كان حكمه مستمرا ".
وأيده بحديث أبي موسى، وحديث جابر، فلا أدري كيف تجاهله هذا المومى إليه،
فكيف وهناك الأحاديث الأخرى المتقدمة التي تلقي اليقين في النفس أن الحديث كان
من القرآن ثم نسخت تلاوته، وفي ظني أنه لم يعلم بها، وإنه لو علم بها ما
قال ما قال، وإلا دل قوله على سوء الحال. نسأل الله السلامة. وهذا البحث
مما ساقني إلى تخريج حديث " الشيخ والشيخة إذا زنيا "، لأنه من مشاهير منسوخ
التلاوة عند العلماء، وأتبع ذلك بما ذكره الحافظ عن الصحابة في منسوخ التلاوة
، ليعلم المومى إليه وغيره من المخرجين أن العلم والفقه في الكتاب والسنة
شيء، ومهنة تخريج الأحاديث شيء آخر. والله المستعان.(6/971)
2913 - " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ".
ورد من حديث عمر وزيد بن ثابت وأبي بن كعب والعجماء خالة أبي أمامة بن سهل
. 1 - أما حديث عمر، فقال أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 75 - 76
) : حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال: قال عمر: قد
خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول القائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا
بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن، أو قامت البينة، أو
كان حمل، أو اعتراف. وقد قرأتها: " الشيخ والشيخة.. " الحديث، رجم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده. وأخرجه ابن ماجه (2553) من طريق
أبي بكر، وكذا مسلم (5 / 116) ولكنه لم يسق لفظه، والنسائي في " الكبرى
" (4 / 273 / 7156) والبيهقي (8 / 211) من طريقين آخرين عن سفيان بن عيينة
به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه، البخاري (رقم
6829) من طريق علي بن عبد الله، ومسلم من طريق أبي بكر - كما تقدم - كلاهما
عن سفيان به، إلا أنهما لم يقولا: " وقد قرأتها.. " إلخ، ومع ذلك فقد
عزاه البيهقي إليهما عقب روايته إياه، وكذلك فعل السيوطي في " الدر المنثور "
(5 / 179 - 180) وإلى ذلك أشار الضياء المقدسي بعدم إيراده إياه في " مسند
عمر " من " الأحاديث المختارة "، وكنت تبعتهم في ذلك في كتابي " الإرواء " (8 / 3 - 4 / 2338) حين عزوته(6/972)
فيه لجمع منهم الشيخان، وهذا مقبول بالنسبة
لمسلم، لأنه رواه من طريق ابن أبي شيبة كما تقدم وفيها الزيادة، وإن كان لم
يسق لفظه، بل أحال به على لفظ رواية يونس عن ابن شهاب قبله، وليس فيه قوله
المذكور: " وقد قرأتها.. ". وأما بالنسبة للبخاري فرواه من طريق شيخه علي
بن المديني، وقد ذكر الحافظ في " الفتح " (12 / 143) أن الإسماعيلي أخرجه،
يعني في " مستخرجه على البخاري " من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني،
وفيه القول المذكور، وقال الحافظ عقبه: " ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا
". ثم استشهد على ذلك بقول النسائي عقب الحديث: " لا أعلم أحدا ذكر في هذا
الحديث: " الشيخ والشيخة.. " غير سفيان، وينبغي أنه وهم في ذلك ". قال
الحافظ: " وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن
كيسان، وعقيل، وغيرهم من الحفاظ عن الزهري، فلم يذكروها، وقد وقعت هذه
الزيادة في هذا الحديث من رواية الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال
: لما صدر عمر من الحج وقدم المدينة خطب الناس فقال:.. "، فذكر الخطبة
وفيها الزيادة، وهي في " حدود الموطأ " (3 / 42 - 43) . وأخرجها ابن سعد في
" الطبقات " (3 / 334) من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا يحيى بن سعيد به.
وبهذا الإسناد روى أحمد (1 / 43) طرفا منه. ورواه (1 / 36) من طريق أخرى
عن يحيى.(6/973)
قلت: وهذا إسناد صحيح على الخلاف المعروف في سماع سعيد من عمر.
فهو شاهد قوي للزيادة التي تفرد بها ابن عيينة، ثم ذكر الحافظ لها شواهد أخرى
، ويأتي تخريجها إن شاء الله قريبا. 2 - وأما حديث زيد بن ثابت، فيرويه
شعبة عن قتادة، عن يونس بن جبير عن كثير ابن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد
بن ثابت يكتبان المصاحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " الشيخ والشيخة.. " الحديث. فقال عمر: لما أنزلت
هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، - قال شعبة - فكأنه
كره ذلك. فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى
وقد أحصن رجم؟ أخرجه أحمد (5 / 183) والنسائي في " السنن الكبرى " (4 / 270
/ 7145) والدارمي (2 / 179) المرفوع منه، والحاكم (4 / 360) والبيهقي
(8 / 211) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا
. وفي رواية للنسائي رقم (7148) من طريق أخرى عن ابن عون عن محمد - هو ابن
سيرين - نبئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت
قال زيد: كنا نقرأ: " والشيخ والشيخة.. "، فقال مروان: أفلا نجعله في
المصحف؟ قال: لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان؟ قال: وقال:(6/974)
ذكروا
ذلك وفينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: أنا أشفيكم من ذاك. قال: قلنا
: كيف؟ قال: آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذكر كذا وكذا، فإذا ذكر الرجم
أقول: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: فأتيته فذكرته، قال: فذكر
آية الرجم. قال: فقال: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: " لا أستطيع
ذاك ". قلت: ورجاله ثقات غير شيخ محمد، فإنه لم يسم، وقد أشار إلى صحته
البيهقي بقوله عقبه: " في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت،
وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا ". وأورده السيوطي في " الدر
المنثور " من رواية النسائي وأبي يعلى نحوه ببعض اختصار بلفظ: " لا أستطيع
الآن ". 3 - وأما حديث أبي، فيرويه عاصم بن بهدلة عن زر قال: قال لي أبي بن
كعب: كائن تقرأ سورة (الأحزاب) ، أو كائن تعدها؟ قال: قلت: ثلاثا وسبعين
آية. قال: قط، لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة (البقرة) ، ولقد قرأنا فيها
: " الشيخ والشيخة.. "، وزاد: " نكالا من الله، والله عليم حكيم ".
أخرجه النسائي (7141) وابن حبان (6 / 301 / 4411 و 4412) والحاكم (2 /
415 و 4 / 359) والبيهقي أيضا، وعبد الرزاق في " المصنف " (3 /(6/975)
365 / 5990
) والطيالسي (540) وعبد الله بن أحمد (5 / 132) والضياء في " المختارة "
(3 / 370 - 371) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو
كما قالا، على ما سبق بيانه تحت الحديث الأول رقم (2908) . وزاد الطيالسي
في آخر الحديث: " فرفع فيما رفع ". وفي سندها ابن فضالة، واسمه مبارك،
وهو مدلس، وقد عنعن. وقد توبع عاصم على أصل الحديث من يزيد بن أبي زياد عن
زر بن حبيش به. أخرجه عبد الله بن أحمد أيضا. ويزيد هو الهاشمي مولاهم،
ولا بأس به في المتابعات. 4 - وأما حديث العجماء، فيرويه الليث بن سعد عن
سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أن خالته (وقال
الطبراني: العجماء) أخبرته قالت: لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
آية الرجم: " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة، بما قضيا من اللذة ". أخرجه
النسائي (7146) والحاكم (4 / 359) والطبراني في " المعجم الكبير " (24 /
350 / 867) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول:
رجاله ثقات رجال الشيخين غير مروان بن عثمان، وهو ابن أبي(6/976)
سعيد بن المعلى
الأنصاري الزرقي، غمزه النسائي، وقال أبو حاتم: ضعيف. وأما ابن حبان
فذكره في " الثقات " (7 / 482) ! وقال الذهبي في " الكاشف ": " مختلف في
توثيقه "! قلت: فلم يصنع شيئا. وقد أورده في " المغني "، وذكر تضعيف أبي
حاتم إياه، وغمز النسائي له، ولم يتعرض لذكر توثيق ابن حبان، وهو الصواب
هنا، ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه " ضعيف ". وقال في " الإصابة "
: " متروك ". انظر " الضعيفة " (6371) . إذا علمت ما تقدم، فاتفاق هؤلاء
الصحابة رضي الله عنهم على رواية هذه الأحاديث الصريحة في رفع تلاوة بعض الآيات
القرآنية، هو من أكبر الأدلة على عدالتهم وأدائهم للأمانة العلمية، وتجردهم
عن الهوى، خلافا لأهل الأهواء الذين لا يستسلمون للنصوص الشرعية، ويسلطون
عليها تأويلاتهم العقلية، كما تقدم عن بعض المعلقين! ولا ينافي تلك الأحاديث
قول ابن عباس لما سئل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ فقال: " ما
ترك إلا ما بين الدفتين ". رواه البخاري (5019) . فإنه إنما أراد من القرآن
الذي يتلى، كما في " الفتح "، ومن الدليل على ذلك أن ابن عباس من جملة من
روى شيئا من ذلك كما يدل عليه قوله في الحديث المتقدم (2909) : " صدق الله
ورسوله: لو كان.. ". ثم قال الحافظ (9 / 65) في آخر شرحه لحديث ابن عباس:(6/977)
" ويؤيد ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت
تلاوتها، وبقي أمر حكمها أو لم يبق مثل حديث عمر: " الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة ". وحديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة، قال
: فأنزل الله فيهم قرآنا: " بلغوا عنا قومنا أنا لقد لقينا ربنا "، وحديث
أبي بن كعب: " كانت الأحزاب قدر البقرة ". وحديث حذيفة: " ما يقرؤون ربعها
. يعني براءة ". وكلها أحاديث صحيحة. وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر
أنه " كان يكره أن يقول الرجل: قرأت القرآن كله، ويقول: إن منه قرآنا قد
رفع، وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته
في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ".
2914 - " خمس لا يعلمهن إلا الله: * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما
في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله
عليم خبير) * ".
أخرجه أحمد (5 / 353) والبزار (3 / 65 / 2249) عن زيد بن الحباب: حدثنا
حسين بن واقد حدثني عبد الله قال: سمعت أبي بريدة يقول: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال
مسلم، مسلسل بالتحديث والسماع، ولذلك قال الحافظ ابن كثير في " التفسير " (
3 / 453 - 454) بعد أن ذكره بإسناد أحمد هذا: " صحيح إسناد، ولم يخرجوه ".
وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (5 / 169) لابن مردويه أيضا والروياني
والضياء، قال السيوطي: " بسند صحيح ".(6/978)
وأما عزو الحافظ إياه في " الفتح " (
8 / 514) لابن حبان والحاكم، فما أظنه إلا وهما. وقال الهيثمي في " المجمع
" (7 / 89) : " رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح ". وللحديث
شاهد صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه في قصة مجيء جبريل عليه السلام
وسؤاله عن الإيمان والإسلام والإحسان والساعة. رواه الشيخان، وابن حبان (
1 / 188 / 159) وغيرهم، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 32 / 3) . وشاهد
آخر من حديث عبد الله بن عمر بلفظ: " مفاتيح الغيب خمس.. " الحديث. أخرجه
البخاري (1039) وابن حبان (1 / 144 / 70 و 7 / 647 / 6101) وأحمد (2 /
24 و 52 و 58) من طريق عبد الله بن دينار عنه. وتابعه سالم بن عبد الله عن
عبد الله به. أخرجه أحمد (2 / 122) . وسنده صحيح على شرط الشيخين. وهذا
الحديث عن ابن عمر، أورده الهيثمي في " موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " (
434 / 1754 و 1755) ، وليس من شرطه كما ترى. (تنبيه) : في إسناد حديث
الترجمة الصحيح بشهادة أولئك الحفاظ: الضياء المقدسي والسيوطي وكذا ابن كثير
- رد صريح قوي على ذاك المتعالم الذي عاث في كتاب " رياض الصالحين " للنووي
فسادا، فغير فيه وبدل، وأخرج منه عشرات الأحاديث الصحيحة زاعما أنها ضعيفة
جعلها ذيلا لـ " رياضه " متشبثا بتعليلات هي أوهى من بيت العنكبوت، ومن ذلك
أنه ضعف (ص 560) حديثين صحيحين من رواية أحمد أيضا عن عبد الله بن بريدة عن
أبيه، بدعوى(6/979)
أنها منقطعة وأن عبد الله لم يسمع من أبيه شيئا! ودعم ذلك -
بزعمه - بقول أحمد: " لا أدري أسمع من أبيه أم لا؟ "، وبكلمة نقلها عن
البخاري في " تاريخه " (3 / 1 / 51) ليست صريحة في نفي السماع (1) ، ولذلك
لم نر أحدا من الحفاظ المتأخرين، عرج على هذا النفي كالذهبي في " السير " (5
/ 50) وقال: " الحافظ الإمام.. حدث عن أبيه فأكثر.. ". وفي " الكاشف "
جزم بروايته عن أبيه وغيره، وقال: " ثقة ". وكذلك قال الحافظ في "
التقريب ". والحافظ العلائي لما أورده في كتابه " المراسيل " (252 / 338)
لم يزد على قوله: " عن عمر رضي الله عنه. قال أبو زرعة: مرسل ". لقد ثبت
لدي يقينا أن هذا الرجل من أهل الأهواء في تضعيفه الأحاديث الصحيحة، خلافا
للعلماء المتخصصين في هذا المجال، هذا إذا كان على علم بأن ما تمسك به في نفي
السماع لا ينهض في إثبات الانقطاع الذي ادعاه، وبموقف الحفاظ المذكور منه،
وبحقائق أخرى تؤيدهم، وإلا فهو جاهل متعالم! وإليك الآن ما تيسر لدي من
الحقائق: الأولى: أن إمام المحدثين البخاري الذي نسب إليه المتعالم نفيه
لسماع
_________
(1) نعم، ما نقله عن إبراهيم الحربي صريح في النفي، لكنه معارض بما سيأتي من
الحقائق، ولاسيما أنه تفرد بقرن سلمان مع أخيه عبد الله في نفي سماعهما من
أبيهما!! . اهـ.(6/980)
عبد الله من أبيه قد أخرج له في " صحيحه " محتجا به، وقد وقفت له فيه
على حديثين أخرجهما في " المغازي ": الأول: (8 / 66 / 4350) من طريق علي بن
سويد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا
إلى خالد ليقبض الخمس.. الحديث. وأخرجه أحمد (5 / 350) من طريق أخرى عن
عبد الله بن بريدة: حدثني أبي بريدة. فصرح بسماعه من أبيه، وهذا منه كثير
كما يأتي، وإسناد هذا حسن. والآخر: (8 / 153 / 4473) من طريق كهمس عن
ابن بريدة عن أبيه قال: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
وشاركه في هذا مسلم (5 / 200) من هذا الوجه. ثم رواه من طريق حسين بن واقد عن
عبد الله بن بريدة نحوه. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " (
5 / 459) مصرحا بتحديث ابن بريدة عن أبيه. إذا عرفت هذا فقول الحافظ في "
مقدمة الفتح " (413) أن عبد الله بن بريدة ليس له في البخاري من روايته عن
أبيه سوى حديث واحد، ووافقه مسلم على إخراجه! فهو سهو عن الحديث الأول،
وقد عزوته آنفا إلى الجزء والصفحة والرقم من شرحه - الطبعة السلفية. الحقيقة
الثانية: أن الإمام مسلما قد صحح جملة من أحاديث عبد الله بن بريدة عن أبيه في
مختلف أنواع أبواب الفقه، أخرجها في " صحيحه "، فمن شاء راجعها مستعينا على
ذلك بكتاب المزي: " تحفة الأشراف "، وهذه أرقامها: (1947 و 1963 و 1980
و1989 و 1999 و 2001) .(6/981)
والرقم الأول يشير إلى قصة ماعز ورجمه، وهو مخرج في
" إرواء الغليل " (7 / 356 - 357) وصححه الدارقطني أيضا. والرقم الثاني
يشير إلى غزو بريدة معه صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة أخرجها بإسناد حديث
الترجمة، وصرح عبد الله بسماعه من أبيه في " الدلائل " كما تقدم. والرقم
الثالث يشير إلى حديث المرأة التي تصدقت على أمها بجارية، وهو مخرج في "
الإرواء " (3 / 262) و " صحيح أبي داود " (1460) واستدركه الحاكم كما يأتي
، فوهم. والرقم الرابع في النهي عن زيارة القبور، ولحوم الأضاحي وغيرها.
وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 178 - 179) ، و " الصحيحة " (2048 -
المجلد الخامس) ، وصححه الترمذي وابن حبان. والرقم الخامس في قوله صلى
الله عليه وسلم: أوتي مزمارا من مزامير آل داود. وهو مخرج في " صحيح أبي
داود " (1341) ، وصححه ابن حبان أيضا. الثالثة: أن أحاديث مسلم التي
أخرجها من طريق سليمان بن بريدة عن أبيه أكثر وأطيب، وهذه أرقامها في "
التحفة " تيسيرا لمن أراد استخراجها منه: (1928 و 1929 و 1930 و 1931 - 1937
) . والأول منها مخرج في " صحيح أبي داود " (164) وصححه أيضا أبو عوانة
والترمذي وابن حبان. والحديث الثاني مخرج في " الإرواء " (5 / 86 / 1247)
وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان وابن الجارود. والثالث مخرج في " أحكام
الجنائز " (ص 189 - 190) ، وصححه ابن حبان أيضا.(6/982)
والرابع في " صحيح أبي
داود " (423) ، وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان والترمذي. والخامس في "
أحكام الجنائز " (ص 178) ، وصححه الترمذي أيضا وابن حبان. والسادس: "
حرمة نساء المجاهدين.. "، مخرج في " صحيح أبي داود " (2255) وصححه أيضا
أبو عوانة وابن حبان. والسابع: في قصة ماعز المتقدمة، فقد رواها مسلم
وغيره من حديث سليمان بن بريدة أيضا. والثامن: " من لعب بالنردشير.. "،
وهو مخرج في " الإرواء " (8 / 286 - 287) ، وصححه ابن حبان أيضا والبغوي.
والتاسع: " من دعا إلى الجمل الأحمر.. "، وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان
وكذا ابن خزيمة (1301) . والعاشر: حديث المرأة التي تصدقت على أمها بجارية،
المتقدم في ترجمة عبد الله بن بريدة، فقد رواه بعضهم عن أخيه سليمان. وتقدم
تخريجه. قلت: هذه الأحاديث الصحيحة كلها وغيرها كثير وكثير جدا، مما يعنيه
الرجل المتعالم بالإعلال الذي نقله عن الإمام البخاري وغيره بعدم سماع عبد
الله بن بريدة وأخيه سليمان من أبيهما! ولم يتنبه الرجل لجهله بهذا العلم،
وبالغ غفلته بعواقب ما ينقله عن بعض الأئمة من تضعيف لأحاديثهم التي صححها
الأئمة أنفسهم، ووافقهم جماهير العلماء والحفاظ الذين جاؤوا من بعدهم. ومن
تلك الغفلة أنه أورد في " رياضه " أربعة أحاديث رقم (434 و 436 و 1250 و 1296) من تلك الأحاديث الصحيحة المتقدمة من رواية مسلم، مشيرا(6/983)
إلى أرقامها في "
مسلم "، وذلك يعني - إن كان واعيا لما يشير - أنها من رواية سليمان بن بريدة
عن أبيه، والأولى من الأربعة في الإذن بزيارة القبور، والثاني في السلام
عليها، والثالث في حرمة نساء المجاهدين، والرابع: " من دعا إلى الجمل
الأحمر ". وقد يقال: لعله أوردها مع تسليمه بضعف إسنادها في قرارة نفسه،
لشواهد لها عنده تقويها! فأقول: هذا أولا غير معروف عنه، فكم من أحاديث
صحيحة بمجموع طرقها أوردها في " ضعيفته " متباهيا! وثانيا: لا يعرف لكثير من
تلك الأحاديث ما يقويها، مثل حديث: " حرمة نساء المجاهدين ". وثالثا: كان
عليه أن ينبه القراء على أنه لا تلازم بين إعلال الحديث بالانقطاع - لو صح -
وبين ضعفه، لما ذكرته، لكي لا يدعهم في حيرة من أحاديث الابنين عن أبيهما
بريدة رضي الله عنه، وليقطع بذلك دابر سوء ظنهم به، ولو بكلمة قصيرة عندما
ضعف الحديثين الصحيحين المشار إليهما فيما سبق بعلة الانقطاع، وإذ لم يفعل
فهو متهم بتضعيفه لكل الأحاديث الواردة من طريقهما عن أبيهما حتى يعلن رأيه
الصريح في كل الأحاديث التي صح السند بها إليهما عن أبيهما. فإن كان الجواب:
إنها صحيحة، فقد اهتدى وبطلت العلة المذكورة، وهذا هو المراد، وإن ظل
متشبثا بها، لزمه ما ألزمناه من تضعيفه لعشرات الأحاديث الصحيحة، مخالفا بذلك
(سبيل المؤمنين) . ولتزداد يقينا - أيها القارىء الكريم - ببالغ خطورة
التشبث المذكور، ينبغي أن تعلم أن إعلاله المذكور يشمل عشرات الأحاديث الأخرى
المبثوثة في مختلف كتب السنن والمسانيد والمعاجم والفوائد وغيرها مما يصعب
إحصاؤه وحصره، ولذلك فإني سأكتفي بذكر مواضع أحاديثهما(6/984)
عن أبيهما في كتابين
فقط من تلك الكتب التي التزم مؤلفوها الصحة، وهما " صحيح ابن حبان " و "
مستدرك الحاكم ". أولا: أحاديث بريدة من رواية ابنيه عنه بأرقامها في "
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان " طبع دار الكتب العلمية، ذات السبعة مجلدات:
1 - " ليلة أسري بي.. " (1 / 1 / 12 / 47) وهو مخرج في " المشكاة " (5921
/ التحقيق الثاني) وهو مما حسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي.
2 - " أحساب أهل الدنيا.. " (2 / 42 / 697 و 698) وهو مخرج في " الإرواء "
(6 / 271 - 272) وصححه الحاكم والذهبي، وصرح عبد الله بن بريدة بالسماع
من أبيه!
3 - " لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى.. " (2 / 125 / 888 و 889)
وهو مخرج في " صفة الصلاة "، و " صحيح أبي داود " (1341) ، وصححه الحاكم
والذهبي، وحسنه الترمذي.
4 - حديث السؤال عن المواقيت (3 / 24 / 1490 و 35 / 1523) وهو مخرج في
الحديث الرابع المشار إليه (ص 983) من أحاديث مسلم المتقدمة.
5 - " في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل.. " (3 / 79 / 1640 و 3 / 106) وهو
مخرج في " الإرواء " (2 / 213) من رواية جمع منهم أحمد والطحاوي وصرحا فيه
بسماع عبد الله من أبيه بريدة وهي رواية ابن خزيمة في " صحيحه " (1226) .
6 - صلى الصلوات كلها بوضوء واحد (3 / 105 / 1703 و 1704 و 1705) رواه مسلم
أيضا، وصححه جمع، وهو الحديث الأول المشار إليه (ص 982) .(6/985)
7 - كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم (4 / 206 / 2801) وهو مخرج في " المشكاة
" (1440) وصححه الحاكم أيضا وابن القطان والذهبي، وكذا ابن خزيمة (1426
) .
8 - " المؤمن يموت بعرق جبينه " (5 / 6 / 3000) ، وهو مخرج في " أحكام
الجنائز " (35) وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي.
9 - النهي عن زيارة القبور (5 / 67 / 3158 / 7 / 385 / 5376) وتقدم من رواية
مسلم، وهو الحديث الثالث.
10 - السلام على أهل القبور (4 / 69 / 3163) وهو الخامس عند مسلم.
11 - " من خبب زوجته.. " (6 / 279 / 4348) وهو مخرج في " الصحيحة " (94
و325) ، وصححه جمع منهم المنذري.
12 - حديث ضرب الجارية على الدف.. (6 / 286 - 287) وهو مخرج في " الصحيحة "
(2261) ، وصححه الترمذي أيضا.
13 - " حرمة نساء المجاهدين.. " (7 / 72 / 4615) وصححه جمع تقدم ذكرهم في
حديث مسلم السادس.
14 - " صاحب الدابة أحق.. " (7 / 114 / 4715) وهو مخرج في " صحيح أبي داود
" (2318) ، وحسنه الترمذي، وصححه أيضا الحاكم والذهبي، وصرح عبد الله
بن بريدة بسماعه من أبيه عند أحمد وغيره.
15 - " اغزوا بسم الله.. " (7 / 116 / 4719) وصححه جمع منهم مسلم، ذكروا
في حديثه الثاني.
16 - " مالي أجد منك ريح الأصنام.. " (7 / 411 / 5464) وهو مخرج(6/986)
في "
المشكاة " (4396) و " آداب الزفاف " (128) وسنده إلى عبد الله بن بريدة
ضعيف.
17 - كان لا يتطير من شيء.. (7 / 530 / 5797) وهو مخرج في " الصحيحة " (
762) ، وصححه ابن القطان.
18 - إقبال الحسن والحسين عليه وهو يخطب (7 / 612 و 613) ، وهو مخرج في "
صحيح أبي داود " (1016) ، وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة أيضا والحاكم
والذهبي، وصرح عبد الله بالسماع من أبيه عنده، أعني ابن حبان في روايته،
وكذا أحمد.
19 - تفله في رجل عمرو بن معاذ فبرأ (8 / 151 / 6475) وفيه تصريح عبد الله
بالسماع، ومضى تخريجه برقم (2904) .
20 - " من كنت وليه فعلي وليه " (9 / 42 / 6891) وهو مخرج في " الصحيحة " (
1750) و " الروض النضير " (171) ، وقواه الحافظ في " الفتح " (8 / 67)
وصححه الحاكم والذهبي، وصرح عنده عبد الله بلقائه لأبيه!
21 - " إنها صغيرة.. ". يعني فاطمة (9 / 51 / 6909) وصححه الحاكم أيضا،
ووافقه الذهبي.
22 - في فضل بلال وعمر رضي الله عنهما (9 / 108 / 7044 و 7045) وهو مخرج في
" التعليق الرغيب " (1 / 99) وصححه أيضا الترمذي والحاكم والذهبي، وصرح
عبد الله بسماعه من أبيه عند أحمد (5 / 354) .
23 - " أهل الجنة عشرون ومائة صف.. " (9 / 274 - 275) وهو مخرج في "
المشكاة " (5644) وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم (1 / 82) .(6/987)
ثانيا: أحاديث بريدة من رواية ابنيه عنه في " مستدرك الحاكم " مشيرا إلى أرقام
صفحاتها فيه ومجلداتها من الطبعة الهندية التي لم يصدر غيرها حتى الآن فيما
علمت، وسأخرج ما تيسر لي منها.
1 - " أهل الجنة.. " الحديث المذكور آنفا (1 / 82) وأقره الذهبي.
2 - " كنا لا نرفع رؤوسنا إعظاما له " (1 / 120 - 121) وصححه وأقره الذهبي
. 3 - إقبال الحسن والحسين.. المتقدم آنفا برقم (18) (1 / 287 / 4 / 189)
، وأقره الذهبي.
4 - الخروج يوم الفطر المتقدم برقم (7) (1 / 294) وصححه هو والذهبي.
5 - " الوتر حق.. " (1 / 305) وصححه، وتعقبه الذهبي بمن دون عبد الله،
وهو مخرج في " الإرواء " (417) وغيره.
6 - لما أخذوا في غسله صلى الله عليه وسلم (1 / 354) وصححه ووافقه الذهبي.
7 - " المؤمن يموت بعرق الجبين " (1 / 361) وصححه هو والذهبي، وتقدم.
8 - زيارته صلى الله عليه وسلم لقبر أمه (1 / 375 و 2 / 605) وصححاه.
9 - " إني استأذنت ربي في الاستغفار لأمي.. " (1 / 376) وصححاه.
10 - " كان يتعهد الأنصار ويعودهم.. " (1 / 384) وصححاه، وهو مخرج في "
أحكام الجنائز " (164 - 165) .
11 - " من استعملناه على عمل.. " (1 / 406) وصححاه، وهو مخرج في " غاية
المرام " (460) .(6/988)
12 - حديث التوسل باسم الله الأعظم (1 / 504) وقد تقدم، وصححاه.
13 - " اللهم أنت ربي.. " (1 / 564 - 565) وصححاه، ورواه ابن حبان أيضا (
1032) وهو مما فاتنا ذكره في أحاديثه المتقدمة، وهو مخرج في " الصحيحة " (
4 / 328) .
14 - " بسم الله، اللهم إني أسألك خير هذه السوق.. " (1 / 539) ، وضعفه
الذهبي بمن دون سليمان بن بريدة. وهو مخرج في " الكلم الطيب " (حديث رقم 231
) .
15 - " يجيء يوم القيامة القرآن كالرجل.. " (1 / 556) وصححه، وسكت عنه
الذهبي، وفي الطريق إلى عبد الله بن بريدة كلام، لكن له شاهد تقدم تخريجه
برقم (2829) .
16 - " تعلموا سورة البقرة وآل عمران.. " (1 / 560) وصححاه، وهو مخرج في
" التعليق الرغيب " (2 / 219) .
17 - " من قرأ القرآن وتعلمه.. " (1 / 567 - 568) وصححاه، وهو مخرج في "
التعليق الرغيب " (2 / 210) وانظر الحديث المتقدم (2829) .
18 - مجيء سلمان إليه صلى الله عليه وسلم بصدقة ثم بهدية.. (2 / 16) وصححاه
، وهو مخرج في " مختصر الشمائل " (رقم 18) وصرح عبد الله بسماعه من أبيه
عند أحمد (5 / 354) .
19 - " من أنظر معسرا.. " (2 / 29) وصححاه، وهو مخرج في " الصحيحة " (86
) و " الإرواء " (5 / 263 / 1438) .
20 - " صاحب الدابة أحق.. " (2 / 64) وتقدم، وصححاه.(6/989)
21 - " من كنت وليه.. " (2 / 129 - 130) وتقدم، وفيه أن عبد الله بن
بريدة كان يمشي مع أبيه، وصححاه.
22 - " أحساب أهل الدنيا.. " (2 / 163) وتقدم، وصححاه.
23 - ".. إنها صغيرة.. " (2 / 167 - 168) وتقدم، وصححاه.
24 - " يا علي لا تتبع النظرة.. " (2 / 194) وصححاه وفيه نظر، وهو مخرج
في " الجلباب " (ص 77 / الطبعة الجديدة) .
25 - " لما انتهينا إلى بيت المقدس.. " (رقم 1) (2 / 360) وتقدم،
وصححاه.
26 - قول عمر: " لا تباع أم حر "، وفيه قصة (2 / 458) وصححاه.
27 - بعثه صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة السلاسل (3 / 42 - 43)
وصححاه.
28 - في إسلام أبي ذر وابن عمر.. (3 / 112) وصححاه.
29 - في فضل بلال وعمر.. (3 / 285) وتقدم (22) وصححاه.
30 - " القضاة ثلاثة.. " (4 / 90) وهو مخرج في " الإرواء " (8 / 235 /
2614) وصححاه، وفيه نظر بينته هناك.
31 - " ادع تلك الشجرة.. " (4 / 172) . صححه الحاكم، ووهاه الذهبي بمن دون
عبد الله بن بريدة. لكن القصة لها شواهد.
32 - " كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام.. " (4 / 238) وصححاه. وهو مخرج
في " الإرواء " (4 / 388 - 389) وصرح عبد الله بن بريدة بسماعه من أبيه عند
البيهقي.(6/990)
33 - " نهى عن مجلسين وملبسين.. " (4 / 272) وسكت عنه، وقواه الذهبي كما
تقدم بيانه برقم (2905) .
34 - " ليس منا من حلف بالأمانة.. " (4 / 298) وصححاه، وهو مخرج في "
الصحيحة " (94) وصححه ابن حبان أيضا، وهو في الحديث المتقدم برقم (11) ،
وهو أحد الحديثين اللذين جنى عليهما المردود عليه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك
في أول هذا البحث.
35 - " من قال: أنا بريء من الإسلام.. " (4 / 298 أيضا) وصححه هو والذهبي
، وهو مخرج في " الإرواء " (2576) وهو الحديث الآخر من الحديثين اللذين
ضعفهما المومى إليه، ولم يعزه في " ضعيفته " (560 / 120) لأحمد لأنه صرح في
روايته بسماع عبد الله بن بريدة من أبيه!
36 - " إذا قال الرجل للمنافق.. " (4 / 311) وصححه الحاكم، وضعفه الذهبي
بمن دون عبد الله، ولكنه متابع، وهو مخرج في " الصحيحة " (371 و 1389) .
37 - حديث المرأة التي تصدقت على أمها بجارية (4 / 347) وقال: " صحيح
الإسناد ولم يخرجاه "! وقد وهم في استدراكه إياه على مسلم كما تقدم التنبيه
عليه (ص 982) .
38 - قصة ماعز والغامدية (4 / 363) وسكت عنه هو والذهبي، وهو المتقدم
عند مسلم (ص 982) .
39 - " إن لله ريحا يبعثها على رأس مائة سنة.. " (4 / 457) وصححاه وفيه
ضعف ومخالفة ممن دون عبد الله بن بريدة. وقد بينت ذلك في " الضعيفة " (2576) .(6/991)
40 - يجيء قوم صغار العيون.. " الحديث (4 / 474) وصححاه، ودون عبد الله
ممن تكلم فيه. هذا ما تيسر لي ذكره من أحاديث عبد الله وسليمان ابني بريدة بن
الحصيب رضي الله عنه من صحيح البخاري ومسلم وابن حبان والحاكم، ولابد أنه
قد ذهب عني بعض أحاديث الأخيرين، ولكن فيما ذكر كفاية للدلالة على ما قصدت
إليه من بيان جهل هذا الرجل أو تجاهله، لاتفاق العلماء على تصحيح أحاديث
الابنين الكريمين، فصدق فيه قول ربنا تبارك وتعالى: * (ومن يشاقق الرسول من
بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت
مصيرا) *، لأنه إن كان جاهلا فقد خالف نصوصا كثيرة تأمره وأمثاله بسؤال
العلماء، وإن كان جاهلا فقد خالف نصوصا كثيرة تأمره وأمثاله بسؤال العلماء،
وإن كان متجاهلا فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى بيان بعد هذه العشرات من
الأحاديث التي صححها الشيخان وغيرهما، وفي بعضها تصريح عبد الله بسماعه من
أبيه وبلقائه إياه كما تقدم، مع تصحيح أولئك الأئمة لأحاديثهما، وما أحسن
ما قيل: وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
2915 - " المسلمون عند شروطهم ".
حديث صحيح بمجموع طرقه، كنت خرجته في " إرواء الغليل " (5 / 142 - 146) من
حديث جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا تجدها مجموعة في كتاب، من
حديث أبي هريرة وعائشة وأنس بن مالك وعمرو بن عوف ورافع بن خديج وعبد
الله بن عمر، فأغنى ذلك عن إعادة تخريجه هنا. ولكني وقفت على فوائد جديدة
حوله، فأحببت أن أزفها إلى القراء الكرام، تقوية للحديث علاوة على ما هناك،
وردا لتضعيف بعض أهل الأهواء إياه.
فأقول:(6/992)
لقد وقفت على شاهده المرسل القوي
في " مصنف ابن أبي شيبة " قال (6 / 568 / 2064) : حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن
عبد الملك عن عطاء قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت
: وهذا بلاغ مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، عبد الملك هو ابن أبي
سليمان العرزمي أحد الأئمة، وعطاء هو ابن أبي رباح التابعي الجليل، من
المكثرين عن ابن عباس وجابر وابن عمر وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فهو من أقوى المراسيل التي يستشهد بها كل العلماء محدثين وفقهاء،
كما هو مبسوط في محله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " إبطال التحليل " (ص
30) : " والمرسل صالح للاعتضاد باتفاق الفقهاء ". ولذلك علق الحديث الإمام
البخاري في " صحيحه " بصيغة الجزم، فقال (4 / 451) : " وقال النبي صلى الله
عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم ". وخرجه الحافظ في " الفتح " عن بعض
المذكورين، وكذلك جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عبد البر في "
التمهيد " (7 / 117) وابن القيم أيضا في " الإغاثة " (2 / 21 و 55) وحسن
إسناد أبي هريرة النووي في " المجموع " (9 / 376) وقواه ابن دقيق العيد في "
الإلمام " (906 و 907) ، وحسنه الشوكاني في " نيل الأوطار " (5 / 216) .
إذا عرفت هذا، فقد شذ عن هؤلاء الأئمة جميعا، وعن القوة التي يأخذها الحديث
من مجموع طرقه - وبخاصة المرسل الصحيح منها - المدعو (حسان عبد المنان) في
تعليقه على " إغاثة اللهفان " لابن القيم، فجزم بضعفه، غير مبال بمخالفته
سبيل المؤمنين، فقال (2 / 21) : " حديث ضعيف علقه البخاري في " صحيحه " (4
/ 451) !(6/993)
هكذا قال! ثم خرج بعض الطرق المشار إليها، وكاتما أقوال الأئمة
الذين قووه واحتجوا به، بل إنه أوهم القراء أن البخاري ضعفه بتعليقه إياه،
وكتم عنهم أنه جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فما حكم من يفعل ذلك
معشر القراء الكرام؟!
2916 - " لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من
أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل. ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر
إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أعتق أربعة ".
أخرجه أبو داود (3667) والطبراني في " الدعاء " (3 / 1638 / 1878)
والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 409 / 561 و 562) من طريق موسى بن خلف عن
قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت:
وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 32) ورجاله
ثقات، وفي موسى بن خلف كلام، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق عابد له
أوهام ". ويشهد له حديث علي بن زيد عن أبي طالب الضبعي عن أبي أمامة مرفوعا
به. أخرجه أحمد (5 / 254) والطبراني في " الدعاء " (1882) وفي " المعجم
الكبير " (8 / 317 / 8028) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 284) وقال
الهيثمي بعدما عزاه لأحمد و " المعجم " (10 / 104) : " وأسانيده حسنة "!(6/994)
كذا قال، ولعله يعني في الشواهد، فإن علي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف
يستشهد به. وحديث الترجمة أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (6 / 119 / 3392) من
طريق أبي عبيدة [الحداد] عن محتسب عن ثابت عن أنس به، وزاد في الشطرين: "
دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفا ". ومن طريق أبي يعلى وغيره أخرجه ابن عدي في
" الكامل " (6 / 466) في ترجمة (محتسب) هذا، وهو ابن عبد الرحمن البصري
أبو عائذ، وقال: " يروي عن ثابت أحاديث ليس محفوظة ". وقال الذهبي في "
المغني ": " له مناكير ". قلت: كهذه الزيادة، فإنها منكرة. وزادها أيضا
يزيد الرقاشي في الشطر الأول منه من طريق (معلى بن زياد) عنه. رواه أبو يعلى
(7 / 128 - 129 و 154) وعنه ابن السني وعن غيره (216 / 664) والطبراني
في " الدعاء " (1879) والبيهقي (563) ، وتحرف (المعلى) في الموضع الأول
من " أبي يعلى " إلى (الهقل) ، وهو خطأ ظنه المعلق عليه صوابا! ويزيد هو
ابن أبان، ضعيف. وللشطر الأول منه طريق أخرى، يرويها عبد المؤمن بن سالم:
حدثنا سليمان التيمي عن أنس به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 35) ،
و" أخبار أصبهان " (1 / 200) .(6/995)
لكن عبد المؤمن هذا قال العقيلي (3 / 93) :
" لا يتابع على حديثه ". لكن له شاهد يرويه شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال:
سمعت كردوسا يقول: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بدر
يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لأن أجلس في هذا المجلس
أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب ". قال: قلت: أي مجلس تعني؟ قال: مجلس الذكر
. أخرجه الدارمي (2 / 319) والبيهقي في " الشعب " (564) والسياق له،
وفي " السنن " (10 / 88 - 89) وأحمد (3 / 474) وقال في رواية هاشم عن شعبة
: " قال شعبة: فقلت أي مجلس تعني؟ قال: كان قاصا ". وقال في الإسناد: "
سمعت كردوس بن قيس، وكان قاص العامة بالكوفة ". قلت: ومن هذا الوجه هو في
" السنن " لكن وقع في الموضعين منه: " قاضي العامة "، " كان قاضيا ". وذكره
في " كتاب آداب القاضي "! وأنا أظنه محرفا، بدليل روايته الصريحة أنه يعني "
مجلس الذكر "، ونحوه رواية أحمد. وكذلك وقع في " تاريخ البخاري " (4 / 1 /
243) : عن ابن عون قال: " رأيت (كردوسا التغلبي) وكان قاص الجماعة ".
وعن أبي وائل عن " كردوس بن عمرو، وكان يقرأ الكتب ". وكذا في " ثقات ابن
حبان " (5 / 342) ، وزاد:(6/996)
" ويحكي عن الإنجيل والتوراة ". فهذا كله يؤكد
أنه كان قاصا واعظا. فمثله لا يصلح أن يكون قاضيا، ولذلك لم يورده (وكيع)
في كتابه " أخبار القضاة "، وترجم الدارمي بقوله: " باب في الرخصة في القصص
"، وقال عقبه: " قال أبو محمد - هو الدارمي -: الرجل من أصحاب بدر هو علي "
. قلت: وكذا وقع في رواية البزار في " البحر الزخار " (3 / 130) من طريق
روح بن عبادة قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرنا عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت
كردوس بن عمرو قال: سمعت رجلا من أهل بدر - قال شعبة: أراه علي بن أبي طالب -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لأن تفصل المفصل أحب إلي من كذا بابا
". قال شعبة: فقلت لعبد الملك: أي مفصل؟ قال: القصص. وقال البزار: "
ولا نعلم روى كردوس بن عمرو عن علي إلا هذا الحديث ". وقال الهيثمي في "
المجمع " (1 / 161) : " رواه البزار وفيه (كردوس) وثقه ابن حبان، وقال
أبو حاتم: " فيه نظر ". وبقية رجاله رجال الصحيح ". كذا قال، وأقره
الحافظ في " مختصر الزوائد " (1 / 134) !
2917 - " إنا كنا نرد السلام في صلاتنا، فنهينا عن ذلك ".
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 263) والبزار في " مسنده " (1 / 268
/ 554 - كشف الأستار) والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 246 / 1 /(6/997)
8795)
من طرق عن عبد الله بن صالح: حدثني الليث حدثني محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم
عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو في الصلاة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم بإشارة، فلما سلم
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن ابن
عجلان إلا الليث ". قلت: وهو ابن سعد الإمام المصري الحجة، فالسند حسن
للخلاف المعروف في محمد ابن عجلان. وأعله الهيثمي بـ (عبد الله بن صالح)
فقال (2 / 81) : " رواه البزار، وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وثقه
عبد الملك بن شعيب ابن الليث، فقال: " ثقة مأمون "، وضعفه أحمد وغيره ".
وتوسط الحافظ فيه فذهب إلى أنه ثقة في رواية الأئمة الكبار عنه كالبخاري وأبي
حاتم ونحوهما. انظر ترجمته في " مقدمة الفتح ". ومن الظاهر أنه لم يعزه
للطبراني - وهو على شرطه -، فإما أن يكون سقط منه - وله أمثلة - وإما من
الناسخ، ويرجح الأول أنه لم يورده أيضا في " مجمع البحرين " (2 / 176) وهو
من أصوله كما هو معلوم عند العارفين بـ " المجمعين ". ثم إن الرجل الذي سلم
على النبي صلى الله عليه وسلم هو عبد الله بن مسعود كما روى أبو هريرة عنه قال
: " مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فسلمت عليه فأشار إلي "
. أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه، وهو مخرج في " الروض النضير " (637) وكان
ذلك عند قدومه من هجرته رضي الله عنه من الحبشة، صح ذلك عنه من غير ما طريق،
وتقدم تخريجه في المجلد الخامس رقم (2380) وفي " الروض " أيضا (605) .(6/998)
من فقه الحديث: وفي الحديث دلالة صريحة على أن رد السلام من المصلي لفظا كان
مشروعا في أول الإسلام في مكة، ثم نسخ إلى رده بالإشارة في المدينة. وإذا
كان ذلك كذلك، ففيه استحباب إلقاء السلام على المصلي، لإقراره صلى الله عليه
وسلم ابن مسعود على " إلقائه "، كما أقر على ذلك غيره ممن كانوا يسلمون عليه
وهو يصلي، وفي ذلك أحاديث كثيرة معروفة من طرق مختلفة، وهي مخرجة في غير ما
موضع. وعلى ذلك فعلى أنصار السنة التمسك بها، والتلطف في تبليغها وتطبيقها
، فإن الناس أعداء لما جهلوا، ولاسيما أهل الأهواء والبدع منهم.
2918 - " يا شيطان اخرج من صدر عثمان! [فعل ذلك ثلاث مرات] ".
هو من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه، وله عنه طرق أربعة:
الأولى: عن عبد الأعلى: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عبد الله بن
الحكم عن عثمان بن بشر قال: سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: شكوت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم نسيان القرآن، فضرب صدري بيده فقال: فذكره. قال
عثمان: " فما نسيت منه شيئا بعد، أحببت أن أذكره ". أخرجه الطبراني في "
المعجم الكبير " (9 / 37 / 8347) وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 3) : "
رواه الطبراني وفيه عثمان بن بشر، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".(6/999)
فأقول: بلى هو معروف، فقد ترجمه البحاري في " التاريخ "، وابن أبي حاتم، وروى
عن ابن معين أنه قال: " عثمان بن بشر الثقفي - ثقة ". وبقية رجال الإسناد
ثقات رجال مسلم على ضعف يسير في الطائفي، وغير عبد الله بن الحكم، والظاهر
أنه البلوي المترجم في " التاريخ "، و " ثقات ابن حبان " (7 / 30) ، فإنه من
هذه الطبقة، فالإسناد حسن. ولعبد الله الطائفي هذا إسناد آخر أصح من هذا،
وهو الطريق: الثانية: يرويه معتمر بن سليمان قال: سمعت عبد الله بن عبد
الرحمن الطائفي يحدث عن عمه عمرو بن أويس عن عثمان بن أبي العاص قال: استعملني
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف،
وذلك أني كنت قرأت سورة * (البقرة) *، فقلت: يا رسول الله! إن القرآن ينفلت
مني، فوضع يده على صدري وقال: " يا شيطان! اخرج من صدر عثمان ". فما نسيت
شيئا أريد حفظه. أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " (5 / 308) . وإسناده
صحيح. الثالثة: يرويه الحسن عنه، قال: شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
سوء حفظي للقرآن، فقال: " ذاك شيطان يقال له: (خنزب) ، ادن مني يا عثمان!
". ثم وضع يده على صدري، فوجدت بردها بين كتفي، ثم قال: (فذكره) . فما
سمعت بعد ذلك شيئا إلا حفظته.(6/1000)
أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " (ص 400 - 401)
، وكذا البيهقي من طريق عثمان بن عبد الوهاب الثقفي: حدثنا أبي عن يونس
وعنبسة عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح لولا عنعنة (الحسن) ، وهو البصري، فإنه
كان يدلس، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن عبد الوهاب، وثقه ابن حبان
(8 / 453) . وأصل الحديث في " صحيح مسلم " بلفظ آخر، وهو في " صفة الصلاة
". الرابعة: يرويه عيينة بن عبد الرحمن: حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص
قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف، جعل يعرض لي شيء
في صلاتي، حتى ما أدري ما أصلي! فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقال: " ابن العاص؟ ". قلت: نعم يا رسول الله! قال: " ما جاء
بك؟ ". قلت: يا رسول الله! عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي! قال
: " ذاك الشيطان، ادنه ". فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري
بيده، وتفل في فمي وقال: " اخرج عدو الله! ".(6/1001)
ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم
قال: " الحق بعملك ". أخرجه ابن ماجه (3548) والروياني في " مسنده " (ق
148 / 1 - 2) كلاهما بإسناد واحد عنه. وهو إسناد صحيح. وفي الحديث دلالة
صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ويدخل فيه ولو كان مؤمنا صالحا، وفي
ذلك أحاديث كثيرة، وقد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم (485) من حديث يعلى
بن مرة قال: " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا..
" وفيه: " وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين، يأخذه كل
يوم مرتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدنيه "، فأدنته منه،
فتفل في فيه، وقال: اخرج عدو الله! أنا رسول الله ". رواه الحاكم وصححه.
ووافقه الذهبي، وهو منقطع. ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى، جود المنذري
أحدها! ثم ختمت التخريج بقولي: " وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد (1) .
والله أعلم ". ثم وقفت على كتاب عجيب من غرائب ما طبع في العصر الحاضر بعنوان
(طليعة " استحالة دخول الجان بدن الإنسان ") ! لمؤلفه (أبو عبد الرحمن إيهاب
بن حسين الأثري) - كذا الأثري موضة العصر! - وهذا العنوان وحده يغني القارئ
اللبيب عن الاطلاع على ما في الكتاب من الجهل والضلال، والانحراف عن
_________
(1) وله شواهد كثيرة يزداد بها قوة، قد ساقها المؤلف الآتي ذكره، وسلم
بصحته في الجملة، ولكنه ناقش في دلالته، ويأتي الرد عليه.(6/1002)
الكتاب
والسنة، باسم الكتاب والسنة ووجوب الرجوع إليهما، فقد عقد فصلا في ذلك،
وفصلا آخر في البدعة وذمها وأنها على عمومها، بحيث يظن من لم يتتبع كلامه
وما ينقله عن العلماء في تأييد ما ذهب إليه من الاستحالة أنه سلفي أو أثري - كما
انتسب - مائة في المائة! والواقع الذي يشهد به كتابه أنه خلفي معتزلي من أهل
الأهواء، يضاف إلى ذلك أنه جاهل بالسنة والأحاديث، إلى ضعف شديد باللغة
العربية وآدابها، حتى كأنه شبه عامي، ومع ذلك فهو مغرور بعلمه، معجب بنفسه
، لا يقيم وزنا لأئمة السلف الذين قالوا بخلاف عنوانه كالإمام أحمد وابن تيمية
وابن القيم، والطبري وابن كثير والقرطبي، والإمام الشوكاني وصديق حسن
خان القنوجي، ويرميهم بالتقليد! على قاعدة (رمتني بدائها وانسلت) ، الأمر
الذي أكد لي أننا في زمان تجلت فيه بعض أشراط الساعة التي منها قوله صلى الله
عليه وسلم: " وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل
التافه يتكلم في أمر العامة " (1) . ونحوه قول عمر رضي الله عنه: " فساد
الدين إذا جاء العلم من الصغير، استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء
العلم من قبل الكبير، تابعه عليه الصغير " (2) . وما أكثر هؤلاء (الصغار)
الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ، وما العهد عنا ببعيد ذاك المصري
الآخر الذي ألف في تحريم النقاب على المسلمة! وثالث أردني ألف في تضعيف قوله
صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
_________
(1) حديث صحيح مخرج من طرق فيما تقدم برقم (1887 و 2238 و 2253) .
(2) رواه قاسم بن أصبغ بسند صحيح كما في " الفتح " (13 / 301) .(6/1003)
الراشدين "، وفي حديث
تحريم المعازف، المجمع على صحتهما عند المحدثين، وغيرهم وغيرهم كثير وكثير
!! وإن من جهل هذا (الأثري) المزعوم وغباوته أنه رغم تقريره (ص 71 و 138)
أن: " منهج أهل السنة والجماعة التوقف في المسائل الغيبية عندما ثبت عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس لأحد مهما كان شأنه أن يضيف تفصيلا، أو
أن ينقص ما ثبت بالدليل، أو أن يفسر ظاهر الآيات وفق هواه، أو بلا دليل ".
أقول: إنه رغم تقريره لهذا المنهج الحق الأبلج، فإنه لم يقف في هذه المسألة
الغيبية عند حديث الترجمة الصحيح. بل خالفه مخالفة صريحة لا تحتاج إلى بيان،
وكنت أظن أنه على جهل به، حتى رأيته قد ذكره نقلا عن غيره (ص 4) من الملحق
بآخر كتابه، فعرفت أنه تجاهله، ولم يخرجه مع حديث يعلى وغيره مما سبقت
الإشارة إليه (ص 1002) . وكذلك لم يقدم أي دليل من الكتاب والسنة على ما
زعمه من الاستحالة، بل توجه بكليته إلى تأويل قوله تعالى المؤيد للدخول الذي
نفاه: * (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من
المس) * تأويلا ينتهي به إلى إنكار (المس) - الذي فسره العلماء بالجنون -
وإلى موافقة بعض الأشاعرة والمعتزلة! الذين فسروا (المس) بوسوسة الشيطان
المؤذية! وهذا تفسير بالمجاز، وهو خلاف الأصل، ولذلك أنكره أهل السنة كما
سيأتي، وهو ما صرح به نقلا عن الفخر الرازي الأشعري (ص 76 و 78) : " كأن
الشيطان يمس الإنسان فيجن "! ونقل (ص 89) عن غيره أنه قال:(6/1004)
" كأن الجن مسه
"! وعليه خص المس هذا بمن خالف شرع الله، فقال (ص 22) : " وما كان ليمس
أحد (كذا غير منصوب!) (1) إلا بالابتعاد عن النهج المرسوم "! ولو سلمنا
جدلا أن الأمر كما قال، فلا يلزم منه عند العلماء ثبوت دعوى النفي، لإمكان
وجود دليل آخر على الدخول كما في هذا الحديث الصحيح، بينما توهم الرجل أنه
برده دلالة الآية على الدخول ثبت نفيه إياه، وليس الأمر كذلك لو سلمنا برده،
فكيف وهو مردود عليه بهذا الحديث الصحيح، وبحديث يعلى المتقدم وبهما تفسر
الآية، ويبطل تفسيره إياها بالمجاز. ومن جهل الرجل وتناقضه أنه بعد أن فسر
الآية بالمجاز الذي يعني أنه لا (مس) حقيقة، عاد ليقول (ص 93) : " واللغة
أجمعت على أن المس: الجنون ". ولكنه فسره على هواه فقال: أي من الخارج لا
من الداخل، قال: " ألا ترى مثلا إلى الكهرباء وكيف تصعق المماس لها من
الخارج ... " إلخ هرائه. فإنه دخل في تفاصيل تتعلق بأمر غيبي قياسا على أمور
مشاهدة مادية، وهذا خلاف المنهج السلفي الذي تقدم نقله عنه، ومع ذلك فقد
تعامى عما هو معروف في علم الطب أن هناك جراثيم تفتك من الداخل كجرثومة (كوخ)
في مرحلته الثالثة! فلا مانع عقلا أن تدخل الجان من الخارج إلى بدن الإنسان،
وتعمل عملها وأذاها فيه من الداخل، كما لا مانع من خروجها منه بسبب أو
_________
(1) قلت: ومثله كثير، انظر بعض الأمثلة في آخرها هذا التخريج.(6/1005)
آخر،
وقد ثبت كل من الأمرين في الحديث فآمنا به، ولم نضربه كما فعل المعتزلة
وأمثالهم من أهل الأهواء، وهذا المؤلف (الأثري) - زعم - منهم. كيف لا وقد
تعامى عن حديث الترجمة، فلم يخرجه البتة في جملة الأحاديث الأخرى التي خرجها
وساق ألفاظها من (ص 111) إلى (ص 126) - وهو صحيح جدا - كما رأيت، وهو إلى
ذلك لم يأخذ من مجموع تلك الأحاديث ما دل عليه هذا الحديث من إخراجه صلى الله
عليه وسلم للشيطان - من ذاك المجنون -، وهي معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله
عليه وسلم، بل نصب خلافا بين رواية " اخرج عدو الله " ورواية " اخسأ عدو الله
"، فقد أورد على نفسه (ص 124) قول بعضهم: " إن الإمام الألباني قد صحح
الحديث "، فعقب بقوله: " فهذا كذب مفترى، انظر إلى ما قاله الشيخ الألباني
لتعلم الكذب: المجلد الأول من سلسلته الصحيحة ص 795 ح 485 ". ثم ساق كلامي
فيه، ونص ما في آخره كما تقدم: " وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد.
والله أعلم ". قلت: فتكذيبه المذكور غير وارد إذن، ولعل العكس هو الصواب!
وقد صرح هو بأنه ضعيف دون أي تفصيل (ص 22) ، واغتر به البعض! نعم، لقد شكك
في دلالة الحديث على الدخول بإشارته إلى الخلاف الواقع في الروايات، وقد ذكرت
لفظين منها آنفا. ولكن ليس يخفى على طلاب هذا العلم المخلصين أنه ليس من
العلم في شيء أن تضرب الروايات المختلفة بعضها ببعض، وإنما علينا أن نأخذ
منها ما اتفق عليه الأكثر، وإن مما لا شك فيه أن اللفظ الأول: " اخرج " أصح
من الآخر " اخسأ "، لأنه جاء في خمس روايات من الأحاديث التي ساقها، واللفظ
الآخر جاء في روايتين منها فقط! على أني لا أرى(6/1006)
بينهما خلافا كبيرا في المعنى
، فكلاهما يخاطب بهما شخص، أحدهما صريح في أن المخاطب داخل المجنون، والآخر
يدل عليه ضمنا. وإن مما يؤكد أن الأول هو الأصح صراحة حديث الترجمة الذي
سيكون القاضي بإذن الله على كتاب " الاستحالة " المزعومة، مع ما تقدم من
البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره. ولابد لي
قبل ختم الكلام على هذا الموضوع أن أقدم إلى القراء الكرام ولو مثالا واحد على
الجهل بالسنة الذي وصفت به الرجل فيما تقدم، ولو أنه فيما سلف كفاية للدلالة
على ذلك! لقد ذكر الحديث المشهور في النهي عن اتباع سنن الكفار بلفظ لا أصل له
رواية ولا دراية، فقال (ص 27) : " وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
يقول: " لتتبعن من قبلكم من الأمم حذاء القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب
لدخلتموه وراءهم. قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن؟ ". أو
كما قال صلى الله عليه وسلم "! ومجال نقده في سياقه للحديث هكذا واسع جدا،
وإنما أردت نقده في حرف واحد منه أفسد به معنى الحديث بقوله (حذاء) ، فإن هذا
تحريف قبيح للحديث لا يخفى على أقل الناس ثقافة، والصواب (حذو) . وليس هو
خطأ مطبعيا كما قد يتبادر لأذهان البعض، فقد أعاده في مكان آخر. فقال (ص 34
) مقرونا بخطأ آخر: " حذاء القذة بالقذة "! كذا ضبطه بفتح القاف! وإنما هو
بالضم (1) .
_________
(1) وهو مخرج في " الصحيحة " من طرق بألفاظ متقاربة (3312) .(6/1007)
ونحو ذلك مما يدل على جهله بالسنة قوله (ص 240) : " يقول السلف
: ليس الخبر كالمعاينة ". وهذا حديث مرفوع رواه جماعة من الأئمة منهم أحمد عن
ابن عباس مرفوعا، وفيه قصة. وهو مخرج في " صحيح الجامع الصغير " (5250) .
ومن أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر (ص 74) في زمرة التفاسير
المعتبرة " تفسير الكشاف "، و " تفسير الفخر الرازي "، فهل رأيت أو سمعت
أثريا يقول مثل هذا، فلا غرابة بعد هذا أن ينحرف عن السنة، متأثرا بهما
ويفسر آية الربا تفسيرا مجازيا! وأما أخطاؤه الإملائية الدالة على أنه (شبه
أمي) فلا تكاد تحصى، فهو يقول في أكثر من موضع: " تعالى معي "! وقال (ص
131) : " ثم تعالى لقوله تعالى "، وذكر آية. وفي (ص 129) : " فمن
المستحيل أن تفوت هذه المسألة هذان الإمامان الجليلان "! و (ص 130) . " أضف
إلى ذلك أن الإمامين ليسا طبيبان "! فهو يرفع المنصوب مرارا وتكرارا. وفي
الختام أقول:(6/1008)
ليس غرضي مما تقدم إلا إثبات ما أثبته الشرع من الأمور الغيبية،
والرد على من ينكرها. ولكنني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين
يستغلون هذه العقيدة، ويتخذون استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين
والمصابين بالصرع، ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة
القرآن مما لم ينزل الله به سلطانا، كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا
قتل المصاب، كما وقع هنا في عمان، وفي مصر، مما صار حديث الجرائد والمجالس
. لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى،
فصاروا اليوم بالمئات، وفيهم بعض النسوة المتبرجات، فخرج الأمر عن كونه
وسيلة شرعية لا يقوم بها إلا الأطباء عادة، إلى أمور ووسائل أخرى لا يعرفها
الشرع ولا الطب معا، فهي - عندي - نوع من الدجل والوساوس يوحي بها الشيطان
إلى عدوه الإنسان * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم
إلى بعض زخرف القول غرورا) *، وهو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها
المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى: * (وأنه كان رجال من الإنس
يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) *. فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا -
أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى؟ مسلم أم كافر؟ وصدقه
المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده، فقد شملهم جميعا وعيد قوله صلى الله
عليه وسلم: " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على
محمد "، وفي حديث آخر: ".. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " (1) .
_________
(1) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " غاية المرام " (رقم 284) ورواه
الطبراني من طريق أخرى بقيد: " غير مصدق لم تقبل ... "، وهو منكر بهذه
الزيادة، ولذلك خرجته في " الضعيفة " (6555) . والحديث الذي قبله صحيح
أيضا، وهو مخرج في " الإرواء " برقم (2006) وفي غيره. اهـ.(6/1009)
فينبغي
الانتباه لهذا، فقد علمت أن كثيرا ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن
هذه الحقيقة، فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على
قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اخرج عدو الله "، مذكرا لهم بقوله تعالى * (
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *. والله
المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2919 - " خفف الصلاة على الناس، حتى وقت * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (اقرأ باسم ربك
الذي خلق) *، وأشباهها من القرآن ".
أخرجه أحمد (4 / 218) والطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 38 - 39) من
طريق ابن خثيم: أنبأنا داود بن أبي عاصم الثقفي عن عثمان بن أبي العاص قال
: آخر كلام كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ استعملني على الطائف، قال:
فذكره. قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. وإنما أخرجته لتوقيت السور
المذكورة، وإلا فأصل الحديث في " صحيح مسلم " وغيره، وبأتم منه، وهو
مخرج في " صحيح أبي داود " تحت الحديث (541) .
2920 - " كان لا يدع ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 352) : حدثنا عفان قال: أخبرنا أبو
عوانة قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه: أنه كان يصلي بعد
العصر ركعتين، فقيل له؟ فقال: لو لم أصلهما إلا أني رأيت مسروقا يصليهما
لكان ثقة، ولكني سألت عائشة؟ فقالت: فذكره.(6/1010)
قلت: وهذا إسناد صحيح
غاية على شرط الشيخين، وأبو عوانة اسمه الوضاح اليشكري، وهو ثقة ثبت كما
قال الحافظ في " التقريب ". وقد خالفه شعبة في متنه فرواه عن إبراهيم به،
إلا أنه قال: ".. أربعا قبل الظهر "، مكان الركعتين بعد العصر. أخرجه
البخاري وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " رقم (1139) . ويظهر لي -
والله أعلم - أن كلا من الروايتين محفوظ لثقة رواتهما وحفظهما، ولأن للركعتين
طرقا كثيرة عن عائشة يأتي ذكر بعضها بإذن الله تعالى. وقد أخرجه الطحاوي في "
شرح المعاني " (1 / 177) من طريق هلال بن يحيى قال: حدثنا أبو عوانة به،
إلا أنه أدخل بين محمد بن المنتشر وعائشة - مسروقا. وهلال هذا ضعيف. قال
ابن حبان في " الضعفاء " (3 / 88) : " كان يخطىء كثيرا على قلة روايته ".
نعم لحديث مسروق أصل صحيح برواية أخرى، فكأنها اختلطت عليه بهذه، فقال الإمام
أحمد (6 / 241) : حدثنا إسحاق بن يوسف قال: حدثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن
أبي الضحى عن مسروق قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر. وهذا إسناد صحيح
أيضا على شرط الشيخين، وقد أخرجاه من طريق أخرى عن مسروق مقرونا مع الأسود
بلفظ: " ما من يوم يأتي علي النبي صلى الله عليه وسلم إلا صلى بعد العصر
ركعتين ". وفي رواية بلفظ:(6/1011)
" ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعهما سرا ولا علانية: ركعتان قبل صلاة الصبح، وركعتان بعد العصر ". وهو
مخرج في " الإرواء " (2 / 188 - 189) والذي قبله في " صحيح أبي داود " (
1160) وقد تابع إسحاق بن يوسف - وهو الأزرق - جعفر بن عون، إلا أنه خالفه
في إسناده فقال: عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الضحى به. أخرجه ابن أبي
شيبة (2 / 353) وأبو العباس السراج في " مسنده " (ق 132 / 1) وجعفر بن
عون صدوق من رجال الشيخين، فإن كان حفظه فيكون لمسعر فيه شيخان، وإلا فرواية
الأزرق أصح. هذا وقد روى ابن أبي شيبة عن جماعة من السلف أنهم كانوا يصلون
هاتين الركعتين بعد العصر، منهم أبو بردة بن أبي موسى وأبو الشعثاء وعمرو بن
ميمون والأسود ابن يزيد وأبو وائل، رواه بالسند الصحيح عنهم، ومنهم محمد
بن المنتشر ومسروق كما تقدم آنفا. وأما ضرب عمر من يصليهما، فهو من
اجتهاداته القائمة على باب سد الذريعة، كما يشعر بذلك روايتان ذكرهما الحافظ
في " الفتح " (2 / 65) : إحداهما في " مصنف عبد الرزاق " (2 / 431 - 432)
و" مسند أحمد " (4 / 155) والطبراني (5 / 260) وحسنه الهيثمي (2 / 223)
. والأخرى عند أحمد (4 / 102) أيضا، والطبراني في " المعجم الكبير " (2 /
58 - 59) ، و " الأوسط " (8848 - بترقيمي) .(6/1012)
وقد وقفت على رواية ثالثة تشد
من عضدهما، وهي من رواية إسرائيل عن المقدام ابن شريح عن أبيه قال: سألت
عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يصلي؟ [قالت:] " كان
يصلي الهجير ثم يصلي بعدها ركعتين، ثم يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين. فقلت
: فقد كان [عمر] يضرب عليهما وينهى عنهما؟ فقالت: قد كان عمر يصليهما،
وقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [كان] يصليهما، ولكن قومك أهل
الدين قوم طغام، يصلون الظهر، ثم يصلون ما بين الظهر والعصر، ويصلون العصر
ثم يصلون ما بين العصر والمغرب، فضربهم عمر، وقد أحسن ". أخرجه أبو العباس
السراج في " مسنده " (ق 132 / 1) . قلت: وإسناده صحيح، وهو شاهد قوي
للأثرين المشار إليهما آنفا، وهو نص صريح أن نهي عمر رضي الله عنه عن
الركعتين ليس لذاتهما كما يتوهم الكثيرون، وإنما هو خشية الاستمرار في الصلاة
بعدهما، أو تأخيرهما إلى وقت الكراهة وهو اصفرار الشمس، وهذا الوقت هو
المراد بالنهي عن الصلاة بعد العصر الذي صح في أحاديث كما سبق بيانه تحت
الحديثين المتقدمين برقم (200 و 314) . ويتلخص مما سبق أن الركعتين بعد
العصر سنة إذا صليت العصر معها قبل اصفرار الشمس، وأن ضرب عمر عليها إنما هو
اجتهاد منه وافقه عليه بعض الصحابة، وخالفه آخرون، وعلى رأسهم أم المؤمنين
رضي الله عنها، ولكل من الفريقين موافقون، فوجب الرجوع إلى السنة، وهي
ثابتة صحيحة برواية أم المؤمنين، دون دليل يعارضه إلا العموم المخصص بحديث علي
وأنس المشار إلى أرقامهما آنفا. ويبدو أن هذا هو مذهب ابن عمر أيضا، فقد
روى البخاري (589) عنه قال:(6/1013)
" أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، لا أنهى أحدا
يصلي بليل ولا نهار ما شاء، غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها ".
وهذا مذهب أبي أيوب الأنصاري أيضا، فقد روى عبد الرزاق عنه (2 / 433) بسند
صحيح عن ابن طاووس عن أبيه: أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر
ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر تركهما، فلما توفي ركعهما، فقيل له: ما
هذا؟ فقال: إن عمر كان يضرب الناس عليهما. قال ابن طاووس: وكان أبي لا
يدعهما. وهنا ينبغي أن نذكر أهل السنة الحريصين على إحياء السنن وإماتة
البدع أن يصلوا هاتين الركعتين كلما صلوا العصر في وقتها المشروع، لقوله صلى
الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة.. ". وبالله التوفيق.
2921 - " إذا زنت الأمة فاجلدوها، فإن زنت فاجلدوها، فإن زنت فاجلدوها، فإن زنت
فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 119) وأحمد (6 / 65) من طريق عمار بن أبي فروة أن
محمد ابن مسلم حدثه أن عروة حدثه أن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته أن عائشة
حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره) . قلت: وهذا إسناد
رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمار - ويقال: عمارة - ابن أبي فروة، قال
البوصيري في " الزوائد " (159 / 1) : " قال البخاري: لا يتابع في حديثه.
وذكره العقيلي وابن الجارود في " الضعفاء "، وذكره ابن حبان في " الثقات "
فما أجاد ". قلت: وذلك لأنه لم يرو عنه غير يزيد بن أبي حبيب، وقد انفرد
به هكذا. وخالفه مالك وسفيان وغيرهما فقالوا: عن الزهري عن عبيد الله بن
عبد الله عن(6/1014)
أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني مرفوعا به نحوه. أخرجاه في "
الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجته في " الإرواء " (2326) ، فالحديث متنه صحيح
. والله أعلم. (تنبيه) : ليس في رواية أحمد: " فإن زنت فاجلدوها " في
المرة الرابعة، والظاهر أنها زيادة صحيحة، ففي حديث " الصحيحين " المشار
إليه آنفا: " قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة ". لكن في
رواية لأحمد (2 / 376 و 422) من طريق سعيد بن أبي سعيد (زاد في رواية: عن
أبيه) عن أبي هريرة، وزاد: " فإن عادت في الرابعة فليبعها ولو بحبل من شعر
، أو ضفير من شعر ". وسنده صحيح على شرط الشيخين، وهو في " مسلم " (5 /
123 - 124) دون الزيادة. والله أعلم.
2922 - " لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن،
وثمنهن حرام، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية: * (ومن الناس من يشتري لهو
الحديث ليضل عن سبيل الله) * إلى آخر الآية ".
أخرجه الترمذي (1282 و 3193) وابن جرير الطبري في " التفسير " (21 / 39)
وأحمد (5 / 252 و 264) والحميدي (910) وابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي "
(ق 5 / 1) والبيهقي في " السنن " (6 / 14) والثعلبي في " تفسيره " (3 /
75 / 1) وعنه البغوي في " تفسيره " (6 / 284) والواحدي في(6/1015)
" الوسيط " (3
/ 190 / 2) من طرق عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد
الرحمن عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. وكذا رواه
الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 7805 و 7825 و 7855 و 7861 و 7862) وقال
الترمذي: " حديث غريب، إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة
، وعلي ابن يزيد يضعف في الحديث، قاله محمد بن إسماعيل ". ونقل البيهقي عن
الترمذي أنه قال: " سألت البخاري عن إسناد هذا الحديث؟ فقال: علي بن يزيد
ذاهب الحديث، ووثق عبيد الله بن زحر، والقاسم بن عبد الرحمن ". قلت: وقد
تابعه الفرج بن فضالة الحمصي عن علي بن يزيد به دون ذكر الآية. أخرجه أحمد (5
/ 257 و 268) والطيالسي أيضا (1134) . وأخرجه ابن ماجه (2168) وابن
عساكر (2 / 425 / 1) عن أبي المهلب عن عبيد الله الأفريقي عن أبي أمامة قال:
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المغنيات وعن شرائهن وعن كسبهن
وعن أكل أثمانهن ". وأبو المهلب هذا اسمه مطرح بن يزيد الكوفي، وهو ضعيف.
والأفريقي هو عبيد الله بن زحر نفسه، فكأن أبا المهلب أسقط شيخه علي بن يزيد
الألهاني، وهذا يدل على ضعفه.(6/1016)
ووجدت للألهاني متابعا قويا، فقال الوليد بن
الوليد: حدثنا ابن ثوبان عن يحيى بن الحارث عن القاسم به. أخرجه الطبراني (8
/ 212 / 7749) من طريقين عنه. قلت: وهذا إسناد حسن، الوليد بن الوليد هو
العنسي القلانسي الدمشقي، قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 19) عن أبيه: " صدوق،
ما بحديثه بأس، حديثه صحيح ". ومن فوقه معروفون من رجال التهذيب على كلام في
بعضهم. ولنزول الآية شاهد من حديث ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية: * (ومن
الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) *؟ فقال: " هو الغناء
والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات ". أخرجه ابن جرير، وابن أبي شيبة
في " المصنف " (6 / 309) والحاكم (2 / 411) والبيهقي (10 / 223) وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. ومثله ما عند
ابن أبي شيبة (6 / 310) والبخاري في " الأدب المفرد " (1265) وابن جرير (
21 / 4) وابن أبي الدنيا (ق 4 / 1 - 2) والبيهقي (10 / 221) من طريق
منصور بن أبي الأسود عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه
الآية: * (من يشتري لهو الحديث) *. قال: " نزلت في الغناء وأشباهه ". قلت
: ورجاله ثقات، فهو صحيح الإسناد لولا أن ابن السائب كان اختلط، فهو شاهد
جيد على الأقل.(6/1017)
وفي الباب عن جمع آخر من الصحابة، لكن أسانيد بعضها شديد
الضعف، فمن شاء الوقوف عليها فليرجع إلى " مجمع الزوائد " (4 / 91) و "
تخريج الكشاف " للحافظ العسقلاني (4 / 129 - 130) . ثم وقفت على ترجمة الوليد
بن الوليد العنسي في " الميزان " و " اللسان "، فوجدت فيه جرحا شديدا من غير
واحد من الحفاظ، فقال الدارقطني وغيره: " متروك "، وقال ابن حبان في "
الضعفاء " (3 / 81) : " يروي عن ابن ثوبان وثابت بن يزيد العجائب ". ثم ساق
له حديث " مكارم الأخلاق عشرة ... " (1) ، وقال عقبه: " وهذا ما لا أصل له
من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وجرح هؤلاء مقدم على تعديل أبي حاتم
إياه، لأنه جرح مفسر كما هو ظاهر، ويستغرب خفاء ذلك على أبي حاتم الإمام
الحافظ النقاد المعروف بأنه من المتشددين في الجرح، والمعصوم من عصمه الله.
ولذلك فقد رجعت عن الاستشهاد بحديث الوليد هذا، وبقي الحديث على ضعفه، إلا
ما يتعلق منه بنزول الآية في الغناء، للشواهد الصحيحة المذكورة عن ابن مسعود
وغيره، فإنها في حكم المرفوع عند الحاكم وغيره، لاسيما وقد حلف ابن مسعود
ثلاث مرات على نزولها في الغناء، وقد صححه ابن القيم في " إغاثة اللهفان " (
1 / 240) عن ابن عباس وابن مسعود، ثم تتابعت الآثار بذلك عن التابعين
وغيرهم، ومنهم الحسن البصري، فقد جزم بأنها نزلت في الغناء والمزامير. كما
أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في " الدر المنثور " (5 / 159) .
_________
(1) تقدم تخريجه في " الضعيفة " (720) . اهـ.(6/1018)
ولا ينافي ذلك
ما استصوبه ابن جرير (21 / 4) أن الآية عامة تعني كل ما كان من الحديث ملهيا
عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه ورسوله. قال: " والغناء والشرك من
ذلك ". ومال إلى هذا ابن كثير في " تفسيره "، وابن القيم في " الإغاثة " (
1 / 240 - 241) . وفيما تقدم رد قوي على ابن حزم في قوله في " رسالة الملاهي
" (ص 97) : أنه لم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تفسير
الآية بأنه الغناء! قال: " وإنما هو قول بعض المفسرين ممن لا تقوم بقوله حجة
"! ومع سقوط كلامه هذا بما سبق، فيخالفه صنيعه في " المحلى "، فقد ساق فيه
الروايات المتقدمة عن ابن مسعود وابن عباس، وعن غيرهما من التابعين، ولم
يضعفها، وإنما قال: " لا حجة لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم "!
فنقول: كلمة حق أريد بها باطل، لأنه لم يذكر عنه صلى الله عليه وسلم ما يخالف
تفسيرهم. ثم زعم أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين! وهذا كالذي
قبله، فإنه لم يذكر ولا رواية واحدة مخالفة، ولو كان لديه لسارع إلى بيانها
. ثم احتج بأن الآية فيها صفة من فعلها كان كافرا. فنقول: هذا حق، ولكن ذلك
لا ينفي أن يؤاخذ المسلم بقدر ما قام فيه من تلك الصفة، كالالتهاء بالأغاني عن
القرآن. وتفصيل هذا في " إغاثة اللهفان ".(6/1019)
2923 - " من لقي الله لا يشرك به شيئا لم يتند بدم حرام، دخل الجنة ".
أخرجه أحمد (4 / 152) : حدثنا وكيع عن ابن أبي خالد عن عبد الرحمن بن عائذ عن
عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وبهذا الإسناد رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " كما في " زوائد ابن ماجه " (ق
162 / 2) للبوصيري، وابن ماجه (2618) والحاكم (4 / 351) من طريقين
آخرين عن وكيع به. وصححه الحاكم. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، فإن
رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن عائذ هذا، وقد وثقه النسائي وابن حبان
. وأعله البوصيري بالانقطاع فقال: " هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن بن
عائذ الأزدي سمع من عقبة بن عامر فقد قيل: إن روايته عنه مرسلة ". كذا قال،
وما علمت ذكر ذلك أحد قبله، وظني أنه شبه له، فقد ذكر الحافظ أنه روى عن
جمع من الصحابة منهم عمر وعلي ومعاذ وعقبة وغيرهم، ثم قال: " وقد قيل:
إنه أدرك عليا. وقال أبو زرعة: حديثه عن علي مرسل، ولم يدرك معاذا، وقال
ابن أبي حاتم: روى عن عمر مرسلا ". فهذا كل ما ذكروه في ترجمته من الانقطاع،
فالظاهر أنه التبس عليه عقبة بمعاذ، وشتان ما بين وفاتيهما، فإن معاذا توفي
سنة (18) ، وعقبة سنة (60) ! فقد أدركه يقينا، وقد أشار إلى هذا الحافظ
بقوله في " التقريب ": " ثقة، من الثالثة، ووهم من ذكره في الصحابة، قال
أبو زرعة: لم يدرك معاذا ". ثم إن وكيعا قد توبع، فقال أحمد (4 / 148) :
حدثنا يزيد بن هارون: أنبأنا(6/1020)
إسماعيل - يعني ابن أبي خالد - عن عبد الرحمن بن
عائذ - رجل من أهل الشام - قال: انطلق عقبة بن عامر الجهني إلى المسجد الأقصى
ليصلي فيه، فاتبعه ناس، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: صحبتك رسول الله صلى
الله عليه وسلم، أحببنا أن نسير معك ونسلم عليك، قال: انزلوا فصلوا،
فنزلوا، فصلى، وصلوا معه، فقال حين سلم: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " ليس من عبد يلقى الله عز وجل لا يشرك به شيئا، لم يتند بدم حرام
، إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء ". وهذه متابعة قوية من يزيد بن هارون الثقة
الحافظ لوكيع بن الجراح، وقد خالفهما القاسم بن الوليد الهمداني في إسناده
فقال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي
الله عنه مرفوعا بنحو لفظ يزيد. أخرجه الحاكم، وأشار إلى أن الراجح الأول،
وتبعه الذهبي فقال: " قلت: الأول أصح ". وذلك لمخالفة القاسم بن الوليد
لوكيع ويزيد، وهو دونهما حفظا وضبطا، وقد قال الحافظ فيه: " صدوق يغرب "
. والحديث عند البخاري في " العلم " من حديث أنس مرفوعا به دون قوله: " لم
يتند بدم حرام "، انظر " مختصر البخاري " (85) . وكذلك رواه أحمد (2 / 361
- 362 و 421 - 422) من حديث أبي هريرة بزيادة، وأحمد أيضا (4 / 260 و 5 /
285) من حديث سلمة بن نعيم، وزاد:(6/1021)
" وإن زنى وإن سرق ". وهي صحيحة.
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة صحيحة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما، وإنما
خرجت هذا لما فيه من الزيادة عليها، وللتنبيه على وهم البوصيري في إعلاله
إياه بالانقطاع. والله أعلم.
2924 - " إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة،
والذي نفسي بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، ولمقام
أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة ".
أخرجه أحمد (5 / 266) والطبراني في " الكبير " (7868) وابن عساكر في "
الأربعين في الجهاد " (الحديث 15) من طريق معان بن رفاعة: حدثني علي بن يزيد
عن القاسم عن أبي أمامة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سرية من سراياه، قال: فمر رجل بغار فيه شيء من ماء، قال: فحدث نفسه بأن
يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه من ماء، ويصيب ما حوله من البقل،
ويتخلى من الدنيا! ثم قال: لو أني أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك
له، فإن أذن لي فعلت، وإلا لم أفعل. فأتاه فقال: يا نبي الله! إني مررت
بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل، فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى من
الدنيا. قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف
:(6/1022)
1 - القاسم - وهو ابن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة - مختلف فيه، والمتقرر
فيه أنه حسن الحديث إذا لم يخالف. 2 - علي بن يزيد - وهو الألهاني - ضعيف كما
في " التقريب "، ولكنه لم يترك كما قال الذهبي في " الكاشف ". 3 - معان بن
رفاعة، لين الحديث كما قال الحافظ. ويبدو من هذه التراجم الموجزة أن السند
ليس شديد الضعف، فيمكن الاستشهاد به، فقد جاء الحديث مفرقا عن جمع من الصحابة
إلا الفقرة الأولى، فلم أجد ما يشهد لها في السنة فيما يحضرني الآن. ولكن
حسبك القرآن شهادة. ألا وهو قوله تعالى: * (ولن ترضى عنك اليهود ولا
النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي
جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) * (البقرة: 120) . وقوله:
* (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من
المشركين) * (آل عمران: 67) . وقوله: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين
اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) * (آل عمران: 68) .
وأما الفقرة الثانية، فقد رويت من حديث عائشة، وجابر، وحبيب بن أبي ثابت
، وابن عباس. أما حديث عائشة، فيرويه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال
: قال لي عروة: إن عائشة قالت يومئذ - يعني يوم لعب الحبشة في المسجد، ونظرت
عائشة إليهم -: " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة ".
أخرجه أحمد (6 / 116 / 233) والديلمي في " مسند الفردوس " (2 / 1 / 4) .(6/1023)
قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد على الأقل، فإن عبد الرحمن بن
أبي الزناد مختلف فيه، والمتقرر أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، وقد جاءت قصة
الحبشة هذه من طرق عن عائشة في " الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجتها في " آداب
الزفاف "، وجمعت فيه الزيادات وجعلتها بين المعقوفات [] ، وليس منها: "
إني أرسلت بحنيفية سمحة "، لأنه صار في نفسي يومئذ شك في ثبوتها لمخالفتها لكل
الطرق المشار إليها. بل ولعدم ورودها في طريق أخرى عنها عند الحميدي (رقم
254) ، مع أنه ورد فيها الزيادة التي قبلها: " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة "
، فهذا كله جعلني يومئذ أعرض عنها ولا أعتمدها، فلما وقفت على حديث الترجمة
وشواهده اطمأننت لثبوتها، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. أما حديثا
جابر وحبيب بن أبي ثابت، فهما ضعيفان، وكنت خرجتهما وكشفت عن علتهما في "
غاية المرام " (رقم 8) تحت الحديث " بعثت بالحنيفية السمحة "، وكنت ضعفته
للسبب الذي ذكرته آنفا. وأما حديث ابن عباس، فلفظه يخالف هذا، قال ابن عباس
: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: "
الحنيفية السمحة ". وقد خرجته هناك وبينت أن فيه عنعنة ابن إسحاق وغيرها،
وأنكرت على الحافظ ابن حجر تحسينه لإسناده! ولكني حسنت متنه لبعض الشواهد
ذكرتها له في " تمام المنة في التعليق على فقه السنة "، ولذلك أوردته في "
الصحيحة " برقم (881) وأشرت إلى شواهده محيلا بها على " تمام المنة "، ثم
أوردته في " صحيح الجامع " (158) . ولقد كنت ذكرت في تخريج حديث حبيب بن أبي
ثابت أن فيه بردا الحريري، وأني لم أعرفه.(6/1024)
فأقول الآن: بأني وجدته في "
التاريخ الكبير " للبخاري (1 / 2 / 134) و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم
(1 / 1 / 422) و " الثقات " لابن حبان (6 / 114 - 115) كلهم ذكروه من رواية
محمد بن عبيد الطنافسي عنه. لكن ابن أبي حاتم قرن معه أخاه يعلى بن عبيد،
فخرج بذلك عن الجهالة العينية، ولاسيما وقد ذكر له عنه راويا ثالثا، ولكنه
شك أن يكون هو بردا هذا أو غيره. والله أعلم. ويعود السبب في كتابة هذا
التخريج إلى أخينا الفاضل الأستاذ محمد شقرة، فقد لفت نظري - جزاه الله خيرا -
إلى أن الشيخ شعيب الأرناؤط قد قوى حديث " بعثت بالحنيفية السمحة " في تعليقه
على " العواصم " (ص 175) ، ورد فيه عليك تضعيفك إياه في " غاية المرام "،
وبعد الاطلاع على التعليق المشار إليه وجدت الحق معه، فأخبرت الأستاذ بذلك،
فشكر وأثنى خيرا. ولكن المومى إليه لم يكن منصفا في سائر كتابته حول هذا
الحديث - كما هي عادته كلما سنحت له الفرصة لانتقادي - فإنه هداني الله تعالى
وإياه أخذ تخريج أكثر الأحاديث التي ذكرها شاهدا للحديث هذا من كتابي المذكور:
" غاية المرام " دون أن يشير إلى ذلك أدنى إشارة! هذا أولا. وثانيا: فإنه
حذف من تخريجي المذكور ما فيه من البيان لعلل تلك الشواهد، ومنها حديث ابن
عباس، بل إنه نقل تحسين الحافظ لإسناده وأقره، وهو يعلم أن فيه عنعنة ابن
إسحاق! وأنها علة الحديث، فلم سكت عنه؟! وثالثا: أنه أوهم القراء بأنني
ضعفت حديث ابن عباس المشار إليه، وليس كذلك، فإني قد حسنته لشواهد خرجتها في
" تمام المنة في التعليق على فقه السنة "، وقد أشرت إليها في " الصحيحة " رقم
(881) ولذلك أوردته(6/1025)
في " صحيح الجامع " (158) كما تقدم، فكان على الشيخ
شعيب أن يشير إلى ذلك كما تقتضيه الأمانة العلمية. ولكن.. ولا يقال: لعله
لا يعلم ذلك! فنقول: ذلك بعيد جدا عن مثله، وكتبي من مراجعه الأولى في
مكتبته التي في المؤسسة التي يعمل فيها، كما أخبرني أحد الإخوان الذين كانوا
ابتلوا بالعمل معه!! ثم رأيت ابن كثير قد أشار إلى تقوية هذه الفقرة لورودها
من طرق، فانظر تفسير آية * (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي..) * (2 / 252
) . وأما الفقرة الثالثة: فقرة الغدوة، فلها شواهد كثيرة من حديث أنس وسهل
وأبي أيوب في " الصحيحين " وغيرهما، وهي مخرجة في " الترغيب " (2 / 164 -
165) . وأما الفقرة الرابعة والأخيرة، فلها شاهد من حديث أبي هريرة، وآخر
من حديث عمران بن حصين، وقد سبق تخريجهما برقم (902) . ثم وجدت للفقرة
الثانية شاهدا من حديث أحمد بن يحيى الحلواني: حدثنا محرز بن عون حدثنا حسان
بن إبراهيم عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " إن
دين الله الحنيفية السمحة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 45 / 2 / 783
- بترقيمي) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 203) والقضاعي في " مسند الشهاب
" (2 / 104 / 977) من طريقين عن الحلواني به. وقال أبو نعيم: " غريب تفرد
به حسان بن إبراهيم، لم نكتبه إلا من حديث محرز ".(6/1026)
قلت: وهو ثقة من رجال
مسلم، وكذا من فوقه، على ضعف في حسان من قبل حفظه، والحلواني من شيوخ
الطبراني الثقات له ترجمة في " تاريخ بغداد "، فالإسناد حسن.
2925 - " كان ينام وهو ساجد، فما يعرف نومه إلا بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 133) ومن طريقه البغوي في " شرح
السنة " (1 / 338) : حدثنا إسحاق بن منصور عن منصور بن أبي الأسود عن الأعمش
عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: فذكره مرفوعا. ورواه الطبراني في
" الكبير " (9995) من طريق آخر عن ابن أبي الأسود. قلت: وهذا إسناد صحيح
رجاله ثقات رجال الشيخين غير منصور بن أبي الأسود، وهو ثقة على تشيع فيه.
وقد أرسله بعضهم، فقال ابن أبي شيبة: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم: أن
النبي صلى الله عليه وسلم نام في المسجد حتى نفخ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ،
كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه. ثم قال ابن أبي شيبة
، وأحمد أيضا (6 / 135) : حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ، ثم يقوم فيصلي
ولا يتوضأ ". وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.(6/1027)
وللحديث شاهد من حديث ابن
عباس مرفوعا نحوه. أخرجه أبو داود وغيره بإسناد ضعيف، وفيه زيادة منكرة
بلفظ: " إنما الوضوء على من نام مضطجعا.. ". ولذلك خرجته في " ضعيف أبي
داود " (25) وهو في " الصحيحين " بغير هذه الزيادة نحوه، وهو مخرج في "
صحيح أبي داود " (1224 - 1229) . وأما زيادة مرسل إبراهيم: " كان تنام
عيناه ولا ينام قلبه ". فهي صحيحة جاءت موصولة في " الصحيحين " وغيرهما،
وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1212) ، ومن حديث أبي هريرة وغيره. انظر "
صحيح الجامع الصغير " (2997) . قلت: وهذه الزيادة صريحة في أن النوم لا
ينقض وضوءه صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك من خصوصياته. وقد اختلف العلماء في
نوم الجالس المتمكن في جلوسه، والراجح أنه ناقض كما بينته في " تمام المنة "
، فليراجعه من شاء.
2926 - " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فإنه كانت فيهم الأعاجيب ". ثم أنشأ يحدث
قال: " خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة لهم من مقابرهم، فقالوا:
لو صلينا ركعتين، ودعونا الله عز وجل أن يخرج لنا رجلا ممن قد مات نسأله عن
الموت، قال: ففعلوا.(6/1028)
فبينما هم كذلك إذ أطلع رجل رأسه من قبر من تلك المقابر
، خلاسي، بين عينيه أثر السجود، فقال: يا هؤلاء ما أردتم إلي؟ فقد مت منذ
مائة سنة، فما سكنت عني حرارة الموت حتى كان الآن فادعوا الله عز وجل لي
يعيدني كما كنت ".
أخرجه أحمد في " الزهد " (16 - 17) وابن أبي شيبة في " المصنف " (9 / 62)
دون القصة، وكذا البزار في " مسنده " (1 / 108 / 192 - كشف الأستار) عن
الربيع ابن سعد الجعفي سمعه من عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات
على خلاف في سماع ابن سابط من جابر، فقد سئل ابن معين: سمع عبد الرحمن بن
سابط من جابر؟ فقال: لا. لكن أثبت سماعه منه ابن أبي حاتم، فقال في " الجرح
والتعديل " (2 / 2 / 240) : " روى عن عمر، مرسل، وعن جابر، متصل ".
وهذا خلاف ما حكاه في " المراسيل " (ص 84) ، وهذا أرجح لما يأتي. والحديث
أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 152 / 1) بتمامه، وكذا وكيع
في " الزهد " (1 / 280 / 56) وابن أبي داود في " البعث " (30 / 5) وفيه
تصريح ابن سابط بالتحديث، فصح الحديث واتصل الإسناد والحمد لله. وللجملة
الأولى منه شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. أخرجه أبو داود (2 / 126)
والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 40 - 41) وابن حبان (109 - موارد) وزاد
:(6/1029)
" وحدثوا عني، ولا تكذبوا علي ". وإسناده جيد. وله شاهد آخر من حديث
ابن عمرو، رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في " الروض النضير " (582) . (
تنبيه) : لقد أعل الحديث المعلق على " البعث "، والمعلق على " زهد وكيع "
بقول الذهبي في راويه الربيع بن سعد الجعفي: " لا يكاد يعرف ". كذا قال،
وخفي عليه قول أبي حاتم فيه: " لا بأس به ". ووثقه غيره كما ذكرت في " تيسير
الانتفاع "، وقد روى عنه خمسة من الثقات، فمثله يحتج به، وتطمئن النفس
لحديثه، وبخاصة أنه من أتباع التابعين. قوله: (خلاسي) : أي أسمر اللون،
يقال ولد خلاسي، ولد بين أبوين أبيض وأسود.
2927 - " لا، إنه كان يعطي للدنيا وذكرها وحمدها، ولم يقل يوما قط: رب اغفر لي
خطيئتي يوم الدين ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (6965) والطبراني في " المعجم الكبير " (23 /
279 / 606 و 391 / 932) من طرق عن منصور عن مجاهد عن أم سلمة قالت: قلت
للنبي صلى الله عليه وسلم: هشام بن المغيرة كان يصل الرحم ويقري الضيف ويفك
العناة ويطعم الطعام، ولو أدرك أسلم، هل ذلك نافعه؟ قال: فذكره.(6/1030)
قلت:
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين. وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 118
) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح ". قلت
: له طريق أخرى، يرويه عمرو بن ثابت عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي بكر
بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة: أن الحارث بن هشام أتى النبي صلى
الله عليه وسلم عام حجة الوداع فقال: يا رسول الله! إنك تحث على صلة الرحم،
والإحسان إلى الجار، وإيواء اليتيم وإطعام الضيف وإطعام المساكين، وكل
هذا كان هشام بن المغيرة يفعله، فما ظنك به يا رسول الله! فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " كل قبر لا يشهد صاحبه أن لا إله إلا الله فهو جذوة من النار
، وقد وجدت عمي أبا طالب في طمطام من النار، فأخرجه الله لمكانه مني وإحسانه
إلي، فجعله في ضحضاح من النار ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (23 / 405 /
972) وفي " المعجم الأوسط " (2 / 165 / 2 / 7523) وقال: لا يروى عن أم
سلمة إلا بهذا الإسناد ". قلت: الظاهر أنه يعني بهذا التمام، وإلا فالطريق
التي قبلها بغير هذا الإسناد كما رأيت. ثم إن الهيثمي أعله بقوله: " وفيه
عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو منكر الحديث لا يحتجون بحديثه، وقد وثق ".(6/1031)
قلت: هو إلى التوثيق أقرب، والحق أنه وسط حسن الحديث، فقد كان أحمد وإسحاق
والحميدي يحتجون بحديثه، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق في حديثه لين
، ويقال: تغير بأخرة ". قلت: فالأولى إعلاله بالراوي عنه: عمرو بن ثابت،
فإنه ضعيف باتفاقهم، وإن كان أبو داود قال فيه: " أحاديثه مستقيمة ".
والحديث له شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، وله طرق: الأولى: عن مسروق
عنها قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم
المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: " لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي
خطيئتي يوم الدين ". أخرجه مسلم (1 / 136) وأبو عوانة (1 / 99 - 100)
وأحمد (6 / 63) . الثانية: عن عبيد بن عمير عنها به أتم منه. أخرجه أبو
عوانة، وابن حبان في " صحيحه " (رقم 330 - الإحسان / الرسالة) وأحمد (6 /
120) وأبو يعلى (4672) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 278) وقال أحمد
والأول في رواية له: " عبد الله بن جدعان ". الثالثة: عن أبي سلمة عنها.
أخرجه الحاكم (2 / 405) وسماه " عبد الله بن جدعان "، وقال: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي.(6/1032)
2928 - " من استطاع منكم أن لا يموت إلا بالمدينة فليمت بها، فإنه من يمت بها يشفع له
، أو يشهد له ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1032 - موارد) والطبراني في " المعجم الكبير "
(24 / 331 / 824) والبيهقي في " الشعب " (2 / 1 / 83 / 1) من طريق يونس عن
ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن الصميتة - امرأة من بني ليث
- سمعها تحدث صفية بنت أبي عبيد أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وفي إسناده اختلاف يسير لا يضر
إن شاء الله تعالى، ذكره البيهقي والحافظ في " الإصابة / ترجمة الصميتة ".
ومن ذلك ما رواه الطبراني (24 / 294 / 747) والبيهقي من طريق عبد العزيز بن
محمد الدراوردي عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن عكرمة عن عبد الله بن عبد الله
ابن عمر بن الخطاب عن أبيه عن سبيعة الأسلمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره. إلا أنه قال: " إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ".
وقال البيهقي: " هذا خطأ، إنما هو عن صميتة ". وأقره المنذري في " الترغيب "
(2 / 143) . وفي رواية للطبراني (825) من طريق ابن أبي فديك عن ابن أبي
ذئب عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر (!) عن امرأة يتيمة كانت
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحو لفظ رواية أسامة.(6/1033)
كذا وقع
فيه (ابن عمر) ، وفي " تحفة الأشراف " للحافظ المزي (11 / 346) من هذه
الطريق: (ابن عتبة) ، ولعله أصح. ثم إنه لا منافاة بين هذه الرواية
والرواية الأولى، لأنه وقع عند النسائي في " الكبرى / الحج " من طريق القاسم بن
مبرور عن يونس بسنده المتقدم قال: " أن الصميتة - امرأة من بني ليث بن بكر
كانت في حجر النبي صلى الله عليه وسلم.. ". فقد بينت هذه الرواية أن اليتيمة
هي الصميتة نفسها. والله أعلم. وقد حسن المنذري إسناد الطبراني عن اليتيمة
، وهي صحيحة بما قبلها. ويزيده قوة أن له شاهدا من حديث ابن عمرو مرفوعا
بلفظ: " من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها ". أخرجه
أحمد (2 / 74) وغيره، وسنده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه الترمذي
وابن حبان. (تنبيه) : أورد البيهقي هنا في " الشعب " (2 / 1 / 82 / 2)
بإسناده عن أبي يزيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري: حدثني أيوب
الهلالي قال: " حج أعرابي، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! جئتك مثقلا
بالذنوب والخطايا، أستشفع بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه: * (ولو أنهم
إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا
رحيما) *.. ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:
يا خير من دفنت في الترب أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم(6/1034)
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم، لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه. وأبو يزيد
الرقاشي، أورده الذهبي في " المقتنى في سرد الكنى " (2 / 155) ولم يسمه،
وأشار إلى أنه لا يعرف بقوله: " حكى شيئا ". وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية.
وهي منكرة ظاهرة النكارة، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية! وقد
ذكرها - مع الأسف - الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: * (ولو أنهم إذ
ظلموا أنفسهم..) * وتلقفها منه كثير من أهل الأهواء والمبتدعة، مثل الشيخ
الصابوني، فذكرها برمتها في " مختصره "! (1 / 410) وفيها زيادة في آخرها:
" ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم
، فقال: يا عتبي! الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له ". وهي في " ابن
كثير " غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث، بل علقها على " العتبي "،
وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية، ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد
البيهقي. وهي حكاية مستنكرة، بل باطلة، لمخالفتها الكتاب والسنة، ولذلك
يلهج بها المبتدعة، لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب
الشفاعة منه بعد وفاته، وهذا من أبطل الباطل، كما هو معلوم، وقد تولى بيان
ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وبخاصة في " التوسل والوسيلة "، وقد
تعرض لحكاية العتبي هذه بالإنكار، فليراجعه من شاء المزيد من المعرفة والعلم.(6/1035)
2929 - " لقد خرج أبو بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تاجرا إلى بصرى، لم
يمنع أبا بكر الضن برسول الله صلى الله عليه وسلم شحه على نصيبه من الشخوص
للتجارة، وذلك كان لإعجابهم كسب التجارة، وحبهم للتجارة، ولم يمنع رسول
الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر من الشخوص في تجارته لحبه صحبته وضنه بأبي
بكر، - فقد كان بصحبته معجبا - لاستحسان (وفي رواية: لاستحباب) رسول الله
صلى الله عليه وسلم للتجارة وإعجابه بها ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (23 / 300 / 674) : حدثنا الحسين بن
إسحاق: حدثنا أبو المعافى الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن
زيد بن أبي أنيسة عن الزهري عن عبد الله أخي أم سلمة قال: سمعت أم سلمة
تقول فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون من رجال " التهذيب "
غير الحسين ابن إسحاق، وهو التستري، قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (
14 / 57) : " كان من الحفاظ الرحلة، أكثر عنه أبو القاسم الطبراني ". قلت:
له حديث واحد في " المعجم الصغير "، وخمسة أحاديث في " المعجم الأوسط " (1 /
198 / 1 - 2 / 2617 - 2621) . وللحديث إسناد آخر، فقال الطبراني في " الأوسط
" (2 / 95 / 2 / 6524) : حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبي عن موسى بن أعين عن
إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن زمعة قال: سمعت أم سلمة تقول: فذكره
، وقال:(6/1036)
" لم يروه عن الزهري إلا إسحاق بن راشد، تفرد به موسى بن أعين ".
قلت: هو ثقة من رجال الشيخين. وكذا شيخه إسحاق ثقة من رجال البخاري، لكن
قال الحافظ في " التقريب ": " في حديثه عن الزهري بعض الوهم ". قلت: فيخشى
أن يكون وهم في قوله: " عبد الله بن زمعة " مكان: " عبد الله أخي أم سلمة "،
وكلاهما صحابي، فهو وهم غير ضار إن شاء الله تبارك وتعالى. ولعله من أجله
فاوت الهيثمي بين إسنادي الطبراني، فوثق رجال الأول دون الثاني فقال (3 / 63
) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه، ورجال " الكبير "
ثقات ".
2930 - " مروها فلتركب ولتختمر [ولتحج] ، [ولتهد هديا] ".
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 74) والطبراني في " المعجم الكبير "
(17 / 320 / 886) والزيادة له من طرق عن عبد العزيز بن مسلم قال: حدثنا
يزيد بن أبي منصور عن دخين الحجري عن عقبة بن عامر الجهني قال: نذرت أختي
أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة، فأتى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: " ما بال هذه؟ ". قالوا: نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة! فقال
: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات كما تقدم بيانه تحت حديث آخر برقم
(492) . وتابعه الحسن عن عقبة أنه قال: يا رسول الله! إن أختي نذرت أن تحج(6/1037)
ماشية وتنشر شعرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله لغني عن نذر
أختك، مروها فلتركب ولتهد هديا، وأحسبه قال: وتغطي شعرها ". أخرجه
الروياني في " مسنده " (19 / 6 / 1 - 2) ورجاله ثقات. وتابعه ابن عباس رضي
الله عنهما عن عقبة بن عامر به نحوه، وقال: " ولتهد هديا " مكان الزيادة.
أخرجه الطحاوي (2 / 75) بإسناد صحيح، وقد رواه غيره بنحوه، وصححه الحافظ
، وهو مخرج في " الإرواء " (8 / 219) . وتابعه أبو عبد الرحمن الحبلي عن
عقبة بن عامر به، إلا أنه قال: " ولتصم ثلاثة أيام " مكان الزيادة. أخرجه
الطحاوي أيضا، وفي " مشكل الآثار " (3 / 38) والروياني في " مسنده " (19
/ 5 / 1) من طريق حيي (الأصل: يحيى) بن عبد الله المعافري عنه. قلت:
وإسناده بما قبله جيد. وتابعه عبد الله بن مالك عن عقبة مثل الذي قبله. وفي
سنده ضعف بينته في المصدر المذكور آنفا مع تخريجه، وقد حسنه الترمذي.
وأخرجه أيضا عبد الرزاق في " المصنف " (8 / 450 / 15871) وأبو يعلى في "
مسنده " (3 / 291 / 1753) والروياني في " مسنده " (19 / 55 / 1 - 2)
والطبراني في " الكبير " (17 / 323 / 893 و 894) . ورواه الشيخان، وغيرهما
من طريق أخرى: عن أبي الخير عن عقبة به مختصرا جدا بلفظ:(6/1038)
" لتمش ولتركب ".
وهو مخرج هناك أيضا، ليس فيه الاختمار ولا الصيام الذي في رواية أبي يعلى
هذه، ولذلك فقد وهم المعلق عليه وهما فاحشا في تخريجها، إذ لم ينبه على هذا
الذي ذكرته من الاختصار، فأوهم القراء أن الحديث بتمامه عند الشيخين حين عزاه
إليهما! وفي الحديث فوائد هامة منها: أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به.
وفيه أحاديث كثيرة صحيحة معروفة. ومنها: أن إحرام المرأة في وجهها، فلا يجوز
لها أن تضرب بخمارها عليه، وإنما على الرأس والصدر، فهو كحديث: " لا تنتقب
المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين ". أخرجه الشيخان. ومنها: أن (الخمار
) إذا أطلق، فهو غطاء الرأس وأنه لا يدخل في مسماه تغطية الوجه، والأدلة
على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة وآثار السلف كما كنت بينته في كتابي " جلباب
المرأة المسلمة "، وقد طبع مرات، وزدت ذلك بيانا في ردي على بعض العلماء
النجديين الذين ادعوا أن الخمار غطاء الوجه أيضا في مقدمتي الضافية للطبعة
الجديدة من كتابي المذكور، نشر المكتبة الإسلامية / عمان.
2931 - " إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا
تخرجوا منها [فرارا منه] . وفي رواية:(6/1039)
" إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به
بعض الأمم قبلكم، [أو طائفة من بني إسرائيل] ، ثم بقي بعد بالأرض، فيذهب
المرة، ويأتي الأخرى، فمن سمع به في أرض فلا يقدمن عليه، ومن وقع بأرض
وهو بها فلا يخرجنه الفرار منه ".
حديث صحيح غاية، جاء من حديث أسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن
بن عوف، وغيرهم. 1 - أما حديث أسامة، فله عنه طرق: الأولى: عن عامر بن
سعد بن أبي وقاص عنه بالرواية الثانية. أخرجه البخاري (6974) ومسلم (7 /
26 - 30) وسياقها مع الزيادة له، ومالك أيضا (3 / 91) وعنه الشيخان،
وكذا أبو عمرو الداني في " الفتن " (ق 43 / 1) والنسائي في " السنن الكبرى "
(4 / 362 / 7524) وعبد الرزاق في " المصنف " (11 / 146 / 20158) وعنه
أحمد (5 / 207) والحميدي في " مسنده " (249 / 544) وأحمد أيضا (5 / 200
- 201 و 202 و 208) وكذا الداني (ق 42 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير
" (1 / 92 - 94 و 124) من طرق عنه. وزاد الحميدي: " قال عمرو بن دينار:
فلعله لقوم عذاب أو رجز، ولقوم شهادة. قال سفيان: فأعجبني قول عمرو هذا ".
الثانية: عن إبراهيم بن سعد قال: سمعت أسامة بن زيد به. أخرجه البخاري (
5728) - والسياق له بالرواية الأولى - ومسلم (7 / 28) وأحمد (1 / 178
و5 / 206 و 209 و 210) والداني (42 / 1 - 2) من طرق عنه.(6/1040)
وزاد حبيب بن أبي
ثابت سماعا من إبراهيم عن سعد بن مالك، وخزيمة بن ثابت، وأسامة بن زيد،
قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه. أخرجه مسلم،
والنسائي (7523) وأحمد (1 / 182) . 2 - وأما حديث سعد بن أبي وقاص، فتقدم
آنفا في رواية حبيب من طريق إبراهيم ابن سعد عنه. وأخرجه أحمد أيضا (1 / 173
و175 و 180 و 186) والطبراني (1 / 109 / 330) من طرق أخرى عن سعد وحده.
3 - وأما حديث عبد الرحمن بن عوف، فيرويه عنه عبد الله بن عباس وغيره: أن
عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بـ (سرغ) لقيه أمراء الأجناد: أبو
عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه: أن الوباء قد وقع بأرض الشام. قال ابن
عباس: فقال عمر بن الخطاب: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم، فاستشارهم
وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا
نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس، وأصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال عمر: ارتفعوا عني. ثم
قال: ادع لي الأنصار. فدعوهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا
كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان ههنا من مشيخة قريش
من مهاجرة الفتح. فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس
ولا تقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا
عليه. فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟! فقال عمر: لو غيرك قالها يا
أبا عبيدة! نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت
واديا له عدوتان، إحداهما(6/1041)
مخصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت المخصبة
رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ فجاء عبد الرحمن بن
عوف - وكان غائبا في بعض حاجته - فقال: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بالرواية الأولى. أخرجه مالك في " الموطأ " (
3 / 89 - 91) وعنه وعن غيره البخاري مطولا ومختصرا (2729 و 2730 و 6973)
ومسلم (7 / 29 - 30) والنسائي (7521 - 7523) وعبد الرزاق (20159)
وأحمد (1 / 193 - 194) وأبو يعلى (837 و 848) وأبو عمرو الداني (ق 42 / 2
- 43 / 1) والطبراني (1 / 90 - 94) من طرق عنه، والسياق لمالك. وقد قال
ابن عبد البر في " التمهيد " (10 / 65) مشيرا إلى هذه الأحاديث والطرق: "
والحديث ثابت متصل، صحيح من وجوه من حديث مالك وغيره ". (فائدة) : قول عمرو
بن دينار المتقدم في الطاعون: " ... ولقوم شهادة "، إنما يعني به المؤمنين
الصابرين عليه، وقد جاءت فيه أحاديث صحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: "
الطاعون شهادة لكل مسلم ". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " أحكام
الجنائز " (ص 52 / 1) وفي الباب أحاديث أخرى، فراجعها إن شئت هناك (ص 52 -
55) و " الصحيحة " (1928) و " الإرواء " (1637) .
2932 - " عمل هذا قليلا، وأجر كثيرا ".
أخرجه البخاري (2808) ، وأحمد (4 / 291 و 293) من طريق إسرائيل عن أبي
إسحاق قال: سمعت البراء رضي الله عنه يقول:(6/1042)
أتى النبي صلى الله عليه وسلم
رجل [من الأنصار] مقنع بالحديد، فقال: يا رسول الله! أقاتل أو أسلم؟ قال
: " [لا، بل] أسلم ثم قاتل "، فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. والسياق للبخاري، وليس عنده: " هذا "، وهي
لأحمد مع الزيادتين الأخريين، والأولى منهما عند مسلم (6 / 43 - 44) من
طريق زكريا عن أبي إسحاق بلفظ: " جاء رجل من بني النبيت - قبيل من الأنصار -
فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله، ثم تقدم، فقاتل حتى
قتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره إلا أنه قال: " يسيرا " مكان "
قليلا ". وأخرجه الطيالسي في " مسنده " (724) ومن طريقه الروياني في "
مسنده " (21 / 2 / 1 - 2) : حدثنا أبو وكيع [الجراح بن مليح] عن أبي إسحاق
بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقاتل العدو، فجاء رجل مقنع في
الحديد، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلم. فقال: أي
عمل أفضل كي أعمله؟ فقال: " تقاتل قوما جئت من عندهم ". فقاتل حتى قتل،
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ثم أخرجه الروياني (20 / 13 /
1 - 2) وكذا سعيد بن منصور في " السنن " (3 / 2 / 230) من طريق حديج بن
معاوية: حدثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب نحوه، إلا أنه زاد: " قال: وإن
لم أصل لله صلاة؟ قال: نعم. قال: فحمل فقاتل فقتل.. ". قلت: وأبو إسحاق
هو عمرو بن عبد الله السبيعي، ومدار الطرق الأربعة - كما ترى - عليه. وقد
كان اختلط، وإسرائيل - وهو ابن يونس بن أبي إسحاق(6/1043)
السبيعي -، وزكريا -
وهو ابن أبي زائدة -، كلاهما سمعا منه في اختلاطه، والآخران: الجراح بن مليح
، وحديج بن معاوية في حكم الأولين، وذلك لأنهما لا يعلم أسمعا منه قبل
الاختلاط أو بعده، مع ضعف فيهما. فلعل الشيخين ثبت لديهما من طرق أخرى أنه
حدث به قبل الاختلاط، أو أنهما كانا لا يريان أنه اختلط اختلاطا شديدا يضعف به
حديثه. والله أعلم.
2933 - " * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) * ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 29 / 1 - 2) ، و " الصغير " (ص 12
- هندية) : حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي أبو عبد الله: حدثنا عبد الله بن
عمران العابدي: حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة
قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنك لأحب
إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في
البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت
أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك؟
فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه
الآية. فذكرها. وقال: " لم يروه عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة
إلا فضيل، تفرد به عبد الله ابن عمران ".(6/1044)
قلت: وهو صدوق كما قال أبو حاتم،
وذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 363) وقال: " يخطىء ويخالف ". قلت:
فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، وإلى هذا يشير الحافظ المقدسي بقوله عقبه
في " صفة الجنة " - وقد رواه من طريق الطبراني -: " لا أرى بإسناده بأسا ".
كما في " تفسير ابن كثير " (1 / 523) . وفيه أنه رواه ابن مردويه من طريق
أخرى عن عبد الله بن عمران به. وقال الهيثمي في " المجمع " (7 / 7) : "
رواه الطبراني في " الصغير " و " الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) غير عبد
الله بن عمران العابدي، وهو ثقة ". قلت: ويقويه أن له شواهد مرسلة في "
تفسير ابن جرير " (5 / 104) عن جماعة منهم قتادة، وإسناده صحيح. وآخر من
رواية عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: فذكره. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (12 / 86 / 12559)
من طريق ثابت بن عباس أبي بكر الأحدب: حدثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن
السائب.. وعطاء كان اختلط، وبه أعله الهيثمي. لكن ثابت بن عباس هذا لم أجد
له ترجمة فيما عندي من المصادر، ولا ذكره أصحاب " الكنى ".(6/1045)
2934 - " أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، فإنه لم يكن نبي إلا وقد
أنذره أمته، وإنه فيكم أيتها الأمة وإنه جعد آدم، ممسوح العين اليسرى،
وإن معه جنة ونارا، فناره جنة وجنته نار، وإن معه نهر ماء وجبل خبز،
وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها، لا يسلط على غيرها، وإنه يمطر السماء
ولا تنبت الأرض، وإنه يلبث في الأرض أربعين صباحا حتى يبلغ منها كل منهل،
وإنه لا يقرب أربعة مساجد: مسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد المقدس والطور،
وما شبه عليكم من الأشياء، فإن الله ليس بأعور (مرتين) ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 147 - 148) من طريق زائدة عن منصور،
وأحمد (5 / 435) وفي " السنة " (رقم 1016) من طريق سفيان عن الأعمش
ومنصور، كلاهما عن مجاهد قال: حدثنا جنادة بن أبي أمية الدوسي قال: دخلت أنا
وصاحب لي على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: حدثنا ما
سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحدثنا عن غيره وإن كان عندك
مصدقا. قال: نعم، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال:
فذكره. والسياق لابن أبي شيبة. وقال أحمد: " الأزدي " مكان " الدوسي ".
وتابعه شعبة عن سليمان وحده، وهو الأعمش. أخرجه أحمد أيضا (5 / 434) وفي "
السنة " (1232) ، وتابعه ابن عون عن مجاهد به نحوه.(6/1046)
أخرجه أحمد أيضا. قلت
: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات مشهورون من رجال " التهذيب "، وجنادة بن أبي
أمية الأزدي الدوسي تابعي كبير ثقة، وثقه ابن حبان (4 / 103) وغيره، وروى
عنه جمع منهم مجاهد كما في هذا الحديث، وكما ذكر ابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(4 / 28) وقد قيل بصحبته، فلا أدري لماذا لم يصححه الحافظ، فقال في "
الفتح " (13 / 105) : " أخرجه أحمد، ورجاله ثقات ". ونحوه قول شيخه
الهيثمي في " المجمع " (7 / 343) : " رواه أحمد، ورجاله رجال (الصحيح) "
. وهذا أقرب، وإن كان لا يفيد الصحة! انظر الاستدراك رقم (3) .
2935 - " إن امرأة كانت فيه (يعني بيتا في المدينة) ، فخرجت في سرية من المسلمين،
وتركت ثنتي عشرة عنزا لها وصيصتها، كانت تنسج بها، قال: ففقدت عنزا من غنمها
وصيصتها، فقالت: يا رب! إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني
قد فقدت عنزا من غنمي وصيصتي، وإني أنشدك عنزي وصيصتي، قال: فجعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم يذكر شدة مناشدتها لربها تبارك وتعالى. قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصتها ومثلها، وهاتيك
فائتها فاسألها إن شئت ".
أخرجه أحمد في " مسنده " (5 / 67) قال: حدثنا عبد الصمد بن(6/1047)
عبد الوارث
أخبرنا سليمان (يعني ابن المغيرة) عن حميد (يعني ابن هلال) قال: كان رجل
من الطفاوة طريقه علينا، فأتى على الحي فحدثهم قال: قدمت المدينة في عير لنا
، فبعنا بضاعتنا (الأصل: بياعتنا) (1) ثم قلت: لأنطلقن إلى هذا الرجل،
فلآتين من بعدي بخبره، قال: فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا
هو يريني بيتا. قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال
الشيخين غير الرجل الطفاوي، فإنه لم يسم، ولا يضر لأنه صحابي، والصحابة
كلهم عدول. وقال الهيثمي (5 / 277) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح "
. قوله: (صيصتها) هي الصنارة التي يغزل بها وينسج كما في " النهاية ".
2936 - " [يا أبا هريرة] خذهن (يعني تمرات دعا فيهن صلى الله عليه وسلم بالبركة)
فاجمعهن في مزودك هذا، أو في هذا المزود، كلما أردت أن تأخذ منه شيئا، فأدخل
يدك فيه فخذه ولا تنثره نثرا ".
أخرجه الترمذي (3838) وابن حبان (2150) والبيهقي في " الدلائل " (6 /
109) وأحمد (2 / 352) من طرق عن حماد بن زيد: حدثنا المهاجر عن أبي
العالية الرياحي عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات
فقلت: يا رسول الله! ادع الله فيهن بالبركة، فضمهن (وفي رواية: فصفهن بين
يديه) ، ثم دعا لي فيهن بالبركة، فقال لي: (فذكر الحديث) ، فقد حملت من
هذا التمر كذا وكذا من وسق (وفي طريق: خمسين وسقا) في سبيل الله، وكنا
نأكل منه ونطعم، وكان لا يفارق حقوي
_________
(1) والتصحيح من " المجمع "، والمعنى قريب. اهـ.(6/1048)
حتى كان يوم قتل عثمان، فإنه انقطع [
عن حقوي فسقط] . وقال الترمذي - والسياق له -: " حديث حسن غريب من هذا
الوجه ". قلت: وسقط التحسين من بعض نسخ " الترمذي "، فحملني ذلك لما علقت
على " المشكاة " (5933) على تفسير قوله: " غريب " بالتضعيف. ولم يتنبه
لذلك بعض من انتقدني من المعاصرين النجديين - وقد بلغني وفاته رحمه الله -
فقال: " لم يضعفه الترمذي بل قال: حسن غريب من هذا الوجه ". والآن وقد
تيسر لي تخريج الحديث تخريجا علميا، فقد ترجح عندي أمران: الأول: أن تحسين
الترمذي ثابت عنه لأنه نقله حافظان جليلان: ابن كثير في " تاريخه " (6 / 117
) والحافظ ابن حجر في " فتحه " (11 / 281) . والآخر: أن الحديث صحيح
بمجموع طرقه، وهي ثلاث: الأولى: هذه المتقدمة عن أبي العالية عن أبي هريرة
، وقلت: إن السياق للترمذي، والرواية الأولى والزيادة الأخيرة لأحمد.
والسند رجاله ثقات رجال الشيخين غير المهاجر، وهو ابن مخلد أبو مخلد، قال
الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". أي عند المتابعة، وقد توبع كما يأتي.
الثانية: عن سهل بن زياد أبي زياد: حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن
أبي هريرة به نحوه، ولفظه أتم، وفيه الزيادة الأولى.(6/1049)
أخرجه البيهقي.
وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون غير سهل بن زياد، أورده الذهبي في "
الميزان " وقال: " ما ضعفوه، وله ترجمة في (تاريخ الإسلام) ". قلت:
وقد وثقه ابن حبان (8 / 291) ، وروى عنه جمع من الثقات كما بينته في " تيسير
انتفاع الخلان "، فهو صدوق يحتج به، ولعله لذلك سكت الحافظان ابن كثير وابن
حجر عن إسناده، فلا يلتفت إذن إلى ما ذكر في " اللسان " أن الأزدي قال فيه: "
منكر الحديث ". ومن الغريب أن الشيخ النجدي المشار إليه آنفا مع تصريحه بأن
إسناده صحيح، وترجمته للرواة الذين دون سهل بن زياد إلى شيخ البيهقي، فإنه
لم يتعرض لترجمته البتة، مع أنه أولى بها من الآخرين الذين ترجم لهم، لما
ذكرته آنفا في ترجمة سهل، وأنه لم يوثقه غير ابن حبان، والغالب أن من تفرد
هو بتوثيقه يكون مجهولا، لكني قد بينت أنه خرج عن الجهالة برواية أولئك الثقات
عنه. فلهذا كان أولى بترجمته وبيان حاله من الرواة الذين ترجم لهم! ثم وقفت
على توثيق البزار وغيره إياه، وألحقت ذلك بـ " التيسير " فالسند صحيح.
الثالثة: عن سهل بن أسلم العدوي عن يزيد (الأصل: زيد) بن أبي منصور عن أبيه
عن أبي هريرة نحوه. قلت: أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " (ص 372) والبيهقي
من طريقين عن سهل ابن أسلم، وهو ثقة كما قال أبو داود الطيالسي، ومثله يزيد
بن أبي منصور.(6/1050)
وأما أبوه: أبو منصور، وهو الأزدي، فلم أجد له ترجمة إلا
في " المقتنى في سرد الكنى " للذهبي، فإنه قال: " أبو يزيد الأزدي عن أبي
هريرة، وعنه سلام بن مسكين ". فيحتمل أنه هو، ومع ذلك فلا أعرف حاله.
2937 - " لو تركها لدارت أو طحنت إلى يوم القيامة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 41 / 2) والبيهقي في " الدلائل " (6 /
105) من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن
حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: أصاب رجلا حاجة فخرج إلى البرية
، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما نعتجن وما نختبز، فجاء الرجل والجفنة ملأى
عجينا، وفي التنور حبوب الشواء، والرحى تطحن، فقال: من أين هذا؟ قالت:
من رزق الله، فكنس ما حول الرحى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
، والسياق للطبراني، وقال: " لم يروه عن محمد بن سيرين إلا هشام، ولا عنه
إلا أبو بكر، تفرد به أحمد ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من
فوقه، سوى أبي بكر بن عياش، فمن رجال البخاري، وفيه كلام يسير لا يسقط
حديثه عن مرتبة الحسن، ولاسيما وله طريق أخرى كما يأتي. ومن هذا الوجه
أخرجه البزار في " مسنده " (4 / 267 / 3687) وقال: " لا نعلم رواه عن هشام
إلا أبو بكر بن عياش ".(6/1051)
قلت: وهذا أدق تعبيرا من قول الطبراني المتقدم لأنه
لا يرد عليه ما يرد على قول الطبراني: أنه تفرد به أحمد بن يونس، فقال الإمام
أحمد في " المسند " (2 / 513) : حدثنا ابن عامر: أنبأنا أبو بكر عن هشام به
نحوه. وابن عامر هو (أسود بن عامر) كما في أحاديث قبله، وهو ثقة من رجال
الشيخين أيضا. وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 257) بعد أن ساقه برواية
أحمد: " رواه أحمد والبزار والطبراني في " الأوسط " بنحوه، ورجالهم رجال
الصحيح غير شيخ البزار، وشيخ الطبراني، وهما ثقتان ". وللحديث طريق ثان
يرويه أبو صالح عبد الله بن صالح: حدثنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن أبي هريرة أن رجلا من الأنصار كان ذا حاجة.. الحديث نحوه أتم منه.
أخرجه البيهقي. وأبو صالح فيه ضعف. وله طريق ثالث عن شهر بن حوشب قال: قال
أبو هريرة: بينما رجل وامرأته في السلف الخالي لا يقدران على شيء، فجاء
الرجل من سفره فدخل على امرأته جائعا قد أصابته مسغبة شديدة، فقال لامرأته:
أعندك؟ قالت: نعم.. الحديث نحوه. أخرجه أحمد (2 / 421) وشهر بن حوشب
ضعيف، وفي حديثه زيادات منكرة، والله أعلم.
2938 - " لا يحل لأحد يحمل فيها السلاح لقتال. يعني المدينة ".
أخرجه أحمد في " المسند " (3 / 347) : حدثنا موسى: حدثنا ابن لهيعة عن(6/1052)
أبي
الزبير أن جابرا أخبره أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره، وزاد في آخره: " فقال قتيبة: يعني المدينة ". قلت: وقد توبع على
هذه الزيادة، فقال أحمد (3 / 393) : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة أنبأنا أبو
الزبير قال: وأخبرني جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل
المدينة كالكير، وحرم إبراهيم مكة، وأنا أحرم المدينة، وهي كمكة، حرام
ما بين حرتيها وحماها كلها، لا يقطع منها شجرة، إلا أن يعلف رجل منها، ولا
يقربها إن شاء الله الطاعون، ولا الدجال، والملائكة يحرسونها على أنقابها
وأبوابها ". قال: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ولا يحل
لأحد يحمل فيها سلاحا لقتال ". قلت: ورجال إسناده ثقات رجال مسلم غير ابن
لهيعة، وهو ثقة، لكنه سيىء الحفظ، وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 304)
: " رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه كلام ". قلت: ولحديث
الترجمة متابع بسند صحيح عنه، وهو معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن
جابر مرفوعا بلفظ: " لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح ". أخرجه مسلم (4 /
111) ومن طريقه البغوي في " شرح السنة " (7 / 302) وابن حبان (3706 -
الإحسان) .(6/1053)
ومعقل هذا فيه كلام من قبل حفظه، قال الحافظ في " التقريب ": "
صدوق يخطىء ". فقد خالف ابن لهيعة في قوله: " عن أبي الزبير أخبره جابر "،
وقوله: " المدينة " مكان " مكة ". ومن الصعب ترجيح أحد القولين على الآخر،
ولعل الراجح الجمع بينهما، أما قول ابن لهيعة: " المدينة "، فلأن له شاهدين:
أحدهما: من حديث أنس بن مالك بلفظ: " المدينة حرم من كذا إلى كذا، من أحدث
فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا
يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، لا يحمل فيها سلاح لقتال ". أخرجه أحمد (3 /
242) ورجاله ثقات رجال مسلم غير مؤمل، وهو ابن إسماعيل، قال الهيثمي (3 /
302) : " وهو موثق، وفيه كلام ". والآخر: من حديث علي نحو حديث حسن عن
ابن لهيعة، وفيه: ".. ولا يحمل فيها السلاح لقتال ". أخرجه أحمد وغيره
بسند صحيح، وهو مخرج في " الإرواء " (4 / 250 - 251) وقواه الحافظ في "
الفتح " (4 / 85) . وأما قول معقل، فيشهد له حديث ابن عباس مرفوعا: " إن
الله عز وجل حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي.. " الحديث.
رواه البخاري وغيره، وهو مخرج هناك (4 / 248 - 249) ومثله حديث(6/1054)
أبي هريرة
عند الشيخين. ولكن من الظاهر أن هذه الشواهد إنما تنهى عن حمل السلاح في مكة
لقتال، فعلى ضوئها يجب أن يفسر حديث جابر إن ثبت، فإنه مطلق فليتقيد بها،
ولعل هذا هو المراد بقول البخاري في " الصحيح " (13 / العيدين 9 - باب ما يكره
من حمل السلاح في العيد والحرم) ، وقال الحسن: " نهوا أن يحملوا السلاح يوم
عيد إلا أن يخافوا عدوا ". وقد ساق الحافظ تحته في " الفتح " (2 / 455)
حديث مسلم عن معقل.. ولكنه ذكره بالمعنى، فقال: " نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يحمل السلاح في مكة ". وحاصل ما تقدم من الروايات أن يحرم حمل
السلاح في مكة والمدينة لقتال، ومفهومه أنه يجوز حمله لخوف عدو أو فتنة.
والله أعلم.
2939 - " إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك
، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل
للرجل: اتق الله، فيقول: عليك نفسك ".
أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (488 / 849) وابن منده في "
التوحيد " (ق 123 / 2 - الظاهرية) والبيهقي في " الشعب " (1 / 359 - هندية
) و " الدعوات الكبير " (102 / 136) من طريق محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال:
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.(6/1055)
قلت: وهذا إسناد صحيح،
رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن الأصبهاني وهو ثقة ثبت من شيوخ البخاري.
وقد خالفه ابن أبي شيبة فرواه في " المصنف " (1 / 232) عن أبي معاوية وابن
فضيل عن الأعمش به موقوفا. وتابعه محمد بن العلاء عن أبي معاوية وحده به.
أخرجه النسائي (489 / 850) . وتابعه عنده (851 و 852) داود وأبو الأحوص
عن الأعمش به موقوفا أيضا. وإن مما لا شك فيه أن الوقف أصح من حيث الرواية،
لكنه من حيث المعنى في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر.
ومن الغريب أن تخفى على الحافظ ابن حجر هذه المصادر، وبخاصة منها كتاب
النسائي الذي رواه مرفوعا وموقوفا، فإنه عزاه في تخريج " الكشاف " (7 / 43)
لابن أبي شيبة وحده موقوفا! ولطرفه الأخير طريق آخر، يرويه سفيان عن أبي
إسحاق عن سعيد بن وهب عن عبد الله قال: " إن من أكبر الذنب أن يقول الرجل
لأخيه: (اتق الله) ، فيقول: عليك نفسك، أنت تأمرني؟! ". أخرجه الطبراني
في " المعجم الكبير " (9 / 119 / 8587) . قلت: ورجاله ثقات إن كان سعيد (
الأصل: سعد) بن وهب هو الهمداني الخيواني الذي أخرج له مسلم، فقد فرقوا بين
هذا وبين الهمداني الثوري، ولم(6/1056)
يذكروا في هذا الثاني توثيقا، خلافا لابن
حبان، فإنه لم يذكر في " ثقاته " (4 / 291) سوى الأول. وكلاهما روى عنه
أبو إسحاق السبيعي. والله أعلم. على أن السبيعي مدلس، وقد عنعنه. وسفيان
هو الثوري، وقد خالفه في إسناده شعبة، فقال: عن أبي إسحاق عن زيد ابن وهب
عن عبد الله قال: " كفى بالمرء إثما إذا قيل له: (اتق الله) غضب "! أخرجه
الطبراني (8588) . وقال الهيثمي في كل من الروايتين (7 / 271) : " ورجاله
رجال الصحيح ". فأنت ترى أن شعبة قال: " زيد بن وهب "، مكان " سعيد بن وهب "
، فلا أدري الراجح منهما. (تنبيه) : تقدم هذا الحديث برقم (2598) من رواية
ابن منده والأصبهاني في " الترغيب "، ووقع هنا بزيادة كبيرة في التخريج
والتحقيق فاحتفظت به، والله ولي التوفيق.
2940 - " لا بأس بذلك. يعني المسح على الخفين ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (172 - موارد) من طريق فضيل بن سليمان: حدثنا
موسى بن عقبة عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
سئل فقيل: يا رسول الله! أرأيت الرجل يحدث فيتوضأ ويمسح على خفيه، أيصلي؟
قال: فذكره.(6/1057)
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الشيخين، لولا ضعف في
الفضيل هذا من قبل حفظه، وقد أورده الحافظ في " مقدمة الفتح " (ص 435) ،
وقال ما خلاصته: " كان صدوقا، وعنده مناكير، روى له الجماعة، وليس له في "
البخاري " سوى أحاديث توبع عليها ". فأقول: ولحديثه شاهد يدل على أنه حديث
محفوظ غير منكر، يرويه أبو سلمة عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في المسح على الخفين أنه لا بأس به. أخرجه النسائي (1 / 31)
وأحمد (1 / 169 و 169 - 170) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (7 / 168) من
طريق موسى بن عقبة عن أبي النضر عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين
، وأخرجه البيهقي (1 / 269 - 270) ولكنه أدخل عبد الله بن عمر بين أبي سلمة
وسعد، وزاد في متنه قصة ابن عمر مع أبيه وسعد، وهي عند البخاري (202)
من طريق عمرو (وهو ابن الحارث) : حدثني أبو النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح
على الخفين، وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك؟ فقال: نعم، إذا حدثك
شيئا سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره. وقال موسى بن عقبة
: أخبرني أبو النضر أن أبا سلمة أخبره أن سعدا.. فقال عمر لعبد الله.. نحوه.
كذا علقه البخاري عن موسى ولم يسق لفظه، وكذلك فعل الحافظ في " شرحه " (1 /
305) ولم يوصله خلافا لعادته! ولما وصله وخرجه في " تغليق التعليق "(6/1058)
(2 /
132 - 133) وعزاه للنسائي لم يسق لفظه!! وكذلك فعل المعلق على " الإحسان "
(4 / 163 - طبع المؤسسة) بحديث الترجمة، فإنه لم يزد فيه على تضعيفه لفضيل
ابن سليمان وقوله: " وهو صحيح بشواهده "! ويعني غير حديث سعد مما صح عنه
صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا في المسح على الخفين! وكان عليه أن يخرجه
وأن يتوسع في تخريجه كما هي عادته، ولكن الفهارس لم تساعده على ذلك!! واعلم
أن الأحاديث في المسح على الخفين متواترة، كما صرح بذلك غير ما واحد من أئمة
الحديث والسنة، والآثار بعمل الصحابة والسلف بها كثيرة جدا مشهورة، وما
روي عن بعضهم من الإنكار، فذلك قبل أن تصل بذلك إليهم الأخبار، كما هو شأن
كثير من المسائل الفقهية، ولذلك عادوا إلى القول والعمل بها لما وصلتهم،
وذلك مطابق لقراءة الجر في قوله تعالى في آية الوضوء: * (وأرجلكم إلى الكعبين
) *. فبقاء بعض الفرق الإسلامية على إنكار هذه السنة كالرافضة والخوارج ومنهم
الإباضية مما يؤكد أنهم من أهل الأهواء المتوعدين بقوله تعالى: * (ومن يشاقق
الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله
جهنم وساءت مصيرا) *. وإن تعجب فالعجب من الشيخ عبد الله بن حميد السالمي
الإباضي أن يصر إصرار هؤلاء على المشاققة للرسول واتباع غير سبيل المؤمنين،
ويتمسك في ذلك بالآثار الواهية رواية ودراية التي ذكرها إمامهم المزعوم الربيع
بن حبيب في " المسند " المنسوب إليه! (1 / 35 - 36) ومدارها على شيخه أبي
عبيدة المجهول عنده، وغير معروف عندهم في الرواية بالضبط والحفظ والإتقان!
ثم يعرض في شرحه إياه (1 / 177 - 179) عن تلك الأحاديث الصحيحة المتواترة،
والآثار الكثيرة الثابتة المشهورة، ويضعفها تعصبا لإباضيته بشطبة قلم، فيقول
:(6/1059)
" وقد عرفت أن السنة لم تثبت في ذلك "!! وهو غير صادق فيما قال لوجهين:
الأول: أنه جحد التواتر، فصدق في مثله قوله تعالى: * (وجحدوا بها
واستيقنتها أنفسهم) *. والآخر: قوله: " قد عرفت.. "، إذ لا يمكن معرفة
صحة الدعوى إلا بتقديم الحجة والبرهان كما هو مستقر بداهة في الأذهان، وهو
لم يفعل شيئا من ذلك مطلقا إلا مجرد الدعوى، وهذا شأن عالمهم الذي زعم بعض
الكتاب أنه معتدل غير متعصب، وايم الحق إن من بلغ به التعصب من أهل الأهواء
إلى رد أخبار التواتر التي عني بها أهل الحديث عناية لا قبل لأهل الأهواء
بمثلها، لحري به أن يعجز عن إقامة البرهان على صحة مذهبهم الذي شذوا فيه عن
أهل السنة والحديث. فهذا الحق ليس به خفاء فدعني من بنيات الطريق. وقبل أن
أمسك القلم أقول: لقد اعتاد الرجل السالمي أن يسوق كلامه على عواهنه مؤيدا به
مذهبه وهواه، من ذلك أنه قرن مع الشيعة والخوارج بعض علماء السنة من
الظاهرية، فقال (ص 178) عطفا على المذكورين: " وأبو بكر بن داود الظاهري "
. فأقول: أبو بكر هذا هو محمد بن داود بن علي الظاهري، ترجمه الحافظ الذهبي
في " السير " (13 / 109) : " حدث عن أبيه، وعباس الدوري.. وله بصر تام
بالحديث وبأقوال الصحابة، وكان يجتهد ولا يقلد أحدا ".(6/1060)
فأقول: فيستبعد
جدا من مثله أن يخالف الحديث والصحابة، وأن يوافق الخوارج في إنكار سنة
المسح على الخفين، لاسيما وهو قد تفقه على أبيه داود، وهذا مع أئمة الفقه
والحديث في القول بالمسح على الخفين كما ذكر ذلك الإمام ابن حزم في " المحلى " (
2 / 89) فمن أين جاء السالمي بما عزاه لأبي بكر الظاهري؟! وما أحسن ما قيل:
والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء!
2941 - " جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا بـ (قباء) ، فجئت وأنا غلام
[حدث] حتى جلست عن يمينه، [وجلس أبو بكر عن يساره] ثم دعا بشراب فشرب منه
، ثم أعطانيه، وأنا عن يمينه، فشربت منه، ثم قام يصلي، فرأيته يصلي في
نعليه ".
أخرجه أحمد (4 / 221) وابن أبي عاصم في " الوحدان " (4 / 167 / 2148) من
طريق مجمع بن يعقوب: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: قيل لعبد الله بن أبي
حبيبة رضي الله عنه: هل أدركت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:
فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، محمد بن إسماعيل هذا روى
عنه أيضا عاصم بن سويد إمام مسجد قباء كما في " الجرح والتعديل "، وذكره ابن
حبان في " الثقات " (7 / 394) في أتباع التابعين، وكذلك ذكر فيهم الراويين
المذكورين عنه: مجمع بن يعقوب وعاصم بن سويد، وهذا مستغرب منه، لأن الظاهر
أن محمد بن إسماعيل تابعي أدرك جده من قبل أم عبد الله بن أبي حبيبة هذا.
ولذلك قال ابن السكن في ترجمته، أعني عبد الله هذا كما في " الإصابة ":(6/1061)
"
إسناد حديثه صالح ". ثم ساق له هذا الحديث، وعزاه لابن أبي شيبة أيضا
والبغوي والطبراني. ويؤيد ما ذكرت إخراج الضياء المقدسي للحديث في " المختارة
" (ج 56 / 136 / 2 - 137 / 1) من طريق أحمد والطبراني - ومنه استفدت
الزيادتين بين المعقوفتين. وهذا كله يدل على أن محمدا هذا تابعي، وأن
الإسناد متصل. ثم رأيت الحديث في " معجم الطبراني الكبير " (191 / 449) قطعة
من الجزء (13) طبع حديثا بتحقيق الأخ حمدي السلفي جزاه الله خيرا. وللحديث
شاهد مختصر يرويه الصلت بن غالب الهجيمي عن مسلم به بديل عن أبي هريرة قال:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرب على راحلته، ثم ناول الذي عن يمينه. ذكره
ابن حبان في ترجمة مسلم هذا من " ثقاته " (5 / 400) وأفاد أنه روى عنه غير
الصلت هذا، فقال: " وهو الذي روى عنه عبد الله بن عون حديث الطفيل بن عمرو
الدوسي ". وحديث ابن عون هذا أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2 / 162 / 976)
بسنده الصحيح عن ابن عون عن مسلم بن بديل عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكر دوسا، فقال: إنهم ... (بياض في الأصل) فذكر
رجالهم ونساءهم، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، فقال الرجل: * (إنا
لله وإنا إليه راجعون) * هلكت دوس ورب الكعبة، فرفع النبي صلى الله عليه
وسلم يديه وقال: " اللهم اهد دوسا ". وقد تابع مسلما على هذا أبو سلمة عن
أبي هريرة بأتم منه قال:(6/1062)
قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه، فقالوا: يا
رسول الله! إن دوسا قد عصت وأبت، فادع الله عليها، قال أبو هريرة: فرفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، فقلت: هلكت دوس، فقال: " اللهم اهد
دوسا، وائت بها ". أخرجه أحمد (2 / 502) : حدثنا يزيد أنبأنا محمد بن عمرو
عن أبي سلمة به. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أنهما
أخرجا لمحمد بن عمرو - وهو ابن علقمة - في الشواهد والمتابعات لضعف فيه يسير
. وقد توبع، فقال سفيان - وهو ابن عيينة -: حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة به، إلا أنه قال مكان الرفع: " فظن الناس أنه يدعو عليهم ". أخرجه
البخاري (6397) : حدثنا علي: حدثنا سفيان به. وبهذا الإسناد أخرجه في "
الأدب المفرد " (611) ، لكنه زاد قبيل جملة الظن هذه: " فاستقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه ". وهذه الزيادة قد توبع عليها علي -
شيخ البخاري وهو ابن المديني -، فقال أحمد (2 / 243) والحميدي في " مسنده
" (1050) : حدثنا سفيان به. وأخرجها البيهقي في " دلائل النبوة " (5 / 359
) من طريق سعدان بن نصر: حدثنا سفيان به. وقال: " رواه البخاري في " الصحيح
" عن علي بن عبد الله عن سفيان "! كذا قال، وهو يعني أصل الحديث - وهي عادة
له في كتبه ومنها " السنن "،(6/1063)
فقد عرفت أن هذه الزيادة ليست في " الصحيح "،
وقد صرح بذلك الحافظ في " الفتح " (11 / 142) . وقد تابع سفيان بن عيينة
سفيان الثوري فرواه البخاري (4392) : حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن
ذكوان به مختصرا. وابن ذكوان اسمه عبد الله، وهو أبو الزناد. وكذلك أخرجه
ابن حبان في " صحيحه " (2 / 162 / 975) من طريق أخرى عن أبي نعيم، وأحمد (2 / 448) : حدثنا وكيع عن سفيان به. وتابعه المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي
الزناد به، إلا أنه زاد بعد قوله: " فادع الله عليها ": " فقيل: هلكت دوس "
. أخرجه مسلم (7 / 180) . لقد ابتعدت كثيرا عن حديث الترجمة في صدد الكلام
على راوي شاهده المختصر، لأقول الآن: إن له شاهدا آخر أصح منه وأتم من حديث
أنس. وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " الأيمن فالأيمن ". رواه الشيخان
وغيرهما، وقد سبق تخريجه برقم (1771) . ففي هذا نص على أن الساقي يبدأ بمن
عن يمينه، وليس بكبير القوم، أو أعلمهم، أو أفضلهم، وعلى ذلك جرى السلف
الصالح كما تراه في " مصنف ابن أبي شيبة " (8 / 223) . وقد روى هو ومسلم
وعبد الرزاق والحميدي في حديث أنس المشار إليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما شرب: كان عن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر، وعمر(6/1064)
تجاهه، فقال: يا
رسول الله! أعط أبا بكر، وخشي أن يعطي الأعرابي، فأبى صلى الله عليه وسلم
وأعطى الأعرابي، وقال: الحديث. وفي رواية لمسلم: وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " الأيمنون، الأيمنون، الأيمنون ". قال أنس: فهي سنة، فهي سنة
، وهي سنة. فأقول: فمن الغرائب أن يصر كثير من الأفاضل على مخالفة هذه السنة
، بل هذا الأدب الاجتماعي الذي تفرد الإسلام به - في مجالسهم الخاصة -، حيث لا
يخشى أن يقع أي محظور في العمل بها سوى مخالفة عادة الآباء والأجداد! ولقد
كان إعراضهم عن هذه السنة الصحيحة اعتمادا منهم على تلك الفلسفة التي نفيتها
آنفا - سببا لمخالفتهم هم أنفسهم إياها، حين لم يلتزموها عمليا، فصار الساقي
يبدأ - على علم منهم - بأكابرهم وأمرائهم، ولو كانت فلسفتهم لا تنطبق عليهم
! وأنا حين أقول هذا - أعلم أنهم إنما يصرون على هذه المخالفة من باب الحكمة
والسياسة والمداراة، وأنهم لا يملكون غير ذلك لفساد النفوس والأخلاق.
ولكني أقول: لو أنهم التزموا العمل بهذه السنة في مجالسهم الخاصة، وحضرها أحد
أولئك الأمراء لانقلب الأمر ولاضطر هؤلاء إلى أن يسايسوا أهل المجلس،
ولاسيما وهم من الساسة! ولما طمعوا أن يعاملوا بخلاف السنة، ثم لانتشرت هذه
إلى مجالس الساسة الخاصة! ويشبه هذه المسألة إيجابا وسلبا مسألة القيام
للداخل، فلما تركت هذه السنة بدعوى الاحترام والإكرام لأهل العلم والفضل،
تحول ذلك مع الزمن إلى القيام لمن ليس في العير ولا النفير كما يقال، بل إلى
القيام للفساق والفجار. بل ولأعداء الله! فهل من معتبر؟!(6/1065)
أما صلاته صلى
الله عليه وسلم في نعليه الوارد في آخر حديث الترجمة فله شواهد كثيرة تبلغ مبلغ
التواتر في " الصحيحين "، وغيرهما، وبعضها مخرج في " صحيح أبي داود " (657
و658 و 659 و 660) .
2942 - " قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا دعاني ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (616) : حدثنا خليفة بن خياط قال: حدثنا
كثير بن هشام: حدثنا جعفر عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الصحيح
، وقد أخرجه مسلم (8 / 66) من طريق وكيع عن جعفر بن برقان به. وله طريق
أخرى بزيادة في متنه بلفظ: ".. عبدي عند ظنه بي، وأنا معه إذا دعاني، فإن
ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وأطيب
، وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا،
وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ". أخرجه أحمد (2 / 480) : حدثنا محمد بن جعفر
قال: حدثنا شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي هريرة به. وهذا إسناد صحيح على
شرط الشيخين. ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان (2 / 91 / 809) إلى قوله: "
وأطيب ". وهو في " الصحيحين " من طريق أخرى عن سليمان - وهو الأعمش - بلفظ:(6/1066)
".. وأنا معه إذا ذكرني.. "، وهو رواية لابن حبان (808) ، وهو مما تقدم
تخريجه تحت الرقم (2011) ، وذكرت هناك لحديث الترجمة شاهدا من حديث أنس رضي
الله عنه بسند صحيح.
2943 - " ذهبت بي أمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم [وأنا غلام] فمسح على رأسي،
ودعا لي بالرزق، [وفي رواية: بالبركة] ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (164 / 632) قال: حدثنا أبو نمير حدثنا
أبو اليمان قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عمرو بن حريث يقول
: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي نمير هذا فلم أعرفه، وليس في
الرواة من يكنى بهذه الكنية سوى واحد فوق هذه الطبقة، ولم يذكر الحافظ الذهبي
سواه في " كناه ". وفي الإسناد إشكال ثان، وهو أن أبا اليمان - واسمه
الحكم بن نافع البهراني - وهو من شيوخ المؤلف هنا، وفي " الصحيح "، روى عنه
مباشرة هنا نحو خمسة عشر حديثا، ولم يذكروا أنه يروي عنه بالواسطة، وبخاصة
لأبي نمير هذا المجهول. وثمة إشكال ثالث، وهو تصريح أبي اليمان بتحديث
إسماعيل بن أبي خالد إياه، فإن هذا مستبعد جدا بالنظر إلى تاريخ الولادة
والوفاة، فقد ذكروا في ترجمة أبي اليمان أنه ولد سنة (138) ، وفي ترجمة
إسماعيل أنه مات سنة (146) ، فيكون عمر أبي اليمان (8) سنوات حين وفاة
إسماعيل، ولذلك لم يذكروا له(6/1067)
رواية عنه. ولعله لما ذكرت من الإشكال ذهب
الشيخ الجيلاني في شرحه على " الأدب "، إلى أن الصواب في اسم شيخ المؤلف: "
ابن نمير "، ثم قال (2 / 89) : " لعله انقلب السند، والصحيح: حدثنا أبو
اليمان حدثنا ابن نمير، أي: عبد الله بن نمير، وكان في المطبوعة: حدثنا
أبو نمير ". فأقول: هذا احتمال قوي، فقد ذكروا لابن نمير هذا رواية عن
إسماعيل بن أبي خالد، ووجدت تصريحه بتحديث إسماعيل إياه في " سنن ابن ماجه "
(رقم 817) بحديث القراءة في صلاة الفجر، لكنه أدخل بينه وبين عمرو بن حريث
(أصبغ مولى عمرو بن حريث) ، فإذا صح هذا الاحتمال، فالإسناد صحيح لتصريح
إسماعيل فيه بسماعه إياه من عمرو بن حريث. وإن مما يؤكد ذلك أنني وجدت تصريح
إسماعيل بالسماع في هذا الحديث نفسه من طريق أخرى عنه، فقال أبو يعلى في "
مسنده " (3 / 41 / 1456) : حدثنا محمد بن عبد الله ابن نمير: حدثنا يحيى بن
يمان حدثنا إسماعيل قال: سمعت عمرو بن حريث به. قلت: وهذا إسناد لا بأس به
في المتابعات والشواهد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى هذا، وهو صدوق
يخطىء كثيرا، وكان تغير كما في " التقريب "، وأما قول المعلق على " مسند
أبي يعلى ": " وقد صحح مسلم حديثه في الزهد رقم (2972) ". ففيه تدليس لعله
غير مقصود، لأن مسلما لم يحتج به وإنما قرنه بـ " عبدة بن سليمان " وهو
الكلابي ثقة ثبت، فتصحيح مسلم لحديثه، وليس لحديث يحيى(6/1068)
كما زعم، فكان الحق
أن يقال روى له مقرونا. ومن الغريب أن فؤاد عبد الباقي قد لفت نظر القراء في
الحاشية إلى هذا المعنى، ومع ذلك لم يتنبه له المعلق المشار إليه، أو أنه لم
يأخذ به، لأنه رأى المترجمين له قد رمزوا له بأنه من رجال مسلم كالحافظ في
كتابيه، وكأبي نصر الكلاباذي في " الجمع بين رجال الصحيحين " أطلقوا ولم
يقيدوا بأنه مقرون عنده، ولكن هذا إن صح، فما كان ينبغي للمومى إليه أن يقول
ما قال، لأن ذلك لا يصدق على الحديث الذي أشار إليه، لما ذكرت أنه مقرون،
والكلاباذي قد أشار إليه أيضا ولم يزد! فتنبه، فإنه من خفايا هذا العلم
الشريف. ومع الضعف المشار إليه، فقد خالفه في إسناده محمد بن يزيد - وهو
الواسطي الثقة - فقال: عن إسماعيل بن أبي خالد عن مولى عمرو بن حريث عن عمرو
بن حريث.. فذكر حديث القراءة المشار إليه آنفا، وزاد عقبه: " وقال: ذهبت
بي أمي أو أبي إليه، فدعا لي بالرزق ". أخرجه أبو يعلى (1469) . قلت: فزاد
الواسطي في الإسناد مولى عمرو بن حريث، فزيادته مقبولة لثقته وحفظه.
والظاهر أن هذا المولى هو (أصبغ) المذكور في إسناد حديث ابن ماجه المتقدم،
وهو ثقة، إلا أنه كان تغير كما في " التقريب "، ويحتمل عندي أن يكون هو
الوليد بن سريع، فإنه مولى عمرو بن حريث أيضا، وشارك (أصبغ) في رواية حديث
القراءة عن مولاه عمرو عند مسلم وغيره كأبي يعلى (1457) وهو مخرج في "
الإرواء " (2 / 63) ، فيحتمل عندي أيضا أن يكون هو (أصبغ) نفسه، ويكون
هذا لقبا له. والله سبحانه وتعالى أعلم.(6/1069)
وحديث عمرو هذا أورده الهيثمي في
" المجمع " (9 / 405) بروايتيه، أعني عن أصبغ وعن الوليد، وقال: "
رواهما أبو يعلى والطبراني بأسانيد، ورجال أبي يعلى وبعض أسانيد الطبراني
رجال الصحيح ". ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عن عمرو بن حريث يزداد بها قوة،
فقال البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 2 / 190) : قال أبو نعيم: حدثنا
فطر عن أبيه: سمع عمرو ابن حريث قال: انطلق بي أبي إلى النبي صلى الله عليه
وسلم، وأنا غلام، فدعا لي بالبركة، ومسح على رأسي. وهذا إسناد حسن في
الشواهد والمتابعات، رجاله رجال البخاري غير والد فطر، وهو خليفة مولى عمرو
بن حريث، أورده ابن حبان في " الثقات " (4 / 209) برواية أبيه هذه، وقال
ابن القطان: " مجهول الحال ". وقال الحافظ في " التقريب ": " لين الحديث "
. أي عند التفرد، وإلا فهو مقبول الحديث عند المتابعة كما هنا. ولعله لذلك
جزم ابن عبد البر بالحديث، فقال في ترجمة عمرو بن حريث من " الاستيعاب ": "
رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه، ومسح برأسه ودعا له بالبركة، وخط
له بالمدينة دارا بقوس ".(6/1070)
وذكر هذا بتمامه الذهبي في " السير " (3 / 418 -
419) من طريق فطر بن خليفة عن أبيه، دون أن يعزوه لأحد. أما المعلق عليه
فعزاه لأبي داود برقم (3060) ! وهذا العزو خطأ، لأنه يوهم القراء أن الحديث
بتمامه عند أبي داود، وليس كذلك، وإنما عنده وبالرقم الذي أشار إليه جملة
الدار منه، وللضعف الذي في خليفة ولعدم وجود المتابع له أو الشاهد لهذه
الجملة، أوردتها في " ضعيف أبي داود " برقم (545) . والله الموفق لا رب
غيره، ولا معبود بحق سواه.
2944 - " كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما
أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، إنك أنت المقدم والمؤخر، لا إله
إلا أنت ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (174 / 673) وأحمد (2 / 291 و 514 و 526
) من طرق عن عبد الرحمن المسعودي عن علقمة بن مرثد عن أبي الربيع عن أبي
هريرة قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون، وأبو
الربيع هو المدني، روى عنه أيضا سماك بن حرب ويزيد بن أبي زياد، وقال أبو
حاتم: " صالح الحديث ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 582) ، وحسن
له الترمذي، وقال الذهبي: " صدوق ". وأما اقتصار الحافظ فيه على قوله:(6/1071)
"
مقبول ". فهو غير مقبول. والحق في أمثاله ما قاله الذهبي: " صدوق "،
وكثيرا ما أرى الحافظ يوافقه. والله الهادي. وأما المسعودي فهو وإن كان قد
اختلط، فهو صحيح الحديث إذا حدث قبل الاختلاط، وطريق معرفة ذلك النظر في
الراوي عنه، فإذا كان بصريا أو كوفيا، كان صحيحا حديثه لأنهم حدثوا عنه قبل
الاختلاط، ومنهم خالد بن الحارث كما في كتاب " ابن الكيال " مع كون خالد هذا
ثقة ثبتا، وهو بصري. وللحديث شواهد كثيرة أقربها إليه حديث أبي موسى
الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: " اللهم اغفر لي
خطيئتي وجهلي.. " الحديث بطوله، وفيه هذا، وزاد في آخره: " وأنت على كل
شيء قدير ". أخرجه البخاري (6398 و 6399) ومسلم (8 / 81) والبخاري في "
الأدب المفرد " أيضا (177 / 688) والزيادة في " المستدرك " (1 / 511) من
طريق أخرى عنه نحوه. وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي، ومن شواهده حديث
علي الطويل في دعاء الاستفتاح، وفي آخره: " ثم يكون من آخر ما يقول بين
التشهد والتسليم.. " فذكره بتمامه. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (738)
برواية مسلم وغيره.(6/1072)
وله شاهد آخر عن ابن عباس فيما كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل، فذكره في آخره، ولكن ليس
فيه: " وما أنت أعلم به مني ". اللهم إلا في رواية للبخاري برقم (7442)
وكذا ابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 259 - 260) .
2945 - " لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها، وأما أن لا تكلم أحدا، فلعمري
لأن تكلم بمعروف، وتنهى عن منكر خير من أن تسكت ".
أخرجه أحمد (5 / 224 - 225) والطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 31 / 1232
) والبيهقي في " السنن " (10 / 75 - 76) من طرق عن عبيد الله بن إياد بن
لقيط قال: سمعت ليلى - امرأة بشير - قالت: أخبرني بشير أنه سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: أصوم يوم الجمعة، ولا أكلم ذلك اليوم أحدا؟ قال:
فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في " الشعب " أيضا (6 / 92 / 7578)
وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (3 / 382) . قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله
ثقات، وليلى هذه صحابية على الراجح. وبشير هو ابن الخصاصية، وفي مسنده
أورده الإمام أحمد. ثم روى هو والطبراني (1230) ، وكذا البخاري في " الأدب
" (830) بالسند نفسه عنه قال: " وكان قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: اسمه " زحم "، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: بشيرا ".(6/1073)
ولهذا طريق
آخر مخرج في " الجنائز " (136 - 137) و " الإرواء " (رقم 760) . والشطر
الأول من الحديث عزاه الحافظ في " الفتح " (4 / 234) لأحمد، وسكت عنه مشيرا
إلى تقويته إياه. وله شواهد تقدم بعضها برقم (980 و 981 و 1014) وهو صريح
الدلالة أنه لا يجوز صيامه وحده ولو صادف يوم فضيلة كعاشوراء وعرفة خلافا
للحافظ، وقد بسطت القول في ذلك فيما تقدم، وانظر الحديث (2398) .
2946 - " لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي، [أنا أبو القاسم، والله يعطي، وأنا أقسم]
".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " والترمذي (2843) وابن حبان (5784 -
الإحسان) وأحمد (2 / 433) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 106 و 107)
والدولابي في " الكنى " (1 / 5) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 91)
والبيهقي في " الدلائل " (1 / 163) كلهم من طريق ابن عجلان عن أبيه عن أبي
هريرة مرفوعا. والزيادة للبخاري، وابن حبان في رواية (5787) وأحمد
والبيهقي، وكذا ابن حبان في رواية (5785) والترمذي، لكن مختصرا بلفظ: "
ويسمي: محمدا أبا القاسم ". وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو كما قال،
فإن إسناده حسن، وله شاهد من حديث سفيان عن عبد الكريم الجزري عن عبد الرحمن
بن أبي عمرة عن عمه مرفوعا به. دون الزيادة.(6/1074)
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف
" (8 / 672 / 5979) وأحمد (3 / 450 و 5 / 363 - 364) وابن سعد أيضا، لكن
سقط منه أو من أحد رواته قوله: " عن عمه "، فصار مرسلا! وإسنادهم صحيح.
فهو شاهد قوي للحديث. وهو بمعنى اللفظ الآخر عن أبي هريرة: " تسموا (أو
سموا) باسمي، ولا تكنوا بكنيتي ". أخرجه البخاري (6188) وفي " الأدب
المفرد " (836) ومسلم (6 / 171) وأبو داود (4965) وابن ماجه (3735)
وابن حبان (5782) وأحمد (2 / 457 و 461) والبيهقي (9 / 308) وفي "
الدلائل " (1 / 162) من طرق عنه وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث سالم بن
أبي الجعد عن جابر بن عبد الله مرفوعا به. وخالفه أبو الزبير فقال: عن جابر
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي، ومن
تكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي ". أخرجه أبو داود (4966) والترمذي (2845)
وابن حبان (5786) والبيهقي (9 / 309) وفي " الشعب " (6 / 393 / 8634)
وأحمد (3 / 313) واللفظ لهما ولأبي داود، ولفظ ابن حبان: " إذا كنيتم فلا
تسموا بي، وإذا سميتم بي فلا تكنوا بي ". وكذا لفظ الترمذي إلا أنه لم يسق
الشطر الأول منه، وكأنه فعل ذلك عمدا لمخالفته الطرق الصحيحة عن أبي هريرة
كما تقدم، وقال عقبه:(6/1075)
" حديث حسن غريب من هذا الوجه ". ولعله لم يصححه
لعنعنة أبي الزبير، فإنه كان مدلسا، ولذلك فلم يصب البيهقي في قوله عقبه في
" الشعب ": " هذا إسناد صحيح "! وكذلك أخطأ المعلق على " الإحسان " (13 /
133 - المؤسسة) في قوله: " حديث صحيح على شرط مسلم ". فإنه تجاهل تفريق
الحفاظ النقاد بين ما أخرجه مسلم من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر، فهو
صحيح لأنه لم يرو عنه إلا ما صرح بسماعه من جابر، وبين ما رواه عنه غيره
بالعنعنة. كما أنه تجاهل أو أنه لم يتنبه لكونه زاد على سالم بن أبي الجعد
وغيره أيضا تلك الزيادة المخالفة للأحاديث الصحيحة: ".. وإذا سميتم فلا تكنوا
بكنيتي ". وعلى إنكارها يفسر حديث الترجمة الناهي عن الجمع بين الاسم
والكنية، ويؤيد ذلك تلك الزيادة الصحيحة: " أنا أبو القاسم.. "، فإنها تشعر
باختصاصه صلى الله عليه وسلم بهذه الكنية مطلقا كما هو ظاهر. هذا، وقد أصاب
حديث أبي هريرة من بعض رواته المعروفين بسوء الحفظ ما أصاب حديث جابر من
الزيادة المنكرة، فقال شريك عن سلم بن عبد الرحمن النخعي عن أبي زرعة عن أبي
هريرة مرفوعا بلفظ أبي الزبير عن جابر. أخرجه أحمد (2 / 312 و 454 - 455
و457 و 461) . وشريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي صدوق يخطىء كثيرا، وقد
خالفه شعبة فرواه عن عبد الله بن يزيد النخعي قال: سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي
هريرة به مختصرا بلفظ: " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ".(6/1076)
أخرجه أحمد (2 /
457 و 461) . وهو لفظ الجماعة عن أبي هريرة كما تقدم، وهو المحفوظ عنه في
هذا الحديث وعن جابر وغيره. وقد أشار إلى هذا البيهقي بقوله عقب حديث أبي
الزبير عن جابر المتقدم، قال في " السنن ": " وروي ذلك أيضا من وجه آخر عن
أبي هريرة رضي الله عنه، واختلف عليه فيها، وأحاديث النهي على الإطلاق أكثر
وأصح ". وإن مما يؤكد خطأ رواية شريك عن.. أبي هريرة، ورواية أبي الزبير
عن جابر سبب ورود الحديث، من رواية محمد بن المنكدر عنه. فقال ابن أبي شيبة (
8 / 672 / 5980) وأحمد (3 / 307) والحميدي (1232) ، قالوا: حدثنا سفيان
عن ابن المنكدر سمع جابر بن عبد الله يقول: ولد لرجل منا غلام، فأسماه القاسم
، فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم، ولا ننعمك عينا، فأتى النبي صلى الله عليه
وسلم فذكر ذلك له، فقال: " أسم ابنك عبد الرحمن ". وإسناده ثلاثي صحيح على
شرط الشيخين، وقد أخرجاه البخاري (6186 و 6189) ومسلم (6 / 171)
وغيرهما من طرق عن سفيان بن عيينة به. وتابعه سالم بن أبي الجعد عن جابر به،
إلا أنه قال: " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ". أخرجه البخاري (3114
و6187) و " الأدب المفرد " (842) . وزاد: " أحسنت الأنصار، تسموا.. "
الحديث.(6/1077)
وهي عند مسلم أيضا (6 / 170 - 171) إلا أنه قال: " فسماه محمدا،
فقلنا: لا نكنيك برسول الله صلى الله عليه وسلم.. ". ورواية البخاري أرجح
عندي لموافقتها لرواية ابن المنكدر المتفق عليها أولا، ولأنه لو كان سماه
محمدا لم يأمره صلى الله عليه وسلم بأن يسميه عبد الرحمن كما هو ظاهر والمقصود
أن حديث جابر هذا صريح الدلالة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يرض للأنصاري أن
يكتني بكنيته صلى الله عليه وسلم، واستحسن إنكار الأنصار عليه، فبطل ما
أفاده حديث أبي الزبير وشريك من جواز الاكتناء بكنيته صلى الله عليه وسلم
وحدها غير مقرون باسمه. وقد وقفت على حديث آخر، لكن في إسناده نظر أسوقه
لبيان حاله، فقال يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا إدريس بن محمد بن يونس بن محمد
بن أنس بن فضالة الأنصاري ثم الظفري قال: حدثني جدي عن أبيه قال: قدم النبي
صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن أسبوعين، فأتي بي إليه، فمسح على رأسي
وقال: " سموه باسمي ولا تكنوه بكنيتي ". قال: وحج بي معه حجة الوداع،
وأنا ابن عشر سنين ولي ذؤابة. قال يونس بن محمد: فلقد عمر أبي حتى شاب رأسه
كله وما شاب موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه. أخرجه البخاري في
" التاريخ " (1 / 16) والدولابي في " الكنى " (1 / 5) والطبراني في "
المعجم الكبير " (19 / 244 / 547) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، يعقوب هذا قال
الحافظ: " صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء ".(6/1078)
وشيخه إدريس بن محمد
ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح " بهذه الرواية، وبرواية ابن أبي فديك عنه.
وأما ابن حبان فذكره في " ثقاته " (8 / 132) بهذه الرواية فقط! وأما جده
يونس بن محمد، فذكره في " الجرح " بهذه الرواية فقط، أي برواية حفيده إدريس
بن محمد. وكذلك البخاري في " التاريخ "، وتبعهما ابن حبان في " الثقات " (
5 / 555) ذكره في التابعين هكذا: " يونس بن محمد بن فضالة الظفري الأنصاري "
. وهكذا هو في " الجرح "، لكنه زاد في النسب فقال: ".. فضالة بن أنس الظفري
" وهذا على القلب مما في إسناد الحديث - وسياقه للدولابي - فإنه فيه " يونس
بن محمد بن أنس بن فضالة الأنصاري " كما تقدم. ولعل هذا هو الصواب، فإنه
المثبت في " الإصابة ". وإن من غرائب ابن حبان أنه ذكره قبل الترجمة السابقة
بترجمة على الصواب، لكنه لم يذكر: " ابن فضالة "، وقال: " وعنه فضيل بن
سليمان " (1) . وكذلك ذكره البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 410) لكنه لم
يذكر له راويا غير إدريس بن محمد كما تقدم، وهو الصواب. ثم زاد ابن حبان
إغرابا فذكره في " أتباع التابعين " أيضا! فقال (7 / 647) : " يونس بن محمد
بن فضالة بن أنس الظفري أبو محمد المدني. روى عن
_________
(1) قد خرجت رواية فضيل هذا عن يونس في " الضعيفة " (6356) .(6/1079)
جماعة من التابعين. وعنه
أهل المدينة. مات سنة ست (1) وخمسين ومائة، وهو ابن خمس وثمانين سنة ".
فهذا خلاف كل ما تقدم، فإنه سمى جد يونس الأعلى (أنسا) ، وهو جده الأدنى
عكس ما في " الإصابة "! وهذا الاختلاف في نسب يونس هذا إنما يدل على أنه غير
مشهور، ومع ذلك مشى ابن حبان على ما وقع له من الاختلاف وجعلها ثلاث تراجم
وهي لراو واحد! وكذلك ذكرها الهيثمي في " ترتيب الثقات " على نسق واحد.
والله أعلم. وجملة القول أن إسناد هذا الحديث ضعيف لجهالة بعض رواته، وأما
الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد ": " رواه الطبراني، وفيه يعقوب بن محمد
الزهري، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات "! ومثله
ما رواه محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه
عن جده قال: كنت أتكنى بأبي القاسم، فجئت أخوالي من بني ساعدة، فسمعوني
وأنا أتكنى بها، فنهوني وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من
تسمى باسمي فلا يتكن بكنيتي ". فحولت كنيتي، فتكنيت بأبي عبد الملك.
_________
(1) الأصل " خمس "، وأفاد محققه أن النسخ مختلفة، وأن في بعضها ما أثبت
أعلاه، ولما كان هو المطابق لكتاب " ترتيب الثقات " رجحته. اهـ.(6/1080)
أخرجه
الدولابي بإسناد رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب "، فهو حسن لولا
عنعنة ابن إسحاق. بعد هذا التخريج والتحقيق، وتمييز الصحيح من الضعيف من
أحاديث الباب، يحق لي أن أنتقل إلى الثمرة المقصودة من ذلك وهي الناحية
الفقهية فأقول: لقد اختلف العلماء في مسألة التكني بأبي القاسم على مذاهب
ثلاثة، حكاها الحافظ في " الفتح "، واستدل لها، وناقشها، وبين ما لها
وما عليها، ولست أشك بعد ذلك أن الصواب إنما هو المنع مطلقا، وسواء كان اسمه
محمدا أم لا، لسلامة الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عن المعارض الناهض كما
تقدم، وهو الثابت عن الإمام الشافعي رحمه الله، فقد روى البيهقي (9 / 309)
بالسند الصحيح عنه أنه قال: " لا يحل لأحد أن يكتني بأبي القاسم كان اسمه
محمدا أو غيره ". قال البيهقي: " وروينا معنى هذا عن طاووس اليماني رحمه
الله ". ويؤكد ما تقدم حديث علي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله! أرأيت
إن ولد لي بعدك، أسميه محمدا وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم ". قال: فكانت
رخصة لي. أخرجه الترمذي (2846) وقال:(6/1081)
" حديث صحيح ". وقواه الحافظ في "
الفتح " (10 / 573) وهو مخرج في " المشكاة " (4772 / التحقيق الثاني) .
2947 - " من بنى بناء فليدعمه حائط جاره. وفي لفظ: من سأله جاره أن يدعم على حائطه
فليدعه ".
أخرجه ابن ماجه (2337) وابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (2 / 1 / 772
- 774 و 777) والطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 150) والبيهقي (6 / 69)
وأحمد (1 / 235 و 255 و 303 و 317) والطبراني (11 / 11736) من طرق عن
عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بألفاظ متقاربة، واللفظان لأحمد، ولابن جرير
والطبراني الثاني، وله شاهد من حديث أبي هريرة، رواه مسلم وغيره، وهو
مخرج في " الإرواء " (5 / 255) وأصله متفق عليه، ونحوه لفظ ابن ماجه،
ورواية لأحمد بلفظ: " لا يمنع أحدكم جاؤه أن يغرز خشبة على جداره ". ولفظ
أحمد: ".. أخاه مرفقه أن يضعه على جداره ". وإسنادهما صحيح. ومن هذا
الوجه أخرجه الطبراني (11502) وقال الهيثمي (4 / 160) : " رواه الطبراني
في " الكبير "، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح ".(6/1082)
وخفي عليه أنه ليس من شرط " زوائده " لأنه عند ابن ماجه كما تقدم، كما أنه
قصر في عدم عزوه إياه لأحمد. وكذلك وهم البوصيري في " زوائده " حيث قال: "
في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف ". فلم يتنبه أنه عند ابن ماجه من رواية عبد
الله بن وهب عن ابن لهيعة، وحديث ابن وهب عنه صحيح كما تقدم التنبيه عليه
مرارا، وتابعه قتيبة بن سعيد عنه، وهو صحيح الحديث أيضا عنه، كما كنت
نقلته عن الذهبي. وقال ابن جرير بعد ما رواه من طرق عن سماك بن حرب عن عكرمة
عن ابن عباس: " وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب
الآخرين سقيما غير صحيح، لعلل.. ". ثم ذكرها. وهي مما لا قيمة لها إلا
الأخيرة منها، وهي أن بعض الثقات خالفوا سماكا فرووه عن عكرمة عن أبي هريرة،
وهذا لا يقدح في رواية تلك الطرق المشار إليها في أول التخريج عن عكرمة،
لاحتمال أن يكون هذا رواه عن كل من ابن عباس وأبي هريرة، فالحديث صحيح عنهما
كليهما، وهو عن أبي هريرة أصح لاتفاق الشيخين عليه كما تقدم. هذا، وقد
اختلف العلماء في الأمر المذكور في الحديث هل هو للوجوب أو الندب، وقد أطال
الكلام فيه كثير من العلماء كأبي جعفر الطحاوي وابن جرير الطبري وابن حجر
العسقلاني وغيرهم، وذهب إلى الوجوب الإمام أحمد وغيره، ومذهب الجمهور
الاستحباب وإلى هذا مال الطبري في أول بحثه، وأطال النفس(6/1083)
والمناقشة فيه.
ولكنه انتهى في آخره إلى أنه ليس للجار أن يمنع جاره من الوضع، قال (ص 796 -
797) : " فهو بتقدمه على ما نهاه عنه عليه السلام من ذلك لله عاص، ولنهي
نبيه صلى الله عليه وسلم مخالف، من غير أن يكون ذلك لجاره الممنوع منه حقا
يلزم الحكام الحكم به على المانع، أحب المانع ذلك أو سخط ". فأقول: وهذا
الذي انتهى إليه الإمام الطبري هو الصواب إن شاء الله تعالى، إلا ما ذكره في
الحكام، فأرى أن يترك ذلك للقضاء الشرعي يحكم بما يناسب الحال والزمان، فقد
وصل الحال ببعض الناس إلى وضع لا يطاق من الأنانية والاستبداد ومنع الارتفاق
، بسبب القوانين الوضعية القائمة على المصالح المادية دون المبادىء الخلقية،
فقد حدثني ثقة أنه لما استعد لبناء داره في أرضه رمى مواد البناء في أرض بوار
بجانبه، فمنعه من ذلك صاحبها، وساعده القانون على ذلك ولم يتمكن من متابعة
البناء إلا بعد أن دفع لهذا الظالم الجشع من الدنانير ما أسكته، وأسقط الدعوى
التي كان أقامها على الباني! مع أنه من كبار الأغنياء، وصدق الله: * (كلا
إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) *، ولا ينفع في مثل هذا الطاغي إلا مثل ما
فعل الأنصار في مثله، وهو ما رواه البيهقي في " سننه " (6 / 69) من طريق
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بإسناده الصحيح إلى يحيى بن جعدة - وهو تابعي ثقة -
قال: أراد رجل بالمدينة أن يضع خشبة على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه، فإذا من
شئت من الأنصار يحدثون عن رسول الله أنه نهاه أن يمنعه، فجبر على ذلك. وفي
الطريق إلى إسحاق - وهو ابن راهويه - شيخ البيهقي أبو عبد الرحمن السلمي،
وفيه كلام كثير، فإن كان قد توبع فالأثر صحيح، وهو الظاهر من صنيع(6/1084)
الحافظ،
فقد عزاه في " الفتح " (5 / 111) لإسحاق في " مسنده "، والبيهقي، وسكت
عنه. فإن " مسند إسحاق " الذي طبع حديثا بعض مجلداته ليس من رواية السلمي هذا
. والله أعلم.
2948 - " يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة
".
أخرجه البخاري (6286) ومسلم (7 / 142 - 144) والنسائي في " الكبرى " (5
/ 96) وابن ماجه (1621) والطحاوي في " مشكل الآثار " (48 - 49) وابن
سعد (8 / 26 - 27) وأحمد (6 / 282) من طرق عن فراس عن عامر عن مسروق:
حدثتني عائشة أم المؤمنين قالت: إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
عنده جميعا لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي، ولا والله
ما تخفى مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحب بها، قال:
" مرحبا بابنتي ". ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم سارها، فبكت بكاء
شديدا، فلما رأى حزنها سارها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها - أنا من بين
نسائه -: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا ثم أنت تبكين!
فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عما سارك؟ قالت: ما كنت
لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره. فلما توفي قلت لها: عزمت عليك -
بما لي عليك من الحق - لما أخبرتني. قالت: أما الآن فنعم، فأخبرتني، قالت:
أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه(6/1085)
أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل
سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب،
فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قلت: فبكيت بكائي الذي رأيت،
فلما رأى جزعي سارني الثانية قال: (فذكر الحديث) [فضحكت ضحكي الذي رأيت] .
والسياق للبخاري، والزيادة لمسلم، ولمن دونه نحوه. وزاد مسلم في رواية
بعد قولها: " فإذا هي تضحك ": " فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ".
وهو رواية للبخاري (3623) وفي " الأدب المفرد " (1030) بعضه. ثم أخرجه
هو، ومسلم، وابن حبان (6915) والنسائي وغيرهم من طرق أخرى مختصرا ليس
فيها ذكر للكلمتين ولا لفضل فاطمة، إلا في رواية للنسائي، وابن حبان (6913
) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنها مختصرا وفي آخره: " فأخبرني أني أول
أهله لحوقا به، وأني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران، فضحكت ".
وإسناده حسن، ولهذه الزيادة شاهد من حديث أبي سعيد الخدري تقدم تخريجه برقم (
796) . ولكلمة " السلف " من قوله صلى الله عليه وسلم شاهد من رواية ابن إسحاق
عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على
هذا المنبر يقول: " إني لكم سلف على الكوثر ".(6/1086)
ورجاله ثقات، إلا أن ابن
إسحاق مدلس وقد عنعنه، ومع هذا فقد خالفه القاسم ابن عباس الهاشمي عن عبد
الله بن رافع به، فقال: " فرط " مكان " سلف ". أخرجه مسلم (7 / 67)
وللحديث عنده تتمة. أخرجه هو وغيره من حديث أبي هريرة بتمامه وبأتم منه فيه
السلام على قبور المؤمنين، وهو مخرج في " الإرواء " (776) و " أحكام
الجنائز " (190) . ثم رأيت حديث ابن إسحاق في " معجم الطبراني الكبير " (23
/ 413 / 996) بلفظ: " إني سابقكم على الكوثر، فبينما أنا عليه.. " الحديث.
أخرجه من طريق ابن أبي شيبة بهذا اللفظ، فلا أدري إذا كان محفوظا هو والذي
قبله عن ابن أبي شيبة، أو أحدهما خطأ عليه، كما يبدو أن كلمة " السلف " في
حديث ابن إسحاق - إن كانت هي المحفوظة في رواية ابن أبي شيبة - فليست محفوظة في
رواية شيخ ابن إسحاق عبد الله بن رافع، لمخالفة القاسم بن عباس إياه كما تقدم
، وقد أخرجها الطبراني أيضا (رقم 661) . وإن مما يؤيد هذه المخالفة،
ويؤكد شذوذ لفظ ابن إسحاق أن الحديث جاء عن جمع من الصحابة بلفظ: " أنا فرطكم
على الحوض ". وقد أخرج ابن أبي عاصم في " السنة " روايات الكثيرين منهم
بأسانيد كثيرة خرجتها في " ظلال الجنة " (2 / 242 - 246) .(6/1087)
2949 - " لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطير الفأل ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (914) و " التاريخ " (2 / 1 / 107 - 108
) والترمذي (2 / 6) وأحمد (4 / 67 و 5 / 70 و 379) وابن سعد (7 / 66)
وأبو يعلى في " مسنده " (582) وفي " المفاريد " (2 / 13 / 2) والطبراني
(1 / 175 / 2) من طرق عن يحيى بن أبي كثير: حدثني حية بن حابس التميمي:
حدثني أبي مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب. وروى شيبان عن يحيى بن أبي
كثير عن حية بن حابس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعلي
بن المبارك وحرب بن شداد لا يذكران فيه: عن أبي هريرة ". قلت: وإنما
استغربه الترمذي لأن حية بن حابس غير مشهور بالعدالة، بل لم يرو عنه غير يحيى
بن أبي كثير كما في " الميزان ". وفي " التقريب ": " مقبول ". يعني عند
المتابعة، وإلا فلين الحديث. ثم قال: " ووهم من زعم أن له صحبة ". لكن
لغالب الحديث شاهد، يرويه أبو معشر عن محمد بن قيس عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:
" أصدق الطيرة الفأل، والعين حق ". أخرجه أحمد (2 / 289) . وإسناده حسن
في الشواهد، أبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي،(6/1088)
وهو ضعيف من قبل حفظه
. والشطر الأول منه رواه عبد الرزاق (10 / 406) عن الأعمش مرفوعا. ورجاله
ثقات إلا أنه معضل. وجملة " العين حق " متفق عليها من حديث أبي هريرة، وقد
سبق تخريجها (1248) وصحت من حديث ابن عباس أيضا، وقد مضى (1250 و 1251)
. ثم وقفت على شاهد للجملة الأولى، ولكنه مما لا يفرح به، لأنه يرويه عفير
بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ حديث الترجمة. أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 192 / 7686) . قلت: ورجاله ثقات غير
عفير بن معدان، فهو متروك، وقد تقدمت له عدة أحاديث موضوعة تدل على حاله،
فراجع فهارس المجلدات الأربعة المطبوعة. ثم استدركت فقلت: إن قوله: " لا شيء
في الهام ". هو في المعنى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " لا هامة "، وهذا
قد ثبت في جملة من الأحاديث الصحيحة عند الشيخين وغيرهما من حديث أبي هريرة
وغيره، وقد سبق تخريجها بالأرقام التالية (780 و 782 و 783 و 785 و 789)
وفي بعضها بلفظ: ".. ولا هام ". وإذا كان الأمر كذلك، فقد قررت إيراد
الحديث في هذه السلسلة الصحيحة لمجموع هذه الشواهد بعد أن كنت أوردته في " ضعيف
الجامع الصغير " (6309 - الطبعة الأولى الشرعية) . ولذلك حولته إلى " صحيح
الجامع "، كما أوردته في كتابي الجديد من مشروع تقريب السنة بين يدي الأمة: "
صحيح الأدب المفرد " تحت (355 - باب الفأل - 411) ، وأنا على وشك الانتهاء
منه إن شاء الله تعالى. ثم انتهيت منه،(6/1089)
وصدر هو وقسيمه " ضعيف الأدب المفرد
". والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. واعلم أن (هام) هو جمع (هامة)
، قال ابن الأثير في " النهاية ": " الهامة: الرأس، واسم طائر، وهو
المراد في الحديث. وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها، وهي من طير الليل. وقيل
: هي البومة. وقيل: كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير
هامة، فتقول: اسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت.. ". وبهذه المناسبة لابد لي
من التنبيه على خطأين فاحشين وقعا في هذه اللفظة (هام) من بعض الناس أحدهم من
أهل العلم، وهو الشيخ فضل الله الجيلاني في شرحه لكتاب " الأدب المفرد "
للإمام البخاري، فقد تحرفت في متنه إلى (الهوام) ! وهو في ذلك تبع لنسخة
الطبعة الهندية سنة (1306 هـ) (ص 131) ، ثم اشتط الشيخ الجيلاني في الخطأ
حين فسره بقوله (2 / 367) : " (الهوام) جمع هام اسم طير من طير الليل.. "
!! والصواب: أن (هام) هو الجمع، مفرده (هامة) كما في " القاموس " وغيره
. وأما (الهوام) فهو جمع (الهامة) وهي الدابة، وكل ذي سم يقتل سمه كما
في كتب اللغة. وأما الخطأ الآخر، فهو ما صدر من زهير الشاويش صاحب المكتب
الإسلامي، فإنه أعاد طبع كتابي المذكور آنفا " ضعيف الجامع الصغير " طبعة
ثانية دون إذني وعلمي، فوقعت له فيه أمور عجيبة، وتصرفات غريبة، وتعليقات
وحواش تنبئ عن اعتداء صارخ على مؤلفه وادعاء للعلم مهلك، وحسبي الآن(6/1090)
مثال
واحد، وهو ما أنا في صدده، فقد وقع الحديث في طبعته هذه المتوجة بإشرافه
كعادته: " لا شيء في البهائم "! نعم هكذا تحرف عليه لفظ (الهام) في الحديث
إلى (البهائم) ! وليس هذا خطأ مطبعيا حتى يغتفر كما زعم بعض الجهلة، لأن
الطابع أعاده على عجره وبجره في تعليق له على طبعته الجديدة أيضا - ودون إذني
أيضا - لكتابي " صحيح الجامع " (2 / 1248) على هذا الحديث قال: " أوله: لا
شيء في البهائم ".. "! فهذا إن دل على شيء فهو يدل - كما يقال اليوم - على أن
الرجل يهرف بما لا يعرف، وينقل الخطأ الذي وقع فيه أولا، ينقله بأمانة ثانيا
! والله المستعان.
2950 - " السلام عليكم يا صبيان! ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 633 / 5826) وأحمد (3 / 183) قالا
: حدثنا وكيع عن حبيب بن حجر العبسي عن ثابت عن أنس قال: مر علينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ونحن صبيان، فقال: فذكره. وأخرجه ابن السني في "
عمل اليوم والليلة " (77 / 223) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 378) من
طريقين آخرين عن وكيع به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير
حبيب هذا، روى عنه جمع آخر من الثقات غير وكيع، وقد ذكره ابن حبان في موضعين
من " أتباع التابعين " من " الثقات "، قال في الأول منهما (6 / 179) : "
حبيب بن حجر، شيخ يروي عن ثابت البناني. روى عنه روح بن عبادة ". وقال في
الموضع الآخر (6 / 249) :(6/1091)
" حبيب بن حجر أبو يحيى العبسي البصري، يروي عن
الأزرق بن قيس عن ابن عمر. روى عنه موسى بن إسماعيل ". فأقول: فرق ابن حبان
بينهما وهو واحد، كما يدل عليه صنيع المتقدمين كالبخاري (1 / 2 / 316)
وابن أبي حاتم (1 / 2 / 308) والمتأخرين كالحسيني، والعسقلاني في " التعجيل
" (5 / 180) . ثم إنهم اختلفوا في ضبط (حبيب) هل هو على الجادة بالتخفيف،
أم هو (حبيب) بالتشديد، حكى الحافظ القولين دون أن يرجح. لكنه قال: "
وذكره البخاري في آخر من اسمه (حبيب) بالتخفيف ". قلت: وفاته أن يذكر أن
ابن أبي حاتم ذكره بالتشديد. ثم انتبهت لأمر كنت غافلا عنه تبعا للحافظ، ألا
وهو أن البخاري هو سلف ابن أبي حاتم، فقد أورده - أعني البخاري - في آخر حرف
(الحاء) في " باب حبيب " بالتشديد، فهو سلف ابن حبان أيضا في التفريق بين
هذا وبين الذي قبله (حبيب) بالتخفيف، لكن ابن حبان لم يقيد، وإنما أشار
إلى ذلك إشارة لم أتنبه لها، ولا نبه المحقق عليه، وهو أنه أورده فريدا بين
أمثاله من الأسماء المفردة! وبالجملة، فالتفريق المذكور بين الترجمتين
للاختلاف في ضبط الاسم غير ظاهر، شأنه في ذلك شأن نسبته: (العبسي) ، فإنه
هكذا وقع في إسناد الحديث - والسياق لابن أبي شيبة -، وكذلك وقع في ترجمة (
حبيب) من " الثقات "، خلافا لكتاب ابن السني، ولـ (الكتابين) ، أعني "
التاريخ " و " الجرح " وتوابعهما، مثل " التعجيل " وغيره، فقالوا: "
القيسي " وهو الراجح. والله أعلم. وقد تحرفت هذه النسبة في " المسند "،
فصار شيخا لـ " حبيب " هكذا: " حبيب عن قيس عن ثابت "!(6/1092)
(تنبيه) لقد وهم
الحافظ في هذا الحديث حين قال في " الفتح " (10 / 33) : " ووقع لابن السني
وأبي نعيم في " عمل اليوم والليلة " من طريق عثمان بن مطر عن ثابت بلفظ: (
فذكر الحديث، وقال:) وعثمان واه ". ذكره عقب حديث جعفر بن سليمان عن ثابت
- يعني عن أنس - بسياق أتم من هذا، لكن ليس فيه لفظ السلام. وهو مخرج فيما
تقدم تحت الحديث (1278) ، ثم قال الحافظ عقب ما نقلته عنه: " وعثمان واه "
. قلت: ووهم الحافظ من ناحيتين: الأولى: أن عثمان هذا ليس في إسناد ابن
السني. والأخرى: نزوله في تخريج الحديث إلى هذا وأبي نعيم! وإهماله عزوه
إياه إلى ابن أبي شيبة وأحمد مع سلامة إسنادهما من الضعف، الأمر الذي لا يليق
بـ (الحافظ) ! ثم إن الحديث من شرط " مجمع الزوائد " للهيثمي، ولكنه لم
يورده، ولعل السبب أن أصله في " الصحيحين " من طريق أخرى عن ثابت عن أنس،
وما أظن هذا يشفع له في تركه إياه. والله أعلم.
2951 - " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر ".
أخرجه النسائي في " السنن الكبرى " (4 / 189 / 6836) وأحمد (3 / 66)
والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 112 / 1 / 2246) من طرق عن هشام بن حسان
عن ابن سيرين عن أبي العالية قال: سئل أبو (وفي رواية: سألت أبا) سعيد
الخدري عن نبيذ الجر؟ قال: فذكره.(6/1093)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين،
والرواية الأخرى لأحمد، وزاد: " قال: قلت: فالجف؟ قال: ذاك أشر وأشر "
. وخالف الطرق المشار إليها في تابعي الحديث عاصم - وهو الأحول - فقال:
حدثنا محمد عن أبي العلانية قال: " أتيت أبا سعيد الخدري، فسلمت، فلم يؤذن
لي.. " الحديث، فذكر قصة وفيه: " فسألته عن الأوعية؟ فلم أسأله عن شيء إلا
قال: حرام، حتى سألته عن الجف؟ فقال: حرام. قال محمد: يتخذ على رأسه أدم
فيوكأ ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1077) . قلت: ورجاله رجال
الشيخين، لكن قوله في الإسناد المتقدم: " أبو العلانية ". خطأ أشار إليه
النسائي بقوله عقب الإسناد المتقدم: " أبو العالية: الصواب، والذي قبله خطأ
". قلت: وفيه إشارة إلى أن قبل هذا الإسناد إسنادا آخر فيه الخطأ، وهو غير
موجود في مطبوعة " كبرى النسائي " ولا في المصورة، ولعلها أصل المطبوعة،
وقد وقفت على الساقط بواسطة " تحفة المزي " في موضعين منه (3 / 353 / 451) ،
فقال في الموضع الثاني: " س في الوليمة عن عمرو بن علي عن يحيى عن هشام عن
محمد عن أبي العلانية. تابعه يزيد بن هارون عن هشام. ورواه مخلد بن يزيد عن
هشام عن(6/1094)
محمد بن سيرين فقال: عن أبي العالية، وقد مضى. قال (س) في حديث
يحيى (!) هذا الصواب والذي قبله خطأ. والله أعلم ". قلت: ورواية عمرو
بن علي.. عن أبي العلانية.. ومتابعة يزيد بن هارون لم أرها في " وليمة
النسائي الكبرى "، ولا في غيره من مظان وجودها، بخلاف رواية مخلد فهي في "
الأشربة " منه، من المطبوعة، والمصورة التي عندي، لكن وقع فيها " أبو
العالية "، ولذلك قال النسائي عقبها: " أبو العالية الصواب، والذي قبله
خطأ ". قلت: ولم يتقدم في المطبوعة ما يخالف الصواب المذكور، فالظاهر أن
فيها سقطا يدل عليه ما تقدم. ثم إنه يبدو أن قوله في المطبوعة " أبو العالية "
خطأ من الطابع أو الناسخ في السند وتعقيب النسائي عليه، وأن الصواب في
الموضعين: أبو العلانية "، وبذلك يلتقي مع كلام المزي المتقدم، ويتفق مع
كلام الحافظ العسقلاني في ترجمة أبي العلانية: " وقيل عن محمد عن أبي العالية
عن أبي سعيد. قال النسائي: وهو خطأ ". ويبدو أيضا أن الخطأ المذكور قديم،
فقد قال المزي عقب كلامه السابق: " وقع في بعض النسخ: " عن أبي العالية " في
الحديثين جميعا، وكذلك ذكرهما أبو القاسم (يعني ابن عساكر) ، وهو وهم،
فإن النسائي قد نبه على الخلاف في موضعين. والله أعلم ". وعلى هذا، فما في
المصدرين المقرونين في أول التخريج مع النسائي: أحمد والطبراني خطأ أيضا،
ويؤيده بالنسبة لرواية أحمد أن المزي رواه بإسناده عن أحمد(6/1095)
بسنده في " المسند "
فقال: " أبو العلانية "، وبالنسبة للطبراني الذي رواه من طريق فهد بن عوف
أبي ربيعة قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني، وعاصم الأحول،
وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي العالية.. فالجواب سهل، وهو أن فهدا
هذا غير ثقة فلا يعتد بروايته فكيف بمخالفته؟! فقد تركه مسلم وغيره، وكذبه
ابن المديني. أما بالنسبة لهشام، فقد تبين مما تقدم. وأما بالنسبة لعاصم
الأحول، فقد خالفه عبد الواحد بن زياد، فقال البخاري في " الأدب المفرد " (
1077) : حدثنا موسى بن إسماعيل: قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا عاصم
حدثنا محمد عن أبي العلانية قال: فذكره بنحوه. وفيه قصة وهذا إسناد صحيح
كما تقدم. وأما بالنسبة لروايته عن حماد عن أيوب، فالأمر مختلف، فقد وجدت
له متابعا قويا، فقال عبد الرزاق في " المصنف " (9 / 206 / 16947) : عن معمر
عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي العالية، فهل هذا أيضا من بعض النساخ، ذلك مما
يصعب القطع به إلا بعد الوقوف على نسخة أخرى عتيقة من " المصنف " غير التي طبع
عليها، أو ما يؤيد ذلك من طرق أخرى عن أيوب. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم
إن الحديث قد توبع عليه أبو العالية أو أبو العلانية، فقال قتادة: حدثني
أربعة رجال عن أبي سعيد الخدري: فذكره. أخرجه أحمد (3 / 78) بسند صحيح،
ومن هؤلاء الأربعة أبو نضرة. رواه مسلم (6 / 94) وأحمد (3 / 3) . وله
شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى. رواه البخاري (5596) وابن(6/1096)
حبان (5378
) ومن حديث ابن عمر من طرق عند مسلم (6 / 95 - 97) وابن حبان (5379 و 5387
) وعنده عن أبي هريرة (5380) ومن طريق أخرى عنه نحوه (5377) . والحديث
ظاهر في تحريم نبيذ الجر، وقد صرح بالتحريم ابن عمر في رواية لمسلم عنه،
وفيه تصديق ابن عباس إياه، وقال: " الجر: كل شيء يصنع من المدر ". و (
المدر) : التراب. وقال ابن الأثير في " النهاية ": " وهو الإناء المعروف
من الفخار، وأراد بالنهي: عن الجرار المدهونة لأنها أسرع في الشدة والتخمير
". وقد اختلف العلماء في حكم الانتباذ في الجرار على مذاهب ذكرها الحافظ في "
الفتح " (10 / 58 - 62) ، فمن شاء الوقوف عليها رجع إليه. والذي يبدو لي -
والله أعلم - أن النهي معلل بخشية تحول النبيذ في الجرار إلى مسكر دون أن يشعر
المنتبذ، فإذا وجدت الخشية بالنسبة لبعض الناس، أو في بعض البلاد وجد المنع،
وإلا جاز، وفي هذه الحالة يأتي قوله صلى الله عليه وسلم: ".. ونهيتكم عن
الأشربة ألا تشربوا إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء، غير أن لا تشربوا
مسكرا ". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 178 - 179)
وغيره.
2952 - " كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أحمد الله إليك يا رسول الله! فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: هذا الذي أردت منك ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 265 / 1 / 4538) من طريق(6/1097)
محمد بن
أبي السري العسقلاني قال: أخبرنا رشدين بن سعد عن زهرة بن معبد عن أبي عبد
الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم
لرجل.. فذكره، وقال: " لا يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا
الإسناد، تفرد به محمد بن أبي السري ". قلت: هو محمد بن المتوكل بن عبد
الرحمن الهاشمي مولاهم العسقلاني المعروف بابن أبي السري، قال الحافظ الذهبي:
" حافظ وثق، ولينه أبو حاتم ". وقال الحافظ العسقلاني في " التقريب ": "
صدوق عارف، له أوهام كثيرة ". قلت: فمثله يستشهد به. ومثله شيخه رشدين بن
سعد، وبه أعله الحافظ العراقي، فقال في " تخريج الإحياء " (4 / 84) : "
ضعفه الجمهور لسوء حفظه ". وتبعه تلميذه الهيثمي، فقال في " المجمع " (8 /
46) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف ".
وقال في موضع آخر (10 / 140) : " رواه الطبراني، وإسناده حسن "! كذا قال:
وفيه نظر من وجهين: الأول: أنه أطلق العزو للطبراني، وهو يعني أنه في "
المعجم الكبير "، وفي(6/1098)
الموضع الأول عزاه إلى " الأوسط "، وكذلك أطلق العزو
للطبراني شيخه العراقي، ومن المؤسف أن مسند عبد الله بن عمرو من " المعجم
الكبير " لم يطبع بعد حتى نتمكن من الجزم بأن عزوه إليه وهم. والله أعلم (1)
. والوجه الآخر: تحسينه لإسناده، مع تضعيفه لراويه رشدين في الموضع الأول.
نعم هو حسن ببعض الشواهد التي سأذكرها. فروى الفضيل بن عمرو قال: لقي النبي
صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه فقال: كيف أنت؟ قال: صالح. قال: كيف
أنت؟ قال: بخير أحمد الله تعالى. قال: " هذا الذي أردت منك ". أخرجه
الطبراني في " الدعاء " (3 / 1668 / 1939) بإسناد رجاله كلهم ثقات، فهو صحيح
لولا أن الفضيل هذا من أتباع التابعين، وفي " ثقاتهم " أورده ابن حبان (7 /
314) وقال: " يروي المقاطيع ". وهو من رجال مسلم. وقد صح موقوفا على عمر
، فالظاهر أنه تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال مالك في " الموطأ " (
3 / 133) عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن
الخطاب، وسلم عليه رجل فرد عليه السلام، ثم سأل عمر
_________
(1) ثم طبع جزء من " معجم عبد الله بن عمرو "، وإذا الحديث فيه (21 / 37)
بإسناده في " الأوسط "، فصح العزو إلى " المعجم الكبير " أيضا، ولم يصح
تحسينه لإسناده! . اهـ.(6/1099)
الرجل: كيف أنت؟ فقال
: أحمد الله إليك. فقال عمر: ذلك الذي أردت منك. وإسناده صحيح، وكذلك قال
الحافظ العراقي. ومن طريق مالك أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1132)
والبيهقي في " الشعب " (4 / 109 / 4450) . وقد روي مرفوعا من طريق همام بن
يحيى وحماد بن سلمة كلاهما عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن رجلا كان
يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:
" كيف أصبحت؟ ". فيقول: أحمد إليك الله، وأحمد الله إليك. فكان النبي صلى
الله عليه وسلم يدعو له. فجاء يوما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "
كيف أنت يا فلان؟ ". قال: بخير إن شكرت! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال الرجل: يا نبي الله! كنت تسألني فتدعو لي، وإنك سألتني اليوم فلم تدع
لي؟ قال: " إني كنت أسألك فتشكر الله، وإني سألتك اليوم فشككت في الشكر ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " الشكر " (28 / 38) ومن طريقه البيهقي في " الشعب
" (4 / 109 / 4449) عن همام، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (65 /
184) عن حماد. وقد روي مسندا، فقال أحمد (3 / 241) : أخبرنا مؤمل حدثنا
حماد يعني ابن سلمة: حدثنا إسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك:(6/1100)
أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يلقى رجلا.. الحديث نحوه، وزاد في آخره: ".. فسكت عنك
". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير مؤمل، وفيه ضعف ولاسيما إذا خالف
الثقات، قال الحافظ: " صدوق سيىء الحفظ ". وقال الهيثمي في " المجمع " (8
/ 183) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير مؤمل بن إسماعيل، وهو ثقة،
وفيه ضعف ". هذا، وقد رويت أحاديث كثيرة عن جمع من الصحابة، وفي مناسبات
عديدة في قوله صلى الله عليه وسلم: " كيف أصبحت ". من طرق مختلفة لا تخلو من
مقال، لا داعي لإخراجها، ففي ما تقدم كفاية، ولكن من المفيد أن أشير إلى
مصادرها: " مصنف ابن أبي شيبة " (11 / 42 و 43) ، " السنة " لابن أبي عاصم (
1 / 180 / 415) ، " عمل اليوم والليلة " (180 - 183) ، " المعجم الكبير " (
5 / 156 / 4887) ، " الحلية " (1 / 242) ، وغيرهم. وعمل بذلك السلف كما
يدل على ذلك توارد الآثار بذلك، وقد أخرج طائفة منها الإمام البخاري في "
الأدب المفرد " (1134 و 1135) وفيه (1133) حديث مرفوع في إجابة الرسول صلى
الله عليه وسلم لمن قال له: " كيف أصبحت؟ " من رواية جابر رضي الله عنه، كنت
أوردته فيما ضعفته من " سنن ابن ماجه "، ثم وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة
فحسنته به، وبناء عليه جعلته في " صحيح الأدب المفرد " (878 / 1133) الذي
أنا وشيك الانتهاء منه إن شاء الله تعالى. ثم صدر والحمد لله تعالى كما تقدم.(6/1101)
2953 - " كان إذا أعجبه نحو الرجل أمره بالصلاة ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 180) والبزار (1 / 453 / 716)
وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 343) والخطيب (4 / 360) من طريق يحيى بن عباد
أبي عباد: حدثنا محمد بن عثمان عن ثابت عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد
رجاله ثقات غير محمد بن عثمان وهو الواسطي، وفي ترجمته أورده البخاري،
وقال: " سمع ثابتا البناني عن أنس بن مالك، قاله عبد الملك الجدي عن سعيد بن
خالد عن محمد ". قلت: ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وفي " الميزان ": "
قال الأزدي: ضعيف ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (7 / 438) وقال:
" يروي عن ثابت البناني. روى عنه أبو عوانة ". قلت: فقد روى عنه ثلاثة:
يحيى بن عباد، وأبو عوانة، واسمه الوضاح اليشكري، وكلاهما ثقة من رجال
الشيخين، وسعيد بن خالد وهو الخزاعي، وهو ضعيف. ومن طبقته محمد بن عثمان
بن سيار القرشي البصري، سكن واسط، فقد ذكروا أنه روى عن ثابت البناني وذيال
بن عبيد بن حنظلة وغيرهما. وعنه جماعة منهم محمد بن أبي بكر المقدمي كما
يأتي في الحديث بعده، وأبو عباد يحيى بن عباد المذكور في إسناد هذا الحديث.
فيحتمل عندي أن يكون هو هذا، فإن كان كذلك فالحديث صحيح، وإلا فهو حسن.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(6/1102)
والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 /
251 - 252) : " رواه البزار، وفيه يحيى بن عثمان القرشي البصري ولم أعرفه،
روى عن أنس ن وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: ذكر ابن حبان في " الثقات "
يحيى بن عثمان القرشي، ولكنه ذكره في الطبقة الثالثة ". وأقول: هذه لخبطة
عجيبة - كما يقال في دمشق - من الهيثمي، فقد عرفت من إسناد الحديث أنه ليس فيه
يحيى بن عثمان، لأنه من رواية يحيى بن [عباد أبو عباد: حدثنا محمد بن]
عثمان [عن ثابت] عن أنس، كما تقدم. هكذا أورده هو نفسه في الموضع المشار
إليه من " كشف الأستار "، فلما نقل الحديث إلى " المجمع " سقط من بصره كل ما
حصرته بين الأقواس فنتج منه أن قام في ذهنه ما لا وجود له في الإسناد " يحيى بن
عثمان القرشي البصري "! وهذا أعجب ما مر بي من السقط من مثل هذا الحافظ!
وإن من تمام (اللخبطة!) وصفه ليحيى بن عثمان بـ " القرشي البصري "، فإن هذا
الوصف لم يذكر في إسناد البزار أو غيره، وإنما هو وصف " محمد بن عثمان بن
سيار القرشي البصري " الذي هو من طبقة محمد بن عثمان الواسطي كما ذكرته احتمالا
آنفا. فكأنه دار في ذهن الهيثمي هذا الاحتمال، فسجله في كتابه على أنه حقيقة
واقعة في هذا الإسناد، وهو خيال في خيال. وسبحان الله. ومن ذلك قوله بعد
أن صرح بأنه لم يعرفه: " قلت: ذكره ابن حبان في " الثقات ".. " إلخ، فإن
هذا لا يلتقي مع ما قبله. وأنا أظن أنه استدراك عليه من بعض العلماء - ولعله
ابن حجر - كتبه على الحاشية، فظن الطابع أنه من كلام الهيثمي فطبعه فيه غير
ملاحظ تدافعه مع(6/1103)
الذي قبله، وكذلك لم يلاحظ ذلك الشيخ الأعظمي في تعليقه على
هذا المكان من " الكشف "! (تنبيه) : قوله: " نحو الرجل "، الذي أفهمه من
هذه الكلمة أنه يعني قصده واتجاهه، أي إلى الخير والعبادة (أمره بالصلاة)
أي النافلة. وقد أشار إلى ذلك الهيثمي بإيراده الحديث في " باب في صلاة الليل
"، وخفي ذلك على بعض المعلقين والكاتبين، فجاء في حاشية " تاريخ بغداد ":
" كذا الأصل "! وقارب الصواب المعلق على " الحلية "، فقال: " كذا في
الأصلين، ولعله يريد قصد الرجل ". وكان أبعدهم عن الصواب مؤلف " موسوعة
أطراف الحديث النبوي "، فإنه طبعه في مكانين مختلفين (6 / 38) هكذا " بخور "
بباء ثم خاء! معزوا لأربعة مصادر مما تقدم: البخاري والحلية والمجمع
والخطيب، وهو فيها على الصواب! فحرفه هو إلى " بخور " مشعرا بأنه الصواب!!
ثم إنني لم أر الحديث في " مختصر زوائد البزار " للحافظ الذي طبع حديثا، ولا
في المصورة التي عندي، لنرى إذا ما استدرك شيئا على كلام شيخه الهيثمي المتقدم
، فلا أدري أهو مما فاته، أو أنه سقط من الناسخ أو الطابع.
2954 - " كان إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس ".
أخرجه أبو داود (4850) من طريق أبي داود الحضري: حدثنا سفيان الثوري عن سماك
بن حرب عن جابر بن سمرة قال: فذكره.(6/1104)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم
، وأبو داود الحضري اسمه عمر بن سعد. وقد تابعه أبو نعيم عن سفيان به، إلا
أنه لم يذكر التربع. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 249 / 1885)
. وأخرجه مسلم وغيره من طرق أخرى عن سماك بألفاظ وزيادات متعددة دون التربع
، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1171) ، وهذه " السلسلة " (434) .
وللتربع شاهد من حديث حنظلة بن حذيم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم،
فرأيته جالسا متربعا. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1179) ومن طريقه
المزي في " التهذيب " (7 / 435) والطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 15 /
3498) من طريق محمد بن أبي بكر قال: حدثنا محمد بن عثمان القرشي قال: حدثنا
ذيال بن عبيد بن حنظلة: حدثني جدي حنظلة بن حذيم. قلت: وهذا إسناد حسن
لذاته على الأقل لما عرفت في الحديث الذي قبله من حال محمد بن عثمان هذا،
وبقية رجاله ثقات.
2955 - " لا، لا، لا، الصدقة خمس، وإلا فعشر، وإلا فخمس عشرة، وإلا فعشرون،
وإلا فخمس وعشرون، وإلا فثلاثون، وإلا فخمس وثلاثون، فإن كثرت فأربعون
".
أخرجه أحمد (5 / 67 - 68) : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: حدثنا ذيال بن(6/1105)
عتبة ابن حنظلة قال: سمعت حنظلة بن حذيم (1) - جدي - أن جده حنيفة قال لحذيم:
اجمع لي بني فإني أريد أن أوصي، فجمعهم، فقال: إن أول ما أوصي أن ليتيمي هذا
الذي في حجري مائة من الإبل التي كنا نسميها في الجاهلية (المطيبة) . فقال
حذيم، يا أبت إني سمعت بنيك يقولون: إنما نقر بهذا عند (في المجمع: عين)
أبينا، فإذا مات رجعنا فيه! قال: فبيني وبينكم رسول الله صلى الله عليه
وسلم. فقال حذيم: رضينا. فارتفع حذيم وحنيفة، وحنظلة معهم غلام، وهو
رديف لحذيم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم سلموا عليه، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: " وما رفعك يا أبا حذيم؟ ". قال: هذا. وضرب بيده على
فخذ حذيم، فقال: إني خشيت أن يفجأني الكبر أو الموت، فأردت أن أوصي أن
ليتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل كنا نسميها في الجاهلية (المطيبة) ،
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأينا الغضب في وجهه، وكان قاعدا فجثا
على ركبتيه، وقال: (فذكر الحديث) قال: فودعوه، ومع اليتيم عصا، وهو
يضرب جملا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عظمت! هذه هراوة يتيم! ".
قال حنظلة: فدنا أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي بنين ذوي لحى
ودون ذلك، وإن ذا أصغرهم فادع الله له، فمسح رأسه وقال: " بارك الله فيك
، أو بورك فيك ".
_________
(1) الأصل هنا وفيما يأتي (جذيم) بالجيم، خطأ، والتصحيح من " المجمع "
و" التقريب " وكتب الرجال. اهـ.(6/1106)
قال ذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالإنسان الوارم وجهه، أو
البهيمة الوارمة الضرع فيتفل على يديه ويقول: بسم الله، ويضع يده على رأسه
، ويقول: على موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه عليه. قال ذيال:
فيذهب الورم. قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح، وقال الهيثمي (4 / 210 - 211)
: " رواه أحمد، ورجاله ثقات ". فأقول حنظلة صحابي صغير دعا له الرسول صلى
الله عليه وسلم كما ترى، وذيال وثقه ابن معين وابن حبان، وقول الأزدي: "
فيه نظر "، مما لا يجوز الالتفات إليه هنا على الأقل. وأبو سعيد مولى بني
هاشم اسمه عبد الرحمن بن عبد البصري، ثقة من رجال البخاري وقد تابعه محمد بن
عثمان: حدثنا ذيال بن عبيد به مع اختصار الطرف الأول من القصة. أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 15 / 3499 و 3500) . ورجاله ثقات أيضا
غير محمد بن عثمان وهو القرشي، وقد عرفت حاله مما سبق بيانه في الحديث الذي
قبله.
2956 - " من بات وفي يده غمر (1) ، فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ".
هو من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وله عنه طريقان:
_________
(1) في " القاموس ": " بالتحريك: زنخ اللحم ". اهـ.(6/1107)
أحدهما: من رواية
الليث عن محمد بن عمرو بن عطاء عنه. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1219
) والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 185 / 2 / 3407) من طريق محمد بن
فضيل عنه. وقال الطبراني: " لم يروه عن محمد بن عمرو إلا ليث، تفرد به محمد
". قلت: وهو ثقة، وكذلك سائر رواته غير ليث، وهو ابن أبي سليم الحمصي،
وهو ضعيف. والطريق الآخر: يرويه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
عن ابن عباس به. ويرويه عن الزهري جمع: الأول: سفيان بن عيينة. أخرجه
الطبراني في " الأوسط " (1 / 30 / 2 / 494 - بترقيمي) من طريق الزبير بن بكار
، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 348) من طريق أبي إسحاق عبد الوهاب بن
فليح المقرىء ومحمد بن ميمون الخياط، ثلاثتهم عن سفيان به. وقال الطبراني:
" لم يروه عن سفيان عن الزهري عن عبيد الله، إلا الزبير بن بكار "! كذا قال ّ
وطريقا أبي نعيم يبطلانه، وخفي ذلك على المنذري، فقال في " الترغيب " (3 /
130) : " رواه البزار والطبراني بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح، إلا الزبير
بن(6/1108)
بكار، وقد تفرد به كما قال الطبراني، ولا يضر تفرده، فإنه ثقة إمام ".
ونحوه في " المجمع " (5 / 30) ! قلت: فقد عرفت أنه قد توبع من ابن فليح،
وابن ميمون، وهما ثقتان أيضا، فالإسناد صحيح غاية.. وقد وهم المنذري في
إطلاقه العزو للطبراني، فإنه لم يروه إلا في " الأوسط "، وإليه عزاه الهيثمي
. الثاني: صالح بن أبي الأخضر عن الزهري به. أخرجه البزار (3 / 337 / 2886)
وقال: " قد اختلف فيه عن الزهري، فقال ابن عيينة: عن الزهري عن عبيد الله
مرسلا. وقال عقيل: عن الزهري عن عبيد الله عن أبي سعيد الخدري (الأصل: أبي
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) . وقال سفيان بن حسين: عن الزهري عن عروة عن
عائشة ". قلت: ومرسل عبيد الله لم أقف عليه (1) ، فإن صح السند به إليه
فيكون الصحيح عنه عن ابن عباس لرواية الثقات الثلاثة عنه، ومن الظاهر أن
البزار لم يصل ذلك إليه. وصالح بن أبي الأخضر ضعيف، يعتبر به إذا لم يخالف.
الثالث: عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " من
بات وفي يده ريح غمر، فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه ". علقه البزار كما
تقدم، ووصله الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 43 / 5435)
_________
(1) ثم رأيته في " شعب الإيمان " (5 / 70 / 5811) بسند صحيح عنه. اهـ.(6/1109)
والبيهقي (5
/ 70 / 5812) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني نافع بن يزيد عن عقيل به. قلت
: عبد الله بن صالح فيه ضعف معروف. فلا تحتمل مخالفته في الإسناد وفي المتن
أيضا، فإنه ذكر فيه " الريح " و " الوضح " وهو " البرص "، ومع ذلك قال
المنذري (3 / 130) وتبعه الهيثمي: " رواه الطبراني بإسناد حسن "! الرابع:
سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة به، إلا أنه قال: " ريح غمر ".
علقه البزار كما سبق، ووصله الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 168 - هندية)
من طريق عمر بن علي المقدمي عن سفيان بن حسين به. قلت: وهذه مخالفة واهية
لأمرين: أحدهما: أن سفيان بن حسين ضعفوه في روايته عن الزهري خاصة. والآخر
: أن عمر بن علي المقدمي كان يدلس تدليسا غريبا بحيث أنه لو صرح بالتحديث شك في
سماعه كما هو مبين في ترجمته من " التهذيب ". وحديث عائشة هذا من شرط الهيثمي
في " مجمعه "، ومع ذلك، فهو مما فاته، فلم يورده فيه. وجملة القول أن أصح
هذه الطرق: طريق ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس. والطريق
الأولى عنه شاهد لا بأس به. وله شاهد من حديث أبي هريرة في السنن وغيرها مثل
" الأدب المفرد " (1220) و " صحيح ابن حبان " (5496) وسنده صحيح على شرط
مسلم(6/1110)
كما قال الحافظ في " الفتح " (9 / 579) وقد خرجته قديما في " الروض
النضير " (823) تحت حديث عائشة. ثم وقفت له على طريقين آخرين: الأول:
يرويه أبو جعفر محمد بن جعفر المدني: حدثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن
أبي صالح عن أبي هريرة به. أخرجه الحاكم (4 / 137) وصححه، ووافقه الذهبي
. قلت: وإسناده جيد، ورجاله ثقات رجال مسلم غير منصور هذا، وهو صدوق.
والآخر: يرويه معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به. أخرجه
البيهقي (7 / 276) ، وفي " الشعب " (5 / 70 / 5813 و 5814) . قلت: وهذا
إسناد آخر للزهري صحيح.
2957 - " [وراءك] يا بني! إنه قد حدث أمر، فلا تدخل علي إلا بإذن. قاله لخادمه
أنس بن مالك ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (807) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 /
393) وأحمد (3 / 199 و 209) ومن طريقه الحافظ المزي في " تهذيب الكمال " (
11 / 239) والبيهقي في " الشعب " (6 / 164 - 165) من رواية جرير بن حازم عن
سلم العلوي عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فكنت أدخل عليه بغير إذن، فجئت ذات يوم فدخلت عليه، فقال: فذكره دون الزيادة
. لكن تابعه حماد بن زيد: حدثنا سلم العلوي.. بلفظ:(6/1111)
لما نزلت آية الحجاب
ذهبت أدخل كما كنت أدخل، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " وراءك يا بني!
". أخرجه أحمد (3 / 227 و 238) وأبو يعلى (4276) وعنه ابن السني (317)
، والطحاوي أيضا، وابن عدي في " الكامل " (3 / 329) . قلت: وإسناده ضعيف
، رجاله ثقات، غير سلم العلوي، فإنه ضعيف عند النسائي وغيره، وليس لتهمة
في صدقه، وإنما لقلة حديثه، فإنها لا تساعد على الحكم عليه بتوثيق أو تضعيف
كما أفصح عن ذلك ابن عدي في آخر ترجمته، ثم روى بسنده الصحيح عن ابن معين أنه
سئل عنه؟ فقال: " ثقة ". وقد خرجت له حديثا في " الضعيفة " (4255) ،
وإنما أوردت حديثه هذا هنا في " الصحيحة "، لأنه قد تبين لي أنه حفظه، بمجيئه
من غير طريقه. فقد روى أبو عوانة عن الجعد أبي عثمان عن أنس بن مالك قال: قال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بني! ". أخرجه مسلم (6 / 177)
وأبو داود (4964) والترمذي (2833) وابن أبي شيبة في " المصنف " (9 / 83 /
6608) وابن سعد في " الطبقات " (7 / 20) وأحمد (3 / 285) والبيهقي (10
/ 200) . وقد روى الجعد هذا عن أنس قصة بنائه صلى الله عليه وسلم، ونزول
آية الحجاب: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم..
) * الآية، وفي آخرها: " قال الجعد: قال أنس بن مالك: أنا أحدث الناس عهدا
بهذه الآيات، وحجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ".(6/1112)
أخرجه مسلم (4 / 151
) . قلت: فهذا مع ما قبله من حديث الجعد: " يا بني "، يشهد لحديث سلم العلوي
، ويبين أن (الحدث) الذي فيه إنما هو نزول آية الحجاب المصرح به في بعض
الطرق عن سلم كما تقدم، وأنه بهذه المناسبة قيل له: " لا تدخل إلا بإذن ".
ويؤكد ذلك ما جاء في رواية أخرى لمسلم (4 / 149) عن ثابت وغيره في هذه
القصة، قال: " فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقى الستر بيني
وبينه، ونزل الحجاب ". ثم وجدت له طريقا أخرى، يرويه صالح بن كيسان عن
الزهري عن أنس مختصرا بلفظ: أنا أول الناس علم بآية الحجاب، لما نزلت قال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تدخل على النساء ". فما مر علي يوم كان
أشد منه. (انظر الاستدراك 4) .
2958 - " كأني أنظر إلى موسى بن عمران منهبطا من ثنية هرشى ماشيا ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 27 / 3747) : أخبرنا المفضل (1) بن محمد
الجندي - بمكة - حدثنا علي بن زياد اللحجي (2) : حدثنا أبو قرة عن ابن جريج قال
: حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره.
_________
(1) و (2) الأصل " الفضل " و " اللخمي "، والتصحيح من كتب الرجال. اهـ.(6/1113)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، من ابن
جريج فصاعدا من رجال الشيخين. وأما أبو قرة - واسمه موسى بن طارق اليماني -
فهو ثقة من رجال النسائي. وعلي بن زياد اللحجي، وثقه ابن حبان (8 / 470)
وقال: " مستقيم الحديث ". وروى عنه جمع من الثقات كما في كتاب " تيسير
الانتفاع "، يسر الله لي إكماله بفضله وكرمه. والمفضل بن محمد الجندي، فهو
محدث مكة، وثقه الحافظ أبو علي النيسابوري كما في " سير أعلام النبلاء " (14
/ 258) . وللحديث شواهد بعضها في " صحيح مسلم " وابن خزيمة وابن حبان
والحاكم عن ابن عباس، وقد سبق تخريجها (2023) ، وإنما خرجته هنا من حديث
أبي هريرة لعزته.
2959 - " أنت سفينة ".
أخرجه الحاكم (3 / 606) وأحمد (5 / 220 و 221 و 222) والبزار (3 / 270 -
271) والروياني (ق 126 / 2) وابن عدي (3 / 401) والطبراني في " المعجم
الكبير " (7 / 96 - 97) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 369) وفي " المعرفة
" (1 / 300 / 2) من طرق عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: كنا [مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم] في سفر، قال: فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه،
ترسا أو سيفا، حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا، قال: فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: فذكره. وقال الحاكم:(6/1114)
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو
كما قالا أو قريبا منه، فإن سعيدا هذا فيه كلام يسير، لكنه قد توبع، فقال
شريك: عن عمران النخلي عن مولى لأم سلمة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه
وسلم في سفر، فانتهينا إلى واد، قال: فجعلت أعبر الناس أو أحملهم، قال:
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما كنت اليوم إلا سفينة، أو ما أنت
إلا سفينة ". قيل لشريك: هو سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها؟ هكذا هو في "
المسند " لم يقع فيه جواب شريك، وهو سؤال تقرير. أخرجه أحمد (5 / 221)
والروياني (128 / 1) . وشريك هو ابن عبد الله القاضي، وهو حسن الحديث في
الشواهد. وعمران النخلي، وثقه ابن حبان (5 / 223) وروى عنه أيضا ابنه
حماد بن عمران، وأبو نعيم كما في " الجرح " (3 / 1 / 300) ، وسمى أباه عبد
الله بن كيسان. وفي ذكره أبا نعيم في الرواة عنه وقفة عندي، لأن البخاري لم
يشاركه في هذا أولا، ثم هو إنما ذكره راويا عن ابنه حماد ثانيا. ووافقه ابن
أبي حاتم على هذا ثالثا. والله أعلم. (تنبيه) : (النخلي) نسبة إلى (
النخلة) ، ووقع في المسند: (البجلي) ، وفي " الروياني ": (النخعي) ،
والتصحيح من " تاريخ البخاري " و " جرح الرازي " و " أنساب السمعاني ". وما في
" المسند " كأنه خطأ قديم فقد وقع كذلك في " مجمع الزوائد " (9 / 366) وقال
عقب حديثه: " رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات ".(6/1115)
كذا قال: "
بإسنادين "، ولم يظهر لي صوابه. والله أعلم. والحديث رواه المزي في ترجمة
" سفينة " من " تهذيبه " (11 / 205 - 206) والذهبي في " سيره " (13 / 179)
، في ترجمة أبي قلابة الرقاشي بسنده عن سعيد بن جمهان به. وقال الذهبي: "
هذا حديث حسن من العوالي، بل هو أعلى ما وقع لأبي قلابة ". وأقول: بل هو
صحيح بمتابعة عمران النخلي لسعيد. والله سبحانه وتعالى أعلم.
2960 - " انزل عن القبر، لا تؤذ صاحب هذا القبر ".
أخرجه أحمد (ق 222 / 2 - أطراف " المسند ") وأبو نعيم في " معرفة الصحابة "
(2 / 81 / 1) وابن الأثير في " أسد الغابة " (3 / 712) وابن عساكر في "
التاريخ " (13 / 422) من طرق عن عبد الله بن وهب: حدثني عمرو بن الحارث عن
بكر ابن سوادة أن زياد بن نعيم حدثه أن عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله
صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات
رجال مسلم غير زياد - وهو ابن ربيعة بن نعيم الحضرمي - وهو ثقة بلا خلاف.
وتابعه ابن لهيعة عن بكر بن سوادة به. أخرجه أحمد، وأبو نعيم. لكن ابن لهيعة
فيه ضعف من قبل حفظه، وقد اضطرب في إسناده، فرواه مرة هكذا وفق الرواية
الصحيحة هذه، ومرة قال: عن بكر بن سوادة عن زياد بن(6/1116)
نعيم عن عمارة بن حزم
قال: فذكره، فقال: " عمارة " مكان " عمرو "، وزاد: " ولا يؤذيك ".
أخرجه أحمد (ق 212 / 1) وأبو نعيم (102 / 2) وابن منده في " المعرفة " (
2 / 75 / 1) والحاكم (3 / 590) ، وسكت عنه هو والذهبي، ولعل ذلك لحال
ابن لهيعة. وقال في موضع آخر: عن زياد بن نعيم أن ابن حزم - إما عمرو،
وإما عمارة - قال: فذكره. أخرجه أحمد. وثمة اختلاف آخر، بسند مخالف لكل ما
تقدم، فقال يحيى بن عبد الله بن بكير عنه عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم عن النضر بن عبد الله السلمي ثم الأنصاري عن عمرو بن حزم
قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: فذكره مع الزيادة.
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 296) . لكنه قد توبع على هذا الإسناد
من عمرو بن الحارث عن ابن أبي هلال عن أبي بكر بن حزم به مختصرا بلفظ: " لا
تقعدوا على القبور ". أخرجه ابن عساكر أيضا. وتابعه ابن وهب أيضا عن سعيد بن
أبي هلال به. أخرجه أحمد أيضا.(6/1117)
وتابعه خالد - وهو ابن يزيد المصري - عن ابن
أبي هلال به. أخرجه النسائي (1 / 287) وفي " الكبرى " (1 / 658) . قلت:
فهو بهذه المتابعات صحيح، لولا أن النضر هذا مجهول لا يعرف كما قال الذهبي،
وكذا العسقلاني في " التقريب "، وإن كان تعقبه في " التهذيب " بما لا طائل
تحته! لكن الحديث صحيح بالطريق الأولى، ومتنه أصرح في الدلالة على تحريم
الجلوس من هذا صراحة لا تقبل التأويل، بخلاف هذا، فقد تأوله الطحاوي وغيره
بالجلوس للغائط أو البول! وحكايته تغني عن الرد عليه، وهذا المتن يبطله،
وانظر " أحكام الجنائز " (ص 210) . (تنبيه) : يرى القراء الكرام أنني عزوت
الحديث لأحمد بواسطة " أطراف المسند " للحافظ ابن حجر العسقلاني، وهذا خلاف
ما جريت عليه دائما من العزو للمسند مباشرة مع ذكر الجزء والصفحة من الطبعة
القديمة، أو الرقم أحيانا من الطبعة الجديدة بتحقيق أحمد شاكر رحمه الله تعالى
، فقد يقول قائل: فما عدا عما بدا؟ والجواب: أن الحديث ليس في " المسند "
المطبوع بأي رواية من الروايات المنقولة عن " الأطراف "، مع أنه قد عزاه إليه
جمع من الحفاظ، منهم المجد ابن تيمية في " المنتقي "، والخطيب التبريزي في "
المشكاة " (1721) ، والحافظ في " الإصابة "، وفي " الفتح " أيضا (3 / 224
- 225) باللفظ، وقال: " إسناده صحيح "، وباللفظ الآخر أيضا الذي عند
النسائي، ولم يعزه إليه! ولذلك كنت علقت على " المشكاة " بقولي: " لم أجده
في " المسند "، بل أجزم أنه ليس فيه، فإن الهيثمي لم يورده في(6/1118)
" المجمع "،
وكذا المنذري في " الترغيب "، ثم الشيخ البنا في " الفتح الرباني "، بل إن
عمرو بن حزم ليس له في " مسند أحمد " شيء مطلقا. نعم أورد المنذري (4 / 190)
، ثم الهيثمي (3 / 61) نحوه من حديث عمارة بن حزم برواية الطبراني في "
الكبير "، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف ". قلت: وبهذا التتبع والتخريج
تبينت لي حقيقتان هامتان: الأولى: أن الحديث صحيح بمتابعة عمرو بن الحارث
لابن لهيعة. والأخرى: أن " مسند أحمد " المطبوع فيه خرم، بدليل عزو الحافظ
وغيره لهذا الحديث إليه، مما يجعلني أظن أن له رواية أخرى أوسع مادة من رواية
المطبوع، فيكون أمره من هذه الحيثية كأمر " مسند أبي يعلى " المطبوع، فإن له
رواية أخرى أوسع منه، وهي التي يعتمد عليها الحافظ في " المطالب العالية "
خلافا لشيخه الهيثمي، فإنه اقتصر على الرواية المختصرة كما نص عليه هو في
المقدمة. والله أعلم. (تنبيه ثان) : لقد ذكر الحافظ الحديث بلفظ النسائي:
(القعود) في ترجمة راويه نضر بن عبد الله السلمي من " التهذيب "، ثم قال:
" قلت: قرأت بخط الذهبي: " لا يعرف ". وهذا كلام مستروح، إذا لم يجد المزي
قد ذكر للرجل إلا راويا واحدا جعله مجهولا، وليس هذا بمطرد "! فأقول: هذه
قعقعة لا مفعول لها! لأنه يوهم أن له راويا آخر غير أبي بكر بن أبي حزم، فهو
غير مجهول، وليس كذلك، لأنه لم يذكر له غيره كما يأتي، غاية ما في الأمر
أنه اختلف عليه في اسمه، فقال بعضهم عنه: عبد الله بن النضر " فقلبه! ولذلك
لم يسع الحافظ حين اختصر ترجمته من " التهذيب " إلا أن يقول في " التقريب ": "
مجهول "!(6/1119)
وهذا هو الصواب. ولكن ليس هذا هو المقصود بالتنبيه هنا، وإنما
هو قوله عقب ما نقلته عنه آنفا: " لكن هذه الترجمة من حقها أن يعتنى بها،
فالظاهر أنها من قسم المقلوب، فإن الحديث رواه مالك عن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم عن عبد الله بن النضر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعض
رواة مالك: عن أبي النضر.. ". ويؤسفني أن أقول: (أسمع جعجعة ولا أرى
طحنا) ، فإن الحافظ رحمه الله لم يذكر في عنايته هذه ما يستفاد منه زيادة
تعريف بالنضر بن عبد الله ردا على تجهيل الذهبي إياه سوى أنه اختلف على مالك في
اسمه، فأي عناية في هذا؟! ولو أنه تنبه لما ذكرته فيما تقدم من اتفاق يزيد
بن أبي حبيب وسعيد بن أبي هلال - وهما ثقتان - على تسميته بالنضر بن عبد الله
في رواية أبي بكر بن حزم عنه، لأفاد أن هذا هو الراجح على اضطراب الرواة على
مالك في اسمه، وإلا فأي فائدة في حكاية الاضطراب دون ترجيح للصواب؟!
ولاسيما وهو في صدد الرد على الذهبي تجهيله إياه، وبخاصة أنه ختمها بقوله: "
قال ابن عبد البر: لا أعرف في رواة الموطأ مجهولا غيره "! والخلاصة أن
الحافظ - عفا الله عنا وعنه - لم يصنع شيئا في هذه العناية التي ادعاها سوى
أنه انتهى إلى أن النضر هذا مجهول، لتفرد أبي بكر بن حزم بالرواية عنه، وإن
اختلف الرواة عن مالك في اسمه. ومما يحسن ذكره أن ما ذكره من الاختلاف
استفاده من كتاب " التمهيد " للحافظ ابن عبد البر، وهو في المجلد (13 / 86 -
87) . هذا كله استطراد جرنا إليه ادعاء الحافظ المشار إليه، ورده على الذهبي
تجهيله للنضر الذي وافقه عليه، وإلا فالتنبيه الذي هو بيت القصيد - كما يقال
- إنما هو قوله المتقدم:(6/1120)
" فإن الحديث رواه مالك عن أبي بكر بن محمد بن عمرو
بن حزم.. " إلخ. لا يمكن أن يفهم منه إلا أنه عنى الحديث الذي كان ذكره قبل
سطور في ترجمة راويه النضر، وهو حديث القعود على القبر كما تقدمت الإشارة إلى
ذلك، وهذا لم يروه مالك البتة، وإنما روى بسنده الذي ذكره الحافظ عن أبي
النضر السلمي مرفوعا حديثا آخر بلفظ: " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من
الولد.. " الحديث. انظر " الموطأ " آخر " الجنائز " (1 / 235) وهو في "
صحيح مسلم " وغيره من حديث أبي هريرة ونحوه، وقد مضى برقم (2302) .
وتنبيه أخير: جاء في فهرس " المسند " لأخينا الفاضل حمدي السلفي (3 / 336) ما
نصه: " ... - لا تقعدوا على القبور. عن أبي مرثد (4 / 135 مرتين) ". فأقول
: الحديث في المكان المشار إليه بلفظ: " لا تجلسوا "، وليس له ذكر في "
المسند " المطبوع باللفظ الذي ذكره، كما تقدم التنبيه عليه. ثم قال في
التعليق: ".. وانظر التعليق على حديث: لا تؤذ صاحب القبر ". فطلبته في
محله فإذا هو تعليق على حديث آخر! وفيه يشير إلى خطأ من عزاه لمسند أحمد،
وينفي أن يكون فيه!! على نحو ما كنت ذكرت في " المشكاة "، وقد تجلت الحقيقة،
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.(6/1121)
2961 - " أوتر صلى الله عليه وسلم بخمس، وأوتر بسبع ".
أخرجه ابن نصر المروزي في " قيام الليل " (ص 121 - هند) : حدثنا إسحاق ومحمد
ابن بشار قالا: حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر.. وهكذا أخرجه ابن حبان في " صحيحه
" (4 / 71 / 2429) من طريق شيخه عبد الله بن محمد الأزدي: حدثنا إسحاق بن
إبراهيم: أخبرنا وهب بن جرير حدثنا سعيد عن هشام به. كذا وقع فيه " سعيد "
مكان " شعبة ". فلا أدري أهكذا وقعت الرواية له، أم هو تحريف من بعض النساخ،
كما يغلب على الظن، لأنهم لم يذكروا في ترجمته - وهو سعيد بن عبد الرحمن
الجمحي - أنه روى عنه جرير - وهو ابن حازم - وإنما ذكروه في الرواة عن شعبة.
وعلى هذا فالإسناد صحيح على شرط الشيخين. وأما على احتمال أنه سعيد بن عبد
الرحمن الجمحي، فهو إسناد حسن لأن الجمحي هذا وإن كان من رجال مسلم فقد تكلم
فيه من قبل حفظه، قال الحافظ: " صدوق له أوهام، وأفرط ابن حبان في تضعيفه "
. وللحديث شاهد من حديث أم سلمة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوتر بخمس أو سبع، لا يفصل بينهن بكلام، ولا بتسليم ". أخرجه عبد الرزاق في
" المصنف " (3 / 27 / 4668) عن الثوري عن منصور عن الحكم عن مقسم عنها.(6/1122)
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير مقسم، فهو من رجال البخاري، ولكنه لم
يسمع من أم سلمة، كما قال هو وغيره من الأئمة. لكن صح حديثها من حديث عائشة
من طريق آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عنها أتم منه، لكن ليس فيه: " أو سبع "
. وكذلك رواه مسلم (2 / 166) مختصرا. انظر " صلاة التراويح " (ص 104) .
(تنبيه) : علق محقق " الإحسان " طبع الرسالة (6 / 193) على قوله في إسناد
الحديث: " سعيد " بقوله: " كذا الأصل، ولم أتبينه، ويغلب على ظني أنه
محرف عن " شعبة ". ولم أجد الحديث بهذا السند عند غير المؤلف ". قلت: فقد
أوجدناكه - والفضل لله وحده -، وبه ترجح لدي صواب الظن الذي ذكره. والله
الموفق.
2962 - " كان يوتر بركعة، وكان يتكلم بين الركعتين والركعة ".
أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 291) : حدثنا شبابة بن سوار قال: حدثنا ابن أبي ذئب
عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد عزيز صحيح على شرط
الشيخين، وأصله في " صحيح مسلم " (2 / 165) من طريق أخرى عن الزهري به أتم
منه دون قوله: " وكان يتكلم.. ". وكذلك رواه ابن حبان (4 / 69 / 2422) ،
وغيره، وهو مخرج في(6/1123)
" صلاة التراويح " (ص 106) . وروى ابن حبان (4 / 66
و67 و 668) من طريق ابن أبي ذئب وغيره الطرف الأول منه. والحديث شاهد قوي
لما رواه نافع: أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر
حتى يأمر ببعض حاجته. أخرجه البخاري (991) .
2963 - " صلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني ".
أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (2 / 216 / 3118) وإسماعيل القاضي (18 / 45
) والبيهقي في " الشعب " (1 / 148 / 131) والخطيب في " التاريخ " (8 / 105
) وكذا أبو الحسن الهاشمي في " الفوائد المنتقاة " (ق 104 / 1) والديباجي
أيضا (2 / 81 / 1) وأبو القاسم الشهرزوري في " الأمالي " (ق 179 / 1)
وابن المظفر في " المنتقى من حديث هشام بن عمار " (4 / 2) وأبو إسحاق
الطرسوسي في " مشيخته " (35 - 36) ، وكذا علي بن حرب في " حديث ابن عيينة "
(2 / 100 / 2) من طرق عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة
مرفوعا. وقال الطرسوسي: " حديث غريب، وموسى ضعفوه، وشيخه محمد مجهول ".
قلت: تقدم الكلام على موسى وضعفه في ما سبق. وأما محمد بن ثابت هذا فلم
ينسب، وهو من رجال الترمذي وابن ماجه، وهو مجهول كما قال الطرسوسي تبعا
لابن معين وغيره، وتبعهم الذهبي(6/1124)
والعسقلاني، ولذلك لما عزاه في " الفتح "
(11 / 169) لإسماعيل القاضي جزم بضعف سنده. والحديث أورده الحافظ في "
المطالب العالية " (3 / 225) من رواية ابن أبي عمر، وسكت عنه، وأعله
البوصيري بضعف موسى بن عبيدة. وله شاهد واه من رواية الحسن بن علي المعروف بـ
(الطوابيقي) : حدثنا علي بن أحمد البصري - جار حميد الطويل - قال: حدثنا
حميد الطويل عن أنس بن مالك مرفوعا. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (7 / 380 -
381) في ترجمة الطوابيقي هذا، وقال: " حدث عن علي بن أحمد البصري شيخ له
مجهول. روى عنه يوسف القواس ". ثم ساق له هذا الحديث ولم يزد، وذلك يعني
أنه مجهول أيضا، وهو مما يستدرك على " الميزان " و " اللسان "، وكذلك شيخه
! وله شاهد آخر بمعناه في قصة، يرويه محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل بن
حجر قال: حدثني سعيد بن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أمه عن وائل بن حجر قال
: بلغنا ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ملك عظيم وطائفة، فنهضت
راغبا في الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورفضت ما كنت فيه حتى قدمت
المدينة.. الحديث، وفيه القصة. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (4 / 59 /
1610) في ترجمة محمد بن حجر هذا، وروي عن البخاري أنه قال:(6/1125)
" فيه بعض النظر
" (1) . ثم ساق له هذا الحديث، وقال: " لا يعرف إلا به ". وقد رواه
الطبراني من هذا الوجه في " المعجم الكبير " (22 / 46 - 49) وأيضا في "
المعجم الصغير " (رقم 895 - الروض) أخرجه مطولا جدا، وليس فيه موضع الشاهد
، وروى البزار في " مسنده " (3 / 277 - الكشف) طرفا منه، وفيه: " فرفع
صلى الله عليه وسلم يديه فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبيين، واجتمع
الناس إليه.. " الحديث. وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 373) : " رواه
البزار، وفيه محمد بن حجر، وهو ضعيف ". وكذا قال (9 / 376) في رواية
المعجمين الطويلة جدا: " وفيه محمد بن حجر، وهو ضعيف ". ثم وقفت على طريق
أخرى للحديث عن أنس هي خير من طريق الخطيب، رواه إبراهيم بن أيوب قال: حدثنا
النعمان عن أبي العوام عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين، فإنما أنا رسول من المرسلين ". أخرجه أبو
الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (1 / 167) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (
2 / 335) من طريقين عن إبراهيم بن أيوب به.
_________
(1) كذا فيه، وفي " تاريخ البخاري (1 / 1 / 69) : " فيه نظر " دون لفظ
" بعض ". اهـ.(6/1126)